الكتاب: اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ) المحقق: المرتضي الزين أحمد الناشر: مكتبة الرشد - الرياض الطبعة: الأولى، 1999م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر المناوي الكتاب: اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ) المحقق: المرتضي الزين أحمد الناشر: مكتبة الرشد - الرياض الطبعة: الأولى، 1999م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (باسمه تقدس أستفتح ... وَبِه أستعين وأستنجح) الْحَمد لله الَّذِي جعل أهل الحَدِيث فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم نخبة خلقه، وحباهم بالإجلال والتعظيم، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة تنجي قَائِلهَا من نَار الْجَحِيم، (وتوجب لَهُ الْفَوْز بجنات النَّعيم) . وَأشْهد أَن مَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، الْمَبْعُوث بِالدّينِ القويم، والصراط الْمُسْتَقيم، (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وعَلى آله وَصَحبه المخصوصين بالفيض العميم، وَبعد. فَيَقُول العَبْد الحقير والقائم على قدم الْقُصُور وَالتَّقْصِير، مُحَمَّد الْمَدْعُو، عبد الرؤوف ابْن الْمَنَاوِيّ، (الْحداد كَفاهُ الله الْمُنَادِي والمعادي) الشَّافِعِي - غفر الله تَعَالَى ذنُوبه، وَستر عيوبه - قد كنت سُئِلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 مرَارًا وكراراً فِي وضع شرح النخبة فِي عُلُوم الحَدِيث، لعالم هَذَا الْفَنّ وإمامه، وجهبذه وواسطة عقد نظامه، شيخ الْإِسْلَام، قَاضِي الْقُضَاة، خَاتِمَة الْحفاظ أبي الْفضل أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي - طيب الله ثراه، وَجعل الْجنَّة متقلبه ومئواه - فأجبت إِلَى ذَلِك (بعد التسويف وإهابه السلوك فِي هَذِه المسالك) . شرعت فِيهِ (بعد الإلحاح) مَعَ قل البضاعة، وَقصر الباع فِي هَذِه الصِّنَاعَة، فسودت أَكْثَره ثمَّ حَال دون إِتْمَامه وتبييضه أَنِّي رميت بخطوب سقتني من الهموم عقارا، ومصائب لم أجد لي مَعهَا عَن تمني الْمَوْت اصطبارا / كَيفَ لَا وَقد أَصبَحت القريحة قريحة، والجوارح جريحة، والحواس الْعشْرَة عليلة غير صَحِيحَة، قد رماني بِالسَّهْمِ زماني، حَتَّى أحجمت النَّفس عَن الْأَمَانِي، وَللَّه در الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الطغرائي (حَيْثُ يَقُول) : (هَذَا جَزَاء امرء أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الْأَجَل) نعم، وَثَمَرَة الْفُؤَاد قد فقدت، ونار الْحزن فِي الْجنان قد اشتعلت واتقدت، والخاطر منكسر، والدمع منهمر، وصرت كمعتوه، أَو من بِهِ طيف من متقطع جُنُون، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. (خلا الرّبع من سلمى وَهَا (تيك) دارها ... وأظلم لما أَن تَوَارَتْ بدورها) (وأقوت عقيب الراحلين قصورهم ... وَقد عمرت بالنازلين قبورها) (فيا صَاحِبي مَاذَا انتظاري بعدهمْ ... وَلَا شكّ أَنا قريب نزورها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَهَذِه نفثة مصدور، فليسدل الْوَاقِف عَلَيْهَا الستور. وَمَعَ اتصافي بِهَذَا الْحَال، قد ألح عليّ بعض أهل الْكَمَال فِي الْإِكْمَال، فبيضت مَا كنت سودته، وأبرزت مَا عَن النَّاس كتمته، ضاماً إِلَيْهِ مَا لأسلافنا وَآبَائِنَا - رَحِمهم الله تَعَالَى - من الْكَلَام على هَذَا الْكتاب، وَالله تَعَالَى هُوَ الملهم للصَّوَاب، وسميته: اليواقيت والدرر فِي شرح شرح نخبة ابْن حجر، وَمن الله أَسْتَمدّ التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى أقوم طَرِيق، (لَا معبود سواهُ، وَلَا ملْجأ لي إِلَّا إِيَّاه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 تَرْجَمَة الْحَافِظ ابْن حجر وَقد رَأَيْت أَن أورد تَرْجَمَة الْمُؤلف / - رَحمَه الله تَعَالَى - ليعلم جلالته تَفْصِيلًا من علمهَا إِجْمَالا فَأَقُول: اسْمه وَنسبه ومذهبه وكنيته وَالثنَاء عَلَيْهِ هُوَ أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الأَصْل الْمصْرِيّ المنشأ الشَّافِعِي (الْمَذْهَب) شيخ الْإِسْلَام، شهَاب الدّين أَبُو الْفضل ابْن حجر. فريد زَمَانه حَامِل لِوَاء السّنة فِي أَوَانه، ذهبي عصره ونضاره وجوهره الَّذِي ثَبت بِهِ على كثير من الْأَعْصَار افتخاره، إِمَام هَذَا الْفَنّ للمقتدين ومقدم عَسَاكِر الْمُحدثين، مرجع النَّاس فِي التَّضْعِيف والتصحيح، وَأعظم الشُّهُود والحكام فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، قضى لَهُ كل حَاكم بارتقائه فِي علم الحَدِيث إِلَى أَعلَى الدرج، حَتَّى قيل: حدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَأعظم بتصانيفه فِيهِ الَّتِي مَا شبهت إِلَّا بالكنوز والمطالب فَمن ثمَّ قيض لَهَا مَوَانِع تحول بَينهَا وَبَين كل طَالب. زين الله بِهِ فِي هَذَا الزَّمَان الْأَخير وَأَحْيَا بِهِ، وَشَيْخه الْحَافِظ الزين الْعِرَاقِيّ سنة الْإِمْلَاء بعد انْقِطَاعه من زمن كثير. طلبه للْعلم ومشايخه والعلوم الَّتِي برع فِيهَا كَانَ أَبوهُ بارعاً فِي الْفِقْه والعربية وَالْأَدب ذَا نظم ونثر، (واجتهاد فَبلغ الإرب) ، وَمَات وَتَركه طفْلا. فَلَمَّا (شب) ترعرع، وَحفظ القرءان و " الْحَاوِي "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 " والعمدة " و " مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب "، و " الملحة " وَغَيرهَا. واعتنى بالأدب وَالنّظم والنثر حَتَّى برع ونظم كثيرا فأجاد وَهُوَ ثامن السَّبْعَة الشهب الشُّعَرَاء. ثمَّ أقبل على الحَدِيث / سَمَاعا وَكِتَابَة وتخريجاً وتعليقاً وتأليفاً. ولازم الْحَافِظ الزين الْعِرَاقِيّ حَتَّى تخرج بِهِ وَرَأس فِي حَيَاته وتفقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 على السراجين: البُلْقِينِيّ وَابْن الملقن والبرهان الأبناسي. وَأخذ الْأُصُول والعربية عَن الْعِزّ بن جمَاعَة، واللغة عَن صَاحب الْقَامُوس. رحلاته ورحل إِلَى الْحجاز، وَالشَّام واليمن. المناصب الَّتِي تقلدها وَولى مدارس كَثِيرَة: كالشيخونية وجامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 القلعة والبيبرسية والجماليه، والصلاحية والحسينية والمنصورية والزينية وجامع طولون، والمحمودية والخروبية والشريفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 والفخرية والصالحية النجمية والمؤيدية. وَقَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية وَكَانَ قبل ذَلِك نَائِبا عَن الْجلَال البُلْقِينِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 مؤلفاته ثمَّ تصدى للتصنيف فزادت مؤلفاته على مائَة وَخمسين وأعماله أَضْعَاف مَا عمل الْجلَال السُّيُوطِيّ، (فَإِن الْجلَال) وَإِن كَانَت تصانيفه أَكثر عددا فاكثرها صغَار، والمؤلف تصانيفه أَكْثَرهَا كبار، وَمن تصانيفه: (1) فتح الْبَارِي بشرح البُخَارِيّ، (وَلما تمّ عمل لختمه وَلِيمَة صرف فِيهَا نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار وَبيع مِنْهُ نُسْخَة بثلاثمائة دِينَار) . (2) و (3) - وَآخر يُسمى هدي الساري - وَهُوَ أكبر مِنْهُ - وَاخْتَصَرَهُ وَلم يتما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 (4) و (5) و (6) وتغليق التَّعْلِيق ومختصره يُسمى بالتشريق (إِلَى وصل المهم من التَّعْلِيق) ، ومختصر الْمُخْتَصر يُسمى التَّوْفِيق. (7) وتقريب الْغَرِيب فِي غَرِيب البُخَارِيّ. (8) والاحتفال بِبَيَان أَحْوَال الرِّجَال (الْمَذْكُورين فِي البُخَارِيّ) زِيَادَة على مَا فِي تَهْذِيب الْكَمَال. (9) (وثقات الرِّجَال بِمَا لَيْسَ فِي تَهْذِيب الْكَمَال) . (10) وَشرح التِّرْمِذِيّ - وَلم يتم -. / (11) واللباب فِي شرح قَول التِّرْمِذِيّ وَفِي الْبَاب - وَلم يتم - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 (12) وإتحاف المهرة بأطراف الْعشْرَة: الْمُوَطَّأ ومسند الشَّافِعِي وَأحمد وصحيح ابْن خُزَيْمَة والدارمي وَابْن حبَان وَأبي عوَانَة ومنتقى ابْن الْجَارُود ومستدرك الْحَاكِم، وَشرح مَعَاني الْآثَار للطحاوي، وَسنَن الدَّارَقُطْنِيّ. (13) وأطراف الْمسند المعتلي بأطراف الْمسند الْحَنْبَلِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 (14) وتهذيب التَّهْذِيب. (15) ومختصره الْمُسَمّى تقريب التَّهْذِيب. (16) وطبقات الْحفاظ. (17) وَالْكَاف الشاف فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْكَشَّاف. (18) (والاستدراك عَلَيْهِ - لم يتم - (19) والواف بآثار الْكَشَّاف) . (20) وَنصب (الرَّايَة) فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْهِدَايَة. (21) وهداية الروَاة إِلَى تَخْرِيج المصابيح والمشكاة. (22) والإعجاب بِبَيَان الْأَنْسَاب. (23) وَتَخْرِيج أَحَادِيث الْأَذْكَار فِي أَرْبَعَة أسفار كبار. (24) وَتَخْرِيج أَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب. (25) والتمييز فِي تَخْرِيج أَحَادِيث شرح الْوَجِيز. (26) والإصابة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 (27) وتسديد الْقوس فِي إطراف مُسْند الفردوس. (28) وزهر الفردوس. (29) والإحكام لبَيَان مَا فِي القرءان من الْإِبْهَام. (30) والنخبة. (31) وَشَرحهَا. (32) والإيضاح بنكت ابْن الصّلاح. (33) والاستدراك على نكت ابْن الصّلاح لشيخه الْعِرَاقِيّ ثمَّ لم يتم. (34) ولسان الْمِيزَان. (35) وتحرير الْمِيزَان. (36) وتبصير المنتبه / بتحرير المشتبه. (37) والإيناس بمناقب الْعَبَّاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 (38) وتقريب الْمنْهَج بترتيب المدرج. (39) والافتتان فِي رِوَايَة الأقران. (40) والمقترب فِي رِوَايَة المضطرب. (41) وشفاء الغلل فِي بَيَان الْعِلَل. (42) والزهر المطلول فِي الْخَبَر الْمَعْلُول. (43) والتفريج على التدبيج. (44) ونزهة الْأَلْبَاب فِي الألقاب. (45) ونزهة السامعين فِي رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين. (46) ونزهة النواظر الْمَجْمُوعَة فِي الهوادر المسموعة. (47) وَالْمَجْمُوع الْعَام فِي آدَاب الشَّرَاب وَالطَّعَام وَدخُول الْحمام. (48) وَالْخَبَر الثبت فِي صِيَام السبت. (49) وَتبين الْعجب فِيمَا ورد فِي صَوْم رَجَب. (50) وزوائد الْأَدَب الْمُفْرد للْبُخَارِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 (51) وزوائد مُسْند الْحَارِث على السِّتَّة ومسند أَحْمد. (52) والبسيط المبثوث بِخَبَر البرغوث. (53) وكشف السّتْر بركعتي الْوتر. (54) وردع المجرم فِي الذب عَن عرض الْمُسلم. (55) وأطراف الْأَحَادِيث المختارة للضياء الْمَقْدِسِي. (56) وتعريف الفئة بِمن عَاشَ بِهَذِهِ الْأمة مائَة. (57) وَإِقَامَة الدَّلَائِل على معرفَة الْأَوَائِل. (58) وترتيب المبهمات على الْأَبْوَاب. (59) وأطراف الصَّحِيحَيْنِ على الْأَبْوَاب مَعَ المسانيد. (60) والتذكرة الحديثية عشرَة أَجزَاء. (61) التَّذْكِرَة الأدبية فِي أَرْبَعِينَ جُزْءا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 (62) والخصال المكفرة فِي الذُّنُوب الْمُقدمَة والمؤخرة. (63) وَتَخْرِيج الْأَحَادِيث المنقطعة / فِي السّير الهشامية. (64) وَالشَّمْس المنيرة فِي تَعْرِيف الْكَبِيرَة. (65) والمنحة فِيمَا علق الشَّافِعِي القَوْل بِهِ على الصِّحَّة. (66) وتوالي التأنيس بمعالي ابْن إِدْرِيس. (67) وتحفة المستريض المتمحص. (68) وفهرس الرِّوَايَات. (69) وَعلم الوشي فِيمَن رُوِيَ عَن أَبِيه عَن جده. (70) والأنوار بخصائص الْمُخْتَار. (71) والآيات النيرات بخوارق المعجزات. (72) وَالْقَوْل المسدد فِي الذب عَن مُسْند أَحْمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 (73) وتعريف أولى التَّقْدِيس بمراتب الْمَوْصُوف بالتدليس. (74) والمطالب الْعَالِيَة فِي زَوَائِد المسانيد الثَّمَانِية. (75) وأنباء الْغمر بأنباء الْعُمر. (76) والدرة الكامنة فِي أَعْيَان الْمِائَة الثَّامِنَة. (77) ونزهة الْقُلُوب فِي معرفَة الْمُبدل والمقلوب. (78) ومزيد النَّفْع بِمَعْرِِفَة مَا رجح فِيهِ الْوَقْف على الرّفْع. (79) وَبَيَان الْفَصْل بِمَا رجح فِيهِ الْإِرْسَال على الْوَصْل. (80) وتقويم السناد بمدرج الْإِسْنَاد. (81) وتعجيل الْمَنْفَعَة بِرِجَال الْأَرْبَعَة. (82) وَالرَّحْمَة الغيثية بالترجمة الليثية. (83) والإعلام بِمن ولي مصر فِي الْإِسْلَام. ((84) وَرفع الإصر عَن قُضَاة مصر. (85) انتفاض الِاعْتِرَاض - مُجَلد - أجَاب فِيهِ عَن اعْتِرَاض الْعَيْنِيّ عَلَيْهِ فِي شرح البُخَارِيّ. (86) (وحواشي على طَبَقَات السُّبْكِيّ.) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 (87) وبلوغ المرام فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام. (88) وقوت الْحجَّاج فِي عُمُوم الْمَغْفِرَة للحجاج. (89) والخصال الموصلة للظلال. (90) والإعلام بِمن سمي مُحَمَّدًا قبل الْإِسْلَام. (91) وَقُوَّة الْحِيَل فِي الْكَلَام على الْخَيل /. (92) والإيثار بِرِجَال الْآثَار لمُحَمد بن الْحسن. (93) وبذل الماعون فِي فضل الطَّاعُون. (94) والمنتخب من زَوَائِد الْبَزَّار على الْكتب السِّتَّة ومسند أَحْمد. (95) (والاستنثار على الأعن المعتار) . (96) وَأَسْبَاب النُّزُول. (97) ومعجم شُيُوخه. (98) (وَالْمجْمَع المؤسس فِي المعجم المفهرس) . (99) وفهرست مروياته. (100) وَالْبناء الأبنة فِي بِنَاء الْكَعْبَة. (101) ونزهة النواظر إِلَى مَجْمُوعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 (102) وإفراد مُسلم على البُخَارِيّ. (103) وزيادات بعض الْمُوَطَّأ على بعض. (104) وطرق حَدِيث صَلَاة التَّسْبِيح. (105) وطرق حَدِيث: لَو أَن نَهرا بِبَاب أحدكُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 (106) وطرق حَدِيث: من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط. (107) وطرق حَدِيث جَابر فِي الْبَعِير. (108) وطرق حَدِيث: نضر الله امْرَءًا. (109) الإنارة بطرق حَدِيث غب الزِّيَارَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 (110) وطرق حَدِيث الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة من رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر خَاصَّة. (111) وطرق حَدِيث: تعلمُوا الْفَرَائِض. (112) وطرق حَدِيث: المجامع فِي رَمَضَان. (113) وطرق حَدِيث: (الْقُضَاة) ثَلَاثَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 (114) وطرق حَدِيث: مِمَّن بنى لله مَسْجِدا. (115) وطرق حَدِيث المغفر. (116) وطرق حَدِيث: الْأَئِمَّة من قُرَيْش يُسمى: لَذَّة الْعَيْش. (117) وطرق حَدِيث: مِمَّن كذب عَليّ مُتَعَمدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 (118) وطرق حَدِيث: يَا عبد الرَّحْمَن لَا تسْأَل الْإِمَارَة. (119) وطرق حَدِيث: الصَّادِق المصدوق. (120) وطرق حَدِيث: قبض الْعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 (121) وطرق حَدِيث: الْمسْح على الْخُفَّيْنِ. (122) وطرق حَدِيث: مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ. (123) وطرق حَدِيث: احْتج آدم ومُوسَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 (124) وطرق / حَدِيث: أولى النَّاس بِي. (125) وطرق حَدِيث: مثل أمتِي مثل الْمَطَر. (126) والنكت على نكت الْعُمْدَة للزركشي. (127) وَالْكَلَام على حَدِيث: إِن امْرَأَتي لَا ترد يَد لامس. (128) والمهمل من شُيُوخ البُخَارِيّ. (129) والأصلح فِي إِمَامَة غير الْأَفْصَح. (130) والبحث عَن أَحْوَال الْبَعْث. (131) وتلخيص التَّصْحِيف للدارقطني. (132) وترتيب الْعِلَل على الْأَنْوَاع. (133) ومختصر تلبيس إِبْلِيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 (134) وَالْجَوَاب الْجَلِيل الْوَقْعَة فِيمَا يرد على الْحُسَيْنِي وَأبي زرْعَة. (135) والنكت الظراف على الْأَطْرَاف للمزي. (136) وَالِاعْتِرَاف بأوهام الْأَطْرَاف. (137) والإمتاع بالأربعين المتباين بِشَرْط السماع. (138) وَالْأَرْبَعُونَ المهذبة بالأحاديث الملقبة. (139) وَبَيَان مَا أخرجه البُخَارِيّ عَالِيا عَن شيخ أخرج ذَلِك الحَدِيث أحد الْأَئِمَّة عَن وَاحِد عَنهُ. (140) ومناسك الْحَج. (141) وَشرح مَنَاسِك الْمِنْهَاج للنووي - لم يتم. (142) (والا ... ... ... فِي فَضَائِل القرءان) . (143) وعشاريات الصَّحَابَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 (144) وَالْفضل الأحمد فِي كنية أبي الْفضل واسْمه أَحْمد. (145) والإجزاء بأطراف الْأَجْزَاء على المسانيد. (146) والفوائد الْمَجْمُوعَة بأطراف الْأَجْزَاء المسموعة، على الْأَبْوَاب مَعَ المسانيد. المصنفات الَّتِي لم يكملها وَكتب مِنْهَا الْيَسِير: - وَمِمَّا شرع فِيهِ وَكتب مِنْهُ الْيَسِير: (147) حَوَاشِي الرَّوْضَة. (148) والمقرر فِي شرح الْمُحَرر. (149) والنكت على شرح ألفية الْعِرَاقِيّ. (150) (وَشرح التِّرْمِذِيّ. (151) وَرِجَال الْمسند) . (152) ونكت على شرح مُسلم للنووي. (153) ونكت على شرح الْمُهَذّب. (154) ونكت على تَنْقِيح الزَّرْكَشِيّ. (155) ونكت على شرح / الْعُمْدَة لِابْنِ الملقن. (156) ونكت على جمع الْجَوَامِع سَمَّاهَا التَّعْلِيق النافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 (157) وَتَخْرِيج أَحَادِيث شرح التَّنْبِيه للزنكلوني. (158) وَتَعْلِيق على مُسْتَدْرك الْحَاكِم. (159) وَتَعْلِيق على مَوْضُوعَات ابْن الْجَوْزِيّ. (160) ونظم وفيات الْمُحدثين. (161) (وَتَصْحِيح الرَّوْضَة كتب مِنْهُم مجلداً إِلَى بَاب الصَّلَاة) (162) وَالْجَامِع الْكَبِير فِي سنَن البشير النذير. (163) وَشرح ألفية السِّيرَة للعراقي. (164) وَالْمَسْأَلَة (السريجية) . (165) والمؤتمن فِي جمع السّنَن - (مَحْذُوف الْأَسَانِيد) . (166) وزوائد الْكتب الْأَرْبَعَة مِمَّا هُوَ صَحِيح. (167) وَتَخْرِيج أَحَادِيث مُخْتَصر الْكِفَايَة. (168) والاستدراك على تَخْرِيج أَحَادِيث الْإِحْيَاء للعراقي. المصنفات الَّتِي رتبها وَمِمَّا رتبه: (169) تَرْتِيب الْمُتَّفق والمفترق للخطيب. (170) وترتيب سَنَد الطَّيَالِسِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 (171) وترتيب غرائب شُعْبَة لِابْنِ مَنْدَه. (172) وترتيب مُسْند عبد بن حميد. (173) وترتيب فَوَائِد سمويه. (174) وترتيب فَوَائِد تَمام. مصنفات أُخْرَى مُخْتَلفَة وَمِمَّا خرجه: (175) الْمِائَة العشارية من حَدِيث الْبُرْهَان الشَّامي. (176) وَالْأَرْبَعُونَ المتباينة. (177) والعشارية من حَدِيث الْعِرَاقِيّ. (178) والمعجم الْكَبِير للسامي. (179) ومشيخة ابْن أبي الْمجد الَّذين تفرد بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 (180) ومشيخة ابْن الكويك الَّذين أَجَازُوا لَهُ. (181) وَالْأَرْبَعُونَ الْعَالِيَة لمُسلم على البُخَارِيّ. (182) وضياء الْأَنَام لعوالي البُلْقِينِيّ شيخ الْإِسْلَام. (183) وَالْأَرْبَعُونَ المختارة عَن شُيُوخ الْإِجَازَة للمراغي. (184) ومشيخة القباني وَفَاطِمَة. / (185) وبغي الرَّاوِي بأبدال البُخَارِيّ. (186) والأبدال العوالي ... ... ... ... ... ... ... (187) والإفراد الحسان من مُسْند الدَّارمِيّ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن. (188) وثنائيات الْمُوَطَّأ. (189) وخماسيات الدَّارَقُطْنِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 (190) والأبدال المصفيات من السقفيات. (191) والأبدال العليات من الخلعيات. (192) وتلخيص مغازي الْوَاقِدِيّ. (193) وتلخيص الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة لِابْنِ كثير. (194) وتلخيص الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ. (195) (وتلخيص التَّصْحِيف للدارقطني) . (196) وتلخيص التَّرْغِيب والترهيب لِلْمُنْذِرِيِّ. (197) وَتَجْرِيد الوافي للصفدي. (198) والأجوبة المشرقة عَن الْمسَائِل المفرقة. (199) وَعجب الدَّهْر فِي فتاوي شهر. (200) وديوان الشّعْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 (201) ومختصر يُسمى ضوء الشهَاب. (202) ومختصر مِنْهُ يُسمى السَّبْعَة السيارة. (203) وديوان الْخطب الأزهرية. (204) وديوان الْخطب القلعية. (205) ومختصر الْعرُوض. (206) والأمالي الحديثية وعدتها أَكثر من ألف مجْلِس وَقد نظم قبل مَوته فِيهَا أبياتاً فَقَالَ: (يَقُول راجي إِلَه الْخلق أَحْمد من ... أمْلى حَدِيث نَبِي الْحق مُتَّصِلا) (تدنوا من الْألف إِن عدت مجالسه ... تَخْرِيج إِذْ كَانَ رب قد دنا وَعلا) (دنا برحمته لِلْخلقِ يرزقهم ... كَمَا علا عَن ممات الحادثات علا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (فِي مُدَّة نَحْو كح قد مَضَت هملاً ... ولي من الْعُمر فِي ذَا الْيَوْم قد كملا /) (سِتا وَسبعين عَاما رحت أحسبها ... من سرعَة السّير سَاعَات فيا خجلا) (إِذا رَأَيْت الْخَطَايَا أوبقت عَمَلي ... فِي موقف الْحَشْر لَوْلَا أَن لي أملا) (تَوْحِيد رَبِّي يَقِينا والرجاء لَهُ ... وخدمتي ولإكثار الصَّلَاة على) (مُحَمَّد فِي صباحي والمسا وَفِي ... حظي ونطقي عساها تمحق الزللا) (فأقرب النَّاس مِنْهُ فِي قِيَامَته ... من بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَانَ مشتغلاً) (يَا رب حقق رجائي وَالَّذِي سمعُوا ... مني جَمِيعًا بِعَفْو مِنْك قد شملا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَلما عزل بالقاياتي سلم كل مِنْهُمَا على الآخر وَأنْشد ابْن حجر: (عِنْدِي حَدِيث ظريف ... بِمثلِهِ يتَغَنَّى) (من قاضيين يعزى ... هَذَا وَهَذَا يهنى) (فَذا يَقُول أكرموني ... وَذَا يَقُول اسْتَرَحْنَا) (ويكذبان جَمِيعًا ... فَمن يصدق منا) وَقَالَ عِنْد موت الْجلَال البُلْقِينِيّ: (مَاتَ جلال الدّين قَالُوا ابْنه ... يخلفه أَو فالأخ الْكَاشِح) (فَقلت تَاج الدّين لَا لَائِق ... بِمنْصب الحكم وَلَا صَالح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 قَالَ: فَكَانَ كَمَا قلت فَإِنَّهُ ولي وَظهر مِنْهُ من التهور والإقدام على مَا لَا يَلِيق، وَتَنَاول المَاء من أَي جِهَة حَلَالا وحراماً مِمَّا كَانَ يظنّ بِهِ وَلَا ألف النَّاس نَظِيره مِمَّن كَانَ قبله / مِمَّن ولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة فِي الدولة التركية فَكتب البُلْقِينِيّ عَليّ الْهَامِش بِخَطِّهِ: (أَخْطَأت يَا كَاذِب فِي قَوْله ... بل صَالح أهل لَهُ صَالح) وَلَقَد - وَالله - لقد اخْتلف فِيمَا قَالَه أَنه كم قلت ... ... إِلَى آخر قَوْله فَالله يعامله بعدله. انْتهى. وَكَانَ بَينه وَبَين الْجلَال البُلْقِينِيّ مَوَدَّة فَلذَلِك أنابه عَنهُ فِي الْقَضَاء، وَلما مَاتَ أَسف عَلَيْهِ، وَحكي أَنه لما وضع على المغتسل سمع قَائِل يَقُول - وَلم ير شخصه: (يَا دهر بِعْ رتب العلى من بعده ... بيع الْهَوَاء إِن ربحت أم لم تربح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 (قدم وَأخر من أردْت من الورى ... مَاتَ الَّذِي قد كنت مِنْهُ تَسْتَحي) وَكَانَ بَينه وَبَين الْعلم البُلْقِينِيّ مناقش بِسَبَب الْقَضَاء فَإِن كلا مِنْهُمَا عزل بِالْآخرِ وَإِن زَيْنَب بنت صَالح بن مظفر بنت عَم شَيخنَا البُلْقِينِيّ أم وَلَده صَالح تزَوجهَا الشَّيْخ فأولدها صَالحا، ثمَّ قدمت عَلَيْهِ أُخْته من بلقينه فَذكرت لَهُ أَنَّهَا أرضعتها فبحث الشَّيْخ عَن ذَلِك فصح لَهُ فاجتنبها قبل مَوته بِعشر سِنِين ثمَّ تزوجت بعده رجلا من الْعَوام فَوقف على ذَلِك الشَّيْخ صَالح فَكتب بِخَطِّهِ على الْهَامِش / (أُخْت الشَّيْخ مُقِيمَة عِنْده ... قبل أَن يتَزَوَّج بالوالدة) (وَلم يَصح هَذَا لِأَن أُخْته ... حَلَفت لَهُ أَنَّهَا لم ترضعها) (لِأَنَّهَا كَانَت عجوزاً ... لما ولدت الوالدة) وَقَالَ المص فِي " تَارِيخه ": سَأَلَ علم الدّين البُلْقِينِيّ نَاظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الْجَيْش أَن ينْزع لَهُ من كِتَابه نظر جَامع طولون والناصرية ليشترك الْقَضَاء، وَالْعود لَهُ وَالسَّعْي فِيهِ فَرضِي كَاتبه بذلك. هَذَا كَلَامه. وَكتب الْعلم البُلْقِينِيّ على هَامِش النُّسْخَة بِخَطِّهِ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعجب من هَذَا المؤرخ - عَامله الله بعدله - هُوَ الَّذِي كتب قصَّة بِخَطِّهِ إِلَى السُّلْطَان يسْأَل فِيهَا النظرين لي وأرسلها لَهُ صُحْبَة القَاضِي عبد الباسط، وَلما عزل وَوليت أَنا كتبت أَنا قصَّة للسُّلْطَان أسأَل لَهُ فِيهَا بذلك فأرسلتها للسُّلْطَان بِسَبَبِهِ، وَكتب عَلَيْهَا وباشر، فَيُقَال لَهُ: (لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي بِمثلِهِ ... وَكم يفتري على الْجَانِي على نَفسه) انْتهى. ثمَّ قَالَ المص: حَضَرنَا مجْلِس البُخَارِيّ بالقلعة على الْعَادة، وَحضر الْعلم البُلْقِينِيّ بسعي شَدِيد مِنْهُ، فَكتب الْعلم البُلْقِينِيّ: وَالله لَيْسَ هَذَا بِصَحِيح، وَلم أسع فِي ذَلِك بل طُلبت. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ثمَّ قَالَ المُصَنّف: وَلما شاع غضب السُّلْطَان من / الْقُضَاة، تحرّك صَالح البُلْقِينِيّ فِي الْعود إِلَى الْقَضَاء، فَكتب البُلْقِينِيّ على حَاشِيَته: يكذب، وَالله لم يَقع ذَلِك. ثمَّ قَالَ المص: إِن الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ لما صرف عَن الْقَضَاء حصل لَهُ سوء مزاج لكَون الْأَخْذ عَنهُ بعض تلامذته بل وَيفهم عَنهُ وَأَرَادَ بذلك الْعلم البُلْقِينِيّ، فَكتب الْعلم على الْهَامِش بِخَطِّهِ: لم يكن من بعض تلامذته، وَلَا مِمَّن يفهم عَنهُ. وَمن نظمه: (ثَلَاث من الدُّنْيَا إِذا حصلت ... لشخص فَلم يخْش من الضّر والضير) (غنى عَن بنيها والسلامة مِنْهُم ... وَصِحَّة جسم ثمَّ خَاتِمَة الْخَيْر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَكتب الشريف صَلَاح الدّين الأسيوطي إِلَيْهِ ملغزاً فِي الْعقل: (أَلا يَا ذَوي الْآدَاب وَالْعلم والنهى ... وَمن عَنْهُم طابت صبا وَقبُول) (فديتكم لم لَا نَفِيس نفوسكم ... تصونونه كَيْمَا يعز وُصُول) (فَإِنِّي رَأَيْت الْفضل قد صَار كاسداً ... على إِن أهليه إِذن لقَلِيل) (فَعَن رُؤَسَاء الْوَقْت عد وخلهم ... فَلَيْسَ إِلَى حسن الثَّنَاء سَبِيل) (وَلَا تنس أَبنَاء الزَّمَان فشرح مَا ... يَسُرك مِنْهُم إِنَّه لطويل) (سوى صَاحب يَا صَاح بِي مترفق ... وَذَاكَ لَهُ بَين الضلوع مقيل) (يحِق لَهُ مني الصيانة أَنه ... قؤول لما قَالَ الْكِرَام فعول /) (يصاحبني فِي الْقَبْض والبسط دَائِما ... وَلَيْسَ لَهُ بَين الْأَنَام عديل) (وَلَيْسَ بجسم مَعَ جَهَالَة قدره ... على أَنه للجسم سَوف يؤول) (وَفِي طردة تَلقاهُ بِالْقَلْبِ سَاكِنا ... وَلَيْسَ لميل الْقلب عَنهُ ذُهُول) (إِذا اقْتصّ مِمَّن (قد) جنى عَنهُ لم يكن ... وفا وَقد صحت بِذَاكَ نقُول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 (لَهُ دِيَة كالنفس كَامِلَة إِذا ... وجوبا على الجانين حِين يَزُول) (ويحسب حرف مِنْهُ نصف جَمِيعه ... وَفِي جمل الْحساب فِيهِ فُصُول) (وَزَاد على عد الثَّلَاثِينَ ثَلَاثَة ... وَفِيه معَان فِي الْبَيَان يطول) فَأَجَابَهُ: الْحَمد واهب الْعقل. (أيا سيداً شيدت معاليه رفْعَة ... وَجَرت لَهَا فَوق (السَّمَاء) ذيول) (لكم فِي العلى وَالْفضل أَي نباهة ... وللضد عِنْد العارفين خمول) (أَتَانِي لغز مِنْك لِلْعَقْلِ مدهش ... قؤول لما قَالَ الْكِرَام فعول) (تنظم فِي سلك البلاغة درة ... وَذَلِكَ عِنْدِي فِي القلائد لولو) (يَقُول جَوَابا لاعتذاري تهكماً ... لأَنْت عَليّ بِالْجَوَابِ كَفِيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 (نعم كَانَ فِي ميلي إِلَى الشّعْر نزهة ... وأبكار فكري مَا لَهُنَّ بعول) (تشعب مني فكرتي غصب منصب ... تحملت مِنْهُ فِي كاهلي ثقيل) (وَفصل قضايا فِي تفاصيل أمرهَا ... فُصُول وَكم عِنْد الْخُصُوم فُصُول) (ومجلس إملاء وخطبة جُمُعَة ... ودرس وتعليل لَهُ وَدَلِيل /) (حَدِيث وَتَفْسِير وَفقه كَرَامَة ... عقول تعاني فهمها وَتقول) (لمستنبطاء الْفِقْه مستنبطاتها ... تزور فَإِن لم أضبطهن تَزُول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 (فطالب أسماع وفتيا وحاجة ... وطالب علم فِي البحوث سؤول) (وَكلهمْ يرعوا نجاح مُرَادهم ... ويصحب إِن أرجأ بهم ويصول) (وَهَذَا إِلَى أَوْقَات نوم وراحة ... وَأكل وَشرب يَعْتَرِيه ذُهُول) (وَفِي نَفسِي ترويح نفس أحمها ... وناسب هزل هزلهن هزيل) (وَأمر معاد رحت فِيهِ مفرطاً ... وَأمر معاش قد حواه وَكيل) (وَلَا تنس أَبنَاء الرسائل أَنهم ... معي عوقوا نَحْو العقيق يمِيل) (فَهَل لَا يرى هَذَا تفاصيل أمره ... فرَاغ لنظم فارغ وَيَقُول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 (أَنى يرى من لَيْسَ للشعر شَاعِر ... تطيع مفاعيل لَهُ وفعول) (وَلست الَّذِي يُرْضِي ملوكا بِبَعْض مَا ... يدل عَلَيْهِ الْعقل وَهُوَ جليل) (فانظم مَا لَو قَالَه الْغَيْر منشداً ... لعاد وَسيف الذِّهْن مِنْهُ كليل) ((فعذرا) فَمَا أخرت نظم جوابكم ... لبخل وَلَكِن مَا إِلَيْهِ سَبِيل) (وَقد صَحَّ قولي إِن جسمي مملاً ... وجسم انتحالي للقريض بخيل) (فَإِن أَنْت لم تعذر أَخَاك وجدته ... وإيثاره للصبر عَنْك جميل) (ولغزك فِي الْقلب اسْتَقر مقَامه ... وثلثاه للقلب الزكي مثيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 (نَفِيس فَإِن قبلته فنفوس من ... يعافي الصِّبَا ظلت إِلَيْهِ تميل /) (وَفِي قلبه أَيْضا يُرِيك مُسَافر ... يطيب إِذا هبت عَلَيْهِ قبُول) (بقيت صَلَاح الدّين تقمع بالنهى ... فَسَادًا لَهُ فِي الفاضلين دُخُول) (وَلم لَا يجوز الْعقل أجمع سيد ... غَدا حَمْزَة عَمَّا لَهُ وَعقيل) وَمن نظم مَا كتب بِهِ إِلَى قُضَاة الْقُضَاة عَليّ الْآدَمِيّ الْحَنَفِيّ واقترح عَلَيْهِ أَن يعْمل على نمطه قَوْله: (نسيمكم ينعشني والدجى ... طَال فَمن لي بمجيء الصَّباح) (وَيَا صباح الْوَجْه فارقتكم ... فَثَبت لَهما إِذا فقدت الصَّباح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 فَأجَاب الْآدَمِيّ بقوله: (يَا متهمي بِالصبرِ كن منجدي ... وَلَا تطل رفضي فَإِنِّي عليل) (أَنْت خَلِيل لي عَن الْهوى ... كن لشجوني راحماً يَا خَلِيل) وَلما عمر السُّلْطَان الْمُؤَيد المؤيدية وأتمها مَالَتْ المئذنة الَّتِي بنيت على البرج الشمالي فخيف سُقُوطهَا فَهَدمهَا، فَقَالَ الْمُؤلف فِي ذَلِك معرضًا بالعيني شَارِح البُخَارِيّ: (بِجَامِع مَوْلَانَا الْمُؤَيد رونق ... منارتها بالْحسنِ تزهو وبالزيني) (تَقول وَقد مَالَتْ عَن الْقَصْد أمهلوا ... فَلَيْسَ على جسمي أضرّ من الْعَيْنِيّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فَبلغ الْعَيْنِيّ فَقَالَ: (مَنَارَة كعروس الْحسن إِذْ جليت ... وهدمها بِقَضَاء الله وَالْقدر /) (قَالُوا أُصِيب أحبيت بِعَين قلت ذَا غلط ... مَا أوجب الْهدم إِلَّا خسة الْحجر) قَالَ الْمُؤلف: وَهَذَانِ البيتان عملهما لَهُ النواجي - لَا بَارك الله فِيهِ. وَورد لصَاحب التَّرْجَمَة سُؤال فِي الْفَرَائِض منظوم مَعْنَاهُ: إِن وَرَثَة اقتسموا مَال مُورثهم وَفِيهِمْ غَاصِب، ثمَّ قبل وَفَاء دينه طالبهم صَاحب الدّين، فَقَالَ: لَا أعطي إِلَّا مَا يخصني، وَكَانُوا عَالمين بِالدّينِ، فَأجَاب عَنهُ بِبَيْت وَاحِد، وَتعقبه فِيهِ السيرجي: (لصَاحب الدّين أَخذ الدّين أجمعه ... فِي حِصَّة الْغَاصِب الْمَذْكُور فِي طلق) (وَقِسْمَة المَال قبل الدّين بَاطِلَة ... وَبعد أَن علمُوا ضرب من الْحمق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 (وَمَا احتوى العاصب الْمَذْكُور مُرْتَهن ... بِالدّينِ فَهُوَ بِهِ فِي ربقة الْعُنُق) (هَذَا بَيَان جَوَاب الحبر سيدنَا ... قَاضِي الْقُضَاة المفدى عَالم الْفرق) (فَخذ جَوَابا لنجل السيرجي فقد ... جَاءَ الْجَواب بِالِاسْتِثْنَاءِ على نسق) (ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر ... خير الْبَريَّة فِي خلق وَفِي خلق) ثمَّ قرىء على صَاحب التَّرْجَمَة فأسدى إِلَيْهِ مَعْرُوفا فمدحه بِهَذِهِ الأبيات: (بِاللَّه قل لإِمَام الْعَصْر سيدنَا ... قَاضِي الْقُضَاة المفدى عَالم الْفرق) (يَا حَافظ الْعَصْر حَتَّى لَا نَظِير لَهُ ... يَا نخبة الدَّهْر مِمَّن قد مضى وبقى) (يَا جَامعا من فنون الْفضل أجمعها ... وَيَا خَطِيبًا إِلَى الْمجد المنيف رقى) (جمعت مفرقات الْحسن فانعطفت ... عَلَيْك طراً وَهَذَا الْعَطف بالنسق /) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 (لقد حرست سَمَاء الْعلم فانحفظت ... بثاقب الْفَهم يردي كل مسترق) (وَقد روينَا أَحَادِيث الشهَاب بِإِسْنَاد ... يجود لَهُ الْمَأْثُور بالطرق) (إِن كنت فِي النَّاس معزواً إِلَى حجر ... فَإِنَّهُ الأثمد الْمَوْصُوف للحدق) (بل المكرم من جَاءَت مدائحنا ... لِلْإِسْلَامِ تَجِد السّير فِي حنق) (قلدتنا مثل أطواق الْحمام فِي ... الْأَنْعَام فضلا فصرنا وَهِي فِي نسق) (فالورق تصدح بالأشجار فِي ورق ... وَنحن نمدح بالأسحار فِي ورق) (وأسأل الله مجري سحب أنعمه ... من فَضله غدقاً من فضلك الغدق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 (ثمَّ الصَّلَاة على خير الورى وعَلى ... أَصْحَابه وَذَوِيهِ أنجم الغسق) وَسَأَلَ الشَّمْس الْمصْرِيّ صَاحب التَّرْجَمَة سؤالاً صورته: (يَا حَافظ الْعَصْر وَيَا من لَهُ ... تشد من أقْصَى الْبِلَاد الرّحال) (وَيَا إِمَامًا للورى أمة ... محط آمال الثِّقَات الرِّجَال) (ابْن الْعِمَاد الشَّافِعِي ادّعى ... وُرُود مَا فاد بِهِ فِي الْمقَال) (شِرَاركُمْ عُزَّابُكُمْ إِنَّه ... من خبر الْمَرْوِيّ حَقًا يُقَال) (فَهَل أَتَى فِي مُسْند مَا ادّعى ... أَو أثر يرويهِ أهل الْكَمَال) (بَين رعاك الله يَا سَيِّدي ... جَوَاب مَا ضمنته فِي السُّؤَال) (لَا زلت يَا مَوْلَانَا لنا دَائِما ... فِي الْحَال والماضي كَذَا فِي المَال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فَأَجَابَهُ /: (أَهلا بهَا بَيْضَاء ذَات اكتحال ... بالنقش تزهو ثوبها بالصقال) (منت بوصل بعد وصل شفى ... من ألم الْفرْقَة بعد اعْتِدَال) (لتسأل هَل جَاءَ لنا مُسْندًا ... عَمَّن لَهُ الْمجد سما والكمال) (ذمّ أولي الْعزبَة قُلْنَا نعم ... من مَال عَن ألف وَفِي الْكَفّ مَال) (أرذال الْأَمْوَات عُزَّابُكُمْ ... شِرَاركُمْ عُزَّابُكُمْ يَا رجال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (أخرجه أَحْمد والموصلي ... وَالطَّبَرَانِيّ الثِّقَات الرِّجَال) (من طرق فِيهَا اضْطِرَاب وَلَا ... تخلوا من الضعْف على كل حَال) وَفَاته وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْحجَّة سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَمِائَة، عَن تسع وَسبعين سنة، وَدفن بالقرافة. أشعار مُخْتَلفَة لِابْنِ حجر وَمن نظمه: (أظهر جمالك للعيون وابده ... وصل الوداد لمن رضيك لوده) (فحسام هَذَا الجفن مذ جردته ... للنَّاس أضحى خَارِجا عَن حَده) (وَالِي مر صبك بالجفا فِي عَكسه ... وتزيد عَن بَاب الجفا فِي طرده) (وتسيل أدمعه إِذا فارقته ... وَإِذا أَقمت بَكَى ليَالِي صده) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 (إِذْ يخض أَيَّام الْهوى بِحِسَابِهِ ... جاوزه عَن بَاب الصدود وعده) (ومهفهف فِي عارضيه جنَّة ... نَبتَت على نيران صفحة خَدّه) (لما رأى الألحاظ ترشق خَدّه ... جَاءَ العذار مُقَدرا فِي سرده) (وَمن الْعَجَائِب أَنه نسل الخطا ... وَهُوَ الَّذِي قتل الْمُحب بعمده /) (وَمن المصايب أَن سيف لحاظه ... قتل النُّفُوس وَمَا بدا من غمده) (إِن مَاتَ تجْرِي مقلتي بدمائها ... فكأنني فِيهَا طعنت بقده) (وَلَقَد نثرت مدامعي فنظمتها ... فِي لَفظه أَو ثغره أَو عقده) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (غلب النحول عليّ حَتَّى أنني ... حاكيت رقة خصره أَو بنده) (إِنِّي بليت بِمن أروم وصاله ... وأخاف وَالِده وسطوة جده) (وفتنت بالخد الَّذِي هُوَ خطه ... فطويل هجري من أَبِيه وجده) (عمري لَئِن تاه الحبيب بحسنه ... فالعاشق المهجور تاه بمجده) وَله أَيْضا - رَحمَه الله -: (بَان سرى من دموعي ... حِين بانوا وافتضاحي) (وجهاتي مليت من ... فرط حزني ونواحي) وَله أَيْضا: (خَاضَ العواذل فِي حَدِيث مدامعي ... لما رأو كالسير سرعَة سيره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 (فحبسته لأصون سر هواكم ... حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره) وَله أَيْضا: (وعاشق لَيْسَ لَهُ إِلَّا الجبا أدنى سَبَب ... دب على معشوقه فَمَا رأى مِنْهُ أدب) نظمه أَسمَاء الصَّحَابَة الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ ونظم عدد أَسمَاء الصَّحَابَة الْعشْرَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَقَالَ /: (لقد بشر الْهَادِي من الصحب عشرَة ... بجنات عدن كلهم قدره عَليّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 (عَتيق سعيد سعد عُثْمَان طَلْحَة ... زبير ابْن عَوْف عَامر عمر عَليّ) نظمه جَوَاز الشّرْب قَائِما ونظم جَوَاز الشّرْب قَائِما فَقَالَ: (إِذا رمت تشرب فاجلس تفز ... بِسنة صفوة أهل الْحجاز) (وَقد صححوا شربه قَائِما ... وَلكنه لبَيَان الْجَوَاز) نظمه الْأَيَّام الَّتِي يتوقى الِانْتِقَال فِيهَا من أَيَّام الشَّهْر وَله فِي الْأَيَّام الَّتِي يتوقى الِانْتِقَال فِيهَا من أَيَّام الشَّهْر هُوَ مَا قَالَ: (توق من الْأَيَّام سبعا كوامل ... وَلَا تحدثن فِيهِنَّ امْرَءًا وَلَا سفر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 (وَلَا تحتفر بِئْرا وَلَا دَار تشتري ... وَلَا تصْحَب السُّلْطَان فالحذر الحذر) (وَلَا تلبس ثوبا جَدِيدا وحلة ... وَلَا تنْكح الْأُنْثَى وَلَا تغرس الشّجر) (ثَلَاث وَخمْس ثمَّ ثَالِث عشرَة ... وتتبعه من بعده السَّادِس الْعشْر) (وحادية الْعشْرين إياك شومة ... وَأَرْبَعَة الْعشْرين وَالْخَامِس الأشر) (روينَاهُ عَن بَحر الْعُلُوم نصيحة ... عَليّ ابْن عَم الْمُصْطَفى سيد الْبشر) الْأَشْعَار فِي مدح ابْن حجر وَقد مدحه جمَاعَة كَثِيرُونَ، مِنْهُم مبارك شاه ذَاكِرًا ختم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 البُخَارِيّ تأليفه: (أتبرز خدا للمقبل أم يدا ... وَتعطف قدا للمعانق أميدا) (وتسبل فرعا طَال سهدي بليله ... وتطلع من فرق الغزالة فرقدا) (فديتك لَا أخْشَى الغلال بقرعها ... وَقد لَاحَ فرق للضلال من الْهدى) (وَمن عجب أَنِّي خليع صبَابَة ... وشوقي إِلَيْهَا لَا يزَال مجدداً /) (وأعجب من ذَا إِن لين قوامها ... تثني بِجمع الْحسن يخْطر مُفردا) (لَهَا سيف لحظ فَوق دِينَار وجنة ... فيا فرق قلب قد رَآهُ مُجَردا) (وطرف غَد فِي السحر فتْنَة عاشق ... نحيل من حَبل الذوايب أسودا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 (ومذ قلت إِن الْوَجْه لِلْحسنِ جَامع ... غَدا الطّرف فِي محرابه مترددا) (وَلم لَا يكون الْوَجْه قبْلَة عاشق ... إِذا مَا جلا ركنا من الْخَال أسودا) (فوا لهف قلبِي وَهِي تقلبه فِي القلى ... على قيس من ضدها قد توقدا) (وَمَجْنُون طرفِي فِي شبابيك هَدْيه ... مسلسلة من دمعة قد تعبدا) (وَلَو لَاحَ للأحي بديع جمَالهَا ... لما رَاح فِيهِ الْيَوْم يلحي وَلَا غَدا) (لَهَا طلعة أبهى من الشَّمْس بهجة ... كَأَن شهَاب الدّين فِي وَجههَا بدا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 (شهَاب ضِيَاء الدّين من نور فَضله ... زكي على الْآفَاق يشرف بالهدا) (وَنحر رَأَيْت الْقلب مِنْهُ بصدره ... وَلَكِن حوى ذهناً غَدا متوقدا) (فكم رمت مَحْمُود الأيادي فَلم أجد ... ريسا غير أَحْمد أحمدا) (وناهيك من قدر حواه وَكَاد أَن ... يدر والورى مِنْهُ يكون مجيدا) (لَهُ منطق فِي كل عقد يحله ... من الشهد أشهى حِين تحضر مشهدا) (لَهُ قلم كالميل والنقش كحله ... يداوي بِهِ من كَانَ فِي النَّاس أرمدا) (لمرتاح حسن الْخط والحظ والنهى ... فَمَا سود التصنيف إِلَّا وجودا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 (وزهد فِي التَّأْلِيف كل مؤلف ... فَصَارَ بتأليف الحَدِيث مزهدا /) (إِذا مَا حضرت الْيَوْم مجْلِس حكمه ... ترى فِيهِ مَا فِيهِ الْخَلَاص لَهُ عدا) (فدم لجَمِيع النَّاس فِي الْعَصْر سيدا ... فَإنَّك فِي الْعليا قد لحت مُفردا) (عَن الصعب يرَوْنَ المكارم للورى ... وَلَا زَالَ عَن سهل عطاؤك مُسْندًا) (وعلمك جم والتصانيف جملَة ... وَوَاللَّه مَا فِي الْعَصْر غَيْرك يقتدا) (صَحِيح البُخَارِيّ مذ شرحت حَدِيثه ... بِفَتْح من الْبَارِي وَنصر تأيدا) (فكم مغلق بِالْفَتْح أصبح وَاضحا ... إِلَى فهم لولاك مَا كَانَ مهتدا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 (فَللَّه فتح طن فِي الْكَوْن ذكره ... أغار إِلَى أقْصَى الْبِلَاد وأنجدا) (وَكم صدر صدر قد شرحت بختمه ... وَكم حَاسِد بالهم مِنْهُ تنهدا) (هَنِيئًا لَهُ قد سَار بَين ذَوي النهى ... وَمَا سَار حَتَّى صَار مثلك أوحدا) (وَكم دمد حلي على حسنه انطوى ... فأظهر حَقًا بالسرور وموردا) (فعش لوفود سيف نَحْوك عيشهم ... إِذا زَمْزَم الْحَادِي بذكرك أوحدا) وللمنصوري يمدح صَاحب التَّرْجَمَة: (إِن قَاضِي الْقُضَاة باسم أَبِيه ... رفع الله قيمَة الْأَحْجَار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (هُوَ من جَوْهَر عَجِيب ومرجان ... غَرِيب وَفِضة ونضار) (يهْبط الْبَعْض مِنْهُ من خشيَة الله ... وَبَعض ينشق بالأنهار) وللشمس النواجي أديب الْعَصْر، وفريد الدَّهْر، وَقد أعطَاهُ شاشا: (شكرا لفضلك يَا قَاضِي الْقُضَاة وَمن ... يحار فِي معنى جوده الناشي /) (توجت رَأْسِي بِمَا أهديته فغدت ... لي حلية بك أرويها عَن الشَّاشِي) فَقَالَ أَحْمد بن نصر الله التسترِي لما أتم تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ: (جزى الله رب الْعَرْش خير جَزَائِهِ ... مخرج ذَا الْمَجْمُوع يَوْم لِقَائِه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 (لقد حَاز قصبات السباق بأسرها ... وفاز بمرقى لَا انْتِهَاء لارتقائه) (يَدُوم لَهُ عز بِهِ وجلالة ... وَذكر جميل شامخ فِي ثنائه) (فَلَا زَالَ مَقْرُونا بِكُل سَعَادَة ... وَلَا انْفَكَّ محروس الْعلَا فِي اعتلائه) (وَلَا بَرحت أقلامه فِي سَعَادَة ... توقع الْأَحْكَام طول بَقَائِهِ) (وخرقت الْعَادَات فِي طول عمره ... تزيد على الْأَعْمَار عِنْد وفائه) وَقَالَ ابْن الْمُقْرِئ: (قل لِلشِّهَابِ بن عَليّ بن حجر ... سورا على مودتي من الْغَيْر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 (فركن ودي فِيك قد أسسته ... من الصَّفَا والمروتين وَالْحجر) فَأَجَابَهُ الْمُؤلف بقوله: (يَا أَيهَا القَاضِي الَّذِي مُرَاده ... مُوَافق حكم الْقَضَاء وَالْقدر) (در لَهُ ثدي الْمعَانِي حافلاً ... حَتَّى احتوى على الْمعَانِي وَقت در) ومدحه الأبي بقوله: (أَقمت بِمصْر يَا صدر الأعالي ... وصيتك فِي العوالم غير خافي) (وينت الوري جيلاً فجيلاً ... فشرقت القوادم والخوافي /) وَطلب من إِبْرَاهِيم بن رِفَاعَة إِجَارَة بقوله: (تطلب إِذْنا بالرواية عَنْكُم ... فعادتكم إِيصَال بر وإحسان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 (ليرْفَع مقداري ويخفض حاسدي ... وافخر بَين الطالبين ببرهان) فَأَجَابَهُ مخطيا للوزن فِي الْبَيْت الثَّانِي: (أجزت شهَاب الدّين دَامَت حَيَاته ... بِكُل حَدِيث حَاز سَمْعِي بإتقان) (وَفقه وتاريخ وَشعر رويته ... وَمَا سَمِعت أُذُنِي وَقَالَ لساني) ومدحه الشهَاب ابْن عمر التروجي بقصيدة مِنْهَا: (جمال الدّين أَحْمد جَاءَت فِيهِ آيَات ... وَفِي مَعَانِيه قد صحت رِوَايَات) (وَفِي محاسنه الْحسنى قد وَردت ... أَخْبَار صدق وَفِي الْمَعْنى حكايات) ومدحه إِبْرَاهِيم الخوافي بقوله: (شهَاب الْمجد من شرف وَقدر ... علا مستغنياً عَن اتصاف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 (مُحِيط الْفَخر طود الْعلم حَقًا ... لَهُ الْفضل الْعَظِيم بِلَا خلاف) انْتهى مَا أوردناه من تَرْجَمَة الْمُؤلف الْمَذْكُور - رَحمَه الله تَعَالَى - ولنشرع الْآن فِي الْمَقْصُود من شرح شرح النخبة الْمَذْكُورَة. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 شرح الْبَسْمَلَة والحمدلة قَالَ رَحمَه الله: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، الْحَمد الله. افْتتح بالبسملة، وعقبها بالحمدلة اقْتِدَاء بِالْكتاب الْمجِيد، المفتتح بِالتَّسْمِيَةِ والتحميد، وَعَملا بالأثر الْمَأْثُور، وَالْخَبَر الْمَشْهُور، / (كل أَمر ذِي لَا يبتدأ فِيهِ بِسم الله فَهُوَ أَبتر) . . (وكل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم) . وَمعنى بَدو الْأَمر ذِي البال بذلك أَن تصدره بِهِ، وتذكره بَادِي بَدو وتجعله أول الْعَمَل على مَا هُوَ الشايع الْمُتَبَادر من بَدو الشَّيْء بالشَّيْء، وَقد نَص عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فِي " الْكَشَّاف "، وَوَقع عَلَيْهِ عمل أهل الْحل وَالْعقد من الْعَهْد النَّبَوِيّ إِلَى الْآن، وَلِهَذَا أوردوا أَن بَين ظاهري الْحَدِيثين تَعَارضا إِذْ الْعَمَل بِأَحَدِهِمَا يفوت الْعَمَل بِالْآخرِ. وَالْبَاء للإلصاق، كَقَوْلِك بِهِ دَاء، وَأَقْسَمت بِاللَّه فَإِن البدو لصق باسم الله لصوق الرَّاء بِالرجلِ. وَلَا يَنْبَغِي حملهَا على الِاسْتِعَانَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تتَصَوَّر فِي الْأُمُور الَّتِي لَهَا شَأْن وخطر من حَيْثُ أَن الحَدِيث أَفَادَ أَنَّهَا خداج لَا يعْتد بهَا شرعا وَإِن تمت حسا مَا لم تصدر باسمه تَعَالَى فَكَانَ بِمَنْزِلَة آله يستعان بهَا فِي إِتْمَامهَا، وَأما البدؤ فِي محقرات الْأُمُور فَلَا يتَصَوَّر فِيهَا ذَلِك لتمامها بِدُونِهِ حسا وَشرعا، تيسيراً على الْعباد، وصوناً لذكر الله عَن الابتذال. وَلَا على الملابسة لِأَن بَاء الملابسة تفِيد تلبس فَاعل الْفِعْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الَّذِي وَقع فِي خَبره أَو فِي مَفْعُوله. بمجردها حَال تلبسه بذلك للْفِعْل كَمَا فيقولك: خرج زيد بعشيرته، واشتريت / الرَّحَى بأدواتها، فَيكون الْمَعْنى وجوب تلبس الْفَاعِل بِذكر بِسم الله حَال تلبسه بذلك للْفِعْل كَمَا فِي قَوْلك: خرج زيد بعشيرته، واشتريت / الرَّحَى بأدواتها، فَيكون الْمَعْنى وجوب تلبس الْفَاعِل بِذكر بِسم الله حَال تلبسه بِعَمَل آخر جُزْء من الْأَمر الْمَشْرُوع فِيهِ، فَيفوت الْمَعْنى المُرَاد على أَنه لَا يُمكن ذَلِك فِي بعض الْأَفْعَال كالتلاوة، وَالْأكل، وَالشرب. ومنشأ الِاشْتِبَاه مَا قيل: من تَعْلِيق اسْم الله بِالْفِعْلِ الْمَقْصُود فِي قَول الْفَاعِل بِسم الله تعلق الِاسْتِعَانَة أَو الملابسة فَظن أَن الْحَال فِي لفظ الحَدِيث على ذَلِك، حَتَّى قيل لَا تعَارض بَين الْحَدِيثين إِذْ يُمكن الِاسْتِعَانَة فِي عمل وَاحِد بأمرين، وَكَذَا صور مثل ذَلِك فِي التَّلَبُّس بارتكاب مَا فِيهِ تعسف ثمَّ أَن الْآيَة الْمُبْتَدَأ بهَا كتاب الله بَيَان لِمَعْنى الْحَدِيثين، وَكَيْفِيَّة الْعَمَل بهما، حَيْثُ وصف فيهمَا أثْنَاء التَّيَمُّن باسمه بِكَوْنِهِ معطياً لجلائل النعم، ودقائقها فَإِن الْحَمد لله الَّذِي هُوَ الْوَصْف بالجميل على الْجَمِيل قبل الْفَرَاغ من أَمر التَّسْمِيَة، فَظهر أَن التَّسْمِيَة لكَونهَا ذكر الذَّات يجب تَقْدِيمهَا بِوَجْه مَا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الْحَمد الَّذِي هُوَ ذكر الْوَصْف بِقدر مَا ينْدَفع بِهِ ضَرُورَة امْتنَاع الْجمع بَينهمَا فِي المبدؤ، فَيكون البدو بِالْحَمْد إضافياً قَرِيبا من الْحَقِيقِيّ. وَأما جعل الِابْتِدَاء أمرا عرفياً ممتداً فَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَقد أُجِيب أَيْضا بأجوبة غير طايل لَا نطيل بهَا. معنى علم الله الَّذِي / لم يزل عليما بِجَمِيعِ الكليات والجزئيات، محيطا بهَا، قَالَ تَعَالَى: (عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة) . وَهَذِه الْأَفْعَال المتقنة تدل على علم فاعلها، وَمن تفكر فِي بَدَائِع الْآيَات السماوية والأرضية وَفِي نَفسه وجد دقائق حِكْمَة تدل على كَمَال حكم مبدعها، وَعلمه الْكَامِل، (سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم) . وَلَا يرد أَن الْحَيَوَانَات قد يصدر عَنْهَا أَفعَال عَجِيبَة متقنة كَمَا يُشَاهد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 بيُوت النَّمْل والنحل، فَإِنَّهَا مخلوقة لله على أصُول الْأَشْعَرِيّ، إِذْ لَا يُؤثر غَيره على أَن عدم علم تِلْكَ الْحَيَوَانَات بهَا محَال، بل بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة يدل على علمهَا، قَالَ تَعَالَى (وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل أَن اتخذي من الْجبَال بُيُوتًا) . ونظائره كثير، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْعلمِ فِي حَقه تَعَالَى مَا يشبه علم الْمَخْلُوق، فَإِن علمنَا عرض ومحدث وقاصر، ومستفاد من الْغَيْر، وَعلمه تَعَالَى صفة أزلية كَامِلَة ذاتية، يدْرك بهَا كل مَعْلُوم على وَجه الشُّمُول والإحاطة: وَاجِبا، أَو جَائِزا، أَو محالاً كلياً، أَو جزئياً، يعلم ذَلِك كَمَا هُوَ بِعلم قديم وَاحِد، وَلَا تَتَعَدَّد المعلومات، وَلَا تتجدد بتجددها، أحَاط بِكُل شَيْء علما، فَعلمه مُحِيط بِكُل شَيْء جملَة وتفصيلا، كلياً وجزئياً، كَيفَ لَا يُعلمهُ وَهُوَ خلقه؟ (أَلا يعلم من خلق) وَقد اشْتهر عَن الْحُكَمَاء / أَنه لَا يعلم الجزئيات المادية بِالْوَجْهِ الجزئي، بل إِنَّمَا يعلمهَا بِوَجْه كلي محتم فِي الْخَارِج وَقد كثر تشنيع الطوائف عَلَيْهِم فِي ذَلِك، وَكَفرُوا من قَالَ بِهِ، حَتَّى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْعَلامَة النصير الطوسي - مَعَ توغله فِي الِانْتِصَار لَهُم - قَالَ: هَذِه السِّيَاقَة مِنْهُم تشبه سِيَاقَة الْفُقَهَاء فِي تَخْصِيص بعض الْأَحْكَام بِأَحْكَام تعارضها فِي الظَّاهِر، وَذَلِكَ أَن الحكم بِأَن الْعلم بِالْعِلَّةِ يُوجب الْعلم بالمعلول إِن لم يكن كلياً لم يُمكن أَن يحكم بإحاطة الْوَاجِب بالكلي وَإِن كَانَ كلياً وَكَانَ الجزئي الْمُتَعَيّن من جملَة معلولاته يُوجب ذَلِك الحكم أَن يكون عَالما بِمَا لَهُ فَالْقَوْل بِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون عَالما بِهِ لِامْتِنَاع أَن يكون الْوَاجِب مَوْضُوعا للتغيير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بتخصيص لذَلِك الحكم الْكُلِّي بِأَمْر آخر يُعَارضهُ فِي بعض الصُّور، وَهَذَا دأب الْفُقَهَاء وَمن يجْرِي مجراهم، وَلَا يجوز أَن يَقع مثل ذَلِك فِي المباحث المعقولة لِامْتِنَاع تعَارض الْأَحْكَام فِيهَا. إِلَى هُنَا كَلَامه. وَمِمَّا رد بِهِ عَلَيْهِم أَن تغير الْإِضَافَة لَا يُوجب تغير الْمُضَاف كالقديم يُوجد قبل الْحَادِث ثمَّ بعده. فَإِن قلت: كَيفَ مَال إِلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام مَعَ تصريحهم بتكفير منكري الْعلم بالجزئيات؟ قلت: قَالَ فِي " الفتوحات " إِنَّمَا أَرَادَ / الْحُكَمَاء بِمَا عزي إِلَيْهِم أَنه سُبْحَانَهُ عَالم بالجزئيات فِي ضمن الكليات، من غير احْتِيَاج إِلَى تَحْلِيل وتفصيل كَمَا فِي علم الْمَخْلُوقَات، فأرادوا الْمُبَالغَة فِي التَّنْزِيه فأخطأوا فِي التَّعْبِير فَقَط، فالحجة لحظ ذَلِك، وَعَلِيهِ لَيْسَ فِي الْعَالم من يُنكر تعلق الْعلم بالجزئيات، فَإِن وَقع ذَلِك من بعض المقلدين فَهُوَ خطأ فِي الْفَهم عَن أسلافهم. بَيَان قدرَة الله عز وَجل قَدِيرًا أَي قدرَة ذَا تَامَّة، واستيلاؤه عَام على كل مَوْجُود، جوهراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 كَانَ أَو عرضا. وَقدرته غير مُنْقَطِعَة وَلَا مقتصرة على بعض الممكنات، لِأَن الْمُقْتَضى للقادرية هُوَ الذَّات والمصحح للمقدورية الْإِمْكَان، فَالله على كل شَيْء قدير، وخالفت الْمُعْتَزلَة فِي القبائح، وَالْبَعْض فِي مَقْدُور العَبْد، وَالْبَعْض فِي مثله. وَالْمرَاد بالمقدور الْمُمكن، فالمستحيل لَا تتَعَلَّق الْقُدْرَة بِهِ لَا لنَقص فِيهَا بل لعدم قابليته للوجود، فَلم يصلح محلا لمتعلقها، وَقَول من قَالَ هُوَ قَادر على اتِّخَاذ ولد وَإِلَّا فَهُوَ عجز. رد بِأَن اتِّخَاذه محَال، وَهُوَ لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة فَلَا عجز. وَأنكر الْحُكَمَاء كَونه قَادِرًا، لِأَن صُدُور الْفِعْل عَن الْقَادِر يتَوَقَّف عِنْدهم على الدَّاعِي إِلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي حَقه غير مُتَصَوّر، لِأَنَّهُ الْغَنِيّ الْمُطلق فَلَا محَال لِأَن يكون الدَّاعِي مصلحَة الْغَيْر، والعالي لَا يفعل لأجل السافل / فَلَا احْتِمَال لِأَن يكون الذاتي مصلحَة الْغَيْر فانسد بَاب الدَّاعِي فِي حَقه تَعَالَى. ورد بِأَنَّهُ لَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون مُتَمَكنًا من الْفِعْل وَالتّرْك أصلا حَتَّى يلْزم الْإِيجَاب، لِأَن التَّمَكُّن من الْفِعْل وَالتّرْك فِي الْجُمْلَة بِأَن لَا يكون وَاحِد مِنْهُمَا لَازِما لذات الْفَاعِل لَا يسْتَلْزم الْحَاجة إِلَى الدَّاعِي، إِنَّمَا الْحَاجة إِلَيْهِ عِنْد صِحَة كل مِنْهُمَا بَدَلا عَن الآخر فِي الْوَاقِع، وَهَذَا أخص من الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 بَيَان حَيَاة الله عز وَجل حَيا أَي ذَا حَيَاة أزلية، وَلَيْسَ المُرَاد فِي حَقه تَعَالَى بِالْحَيَاةِ مَا يشبه حَيَاة الْمَخْلُوق، لِأَنَّهَا إِمَّا اعْتِدَال المزاج النوعي، أَو قُوَّة تتبع ذَلِك المزاج تفيض مِنْهَا قوى الْحس وَالْحَرَكَة، وكل ذَلِك محَال فِي حَقه تقدس، بل صفة أزلية توجب صِحَة الْعلم وَالْقُدْرَة. بَيَان قيوميته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قيوماً أَي قَائِما بِكُل شَيْء تدبيراً، وحفظاً، وَرِزْقًا، وَالْقِيَام بِأَمْر الموجودات هُوَ قيام لَا يتناهى فَيكون الْقيام بِأَمْر لَا يتناهى لَا سِيمَا إِذا لوحظ أَن الصِّفَات والذات غي متناهية، وَلَيْسَ قِيَامه تَعَالَى بالموجودات فِي حفظهَا وأرزاقها فَقَط، بل فِي ذَاتهَا وصفاتها قيَاما مستمراً تتجدد بِهِ التعلقات. وَقيل: القيوم الْقَائِم بِنَفسِهِ الْمُقِيم لغيره مقَام كل متجدد بِهِ، لَا يُقَال يَسْتَحِيل عَلَيْهِ تَعَالَى تجدّد التَّعَلُّق، أَو التجدد مُطلقًا / لأَنا نقُول لم يَتَجَدَّد لَهُ التجدد، وَوجه الْمُبَالغَة على الْوَجْهَيْنِ زِيَادَة الْكمّ والكيف. وَقَالَ الرَّاغِب: يُقَال قَامَ كَذَا: أَي دَامَ، وَقَامَ بِكَذَا: أَي حفظه، والقيوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 الْقَائِم الْحَافِظ لكل شَيْء، الْمُعْطِي مَا بِهِ قوامه وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنى الْمَذْكُور فِي آيَة: (أعْطى كل شَيْء خلقه) وَفِي: (أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت) . قَالَ الْمُحَقق الدواني: وَظَاهره أَن الْقيام بِمَعْنى الدَّوَام، ثمَّ يصير بِسَبَب التَّعْدِيَة بِمَعْنى الإدامة وَهُوَ الْحِفْظ، وَحِينَئِذٍ يتَوَجَّه عَلَيْهِ أَن الْمُبَالغَة فِي اللَّازِم رُبمَا تَتَضَمَّن معنى آخر مُتَعَدِّيا، بل الْمَعْنى اللَّازِم قد يتَضَمَّن بِنَفسِهِ ذَلِك كالقيام المتضمن لتحريك الْأَعْضَاء. نعم يرد على من فسره بالقائم بِذَاتِهِ الْمُقَوّم لغيره، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا مَا أجَاب صَاحب الْكَشْف فِي الطّهُور من أَنه لما لم تكن الطَّهَارَة فِي نَفسهَا قَابِلَة للزِّيَادَة رجعت الْمُبَالغَة فِيهَا إِلَى انضمام معنى التَّطْهِير إِلَيْهَا، وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 لِأَنَّهُ قَابل للزِّيَادَة كَمَا وكيفا - كَمَا مر - على أَن فِي جَوَابه وَقْفَة من حَيْثُ أَنه انضمام معنى التَّطْهِير لما كَانَ مستفاداً من الْبَالِغَة بمعونة عدم قبُول الزِّيَادَة كَانَت الْمُبَالغَة فِي الْجُمْلَة سَببا للتعدي، وَيُمكن التَّقَصِّي بِأَن الْمَعْنى اللَّازِم بَاقٍ بِحَالهِ وَالْمُبَالغَة أوجبت انضمام الْمُتَعَدِّي إِلَيْهِ لَا تَعديَة ذَلِك باللازم، وَبَينهمَا فرقان، ثمَّ الظَّاهِر / أَن القوام الْمَذْكُور فِي قَوْله: أعْطى مَا بِهِ القوام بِمَعْنى الْوُجُود إِذْ جعله بِإِحْدَى الْمَعْنيين غير منَاف كَمَا لَا يخفى أَن الْمُبَالغَة لَيست من أَسبَاب التَّعْدِيَة، فَإِذا عري القيوم عَن أَدَاة التَّعْدِيَة لم يكن إِلَّا بِالْمَعْنَى اللَّازِم، فَلَا يَصح تَفْسِيره بِالْحَافِظِ، ثمَّ أَن الْمُبَالغَة فِي الْحِفْظ كَيفَ أعْطى مَا بِهِ القوام وَلَعَلَّه من حَيْثُ الِاسْتِقْلَال بِالْحِفْظِ إِنَّمَا يتَحَقَّق بذلك، لِأَن الْحِفْظ فرع التقوم فَلَو كَانَ التقوم لغيره لم يكن مُسْتقِلّا بِالْحِفْظِ، وعَلى هَذَا لَا يرد مَا أوردهُ على تَفْسِير الطّهُور بالطاهر فِي نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 المطهر لغيره، من أَن الطَّهَارَة لَازم وَالْمُبَالغَة فِي اللَّازِم لَا توجب التَّعَدِّي وَذَلِكَ لِأَن الْمُبَالغَة فِي اللَّازِم رُبمَا تَتَضَمَّن معنى آخر مُتَعَدِّيا فَلَا يخفى. بَيَان كَونه تَعَالَى سميعاً بَصيرًا سميعاً بَصيرًا لكل مبصر، وَلكُل مسموع، وَلَيْسَ المُرَاد بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر مَا يشبه سمعنَا وبصرنا، بل هما صفتان قديمتان زائدتان على الْعلم، لَيْسَ كسمع الْخلق وبصرهم لدلَالَة النُّصُوص القاطعة، وَإِجْمَاع الْأَنْبِيَاء بل الْعُقَلَاء على ذَلِك، وَلِأَن الْخُلُو عَنْهُمَا نقص، وَلَا يلْزم قدم المسموع والمبصر وَذَلِكَ لما ثَبت أَنه تَعَالَى هُوَ الْمُحدث لهَذَا الْعَالم البديع وَمن أحدث مثله لَا يكون مَوْصُوفا إِلَّا بِهَذِهِ الصِّفَات. قَالَ الدواني: نقل ابْن تيميه أَن هَذَا عَلَيْهِ إِجْمَاع الْعُقَلَاء قاطبة وَلَا خلاف / بَين الْمُتَكَلِّمين والحكماء فِي كَونه تَعَالَى عَالما قَادِرًا، وَهَكَذَا فِي جَمِيع الصِّفَات، لكِنهمْ مخالفون فِي كَون الصِّفَات عين الذَّات أَو غير الذَّات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 أَو لَا عين وَلَا غير. فَذهب الْمُعْتَزلَة والحكماء إِلَى أَنَّهَا غير الذَّات، ومحصول كَلَام الْحُكَمَاء نفي الصِّفَات وَإِثْبَات نتائجها وغياياتها، وَأما الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهَا عِنْدهم من الاعتبارات الْعَقْلِيَّة الَّتِي لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج، وَاسْتدلَّ الْفَرِيقَانِ على نفي الغيرية بِأَنَّهَا لَو زَادَت لكَانَتْ مُمكنَة لاحتياجها إِلَى الْمَوْصُوف. وَذهب أهل السّنة إِلَى أَنَّهَا زَائِدَة على الذَّات، قَالُوا: وَقَول الْمُعْتَزلَة فِيهِ استكمال بِالْغَيْر، وتكثير للقدماء مَمْنُوع بِأَن الصّفة لَا عين وَلَا غير، وَالْكفْر تعدد الذوات الْقَدِيمَة كَمَا لزم النَّصَارَى لَا تعدد الصِّفَات. وَاعْلَم بِأَن الْمُؤلف قد افْتتح بِهَذَيْنِ الوصفين إِشَارَة إِلَى تأهيل الله إِيَّاه لتأليف مثل هَذَا الْكتاب الْمُفْرد الظريف اتصاف بصفتي الْعلم والاقتدار على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 التصنيف فِي هَذَا الْفَنّ، وَلَيْسَ ذَلِك تَزْكِيَة لنَفسِهِ، بل لأمرين: 1 - الأول: امْتِثَال قَوْله تَعَالَى: (وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث) . 2 - وَالثَّانِي: أَن يعْتَمد وَيعرف بالوصفين الموجبين للركون إِلَى كَلَامه وتوثيقه، وَقد وصف البُخَارِيّ نَفسه بِحِفْظ مائَة ألف حَدِيث. بيد أَنه / لَو قَالَ: عَلَيْهِمَا لتجري الْأَوْصَاف على نسق وَاحِد لَكَانَ اقعد. وَقد فَاتَهُ مَعَ مِمَّا اتّصف بِهِ من البلاغة والبراعة ورسوخ قدمه فِي الْإِنْشَاء وَالنّظم الْإِشَارَة إِلَى براعة الاستهلال وَهِي عبارَة: عَن أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي مطلع كَلَامه بِمَا يُشِير إِلَى مجامع الْعلم الْمُؤلف فِيهِ، كَقَوْلي فِي " شرح الْجَامِع الصَّغِير ": الْحَمد لله الَّذِي علمنَا من تَأْوِيل الْأَحَادِيث. الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَفِي ابْتِدَاء " شرح بهجة الْفُؤَاد الْحَاوِي لكَمَال الْإِرْشَاد ": حمدا لله ... ... وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ عَادَة البلغاء من الاعتناء بِمَا يكسوا الْكَلَام رونقاً وبراعة فِي ابْتِدَاء المطلع. فَكَانَ مُتَعَيّنا عَلَيْهِ أَن يفْتَتح هُنَا بِشَيْء من أَنْوَاع الحَدِيث: كالمرفوع، والمرسل، وَالصَّحِيح، وَالْحسن، وَنَحْو ذَلِك كَمَا فعل شَيْخه الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ فِي " شرح ألفيته ": الْحَمد لله الَّذِي قبل تَصْحِيح النِّيَّة، وَحسن الْعَمَل، وَحمل الضَّعِيف الْمُنْقَطع على مراسل لطفه فاتصل ... إِلَى آخر مَا قَالَ. معنى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَي أعلم وَأبين، وَعطف الفعلية على الإسمية لَا يخفى مَا فِيهِ عِنْد أهل الْعَرَبيَّة، أَن لَا إِلَه أَي لَا معبود بِحَق إِلَّا الله والكلمة للتوحيد إِجْمَاعًا، وَهِي المُرَاد بِكَلِمَة التَّقْوَى، ثمَّ وضح مَا دلّت عَلَيْهِ بقوله: وَحده نصب على الْحَال، بِمَعْنى متوحد، أَو هُوَ تَأْكِيد لتوحيد الذَّات / والمتوحد ذُو الوحدانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 لَا شريك أَي مشارك لَهُ تَأْكِيد لتوحيد الْأَفْعَال ردا على نَحْو الْمُعْتَزلَة، ثمَّ زَاد مقَام الْخطاب بالثناء عَلَيْهِ بالكبرياء بقوله: وأكبره تَكْبِيرا أَي أعظمه تَعْظِيمًا، وأتى بِهِ امتثالا لقَوْله تَعَالَى: (وَكبره تَكْبِيرا) ، وأتى بالتشهد لحَدِيث أبي دَاوُد - وَغَيره -: " كل خطْبَة لَيْسَ فِيهَا تشهد فَهِيَ كَالْيَدِ الجذماء ". أَي المقطوعة الْبركَة. معنى الصَّلَاة على رَسُوله الله ثمَّ أَنه بعد التَّيَمُّن بِالتَّسْمِيَةِ، والتحميد، وَالثنَاء عَلَيْهِ تَعَالَى بِبَعْض صِفَاته، صلى على رَسُول لما أَنه الْوَاسِطَة فِي وُصُول الْفَيْض مِنْهُ تَعَالَى إِلَيْنَا، وَالشَّرْع الصَّحِيح وَالنَّقْل الصَّرِيح، أطبقا على وجوب شكر الْمُنعم لَا سِيمَا وَقد ورد النَّص بالندب إِلَى خُصُوص تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الْمَادَّة، حَيْثُ قَالَ عزت قدرته: (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا) فَقَالَ: وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله أَي أنزل الرَّحْمَة المقرونة بِكَمَال التَّعْظِيم. على سيدنَا أَي أعظمنا، وأشرفنا، وأعلانا منزلَة، وأسمانا قدرا. و (السَّيِّد) الْمُتَوَلِي للسواد أَي الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة، وينسب ذَلِك فَيُقَال: سيد الْقَوْم وَلَا يُقَال: سيد الثَّوْب، وَلَا سيد الْفرس، وَلما كَانَ من شَرط الْمُتَوَلِي للْجَمَاعَة الْكَثِيرَة أَن يكون النَّفس مظهر الطَّبْع / قيل لكل من كَانَ فَاضلا فِي نَفسه. وَإِطْلَاق السَّيِّد على النَّبِي مُوَافق لما ورد فِي حَدِيث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 " أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر ". لَكِن هَذَا مقَام الْإِخْبَار بِنَفسِهِ عَن مرتبته، ليعتقد أَنه كَذَلِك. وَأما فِي ذكره وَالسَّلَام عَلَيْهِ فقد علمهمْ الصَّلَاة عَلَيْهِ لما ورد سَأَلُوهُ عَن كيفيتها أجَاب بقوله: " قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد ". فَلم يذكر لفظ السَّيِّد، وَمن ثمَّ تردد ابْن عبد السَّلَام فِي أَن الْأَفْضَل ذكر السَّيِّد رِعَايَة للأدب؟ أَو عدم ذكره مُرَاعَاة للوارد، وَمَال بَعضهم إِلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ فِي حَدِيث: " من قَالَ بعد صَلَاة الْجُمُعَة اللَّهُمَّ صلَّ على مُحَمَّد عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الْأُمِّي ثَمَانِينَ مرّة غفر لَهُ ". أَنه الْأَفْضَل فِيهِ التَّعَبُّد بِلَفْظِهِ، وَعدم الزِّيَادَة على الْوَارِد. وَفصل بَعضهم فَقَالَ: صِيغَة الْوَارِد لَا يُزَاد عَلَيْهَا، وَأما إِذا أنشأ صلا من عِنْده على غير الصِّيغَة الْوَارِدَة فيزيد فِيهَا. مُحَمَّد من التَّحْمِيد وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي الْحَمد، يُقَال: حمدت فلَانا أَحْمَده إِذا أثنيت على جَمِيع خصاله، وَيُقَال: فلَان مَحْمُود. فَإِذا بلغ النِّهَايَة وتكاملت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فِيهِ المحاسن قيل مُحَمَّد. الَّذِي أرْسلهُ الله للنَّاس كَافَّة فَفِي حَدِيث الشَّيْخَيْنِ - وَغَيرهمَا: " بعثت إِلَى النَّاس عَامَّة " وَالْمرَاد نَاس / زَمَنه فَمن بعدهمْ إِلَى آخِرهم، وَلم يذكر الْجِنّ. قَالَ أَبُو الْبَقَاء: الكافة بِمَعْنى الْجَمَاعَة، وإضافته إِلَى مَا بعده خطأ لِأَنَّهُ لَا يَقع إِلَّا حَالا، وَإِنَّمَا قيل للنَّاس كَافَّة لِأَنَّهُ ينكف بَعضهم إِلَى بعض، وبالإضافة يصير من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه. انْتهى. وأصل ذَلِك لِأَن الْإِنْس أصل، أَو لِأَن النَّاس لفظته تعمهم لِأَنَّهُ من نَاس ينوس إِذا تحرّك، وَظَاهر هَذَا إِنَّه لم يُرْسل إِلَى الْمَلَائِكَة وَهُوَ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 عَلَيْهِ الْحَلِيمِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، بل حكى الإِمَام الرَّازِيّ والنسفي عَلَيْهِ الْإِجْمَاع. لَكِن انتصر جمع مِنْهُم السُّبْكِيّ للتعميم بِآيَة: (ليَكُون للْعَالمين نذيراً) . إِذْ الْعَالم مَا سوى الله، وبراوية: " وَأرْسلت إِلَى الْخلق "، وإيثار الْمُؤلف التَّعْبِير بِلَفْظ الرِّوَايَة الأولى يرشد إِلَى أَنه من الموافقين للأولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وبشيراً وَنَذِيرا أَي بَالغا فِي الوصفين غَايَة الْكَمَال، فَهُوَ بشير للْمُؤْمِنين بِالْجنَّةِ، ونذير للْكَافِرِينَ وَفِيه من أَنْوَاع البديع الطباق وَهُوَ إِيرَاد المتضادين، وهما الْبشَارَة والنذارة، وَقدم الْوَصْف بالبشارة عَلَيْهِ بالنذارة إِشَارَة إِلَى سبق الرَّحْمَة للغضب. معنى آل مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد إِضَافَة إِلَى الظَّاهِر دون الضَّمِير تلذذاً بِتَكَرُّر ذكر اسْم الْمُصْطَفى، وتجنبا لخلاف من منع إِضَافَة آل إِلَى الضَّمِير كَابْن النّحاس، وَإِن كَانَ مردوداً بِعَمَل النَّاس. وهم مؤمنو بني هَاشم وَالْمطلب عِنْد / الشَّافِعِي، وَإِذا أطلق فِي التعارف شَمل الصحب وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 لكنه صرح بهم زِيَادَة فِي الْبَيَان فَقَالَ: وَصَحبه اسْم جمع لصَاحب، بِمَعْنى الصَّحَابِيّ وَهُوَ لُغَة: من صَحبه غَيره مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الصُّحْبَة. وَاصْطِلَاحا: من لَقِي الْمُصْطَفى يقظه بعد النُّبُوَّة وَقبل وَفَاته مُسلما وَمَات على ذَلِك وَإِن تخللته ردة. وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا، قرن الصَّلَاة بِالسَّلَامِ خُرُوجًا من كَرَاهَة إِفْرَاد أَحدهمَا عَن الآخر الَّذِي نَقله النَّوَوِيّ عَن الْعلمَاء، لَكِن نوزع فِي ذَلِك نقلا ودليلا: 1 - ) أما الأول: فَقَالَ الشَّيْخ الْجَزرِي: لَا أعلم أحدا قَالَ بِالْكَرَاهَةِ أصلا. 2 - ) وَأما الثَّانِي: فَقَالَ الْمُؤلف لم أَقف على دَلِيل يَقْتَضِي الْكَرَاهَة. وَيُجَاب: بِأَن النَّوَوِيّ من أَرْكَان الْمُحدثين، وأعاظم الْفُقَهَاء، وَهُوَ ثَبت ثَبت فِي النَّقْل ثِقَة بِاتِّفَاق جَمِيع الطوائف لم يُخَالف فِي ذَلِك الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 مُخَالف، وَلم يُنَازع فِيهِ مُنَازع مَعَ الْوَرع التَّام، وَقد جزم بِهَذَا النَّقْل فَلَا يبعد أَن يكون اطلع على مَا لم يطلع الْجَزرِي وَالْمُصَنّف، وَمن حفظ حجَّة على من لَا يحفظ. وَأما حرف فِيهِ معنى الشَّرْط بِدَلِيل لُزُوم الْفَاء لجوابه غَالِبا، نَحْو: فَأَما زيد فمنطلق. بعد أَي مهما يَجِيء من شَيْء بعد حمد الله، وَالثنَاء على صِفَاته الكمالية /، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على خلصته من خلقه. البوادر الأولى للتصنيف فِي عُلُوم الحَدِيث فَإِن التصانيف جمع تصنيف، وأصل التصنيف تَمْيِيز بعض الْأَشْيَاء عَن بعض، وَمِنْه أَخذ تصنيف الْكتب، وَيُقَال: صنف الْأَمر تصنيفا أدْرك بعضه دون الْبَعْض، ولون بعضه دون بعض. فِي اصْطِلَاح أهل الحَدِيث. الِاصْطِلَاح: اتِّفَاق قوم على تَسْمِيَة الشَّيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 باسم مَا ينْقل عَن مَوْضُوعه الأول، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا مُجَرّد الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور بل الْمُشْتَمل على أَحْوَال الرِّجَال، والعلل وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يصير بِهِ الرجل نقادا مِمَّا يَأْتِي. وَلأَهل هَذَا الْعلم اصْطِلَاح يعبرون بِهِ عَن مقاصدهم إِذا حكمُوا على متن من الْمُتُون بِشَيْء. وَهَذِه النخبة فِي علم الِاصْطِلَاح الْمَنْسُوب إِلَى أَئِمَّة علم الحَدِيث، وَأهل الحَدِيث هم المشتغلون بِهِ. قد كثرت. من الْكَثْرَة ضد الْقلَّة، يُقَال كثر الشَّيْء يكثر بِالضَّمِّ، كَثْرَة بِالْفَتْح وَالْكَسْر قَلِيل، وَقيل: بل خطأ. وَيَتَعَدَّى بالتضعيف والهمزة فَيُقَال: كثرته، وأكثرته، واستكثرته، عَدو بِهِ كثير. للأئمة أَي أَئِمَّة الحَدِيث، جمع إِمَام وَهُوَ من يؤتم أَي يقْتَدى بِهِ، سَوَاء كَانَ إنْسَانا يقْتَدى بقوله وَفعله - وَهُوَ المُرَاد هُنَا - أَو كتابا، أَو غَيرهمَا محقا أَو مُبْطلًا فَكَذَلِك قَالُوا الإِمَام: الْخَلِيفَة / وَالسُّلْطَان، والعالم المقتدى بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فِي الْقَدِيم والْحَدِيث أَي فِي الزَّمن الْمُتَقَدّم، والزمن الْمُتَأَخر، وَالْقَدِيم يُطلق على الْمَوْجُود الَّذِي لَيْسَ وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ، وَهُوَ الْقَدِيم بِالذَّاتِ ويقابله الْمُحدث بِالزَّمَانِ وَهُوَ المُرَاد هُنَا، وَفِيه من أَنْوَاع البديع الطباق ثمَّ أَن قَوْله فِي الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى مَجْمُوع الشَّيْئَيْنِ والإلزام كَون الْكَثْرَة فِي كل مِنْهُمَا، وَهُوَ مُخَالف للْوَاقِع إِذْ هِيَ إِنَّمَا فِي الثَّانِي كَمَا نبه عَلَيْهِ بعض أَرْبَاب الْمعَانِي فَأول من صنف فِيهِ - أَي فِي ذَلِك - القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحسن ابْن عبد الرَّحْمَن الرامَهُرْمُزِي بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم وَضم الْهَاء وَالْمِيم الثَّانِيَة وَآخره زَاي، نِسْبَة إِلَى رامهرمز كورة من كور الأهواز من بِلَا خوزستان، يُقَال: أَن سلمَان الْفَارِسِي الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور مِنْهُ، وَخرج مِنْهَا جمَاعَة من الْأَعْيَان كَثِيرُونَ مِنْهُم القَاضِي الْمَذْكُور. ولي الْقَضَاء بِبِلَاد خوزستان، وروى عَن أَحْمد بن حَمَّاد بن سُفْيَان وعاش قَرِيبا من سنة سِتِّينَ وثلاثمائة. فِي كِتَابه الْمُحدث الْفَاصِل أَي فِي الَّذِي أَلفه فِي عُلُوم الحَدِيث، وَسَماهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 بذلك لكنه لم يستوعب أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث، لكَونه من أول من اخترع ذَلِك وَوَضعه. / والاستيعاب أَخذ الشَّيْء جَمِيعه، يُقَال: وعبته وعبا من بَاب وعد، وأوعبته إيعابا واستوعبته كلهَا بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ الْأَزْهَرِي: الوعب إيعابك الشَّيْء فِي الشَّيْء حَتَّى تَأتي عَلَيْهِ أَي تدخله فِيهِ جَمِيعه. وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن حَمْدَوَيْه الضَّبِّيّ الإِمَام الرّحال الشَّافِعِي، الْمَعْرُوف بِابْن البيع أحد الْأَعْلَام، ثِقَة ثَبت لكنه يتشيع ويحط على مُعَاوِيَة. قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ: وَالله يحب الْإِنْصَاف مَا الرجل برافضي كَمَا زَعمه ابْن طَاهِر، وَهُوَ من أعلم الْأَئِمَّة الَّذين حفظ الله بهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الدّين النَّيْسَابُورِي بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْيَاء وَفتح السِّين الْمُهْملَة، وَضم الْمُوَحدَة، نِسْبَة إِلَى نيسابور أحسن مدن خُرَاسَان وأجمعها لِلْخَيْرَاتِ، سميت بذلك لِأَن سَابُور لما رأى أرْضهَا قَالَ: يصلح أَن يكون هُنَا مَدِينَة، وَكَانَت قصبا فَقَطعه وبناها. والنّي الْقصب فَقيل: نيسابور. لكنه لم يهذب كِتَابه الَّذِي أَلفه فِي أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث وَلم يرتب أَنْوَاعه. والتهذيب التصفية والتخليص، وهذبه نقاه، وخلصه. وَالتَّرْتِيب لُغَة: جعل كل الشَّيْء فِي مرتبته، وَاصْطِلَاحا: جعل الْأَشْيَاء الْكَثِيرَة بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْوَاحِد، وَيكون لبَعض أجزاه نِسْبَة / إِلَى بَعْضهَا بالتقدم والتأخر. وتلاه أَي جَاءَ بعده الْحَافِظ أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله بن احْمَد الصُّوفِي، الْفَقِيه، الشَّافِعِي أَخذ عَن الطَّبَرَانِيّ وَغَيره، وَعنهُ الْخَطِيب وَغَيره الْأَصْبَهَانِيّ بِكَسْر الْألف وَفتحهَا، وصاد مُهْملَة، وَآخره نون، نِسْبَة إِلَى بلد هِيَ أشهر بَلْدَة بالجبال، وَهِي جموع عَسَاكِر الأكاسرة فَعمل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 كِتَابه أَي الْحَاكِم مستخرجا وَجمع أَشْيَاء كَثِيرَة بِالنِّسْبَةِ لمن تقدمه وَلكنه أبقى شَيْئا للمتعقب المريد الاسيتعاب. ثمَّ جَاءَ بعدهمْ جَمِيعهم الْحَافِظ الْخَطِيب أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه، الشَّافِعِي، أحد أَعْلَام الْحفاظ ومهرة الحَدِيث فصنف فِي قوانين الرِّوَايَة جمع قانون فَهُوَ أَمر كلي ينطبق على جَمِيع جزئياته الَّتِي يتعرف أَحْكَامهَا مِنْهُ، كَقَوْل النُّحَاة: الْفَاعِل مَرْفُوع، وَالْمَفْعُول مَنْصُوب. كتابا من الْكتب وَهُوَ ضم أَدِيم إِلَى أَدِيم بالخياطة، وَعرفا: ضم الْحُرُوف بَعْضهَا إِلَى بعض بالخط، وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم للصحيفة مَعَ الْمَكْتُوب فِيهَا سَمَّاهُ الْكِفَايَة وَفِي آدابها كتابا آخر سَمَّاهُ الْجَامِع لِآدَابِ الشَّيْخ وَالسَّامِع. أَي سَمَّاهُ بِمَجْمُوع الْمَوْصُوف وَالصّفة وَقل الْجَامِع لِآدَابِ الشَّيْخ وَالسَّامِع. أَي سَمَّاهُ بِمَجْمُوع الْمَوْصُوف وَالصّفة وَقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 فن من فنون الحَدِيث والفن من الشَّيْء هُوَ النَّوْع مِنْهُ إِلَّا وَقد صنف فِيهِ كتابا مُفردا حَتَّى زَادَت تصانيفه على الْخمسين فَكَانَ كَمَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر ابْن نقطة بِضَم النُّون / وَسُكُون الْقَاف كل من أنصف، من الْإِنْصَاف وَهُوَ الْعدْل فِي القَوْل وَالْفِعْل بِأَن لَا يَأْخُذ من صَاحبه الأمثل مَا يُعْطِيهِ من الْمَنَافِع، وَلَا ينيله من المضار إِلَّا كَمَا ينيله، علم أَي اعْتقد اعتقادا جَازِمًا مطابقا أَن الْمُحدثين الَّذين وجدوا بعد الْخَطِيب عِيَال على كتبه، الْعِيَال: أهل الْبَيْت وَمن يمونه الْإِنْسَان، فَأطلق على الْمُحدثين عِيَاله لكَونه أَعْطَاهُم مَا يمونهم أَي يقوم بكفايتهم فِي هَذَا الشَّأْن وكفاهم مُؤنَة ذَلِك، حَيْثُ لم يحتاجوا مَعَ وجود كتبه إِلَى غَيرهَا. وَيُقَال: عَال الْيَتِيم إِذا قَامَ بكفايته. وَفِي تصانيفه قَالَ السلَفِي: (تصانيف ابْن ثَابت الْخَطِيب ... ألذ من الصِّبَا الغض الرطيب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 (ترَاهَا إِذا رَوَاهَا من حواها ... رياضاً للفتى اليقظ اللبيب) (وَيَأْخُذ حسن مَا قد صاغ مِنْهَا ... بِنَقْل الْحَافِظ الفطن الأديب) ثمَّ قد جَاءَ بعض من تَأَخّر عَن الْخَطِيب فِي الزَّمَان فَأخذ من هَذَا الْعلم بِنَصِيب أَي الْحَظ. والنصيب فِي الأَصْل اسْم للحظ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ للْقِسْمَة بَين الْجَمَاعَة فَجمع من الْجمع وَهُوَ ضم مَا شَأْنه الِافْتِرَاق والتنافر، وَيُقَال ضم الشَّيْء بتقريب بعضه من بعض القَاضِي عِيَاض الْمَالِكِي الإِمَام الْمَشْهُور كتابا صَغِيرا أَي الحجم / حسن النّظم سَمَّاهُ الإلماع. وَأَبُو حَفْص الميانجي بِفَتْح الْمِيم، ومثناة تحتية مُخَفّفَة، وَفتح النُّون، وَآخره جِيم نِسْبَة إِلَى ميانة بلد بِأَذربِيجَان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَهُوَ أحد الْفُضَلَاء، الْمَشْهُورين، وَالْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة المتورعين، تفقه على القَاضِي أبي الطّيب، وَكَانَ رَفِيق الشَّيْخ أبي إِسْحَق الشِّيرَازِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 روى عَنهُ ابْن الصَّائِغ، ومدح ماوشان - وَهُوَ مَوضِع كثير الشّجر وَالْمَاء بهمذان: (إِذا ذكر الحسان من الْجنان ... فخيهلا بوادي ماوشان) (تَجِد شعبًا يشعب كل هم ... وملهى ملهيا عَن كل شَأْن) (ومغنى مغنيا عَن كل ظَبْي ... وغانية تدل على الغواني) (وتغريد الهزار على ثمار ... ترَاهَا كالعقيق وكالجمان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 (فيا لَك منزلا لَوْلَا اشتياقي ... أصيحابي بدرب الزَّعْفَرَان) فَلَمَّا سَمعهَا الشَّيْخ أَبُو إِسْحَق وَكَانَ مُتكئا جلس وَقَالَ: أَنا المُرَاد بأصيحابي بدرب الزَّعْفَرَان. جزؤا لطيفاً أَيْضا سَمَّاهُ: مَا لَا يسع الْمُحدث جَهله. وأمثال ذَلِك من التصانيف الَّتِي اشتهرت بَين أهل الحَدِيث وَبسطت ليتوفر علمهَا أَي ليكْثر الْعلم الْمُسْتَفَاد مِنْهَا، والبسط: نشر الشَّيْء وتوسيعه، فَتَارَة يتَصَوَّر فِيهِ الْأَمْرَانِ، وَتارَة أَحدهمَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ) / أَي وَسعه. والتوفر على الشَّيْء صرف الهمة لَهُ واختصرت ليتيسر فهمها قَالَ الشَّيْخ قَاسم الْحَنَفِيّ - تلميذ الْمُؤلف: أوردت على المُصَنّف أَن الِاخْتِصَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 لتيسير الْحِفْظ لَا لتيسير الْفَهم فَأجَاب: بِأَن المُرَاد فهم متين لَا يَزُول سَرِيعا، فَإِنَّهَا إِذا اختصرت سهل حفظهَا، وَحِينَئِذٍ يسهل فهمها بِسَبَب حفظهَا، وَلَا كَذَلِك المبسوطة لِأَنَّهُ إِذا وصل إِلَى الآخر قد يغْفل عَن الأول. انْتهى. ولخص لَك بَعضهم فَقَالَ: اختصرت لتيسر الْفَهم الْمعِين عَلَيْهِ الْحِفْظ، الَّذِي هُوَ فِي نفس الْأَمر عِلّة اللاختصار فَيكون فهما راسخا لَا يَزُول. والاختصار إقلال اللَّفْظ بإكثار الْمَعْنى، وَاخْتصرَ ذَلِك بَعضهم فَقَالَ: إقلال بِلَا إخلال، وَقيل غير ذَلِك. والتيسير: التسهيل. والفهم: تصور الْمَعْنى من لفظ الْمُخَاطب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَيُقَال: هَيئته للنَّفس بهَا يتَحَقَّق مَعَاني مَا يحسن. إِلَى أَن جَاءَ من الْمَجِيء وَهُوَ الْإِتْيَان بسهولة الْحَافِظ الْفَقِيه الشَّافِعِي تَقِيّ الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن الصّلاح صَلَاح الدّين عبد الرَّحْمَن الشهرزوري بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة، وَسُكُون الْهَاء وَضم الرَّاء وَالزَّاي وَآخره رَاء أُخْرَى نِسْبَة إِلَى شهرزور، بَلْدَة بَين الْموصل وهمدان بناها زور ابْن الضَّحَّاك فَقيل: شهر زور مَعْنَاهُ / مَدِينَة زور نزيل دمشق. ولد ابْن الصّلاح سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة، وتفقه على أَبِيه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَكَانَ وَالِده شيخ تِلْكَ النَّاحِيَة، وَجمع بَين طريقي الْمَذْهَب قبل أَن يطر شَاربه، وساد، وتفقه، وارتحل، فَأخذ عَن جمَاعَة، وَسمع الحَدِيث، ودرس بالشامية الجوانية، والأشرفية، والرواحية بِالشَّام، والصالحية بالقدس، وَمَات سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة. فَجمع لما ولي تدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية الَّتِي بِدِمَشْق كِتَابه الْمَشْهُور أَي الفاشي بَين النَّاس فهذب فنونه أَي نقاها وخلصها من الشوائب وأملاه من الْإِمْلَاء وَهُوَ إِلْقَاء مَا يشْتَمل عَلَيْهِ الضَّمِير إِلَى اللِّسَان قولا وعَلى الْكتاب رسماً شَيْئا بعد شَيْء على حسب الدُّرُوس فَلهَذَا لم يحصل ترتيبه على الْوَضع المتناسب أَي المتقارب الْمُتَشَابه، وَالْمُنَاسِب الْقَرِيب، وَبَينهمَا مُنَاسبَة، وَهَذَا يُنَاسب هَذَا أَي يُقَارِبه شبها واعتنى بتصانيف الْخَطِيب المتفرقة فَجمع شتات مقاصدها، الاعتناء: الإهتمام بالشَّيْء والاحتفال بِهِ، وَيُقَال: شت شتا إِذا تفرق وَالِاسْم الشتات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَضم إِلَيْهَا أَي إِلَى مَا اشْتَمَلت على تِلْكَ الْكتب من غَيرهَا نخب فوائدها أَي زبد فَوَائِد تصانيف / غَيرهَا. وَالضَّم: الْجمع بَين شَيْئَيْنِ فَأكْثر. والنخب: جمع نخبة وَهِي الشَّيْء الْمُخْتَار، وَيُقَال: هُوَ نخبة قومه أَي خيارهم، وَهُوَ نخيب الْقَوْم. وانتخبه انتزعه. والفوائد: فواعل غير منصرف جمع فَائِدَة، من الْفَوَائِد لِأَنَّهَا تفعل بِهِ، أَو من الفيد لَا من الفود وَهِي لُغَة: مَا اسْتُفِيدَ من علم أَو مَال. وَعبر عَنهُ بَعضهم بقوله: الزِّيَادَة تحصل للْإنْسَان، اسْم فَاعل من فادت لَهُ فَائِدَة فيداً، وأفيدته أَعْطيته، وأفدت مِنْهُ أخذت، وَعرفا كل نَافِع ديني أَو دُنْيَوِيّ. فَاجْتمع فِي كِتَابه مَا تفرق فِي غَيره فِي الْكتب الْكَبِيرَة والمتكثرة فَلهَذَا عكفت النَّاس أهل الحَدِيث عَلَيْهِ أَي أَقبلُوا عَلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَاشْتَغلُوا بِهِ والعكوف: لإقبال على الشَّيْء وملازمته على سَبِيل التَّعْظِيم لَهُ. وَسَارُوا بسيره أَي مَشوا على طَرِيقَته فَلَا (يُحْصى) كم ناظم لَهُ كالحافظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ - جدنا الْأَعْلَى من قبل الْأُم - فِي ألفيته الْمَشْهُورَة، الَّتِي هِيَ الْمرجع فِي هَذَا الشَّأْن ومختصر لَهُ كالنووي اخْتَصَرَهُ مرَّتَيْنِ سمى أحد الْكِتَابَيْنِ " التَّقْرِيب " وَالْآخر " الْإِرْشَاد "، وَابْن كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 اخْتَصَرَهُ وأضاف إِلَيْهِ الْكثير ومستدرك عَلَيْهِ كمغلطاي فِي كِتَابه " إصْلَاح ابْن الصّلاح " وَالْإِمَام البُلْقِينِيّ فِي كِتَابه " محَاسِن الِاصْطِلَاح " ومقتصر ومعارض لَهُ كالبلقيني ومنتصر كالعراقي فِي نكته. فَسَأَلَنِي من السُّؤَال وَهُوَ: طلب الْأَدْنَى من / الْأَعْلَى بعض الإخوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 جمع أَخ، وَأَصله المشارك لآخر فِي الْولادَة، ثمَّ استعير للمشارك فِي دين، أَو حِرْفَة، أَو مَوَدَّة كَمَا هُنَا، أَن ألخص لَهُم من التَّلْخِيص وَهُوَ: اسْتِيفَاء الْمَقَاصِد بِكَلَام موجز المهم من ذَلِك فلخصته فِي أوراق لَطِيفَة أَي قَليلَة الحجم، وَلَو عبر بورقات كَانَ أولى لِأَنَّهَا دون الْعشْرَة، وَالْوَرق: الكاغد كَذَا ذَكرُوهُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: وَهَذَا لم يُوجد فِي الْكَلَام الْقَدِيم، بل الْوَرق اسْم لجلود رقاق يكْتب فِيهَا وَهِي مستعارة من ورق الشّجر. وَقَالَ لخصت وَلم يقل اختصرت لِأَن الِاخْتِصَار أَعم من التَّلْخِيص، فَتَارَة يكون اختصاراً على بعض الأَصْل مَعَ عدم اسْتِيفَاء الْمَقَاصِد وَغَيرهَا بِكَلَام موجز، وَتارَة يكون مَعَ اسْتِيفَاء، وَالْمُصَنّف لم يسْتَوْف. سميتها نخبة الْفِكر فِي مصطلح أهل الْأَثر أَي سميتها لمجموع الْمَوْصُوف وَالصّفة. والفكر بِفَتْح فَكسر جمع فكر بِالْكَسْرِ، وَهُوَ تردد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الْقلب بِالنّظرِ والتدبر لطلب الْمعَانِي، أَو تَرْتِيب أُمُور فِي الذِّهْن ليتوصل بهَا إِلَى مَطْلُوب. والأثر بحركة الحَدِيث على تَرْتِيب ابتكرته أَي اخترعته. والابتكار: اتِّخَاذ الشَّيْء على غير مِثَال سبق وسبيل انتهجته أَي طَرِيق وضحته وأبنته فَصَارَ متبينا مَعَ مَا ضممت إِلَيْهِ من شوارد الْفَوَائِد جمع شارد وَهِي النافرة، وَالْمرَاد بهَا هُنَا: مَا ذكر فِي غير مظنته. وبزوائد الفرائد جمع فريد، وَهِي وَاسِطَة العقد الْمُنْفَرد فِي حسنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فَرغب إِلَى ثَانِيًا أَي أَرَادَ مني بعد أَن أَجَبْته / أَولا بِوَضْع الْمَتْن أَن أَضَع عَلَيْهِ شرحاً يحل رموزها جمع رمز وَهُوَ: التلطف فِي الإفهام وَالْإِشَارَة إِلَى أصُول الْكَلَام وَيفتح كنوزها أَي يزِيل المغلق عَن فوائدها المدخرة المستورة ويوضح مَا خَفِي على الْمُبْتَدِي أَي فِي معرفَة اصْطِلَاح أهل الحَدِيث. والمبتدي: من حصل شَيْئا مَا من الْفَنّ. والمنتهي: من حصل مِنْهُ أَكْثَره وَصلح لإفادته، وَقيل: من شرع فِي فن فَإِن لم يشْتَغل بتصور مسَائِل فمبتد، وَإِلَّا فمنته إِن استحضر غَالب أَحْكَامه وَأمكنهُ الِاسْتِدْلَال، وَإِلَّا فمتوسط. وَقيل: الْمُبْتَدِي هُوَ الَّذِي لم يسند شَيْئا والمنتهي هُوَ الَّذِي يسند. ذكره البقاعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 من ذَلِك أَي بكشفه لَهُ فأجبته إِلَى سُؤَاله أَي وافقته عَلَيْهِ، والإجابة الْمُوَافقَة على بذله الْمَطْلُوب، وَعبارَة المُصَنّف تَقْتَضِي أَنه كتب بعض الْمَتْن بعد أَن شرع فِي الشَّرْح وَذَلِكَ لَا يغْفل، نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ قَاسم حَيْثُ قَالَ: قَوْله فِي الْمَتْن فَسَأَلَنِي بعض الإخوان أَن ألخص لَهُم المهم من ذَلِك وَقَالَ فِي الشَّرْح فلخصته ... ... إِلَى أَن قَالَ: فَرغب إِلَيّ ثَانِيًا أَن أَضَع عَلَيْهَا شرحاً ثمَّ قَالَ فِي الْمَتْن: فأجبته إِلَى سُؤَاله ثمَّ قَالَ: فيلوح من هَذَا كُله تنكيت على المُصَنّف وَهُوَ أَن عبارَة الْمَتْن بِحَسب مَا شرحت تفِيد أَنه كتب بعض الْمَتْن بعد الشَّرْح / رَجَاء الاندراج فِي تِلْكَ المسالك أَي فِي مَسْلَك من اختصر وَاقْتصر والرجاء: توقع حُصُول مَحْبُوب عَن قرب. والاندراج: الدُّخُول فِي زمرة الْقَوْم. والمسالك: جمع مَسْلَك وَهُوَ الطَّرِيق. فبالغت فِي شرحها فِي الْإِيضَاح والتوجيه أَي بذلت الْجهد فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 ذَلِك ونبهت على خبايا زواياها فَإِن صَاحب الْبَيْت أدرى بِمَا فِيهِ، وَظهر لي أَن إِيرَاده أَي الشَّرْح على صُورَة الْبسط أليق من الِاخْتِصَار ودمجها أَي النخبة الَّتِي هِيَ الْمَتْن ضمن توضيحها وَهُوَ الشَّرْح أوفق للمشتغل بمطالعتها، وقراءتها، وإقرائها، والدمج: إِدْخَال الشَّيْء فِي الشَّيْء بِحَيْثُ يحصل الامتزاج فسلكت هَذَا الطَّرِيق القليلة السالك فَأَقُول طَالبا من الله التَّوْفِيق فِيمَا هُنَاكَ والتوفيق: جعل الله فعل عَبده مُوَافقا للصَّوَاب. وَيفهم من كَلَامه أَنه سمى الشَّرْح توضيح النخبة، وَأَن بعض الْخطْبَة تقدم على وضع الشَّرْح وَالْبَعْض تَأَخّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أَقسَام الْخَبَر الْخَبَر (أى ماهيته أَو حَقِيقَته) عِنْد أهل اللُّغَة: مَا ينْقل ويتحدث بِهِ. وَعند أهل الْمعَانِي: مَا يحصل مَدْلُوله فِي الْخَارِج بِغَيْرِهِ. وَعند أهل الْأُصُول مركب كَلَامي يدْخلهُ عقلا الصدْق - وَهُوَ مَا طابق الْوَاقِع - وَالْكذب - وَهُوَ مَا لَا يطابقه - أَي من حَيْثُ الْعقل (وَكَونه) خَبرا كقام زيد. أما من حَيْثُ اللَّفْظ / فَلَا يحْتَمل إِلَّا الصدْق وَالْكذب احْتِمَال عَقْلِي، وَشَمل تعريفهم مَا يقطع بصدقه كخبره تَعَالَى وَخبر رَسُوله الله والمتواتر، أَو بكذبه كَذَلِك كالنقيضين يَجْتَمِعَانِ أَو يرتفعان، فَإِن ذَلِك لَيْسَ من مبَاحث كَونه خَبرا بل لخارج. ينْسبهُ عِنْد عُلَمَاء هَذَا الْفَنّ وهم المحدثون مرادف للْحَدِيث قَالَ فِي الْخَبَر بِالنِّسْبَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 إِلَى مَا عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ بِخُصُوصِهِ عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَأَصله خبر الرَّسُول. والْحَدِيث: وَهُوَ مَا أضيف إِلَى النَّبِي وَقيل الحَدِيث مَا جَاءَ عَن النَّبِي سَوَاء كَانَ كلمة، أَو كلَاما، أَو فعلا، أَو تقريراً، أَو صفة حَتَّى الحركات والسكنات، يقظة أَو مناما. وَالْخَبَر مَا جَاءَ عَن غَيره من صَحَابِيّ أَو من دونه فَلَا يُطلق الحَدِيث على غير الْمَرْفُوع إِلَّا بِشَرْط التَّقْيِيد فَيُقَال: هَذَا حَدِيث مَوْقُوف، أَو مَقْطُوع، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ كَثِيرُونَ. وَمن ثمَّ أَي وَمن هُنَا قيل لمن اشْتغل بالتواريخ وَمَا شاكلها من الوفيات والمناقب الإخباري لَا الْمُحدث وَلمن اشْتغل بِالسنةِ النَّبَوِيَّة الْمُحدث لَا الإخباري، فبينهما تبَاين، أما السّنة فتختص بالمرفوع اتِّفَاقًا وَقيل بَينهمَا خُصُوص وَعُمُوم مُطلق، فَكل حَدِيث خبر من غير عكس قَالَه الشَّيْخ قَاسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وعبرت هُنَا بالْخبر ليَكُون أشمل لِأَنَّهُ يتَنَاوَل الْمَرْفُوع عِنْد الْجُمْهُور بِاعْتِبَار الترادف ويتناول / الْمَوْقُوف والمقطوع عِنْد من عدا الْجُمْهُور. اه. وَهُوَ أشهر، وَالْأول أصح. وَقَالَ الْمُؤلف: قولي ليَكُون أشمل بِاعْتِبَار الْأَقْوَال، فَأَما على الأول فَوَاضِح وَأما على الثَّالِث فَلِأَن الْخَبَر أَعم مُطلقًا، فَكلما ثَبت للأعم ثَبت للأخص، وَأما على الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إِذا اعْتبرت هَذِه الْأُمُور فِي الْخَبَر إِلَى هُوَ وَارِد عَن النَّبِي فَلِأَن يعْتَبر ذَلِك فِيمَا ورد عَنهُ - وَهُوَ الحَدِيث - أولى، بِخِلَاف مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 إِذا اعْتبرت فِي الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يلْزم اعْتِبَارهَا فِي الْخَبَر لِأَنَّهُ أدون رُتْبَة من الحَدِيث على هَذَا القَوْل. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَمَا ذكرته أولى، إِذْ فِي هَذَا التَّقْرِيب مَا لَا يَصح وَهُوَ قَوْله: فَكلما ثَبت الْأَعَمّ ثَبت الْأَخَص مَعَ الإطناب المخل. انْتهى. وَذكر النَّوَوِيّ فِي " تقريبه " أَن الْمُحدثين يسمون الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف بالأثر، وان فُقَهَاء خُرَاسَان يسمون الْمَوْقُوف بالأثر وَالْمَرْفُوع بالْخبر. تَعْرِيف علم الحَدِيث رِوَايَة ودراية وَعلم الحَدِيث رِوَايَة: علم يشْتَمل على نقل ذَلِك، وَقيل: علم يعرف بِهِ أَقْوَال رَسُول الله وأفعاله وأحواله. ودراية - قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ - وَهُوَ المُرَاد عِنْد الْإِطْلَاق -: علم يعرف بِهِ حَال الرَّاوِي والمروي من حَيْثُ الْقبُول وَالرَّدّ وَمَا يتَعَلَّق بذلك فِي معرفَة اصْطِلَاح أَهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَقيل: هُوَ الْقَوَاعِد الْكُلية الْمعرفَة بِحَال الرَّاوِي والمروي وغايته: معرفَة المقبول والمردود. ومسائله /: مَا حوته كتبه من الْمَقَاصِد. وَقيل: علم بقوانين يعرف بهَا أَحْوَال الْإِسْنَاد والمتن. وَاخْتَارَهُ ابْن جمَاعَة. قَالَ: مَوْضُوعه السَّنَد والمتن. وغايته تَمْيِيز الصَّحِيح من غَيره. وَقَالَ ابْن قطلوبغا والبقاعي: مَوْضُوعه طرق الحَدِيث، لِأَن الْمُحدث يبْحَث عَمَّا يعرض لذاتها من الِاتِّصَال وأحوال الرِّجَال. وَأما قَول الْكرْمَانِي: حَده علم يعرف بِهِ أَقْوَال النَّبِي وأفعاله، وأحواله. وموضوعه ذَات النَّبِي من حَيْثُ إِنَّه نَبِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فَرد بشموله لعلم الاستنباط، وَبِأَن هَذَا مَوْضُوع الطِّبّ لَا الحَدِيث. الحَدِيث الْمُتَوَاتر فَهُوَ بِاعْتِبَار وُصُوله إِلَيْنَا لَا بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ وَلَا نَفسه إِمَّا أَن يكون لَهُ طرق أى أَسَانِيد كَثِيرَة قَالَ الشَّيْخ قَاسم: لَا حَاجَة إِلَى ذكر الْأَسَانِيد فِي تَفْسِير طرق، لقَوْله بعده: وَالْمرَاد بالطرق ... ... إِلَى آخِره. وردّ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَسَانِيدِ هُنَا التوطية لقَوْله ... ... كَثِيرَة وَفِيمَا يَأْتِي التَّفْسِير لِأَن طرقا جمع طَرِيق، وفعيل فِي الْكَثْرَة تجمع على فعل بِضَمَّتَيْنِ، وَفِي الْقلَّة على أفعلة واعتراضه بِأَنَّهُ لَا يصلح دَلِيلا على أَن طرقاً جمع كَثْرَة لِأَنَّهُ لم يوضع جمع قلَّة وَإِنَّمَا يَصح فِيمَا لَهُ جمع قلَّة وَكَثْرَة، وَمَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا جمع كَثْرَة يسْتَعْمل فيهمَا، فَلَا يدل اسْتِعْمَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 على الْكَثْرَة، فَلَو اسْتدلَّ بِجعْل التَّنْوِين للتكثير والتعظيم كَانَ ظَاهرا عقله من عَظِيم، كَيفَ وَقد صرح / جمع - مَا بَين مُتَقَدم ومتأخر - بجمعه على أطرقه، فَمن الْأَوَّلين الْجَوْهَرِي وناهيك فِي " صحاحه " الَّذِي الْتزم فِيهِ الصَّحِيح، والأزهري فِي " تهذيبه "، والصغاني فِي " عبابه ". وَمن الْمُتَأَخِّرين الفيومي فِي " مصباحه "، وَالْمجد فِي " قاموسه "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 والرازي فِي " مختاره " وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم، وكل ذَلِك فِي نظر الْمُعْتَرض، لَكِن حب التغليط يعمي ويصم. المُرَاد بِالْإِسْنَادِ وَالْمرَاد بالطرق الْأَسَانِيد، والإسناد حِكَايَة طَرِيق الْمَتْن أَي والسند طَرِيق الْمَتْن كَمَا قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف. قَالَ القَاضِي: هَذَا هُوَ التَّحْقِيق. وَتعقبه الْكَمَال بِأَنَّهُ فسر الْإِسْنَاد بِالطَّرِيقِ ثمَّ بالحكاية الْمَذْكُورَة فَلَزِمَ مِنْهُ إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه، إِذْ مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن الْإِضَافَة فِيهِ غير بَيَانِيَّة. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 والبقاعي بِأَنَّهُ أَرَادَ بِاعْتِبَار اللُّغَة فممكن، وَأما اصْطِلَاحا فَلَا يشك مُحدث أَن السَّنَد والإسناد مُتَرَادِفَانِ، ومعناهما طَرِيق الْمَتْن، وأدل دَلِيل على تَفْسِير الطّرق بِالْأَسَانِيدِ. وَالطَّرِيق لَيست الْحِكَايَة بل المحكي، وَسَيَأْتِي قَوْله: ثمَّ الْإِسْنَاد وَهُوَ الطَّرِيق الموصلة إِلَى الْمَتْن. انْتهى / وَالشَّيْخ قَاسم: بِأَن قَوْله: المُرَاد بالطرق الْأَسَانِيد مُسْتَدْرك، فَإِنَّهُ قد صَار الْحَاصِل أَن الطَّرِيق حِكَايَة الطَّرِيق، قَالَ: وَمَا طرق المُصَنّف هَذَا الِاعْتِرَاض. قَالَ: التَّحْقِيق أَن تكون الْإِضَافَة بَيَانِيَّة / فِي قَوْله: طَرِيق حِكَايَة الْمَتْن، إِذْ لَا يلْزم من إِفَادَة عدد معنى للْعلم فِي صُورَة مُعينَة إفادته لَهُ فِي جَمِيع الصُّور، لاخْتِلَاف الْحَال فِي ذَلِك باخْتلَاف الوقائع والمحدثين والسامعين. فَقلت لَهُ: التَّحْقِيق خلاف هَذَا التَّحْقِيق، لِأَن الْحِكَايَة فعل (و) الطَّرِيق أَسمَاء الروَاة فَلَا يَصح أَن يكون أَحدهمَا عين الآخر. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وأصل ذَلِك قَول ابْن جمَاعَة وَالطِّيبِي: السَّنَد الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن، والإسناد رفع الحَدِيث إِلَى قَائِله. قَالَ الطَّيِّبِيّ: نعم هما متقاربان فِي معنى اعْتِمَاد الْحفاظ فِي صِحَة الحَدِيث وَضَعفه عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْن جمَاعَة: المحدثون يستعملون السَّنَد والإسناد لشَيْء وَاحِد. انْتهى. قَالَ الْكَمَال: وَقد أَشَارَ الْمُؤلف إِلَى ذَلِك الِاسْتِعْمَال بقوله هُنَا: الْإِسْنَاد حِكَايَة طَرِيق الْمَتْن، وَبِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي فِي مَبْحَث الصَّحِيح وَغَيره: والسند تقدم تَعْرِيفه، مَعَ أَنه لم يقدم إِلَّا هَذَا فَجعله تَعْرِيف السَّنَد هُوَ تَعْرِيف الْإِسْنَاد بِعَيْنِه بَين بِهِ أَن كلا مِنْهُمَا يَسْتَعْمِلهُ المحدثون مَكَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الآخر اصْطِلَاحا، وَحِينَئِذٍ فَلَا اتجاه لحكم تِلْمِيذه السخاوي لمتبوعه على كَلَامه بالتعارض. شُرُوط الحَدِيث الْمُتَوَاتر وَتلك الْكَثْرَة أحد شُرُوط التَّوَاتُر إِذا وَردت بِلَا حصر عدد معِين أَي مشترط وَلَا صفة مَخْصُوصَة بل بِحَيْثُ يوقفون / إِلَى حد تكون (الْعَادة) قد أحالت مَعَه تواطؤهم أَي توافقهم على الْكَذِب أَو وُقُوعه مِنْهُم اتِّفَاقًا من غير قصد قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقَوله اتِّفَاقًا يُغني عَن قَوْله: عَن غير قصد. اه. وَلذَلِك قَالَ بَعضهم: هَذَا تَفْسِير لقَوْله اتِّفَاقًا. وَقَوله: الْعَادة هُوَ مَا صرح بِهِ الْعَضُد فِي شُرُوط التَّوَاتُر وفَاقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 لغيره، وَفِيه تَنْبِيه على أَن من قَالَ عقلا أَرَادَ أَن الْعقل لَا يجوز من حَيْثُ الِاسْتِنَاد إِلَى الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب، وَإِلَّا فالتجويز الْعقلِيّ دون نظر إِلَى الْعَادة لَا يرْتَفع وَإِن بلغ الْعدَد مَا عَسى أَن يسع. وَقَوله: تواطؤهم. أَي توافقهم على الْكَذِب، أَي على الْإِخْبَار بِخَبَر غير مُطَابق للْوَاقِع، بِأَن يتواردوا عَلَيْهِ وَهُوَ أَعم من توافقهم، على أَن كلامنا بِخَبَر بِكَذَا. وَفِي كَلَامه إِشَارَة إِلَى أَن منشأ إِحَالَة الْعَادة لذَلِك كثرتهم فَلَا يرد النَّقْض لخَبر الْوَاحِد الْمُفِيد الْعلم بالقرائن الخارجية. وَلَا يشْتَرط فِي الْجَمَاعَة الَّذين يَرْوُونَهُ أَن يكون فيهم مَعْصُوم، وَلَا أهل الذلة خلافًا لمن شَرط الأول وَإِلَّا لم يمْتَنع التوافق على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْكَذِب. وَلمن شَرط الثَّانِي لِأَنَّهُ يمْتَنع تواطؤهم عَادَة للخوف بِخِلَاف أهل الْعِزَّة، وَحِينَئِذٍ فَلَا معنى لتعين الْعدَد على الصَّحِيح بل الصَّوَاب. وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّد الْمُحَقق فِي شرح المواقف /: من اعْتبر فِي التَّوَاتُر - يعْنى لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَو عبر بِهِ كَانَ أولى - عددا معينا فقد أحَال، فَإِن ذَلِك مِمَّا يخْتَلف بِحَسب الوقائع، وَالضَّابِط مبلغ يَقع مِنْهُ الْيَقِين، فَإِذا حصل الْيَقِين فقد تمّ الْعدَد. وَقَالَ بَعضهم: وَجه عدم اشْتِرَاط الْعدَد أَنا نقطع بِحُصُول الْعلم من المتواترات من غير علم بِعَدَد مَخْصُوص لَا سَابق وَلَا لَاحق، وَذَلِكَ أَن الِاعْتِقَاد يتوفر عِنْد الْأَخْبَار بتدريج خَفِي إِلَى أَن يحصل الْقطع. وَمِنْهُم من عينه فِي الْأَرْبَعَة قَالَ بَعضهم: وَلم ترد الْأَرْبَعَة فِي دَلِيل أَفَادَ الْعلم أصلا. وَقيل فِي الْخَمْسَة يَعْنِي فِيمَا فَوق الْأَرْبَعَة، وَعَلِيهِ الباقلاني لاحتياجهم إِلَى التَّزْكِيَة فِيمَا لَو شهدُوا بِالزِّنَا، فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 يُفِيد قَوْلهم الْعلم. وَقيل فِي السَّبْعَة وَقيل فِي الْعشْرَة لِأَن مَا دونهَا آحَاد كَذَا علله الْجلَال الْمحلي قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: فَظَاهره إِرَادَة اصْطِلَاح الْحساب، وَعَلِيهِ لَا جِهَة للتمسك لَهُ وَهُوَ تَوْجِيه غَرِيب، وَالْمَعْرُوف التَّوْجِيه بِأَن مَا دونهَا جمع قلَّة وَلَا يخفي ضعفه وَقيل فِي الاثْنَي عشر كعدد نقباء بني إِسْرَائِيل كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا) بعثوا إِلَى الكنعانيين بِالشَّام طَلِيعَة لبني إِسْرَائِيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم، فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا أَنه أهل مَا يُفِيد الْعلم بالمطلوب. وَقيل فِي الْأَرْبَعين وَقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 فِي الْعشْرين لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: (إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ) فيفهم بعث عشْرين إِلَى مِائَتَيْنِ إخبارهم لغَيرهم فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أهل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك /. وَأما الْأَرْبَعين لقَوْله تَعَالَى: (يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ) وَكَانُوا أَرْبَعِينَ، فإخبار الله عَنْهُم بِأَنَّهُم كَانُوا مُؤمنين تَنْبِيه يَسْتَدْعِي إخبارهم عَن أنفسهم بذلك لَهُ لِيَطمَئِن قلبه، وكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك. وَقيل فِي السّبْعين عدَّة أَصْحَاب مُوسَى لقَوْله تَعَالَى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا) أَي للاعتذار إِلَى الله من عبَادَة الْعجل، ولسماعهم كَلَامه من أَمر وَنهي ليخبروا قَومهمْ بِمَا يسمعُونَ فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك وَقيل غير ذَلِك فمما قيل ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر عَنهُ أهل طالوت وَأهل بدر. وَتمسك كل قَائِل على مَا عينه من الْعدَد بِدَلِيل جَاءَ فِيهِ ذكر ذَلِك الْعدَد فَأفَاد الْعلم اليقيني وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يطرد فِي غَيره لاحْتِمَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الِاخْتِصَاص قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَلم ترد الْأَرْبَعَة، والخمسة، والسبعة، وَالْعشرَة، وَالْأَرْبَعُونَ فِي دَلِيل أَفَادَ الْعلم أصلا، فَلَا يَصح أَن يُقَال فِي هَذِه: وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يطرد فِي غَيره. انْتهى. وَيُجَاب بِأَن الْمُؤلف من أكَابِر الْحفاظ، وَمن حفظ حجَّة على من لم يحفظ. فَإِذا ورد الْخَبَر كَذَلِك وانضاف إِلَيْهِ أَن يَسْتَوِي الْأَمر (فِيهِ) فِي الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة قَالَ بَعضهم: كَلَامه هَذَا كالناطق بِأَن أَقَله عِنْده / عشرَة، وَأَنه لَا يَكْفِي مَا دونهَا فيناقض مَا ذكره قبله، لِأَنَّهُ اشْترط الْكَثْرَة، وَالْعشرَة أقل جموعها وَمَا دونهَا جمع قلَّة وَهِي رأى الْإِصْطَخْرِي. وَقَالَ فِي " التَّقْرِيب ": إِنَّه الْمُخْتَار. لَكِن رد بِأَنَّهُ لَا ارتباط عَادَة بَين خُرُوج الْعدَد عَن جمع الْقلَّة وَبَين إِفَادَة الْعلم الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرط، نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 يشْتَرط أَن يكون الْعدَد فَوق أَرْبَعَة بِاتِّفَاق جُمْهُور الشَّافِعِيَّة، وَبِذَلِك عرف أَن الْمُؤلف لم يعْتَبر هُنَا - وَفِيمَا يَأْتِي - بِجمع الْكَثْرَة، كَانَ أولى وأنفى للتعارض بَين كلاميه. من ابْتِدَائه وَيسْتَمر ذَلِك فِي كل طبقَة إِلَى انتهائه الَّذِي من ابْتِدَاء السَّنَد إِلَى الِانْتِهَاء إِلَى من أخْبرهُم بالواقعة القولية، أَو الفعلية، لِأَن خبر كل طبقَة وعصر مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَلَا بُد فِيهِ من ذَلِك. وَالْمرَاد بالاستواء أَن لَا تنقص الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة فِي بعض الْمَوَاضِع اعْتِرَاض بِأَنَّهَا قد تنقص وَلَا يضر بِأَن تكون قد جَاوَزت الْحَد الْمُشْتَرط. وَأجِيب بِأَن مُرَاده أَن لَا ينقص الْمُعْتَبر لَا أَن لَا تزيد لِأَن الزِّيَادَة هُنَا مَطْلُوبَة من بَاب الأولى لِأَنَّهَا زِيَادَة فِي الْقُوَّة وَأَن يكون مُسْتَند انتهائه أَي الْخَبَر الْأَمر الْمشَاهد أَو المسموع من رَسُول الله أَو من الصَّحَابِيّ، أَو بعده على مَا مر. لَا أَن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 مُسْتَنده مَا ثَبت بقضية الْعقل الصّرْف أَي الْمَحْض لِإِمْكَان الْغَلَط فِيهِ كَخَبَر الفلاسفة بقدم الْعَالم، وَلَو قَالَ بِالْعقلِ / فَقَط بدل الصّرْف كَانَ أولى. فَإِذا جمع الْخَبَر هَذِه الشُّرُوط الْأَرْبَعَة وَهِي عدد كثير قد أحالت الْعَادة أَي منعت تواطؤهم وتوافقهم على الْكَذِب رووا ذَلِك عَن مثلهم فِي امْتنَاع وُقُوع تواطؤهم على الْكَذِب، وَيسْتَمر الْحَال كَذَلِك بِأَن يكون كل طبقَة جمَاعَة بِالصّفةِ الْمَذْكُورَة من الِابْتِدَاء إِلَى الِانْتِهَاء أَي من ابْتِدَاء السَّنَد إِلَى الِانْتِهَاء إِلَى من أخْبرهُم. وَقَول الْمُؤلف فِي تَقْرِيره: المُرَاد مثلهم فِي كَون الْعَادة تحيل تواطؤهم على الْكَذِب وَإِن لم يبلغُوا عَددهمْ، فالسبعة الْعُدُول ظَاهرا بَاطِنا مثل عشرَة عدُول فَقَط فِي الظَّاهِر، فَإِن الصِّفَات تقوم مقَام الذوات بل قد يُفِيد قَول سَبْعَة صلحاء الْعلم وَلَا يُفِيد قَول عشرَة دونهم فِي الصّلاح فَالْمُرَاد حِينَئِذٍ الْمُمَاثلَة فِي الْعلم لَا فِي إِفَادَة الْعدَد. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 رده الشَّيْخ قَاسم: بِأَن الأول هُوَ الصَّحِيح، وَأما قَوْله فالسبعة ... ... إِلَى آخِره فَلَيْسَ بِشَيْء، إِذْ لَا دخل لصفات المخبرين فِي بَاب التَّوَاتُر، وَالْمقَام مستغن عَن هَذَا كُله. وَكَانَ مُسْتَند انتهائهم الْحس أَي مَا من شَأْنه ذَلِك، قَالَ فِي " شرح المواقف ": الْحَاصِل فِي التَّوَاتُر علم جزئي من شَأْنه أَن يحصل بالإحساس فَلذَلِك لَا يَقع فِي الْعُلُوم بِالذَّاتِ. وانضاف إِلَى ذَلِك أَي مَا ذكر من الشُّرُوط أَن يصحب خبرهم بِالضَّرُورَةِ إِفَادَة الْعلم جَوَاب قَوْله: قيل فَإِذا ورد الْخَبَر ... إِلَخ لسامعه فَهَذَا هُوَ الْمُتَوَاتر كَذَا وَقع للمؤلف، وَاعْترض بِأَن هَذَا حكم التَّوَاتُر / فَكيف يَجْعَل حكم الشَّيْء شرطا لَهُ؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرِيد أَنه من شُرُوط الْعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 التَّوَاتُر النسبي واللفظي والمعنوي وَاعْلَم أَن التَّوَاتُر قد يكون نسبيا فيتواتر الْخَبَر عِنْد قوم دون قوم كَمَا يَصح الْخَبَر عِنْد بعض دون بعض. وَقد يكون لفظياً أَو معنوياً، فَإِنَّهُم إِن اتَّفقُوا فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى فلفظي. وَإِن اخْتلفُوا فِيهَا مَعَ رجوعهم إِلَى معنى كلي مُشْتَرك فِيهِ فمعنوي، لَا يُقَال هَذَا تَقْسِيم أهل الْأُصُول فَذكره هُنَا من الفضول إِذْ لَا تعلق لهَذَا الْفَنّ بِهِ، وَالَّذِي يتَعَلَّق بالمحدث إِنَّمَا هُوَ اللَّفْظِيّ على مَا فِيهِ أَيْضا؟ لأَنا نقُول: هَذَا غير مَقْبُول، بل هُوَ مَبْحَث عَن الْقسمَيْنِ جَمِيعًا. أما اللَّفْظِيّ فأمثلته كَثِيرَة، وَأما الْمَعْنَوِيّ فقد مثلُوا لَهُ بِأَحَادِيث مِنْهَا: أَخْبَار رفع الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاء، فقد ورد عَن الْمُصْطَفى نَحْو مائَة حَدِيث فِيهَا رفع يَدَيْهِ فِي الدُّعَاء، لَكِن فِي قضايا مُخْتَلفَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فَكل قَضِيَّة مِنْهَا لم تتواتر، وَالْقدر الْمُشْتَرك - وَهُوَ الرّفْع عِنْد الدُّعَاء - متواتر بِاعْتِبَار الْمَجْمُوع، وَقد ألف بعض الْمُحدثين فِي ذَلِك كتابا حافلا. وَمَا تخلفت إِفَادَة الْعلم عَنهُ كَانَ مَشْهُورا فَقَط قَالَ السيخ قَاسم: وَلَا بُد أَن يزِيد هُنَا مِمَّا رُوِيَ بِلَا حصر عدد معِين وَإِلَّا لصدق الْمَشْهُور على الْجَمِيع، فينافيه قَوْله: إِن الْمَشْهُور مَا رُوِيَ مَعَ حصر عدد بِمَا يفوق الِاثْنَيْنِ. فَكل متواتر مَشْهُور من غير عكس هَذَا إِذا أَخذ الْجِنْس من غير / فصل، وَهُوَ تخلف إِفَادَة الْعلم، وَخطأ هَذَا مُبين فِي مَبْحَث الْمُبَاح فِي الْأُصُول. وَقد يُقَال: إِن الشُّرُوط الْأَرْبَعَة إِذا حصلت استلزمت حُصُول الْعلم - وَهُوَ كَذَلِك - فِي الْغَالِب، لَكِن قد يتَخَلَّف عَن الْبَعْض لمَانع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 اعْترض الْكَمَال ابْن أبي شرِيف، والشرف الْمَنَاوِيّ: بِأَنَّهُ مَتى حصلت الشُّرُوط حصل الْعلم فَكيف تخلف حُصُوله؟ والعاد تحيل الْكَذِب، إِلَّا أَن يُقَال: إِن الإحالة سَبَب للْعلم وَلَا بُد مَعَ وجود سَبَب الشَّيْء من انْتِفَاء مانعه، وَفِيه مَا فِيهِ. وَقَالَ شَيخنَا النَّجْم الغيطي: الصَّوَاب حذف الْأَرْبَعَة، أَو يُقَال لَهَا الثَّلَاثَة، إِلَّا أَن يُقَال أَن قَوْله وانضاف إِلَى ذَلِك ... إِلَى آخِره زَائِد على الشُّرُوط الْأَرْبَع، وَإِن أَولهَا عدد كثير فَقَط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَقد وضح بِهَذَا تَعْرِيف الْمُتَوَاتر وَهُوَ أَنه خبر جمع يحِيل الْعقل بملاحظ الْعَاد تواطؤهم على الْكَذِب، عَن خبر جمع مثلهم فِي امْتنَاع وُقُوع التواطؤ الْمَذْكُور، وَيسْتَمر الْحَال كَذَلِك بِأَن يكون كل طبقَة من الصّفة الْمَذْكُورَة من ابْتِدَاء الرِّوَايَة إِلَى الِانْتِهَاء إِلَى مخبرهم بالواقعة القولية أَو الفعلية. سَوَاء كَانَت بِعَينهَا مُتَعَلق أخبارهم وَيُسمى تواتراً لفظياً، أَو مُشْتَركا بَين متعلقات أخبارهم وَيُسمى تواتراً معنوياً كَمَا مر. وَإِذا كَانَ الْخَبَر كَذَلِك أوجب حُصُول الْعلم، وَلم يذكر كَثِيرَة ضد الْعَدَالَة، وَتَأْتِي الأوطان لعدم اشْتِرَاطهَا، فَلَو أخبر جمع وَلَو فساقاً أرقاء إِنَاثًا بِخَبَر أوجب ذَلِك لنا الْعلم، لِأَن الِاتِّفَاق على شَيْء مخترع / مَعَ تبَاين الْأَغْرَاض والطبائع مِمَّا يجْزم الْعقل بامتناعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الْمَشْهُور وخلافه قد يرد بِلَا حصر - أَيْضا - لَكِن مَعَ فقد بعض الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة، وَاعْتَرضهُ البقاعي: بِأَن مَا يرد بِلَا حصر هُوَ الْمَشْهُور وَإِن لم يكن فَهُوَ قسم آخر، فَمَا اسْمه؟ وَالشَّيْخ قَاسم: بِأَن قَوْله مَعَ فقد بعض الشُّرُوط زِيَادَة زَادهَا تبعا لرأي من لَا رَأْي لَهُ، إِذْ يُغني عَنْهَا قَوْله الْآتِي: مَا لم يجمع شُرُوط التَّوَاتُر. أَو مَعَ حصر بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ - أَي بِثَلَاثَة فَصَاعِدا - مَا لم يجمع شُرُوط الْمُتَوَاتر. هَذَا التَّعْبِير غير مُسْتَقِيم، فقد تعقبه البقاعي: بِأَن الْحصْر إِنَّمَا يكون فِي شَيْء بِعَيْنِه - كَمَا مر فِي تِلْكَ الْأَقْوَال: خَمْسَة عشر، اثْنَي عشر، ... ... إِلَى آخِره - وَأما ثَلَاثَة فَصَاعِدا فَلَيْسَ بحصر، فَحق التَّقْسِيم أَن يَقُول: إِمَّا أَن يكون لَهُ طرق بِغَيْر حصر فِي عدد معِين، وَحِينَئِذٍ فإمَّا أَن يُفِيد الْعلم أَولا، أَو يحصر فِي اثْنَيْنِ أَو وَاحِد ... ... إِلَى آخِره، وَغَيره باقتضائه أَن الْمَشْهُور مَخْصُوص بِمَا لم يجمع شُرُوط التَّوَاتُر، فَيكون بَين الْمَشْهُور والمتواتر مباينة كُلية فتخالف مَا قدمه من أَن بَينهمَا عُمُوما مُطلقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَاعْتذر عَنهُ بَعضهم بِأَن الْمَشْهُور يُطلق على مَا يُقَابل الْمُتَوَاتر، وَهُوَ المُرَاد هُنَا، وعَلى مَا هُوَ أَعم مِنْهُ وَهُوَ مُرَاده هُنَاكَ فَلَا تعَارض. وَقَالَ السخاوي: الْمَشْهُور قِسْمَانِ: قسم لم يرتق إِلَى التَّوَاتُر وَهُوَ الْأَغْلَب فِيهِ، وَقسم يرتقي إِلَيْهِ. فَمَعْنَى قَول الْمُؤلف: كل متواتر / مَشْهُور وَلَا عكس أَنه لَا يرتقي إِلَى التَّوَاتُر إِلَّا بعد الشُّهْرَة، فَلَا تنَاقض فِي عباراته. الْعَزِيز أَو بهما - أَي بِاثْنَيْنِ فَقَط - (أَو بِوَاحِد) ، وَالْمرَاد بقولنَا: إِن يرد بِاثْنَيْنِ أَن لَا يرد بِأَقَلّ مِنْهُمَا، فَإِن ورد بِأَكْثَرَ فِي بعض الْمَوَاضِع من سَنَد وَاحِد لم يضر فِي تَسْمِيَته عَزِيزًا إِذْ الْأَقَل فِي هَذَا الْعلم يقْضِي على الْأَكْثَر. حَتَّى إِذا وجد فِي بعض الطَّبَقَات مَا ينقص عَن الشُّرُوط خرج عَن التَّوَاتُر، كَذَا قرر بِهِ تِلْمِيذه الشَّيْخ قَاسم عِبَارَته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَقَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: قَول الْمُؤلف فِي بعض الْمَوَاضِع دَلِيل على أَنه لَو ورد فِي كلهَا لَا يُسمى عَزِيزًا بل مَشْهُورا، فَلَيْسَ بَينهمَا عُمُوم مُطلقًا، فَشرط تَسْمِيَة الحَدِيث عَزِيزًا أَن يرد فِيهِ اثْنَان وَلَو فِي مَوضِع وَاحِد. انْتهى. وَقَالَ البقاعي: عبارَة الْمُؤلف مُخْتَلفَة، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ المُرَاد بالاثنين فَقَط أَن لَا ينقص فَلَا حَاجَة لقَوْله يقْضِي على الْأَكْثَر، إِذْ هَذَا إِنَّمَا يَأْتِي إِذا كَانَ معنى فَقَط لَا أقل وَلَا أَكثر، وَيكون دُخُوله بطرِيق التغليب، فَكيف هَذَا. انْتهى. وَأجِيب: بِأَنَّهُ أَرَادَ بقوله: إِذْ الْأَقَل ... ... إِلَى آخِره بَيَان كَيْفيَّة وجود الْأَكْثَر مَعَ ذكر الِاثْنَيْنِ. سَبَب تَسْمِيَة الْمُتَوَاتر فَالْأول: الْمُتَوَاتر بمثناة فوقية، سمي متواتراً لما أَنه لَا يَقع دفْعَة وَإِنَّمَا الَّذِي يَقع دفْعَة الْعلم الْحَاصِل عَنهُ. وَقيل: لتواتر رِجَاله حَيْثُ جَاءُوا وَاحِدًا بعد آخر بفترة. قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: سمي بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقع دفْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 بل على التَّعَاقُب / والتوالي وَهُوَ (الْمُفِيد) للْعلم أَي مُوجبا بِنَفسِهِ إِيجَابا عادياً لسامعه حُصُول الْعلم بِصدق مضمونه، وَإنَّهُ تخلف عَنهُ ذَلِك الْحُصُول بِالْفِعْلِ الْمَانِع لحصوله بِغَيْرِهِ، لِامْتِنَاع تَحْصِيل الْحَاصِل. فَخرج بِمَا أوجب الْعلم بِالْغَيْر الْمَذْكُور مَا لَا يُوجب كَذَلِك. وبنفسها مَا لَا يُوجِبهُ بِنَفسِهِ بل بِوَاسِطَة الْقَرَائِن الزَّائِدَة على الْقَرَائِن الَّتِي لَا يَنْفَكّ الْخَبَر عَنْهَا عَادَة. ونقضه بتخلف إِفَادَة الْمُتَوَاتر الْعلم فِي إِخْبَار النَّصَارَى بقتل عِيسَى، وَالْيَهُود عَن التَّوْرَاة بتأبيد دين مُوسَى، فَإِن كلا مِنْهُمَا خبر مُفِيد للْعلم بمضمونه مَعَ أَنه كذب كَمَا دلّت عَلَيْهِ الشَّرَائِع. رد بِمَنْع كَون كل مِنْهُمَا متواتراً لِأَن مرجع خبر النَّصَارَى إِلَى الْيَهُود الَّذين دخلُوا على عِيسَى الْبَيْت، وَقد كَانُوا تِسْعَة، فَلَا يحِيل الْعَادة تواطؤهم على الْكَذِب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أما إِخْبَار الْيَهُود بتأبيد دين مُوسَى فَإِن كَانَ افتراؤهم إِيَّاه بعد وَاقعَة بخْتنصر فانتفاء تواتره فِيمَا قبل ظَاهر، أَو قبلهَا فقد قتل بخْتنصر كل يَهُودِيّ من الْمشرق إِلَى الْمغرب فَلم يتْرك إِلَّا الْأَطْفَال، فَانْتفى عدد التَّوَاتُر مِنْهُم، على أَنهم حرفوا التَّوْرَاة وَزَادُوا ونقصوا، ودلت معجزات عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام على أَن خبرهم آحَاد كذب. اليقيني يَعْنِي الضَّرُورِيّ بِدَلِيل مُقَابلَته لَهُ بالنظري فِي قَوْله فَأخْرج النظري على مَا يَأْتِي تَقْرِيره بِشُرُوطِهِ الَّتِي تقدّمت وَذَلِكَ لَا يُخَالف الْمَعْرُوف فِي الِاصْطِلَاح كَمَا ادَّعَاهُ / / الْكَمَال ابْن أبي شرِيف. لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 أهل الِاصْطِلَاح قد يسمون كل يقيني ضَرُورِيًّا وَعَكسه، أَلا ترى إِلَى قَوْله فِي " شرح المواقف " عِنْد نقد المحصل: قد يُرَاد الضَّرُورِيّ معنى اليقيني دون البديهي المستغني عَن النّظر. قَالَ: وَقد يُسمى كل يقيني ضَرُورِيًّا مُوَافقَة لقَوْل (الشَّيْخ) الْأَشْعَرِيّ. وَمعنى كَونه ضَرُورِيًّا أَنه يحصل عِنْد سَمَاعه من غير احْتِيَاج إِلَى نظر، ومصادفة حُصُول الْعلم بمضمون ذَلِك الْخَبَر من غير شُبْهَة. فَاعْلَم أَن تَعْرِيفه بِالْعلمِ دوري لتوقفه على مَعْرفَته وعَلى تَعْرِيفه. ذكره البقاعي. وَقَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: إِن كَانَ الْعلم بمضمون الْخَبَر مستفاداً من التَّوَاتُر فإثبات التَّوَاتُر بِهِ دوري. وَأجِيب: بِأَن استفادة الْعلم بمضمون الْخَبَر من التَّوَاتُر بِاعْتِبَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 حُصُوله، وترتبه على سَمَاعه، وَفهم معنى اللَّفْظ المسموع ودلالته على صدق التَّوَاتُر على الْخَبَر بِاعْتِبَار كَون حُصُوله وترتبه مَعْلُوما لمن حصل لَهُ، فالتحقيق أَن الْحَاصِل بالتواتر هُوَ الْعلم بمضمون الْخَبَر، وَدَلِيل صدق الْمُتَوَاتر هُوَ الْعلم بذلك وهما غيران. وَالْيَقِين: هُوَ الِاعْتِقَاد الْجَازِم المطابق أَرَادَ بالجازم مَا لَا احْتِمَال مَعَه، وَلَا يَزُول بالتشكيك فَلَا حَاجَة لزياد بَعضهم الثَّابِت. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد أَن الْخَبَر الْمُتَوَاتر يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ يَعْنِي هُوَ مُوجب للْعلم بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي يضْطَر الْإِنْسَان إِلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ دَفعه قَالَ / بَعضهم: وَهَذَا التَّعْبِير غير قوي؛ لِأَن النّظر بعد مُبَاشرَة الْأَسْبَاب كَذَلِك، والضروري قبل مباشرتها يُمكنهُ دَفعه بِصَرْف نظره عَنهُ. وَقيل: يَعْنِي وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ لَا يُفِيد الْعلم إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 نظرياً وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بِشَيْء يعْتد بِهِ لِأَن الْعلم بالتواتر قَالَ الشَّيْخ قَاسم: لَو قَالَ بالمتواتر - بِالْمِيم - كَانَ أولى حَاصِل لمن لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّة النّظر كالعامي، إِذا النّظر تَرْتِيب أُمُور مَعْلُومَة، أَو مظنونة يتَوَصَّل بهَا إِلَى مَعْلُوم أَو مظنون، وَلَيْسَ فِي الْعَاميّ أَهْلِيَّة ذَلِك، فَلَو كَانَ نظرياً لما حصل لَهُم. وَاعْترض هَذَا: بِأَن الْعَاميّ فِيهِ أَهْلِيَّة النّظر على طَرِيق الْعَوام فَلَا يَصح التَّمْثِيل بِهِ، فَكَانَ الأولى أَن يَقُول كَمَا غَيره: كالبله وَالصبيان. وَالتَّحْقِيق أَنه لَا خلاف، فَإِن من قَالَ أَنه نَظَرِي كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وأتباعهما فسروا كَونه نظرياً بتوقفه على مُقَدمَات حَاصِلَة عِنْد السَّامع، وَهِي مُحَققَة لكَونه الْخَبَر متواترا من كَونه خبر جمع، وكونهم لَا يُجِيز الْعقل توافقهم على الْكَذِب، وَكَونه عَن حسي، وَلَيْسَ مُرَادهم الِاحْتِيَاج إِلَى النّظر عقب سَمَاعه فَلَا خلاف فِي الْمَعْنى فِي أَنه ضَرُورِيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وتوقفه على تِلْكَ الْمُقدمَات لَا يُنَافِي كَونه ضَرُورِيًّا. قَالَ بَعضهم: وَحَاصِل مَا مر وَيَأْتِي أَن الْعلم الضَّرُورِيّ الْحَاصِل من التَّوَاتُر فِي قَول مَنْقُول عَن الرَّسُول وَغَيره هُوَ الْعلم بِتِلْكَ الْأَلْفَاظ / وَكَونهَا كَلَام من أسندت إِلَيْهِ، وَأما الْعلم بِثُبُوت مَدْلُوله فِي الْوَاقِع فَهُوَ استدلالي. ولاح بِهَذَا التَّقْرِير الْفرق بَين الْعلم الضَّرُورِيّ وَالْعلم النظري إِذْ الضَّرُورِيّ يُفِيد الْعلم بِلَا اسْتِدْلَال. قَالَ بَعضهم: هَذَا التَّرْكِيب فَاسد، لِأَن الضَّرُورِيّ هُنَاكَ صفة لعلم فَيصير معنى التَّرْكِيب أَن الْعلم الضَّرُورِيّ يُفِيد الْعلم بِلَا اسْتِدْلَال، وَلَا يخفى فَسَاده. والنظري يفِيدهُ لَكِن مَعَ الِاسْتِدْلَال على الإفادة اعْترض هَذَا الصَّنِيع، لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ بِهِ الْعلم لزم الدّور، أَو اللَّفْظ - أَي لفظ الضَّرُورِيّ يُفِيد كَذَا بِحَسب الْوَضع - فَصَحِيح، لَكِن خلاف الْمُتَبَادر من كَلَامه. فَلذَلِك قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف - كالبقاعي -: صَوَاب الْعبارَة أَن يَقُول الضَّرُورِيّ الْعلم الْحَاصِل بِلَا اسْتِدْلَال، والنظري هُوَ المفاد بالاستدلال. قَالَ الْكَمَال: وَقَوله على الإفادة منتقد بِأَن الْمُسْتَدلّ إِنَّمَا يسْتَدلّ على الحكم لَا على الإفادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فَإِن الضَّرُورِيّ يحصل لكل سامع، والنظري لَا يحصل إِلَّا لمن فِيهِ أَهْلِيَّة النّظر وَزعم أَن خبر كل وَاحِد لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن، وَضم الظَّن إِلَى الظَّن لَا يُوجب إِلَّا الْيَقِين، وَجَوَاز كذب كل وَاحِد يُوجب جَوَاز كذب الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ نفس الْآحَاد. رد بِأَنَّهُ قد يكون مَعَ الِاجْتِمَاع مَا لَا يكون مَعَ الِانْفِرَاد كقوة الْحَبل الْمُؤلف من شَعرَات. وَالْقَوْل بِأَن الضروريات لَا يَقع فِيهَا / تفَاوت وَلَا اخْتِلَاف مَعَ أَن الْعلم بِكَوْن الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ أقوى من الْعلم بِوُجُود ذِي القرنين. منع بِأَن الضَّرُورِيّ قد تَتَفَاوَت أَنْوَاعه لتَفَاوت الإلف وَالْعَادَة والممارسة والإخطار بالبال، وتصورات أَطْرَاف الْأَحْكَام، وَقد تخْتَلف فِيهِ عناداً، أَو تصورا، أَو مُكَابَرَة، أَو قصوراً فِي الْإِدْرَاك. سَبَب إِبْهَام ابْن حجر شُرُوط التَّوَاتُر وَإِنَّمَا أبهمت شُرُوط الْمُتَوَاتر فِي الأَصْل يَعْنِي الْمَتْن لِأَنَّهُ على هَذِه الْكَيْفِيَّة لَيْسَ من مبَاحث علم الْإِسْنَاد وَإِنَّمَا ذكره فِيهِ للتكثير إِذْ علم الْإِسْنَاد يبْحَث فِيهِ عَن صِحَة الحَدِيث أَو ضعفه، ليعْمَل بِهِ أَو يتْرك. أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 ليعلم هَل هُوَ صَحِيح أَو حسن فَيجب الْعَمَل بِهِ، أَو ضَعِيف فَلَا يعْمل بِهِ فِي الْأَحْكَام بل فِي الْفَضَائِل إِن لم يشْتَد ضعفه. من حَيْثُ صِفَات الرِّجَال وصيغ الْأَدَاء، والمتواتر لَا يبْحَث عَن رِجَاله بل يجب الْعَمَل بِهِ من غير بحث. كعن وَنَحْوهَا من المدلس. وَلذَلِك لم يفرد ابْن الصّلاح وَلَا من اختصر كِتَابه كالنووي، أَو نظمه كالعراقي الْمُتَوَاتر بِنَوْع. وَاعْترض على الْمُؤلف من وَجْهَيْن: - [1] الأول: إِنَّه يجب بَيَان شُرُوط ليتميز من غَيره فَإِن شُرُوطه مَأْخُوذَة فِي تَعْرِيف الْمَشْهُور الَّذِي هُوَ من مبَاحث هَذَا الْفَنّ. وَأجَاب ابْن الْجَزرِي عَن عدم إفرادهم لَهُ: بِأَنَّهُم اكتفوا من مبَاحث هَذَا الْفَنّ بِالصَّحِيحِ الْمجمع عَلَيْهِ عِنْدهم المتلقى بِالْقبُولِ. [2] الثَّانِي: إِن مَا ذكره من أَن / الْمُتَوَاتر لَا يبْحَث عَن رِجَاله يُوجب أَنه لَا دخل لصفات المخبرين فِي بَاب التَّوَاتُر، وَهُوَ نقيض لما قدمه آنِفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (فَائِدَة) من الْفُؤَاد، لانها تعقل بِهِ. أَو من الفيد لَا من الْفُؤَاد على مَا مر قريره فِي الْخطْبَة. ذكر ابْن الصّلاح فِي " مُخْتَصره " أَن مِثَال الْمُتَوَاتر على التَّفْسِير الْمُتَقَدّم فِي الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة يهز وجوده إِلَّا أَن يدعى ذَلِك أَي وجوده فِي حَدِيث من كذب على مُتَعَمدا قد نقل النَّوَوِيّ فِي " شَرحه لمُسلم " أَنه ورد عَن مائتى صَحَابِيّ مِنْهُم الْعشْرَة، فَمن الصِّحَاح: عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَالزُّبَيْر. وَمن الحسان: طَلْحَة، وَسعد، وَسَعِيد، وَأَبُو عُبَيْدَة. وَمن الضَّعِيف المتماسك طَرِيق عُثْمَان، وَبَقِيَّة طرقه واهية أَو سَاقِطَة. قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيث أجمع على رِوَايَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الْعشْرَة غَيره، وَغير حَدِيث الْمسْح على الْخُفَّيْنِ. وَمن ذَلِك - أَيْضا: حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة، فقد تتبع الذَّهَبِيّ طرقه فبلغت نيفاً وَأَرْبَعين صحابياً. وَذكر المُصَنّف - غَيره - أَن من أمثلته: من بنى لله مَسْجِدا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ، والشفاعة والحوض، ورؤية الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة، وَالْأَئِمَّة من قُرَيْش، وَأنزل القرءان على سَبْعَة أحرف، وَغسل الْيَدَيْنِ فِي الْوضُوء، وَخير النَّاس قُرَيْش، واتخاذ الْقُبُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 مَسَاجِد، وسؤال الْقَبْر، وكل مُسكر حرَام، ونضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي، وَبَدَأَ الْإِسْلَام / غَرِيبا، وكل ميسر لما خلق لَهُ، والمرء مَعَ من أحب. فَلذَلِك رد المُصَنّف مَا ادَّعَاهُ ابْن الصّلاح بقوله: وَمَا ادَّعَاهُ من الْعِزَّة مَمْنُوع، وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيره. قَالَ الشَّيْخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 قَاسم: وَذكر بعض المحققيين أَن الْمَنْع الْمُجَرّد مَعَ الْمَيِّت لَا يقبل، لِأَن الْمَنْع طلب الدَّلِيل وَلَا طلب مِمَّن مَاتَ. وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيره كَابْن حبَان وَغَيره من الْعَدَم من بَاب أولى لَان ذَلِك نَشأ عَن قلَّة الِاطِّلَاع على كَثْرَة الطّرق، وأحوال الرِّجَال، وصفاتهم الْمُقْتَضِيَة لإبعاد الْعَادة أَن يتواطؤا على الْكَذِب، أَو يحصل مِنْهُم اتِّفَاقًا أَرَادَ بالقلة مَا يَشْمَل عزة الْوُجُود والعدم ليصلح عِلّة لادعاء الْقلَّة والعدم، وَلَو أخذت الْقلَّة بِأحد الْمَعْنيين دون الآخر لفات تَعْلِيل أَحدهمَا وَلم يصلح لَهُ، هَذَا مَا ذكره بعض الْمُتَكَلِّمين عَلَيْهِ. وَقَالَ البقاعي: كَلَام المُصَنّف فَاسد من أَصله، لِأَن قلَّة الِاطِّلَاع لَيست عِلّة لِامْتِنَاع دَعوَاهُم وَإِنَّمَا هُوَ عِلّة لوقوعهم فِيمَا ادعوهُ، وصواب الْعبارَة أَن يَقُول: وَإِنَّمَا صدرت هَذِه الدَّعْوَى مِمَّن صدرت مِنْهُ لِأَن ذَلِك نَشأ ... إِلَى آخِره على أَنه إِنَّمَا نَشأ عَن الْغَفْلَة عَن أَنه لَا يحْتَاج إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 إِسْنَاد خَاص فِي نِسْبَة الْكتب الْمَشْهُورَة إِلَى مصنفها الَّذِي سَيذكرُهُ وَأَن ذَلِك ثَبت بالتواتر، وَإِمَّا قلَّة الِاطِّلَاع على كَثْرَة الطّرق من المصنفين. انْتهى. وَاعْترض الشَّيْخ قَاسم مَا ذكره المُصَنّف أَيْضا / بِأَنَّهُ قدم قبله: إِن التَّوَاتُر لَيْسَ من مبَاحث علم الْإِسْنَاد، وَإنَّهُ لَا يبْحَث عَن رِجَاله، وَحِينَئِذٍ فَلَو سلم قلَّة اطلَاع من ذكرهم المُصَنّف على أَحْوَال الرِّجَال وصفاتهم لم يُوجب مَا ذكره. انْتهى. وَقد أجَاب بعض شرَّاح الألفية عَن ابْن الصّلاح وَمن تبعه: بِأَن مُرَادهم الْعِزَّة من حَيْثُ الرِّوَايَة لَا الشُّهْرَة. وَقَالَ شَيخنَا النَّجْم الغيطي: أَرَادَ ابْن الصّلاح بِالْعِزَّةِ عدم الْوُجُود بِدَلِيل قَوْله: إِلَّا أَن يدعى ذَلِك ... إِلَى آخِره، وَإِن كَانَ قَول المُصَنّف وَمَا ادَّعَاهُ غَيره من الْعَدَم يدل على أَن مُرَاده الْقلَّة. وَمن أحسن مَا بِهِ تقرر كَون الْمُتَوَاتر مَوْجُودا - وجود كَثْرَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الْأَحَادِيث - وَأَن الْكتب الْمَشْهُورَة المتداولة بَين أَيدي أهل الْعلم شرقاً وغرباً الْمَقْطُوع عِنْدهم بِصِحَّة نسبتها إِلَى مصنفيها إِذا اجْتمعت على إِخْرَاج حَدِيث، وتعددت طرقه تعدداً يحِيل الْعَادة بتواطئهم أَي الواقعين فِي الطّرق على الْكَذِب إِلَى آخر الشُّرُوط أَفَادَ الْعلم اليقيني بِصِحَّة نسبته إِلَى قَائِله وَمثل ذَلِك فِي الْكتب الْمَشْهُورَة كثير. قَالَ البقاعي: وَلَيْسَ القَوْل قيدا خلافًا لما يُوهِمهُ كَلَامه، بل لَو كَانَ الحَدِيث فعلياً كَانَ كَذَلِك بِلَا ريب، أَو علم أَن مقَالَة الْمُؤلف قد كَاد يجمع من جَاءَ بعده على ترتيبها، فتعقبها بعض الآخذين عَنهُ: بِأَن أول مقَالَته هَذِه لَا تلتئم مَعَ مَا سلف تَحْقِيقه من أَنه لَا دخل لصفات المخبرين من التَّوَاتُر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وَالشَّيْخ قَاسم / بِأَن الْبَحْث فِي وجود الْمُتَوَاتر لَا فِي طَرِيق إِمْكَان وجوده. وَبِأَن قَوْله الْمَقْطُوع عِنْدهم بِصِحَّة نسبتها إِلَى مؤلفيها إِن سلم مَا ذكره من الْقطع وَهُوَ بِنَفس النِّسْبَة لَا بِصِحَّتِهَا. وَقَوله وَمثل ذَلِك كثير. دَعْوَى مُجَرّدَة فَلَا يُفِيد فِي مَحل النزاع. والكمال بن أبي شرِيف: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من الْقطع بِصِحَّة نِسْبَة الْكتب إِلَى مصنفيها كَون ذَلِك الْقطع حَاصِلا فِي التَّوَاتُر، وَقد يحصل بِخَبَر الْآحَاد المحتف بالقرائن وَإِلَّا فَهَذَا صَحِيح البُخَارِيّ الَّذِي هُوَ أصح كتاب بعد كتاب الله لَا يروي الْآن بِالسَّمَاعِ الْمُتَّصِل إِلَّا عَن الْفربرِي، بل وغالب الْكتب الْمَشْهُورَة لَا تبلغ - فِيمَا تعلم رواتها عَن مؤلفيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الَّذين يتَّصل الْإِسْنَاد فِي عصرنا إِلَيْهِم سَمَاعا - عدد التَّوَاتُر ... ... أَقسَام الْآحَاد وَالثَّانِي وَهُوَ أول أَقسَام الْآحَاد بِالْمدِّ، وأخره عَن الْمُتَوَاتر لاعتباره فِي معنى الْآحَاد نفي معنى الْمُتَوَاتر. مَا لَهُ طرق محصورة بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ قَالَ البقاعي: هَذَا يَأْتِي فِيهِ مَا مر من أَن الْحصْر إِنَّمَا يكون فِي معِين وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين أَي النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ الْمَشْهُور عِنْدهم سمي بذلك لوضوحه أَشَارَ بذلك إِلَى الْمُنَاسبَة المصححة لنقله من الْمَعْنى اللّغَوِيّ إِلَى الاصطلاحي. قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 البقاعي: وَلَو قَالَ لظُهُوره كَانَ أبلغ لأهل اللُّغَة، فَإِنَّهُم قَالُوا: الْمَشْهُور ظُهُور الشَّيْء، والشهير مَعْرُوف. وَاعْلَم أَن مَا / جرى عَلَيْهِ الْمُؤلف من أَن أقل عدد الْمَشْهُور ثَلَاثَة هُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَام ابْن الصّلاح. لَكِن اخْتَار ابْن الْحَاجِب - تبعا للآمدي والإمامين والغزالى - أَن أَقَله مَا زَادَت نقلته على ثَلَاثَة مَا لم يبلغ حد التَّوَاتُر، وَهُوَ رأى مأثور عَن النظام، وَجزم بِهِ البُلْقِينِيّ وَمَال إِلَيْهِ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَقَالَ: القَوْل بِالثَّلَاثَةِ غَرِيب. قَالَ: وَلَا يُقَال هَذَا اصْطِلَاح أهل الْأُصُول دون الْمُحدثين لأَنا نقُول: مَمْنُوع، وَقد جزم ابْن الْجَزرِي فِي " منظومته " الَّتِي نظمها فِي هَذَا الْعلم بِأَنَّهُ الْمَشْهُور فِي اصْطِلَاح أهل الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: (واصطلحوا الْمَشْهُور مَا يرويهِ ... فَوق ثَلَاثَة عَن الْوَجِيه) أَي عَن راو ذِي وجاه وَقدر. وَهُوَ المستفيض على رَأْي جمَاعَة من أَئِمَّة الْفُقَهَاء أَي قَول جمَاعَة من الْفُقَهَاء، وَكَذَلِكَ للأصوليين وَبَعض الْمُحدثين كَمَا عبر بِهِ السخاوي، وَأَخْطَأ من قَالَ كلهم. وعَلى هَذَا الرَّأْي جرى المُصَنّف فِي " الْإِصَابَة "، لَكِن هَذَا الرَّأْي مَرْجُوح كَمَا أفهمهُ تَعْبِير " جمع الْجَوَامِع " بقوله: قد يُسمى أَي المستفيض مَشْهُورا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف، والشرف الْمَنَاوِيّ: واللايق بالدمج أَنه كَانَ يَقُول: على رَأْي. هُوَ رَأْي جمَاعَة، أَو على رَأْي لجَماعَة، لِأَن الرَّأْي فِي الْمَتْن منون. سمي بذلك لانتشاره واشتهاره وإشاعته فِي النَّاس، مَأْخُوذ من قَوْلهم فاض / المَاء يفِيض فيضاً وفيوضة، إِذا كثر حِين سَالَ على صفة الرَّاوِي. وَمِنْهُم من غاير بَين المستفيض وَالْمَشْهُور وَفرق بَينهمَا أَن المستفيض يكون فِي ابْتِدَائه وانتهائه يعْنى وَفِيمَا بَينهمَا سَوَاء وَقد صرح بذلك الْمُؤلف فِي " تَقْرِيره " فَقَالَ: من الِابْتِدَاء إِلَى الِانْتِهَاء حَتَّى تدخل الْوَاسِطَة. وَالْمَشْهُور أَعم من ذَلِك بِحَيْثُ يَشْمَل مَا كَانَ أَوله مَنْقُولًا عَن وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 كَحَدِيث " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ "، وَإِن اعْترض ابْن الصّلاح التَّمْثِيل بِهِ لِأَن الشُّهْرَة فِيهِ نسبية. وَمِنْهُم من غاير على كَيْفيَّة أُخْرَى فَفرق بِأَن المستفيض مَا تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ دون اعْتِبَار عدد، وَلذَلِك قَالَ الصَّيْرَفِي والقفال: إِنَّه هُوَ والمتواتر بِمَعْنى وَاحِد. بل قَالَ الْمَاوَرْدِيّ أَنه أقوى من التَّوَاتُر كَذَلِك نَقله ابْن كثير عَنهُ ثمَّ قَالَ: وَهَذَا اصْطِلَاح (مِنْهُ) . وَمِنْهُم من غاير بِأَن المستفيض هُوَ الشَّائِع عَن أصل كَيفَ كَانَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَالْمَشْهُور مَا زَادَت رُوَاته على ثَلَاثَة. وَلَيْسَ من مبَاحث هَذَا الْفَنّ أَي وَلَيْسَ تَحْقِيق الْمُغَايرَة أَو الترادف بَينهمَا من مبَاحث علم الحَدِيث بل مَحَله أصُول الْفِقْه. ثمَّ الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين (قِسْمَانِ الأول أَنه) يُطلق على مَا حرر هُنَا قَالَ العلائي: وَهَذَا الْقسم مُلْحق بالتواتر عِنْد الْمُحدثين، يُفِيد الْعلم النظري إِذا كَانَت طرقه متباينة / سَالِمَة من ضعف الروَاة، وَمن الشذوذ وَالْعلَّة، لكنه يُفَارق الْمُتَوَاتر فِي أَنه يشْتَرط عَدَالَة نقلته، فَإِن الْمَشْهُور قد يكون أحادي الأَصْل ثمَّ يشْتَهر بعد الصَّحَابَة فِي الْقرن الثَّانِي فَمن بعدهمْ، وَفِي أَن الْمَشْهُور لَا يحصل الْعلم بِهِ إِلَّا لعالم بِالْحَدِيثِ متبحر فِيهِ، عَارِف بأحوال الروَاة، مطلع على الْعِلَل بِخِلَاف الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ يحصل بِهِ لكل سامع. وَالثَّانِي: أَنه يُطلق على مَا أَي على الحَدِيث الَّذِي اشْتهر على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الْأَلْسِنَة فَيشْمَل مَا لَهُ إِسْنَاد وَاحِد (فَصَاعِدا) وَإِن لم يكن صَحِيحا بل مَا لَا يُوجد لَهُ إِسْنَاد أصلا. ك " عُلَمَاء أمتِي كأنبياء بني إِسْرَائِيل "، و " ولدت فِي زمن الْملك الْعَادِل كسْرَى "، و " من بشرني بِخُرُوج آذار بَشرته بِالْجنَّةِ "، و " يَوْم نحركم يَوْم صومكم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَمن نظر " الواهيات " و " الموضوعات " لِابْنِ الْجَوْزِيّ علم لذَلِك أَمْثِلَة كَثِيرَة. وَمن الْقسم الأول وَهُوَ الصَّحِيح: حَدِيث " إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعاً ينتزعه "، وَحَدِيث " من أَتَى الْجُمُعَة فليغتسل ". ومثاله وَهُوَ حسن: حَدِيث " طلب الْعلم فَرِيضَة على كل مُسلم ". فقد أَفَادَ الْمزي أَن طرقه يرتقى بهَا إِلَى الْحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وَحَدِيث: " للسَّائِل حق وَإِن جَاءَ على فرس ". قَالَ السخاوي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن الْحُسَيْن وَعَن وَالِده، وخرجه أَحْمد عَن الْحُسَيْن وَغَيره. ومثاله وَهُوَ ضَعِيف: " الأذنان من الرَّأْس ". قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 بَعضهم: وينقسم الْمَشْهُور - أَيْضا - إِلَى مَشْهُور عِنْد / الْمُحدثين فَقَط، (وَإِلَى مَشْهُور بَينهم وَبَين غَيرهم فمثال الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين فَقَط) كَحَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي مجلز عَن أنس أَن الْمُصْطَفى قنت شهرا بعد الرُّكُوع. فَهَذَا مَشْهُور بَين الْمُحدثين وَرَوَاهُ التَّيْمِيّ عَن أنس - أَيْضا -، وَأما غَيرهم فيستغربه من جِهَة أَن التَّيْمِيّ يروي عَن أنس بِلَا وَاسِطَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الْعَزِيز وَالثَّالِث الْعَزِيز وَهُوَ أَن لَا يرويهِ أقل من اثْنَيْنِ عَن اثْنَيْنِ أَي يرويانه عَن اثْنَيْنِ، فَقَوله: عَن اثْنَيْنِ. نعت اثْنَيْنِ لَا مُتَعَلق بيروي هَذَا مَا جرى عَلَيْهِ الْمُؤلف هُنَا، لَكِن كَلَام شَيْخه الْعِرَاقِيّ فِي " ألفيته " ظَاهر - كَمَا قَالَه السخاوي - فِي الِاكْتِفَاء بِوُجُود ذَلِك فِي طبقَة وَاحِدَة بِحَيْثُ لَا يمْتَنع أَن يكون فِي غَيرهَا من طباقه غَرِيبا بِأَن يتفرد بِهِ راو آخر عَن شَيْخه، بل وَلَا أَن يكون مَشْهُورا كاجتماع ثَلَاثَة فَأكْثر على رِوَايَته فِي بعض طباقه، وَجرى على ذَلِك فِي غير هَذَا الْكتاب. وَإِلَّا وَجه كَمَا صَار إِلَيْهِ السخاوي: إِن مَا كَانَت الْعِزَّة فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى راو يُقيد أَو بِأَن يُقَال عَنهُ فِيهِ عَزِيز من حَدِيث فلَان، وَأما عِنْد الْإِطْلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فَيَنْصَرِف لما أَكثر طباقه كَذَلِك، لِأَن وجود سَنَد على وتيرة وَاحِدَة بِرِوَايَة اثْنَيْنِ عَن اثْنَيْنِ ادّعى فِيهِ ابْن حبَان عدم الْوُجُود، وَكَاد الْمُؤلف أَن يُوَافقهُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّه يُمكن أَن يسلم بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَة الَّتِي جوزناها وَهِي أَن لَا يرويهِ أقل من اثْنَيْنِ عَن أقل من اثْنَيْنِ يَعْنِي على مِمَّا حَرَّره هُوَ فَإِنَّهُ مَوْجُود. سمى بذلك (إِمَّا) لقلَّة وجوده لِأَنَّهُ يُقَال عز يعز / بِكَسْر الْعين فِي الْمُضَارع عزا وعزازة بِفَتْح الْعين إِذا قل بِحَيْثُ لَا يكَاد يُوجد. وَإِمَّا لكَونه عز أَي قوي بمجيئه من طَرِيق أُخْرَى من عز يعز - بِفَتْح الْعين فِي الْمُضَارع - عزازة أَيْضا إِذا اشْتَدَّ وَقَوي، وَمِنْه (فعززنا بثالث) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 أَي قوينا وشددنا، وَجمع الحَدِيث عزاز ككرم وكرام قَالَ الشَّاعِر: (بيض الْوُجُوه البة ومعاقل ... فِي كل نائبة عزاز الْأَنْفس) وَلَيْسَ اشْتِرَاط الْعدَد بِأَن لَا يرويهِ اقل من اثْنَيْنِ شرطا لصحيح أَي للْحَدِيث الصَّحِيح خلافًا لمن زَعمه وَهُوَ أَبُو عَليّ الجبائي بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد نِسْبَة إِلَى جبى الْقصر وَالتَّشْدِيد قَرْيَة بِالْبَصْرَةِ من الْمُعْتَزلَة أهل الْأُصُول حَيْثُ قَالَ: لَا يقبل خبر الْوَاحِد الْعدْل إِلَّا إِن انْضَمَّ إِلَيْهِ آخر، وعضده مُوَافقَة الْكتاب، أَو ظَاهر خبر آخر، وانتشر بَين الصَّحَابَة، أَو عمل بِهِ بَعضهم، بل نقل عَنهُ (أَنه) اشْترط أَرْبَعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وَنقل النَّوَوِيّ عَن بعض الْقَدَرِيَّة أَنه اشْترط أَرْبَعَة أَيْضا، قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: وَلَا عِبْرَة بِخِلَاف أبي على الجبائي وَلَا بِبَعْض الْقَدَرِيَّة فِي ذَلِك. وَإِلَيْهِ يؤمي كَلَام الْحَاكِم أبي عبد الله من أكَابِر الْمُحدثين فِي كِتَابه الْمُسَمّى " بالمدخل " - وَقَوله أَبُو عبد الله احْتَرز بِهِ عَن الْحَاكِم أبي أَحْمد - فِي كِتَابه الَّذِي أَلفه فِي عُلُوم الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: الصَّحِيح أَن يرويهِ الصَّحَابِيّ الزائل / عَنهُ اسْم الْجَهَالَة، بِأَن يكون لَهُ راويان ثمَّ يتداوله أهل الحَدِيث إِلَى وقتنا كَالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة. وَوَافَقَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 على ذَلِك من الْمُحدثين - أَيْضا - ابْن الْأَثِير فِي مُقَدّمَة " جَامع الْأُصُول "، وَوَافَقَهُمَا على ذَلِك من الْفُقَهَاء إِبْرَاهِيم ابْن علية، وَجزم بذلك الْبَيْضَاوِيّ فَقَالَ: إِن روايه - أَي الحَدِيث - إِن كَانَ مثنى أَو أَكثر كَمَا فِي الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا الإمامان البُخَارِيّ وَمُسلم يُسمى صحاحاً. والميانجي - من الْمُحدثين - وَزَاد: إِن شَرط الشَّيْخَيْنِ أَن يرويهِ عَن الْمُصْطَفى اثْنَان فَأكْثر، وَيَرْوِيه عَن كل مِنْهُمَا أَرْبَعَة، وَيَرْوِيه عَن كل مِنْهُم أَكثر من أَرْبَعَة. ورده الْمُؤلف بِأَنَّهُ لَو قيل: أَنه لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد بِهَذِهِ الصّفة لم يبعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 قَالَ شَيخنَا الغيطي: والإيماء فِي كَلَام الْحَاكِم من قَوْله: كَالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة. فَإِنَّهُ اقْتضى أَن يكون الحَدِيث رَوَاهُ اثْنَان عَن اثْنَيْنِ من الصَّحَابِيّ الَّذِي زَالَ عَنهُ اسْم الْجَهَالَة إِلَيْنَا، لكنه لم يشْتَرط أَن يرويهِ اثْنَان عَن النَّبِي كَمَا اشْتَرَطَهُ غَيره. انْتهى. وَبِذَلِك علم أَن اشْتِرَاط الْعدَد لَيْسَ خَاصّا بِبَعْض الْمُعْتَزلَة، بل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْمُحدثين وَغَيرهمَا، فَقَوْل الْمُؤلف فِي " نكته عَن ابْن الصّلاح " أَنه خَاص بِبَعْض الْمُعْتَزلَة غير صَحِيح. وَصرح أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي فِي شرح البُخَارِيّ بِأَن ذَلِك شَرط البُخَارِيّ / حَيْثُ قَالَ: مَذْهَب البُخَارِيّ أَن الصَّحِيح لَا يثبت حَتَّى يرويهِ اثْنَان عَن اثْنَيْنِ، وَهُوَ بَاطِل. وتقدمه إِلَى القَوْل بذلك بعض الْمُحدثين حَكَاهُ الْجُوَيْنِيّ عَنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَأجَاب أَي ابْن الْعَرَبِيّ عَمَّا أورد عَلَيْهِ من ذَلِك من أَن حَدِيث " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " الَّذِي هُوَ أول حَدِيث فِي البُخَارِيّ انْفَرد بِهِ عمر بِجَوَاب فِيهِ نظر ثمَّ بَين وَجه النّظر بقوله لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِن قيل حَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَرد بِأَنَّهُ لم يروه عَن عمر بن الْخطاب إِلَّا عَلْقَمَة بن وَقاص قُلْنَا: قد خطب بِهِ عمر على الْمِنْبَر بِحَضْرَة الصَّحَابَة فلولا أَنهم يعرفونه لأنكروه عَلَيْهِ. قَالَ: فَالْبُخَارِي وَإِن كَانَ بنى كِتَابه على حَدِيث يرويهِ اكثر من وَاحِد، فَهَذَا الحَدِيث لَا يرد عَلَيْهِ، فَإِن عمر لما قَالَه بِمحضر الصَّحَابَة وأقروه صَار كالمجمع عَلَيْهِ، فعمر ذكرهم لَا أخْبرهُم. وَتعقب يعْنى تعقبه ابْن رشيد فِي " ترجمان التراجم " بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونهم سكتوا عَنهُ أَن يَكُونُوا سَمِعُوهُ من غَيره. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 حَاصِل السُّؤَال أَنه لم يروه عَن عمر إِلَّا وَاحِد، وَحَاصِل الْجَواب أَنه رَوَاهُ عمر وَغَيره، فَلَا يمس هَذَا الْجَواب السُّؤَال بِوَجْه من الْوُجُوه. وَإِن هَذَا لَو سلم فِي عمر أَي فِي انْفِرَاده بِهِ وَحده منع فِي تفرد عَلْقَمَة عَنهُ بِهِ ثمَّ تفرد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، ثمَّ تفرد يحيى بن سعيد بِهِ / عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة وَعنهُ تعدّدت رُوَاته. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن ظَاهر التعقب أَنه على اشْتِرَاط التَّعَدُّد فِي الصَّحَابِيّ وَمن بعده، وَظَاهر كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ وَالْحَاكِم أَنه لَا يشْتَرط التَّعَدُّد فِي الصَّحَابِيّ بل فِيمَن بعده على مَا هُوَ الصَّحِيح الْمَعْرُوف عِنْد الْمُحدثين، وَقد وَردت لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 متابعات كَغَيْرِهِ لَا عِبْرَة بهَا لِضعْفِهَا وَقد أَفَادَ المُصَنّف فِي تَقْرِير هَذَا حِين قرئَ عَلَيْهِ الشَّرْح: إِن هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن المتابعات الَّتِي وَردت لهَذَا الحَدِيث لَا تخرجه عَن كَونه فَردا لِضعْفِهَا فَلَا يعْتد بهَا. وَكَذَا لَا نسلم جَوَابه فِي غير حَدِيث عمر كالوارد من غير طَرِيق أبي سعيد عِنْد الْبَزَّار قَالَ ابْن رشيد بِالتَّصْغِيرِ فِي كِتَابه " ترجمان التراجم " بَعْدَمَا تعجب من ابْن الْعَرَبِيّ وَاشْتَدَّ إِنْكَاره عَلَيْهِ وَلَقَد كَانَ يَكْفِي القَاضِي ابْن الْعَرَبِيّ فِي بطلَان مَا ادّعى أَنه شَرط البُخَارِيّ أول حَدِيث مَذْكُور فِيهِ وَهُوَ حَدِيث " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " فَإِنَّهُ مَرْوِيّ آحاداً. قَالَ: وَكَيف يَدعِي عَلَيْهِ ذَلِك ثمَّ يزْعم أَنه بَاطِل؟ وَمن أعلمهُ بِأَنَّهُ شَرطه؟ إِن كَانَ مَنْقُولًا فليبينه؟ أَو عرفه بالاستقراء فقد وهم، وَأَخْطَأ. وَقَوله ذكرهم لَا أخْبرهُم من قبيل الرَّجْم بِالْغَيْبِ، لاحْتِمَال كَون السُّكُوت لقبُول الْخَبَر لَا لمعْرِفَة مَا أخبر بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَقد استبان بذلك أَن أول حَدِيث فِي البُخَارِيّ مَرْوِيّ بالآحاد، وَكَذَا آخر حَدِيث / فِيهِ، فَإِن أَبَا هُرَيْرَة تفرد بِهِ عَن الْمُصْطَفى، وَتفرد بِهِ عَنهُ أَبُو زرْعَة وَتفرد بِهِ عَنهُ عمَارَة بن الْقَعْقَاع، وَتفرد بِهِ عَنهُ مُحَمَّد بن فُضَيْل وَعنهُ انْتَشَر. وَادّعى ابْن حبَان نقيض دَعْوَاهُ أَي القَاضِي ابْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ: إِن رِوَايَة اثْنَيْنِ عَن اثْنَيْنِ إِلَى أَن يَنْتَهِي الْإِسْنَاد لَا يُوجد أصلا فِي شَيْء من الْجَوَامِع، وَلَا المسانيد وَغَيرهَا. وَكَاد الْمُؤلف أَن يُوَافقهُ على ذَلِك حَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 قَالَ: قلت: إِن أَرَادَ أَن رِوَايَة اثْنَيْنِ فَقَط عَن اثْنَيْنِ فَقَط لَا يُوجد أصلا فَيمكن أَن يسلم لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ قريب. وَأما صُورَة الْعَزِيز الَّتِي حررناها فِيمَا تقدم فموجودة بِكَثْرَة، وَذَلِكَ بِأَن لَا يرويهِ أقل من اثْنَيْنِ عَن أقل من اثْنَيْنِ يَعْنِي على مَا حَرَّره هُوَ، فَإِنَّهُ مَوْجُود بِكَثْرَة مِثَاله: مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس بن مَالك وَالْبُخَارِيّ فَقَط من حَدِيث أبي هُرَيْرَة الدوسي أَن رَسُول الله قَالَ: " لَا يُؤمن أحدكُم " وَفِي رِوَايَة: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من وَالِده وَولده ". الحَدِيث أَي إِلَى تَمام الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله: " وَالنَّاس أَجْمَعِينَ ". رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ عَن أنس قَتَادَة بن دعامة الْأنْصَارِيّ وَعبد الْعَزِيز بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 صُهَيْب بِالتَّصْغِيرِ وَرَوَاهُ عَن قَتَادَة شُعْبَة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة وَرَوَاهُ عَن عبد الْعَزِيز / الْمَذْكُور إِسْمَاعِيل ابْن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَشدَّة الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعبد الْوَارِث بن سعيد كَمَا فِي مُسلم وَرَوَاهُ عَن كل مِمَّن ذكر جمَاعَة هَذَا مَا ذكره الْمُؤلف. وَتعقبه السخاوي بِأَن مَا ذكره من رِوَايَة سعيد لم يقف عَلَيْهِ بعد التتبع والكشف. وَاعْترض شَيخنَا النَّجْم الغيطي صَنِيع الْمُؤلف هَذَا بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يَأْتِي بروايتين عَن الراويين عَنْهُمَا وَهَكَذَا، فاقتصاره على هَذَا الْوَجْه غير جيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الْغَرِيب الرَّابِع: الْغَرِيب كَانَ اللايق أَن يقدم الْغَرِيب على الْعَزِيز، والعزيز على الْمَشْهُور، لِأَن الْغَرِيب من الْعَزِيز بِمَنْزِلَة الْبَسِيط من الْمركب، كَمَا أَن الْعَزِيز كَذَلِك، ذكره بعض شُيُوخنَا. وَهُوَ هُنَا، أَي فِي اصْطِلَاح أهل هَذَا الْفَنّ مَا أَي حَدِيث ينْفَرد بروايته أَي بِرِوَايَة زِيَادَة فِي مَتنه أَو إِسْنَاده شخص وَاحِد فِي أَي طبقَة عَن جَمِيع رُوَاته الثِّقَات وَغَيرهم، فَلم يرو ذَلِك غَيره فِي أَي مَوضِع وَقع التفرد بِهِ فِي السَّنَد أَي سَوَاء وَقع التفرد فِي جَمِيع طباقه بِأَن انْفَرد بِهِ الصَّحَابِيّ، ثمَّ التَّابِعِيّ ثمَّ تَابع التَّابِعِيّ وهلم جرا. أَو فِي بَعْضهَا، قَالَ بَعضهم: وَلَو قَالَ فِي مَوضِع مَا من إِسْنَاده كَانَ أولى على مَا سيقسم إِلَيْهِ: الْغَرِيب الْمُطلق، و الغريب النسبي. وَالْقسم مُطلق الْغَرِيب، وكل من الْقسمَيْنِ لَهُ أَمْثِلَة كَثِيرَة سَيَجِيءُ بَعْضهَا وَلَا يدْخل / فِيهِ إِفْرَاد الْبلدَانِ المضافة إِلَيْهَا إِلَّا أَن يُرَاد بقوله تفرد بِهِ أهل الْبَصْرَة مثلا أَو أحد من أَهلهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَكلهَا - أَي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة - سوى الأول وَهُوَ الْمُتَوَاتر أَن يُسمى خبر آحَاد، وَيُقَال أَيْضا لكل مِنْهُمَا خبر وَاحِد بِالْإِضَافَة، سَوَاء كَانَ مَشْهُورا، أَو عَزِيزًا أَو غَرِيبا، أَو يمْتَنع تواطؤ رُوَاته على الْكَذِب فِي بعض طباقه دون كلهَا، أَو خبر عَمَّا لَيْسَ بمحسوس. وَخبر الْوَاحِد فِي اللُّغَة: مَا يرويهِ شخص وَاحِد وَفِي الِاصْطِلَاح أَي فِي اصْطِلَاح الْمُحدثين مَا لم يجمع شُرُوط التَّوَاتُر. هَذَا تَقْرِير عبارَة المُصَنّف، وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن الَّذِي تحصل من كَلَامه أَن الْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى متواتر وآحاد، وَأَن الْآحَاد: مَشْهُور، وعزيز، وغريب، وَأَن الْمَشْهُور مَا رُوِيَ مَعَ حصر عدد بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ، وَأَن الْغَرِيب هُوَ الَّذِي ينْفَرد بِهِ شخص وَاحِد فِي أَي مَوضِع وَقع التفرد بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَقد تقدم أَن خلاف الْمُتَوَاتر يرد بِلَا حصر عدد فَهُوَ خَارج عَن الْأَقْسَام، غير مَعْرُوف الِاسْم. وفيهَا أَي الْآحَاد: المقبول وَهُوَ مَا يجب الْعَمَل بِهِ عِنْد الْجُمْهُور وَإِن لم يجب الْعَمَل بِهِ عِنْد الْبَعْض كالمعتزلة وَغَيرهم مِمَّن لَا يرى الْعَمَل بِخَبَر على مَا يَأْتِي تَفْصِيله. وفيهَا الْمَرْدُود وَهُوَ الَّذِي لم يرجح صدق الْمخبر بِهِ كَذَا ذكره المُصَنّف، وَاعْترض بِأَن تَعْرِيفه المقبول بِأَنَّهُ مَا يجب الْعَمَل بِهِ غير مُسْتَقِيم، لِأَن وجوب الْعَمَل / بِهِ حكمه لَا حَده، وَالصَّوَاب أَن يَقُول: المقبول هُوَ مَا يرجح صدق الْمخبر بِهِ كَمَا ذكره البقاعي. وَذكر الشَّيْخ قَاسم نَحوه فَقَالَ: قَوْله المقبول يجب الْعَمَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 بِهِ هَذَا حكم المقبول، وَهُوَ أَثَره الْمُرَتّب عَلَيْهِ، فَلَا يَصح تَعْرِيفه بِهِ، وَقد ادعوا الدّور فِي دون هَذَا، فَكَانَ الصَّوَاب أَن يُقَال: إِن الْمَرْدُود حَيْثُ كَانَ هُوَ الَّذِي لم يرجح صدق الْمخبر بِهِ، والمقبول هُوَ الَّذِي يرجح صدق الْمخبر. قَالَ: وَقَوله فِي الْمَرْدُود: هُوَ الَّذِي لم يرجح صدق الْخَبَر بِهِ يَشْمَل المستور والمختلف فِيهِ بِلَا تَرْجِيح، فَلْيحْفَظ هَذَا فَرُبمَا يَأْتِي مَا يُخَالف. انْتهى. وَقَالَ شَيخنَا النَّجْم الغيطي: يَأْتِي فِي كَلَام الْمُؤلف تَقْسِيم المقبول إِلَى مَعْمُول بِهِ كالمنسوخ فَإِنَّهُ يُسمى مَقْبُولًا، وَكَذَا الحديثان الصحيحان المتعارضان حَيْثُ لَا تَرْجِيح، لَا يُقَال: مَا ذكر من المتعارضين غير مُسلم لِأَنَّهُمَا غير مقبولين لأَنا نقُول: قَوْله فِي الْمُتَوَاتر وَكله مَقْبُول، يُوضح ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون مَنْسُوخا، لَكِن الْكَلَام حَيْثُ لم يُمكن أمرا آخر يُوجب عدم الْقبُول فَلَا إِيرَاد. وَإِنَّمَا كَانَت الْآحَاد كَذَلِك لتوقف الِاسْتِدْلَال بهَا على الْبَحْث عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 أَحْوَال الرِّجَال ورواتها جرحا وتعديلاً فَكل راو ثَبت اتصافه بِصِفَات الْقبُول فخبره مَقْبُول، وَإِن جَازَ كَونه فِي نفس الْأَمر كَاذِبًا أَو غالطاً، وكل من لم يثبت اتصافه بذلك فخبره مَرْدُود، وَإِن جَازَ كَونه فِي نفس الْأَمر صَادِقا. دون الأول - وَهُوَ الْمُتَوَاتر - فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف على ذَلِك / فكله مَقْبُول لإفادته الْقطع بِصدق مخبره كَمَا تقدم بِخِلَاف غَيره من (أَخْبَار) الْآحَاد، لَكِن إِنَّمَا وَجب الْعَمَل بالمقبول مِنْهَا لِأَنَّهَا إِمَّا أَن يُوجد فِيهَا أصل صفة الْقبُول وَهُوَ ثُبُوت صدق النَّاقِل. أورد عَلَيْهِ إِنَّه قد يقبل الْآحَاد من لم يعلم صدق النَّاقِل للاعتضاد. وأصل صفة الرَّد - وَهُوَ - ثُبُوت كذب النَّاقِل أَولا، فَالْأول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 يغلب على الظَّن صدق الْخَبَر لثُبُوت صدق ناقله فَيُؤْخَذ بِهِ، وَالثَّانِي: يغلب على الظَّن كذب الْخَبَر لثُبُوت كذب ناقله فيطرح، وَالثَّالِث: إِن وجدت فِيهِ قرينَة تلْحقهُ بِأحد الْقسمَيْنِ الْتحق بِهِ، وَجرى عَلَيْهِ حكمه وَإِلَّا فَيتَوَقَّف فِيهِ إِلَى تَبْيِين الْحَال بالبحث والاستقراء وَإِذا توقف عَن الْعَمَل بِهِ وَهُوَ مَا توقف فِيهِ صَار كالمردود لَا لثُبُوت صفة الرَّد بل لكَونه لم يُوجد فِيهِ صفة توجب الْقبُول. اعْتَرَضَهُ تِلْمِيذه الشَّيْخ قَاسم من وَجْهَيْن: - 1 - الأول: إِن قَوْله: إِنَّمَا وَجب الْعَمَل بالمقبول مِنْهَا ... إِلَى آخِره. ظَاهر السُّوق أَن قَوْله: لِأَنَّهَا دَلِيل لوُجُوب الْعَمَل بالمقبول. وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا هُوَ دَلِيل انقسامها إِلَى المقبول والمردود. قَالَ: وَلَو كَانَ لي من الْأَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 شَيْء لَقلت بعد قَوْله الأول فَإِن وجد فيهم مَا يغلب ظن صدقهم فَالْأول، وَإِلَّا فَإِن ترجح عدم الصدْق فَالثَّانِي، وَإِن تساوى الطرفان فالثالث. 2 - وَالْوَجْه الثَّانِي: قَوْله إِذْ أصل صفة الرَّد - وَهُوَ - ثُبُوت كذب النَّاقِل. يُخَالف مَا قدمه فِي تَفْسِير الْمَرْدُود فَهُوَ تنَاقض /. انْتهى. وَاعْلَم أَن الغرائب وَإِن انقسمت إِلَى الصِّحَّة وَالْحسن والضعيف لَكِن الْغَالِب عَلَيْهَا عدم الصَّحِيح، فَلَا يعْمل بأكثرها إِلَّا فِي الْفَضَائِل، وَلِهَذَا كره جمع من الْأَئِمَّة تتبع الغرائب فَقَالَ أَحْمد: لَا تكتبوها فَإِنَّهَا مَنَاكِير، وعامتها فِي الضَّعِيف. وَسُئِلَ عَن حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَتردينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 عَلَيْهِ حديقته؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُرْسل. فَقيل: إِن ابْن أبي شيبَة زعم أَنه غَرِيب. قَالَ: صدق إِذا كَانَ خطأ فَهُوَ غَرِيب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من طلبَهَا كذب. وَقَالَ مَالك: شَرّ الْعلم الْغَرِيب وخيره الظَّاهِر الَّذِي رَوَاهُ النَّاس. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: كُنَّا نرى أَن الْغَرِيب خير فَإِذا هُوَ شَرّ. تَنْبِيه: مَا تقرر من أَن وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد مر مجمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وتفصيله، إِنَّمَا يقبل من خبر الْوَاحِد يجب الْعَمَل بِهِ فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَة إِجْمَاعًا، وَأما بَقِيَّة الْأُمُور الدِّينِيَّة فَذهب قوم إِلَى وجوب الْعَمَل - أَيْضا - فِيهَا كَأَن يخبر بتنجيس المَاء، وَالْمَاء وبدخول وَقت الصَّلَاة، وَنَحْو ذَلِك. ووجوبه سمعا، وَقيل: عقلا وَإِن دلّ عَلَيْهِ السّمع - أَيْضا - لِأَنَّهُ لَو لم يجب الْعَمَل بِهِ تعطلت وقائع الْأَحْكَام المروية بالآحاد وَهِي كَثِيرَة جدا، وعزى هَذَا إِلَى الإِمَام أَحْمد والقفال وَابْن سُرَيج وَبَعض الْمُعْتَزلَة. وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِي الْحُدُود لِأَنَّهَا تدرأ بِالشُّبْهَةِ. وَقَالَ بَعضهم: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِي ابْتَدَأَ النصب. وَقَالَ قوم: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِيمَا عمل فِيهِ الْأَكْثَر بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّة: لَا يجب الْعَمَل بِهِ / الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 فِيمَا عمل أهل الْمَدِينَة فِيهِ بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّة: لَا يجب الْعَمَل بِهِ فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى، وَلَا فِيمَا خَالفه رَاوِيه، وَلَا فِيمَا إِذا كَانَ مُعَارضا للْقِيَاس وَلم يكن رَاوِيه فَقِيها. وَالْحق وجوب الْعَمَل بِهِ مُطلقًا، لِأَن الْمُصْطَفى كَانَ يبْعَث الْآحَاد إِلَى الْآفَاق لتبليغ الْأَحْكَام، فلولا لُزُوم الْعَمَل بخبرهم لَهُ لم يكن لبعثهم فَائِدَة. لَا يُقَال: الْوَارِد ببعثه الْآحَاد حاد، فإثبات حجَّته خبر الْوَاحِد بهَا مصادرة على الْمَطْلُوب، فَلَا يثبت بحجته. لأَنا نقُول: التفاصيل الْوَارِدَة ببعثهم - وَإِن كَانَت أَخْبَار - آحَاد - فجملتها تفِيد التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ، كالأخبار الدَّالَّة على وجود حَاتِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وشجاعة عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - وَقد يَقع فِيهَا يَعْنِي وَكَثِيرًا مَا يَقع أَي فِي أَخْبَار الْآحَاد المنقسمة إِلَى: مَشْهُور، وعزيز، وغريب، مَا يُفِيد الْعلم لَا مُطلقًا، لاحْتِمَال الْخَطَأ فِيهِ عَادَة، فَإِن رَاوِيه من لم يبلغ عَادَة وُقُوع الْكَذِب مِنْهُ، والتواطىء عَلَيْهِ من مثله فِي جَمِيع الطَّبَقَات لَا يُفِيد (الْعلم) الْقطعِي بل النظري بالقرائن المحتفة بِهِ على الْمُخْتَار الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الإمامان والغزالى، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، والبيضاوي حَيْثُ قَالُوا: خبر الْوَاحِد لَا يُفِيد الْعلم إِلَّا بِقَرِينَة، كَأَن يخبر إِنْسَان بِمَوْت وَلَده الْمَرِيض مَعَ قرينَة الْبكاء، وإحضار الْكَفَن والنعش. خلافًا لمن أَبى ذَلِك وهم الْجُمْهُور، فَقَالُوا: لَا تفيده مُطلقًا، قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ فِي " شرح الْمُخْتَصر ": وَهُوَ الْحق. وَتَبعهُ الشَّيْخ قَاسم فَقَالَ عِنْد (قَول) المُصَنّف: على الْمُخْتَار: الْمُخْتَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 خلاف هَذَا / الْمُخْتَار. قَالُوا: وَمَا ذكره مَعَ الْقَرِينَة يُوجد مَعَ الْإِغْمَاء. وَاعْترض بِأَن هَذَا قدح فِي الْمِثَال الجزئي، وَلَا يلْزم الْقدح فِي الْمُدعى الْكُلِّي وَدفع بِمَا هُوَ مَبْسُوط فِي المطولات، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل: يفِيدهُ مُطلقًا. وَأطَال التَّاج السُّبْكِيّ فِي رده لِأَنَّهُ - لَا يجب الْعَمَل بِهِ - كَمَا مر - وَإِنَّمَا يجب الْعَمَل بِمَا يُفِيد الْعلم. وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَق الإسفرائني وَابْن فورك: يُفِيد المستفيض دون غَيره. وجري عَلَيْهِ من الشَّافِعِيَّة ابْن سُرَيج، والعناني والشرف الْمَنَاوِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَالْخلاف فِي التَّحْقِيق لَفْظِي، لِأَن من جوز إِطْلَاق الْعلم قَيده بِكَوْنِهِ نظرياً وَهُوَ الْحَاصِل عَن الِاسْتِدْلَال، وَمن أبي الْإِطْلَاق قَالَ بَعضهم: لَيْسَ المُرَاد بِالْإِطْلَاقِ هُنَا أَن لَا يُقيد، بل المُرَاد من جَوَاز التَّسْمِيَة خص لفظ الْعلم بالمتواتر، وَمَا عداهُ عِنْده ظَنِّي، لكنه لَا يَنْفِي أَن مَا احتف بالقرائن أرجح مِمَّا خلا عَنْهَا كَذَا ادَّعَاهُ المُصَنّف، ورده ابْن أبي شرِيف والشرف الْمَنَاوِيّ بِأَن القَوْل بِأَن مَا حَفَّتْهُ الْقَرَائِن أرجح لَيْسَ قولا بِأَنَّهُ يُفِيد الْعلم، فَلم يفد هَذَا الِاسْتِدْلَال كَون الْخلاف لفظياً بل هُوَ معنوي، نعم إِن أَرَادَ من أَن الْإِطْلَاق بِالْعلمِ الْعلم الَّذِي يفِيدهُ التَّوَاتُر - وَهُوَ الضَّرُورِيّ - كَانَ الْخلاف لفظياً. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وتلميذه الشَّيْخ قَاسم الْحَنَفِيّ فَقَالَ عِنْد قَوْله: الْخلاف فِي التَّحْقِيق لَفْظِي. التَّحْقِيق خلاف هَذَا التَّحْقِيق - كَمَا يَأْتِي. قَالَ: وَقَوله: لكنه لَا يَنْفِي أَن مَا احتف بالقرائن أرجح. يَقُول: نعم هُوَ أرجح وَمَعَ / كَونه هُوَ أرجح لَا يُفِيد الْعلم، فَالْحَاصِل عِنْد من يَقُول: أَن الْآحَاد لَا تفِيد الْعلم أَن الدَّلِيل الظني على طَبَقَات، وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يُفِيد الْعلم. والمناوي فَقَالَ: مَا ذكره الْمُؤلف فِيهِ نظر، لِأَن الْخلاف فِي إِفَادَة الْعلم فِي الرجحان فِيهِ. وَالْخَبَر المحتف بالقرائن أَنْوَاع: مِنْهَا مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِمَّا لم يبلغ التَّوَاتُر فَيُفِيد الْعلم النظري عِنْد ابْن الصّلاح وَجَمَاعَة فَإِنَّهُ احتفت بِهِ قَرَائِن مِنْهَا جلالتهما فِي هَذَا الشَّأْن ورسوخ قدمهما فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وتقدمهما فِي الْمعرفَة بِهَذِهِ الصِّنَاعَة لَا سِيمَا فِي تَمْيِيز الصَّحِيح من الضَّعِيف على غَيرهمَا وجودة الْوَضع، وبلوغهما أَعلَى الْمَرَاتِب، وَالِاجْتِهَاد فِي الْإِمَامَة فِي هَذَا الْعلم وتلقي الْعلمَاء لكتابيهما بِالْقبُولِ وَإِجْمَاع الْأمة المعصومة فِي إجماعها عَن الْخَطَأ على ذَلِك. وَهَذَا التلقي وَحده أقوى فِي إِفَادَة الْعلم من مُجَرّد كَثْرَة الطّرق القاصرة عَن التَّوَاتُر، إِلَّا أَن هَذَا يخْتَص بِمَا (لم) ينتقده أحد من الْحفاظ مِمَّا فِي الْكِتَابَيْنِ. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْعلمَاء لم يتلقوا كل مَا فِي الْكِتَابَيْنِ بِالْقبُولِ وَبِمَا لم يَقع التجاذب بَين مدلوليه مِمَّا وَقع فِي الْكِتَابَيْنِ حَيْثُ لَا تَرْجِيح. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: لقَائِل أَن يَقُول: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا لِأَن الْكَلَام فِي إِفَادَة الْعلم بِثُبُوت الْخَبَر لَا فِي إِفَادَة الْعلم بمضمونه. لِاسْتِحَالَة ان يُفِيد المتناقصان الْعلم بصدقهما من غير تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر، وَمَا عدا ذَلِك فالإجماع حَاصِل / على تَسْلِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 صِحَّته قَالَ بَعضهم: كَانَ الصَّوَاب أَن يَقُول لَا على الْعلم بِهِ، وَالْإِجْمَاع من مجتهدي الْأمة على أَنه صَحِيح، وَإِن قَالُوا ذَلِك عَن ظن فَإِنَّهُ - لعصمتهم عَن الْخَطَأ - لَا يخطيء. قَالَ بَعضهم: لَا يخفى أَنَّهُمَا إِذا كَانَ فِي أَحدهمَا تَرْجِيح لَا يفيدان الْعلم بصدقهما. فَإِن قيل: إِنَّمَا اتَّفقُوا على وجوب الْعَمَل بِهِ لَا على صِحَّته منعناه، وَسَنَد الْمَنْع أَنهم متفقون على وجوب الْعَمَل بِكُل مَا صَحَّ وَلَو لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ، فَلم يبْق لِلصَّحِيحَيْنِ (فِي هَذَا) مزية، وَالْإِجْمَاع قَائِم (حَاصِل) على أَن لَهما مزية فِيمَا يرجع إِلَى نفس الصِّحَّة. لَكِن لحديثه احْتِمَال كَونه المزية أَن أحاديثهما أصح الصَّحِيح كَذَا قَالَ بَعضهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: حَاصِل السُّؤَال أَنهم اتَّفقُوا على وجوب الْعَمَل - وَهُوَ لَا يسْتَلْزم صِحَة الْجَمِيع - بِالْمَعْنَى المصطلح عَلَيْهِ، لِأَن الْعَمَل يجب بالْحسنِ كَمَا يجب بِالصَّحِيحِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزم أَن يكون الِاتِّفَاق على الصِّحَّة. قَالَ: وَقَوله منعناه أَي منعنَا قَوْله لَا على صِحَّته، وَحَاصِل الْجَواب أَن لِلشَّيْخَيْنِ مزية فِيمَا خرجاه، وَمَا حسن أَو صَحَّ وَجب الْعَمَل بِهِ وَإِن لم يكن من مرويهما فَيلْزم أَن مَا أَخْرجَاهُ أَعلَى الْحسن وَأَعْلَى الصَّحِيح، فَيلْزم من الِاتِّفَاق على وجوب الْعَمَل بِمَا فيهمَا مَعَ مزيتهما الِاتِّفَاق على صِحَّته، هَذَا نِهَايَة الْمُمكن فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل، وَأما الْعبارَة فَإنَّك إِذا نظرت إِلَيْهَا تجدها تنبو عَن ملائمة الطَّبْع السَّلِيم. انْتهى / وَبَقِي أَن يُقَال: سلمنَا حُصُول الْإِجْمَاع على أَن لَهما مزية فِيمَا يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 إِلَى نفس الصِّحَّة، لَكِن هَل المُرَاد أَن الْإِجْمَاع حصل على أَن شُرُوط الصِّحَّة مجتمعة فِي رُوَاة أحاديثهما غير المنتقدة؟ فَإِن لَهَا مزية وَهِي كَون الْإِجْمَاع حصل بذلك بِخِلَاف غَيرهَا، إِذْ لَيْسَ مجمعا عَلَيْهِ، بل لم يتَكَلَّم على صِحَّته وَعدمهَا إِلَّا بعض الْعلمَاء. أم المُرَاد بالمزية أَنه قطع لصِحَّة الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة؟ الَّذِي أَخْرجَاهُ مَحل تردد كَذَا قَالَه الْمُؤلف وَقَضيته كَلَامهم تَرْجِيح الثَّانِي، وَهَذَا كُله جَار على مَا صَححهُ ابْن الصّلاح فِي طَائِفَة من الْمُحدثين، والأصوليين، وَالْفُقَهَاء من الْقطع بِصِحَّة كل مَا ذكرَاهُ مُجْتَمعين، ومنفردين، بإسنادهما الْمُتَّصِل، دون المنتقد وَهُوَ نَحْو مِائَتي حَدِيث، والتعاليق، وَمَا وَقع التجاذب بَين مدلوليه وَلَا مُرَجّح - كَمَا مر -. قَالَ البُلْقِينِيّ: قد تقدم ابْن الصّلاح إِلَى القَوْل بذلك: أَبُو حَامِد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وَأَبُو الطّيب، وَأَبُو إِسْحَق الشِّيرَازِيّ من الشَّافِعِيَّة، والسرخسي من الْحَنَفِيَّة، وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب من الْمَالِكِيَّة، وَأَبُو يعلى، وَأَبُو الْخطاب من الْحَنَابِلَة. وَمِمَّنْ صرح بإفادة مَا أخرجه الشَّيْخَانِ الْعلم النظري الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني بِالْكَسْرِ وَسُكُون الْمُهْملَة، وَفتح الْفَاء وَالرَّاء، وَكسر التَّحْتِيَّة نِسْبَة إِلَى إسفراين بليدَة بنواحي نيسابور وَهُوَ بِلَا همز وَمن أَئِمَّة الحَدِيث: أَبُو عبد الله الْحميدِي نِسْبَة بِالتَّصْغِيرِ إِلَى جده حميد وَأَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الْفضل / (مُحَمَّد) بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَغَيرهمَا أَي من أَئِمَّة الحَدِيث، وَلِهَذَا أعَاد الضَّمِير على الْمُحدثين. وَعبارَة الْأُسْتَاذ الإسفرايني: أهل الصَّنْعَة مجمعون على الْأَخْبَار الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الصحيحان، مَقْطُوع بِصِحَّة أُصُولهَا ومتونها، وَلَا يحصل الْخلاف فِيهَا بِحَال، فَمن خَالف خَبرا مِنْهَا بِلَا تَأْوِيل نقض حكمه، لِأَن هَذِه الْأَخْبَار تلقتها الْأمة بِالْقبُولِ. قَالَ ابْن قطلوبغا: وَحجَّة ابْن الصّلاح - وَمن وَافقه - إِن الْأمة تلقت ذَلِك بِالْقبُولِ، وَمَا تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ، وَهَذِه الصِّحَّة غير مسلمة لصِحَّة تلقيهم بِالْقبُولِ مَا غلب على ظنهم صِحَّته. قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 إِن التلقي بِالْقبُولِ مُوجب للْعَمَل بِهِ، ووجوبه يَكْفِي فِيهِ الظَّن، لِأَن ظنهم لَا يخطي لعصمتهم لَا يفِيدهُ فِي مَطْلُوبه، لِأَن مُتَعَلق ظنهم الحكم الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ هُوَ مَحل وجوب الْعَمَل لَا أَن مُتَعَلق ظنهم أَن الْمُصْطَفى قَالَ لَهُ كَذَا، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ مَطْلُوبه وَمَا ذكره لَا يفِيدهُ فِي مَطْلُوبه إِلَّا أَن يَدعِي إِجْمَاع الْأمة على الصِّحَّة نَفسهَا، وأنى لَهُ ذَلِك بِهِ. وَلذَلِك لما نظر فِي الْمقنع إِلَى ذَلِك قَالَ فِيهِ نظر، لِأَن الْإِجْمَاع إِن وصل إِلَيْنَا بأخبار الْآحَاد كَانَ ظنياً، وَلِهَذَا استدرك النَّوَوِيّ على ابْن الصّلاح، قَالَ: قد خَالف الْمُحَقِّقُونَ وَالْجُمْهُور لِأَنَّهُ لَا يُفِيد فِي أَصله قبل التلقي / إِلَّا الظَّن، وَهُوَ لَا يَنْقَلِب بتلقيهم قطعا، وَقد عَابَ ابْن عبد السَّلَام على ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 الصّلاح - وَمن قَالَ بمقالته - فَقَالَ: إِن الْمُعْتَزلَة يرَوْنَ إِن الْأمة إِذا عملت بِحَدِيث اقْتضى الْقطع بمضمونه، وَهُوَ مَذْهَب ردي. وَأَيْضًا إِن أَرَادَ كل الْأمة فَلَا يخفى فَسَاده، إِذْ الْأمة الَّذين وجدوا بعد وضع الْكِتَابَيْنِ فهم بَعْضهَا لَا كلهَا، وَإِن أَرَادَ كل حَدِيث مِنْهَا يلقى بِالْقبُولِ (فِي كَافَّة النَّاس فَغير مُسلم، ثمَّ أَنا نقُول التلقي بِالْقبُولِ) لَيْسَ بِحجَّة، فَإِن النَّاس اخْتلفُوا أَن الْأمة إِذا عملت بِحَدِيث وَأَجْمعُوا على الْعَمَل بِهِ هَل يُفِيد الْقطع؟ أَو الظَّن؟ وَمذهب أهل السّنة أَنه يُفِيد الظَّن مَا لم تتواتر. انْتهى. قَالَ قَاسم: وَإِذا تَأَمَّلت هَذَا وجدته عقدا تناثرت درره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَمِنْهَا أَي مَا احتف بالقرائن الْمَشْهُور إِذا كَانَت لَهُ طرق متباينة اعْترض بَعضهم هَذَا التَّعْبِير: بِأَنَّهَا لَا يكون إِلَّا متباينة، وَقد تزيد الطّرق على ثَلَاثَة وَيحصل فِي بَعْضهَا عدم التباين لَكِن الزِّيَادَة غير شَرط فِي الْمَشْهُور سَالِمَة من ضعف الروَاة والعلل لِأَنَّهُ يُفِيد الْعلم النظري وَمِمَّنْ صرح بإفادته الْعلم الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، وَأَبُو بكر بن فورك (وَغَيرهمَا) بِضَم الْفَاء مَمْنُوع من الصّرْف، فَإِنَّهُم يدْخلُونَ الْكَاف عوض يَاء التصغير، وَمثله ابْن زيرك كَذَا نَقله (الشَّيْخ) قَاسم عَن الْمُؤلف / ثمَّ رده بِأَن هَذَا لَيْسَ عِلّة منع عَن الصّرْف كَمَا عرف فِي الْعَرَبيَّة. اه وَجعله الْأُسْتَاذ وَابْن فورك وَاسِطَة بَين الْمُتَوَاتر الْمُفِيد للْعلم الضَّرُورِيّ والآحاد الْمُفِيد للظن. وَمِنْهَا المسلسل بالأئمة الْحفاظ المتقنين حَيْثُ لَا يكون غَرِيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 كالحديث الَّذِي يرويهِ أَحْمد بن حَنْبَل - مثلا ويشاركه فِيهِ غَيره عَن الشَّافِعِي، ويشاركه فِيهِ (غَيره أَي غير ابْن حَنْبَل عَن الشَّافِعِي ويشاركه أَي الشَّافِعِي فِيهِ) غَيره عَن مَالك بن أنس، فَإِنَّهُ يُفِيد الْعلم عِنْد سامعه بالاستدلال من جِهَة جلالة رُوَاته، وَأَن فيهم من الصِّفَات اللايقة الْمُوجبَة للقبول مَا يقوم مقَام الْعدَد الْكثير من غَيرهم، وَلَا يتشكك من لَهُ أدنى ممارسة بِالْعلمِ وأخبار النَّاس أَن مَالِكًا مثلا لَو شافهه بِخَبَر أَنه صَادِق فِيهِ، فَإِذا انضاف إِلَيْهِ من هُوَ فِي تِلْكَ الدرجَة ازْدَادَ قُوَّة، وَبعد مَا يخْشَى عَلَيْهِ من السَّهْو. تعقب الشَّيْخ قَاسم قَوْله: إِنَّه صَادِق ... ... إِلَى آخِره. بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَنه لم يتَعَمَّد الْكَذِب فَلَيْسَ مَحل النزاع، وَإِن أَرَادَ أَنه لَا يجوز عَلَيْهِ السَّهْو والغفلة والغلط فَمحل تَأمل. اه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَانْظُر إِلَى قَول عَائِشَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ. وَهَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا لَا يحصل الْعلم بِصدق الْخَبَر مِنْهَا إِلَّا للْعَالم بِالْحَدِيثِ، المتبحر فِيهِ، الْعَارِف بأحوال الروَاة، المطلع على الْعِلَل وَكَون / لَا يحصل لَهُ الْعلم بِصدق ذَلِك لقصوره عَن بُلُوغ الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة لَا يَنْفِي حُصُول الْعلم للمتبحر الْمَذْكُور. كَذَا زَعمه الْمُؤلف، ورده ابْن قطلوبغا بِأَنَّهُ لَو سلم حُصُول مَا ذكر لم يكن مَحل النزاع، لِأَن الْكَلَام فِيمَا هُوَ سَبَب الْعلم لِلْخلقِ لَا لبَعض الْأَفْرَاد. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ومحصل الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا (وَهِي مَا خرجه الشَّيْخَانِ، وَالْمَشْهُور، والمسلسل) أَن الأول يخْتَص بالصحيحين، وَالثَّانِي بِمَا لَهُ طرق مُتعَدِّدَة، وَالثَّالِث بِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْكِبَار كمالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد وَيُمكن اجْتِمَاع الثَّلَاثَة فِي حَدِيث وَاحِد، فَلَا يبعد حِينَئِذٍ الْقطع بصدقه. انْتهى. قَالَ تِلْمِيذه الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَقَوله: وَيُمكن اجْتِمَاع الثَّلَاثَة. هُوَ بِاعْتِبَار المسلسل بالأئمة الْحفاظ لَا بالذين مثل بهم، فَإِن الشَّافِعِي لَا رِوَايَة لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهر. أَقسَام الغرابة ثمَّ الغرابة عبر ثمَّ إِشَارَة إِلَى (تراخي) رُتْبَة الْغَرِيب كَمَا مر، وَهِي معِين فِي الْغَرِيب كالفاعلية (معِين فِي الْفَاعِل) والقادرية معِين فِي الْقَادِر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 إِمَّا أَن يكون فِي أصل السَّنَد - أَي فِي الْموضع الَّذِي يَدُور الْإِسْنَاد عَلَيْهِ وَيرجع وَلَو تعدّدت الطّرق إِلَيْهِ. قَالَ الْمُؤلف: أصل السَّنَد وأوله ومنشؤه وَآخره وَنَحْو ذَلِك يُطلق وَيُرَاد (بِهِ الطّرف الأول) من جِهَة الصَّحَابِيّ، وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الطّرف الآخر بِحَسب الْمقَام - أَي - وَالْمرَاد هُنَا الأول كَمَا صرح بِهِ فِي قَوْله وَهُوَ أَي هُنَا طرفه الَّذِي فِيهِ الصَّحَابِيّ قَالَ المُصَنّف /: أَي الَّذِي يروي عَن الصَّحَابِيّ وَهُوَ التَّابِعِيّ، وَإِنَّمَا لم يتَكَلَّم فِي الصَّحَابِيّ لِأَن الْمَقْصُود مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْقبُول وَالرَّدّ، وَالصَّحَابَة عدُول، وَهَذَا بِخِلَاف مَا تقدم فِي حد الْعَزِيز وَالْمَشْهُور حَيْثُ قَالُوا: إِن الْعَزِيز لَا بُد أَن لَا ينقص عَن اثْنَيْنِ من الأول إِلَى الآخر، فَإِن إِطْلَاقه يتَنَاوَل ذَلِك، وَوَجهه أَن الْكَلَام هُنَاكَ فِي وصف السَّنَد بذلك، وَهنا فِيمَا يتَعَلَّق بِالْقبُولِ وَالرَّدّ. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَفِيه مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمقَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 أَو لَا يكون كَذَلِك، بِأَن يكون التفرد فِي أَثْنَائِهِ كَأَن يرويهِ عَن الصَّحَابِيّ أَكثر من وَاحِد ثمَّ يتفرد بروايته عَن وَاحِد مِنْهُم شخص وَاحِد. قَالَ الْمُؤلف: إِن روى ن الصَّحَابِيّ تَابع وَاحِد فَهُوَ الْفَرد الْمُطلق، سَوَاء اسْتمرّ التفرد أَو لَا، بِأَن رَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة. وَإِن روى عَن الصَّحَابِيّ أَكثر من وَاحِد ثمَّ تفرد عَن أحدهم وَاحِد فَهُوَ الْفَرد النسبي، وَيُسمى مَشْهُورا فالمدار على أَصله. انْتهى. قَالَ ابْن قطلوبغا: وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن قَوْله - كَمَا تقدم -: أَو مَعَ حصر عدد بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ لَيْسَ بِلَازِم فِي الصَّحَابِيّ. فَالْأول هُوَ الْفَرد الْمُطلق أَي سمي بذلك كَحَدِيث النَّهْي عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته، تفرد بِهِ عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ابْن دِينَار عَن ابْن عمر بن الْخطاب. وَحَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن / الْمُصْطَفى دخل مَكَّة وعَلى رَأسه المغفر تفرد بِهِ مَالك عَن الزُّهْرِيّ. وَقد يتفرد بِهِ راو عَن ذَلِك الْمُنْفَرد كَحَدِيث الْبَيْهَقِيّ الَّذِي أوردهُ فِي كتاب " شعب الْإِيمَان " فَإِنَّهُ قد تفرد بِهِ أَبُو صَالح السمان عَن أبي هُرَيْرَة، وَتفرد بِهِ عبد الله بن دِينَار عَن أبي صَالح، وَقد يسْتَمر التفرد فِي جَمِيع رُوَاته أَو أَكْثَرهم. نَحْو مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الْأَرْبَعَة من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن وَائِل بن دَاوُد عَن ابْنه بكر ابْن وَائِل عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن الْمُصْطَفى أَو لم على صَفِيَّة بسويق. قَالَ ابْن طَاهِر: تفرد بِهِ وَائِل عَن ابْنه، وَلم يروه عَنهُ غير سُفْيَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَفِي مُعْجم الْأَوْسَط للطبراني، ومسند الْبَزَّار أَمْثِلَة كَثِيرَة لذَلِك وَقد ألف فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ مؤلفاً حافلاً جدا. وَالثَّانِي هُوَ الْفَرد النسبي، سمي نسبياً لكَون التفرد بِهِ حصل بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص معِين (أَو صفة مُعينَة، أَو إِلَى مَدِينَة أَو بلد، قَالَ بَعضهم: وَلَا يخفي مَا فِيهِ إِذْ الْفَرد الْمُطلق كَذَلِك) وَإِن كَانَ الحَدِيث فِي نَفسه مَشْهُورا. مِثَاله فِي آخر الْإِسْنَاد بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص معِين حَدِيث: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " رَوَاهُ مُسلم عَن أبي غَسَّان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 عَن عبد الْملك بن الصَّباح عَن شُعْبَة عَن وَاقد بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن جده ابْن عمر. تفرد بِهِ أَبُو غَسَّان عَن ابْن الصَّباح، وَلم ينْفَرد ابْن الصَّباح بل تَابعه ابْن عمَارَة عَن / شُعْبَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ومثاله فِي أثْنَاء الْإِسْنَاد بِالنِّسْبَةِ إِلَى صفة مُعينَة حَدِيث أَن الْمُصْطَفى - كَانَ يقْرَأ فِي الْأَضْحَى وَالْفطر بقاف واقتربت. رَوَاهُ مُسلم عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك عَن ضَمرَة عَن عبيد الله ابْن عبد الله عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ عَن النَّبِي. انْفَرد بِهِ من الثِّقَات ضَمرَة وَهُوَ مدَار الحَدِيث. ومثاله بِالنِّسْبَةِ إِلَى بلد معِين أَن يتفرد بِهِ أهل بلد بِنَقْل حَدِيث لم يشاركهم فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 غَيرهم، كَقَوْلِهِم تفرد بِهِ أهل مَكَّة، أَو بَغْدَاد، أَو مصر، أَو الشَّام، أَو الْبَصْرَة، مَا رَوَاهُ الطَّيَالِسِيّ عَن همام عَن قَتَادَة عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد أمرنَا أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَا تيَسّر. قَالَ الْحَاكِم: تفرد بِذكر الْأَمر فِيهِ أهل الْبَصْرَة من أول السَّنَد إِلَى آخِره. وَمَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عبد الله بن زيد فِي صفة وضوء الْمُصْطَفى وَمسح رَأسه بِمَاء غير فضل يَده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 قَالَ الْحَاكِم: هَذِه سنة غَرِيبَة تفرد بهَا أهل مصر ... ... ويقل إِطْلَاق الفردية عَلَيْهِ أَي الْفَرد النسبي، قَالَ بَعضهم: لَا يخفى مَا فِي هَذِه الْعبارَة، وَإِن (كَانَ آخرهَا رُبمَا) أوضح الْمَقْصُود لِأَن الْغَرِيب والفرد مُتَرَادِفَانِ لُغَة وَاصْطِلَاحا، إِلَّا أَن أهل الحَدِيث غايروا بَينهمَا من جِهَة كَثْرَة الِاسْتِعْمَال وقلته، فالفرد أَكثر مَا يطلقونه على الْفَرد الْمُطلق، والغريب أَكثر مَا يطلقونه على الْفَرد النسبي وَهَذَا من حَيْثُ إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِمَا، أما من حَيْثُ استعمالهم الْفِعْل الْمُشْتَقّ فَلَا يفرقون بَينهمَا فَيَقُولُونَ / فِي الْمُطلق والنسبي جَمِيعًا تفرد بِهِ فلَان أَو أغرب فلَان. كَذَا ادَّعَاهُ الْمُؤلف وَفِيه أَمْرَانِ: - 1 - الأول: قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: فِيمَا زَعمه من كَونهمَا مترادفين لُغَة نظر، أَي لِأَن الْفَرد فِي اللُّغَة الْوتر، وَهُوَ الْوَاحِد. والغريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 من بعد عَن وَطنه، وَأغْرب فلَان جَاءَ بِشَيْء غَرِيب أَو كَلَام غَرِيب بعيد عَن الْفَهم. هَذَا كَلَام أهل اللُّغَة، فَالْقَوْل بالترادف لُغَة بَاطِل. وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخ قَاسم: الله أعلم بِمن حكى هَذَا الترادف، وَقد قَالَ ابْن فَارس فِي " الْمُجْمل ": عزب بعد، والغربة الاغتراب عَن الوطن. والفرد: الْوتر، والفرد الْمُنْفَرد هَذَا كَلَام أهل اللُّغَة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الترادف وَلَا يُوهِمهُ. 2 - الثَّانِي: هَذَا التَّعْلِيل - أَعنِي قَوْله: لِأَن الْغَرِيب ... إِلَى آخِره - فِي حيّز الرَّد، قَالَ البقاعي: لَيْت شعري هَذَا التَّعْلِيل لماذا؟ إِن كَانَ لعِلَّة إِطْلَاق الفردية لم يَصح، لِأَن الترادف إِن لم يقتض التَّسْوِيَة فِي الْإِطْلَاق لم يقتض تَرْجِيح أحد المترادفين فِيهِ، وَإِن كَانَ تعليلاً لإِطْلَاق الْفَرد الْمُطلق والفرد النسبي على الْغَرِيب لم يَصح أَيْضا، لِأَن الترادف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 إِنَّمَا هُوَ بَين مُطلق الْغَرِيب وَمُطلق الْفَرد (لَا بَين الْفَرد) الْمُقَيد بِالْإِطْلَاقِ أَو بِالنِّسْبَةِ بَينه وَبَين الْغَرِيب، فأنعم النّظر فِيهِ. انْتهى. وَقَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: لما كَانَ الْغَرِيب والفرد مترادفين اصْطِلَاحا قصد أهل الِاصْطِلَاح الْإِشْعَار بِالْفرقِ بَين الْفَرد الْمُطلق والفرد النسبي، فغايروا بَينهمَا من جِهَة الِاسْتِعْمَال / فَكَانَ أَكثر استعمالهم الْفَرد فِي الْمُطلق، والغريب فِي النسبي، لذَلِك فَهَذَا معنى الْعبارَة - (وَإِن كَانَ فِي أَخذه مِنْهَا تَكْلِيف - وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنه معنى الْعبارَة) لِأَنِّي سَمِعت الْمُؤلف يقرره هَكَذَا إِلَى هُنَا كَلَامه. وَقَرِيب من هَذَا أَي التغاير بَين الْفَرد والغريب اخْتلَافهمْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الْمُنْقَطع والمرسل، هَل هما متغايران أَو لَا؟ فَأكْثر الْمُحدثين على التغاير لكنه عِنْد إِطْلَاق الِاسْم، وَأما عِنْد اسْتِعْمَال الْفِعْل الْمُشْتَقّ فيستعملون الْإِرْسَال فَقَط، فَيَقُولُونَ: أرْسلهُ فلَان أَي وَلَا يَقُولُونَ قطعه فلَان سَوَاء كَانَ مُرْسلا أم مُنْقَطِعًا، وَمن ثمَّ أَي وَمن جِهَة اسْتِعْمَال لفظ أرْسلهُ فِي الْمُرْسل والمنقطع أطلق غير وَاحِد مِمَّن لم يُلَاحظ مواقع استعمالهم على كثير من الْمُحدثين خرج بِهِ الأصوليون على مَا سَيَأْتِي تَقْرِيره أَنهم لَا يغايرون بَين الْمُرْسل والمنقطع وَلَيْسَ كَذَلِك لما حررناه، وَقل من تنبه على النُّكْتَة فِي ذَلِك. قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَالسَّبَب فِي ذَلِك - أَي فِي استعمالهم الْإِرْسَال فَقَط حَتَّى فِي الْمُنْقَطع - أَنهم لَو قَالُوا قطعه فلَان لسبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 إِلَى الْوَهم أَنه مَقْطُوع، والمقطوع غير الْمُنْقَطع اصْطِلَاحا، إِذْ الْمَقْطُوع من أَوْصَاف الْمَتْن والمنقطع من أَوْصَاف السَّنَد، وَالْقطع لَازم لَا يُمكن إِسْنَاده إِلَى الرَّاوِي فألجأهم ذَلِك إِلَى التَّعْبِير بأرسله فافهمه فَإِنَّهُ دَقِيق. قَالَ: وَقَول المُصَنّف: من الْمُحدثين. احْتَرز بِهِ عَن الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّهُ لَا فرق عِنْدهم بَين الْمُرْسل والمنقطع أصلا. تَنْبِيهَات : - 1 - الأول: يَنْقَسِم / الْغَرِيب إِلَى صَحِيح كأفراد الصَّحِيح، وَغير صَحِيح وَهُوَ الْغَالِب، قَالَ الإِمَام أَحْمد: لَا تكْتبُوا هَذِه الْأَحَادِيث الغرائب (فَإِنَّهَا مَنَاكِير، وعامتها عَن الضُّعَفَاء. وَقَالَ مَالك: شَرّ الْعلم الْغَرِيب) وَخير الْعلم الظَّاهِر الَّذِي رَوَاهُ النَّاس. وَقَالَ عبد الرازق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 كُنَّا نرى أَن غَرِيب الحَدِيث خير فَإِذا هُوَ شَرّ. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: خير الْعلم الَّذِي يَأْتِيك من هَا هُنَا، وَهَا هُنَا يَعْنِي الْمَشْهُور. رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمدْخل ". وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَيْسَ الْعلم مَا لَا يعرف إِنَّمَا الْعلم مَا عرف. وروى ابْن عدي عَن أبي يُوسُف: من طلب الدّين بالْكلَام تزندق، وَمن طلب غَرِيب الحَدِيث كذب، وَمن طلب المَال بالكيميا أفلس. 2 - الثَّانِي: يَنْقَسِم الْغَرِيب - أَيْضا - إِلَى: أ - غَرِيب متْنا وإسناداً كَأَن تفرد بمتنه وَاحِد. ب - وَإِلَى غَرِيب إِسْنَادًا لَا متْنا كَحَدِيث روى مَتنه جمع من الصَّحَابَة انْفَرد وَاحِد بروايته عَن صَحَابِيّ آخر، وَفِيه يَقُول التِّرْمِذِيّ: غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَمن أمثلته - كَمَا قَالَ ابْن سيد النَّاس -: مَا رَوَاهُ عبد الْمجِيد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء عَن أبي سعيد عَن الْمُصْطَفى: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ ". قَالَ الخليلي فِي " الْإِرْشَاد ": أَخطَأ فِيهِ عبد الْمجِيد، وَهُوَ غير مَحْفُوظ عَن زيد بن أسلم، فَهَذَا مِمَّا أَخطَأ فِيهِ الثِّقَة عَن الثِّقَة. قَالَ ابْن سيد النَّاس: هَذَا إِسْنَاد غَرِيب كُله والمتن صَحِيح. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وَلَا يُوجد غَرِيب متْنا فَقَط لَا إِسْنَادًا إِلَّا إِذا اشْتهر الْفَرد فَرَوَاهُ عَن الْمُنْفَرد كَثِيرُونَ / صَار غَرِيبا مَشْهُورا غَرِيبا (متْنا) لَا إِسْنَادًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أحد طَرفَيْهِ وَهُوَ الْأَخير كَحَدِيث " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ". 3 - الثَّالِث: قد يكون الحَدِيث - أَيْضا - عَزِيزًا مَشْهُورا، وَقَالَ الْحَافِظ العلائى: حَدِيث " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة " عَزِيز عَنهُ، رَوَاهُ عَنهُ حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَأَبُو هُرَيْرَة، وَهُوَ مَشْهُور. وَعَن أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ عَنهُ الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 سِتَّة: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو حَازِم، (طَاوُوس) ، والأعرج، وَهَمَّام، وَأَبُو صَالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الحَدِيث الصَّحِيح بنوعيه وَخبر الْآحَاد حَال كَونه بِنَقْل عدل (وَهُوَ من لَهُ ملكة تحمله على مُلَازمَة التَّقْوَى والمروءة) تَامّ الضَّبْط عَن مثله، بِأَن أتقن مَا سَمعه بِحَيْثُ يُمكنهُ استحضاره مَتى شَاءَ على مَا يَأْتِي، لَكِن توقف فِيهِ الشَّيْخ قَاسم وَقَالَ: الله أعلم بِتمَام الضَّبْط. قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: وَكَانَ الأخصر الْأَحْسَن (أَن يَقُول: بِنَقْل ثِقَة، لِأَنَّهُ من جمع الْعَدَالَة والضبط، والتعاريف تصان عَن الإسهاب) . مُتَّصِل بِالنّصب على الْحَال السَّنَد غير مُعَلل وَلَا شَاذ هُوَ الصَّحِيح لذاته (أَي لنَفسِهِ) ، وَهُوَ أول تَقْسِيم المقبول إِلَى أَرْبَعَة أَنْوَاع، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يشْتَمل من صِفَات الْقبُول على أَعْلَاهَا أَو لَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الأول الصَّحِيح لذاته، وَالثَّانِي يَأْتِي لنَفسِهِ أما إِن وجد مَا يجْبر ذَلِك الْقُصُور لِكَثْرَة الطّرق فَهُوَ الصَّحِيح - أَيْضا - لَكِن لذاته بل لغيره وَحَيْثُ لَا جبران فَهُوَ الْحسن لذاته، وَإِن قَامَت قرينَة ترجح جَانب قبُول مَا يتَوَقَّف فِيهِ فَهُوَ الْحسن أَيْضا لَكِن لَا لذاته بل لغيره، بِأَن يَأْتِي من طَرِيق آخر، وَقد يُقَال: يلْزم تَقْدِيم الْحسن لغيره على الْحسن لذاته بِاعْتِبَار الْقَرِينَة كَمَا ذكره بَعضهم. وَقدم الْمُؤلف كَغَيْرِهِ من الْمُحدثين الْكَلَام على / الصَّحِيح لذاته لعلو رتبته على غَيره من بَقِيَّة الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة لِأَنَّهُ الأَصْل، ومدار الْعَمَل عَلَيْهِ، ومرادهم بِالصَّحِيحِ مَا وجدت بِهِ هَذِه الشُّرُوط، وبالضعيف مَا لم تُوجد فِيهِ أَو بَعْضهَا لَا مَا هُوَ صَحِيح فِي نفس الْأَمر أَو ضَعِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فِيهِ، لجَوَاز صدق الْكَاذِب وَخطأ الصَّادِق، وَإِن الصَّحِيح قد يكون فَردا وَغير فَرد - كَمَا علم مِمَّا مر وَيَأْتِي - لِأَن الْأَدِلَّة على قبُول خبر الْوَاحِد لَا تفرق بَين الْفَرد وَغَيره. الْعَدَالَة وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ: من لَهُ ملكة تحمله على ملازمته التَّقْوَى والمروءة. اعْترض بِأَن الأولى أَن يَقُول كَمَا قَالَ أهل الْأُصُول - ملكة أَي هَيْئَة راسخة فِي النَّفس، تمنع عَن اقتراف الْكَبَائِر، وصغائر الخسة كسرقة لقْمَة وتطفيف تَمْرَة، والرذائل الْمُبَاحَة - أَي الْجَائِزَة - كالبول فِي الطَّرِيق الَّذِي هُوَ مَكْرُوه، وَالْأكل فِي السُّوق لغير سوقي، وَاتِّبَاع هوى النَّفس. وَالْمعْنَى عَن اقتران كل فَرد من أَفْرَاد مَا ذكر، فباقتران الْفَرد من ذَلِك تَنْتفِي الْعَدَالَة. أما صغائر غير الخسة ككذبة لَا يتَعَلَّق بهَا ضَرَر، ونظرة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 أَجْنَبِيَّة فَلَا يشْتَرط الْمَنْع عَن اقتران كل مِنْهَا، فباقتران الْفَرد مِنْهَا لَا تَنْتفِي الْعَدَالَة. وَأما تَعْبِير المُصَنّف بِمَا ذكره فقد تبع فِيهِ صَاحب " البديع " حَيْثُ قَالَ: الْعَدَالَة هَيْئَة تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى والمروءة وَقد رد بِأَنَّهُ يفْسد بِهِ طرد التَّعْرِيف. الضَّبْط وأنواعه وَالْمرَاد بالتقوى اجْتِنَاب / الْأَعْمَال السَّيئَة من شرك، أَو فسق، أَو بِدعَة. والضبط نَوْعَانِ: 1 - الأول: ضبط صدر أَي يُسمى بذلك، وَيُسمى أَيْضا ضبط حفظ وَهُوَ أَن يثبت الرَّاوِي مَا سَمعه من شَيْخه متقناً لذَلِك فِي حافظته بِحَيْثُ أَنه يتَمَكَّن عَادَة من استحضاره لَهُ مَتى شَاءَ لَكِن لَا يشْتَرط أَن يكون استحضاره دفعياً، بل يَكْفِي أَن يستحضره شَيْئا فَشَيْئًا على التدريج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 2 - وَالثَّانِي: ضبط كتاب أَي يُسمى بذلك وَهُوَ صيانته أَي الْكتاب إِن كَانَ حدث فِيهِ لَدَيْهِ أَي عِنْده مُنْذُ سمع فِيهِ وَصَححهُ إِلَى أَن يُؤَدِّي مِنْهُ ليصير حِينَئِذٍ على يَقِين من عدم إِدْخَال أحد فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَتعقبه تِلْمِيذه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن قَوْله والضبط ضبط صدر ... إِلَى آخِره، إِن كَانَ هَذَا هُوَ التَّام فَلَا تتَحَقَّق الْمَرَاتِب، فَإِن من لم يكن بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة فَهُوَ سيء الْحِفْظ أَو ضعيفه، وَلَيْسَ حَدِيثه بِالصَّحِيحِ. ثمَّ الضَّبْط بالصدر لَا يتَصَوَّر فِيهِ تَمام وقصور أصلا، وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي التَّعْرِيف تجهيل. وَقيد الضَّبْط بالتمام إِشَارَة إِلَى بُلُوغ الرُّتْبَة الْعليا فِي ذَلِك ليخرج الْحسن لذاته فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ ذَلِك. اتِّصَال السَّنَد والمتصل هُوَ مَا أَي حَدِيث سلم إِسْنَاده من سُقُوط فِيهِ، بِحَيْثُ يكون كل من رِجَاله سمع ذَلِك الْمَرْوِيّ من شَيْخه بِلَا وَاسِطَة، وَلَو قَالَ: من شَيْخه فِيهِ كَانَ أولى، وَقد يسمع من شَيْخه الحَدِيث ثمَّ يطْرَأ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 عِلّة بِنَحْوِ مرض فينسى / بِسَبَبِهِ مسموعه، فيضطر إِلَى سَماع ذَلِك الحَدِيث بِوَاسِطَة عَن شَيْخه، ثمَّ تسْقط الْوَاسِطَة وَيَأْتِي بِلَفْظ مُحْتَمل، فقد صدق أَنه سَمعه من شَيْخه، فَقَوْل المُصَنّف: مَا سلم إِسْنَاده من سُقُوط جيد لَوْلَا قَوْله بعده: بِحَيْثُ ... إِلَى آخِره، لَكِن قَوْله: غير مُعَلل، يخرج ذَلِك والسند تقدم تَعْرِيفه وَمر مَا فِيهِ من النَّقْد. الْمُعَلل و المعلل لُغَة نصب على الظَّرْفِيَّة الاعتبارية، بِمَعْنى نِسْبَة الْخَبَر إِلَى الْمُبْتَدَأ، أَو حَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي حَال كَونه، أَو لَفظه فِي اللُّغَة أَي معدوداً من جملَة مَعَانِيهَا أَو من جِهَتهَا. مَا فِيهِ عِلّة، واصطلاحهاً ظرف اعتباري مُتَعَلق بِمَعْنى نِسْبَة الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 إِلَى الْمُبْتَدَأ، أَو بِمَحْذُوف حَالا من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي حد الْمُعَلل حَال كَون الْمُعَلل فِي مَعَاني الِاصْطِلَاح، أَو معدوداً من الْمعَانِي المتعارفة بَين أهل الِاصْطِلَاح، المُرَاد (اصْطِلَاح الْمُحدثين) مَا فِيهِ عِلّة خُفْيَة على غير المتبحر فِي هَذَا الشَّأْن قادحة طرأت على الحَدِيث السَّالِم ظَاهره مِنْهَا، فَخرج بالخفية الظَّاهِرَة كانقطاع وَضعف رَاوِي. وبالقادحة غَيرهَا كَرِوَايَة الْعدْل الضَّابِط. الشاذ والشاذ لُغَة هُوَ الْمُنْفَرد عَن غَيره بقال وَاصْطِلَاحا مَا يُخَالف فِيهِ الرَّاوِي من هُوَ أرجح مِنْهُ فِي الْعَدَالَة والضبط والإتقان، وَهَذَا قد تعقبه عَلَيْهِ الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ لَيْسَ بجيد، إِذْ يدْخل فِيهِ الْمُنكر، قَالَ: فَالصَّوَاب أَن يَقُول مَا خَالف فِيهِ الثِّقَة من هُوَ أرجح مِنْهُ وَله تَفْسِير آخر يَأْتِي بَيَانه أَي فِي / أَوَاخِر الْكَلَام على سوء الْحِفْظ حَيْثُ قَالَ: إِنَّه إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 كَانَ لَازِما للراوي فَهُوَ الشاذ على رَأْي، نبه على ذَلِك الْكَمَال بن أبي شرِيف. (وَقَالَ بَعضهم: سَيَأْتِي قَوْله بَيَانه أَي وَهُوَ قَوْله، وَعرف من هَذَا التَّقْرِير أَن الشاذ مَا رَوَاهُ مُخَالفا مِمَّن هُوَ أولى مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَمد فِي تَعْرِيف الشاذ بِحَسب الِاصْطِلَاح. انْتهى) . وَاعْلَم أَنهم قد يحكمون للإسناد بِالصِّحَّةِ فَيَقُولُونَ: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح دون الحكم للمتن بهَا، وَنَحْو هَذَا حَدِيث صَحِيح لِأَن الْإِسْنَاد قد يَصح لثقة رِجَاله وَلَا يَصح حَدِيثه لشذوذ أَو عِلّة، لَكِن الْمُعْتَمد فيهم: إِذا اقْتصر على قَوْله صَحِيح الْإِسْنَاد الظَّاهِر مِنْهُ الحكم بِأَنَّهُ صَحِيح فِي نَفسه بِقَرِينَة عدم ذكره القادح. (تَنْبِيه) : قَوْله فِي الْمَتْن وَخبر الْآحَاد كالجنس، وَبَاقِي قيوده كالفصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَتَقْدِير الْكَلَام: الصَّحِيح لذاته هُوَ خبر الْآحَاد (فخبر الْآحَاد) هُوَ الْحَد والمحدود، وَهُوَ الصَّحِيح، وَقدم الْمُعَرّف على الْمُعَرّف لِأَن معرفَة الْمُعَرّف أقدم من معرفَة الْمُعَرّف عِنْد الْعقل، فَقدم فِي الْوَضع ليطابق مَا عِنْد الْعقل. وَقَوله: بِنَقْل عدل، احْتِرَازًا عَمَّا يَنْقُلهُ غير الْعدْل. وَقَوله هُوَ يُسمى فصلا يتوسط بَين الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ هُنَا: وَخبر الْآحَاد وَالْخَبَر الَّذِي هُوَ قَوْله: هُوَ الصَّحِيح. يُؤذن أَي يعلم بِأَن مَا بعده خبر عَمَّا قبله وَلَيْسَ بنعت لَهُ اعْتَرَضَهُ بعض الْمُحَقِّقين بِأَن هَذِه لَيست نُكْتَة الْإِتْيَان بِهِ على مَا قَالَه أَرْبَاب الْمعَانِي، بل نكتته إِفَادَة التَّخْصِيص وَالْقصر. وَقَوله فِي الْمَتْن - أَيْضا - لذاته يخرج مَا يُسمى صَحِيحا لأمر خَارج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 عَنهُ - كَمَا تقدم -. كالحسن إِذا روى من غير / وَجه، وَمَا اعتضد بتلقي الْأمة لَهُ بِالْقبُولِ وَإِن لم يكن لَهُ إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَلَو قَالَ: وَخبر الْآحَاد إِن نَقله عدل تَامّ الضَّبْط حَال كَونه مُتَّصِلا السَّنَد ... إِلَى آخِره كَانَ أولى. محترزات تَعْرِيف الصَّحِيح وَخرج بالقيد الأول: مَا نَقله فَاسق أَو مَجْهُول عينا أَو حَالا، أَو مَعْرُوف بالضعف. وَبِالثَّانِي: مَا نَقله مُغفل كثير الْخَطَأ. وبالثالث: الْمُنْقَطع والمعضل والمرسل على رَأْي من لَا يقبله. وبالرابع وَالْخَامِس: الْمُعَلل والشاذ. انتقادات لتعريف الصَّحِيح وَهَذَا التَّعْرِيف قد انتقد من وُجُوه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 1 - الأول: وَهُوَ للْمُصَنف إِن ذكر الْقَيْد الثَّانِي مُسْتَدْرك فَإِنَّهُ يُغني عَنهُ الأول، لِأَن اشْتِرَاط الْعَدَالَة يَسْتَدْعِي صدق الرَّاوِي وَعدم غفلته وَعدم تساهله عِنْد التَّحَمُّل وَالْأَدَاء. 2 - الثَّانِي: أَن اشْتِرَاط نفي الشذوذ يُغني عَن اشْتِرَاط الضَّبْط، لِأَن الشاذ إِذا كَانَ هُوَ الْفَرد الْمُخَالف، وَكَانَ شَرط الصَّحِيح إِن سلم مِنْهُ تَنْتفِي مِنْهُ الْمُخَالفَة، فَمن كثرت مِنْهُ الْمُخَالفَة - وَهُوَ غير الضَّابِط - أولى. وَأجِيب: بِأَن (الْكَلَام) فِي مقَام التَّبْيِين فَلم يكتف بِالْإِشَارَةِ. 3 - الثَّالِث: إِن اشْتِرَاط السَّلامَة من الشذوذ وَالْعلَّة لم يذكرهَا الْفُقَهَاء وَأهل الْأُصُول بل زَاده المحدثون، وَفِيه نظر على مُقْتَضى نظر الْفُقَهَاء وَأهل الْأُصُول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَأجِيب: بِأَن من يؤلف فِي علم إِنَّمَا يذكر الْحَد عِنْد أَهله لَا عِنْد غَيرهم. كَون أُولَئِكَ لم يشترطوا ذَلِك فِي الصَّحِيح لَا يفْسد الْحَد / عِنْد من يشترطهما. 4 - الرَّابِع: إِن هَذَا التَّعْرِيف نَاقص إِذْ بَقِي من تَمَامه أَن يَقُول: (وَلَا مُنكر) . ورد: بِأَن الْمُنكر عِنْد الْمُؤلف - التَّابِع للنووي وَابْن الصّلاح - هُوَ والشاذ سيان، فَذكره مَعَه تكْرَار، وَعند غَيرهم أَسْوَأ حَالا من الشاذ، فاشتراط نفي الشذوذ يقتضى اشْتِرَاط نَفْيه بِالْأولَى. - الْخَامِس: إِنَّه لم يفصح كَابْن الصّلاح بمراده من الشذوذ فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور فِي الْمَتْن، وَذكر فِي الشَّرْح أَنه مُخَالفَة الثِّقَة لأرجح مِنْهُ، وَاعْتَرضهُ فِي غير هَذَا الْكتاب: بِأَن الْإِسْنَاد إِذا كَانَ مُتَّصِلا، وَرُوَاته الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 عدُول ضابطون فقد انْتَفَت عَنهُ الْعِلَل الظَّاهِرَة، وَإِذا انْتَفَى كَونه معلولاً فَمَا الْمَانِع من الحكم بِصِحَّتِهِ. وَغَايَة مَا فِيهِ رُجْحَان رِوَايَة على أُخْرَى، والمرجوحية لَا تنَافِي الصِّحَّة، وَأكْثر مَا فِيهِ أَن يكون هُنَا صَحِيح وَأَصَح فَيعْمل بالراجح لَا بالمرجوح، وَلَا يلْزم مِنْهُ الحكم بضعفه بل غَايَته الْوَقْف عَن الْعَمَل بِهِ كَمَا فِي النَّاسِخ والمنسوخ. وبفرض تَسْلِيم أَن الشاذ لَا يُسمى صَحِيحا فَلَا يلْزم مِنْهُ جعل انتقائه شرطا فِي الصِّحَّة، وَلم لَا يحكم للْحَدِيث بِالصِّحَّةِ إِلَى أَن تظهر الْمُخَالفَة، فَيحكم بالشذوذ. وَمنع بِأَن هَذَا يُفْضِي إِلَى الاسترواح بِحَيْثُ يحكم على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ قبل تتبع طرقه الَّتِي يعلم بهَا الشذوذ نفيا وإثباتاً، وَقد يتَمَسَّك بذلك من لَا يحسن فَالْأَحْسَن / سد الْبَاب. 6 - السَّادِس: إِن قَوْله غير مُعَلل وَلَا شَاذ نَاقص، فَلَا بُد أَن يكون الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فِي التَّعْرِيف بعلة قادحة. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك يُؤْخَذ من تَعْرِيف الْمَعْلُول حَيْثُ ذكر فِي مَوْضِعه، قَالَ الْمُؤلف: وَلَا يرد ذَلِك إِلَّا على من قَالَ من غير شذوذ وَلَا عِلّة. فَإِن عَلَيْهِ أَن يصف الْعلَّة بِكَوْنِهَا قادحة وَكَونهَا خُفْيَة. قَالَ: وَلم يصب من قَالَ لَا حَاجَة إِلَى ذَلِك، لِأَن لفظ الْعلَّة لَا يُطلق إِلَّا على مَا كَانَ قادحاً. 7 - السَّابِع: إِنَّهُم أوردوا عَلَيْهِ الْمُتَوَاتر فَإِنَّهُ صَحِيح قطعا، وَلَا يشْتَرط فِيهِ هَذِه الْقُيُود. لَكِن فِي وجود حَدِيث متواتر لَا يجمع هَذِه الشُّرُوط توقف. وتتفاوت رُتْبَة أَي الصَّحِيح من حَيْثُ هُوَ بتفاوت هَذِه الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للتصحيح فِي الْقُوَّة. اسْتشْكل ذَلِك ابْن قطلوبغا فَقَالَ: لَا الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 أعلم بعد التَّمام رُتْبَة، وَدون التَّمام لَا يُوجد الْحَد، فليطلب تَصْوِير هَذِه الْأَوْصَاف وَكَيف تَتَفَاوَت؟ . انْتهى. فَإِنَّهَا لما كَانَت مفيدة لغَلَبَة الظَّن الَّذِي عَلَيْهِ مدَار الصِّحَّة اقْتَضَت أَن يكون لَهَا دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض بِحَسب الْأُمُور المقوية. قَالَ المُصَنّف: وَالْغَلَبَة لَيست بِقَيْد وَإِنَّمَا أردْت دفع توهم إِرَادَة الشَّك لَو عبرت بِالظَّنِّ. وَإِذا كَانَت كَذَلِك فَمَا (أَي فَالْحَدِيث الَّذِي) تكون رُوَاته فِي الدرجَة الْعليا من الْعَدَالَة والضبط وَسَائِر الصِّفَات الَّتِي توجب التَّرْجِيح كَانَ أصح مِمَّا دونه. بذلك، وَاسْتشْكل بِأَن هَذَا شَيْء لَا يَنْضَبِط، وَلَا يعتبروه / فِي الصَّحَابَة، فَكيف بغيرهم؟ من الْأَحَادِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الصَّحِيحَة الَّتِي لم تبلغ رواتها تِلْكَ الدرجَة. أصح الْأَسَانِيد فَمن الْمرتبَة الْعليا فِي ذَلِك مَا أطلق عَلَيْهِ بعض الْأَئِمَّة أَنه أصح الْأَسَانِيد كالزهري أَي كالحديث الَّذِي يرويهِ الزُّهْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شهَاب عَن سَالم أَي نَاقِلا لَهُ عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه وَمذهب أَحْمد وَابْن رَاهَوَيْه أَن هَذَا أصح الْأَسَانِيد مُطلقًا. قَالَ بعض الْمُحَقِّقين على الألفية: وَمَا الْجمع بَين هَذَا و (بَين) قَول الْمُؤلف - كَغَيْرِهِ: أصح الصَّحِيح مَرْوِيّ البُخَارِيّ وَمُسلم وَمَعَ أَنَّهُمَا لم يرويا حَدِيثا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَا بِمَا بعده؟ . وَلَعَلَّ الْجمع هُوَ الْجمع بَين قَول الْجُمْهُور أَن كِتَابَيْهِمَا أصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 (كتب الحَدِيث وَبَين قَول الشَّافِعِي مَا على وَجه الأَرْض بعد كتاب الله أصح) من موطأ مَالك: إِن ذَلِك قيل قبل وجود الْكِتَابَيْنِ. انْتهى. وَأجَاب ابْن قطلوبغا - أَيْضا - بِأَن هَذَا لَيْسَ اخْتِيَار الشَّيْخَيْنِ، وَلَا اخْتِيَار من قَالَ: أرفع الصَّحِيحَيْنِ مرويهما، وَالْعبْرَة فِي أصح الْأَسَانِيد مَا نَص عَلَيْهِ من غير نظر إِلَى الْوَاسِطَة بَين صَاحب الْكتاب وَأول التَّرْجَمَة. وكمحمد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء ابْن عَمْرو السَّلمَانِي عَن عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَمذهب ابْن الْمَدِينِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وَالْفَلَّاس أَن هَذَا أصح الْأَسَانِيد مُطلقًا وكإبراهيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن ابْن مَسْعُود، وَمذهب ابْن معِين أَن هَذَا أصح الْأَسَانِيد مُطلقًا. أَو كالزهري عَن زين / العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن جده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وَهُوَ قَول عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة. وَقيل: أَصَحهَا يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: قَتَادَة عَن ابْن الْمسيب عَن عَامر أخي أم سَلمَة (عَن أم سَلمَة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وَقيل غير ذَلِك. ودونها أَي الْأَسَانِيد الْمَذْكُورَة فِي الرُّتْبَة، كَرِوَايَة بريد بن عبد الله ... ... ... ... ... ... ... بن أبي بردة عَن جده عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. اسْتشْكل الشَّيْخ قَاسم: بِأَن بريد بن عبد الله إِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 تَامّ الضَّبْط فَلَا يَصح جعله فِي الْمرتبَة الَّتِي هِيَ أدنى مِمَّا فَوْقهَا، وَإِن لم يكن تَامّ الضَّبْط فَلَيْسَ حَدِيثه بِالصَّحِيحِ فَلم يدْخل فِي أصل الْمقسم. وكحماد بن سَلمَة بن دِينَار الْبَصْرِيّ عَن ثَابت بن أسلم الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك. وَفِيه الْإِشْكَال الْمُتَقَدّم. ودونها فِي الرُّتْبَة كسهيل (بِالتَّصْغِيرِ) بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة. وكالعلاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة فَإِن الْجَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 يشملهم اسْم الْعَدَالَة والضبط. اعْتَرَضَهُ الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا ظَاهر فِي أَن الْمُعْتَبر فِي حد الصَّحِيح مُطلق الضَّبْط لَا الْمَوْصُوف بالتمام فينافي مَا قَدمته. إِلَّا أَن للمرتبة الأولى من الصِّفَات المرجحة مَا يَقْتَضِي تَقْدِيم روايتهم على الَّتِي تَلِيهَا. أَي على رِوَايَة أهل الْمرتبَة الَّتِي بعْدهَا وَفِي الَّتِي تَلِيهَا من قُوَّة الضَّبْط مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمهَا على الثَّالِثَة. اعْتَرَضَهُ تِلْمِيذه ابْن قطلوبغا بِأَن مناظرة / أبي حنيفَة مَعَ الْأَوْزَاعِيّ مَعْرُوفَة رَوَاهَا الْحَارِثِيّ وَغَيره. وَهِي مُقَدّمَة على رِوَايَة من يعد (بِضَم الْيَاء وَفتح الْعين وَشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الدَّال) مَا ينْفَرد بِهِ حسنا لَا صَحِيحا كمحمد بن إِسْحَق صَاحب الْمَغَازِي عَن عَاصِم بن عمر عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَعَمْرو ابْن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عبد الله بن عَمْرو وَقس أَنْت على هَذِه الْمَرَاتِب مَا يشبهها، والمرتبة الأولى هِيَ الَّتِي أطلق عَلَيْهَا بعض الْأَئِمَّة (يَعْنِي الإِمَام ابْن حَنْبَل) أَنَّهَا أصح الْأَسَانِيد قَالَ بَعضهم: فِي كَلَامه هَذَا إِشْعَار باعتماده، لَكِن قَالَ غَيره الْأَصَح مُطلقًا: الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَهُوَ قَول البُخَارِيّ وَالْإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 أبي مَنْصُور التَّمِيمِي، وَهُوَ الَّذِي صدر بِهِ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ كَلَامه. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَهُوَ الَّذِي تميل إِلَيْهِ النُّفُوس، وتنجذب إِلَيْهِ الْقُلُوب. بل نقل السُّهيْلي عَن بَعضهم أَن مثل ذَلِك عَن نَافِع مُوجب للْعلم. وعَلى هَذَا قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: أصح الْأَسَانِيد مُطلقًا: أَحْمد عَن الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَتسَمى هَذِه التَّرْجَمَة سلسلة الذَّهَب، وَلَيْسَ فِي مُسْند أَحْمد على كبره مِنْهَا سوى حَدِيث وَاحِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 قَالَ البُلْقِينِيّ: وَأَبُو حنيفَة وَإِن روى عَن مَالك - كَمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ - فَلم تشتهر رِوَايَته عَنهُ كاشتهار رِوَايَة الشَّافِعِي عَنهُ. الرَّأْي الْمُخْتَار فِي أصح الْأَسَانِيد وَالْمُعْتَمد عدم الْإِطْلَاق لترجمة مُعينَة مِنْهَا أَي الْمُعْتَمد عَلَيْهِ عِنْد متأخري الْمُحدثين منع إِطْلَاق / كَونهَا أصح الْأَسَانِيد مُطلقًا. نعم يُسْتَفَاد من مَجْمُوع مَا أطلق الْأَئِمَّة عَلَيْهِ ذَلِك أرجحيته على مَا لم يطلقونه وأصل ذَلِك قَول النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح: وَالْمُخْتَار أَنه لَا يجْزم فِي إِسْنَاد بِأَنَّهُ أصح الْأَسَانِيد مُطلقًا. لِأَن تفَاوت مَرَاتِب الصِّحَّة مُرَتّب على تمكن الْإِسْنَاد من شُرُوط الصِّحَّة، ويعز وجود أَعلَى دَرَجَات الْقبُول فِي كل وَاحِد وَاحِد من رجال الْإِسْنَاد الكائنين فِي تَرْجَمَة وَاحِدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 (قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: بل لم يتَّفق هَذَا قطّ) . وَلِهَذَا اضْطربَ من خَاضَ فِي ذَلِك فَقَالَ كل بِحَسب مَا رأى، إِذْ لم يكن عِنْدهم استقراء تَامّ، وَإِنَّمَا رجح كل مِنْهُم مَا رَجحه بِحَسب مَا قوي عِنْده، سِيمَا إِسْنَاد بَلَده لِكَثْرَة اعتنائه بِهِ. نعم يُسْتَفَاد من مَجْمُوع مَا أطلق الْأَئِمَّة ذَلِك أرجحيته. انْتهى. المفاضلة بَين الصَّحِيحَيْنِ ويلتحق بِهَذَا التَّفَاضُل مَا اتّفق الشَّيْخَانِ على تَخْرِيجه بِالنِّسْبَةِ لما انْفَرد بِهِ أَحدهمَا. قَالَ الْمُؤلف: مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ رَاجِح - أَيْضا - لترجيح أفضليتهما فَإِنَّهُم إِذا قصروا اخْتِلَافهمَا عَلَيْهِمَا اسْتُفِيدَ مرجوحية غَيرهمَا، وترجيحهما - أَي البُخَارِيّ وَمُسلم - إِذا اتفقَا، وَأفَاد تَصْرِيح الْجُمْهُور بِتَقْدِيم البُخَارِيّ. كَذَا قَالَه فِي تَقْرِيره حِين قريء عَلَيْهِ الْكتاب. قَالَ الْعَلامَة قَاسم: لَيْسَ فِي هَذَا أَكثر مِمَّا فِي الشَّرْح فِي الْمَعْنى لَكِن فِي اللَّفْظ. وَمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ بِالنِّسْبَةِ لما انْفَرد بِهِ مُسلم لِاتِّفَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 الْعلمَاء بعدهمَا على تلقي كِتَابَيْهِمَا / بِالْقبُولِ كَمَا تقدم وَاخْتِلَاف بَعضهم فِي أَيهمَا أرجح: فَمَا اتفقَا عَلَيْهِ أرجح من هَذِه الْحَيْثِيَّة. أَي من حَيْثُ تلقي كِتَابَيْهِمَا بِالْقبُولِ مِمَّا لم يتَّفقَا عَلَيْهِ وَقد يعرض عَارض يَجْعَل المفوق فائقاً كَذَا ذكره المُصَنّف. فَإِذا قَالُوا: مُتَّفق عَلَيْهِ، أَو على صِحَّته فمرادهم (اتِّفَاق) الشَّيْخَيْنِ لَا الْأمة لَكِن يلْزم - كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح - من اتِّفَاقهمَا اتِّفَاق الْأمة لتلقيهم لَهما بِالْقبُولِ كَمَا تقرر. تَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم وَقد صرح الْجُمْهُور بِتَقْدِيم صَحِيح البُخَارِيّ على صَحِيح مُسلم فِي الصِّحَّة أَي الْمُتَّصِل فِيهِ دون نَحْو التَّعَالِيق والتراجم كَمَا مر وَلم يُوجد عَن أحد التَّصْرِيح بنقيضه. كَذَا ادَّعَاهُ المُصَنّف. وَمنع بقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 مسلمة بن قَاسم فِي كتاب الصِّلَة: صَحِيح مُسلم لم يصنع أحد مثله. ثمَّ استشعر الْمُؤلف على نَفسه اعْتِرَاض فِي هَذِه الدَّعْوَى فحاول دَفعه بقوله: وَأما مَا نقل عَن أبي عَليّ الْحُسَيْن بن عَليّ النَّيْسَابُورِي بِفَتْح النُّون، وَهُوَ شيخ الْحَاكِم أَنه قَالَ: مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أَي مَا ظهر مِنْهَا أصح من كتاب مُسلم. فَلم يُصَرح بِكَوْنِهِ أصح من صَحِيح البُخَارِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 خلافًا لما أفهمهُ كَلَام التَّقْرِيب (وَمن تبعه) لِأَنَّهُ إِنَّمَا نفي وجود كتاب أصح من كتاب مُسلم، إِذا الْمَنْفِيّ إِنَّمَا هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ صِيغَة افْعَل من زِيَادَة صِحَة فِي كتاب شَارك كتاب مُسلم فِي / الصِّحَّة، يمتاز بِتِلْكَ الزِّيَادَة وَلم ينف الْمُسَاوَاة فِي الصِّحَّة فَهُوَ إِنَّمَا نفى الأصحية عَن غير مُسلم عَلَيْهِ، فَيصدق بالمساواة كَمَا فِي حَدِيث: (لَا أظلت الخضراء، وَلَا أقلت الغبراء، أصدق للْخَبَر من أبي ذَر) فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنه أصدق من جَمِيع الصَّحَابَة الَّذين مِنْهُم: أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 لَكِن عورض: بِأَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِحَسب اللُّغَة، وَأما فِي الْعرف فنفى الأرجحية يسْتَلْزم نفى الْمُسَاوَاة، وَبِأَن الْمُسَاوَاة لَا تكَاد تُوجد فَلَا تقصد، فَكَأَن السِّيَاق لإِثْبَات الأصحية. أَلا ترى إِلَى مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن الْبَراء قَالَ: مَا رَأَيْت قطّ أحسن مِنْهُ - أَي من رَسُول الله. قَالُوا: هَذَا التَّرْكِيب وَإِن أوهم نفي تَفْضِيل الْغَيْر لكنه مُتَعَارَف فِي التَّفْضِيل عَلَيْهِ، لندرة التَّسَاوِي بَين شَيْئَيْنِ وَالْغَالِب التَّفَاضُل، فَإِذا نفى أَفضَلِيَّة أَحدهمَا ثبتَتْ أَفضَلِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الآخر مجَازًا، أَو اسْتِعْمَالا للأخص فِي الْأَعَمّ. قَالَ المُصَنّف: فَإِن قيل: أَن الْعرف يقْضِي فِي نَحْو قَوْلنَا: مَا فِي الْبَلَد أعلم من زيد، ينفى من يُسَاوِيه أَيْضا. قُلْنَا: لَا نسلم أَن عرفهم كَانَ كَذَلِك. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَيَردهُ قَول النَّسَفِيّ فِي " الْعُمْدَة " أَن الْمُصْطَفى قَالَ: " مَا أطلعت شمس وَلَا غربت على أحد بعد النَّبِيين أفضل من أبي بكر ". قَالَ النَّسَفِيّ: فَهَذَا يَقْتَضِي أَن أَبَا بكر أفضل من كل من لَيْسَ / بِنَبِي أَيْضا. ثمَّ قَالَ الْمُؤلف: سلمنَا، لَكِن يجوز إِطْلَاق مثل هَذِه الْعبارَة وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وجد مسَاوٍ إِذْ هُوَ مقَام مدح ومبالغة وَهُوَ يحْتَمل مثل ذَلِك. انْتهى. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا يفوت فَائِدَة اخْتِصَاصه بِالذكر حِينَئِذٍ وَهُوَ خلاف الْمَقْصُود. اه. قَالَ: وَقَول ابْن حَنْبَل: مَا بِالْبَصْرَةِ أعلم من بشر بن الْفضل، أما مثله فَعَسَى. اه يقتضى أَن عرفهم كَانَ كَذَلِك. وَكَذَلِكَ مَا نقل عَن بعض المغاربة وَيُقَال: (إِنَّه ابْن حزم) أَنه فضل صَحِيح مُسلم على صَحِيح البُخَارِيّ (فَإِن ذَلِك لَيْسَ للأصحية بل لما ذكره الْمُؤلف بقوله) فَذَلِك فِيمَا يرجع إِلَى حسن السِّيَاق وجودة الْوَضع (وَالتَّرْتِيب) وَكَونه لَيْسَ فِيهِ بعد الْخطْبَة إِلَّا الحَدِيث فَقَط فسهل تنَاوله بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ قطع الْأَحَادِيث فِي الْأَبْوَاب باستنباط الْأَحْكَام مِنْهَا، وَأورد كثيرا مِنْهَا فِي غير مظنته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 وَلم يفصح أحد مِنْهُم بِأَن ذَلِك رَاجع إِلَى الأصحية وَلَو أفصحوا بِهِ لرده عَلَيْهِم شَاهد الْوُجُود. قَالَ المُصَنّف: وَفِي هَذِه الْعبارَة إِشَارَة إِلَى التنكيت على ابْن الصّلاح من وَجْهَيْن: 1 - أَحدهمَا: أَنه بعد أَن سَاق كَلَام أبي عَليّ قَالَ: وَهَذَا قَول من فضل من شُيُوخ الحَدِيث كتاب مُسلم على البُخَارِيّ فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ أَن كتاب مُسلم يتَرَجَّح بِأَنَّهُ لم يمازحه غير الصَّحِيح فَلَا بَأْس بِهِ، وَلَا يلْزم أَن يكون أرجح فِيمَا يرجع إِلَى نفس الصَّحِيح، وَإِن كَانَ المُرَاد أَنه أصح صَحِيحا فمردود على قَائِله. فَجمع بَين كَلَامي أبي عَليّ وَبَعض أهل الْمغرب، وَلم يذكر بعدهمَا جَوَابا / عَنْهُمَا، بل إِنَّمَا ذكر مَا يكون جَوَابا عَن كَلَام بعض أهل الْمغرب فَقَط، وَصَارَ كَلَام أبي عَليّ غير مَعْلُوم الْجَواب مِمَّا قَالَه. 2 - الثَّانِي: أَن قَوْله فَهَذَا مَرْدُود على قَائِله لم يبين وَجه الرَّد فِيهِ. اه وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: هَذَا كَلَام لَا برهَان مَعَه فَلَا يُفِيد دفعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فالصفات كَانَ الأولى أَن يَقُول: لِأَن الصِّفَات الَّتِي تَدور عَلَيْهَا الصِّحَّة فِي كتاب البُخَارِيّ أتم مِنْهَا فِي كتاب مُسلم وَأسد، وَشَرطه فِيهَا أقوى وَأَشد: 1 - أما رجحانه من حَيْثُ الِاتِّصَال فلاشتراطه أَن يكون الرَّاوِي قد ثَبت لَهُ لِقَاء من روى عَنهُ وَلَو مرّة وَاحِد وَاكْتفى مُسلم بِمُطلق المعاصرة، وألزم البُخَارِيّ بِأَنَّهُ يحْتَاج أَن لَا يقبل العنعنة أصلا، وَمَا ألزمهُ بِهِ لَيْسَ بِلَازِم لِأَن الرَّاوِي إِذا ثَبت لَهُ اللِّقَاء مرّة لَا يجْرِي فِي رواياته احْتِمَال أَن لَا يكون قد سمع مِنْهُ، لِأَنَّهُ يلْزم من جَرَيَانه أَن يكون مُدَلّس وَالْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي غير المدلس. اعْترض عَلَيْهِ: بِأَن الْغَرَض أَيْضا حَال فِي عنعنة من لم يلق عدم التَّدْلِيس فَلَا احْتِمَال، لَكِن قَالَ الْمُؤلف: إِن شَرط مُسلم لَا يسلم من الْإِرْسَال الْخَفي، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَالَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ أَنه هُنَاكَ غَلَبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الظَّن بِالسَّمَاعِ وَكَذَا الاستقراء. 2 - وَأما رجحانه من حَيْثُ الْعَدَالَة والضبط فَلِأَن الرِّجَال الَّذين تكلم (بِضَم التَّاء) فيهم من رجال مُسلم أَكثر عددا من الرِّجَال الَّذين تكلم فيهم من رجال البُخَارِيّ. فَإِن الَّذين انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُم دون مُسلم أَرْبَعمِائَة وَبضْعَة وَثَلَاثُونَ، الْمُتَكَلّم فيهم بالضعف ثَمَانُون، وَمن انْفَرد مُسلم بِالْإِخْرَاجِ لَهُ / سِتّمائَة وَعِشْرُونَ، الْمُتَكَلّم فيهم بالضعف مائَة وَسِتُّونَ. والتخريج عَمَّن لم يتَكَلَّم فيهم أصلا أولى مِمَّن تكلم فِيهِ. مَعَ أَن البُخَارِيّ لم يكثر من إِخْرَاج حَدِيثهمْ، بل غالبهم من شُيُوخه الَّذين أَخذ عَنْهُم ومارس حَدِيثهمْ وأطلع على أَحَادِيثهم، والمحدث أعرف بِحَدِيث شُيُوخه مِمَّن تقدم بِخِلَاف مُسلم فِي الْأَمريْنِ فَإِنَّهُ أَكثر من إِخْرَاج حَدِيثهمْ. وغالب الرِّجَال الَّذين تكلم فيهم من رِجَاله لَيْسُوا من شُيُوخه، وَلم يعاصرهم حَتَّى يُمَيّز بَين قوي حَدِيثهمْ وسقيمه. وَلِأَن البُخَارِيّ يخرج عَن الطَّبَقَة الأولى الْبَالِغَة فِي الْحِفْظ والإتقان وَعَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 طبقَة تَلِيهَا فِي التثبيت وَطول الْمُلَازمَة انتقاء وتعليقاً، وَمُسلم يخرج عَن هَذِه الطَّبَقَة أصولاً. وَلِأَن مُسلما يرى أَن للمعنعن حكم الِاتِّصَال إِذا تعاصرا وَإِن لم يثبت اللقي، وَالْبُخَارِيّ لَا يرَاهُ حَتَّى يثبت. وإلزامه باحتياجه أَن لَا يقبل المعنعن أصلا رد بِأَن الرَّاوِي إِذا ثَبت لَهُ اللِّقَاء مرّة (وَاحِدَة) لَا يتَطَرَّق لرواياته احْتِمَال أَن لَا يكون سمع وَإِلَّا لزم كَونه مدلساً. وَالْكَلَام فِي غَيره كَمَا مر. 3 - وَأما رجحانه من حَيْثُ عدم الشذوذ والإعلال فَلِأَن مَا انتقد على البُخَارِيّ من الْأَحَادِيث اقل عددا مِمَّا انتقد على مُسلم. وَذَلِكَ لِأَن الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدت عَلَيْهِمَا نَحْو مِائَتي حَدِيث (وَعشرَة أَحَادِيث) اخْتصَّ البُخَارِيّ مِنْهَا بِأَقَلّ من ثَمَانِينَ وَمَا / قل الانتقاد فِيهِ أرجح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَهَذَا مَعَ اتِّفَاق الْعلمَاء على أَن البُخَارِيّ كَانَ أجل من مُسلم فِي الْعُلُوم، وَأعرف بصناعة الحَدِيث مِنْهُ. وغوامضه ودقائقه وَأَن مُسلما تِلْمِيذه وخريجه، وَلم يزل يَسْتَفِيد مِنْهُ، ويتتبع آثاره حَتَّى لقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَوْلَا البُخَارِيّ لما رَاح مُسلم وَلَا جَاءَ. تعقبه بعض الْمُتَأَخِّرين: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من ذَلِك تَفْضِيل التصنيف على التصنيف. وَالشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا ذكره يتَضَمَّن أرجحية البُخَارِيّ على مُسلم فِي كل من شُرُوط الصِّحَّة الَّتِي هِيَ الِاتِّصَال، وَالْعَدَالَة، والضبط، وَعدم الْعلَّة والشذوذ وَلَيْسَ فِي جَمِيع مَا ذكر حجَّة، لِأَن قَوْله لَا يجْرِي فِي رواياته احْتِمَال أَن لَا يكون سمع: إِن اراد عقلا فَمَمْنُوع، وَإِن أَرَادَ اللَّازِم الْمَذْكُور فَمثله فِي عنعنة المعاصر الَّذِي لم يثبت عدم لِقَائِه لمن عاصره على مَا لَا يخفى. وَأما قَوْله: فَلِأَن ... إِلَى آخِره. إِن أَرَادَ الَّذين أخرج عَنْهُم مُسلم فِي غير المتابعات وَمن لَيْسَ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ فَمَمْنُوع، بل هما سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 لمن تتبع مَا فِي الْكِتَابَيْنِ مُطلقًا. وَقَوله: بل غالبهم من شُيُوخه، صرح المُصَنّف فِي الْمُقدمَة بِخِلَافِهِ. وَأما قَوْله: فَلِأَن مَا انتقد ... إِلَى آخِره. فالنقد غير مُسلم فِي نَفسه، ثمَّ إِن هَذَا كُله لَيْسَ من الحيثيتين إِلَى هُنَا كَلَامه. قَالَ المُصَنّف: وَرَأَيْت فِي كَلَام العلائي مَا يشْعر بِأَن أَبَا عَليّ لم يقف على صَحِيح البُخَارِيّ وَهَذَا بعيد، فقد صَحَّ عَن بلديه وَشَيْخه ابْن / خُزَيْمَة أَنه قَالَ: مَا فِي الْكتب أَجود من البُخَارِيّ. وَيظْهر من كَلَام أبي عَليّ أَنه قدم صَحِيح مُسلم لِمَعْنى غير الصِّحَّة هُوَ: أَن مُسلما صنف كِتَابه فِي بَلَده محضوراً أُصُوله، فِي حَيَاة كثير من مشايخه، فَكَانَ يتحرز فِي الْأَلْفَاظ ويتحرى فِي السِّيَاق، وَالْبُخَارِيّ رُبمَا كتب الحَدِيث من حفظه فَلم يُمَيّز أَلْفَاظ رِوَايَة، وَبِذَلِك رُبمَا يعرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 لَهُ الشَّك. وَصَحَّ (عَنهُ) أَنه قَالَ: رب حَدِيث سمعته بالبصر وكتبته بِالشَّام. (وَبِالْجُمْلَةِ فقد أجمع النَّاس الْآن على تَرْجِيح البُخَارِيّ) لِأَن مُسلما لم يتصد لما تصدى لَهُ البُخَارِيّ من استنباط الْأَحْكَام، وتقطيع الْأَحَادِيث، وَلم يخرج الْمَوْقُوفَات. وَله فِي مُقَابلَة مُسلم من الْفَضَائِل الجمة مَا ضمنه فِي أبوابه من التراجم الَّتِي تحيرت فِيهَا أفكار الأجلاء. انْتهى. وَحكى فِي الْمقنع قولا ثَالِثا: أَنَّهُمَا سَوَاء قَالَ ابْن قطلوبغا: وَهُوَ أعدل الْأَقْوَال لعدم دَلِيل التَّفْضِيل فَكل مَا قيل دعاوى مُجَرّدَة عَن دَلَائِل بَاطِلَة. وَنقل ابْن أبي جَمْرَة عَن بعض الصَّالِحين: أَن البُخَارِيّ مَا قريء فِي شدَّة إِلَّا فرجت، وَلَا ركب بِهِ فِي مركب فغرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَمن ثمَّ - أَي وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة وَهِي أرجحية شَرط البُخَارِيّ (على) غَيره وَقَوله: وَمن ثمَّ متن وَمَا بعده جعله الْمُؤلف شرحاً، وَقد تعقب البقاعي هَذَا الصَّنِيع بِأَن الْإِشَارَة بثم فِي الْمَتْن إِنَّمَا هِيَ إِلَى جِهَة تفَاوت رتب الصَّحِيح بتفاوت أَوْصَاف رُوَاته وَغَيرهَا من شُرُوطه، وَلَا يحسن أَن يُزَاد بِالْمَتْنِ جِهَة مَا ذكرت إِلَّا فِي الشَّرْح. قَالَ: فاللايق أَن يُقَال أَي / وَمن جِهَة تفَاوت رتب الصَّحِيح ... إِلَى آخِره. انْتهى. عدد أَحَادِيث صَحِيح البُخَارِيّ قدم صَحِيح البُخَارِيّ على غَيره من الْكتب المصنفة فِي الحَدِيث. وَهُوَ - أَعنِي البُخَارِيّ - أول مُصَنف فِي الحَدِيث الْمُجَرّد، وَجُمْلَة مَا فِيهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 سَبْعَة آلَاف حَدِيث ومائتان وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ بالمكرر، وبحذفه أَرْبَعَة آلَاف. كَذَا قَالَه النَّوَوِيّ كَابْن الصّلاح لَكِن قَالَ الْمُؤلف: عددتها فبلغت بالمكرر - سوى المتابعات والمعلقات - سَبْعَة آلَاف وثلاثمائة وَسَبْعَة وَتسْعُونَ، وَبِدُون المكرر أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة وَثَلَاثَة عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 تَوْجِيه كَلَام الشَّافِعِي فِي تَفْضِيل المؤطأ على الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ صَحِيح مُسلم لمشاركته للْبُخَارِيّ فِي اتِّفَاق الْعلمَاء على تلقي كِتَابه بِالْقبُولِ أَيْضا سوى مَا علل وَأما مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: مَا أعلم فِي الأَرْض كتابا أَكثر صَوَابا من كتاب مَالك. (وَفِي رِوَايَة عَنهُ: مَا بعد كتاب الله أصح من موطأ مَالك) . فَذَلِك قبل وجود الْكِتَابَيْنِ. الْإِجَابَة عَن إِخْرَاج مُسلم حَدِيث بعض الضُّعَفَاء وَأما عيب بِهِ على مُسلم من إِخْرَاجه عَن ضعفاء ومتوسطين لَيْسُوا من شَرط الصَّحِيح؟ فَأُجِيب عَنهُ: 1 - بِأَن ذَلِك فِيمَن هُوَ ضَعِيف عِنْد غَيره ثِقَة عِنْده. 2 - وَبِأَنَّهُ وَقع فِي المتابعات والشواهد لَا الْأُصُول. 3 - وَبِأَن ضعف الضَّعِيف الَّذِي اعْتد بِهِ طَرَأَ بعد أَخذه عَنهُ بِنَحْوِ اخْتِلَاط. 4 - وَبِأَنَّهُ قد يَعْلُو بالضعيف إِسْنَاده وَهُوَ عِنْده من رِوَايَة الثِّقَات نَازل مقتصر عَن العالي، وَلَا يطول بِإِضَافَة النَّازِل إِلَيْهِ، مكتفياً بِمَعْرِِفَة أهل الْفَنّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 جملَة مَا فِي صَحِيح مُسلم قَالَ النَّوَوِيّ: وَجُمْلَة مَا فِي مُسلم باسقاط المكرر نَحْو أَرْبَعَة آلَاف /. وَهُوَ يزِيد على البُخَارِيّ بالمكرر لِكَثْرَة طرقه. عدم اسْتِيعَاب الشَّيْخَيْنِ للصحيح وَلم يستوعب الشَّيْخَانِ الصَّحِيح، وَلَا التزماه، بل فاتهما مِنْهُ الْكثير، وَقَول ابْن الصّلاح: لم يفتهما مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل رده النَّوَوِيّ: بِأَن الصَّوَاب أَنه لم يفت الْأُصُول الْخَمْسَة إِلَّا الْيَسِير ... ... المُرَاد من شَرطهمَا وَتَقْدِيم مَا وَافق شَرطهمَا على غَيره ثمَّ يقدم فِي الأرجحية من حَيْثُ الأصحية مَا وَافق شَرطهمَا لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 المُرَاد بِهِ رواتهما أَي رجال إسناديهما كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ. فَهَذَا هُوَ المُرَاد بشرطهما، إِذْ لَا شَرط لَهما مَذْكُور فِي كِتَابَيْهِمَا وَلَا فِي غَيره، وَأما قَول ابْن طَاهِر: شَرطهمَا أَن يخرجَا الحَدِيث الْمجمع على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور من غير اخْتِلَاف بَين الثِّقَات الْأَثْبَات. فَرده الْعِرَاقِيّ، بِأَن النَّسَائِيّ ضعف جمَاعَة أخرجَا لَهما. مَعَ بَقِيَّة شُرُوط الصَّحِيح احْتِرَازًا عَن انْقِطَاع وَنَحْوه. عَدَالَة رُوَاة الصَّحِيحَيْنِ وتقدمهم على غَيرهم ورواتهم قد حصل الِاتِّفَاق على القَوْل بتعديلهم بطرِيق اللُّزُوم. أَي من الحكم بِالصِّحَّةِ، فَإِنَّهَا عِنْد التفرد لَا تُوجد بِدُونِ الْعَدَالَة. وَلم يفرقُوا فِي تلقيهم لَهَا بِالْقبُولِ - وَالْحكم بِصِحَّة غير مَا علل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 أحاديثهما - بَين مَا تفرد / بِهِ الرَّاوِي وَغَيره فهم أَي رواتهما مقدمون على غَيرهم فِي رواياتهم وَهَذَا أصل لَا يخرج عَنهُ إِلَّا بِدَلِيل، فَإِن كَانَ الْخَبَر على شَرطهمَا مَعًا كَانَ دون مَا أخرجه مُسلم أَو مثله. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر أَن مَا كَانَ على شَرطهمَا وَلَيْسَ لَهُ عِلّة مقدم على مَا أخرجه مُسلم وَحده، لِأَن قُوَّة الحَدِيث إِنَّمَا هِيَ النّظر إِلَى رِجَاله لَا بِالنّظرِ إِلَى كَونه فِي كتاب كَذَا، فَمَا ذكره المُصَنّف شَأْن الْمُقَلّد فِي الصِّنَاعَة لَا شَأْن الْعَالم بهَا فَتدبر. قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا قلت: أَو مثله، لِأَن الحَدِيث الَّذِي يرْوى وَلَيْسَ عِنْدهمَا جِهَة تَرْجِيح على مَا كَانَ عِنْد مُسلم، وَمَا كَانَ عِنْد مُسلم جِهَة تَرْجِيح من حَيْثُ أَنه فِي الْكتاب الْمَذْكُور فتعادلا، فَلذَلِك قلت: أَو مثله. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا مبْنى على مَا تقدم من أَن كَون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الحَدِيث فِي كتاب فلَان يَقْتَضِي تَرْجِيحه على مَا رُوِيَ بِرِجَالِهِ - وَقد تقدم مَا فِيهِ -. اه. قَالَ: فَالَّذِي يَنْبَغِي القَوْل بِهِ أرجحية مَا على شَرطهمَا لما لم يُخرجهُ أَحدهمَا، إِذْ لَا تَرْجِيح بِكَوْنِهِ فِي الصَّحِيح، وَزعم أَن مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يتلَقَّى بِالْقبُولِ فرجح لذَلِك فِي حيّز التهافت، وَمن شَرط فِي الأصحية التلقي الْقبُول؟ فَمَا معنى هَذَا التلقي؟ وَمن هُوَ الَّذِي تلقى ذَلِك؟ . بَقِيَّة مَرَاتِب الصَّحِيح وَمَا أورد عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِن كَانَ على شَرط أَحدهمَا فَيقدم شَرط البُخَارِيّ وَحده على شَرط مُسلم وَحده تبعا لأصل كل مِنْهُمَا، فَخرج لنا من هَذَا سِتَّة أَقسَام تَتَفَاوَت درجاتها فِي / الصِّحَّة، وَبَقِي قسم سَابِع وَهُوَ مَا لَيْسَ على شَرطهمَا اجتماعا وانفراداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَقد يُقَال: بَقِي ثامن وَهُوَ الْحسن عِنْد من يعده صَحِيحا فَإِنَّهُ دون مَا ذكر من الْأَقْسَام. وَأورد عَلَيْهِ - أَيْضا - أَقسَام أُخْرَى: 1 - أَحدهمَا: الْمُتَوَاتر. ورد بِأَنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ عَدَالَة، وَالْكَلَام فِي الصَّحِيح بالتعريف الْمُتَقَدّم. 2 - الثَّانِي: الْمَشْهُور. قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ وَارِد قطعا. قَالَ: وَأَنا مُتَوَقف فِي رتبته، هَل هِيَ قبل الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَو بعده؟ 3 - الثَّالِث: مَا أخرجه بَقِيَّة السِّتَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَأجِيب: بِأَن من لم يشرط الصَّحِيح فِي كِتَابه لَا يزِيد بتخريجه للْحَدِيث قُوَّة، قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: لَكِن مَا اتّفق السِّتَّة على تَوْثِيق رُوَاته أولى بِالصِّحَّةِ مِمَّا اخْتلفُوا فِيهِ، وَإِن اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ. 4 - الرَّابِع: مَا فقد شرطا (كالاتصال) عِنْد من يُسَمِّيه صَحِيحا. 5 - (الْخَامِس: مَا فقد تَمام الضَّبْط وَنَحْوه مِمَّا ينزل إِلَى رُتْبَة الْحسن عِنْد من يُسَمِّيه صَحِيحا) . 6 - قَالَ الْمُؤلف: وَمَا أخرجه السِّتَّة إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم. 7 - وَكَذَا مَا أخرجه الْأَئِمَّة الَّذين التزموا الصِّحَّة. وَنَحْو هَذَا إِلَى أَن تَنْتَشِر الْأَقْسَام فتكثر حَتَّى يعسر حصرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وَهَذَا التَّفَاوُت إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة أَي من حَيْثُ تفَاوت الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة للتصحيح أما لَو رجح قسم على مَا هُوَ فَوْقه بِأُمُور أُخْرَى تَقْتَضِي التَّرْجِيح فَإِنَّهُ يقدم على مَا فَوْقه، إِذْ قد يعرض للمفوق مَا يَجعله فائقاً. كَمَا مر مرَارًا وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ الحَدِيث عَن مُسلم مثلا وَهُوَ مَشْهُور قَاصِر عَن دَرَجَة التَّوَاتُر لَكِن حَفَّتْهُ قرينَة / صَار بهَا يُفِيد الْعلم، فَإِنَّهُ يقدم على الحَدِيث الَّذِي يُخرجهُ البُخَارِيّ إِذا كَانَ فَردا مُطلقًا. اعْترض بِأَن الْكَلَام فِي المقبول من الْآحَاد. وكما لَو كَانَ الحَدِيث الَّذِي لم يخرجَاهُ أَي الشَّيْخَانِ من تَرْجَمَة وصنفت بِكَوْنِهَا أصح الْأَسَانِيد من التراجم الْمُتَقَدّمَة كمالك أَي كَحَدِيث رَوَاهُ مَالك بن أنس عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَن ابْن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 ابْن الْخطاب - (رَضِي الله عَنْهُم) فَإِنَّهُ يقدم على مَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا مثلا لِأَنَّهُ شَارك مَا أَخْرجَاهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاتِّفَاق على الْقبُول فحصلت الْمُسَاوَاة، وَالْمَقْصُود الأرجحية وَتحصل بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحدهمَا لَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي إِسْنَاده من فِيهِ مقَال يَعْنِي وَإِن كَانَ عَنهُ جَوَاب، لِأَن من تكلم فِيهِ لَيْسَ كمن لم يتَكَلَّم فِيهِ أصلا كَمَا هُوَ ظَاهر. ذكره الشَّيْخ قَاسم. فَائِدَة بَيَان مَرَاتِب الصَّحِيح وَفَائِدَة التَّقْسِيم الْمُقَرّر تظهر عِنْد التَّعَارُض وَالتَّرْجِيح. وَهَذَا كُله اصْطِلَاح الْمُحدثين، أما الْفُقَهَاء فَإِنَّهُم قد يرجحون بِمَا لَا دخل لَهُ فِي ذَلِك كَمَا صرح بِهِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 تَنْبِيهَات : 1 - الأول: ذكرُوا أَن أصح مَا صنف فِي الصَّحِيح بعد الشَّيْخَيْنِ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان، وَأَبُو عوَانَة، (وَالْحَاكِم، وَأَن صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) أصح من صَحِيح ابْن حبَان، وصحيح ابْن حبَان وَأبي عوَانَة) أصح من مُسْتَدْرك الْحَاكِم لتفاوتهم فِي الِاحْتِيَاط وَتوسع الْحَاكِم وتساهله. وَلَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُم لاحقاً بالصحيحين إِلَّا فِي مُجَرّد التَّسْمِيَة لوُجُود غير الصَّحِيح فِيهَا. وَقَالَ بعض الْحفاظ: يَنْبَغِي أَن يُقَال: أَصَحهَا بعد مُسلم مَا اتّفق / عَلَيْهِ الثَّلَاثَة ثمَّ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان أَو الْحَاكِم، ثمَّ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، ثمَّ ابْن خُزَيْمَة فَقَط، ثمَّ ابْن حبَان فَقَط، ثمَّ الْحَاكِم فَقَط إِن لم يكن الحَدِيث على شَرط أحد الشَّيْخَيْنِ. 2 - الثَّانِي: قد يعرض للمفوق مَا يصيره فائقاً - كَمَا مر - وَذَلِكَ كَأَن يتَّفقَا على إِخْرَاج حَدِيث غَرِيب، وَيخرج مُسلم حَدِيثا مَشْهُورا، أَو مِمَّا وصفت تَرْجَمته بِكَوْنِهَا أصح الْأَسَانِيد، وَلَا يقْدَح ذَلِك فِيمَا مر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 لِأَن ذَلِك بِاعْتِبَار الْإِجْمَال ذكره الزَّرْكَشِيّ ثمَّ قَالَ: وَمِنْه يعلم أَن تَرْجِيح كتاب البُخَارِيّ إِنَّمَا المُرَاد بِهِ تَرْجِيح الْجُمْلَة على الْجُمْلَة لَا كل فَرد من أَحَادِيثه على كل فَرد من أَحَادِيث الآخر. انْتهى. التَّصْحِيح والتضعيف فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة 3 - الثَّالِث: الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ النَّوَوِيّ وَجل الْمُحدثين جَوَاز النّظر فِي الْأَسَانِيد والمتون للعارف بهَا، وَالْحكم عَلَيْهَا بِمَا يظْهر لَهُ من صِحَة وتحسين وَغَيرهمَا حَيْثُ قويت مَعْرفَته وتمكنه. وَذهب ابْن الصّلاح إِلَى الْمَنْع، محتجاً بِعَدَمِ إِمْكَانه فِي الْأَزْمِنَة الْمُتَأَخِّرَة، لتحري الْمُتَقَدِّمين وَشدَّة فحصهم إِذْ لَا يكْتَفى بِمُجَرَّد صِحَة السَّنَد مَعَ ظن أَنه لَو صَحَّ لما أهملوه، لِأَن كل إِسْنَاد فِيهِ من اعْتمد على كِتَابه وَلم يُلَاحظ ضبطاً وَلَا إتقاناً فالاعتماد فِي معرفَة الصَّحِيح وَالْحسن على مَا فِي تصانيف الْأَئِمَّة الْمَشْهُورَة الَّتِي سلمت من التَّغْيِير والتحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَتعقبه الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ: بِأَن مَنعه لم يتَحَصَّل مِنْهُ على شَيْء، وَكَيف يَتَأَتَّى القَوْل بِالْمَنْعِ من / الحكم بِالصِّحَّةِ إِذا وجد عَالم (فِي كتاب) كسنن أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من التصانيف الْمَشْهُورَة المحفوظة من التَّغْيِير والتحريف حَدِيثا بِإِسْنَاد لَا غُبَار عَلَيْهِ كقتيبة عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، فَإِن إِسْنَاده من فَوق وَاضح الْأَمر، وَمن أَسْفَل لَا يحْتَاج لبَيَان عِنْده لاكتفائه بشهرة التصنيف. انْتهى. وَقد أَخذه المُصَنّف وَنسبه لنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ الْكتاب الْغَنِيّ بشهرته عَن اعتبارنا لإسناده لمسنده كسنن النَّسَائِيّ لَا يحْتَاج فِي صَحَّ نسبته لاعْتِبَار رجال الْإِسْنَاد، فَإِذا روى حَدِيثا وَلم يعلله وَجمع إِسْنَاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 شُرُوط الصِّحَّة وَلم يطلع الْمُحدث الْعَارِف على عِلّة فِيهِ فَلَا مَانع من الحكم بِصِحَّتِهِ و (إِن) لم ينص عَلَيْهَا أحد من الْمُتَقَدِّمين، مَعَ أَن أَكثر رُوَاته رَوَاهُ الصَّحِيح. انْتهى. وَاعْتَرضهُ السخاوي: بِأَنَّهُ كَيفَ يسوغ الرَّد على ابْن الصّلاح بِمَا هُوَ مُصَرح باعتماده وَهُوَ عين كَلَامه. الحَدِيث الْحسن بنوعيه فَإِن خف الضَّبْط - أَي قل - يُقَال: خف الْقَوْم خفوفاً أَي قلوا، وَالْمرَاد انه خف لَكِن مَعَ وجود بَقِيَّة الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فِي حد الصَّحِيح أَي مَعَ وجود بَاقِي الشُّرُوط كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله بعد ذَلِك وَخرج بِاشْتِرَاط بَاقِي الْأَوْصَاف إِلَى آخِره فَهُوَ الْحسن لذاته لَا لشَيْء خَارج عَن ذَاته. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا ذكره لَا يحصل بِهِ تَمْيِيز الْحسن عَن غَيره، لِأَن الخفة الْمَذْكُورَة غير منضبطة وَهُوَ أَي الْحسن لأمر خَارج / هُوَ الَّذِي يكون حسنه حسب الاعتضاد أَي بِحَسب اعتضاده بمتابعة أَو بِمَا لَهُ من الشواهد نَحْو حَدِيث المستور. قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: وَأحسن مَا يحد بِهِ الْحسن أَن يُقَال: هُوَ خبر الصَّادِق أَو المستور المعتضد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 قَالَ المُصَنّف: الرَّاوِي إِذا لم يسم كَرجل يُسمى مُبْهما، وَإِن ذكر من عدم تَمْيِيز فَهُوَ المهمل، وَإِن ميز وَلم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فمجهول وَإِلَّا فمستور. انْتهى. وَقَالَ غَيره: المستور هُوَ الَّذِي لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته وَلَيْسَ مغفلاً كثير الْخَطَأ، وَلَا مُتَّهمًا بفسق، إِذا تعدّدت طرقه أَو وجد لَهُ شَاهد وَهُوَ وُرُود حَدِيث آخر نَحوه، فَيخرج بذلك عَن كَونه شاذاً أَو مُنْكرا. وَخرج بِاشْتِرَاط بَاقِي الْأَوْصَاف الضَّعِيف كَمَا يَأْتِي، هَذَا مَا لخصه الْمُؤلف وحرره من أقاويل متعارضة، وحدود مُعْتَرضَة، وَحَاصِله أَنه شرك بَين الْحسن لذاته وَبَين الصَّحِيح فِي الشُّرُوط إِلَّا تَمام الضَّبْط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وَنَحْوه قَول الْجَزرِي: الْحسن لذاته مَا حصل بِنَقْل عدل مُتَّصِل السَّنَد سالما من الشذوذ والإعلال. وَهَذَا أحسن مَا قيل، وَقد كثر الِاضْطِرَاب فِي هَذَا الْمقَام، واستقصى تحريره على كثير من الأفهام. قَالَ ابْن كثير والبلقيني: وَسَببه أَن الْحسن لما توَسط بَين الصَّحِيح والضعيف كَأَن شَيْئا ينقدح فِي نفس الْحَافِظ قد تقصر عِبَارَته كَمَا قيل الِاسْتِحْسَان، فَلذَلِك صَعب تَعْرِيفه. وَهَذَا الْقسم من الْحسن / مشارك للصحيح فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة، وَلِهَذَا أدرجه الْحَاكِم وَابْن خُزَيْمَة (وَابْن حبَان فِي نوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 الصَّحِيح) مَعَ قَوْلهم أَنه دونه لَكِن قَالَ فِي " الاقتراح ": مَا ذكر من أَن الْحسن يحْتَج بِهِ مُشكل، لِأَن ثمَّ أَوْصَاف يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا وجدت فَإِن كَانَ هَذَا الْمُسَمّى بالْحسنِ مِمَّا وجدت فِيهِ على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول فَصَحِيح، وَإِن لم تُوجد لم يجز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا، إِلَّا أَن يُرِيد الْأَمر الاصطلاحي بِأَن يُقَال: إِن هَذِه الصِّفَات لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها يُسمى صَحِيحا وَأَدْنَاهَا يُسمى حسنا، وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر إِلَى الِاصْطِلَاح وَيكون الْكل صَحِيحا. انْتهى. وَقَضِيَّة كَلَام الْمُؤلف كَمَا قَالَه بعض الْمُحَقِّقين أَن الْحسن لخارج لَا يحْتَج بِهِ، لَكِن يُخَالِفهُ إِطْلَاق (التَّقْرِيب) كَأَصْلِهِ حَيْثُ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الْحسن كَالصَّحِيحِ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ إِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة. وَلَا بدع فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ، وَلَو انْفَرد كل مِنْهُمَا لم يكن حجَّة كَمَا فِي مُرْسل ورد من وَجه آخر مُسْندًا، أَو وَافقه مُرْسل آخر بِشَرْطِهِ كَمَا ذكره ابْن الصّلاح. ومشابه لَهُ فِي الانقسام إِلَى مَرَاتِب بَعْضهَا فَوق بعض فأعلى مراتبه كَمَا قَالَه الذَّهَبِيّ: بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده، وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، وَابْن إِسْحَق عَن التَّيْمِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وأمثال ذَلِك مِمَّا قيل أَنه صَحِيح، وَهُوَ من أدنى مَرَاتِب الصَّحِيح. ثمَّ من بعد ذَلِك مَا اخْتلف فِي حسنه وَضَعفه كَحَدِيث الْحَارِث ابْن عبد الله، وَعَاصِم بن ضَمرَة، وحجاج بن / أَرْطَاة ... ... ... وبكثرة طرقه أَي الْحسن لذاته يصحح قَالَ الْمُؤلف فِي (تَقْرِيره) : يشْتَرط فِي التَّابِع أَن يكون أقوى أَو مساوي حَتَّى لَو كَانَ الْحسن لذاته يرْوى من وَجه آخر حسن لغيره لم يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهَذَا معنى قَوْله الْآتِي: تطلق الصِّحَّة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 الْإِسْنَاد الَّذِي يكون حسنا لذاته لَو انْفَرد فَقَوله لذاته احْتِرَازًا عَمَّا ذكره وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ من وَجه آخر حسن لغيره. وَإِنَّمَا يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ عِنْد تعدد الطّرق بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَن للصورة الْمَجْمُوعَة قُوَّة تجبر الْقدر الَّذِي قصر بِهِ ضبط رَاوِي الْحسن عَن رَاوِي الصَّحِيح كالحبل الْمُؤلف من شَعرَات وَمن ثمَّ أَي وَمن هُنَا يُطلق الصِّحَّة على الْإِسْنَاد الَّذِي يكون حسنا لذاته لَو تفرد إِذا تعدد فَخرج بقوله لذاته الْحسن لغيره فَلَا يجْبر كَمَا تقرر. مِثَال ذَلِك حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 مَرْفُوعا: " لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ". فمحمد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة مَشْهُور بِالصّدقِ والصيانة، لَكِن لم يكن متقناً حَتَّى ضعفه بَعضهم من جِهَة سوء حفظه، وَوَثَّقَهُ بَعضهم لصدقه وجلالته، فَحَدِيثه من هَذِه الْجِهَة حسن، فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك كَونه روى من وَجه آخر حكم بِصِحَّتِهِ. وكحديث البُخَارِيّ عَن أبي بن الْعَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 عَن جده فِي ذكر خيل الْمُصْطَفى. فَإِن أَبَيَا هَذَا ضَعِيف لسوء حفظه، فَحَدِيثه حسن لَكِن تَابعه عَلَيْهِ أَخُوهُ عبد الْمُهَيْمِن، فارتقى إل دَرَجَة الصِّحَّة. / وَهَذَا حَيْثُ ينْفَرد الْوَصْف، فَإِن جمعا - أَي الْحسن وَالصَّحِيح - فِي وصف حَدِيث وَاحِد كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَغَيره كيعقوب بن شيبَة، وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الْمَدِينِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَقد جمع هَؤُلَاءِ بَين الصِّحَّة وَالْحسن والغرابة فِي مَوَاضِع من كتبهمْ، وَكَذَا أَبُو على الطوسي جمع بَين الصِّحَّة وَالْحسن (فِي مَوَاضِع) من كِتَابه الْمُسَمّى ب " الإحكام ". وَقد أَشَارَ الْمُؤلف إِلَى ذَلِك بقوله (وَغَيره) ردا إِلَى مَا اشْتهر بَين أهل الْفَنّ من أَن ذَلِك خَاص بالترمذي. فللتردد الْحَاصِل من الْمُجْتَهد فِي هَذَا الْفَنّ كالترمذي فِي النَّاقِل، هَل اجْتمعت فِيهِ شُرُوط الصِّحَّة أَو قصر عَنْهَا (بِأَن يَقُول فِيهِ بَعضهم صَدُوق مثلا، وَبَعْضهمْ يَقُول ثِقَة وَلَا يتَرَجَّح عِنْد النقاد وَاحِد مِنْهُمَا. أَو يتَرَجَّح لكنه يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى كَلَام النَّاس فِيهِ) . وَهَذَا (حَيْثُ) يحصل مِنْهُ التفرد بِتِلْكَ الرِّوَايَة قَالَ الشَّيْخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 قَاسم: يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ الْمُنْفَرد جمع شُرُوط الصِّحَّة عِنْدهم. وَعرف بِهَذَا جَوَاب من اسْتشْكل كَابْن الصّلاح الْجمع بَين الوصفين فِي حَدِيث وَاحِد / فَقَالَ: الْحسن قَاصِر عَن الصَّحِيح فَفِي الْجمع بَينهمَا إِثْبَات لذَلِك الْقُصُور ونفيه قَالَ المُصَنّف فِي تَقْرِيره لذَلِك حِين قرىء عَلَيْهِ الشَّرْح: اسْتشْكل الْجمع بَين الصِّحَّة وَالْحسن، فَأُجِيب: بِأَنَّهُ بِحَسب إسنادين. فأورد (عَلَيْهِ) : إِنَّه يَقُول حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. فَأُجِيب: بِمَا ذكر، وَمِنْهُم من أجَاب بالترادف فِي الْمَعْنى. قيل: يرد بِأَصْل الْقِسْمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 قَالَ الشَّيْخ / قَاسم: وَلَيْسَ بِشَيْء، بل إِنَّه خلاف الْمُتَعَارف، وَهَذَا الْجَواب عَن قَول من وفْق بِأَن الْحسن فِي اللَّفْظ، وَالصِّحَّة للسند، لَا مَا قيل: إِنَّه يدْخل فِيهِ الضَّعِيف. اه. ومحصل الْجَواب إِن تردد أَئِمَّة الحَدِيث فِي حَال ناقله بِأَن قَالَ بَعضهم صَدُوق مثلا، وَبَعْضهمْ يَقُول ثِقَة اقْتضى للمجتهد أَن لَا يصفه بِأحد الوصفين (لكَونه لم يتَرَجَّح عِنْده وَاحِد مِنْهُمَا، أَو ترجح لكنه يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى كَلَام النَّاس فِيهِ) . فَيُقَال فِيهِ حسن بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم (لِأَن رَاوِيه عِنْدهم صَدُوق) صَحِيح بِاعْتِبَار وَصفه عِنْد قوم آخَرين لِأَن رَاوِيه عِنْدهم ثِقَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 (فَهَؤُلَاءِ غير مترددين فِي صِحَّته وَأُولَئِكَ مترددين فِيهَا) ، وَهَذَا نَظِير قَول الْفُقَهَاء: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ، أَو وَجْهَان. أَو يكون ذَلِك بِحَسب تردد الْمُجْتَهد بِعَيْنِه فِي الرَّاوِي فَتَارَة يُؤَدِّيه اجْتِهَاده بِاعْتِبَار حَدِيثه وَعرضه على حَدِيث الْحَافِظ - وَنَحْو ذَلِك - إِلَى قُصُور ضَبطه، وَتارَة إِلَى تَمَامه. ثمَّ إِن مَا ذكره الْمُؤلف اعْتَرَضَهُ الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ يرد عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ الرَّاوِي جَامعا لشروط بِاتِّفَاق، أَو لم يتَرَدَّد فِيهِ. وَقَالَ غَيره: قد جزم الْجَزرِي بِأَن هَذَا أَعلَى رتبه مِمَّا قيل فِيهِ حسن، قَالَ هَكَذَا سَمِعت مَعْنَاهُ من شَيخنَا ابْن كثير. وَغَايَة مَا فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 أَنه حذف مِنْهُ حرف التَّرَدُّد ... ... لِأَن حَقه أَن يَقُول حسن أَو صَحِيح وَمثل ذَلِك سَائِغ شَائِع فِي كَلَامهم. وَهَذَا كَمَا حذف الْعَطف من الَّذِي بعده كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي حَدِيث عدي بن حَاتِم - رَفعه - " تصدق رجل (من درهمه) ، من ديناره، من صَاع تمره ... " إِلَى آخِره. وكما فِي أثر عمر فِي الصَّحِيح: صلى فِي قَمِيص وَإِزَار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 فِي تبان، فِي رِدَاء، فِي كَذَا. وكما فِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة - رَفعه - " اللَّهُمَّ إِنِّي / أَتَّخِذ عنْدك عهدا فَأَي مُسلم أذيته شتمته لعنته جلدته ... " الحَدِيث. وعَلى هَذَا: فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح دون مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط لِأَن هَذَا غير مُتَرَدّد فِي صِحَّته وَذَاكَ مُتَرَدّد فِيهَا والجزم أقوى من التَّرَدُّد وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمُؤلف للْجمع بِهِ تبعا لجمع وَنقض ذَلِك: بِأَن التِّرْمِذِيّ يجمع بَينهمَا فِي الحَدِيث الَّذِي لَا خلاف فِي رُوَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 قَالَ ابْن الْجَزرِي - تبعا لِابْنِ كثير - وَالظَّاهِر أَن مُرَاده اسْتِوَاء الصَّحِيح وَالْحسن فِي الحكم حَيْثُ اجْتمعَا فِي متن فَيلْزم من الحكم بِالصِّحَّةِ الْحسن لدُخُوله تبعا. انْتهى. وَجرى على ذَلِك - أَيْضا - بَعضهم حَيْثُ قَالَ: يرد عَلَيْهِ أَن التِّرْمِذِيّ يجمع بَينهمَا فِي الحَدِيث الَّذِي لَا خلاف فِي رُوَاته. وَهَذَا (من) حَيْثُ (يحصل) التفرد وَإِلَّا أَي إِن لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين مَعًا على الحَدِيث يكون بِاعْتِبَار إسنادين (أَو أَسَانِيد) أَحدهمَا صَحِيح وَالْآخر حسن فَكَأَنَّهُ قيل: حَدِيث حسن بِالْإِسْنَادِ الْفُلَانِيّ، صَحِيح بِالْإِسْنَادِ الْفُلَانِيّ. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ كلا الإسنادين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 على شَرط الصَّحِيح. قَالَ: وَمن تتبع وجد صدق مَا قلت فيهمَا. وَوَافَقَهُ (على ذَلِك) غَيره فَقَالَ: يرد عَلَيْهِ مَا إِذا كَانَ الإسنادان على شَرط الصَّحِيح، أَو كَانَ الْمُنْفَرد جَامعا لشروط الصِّحَّة. وعَلى هَذَا فَمَا قيل فِيهِ حسن صَحِيح فَوق مَا قيل فِيهِ صَحِيح فَقَط إِذا كَانَ فَردا لِأَن كَثْرَة الطّرق تقوى. لَكِن ضعف بقَوْلهمْ: الحكم على الإٍ سناد بِالصِّحَّةِ لَا يقْضِي بِهِ على الْمَتْن / إِذْ قد يَصح الْإِسْنَاد لثقة رِجَاله وَلَا يَصح الْمَتْن لشذوذ أَو عِلّة، وَقد ضعف غير وَاحِد من الْمُحدثين أَحَادِيث مَعَ حكمهم على إسانيدها بِالصِّحَّةِ. فَإِن قيل: قد صرح التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه، فَكيف يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث: حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه؟ فَالْجَوَاب: إِن التِّرْمِذِيّ لم يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْحسن مُطلقًا وَإِنَّمَا عرفه بِنَوْع خَاص مِنْهُ وَقع فِي كِتَابه وَهُوَ مَا يَقُول فِيهِ حسن من غير صفة أُخْرَى. ثمَّ أَخذ فِي بَيَان الْمُدعى - وَهُوَ أَكثر عرف نوعا مِنْهُ بقوله: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث: حسن، وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح وَفِي بَعْضهَا: غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: حسن صَحِيح، وَفِي بَعْضهَا: حسن غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح غَرِيب، وَفِي بَعْضهَا: حسن صَحِيح غَرِيب. وتعريفه إِنَّمَا وَقع على الأول فَقَط، وَعبارَته ترشد إِلَى ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِي آخر كِتَابه " الْجَامِع " وَمَا قُلْنَا فِي كتَابنَا: حَدِيث (حسن) فَإِنَّمَا أردنَا بِهِ حسن إِسْنَاده عندنَا. قَالَ المُصَنّف: فَفِي هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ حسن الْإِسْنَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فَانْتفى أَن يُرِيد حسن اللَّفْظ الَّذِي ادَّعَاهُ بَعضهم وَحمل كَلَامه عَلَيْهِ. انْتهى. (وأتى بنُون العظمة لإِظْهَار بلزومها الَّذِي هُوَ نعْمَة من تَعْظِيم الله تَعَالَى لَهُ بتأهيله للْعلم امتثالا لقَوْله: (وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث) . فَكل حَدِيث يرْوى وَلَا يكون رَاوِيه مُتَّهمًا بكذب، ويروى من غير وَجه نَحْو ذَلِك، وَلَا يكون شاذا فَهُوَ عندنَا حَدِيث حسن. فَعرف بِهَذَا أَنه إِنَّمَا عرف الَّذِي يَقُول فِيهِ حسن فَقَط، أما مَا يَقُول فِيهِ حسن صَحِيح، أَو حسن غَرِيب، أَو حسن (صَحِيح) غَرِيب، فَلم يعرج على تَعْرِيفه / كَمَا لم يعرج على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ صَحِيح فَقَط، أَو غَرِيب فَقَط. قَالَ: ويوضح ذَلِك مَا ذكره فِي الْفِتَن من حَدِيث خَالِد الْحذاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: " من أَشَارَ على أَخِيه بحديدة ... ... " الحَدِيث قَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، فاستغربه من حَدِيث خَالِد لَا مُطلقًا. وَكَأَنَّهُ ترك ذَلِك اسْتغْنَاء بشهرته عِنْد أهل الْفَنّ، وَاقْتصر على تَعْرِيف مَا يَقُول فِيهِ فِي كِتَابه: حسن فَقَط، إِمَّا لغموضه، وَإِمَّا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح جَدِيد وَلذَلِك قَيده بقوله عندنَا وَلم ينْسبهُ لأهل الحَدِيث كَمَا فعل الْخطابِيّ، وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع كثير من الإيرادات الَّتِي طَال الْبَحْث فِيهَا وَلم يسفر وَجه توجيهها وَللَّه الْحَمد على مَا ألهم وَعلم. وَهَذَا كُله مركب من أجوبة ثَلَاثَة: لِابْنِ الصّلاح، وَابْن دَقِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الْعِيد، وَابْن كثير، وَلَيْسَ للمؤلف (من ذَلِك) إِلَّا الْجمع والتركيب وَالتَّلْخِيص. وَأما الْجَواب بِأَن المُرَاد بالْحسنِ: اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي كَمَا وَقع لِابْنِ عبد الْبر حَيْثُ روى حَدِيث معَاذ مَرْفُوعا: " تعلمُوا الْعلم فَإِن تعلمه لله خشيَة ... ... " الحَدِيث ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن جدا لَكِن لَيْسَ إِسْنَاده قوي. فَأَرَادَ بالْحسنِ حسن اللَّفْظ فَقَط لِأَنَّهُ من رِوَايَة الْبُلْقَاوِيُّ وَهُوَ كَذَّاب. فَرد بِأَنَّهُ يُطلق على الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ أَنه حسن وَهَذَا لَا يَقُوله أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 تَنْبِيهَات 1 - الأول: قَالَ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح /: كتاب التِّرْمِذِيّ أصل فِي معرفَة الْحسن، وَهُوَ الَّذِي شهره وَأكْثر من ذكره. وَمن مظانه - أَيْضا - سنَن أبي دَاوُد، وَسنَن الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ نَص على كثير مِنْهُ. 2 - الثَّانِي: إِذا روى الحَدِيث من وُجُوه ضَعِيفَة لَا يلْزم أَن يحصل من مجمعها أَنه حسن، بل مَا كَانَ ضعفه لضعف حفظ رَاوِيه الصدوق الْأمين زَالَ لمجيئه من وَجه آخر وَصَارَ حسنا، وَكَذَا لَو كَانَ ضعفه لإرسال أَو تَدْلِيس أَو جَهَالَة حَال زَالَ بوروده من طَرِيق آخر. وَأما الضَّعِيف لفسق الراوى فَلَا يُؤثر فِيهِ مُوَافقَة غَيره. 3 - الثَّالِث: لم يذكر الْمُؤلف الصَّالح الَّذِي هُوَ بَين الضَّعِيف وَالْحسن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 ذَهَابًا مِنْهُ إِلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر من دُخُوله فِي الْحسن لغيره فمصدقهما وَاحِد. وَخَالفهُ فِي ذَلِك أَبُو دَاوُد فَجعله قسما بِرَأْسِهِ، وَيُؤَيِّدهُ قَول يَعْقُوب ابْن شيبَة: الصَّالح مَا فِي إِسْنَاده من لَيْسَ بالثبت، وَإِذا عرف بِأَنَّهُ مَا فِي سَنَده الْمُتَّصِل مَسْتُور خَال عَن قادحة كَانَ من الْحسن. قَالَ أَبُو دَاوُد: مَا فِي كتابي إِذا اشْتَدَّ وهنه بَينته وَإِن سكت فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح من بعض - أَي لتَفَاوت مرتبته فِي الصلاحية - ذكريات فِيهِ الصَّحِيح، وَمَا يشبه ويقاربه - أَي الْحسن. زِيَادَة الثِّقَة وَزِيَادَة راويهما - أَي الصَّحِيح وَالْحسن أَي زِيَادَة الْعدْل الضَّابِط فِيمَا رَوَاهُ على غَيره من الْعُدُول / مَقْبُولَة لِأَنَّهَا فِي حكم حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 مُسْتَقل انْفَرد بِهِ ثِقَة، وَلَا يرويهِ عَن شَيْخه غَيره، وَهَذَا مَا لم تقع أَي الزِّيَادَة مُنَافِيَة لرِوَايَة من هُوَ أوثق مِمَّن لم يذكر تِلْكَ الزِّيَادَة لمزيد ضبط أَو كَثْرَة عدد. قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَمن فِي قَوْله مِمَّن بَيَان لقَوْله: من هُوَ. اه وَلَيْسَت مُتَعَلقَة بِفعل التَّفْضِيل، لِأَن الزِّيَادَة إِمَّا أَن تكون لَا تنَافِي بَينهَا وَبَين رِوَايَة من لم يذكرهَا فَهَذِهِ تقبل مُطلقًا لِأَنَّهَا فِي حكم الحَدِيث المستقل الَّذِي ينْفَرد بِهِ الثِّقَة وَلَا يرويهِ عَن شَيْخه غَيره. وَمن أَمْثِلَة ذَلِك حَدِيث مُسلم وَغَيره من رِوَايَة أبي مَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الْأَشْجَعِيّ عَن ربعي عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا: " جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا، وَجعلت لنا تربَتهَا طهُورا ". فَإِن زِيَاد تربَتهَا تفرد بِهِ الْأَشْجَعِيّ، وَرِوَايَة جَمِيع الروَاة جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا. وَحَدِيث ابْن عمر فِي صَدَقَة الْفطر، انْفَرد بِهِ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي بِزِيَاد أَو صَاعا من قَمح، وَأكْثر الروَاة لم يذكرُوا إِلَّا صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير فَقَط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وَأما أَن تكون مُنَافِيَة بِحَيْثُ يلْزم من قبُولهَا رد الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَهَذِهِ الَّتِي يَقع التَّرْجِيح بَينهَا وَبَين معارضها فَيقبل الرَّاجِح وَيرد الْمَرْجُوح. وَمن وُجُوه الْمُنَافَاة مَا لَو غيرت الزِّيَادَة إِعْرَاب الْبَاقِي (فيتعارضان - أَي خبر الزِّيَادَة وَخبر عدمهَا - للِاخْتِلَاف حِينَئِذٍ خلافًا لأبي عبد الله الْبَصْرِيّ) . قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقَوله لِأَن الزِّيَادَة ... ... إِلَى آخِره تَقْسِيم للزِّيَادَة لَا تَعْلِيل لما وَقع فِي الْمَتْن هَذَا هُوَ الظَّاهِر من السُّوق، فَإِن اعْتَبرهُ المُصَنّف / تعليلا فَهُوَ أَعم مِمَّا فِي الْمَتْن، وَكَانَ اللايق بِالتَّعْلِيلِ أَن يَقُول لِأَن المنافية لرِوَايَة من هُوَ أوثق مُعَارضَة بأرجح فَلم تقبل، وَالَّتِي لم تناف بِمَنْزِلَة حَدِيث مُسْتَقل. وَيفهم مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 أَنه أَن مَا نافى، وَلَيْسَ بأوثق أَنه مقدم. وَقَالَ البقاعي: لَو قَالَ إِذا لم تناف رِوَايَة أوثق مِنْهُ كَانَ أحسن، فَإِن نافت بِأَن لزم من قبُولهَا رد الْأُخْرَى احْتِيجَ إِلَى التَّرْجِيح بَينهَا وَبَين معارضها، فَيقبل الرَّاجِح وَيرد الْمَرْجُوح. واشتهر عَن جمع من الْعلمَاء أَي أهل الْأُصُول وَالْفِقْه القَوْل بِقبُول الزِّيَادَة - مُطلقًا من (غير تَفْصِيل) قَالُوا: زِيَاد الثِّقَة مَقْبُولَة إِن علم تعدد الْمجْلس لجَوَاز كَون النَّبِي ذكرهَا فِي مجْلِس وَسكت عَنْهَا فِي آخر، وَكَذَا إِن لم يعلم تعدده وَلَا اتحاده لِأَن الْغَالِب التَّعَدُّد، فَإِن علم اتحاده فأقوال: 1 - أَحدهَا: الْقبُول (مُطلقًا، قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف - كَغَيْرِهِ: وَهُوَ الَّذِي اشْتهر عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، وَنَقله الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن جُمْهُور الْعلمَاء والمحدثين بل ادّعى ابْن طَاهِر اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَيْهِ) لجَوَاز غَفلَة غير من زَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 2 - وَالثَّانِي: عَدمه لجَوَاز خطأ من زَاد. 3 - وَالثَّالِث: الْوَقْف وَإِن كَانَ السَّاكِت (عَنْهَا - أَي غير) الذاكر لَهَا - أضبط مِمَّن ذكرهَا، أَو صرح بِنَفْي الزِّيَادَة على وَجه لَا يقبل، كَأَن قَالَ: مَا سَمعتهَا - أَي تعَارض الخبران فِيهَا - نعم إِن نفاها على وَجه لَا يقبل بِأَن مَحْض النَّفْي فَقَالَ: لم يقلها النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. فَإِنَّهُ لَا أثر لذَلِك، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك على طَرِيق الْمُحدثين الَّذين يشترطون فِي الصَّحِيح أَن لَا يكون شاذا، ثمَّ يفسرون الشذوذ بمخالفة الثِّقَة لمن هُوَ أوثق مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: قد ذكر المُصَنّف فِي تَقْرِيره لذَلِك إِن الْمُخَالفَة تصدق على زِيَادَة / لَا تنَافِي فِيهَا، فَلَا يحسن الْإِطْلَاق، وَلَيْسَ فِي الشاذ مَا يُخَالف، فَلذَلِك قيدت بِقَوْلِي مَا لم تقع مُنَافِيَة ... ... إِلَخ. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَلَيْسَ فِي هَذَا زِيَاد فَائِدَة وَمَا فِي الشَّرْح يُغني عَنهُ. وَالْعجب مِمَّن أغفل ذَلِك مِنْهُم مَعَ اعترافه بِاشْتِرَاط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 انْتِفَاء الشذوذ فِي حد الحَدِيث الصَّحِيح وَكَذَا الْحسن. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: أَعَادَهُ لأجل ذكر الْحسن وَأَنه يكون أولى أَن يشْتَرط فِي الصَّحِيح. وَالْمَنْقُول عَن أَئِمَّة الْمُحدثين الْمُتَقَدِّمين: كَابْن مهْدي وَيحيى الْقطَّان نسبته إِلَى بيع الْقطن وَأحمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْمُهْملَة وَسُكُون التَّحْتِيَّة - نِسْبَة إِلَى مَدِينَة (نيسابور) وَقيل غَيرهَا وَالْبُخَارِيّ وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِفَتْح الرَّاء وَضم الْقَاف وَسُكُون الطَّاء نِسْبَة إِلَى دَار الْقطن محلّة بِبَغْدَاد وَغَيرهم اعْتِبَار التَّرْجِيح فِيمَا يتَعَلَّق بِالزِّيَادَةِ وَغَيرهَا، وَلَا يعرف عَن أحد مِنْهُم إِطْلَاق قبُول الزِّيَادَة، وأعجب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 ذَلِك إِطْلَاق كثير من الشَّافِعِيَّة القَوْل بِقبُول زِيَادَة الثِّقَة مَعَ أَن نَص الشَّافِعِي يدل على غير ذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أثْنَاء كَلَامه على مَا يعْتَبر فِيهِ حَال الرَّاوِي فِي الضَّبْط مَا نَصه: وَيكون إِذا شرك أحدا من الْحفاظ لم يُخَالِفهُ، فَإِن خَالفه فَوجدَ حَدِيثه أنقص كَانَ فِي ذَلِك دَلِيل على / صِحَة مخرج حَدِيثه وَمَتى خَالف مَا وصفت أضرّ ذَلِك بحَديثه. انْتهى. (كَلَامه وَمُقْتَضَاهُ أَنه إِذا خَالف فَوجدَ حَدِيثه أَزِيد ضرّ ذَلِك بحَديثه) فَدلَّ على أَن زِيَادَة الْعدْل عِنْده لَا يلْزم قبُولهَا مُطلقًا وَإِنَّمَا تقبل من الْحَافِظ، فَإِنَّهُ اعْتبر أَن يكون حَدِيث هَذَا الْمُخَالف أنقص من حَدِيث من خَالفه من الْحفاظ، وَجعل نُقْصَان هَذَا الرَّاوِي من الحَدِيث دَلِيلا على صِحَّته لِأَنَّهُ يدل على تحريه، وَجعل مَا عدا ذَلِك مضرا بحَديثه فَدخلت فِيهِ الزِّيَادَة، فَلَو كَانَت عِنْده مَقْبُولَة مُطلقًا لم تكن مضرَّة (بِحَدِيث) صَاحبهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 كَذَا زَعمه المُصَنّف، وَقد رده عَلَيْهِ جمع مِنْهُم الْكَمَال بن أبي شرِيف فَقَالَ: الثِّقَة هُوَ الْعدْل الضَّابِط وَكَلَام الشَّافِعِي فِيمَن لم يعرف ضَبطه فَلَا يكون دَلِيلا على عدم قبُول الزِّيَادَة مُطلقًا كَمَا زَعمه المُصَنّف، إِذْ لَيْسَ الحكم فِيهِ إِلَّا فِي حَدِيث من يختبر ضَبطه. قَالَ: وَقَول الشَّافِعِي وَيكون مَنْصُوب عطفا على مَا قبله فِي كَلَامه، فَإِنَّهُ قَالَ: ثمَّ يعْتَبر عَلَيْهِ بِأَن يكون إِذا سمى من روى عَنهُ لم يسم مَجْهُولا وَلَا مرغوباً عَن الرِّوَايَة عَنهُ. ثمَّ قَالَ: وَيكون. انْتهى. وَمِنْهُم البقاعي فَقَالَ: كَلَام الإِمَام الشَّافِعِي فِي عدل لم يعرف ضَبطه فَلَا يُعَارض قبولهم زِيَادَة الثِّقَة، فَإِن الثِّقَة هُوَ الَّذِي جمع إِلَى الْعَدَالَة الضَّبْط. قَالَ: وَقَوله وَإِنَّمَا / يقبل من الْحَافِظ يُقَال عَلَيْهِ: سلمنَا ذَلِك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فَإِن أردْت مُطلق الثِّقَة فَهُوَ غير مَا قُلْنَا، وَإِلَّا فَلَا دلَالَة لكَلَام الشَّافِعِي عَلَيْهِ. وَقَوله وَجعل نُقْصَان هَذَا الرَّاوِي من الحَدِيث دَلِيلا على صِحَّته لِأَنَّهُ يدل على تحريه ... ... إِلَى آخِره مُسلم، لَكِن الْكَلَام فِي الزِّيَادَة الْوَاقِعَة من الثِّقَة لَا فِي مُطلق الزِّيَادَة الْوَاقِعَة من الثِّقَة وَغَيره، وَهَذَا كُله لَيْسَ ردا على مَا فصل وَإِنَّمَا هُوَ دفع للاستدلال بِكَلَام الإِمَام الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ لَا دلَالَة فِيهِ على مَا ادَّعَاهُ أصلا. وَمِنْهُم الشَّيْخ قَاسم الْحَنَفِيّ فَقَالَ: قَوْله وأعجب من ذَلِك ... إِلَى آخِره إِلَى أَن قَالَ كَونه أعجب لوُجُود نَص أمامهم فِي ذَلِك. أَقُول: لَيْسَ هَذَا مَحل مَا ذكره إمَامهمْ لِأَنَّهُ فِيمَن يختبر ضَبطه، وَكَلَامهم فِي الثِّقَة وَهُوَ عِنْدهم الْعدْل الضَّابِط فَلَا تجب. الْعجب مِنْك. وَقَوله وَجعل نُقْصَان هَذَا الرَّاوِي ... ... إِلَى آخِره يُقَال عَلَيْهِ: لم لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 يجوز أَن يكون نقصانه دَلِيلا على نُقْصَان حفظه. وَقَوله: وَجعل مَا عدا ذَلِك ... إِلَى آخِره. أَقُول إِذا حمل كَلَام الإِمَام على مَا نَحن فِيهِ فَظَاهره منع قبُول الزِّيَادَة مُطلقًا لَا على التَّفْضِيل الْمَذْكُور، ويتبادر من سوق الْكَلَام فِي قَوْله وَزِيَادَة رَاوِيه إِلَى هُنَا أَن الْمُخَالفَة من حَيْثُ أَن يزِيد الثِّقَة مُخَالفا لمن هُوَ أوثق مِنْهُ، أَو يزِيد الضَّعِيف مُخَالفا للثقة، وَالْوَاقِع أَن المُرَاد / مُجَرّد الْمُخَالفَة. انْتهى. فَإِن خُولِفَ أَي الرَّاوِي بأرجح مِنْهُ لمزيد ضبط وإتقان أَو كَثْرَة عدد أَو غير ذَلِك من وُجُوه الترجيحات سَوَاء خَالفه فِي السَّنَد أَو فِي الْمَتْن فالراجح يُقَال لَهُ الْمَحْفُوظ وَمُقَابِله وَهُوَ الْمَرْجُوح يُقَال لَهُ الشاذ. فالمحفوظ: مَا رَوَاهُ المقبول مُخَالفا لمن دونه فِي الْحِفْظ والإتقان، والشاذ: مَا رَوَاهُ المقبول مُخَالفا لمن فَوْقه فِي الْحِفْظ والإتقان. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامه. وَخرج بالمقبول الْمَعْرُوف وَالْمُنكر فَإِن رَاوِي كل مِنْهُمَا غير مَقْبُول. وبمن دونه الشاذ كَمَا يَأْتِي. وَمِثَال ذَلِك يَعْنِي مِثَال الْمُخَالفَة فِي الْإِسْنَاد مَا رَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 الْحَاكِم وَصَححهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَوْسَجَة عَن ابْن عَبَّاس مَوْصُولا أَن رجلا توفى على عهد رَسُول الله وَلم يدع وَارِثا إِلَّا مولى هُوَ أعْتقهُ ... الحَدِيث وتتمته: فَدفع مِيرَاثه إِلَيْهِ. وتابع ابْن عُيَيْنَة على وَصله ابْن جريج وَغَيره، وَخَالفهُم حَمَّاد بن زيد فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَوْسَجَة وَلم يذكر ابْن عَبَّاس. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: الْمَحْفُوظ حَدِيث ابْن عُيَيْنَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 انْتهى. وَتَابعه مُحَمَّد بن مُسلم، وَقصر حَمَّاد بن زيد فحماد بن زيد من أهل الْعَدَالَة والضبط وَمَعَ ذَلِك رجح أَبُو حَاتِم رِوَايَة من هُوَ أَكثر عددا مِنْهُ. وَفِيه هُنَا أَمْرَانِ: 1 - الأول: أَن تمثيله بذلك / قد نازعه فِيهِ ابْن قطلوبغا، فَقَالَ: الأولى فِي الْمِثَال أَن يكون بمتن خَالف فِيهِ الثِّقَة غَيره لِأَن هَذِه الْأَنْوَاع من الشذوذ وَنَحْوه إِمَّا هِيَ وَاقعَة بِالذَّاتِ على الْمَتْن لما فِيهِ أَو فِي طَرِيقه مَا يقتضيها. 2 - الثَّانِي: أَن قَوْله قَالَ أَبُو حَاتِم ... ... إِلَى آخِره قد رده عَلَيْهِ الشَّيْخ قَاسم بِأَن هَذَا معَارض لما قدمه عَن الشَّافِعِي لِأَن النُّقْصَان أضرّ بحَديثه وَلم يكن ذَلِك دَلِيل تحريه، فَهَذَا هُوَ المُرَاد لما فهمه المُصَنّف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 والكمال بن أبي شرِيف على هَذَا. فَذكر مَا ذكره الشَّيْخ قَاسم ثمَّ قَالَ: وعَلى هَذَا) فالثقة فِي قَول الإِمَام الشَّافِعِي الشاذ: أَن يروي الثِّقَة مَا يُخَالف مَا روى النَّاس. بِمَعْنى المقبول الشَّامِل للعدل الضَّابِط، وللصدوق الْقَرِيب من دَرَجَة الضَّبْط والإتقان. أَو يكون ذكر الثِّقَة للِاحْتِرَاز عَن الضَّعِيف لَا عَن الصدوق بل لإفهام أَن مُخَالفَة الصدوق الْمَذْكُور أولى باسم الشذوذ. انْتهى. وَمن أمثلته فِي الْمَتْن مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " إِذا صلى أحدكُم رَكْعَتي الْفجْر فليضطجع عَن يَمِينه " ... قَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالف عبد الْوَاحِد الْعدَد الْكثير فِي هَذَا فَإِن النَّاس إِنَّمَا رَوَوْهُ عَن فعل الْمُصْطَفى لَا من قَوْله، وَانْفَرَدَ عبد الْوَاحِد من بَين ثِقَات أَصْحَاب الْأَعْمَش بِهَذَا اللَّفْظ. وَعرف من هَذَا التَّقْرِير أَن الشاذ مَا رَوَاهُ المقبول مُخَالفا لمن هُوَ أولى مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد فِي تَعْرِيف الشاذ بِحَسب الِاصْطِلَاح. وَأما بِحَسب اللُّغَة فَإِنَّهُ مُطلق / الِانْفِرَاد. وَإِن وَقعت الْمُخَالفَة مَعَ الضعْف بِأَن روى الضَّعِيف حَدِيثا وَخَالف فِي إِسْنَاده أَو مَتنه ضَعِيف أرجح مِنْهُ لكَونه أقل مِنْهُ ضعفا، وَأحسن مِنْهُ حَالا فَمَا رَوَاهُ الضَّعِيف الرَّاجِح يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 لَهُ الْمَعْرُوف مُقَابِله وَهُوَ مَا رَوَاهُ الضَّعِيف الْمَرْجُوح يُقَال لَهُ الْمُنكر. فَخرج بِقَيْد الضَّعِيف فِي كل مِنْهُمَا الْمَحْفُوظ والشاذ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا رَاوِيه مَقْبُول. ثمَّ مثل لذَلِك بقوله: مِثَاله مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق حبيب بِضَم (الْحَاء الْمُهْملَة) وَفتح بَاء مُوَحدَة وَكسر يَاء تحتية مُشَدّدَة مُصَغرًا بن حبيب بِفَتْح فَكسر - (وَهُوَ أَخُو حَمْزَة بن حبيب) - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 كقريب الزيات الْمقري عَن أبي إِسْحَق عَن الْعيزَار بِعَين مُهْملَة، فزاي بعد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة، وَبعد الْألف رَاء ابْن حُرَيْث بِالتَّصْغِيرِ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من أَقَامَ الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَحج وَصَامَ وقرى الضَّيْف دخل الْجنَّة ". قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ أَي حَدِيث حبيب هَذَا مُنكر لِأَن غَيره من الثِّقَات رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَق مَوْقُوفا وَهُوَ الْمَعْرُوف. وَنقل بعض تلامذة الْمُؤلف عَنهُ أَنه قَالَ: المُرَاد بِقَوْلِي وَإِن وَقعت الْمُخَالفَة مَعَ الضعْف أَن يكون فِي الْجَانِبَيْنِ مَعَ رُجْحَان أَحدهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 قَالَ تلميذ المُصَنّف الْمَذْكُور: لَكِن مَا مثل بِهِ أولى وَقَول أبي حَاتِم: هُوَ مُنكر لِأَن غَيره من الثِّقَات رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَق مَوْقُوفا يبين أَن الضعْف فِي أَحدهمَا. قَالَ: وَقد أوقفت الشَّيْخ يَعْنِي / المُصَنّف على هَذَا فَقَالَ: أَن اللايق فِي التَّمْثِيل التَّمْثِيل بِغَيْرِهِ، وروجع فِي أَن الْمَأْخُوذ أَولا زِيَادَة رَاوِي الْحسن أَو الصَّحِيح. فَأجَاب: بِأَنَّهُ لَيْسَ معزيا هُنَا، وَأَن الْكَلَام وَقع اسْتِطْرَادًا هُنَا لأجل مُطلق الْمُخَالفَة. ثمَّ رُوجِعَ، فَأخْبر بِمَا فسر بِهِ أَولا من كَون الضَّعِيف فِي الْمُخَالف مَعَ قَوْله أَو وجا فيهمَا كَانَ كَذَلِك فِي التَّسْمِيَة أَي يُقَال لمن قل ضعفه مَعْرُوف وَالْآخر مُنكر. انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وَعرف بِهَذَا أَن بَين الشاذ وَالْمُنكر عُمُوما وخصوصاً من وَجه، لِأَن بَينهمَا اجتماعاً فِي اشْتِرَاط الْمُخَالفَة، وافتراقاً فِي أَن الشاذ رَاوِيه ثِقَة أَو صَدُوق، وَالْمُنكر رَاوِيه ضَعِيف. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ يشْتَرط فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه أَن يكون بَين الْمَذْكُورين مَادَّة اجْتِمَاع يصدق فِيهَا كل مِنْهُمَا، وَلَيْسَ الْمَذْكُور هُنَا كَذَلِك. قَالَ: وَمَا ذكره المُصَنّف فِي تَوْجِيهه لَيْسَ على حد مَا عِنْد الْقَوْم. والبقاعي فَقَالَ: مَا ذكره الْمُؤلف من الْعُمُوم وَالْخُصُوص غير صَحِيح، وَإِنَّمَا بَين الشاذ وَالْمُنكر من النّسَب المباينة الْكُلية لَا شَيْء من الشاذ بمنكر، وَلَا شَيْء من الْمُنكر بشاذ، وَلم يجتمعا فِي مُطلق الْمُخَالفَة الْمَذْكُورَة فِي الشاذ لِأَنَّهَا مُقَيّدَة بالثقة، وَلَا بِمُطلق الْمُخَالفَة الْمَذْكُورَة فِي الْمُنكر فَإِنَّهَا مُقَيّدَة بالضعيف. قَالَ: لَيْسَ هَذَا كالحيوان وَالْأسود فِي فَرد من أَفْرَاد الْحَيَوَان / فَإِنَّهُمَا اجْتمعَا فِي مُطلق الْحَيَوَان الْأسود وَأما هُنَا فَلم يجتمعا فِي فَرد من أَفْرَاد الْمُنكر، وَلَا فِي فَرد من أَفْرَاد الشاذ كَمَا اجْتمع الْحَيَوَان وَالْأسود فِي فَرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 من أَفْرَاد الْحَيَوَان، فَكَانَ بعض الْحَيَوَان أسود وَبَعض الْأسود حَيَوَان إِلَى هُنَا كَلَامه. وتبعهما على ذَلِك الأشموني فَقَالَ: مَا ذكره الْمُؤلف مَمْنُوع، وَإِنَّمَا الَّذِي بَين الشاذ وَالْمُنكر تبَاين كلي لَا عُمُوم وخصوص من وَجه كَمَا زَعمه، لِأَن الشاذ لَا يصدق على شَيْء من أَفْرَاد الْمُنكر، كَمَا أَن الْمُنكر لَا يصدق على شَيْء من أَفْرَاد الشاذ، لِأَن الشاذ من رِوَايَة المقبول وَالْمُنكر من رِوَايَة الضَّعِيف. انْتهى. وَمَا ذكره غَفلَة عَن مُرَاد الْمُؤلف مِمَّا ذكره، فَإِن الْكَمَال بن أبي شرِيف نقل عَنهُ أَنه قَالَ لَهُ: إِنَّه لَيْسَ مُرَاده الْعُمُوم وَالْخُصُوص المصطلح عَلَيْهِ: وَهُوَ صدق كل مِنْهُمَا على بعض مَا يصدق عَلَيْهِ الآخر، وَإِنَّمَا مُرَاده مَا فسر بِهِ وَهُوَ أَن بَينهمَا اجْتِمَاع وافتراق. انْتهى. وَأما الْجَواب بِأَن شَرط الْعُمُوم وَالْخُصُوص مَوْجُود هُنَا، وَهُوَ وجود مَادَّة يصدق فِيهَا كل مِنْهُمَا لِأَن لنا رَاوِيا وَاحِدًا يكون حَدِيثه شاذاً ومنكراً، شَاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 بِاعْتِبَار أَنه صَدُوق ومنكر بِاعْتِبَار أَنه سيئ الْحِفْظ أَو مُغفل أَو فَاحش الْغَلَط أَو مُبْتَدع فَهُوَ ضَعِيف بِهَذِهِ الاعتبارات إِذْ كل وَاحِد مِنْهَا - أَي من هَذِه الْأَوْصَاف - يضعف بهَا الرَّاوِي لَا يُنَافِي أَن / يكون صَدُوقًا. وَالْحَاصِل: أَن بقوله أَو صَدُوق ينْدَفع الِاعْتِرَاض عَنهُ فَفِيهِ تعسف لَا يخفى. وَقد غفل من سوى بَينهمَا أَي كَابْن الصّلاح حَيْثُ قَالَ فِي الْمُنكر أَنه بِمَعْنى الشاذ. وَتعقب الشَّيْخ قَاسم هَذَا: بِأَنَّهُم أطْلقُوا فِي غير مَوضِع النكارة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 رِوَايَة الثِّقَة مُخَالفا لغيره، من ذَلِك حَدِيث نزع الْخَاتم حَيْثُ قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا حَدِيث مُنكر. مَعَ أَن رَاوِيه همام بن يحيى وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ أهل الصِّحَّة، وَفِي عبارَة النَّسَائِيّ مَا يُفِيد فِي هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه. أَنه يُقَابل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الْمَحْفُوظ، وَكَأن الْمَحْفُوظ وَالْمَعْرُوف ليسَا بنوعين حقيقين تحتهما أَفْرَاد مَخْصُوصَة عِنْدهم، وَإِنَّمَا هِيَ أَلْفَاظ تسْتَعْمل فِي التَّضْعِيف فَجَعلهَا الْمُؤلف أنواعاً فَلم يُوَافق مَا وَقع عِنْدهم. انْتهى. قَالَ بَعضهم: وَالْمَحْفُوظ وَالْمَعْرُوف من الْأَنْوَاع الَّتِي أهملها ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ، وحقهما أَن يذكرَا كَمَا ذكر الْمُتَّصِل مَعَ مَا يُقَابله من الْمُرْسل والمنقطع والمعضل. تَنْبِيه: وَقع فِي عباراتهم: أنكر مَا رَوَاهُ فلَان كَذَا وَإِن لم يكن ذَلِك الحَدِيث ضَعِيفا، قَالَ ابْن عدي: أنكر مَا روى بريد بن عبد الله بن أبي بردة: " إِذا أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 بِأمة خيرا قبض نبيها قبلهَا ". قَالَ: وَهَذَا طَرِيقه حسن، وَرَوَاهُ ثِقَات، وَقد أدخلهُ قوم فِي صحاحهم. انْتهى. والْحَدِيث فِي مُسلم. وَقَالَ / الذَّهَبِيّ: أنكر مَا للوليد بن مُسلم من الْأَحَادِيث حَدِيث فِي حفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الْقُرْآن، وَهُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَصَححهُ الْحَاكِم وَقَالَ: على شَرط الشَّيْخَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَمَا تقدم ذكره من الْفَرد النسبي الْمَتْن هُوَ قَوْله: والفرد النسبي وَقَوله مَا تقدم ذكره من شرح كَذَا صنع الْمُؤلف. وَتعقبه البقاعي: بِأَن الْفَرد فِي الْمَتْن مُبْتَدأ مَرْفُوع، وَفِي الشَّرْح مجرور فَهُوَ مخل بالمزج. قَالَ البقاعي. وَقَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: قَوْله من الْفَرد فِيهِ الْفَرد مجرور مَعَ أَنه فِي الْمَتْن مَرْفُوع فَلم يَفِ بِمَا يَنْبَغِي فِي التَّضْمِين، فَلَو قَالَ: وَهُوَ الْفَرد بدل من الْفَرد كَانَ أولى، أَو لَو أَتَى بِعِبَارَة يكون فِيهَا الْفَرد معرباً بِالرَّفْع كَانَ أحسن. إِن وجد بعد ظن كَونه فَردا قد وَافقه غَيره فَهُوَ المتابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 يَعْنِي فَذَلِك الْغَيْر هُوَ المتابع بِكَسْر الْمُوَحدَة بعد الْألف مصدر ميمي لتابعه تباعا. وَاصْطِلَاحا: وجدان راو غير صَحَابِيّ مُوَافق لراو ظن صدقه أَنه فَرد نسبي، أَو لشيخه، أَو شيخ شَيْخه، فِي لفظ مَا رَوَاهُ أَو فِي مَعْنَاهُ. وتخصصه ذَلِك بالفرد النسبي أورد عَلَيْهِ: أَن المتابع قد يكون فِي الْفَرد الْمُطلق. وتنقسم إِلَى: تَامّ وَإِلَى قَاصِرَة كَمَا بَين ذَلِك بقوله والمتابعة بِفَتْح الْمُوَحدَة على مَرَاتِب: إِن حصلت للراوي على نَفسه فَهِيَ التَّامَّة، وَإِن / حصلت لشيخه فَمن فَوْقه أَي لشيخ شَيْخه أَو شيخ شيخ شَيْخه وَهَكَذَا فَهِيَ القاصرة يَعْنِي الرَّاوِي عَن متابع شَيْخه متابع لَهُ، لَكِنَّهَا لَيست فِي شَيْخه فَهِيَ القاصرة. وَيُسْتَفَاد مِنْهَا أَي الْمُتَابَعَة بقسميها التقوية فتكسب قُوَّة فِي الْفَرد المتابع ونفعاً فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 مِثَال الْمُتَابَعَة (التَّامَّة) مَا رَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي كِتَابه " الْأُم " عَن مَالك بن أنس عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله قَالَ: " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال، وَلَا تفطروا حَتَّى تروه، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ ". كَذَا مثل بِهِ المُصَنّف للمتابعه التَّامَّة، (وَاعْترض مَا لَيْسَ مِثَالا للتامة) وَإِنَّمَا مثالها مَا ذكره بعد من قَوْله لَكِن وجدنَا للْإِمَام الشَّافِعِي مُتَابعًا وَهُوَ عبد الله بن مسلمة ... إِلَى آخِره. فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمه وَتَأْخِير مَا قدمه، إِلَّا أَن يُقَال: تَقْدِيمه ضَرُورِيّ لَا بتناء الْكَلَام بعده عَلَيْهِ، واتضاح الْمَعْنى المُرَاد بِهِ. فَهَذَا الحَدِيث (الْمَذْكُور) بِهَذَا اللَّفْظ ظن قوم من الْمُحدثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 أَن الإِمَام الشَّافِعِي تفرد بِهِ أَي براويته عَن مَالك فعدوه فِي غرايبه لِأَن أَصْحَاب مَالك رَوَوْهُ عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظ " فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ قدره " لَكِن وجدنَا للْإِمَام الشَّافِعِي مُتَابعًا وَهُوَ عبد الله بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة ثمَّ لَام وَمِيم / مفتوحتين القعْنبِي بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ثمَّ نون مُوَحدَة كَذَلِك أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ عَن مَالك وَهَذِه مُتَابعَة تَامَّة أَي قَوْله وجدنَا ... إِلَى آخِره، وَلَا تكْرَار مَعَ قَوْله أَولا مِثَال التَّامَّة لِأَن هَذَا تنصيص على أَنه الْمِثَال فِي الْحَقِيقَة. وَوجدنَا لَهُ - أَيْضا - مُتَابعَة قَاصِرَة فِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 رِوَايَة عَاصِم بن مُحَمَّد عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد عَن جده عبد الله بن عمر بِلَفْظ " فَكَلَّمُوا ثَلَاثِينَ ". وَفِي صَحِيح مُسلم فِي رِوَايَة عبيد الله ابْن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِلَفْظ " فاقدروا ثَلَاثِينَ ". وَلَا اقْتِصَار فِي هَذِه الْمُتَابَعَة سَوَاء كَانَت تَامَّة أَو قَاصِرَة على اللَّفْظ بل لَو جَاءَت بِالْمَعْنَى لكفى لَكِنَّهَا مُخْتَصَّة بِكَوْنِهَا من رِوَايَة ذَلِك الصَّحَابِيّ. كَذَا ذكره المُصَنّف، وَاعْتَرضهُ الْكَمَال بن أَبى شرِيف والشرف الْمَنَاوِيّ: بِأَن الَّذِي نَقله ابْن الصّلاح ثمَّ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ عَن ابْن حبَان وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 يتعقباه فِي تَمْثِيل الْمُتَابَعَة يَقْتَضِي أَن رِوَايَة غير الصَّحَابِيّ ذَلِك الحَدِيث عَن الْمُصْطَفى مُتَابعَة للصحابي. وَإِن وجد متن يرْوى من حَدِيث صَحَابِيّ آخر يُشبههُ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى، أَو فِي الْمَعْنى فَقَط كَمَا فِي الْمِثَال المسوق للمتابعة القاصرة فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاللَّفْظِ فَهُوَ الشَّاهِد فالشاهد فِي الِاصْطِلَاح: متن بِمَعْنى الْفَرد النسبي بِلَفْظِهِ أَو بِمَعْنَاهُ دون لَفظه من رِوَايَة صَحَابِيّ آخر. ومثاله فِي / الحَدِيث الَّذِي قدمْنَاهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن حنين بِالتَّصْغِيرِ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي فَذكر مثل حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر سَوَاء فَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 بِاللَّفْظِ وَأما بِالْمَعْنَى فَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: " فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ " وَذَلِكَ شَاهد بِالْمَعْنَى. وَخص قوم الْمُتَابَعَة بِمَا حصل بِاللَّفْظِ سَوَاء كَانَ من رِوَايَة ذَلِك عَن الصَّحَابِيّ أم لَا. وَالشَّاهِد بِمَا حصل بِالْمَعْنَى كَذَلِك أَي سَوَاء كَانَ من رِوَايَة ذَلِك الصَّحَابِيّ أم لَا كَمَا قَالَه المُصَنّف (فِي تَقْرِيره) قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهُوَ ظَاهر. وَقد يُطلق الْمُتَابَعَة على الشَّاهِد وَعَكسه وَالْأَمر سهل. كَذَا ذكره الْمُؤلف، قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم: وَيُسمى الْمُتَابَعَة شَاهدا وَلَا يُسمى الشَّاهِد مُتَابعَة. وَهُوَ مُخَالف لما ذكره الْمُؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وَيدخل فِي الْمُتَابَعَة وَالشَّاهِد رِوَايَة من لَا يحْتَج بِهِ وَلَا يدْخل فِي ذَلِك كل ضَعِيف. وَاعْلَم أَن تتبع الطّرق الْمَتْن قَوْله وتتبع الطّرق وَقَوله اعْلَم شرح هَكَذَا صنع الْمُؤلف. وَتعقبه البقاعي: بِأَن تتبع فِي الْمَتْن مَرْفُوع، وَفِي الشَّرْح مَنْصُوب، وَلَيْسَ من طَرِيق المزج فِي شَيْء، فَكَانَ الأولى أَن يَقُول وتتبع الطّرق من الْمُحدث من الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد وَالسّنَن والأجزاء والتواريخ وَغَيرهَا لذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 الحَدِيث الَّذِي يظنّ أَنه فَرد ليعلم هَل لَهُ متابع / أَو شَاهد أَو لَا، هُوَ الِاعْتِبَار أَي يُسمى بذلك، فَهُوَ أَن يَأْتِي إِلَى حَدِيث بعض الروَاة فيعتبره بروايات غَيره من الروَاة، بسبر طرق الحَدِيث ليعرف هَل شَاركهُ فِيهِ غَيره فَرَوَاهُ عَن شَيْخه أَو لَا؟ فَإِن لم يكن فَينْظر هَل تَابع (أحد) شيخ شَيْخه فَرَوَاهُ عَمَّن رَوَاهُ عَنهُ؟ وَهَكَذَا إِلَى آخر الْإِسْنَاد وَذَلِكَ الْمُتَابَعَة، فَإِن لم يكن فَينْظر هَل أَتَى بِمَعْنَاهُ حَدِيث آخر وَهُوَ الشَّاهِد، فَإِن لم يكن فَالْحَدِيث فَرد فَلَيْسَ الِاعْتِبَار قسيما للمتابع وَالشَّاهِد بل للتوصل كَمَا أَشَارَ المُصَنّف إِلَى ذَلِك بقوله: وَقَول ابْن الصّلاح: معرفَة الِاعْتِبَار والمتابعات والشواهد قد يُوهم أَن الِاعْتِبَار قسيم لَهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ هَيْئَة التَّوَصُّل إِلَيْهِمَا. كَذَا زَعمه المُصَنّف، ورده الشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا قَالَه ابْن الصّلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 صَحِيح لِأَن هَيْئَة التَّوَصُّل إِلَى الشَّيْء غير الشَّيْء. وَجَمِيع مَا تقدم من أَقسَام المقبول تحصل فَائِدَة تقسيمه بِاعْتِبَار مراتبه عِنْد الْمُعَارضَة. قَالَ المُصَنّف (فِي تَقْرِيره) : يَعْنِي إِذا تعَارض حديثان صَحِيح لذاته وصحيح لغيره، أَو حسن لذاته وَحسن لغيره، قدم الَّذِي لذاته على الَّذِي لغيره. كَذَا قَرَّرَهُ الْمُؤلف وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُم لم يراعوا فِي ترجيحاتهم هَذَا الِاعْتِبَار، وَيعرف هَذَا من صَنِيع الْبَيْهَقِيّ فِي " الخلافيات " وَالْغَزالِيّ فِي كِتَابه " تَحْسِين المأخذ " وَغير ذَلِك. انْتهى. قَالَ ابْن حبَان: وَطَرِيق الِاعْتِبَار أَن يروي / حَمَّاد مثلا حَدِيثا لم يُتَابع عَلَيْهِ، عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن الْمُصْطَفى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 فَينْظر هَل رَوَاهُ ثِقَة غير أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين فَإِن وجد علم أَن لَهُ أصلا يرجع إِلَيْهِ، وَإِلَّا فثقه غير ابْن سِيرِين رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة، وَإِلَّا فصحابي غير أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ عَن الْمُصْطَفى فَأَي ذَلِك وجد علم أَن للْحَدِيث أصلا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: فمثال مَا عدمت فِيهِ المتابعات من وَجه يثبت مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه إِلَى الْمُصْطَفى: " أحبب حَبِيبك هونا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 مَا " ... قَالَ التِّرْمِذِيّ: غَرِيب لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. أَي من وَجه يثبت، وَإِلَّا فقد رَوَاهُ الْحسن بن دِينَار عَن أبن سِيرِين، وَالْحسن مَتْرُوك الحَدِيث لَا يصلح للمتابعات. ثمَّ المقبول يَنْقَسِم - أَيْضا - إِلَى مَعْمُول بِهِ، وَغير مَعْمُول بِهِ، لِأَنَّهُ إِن سلم من الْمُعَارضَة - أَي لم يَأْتِ خبر يضاده فَهُوَ الْمُحكم. بِفَتْح الْكَاف، من أحكمت الشَّيْء: أتقنته. كَذَا عبر المُصَنّف. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن الْمُعَارضَة مصدر، وَالْخَبَر الَّذِي يضاده اسْم فَاعل، وَلَا حَامِل على هَذَا الِاسْتِعْمَال مَعَ تيَسّر اسْتِعْمَال الْحَقِيقَة. انْتهى. وَاعْلَم أَن هَذَا زَاده الْمُؤلف فِي الْأَنْوَاع على الْمُتَأَخِّرين آخِذا من كَلَام الْحَاكِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وأمثلته كَثِيرَة مِنْهَا حَدِيث: " إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم / الْقِيَامَة الَّذين يشبهون بِخلق الله "، وَحَدِيث: " لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَلَا صَدَقَة من غلُول ". وَحَدِيث: " إِذا وضع الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة ... إِلَى آخِره ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَهَذَا النَّوْع قد صنف فِيهِ الدَّارمِيّ كتابا حافلاً وَإِن عورض بِخَبَر يضاده، بِأَن تنَافِي الدليلان - أَي ظَاهر - إِذْ لَو وَقع حَقِيقَة لم يكن دَفعه. فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون معارضه مَقْبُولًا مثله (أَو يكون مردوداً) مثله. بِأَن يكون الحديثان ظنيان دلَالَة، مستويان فِي الْقُوَّة، بِأَن نافى كل مِنْهُمَا الآخر كلياً أَو جزئياً، سَوَاء كَانَا بِاعْتِبَار السَّنَد قطعيين، أَو ظنيين، أَو مُخْتَلفين. وَأما مَا نَقله الْكَمَال بن أبي شرِيف عَن تَقْرِير الْمُؤلف أَنه قَالَ: المُرَاد أصل الْقبُول لَا التَّسَاوِي فِيهِ، حَتَّى لَا يكون الْقوي نَاسِخا للأقوى، بل لَا يكون الْحسن نَاسِخا للصحيح المقبول، وَاعْتِبَار التَّرْجِيح يدل على هَذَا لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا متساويين لم يتأت التَّرْجِيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا مُخَالف لما تقدم من قَوْله تحصل فَائِدَة تقسيمه بِاعْتِبَار مراتبه عِنْد الْمُعَارضَة قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل هَذَا أَمر وَقع فِي أثْنَاء التَّقْرِير فَلَا يبْحَث فِيهِ؟ . قُلْنَا: فَقَوله لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون معارضه مَقْبُولًا مثله أَو يكون مردوداً تَقْسِيم غير حاصر، لِأَنَّهُ جَائِز أَن يكون معارضه دونه فِي الْقبُول وَلَيْسَ بمردود. انْتهى. وَهَذَا كُله فِي / الْقَوْلَيْنِ، أما الفعليان فَلَا يتعارضان كَمَا فِي " الْمُخْتَصر " و " الْمِنْهَاج "، والقولي والفعلي فِي تعارضهما خلاف وتفصيل فِي المطولات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 فَالثَّانِي لَا أثر لَهُ لِأَن الْقوي لَا تُؤثر فِيهِ مُخَالفَة الضَّعِيف. فَيجوز نسخ الْآحَاد المقبولة بالآحاد المقبولة وبالمتواتر، وَلَا يجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد وَإِن كَانَت فِي أَعلَى دَرَجَات الْقبُول وَإِنَّمَا ينسخه مثله. وَإِن كَانَت الْمُعَارضَة بِمثلِهِ وَكَانَا عَاميْنِ مستويين فِي الْعُمُوم بِأَن يصدق كل مهما على مَا يصدق عَلَيْهِ الآخر، وَكَذَا إِن كَانَا خاصين فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُمكن الْجمع بَين مدلوليهما بِغَيْر (تعسف أَو لَا، فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا) بِأَن تحمل كل مِنْهُمَا على حَال مُغَاير لما حمل عَلَيْهِ الآخر لَا مَانع شرعا من الْحمل عَلَيْهِ فَيجب الْجمع عِنْد الْإِمْكَان، وَإِن أمكن التَّرْجِيح بِأَن وجد مُرَجّح أَحدهمَا على الآخر فَعلم أَنه إِذا أمكن كل من الْجمع وَالتَّرْجِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 قدم الْجمع وَهُوَ الْأَصَح، لِأَن فِيهِ عملا بهما مَعًا فَهُوَ النَّوْع الْمُسَمّى مُخْتَلف الحَدِيث. قَوْله فَهُوَ متن وَقَوله النَّوْع الْمُسَمّى شرح وَقَوله مُخْتَلف الحَدِيث متن فقد تغير إِعْرَاب مُخْتَلف الَّذِي هُوَ من الْمَتْن شرح مَا ذكر، لِأَنَّهُ كَانَ مَرْفُوعا فَصَارَ مَنْصُوبًا فَلَو قَالَ: فَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ مُخْتَلف الحَدِيث كَانَ أولى وَخرج بقوله بِغَيْر تعسف مَا لَو لم يكن إِلَّا بتعسف / فَإِنَّهُ ينْتَقل إِلَى مَا بعد ذَلِك من الْمَرَاتِب، لِأَن مَا كَانَ بتعسف فللخصم أَن يردهُ وينتقل إِلَى مَا بعْدهَا. كَذَا قَالَه الْمُؤلف، وَالظَّاهِر خِلَافه فقد أطلق فِي " جمع الْجَوَامِع " وَأقرهُ شَارِحه الْمُحَقق: إِن الْعَمَل بالمتعارضين وَلَو من وَجه أولى من إِلْغَاء أَحدهمَا وَلم يشْتَرط ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَمثل لَهُ جمع بِحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره: " أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر " مَعَ حَدِيث أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا: " لَا تنتفعوا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الْميتَة بإهاب وَلَا عصب ". الشَّامِل للإهاب المدبوغ وَغَيره حملناه على غَيره جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ. وَمثل لَهُ آخَرُونَ بِحَدِيث: " إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث " وَحَدِيث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 " خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غلب على طعمه أَو لَونه أَو رِيحه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 فَإِن الأول ظَاهره طَهَارَة الْقلَّتَيْنِ تغير أم لَا، وَالثَّانِي ظَاهره طَهَارَة غير الْمُتَغَيّر هبه قُلَّتَيْنِ أم أقل، فَخص عُمُوم كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ. وَمثل لَهُ آخَرُونَ - أَيْضا - بِخَبَر " شَرّ الشُّهُود من شهد قبل أَن يستشهد " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وَخبر " خير الشُّهُود من شهد قبل أَن يستشهد " فَحمل الأول على غير شَهَادَة الحسية وَالثَّانِي عَلَيْهَا، أَو يحمل الأول على مَا لَو كَانَ من لَهُ الشَّهَادَة عَالما بهَا وَالثَّانِي على خِلَافه. وَمثل لَهُ آخَرُونَ - أَيْضا - بِخَبَر الشَّيْخَيْنِ أَن الْمُصْطَفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 تَوَضَّأ وَغسل رجلَيْهِ وَخبر الْبَيْهَقِيّ - وَغَيره - تَوَضَّأ ورش المَاء على قَدَمَيْهِ وهما فِي النَّعْلَيْنِ، وكل من الْغسْل والرش خَاص، فَجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ سمى الْغسْل رشا مجَازًا، أَو أَرَادَ بِالْوضُوءِ / فِي خبر الْغسْل الْوضُوء الشَّرْعِيّ وَفِي خبر الرش الْوضُوء اللّغَوِيّ، أَو أَن الْغسْل فِي الْوضُوء عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 حدث والرش فِي الْوضُوء المجدد فَيكون إِطْلَاق الْوضُوء عَلَيْهِ مجَازًا شَرْعِيًّا إِن كَانَ الرش على حَقِيقَته لعدم الِاكْتِفَاء بِهِ فِي المجدد كَغَيْرِهِ، فَإِن أُرِيد بِهِ الْغسْل الْخَفِيف الْمُنَاسب للتجديد فحقيقه، أَو المُرَاد الْمسْح على الْخُفَّيْنِ بِقَرِينَة ذكر النَّعْلَيْنِ. مثل لَهُ ابْن الصّلاح بِحَدِيث " لَا عدوى وَلَا طيرة " مَعَ حَدِيث " فر من المجذوم فرارك من الْأسد " وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح، وظاهرهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 التَّعَارُض، وَوجه الْجمع بَينهمَا: أَن هَذِه الْأَمْرَاض لَا تعدِي بطبعها لَكِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل مُخَالطَة الْمَرِيض بهَا للصحيح سَببا لإعدائه مَرضه، وَقد يتَخَلَّف ذَلِك عَن سَببه كَمَا فِي غَيره من الْأَسْبَاب. وَقد لَا يتَخَلَّف، كَذَا جمع بَينهمَا ابْن الصّلاح تبعا لغيره. بل نَص عَلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - كَمَا أَفَادَهُ الْمُؤلف فِي غير هَذَا الْكتاب وَالْأولَى فِي الْجمع أَن يُقَال: أَن نَفْيه للعدوى بَاقٍ على عُمُومه، وَقد صَحَّ قَوْله: لَا يعدي شَيْء شَيْئا وَقَوله لمن عَارضه بِأَن الْبَعِير الأجرب يكون فِي الْإِبِل الصَّحِيحَة فيخالطها فتجرب حَيْثُ رد عَلَيْهِ بقوله فَمن أعدى الأول يَعْنِي أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابْتَدَأَ ذَلِك فِي الثَّانِي كَمَا ابتدأه فِي الأول. وَأما الْأَمر بالفرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 من / المجذوم فَمن بَاب سد الذرائع لِئَلَّا يتَّفق للشَّخْص الَّذِي يخالطه شَيْء من ذَلِك بِتَقْدِير الله تَعَالَى ابْتِدَاء لَا بالعدوى المنفية فيظن أَن ذَلِك بِسَبَب مخالطته فيعتقد صِحَة الْعَدْوى فَيَقَع فِي الْحَرج فَأمر بتجنبه حسماً للمادة. وَالله تَعَالَى أعلم. وَاعْترض: بِأَن القَوْل لسد الذرائع إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب الْمَالِكِيَّة. وَأجِيب - أَيْضا - (عَن التَّعَارُض) : بِأَن إِثْبَات الْعَدْوى فِي نَحْو الجذام مَخْصُوص من عُمُوم نفي الْعَدْوى، فَيكون معنى قَوْله لَا عدوى أَي إِلَّا من الجذام وَنَحْوه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يعدي شَيْء شَيْئا إِلَّا فِيمَا تقدم بَيَان أَنه يعدي. وَمِمَّا أُجِيب بِهِ - أَيْضا: أَن الْأَمر بالفرار رِعَايَة لخاطر المجذوم لِأَنَّهُ إِذا رأى الصَّحِيح تعظم مصيبته، وتزيد حسرته، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث: " لَا تدم النّظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 إِلَى المجذوم " فَإِنَّهُ مَحْمُول على هَذَا الْمَعْنى. قَالَ البقاعي: وَإِنَّمَا اخْتَار الْمُؤلف الْجَواب الثَّانِي لِأَن الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله عَنهُ - نَص على الْعَدْوى، فَقَالَ فِي " الْأُم " فِي بَاب الْخِيَار بعد أَن ذكر أثرا عَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - (فِي الْخِيَار) بالجنون والجذام والبرص: فَإِن قَالَ قَائِل: هَل من عِلّة جعلت لَهَا الْخِيَار غير الْأَثر؟ قيل: نعم، الجذام والبرص فِيمَا زعم أهل الْعلم بالطب والتجارب تعدِي الزَّوْج كثيرا، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 دَاء مَانع الْجِمَاع لَا تكَاد نفس أحد تطيب بِأَنَّهُ يُجَامع من هُوَ بِهِ، وَلَا نفس امْرَأَة أَن يُجَامِعهَا من هُوَ بِهِ. فَأَما الْوَلَد فَبين - وَالله أعلم - أَنه إِذا وَلَده أَجْذم أَو أبرص، أَو جذماً أَو برصاً / قَلما يسلم مِنْهُ، وَإِن سلم أدْرك نَسْله - نسْأَل الله تبَارك وَتَعَالَى الْعَافِيَة - وَالنَّفْي بِلَا يعدي شَيْء شَيْئا وَارِد على مَا كَانُوا يعتقدونه من أَن المخالطة تعدِي بطبعها من غير فعل الله تَعَالَى، وَكَذَا قَوْله فَمن أعدى الأول وَنَحْو ذَلِك كُله إِثْبَات لفعل الله، وَنفى أَن يكون لغيره تَأْثِير مُسْتَقل هَذَا هُوَ المُرَاد، وَلم يرد نفي مَا أثبتته التجربة الَّتِي هِيَ إِحْدَى اليقينيات، هَذَا هُوَ الْأَلْيَق بمحاسن الشَّرِيعَة أَن لَا يحمل شَيْء مِنْهَا على مَا يصادم يَقِينا محسوساً، فَإِن مثل ذَلِك لَو وَقع لم يعْدم أَن يكون سَببا لوُقُوع شكّ من النَّاس. (وَلَا ضَرُورَة إِلَى ذَلِك مَعَ إِمْكَان دفع الْمَحْذُور بأسهل مِنْهُ، كَمَا أَن الْمُصْطَفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 عَلَيْهِ السَّلَام لم ينف أَن يكون الدَّجَّال سَببا لظُهُور الخوارق بل أثبت ذَلِك، وَإِنَّمَا نفى أَن يكون هُوَ فاعلها بِالْحَقِيقَةِ، وَأثبت فعلهَا لله تَعَالَى، وَلَا حَاجَة فِي إِثْبَات اخْتِصَاص الله بِالْقُدْرَةِ إِلَى أَكثر من ذَلِك. انْتهى) . قَالَ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح: وَهَذَا النَّوْع من أهم الْأَنْوَاع، ويضطر إِلَى مَعْرفَته جَمِيع طوائف الْعلمَاء، وَإِنَّمَا يتأهل لَهُ الْأَئِمَّة الجامعون بَين الحَدِيث وَالْفِقْه، والأصوليون، والغواصون على الْمعَانِي. اه الدقيقة والتحقيقات الغامضة (الوشيقة) . وَقد صنف فِي هَذَا النَّوْع (أَي فِيمَا يخصص بمختلف الحَدِيث) الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -، وَهُوَ أول من تكلم فِيهِ واخترعه كِتَابه اخْتِلَاف الحَدِيث لكنه لم يقْصد استيعابه بل ذكر جملا مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَفِي " الْأُم " وصنف بعده ابْن قُتَيْبَة والطَّحَاوِي (بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف، نِسْبَة إِلَى طحا قَرْيَة بصعيد مصر كَذَا ذكره، وَلَيْسَ هُوَ مِنْهَا بل هُوَ من طحطوط قَرْيَة بقربها وكومعن أَن يُقَال طحطوطي صنف) كِتَابه " مُشكل الْآثَار "، وَجمع فأوعى فِيهِ، وَشَرحه الْعَيْنِيّ فَأفَاد وأجاد وَغَيرهمَا كَابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير وَهُوَ من أحسن النَّاس كلَاما فِيهِ حَيْثُ قَالَ: لَا أعرف حديثين متعارضين أصلا. معرفَة النَّاسِخ والمنسوخ وَإِن لم / يُمكن الْجمع بَينهمَا، كَذَا عبر الْمُؤلف، وَعبارَة جمع الْجَوَامِع: فَإِن تعذر الْعَمَل بالمتعارضين أصلا. وَقَوله أصلا: فِيهِ إِشَارَة إِلَى رد مَا تقدم عَن المُصَنّف أَن الْجمع بتعسف لَا أثر لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن يعرف التَّارِيخ أَو لَا، فَإِن عرف التَّارِيخ وَلم ينس، وَكَانَ الحكم قَابلا للنسخ - أما مَا لَا يقبله كصفات الْبَارِي - فَإِن كَانَ أَحدهمَا قَطْعِيا وَالْآخر ظنياً قدم الْقطعِي، أَو ظنيين طلب التَّرْجِيح، فَإِن تعذر لم يبعد التَّخْيِير. وَثَبت الْمُتَأَخر بِهِ أَو بأصرح مِنْهُ كَذَا وَقع للْمُصَنف، وَاعْتَرضهُ البقاعي - وَغَيره -: بِأَن عِبَارَته تفهمك أَن الْمُتَأَخر لَا يثبت بِمثلِهِ وَلَا بمقبول دونه وَلَيْسَ كَذَلِك، فَلَو قَالَ: بِهِ أَو بمقبول غَيره لسلم من ذَلِك. فَهُوَ النَّاسِخ وَالْآخر الْمَنْسُوخ وَإِن نقل الْمُتَقَدّم بالتواتر والمتأخر بالآحاد على الْأَصَح، فَيجب الْعَمَل بِهِ لِأَن دَوَامه بِأَن لَا لَا يُعَارض مظنون، ولبعضهم احْتِمَال بِالْمَنْعِ لِأَن الْجَوَاز يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاط الْمُتَوَاتر بالآحاد فِي بعض الصُّور. وَقد ألف فِي النَّاسِخ والمنسوخ فِي الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث: كالزهري، والحافظ أبي الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ، والحافظ أبي بكر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 مُحَمَّد الْحَازِمِي، ثمَّ جَاءَ بعدهمْ الْبُرْهَان الجعبري فألف فِي ذَلِك تأليفاً حافلاً لم يسْبق إِلَيْهِ. تَعْرِيف النّسخ لُغَة وَشرعا: والنسخ لُغَة: الْإِزَالَة، أَي الإعدام لذات الشَّيْء أَو صفته، وَإِن كَانَ مزيل الثَّانِي صفة - أَيْضا - كَقَوْلِهِم /: نسخت الشَّمْس الظل إِذا أزالته ورفعته بِوَاسِطَة انبساط ضوئها على مَحل الظل. وَشرعا: رفع تعلق حكم أَي تعلقه بالمكلفين شَرْعِي بِدَلِيل شَرْعِي مَنْطُوق أَي مَفْهُوم قولي أَو فعلي مُتَأَخّر عَنهُ. وَنظر الْبَيْضَاوِيّ فِي هَذَا التَّعْرِيف بِأَن الْحَادِث ضد السَّابِق، وَلَيْسَ رفع الْحَادِث للسابق بِأولى من رفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 السَّابِق للحادث، وَهَذَا أحد الْوُجُوه الَّتِي رد القَاضِي بهَا هَذَا التَّعْرِيف، وَإِنَّمَا كَانَ النّسخ رفع تعلق الحكم لَا نَفسه، لِأَن الحكم قديم فَلَا يرفع، وَالْمَرْفُوع تعلقه التنجيزي وَهُوَ حَادث لَا قديم. والناسخ يَعْنِي الَّذِي يُسمى هُنَا نَاسِخا مَا دلّ على الرّفْع للْحكم الْمَذْكُور وتسميته نَاسِخا مجَاز لِأَن النَّاسِخ فِي الْحَقِيقَة هُوَ الله تَعَالَى. وَالْمرَاد بِرَفْع الحكم قطع تعلقه عَن الْمُكَلّفين، وَاحْترز بِهِ عَن بَيَان الْمحل، وبإضافته إِلَى الشَّارِع عَن أَخْبَار بعض من شَاهد النّسخ من الصَّحَابَة فَإِنَّهُ لَا يكون نسخا، وَإِن لم يحصل التَّكْلِيف بِهِ لمن لم يبلغهُ قبل ذَلِك إِلَّا بإخباره. وبالحكم عَن رفع الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة فَإِنَّهُ لَا يُسمى نسخا، وبالمتقدم عَن التَّخْصِيص الْمُتَّصِل بالتكليف كالاستثناء وَالشّرط وَنَحْوهمَا فَإِنَّهُ لَا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 بدلالته على رفع الحكم فِي بعض الْأَحْوَال نَاسِخا، وَعلم بِهَذَا أَن الْمُتَّصِل لَا يكون نَاسِخا. الطّرق الَّتِي يعرف بهَا النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ: وَيعرف النّسخ بِأُمُور: أصرحهَا مَا ورد فِي النَّص كَحَدِيث بُرَيْدَة فِي مُسلم: " كنت / نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور أَلا فزوروها فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة وَكنت نَهَيْتُكُمْ عَن لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث فَكُلُوا مَا بدا لكم وَكنت نَهَيْتُكُمْ عَن الظروف ... ... ... الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وَمِنْهَا: مَا يجْزم الصَّحَابِيّ بِأَنَّهُ مُتَأَخّر كَقَوْل جَابر آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله ترك الْوضُوء من مَا مسته النَّار أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وكحديث أبي بن كَعْب: كَانَ الْمسْح رخصَة فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ أَمر بِالْغسْلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره. وَقَول عَليّ: قَامَ رَسُول الله للجنازة ثمَّ قعد. رَوَاهُ مُسلم، وَرَوَاهُ ابْن حبَان بِلَفْظ: كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقيامِ فِي الْجَنَائِز ثمَّ جلس، وأمرنا بِالْجُلُوسِ. وَاخْتلف فِي قَول الصَّحَابِيّ: هَذَا نَاسخ لذاك فَقَالَ الأصوليون: لَا يثبت بِهِ النّسخ لجَوَاز أَن يكون قَوْله ذَلِك عَن رَأْي واجتهاد. وَقَالَ المحدثون: يثبت، لِأَن النّسخ لَا مدْخل للرأي فِيهِ بل لمعْرِفَة السَّابِق مِنْهُمَا، وَالظَّاهِر من حَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الصَّحَابِيّ أَنه لَا يَقُول ذَلِك إِلَّا بعد الْمعرفَة بِهِ. وَمِنْهَا: مَا يعرف بالتاريخ وَهُوَ كثير كَصَلَاة الْمُصْطَفى فِي مرض مَوته قَاعِدا وَالنَّاس حوله قيام، وَقد قَالَ قبل ذَلِك: " وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ ". وكحديث شَدَّاد بن أَوْس مَرْفُوعا: " أفرط الحاجم والمحجوم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره، ذكر الإِمَام / الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه مَنْسُوخ بِحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 مُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمُصْطَفى احْتجم وَهُوَ محرم صَائِم، فَإِن ابْن عَبَّاس صَحبه محرما فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر، وَفِي بعض حَدِيث شَدَّاد أَن ذَلِك كَانَ سنة ثَمَان. وَلَيْسَ مِنْهَا: مَا يرويهِ الصَّحَابِيّ الْمُتَأَخر الْإِسْلَام مُعَارضا لمتقدم عَنهُ، لاحْتِمَال أَن يكون سَمعه من صَحَابِيّ آخر أقدم من الْمُتَقَدّم الْمَذْكُور أَو مثله فَأرْسلهُ. كَذَا ذكره الْمُؤلف، قَالَ: وَإِنَّمَا قلته لِأَن الْمُصْطَفى قَالَ لَيْلَة الْعقبَة أَن المصائب للذنوب كَفَّارَة لأَهْلهَا فَمن أصَاب من ذَلِك شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ. وروى أَبُو هُرَيْرَة وَهُوَ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن لَيْلَة الْعقبَة بِنَحْوِ سبع سِنِين أَن الْمُصْطَفى قَالَ: " لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة لأَهْلهَا أَو لَا ". وَهَذَا خبر لَا يجوز النّسخ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 لَكِن إِن وَقع التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ لَهُ من النَّبِي فَيتَّجه أَن يكون نَاسِخا، بِشَرْط أَن يكون لم يتَحَمَّل عَن النَّبِي شَيْئا قبل إِسْلَامه. كَذَا بَحثه المُصَنّف، قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَيشْتَرط - أَيْضا - أَن يكون مُتَقَدم الْإِسْلَام سمع الحَدِيث الْمعَارض قبل سَماع مُتَأَخّر الْإِسْلَام، بِأَن يعلم ذَلِك بِنَقْل أَو قرينَة. قَالَ البقاعي: وَلَا بُد من الِاحْتِرَاز عَن هَذَا، لِأَن الْمُتَقَدّم الصُّحْبَة يحْتَمل أَن يسمع حَدِيثا بعد مَا سَمعه فِيهَا الْمُتَأَخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وَأما / الْإِجْمَاع فَلَيْسَ بناسخ كالإجماع على ترك حَدِيث قتل شَارِب الْخمر فِي الرَّابِعَة. بل يدل على ذَلِك أَي يدل على النَّاسِخ، وَالْإِجْمَاع لَا ينْسَخ وَلَا ينْسَخ، إِلَّا أَنه قد ثَبت كَونه نَاسِخا كنسخ نِكَاح الْمُتْعَة فَإِنَّهُ ثَبت بِإِجْمَاع الصَّحَابَة، إِذْ لَا إِجْمَاع فِي حَيَاة الْمُصْطَفى لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 مُنْفَرد بِبَيَان الشَّرَائِع وَلَا ينْسَخ بعده. وَإِن لم يعرف التَّارِيخ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُمكن تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر بِوَجْه من وُجُوه التَّرْجِيح الْمُتَعَلّقَة بِالْمَتْنِ أَو بِالْإِسْنَادِ، أَولا، فَإِن أمكن التَّرْجِيح تعين الْمصير إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: قد يُقَال هَذَا لَا معنى لَهُ لِأَن ركن الْمُعَارضَة تَسَاوِي الحجتين فِي الثُّبُوت، فَإِذا كَانَ أحد السندين أرجح لم يتَحَقَّق الْمُعَارضَة. فَصَارَ مَا ظَاهره التَّعَارُض وَاقعا على هَذَا التَّرْتِيب: الْجمع إِن أمكن، فاعتبار النَّاسِخ والمنسوخ، فالترجيح. وَهُوَ تَقْوِيَة أحد الطَّرفَيْنِ إِن تعين عبارَة غَيره: إِن أمكن. قَالَ ابْن قطلوبغا: وَقَوله فَصَارَ ... ... ... ... إِلَى آخِره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 مُقْتَضى النّظر طلب التَّارِيخ أَولا ... ... ... ... ... لتنتفي الْمُعَارضَة إِن وجدت وَإِلَّا فَيتَحَقَّق للْجَهْل بالتاريخ. اه وَمن أَمْثِلَة التَّرْجِيح حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن الْمُصْطَفى نكح مَيْمُونَة وَهُوَ محرم. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وروى التِّرْمِذِيّ عَن أبي رَافع أَنه نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَال قَالَ: وَكنت الرَّسُول بَينهمَا / فرجح بِكَوْن رَاوِيه صَاحب الْوَاقِعَة فَهُوَ أدرى بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 والمرجحات كَثِيرَة، بلغَهَا الْحَازِمِي فِي كتاب " الاعتناء فِي النَّاسِخ والمنسوخ " نَحْو الْخمسين، وأوصلها غَيره إِلَى أَكثر من مائَة واستوفاها الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ فِي نكته فَمِنْهَا: 1 - علو الْإِسْنَاد. 2 - وَفقه الرَّاوِي. 3 - ولقيه وَنَحْوه. 4 - وَكَونه مزكى بالاختبار لَا بالأخبار. 5 - (وورعه. 6 - وَضَبطه وَحفظه ويقظته. 7 - وَعدم بدعته. 8 - وشهرة عَدَالَته) . الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 9 - أَو أَكثر مزكين. 10 - ومعروف النّسَب. 11 - وَحفظ الْمَرْوِيّ. 12 - والتعويل على الْحِفْظ دون الْكِتَابَة. 13 - وَظُهُور طَرِيق رِوَايَته. 14 - وسماعه من غير حجاب. 15 - وَكَونه من أكَابِر الصَّحَابَة. 16 - وذكرا خلافًا للإسناد. 17 - ومتأخر الْإِسْلَام. 18 - وَقيل متقدمه. 19 - وَكَونه متحملاً بعد التَّكْلِيف. 20 - وَغير مُدَلّس. 21 - وَغير ذِي اسْمَيْنِ. 22 - ومباشر الرِّوَايَة. 23 - وَصَاحب الْوَاقِعَة. 24 - وراويا بِاللَّفْظِ. 25 - وَكَون الْخَبَر لم يُنكره رَاوِي الأَصْل. 26 - وَغير ذَلِك. الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 ثمَّ التَّوَقُّف عَن الْعَمَل بِأَحَدِهِمَا وجوبا إِلَى تبين التَّارِيخ ليعلم بالمتأخر مِنْهُمَا، (لِاسْتِوَائِهِمَا فِي احْتِمَال تَقْدِيم كل مِنْهُمَا على الآخر) ، فَإِن لم يعلم أَو علم وَنسي حمل على الْمُقَارنَة فيستمر الْوَقْف مَعَ أَنه فِي الْوَاقِع أَحدهمَا مَنْسُوخ، لَكِن اشْتِبَاه الْحَال يَقْتَضِي الْوَقْف لِئَلَّا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح، وَذَلِكَ كَحَدِيث أبي دَاوُد قَالُوا يَا رَسُول الله: مَا يحل من الْحَائِض؟ فَقَالَ: مَا فَوق الْإِزَار. وَحَدِيث مُسلم " اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح " يَعْنِي الوطىء، بِقَرِينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 اصنعوا وَمن جملَته الوطىء فِيمَا فَوق / الحايل فيتعارضا فِيهِ، فرجح بَعضهم التَّحْرِيم احْتِيَاطًا، وَالْبَعْض الْحل لِأَنَّهُ الأَصْل. وَالتَّعْبِير بالتوقف أولى بالتساقط (الَّذِي عبر السُّبْكِيّ) وَغَيره لِأَن خَفَاء تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر إِنَّمَا هُوَ بِالنّسَبِ للمعتبر. فِي الْحَالة الراهنة مَعَ احْتِمَال أَن يظْهر لغيره أَو لَهُ فِي حَالَة أُخْرَى مَا خَفِي عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهر وَإِن نوزع بِمَا لَا يجدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 معرفَة الضَّعِيف وَلما فرغ من ذكر أحد قسمي الْإِسْنَاد وَهُوَ المقبول شرع فِي بَيَان قسمه الآخر وَهُوَ الْمَرْدُود فَقَالَ: ثمَّ الْمَرْدُود، وَمُوجب الرَّد لَو حذف مُوجب وَقَالَ وَالرَّدّ لَكَانَ أحسن، لأجل قَوْله السقط. ذكره بعض الْمُتَأَخِّرين. إِمَّا أَن يكون لسقط من إِسْنَاد الْمَتْن هُوَ قَوْله ثمَّ الْمَرْدُود وَإِمَّا أَن يكون ... ... ... إِلَى آخِره، وَقَوله مُوجب الرَّد شرح كَذَا فعل الْمُؤلف، قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَالشَّرْح غير معنى الأَصْل. وَقَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: اللايق بالدمج أَن يُقَال: ثمَّ الْمَرْدُود إِمَّا أَن يكون رده لسقط من إِسْنَاد - أَي حذف لبَعض رجال الْإِسْنَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 أَو طعن فِي راو على اخْتِلَاف وُجُوه الطعْن وَذَلِكَ أَعم أَن يكون الْأَمر يرجع إِلَى ديانَة الرَّاوِي وَإِلَى ضَبطه وإتقانه. وَكَانَ الأولى للمؤلف أَن يذكر مَرَاتِب الْمَرْدُود كَمَا فعل فِي المقبول. وَقد ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ: أَعلَى مَرَاتِب الضَّعِيف من لم يجمع على ضعفه، بِأَن حكم بَعضهم على متن / أَو إِسْنَاد بِأَنَّهُ ضَعِيف، وَحكم بَعضهم بتقويته، بل هَذَا قد ألحقهُ بَعضهم بقسم المقبول. وَالْحَاصِل أَن الضَّعِيف يتَفَاوَت رُتْبَة بِحَسب بعده من شُرُوط الصِّحَّة كَمَا يتَفَاوَت دَرَجَات الصَّحِيح بتمكنه فِيهَا، وَقد قسمهَا ابْن حبَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 إِلَى نَحْو خمسين قسما شملها الضَّابِط الْمَذْكُور. فالسقط إِمَّا أَن يكون من مبادئ السَّنَد أَي من طرفه الَّذِي فِيهِ الصَّحَابِيّ. قَالَ بعض مَشَايِخنَا: فِيهِ نظر، إِن يصدق بِمَا إِذا سقط مِنْهُ الرَّاوِي الثَّانِي إِذْ هُوَ من المبادئ فَلَو غير بدله بِأول كَانَ أولى. من تصرف مُصَنف فِي الْإِسْنَاد، قَالَ بعض مَشَايِخنَا: التَّقْيِيد بِهِ إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى الْغَالِب لَا لإِخْرَاج المذاكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 أَو من آخِره - أَي الْإِسْنَاد - وَبعد التَّابِعِيّ أَو غير ذَلِك من وُجُوه السقط المبينة فِي المطولات بأمثلتها. فَالْأول هُوَ الْمُعَلق أَي يُسمى بذلك، مَأْخُوذ من تَعْلِيق الْجِدَار لقطع الِاتِّصَال سَوَاء فِي تَسْمِيَته بذلك كَانَ السَّاقِط وَاحِدًا أَو أَكثر من وَاحِد، وَلم يستعملوه فِيمَا سقط وسط إِسْنَاده. وَبَينه وَبَين المعضل الْآتِي ذكره عُمُوم وخصوص من وَجه، فَمن حَيْثُ تَعْرِيفه المعضل بِأَنَّهُ الَّذِي سقط مِنْهُ اثْنَان فَصَاعِدا يجْتَمع مَعَ بعض صور الْمُعَلق، وَمن حَيْثُ تَقْيِيد الْمُعَلق بِأَنَّهُ من تصرف مُصَنف من مبادئ السَّنَد يفْتَرق مِنْهُ، إِذْ هُوَ أَعم من ذَلِك. / أَي فيوجد فِي أثْنَاء السَّنَد، وَآخره، ووسطه، لَكِن قَول الْمَتْن أَو غير ذَلِك اعْتَرَضَهُ بعض تلامذة المُصَنّف: بِأَنَّهُ لَا يصدق على السقط من الْوسط، لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 ذَلِك إِشَارَة إِلَى الأول وَالْآخر وَغَيرهمَا هُوَ الْوسط. وَاعْتَرضهُ - أَيْضا - البقاعي: بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُجَامع الْمُعَلق بل هُوَ معضل فَقَط، وينفرد الْمُعَلق بِأَنَّهُ يكون تَارَة بِسُقُوط وَاحِد من مبادئ السَّنَد فَلَا يجامعه المعضل لشرط أَن يكون بِاثْنَيْنِ فصاعاً. انْتهى. وَابْن قطلوبغا فَقَالَ: لَا يَقع الِافْتِرَاق بِهَذَا، وَإِنَّمَا يَقع من حَيْثُ صدق الْمُعَلق بِحَذْف وَاحِد كَمَا فِي الصُّورَة الَّتِي اخْتلف فِيهَا وَنَحْوهَا. انْتهى. وَتعقبه غَيرهمَا: بِأَن هَذَا إِنَّمَا يَأْتِي على مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام غير الْمُؤلف من أهل الِاصْطِلَاح: من أَن المعضل مَا سقط مِنْهُ اثْنَان فَأكْثر على التوالي من أَي مَوضِع كَانَ. قَالَ الْعِرَاقِيّ: سَوَاء سقط الصَّحَابِيّ والتابعي، أَو التَّابِعِيّ وَتَابعه، أَو اثْنَان قبلهمَا. وَأما على مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام النخبة هُنَا فَلَيْسَ بَينهمَا إِلَّا التباين فَإِن كلا من الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة خص فِيهَا بخصوصية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 مَتى وجدت فِي غَيره زَالَ الِاخْتِصَاص. فَخص الْمُعَلق بِأول السَّنَد وَمن تصرف مُصَنف، والمرسل بِآخِرهِ، والمعضل بِغَيْر ذَلِك، وَلَيْسَ غَيره إِلَّا الاثناء فَمَتَى جَامع المعضل الْمُعَلق / انْفَكَّ اخْتِصَاصه بالاثناء، وَقد خص بِهِ هَذَا خلف. ثمَّ إِن هَذَا على ظَاهر الْعبارَة وَهُوَ أَن يعْطف على مبادئ فَيكون التَّقْدِير: إِمَّا أَن يكون سقط من أول السَّنَد أَو آخِره أَو من غير ذَلِك، وَيُمكن أَن يعْطف على أَن يكون فَيكون التَّقْدِير السقط إِمَّا أَن يكون خَاصّا بِالْأولِ أَو الآخر أَو يغاير ذَلِك بِأَن لَا يكون خَاصّا بِوَاحِد مِنْهُمَا وَحِينَئِذٍ (فيتمشى) الْعُمُوم وَالْخُصُوص بَين الْمُعَلق والمعضل، وَالْمُعَلّق والمنقطع. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَاخْتلف فِي صُورَة الْمُنْقَطع فَالْمَشْهُور أَنه مَا سقط من رُوَاته راو وَاحِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 فَلَو قَالَ المُصَنّف: فالسقط إِنَّمَا أَن يخْتَص بِأول السَّنَد وَتصرف مُصَنف، أَو آخِره بعد التَّابِعِيّ أَولا. لم يرد عَلَيْهِ شئ من ذَلِك. انْتهى. وَمن صور الْمُعَلق قَالَ ابْن الصّلاح أَن يحذف كل رجال السَّنَد، وَيُقَال - مثلا: قَالَ رَسُول الله، وَمِنْهَا أَن يحذف إِلَّا الصَّحَابِيّ، أَو إِلَّا التَّابِعِيّ والصحابي (مَعًا) . قَالَ الْمُؤلف: أَكثر مَا فِي البُخَارِيّ من الْمُعَلق مَوْصُول فِي مَوضِع آخر مِنْهُ. وَمِنْهَا: أَن يحذف من حَدثهُ ويضيف إِلَى من فَوْقه فَإِن كَانَ من فَوْقه شَيخا لذَلِك المُصَنّف فقد اخْتلف فِي هَذَا أَي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 مَحل الْخلاف هَل يُسمى تَعْلِيقا؟ أَو لَا؟ وَالصَّحِيح فِي هَذَا التَّفْصِيل فَإِن عرف بِالنَّصِّ. أَي نَص إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث / ذكره الشَّيْخ قَاسم. أَو الاستقراء التَّام من أحد من أهل الْفَنّ أَن فَاعل ذَلِك مُدَلّس قضي بِهِ. أَي بالتدليس، وَهَذَا تَقْيِيد لما أطلقهُ فِي الْمَتْن وَإِلَّا أَي بِأَن لم يعرف ذَلِك فتعليق أَي فَيحكم بِأَنَّهُ تَعْلِيق أَي يعْطى لَهُ حكم الْمُعَلق. وَإِنَّمَا ذكر التَّعْلِيق فِي قسم الْمَرْدُود للْجَهْل بِحَال الْمَحْذُوف فَيحْتَمل كَونه مجروحاً فَلَا يحكم بقبوله، قَالَ بَعضهم: وَلَا خُصُوصِيَّة لَهُ بذلك، بل الْمُنْقَطع والمعضل كَذَلِك. وَقد يحكم بِصِحَّتِهِ إِن عرف، بِأَن يَجِيء السَّاقِط مُسَمّى من وَجه (آخر) فِي (طَرِيق) أُخْرَى. فَإِن قَالَ (المُصَنّف والراوي) جَمِيع من أحذفه ثِقَات جَاءَت مَسْأَلَة التَّعْدِيل على الْإِبْهَام. أَي جَاءَ هُنَا مَا حُكيَ فِيهَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الْخلاف وَالْجُمْهُور أَنه لَا يقبل حَتَّى يُسمى لاحْتِمَال أَن يكون ثِقَة عِنْده غير ثِقَة عِنْد غَيره، فَإِذا ذكره يعلم حَاله. ذكره الْمُؤلف. ورده ابْن قطلوبغا: بِأَنَّهُ تَقْدِيم للجرح المتوهم على التَّعْدِيل الصَّرِيح. لَكِن قَالَ ابْن الصّلاح (هُنَا) فِي مُخْتَصره وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَغَيره إِن وَقع الْحَذف فِي كتاب التزمت صِحَّته أَي الْتزم مُؤَلفه أَن يُورد فِيهِ إِلَّا الصَّحِيح كالبخاري فِي صَحِيحه، فَخرج بذلك غَيره من كتبه كالأدب الْمُفْرد وتواريخه الثَّلَاثَة فَمَا أَتَى فِيهِ من المعلقات بِالْجَزْمِ أَي بِصِيغَة جزم كقال فلَان، وروى فلَان دلّ على أَنه ثَبت إِسْنَاده عِنْده بطرِيق صَحِيح لِأَنَّهُ لَا يستجيز / أَن يجْزم بذلك إِلَّا وَقد صَحَّ عِنْده. وَإِنَّمَا حذف لغَرَض من الْأَغْرَاض كَأَن يكون الرَّاوِي لَيْسَ على شَرطه وَإِن كَانَ مَقْبُولًا وَمَا أَتَى فِيهِ بِغَيْر جزم بل بِصِيغَة تمريض كيروى وَيذكر وَذكر وَنَحْو ذَلِك فَفِيهِ مقَال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَقد أوضحت أمثلته فِي النكت على مُخْتَصر ابْن الصّلاح. وَحَاصِله (كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيّ) : إِن أَكثر مَا فِي البُخَارِيّ من الْمُعَلق مَوْصُول فِي مَوضِع آخر مِنْهُ، وَإِنَّمَا أوردهُ مُعَلّقا اختصاراً، ومجانبة للتكرار. وَالَّذِي لم يوصله فِي مَحل آخر مائَة وَسِتُّونَ حَدِيثا (قَالَ: وَقد أوصلتها) فِي " كتاب التَّوْفِيق ". قَالَ ابْن كثير: لَكِن هَذَا وَإِن حكم بِصِحَّتِهِ لَيْسَ هُوَ من نمط الصَّحِيح الْمسند فِيهِ، فَلَا يُقَال أَنه على شَرطه بل أَنه يلْتَحق بِشَرْطِهِ. انْتهى. (لَكِن أورد على مَا ذكره المُصَنّف: أَن البُخَارِيّ قَالَ فِي كتاب التَّوْحِيد فِي بَاب وَكَانَ عَرْشه على المَاء: وَقَالَ الْمَاجشون عَن عبد الله بن الْفضل عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. ثمَّ ذكر هُوَ بِنَفسِهِ حَدِيث الْمَاجشون فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن ابْن الْفضل عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة لَا ذكر فِيهِ لأبي سَلمَة، وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ حَتَّى قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي - ذكر كَلَام البُخَارِيّ - إِنَّمَا يعرف ذَلِك عَن الْمَاجشون عَن ابْن الْفضل عَن الْأَعْرَج) . هَذَا شيخ ذكره بِصِيغَة الْجَزْم وَهُوَ خطأ. وَقَالَ فِي كتاب الصَّلَاة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَيذكر عَن أبي مُوسَى قَالَ: كُنَّا نتناوب النَّبِي لصَلَاة الْعشَاء. ثمَّ قَالَ فِي بَاب فضل الصَّلَاة حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن بريد عَن أبي بريد عَن أبي مُوسَى. وَقَالَ فِي كتاب الْأَشْخَاص: وَيذكر عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 جَابر أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام رد على الْمُتَصَدّق صدقته. ثمَّ روى هُوَ بِسَنَدِهِ عَن جَابر: دبر رجل عبدا لَيْسَ لَهُ مَال، فَبَاعَهُ النَّبِي من نعيم بن النحام ... ... الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 وَقَالَ فِي كتاب الطِّبّ وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي فِي الرقي / بِفَاتِحَة الْكتاب، وأسنده مرّة هُوَ بِنَفسِهِ. وَيُقَال على التَّعْلِيل: أَنه يلْزم مِنْهُ صِحَة الحَدِيث الْمُرْسل عِنْد من أرْسلهُ، فَإِن ابْن الْمسيب لَا يستجيز أَن يجْزم بِأَن النَّبِي قَالَ كَذَا إِلَّا وَقد صَحَّ عَنهُ، وَإِن تَصْحِيح سعيد مثلا أولى من تَصْحِيح البُخَارِيّ بِأَنَّهُ عَارِف حَال من روى عَنهُ بطرِيق الْخَبَر، وَالْبُخَارِيّ بطرِيق الْخَبَر، وَمَا كَانَ عَن اجْتِهَاده فاجتهاد ابْن الْمسيب أولى بالاتباع من اجْتِهَاد البُخَارِيّ، وَظن أَن البُخَارِيّ ينقر عَن أَحْوَال الرِّجَال دون من تقدم حَيْثُ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَن كل ضرب ظن فَاسد، مُخَالف لصريح النَّقْل عَنهُ، روى الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمعرفَة " عَن الإِمَام الشَّافِعِي قَالَ أخبرنَا سُفْيَان عَن يحيى بن سعيد قَالَ: سَأَلت ابْنا لعبد الله بن عمر عَن مَسْأَلَة فَلم يقل فِيهَا شَيْئا فَقيل لَهُ: إِنَّا نعظم أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 يكون مثلك يسْأَل عَن أَمر لَيْسَ عِنْده فِيهِ علم. فَقَالَ: أعظم وَالله من ذَلِك عِنْد الله، وَعند من عرف الله، وَعند من عقل عَن الله أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِهِ علم، أَو أخبر عَن غير ثِقَة. وَعَن طاؤوس: إِن كَانَ الَّذِي حَدثَك مَلِيًّا وَإِلَّا فَدَعْهُ - يَعْنِي حَافِظًا ثِقَة -. وَعَن عَطاء أَنه كَانَ يسْأَل عَن الشَّيْء فيرويه عَمَّن كَانَ قبله، وَيَقُول سمعته وَمَا سمعته من ثَبت. وَقَالَ الشَّافِعِي: كَانَ ابْن مَسْعُود وَالنَّخَعِيّ وَغير وَاحِد من التَّابِعين يذهب هَذَا الْمَذْهَب فِي أَن لَا يقبل / إِلَّا مِمَّن عرف. قَالَ: وَمَا لقِيت وَمَا علمت أحدا من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يُخَالف هَذَا الْمَذْهَب. وروى ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 حَمَّاد قَالَ: قَالَ ابْن زيد رُبمَا حدث الْحسن الحَدِيث، فَأَقُول: يَا أَبَا سعيد مِمَّن سَمِعت هَذَا؟ فَيَقُول: أَخَذته عَن ثِقَة ... ... . فَتبين أَن الْمُرْسل إِنَّمَا يُرْسل مَا ثَبت عِنْده، كَمَا أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا يجْزم فِي تَعْلِيقه بِمَا ثَبت عِنْده، وَأَن تَقْلِيد التَّابِعين العارفين بأحوال من أخذُوا عَنهُ بالْخبر أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الحَدِيث الْمُرْسل وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا سقط من آخِره من بعد التَّابِعِيّ أَي الحَدِيث الَّذِي حذف مِنْهُ الصَّحَابِيّ وَرَفعه تَابِعِيّ الصَّحَابِيّ إِلَى الْمُصْطَفى أَي نِسْبَة إِلَيْهِ. هُوَ الْمُرْسل: أَي النَّوْع الْمُسَمّى بالمرسل، سمي بِهِ لِأَنَّهُ التَّابِعِيّ أرْسلهُ وَلم يُقَيِّدهُ بِتَسْمِيَة من أرْسلهُ عَنهُ. وَصورته: أَن يَقُول التَّابِعِيّ سَوَاء كَانَ كَبِيرا وَهُوَ من لَقِي جمعا من الصَّحَابَة كعبيد الله بن الْخِيَار - بِكَسْر الْمُعْجَمَة مخففاً - أَو صَغِيرا وَهُوَ من لَقِي وَاحِدًا مِنْهُم، أَو اثْنَيْنِ كيحيى بن سعيد. (كَذَا قيل، قَالَ بعض مَشَايِخنَا: ضَابِط التَّابِعِيّ الْكَبِير أَنه من أَكثر رواياته عَن الصَّحَابَة، وَالصَّغِير من أَكثر رواياته عَن التَّابِعين. وَأما ضبط الصَّغِير بِأَنَّهُ لم يلق إِلَّا الْوَاحِد والاثنين وَنَحْوهمَا من الصَّحَابَة فَلَا يلايم تَعْلِيلهم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 قَالَ رَسُول الله أَو فعل كَذَا أَو فعل بِحَضْرَتِهِ كَذَا أَو نَحْو ذَلِك، وَإِنَّمَا ذكر فِي قسم الْمَرْدُود للْجَهْل بِحَال الْمَحْذُوف لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون صحابياً، وَأَن يكون تابعياً، وعَلى الثَّانِي يحْتَمل أَن يكون ضَعِيفا (وَيحْتَمل) أَن يكون ثِقَة. وعَلى الثَّانِي يحْتَمل أَن يكون حمل عَن صَحَابِيّ وَأَن يكون حمل عَن تَابِعِيّ آخر، وعَلى الثَّانِي / فَيَعُود الِاحْتِمَال السَّابِق، ويتعدد إِمَّا بالتجويز الْعقلِيّ فَإلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. اعْتَرَضَهُ ابْن قطلوبغا: بِأَنَّهُ محَال عِنْد الْعقل أَن يجوز أَن يكون بَين التَّابِعِيّ وَالنَّبِيّ من لَا يتناهى، كَيفَ وَقد وَقع التناهي فِي الْوُجُود الْخَارِجِي بِذكر النَّبِي. والكمال بن أبي شرِيف: بِأَنَّهُ لَو قَالَ: فَإلَى مَا لَا ضَابِط لَهُ، أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 قَالَ: إِمَّا بالتجويز الْعقلِيّ فَلَا ضَابِط لَهُ - لَكَانَ متجها - وَإِلَّا فعدد التَّابِعين متناه. وَإِمَّا بالاستقراء فَإلَى سته أنفس أَو سَبْعَة وَهُوَ أَكثر مَا وجد من رِوَايَة بعض التَّابِعين عَن بعض. قَالَ الْمُؤلف: أَو هُنَا للشَّكّ، لِأَن السَّنَد الَّذِي ورد فِيهِ سَبْعَة أنفس اخْتلف فِي أحدهم هَل هُوَ صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ؟ فَإِن ثبتَتْ صحبته كَانَ التابعون فِي السَّنَد سِتَّة وَإِلَّا فسبعة. انْتهى. كَذَا نَقله عَنهُ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف - وَغَيره - وَحَاصِل مَا ذكره الْمُؤلف أَن الْخَطِيب صنف فِي ذَلِك، فروى عَن رجل من التَّابِعين بَينه وَبَين امْرَأَة أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 أَيُّوب سِتَّة عَن أبي أَيُّوب. فَقَالَ الْخَطِيب: إِن كَانَت امْرَأَة أبي أَيُّوب صحابية فهم سِتَّة، وَإِلَّا فسبعة. فَإِن عرف من عَادَة التَّابِعِيّ أَنه لَا يُرْسل إِلَّا عَن ثِقَة فَذهب جُمْهُور الْمُحدثين إِلَى التَّوَقُّف لبَقَاء الِاحْتِمَال. لَو قَالَ: لوُجُود لَكَانَ أوضح. وَهُوَ أحد قولي أَحْمد بن حَنْبَل، وَالْمَشْهُور عَنهُ مُقَابلَة. وَثَانِيهمَا - وَهُوَ قَول المالكيين والكوفيين - يَعْنِي الْحَنَفِيَّة / يقبل مُطلقًا وَعَلِيهِ الْآمِدِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 قَالُوا: لِأَن الْعدْل لَا يسْقط الْوَاسِطَة بَينه وَبَين النَّبِي إِلَّا وَهُوَ عدل عِنْده، وَإِلَّا تلبيساً قادحاً فِيهِ. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: كَانَ الأولى ترك قَوْله مُطلقًا أَو تَأَخّر قَول المالكيين والكوفيين عَن قَول الإِمَام الشَّافِعِي لِئَلَّا يتَوَهَّم من الْإِطْلَاق أَنه سَوَاء عرف من عَادَته (مَا ذكر) أَولا، فيخالف مَا عِنْد الْكُوفِيّين والمالكيين. قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: يقبل أَن اعتضد بمجيئه من وَجه آخر تبَاين الطَّرِيق الأولى مُسْندًا كَانَ، أَو مُرْسلا، ليرجح احْتِمَال كَون الْمَحْذُوف ثِقَة فِي نفس الْأَمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَكَذَا لَو عضد مُرْسل كبار التَّابِعين ضَعِيف صَالح للترجيح: لقَوْل صَحَابِيّ، أَو فعله، أَو أَكثر الْعلمَاء، (أَو قِيَاس) ، أَو انتشار بِغَيْر نَكِير، أَو عمل لَكِن يكون الْمَجْمُوع حجَّة وفَاقا للشَّافِعِيّ لَا مُجَرّد الْمُرْسل وَلَا المنضم إِلَيْهِ لضعف كل مِنْهُمَا على انْفِرَاده. وَلَا يلْزم من ذَلِك ضعف الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ يحصل من اجْتِمَاع الضعيفين قُوَّة مفيدة للظن، وَعَن الشَّافِعِي: ضعيفان يغلبان قَوِيا. وَأما مُرْسل صغَار التَّابِعين كالزهري وَنَحْوه فباق على الرَّد مَعَ العاضد لشدَّة ضعفه. وَضَابِط من التَّابِعِيّ الْكَبِير: أَنه من أَكثر رواياته عَن الصَّحَابَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَالصَّغِير: من أَكثر رواياته عَن التَّابِعين، وَأما ضبط الصَّغِير بِأَنَّهُ لم يلق إِلَّا الْوَاحِد والاثنين وَنَحْوهمَا من الصَّحَابَة فَلَا يلائم تَعْلِيلهم. وَلَو تجرد الْمُرْسل عَن العاضد وَلَا دَلِيل فِي الْبَاب سواهُ وَكَانَ مَدْلُوله الْمَنْع من شَيْء / فَالْأَظْهر الانكفاف عَن ذَلِك الشَّيْء لأَجله احْتِيَاطًا. وَنقل أَبُو بكر الرَّازِيّ برَاء ثمَّ زَاي نِسْبَة إِلَى الرّيّ مَدِينَة من بِلَاد الديلم، وَهُوَ من الْحَنَفِيَّة وَأَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ نِسْبَة إِلَى باجا - بجيم خَفِيفَة - مَدِينَة بالأندلس (وَهُوَ من الْمَالِكِيَّة) أَن الرَّاوِي إِذا كَانَ يُرْسل عَن الثِّقَات وَغَيرهم لَا يقبل مرسله مُطلقًا اتِّفَاقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 وَذهب جمع مِنْهُم ابْن الْحَاجِب، وَصَاحب البديع إِلَى أَنه إِن كَانَ الْمُرْسل من أَئِمَّة النَّقْل كسعيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ قبل: لانْتِفَاء الْمَحْذُور وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْند حكما. أَو من غَيرهم فَلَا تعد بِظَنّ من لَيْسَ يعدل عدلا فيسقطه بظنه، وَهُوَ على الِاحْتِجَاج بِهِ أَضْعَف من الْمسند خلافًا لجمع. تَنْبِيه: 1 - يرد على تَخْصِيصه - كَغَيْرِهِ - الْمُرْسل بالتابعي من سمع من الْمُصْطَفى وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم بعد مَوته، فَهُوَ تَابِعِيّ اتِّفَاقًا، وَحَدِيثه غير مُرْسل بل هُوَ مَوْصُول لَا خلاف فِي الِاحْتِجَاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 بِهِ كرسول هِرقل. 2 - وَمن رأى الْمُصْطَفى غير مُمَيّز كمحمد بن أبي بكر (فَإِنَّهُ صَحَابِيّ) ، وَحكم رِوَايَته حكم الْمُرْسل لَا الْمَوْصُول، وَلَا يَأْتِي فِيهِ مَا قيل فِي مَرَاسِيل الصَّحَابَة، لِأَن أَكثر رِوَايَة هَذَا وَشبهه عَن التَّابِعين بِخِلَاف الصَّحَابِيّ الَّذِي أدْرك وَسمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 الحَدِيث المعضل والمنقطع وَالْقسم الثَّالِث من أَقسَام الْقسْط من الْإِسْنَاد: إِن كَانَ بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا أَي حذف من بَين طرفِي إِسْنَاده راويان فَأكْثر مَعَ التوالي / فَهُوَ المعضل بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة. فَقَوله مَعَ التوالي يخرج (الْمُنْقَطع) من موضِعين فَأكْثر. وَإِلَّا بِأَن كَانَ السقط بِاثْنَيْنِ غير متواليين فِي موضِعين فَهُوَ الْمُنْقَطع، سَوَاء كَانَ السَّاقِط محذوفا، أَو مُبْهما كَرجل، وَكَذَا إِن سقط وَاحِد فَقَط، أَو أَكثر من اثْنَيْنِ بِشَرْط عدم التوالي لَو اقْتصر على التَّمْثِيل بِالسقطِ بِوَاحِد كَانَ أولى لوُجُود التّكْرَار فِيمَا ذكره، إِذْ يصدق عَلَيْهِ أَنه سقط وَاحِد فِي موضِعين أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 مَوَاضِع. نبه عَلَيْهِ بعض الْمُتَأَخِّرين. قَالَ المُصَنّف: وَيُسمى مَا سقط مِنْهُ وَاحِد فِي مَوضِع، وَمَا سقط مِنْهُ اثْنَان - بِالشّرطِ الْمَذْكُور - مُنْقَطع فِي موضِعين، وَهَكَذَا إِن ثَلَاثَة فَفِي ثَلَاثَة، وان أَرْبَعَة فَفِي أَرْبَعَة وَهَكَذَا. وللمنقطع أَمْثِلَة مِنْهَا: مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عَائِشَة، فَإِن يحيى بن سعيد لم يسمع من عَائِشَة وَإِنَّمَا سمع مِمَّن سمع مِنْهَا. وللمعضل أَمْثِلَة مِنْهَا: الإِمَام الشَّافِعِي عَن مَالك عَن أبي هُرَيْرَة، بِإِسْقَاط أَبى الزِّنَاد والأعرج. وَأعلم أَن التبريزى خص فِي " الْكَافِي ": الْمُنْقَطع والمعضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 بِمَا بَين طرفِي الْإِسْنَاد وَلم يَخُصهَا ابْن الصّلاح بِهِ. فَمَا حذف من أول إِسْنَاده وَاحِد مُنْقَطع عِنْده، وَمَا حذف من أَوله اثْنَان متواليان معضل عِنْده، وَكِلَاهُمَا عِنْد التبريزى مُعَلّق. وَذكر الجوزقانى فِي مُقَدّمَة كِتَابه " الموضوعات ": أَن المعضل أَسْوَأ حَالا من الْمُنْقَطع، والمنقطع أَسْوَأ حَالا من الْمُرْسل، والمرسل لَا يقوم بِهِ حجَّة. قَالَ بَعضهم: وَإِنَّمَا يكون المعضل أَسْوَأ حَالا إِذا كَانَ انْقِطَاع فِي مَحل وَاحِد، فَإِن كَانَ فِي محلين سَاوَى الْمُنْقَطع فِي سوء الْحَال. وَذكر الرشيد الْعَطَّار: أَن فِي مُسلم بضعَة عشر حَدِيثا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 إسنادها انْقِطَاع. اه وَأجِيب عَنهُ بتبين اتصالها إِمَّا من وَجه آخر عِنْده، وَإِمَّا من ذَلِك الْوَجْه عِنْد غَيره. وَمن مظان الْمُرْسل والمعضل والمنقطع: كتاب السّنَن لسَعِيد بن مَنْصُور، ومؤلفات ابْن أَبى الدُّنْيَا. ثمَّ إِن السقط من الْإِسْنَاد قد يكون وَاضحا يحصل الِاشْتِرَاك فِي مَعْرفَته وَهُوَ الَّذِي يظْهر لكَون الرَّاوِي - مثلا - لم يعاصر من روى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 عَنهُ. بِأَن مولد الرَّاوِي مُتَأَخّر عَن وَفَاة من روى عَنهُ، أَو تكون جهتهما مُخْتَلفَة كخراسان وتلمسان وَلم ينْقل أَن إحدهما رَحل عَن جِهَته إِلَى جِهَة الآخر. أَو يكون خفِيا فَلَا يُدْرِكهُ إِلَى الْأَئِمَّة الحذاق المطلعون على طرق الحَدِيث، وَعلل الْأَسَانِيد، فَالْأول - وَهُوَ الْوَاضِح - يدْرك بِعَدَمِ التلاقي بَين الرَّاوِي وَشَيْخه لكَونه لم يدْرك عصره، أَو أدْركهُ لَكِن لم يجتمعا وَلَيْسَت مِنْهُ إجَازَة وَلَا وجادة فَهَذَا وَاضح لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى شَيْء آخر. قَالَ بَعضهم: وَلَا بُد أَن تقترن الوجادة بِالْإِجَازَةِ فَهِيَ أخص، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمهَا لكنه / جرى على طَريقَة من لَا يشْتَرط فِيهَا الْإِجَازَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وَاعْلَم أَن الشَّيْخ قَاسم قد اعْترض قَول الْمُؤلف أَو لَا يحصل. . إِلَى آخِره مَعَ قَوْله بعد ذَلِك يدْرك بِأَنَّهُ تكْرَار مَحْض، لَا فَائِدَة لَهُ. وَمن ثمَّ أَي وَمن هُنَا احْتِيجَ إِلَى معرفَة التَّارِيخ فِي هَذَا الْفَنّ لتَضَمّنه تَحْرِير مواليد الروَاة ووفاتهم وأوقات طَلَبهمْ وارتحالهم وَنَحْو ذَلِك وَقد أفتضح أَقوام كَثِيرُونَ ادعوا الرِّوَايَة عَن شُيُوخ ظهر بالتاريخ كذب دَعوَاهُم. والتاريخ ذكر ابْتِدَاء الْمدَّة، قَالَ الْحَاكِم: لما قدم علينا أَبُو جَعْفَر الكشى - بِضَم الْكَاف وَشدَّة الْمُعْجَمَة - وَحدث عَن عبد بن حميد سَأَلته عَن مولده؟ فَذكر أَنه سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَقلت لِأَصْحَابِنَا: هَذَا الشَّيْخ سمع من عبد حميد بعد مَوته بِثَلَاثَة عشر سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 وَقَالَ الْحميدِي: ثَلَاثَة أَشْيَاء يجب تَقْدِيم الْعِنَايَة بهَا: الْعِلَل وَأحسن مَا وضع فِيهِ كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، و " المؤتلف والمختلف " وَأحسن مَا فِيهِ كتاب " ابْن مَاكُولَا "، و " الوفيات " وَلَيْسَ فِيهِ كتاب. وَكَأَنَّهُ يُرِيد " الِاسْتِيعَاب " (وَإِلَّا فهناك كتب فِيهِ) . وَاعْلَم أَنه لم يكن التَّارِيخ فِي صدر الْإِسْلَام إِلَى أَن ولى عمر فَوَضعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 معرفَة المدلس وَالْقسم الثَّانِي: وَهُوَ الْخَفي، المدلس بِفَتْح اللَّام وَهُوَ مَا رَوَاهُ الرَّاوِي عَمَّن لقِيه وَلم يسمع مِنْهُ، أَو عَمَّن لقِيه وَسمع مِنْهُ غير الَّذِي رَوَاهُ / بِلَفْظ مُحْتَمل للسماع وموهم لَهُ. سمي بذلك لكَون الرَّاوِي لم يسم من حَدثهُ، وأوهم سَمَاعه للْحَدِيث مِمَّن لم يحدث بِهِ. واشتقاقه من الدلس - بِالتَّحْرِيكِ - وَهُوَ اخْتِلَاط الظلام. الَّذِي هُوَ سَبَب لتغطية الْأَشْيَاء عَن الْبَصَر. وَمِنْه التَّدْلِيس فِي البيع يُقَال: دلّس فلَان على فلَان أَي ستر عَنهُ الْعَيْب الَّذِي فِي مَتَاعه كَأَنَّهُ أظلم عَلَيْهِ الْأَمر. وَهُوَ اصْطِلَاحا رَاجع إِلَى ذَلِك سمي بذلك لاشْتِرَاكهمَا فِي الخفاء فَإِن من أسقط من الاسناد شَيْئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 فقد أخْفى ذَلِك الَّذِي أسْقطه وغطاه، وَزَاد فِي التغطية بإتيانه بِعِبَارَة موهمة. وَكَذَا تَدْلِيس الشُّيُوخ فَإِن الرَّاوِي يخفي النَّعْت الَّذِي يعرف بِهِ الشَّيْخ ويغطيه بِالْوَصْفِ بِغَيْر مَا شهر بِهِ. وَأعلم أَن قَول المُصَنّف وَالْقسم الثَّانِي. . إِلَى آخِره قد اعْتَرَضَهُ الشَّيْخ قَاسم: بِأَن الْمقسم السقط والمدلس والإسناد الَّذِي وَقع فِيهِ السقط فَلَا يكون الْحمل حَقِيقِيًّا. انْتهى. وَمِثَال ذَلِك مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَق عَن زيد بن يثيع - بمثناة تحتية مَضْمُومَة ففوقية - عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 " إِن وليتموها أَبَا بكر فقوي أَمِين. فَهَذَا الحَدِيث فِي صُورَة الْمُتَّصِل، لِأَن عبد الرَّزَّاق سَمَاعه من الثَّوْريّ مَشْهُور وَكَذَا سَماع / الثَّوْريّ من أبي إِسْحَق وَهُوَ مُنْقَطع فِي موضِعين: فَإِن عبد الرَّزَّاق لم يسمعهُ من الثَّوْريّ وَإِنَّمَا سَمعه من النُّعْمَان بن أبي شيبَة. وَلم يسمعهُ - الثَّوْريّ من أبي إِسْحَق وَإِنَّمَا سَمعه من شريك عَن أبي إِسْحَاق كَمَا جَاءَ ذَلِك مُبينًا من وَجه آخر. وَاعْلَم أَن مَا رَوَاهُ الصَّحَابِيّ عَن الْمُصْطَفى وَلم يسمعهُ مِنْهُ مُرْسل صَحَابِيّ وَلَا يُسمى مدلسا أدبا. وَيرد المدلس بِصِيغَة من صِيغ الْأَدَاء يحْتَمل وُقُوع اللِّقَاء بَين المدلس وَمن أسْند عَنهُ موهما الِاتِّصَال. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَكَانَ الأولى أَن يَقُول يحْتَمل السماع كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 صرح بِهِ النَّوَوِيّ وَغَيره من أهل الْفَنّ. كعن وَيُسمى المعنعن كَقَوْل الرَّاوِي فلَان عَن فلَان بِلَفْظ عَن من غير بَيَان التحديث والإخبار وَالسَّمَاع. وَكَذَا قَوْله قَالَ فلَان أَو فعل كَذَا، فَإِنَّهُ مثل عَن عِنْد الْجُمْهُور مخالفين للْإِمَام أَحْمد. وَمثل عَن وَقَالَ مَا لَو أسقط أَدَاة الرِّوَايَة فَقَالَ فلَان، قَالَ عَليّ بن خشرم: كُنَّا عِنْد سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَقَالَ: الزُّهْرِيّ. فَقيل لَهُ: حَدثكُمْ الزُّهْرِيّ؟ فَسكت. ثمَّ قَالَ: الزُّهْرِيّ. فَقيل لَهُ: سمعته من الزُّهْرِيّ؟ قَالَ: لَا، وَلَا عَمَّن سَمعه من الزُّهْرِيّ، حَدثنِي عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ. وَمَتى وَقع بِصِيغَة صَرِيحَة لَا تجوز فِيهَا كَانَ كذبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 قَالَ الْمُؤلف: أردْت بالتجوز نَحْو قَول / الْحسن: حَدثنَا ابْن عَبَّاس على مِنْبَر الْبَصْرَة، فَإِنَّهُ لم يسمع مِنْهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أهل الْبَصْرَة الَّذين هُوَ مِنْهُم. وَقَول ثَابت البنانى خَطَبنَا عمرَان بن حُصَيْن. كَذَا نَقله عَنهُ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف وَغَيره. وَأما حَدِيث الْحسن: فَرَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن الْحسن قَالَ: خسف الْقَمَر وَابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ فصلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة ركوعان، فَلَمَّا فرغ خَطَبنَا، فَقَالَ: صليت بكم كَمَا رَأَيْت رَسُول الله يصلى بِنَا. قَالَ الْمُؤلف فِي تَخْرِيج (أَحَادِيث) الرَّافِعِيّ: وَإِبْرَاهِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 ضَعِيف، وَقَول الْحسن خَطَبنَا لم يَصح، فَإِن الْحسن لم يكن بِالْبَصْرَةِ لما كَانَ ابْن عَبَّاس بهَا. وَيُقَال: إِن هَذَا من تدليسه وَإِن خَطَبنَا أَي خطب أهل الْبَصْرَة. وَضَابِط ذَلِك أَن يجمع الرَّاوِي الضَّمِير ويقصد أهل بَلَده، أَو أَقَاربه، أَو المشاركين لَهُ فِي صفة مَا، وَيدل لجَوَاز ذَلِك قَول الرجل الَّذِي يقْتله الدَّجَّال: أشهد أَنَّك الرجل الَّذِي حَدثنَا رَسُول الله أَي حدث الْأمة الَّذِي أَنا مِنْهُم. والتدليس قِسْمَانِ: 1 - الأول: تَدْلِيس الْإِسْنَاد: بِأَن يروي عَمَّن لقِيه مَا لم يسمعهُ مِنْهُ موهما سَمَاعه. وَرُبمَا لم يسْقط شَيْخه وأسقطه غَيره لكَونه ضَعِيفا أَو صَغِيرا تحسينا للْحَدِيث. 2 - الثَّانِي: تَدْلِيس الشُّيُوخ: بِأَن يُسمى شَيْخه، أَو يكنيه، أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 ينْسبهُ، أَو يصفه بِمَا لَا يعرف بِهِ، أَو يصف شيخ شَيْخه بذلك. فَالْأول مَكْرُوه جدا، ذمه الْجُمْهُور حَتَّى قَالَ شعبه: لِأَن أزني أحب إِلَى من أَن أدلس. وَقَالَ التَّدْلِيس أَخُو الْكَذِب. وَحكمه أَن مَا رَوَاهُ بِلَفْظ مُحْتَمل لم يبين فِيهِ السماع لم يقبل، وَمَا بَينه فِيهِ كسمعت وَحدثنَا وَأخْبرنَا وَنَحْو ذَلِك فمقبول يحْتَج بِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ - وَغَيرهمَا - مِنْهُ كثير. وَمَا فِي نَحْو الصَّحِيحَيْنِ عَن المدلسين بعن مَحْمُول على ثُبُوت اللِّقَاء من جِهَة أُخْرَى، وَإِنَّمَا آثر صَاحب الصَّحِيح طَرِيق العنعنة لِأَنَّهَا على شَرطه دون تِلْكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 وَأما الثَّانِي: فكراهته أخف، وَيخْتَلف الْحَال فِي كَرَاهَته بِحَسب قَصده، ككون المغير اسْمه ضَعِيفا فيدلسه لِئَلَّا يظْهر رِوَايَته عَن الضُّعَفَاء. وَالأَصَح أَنه لَيْسَ بِجرح إِذا كَانَ لكَونه صَغِيرا أَو مُتَأَخّر الْوَفَاة أَو نَحْو ذَلِك، وَمِمَّنْ سمع مِنْهُ كثيرا فَامْتنعَ فِي تكراره على صُورَة وَاحِدَة إيهاما لِكَثْرَة الشُّيُوخ. قَالَ لي شَيخنَا عَالم الشَّافِعِيَّة (فِي الأقطار المعربة) الشَّمْس الرملى - رَحمَه الله تَعَالَى - عَن مُحَقّق الشَّافِعِيَّة أَبِيه عَن شُيُوخه: أَن الْمُؤلف احْتَاجَ إِلَى رِوَايَته عَن ولد شَيْخه الْحَافِظ الزين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 الْعِرَاقِيّ - هُوَ شيخ الْإِسْلَام الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ - فَصَارَ يَقُول فِي " أَمَالِيهِ ": حَدثنِي أَحْمد الصحراوي موهما أَنه غَيره لصغره ومشاركته لَهُ / فِي شُيُوخه. وَمن أَقسَام التَّدْلِيس: عكس هَذَا، وَهُوَ إِعْطَاء شخص آخر مَشْهُورا تَشْبِيها، ذكره فِي " جمع الْجَوَامِع " فَيَقُول أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ يَعْنِي الذَّهَبِيّ، تَشْبِيها بالبيهقي حَيْثُ يَقُول حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ يعْنى بِهِ الْحَاكِم لظُهُور الْمَقْصُود. وَكَذَا إِبْهَام اللقي والرحلة كحدثنا من وَرَاء النَّهر يُوهم أَنه نهر جيحون - يعْنى نهر بَلخ -، وَمَا رَوَاهُ إقليم اشْتهر أَهله بِأَهْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 مَا وَرَاء النَّهر مِنْهُم كثير من الْعلمَاء الْحَنَفِيَّة، وَهُوَ إِنَّمَا يُرِيد الجيزة - مثلا - وَهُوَ بِمصْر، وَلَيْسَ هَذَا بِجرح قطعا لِأَنَّهُ من المعاريض لَا من الْكَذِب كَمَا فِي " الاقتراح " و " أَحْكَام " الآمدى وَغَيرهمَا. وَحكم من يثبت عَنهُ التَّدْلِيس إِذا كَانَ عدلا أَن لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا مَا صرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ على الْأَصَح. وَمُقَابل الْأَصَح: الْقبُول مُطلقًا، وَالرَّدّ مُطلقًا وَإِن صرح بِالتَّحْدِيثِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أهل الْأُصُول أَن التَّدْلِيس فِي الْأَسَانِيد لَيْسَ بِجرح مُطلقًا. وَقَول ابْن السَّمْعَانِيّ: إِلَّا أَن يكون بِحَيْثُ لَو يسْأَل عَنهُ لم يُبينهُ فَإِن صنعه حِينَئِذٍ جرح لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 لظُهُور الْكَذِب فِيهِ. رد بِمَنْع ذَلِك فَترك الِاسْتِثْنَاء أظهر مِنْهُ، فالاطلاق أظهر. اه. أما مُدَلّس الْمُتُون وَهُوَ من يدرج كَلَامه مَعهَا بِحَيْثُ لَا يتميزان فمجروح لإيقاعه غَيره فِي الْكَذِب على رَسُول الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 الْمُرْسل الْخَفي وَكَذَا الْمُرْسل (الْخَفي) أَي وَمثل المدلس فِي خَفَاء السقط الْمُرْسل / الْخَفي، وَبَينه وَبَين الْمُنْقَطع عُمُوم مُطلق، فَكل مُرْسل خَفِي مُنْقَطع وَلَا عكس. إِذا صدر من معاصر لم يلق من حدث عَنهُ أَي لم يعرف أَنه لقِيه بل بَينه وَبَينه وَاسِطَة هَذَا الشَّرْط، هُوَ مَا وَقع للمؤلف (أَي لم يعرف أَنه لقِيه) . ورده تِلْمِيذه الشَّيْخ قَاسم بِمَا نَصه: هَذَا الشَّرْط يُوهم أَن لَهُ مفهوما وَلَيْسَ كَذَلِك، إِذْ لَيْسَ لنا مُرْسل خَفِي إِلَّا مَا صدر من معاصر لم يلق. انْتهى. وَقد جعل قوم الْمُرْسل الْخَفي قسما من المدلس لَا قسيما لَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وعرفوه: بِأَنَّهُ رِوَايَة الرَّاوِي عَمَّن سمع مِنْهُ مَا لم يسمع مِنْهُ، أَو عَمَّن عاصره وَلم يلقه، أَو عَمَّن لقِيه وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا بِلَفْظ موهم للسماع. وَقَالَ (شَيخنَا النَّجْم) الغيطي: المُرَاد بِالْإِرْسَال هُنَا مُطلق الِانْقِطَاع لَا مَا سقط مِنْهُ الصَّحَابِيّ كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فِي حد الْمُرْسل، وَالْجُمْهُور على أَن الْمُرْسل الْخَفي قسم من المدلس لَا قسيما لَهُ، انْتهى. وَالْمُخْتَار عِنْد الْمُؤلف أَنه قسيم لَهُ لَا قسم مِنْهُ كَمَا بَينه بقوله وَالْفرق بَين المدلس والمرسل الْخَفي دَقِيق حصل تحريره بِمَا ذكر هُنَا، وَهُوَ أَن التَّدْلِيس يخْتَص بِمن روى عَمَّن عرف لقاؤه إِيَّاه قد جعله أَولا: أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 يرد بِصِيغَة يحْتَمل اللقي فبينهما مُخَالفَة فَتَأَمّله. فَأَما إِن عاصره وَلم يعرف أَنه لقِيه بطرِيق مُعْتَبر فَهُوَ الْمُرْسل الْخَفي، وَمن أَدخل فِي تَعْرِيف التَّدْلِيس المعاصرة وَلَو بِغَيْر لَقِي لزمَه دُخُول الْمُرْسل الْخَفي فِي تَعْرِيفه، وَالصَّوَاب التَّفْرِيق بَينهمَا. وَيدل على (أَن) اعْتِبَار اللقي فِي التَّدْلِيس / دون المعاصرة وَحدهَا (قَالَ بَعضهم: لَو ترك قَوْله دون المعاصرة وَحدهَا) كَانَ أولى. لَا بُد مِنْهُ. وَقَوله إطباق (فَاعل يدل أَي يدل إطباق) أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ على أَن رِوَايَة المخضرمين بِضَم الْمِيم، وَفتح الْخَاء، وَسُكُون الضَّاد المعجمتين، وَفتح الرَّاء واحده المخضرم - بِفَتْح الرَّاء - وَهُوَ: الْمَاضِي نصف عمره فِي الْجَاهِلِيَّة وَنصفه فِي الْإِسْلَام أَو من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 أدْركهَا كَمَا فِي " الْقَامُوس " وَفِي " تَارِيخ ابْن خلكان ". أصل إِطْلَاقه فِي الشُّعَرَاء ثمَّ توسع فِيهِ فَاسْتعْمل فِي غَيرهم، وَقد سمع فِيهِ محضرم بحاء مُهْملَة وَكسر الرَّاء. كَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ وَقيس بن أبي حَازِم عَن النَّبِي من قبيل الْإِرْسَال لَا من قبيل التَّدْلِيس. وَكَذَا كل مَا رَوَاهُ الصَّحَابِيّ عَن النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يسمعهُ مِنْهُ يُسمى مُرْسل صَحَابِيّ وَلَا يُسمى مدلسا أصلا. وَلَو كَانَ مُجَرّد المعاصرة يكْتَفى بِهِ فِي التَّدْلِيس لَكَانَ هَؤُلَاءِ مدلسين لأَنهم عاصروا النَّبِي قطعا، وَلَكِن لم يعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 هَل لقوه أم لَا؟ قَالَ بعض مَشَايِخنَا: قَالَ يُقَال إِنَّمَا وصفوا رِوَايَة من ذكره بِالْإِرْسَال لأَنهم من التَّابِعين، وتحديث التَّابِعِيّ عَن النَّبِي لَا شكّ فِي وَصفه بِالْإِرْسَال. وَمِمَّا يُؤَيّدهُ أَن تحديث الصَّحَابِيّ عَن النَّبِي بِحَدِيث لم يسمعهُ عَنهُ مَعَ تحقق اللقا لَا يُوصف بالتدليس أدبا مَعَ أَنه مِنْهُ، إِلَّا أَن يُجَاب بِأَن تحديث الصَّحَابِيّ / الْمَذْكُور قد أطلق عَلَيْهِ بَعضهم أَنه تَدْلِيس، وَرِوَايَة هَؤُلَاءِ وَقع اتِّفَاقهم على أَنَّهَا لَيست من التَّدْلِيس كَمَا ذكره الشَّارِح، وَلم يعد (أحد) هَؤُلَاءِ من المدلسين مَعَ محافظتهم على عد من وصف بذلك من غَيرهم. وَمِمَّنْ اشْترط اللِّقَاء فِي التَّدْلِيس الإِمَام الشَّافِعِي و (أَبُو بكر) الْبَزَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وَكَلَام الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه " الْكِفَايَة " فِي آدَاب الرِّوَايَة يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمد. وتعرف عدم الملاقاة بإخباره عَن نَفسه بذلك فِي بعض طرق الحَدِيث أَو بجزم إِمَام مطلع وَذَلِكَ كَحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا: " رحم الله حارس الحرس ". فَإِن عمر لم يلق عقبَة كَمَا قَالَ الْمزي فِي " الْأَطْرَاف ". وكأحاديث أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه. . ابْن مَسْعُود فقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 روى التِّرْمِذِيّ: أَن عَمْرو بن مرّة قَالَ لأبى عُبَيْدَة: هَل تذكر عَن عبد الله شَيْئا؟ قَالَ: لَا. وَلَا يَكْفِي أَن يَقع فِي بعض الطّرق زِيَادَة راو بَينهمَا، لاحْتِمَال أَن يكون من الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد، وَلَا يحكم فِي هَذِه الصُّورَة بِحكم كلي، لتعارض احْتِمَال الِاتِّصَال والانقطاع. وَقد صنف فِيهِ أَي فِي هَذَا النَّوْع الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ كتاب " التَّفْصِيل لمبهم الْمَرَاسِيل " وَكتاب الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد ". وَالْحَاصِل أَن فِي الْمَسْأَلَة أَرْبَعَة أَقْوَال: 1 - . الأول: الِاكْتِفَاء / بالمعاصرة وَهُوَ مَذْهَب مُسلم، ادّعى الْإِجْمَاع عَلَيْهِ فِي مُقَدّمَة " صَحِيحَة "، وَقَالَ: اشْتِرَاط اللِّقَاء قَول مخترع لم يتَقَدَّم قائلة إِلَيْهِ أحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 2 - . الثَّانِي: إِنَّه يشْتَرط اللِّقَاء فَقَط، وَهُوَ قَول البُخَارِيّ والمحققين. 3 - . الثَّالِث: إِنَّه يشْتَرط طول الصُّحْبَة وَلَا يكْتَفى ثُبُوت اللِّقَاء وَهُوَ قَول السَّمْعَانِيّ. 4 - . الرَّابِع: يشْتَرط مَعْرفَته بالرواية عَنهُ، وَهُوَ قَول أبي عَمْرو الداني. قَالَ الْمُؤلف: وَمن حكم بالانقطاع مُطلقًا شدد، ويليه من شَرط طول الصُّحْبَة، وَمن اكْتفى بالمعاصرة تساهل، وَالْوسط الَّذِي لَيْسَ بعده إِلَّا التعنت مَذْهَب البُخَارِيّ وَمن وَافقه. وَيدل لَهُ مَا ذكر فِي المخضرمين، لَا يُقَال: إِنَّمَا لم يُطلق على المخضرمين اسْم التَّدْلِيس صونا لأهل الْقرن الأول عَن بشاعة هَذَا اللَّفْظ بِدَلِيل أَن حد التَّدْلِيس منطلق على من حدث عَن الْمُصْطَفى بِشَيْء لم يسمعهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 مِنْهُ وَلم يطلقوا ذَلِك عَلَيْهِ، بل صَارُوا إِلَى تَسْمِيَته مُرْسلا، فَيَقُولُونَ مُرْسل صَحَابِيّ، لأَنا نفرق بَين الصحب وَهَؤُلَاء بِأَن الصحب كل حَدِيثهمْ مَقْبُول، لأَنهم يرسلون عَن صحابة مثلهم وَكلهمْ عدُول، وَقد تتبع مَا أسندوه عَن التَّابِعين فَلم يُوجد فِيهِ حكم إِنَّمَا هُوَ أَخْبَار الْأُمَم وَنَحْوهَا. والتدليس إِنَّمَا لطخ بِهِ من لطخ لِأَنَّهُ يُوجب / التَّوَقُّف فِي قبُول مَا كَانَ بِصِيغَة مُحْتَملَة لاحْتِمَال كَونه حذف الَّذِي حَدثهُ بِهِ وَهُوَ ضَعِيف، وَهَذَا الِاحْتِمَال مُمكن فِي المخضرمين، فَإِنَّهُم رووا عَن التَّابِعين فَأَكْثرُوا عَن ثقاتهم وضعفائهم فَلم يبْق إِلَّا الْفرق من حَيْثُ اللِّقَاء. وانتهت إِلَى هُنَا أَي هَذَا الْموضع أَقسَام حكم السَّاقِط من الْإِسْنَاد وَمن هُنَا وَقع الشُّرُوع فِي الْمَرْدُود لِلطَّعْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 أَسبَاب الطعْن فِي الروَاة إِجْمَالا وَقَالَ: ثمَّ الطعْن فِي الْمَتْن أَو الْإِسْنَاد يكون بِعشْرَة أَشْيَاء أَي بأحدها بَعْضهَا أَشد فِي الْقدح من بعض خَمْسَة مِنْهَا تتَعَلَّق بِالْعَدَالَةِ، وَخَمْسَة تتَعَلَّق بالضبط. وَلم يحصل الاعتناء فِي هَذَا الْكتاب بتمييز أحد الْقسمَيْنِ من الآخر كَمَا اعتنى بِهِ الْغَيْر لمصْلحَة اقْتَضَت ذَلِك هُنَا وَهِي ترتيبها على بَيَان الأشد فالأشد (فِي الْقدح) . قَالَ بَعضهم: وَلَو قَالَ الأشد فالشديد لَكَانَ أنسب لقَوْله فِي مُوجب الرَّد على سَبِيل التدلي من الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى، فَإِن ترتيبها على الأشد فَمَا دونهَا أَكثر نفعا، وَأعظم فَائِدَة من تَمْيِيز أحد الْقسمَيْنِ على الآخر سِيمَا للمبتدئ، مَعَ أَنه يُمكن أَن يَسْتَخْرِجهُ الطَّالِب إِذا تَأمله. ذكره الْكَمَال ابْن أبي شرِيف، لِأَن الطعْن إِمَّا أَن يكون لكذب الرَّاوِي فِي الحَدِيث بِأَن يروي عَنهُ أَو عَن أحد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 أَصْحَابه مَا لم يقلهُ / أَو مَا لم يقر عَلَيْهِ مُعْتَمدًا لذَلِك أما إِذا قَالَه وَلَيْسَ الْإِسْنَاد الَّذِي أوردهُ بِهِ إِسْنَاده مُعْتَمدًا لذَلِك فَفِيهِ خلاف. أَو تُهْمَة بذلك أَي بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ مُتَعَمدا وَذَلِكَ بِأَن لَا يرْوى ذَلِك الحَدِيث إِلَّا من جِهَته وَلَا يكون فِي السَّنَد من يَلِيق أَن يتهم بِهِ إِلَّا هُوَ. ذكره الْكَمَال ابْن أَبى شرِيف وَيكون مُخَالفا للقواعد الْمَعْلُومَة قَضيته أَنه إِذا رُوِيَ من غير جِهَته - أَيْضا - وَكَانَ مُخَالفا للقواعد لَا يحصل التُّهْمَة بذلك للاثنين. لَكِن صرح غَيره بِأَن كل حَدِيث أوهم بَاطِلا، وَلم يقبل التَّأْوِيل، أَو خَالف الْقَوَاعِد (الْكُلية) القطعية الْمجمع عَلَيْهَا يكون مكذوبا عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 وَحمل على ذَلِك حَدِيث أَحْمد وَغَيره. . " إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث عني تنكره قُلُوبكُمْ، وتنفر مِنْهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ، وترون أَنه بعيد مِنْكُم فَأَنا أبعدكم عَنهُ ". وَكَذَا من عرف بِالْكَذِبِ فِي كَلَامه وَإِن لم يظْهر مِنْهُ وُقُوع ذَلِك فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ فَإِنَّهُ يكون مُتَّهمًا عِنْد التفرد وَهَذَا دون الأول قَالَ البقاعي: مُرَاده بِالْأولِ مَا قبله وَهُوَ الْمُخَالف للقواعد، وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ. أه لعلمه مِمَّا مر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 أَو فحش غلطه أَي كثرته أَو غفلته عَن الإتقان والضبط الْكَثِيرَة - كَمَا يَأْتِي -. قَالَ بَعضهم: وَفِي كَونهَا أَشد من الْفسق نظر ظَاهر. أَو فسقه أَي الظَّاهِر كَمَا يعلم مِمَّا يَأْتِي بِالْفِعْلِ أَو بالْقَوْل مِمَّا لَا يبلغ الْكفْر، وَبَينه وَبَين الأول أَي الْكَذِب (عُمُوم) وَإِنَّمَا (أفرد) الأول لكَون الْقدح بِهِ أَشد، مِنْهُ بِالثَّانِي فِي هَذَا الْفَنّ أَي فِي فن الحَدِيث وَأما الْفسق بالمعتقد فَسَيَأْتِي بَيَانه. أَو وهمه بِأَن يروي على طَرِيق التَّوَهُّم، أَو مُخَالفَته للثقات، أَو جهالته بِأَن لَا يعرف فِيهِ تَعْدِيل وَلَا تجريح معِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 قَالَ الْمُؤلف: فَقولِي جهالته مصدر مُضَاف للْمَفْعُول. وَقَالَ البقاعي: وَقَوله معِين قيد لتجريح فَقَط، احْتَرز بِهِ عَمَّا لم يعين فِيهِ الْجرْح بِأَن يَقُول: فلَان ضَعِيف أَو مَجْرُوح فَلَا ترده بِمُجَرَّد قَوْله، بل يتَوَقَّف عَن الرِّوَايَة عَنهُ حَتَّى يظْهر لنا حَاله وَيعرف مَقْصُوده بقوله مَجْرُوح. أَو بدعته وَهِي اعْتِقَاد مَا أحدث على خلاف الْمَعْرُوف عَن النَّبِي لَا معاندة بل بِنَوْع شُبْهَة وَإِن كَانَت ضَعِيفَة جدا. أَو سوء حفظه وَهُوَ عبارَة عَمَّن يكون غلطه أقل من إِصَابَته هَذَا مَا فِي نُسْخَة، وَفِي أُخْرَى وَهُوَ عبارَة عَمَّن يَسْتَوِي غلطه وإصابته قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَقَوله فِي النُّسْخَة الأولى عَمَّن يكون غلطه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 أقل من إِصَابَته لَا يُوَافق قَوْله فِيمَا بعد من لم يرجح وَقَوله فِي النُّسْخَة الْأُخْرَى يستوى هُوَ الْمُوَافق لَهُ. انْتهى. وَلم يقف البقاعي على الثَّانِيَة فتعقبه بِأَنَّهُ: مُخَالف لما يَأْتِي فِي تَفْسِير السَّبَب الْعَاشِر عِنْد تَفْصِيل ذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمرَاد بِهِ من لم يرجح / جَانب إِصَابَته على جَانب خطأه وَلَو قَالَ هُنَا: وَهِي عبارَة عَمَّا لَا يكون غلطه أقل (من) إِصَابَته ليُوَافق ذَلِك. انْتهى. وَاعْلَم أَن مَا جرى عَلَيْهِ المُصَنّف من هَذَا التَّرْتِيب هُوَ مَا اخْتَارَهُ، وَالْمَوْجُود فِي كَلَام بعض الْمُحدثين (خِلَافه) . فقد قَالَ الْخطابِيّ: شَرها الْمَوْضُوع - وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ - ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمَجْهُول. وَقَالَ الزركشى فِي " مُخْتَصره " فَمَا ضعفه لَا لعدم اتِّصَاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 سَبْعَة أَصْنَاف: شَرها الْمَوْضُوع، ثمَّ المدرج، ثمَّ المقلوب، ثمَّ الْمُنكر، ثمَّ الشاذ، ثمَّ الْمُعَلل، ثمَّ المضطرب. انْتهى. قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ: وَهَذَا تَرْتِيب حسن، وَيَنْبَغِي جعل الْمَتْرُوك قبل المدرج، وَأَن يُقَال فِيمَا ضعفه لعدم اتِّصَال: شَره المعضل، ثمَّ الْمُنْقَطع، ثمَّ المدلس، ثمَّ الْمُرْسل. وَنقل الشمني عَن الجوزقاني: إِن المعضل أَسْوَأ حَالا من الْمُنْقَطع، والمنقطع أَسْوَأ حَالا من الْمُرْسل. ثمَّ اعْتَرَضَهُ: بِأَن ذَلِك إِذا كَانَ الِانْقِطَاع فِي مَوضِع وَاحِد، وَإِلَّا فَهُوَ يُسَاوِي المعضل. فالقسم الأول: وَهُوَ الطعْن بكذب الرَّاوِي فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ هُوَ الْمَوْضُوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 قَالَ بَعضهم: فِي حمله الْمَوْضُوع على الْقسم الأول الَّذِي هُوَ الطعْن نظر، إِلَّا أَن يؤول الطعْن بالمطعون. وَيُسمى الْمَصْنُوع والمختلق، وَقد جعل الذَّهَبِيّ بَين الْمَوْضُوع والضعيف نوعا سَمَّاهُ الْمَطْرُوح وعرفه بِأَنَّهُ مَا نزل عَن رُتْبَة الضَّعِيف وارتقى عَن رُتْبَة الْمَوْضُوع، وَمثل لَهُ بِحَدِيث عَمْرو بن شمر عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الْحَارِث عَن عَليّ، وبجويبر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس، وَجعله الْمُؤلف من أَفْرَاد الْمَتْرُوك. وَالْحكم عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الظَّن (الْغَالِب) لَا بِالْقطعِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 إِذْ قد يصدق الكذوب، لَكِن لأهل الْفَنّ ملكة قَوِيَّة يميزون بهَا ذَلِك، وَإِنَّمَا يقوم بذلك مِنْهُم من يكون اطِّلَاعه تَاما، وذهنه ثاقبا، وفهمه قَوِيا، ومعرفته بالقرائن الدَّالَّة على ذَلِك متمكنة. قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم: إِن للْحَدِيث ضوء كضوء النَّهَار تعرفه، وظلمة كظلمة اللَّيْل تنكره. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الحَدِيث الْمُنكر يقشعر مِنْهُ جلد طَالب الْعلم، وينفر مِنْهُ قلبه. وَقيل لِابْنِ الْمُبَارك: هَذِه الْأَحَادِيث المصنوعة؟ قَالَ: تعيش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 لَهَا الجهابذة (إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون) . وَقد يعرف الْوَضع بِإِقْرَار وَاضعه قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: لَكِن لَا يقطع بذلك أَي بِكَوْنِهِ غير مُوَافق لما فيي نَفسِي الْأَمر لاحْتِمَال أَن يكون كذب فِي ذَلِك الْإِقْرَار. انْتهى. وَيدل لَهُم قَوْلهم: المُرَاد بِالصَّحِيحِ والضعيف مَا هُوَ الظَّاهِر لَا مَا فِي نفس الْأَمر. وَفهم مِنْهُ بَعضهم وَهُوَ الذَّهَبِيّ فِي " الموقظة " أَنه لَا يعْمل بذلك الْإِقْرَار (أصلا) وَلَيْسَ ذَلِك مُرَاده أَي مُرَاد ابْن دَقِيق الْعِيد وَإِنَّمَا نفى الْقطع بذلك، وَلَا يلْزم من نفي الْقطع نفي الحكم، لِأَن الحكم يتبع الظَّن الْغَالِب، وَهُوَ هُنَا كَذَلِك، وَلَوْلَا ذَلِك لما سَاغَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 قتل الْمُعْتَرف بِالْقَتْلِ وَلَا رجم الْمُعْتَرف بِالزِّنَا لَا حتمال أَن يَكُونَا كاذبين فِيمَا اعترفا بِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهل يثبت بِالْبَيِّنَةِ على أَنه وَضعه؟ يشبه أَن يكون فِيهِ التَّرَدُّد فِي أَن شَهَادَة الزُّور هَل تثبت بِبَيِّنَة؟ مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ لَا يعْمل بِهِ. انْتهى. وَألْحق بِإِقْرَارِهِ مَا ينزل منزلَة الْإِقْرَار: كَأَن يحدث بِحَدِيث عَن شيخ وَيسْأل عَن مولده فيذكر تَارِيخا يعلم موت الشَّيْخ قبله، وَلَا يعرف ذَلِك الحَدِيث إِلَّا عِنْده. وَمن الْقَرَائِن المفيدة للوضع مَا يُؤْخَذ من حَال الرواي كَمَا وَقع لمأمون بن أَحْمد إِنَّه ذكر بِحَضْرَتِهِ الْخلاف فِي كَون الْحسن سمع من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 أبي هُرَيْرَة أَو لَا؟ فساق إِسْنَادًا إِلَى النَّبِي أَنه قَالَ: سمع الْحسن من أبي هُرَيْرَة. وَقيل لَهُ: أَلا ترى إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي (وَمن) تَابعه بخراسان؟ فَقَالَ فَوْرًا: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله حَدثنَا عبد الله بن معدان الْأَزْدِيّ عَن أنس مَرْفُوعا: " يكون فِي أمتِي رجل يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس أضرّ على أمتِي من إِبْلِيس، وَرجل يُقَال لَهُ أَبُو حنيفَة هُوَ سراج أمتِي ". وكما وَقع لغياث بن إِبْرَاهِيم إِنَّه دخل على الْمهْدي فَوَجَدَهُ يلْعَب بالحمام، فساق فِي الْحَال إِسْنَادًا إِلَى النَّبِي (إِنَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 قَالَ) : لَا سبق (بِالتَّحْرِيكِ) - إِلَّا فِي نصل، أَو خف، أَو حافر. فَزَاد فِيهِ: أَو جنَاح. فَعرف الْمهْدي أَنه كذب لأجل والسبق محركة: المَال الَّذِي تقع الْمُسَابقَة / عَلَيْهِ. وَمِمَّا دلّ على وَضعه قرينَة فِي الرَّاوِي مَا أسْندهُ الْحَاكِم عَن سيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 ابْن عمر التَّمِيمِي: كنت عِنْد سعد بن طريف فجَاء ابْنه من الْكتاب يبكي، فَقَالَ لَهُ: مَالك؟ قَالَ: ضَرَبَنِي الْمعلم. قَالَ: لأخزينه الْيَوْم حَدثنِي عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: " معلمو صِبْيَانكُمْ شِرَاركُمْ، أقلهم رَحْمَة للْيَتِيم وأغلظهم على الْمِسْكِين ". وَمِنْهَا: مَا يُؤْخَذ من حَال الْمَرْوِيّ كَأَن يكون مناقضا لنَصّ الْقُرْآن، أَو السّنة المتواترة، أَو الْإِجْمَاع الْقطعِي، أَو صَرِيح الْعقل حَيْثُ لَا يقبل شَيْء من ذَلِك التَّأْوِيل. أَو نَحْو ذَلِك: كركاكة لَفظه وَمَعْنَاهُ كالأحاديث الطَّوِيلَة المروية فِي موت الْمُصْطَفى وَغير ذَلِك، كَذَا قَالَ النَّوَوِيّ كَابْن الصّلاح. قَالَ الْمُؤلف: والمدار بِالْحَقِيقَةِ على ركة الْمَعْنى، فَحَيْثُ وجدت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 دلّ على الْوَضع وَإِن انْتَفَت ركة اللَّفْظ، فَإِن هَذَا الدّين كُله محَاسِن والركة ترجع إِلَى الرداءة. وَأما ركة اللَّفْظ فَقَط فَلَا تدل لاحْتِمَال الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، نعم إِن صرح بسماعة من لفظ الْمُصْطَفى فكاذب. وككون الْحس يَدْفَعهُ، وككونه خَبرا عَن أَمر جسيم تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله بِحَضْرَة جمع ثمَّ لم يَنْقُلهُ عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وككونه فِيهِ إفراط بالوعيد الشَّديد على أَمر صَغِير أَو وعد عَظِيم على فعل / حقير، وَهَذَا كثير فِي حَدِيث الْقصاص. ذكره كُله الْمُؤلف وَسَبقه إِلَى غالبه الزَّرْكَشِيّ فَقَالَ: يعرف بِإِقْرَار وَاضعه كَمَا قيل لأبي عصمَة نوح بن أبي مَرْيَم: من أَيْن لَك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة، وَلَيْسَ عِنْد أَصْحَاب عِكْرِمَة؟ قَالَ: رَأَيْت النَّاس أَعرضُوا عَنهُ وَاشْتَغلُوا بالفقه والمغازي فَوضعت هَذَا الحَدِيث احتسابا. قَالَ: وَيعرف - أَيْضا - من حَال الرَّاوِي كَقَوْلِه سَمِعت فلَانا يَقُول، وَعلمنَا موت الْمَرْوِيّ عَنهُ قبل وجوده. أَو من حَال الْمَرْوِيّ كركة لفظ حَيْثُ تمْتَنع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، ومخالفته الْقَاطِع وَلم يقبل التَّأْوِيل، أَو لتَضَمّنه لما تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله، أَو لكَونه أصلا فِي الدّين وَلم يتواتر كالنص الَّذِي زعم الرافضة دلَالَته على إِمَامَة عَليّ - رَضِي الله عَنهُ. وَفِي " جمع الْجَوَامِع " أخذا من " الْمَحْصُول ": الْمُعْتَمد أَن كل خبر أوهم بَاطِلا وَلم يقبل التَّأْوِيل فمكذوب. اه قَالَ الْبَيْضَاوِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وَقع هَذَا عَن الثِّقَات لَا عَن تعمد بل لنسيان كَمَا رُوِيَ أَن ابْن عمر روى أَن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله فَبلغ ابْن عَبَّاس فَقَالَ: ذهل أَبُو عبد الرَّحْمَن انه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مر بِيَهُودِيٍّ يبكي على ميت فَقَالَ: " إِنَّه يبكي عَلَيْهِ وَإنَّهُ يعذب ". أَو لالتباس لفظ، أَو تَغْيِير عبارَة كَمَا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وقف على قَتْلَى بدر فَقَالَ: " هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا؟ " / ثمَّ قَالَ: " إِنَّهُم الْآن يسمعُونَ مَا أَقُول ". فَبلغ ذَلِك عَائِشَة فَقَالَت: لَا بل قَالَ: إِنَّهُم ليعلمون مَا أَقُول، أَن الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 كنت أَقُول لَهُم هُوَ الْحق. أَو لِأَنَّهُ ذكره الرَّسُول حِكَايَة فَحسب الرَّاوِي أَنه قَوْله، كَمَا روى أَبُو هُرَيْرَة: " الشؤم فِي ثَلَاث "، فَقَالَت عَائِشَة: إِنَّمَا قَالَه حِكَايَة عَن غَيره. أَو لِأَن مَا قَالَه كَانَ مُخْتَصًّا بِسَبَب فَنقل الرَّاوِي عَنهُ كَمَا روى أَبُو هُرَيْرَة: " التَّاجِر فَاجر ". فَقَالَت عَائِشَة: إِنَّمَا قَالَه فِي تَاجر مُدَلّس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وَمن الْمَقْطُوع بكذبه مَا ثَبت عِنْد من الْأَخْبَار وَلم يُوجد عِنْد أَهله من صُدُور الروَاة وبطون الْكتب، قَالَ الْعِزّ ابْن جمَاعَة: وَقد تنَازع فِي إفضائه إِلَى الْقطع غَايَته غَلَبَة الظَّن. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَمَا أحسن قَول الْقَائِل: إِذا رَأَيْت الحَدِيث يباين الْمَعْقُول، أَو يُخَالف الْمَنْقُول، أَو يُنَاقض الْأُصُول، فَاعْلَم أَنه مَوْضُوع. وَمن الْمُخَالف لِلْعَقْلِ مَا رَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أسلم عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: " إِن سفينة نوح طافت بِالْبَيْتِ سبعا وصلت عِنْد الْمقَام رَكْعَتَيْنِ ". وَقد ألف ابْن الْجَوْزِيّ كتاب " الموضوعات "، وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 انتقادات، قَالَ الْمُؤلف: وغالب مَا فِي كتاب ابْن الْجَوْزِيّ مَوْضُوع وَالَّذِي ينْتَقد عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لما لَا ينْتَقد قَلِيل جدا. ثمَّ الْمَوْضُوع تَارَة يخترعه الْوَاضِع كأكثر الموضوعات / وَتارَة يَأْخُذ كَلَام غَيره كبعض السّلف الصَّالح أَو الزهاد أَو الْحُكَمَاء أَو الْإسْرَائِيلِيات كَحَدِيث " الْمعدة بَيت الدَّاء وَالْحمية رَأس الدَّوَاء ". لَا أصل لَهُ من كَلَام الْمُصْطَفى بل هُوَ كَلَام الْحَارِث بن كلدة طَبِيب الْعَرَب. وَمثله الْعِرَاقِيّ فِي " شرح الألفية " بِحَدِيث: " حب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة " فَإِنَّهُ كَلَام مَالك بن دِينَار كَمَا رَوَاهُ ابْن (أبي الدُّنْيَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 نظمه " المكايد "، أَو كَلَام عِيسَى ابْن مَرْيَم كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد. وَلَا أصل لَهُ فِي الحَدِيث إِلَّا من مَرَاسِيل الْحسن وَهِي عِنْدهم شبه الرّيح. قَالَ الْمُؤلف: لَكِن إِسْنَاده إِلَى الْحسن حسن، ومراسيله أثنى عَلَيْهَا ابْن الْمَدِينِيّ. أَو يَأْخُذ حَدِيثا ضَعِيف الْإِسْنَاد فيركب لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحا ليروج. وَقيل: إِن الْحَافِظ ابْن دحْيَة كَانَ يفعل ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَالْحَامِل للواضع على الْوَضع: إِمَّا اتِّبَاع هوى بعض الرؤساء كقصة الْمهْدي، وَالْأَحَادِيث الَّتِي وضعت فِي الدولة العباسية نصوصا على إِمَامَة الْعَبَّاس وَأَوْلَاده إِلَى قيام السَّاعَة، أَو التكسب والارتزاق بِهِ فِي قصصهم. أَو عدم الدّين كالزنادقة فيفعل أحدهم ذَلِك طَعنا فِي الدّين، وتنفيرا للعقلاء عَنهُ، كَمَا رُوِيَ أَنه قيل لَهُ: يَا رَسُول الله: مِم رَبنَا؟ فَقَالَ: " خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نَفسه عَن ذَلِك الْعرق ". تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 أَو غَلَبَة الْجَهْل كبعض / المتعبدين كَمَا وَقع لغلام بِبَغْدَاد كَانَ يتعبد ويتزهد وَيتْرك الشَّهَوَات، فَقيل لَهُ عِنْد مَوته: حسن ظَنك؟ قَالَ: كَيفَ لَا وَقد وضعت سبعين حَدِيثا فِي فضل عَليّ. فَمَاتَ فأغلقت بَغْدَاد لمشهده. أَو فرط العصبية كبعض المقلدين أَي كفرط تعصبه لمَذْهَب إِمَامه على مَذْهَب غَيره، فَيَضَع ذَلِك تقريرا لمذهبه وردا للخصم، كَمَا رُوِيَ أَنه قَالَ: " سَيَجِيءُ أَقوام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 من أمتِي يَقُولُونَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَمن قَالَ ذَلِك فقد كفر، " وَطلقت امْرَأَته لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لمؤمنة أَن تكون تَحت كَافِر ". أَو الإغراب لقصد الاشتهار كَأَن يقلب سَنَد الحَدِيث المستغرب فيرغب فِي سماعهَا كَمَا وَقع لِابْنِ أبي دحْيَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وبهلول بن عبيد، وأصرم بن حَوْشَب وَغَيرهم. وكل ذَلِك حرَام بِإِجْمَاع من يعْتد بِهِ إِلَّا أَن بعض الكرامية وَبَعض المتصوفة نقل عَنْهُم إِبَاحَة (الْوَضع فِي) التَّرْغِيب والترهيب وَهُوَ خطأ فَاحش من فَاعله، نَشأ عَن جهل لِأَن التَّرْغِيب من جملَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. قَالَ فِي " التَّقْرِيب " - كَأَصْلِهِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وأعظمهم ضَرَرا قوم ينسبون إِلَى الزّهْد وضعوه حسبَة لله فِي زعمهم الْفَاسِد فَقبلت موضوعاتهم ثِقَة بهم، وركونا لَهُم. وَلِهَذَا قَالَ يحيى الْقطَّان: مَا رَأَيْت الْكَذِب فِي أحد أَكثر مِنْهُ فِيمَن ينْسب للخير - أَي لعدم علمهمْ بتفرقة مَا يجوز لَهُم وَيمْتَنع عَلَيْهِم. اه قَالَ ابْن عدي: كَانَ وهب بن حَفْص من الصلحاء قلت عشْرين سنة لَا يكلم أحده وَكَانَ يكذب فِي الحَدِيث. وَأعظم الْبلَاء من الْقصاص يَفْعَلُونَ ذَلِك ترقيقا لقلوب الْعَوام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وترغيبا فِي الْأَذْكَار والأوراد، كَمَا يحْكى أَن أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن معِين حضرا مَسْجِد رصافة، فَقَامَ قاص فَقَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن معِين وسَاق بإسنادهما حَدِيثا أَن: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله خلق الله من كل كلمة مِنْهَا طيرا منقاره من ذهب. . وَأخذ فِي قصَّة طَوِيلَة فَنظر يحيى إِلَى أَحْمد وَقَالَ: أَنْت حدثته. فَقَالَ: مَا سمعته إِلَّا السَّاعَة. فَدَعَاهُ يحيى وَقَالَ: مَا سمعنَا بِهَذَا قطّ. قَالَ: مَا زلت أسمع أَن يحيى أَحمَق وَمَا تحققته إِلَّا السَّاعَة، لَيْسَ فِي الدُّنْيَا غيركما أَحْمد وَيحيى قد كتبت على سَبْعَة عشر أَحْمد وَيحيى ابْن معِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وَمن الْمَوْضُوع: حَدِيث فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة كَمَا مر، وَضعه ميسرَة بن عبد ربه، وَأَخْطَأ من ذكره من الْمُفَسّرين كَالثَّعْلَبِيِّ، والزمخشري، والبيضاوي. وَمِنْه أَحَادِيث الْأرز، والعدس، والباذنجان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 والهريسة وفضائل من أُسَمِّهِ أَحْمد وَمُحَمّد، ووصايا عَليّ وَأَحَادِيث الْعقل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَحَدِيث القس بن سَاعِدَة وَغير ذَلِك. وَاتَّفَقُوا أَي الْعلمَاء قاطبة على أَن تعمد الْكَذِب على النَّبِي من الْكَبَائِر، وَبَالغ الْجُوَيْنِيّ بِالتَّصْغِيرِ نِسْبَة إِلَى جوينة نَاحيَة / بنيسابور، وقرية بسرخس، وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ. فَكفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 من تعمد الْكَذِب عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيّ: حكى إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن أَبِيه: أَن من كذب على رَسُول الله عمدا كفر. ثمَّ رده: بِأَنَّهُ لم يره لأحد من الْأَصْحَاب، وَأَنه هفوة عَظِيمَة. وَفِي " الْإِحْيَاء ": أَنه من الْكَبَائِر الَّتِي لَا يقاومها شَيْء. وَاتَّفَقُوا - أَيْضا - على تَحْرِيم رِوَايَة الْمَوْضُوع إِلَّا مَقْرُونا ببيانه كَأَن يُقَال: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وتسميته حَدِيثا إِنَّمَا هُوَ بزعم وَاضعه. بقوله: " من حدث عَنى بِحَدِيث يرى - بِضَم فَفتح يظنّ، وبفتحتين يعلم، وَالْأول أشهر - أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَذَّابين " بِصِيغَة الْجمع بِاعْتِبَارِهِ كَثْرَة النقلَة، وبالتثنية بِاعْتِبَار المفترى والناقل عَنهُ، رَوَاهُ مُسلم وَأحمد عَن سَمُرَة بن جُنْدُب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 الحَدِيث الْمَتْرُوك وَالْقسم الثَّانِي من أَقسَام الْمَرْدُود: وَهُوَ مَا يكون بِسَبَب تُهْمَة الرَّاوِي بِالْكَذِبِ هُوَ الْمَتْرُوك. وَمثل لَهُ الْمُؤلف بِحَدِيث صَدَقَة الدقيقي عَن فرقد عَن مرّة عَن أبي بكر، وَحَدِيث عَمْرو بن شمر عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 الْحَارِث عَن عَليّ. وَالسُّديّ الصَّغِير مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ الْمُؤلف: هَذِه سلسلة الْكَذِب لَا الذَّهَب. الحَدِيث الْمُنكر وَالثَّالِث: الْمُنكر على رَأْي من لَا يشْتَرط فِي الْمُنكر قيد الْمُخَالفَة قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: قَوْله وَالثَّالِث الْمُنكر على رَأْي متن، وَقَوله / من لَا ... . إِلَى آخِره شرح وَلَيْسَ من الدمج بِشَيْء، فَكَانَ اللايق أَن يَقُول: على رَأْي هُوَ رَأْي من لَا. . إِلَى آخِره. وَالْمرَاد بالمخالفة: مُخَالفَة من هُوَ أحفظ مِنْهُ، وأضبط، فالمنكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 عِنْد صَاحب هَذَا: الرَّاوِي الْفَرد الَّذِي لَيْسَ فِي رَاوِيه من الثِّقَة والضبط مَا يجْبر تفرده. وَكَذَا الرَّابِع وَالْخَامِس: فَمن فحش غلطه، أَو كثرت غفلته، أَو ظهر فسقه فَحَدِيثه مُنكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 الحَدِيث الْمُعَلل ثمَّ الْوَهم وَهُوَ الْقسم السَّادِس، وَإِنَّمَا أفْصح بِهِ الْمُؤلف فِي الْمَتْن وَكَذَا بِمَا بعده وَلم يقل وَالسَّادِس كَمَا قَالَ فِيمَا قبله: وَالْأول كَذَا وَالثَّانِي كَذَا ... إِلَى آخِره لطول الْفَصْل. قَالَ الْمزي فِي " الْأَطْرَاف ": وَالوهم تَارَة يكون فِي الضَّبْط، وَتارَة يكون فِي القَوْل، وَتارَة يكون فِي الْكِتَابَة. ثمَّ الْوَهم الْمَذْكُور هُنَا إِن اطلع عَلَيْهِ أَي على الْوَهم أَي وهم الرَّاوِي بالقرائن الدَّالَّة على وهم رَاوِيه من وصل مُرْسل أَو مُنْقَطع (أَو رفع مَوْقُوف) أَو إِدْخَال حَدِيث فِي حَدِيث، أَو نَحْو ذَلِك من الْأَشْيَاء القادحة الَّتِي يغلب على الظَّن عدم صِحَة الحَدِيث أَو التَّرَدُّد فِيهِ. وَيحصل معرفَة ذَلِك بِكَثْرَة التتبع وَجمع الطّرق وَالنَّظَر فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 اخْتِلَاف رُوَاته وضبطهم وإتقانهم وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ الْمُعَلل قَالَ بعض من لقيناه: لَيْسَ الْمُعَلل هُوَ الْوَهم الَّذِي اطلع عَلَيْهِ بالقرائن / وَإِنَّمَا هُوَ الْخَبَر الَّذِي وَقع فِيهِ ذَلِك فالعلة حصلت بِسَبَب الْوَهم. انْتهى. وَعدل عَن تَسْمِيَة أكَابِر الْمُحدثين كالترمذي، وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن عدي، والخليلي لَهُ بالمعلول لقَوْل ابْن الصّلاح: إِنَّه مَرْدُود عِنْد أهل اللُّغَة. وَقَول النَّوَوِيّ: إِنَّه لحن. وَهُوَ أَي هَذَا النَّوْع من أغمض أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث وأدقها وَأَشْرَفهَا وَلَا يقوم بِهِ إِلَّا من رزقه الله فهما ثاقبا، وحفظا وَاسِعًا، وَمَعْرِفَة تَامَّة بمراتب الروَاة، وملكة قَوِيَّة بِالْأَسَانِيدِ والمتون أَي بمعرفتها وَلِهَذَا لم يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا الْقَلِيل من أهل هَذَا الشَّأْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 الجهابذة الْكِبَار كعلي بن الْمَدِينِيّ فألف فِيهِ تأليفا حافلا وَأحمد ابْن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ، وَيَعْقُوب بن شيبَة، وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ. وَألف فِيهِ تأليفا مُسْتقِلّا وَأبي زرْعَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ (والخلال) وأضرابهم. فالعلة: عبارَة عَن سَبَب غامض خَفِي قَادِح مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة. قَالَ الْحَاكِم: وَإِنَّمَا يُعلل الحَدِيث من أوجه لَيْسَ للجرح فِيهَا مدْخل. وَقَالَ ابْن مهْدي: لِأَن أعرف عِلّة حَدِيث وَاحِد أحب إِلَيّ من أَن أكتب عشْرين حَدِيثا لَيست عِنْدِي. وَقد تقصر عبارَة الْمُعَلل عَن إِقَامَة حجَّة على دَعْوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 كالصيرفي فِي نقد الدِّينَار وَالدَّرَاهِم. وَلِهَذَا قَالَ ابْن مهْدي: معرفَة عِلّة / الحَدِيث إلهام، لَو قلت للْعَالم: من أَيْن هَذَا؟ لم يكن لَهُ عَلَيْهِ حجَّة. وَتَقَع الْعلَّة فِي الْإِسْنَاد - وَهُوَ الْأَكْثَر - وَفِي الْمَتْن وَمَا وَقع فِي الْإِسْنَاد قد يقْدَح فِيهِ وَفِي الْمَتْن - أَيْضا - كالإرسال وَالْوَقْف، وَقد يقْدَح فِي الْإِسْنَاد فَقَط وَيكون الْمَتْن مَعْرُوفا صَحِيحا. وَقد تطلق الْعلَّة على غير مقتضاها ككذب الرَّاوِي، وفسقه، وغفلته، وَسُوء حفظه، وَنَحْو ذَلِك من أَسبَاب ضعف الحَدِيث. فَائِدَة: قَالَ البُلْقِينِيّ فِي المحاسن: أجل كتاب ألف فِي الْعِلَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 كتاب ابْن الْمَدِينِيّ، ثمَّ ابْن أبي حَاتِم، والخلال. وأجمعها كتاب الدَّارَقُطْنِيّ. انْتهى. وَقد ألف المُصَنّف فِيهَا كِتَابه " الزهر المطلول فِي الْخَبَر الْمَعْلُول ". الحَدِيث المدرج ثمَّ الْمُخَالفَة وَهِي السَّابِع، إِن كَانَت وَاقعَة بِسَبَب تَغْيِير السِّيَاق - أَي سِيَاق الْأَسَانِيد - ف الحَدِيث الْوَاقِع فِيهِ ذَلِك التَّغْيِير فَهُوَ مدرج الْإِسْنَاد (على المُصَنّف) فَقَالَ بَعضهم: الْوَاقِع فِيهِ التَّغْيِير هُوَ السَّنَد وَلَيْسَ مدرج الْإِسْنَاد بل مدرج فِيهِ، فتغييره غير قويم. وَيدْرك ذَلِك بوروده مفصلا فِي رِوَايَة أُخْرَى أَو بِالنَّصِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 على ذَلِك من الرَّاوِي، أَو من بعض أَئِمَّة الْفَنّ وَهُوَ (أَي مدرج الْإِسْنَاد) أَقسَام: - الأول: أَن يروي جمَاعَة الحَدِيث بأسانيد مُخْتَلفَة وَيَرْوِيه عَنْهُم راو وَاحِد فَيجمع الْكل على إِسْنَاد وَاحِد من تِلْكَ الْأَسَانِيد / وَلَا يتَبَيَّن الِاخْتِلَاف. مِثَاله: حَدِيث التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن الثَّوْريّ عَن وَاصل وَمَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل عَن عبد الله قلت: يَا رَسُول الله أَي الذَّنب أعظم؟ . . الحَدِيث فرواية وَاصل مدرجة على رِوَايَة مَنْصُور وَالْأَعْمَش؛ لِأَن واصلا لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 يذكر فِيهِ عمرا، بل. . يَجعله عَن أبي وَائِل عَن عبد الله. . وَقد بَين الإسنادين مَعًا يحيى الْقطَّان فِي رِوَايَته عَن الثَّوْريّ، وَفصل أَحدهَا عَن الآخر كَمَا فِي البُخَارِيّ وَغَيره. 2 - الثَّانِي: أَن يكون الْمَتْن عِنْد راو وَاحِد إِلَّا طرفا مِنْهُ، فَإِنَّهُ عِنْده بِإِسْنَاد آخر فيرويه راو آخر عَنهُ تَاما بِالْإِسْنَادِ الأول. وَلَا يذكر إِسْنَاد الطّرف الثَّانِي (كَذَا ذكره) الْمُؤلف. وَاعْتَرضهُ الْكَمَال بن أبي شرِيف: بِأَنَّهُ لَيْسَ الْإِسْنَاد الأول شرطا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَإِنَّمَا المُرَاد أحد الإسنادين. انْتهى. مِثَال ذَلِك: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زَائِدَة وَشريك فرقهما وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة كلهم عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل بن حجر فِي صفة صَلَاة الْمُصْطَفى وَفِيه: ثمَّ جئتهم بعد ذَلِك فِي زمَان فِيهِ برد شَدِيد فَرَأَيْت النَّاس عَلَيْهِم جلّ الثِّيَاب تحرّك أَيْديهم تَحت الثِّيَاب) . . قَوْله: ثمَّ جئتهم بعد ذَلِك لَيْسَ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 بِهَذَا / الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا أدرج وَهُوَ من رِوَايَة عَاصِم عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل عَن بعض أَهله عَن وَائِل. رَوَاهُ هَكَذَا مُبينًا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَأَبُو بدر شُجَاع بن الْوَلِيد (فميزا) قصَّة تَحْرِيك الأيادي من تَحت الثِّيَاب، وفصلاها من الحَدِيث ذكرا إسنادهما كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَمِنْه أَن من هَذَا أَن يسمع الحَدِيث من شَيْخه بِلَا وَاسِطَة إِلَّا طرفا مِنْهُ، فيسمعه عَن شَيْخه بِوَاسِطَة فيرويه راو عَنهُ تَاما بِحَذْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 الْوَاسِطَة التَّامَّة. 3 - الثَّالِث: أَن يكون عِنْد الرَّاوِي متنان مُخْتَلِفَانِ بِإِسْنَادَيْنِ مُخْتَلفين فيرويهما راو عَنهُ مُقْتَصرا على أحد الإسنادين، أَو يروي أحد الْحَدِيثين بِإِسْنَادِهِ الْخَاص بِهِ لَكِن يزِيد فِيهِ من الْمَتْن الآخر مَا لَيْسَ فِي الأول. مِثَال ذَلِك: حَدِيث سعيد بن أبي مَرْيَم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس رَفعه: " لَا تباغضوا، وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تدابروا، وَلَا تنافسوا. . الحَدِيث فَقَوله " وَلَا تنافسوا " أدرجه ابْن أبي مَرْيَم من حَدِيث آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 لمَالِك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث، وَلَا تجسسوا، وَلَا تنافسوا وَلَا تَحَاسَدُوا " وكلا الْحَدِيثين مُتَّفق عَلَيْهِ من طَرِيق مَالك، وَلَيْسَ فِي الأول " وَلَا تنافسوا " وَإِنَّمَا هِيَ فِي الثَّانِي. 4 - الرَّابِع: أَن يَسُوق الرَّاوِي الْإِسْنَاد فَيعرض لَهُ عَارض فَيَقُول كلَاما من قبيل نَفسه / فيظن بعض من سَمعه أَن ذَلِك الْكَلَام هُوَ متن ذَلِك الْإِسْنَاد فيرويه عَنهُ كَذَلِك. كَحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن إِسْمَاعِيل الطلحي عَن ثَابت بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 مُوسَى الزَّاهِد عَن شريك عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر مَرْفُوعا: " من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ ". قَالَ الْحَاكِم: دخل ثَابت على شريك وَهُوَ يَقُول: حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر: قَالَ رَسُول الله وَسكت ليكتب الْمُسْتَمْلِي فَلَمَّا نظر إِلَى ثَابت قَالَ: من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ، وَقصد بذلك ثَابتا لزهده وتهجده، فَظن ثَابت أَنه متن ذَلِك الْإِسْنَاد، فَكَانَ يحدث بِهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: وَإِنَّمَا هُوَ قَول شريك. فَهَذَا يشبه الْمَوْضُوع بِغَيْر قصد وَلَيْسَ مَوْضُوع حَقِيقَة. هَذِه (الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة) أَقسَام مدرج الْإِسْنَاد. وَأما مُقَابِله وَهُوَ مدرج الْمَتْن: فَهُوَ أَن يَقع فِي الْمَتْن كَلَام لَيْسَ مِنْهُ قَالَ بعض من لقيناه: الْوَاقِع هُوَ المدرج لَا الْوُقُوع الْمعبر عَنهُ بِأَن يَقع، ثمَّ أَن قَوْله أَن يَقع فِي الْمَتْن مَعَ جعله المدرج يكون مصاحبا لآخر الْمَتْن فِيهِ تجوز، إِذْ كَونه مُتَّصِلا بِآخِرهِ لَا يُطلق عَلَيْهِ أَنه فِيهِ. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 فَتَارَة فِي أَوله، وَتارَة فِي أَثْنَائِهِ، وَتارَة فِي آخِره، وَهُوَ أَي وُقُوعه فِي الآخر هُوَ الْأَكْثَر وهبه وُقُوعه فِي الأول، وَإِنَّمَا كَانَ وُقُوعه فِي الأول أَكثر لِأَنَّهُ يَقع بعطف جملَة على جملَة. كَذَا ادَّعَاهُ المُصَنّف، وَتعقبه / الْكَمَال ابْن أبي شرِيف بِأَن فِي صلاحيته تعليلا - كَمَا ذكره - وَقْفَة للمتأمل. أَو بدمج مَوْقُوف من كَلَام بعض الصَّحَابَة أَو من بعدهمْ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 التَّابِعين وتابع التَّابِعين بمرفوع أَي بمتن مَرْفُوع من كَلَام النَّبِي من غير فصل (وَلَا يتَبَيَّن) فَهَذَا هُوَ مدرج الْمَتْن. قَالَ المُصَنّف: وَالْبَاقِي بمرفوع يحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى من أَو مَعَ. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ قَاسم أما اسْتِعْمَالهَا بِمَعْنى مَعَ فوارد نَحْو ( {اهبط بِسَلام} وَقد دخلُوا بالْكفْر) ، إِمَّا بِمَعْنى من فَلم أَقف عَلَيْهِ. وَيدْرك الإدراج بورود رِوَايَة مفصلة للقدر المدرج مِمَّا أدرج فِيهِ، أَو بالتنصيص على ذَلِك من الرَّاوِي أَو من بعض الْأَئِمَّة المطلعين، أَو اسْتِحَالَة كَون النَّبِي يَقُول ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَمِثَال وُقُوعه فِي الأول: حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي التَّشَهُّد وَفِيه: إِذا قلت ذَلِك فقد تمت صَلَاتك. . الحَدِيث فَإِن هَذَا مدرج من كَلَام ابْن مَسْعُود. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد الْخَطِيب مَرْفُوعا: " أَسْبغُوا الْوضُوء، ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار ". فَقَوله " أَسْبغُوا الْوضُوء " مدرج من قَول أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 هُرَيْرَة كَمَا بَين فِي رِوَايَة البُخَارِيّ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن ابْن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أَسْبغُوا الْوضُوء فَإِن أَبَا الْقَاسِم قَالَ: " ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار. . إِلَى آخِره ". وَمِثَال وُقُوعه فِي الْوسط: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة عبد الحميد ابْن جَعْفَر عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن / بسرة بنت صَفْوَان مَرْفُوعا: من مس ذكره أَو أنثييه أَو رفغيه فَليَتَوَضَّأ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 كَذَا رَوَاهُ عبد الحميد عَن هِشَام وَوهم. . فِي ذكر الْأُنْثَيَيْنِ والرفغ وإدراجه لذَلِك فِي حَدِيث بسرة، وَالْمَحْفُوظ أَنه قَول عُرْوَة لَا قَول النَّبِي، وَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَات عَن هِشَام. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق أَيُّوب بِلَفْظ: من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ. قَالَ كَانَ عُرْوَة يَقُول: إِذا مس رفغيه أَو أنثييه أَو ذكره فيتوضأ. اه فعروة لما فهم من لفظ الْخَبَر أَن سَبَب نقض الْوضُوء مَظَنَّة الشَّهْوَة جعل حكم مَا قرب من الشَّهْوَة كَذَلِك فقاله، فَظن بعض الروَاة أَنه من الحَدِيث فنقله مدرجا فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وَخبر عَائِشَة فِي بَدو الْوَحْي: كَانَ الْمُصْطَفى يَتَحَنَّث فِي غَار حراء - وَهُوَ التَّعَبُّد - اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد. فَقَوله " وَهُوَ التَّعَبُّد ". مدرج من كَلَام الزُّهْرِيّ. وأمثلة ذَلِك كَثِيرَة. وَمِثَال وُقُوعه فِي الآخر - وأمثلته لَا تحصى: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي خَيْثَمَة عَن الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود: أَن النَّبِي أَخذ بِيَدِهِ وَعلمه التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة، فَذكر التَّشَهُّد وَفِي آخِره: فَإِذا قلت هَذَا أَو قضيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ، وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ. قَالَ ابْن الصّلاح: قَوْله إِذا قلت هَذَا. . إِلَى آخِره من كَلَام ابْن مَسْعُود / لَا من كَلَام النَّبِي لِأَن الثِّقَة الزَّاهِد عبد الرَّحْمَن بن ثَابت، وَالْحُسَيْن الْجعْفِيّ، وَابْن عجلَان، وَغَيرهم رَوَوْهُ عَن الْحسن ابْن الْحر بترك إِذا قلت. . إِلَى آخِره. وَرَوَاهُ شَبابَة عَن أبي خَيْثَمَة وَبَين أَنه من قَول عبد الله فَقَالَ: قَالَ عبد الله: إِذا قلت هَذَا. . إِلَى آخِره رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: شَبابَة ثِقَة. والمدرج فِي الْمَتْن يعرف بِأُمُور: - 1 - أَحدهَا: أَن يمْتَنع صُدُور ذَلِك الْكَلَام من النَّبِي كَحَدِيث الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " للْعَبد الْمَمْلُوك أَجْرَانِ "، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَاد وَالْحج وبر أُمِّي لَا أَحْبَبْت أَن أَمُوت وَأَنا مَمْلُوك فَقَوله وَالَّذِي. إِلَى آخِره من كَلَام أبي هُرَيْرَة لِامْتِنَاع تمني الْمُصْطَفى الرّقّ، وَأمه لم تكن إِذْ ذَاك مَوْجُودَة حَتَّى يبرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 2 - ثَانِيهَا: أَن يُصَرح الصَّحَابِيّ بِأَنَّهُ قَالَ ذَلِك، كَحَدِيث ابْن مَسْعُود عَنهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: من مَاتَ وَهُوَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَمن مَاتَ وَهُوَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار. كَذَا رَوَاهُ احْمَد بن عبد الْجَبَّار العطاردي (عَن أبي بكر بن عَيَّاش. . وَرَوَاهُ الْأسود بن عَامر شَاذان وَغَيره) عَن أبي بكر بن عَيَّاش بِلَفْظ. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 سَمِعت رَسُول الله يَقُول: " من جعل لله ندا دخل النَّار "، وآخرى أقولها وَلم أسمعها مِنْهُ: من مَاتَ لَا يَجْعَل لله دخل الْجنَّة. 3 - ثَالِثهَا: أَن يُصَرح بعض الروَاة بتفصيله كَحَدِيث ابْن مَسْعُود فِي التَّشَهُّد الَّذِي / تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ. قَالَ ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ: وَحكمه - أَي الإدراج - بأقسامه أَنه حرَام بِإِجْمَاع أهل الحَدِيث وَالْفِقْه لَكِن قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: عِنْدِي أَن مَا أدرج لتفسير غَرِيب لَا يمْنَع، وَلذَلِك فعله الزُّهْرِيّ وَغير وَاحِد من الْأَئِمَّة. اه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وَقد نقل عَن الْمَاوَرْدِيّ، وَالرُّويَانِيّ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، أَنهم قَالُوا: إِن من تعمد الإدراج سَاقِط الْعَدَالَة، وَهُوَ كمن يحرف الْكَلم عَن موَاضعه فَكَانَ مُلْحقًا بالكذابين. وَقد صنف الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي أَقسَام المدرج كتابا سَمَّاهُ: " الْفَصْل فِي الْوَصْل المدرج فِي النَّقْل " شفى بِهِ وَكفى. قَالَ الْمُؤلف: ولخصته أَنا وزدت عَلَيْهِ من الْأَشْيَاء المهمة قدر مَا ذكر مرَّتَيْنِ أَو أَكثر فجَاء كتابا حافلا جَامعا، وَهُوَ مَوْجُود الْآن يُسمى " تقريب الْمنْهَج لترتيب المدرج ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 الحَدِيث المقلوب أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بِتَقْدِيم وَتَأْخِير - أَي - فِي الْأَسْمَاء: كمرة بن كَعْب وَكَعب بن مرّة، لِأَن اسْم أَحدهمَا اسْم أبي الآخر فَهَذَا هُوَ المقلوب. قَالَ بعض من لقيناه: وسيحيء قَرِيبا مَا يُشِير إِلَى أنِشرطه أَن يَقع غَلطا. ثمَّ إِن هَذَا مَا ذكره الْمُؤلف هُنَا. وَقَالَ فِي كتاب آخر: المقلوب أَن تخْتَلف الروَاة فِي اسْم وَاحِد فيرويه بَعضهم على الصَّوَاب، ويهم بَعضهم فَيَجْعَلهُ إباه وَيجْعَل إباه هُوَ، كمرة بن كَعْب فَجعله بَعضهم: كَعْب بن مرّة، بِخِلَاف المشتبه، فَإِنَّهُ يكون راويان أَحدهمَا / اسْم أبي الآخر. انْتهى. وللخطيب الْبَغْدَادِيّ فِيهِ أَي المقلوب مؤلف مُفْرد وَهُوَ كتاب " رَافع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 الارتياب فِي المقلوب من الْأَسْمَاء والأنساب ". وَقد يَقع الْقلب فِي الْمَتْن - أَيْضا - كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم فِي صَحِيحَة فِي السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله فِي ظلّ عَرْشه يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله فَفِيهِ: وَرجل تصدق بصدقه أخفاها حَتَّى لَا تعلم يَمِينه مَا تنْفق شِمَاله. فَهَذَا مِمَّا انْقَلب على أحد الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ " حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 وَمثل لَهُ شَيْخه البُلْقِينِيّ - أَيْضا - بِمَا رَوَاهُ حبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن عمته أنيسَة مَرْفُوعا: إِذا أذن ابْن أم مَكْتُوم فَكُلُوا وَاشْرَبُوا، وَإِذا أذن بِلَال فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تشْربُوا. . الحَدِيث. رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَالْمَشْهُور من حَدِيث ابْن عمر وَعَائِشَة: إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم. فَالرِّوَايَة بِخِلَاف ذَلِك مَقْلُوبَة. وَيُمكن أَن يُسمى ذَلِك بالمعكوس، ويفرد بِنَوْع مُسْتَقل. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَمثل لَهُ السُّيُوطِيّ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوهُ، وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شئ فَاجْتَنبُوهُ مَا اسْتَطَعْتُم. فَإِن الْمَعْرُوف مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنهُ فَاجْتَنبُوهُ وَمَا أَمرتكُم بِهِ فافعلوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم. وَجعل النَّوَوِيّ كَابْن / الصّلاح الْقلب فِي الْإِسْنَاد قسمَيْنِ: 1 - الأول: أَن يكون الحَدِيث مَشْهُورا براو فَيجْعَل مَكَانَهُ آخر فِي طبقته، نَحْو حَدِيث مَشْهُور عَن سَالم جعل عَن نَافِع ليرغب فِيهِ لغرابته. اه وَعَن مَالك جعل عَن عبيد الله بن عمر قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 ابْن دَقِيق الْعِيد: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُطلق على رَاوِيه: أَنه يسرق الحَدِيث. 2 - الثَّانِي: أَن يُؤْخَذ إِسْنَاد متن فَيجْعَل على متن آخر وَبِالْعَكْسِ، وَهَذَا قد يقْصد بِهِ الإغراب فَيكون كالوضع، وَقد يفعل اختبارا لحفظ الْمُحدث، أَو لقبوله التَّلْقِين. اه. وَقد يَقع الْقلب غَلطا لَا قصدا كَحَدِيث رَوَاهُ جرير بن حَازِم عَن ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا: إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 فَهَذَا حَدِيث انْقَلب إِسْنَاده على جرير وَهُوَ مَشْهُور ليحيى بن أبي كثير عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه عَن الْمُصْطَفى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد وَإِن كَانَت الْمُخَالفَة بِزِيَادَة راو فِي أثْنَاء الْإِسْنَاد وَمن لم يزدها أتقن مِمَّن زَادهَا فَهَذَا هُوَ الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد. ومثاله: مَا روى ابْن الْمُبَارك قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد حَدثنِي بسر بن عبيد الله سَمِعت أَبَا إِدْرِيس الْخَولَانِيّ سَمِعت وَاثِلَة يَقُول: سَمِعت أَبَا مرْثَد يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: لَا تجلسوا على الْقُبُور وَلَا تصلوا إِلَيْهَا. فَذكر سُفْيَان وَأبي إِدْرِيس فِي هَذَا الْإِسْنَاد زِيَادَة وَوهم، فالوهم فِي سُفْيَان مِمَّن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 دون ابْن الْمُبَارك، لِأَن الثِّقَات رَوَوْهُ عَن ابْن الْمُبَارك (عَن ابْن جَابر نَفسه من غير ذكر سُفْيَان) ، وَمِنْهُم من صرح فِيهِ بالإخبار. وَالوهم فِي أبي إِدْرِيس من ابْن الْمُبَارك، فَإِن الثِّقَات رَوَوْهُ عَن ابْن. يزِيد فَلم يذكرُوا أَبَا إِدْرِيس (بَين بسر وواثلة، وَمِنْهُم من صرح بِسَمَاع بسر من وَاثِلَة) . وَقد حكم الْأَئِمَّة - البُخَارِيّ وَغَيره - على ابْن الْمُبَارك بالوهم فِيهِ. اه وَقد صنف الْخَطِيب فِي هَذَا النَّوْع كتابا سَمَّاهُ: (تَمْيِيز الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 الْأَسَانِيد) فِي كثير مِنْهُ نظر. قَالَ الْمُؤلف - كَغَيْرِهِ - وَشَرطه أَي هَذَا النَّوْع أَن يَقع التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ (فِي مَوضِع الزِّيَادَة وَإِلَّا أَي وَإِن لم يَقع التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ) فِي موضعهَا فَمَتَى كَانَ مُعَنْعنًا مثلا كَأَن كَانَ بِحرف عَن أَو نَحْوهَا مِمَّا لَا يَقْتَضِي الِاتِّصَال ترجحت الزِّيَادَة، لِأَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 الحَدِيث المضطرب أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بإبداله - أَي الرَّاوِي - أَي بإبدال الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ، كَأَن يروي اثْنَان حَدِيثا فيرويه أَحدهمَا عَن شيخ، وَالْآخر عَن آخر، ويتفقان فِيمَا بعد ذَلِك الشَّيْخ، قَالَ (بَعضهم) : وَلَو قَالَ الْمُؤلف: أَي بإبدال راو كَانَ أولى. وَلَا مُرَجّح لأحد الرِّوَايَتَيْنِ على الْأُخْرَى لحفظ، أَو كَثْرَة صُحْبَة على من خَالفه وَلَا بِمن خَالفه عَلَيْهِ فَهُوَ المضطرب أَي النَّوْع / الْمُسَمّى بِالِاضْطِرَابِ. وَيكون ذَلِك غَالِبا فِي الْإِسْنَاد، كَحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 حُرَيْث عَن جده حُرَيْث عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: إِذا صلى أحدكُم فليجعل شَيْئا تِلْقَاء وَجهه. . الحَدِيث فقد اخْتلف فِيهِ على إِسْمَاعِيل، فَرَوَاهُ بشر بن الْمفضل - وَغَيره - هَكَذَا، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَنهُ عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ غير الْمَذْكُورين على هَيْئَة أُخْرَى. أما إِذا كَانَت لإحدى الرِّوَايَتَيْنِ - أَو الرِّوَايَات - مُرَجّح كحفظ رواتها، أَو كَثْرَة (صُحْبَة) الْمَرْوِيّ عَنهُ، أَو غير ذَلِك من وُجُوه المرجحات، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 فَالْحكم للراجحة وَلَا (يكون الحَدِيث مضطرباً لَا الرِّوَايَة الراجحة وَلَا) المرجوحة بل هِيَ شَاذَّة أَو مُنكرَة على مَا مر. وَاعْلَم أَن الْعِرَاقِيّ فِي " الفيتة " قد جعل جَمِيع ذَلِك من أَقسَام المقلوب. وَهُوَ أَي الِاضْطِرَاب الْمشَار إِلَيْهِ بالمضطرب يَقع فِي الْإِسْنَاد - غَالِبا - كَمَا مثلنَا. وَقد يَقع فِي الْمَتْن كَحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس قَالَت: سَأَلت - أَو سُئِلَ - النَّبِي عَن الزَّكَاة؟ فَقَالَ: إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة. وحديثها - أَيْضا -: لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة، روى الأول التِّرْمِذِيّ، وَالثَّانِي ابْن مَاجَه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وَهَذَا الِاضْطِرَاب لَا يحْتَمل التَّأْوِيل. اه قَالَ الْحَافِظ: لَكِن قل أَن يحكم الْمُحدث على الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاخْتِلَاف / فِي الْمَتْن دون الْإِسْنَاد، لِأَن تِلْكَ وَظِيفَة الْمُجْتَهد فِي الحكم. وَأعلم أَن الِاضْطِرَاب يُوجب ضعف الحَدِيث لإشعاره بِعَدَمِ الضَّبْط، الَّذِي هُوَ شَرط الصِّحَّة وَالْحسن. كَذَا أطلقهُ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح - لَكِن قَالَ المُصَنّف: إِن الِاضْطِرَاب قد يُجَامع الصِّحَّة، وَذَلِكَ بِأَن يَقع الِاخْتِلَاف فِي اسْم رجل وَاحِد وَأَبِيهِ وَنسبه وَنَحْو ذَلِك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَيكون ثِقَة فَيحكم للْحَدِيث بِالصِّحَّةِ وَلَا يضر الِاخْتِلَاف فِيمَا ذكر مَعَ تَسْمِيَته مضطربا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة بِهَذِهِ المثابة. وَسَبقه لذَلِك الزَّرْكَشِيّ فِي " مُخْتَصره " فَقَالَ: قد يدْخل الْقلب، والشذوذ، وَالِاضْطِرَاب فِي قسم الصَّحِيح وَالْحسن. وَقد يَقع الْإِبْدَال عمدا لمن يُرَاد اختبار حفظه امتحانا من فَاعله كَمَا وَقع للْبُخَارِيّ والعقيلي (بِضَم الْعين وَفتح الْقَاف) وَغَيرهمَا كشعبة، وَحَمَّاد بن سَلمَة. وَذَلِكَ أَن البُخَارِيّ لما دخل بَغْدَاد قلب عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 أَهلهَا مائَة حَدِيث امتحانا لَهُ، فَردهَا على وجوهها فأذعنوا لَهُ لفضله. قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: وَفِي جَوَاز هَذَا الْفِعْل نظر. لَكِن إِذا فعله لَا يسْتَمر حَدِيثا. فَلهَذَا قَالَ الْمُؤلف: وَشَرطه أَي شَرط جَوَازه أَن لَا يسْتَمر عَلَيْهِ أَي على الْمُبدل بل يَنْتَهِي بانتهاء الْحَاجة يَعْنِي لَا يبْقى الْمُبدل على صورته لِئَلَّا يظنّ أَنه ورد كَذَلِك عَن رَسُول الله ذكره الشَّيْخ قَاسم. فلوا وَقع الْإِبْدَال عمدا لَا لمصْلحَة بل للإغراب مثلا فَهُوَ من / أَقسَام الْمَوْضُوع يقْدَح فِي فَاعله وَيُوجب رد حَدِيثه وَلَو وَقع غَلطا فَهُوَ من المقلوب أَو الْمُعَلل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 مِثَاله للغلط: مَا رَوَاهُ يعلى بن عبيد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَاق النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مائَة بَدَنَة فِيهَا جمل لأبي جهل. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ؟ فَقَالَ: هَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، وَالْخَطَأ فِيهِ من يعلى بن عبيد. ومثاله لقصد الإغراب: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: إِذا لَقِيتُم الْمُشْركين فِي طَرِيق فَلَا تبدوهم بِالسَّلَامِ. رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة شُعْبَة وَالثَّوْري وَجَرِير بن عبد الحميد وَعبد الْعَزِيز ابْن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي كلهم عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن عَمْرو النصيبي عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 عَن أبي هُرَيْرَة ليصير بذلك غَرِيبا مرغوبا فِيهِ. وَقد يَقع الْإِبْدَال فِي الْمَتْن: كَحَدِيث ابْن خُزَيْمَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله قَالَ: إِن ابْن أم مَكْتُوم يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن بِلَال، وَكَانَ بِلَال لَا يُؤذن حَتَّى يرى الْفجْر. قَالَ السراج البُلْقِينِيّ: هَذَا مقلوب، وَالصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة: إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم / مَكْتُوم. وَكَانَ رجلا أعمى لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصبَحت، أَصبَحت. قَالَ: وَمَا تَأَوَّلَه ابْن خُزَيْمَة من أَنه يجوز أَن يكون النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام جعل الْأَذَان نوبا بَين بِلَال وَبَين ابْن أم مَكْتُوم بعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وَأبْعد مِنْهُ جزم ابْن حبَان بذلك. ذكره الشمني. المؤلفات فِي المضطرب: - وَقد ألف المُصَنّف فِي هَذَا النَّوْع كتابا جيدا سَمَّاهُ " المقترب فِي المضطرب ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 الْمُصحف والمحرف أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بتغيير حرف أَو حُرُوف مَعَ بَقَاء صُورَة الْخط أَي صُورَة الْحُرُوف الخطية فِي السِّيَاق، فَإِن كَانَ ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى النقط فالمصحف. وَإِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشكل يَعْنِي حَرَكَة الْحُرُوف مَعَ بَقَاء الْحُرُوف فالمحرف كتحريف سليم. . بسليم أَو عَكسه. تَنْبِيه: اعْترض الشَّيْخ قَاسم صَنِيع الْمُؤلف فَقَالَ: لَا يظْهر لهَذَا السِّيَاق كثير معنى وَيخرج من الشَّرْح، نظر فِي الْمَتْن لِأَن صَرِيح الشَّرْح أَن المحرف مَا وَقع التَّغْيِير فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَرَكَة الْحُرُوف، وصريح الْمَتْن أَن يكون بتغيير الْحُرُوف وَلَيْسَ كَذَلِك، فالباء بَاء، سَوَاء كَانَت مَضْمُومَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 أَو مَفْتُوحَة أَو مَكْسُورَة. , إِن كَانَ المُرَاد أَعم من تَغْيِير الذَّات والهيئة فَمَا وَجهه؟ . وَمَعْرِفَة هَذَا النَّوْع أَي الْمُصحف والمحرف مُهِمّ وَكَانَ الأولى أَن يَقُول مهمة، وَإِنَّمَا تحَققه حذاق الْحفاظ (وأجود كتاب فِيهِ كتاب) الدَّارَقُطْنِيّ (وَقد صنف فِيهِ) العسكري (وَالدَّارَقُطْنِيّ) / وَأكْثر مَا يَقع التَّصْحِيف والتحريف فِي الْمُتُون وَقد يَقع فِي الْأَسْمَاء الَّتِي فِي الْأَسَانِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَمِنْه الْعَوام بن مواجم بِالْوَاو وَالْجِيم، صحفه ابْن معِين فَقَالَ: مُزَاحم - بالزاي والحاء الْمُهْملَة - وَعتبَة بن الندر بنُون مَضْمُومَة ومهملة مُشَدّدَة مَفْتُوحَة صحفه ابْن جرير بِالْمُوَحَّدَةِ ومعجمة. وَمن الأول: حَدِيث زيد بن ثَابت أَن الْمُصْطَفى احتجر فِي الْمَسْجِد - وَهُوَ بالراء - أَي اتخذ حجرَة من نَحْو حَصِير يصلى عَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 صحفه ابْن لَهِيعَة فَقَالَ: احْتجم - بِالْمِيم -. وَحَدِيث من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال - بسين مُهْملَة، ومثناة فوقية -، صحفه الصولي فَقَالَ: شَيْئا - بِالْمُعْجَمَةِ والتحتية -. وَحَدِيث مُعَاوِيَة: لعن رَسُول الله الَّذين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 يشققون الْخطب - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة المضمومة - صحفه وَكِيع بِفَتْح الْمُهْملَة، وَكَذَا صحفه ابْن شاهين فَقَالَ بعض الفلاحين - وَقد سَمعه: فَكيف يَا قوم وَالْحَاجة ماسة. وَحَدِيث زر غبا تَزْدَدْ حبا (صحفه بَعضهم فَقَالَ: زرعنا تردد حنا) . ثمَّ فسره بِأَن قوما كَانُوا لَا يؤدون زَكَاة زرعهم فَصَارَت كلهَا حناء. فَائِدَة: أورد الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب " التَّصْحِيف " كل تَصْحِيف وَقع للْعُلَمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 حَتَّى فِي القرءان، وَمِنْه مَا رَوَاهُ أَن عُثْمَان بن أبي شيبَة قَرَأَ على أَصْحَابه فِي التَّفْسِير جعل السَّفِينَة فِي رجل أَخِيه فَقيل لَهُ إِنَّمَا هُوَ جعل السِّقَايَة فِي رَحل أَخِيه: فَقَالَ أَنا وَأخي / أَبُو بكر لَا نَقْرَأ لعاصم. وَقَرَأَ عَلَيْهِم فِي التَّفْسِير: ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل فَقَالَهَا ألم يَعْنِي كأول الْبَقَرَة. وَلَا يجوز تعمد تَغْيِير صُورَة الْمَتْن مُطلقًا عَن التَّقْيِيد أَي سَوَاء كَانَ فِي الْمُفْردَات، أَو فِي المركبات. ذكره الشَّيْخ قَاسم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَلَا الِاخْتِصَار مِنْهُ بِالنَّقْصِ. أَي بِحَذْف بعضه وَلَا إِبْدَال اللَّفْظ المرادف لَهُ إِلَّا لعالم أَي عَارِف، (وَلَو عبر بِهِ كَانَ أولى) بمدلالولات الْأَلْفَاظ (وَذَلِكَ) لتمكنه تَمْيِيز الْمَحْذُوف من الْمُثبت وَتَحْقِيق ذَلِك. وَبِمَا يحِيل الْمَعْنى على الصَّحِيح فيهمَا. فَيجوز للعارف مُطلقًا حَتَّى عِنْد من لم يجوز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 اخْتِصَار الحَدِيث أما اخْتِصَار الحَدِيث فالأكثرون على جَوَازه بِشَرْط أَن يكون الَّذِي يختصره أَي يحذف مِنْهُ بعض اللَّفْظ عَالما أَي عَارِفًا، فَلَا يحذف مَا يتَعَلَّق بِمَا يبقيه، فَإِن حذفه غير جَائِز اتِّفَاقًا، فَلذَلِك قَالَ: لِأَن الْعَالم لَا ينقص من الحَدِيث إِلَّا مَا لَا تعلق لَهُ بِمَا يبقيه مِنْهُ بِحَيْثُ لَا تخْتَلف الدّلَالَة. أَي دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى قبل الْحَذف وَبعده. وَلَا يخْتل الْبَيَان حَتَّى يكون الْمَذْكُور والمحذوف بِمَنْزِلَة خبرين مستقلين لَا تعلق لأَحَدهمَا بِالْآخرِ وَمَا ذكره يدل على مَا حذفه أَو يتضمنه، وَهَذَا إِشَارَة إِلَى مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ فِي الْأَطْرَاف. بِخِلَاف الْجَاهِل فَإِنَّهُ قد ينقص مَا لَهُ تعلق كالاستثناء نَحْو حَدِيث مُسلم لَا تَبِيعُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 الذَّهَب بِالذَّهَب / وَلَا الْوَرق بالورق إِلَّا هَاء وهاء. وكالغاية (نَحْو حَدِيث) الشَّيْخَيْنِ نهى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا. أما مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ فَيجوز حذفه لِأَنَّهُ كَخَبَر مُسْتَقل، وَقيل لَا يجوز لاحْتِمَال أَن يكون للضم فَائِدَة تفوت بِالتَّفْرِيقِ، وَكَلَامه شَامِل لما إِذا كَانَ الرَّاوِي الْمُخْتَصر روى الحَدِيث أَولا تَاما. وَقد صرح بَعضهم بِخِلَافِهِ فَقَالَ: إِذا رَوَاهُ تَاما ثمَّ خَافَ من رِوَايَته مُخْتَصرا أَن يتهم بِالزِّيَادَةِ أَو النَّقْص، (أَو بالغفلة وَقلة الضَّبْط) ، فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَأما الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَالْخِلَاف فِيهَا شهير، وَالْأَكْثَر على الْجَوَاز - أَيْضا -. وَعَلِيهِ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَأكْثر السّلف وَالْخلف من الْفُقَهَاء والأصوليين والمحدثين لَكِن الْعَارِف بمدلولات الْأَلْفَاظ، ومقاصدها، وَمَا يحِيل مَعَانِيهَا وَمَا لَا، مواقع الْكَلَام بِأَن يَأْتِي بِلَفْظ بدل آخر مسَاوٍ لَهُ فِي المُرَاد مِنْهُ وفهمه بِأَن يَأْتِي بِلَفْظ مسَاوٍ لَهُ فِي الْفَهم أَي فهم الْمَعْنى مِنْهُ - بِأَن يكون مثله فِي الْجلاء والخفاء، فَلَا يُبدل لفظا ظَاهرا لدلَالَة على معنى بِلَفْظ خَفِي الدّلَالَة على ذَلِك الْمَعْنى، وَلَا الْعَكْس، لِأَنَّهُ ينشأ عَن ذَلِك تَقْدِيم مَا رتبته التَّأَخُّر أَو الْعَكْس، لوُجُوب تَقْدِيم أحد الْخَبَرَيْنِ المتعارضين على مُخَالفَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 قَالَ بعض مَشَايِخنَا: فعلى هَذَا إِذا رَوَاهُ غَيره مِمَّن تقوم بِهِ الْحجَّة امْتنعت عَلَيْهِ الرِّوَايَة، وَالْمَقْصُود / الْمَعْنى وَاللَّفْظ آلَة لَهُ. وَأما غير الْعَارِف فَلَا يجوز لَهُ ذَلِك قطعا إِجْمَاعًا، ويشمل قَوْلهم: الْجَاهِل بالنحو لِأَن اللّحن يُغير الْمَعْنى، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد من كَونه نحويا. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الْأَصْمَعِي: أخوف مَا إخاف على الطَّالِب العاري من النَّحْو دُخُوله فِي قَول الْمُصْطَفى من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار. والمصطفى مَحْفُوظ من اللّحن، فَمن روى عَنهُ ولحن فقد كذب عَلَيْهِ، واللاحن يحملهُ لحنه أَن يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيخرج مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 مَا هُوَ فِيهِ. وَلذَلِك قَالَ ابْن الصّلاح: فَحق على طَالب الحَدِيث أَن يتَعَلَّم من النَّحْو واللغة مَا يخلصه من شَيْئَيْنِ: اللّحن والتحريف. وَالْوَاجِب فهم مُقَدّمَة فِيهِ أصُول مَقَاصِد النَّحْو بِحَيْثُ يُمَيّز بهَا حركات الْأَلْفَاظ وَالْإِعْرَاب، بِحَيْثُ لَا يلتبس عَلَيْهِ فَاعل بمفعول، وَلَا خبر بِأَمْر. قَالَ المُصَنّف: وَأَقل مَا يَكْفِي مُرِيد الحَدِيث من الْعَرَبيَّة حفظه من اللّحن ويستأنس لَهُ بِمَا روينَاهُ: كُنَّا نؤمر - أَو كَانُوا يؤمرون - أَن نتعلم القرءان، ثمَّ السّنة ثمَّ الْفَرَائِض، ثمَّ الْعَرَبيَّة، ثمَّ الْحُرُوف الثَّلَاثَة: الْجَرّ وَالرَّفْع وَالنّصب. وَأما التوغل فِيهِ فمنهي عَنهُ لتعطيله على الْإِحَاطَة بِهَذَا الْفَنّ الَّذِي لَا يقبل شركَة فِي غَيره مَعَه. وَكَذَلِكَ لم يكترث بعض الْأَئِمَّة بالنحو خوفًا على ضيَاع: الرِّوَايَة / كَأبي دَاوُد، وَالطَّيَالِسِي، وهشيم وَغَيرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وَكَانَ فِي الروَاة قوم لَا يكترثون بِالْعَرَبِيَّةِ، وَاحْتج بروايتهم فِي الصِّحَاح. وَقَرَأَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ على الذهلي كتابا قَالَ لَهُ: قرأته عَلَيْك كَمَا قرأته أَنْت؟ قَالَ نعم إِلَّا اللحنة بعد اللحنة. فَقَالَ لَهُ: أَيهَا القَاضِي أسمعته معربا؟ قَالَ: لَا. قلت: هَذِه بِهَذِهِ. وَمَا ورد من ذمّ طلب الحَدِيث إِن لم يبصر الْعَرَبيَّة فَمَحْمُول على الْمُحدث من لم يقف على شَيْء مِنْهُ كَمَا مر. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وعَلى الْمُحدث تعلم شَيْء من التصريف لتوقف معرفَة أَحْوَال أبنية الْكَلم الَّتِي لَيست بإعراب عَلَيْهِ. وَأول من تكلم فِيهِ الْمعَانِي، إِذْ مَعْرفَته مُلَازمَة لمعْرِفَة النَّحْو لَا يفترقان، وَتعلم شَيْء من اللُّغَة لِأَنَّهُ لَا بُد مِنْهَا فِي معرفَة أَلْفَاظ الحَدِيث، ومشتبه الْأَسْمَاء واللغات والكنى والأنساب وَهُوَ ظَاهر فِي وُجُوبه، وَقد صرح ابْن الصّلاح بذلك فِي اللُّغَة، وَجزم المُصَنّف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 بترجيح من عرف مُشكل الْأَسْمَاء والمتون على من عرف الْعَرَبيَّة. انْتهى. وَمن أقوى حججهم الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة للعجم بلسانهم للعارف بِهِ، فَإِذا جَازَ الْإِبْدَال بلغَة أُخْرَى فجوازه باللغة الْعَرَبيَّة أولى. قَالَ بعض من لقيناه: قد يُقَال: إِنَّمَا جَازَ هُنَاكَ للضَّرُورَة فَلَا دلَالَة فِيهِ هُنَا. وَقيل: إِنَّمَا يجوز فِي الْمُفْردَات دون المركبات. وَقيل: إِنَّمَا يجوز لمن / يستحضر اللَّفْظ ليتَمَكَّن من التَّصَرُّف وَقيل: إِنَّمَا يجوز لمن كَانَ يحفظ الحَدِيث فينسى لَفظه وَبَقِي مَعْنَاهُ مرتسما فِي ذهنه، فَلهُ أَن يرويهِ بِالْمَعْنَى لمصْلحَة تَحْصِيل الحكم مِنْهُ. (قَالَ بعض مَشَايِخنَا: فعلى هَذَا إِذا رَوَاهُ غَيره مِمَّن تقوم بِهِ الْحجَّة امْتنعت عَلَيْهِ الرِّوَايَة) . بِخِلَاف من كَانَ مستحضرا للفظة. وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل الْمَاوَرْدِيّ. قَالَ: فَإِن لم ينسه فَلَا، لفَوَات الفصاحة فِي كَلَام النَّبِي أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وَقيل: يجوز إِن كَانَ مُوجبه - أَي الحَدِيث - علما - أَي اعتقادا -، فَإِن كَانَ مُوجبه عملا فَلَا يجوز فِي بعض، كَحَدِيث أبي دَاوُد - وَغَيره -: مِفْتَاح الصَّلَوَات الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم. وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ: خمس من الدَّوَابّ كُلهنَّ فَاسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم: الْغُرَاب، والحدأة، وَالْعَقْرَب، والفأرة، وَالْكَلب الْعَقُور. وَيجوز فِي بعض. انْتهى وَقَوْلهمْ فِي بعض لم يذكرُوا للْبَعْض ضابطا، وَيُمكن أَن يضْبط بِأَنَّهُ مَا كَانَ فِي إِيرَاده بِاللَّفْظِ مزية تفوت بإيراده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 بِالْمَعْنَى كفوات الرُّتْبَة الْعليا من البلاغة فِي إِفَادَة الحكم الشَّرْعِيّ، فَإِن إِفَادَة اشْتِرَاط الطَّهَارَة وتقدمها على الصَّلَاة، وإفادة انْعِقَاد الصَّلَاة بالتكبيرة الأولى وانقضائها بِالسَّلَامِ لَو حصلت بِغَيْر الْأَلْفَاظ الْمشَار إِلَيْهَا لفاتت الْمرتبَة الْعليا من البلاغة. وَقيل: يجوز / بِلَفْظ مرادف، وَاخْتَارَهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِأَن يُؤْتى بِلَفْظ بدل مرادفه مَعَ بَقَاء التَّرْكِيب وموقع الْكَلَام على حَاله، بِخِلَاف مَا إِذا لم يُؤْتى بِلَفْظ مرادف فَلَا يجوز، لِأَن النَّبِي أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أُوتى جَوَامِع الْكَلم، وَأما غَيره فقد لَا يُوفي بِالْمَقْصُودِ. وَأما من ذهب إِلَى منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى مُطلقًا كَابْن سِيرِين، وثعلب وَأَبُو بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة لما فِيهِ من إِضَافَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 لفظ للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لم يقلهُ، وحذرا من التَّفَاوُت. وَإِن ظن النَّاقِل عَدمه فَإِن الْعلمَاء كثيرا مَا يَخْتَلِفُونَ فِي معنى الحَدِيث المُرَاد. فَرد بِأَن الْكَلَام فِي الْمَعْنى الظَّاهِر لَا فِيمَا يخْتَلف فِيهِ، كَمَا أَنه لَيْسَ الْخلاف فِيمَا تعبد بِلَفْظِهِ من الْأَذْكَار: كالأذان، وَالتَّشَهُّد، وَالتَّكْبِير، وَالتَّسْلِيم فَلَا يجوز نَقله بِالْمَعْنَى قطعا، وَلَا فِيمَا هُوَ من جَوَامِع الْكَلم (الَّتِي أوتيها الْمُصْطَفى عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَا يجوز نقلهَا بِغَيْر الفاظها نَحْو: الْخراج بِالضَّمَانِ الْبَيِّنَة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 الْمُدَّعِي، العجماء جَبَّار، لَا ضَرَر وَلَا ضرار، الْآن حمي الْوَطِيس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وَلَا فِي الْمُتَشَابه فَلَا تجوز رِوَايَته بِالْمَعْنَى، بل ينْقل بِلَفْظِهِ ليَقَع الْإِيمَان بِلَفْظِهِ من غير تَأْوِيل، أَو بِتَأْوِيل على المذهبين السلَفِي والخلفي) . وَجَمِيع مَا تقدم يتَعَلَّق بِالْجَوَازِ وَعَدَمه، وَلَا شكّ أَن الأولى إِيرَاد الحَدِيث بألفاظه المضبوطة عَن ناقليه وبتمامه دون التَّصَرُّف فِيهِ نعم كتب الْأَطْرَاف يَكْتَفِي فِيهَا بِبَعْض الحَدِيث مُطلقًا وَإِن لم يفد، وتقطيع الحَدِيث فِي الْأَبْوَاب كَمَا فعله البُخَارِيّ قَالَ ابْن الصّلاح: لَا يَخْلُو عَن كَرَاهَة. قَالَ النَّوَوِيّ: وَمَا أَظُنهُ يُوَافق عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 قَالَ القَاضِي عِيَاض: يَنْبَغِي سد بَاب الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى مُطلقًا لِئَلَّا يتسلط من لَا يحسن مِمَّن يظنّ / أَنه يحسن. أَي يرى نَفسه أَنه يحسن وَلَيْسَ كَذَلِك. ذكره الشَّيْخ قَاسم. كَمَا وَقع لكثير من الروَاة قَدِيما وحديثا. تَنْبِيهَانِ: 1 - الأول: قَالَ البُلْقِينِيّ: يجوز حذف زِيَادَة مَشْكُوك فِيهَا بِلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة، وَكَانَ مَالك - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - يَفْعَله تورعا. وَمحله فِي زِيَادَة لَا تعلق لَهَا بالمذكور، فَإِن تعلق ذكرهَا مَعَ الشَّك كَحَدِيث الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق، أَو دون خَمْسَة أوسق. اه. امْتنع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 الثَّانِي: ذهب المُصَنّف تبعا لجمع إِلَى جَوَاز النَّقْل من الْكتب والدفاتر وَإِن لم يكن حَدِيثه بِالْمَعْنَى، للعارف إِن قرنه بِمَا دلّ عَلَيْهِ كنحوه. وَأما مَا جرى عَلَيْهِ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ - كَابْن الصّلاح - من الْمَنْع مُطلقًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا سومح بذلك فِي الرِّوَايَة لما ضبط الْأَلْفَاظ والجمود عَلَيْهَا من الْحَرج، وَهُوَ مَفْقُود فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ الْكتب. قَالَا: فَلَا يجوز أَن يُغير لفظ من كتاب مُصَنف بِلَفْظ آخر بِمَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ إِن ملك تَغْيِير اللَّفْظ فَلَيْسَ يملك تَغْيِير تصنيف غَيره اه. فَرده ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّهُ إِذا لم يؤد إِلَى تَغْيِير ذَلِك التصنيف فَلَا مَانع من الْجَوَاز إِذا نَقَلْنَاهُ إِلَى أجزائنا وتصانيفنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 شرح غَرِيب الحَدِيث وَلما ذكر جَوَاز تَغْيِيره الْمَتْن بالمرادف أرشد إِلَى بَيَان مَا يكْشف ذَلِك مِنْهُ وَهُوَ شرح الْغَرِيب فَقَالَ: فَإِن خَفِي الْمَعْنى المُرَاد من الحَدِيث بِأَن كَانَ اللَّفْظ مُسْتَعْملا بقلة. أَي قَلِيل / الِاسْتِعْمَال احْتِيجَ إِلَى الْكتب المصنفة فِي شرح الْغَرِيب. وَهُوَ فن مُهِمّ يقبح جَهله بِأَهْل الحَدِيث، والخوض فِيهِ صَعب، حقيق بِالتَّحَرِّي، جدير بالتوقي، فليحذر خائضه وليتق الله ربه أَن يقدم على تَفْسِير كَلَام نبيه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام رجما بِالظَّنِّ إِن بعض الظَّن إِثْم. وَكَانَ السّلف يتثبتون فِيهِ اشد التثبت، ويتحرون فِيهِ أعظم التَّحَرِّي، وَلِهَذَا لما سُئِلَ أَحْمد - رَضِي الله عَنهُ - عَن حرف مِنْهُ قَالَ: سلوا أهل الْغَرِيب، فَإِنِّي أكره أَن أَتكَلّم فِي الحَدِيث بِالظَّنِّ. وَسُئِلَ الْأَصْمَعِي عَن معنى حَدِيث الْجَار أَحَق بسقبه؟ فَقَالَ: أَنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 لَا أفسر حَدِيث رَسُول الله، وَلَكِن الْعَرَب تزْعم أَن السقب اللزيق. وَقد أَكْثرُوا التصنيف فِيهِ، وَقيل: إِن أول من صنف فِيهِ النَّضر بن شُمَيْل، وَقيل أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى، ثمَّ النَّضر، ثمَّ الْأَصْمَعِي اه. ثمَّ كثرت التصانيف وانتشرت (ككتاب أبي عبيد بِالتَّصْغِيرِ الْقَاسِم بن سَلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 بشد اللَّام وَهُوَ غير مُرَتّب وَلَا مهذب وَقد رتبه الشَّيْخ موفق الدّين بن قدامَة بِالضَّمِّ من أكَابِر الْحَنَابِلَة والمحدثين على الْحُرُوف فسهل بذلك تنَاوله، لكنه مَعَ ذَلِك غير جَامع) وَأجْمع مِنْهُ كتاب ابي / عبيد (التصغير) الْهَرَوِيّ بِفتْحَتَيْنِ نِسْبَة إِلَى هراة مَدِينَة بخراسان الْمُسَمّى ب " الغريبين " وَقد اعتنى بِهِ الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو مُوسَى فَنقبَ عَلَيْهِ واستدرك فِي كتاب سَمَّاهُ " الذيل ". وَألف فِيهِ - أَيْضا - ابْن قُتَيْبَة، ثمَّ الْخطابِيّ، ثمَّ عبد الغافر الْفَارِسِي كتابا سَمَّاهُ " مجمع الغرائب "، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 ثمَّ السَّرقسْطِي كتابا سَمَّاهُ " غَرِيب الحَدِيث " وللزمخشري فِي هَذَا النَّوْع كتاب اسْمه " الْفَائِق " فِي مجلدين ضخمين حسن التَّرْتِيب بليغ الْعبارَة ثمَّ جمع الْجَمِيع أَي جَمِيع التصانيف المذكوره ابْن الْأَثِير فِي كتاب " النِّهَايَة " وَكتابه الْمَذْكُور أسهل الْكتب المذكوره تناولا وأحسنها وضعا مَعَ إعواز قَلِيل فِيهِ بل فَاتَهُ الْكثير، فذيل عَلَيْهِ الصفي الأرموي وَغَيره. وَإِن كَانَ اللَّفْظ مُسْتَعْملا بِكَثْرَة لَكِن فِي مدلولة دقة احْتِيجَ إِلَى الْكتب المصنفة فِي شرح مَعَاني الْأَخْبَار وَبَيَان الْمُشكل فِيهَا، وَقد أَكثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الْأَئِمَّة من التصانيف فِي ذَلِك كالطحاوي فألف فِيهِ كتابا حافلا والخطابي وَأَبُو عمر ابْن عبد الْبر وَابْن فورك وَغَيرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 الْجَهَالَة بالراوي ثمَّ الْجَهَالَة بالراوي: وَهِي السَّبَب الثَّامِن فِي الطعْن كَذَا عبر الْمُؤلف - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَهِي الْقسم الثَّامِن من أَقسَام الطعْن. وسببها أَمْرَانِ / أَحدهمَا: إِن الرَّاوِي قد تكْثر نعوته من أسم أَو كنية، أَو لقب، أَو صفة، أَو حرفه، أَو نسب إِلَى أَب، أَو بلد، أَو حِرْفَة فيشتهر بِشَيْء مِنْهَا فيذكر فِي سَنَد بِغَيْر مَا اشْتهر بِهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض، فيظن أَنه آخر فَتحصل الْجَهَالَة بِحَالهِ. دون الْبَاقِي، أَو يروي عَنهُ جمع فيعرفه كل وَاحِد بِغَيْر مَا عرفه بِهِ الآخر، أَو يروي عَنهُ وَاحِد فيعرفه مرّة بِهَذَا مرّة بِذَاكَ فيلتبس على من لَا معرفَة عِنْده، بل وعَلى كثير من أهل الْمعرفَة. وَأكْثر من يفعل ذَلِك المدلسون، وَيُسمى عِنْدهم تَدْلِيس الشُّيُوخ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وَهُوَ فن غويص جدا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ، فَإِن كَانَ الْغَرَض إخفاء ضعفه لكَونه لَو سمي عرف حَاله كَانَ ذَلِك قادحا فِي فَاعله، لِأَن فِيهِ إخراجا لذَلِك الرَّاوِي من حيّز الْقطع وتطرحه لكَونه متروكا والتسامح بقبوله لصيرورته مَجْهُولا وأقبح من ذَلِك أَن يكنى الضَّعِيف بكنية الثِّقَة الْمُسَمّى باسمه. وصنفوا فِيهِ - أَي فِي هَذَا النَّوْع - الموضح لَا وهام الْجمع والتفريق وأجاد فِيهِ الْخَطِيب، وَسَبقه إِلَيْهِ عبد الْغَنِيّ وَهُوَ ابْن سعيد الْأَزْدِيّ ثمَّ الْمصْرِيّ، صنف كتابا نَافِعًا سَمَّاهُ " إِيضَاح الْإِشْكَال " ثمَّ الصُّورِي وَهُوَ تلميذ عبد الْغَنِيّ وَشَيخ الْخَطِيب. وَمن أمثلته مُحَمَّد بن السَّائِب بن بشر الْكَلْبِيّ الْمُفَسّر الْعَلامَة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 / الْأَنْسَاب، أحد الضُّعَفَاء، وراوي حَدِيث ذَكَاة كل مسك دباغة نسبه بَعضهم وَهُوَ أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بنم أُسَامَة إِلَى جده فَقَالَ: مُحَمَّد بن بشر، وَسَماهُ بَعضهم: حَمَّاد بن السَّائِب، وكناه بَعضهم وَهُوَ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق أَبَا النَّضر، وَبَعْضهمْ وَهُوَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ أَبَا سعيد وَلم يذكرُوا اسْمه لتوهم النَّاس أَنه إِنَّمَا روى عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ الصَّحَابِيّ (وَبَعْضهمْ: أَبَا هِشَام. فَهَذَا يظنّ أَنه جمَاعَة وَهُوَ وَاحِد) وَمن لَا يعرف (حَقِيقَة الْأَمر فِيهِ) وَهُوَ أَن هَذِه مسميات لمسمى وَاحِد لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 يعرف شَيْئا من ذَلِك. وَمثل ذَلِك سَالم الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعُثْمَان وَعَائِشَة وَسعد بن أبي وَقاص. هُوَ سَالم أَبُو عبد الله الْمدنِي، وَسَالم مولى مَالك بن أَوْس، وَسَالم مولى شَدَّاد بن الْهَاد، وَسَالم مولى دوس، وَسَالم مولى الْمهرِي، وَأَبُو عبد الله مولى شَدَّاد. وَمثله مُحَمَّد بن قيس الشَّامي المصلوب الوضاع دلّس اسْمه على خمسين وَجها، بل يُقَال: مائَة. وَاسْتعْمل الْخَطِيب شَيْئا كثيرا من هَذَا، قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ: وَتبع الْخَطِيب فِي ذَلِك المحدثون - خُصُوصا الْمُتَأَخِّرين - أخرهم شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر. وَلم أر الْعِرَاقِيّ فِي " أَمَالِيهِ " يصنع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 شَيْئا من ذَلِك. اه وَهَذَا النَّوْع عويص جدا. وَالْأَمر الثَّانِي: الرَّاوِي / قد يكون مقلا من الحَدِيث فَلَا يكثر الْآخِذ عَنهُ. بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل، وَلَيْسَ هُوَ الْآخِذ بِلَفْظ الْمصدر كَمَا وهم فِيهِ بَعضهم. وَاعْترض: بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول الآخذون إِذْ لَا يلْزم من كثرت الْآخِذ كَثْرَة الآخذين. وَالِاعْتِبَار فِي الْجَهَالَة وَعدمهَا بالآخذين وَبِقَوْلِهِ لَا يخفي مَا بَين قَوْله، فَلَا يكثر الْأَخْذ عَنهُ وَبَين قَوْله. وَقد صنفوا فِيهِ الوحدان وَهُوَ من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وَلَو سمى بالنباء للْمَفْعُول فَمِمَّنْ جمعه مُسلم، وَالْحسن بن سُفْيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 فألفا فِيهِ وَغَيرهمَا. وَمن فَوَائده معرفَة الْمَجْهُول إِذا لم يكن صحابيا فَلَا يقبل. مِثَاله: وهب بن خنبش - بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة بَينهمَا نون سَاكِنة - الطَّائِي، وعامر بن شهر، وَعُرْوَة بن مُضرس، وَمُحَمّد بن صَفْوَان، وَمُحَمّد ابْن صَيْفِي صحابيون، لم يرو عَنهُ غير الشّعبِيّ. وأمثلته فِي التَّابِعين - فَمن بعدهمْ - كَثِيرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 المبهمات أَو لَا يُسمى الرَّاوِي اختصارا من الرَّاوِي عَنهُ، كَقَوْلِه أَخْبرنِي فلَان، أَو شيخ، أَو رجل، أَو بَعضهم، أَو ابْن فلَان. ويستدل على معرفَة اسْم الْمُبْهم بوروده مُسَمّى من طَرِيق أُخْرَى تسمى بِغَيْر ذَلِك. وَقد صنفوا فِيهِ أَي فِيمَن ابهم اسْمه المبهمات وَهِي كَثِيرَة جدا، كَذَا ذكره المُصَنّف وَتعقبه الْكَمَال بن أبي شرِيف بِأَن مَوْضُوع كتب المبهمات / أَعم من ذَلِك، لتناولها تَفْسِير إِبْهَام صَاحب الْوَاقِعَة كجاء رجل وَالنَّبِيّ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم يخْطب. فَقَالَ رجل: إِلَّا الْإِذْخر، فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 رجل: (مَا أحْسنهَا) أكسنيها يَا رَسُول الله من الْحلَّة الَّتِي أهديت لَك. اه. وَقد يكون الِاسْم الْمُبْهم فِي الْمَتْن، وَقد ألف فِيهِ عبد الْغَنِيّ، والخطيب، وَابْن بشكوال. وَلَا يقبل حَدِيث الْمُبْهم فِي السَّنَد مَا لم يسم لِأَن شَرط قبُول الْخَبَر عَدَالَة راوية وَفِي بعض النّسخ عَدَالَة رُوَاته وَهِي الأصوب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وبإبهامه يَنْتَفِي تحقق الْعَدَالَة وظنها. وَمن أبهم اسْمه لَا تعرف عينه فَكيف عَدَالَته؟ كَذَا عبر المُصَنّف، وَاعْتَرضهُ البقاعي بِأَنَّهُ تَعْبِير غير قويم، لِأَنَّهُ إِذا سمي خرج عَن كَونه مُبْهما فَلَا حَاجَة لتقييده بذلك، بل الصَّوَاب تَركه لإفهامه أَن حَدِيثه كَانَ مَقْبُولًا كَذَلِك فقد ذكر هُوَ على الْأَثر فِيهِ تَفْصِيلًا لَا يُقَال الْمَفْهُوم إِذا كَانَ فِيهِ تَفْصِيل لَا يرد، لأَنا نقُول ذَلِك لَا يدْفع الْأَوْلَوِيَّة فَلَو قَالَ لَا تعرف عينه فَلَا تعرف عَدَالَته كَانَ أولى. تَنْبِيه: لَو روى الثِّقَة عَن إِنْسَان سَمَّاهُ لم يكن تَعْدِيل، وَقيل هُوَ تَعْدِيل، لَكِن ذهب جمع إِلَى أَنه إِن كَانَ لَا يروي إِلَّا عَن عدل كالشيخين فتعديل إِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ ابْن الْجَزرِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وَكَذَا لَا يقبل خَبره وَلَو أبهم بِلَفْظ التَّعْدِيل كَأَن يَقُول الرَّاوِي عَنهُ أَخْبرنِي أَو حَدثنِي الثِّقَة لِأَنَّهُ قد يكون / ثِقَة عِنْده مجروحا عِنْد غَيره. معما فِي ترك تَسْمِيَته من الرِّيبَة الموقعة فِي التَّرَدُّد. هَذَا مَا ذكره المُصَنّف. ورده الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ لَا يلْزم من ذَلِك تَقْدِيم الْجرْح المتوهم على التَّعْدِيل الثَّابِت وَهُوَ خلاف النّظر، على أَنه لَو عرف فِيهِ الْجرْح كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ وَلَيْسَ بمردود اه. وَهَذَا على الْأَصَح فِي الْمَسْأَلَة. وَبِه قطع الْخَطِيب، والصيرفي، وارتضاه ابْن الْجَزرِي. وَجزم غَيرهم بِالْقبُولِ قَالُوا: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مَا لَو عدله مَعَ التَّعْيِين لِأَنَّهُ مَأْمُون فِي الْحَالَتَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَحكى ابْن الصّلاح عَن بعض الْمُتَأَخِّرين: إِن الْقَائِل لذَلِك إِن كَانَ عَالما أَجْزَأَ فِي حق يُوَافقهُ فِي مذْهبه. وبهذه النُّكْتَة لم يقبل الْمُرْسل وَلَو أرْسلهُ الْعدْل جَازِمًا بِهِ لهَذَا الِاحْتِمَال بِعَيْنِه. قَالَ بَعضهم: وَهَذَا تكْرَار مَعَ قَوْله وبهذه النُّكْتَة. وَقيل: يقبل مُطلقًا كَمَا لَو عينه لِأَنَّهُ مَأْمُون فِي الْحَالَتَيْنِ وتمسكا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ السَّلامَة إِذْ الْجرْح على خلاف الأَصْل فالتمسك بِالظَّاهِرِ أولى. وَقيل: إِن كَانَ الْقَائِل عَالما أَجْزَأَ ذَلِك يَعْنِي من أَئِمَّة الحَدِيث وَالْفِقْه كَقَوْل الإِمَام الشَّافِعِي كثيرا: أَخْبرنِي الثِّقَة، وَكَذَا مَالك قَلِيلا. يَعْنِي كفى فِي حق من يُوَافقهُ من أَئِمَّة مذْهبه لِأَن واصفه من أَئِمَّة الحَدِيث وَالْفِقْه لَا يصفه بالثقة إِلَّا وَهُوَ كَذَلِك، وعَلى هَذَا جمَاعَة من الْمُحَقِّقين وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والرافعي فِي شرح الْمسند / قَالَ السُّبْكِيّ: وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 الْوَجْه (لِأَن واصفه لَا يصفه بالثقة إِلَّا وَهُوَ كَذَلِك) . وَقَول الصَّيْرَفِي والخطيب: لَا يقبل لجَوَاز أَن يكون فِيهِ جارح لم يطلع عَلَيْهِ الواصف. رد ببعد ذَلِك جدا مَعَ كَون مثل مَالك أَو الإِمَام الشَّافِعِي محتجا بِهِ على حكم دين الله. وَهَذَا يعرف عِنْد كثير من الْمُحدثين بالتعديل على الْإِبْهَام، وَعند بَعضهم بالتعديل الْمُبْهم. وَمثل مَا لَو قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: أَخْبرنِي من لَا أَتَّهِمهُ بِأَنَّهُ يقبل خلافًا للصيرفي وَغَيره. وَقَول الذَّهَبِيّ: لَيْسَ توثيقا بل نفيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 للاتهام. رد: بِأَن مثل ذَلِك إِذا وَقع من الشَّافِعِي يحْتَج بِهِ على حكم فِي دين الله كَانَ المُرَاد بِهِ مَا يُرَاد بِالْوَصْفِ بالثقة وَإِن كَانَ دونه فِي الرُّتْبَة. وَيقبل من أقدم جَاهِلا على فعل مفسق مظنون كشرب نَبِيذ، أَو مَقْطُوع كشرب خمر فِي الْأَصَح، سَوَاء اعْتقد الْإِبَاحَة أم لم يعْتَقد شَيْئا لعذره بِالْجَهْلِ. أما الْمُقدم على المفسق عَالما فَلَا يقبل قطعا. وَهَذَا لَيْسَ من مبَاحث عُلُوم الحَدِيث بل من مبَاحث علم أصُول الْفِقْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 مَجْهُول الْعين فَإِن سمى الرَّاوِي وَانْفَرَدَ راو وَاحِد بالرواية عَنهُ وَلم يشْتَهر بِنَفسِهِ بِطَلَب الْعلم، وَلَا بحرفة الْعلمَاء، وَلَا يعرف حَدِيثه إِلَّا من جِهَته فَهُوَ مَجْهُول الْعين عِنْد الْمُحدثين. كالمبهم إِلَّا أَن يوثقه غير من ينْفَرد عَنهُ على الْأَصَح. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا اخْتِيَار الْقطَّان، وَقَيده الموثق / بِكَوْنِهِ من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَقد أهمله الْمُؤلف. وَقَالَ الشَّيْخ الْمَنَاوِيّ: وَفِي مَجْهُول الْعين خَمْسَة أَقْوَال، الْمُصَحح مِنْهَا عدم الْقبُول، لانضمام جَهَالَة الْعين إِلَى جَهَالَة الْحَال. وَكَذَا من ينْفَرد عَنهُ إِذا كَانَ متأهلا لذَلِك. قَالَ بَعضهم: مَا جرى عَلَيْهِ الْمُؤلف هُوَ مَا حَكَاهُ الْخَطِيب فِي " كِفَايَته " عَنْهُم، ونازعه ابْن الصّلاح بِرِوَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 البُخَارِيّ عَن مرداس الْأَسْلَمِيّ، وَمُسلم عَن ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنْهُمَا غير وَاحِد وَهُوَ قيس بن أبي حَازِم عَن الأول، وَأَبُو سَلمَة عَن الثَّانِي. وَذَلِكَ مصير مِنْهُمَا إِلَى أَن الرَّاوِي يخرج عَن كَونه مَجْهُولا بِرِوَايَة وَاحِد عَنهُ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَالصَّوَاب مَا نَقله الْخَطِيب وَلَا يَصح الرَّد عَلَيْهِ بذينك، فَإِنَّهُمَا صحابيان مشهوران، وَالصَّحَابَة عدُول فَلَا يحْتَاج فِي رفع الْجَهَالَة عَنْهُم إِلَى تعدد الروَاة. وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: إِن كَانَ الَّذِي انْفَرد عَنهُ راو وَاحِد من التَّابِعين يَنْبَغِي أَن يقبل خَبره، وَلَا يضرّهُ مَا ذكره المُصَنّف، لأَنهم قبلوا الْمُبْهم من الصَّحَابَة وَقَالُوا: كلهم عدُول. وَاسْتدلَّ لَهُ الْخَطِيب فِي " الْكِفَايَة " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 بِخَبَر خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، وَهَذَا بِعَيْنِه جَار فِي التَّابِعِيّ فَيكون الأَصْل الْعَدَالَة إِلَى أَن يقوم دَلِيل الْجرْح، وَالْأَصْل لَا يتْرك للاحتمال. انْتهى. وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن كثير: الْمُبْهم إِذْ سمي وَلم يعرف عينه لَا يقبل رِوَايَته عِنْد أحد علمناه إِلَّا إِن كَانَ من عصر التَّابِعين. ثمَّ قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقَوله إِن كَانَ متأهلا يُقَال عَلَيْهِ: مَا الْفرق بَين من يتفرد عَنهُ وَبَين غَيره حَتَّى يشْتَرط تأهل غير الْمُنْفَرد بالتوثيق دون الْمُنْفَرد. (قَالَ الشَّيْخ الْقَاسِم) : وَقَوله اثْنَان فَصَاعِدا قَيده ابْن الصّلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 بكونهما عَدْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَمن روى عَنهُ عَدْلَانِ ارْتَفَعت عَنهُ هَذِه الْجَهَالَة - أَي جَهَالَة الْعين. وَقَالَ الْخَطِيب: أقل مَا يرفع الْجَهَالَة رِوَايَة اثْنَيْنِ مشهورين بِالْعلمِ. والمؤلف أهمل ذَلِك مَعَ كَونه لَا بُد مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 مَجْهُول الْحَال أَو أَن روى عَنهُ اثْنَان فَصَاعِدا وَلم يوثق أَو لم ينص أحد من أَئِمَّة الحَدِيث على تعديله وَلَا تجريحه فَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَهُوَ المستور وَهُوَ من لم يطلع لَهُ على مفسق وَلم تعلم عَدَالَته لعدم تزكيته وَقد قبل رِوَايَته جمَاعَة بِغَيْر قيد مِنْهُم ابْن فورك، وسليم الرَّازِيّ، وعزي لأبي حنيفَة اكْتِفَاء بِظَنّ حُصُول الشَّرْط لِأَن الظَّاهِر من عَدَالَته فِي (الظَّاهِر عَدَالَته فِي) الْبَاطِن. قَالَ ابْن الصّلاح: وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي كتب الحَدِيث الْقَدِيمَة الْعَهْد وَتعذر خبْرَة باطنهم. وردهَا الْجُمْهُور قَالَ بَعضهم: وَهُوَ الْمَشْهُور وَالتَّحْقِيق أَن رِوَايَة المستور وَنَحْوه مِمَّا فِيهِ الِاحْتِمَال كمن جرح من غير بَيَان سَببه لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 يُطلق / القَوْل بردهَا وَلَا بقبولها بل يُقَال هُوَ مَوْقُوفَة (عَن الْقبُول وَالرَّدّ) إِلَى استبانه حَالَة بالبحث عَنهُ كَمَا جزم بِهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَنَحْوه قَول ابْن الصّلاح فِيمَن جرح بِجرح غير مُفَسّر (بِفَتْح السِّين) ، وَعبارَة الإِمَام: يُوقف إِلَى تَبْيِين حَاله بالبحث عَنهُ، وَيجب الْكَفّ عَمَّا ثَبت حلّه بِالْأَصْلِ إِذا روى هُوَ التَّحْرِيم فِيهِ إِلَى الظُّهُور احْتِيَاطًا. وَاعْترض ذَلِك التَّاج السُّبْكِيّ - مَعَ قَول الأبياري بِالْمُوَحَّدَةِ ثمَّ التَّحْتَانِيَّة - فِي " شرح الْبُرْهَان " أَنه مجمع عَلَيْهِ. بِأَن الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ، يعْنى فالحل الثَّابِت بِالْأَصْلِ لَا يرفع بِالتَّحْرِيمِ الْمَشْكُوك فِيهِ كَمَا لَا يرفع الْيَقِين أَي استصحابه بِالشَّكِّ بِجَامِع الثُّبُوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 حكم رِوَايَة المبتدع ثمَّ الْبِدْعَة، وَهِي السَّبَب التَّاسِع من أَسبَاب الطعْن فِي الرَّاوِي كَذَا عبر الْمُؤلف - رَحمَه الله -. قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَهِي الْقسم التَّاسِع من أَقسَام الطعْن فِي الرَّاوِي. وَهِي لُغَة: مَا أحدث على غير مِثَال سبق. فَشَمَلَ الْمَحْمُود والمذموم. وَقد أجْرى فِيهَا ابْن عبد السَّلَام الْأَحْكَام الْخَمْسَة، وَالشَّرْع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 خصها بالمذموم وَهِي إِمَّا أَن تكون بمكفر كَأَن يعْتَقد مَا يسْتَلْزم الْكفْر كَذَا عبر بِهِ الْمُؤلف. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَفِي التَّكْفِير باللازم كَلَام لأهل الْعلم /. انْتهى. وَلم يبين ذَلِك، وَقد بَينه ابْن أبي شرِيف فَقَالَ: لَيْسَ المُرَاد بِمن كفر ببدعة من أَتَى بِمَا هُوَ صَرِيح كفر كالغرابية وَنَحْوهم، بل من يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ مُعْتَقد الْإِسْلَام، غير أَنه ارْتكب بِدعَة يلْزمهَا أَمر هُوَ كفر، فكفره من يرى أَن لَازم الْمَذْهَب مَذْهَب كالمجسمة فَإِنَّهُ يلْزم قَوْلهم الْجَهْل بِاللَّه، وَالْجهل بِاللَّه كفر. وَيلْزمهُ أَن العابد لجسم غير عَابِد لله وَهُوَ كفر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَمن لَا يرى تكفيرهم يُجيب عَن الأول: بِأَن الْجَهْل بِاللَّه من بعض الْوُجُوه لَيْسَ بِكفْر بعد الْإِقْرَار بِوُجُودِهِ ووحدانيته، وَأَنه الْخَالِق الْعَلِيم، الْقَدِيم الأزلي، وبرسالة الرُّسُل. وَعَن الثَّانِي: بِمَنْع كَونه عابدا لغير الله، بل هُوَ مُعْتَقد فِي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا لَا يجوز عَلَيْهِ، مِمَّا جَاءَ بِهِ الشَّرْع على تَأْوِيل وَلم يؤوله فَلَا يكون كَافِرًا. وَقد قرر الْغَزالِيّ أَن عدم التَّكْفِير اقْربْ إِلَى السَّلامَة، هَذَا وَالَّذِي جرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوع التَّكْفِير. أَو بمفسق فَالْأول لَا يقبل صَاحبهَا الْجُمْهُور لعظم بدعته وقبحها، بل حكى فِي " التَّقْرِيب " كَأَصْلِهِ الِاتِّفَاق على عدم الْقبُول. لَكِن نوزع: بِأَن الإِمَام الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه قَائِلُونَ بقبوله إِذا كَانَ يحرم الْكَذِب وَإِن كفر ببدعته لَا من الْكَذِب فِيهِ أَي لِأَن اعْتِقَاده حُرْمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 الْكَذِب يزجره عَن الْإِقْدَام عَلَيْهِ فَيحصل ظن صَدَقَة / وَهُوَ مُوجب للْعَمَل بِخَبَرِهِ، لعُمُوم اعْتِبَار الظَّن الْحَاصِل عَن خبر الْعدْل، إِذْ الأَصْل عدم اعْتِبَار الظَّن، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: (إِن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا) خُولِفَ: فِي خبر من ظَهرت عَدَالَته، وفيمن كَانَ فسقه مظنونا، وَذَلِكَ لدَلِيل خَاص بهما. وَقيل: يقبل مُطلقًا أَي حَيْثُ كَانَ يحرم الْكَذِب، وَهُوَ أَضْعَف الْأَقْوَال وأولاها بِالرَّدِّ. وَقيل: إِن كَانَ لَا يعْتَقد حل الْكَذِب لنصرة مقَالَته قبل. وَاخْتَارَهُ الإِمَام الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول " وَقَالَ: إِنَّه الأَصْل الْأَصَح. قَالَ الْمُؤلف: وَالتَّحْقِيق إِنَّه لَا يرد كل مكفر ببدعته لِأَن كل طَائِفَة تَدعِي أَن مخالفيها مبتدعة، وَقد تبالغ فتكفر مخالفيها، قَول أَخذ ذَلِك على الْإِطْلَاق لاستلزم تَكْفِير جَمِيع الطوائف، فَالْمُعْتَمَد أَن الَّذِي ترد رِوَايَته من أنكر أمرا متواترا من الشَّرْع، مَعْلُوما من الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَا من اعْتقد عَكسه. بِأَن اعْتقد أمرا يُخَالف مَا علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ. وَأما من لم يكن بِهَذِهِ الصّفة، وانضم إِلَى ذَلِك ضَبطه لما يرويهِ مَعَ ورعه وتقواه فَلَا مَانع من قبُوله. كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام مُسلم، حَيْثُ قَالَ: اعْلَم أَن الْوَاجِب على كل أحد ... إِلَى أَن قَالَ: ويتقى مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَن أهل التهم، والمعاندين من أهل الْبدع. . فَهَذَا مذْهبه. وَالثَّانِي وَهُوَ / من لَا تَقْتَضِي بدعته الْكفْر أصلا وَقد اخْتلف - أَيْضا - فِي قبُوله ورده، فَقيل: يرد مُطلقًا. لِأَن مُخَالفَته للقواطع يَقْتَضِي الْقطع بِفِسْقِهِ، ودخوله فِي قَوْله تَعَالَى: (إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) . وَلَا يَنْفَعهُ التَّأْوِيل. قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا القَوْل ضَعِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 جدا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من كتب أَئِمَّة الحَدِيث الِاحْتِجَاج بِكَثِير من المبتدعة غير الدعاة، وَلم يزل السّلف وَالْخلف على قبُول الرِّوَايَة مِنْهُم، والاحتجاج بهم، وَالسَّمَاع مِنْهُم، وإسماعهم من غير نَكِير مِنْهُم. اه. قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ أَي هَذَا القَوْل بعيد، وَأكْثر مَا علل بِهِ أَن فِي الرِّوَايَة عَنهُ ترويجا لأَمره، وتنويها بِذكرِهِ. وَهُوَ من لَا ينْهض حجَّة، وَمِمَّا ضعف بِهِ - أَيْضا - احتجاج صَاحِبي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا بِكَثِير من المبتدعة. وعَلى هَذَا فَيَنْبَغِي أَن لَا يروي عَن مُبْتَدع شَيْء يُشَارِكهُ فِيهِ غير مُبْتَدع لوُجُود الْعلَّة، وَهِي ترويج حَاله، والتنويه بِذكرِهِ، وَهُوَ بعيد - أَيْضا -. وَقيل يقبل مُطلقًا إِلَّا إِن اعْتقد حل الْكَذِب فِي نصْرَة مذْهبه أَو لأهل - مذْهبه كَمَا تقدم أَي وَإِن كَانَ دَاعِيَة. قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ محكي عَن الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وَقيل: يقبل من لم يكن دَاعِيَة إِلَى بدعته أَي يَدْعُو النَّاس إِلَيْهَا، أَي وَكَانَ يحرم الْكَذِب كَمَا فِي " جمع الْجَوَامِع " / فَغير الداعية مَقْبُول بِخِلَاف الداعية. لِأَن تَزْيِين بدعته يحملهُ على تَحْرِيف الرِّوَايَات وتسويتها على مَا يَقْتَضِيهِ مذْهبه. وَاعْترض الْكَمَال ابْن أبي شرِيف عبارَة المُصَنّف هَذِه فَقَالَ: إِنَّمَا ذكره من التَّعْلِيل منطبق على مَفْهُوم هَذِه الْعبارَة، أما منطوقها فَلم يُصَرح بتعليله: وَهُوَ انْتِفَاء الْمَحْذُور. وَكَأَنَّهُ سكت عَنهُ اعْتِمَادًا على أَنه يفهم مِمَّا قدمه، وَمِمَّا فِي تَعْلِيله الْمَفْهُوم، فَإِن عِلّة قبُول غير الداعية هُوَ انْتِفَاء الْمَحْذُور من خشيَة تَحْرِيف الحَدِيث، وتسويته على مُقْتَضى بدعته إِذْ الْغَرَض أَنه يروي مَا لَيْسَ فِيهِ تَقْوِيَة لبدعته كَمَا صرح بِهِ بعد ذَلِك. ثمَّ فِي انطباق تَعْلِيله على مَفْهُوم الْعبارَة نظر، فَإِن مفهومها أَن الداعية ترد مُطلقًا وَالتَّعْلِيل أخص مِنْهُ، فَإِنَّهُ أورد على مَا لَهُ تعلق ببدعته فَقَط فَيَقْتَضِي أَن مَا لَا تعلق لَهُ بهَا يقبل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 فَإِن قيل: لَيْسَ أخص، إِذْ الداعية قد يحرف مَا لَيْسَ لَهُ تعلق ببدعته فَيَجْعَلهُ على مُقْتَضى بدعته. قُلْنَا: الْكَلَام فِي حَدِيث وَجَدْنَاهُ من رِوَايَته، وَلَا تعلق لَهُ ببدعته، وَلَا ملائمة بَينه وَبَينهَا. إِلَى هُنَا كَلَامه. وَقَالَ البقاعي: لم يُعلل المُصَنّف مَنْطُوق قَوْله يقبل من لم يكن دَاعِيَة وتعليله: إِنَّه لَا مَحْذُور فِي رِوَايَته لعدم خوف أَن يحرف الحَدِيث إِلَى بدعته لِأَن الْغَرَض أَنه لَيْسَ / دَاعِيَة، بل علل مفهومة وَهُوَ أَن الداعية لَا تقبل، وَعبارَته تفهم أَن الداعية ترد مُطلقًا، وتعليله أخص من هَذَا فَإِنَّهُ وَارِد على مَا لَهُ تعلق ببدعته فَقَط، فَيَقْتَضِي أَن مَا لَا تعلق لَهُ بهَا يقبل. فتقدير كَلَامه: يقبل من لم يكن دَاعِيَة مُطلقًا وَمن كَانَ دَاعِيَة وروى حَدِيثا لَا يتَعَلَّق ببدعته لعدم الْمَحْذُور فيهمَا. وَلَا يقبل الداعية إِذا روى مَا يتَعَلَّق ببدعته إِلَى آخِره. انْتهى. وَهَذَا فِي القَوْل الْأَصَح الَّذِي قَالَ النَّوَوِيّ فِي " تقريبه " وَغَيره: أَنه الْأَظْهر الأعدل، وَقَول الْكثير أَو الْأَكْثَر. قَالَ: وَضعف الْمَنْع مُطلقًا باحتجاج صَاحِبي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا بِكَثِير من المبتدعة غير الدعاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وَأغْرب ابْن حبَان فَادّعى الِاتِّفَاق على قبُول غير الداعية وَلَيْسَ كَمَا زعم، بل الْخلاف مُحَقّق بِغَيْر تَفْصِيل، نعم الْأَكْثَر على قبُول غير الداعية إِلَّا أَن يروي مَا يُقَوي بدعته. قَالَ المُصَنّف: وَيُقَاس عَلَيْهِ مَا إِذا روى الداعية شَيْئا يرد بدعته فَيقبل، أَي إِذا اجْتمعت فِيهِ بَقِيَّة شُرُوط الْقبُول. نَقله عَنهُ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف وارتضاه. فَيرد على الْمَذْهَب الْمُخْتَار عِنْد الْمُؤلف تبعا لجمع، وَهُوَ كَمَا قَالَ الأشموني: جَار على مَذْهَب من يرى رد الشَّهَادَة بالتهمة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه مَذْهَب كثيرين أَو الْأَكْثَرين من الْعلمَاء، قَالَ: وَهُوَ الأعدل الصَّحِيح /. وَبِه صرح الْحَافِظ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني بِضَم الْجِيم الأولى وَفتح الزَّاي شيخ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي كِتَابه " معرفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 الرِّجَال " فَقَالَ فِي وصف الروَاة: وَمِنْهُم زائغ عَن الْحق أَو السّنة صَادِق اللهجة، فَلَيْسَ فِيهِ حِيلَة إِلَّا أَن يُوجد فِي حَدِيثه مَا لَا يكون مُنْكرا، إِذا لم يقو بِهِ بدعته. انْتهى. وَمَا قَالَه مُتَّجه، لِأَنَّهُ الْعلَّة الَّتِي يرد بهَا حَدِيث الداعية وَارِدَة فِيمَا إِذا كَانَ ظَاهر الْمَرْوِيّ يُوَافق مَذْهَب المبتدع وَلَو لم يكن دَاعِيَة. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَظَاهر كَلَام الْمُؤلف هَذَا قبُول رِوَايَة المبتدع إِذا كَانَ ورعا فِيمَا عدا الْبِدْعَة، صَادِقا ضابطا سَوَاء كَانَ دَاعِيَة أَو غير دَاعِيَة إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق ببدعته. انْتهى. تَنْبِيهَات: 1 - الأول: قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: اعْترض على ذَلِك بِأَن الشَّيْخَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 احتجا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " بالدعاة، فاحتج البُخَارِيّ بعمران بن حطَّان وَهُوَ مِنْهُم. ثمَّ أجَاب: بَان أَبَا دَاوُد قَالَ: لَيْسَ فِي أهل الْأَهْوَاء أصح حَدِيثا من الْخَوَارِج. واحتجا بِعَبْد الحميد الْحمانِي وَكَانَ دَاعِيَة إِلَى الإرجاء. 2 - الثَّانِي: الْأَصَح أَنه لَا يقبل رِوَايَة الرافضة، وساب السّلف كَمَا فِي " الرَّوْضَة " فِي الْقَضَاء وَإِن سلف فِي بَاب الشَّهَادَة عَن التَّصْرِيح باستثنائهم. 3 - الثَّالِث: ألحق السلَفِي وَابْن رشيد بالمبتدع المشتغل (بعلوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الْأَوَائِل) كالفلسفة / والمنطق نَقله عَنْهُم السُّيُوطِيّ. 4 - الرَّابِع: يقبل رِوَايَة التائب من الْكَذِب فِي حَدِيث النَّاس وَالْفِسْق مُطلقًا، وَأما تعمد الْكَذِب على الْمُصْطَفى فَقَالَ أَحْمد والْحميدِي: على أَنه لَا يقبل تَوْبَته تمسكا بقوله عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد. .) وَنَقله الْحَارِثِيّ عَن أبن الْمُبَارك، وَالثَّوْري، وَرَافِع بن الأشرس، وَأبي نعيم وَغَيرهم. قَالَ الْخَطِيب: وَهُوَ الْحق. ورده النَّوَوِيّ فِي " شرح مُسلم " وَقطع بِصِحَّة تَوْبَته، وَقبُول رِوَايَته لإجماعهم على صِحَة رِوَايَة الْكَافِر بعد إِسْلَامه، وَقبُول شَهَادَته. وَحمل قَول الْمُخَالف على التغليط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وَالْمُبَالغَة فِي الزّجر عَنهُ لمُخَالفَته للقواعد، وَلعدم الْفرق بَينه وَبَين الشَّهَادَة. وانتصر بَعضهم للْأولِ: بِأَنَّهُ الْأَصَح عِنْد الْمُحدثين وَجُمْهُور الْفُقَهَاء. وَأغْرب الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ بقبوله مُطلقًا حَتَّى بحَديثه الْمَرْدُود. وتوسط بَعضهم فَقَالَ: يقبل فِي غير الْمَرْدُود لَا فِيهِ إِن لم يكن بِتَأْوِيل. أما مَا كَانَ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَلم يعْتَقد ضَرَره أَو فعله دفعا لضَرَر يلْحقهُ من الْعَدو فَيقبل تَوْبَته. قَالَ الْحَازِمِي والخطيب: وَلَو قَالَ لم أتعمد قبل مُطلقًا. 5 - (الْخَامِس) : فِي جمع الْجَوَامِع وشروحه: يقبل المتساهل فِي غير الحَدِيث بِأَن يتحرز فِي الحَدِيث عَن النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصلاو وَالسَّلَام لَا من الْخلَل فِيهِ، بِخِلَاف المتساهل فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يقبل: وَقيل: يرد مُطلقًا وَسَوَاء الحَدِيث وَغَيره، لِأَن التساهل فِي غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 الحَدِيث يجر إِلَى التساهل فِيهِ. وَيقبل من لَيْسَ فَقِيها خلافًا للحنفية فِيمَا يُخَالف الْقيَاس. وَيقبل المكثر من الرِّوَايَة وَإِن ندرت خالفته للمحدثين أَي وَالْحَال كَذَلِك، لَكِن إِذا أمكن تَحْصِيل ذَلِك الْقدر الْكَبِير الَّذِي رَوَاهُ من الحَدِيث فِي ذَلِك الزَّمَان الَّذِي خالط فِيهِ الْمُحدثين، فَإِن لم يُمكن فَلَا تقبل فِي شَيْء مِمَّا رَوَاهُ لظُهُور كذبه فِي بعض لَا تعلم عينه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 الشاذ ثمَّ سوء الْحِفْظ وَهُوَ السَّبَب الْعَاشِر (من أَسبَاب الطعْن) كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: وَهُوَ الْقسم الْعَاشِر من أَقسَام الطعْن وَالْمرَاد بِهِ: من لم يرجح جَانب إِصَابَته على جَانب خطأه. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا يُنَافِي مَا مر من قَوْله أَو سوء حفظه وَهِي عبارَة عَمَّن يكون غلطه أقل من إِصَابَته وَقد أصلحته بِلَفْظ نَحوا من إِصَابَته. قَالَ المُصَنّف: وَفهم مِمَّا لم يرجح، أما من يرجح جَانب خطأه أَو اسْتَويَا (فَلَيْسَ بسئ الْحِفْظ) . قَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا يُؤَيّد أَن قَوْله فِيمَا مر فِي حد سوء الْحِفْظ وَهُوَ عبارَة عَمَّن يكون خَطؤُهُ كأصابته. من النّسخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 الصَّحِيحَة بِخِلَاف أقل من إِصَابَته فَإِنَّهَا مُخَالفَة لما هُنَا، وَلَيْسَت بصحيحة من جِهَة الْمَعْنى لِأَن / الْإِنْسَان لَيْسَ بمعصوم من الْخَطَأ، فَلَا يُقَال فِيمَن وَقع لَهُ الْخَطَأ مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَنه سيء الْحِفْظ وَإِن كَانَ يصدق عَلَيْهِ أَن خطأه أقل من إِصَابَته، لِأَنَّهُ لم يصدق عَلَيْهِ إِنَّه لم يرجح إِصَابَته. وَهُوَ على قسمَيْنِ: إِن كَانَ لَازِما للراوي فِي جَمِيع حالاته فَهُوَ الشاذ أَي يُسمى حَدِيث ذَلِك الرَّاوِي بالشاذ على رَأْي بعض أهل الحَدِيث قَوْله على (رَأْي) متن وَشَرحه الْمُؤلف بِمَا بعده، قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: واللايق بالدمج أَن يُقَال على رَأْي هُوَ رَأْي. . إِلَى آخِره كَمَا مر نَظِيره مرَارًا. قَالَ بعض من لقيناه: وَمَا ذكره الْمُؤلف فِيهِ مُسَامَحَة، إِذْ سوء الْحِفْظ لَا يُوصف بالشذوذ وَكَذَلِكَ لَا يُوصف بالاعتداد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 الْمُخْتَلط أَو إِن كَانَ سوء الْحِفْظ طارئا على الرَّاوِي الثِّقَة: إِمَّا لكبره أَو لعماة أَو خرافة أَو فَسَاد عقل أَو لذهاب بَصَره، أَو لاحتراق كتبه، أَو عدمهَا بِأَن كَانَ يعتمدها فَرجع إِلَى حفظه فسَاء أَي حفظه فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَلط أَي يُسمى ذَلِك الرَّاوِي مختلطا. وَالْحكم فِيهِ: أَن مَا حدث فِيهِ قبل الِاخْتِلَاط إِذا تميز قبل، وَإِذا لم يتَمَيَّز وأشكل الْحَال توقف فِيهِ إِلَى التَّبْيِين. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَالْمرَاد إِذا تميز لنا وَإِلَّا فَهُوَ يتَمَيَّز فِي نَفسه إِذْ الْأَعْرَاض (لَا يتَصَوَّر) فِيهَا الِاخْتِلَاط الَّتِي لَا تميز مَعَه. وَكَذَا من اشْتبهَ الْأَمر فِيهِ كَذَا عبر الْمُؤلف، وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا اللَّفْظ فِيهِ إِبْهَام لِأَن ظَاهر السُّوق أَنه كَحَدِيث الْمُخْتَلط، وَلَفظه من لمن يعقل، فَلَا تصلح للْحَدِيث، فَإِن استعملها فِيمَن يعقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 يكون انْتقل من الحَدِيث إِلَى الرَّاوِي فَلَيْسَ بِظَاهِر. وَإِنَّمَا يعرف ذَلِك بِاعْتِبَار الآخذين عَنهُ. فَمن أَخذ عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط فروايته مَقْبُولَة، أَو بعده فمردودة، أَو أشكل الْحَال فَيتَوَقَّف عَن الْعَمَل بهَا إِلَى الظُّهُور. مِثَال من اخْتَلَط لكبر صَالح بن نَبهَان مولى التَّوْأَمَة قَالَ أَحْمد: أدْركهُ مَالك وَقد اخْتَلَط وَهُوَ كَبِير، وَمَا أعلم مِمَّن سمع مِنْهُ قَدِيما. وَقَالَ ابْن معِين: ثِقَة خرف قبل مَوته، فَمن سمع مِنْهُ قبل فَهُوَ ثَبت، فَقيل لَهُ: إِن مَالِكًا تَركه؟ قَالَ: إِنَّمَا ادركه بعد أَن خرف. وَقد ميز الْأَئِمَّة من سمع مِنْهُ قبل وَبعد. وَمِثَال من اخْتَلَط لذهاب بَصَره عبد الرَّزَّاق بن همام الصَّنْعَانِيّ قَالَ أَحْمد: أتيناه قبل الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ صَحِيح الْبَصَر، وَمن سمع مِنْهُ بِعْ عماه فَهُوَ ضَعِيف، وَكَانَ يلقن بعد عماه فيتلقن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَقد صنف مغلطاي كتابا حافلا فِي " الْمُخْتَلطين "، وَذكر الْحَازِمِي فِي " التُّحْفَة " أَنه ألف فيهم كتابا، وَلم يقف على ذَلِك الْعِرَاقِيّ - كَابْن الصّلاح - فَقَالَا: إِن (هَذَا النَّوْع) لم يؤلف فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الْحسن لغيره وَمَتى توبع السئ الْحِفْظ الصدوق الْأمين بمعتبر بِأَن يكون فَوْقه أَو مثله لَا دونه قَالَ المُصَنّف: إِذا تَابع السيء الْحِفْظ شخص فَوْقه انْتقل بِسَبَب ذَلِك إِلَى دَرَجَة ذَلِك الشَّخْص، (وينتقل ذَلِك الشَّخْص) إِلَى أَعلَى من دَرَجَة / نَفسه الَّتِي كَانَ فِيهَا، حَتَّى يتَرَجَّح على مساويه من (غير) مُتَابعَة من دونه. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: المُرَاد بقوله فَوْقه أَو مثله أَي فِي الدرجَة من السَّنَد اه لَا فِي الصّفة. وَكَذَا الْمُخْتَلط الَّذِي لَا يتَمَيَّز، والمستور أَي الْمَجْهُول الْحَال والإسناد الْمُرْسل، وَكَذَا المدلس (بِفَتْح اللَّام) إِذا لم يعرف الْمَحْذُوف مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 صَار حَدِيثهمْ حسنا. يَعْنِي اعتضد مَا روره، وَقَوي وَخرج عَن كَونه ضَعِيفا إِلَى كَونه حسنا لغيره. وَقد اعْترض الشَّيْخ قَاسم قَوْله حَدِيثهمْ: بِأَن كَانَ الأولى أَن يُقَال صَار الحَدِيث لِأَن الضَّمِير للمختلط والمستور والإسناد فعلى مَا قَالَ يكون على وَجه التغليب، أَو تَقْدِير مُضَاف. وعَلى مَا قُلْنَا لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك. لَا لذاته، بل وَصفه بذلك بِاعْتِبَار الْمَجْمُوع من المتابع بِفَتْح الْبَاء والمتابع بِكَسْرِهَا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم احْتِمَال كَون رِوَايَته صَوَابا أَو غير صَوَاب على حد سَوَاء فَإِذا جَاءَت من المعتبرين رِوَايَة مُوَافقَة لأَحَدهم رجح. ببنائه للْمَفْعُول أحد الْجَانِبَيْنِ من الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورين، وَدلّ على أَن الحَدِيث مَحْفُوظ، فارتقى من دَرَجَة (التَّوَقُّف إِلَى دَرَجَة الْقبُول وَمَعَ ارتقائه إِلَى دَرَجَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الْقبُول فَهُوَ منحط عَن رُتْبَة الْحسن لذاته، وَرُبمَا توقف بَعضهم فِي إِطْلَاق اسْم الْحسن عَلَيْهِ. كَذَا عبر الْمُؤلف، وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ قَاسم: بِأَن مُقْتَضى النّظر أَنه ارجح من الْحسن لذاته، لَان المتابع - بِكَسْر الْبَاء - إِذا كَانَ مُعْتَبرا فَحَدِيثه حسن، وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ المتابع / - بِالْفَتْح. انْتهى. وعَلى الأول فمثاله مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ - وَحسنه - من طَرِيق شُعْبَة عَن عَاصِم بن عبيد الله عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أَبِيه أَن امْرَأَة من بني فزاره تزوجت على نَعْلَيْنِ، فَقَالَ الْمُصْطَفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: أرضيت من نَفسك وَمَالك بنعلين؟ قَالَت نعم. فَأجَاز. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة. فعاصم ضَعِيف لسوء حفظه، وَقد حسن لَهُ التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث لوروده عَن غير عَاصِم. ومثاله مر فِي نوع الْمُرْسل. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ - أَيْضا - وَحسنه من طَرِيق هشيم عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن ابْن ابي ليلى عَن الْبَراء مَرْفُوعا: إِن حَقًا على الْمُسلمين أَن يغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة، وليمس أحدهم من طيب أَهله. . الحَدِيث. فهشيم مَوْصُوف بالتدليس، لَكِن مَا تَابعه عِنْد التِّرْمِذِيّ أَبُو يحيى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 التَّمِيمِي، وَكَانَ للمتن شَوَاهِد من حَدِيث أبي سعيد وَغَيره حسنه. أما الضَّعِيف لفسق الرَّاوِي أَو كذبه فَلَا يُؤثر فِيهِ مُتَابعَة وَلَا مُوَافقَة إِذا كَانَ الآخر مثله، لقُوَّة الضعْف وتقاعد هَذَا الجابر، نعم (يرتقي) بِمَجْمُوع طرقه عَن كَونه مُنْكرا أَو لَا اصل لَهُ - كَمَا قَالَه الْمُؤلف - قَالَ: بل رُبمَا كثرت الطّرق حَتَّى أوصلته إِلَى دَرَجَة المستور والسئ الْحِفْظ بِحَيْثُ إِذا وجد لَهُ طرق أخر فِيهِ ضعف قريب / مُحْتَمل ارْتقى بِمَجْمُوع ذَلِك إِلَى الْحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 تَنْبِيه: علم مِمَّا مر أَن الضَّعِيف مَا لم يجمع صفة الصَّحِيح أَو الْحسن، وَقد قسمه ابْن الصّلاح إِلَى أَقسَام كَثِيرَة بِاعْتِبَار فقد صفة من صِفَات الْقبُول السِّتَّة وَهِي: الِاتِّصَال، وَالْعَدَالَة، والضبط، والمتابعة فِي المستور، وَعدم الشذوذ، وَعدم الْعلَّة. وَبِاعْتِبَار فقد صفة مَعَ صفة أُخْرَى، أَو مَعَ أَكثر من صفة إِلَى أَن تفقد السِّتَّة، فبلغت فِيمَا ذكره الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ فِي " شرح ألفيته ": اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين قسما. وَوَصله غَيره إِلَى ثَلَاثَة وَسِتِّينَ، قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي " شرح التَّقْرِيب ": وَقد جمع فِي ذَلِك شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين الْمَنَاوِيّ كراسة، وَنَوع مَا فقد الِاتِّصَال إِلَى مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 سقط مِنْهُ الصَّحَابِيّ، أَو وَاحِد غَيره، أَو اثْنَان. وَمَا فقد الْعَدَالَة إِلَى: مَا فِي سَنَده ضَعِيف أَو مَجْهُول. وَقسمهَا بِهَذَا الِاعْتِبَار إِلَى مائَة وَتِسْعَة وَعشْرين قسما بِاعْتِبَار الْعقل، وَإِلَى أحد وَثَمَانِينَ بِاعْتِبَار إِمْكَان الْوُجُود وَإِن لم يتَحَقَّق وُقُوعهَا. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وَقد انْقَضى مَا يتَعَلَّق بِالْمَتْنِ من حَيْثُ الْقبُول وَالرَّدّ، ثمَّ الْإِسْنَاد، وَهُوَ الطَّرِيق الموصلة إِلَى الْمَتْن. كَذَا قَالَه الْمُؤلف هُنَا، وَقَالَ فِي صدر الْكتاب: الْإِسْنَاد حِكَايَة طَرِيق الْمَتْن، فَجعله هُنَاكَ / الْحِكَايَة وَهنا المحكي، فَأَشَارَ بذلك إِلَى أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ اسْتِعْمَالا. والمتن: هُوَ غَايَة مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْإِسْنَاد من الْكَلَام. كَذَا عبر الْمُؤلف، ورده الشَّيْخ قَاسم: بِأَن لَفظه غَايَة زَائِد مُفسد للمعنى، لِأَن لفظ مَا المُرَاد بِهِ الْكَلَام كَمَا فسره بقوله من الْكَلَام، فَيصير التَّقْدِير: الْمَتْن غَايَة كَلَام كَمَا فسره بقوله من الْكَلَام فَيصير التَّقْدِير يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْإِسْنَاد، فعلى هَذَا الْمَتْن حرف اللَّام من قَوْله أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام من جَاءَ مِنْكُم الْجُمُعَة فليغتسل. انْتهى. وَوَافَقَهُ على ذَلِك غَيره فَقَالَ: لَا يخفى مَا فِي هَذَا من الْفساد، إِذْ الاسناد يَنْتَهِي إِلَى الْمَتْن، وَقد جعله غَايَة الْمُنْتَهى إِلَيْهِ فَيكون الشَّيْء غَايَة لنَفسِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الْمَرْفُوع وَهُوَ إِمَّا أَن يَنْتَهِي إِلَى النَّبِي من اصل الْمَتْن وَيَقْتَضِي لَفظه إِمَّا تَصْرِيحًا أَو حكما أَن الْمَنْقُول بذلك الْإِسْنَاد من قَوْله، أَو من فعله، أَو من تَقْرِيره بِسَنَد مُتَّصِل أَو غير مُتَّصِل. مِثَال الْمَرْفُوع من القَوْل تَصْرِيحًا: أَن يَقُول الصَّحَابِيّ سَمِعت رَسُول الله يَقُول، أَو حَدثنَا. أَو يَقُول هُوَ أَو غَيره قَالَ رَسُول الله كَذَا، أَو عَن رَسُول الله أَنه قَالَ كَذَا. (أَو نَحْو ذَلِك) . كَذَا قَرَّرَهُ الْمُؤلف، وَقَوله أَو يَقُول هُوَ أَو غَيره أَي الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ (وتابعيه) فَمَا أضيف إِلَى النَّبِي مَرْفُوع وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا بِسُقُوط الصَّحَابِيّ مِنْهُ أَو غَيره. كَمَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 - كَابْن الصّلاح - فِي كَلَامه. لَكِن قَالَ الْخَطِيب: الْمَرْفُوع مَا أخبر بِهِ الصَّحَابِيّ عَن فعل الْمُصْطَفى أَو قَوْله. فَأخْرج بذلك الْمُرْسل فَلَا يُسمى مَرْفُوعا. قَالَ الْمُؤلف: لَكِن الظَّاهِر أَن الْخَطِيب لم يشرط ذَلِك وَأَن كَلَامه خرج مخرج الْغَالِب، لِأَن غَالب مَا يُضَاف إِلَى النَّبِي إِنَّمَا يضيفه الصَّحَابِيّ. قَالَ ابْن الصّلاح: وَمن جعل الْمَرْفُوع فِي مُقَابلَة الْمُرْسل - أَي حَيْثُ يَقُول: رَفعه فلَان أَو أرْسلهُ فلَان - فقد عَنى بالمرفوع الْمُتَّصِل. ومثاله الْمَرْفُوع من الْفِعْل تَصْرِيحًا: أَن يَقُول الصاحبي رَأَيْت رَسُول الله فعل كَذَا. أَو يَقُول هُوَ أَو غَيره: كَانَ رَسُول الله يفعل كَذَا. ومثاله من التَّقْرِير أَي تَصْرِيحًا أَن يَقُول الصَّحَابِيّ فعلت بِحَضْرَة النَّبِي كَذَا. أَو يَقُول هُوَ أَو غَيره: فعل فلَان بِحَضْرَة النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 كَذَا، أَو فعل بِحَضْرَتِهِ كَذَا وَلَا يذكر إِنْكَاره لذَلِك. ومثاله من القَوْل حكما لَا تَصْرِيحًا: مَا (مَصْدَرِيَّة) يَقُول الصَّحَابِيّ الَّذِي لم يَأْخُذ عَن الْإسْرَائِيلِيات أَي اسْتِقْلَالا أَو بِوَاسِطَة مِمَّا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ، وَلَا لَهُ تعلق بِبَيَان لُغَة أَو شرح غَرِيب كالإخبار عَن الْأُمُور الْمَاضِيَة فِي بَدْء الْخلق وأخبار الْأَنْبِيَاء، أَو الْإِخْبَار عَن الْأُمُور الْمُسْتَقْبلَة بِكَسْر الْبَاء على الصَّوَاب أَو الْقيَاس الْآتِيَة كالملاحم وَهِي / الْفِتَن الْعِظَام. فَقَوله والفتن عطف عَام على خَاص، والبعث وأحوال يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَا الْإِخْبَار عَمَّا يحصل بِفِعْلِهِ ثَوَاب مَخْصُوص أَو عِقَاب مَخْصُوص يَتَرَتَّب على عمل مَخْصُوص فَهَذَا كُله يحمل على السماع كَمَا صرح بِهِ الإِمَام الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول ". مِثَاله: قَول ابْن مَسْعُود: من أَتَى ساحرا أَو عرافا فقد كفر بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 أنزل على مُحَمَّد. لِأَن مثله لَا يَقُوله الصَّحَابِيّ إِلَّا بتوقيف. وَمن ثمَّ قَالَ الْمُؤلف: وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ حكم الْمَرْفُوع لِأَن إخْبَاره بذلك يَقْتَضِي (مخبرا) ، وَمَا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ يَقْتَضِي موقفا للقائل بِهِ، وَلَا موقف للصحابي إِلَّا النَّبِي، أَو بعض من يخبر عَن الْكتب الْقَدِيمَة. وَالْغَرَض أَنه لم يَأْخُذ عَن أَهلهَا، قَالَ الْحَاكِم: وَمِنْه تَفْسِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 الصَّحَابِيّ الَّذِي يشْهد الْوَحْي والتنزيل. وَخَصه النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح -: بِمَا فِيهِ سَبَب النُّزُول. وَاسْتحْسن بَعضهم مَا اقْتَضَاهُ قَول ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا: التَّفْسِير على أَرْبَعَة أوجه: 1 - تَفْسِير تعرفه الْعَرَب من كَلَامهَا. 2 - وَتَفْسِير لَا يعْذر أحد بجهله. 3 - وَتَفْسِير تعلمه الْعلمَاء. 4 - وَتَفْسِير لَا يُعلمهُ إِلَّا الله. فَمَا كَانَ عَن الصَّحَابَة مِمَّا هُوَ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين غير مَرْفُوع، لأَنهم أَخَذُوهُ عَن معرفتهم بِلِسَان الْعَرَب، وَمَا كَانَ من الْوَجْه الثَّالِث فمرفوع / إِذْ لم يَكُونُوا يَقُولُونَ كالقرءآن بِالرَّأْيِ، وَالْمرَاد بالرابع: الْمُتَشَابه. قَالَ الْمُؤلف: وَمَا ذَكرُوهُ من أَن سَبَب النُّزُول مَرْفُوع يُعَكر على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 إِطْلَاقهم مَا إِذا استنبط الرَّاوِي السَّبَب كَمَا فِي حَدِيث زيد بن ثَابت: أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الظّهْر. وَبِهَذَا وَقع الِاحْتِرَاز عَن الْقسم الثَّانِي قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وهم بعض من يخبر عَن الْكتب الْقَدِيمَة، وَوَقع الِاحْتِرَاز عَنهُ بقوله - فِيمَا تقدم - مَا يَقُول الصَّحَابِيّ الَّذِي لم يَأْخُذ عَن الْإسْرَائِيلِيات. لِأَن من كَانَ من بني إِسْرَائِيل كَعبد الله بن سَلام، وَمِمَّنْ نظر فِي كَلَامهم كَعبد لله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَإِنَّهُ حصل لَهُ فِي وقْعَة اليرموك كتبا كَثِيرَة من كتب أهل الْكتاب، لَا يحمل ذَلِك مِنْهُ على الرّفْع لاحْتِمَال أَن يكون نَقله عَن ذَلِك. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلهُ حكم. . مَا لَو قَالَ: قَالَ رَسُول الله فَهُوَ مَرْفُوع على الْأَصَح سَوَاء كَانَ سَمعه مِنْهُ أَو عَنهُ بِوَاسِطَة. لِأَن الصَّحَابَة لَا يبْحَث عَن عدالتهم - كَمَا تقدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 لَكِن قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون أخبر بِهِ شخص بِحَضْرَة رَسُول الله وَأقرهُ، فنقله بعض من سمع من الصَّحَابَة كَذَلِك، فَيكون من الْمَرْفُوع تقريرا. وَقيل: لَا يحْتَج بِهِ لاحْتِمَال أَن يكون سَمعه من تَابِعِيّ، وَعَلِيهِ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق، وَعَلِيهِ جرى القَاضِي فِي " التَّقْرِيب " وَمِمَّنْ حكى الْخلاف ابْن برهَان / فِي " الْأَوْسَط " والآمدي وَغَيرهمَا. وَمثل قَول الصَّحَابِيّ قَالَ قَوْله عَن، فَالْأَصَحّ أَن لَهُ حكم الْمَرْفُوع، وَقيل لَا لظُهُوره فِي الْوَاسِطَة، وَيحْتَمل كَونه تابعيا. وَمِثَال الْمَرْفُوع من الْفِعْل حكما: أَن يفعل الصَّحَابِيّ مَا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ فَينزل على أَن ذَلِك الْفِعْل عِنْده عَن النَّبِي. قَالَ بعض من لقيناه: يحْتَمل أَن يكون عَن قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 لَا عَن فعله بِأَن اخبر بِالْجَوَازِ. كَمَا قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي صَلَاة عَليّ - رضى الله عَنهُ - فِي الْكُسُوف فِي كل رَكْعَة أَكثر من ركوعين. كَذَا مثل الْمُؤلف، وَخَالفهُ الشمني فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ: لَا يَتَأَتَّى فعل مَرْفُوع حكما. قَالَ: وَلَا يلْزم من كَونه عِنْده عَن النَّبِي أَن يكون عِنْده من فعله، لجَوَاز أَن يكون عِنْده من قَوْله. انْتهى / وَقَالَ البقاعي: أَظن قَول الْمُؤلف فِي الْكُسُوف وهما، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزلزلة، فقد روى الْبَيْهَقِيّ فِي " السّنَن " و " الْمعرفَة " عَن الإِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 الشَّافِعِي فِيمَا بلغَة عَن عباد عَن الْأَحول عَن قزعة عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَنه صلى سِتّ رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات. . قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: وَلَو ثَبت هَذَا عَن عَليّ خص بِهِ وهم يثبتونه. وَأما الْكُسُوف: فقد رُوِيَ أَن فِي كل رَكْعَة أَكثر من ركوعين عَن فعل النَّبِي - أَيْضا - فِي عدَّة طرق، فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّمَسُّك بِفعل عَليّ /. انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَمِثَال الْمَرْفُوع من التَّقْرِير حكما: أَن يخبر الصَّحَابِيّ أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي زمَان النَّبِي كَذَا أَو يَقُول كُنَّا نَفْعل كَذَا، أَو نرى كَذَا، أَو كُنَّا معاشر النَّاس نَفْعل فِي عَهده كَذَا فَإِنَّهُ يكون لَهُ حكم الرّفْع على الاصح، خلافًا للإسماعيلي وَغَيره من جِهَة أَن الظَّاهِر هُوَ اطِّلَاعه على ذَلِك، وَإِقْرَاره عَلَيْهِ لتوفر دواعيهم على سُؤَاله عَن أُمُور دينهم، وَلِأَن ذَلِك الزَّمَان زمَان نزُول الْوَحْي فَلَا يَقع من الصَّحَابَة فعل شَيْء ويستمرون عَلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ (غير) مَمْنُوع الْفِعْل، وَقد اسْتدلَّ جَابر وَأَبُو سعيد على جَوَاز الْعَزْل (بِعَين مُهْملَة بعْدهَا زَاي وَهُوَ منع الْإِنْزَال فِي فرج الْأُنْثَى) بِأَنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ والقرءان ينزل، وَلَو كَانَ مِمَّا ينْهَى عَنهُ لنهى عَنهُ القرءان. كَذَا أخرجه الشَّيْخَانِ عَن جَابر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وَقَالَ الْحَاكِم والخطيب: هُوَ لَيْسَ بمرفوع ولجواز أَن لَا يعلم النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بِهِ. وَمن ذَلِك مَا لَو قَالَ: كَانَ النَّاس يَفْعَلُونَ فِي عَهده كَذَا فَلهُ حكم الرّفْع، وَكَانُوا لَا يقطعون فِي الشَّيْء التافه قالته عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - لظُهُور ذَلِك فِي جَمِيع النَّاس الَّذِي هُوَ إِجْمَاع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَقيل: لَا لجَوَاز إِرَادَة نَاس مخصوصين وَمن أَمْثِلَة ذَلِك - ايضا قَول جَابر: كُنَّا نَأْكُل لُحُوم الْخَيل على عهد رَسُول الله رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. وَكَذَا قَول الصَّحَابِيّ كُنَّا لَا نرى بَأْسا بِكَذَا فِي حَيَاة / الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو وَهُوَ فِينَا، أَو بَين أظهرنَا، أَو كَانُوا يَقُولُونَ، أَو يَفْعَلُونَ أَو لَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا فِي حَيَاته. أما إِذا لم يضفه إِلَى زمن النَّبِي فَهُوَ مَوْقُوف. على مَا جرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي " التَّقْرِيب " تبعا لِابْنِ الصّلاح التَّابِع للخطيب، وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ - أَيْضا - فِي " شرح مُسلم " عَن جُمْهُور الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وَأهل الْأُصُول. وَأطلق الإِمَام الرَّازِيّ، والآمدي، وَالْحَاكِم أَنه مَرْفُوع وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 ابْن الصّباغ: إِنَّه الظَّاهِر، وَمثل لَهُ بقول عَائِشَة: كَانَت الْيَد لَا تقطع فِي الشَّيْء التافه. وَحَكَاهُ فِي " الْمَجْمُوع " وَقَالَ: هُوَ قوي من حَيْثُ الْمَعْنى. وَصَححهُ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ ثمَّ الْمُؤلف قَالَ: لكنه أنزل رُتْبَة من الأول لتردده بَين أَن يُرِيد الْإِجْمَاع أَو تَقْرِير الشَّارِع. وَمن أمثلته: مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن جَابر قَالَ: كُنَّا إِذا صعدنا كبرنا وَإِذا نزلنَا سبحنا. وَمن التَّقْرِير الْحكمِي: قَول الْمُغيرَة بن شُعْبَة كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله يقرعون بَابه بالأظافير. لاستلزامه اطلَاع الْمُصْطَفى على ذَلِك وإقرارهم عَلَيْهِ. ويلتحق بِقَوْلِي حكما مَا ورد بِصِيغَة الْكِنَايَة (بالنُّون وَالْيَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 التَّحْتِيَّة) فِي مَوضِع الصِّيَغ الصَّرِيحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فِي قَول التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ يرفع الحَدِيث أَو يرويهِ أَو ينميه أَو يبلغ بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو رِوَايَة أَو رَوَاهُ. كَقَوْل ابْن عَبَّاس - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: الشِّفَاء فِي ثَلَاثَة: شربة عسل، وَشَرطه محجم، وكية نَار، وَآيَة من كتاب الله عز وَجل. رفع الحَدِيث. رَوَاهُ الْحَاكِم. وكحديث الْأَعْرَج عَن ابي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - يبلغ بِهِ: النَّاس تبع لقريش. أخرجه الشَّيْخَانِ. فَكل هَذَا كيرويه وَرَوَاهُ بِلَفْظ الْمَاضِي مَرْفُوع. قَالَ الْمُؤلف: وَلم يذكرُوا مَا حكم ذَلِك لَو قيل عَن النَّبِي قَالَ: ظَفرت لذَلِك بمثال فِي " مُسْند الْبَزَّار " عَن رَسُول الله " يرويهِ - أَي عَن ربه عز وَجل - فَهُوَ حِينَئِذٍ من الْأَحَادِيث القدسية. وَقد يقتصرون على القَوْل مَعَ حذف الْقَائِل ويريدون بِهِ النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 كَقَوْل ابْن سِيرِين عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ: تقاتلون قوما صغَار الْأَعْين. . الحَدِيث. أخرجه الشَّيْخَانِ. وكقول ابْن سِيرِين - أَيْضا - عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ: أسلم وغفار وَشَيْء من مزينة. . الحَدِيث. وَفِي كَلَام الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ أَنه اصْطِلَاح خَاص بِأَهْل الْبَصْرَة لَكِن روى عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ: كل شَيْء حدثت بِهِ عَن أبي هُرَيْرَة فَهُوَ مَرْفُوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَمن الصِّيَغ المحتملة قَول الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ: من السّنة كَذَا، فالأكثر على أَن ذَلِك مَرْفُوع. لِأَن الظَّاهِر أَنهم لَا يُرِيدُونَ بِالسنةِ عِنْد الْإِطْلَاق إِلَّا سنة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَقَوْل عَليّ: من / السّنة وضع الْكَفّ على الْكَفّ فِي الصَّلَاة تَحت السُّرَّة. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَهُوَ مَرْفُوع قَالَ فِي " التَّقْرِيب " - كَأَصْلِهِ: على الصَّحِيح الَّذِي قَالَه الْجُمْهُور. قَالَ المُصَنّف: وَمِمَّا يرجح أَنَّهَا من سنة النَّبِي كبر الصَّحَابِيّ كَأبي بكر مثلا، فَإِنَّهُ لم يكن قبله سنة غير سنة رَسُول الله. وَكَذَلِكَ إِذا أوردهُ مقَام الِاحْتِجَاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 على صحابة مجتهدين أَو فيهم مُجْتَهد. وَاحْتِمَال أَن يُرِيد سنة غير النَّبِي كَسنة الْبَلَد بعيد، مَعَ أَن الأَصْل خِلَافه وَنقل ابْن عبد الْبر عَن الْعلمَاء فِيهِ الِاتِّفَاق قَالَ: وَإِذا قَالَهَا غير الصَّحَابِيّ فَكَذَلِك مَا لم يضفها إِلَى صَاحبهَا كَسنة العمرين قَالَ الشَّيْخ قَاسم: فبذلك يظْهر أَن هَذَا من التَّنْبِيه بالأدنى على الْأَعْلَى، فَإِذا قَالَهَا التَّابِعِيّ فَهُوَ كَذَلِك بِالْأولَى. وَفِي نقل الِاتِّفَاق نظر، فَعَن الإِمَام الشَّافِعِي فِي أصل الْمَسْأَلَة قَولَانِ، وَذهب إِلَى أَنه غير مَرْفُوع الصَّيْرَفِي من الشَّافِعِيَّة، وَأَبُو بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة، وَابْن حزم من الظَّاهِرِيَّة، وَاحْتَجُّوا بِأَن السّنة تَتَرَدَّد بَين النَّبِي وَبَين غَيره. وأجيبوا: بِأَن احْتِمَال غير النَّبِي بعيد. وَقد روى البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه " فِي حَدِيث ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 عمر عَن أَبِيه. . فِي قصَّته مَعَ الْحجَّاج حِين قَالَ لَهُ: إِن كنت تُرِيدُ السّنة فَهجر بِالصَّلَاةِ. قَالَ ابْن / شهَاب: فَقلت لسالم: أَفعلهُ رَسُول الله: فَقَالَ سَالم وَهل يعنون بذلك إِلَّا سنته. فَنقل سَالم وَهُوَ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة، وَأحد الْحفاظ من التَّابِعين عَن الصَّحَابَة أَنهم إِذا أطْلقُوا السّنة لَا يُرِيدُونَ إِلَّا سنة النَّبِي، وَأما قَول بَعضهم يعْنى ابْن حزم كَمَا أَفَادَهُ المُصَنّف فِي غير هَذَا الْكتاب إِن كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 مَرْفُوعا فَلم لَا يَقُولُونَ فِيهِ: قَالَ رَسُول الله؟ فَجَوَابه: إِنَّهُم تركُوا الْجَزْم تورعا واحتياطا، وَمِنْه قَول أبي قلَابَة (بِكَسْر الْقَاف) عَن أنس: من السّنة إِذا تزوج الْبكر على الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا. أخرجه الشَّيْخَانِ قَالَ أَبُو قلَابَة: لَو شِئْت لَقلت: إِن أنسا رَفعه إِلَى النَّبِي - أَي لَو قلت لم أكذب - لِأَن قَوْله من السّنة هَذَا مَعْنَاهُ لَكِن إِيرَاده بالصيغة الَّتِي أوردهَا الصَّحَابِيّ أولى. وَخص بَعضهم الْخلاف بِغَيْر الصّديق، أما هُوَ إِن قَالَه فمرفوع اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ قبله سنة غير سنة النَّبِي. وَمن ذَلِك: قَول الصَّحَابِيّ أمرنَا بِكَذَا أَو نهينَا عَن كَذَا وَأوجب أَو حرم أَو رخص بِبِنَاء الْجَمِيع للْمَفْعُول فِي الْأَظْهر. فمثال قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 أمرنَا: قَول أم عَطِيَّة: أمرنَا أَن نخرج فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِق وَذَوَات الخذور / وَأمر الْحيض أَن يعتزلن مصلى الْمُسلمين. أخرجه الشَّيْخَانِ. وَمِثَال قَوْله نهينَا: قَوْلهَا - أَيْضا: نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز وَلم يعزم علينا. أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا. فَالْخِلَاف فِيهِ كالخلاف فِي الَّذِي قبله والتصحيح فِيهِ كالتصحيح فِي الَّذِي قبله فَإِن مُطلق ذَلِك إِنَّمَا ينْصَرف بِظَاهِرِهِ إِلَى من لَهُ الْأَمر وَالنَّهْي وَمن يجب اتِّبَاع سنته وَهُوَ الرَّسُول وَلِأَن مَقْصُود الصَّحَابِيّ بَيَان الشَّرْع لَا اللُّغَة وَلَا الْعَادة، وَالشَّرْع يتلَقَّى من السّنة وَالْكتاب وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس، وَلَا يَصح أَن يُرِيد أَمر الْكتاب لكَون مَا فِي الْكتاب مَشْهُورا يعرفهُ النَّاس، وَلَا الْإِجْمَاع لِأَن الْمُتَكَلّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 بِهَذَا من أهل الْإِجْمَاع، ويستحيل أمره نَفسه، وَلَا الْقيَاس إِذْ لَا أَمر فِيهِ، فَتعين كَون المُرَاد أَمر الرَّسُول فَلذَلِك قَالَ المُصَنّف: وَخَالف فِي ذَلِك طَائِفَة تمسكوا بِاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد غَيره، كأمر القرءان أَو الْإِجْمَاع أَو بعض الْخُلَفَاء أَو بعض الْوُلَاة أَو الاستنباط قَائِله من قَائِله للْإِيجَاب أَو التَّحْرِيم أَو الترخيص. واجيبوا: بَان الأَصْل هُوَ الأول، وَمَا وَمَا عداهُ مُحْتَمل لكنه بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَرْجُوح. وَأَيْضًا فَمن كَانَ فِي طَاعَة رَئِيس إِذا قَالَ أمرت لَا يفهم عَنهُ أَن أمره إِلَّا رئيسه. قَالَ بَعضهم: هَذَا لَا يخرج / احْتِمَال القرءان وَلَا أَمر الْخُلَفَاء. وَأما قَول من قَالَ: يحْتَمل أَن يظنّ مَا لَيْسَ بِأَمْر أمرا فَلَا اخْتِصَاص لَهُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة، بل هُوَ مَذْكُور فِيمَا لَو صرح فَقَالَ: أمرنَا رَسُول الله بِكَذَا وَهُوَ احْتِمَال ضَعِيف، لِأَن الصَّحَابِيّ عدل، عَارِف بِاللِّسَانِ فَمَا يُطلق ذَلِك إِلَّا بعد التحقق. وَمن ذَلِك: قَوْله كُنَّا نَفْعل كَذَا فَلهُ حكم الْمَرْفُوع كَمَا تقدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الْبيُوع من البُخَارِيّ: أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ اسْتَأْذن على عمر. . فَذكره إِلَى أَن قَالَ: فَكُنَّا نؤمر بذلك. فَقَالَ عمر: تَأتِينِي بِالْبَيِّنَةِ على ذَلِك. فالتعبير بِهِ يدل على مساواته للفظ الَّذِي ورد مُصَرحًا بِإِسْنَاد الْأَمر إِلَى النَّبِي سَوَاء كَانَ من قَول أبي مُوسَى أَو غَيره من الروَاة الْعَالمين بمدلولات الْأَلْفَاظ وَلَا فرق بَين قَوْله - أَي الصَّحَابِيّ - مَا تقدم فِي حَيَاة النَّبِي أَو بعده. وَمن ذَلِك: أَن يحكم الصَّحَابِيّ على فعل من الْأَفْعَال بِأَنَّهُ طَاعَة لله أَو لرَسُوله، أَو مَعْصِيَته كَقَوْل عمار بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 يَاسر من صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشك بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِيهِ فقد عصى أَبَا الْقَاسِم. فَلهَذَا حكم الرّفْع - أَيْضا - لِأَن الظَّاهِر أَن ذَلِك مِمَّا تَلقاهُ عَنهُ. كَمَا جزم بِهِ الزَّرْكَشِيّ فِي " مُخْتَصره " نقلا عَن ابْن عبد الْبر وَغَيره. لَكِن خَالف فِي ذَلِك البُلْقِينِيّ فَقَالَ فِي / " محَاسِن الِاصْطِلَاح ": الْأَقْرَب أَنه لَيْسَ بمرفوع لجَوَاز إِحَالَة الْإِثْم على مَا ظهر من الْقَوَاعِد. اه. وَسَبقه إِلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم الْجَوْهَرِي وَغَيره. قَالَ المُصَنّف: وَقَوله كُنَّا نَفْعل كَذَا أحط رُتْبَة من قَوْلهم كُنَّا نَفْعل فِي عهد النَّبِي، لَان هَذَا وَإِن أوردهُ محتجا بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 يحْتَمل أَن يُرِيد الاجماع، أَو تَقْرِير النَّبِي، فالاحتجاج الصَّحِيح وَفِي كَونه من التَّقْرِير التَّرَدُّد. أَو تَنْتَهِي غَايَة الْإِسْنَاد إِلَى الصَّحَابِيّ كَذَلِك - أَي مثل مَا تقدم - فِي كَون اللَّفْظ يَقْتَضِي التَّصْرِيح بِأَن الْمَنْقُول هُوَ من قَول الصَّحَابِيّ أَو من فعله أَو من تَقْرِيره، وَلَا يجِئ فِيهِ جَمِيع مَا تقدم بل معظمه، والتشبيه لما يشْتَرط فِيهِ الْمُسَاوَاة من كل جِهَة. بل يَكْتَفِي من بعض الْوُجُوه، وَجزم ابْن الصّباغ فِي كتاب " الْعدة ": بِأَن التَّابِعِيّ إِذا قَالَ ذَلِك فَهُوَ مُرْسل، ثمَّ حكى فِيهِ إِذا قَالَه ابْن الْمسيب وَجْهَيْن: هَل يكون حجَّة أَو لَا؟ وللغزالي فِيهِ احْتِمَالَانِ بِلَا تَرْجِيح: هَل يكون مَوْقُوفا أَو مَرْفُوعا مُرْسلا؟ وَقَالَ: قَوْله من السّنة فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا النَّوَوِيّ فِي " شرح مُسلم " وَغَيره، وَصحح وَقفه. وَحكى الداوودي الرّفْع عَن الْقَدِيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 معرفَة الصَّحَابَة - رَضِي الله عَنْهُم - وَلما كَانَ هَذَا الْمُخْتَصر شَامِلًا لجَمِيع أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث استطرد فِيهِ وَفِي نُسْخَة: مِنْهُ إِلَى تَعْرِيف الصَّحَابِيّ مَا هُوَ؟ فَقلت: وَهُوَ من لَقِي النَّبِي مُؤمنا وَمَات على / الْإِسْلَام وَلَو تخللت ردة فِي الْأَصَح. قَالَ البقاعي: وَقَوله شَامِلًا أَي أُرِيد أَن يكون شَامِلًا. وَلم أدر مَا يعود عَلَيْهِ ضمير مِنْهُ، وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يَقُول: والصحابي هُوَ من لَقِي النَّبِي. . إِلَى آخِره، أَو يكْتب الْوَاو بالحمرة (والصحابي) بِالسَّوَادِ وَهُوَ وَمَا بعْدهَا بالحمرة. وَيُمكن أَن يعود ضمير مِنْهُ على الْإِسْنَاد الْمُحدث عَنهُ فِي قَوْله ثمَّ الْإِسْنَاد. وَلَكِن كَيفَ يكون الاستطراد (مَشْرُوطًا بِكَوْن الْمُخْتَصر شَامِلًا لما ذكر؟ إِن كَانَ التَّعْرِيف من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث لم يكن ذكره اسْتِطْرَادًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 بل متأصلا، وَإِلَّا لم يشْتَرط فِيهِ شُمُول الْمُخْتَصر لجَمِيع الْأَنْوَاع، بل الْبَعْض الَّذِي بِهِ تعلق، وَهُوَ مَا ذكر فِيهِ الصَّحَابِيّ كَانَ فِي توسيع الاستطراد إِلَيْهِ. وَالْمرَاد باللقاء: مَا هُوَ أَعم من المجالسة والمماشاة والمكالمة ووصول أَحدهمَا إِلَى الآخر (وَإِن لم يكالمه) لكَون أَحدهمَا بشاهق جبل وَالْآخر بوهدة وَيدخل فِيهِ رُؤْيَة أَحدهمَا الآخر سَوَاء كَانَ ذَلِك أَي الرُّؤْيَة بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ أَي سَوَاء كَانَ اللِّقَاء بِنَفسِهِ - وَهُوَ ظَاهر -، أَو بِغَيْرِهِ كَمَا إِذا حمل طِفْل رَضِيع إِلَيْهِ وَالتَّعْبِير باللقي أولى من قَول بَعضهم وَهُوَ ابْن الصّلاح: الصَّحَابِيّ من رأى النَّبِي، لِأَنَّهُ يخرج ابْن أم مَكْتُوم وَنَحْوه من العميان وهم صحابة بِلَا تردد. كَذَا قَالَه الْمُؤلف هُنَا، وَقَالَ فِي كتاب آخر: الَّذِي اخترته أخيرا أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 قَول من قَالَ رأى النَّبِي لَا يرد عَلَيْهِ الْأَعْمَى، لِأَن المُرَاد بِالرُّؤْيَةِ مَا هُوَ أَعم من الرُّؤْيَة بِالْقُوَّةِ أَو بِالْفِعْلِ / وَالْأَعْمَى فِي قُوَّة من يرى بِالْفِعْلِ وَإِن عرض مَانع من الرُّؤْيَة بِالْفِعْلِ. إِلَى هُنَا كَلَامه. ورده الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا اخْتِيَار مجازي بِلَا قرينَة فَلَا عِبْرَة بِهِ. واللقي فِي هَذَا التَّعْرِيف كالجنس. وَقَوْلِي: مُؤمنا كالفصل، يخرج من حصل لَهُ اللِّقَاء الْمَذْكُور لَكِن فِي حَال كَونه كَافِرًا. وَإِن أسلم بعد كرسول قَيْصر، فَلَا صُحْبَة لَهُ كَمَا جزم بِهِ الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي " شرح التَّقْرِيب ". وَيُوَافِقهُ قَول الأشموني فِي " شرح نظم النخبة ": يخرج من لقِيه قبل الْبعْثَة وَغَابَ ثمَّ أسلم زمن الْبعْثَة حَال كَونه مُسلما كسعيد بن حَيْوَة الْبَاهِلِيّ. هَذِه عِبَارَته. وَقَوْلِي: بِهِ فصل ثَان، يخرج من لقِيه مُؤمنا لَكِن بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَتعقب هَذِه الْعبارَة الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ إِذا كَانَ المُرَاد بقوله مُؤمنا بِغَيْرِهِ: أَنه مُؤمن بِأَن ذَلِك الْغَيْر نَبِي، وَلم يُؤمن بِمَا جَاءَ بِهِ كَأَهل الْكتاب الْيَوْم من الْيَهُود فَهَذَا لَا يُقَال لَهُ مُؤمن، فَلم يدْخل فِي الْجِنْس فَيحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه بفصل، وَحِينَئِذٍ لَا يَصح أَن يكون هَذَا فصلا وَإِنَّمَا هُوَ لبَيَان مُتَعَلق الْإِيمَان. وَإِن كَانَ المُرَاد مُؤمنا بِمَا جَاءَ بِهِ غَيره من الْأَنْبِيَاء فَذَلِك مُؤمن بِهِ إِن كَانَ لقاؤه بعد الْبعْثَة، وَإِن كَانَ قبلهَا فَهُوَ مُؤمن بِأَنَّهُ سيبعث فَلَا يَصح أَيْضا أَن يكون فصلا لما ذكره فِي قَوْله لَكِن هَل يخرج بِهِ من لقِيه مُؤمنا أَنه سيبعث وَلم يدْرك الْبعْثَة / فِيهِ نظر. يعْنى أَنه مَحل تَأمل. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقد رجح الْمُؤلف أحد جَانِبي هَذَا الترديد فَقَالَ: إِن الصُّحْبَة وَعدمهَا من الْأَحْكَام الظَّاهِرَة فَلَا تحصل إِلَّا عِنْد حُصُول مقتضيها فِي الظَّاهِر، وحصوله فِي الظَّاهِر يتَوَقَّف على الْبعْثَة. انْتهى كَذَا نَقله الشَّيْخ عَن الْمُؤلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَقَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: وَجه النّظر أَنه لم يكن حِينَئِذٍ نَبيا فِي الظَّاهِر، فملاقيه لم يلق النَّبِي، لكنه كَانَ نَبيا عِنْد الله فَيصدق أَنه لَقِي النَّبِي، فَيخرج بِالِاعْتِبَارِ الأول وَيدخل بِالثَّانِي، وَهَذَا مثل بحيرا الراهب وَزيد بن عَمْرو بن نفَيْل. انْتهى. وَذكر نَحوه البقاعي ثمَّ قَالَ: وَيظْهر لي فِي وَجه النّظر أَن يُقَال: نَحن وَإِن تَبينا أَن النَّبِي كَانَ وَقت اللِّقَاء نَبيا فَمن لم يتَبَيَّن أَن ذَلِك الْإِنْسَان يثبت على إيمَانه أَو ترك فَإِن الْحَالين مُخْتَلِفَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 من العلمين، كَمَا وَقع لورقة فَإِنَّهُ يثبت، وَأُميَّة فَإِنَّهُ كفر بعد أَن كَانَ مُصدقا أَنه هُوَ. وَنحن نشترط الْمَوْت على إِيمَان بعد الْبعْثَة فَهَذَا يدْفع عده فِي الصَّحَابَة وَهَذَا بِالنّظرِ إِلَى مَا فِي نفس الْأَمر أما بِالنّظرِ إِلَى التَّعْرِيف فَلَا يَصح دُخُوله، لِأَن النُّبُوَّة الَّتِي هِيَ بِمَعْنى الْإِخْبَار لَا يُطلق عَلَيْهِ إِلَّا بمجاز الأول، وألفاظ التَّعْرِيف تصان من الْمجَاز الَّذِي لَيْسَ بشهير، والشهير يجوز وَهُوَ مَا صحبته قرينَة تتَعَيَّن المُرَاد فَهِيَ أخص من / الْقَرِينَة الصارفة عَن إِرَادَة الْحَقِيقَة. ولمثل ذَلِك أخرج الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ فِي " نكته " على ابْن الصّلاح من رأى النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد مَوته. اه مَعَ أَن مجَاز الْكَوْن أرجح من مجَاز الأول وَيخرج من جِهَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 أُخْرَى وَهِي اشْتِرَاط الْإِسْلَام عِنْد اللقي، وَبِه يعرف أَن المُرَاد بِمن يسلم أَي الصَّحَابِيّ مُسلم لَقِي النَّبِي وَمَات على الْإِسْلَام وَمن كَانَ على دين عِيسَى، أَو مُوسَى لم يسم فِي الإصطلاح إِلَّا نَصْرَانِيّا أَو يَهُودِيّا، فَلَا يُقَال: مُسلم لَا فِيمَا بَيْننَا وَلَا فِيمَا بَين أهل الْكتاب. وَكَذَا يخرج من التَّعْرِيف: من رَآهُ بعد الْمَوْت وَقبل الدّفن كَأبي ذُؤَيْب فَإِن الْإِخْبَار الَّذِي هُوَ معنى النُّبُوَّة انْقَطع، وَأَيْضًا لَا يعد ذَلِك لقيا عرفا، وَقد صَرَّحُوا بِأَن عدم جعله صحابيا أرجح. انْتهى وَقَوْلِي: وَمَات على الْإِسْلَام فصل ثَالِث يخرج من ارْتَدَّ بعد أَن لقِيه مُؤمنا بِهِ وَمَات على الرِّدَّة كعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن جحش، وَابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 خطل (بخاء مُعْجمَة) فَلَا يُسمى صحابيا، قَالَ الْمُؤلف: وَكَذَا من روى عَنهُ ثمَّ مَاتَ مُرْتَدا بعد وَفَاته كربيعة بن أُميَّة بن خلف فَإِنَّهُ لقِيه مُؤمنا بِهِ، وروى عَنهُ، وَاسْتمرّ إِلَى خلَافَة عمر ثمَّ ارْتَدَّ وَمَات على الرِّدَّة. وَقَوْلِي: وَلَو تخللت ردة أَي بَين لقِيه مُؤمنا بِهِ وَبَين مَوته على الْإِسْلَام، كَذَا فِي نسخ، وَفِي نُسْخَة: بدوين مَوته على الْإِسْلَام فَإِن اسْم الصُّحْبَة بَاقٍ لَهُ سَوَاء رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام / فِي حَيَاته أَو بعده. أَي بعد مَوته سَوَاء لقِيه ثَانِيًا أَو بعد الْإِسْلَام أم لَا فَإِن اسْم الصُّحْبَة بَاقٍ لَهُ أَيْضا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 قَالَ بعض من لقيناه: وَقَوله سَوَاء رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام. . إِلَخ يُغني عَن قَوْله سَوَاء لقِيه ثَانِيًا لِأَن من رَجَعَ بعد مَوته لَا يتَصَوَّر فِي حَقه اللِّقَاء، اللَّهُمَّ أَن تكون رَاجِعَة إِلَى الرُّجُوع فِي حَال الْحَيَاة فَقَط، فَلَا يلْزم مَا ذكر. وَقَول فِي الْأَصَح إِشَارَة إِلَى الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة يعْنى مَسْأَلَة الارتداد. ذكره الشَّيْخ قَاسم وَقد ذهب جمَاعَة إِلَى أَنه لَا يُسمى صحابيا إِذا لم يره بعد ذَلِك. وَيدل على رُجْحَان الأول: قصَّة الْأَشْعَث بن قيس فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن ارْتَدَّ وَأتي بِهِ بعد موت الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَسِيرًا فَعَاد إِلَى الْإِسْلَام فَقبل مِنْهُ ذَلِك، وزوجه أُخْته، تألفا لَهُ، وتقوية وتثبيتا لإسلامه. وَلم يتَخَلَّف أحد من الْمُحدثين وَلَا المؤرخين عَن ذكره فِي الصَّحَابَة، وَلَا عَن تَخْرِيج أَحَادِيثه فِي المسانيد وَغَيرهَا. من الْجَوَامِع، والأجزاء، والطبقات، والوفيات. وَأَشَارَ بذلك إِلَى الرَّد على شَيْخه الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ حَيْثُ قَالَ: فِي دُخُوله فيهم نظر، فقد نَص الإِمَام الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة على أَن الرِّدَّة محبطة للْعَمَل. قَالَ: فَالظَّاهِر أَنَّهَا محبطة للصحبة كقرة بن هُبَيْرَة، والأشعث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَدخل فِي التَّعْرِيف: من حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا لأحد أَبَوَيْهِ. وَعَلِيهِ عمل / ابْن عبد الْبر وَابْن مَنْدَه وَغَيرهمَا. وَلَا يشْتَرط الْبلُوغ وَلَا التَّمْيِيز على الْأَصَح، فَيدْخل من حنكه، اَوْ مسح وَجهه، أَو تفل فِيهِ وَهُوَ رَضِيع، نعم لَا خلاف فِي رُجْحَان الْكَامِل كَمَا يعلم من وَقَوله. تنبيان: 1 - لَا خَفَاء برجحان رُتْبَة من لَازمه، وَقَاتل مَعَه أَو قتل تَحت رايته على من لم يلازمه، أَو لم يحضر مَعَه مشهدا، وعَلى من كَلمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 يَسِيرا، أَو مَا شاه قَلِيلا، أَو رَآهُ على بعد، كَكَوْنِهِ مارا فِي بَحر، أَو سَاحل بعيد، أَو على جبل شامخ أَو فِي حَال الطفولية أَو الْجُنُون وَإِن كَانَ شرف الصُّحْبَة حَاصِلا للْجَمِيع. وَمن لَيْسَ لَهُ مِنْهُ سَماع مِنْهُم فَحَدِيثه مُرْسل من حَيْثُ الرِّوَايَة. قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ مَقْبُول بِلَا خلاف، وَالْفرق بَينه وَبَين التَّابِعِيّ حَيْثُ اخْتلف فِيهِ مَعَ اشتراكهما فِي احْتِمَال الرِّوَايَة عَن التَّابِعين أَن احْتِمَال رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن التَّابِعِيّ بعيدَة، بِخِلَاف احْتِمَال رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ فَإِنَّهَا غير بعيدَة. اه. وهم مَعَ ذَلِك معدودون فِي الصَّحَابَة بالِاتِّفَاقِ لما نالوه من شرف الرُّؤْيَة قَالَ بَعضهم: قَوْله وهم مَعَ ذَلِك معدودون فِي الصَّحَابَة مَعْلُوم من قَوْله وَإِن كَانَ شرف الصُّحْبَة حَاصِلا للْجَمِيع فَهُوَ تكْرَار. انْتهى ويلغز بذلك فَيُقَال: صَحَابِيّ حَدِيثه مُرْسل مُحْتَج بِهِ بالِاتِّفَاقِ لَا يطرقه الْخلاف الَّذِي فِي مَرَاسِيل الصَّحَابَة. ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 الْكَمَال ابْن أبي شرِيف ثمَّ رَأَيْت بَعضهم قَالَ نقلا عَن / الْمُؤلف: وَقد يُورد بَعضهم على هَذَا استشكالا وَهُوَ مَوضِع تزل فِيهِ الْأَقْدَام وتحريره مَا هُنَا. طرق معرفَة الصَّحَابَة: 1 - ثَانِيهمَا. أَي التنبيهان يعرف كَونه صحابيا بالتواتر أَو الاستفاضة أَو الشُّهْرَة، أَو إِخْبَار بعض الصَّحَابَة، اَوْ بعض ثِقَات التَّابِعين، أَو بإخباره عَن نَفسه بِأَنَّهُ صَحَابِيّ. وفَاقا للْقَاضِي الباقلاني، لِأَن عَدَالَته تَمنعهُ من الْكَذِب فِي ذَلِك إِذا كَانَ دَعْوَاهُ ذَلِك يدْخل تَحت الْإِمْكَان وَقَيده ابْن الْحَاجِب، وَابْن الصّلاح، وَالنَّوَوِيّ، وَغَيرهم: بِمَا إِذا كَانَ مَعْرُوف الْعَدَالَة. وَخرج بالإمكان مَا لَو لم يكن عَادَة غَالِبا بِأَن ادّعى ذَلِك بعد مائَة سنة من وَفَاته عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَا يقبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 كَمَا فِي " التَّقْرِيب ". وَشرط الأصوليون مَعَ ذَلِك قي قبُوله أَن يعْتَرف لَهُ معاصروه. وَقد اسْتشْكل هَذَا الْأَخير وَهُوَ إخْبَاره عَن نَفسه جمَاعَة من الْمُحدثين والأصوليين من حَيْثُ أَن دَعْوَاهُ ذَلِك نَظِير دَعْوَى من قَالَ: أَنا عدل فَإِنَّهُ لَا يصدق، بل يحْتَاج إِلَى التَّزْكِيَة، بل هَذَا أولى لاتهامه بِدَعْوَى رُتْبَة عَلَيْهِ يثبتها لنَفسِهِ وَيحْتَاج إِلَى تَأمل. أَي وَيحْتَاج الْجَواب عَنهُ إِلَى تَأمل لصعوبته، وَلِهَذَا جزم الْآمِدِيّ بِالْمَنْعِ، وَرجحه أَبُو الْحسن ابْن الْقطَّان وَغَيره. وَيدْفَع الْإِشْكَال بِمَا اشْتَرَطَهُ أهل الْأُصُول من اعْتِرَاف معاصريه لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة التَّزْكِيَة فتزول التُّهْمَة ويندفع الْإِشْكَال، و (بِأَن) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 أَكثر / السّلف وَالْخلف على عَدَالَة الصَّحَابَة فَلَا يبْحَث عَنْهَا فِي رِوَايَة وَلَا شَهَادَة لأَنهم خير الْأمة وَمن طَرَأَ لَهُ مِنْهُم قَادِح كسرقة أَو زنا عمل بِمُقْتَضَاهُ، فَلَيْسَ المُرَاد بكونهم عُدُولًا ثُبُوت الْعِصْمَة لَهُم، واستحالة الْمعْصِيَة عَلَيْهِم، بل إِنَّه لَا يبْحَث عَن عدالتهم. وَمن فَوَائِد القَوْل بِعَدَالَتِهِمْ مُطلقًا: إِنَّه إِذا قيل عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي قَالَ: سمعته يَقُول كَذَا كَانَ حجَّة كتعيينه باسمه. قَالَ فِي الْمِيزَان: ورتن الْهِنْدِيّ وَمَا أَدْرَاك مَا رتن الْهِنْدِيّ؟ شيخ دجال بِلَا ريب، ظهر بعد الستمائة فَادّعى الصُّحْبَة، وَهَذَا جريء على الله وَرَسُوله. قَالَ: وَقد ألفت فِيهِ جُزْءا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 تَنْبِيه: قَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: قبض الْمُصْطَفى عَن مائَة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألفا صَحَابِيّ مِمَّن روى عَنهُ، أَو سمع مِنْهُ. وَقد جعل الْحَاكِم الصَّحَابَة اثْنَي (عشر) طبقَة: 1 - الأولى: قوم أَسْلمُوا بِمَكَّة كالخلفاء الْأَرْبَعَة. 2 - الثَّانِيَة: أَصْحَاب دَار الندوة. 3 - الثَّالِثَة: مهاجرة الْحَبَشَة. 4 - الرَّابِعَة: أَصْحَاب الْعقبَة الأولى. 5 - الْخَامِسَة: أَصْحَاب الْعقبَة الثَّانِيَة وَأَكْثَرهم من الْأَنْصَار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 6 - السَّادِسَة: أول الْمُهَاجِرين الَّذين وصلوا إِلَيْهِ بقباء قبل دُخُوله الْمَدِينَة. 7 - السَّابِعَة: أهل بدر. 8 - الثَّامِنَة: الَّذين هَاجرُوا بَين بدر وَالْحُدَيْبِيَة. 9 - التَّاسِعَة: أهل بيعَة الرضْوَان. 10 - الْعَاشِرَة: من هَاجر بَين الْحُدَيْبِيَة وَفتح مَكَّة كخالد بن الْوَلِيد. 11 - الْحَادِيَة عشر: من هَاجر بعد الْفَتْح. 12 - الثَّانِيَة عشر: صبيان وَأَطْفَال رَأَوْهُ يَوْم الْفَتْح، وَحجَّة الوادع كالسايب بن يزِيد، وَعبد الله بن ثَعْلَبَة وَغَيرهمَا. الحديث: 10 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 معرفَة التَّابِعين أَو يَنْتَهِي غَايَة الْإِسْنَاد لفظ غَايَة زايد كَمَا قَالَ الشَّيْخ قَاسم: بل مُفسد كَمَا مر. إِلَى التَّابِعِيّ، وَهُوَ: من لقى الصَّحَابِيّ كَذَلِك، وَهَذَا مُتَعَلق باللقي. وَمَا ذكر مَعَه إِلَّا قيد الْإِيمَان بِهِ فَذَلِك خَاص بِالنَّبِيِّ. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وخصوصه بِالْعقلِ لَا بِاللَّفْظِ. اه. خلافًا لما يُوهِمهُ كَلَامه. وَقَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: قَوْله خَاص بِالنَّبِيِّ أَي فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِي التَّابِعِيّ أَن يكون وَقت تحمله عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 الصَّحَابِيّ مُؤمنا، بل لَو كَانَ كَافِرًا ثمَّ أسلم بعد موت الصَّحَابِيّ وروى سميناه تابعيا وقبلناه. انْتهى. وعَلى هَذَا فَلَا يشْتَرط فِي التَّابِعِيّ طول ملازمته للصحابي بل هُوَ كالصحابي. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْحَاكِم وَغَيره خلافًا لمن اشْترط فِي التَّابِعِيّ طول الْمُلَازمَة، أَو صِحَة السماع أَو التَّمْيِيز. كَمَا فِي الصَّحَابِيّ. وَاخْتَارَ الْمُؤلف هَذَا القَوْل لقَوْل ابْن الصّلاح: إِنَّه الْأَقْرَب. وَقَول النَّوَوِيّ فِي " التَّقْرِيب ": إِنَّه الْأَظْهر. وَقَول الْعِرَاقِيّ: عَلَيْهِ عمل الْأَكْثَر. لَكِن الْأَصَح - كَمَا ذهب الْخَطِيب - فِي أَنه يشْتَرط فِي التَّابِعِيّ طول الْمُلَازمَة للصحابي، أَو سَمَاعه مِنْهُ وَلَا يَكْفِي مُجَرّد اللقي بِخِلَاف الصَّحَابِيّ مَعَ النَّبِي لشرف منزلَة الْمُصْطَفى / فالاجتماع بِهِ يُؤثر من النُّور القلبي أَضْعَاف مَا يؤثره الِاجْتِمَاع الطَّوِيل بالصحابي وَغَيره. وَجعل مُسلم التَّابِعين ثَلَاث طَبَقَات، وَالْحَاكِم خمس عشرَة طبقَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 قَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله الشيرزاي: وَاخْتلف فِي أفضل التَّابِعين، فَأهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ: سعيد بن الْمسيب، وَأهل الْبَصْرَة: الْحسن الْبَصْرِيّ، وَأهل الْكُوفَة: أويس الْقَرنِي. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَالصَّوَاب مَا ذهب إِلَيْهِ أهل الْكُوفَة لما روى مُسلم فِي حَدِيث عمر بن الْخطاب قَالَ: سَمِعت النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن خير التَّابِعين رجل يُقَال لَهُ أويس الْقَرنِي. . الحَدِيث. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 المخضرمون وَبَقِي بَين الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ طبقَة اخْتلف فِي إلحاقهم بِأَيّ الْقسمَيْنِ وهم: المخضرمون. بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الضَّاد وَفتح الرَّاء. وهم الَّذين أدركوا الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، وَلم يرَوا عَن النَّبِي. فعدهم ابْن عبد الْبر. فِي كتاب " التَّمْهِيد " فِي الصَّحَابَة. كَذَا عبر الْمُؤلف. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم " بِأَنَّهُ كَانَ الأولى أَن يَقُول: فعدهم مَعَهم لما يَأْتِي من أَنه لم يعْتد لَهُم بِهِ. وَادّعى عِيَاض - وَغَيره - أَن ابْن عبد الْبر يَقُول: إِنَّهُم أَصْحَابه وَفِيه نظر ظَاهر لِأَنَّهُ أَي ابْن عبد الْبر أفْصح فِي خطْبَة كِتَابه الْمُسَمّى ب " الِاسْتِيعَاب " بِأَنَّهُ إِنَّمَا أوردهم فِيهِ ليَكُون كِتَابه جَامعا مستوعبا لأهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 الْقرن الأول. قَالَ / الشَّيْخ قَاسم " يُقَال للمؤلف: أَنْت صرحت بِأَنَّهُ عدهم فِيهِ، فَمَا ورد على عِيَاض فَهُوَ وَارِد على ظَاهر عبارتك، فَكَانَ الأولى مَا قُلْنَاهُ. وَالصَّحِيح إِنَّهُم معدودون فِي كبار التَّابِعين، سَوَاء أعرف أَن الْوَاحِد مِنْهُم كَانَ مُسلما فِي زمن النَّبِي كالنجاشي أم لَا؟ لَكِن أَن ثَبت أَن النَّبِي لَيْلَة الْإِسْرَاء كشف لَهُ عَن جَمِيع من فِي الأَرْض فَرَآهُمْ فَيَنْبَغِي أَن يعد من كَانَ مُؤمنا بِهِ فِي حَيَاته إِذْ ذَاك وَإِن لم يلاقه فِي الصَّحَابَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 مُتَعَلق بيعد لحُصُول الرُّؤْيَة من جَانِبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كَذَا بَحثه الْمُؤلف، ورده الْكَمَال ابْن أبي الشريف بِأَن هَذَا لَا يسلم على مَا ذكره من التَّعْرِيف باللقي مُتَابعًا فِيهِ غَيره، إِنَّمَا يسلم على تَعْرِيف من عرف الصَّحَابِيّ: بِأَنَّهُ من رَأْي النَّبِي ... إِلَى آخِره. انْتهى. وَقَالَ البقاعي: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: من وَقع بصر النَّبِي وَلم يره هُوَ لَيْسَ بصحابي وَلَا قَائِل بِهِ، لِئَلَّا يلْزم دُخُول كل من عاصره، لِأَنَّهُ كشف لَهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء - وَغَيرهَا - عَنْهُم أَجْمَعِينَ، ورآهم كلهم. انْتهى. فقد أَتَى بِصِيغَة تدل على إِثْبَات الْجَزْم بِالرُّؤْيَةِ لَيْلَة الْإِسْرَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وَغَيرهَا، وَمَعَ ذَلِك نفى اسْم الصُّحْبَة عَن المرئيين. انْتهى. وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: بِأَن مَا ذكره المُصَنّف - فِيمَا تقدم - من الصُّحْبَة من الْأَحْكَام الظَّاهِرَة / يدل على أَن ذَلِك لَو ثَبت لَا يدل على الصُّحْبَة، لِأَن مَا فِي عَالم الْغَيْب لَا يكون حكمه حكم مَا فِي عَالم الشَّهَادَة. ثمَّ قَالَ: وَالْحق أَن الْأُمُور الْحَاصِلَة لَهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بالكشف حكمهَا حكم الْأُمُور الْحَاصِلَة لَهُ بالعيان، وَلَا علاقَة لما ذكره فِي الصُّحْبَة بِهَذَا، لِأَن ذَاك فِي الظَّاهِر الَّذِي يُقَابل الِاعْتِقَاد. قَالَ: وَقَوله وَإِن لم يلاقه لَيْسَ بجيد، لِأَنَّهُ تقدم لَهُ أَن اللقي يصدق بِرُؤْيَة أَحدهمَا للْآخر، فَكَانَ الأولى أَن يَقُول: وَلم يجْتَمع مَعَه. انْتهى. تَنْبِيه: قَالُوا معرفَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أصلان عظيمان، بهما يعرف الْمُتَّصِل والمرسل وَغير ذَلِك، فَلَا بُد لأَصْحَاب عُلُوم الشَّرْع الثَّلَاثَة من ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والمقطوع وَالْقسم الأول - مِمَّا تقدم ذكره - من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَهُوَ: مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ غَايَة الْإِسْنَاد، إِلَى النَّبِي. كَذَا عبر الْمُؤلف، وَتعقبه الْكَمَال ابْن أبي الشريف: كَأَن حق الْعبارَة أَن يَقُول: وَالْقسم الأول وَهُوَ مَا يَنْتَهِي فِيهِ غَايَة الْإِسْنَاد إِلَى النَّبِي. وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: قَوْله غَايَة زايد مُفسد كَمَا مر. هُوَ الْمَرْفُوع سَوَاء كَانَ ذَلِك الِانْتِهَاء بِإِسْنَاد مُتَّصِل أم لَا وَالثَّانِي: الْمَوْقُوف وَهُوَ: مَا انْتهى إِلَى الصَّحَابِيّ. وَالثَّالِث: الْمَقْطُوع وَهُوَ: مَا يَنْتَهِي إِلَى التَّابِعِيّ قولا وفعلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَمن دون التَّابِعِيّ كَذَلِك من أَتبَاع التَّابِعين فَمن بعدهمْ / فِيهِ - أَي التَّسْمِيَة - مثله - أَي (مثل) مَا يَنْتَهِي إِلَى التَّابِعِيّ. قَالَ بَعضهم فِيهِ: جعل من دون التَّابِعِيّ مثل قَول التَّابِعِيّ فِي تَسْمِيَة جَمِيع ذَلِك مَقْطُوعًا. كَذَا شَرحه الْمُؤلف. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن فِيهِ صرف الضَّمِير إِلَى خلاف من هُوَ لَهُ، فَإِنَّهُ فِي قَوْله فِيهِ للمقطوع، وَفِي مثله للتابعي لَا للمقطوع، فعلى ظَاهره يصير التَّابِعِيّ مثل الْمَقْطُوع وَلَا يخفى مَا فِيهِ فَكَانَ الأولى أَن يَقُول فِيهِ - أَي فِي الْمَقْطُوع - مثله - أَي مثل التَّابِعِيّ - فِي أَن مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ يُسمى مَقْطُوعًا. اه. وَإِن شِئْت قلت: مَوْقُوف على فلَان فحصلت التَّفْرِقَة فِي الِاصْطِلَاح. أَي اصْطِلَاح الْمُحدثين بَين الْمَقْطُوع والمنقطع فالمنقطع عِنْدهم من مبَاحث الْإِسْنَاد كَمَا تقدم، (والمقطوع) من مبَاحث الْمَتْن. وَقد أطلق بَعضهم هَذَا فِي مَوضِع هَذَا وَبِالْعَكْسِ تجوزا عَن الِاصْطِلَاح الَّذِي أصلوه وقرروه إِلَى غَيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وَيُقَال للآخرين: الْأَثر. أَي الْمَوْقُوف والمقطوع. وَمِمَّنْ اسْتعْمل الْمَقْطُوع فِي الْمُنْقَطع الَّذِي لم يتَّصل إِسْنَاده الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالطَّبَرَانِيّ، والْحميدِي، وَالدَّارَقُطْنِيّ. لَكِن الإِمَام الشَّافِعِي اسْتعْمل ذَلِك قبل الإستقرار الاصطلاحي كَمَا قَالَ فِي بعض الْأَحَادِيث: حسن وَهُوَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ. فَائِدَة: جمع الْموصِلِي كتابا سَمَّاهُ " معرفَة الْوُقُوف على الْمَوْقُوف " أورد فِيهِ مَا أوردهُ أَصْحَاب الموضوعات / فِي كتبهمْ وَهُوَ صَحِيح عَن غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الْمُصْطَفى: إِمَّا عَن صَحَابِيّ، أَو تَابِعِيّ فَمن بعده. وَقَالَ: إِن إِيرَاده فِي الموضوعات غلط وَبِذَلِك يبطل كثير مِمَّا أوردوه، فَبين الْمَوْضُوع وَالْمَوْقُوف فرق. وَمن مظان الْمَوْقُوف والمقطوع: مُصَنف ابْن أبي شيبَة، وَعبد الرَّزَّاق، وَتَفْسِير ابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَابْن الْمُنْذر وَغَيرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الْمسند و المسند بِفَتْح النُّون فِي قَول أهل الحَدِيث: هَذَا حَدِيث مُسْند. هَذَا احْتِرَاز عَن الْمسند: بِمَعْنى الْإِسْنَاد: " كمسند الشهَاب " و " مُسْند الفردوس " أَي إِسْنَاد حَدِيثهمَا. وَعَن الْمسند بِمَعْنى الْكتاب الَّذِي جمع فِيهِ مَا أسْندهُ الصَّحَابَة أَي رَوَوْهُ. وَهُوَ مَرْفُوع صَحَابِيّ بِسَنَد ظَاهره الِاتِّصَال. كَذَا ذكره المُصَنّف. قَالَ بَعضهم: وَلَا حَاجَة إِلَى التَّعَرُّض للصحابي مَعَ التَّعَرُّض للاتصال. فَقولِي: مَرْفُوع كالجنس، وَقَوْلِي: صَاحِبي كالفصل يخرج مَا رَفعه التَّابِعِيّ فَإِنَّهُ مُرْسل، أَو من دونه فَإِنَّهُ معضل أَو مُعَلّق. وَقَوْلِي ظَاهره الِاتِّصَال يخرج مَا ظَاهره الِانْقِطَاع، وَيدخل مَا فِيهِ الِاحْتِمَال، وَمَا يُوجد فِيهِ حَقِيقَة الِاتِّصَال الِاتِّصَال من بَاب أولى. وَيفهم من التَّقْيِيد بالظهور أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 الِانْقِطَاع الْخَفي كعنعنة المدلس، والمعاصر الَّذِي لم يثبت لقِيه لَا يخرج الحَدِيث عَن كَونه مُسْندًا، لإطباق الْأَئِمَّة الَّذين خَرجُوا / المسانيد على ذَلِك. وَهَذَا التَّعْرِيف مُوَافق لقَوْل أبي عبد الله الْحَاكِم وَمن تبعه الْمسند هُوَ مَا رَوَاهُ الْمُحدث عَن شيخ يظْهر سَمَاعه مِنْهُ، وَكَذَا شَيْخه عَن شَيْخه مُتَّصِلا إِلَى صَحَابِيّ إِلَى رَسُول الله. فَأصل التَّعْرِيف للْحَاكِم - وَأَتْبَاعه - فَالْمُسْنَدُ عِنْد الْحَاكِم أخص من الْمَرْفُوع، قَالَ: وَمن شَرط الْمسند أَن لَا يكون فِي إِسْنَاده أخْبرت عَن فلَان وَلَا حدثت عَن فلَان وَلَا بَلغنِي عَن فلَان وَلَا أَظُنهُ مَرْفُوعا وَلَا رَفعه فلَان. وَأما الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فَقَالَ: فِي كِتَابه " الْكِفَايَة " وَتَبعهُ ابْن الصّباغ فِي " الْعدة ": الْمسند هُوَ الْمُتَّصِل. فَشَمَلَ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والمقطوع إِذا ورد بِسَنَد مُتَّصِل كَمَا قَالَ. فعلى هَذَا أَي على كَلَام الْبَغْدَادِيّ الْمَوْقُوف إِذا جَاءَ بِسَنَد مُتَّصِل يُسمى عِنْده مُسْندًا، لَكِن قَالَ: أَن ذَلِك قد يَأْتِي لَكِن بقلة. كَذَا قَرَّرَهُ الْمُؤلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ورده الشَّيْخ قَاسم من وَجْهَيْن: 1 - الأول: أَن الْخَطِيب لم يذكر للمسند تعريفا من قبل بِنَفسِهِ ليلزمه مَا ذكره الْمُؤلف. 2 - الثَّانِي: أَن قَوْله لَكِن قَالَ: أَن ذَلِك قد يَأْتِي بقلة لَيْسَ بِظَاهِر المُرَاد، فَإِن الظَّاهِر أَن ترجع الْإِشَارَة إِلَى مجئ الْمَوْقُوف بِسَنَد مُتَّصِل وَلَيْسَ بِمُرَاد، إِنَّمَا المُرَاد استعمالهم الْمسند فِي كل مَا اتَّصل إِسْنَاده مَوْقُوفا أَو مَرْفُوعا وَبَيَانه / أَن لفظ الْخَطِيب: وَصفهم الحَدِيث بِأَنَّهُ مُسْند يُرِيدُونَ بِهِ أَن إِسْنَاده مُتَّصِل بَين رَاوِيه وَبَين من أسْند عَنهُ إِلَّا أَن أَكثر استعمالهم هَذِه الْعبارَة فِيمَا اسند عَن النَّبِي خَاصَّة. وَأبْعد ابْن عبد الْبر حَيْثُ قَالَ فِي كتاب " التَّمْهِيد ": الْمسند الْمَرْفُوع مُتَّصِلا كمالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر عَن النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 أَو مُنْقَطِعًا كمالك عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن الْمُصْطَفى. قَالَ: فَهَذَا مُسْند لِأَنَّهُ أسْند إِلَى الْمُصْطَفى عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ مُنْقَطع لِأَن الزُّهْرِيّ لم يسمع من ابْن عَبَّاس. ورده الْمُؤلف بِمَا تضمنه قَوْله: وَلم يتَعَرَّض للإسناد فَإِنَّهُ يصدق على الْمُرْسل والمعضل والمنقطع إِذا كَانَ الْمَتْن مَرْفُوعا وَلَا قَائِل بِهِ وَتَبعهُ على ذَلِك غَيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 الْإِسْنَاد العالي وأقسامه فَإِن قل عدده - أَي عدد رجال الْمسند - من غير نقص فإمَّا أَن يَنْتَهِي إِلَى النَّبِي بذلك الْعدَد الْقَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَنَد آخر يرد بِهِ ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه بِعَدَد كثير، أَو يَنْتَهِي إِلَى إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث ذِي صفة عَلَيْهِ كالحفظ، وَالْفِقْه، والضبط والتصنيف، وَغير ذَلِك من الصِّفَات الْمُقْتَضِيَة للترجيح كشعبة، وَالْأَعْمَش، وَمَالك، وَالثَّوْري، وَالْإِمَام الشَّافِعِي، وَالْبُخَارِيّ، وَمُسلم وَنَحْوهم فَالْأول الْمعول عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي إِلَى النَّبِي / وَهُوَ الْعُلُوّ الْمُطلق وَهُوَ الْقرب من رَسُول فَإِن اتّفق أَن يكون سَنَده صَحِيحا كَانَ الْغَايَة القصوى فِي الْعُلُوّ وَإِلَّا فَإِن لم يتَّفق ذَلِك فِيهِ فصورة الْعُلُوّ فِيهِ مَوْجُودَة لَا حَقِيقَة مَا لم يكن مَوْضُوعا فَهُوَ كَالْعدمِ وَقَوْلنَا: من غير نقص احْتِرَازًا عَن السَّنَد الَّذِي قل عدد رِجَاله لوُقُوع نقص فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُطلق عَلَيْهِ الْعُلُوّ. وَالثَّانِي: الْعُلُوّ النسبي، وَهُوَ مَا يقل الْعدَد فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الإِمَام وَلَو كَانَ الْعدَد من ذَلِك الإِمَام إِلَى منتهاه كثيرا. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمُؤلف: من اشْتِرَاط قلَّة الْعدَد، وَكَونه غير ذِي صفة عَلَيْهِ، وَأَن مَا كثر عدده عَن حَافظ ضَابِط فَقِيه، أَو قل عدده عَن ذِي صفة لَا يُطلق عَلَيْهِ الْعُلُوّ، وَهُوَ غير مرضِي. فقد قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ - وَأقرهُ السخاوي -: الْعُلُوّ بِالنِّسْبَةِ لغير الضَّابِط المتقن صوري، وَلِذِي الإتقان والضبط وَإِن (كثر) الْعدَد معنوي. اه. فَإِن تَعَارضا فَمَا فضل بالإتقان والضبط أَعلَى. وَاعْلَم أَن طلب الْعُلُوّ فِي الْإِسْنَاد سنة، وَلذَلِك اسْتحبَّ الرحلة، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل طلب الْإِسْنَاد العالي سنة عَمَّن سلف. وَقَالَ الطوسي: قرب الْإِسْنَاد قرب أَو قربَة إِلَى الله. قيل لِابْنِ معِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 - فِي مرض مَوته: مَا تشْتَهي؟ قَالَ: / بَيت خَال، وَسَنَد عَال. وَمحله فِيمَن جمع مَعَ قلَّة الْعدَد وَكَمَال الضَّبْط والإتقان مَعَ توفر بَقِيَّة صِفَات التَّرْجِيح فَلَا عِبْرَة بِمُجَرَّد الْقرب (قَالَ وَكِيع لأَصْحَابه: الْأَعْمَش. . عَن أبي وَائِل عَن عبد الله: أحب إِلَيْكُم أم سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله؟ . قَالُوا: الْأَعْمَش عَن أَبى وَائِل أقرب. قَالَ: الْأَعْمَش شيخ، وسُفْيَان عَمَّن ذكر فَقِيه عَن فَقِيه. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: لَيْسَ جودة الحَدِيث قرب الْإِسْنَاد بل صِحَة الرِّجَال) . وَقد عظمت رَغْبَة الْمُتَأَخِّرين فِيهِ، حَتَّى غلب ذَلِك على كثير مِنْهُم بِحَيْثُ أهملوا الِاشْتِغَال بِمَا هُوَ أهم. وَاشْتَغلُوا بِهِ لما يَقع لَهُم فِي ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 من: الْمُوَافقَة، وَالْبدل، والمساواة، والمصافحة. وَإِنَّمَا كَانَ الْعُلُوّ مرغوبا فِيهِ لكَونه أقرب إِلَى الصِّحَّة، وَقلة الْخَطَأ، لِأَنَّهُ مَا من راو من رجال الْإِسْنَاد إِلَّا وَالْخَطَأ جَائِز عَلَيْهِ عقلا فَكلما كثرت الوسائط وَطَالَ السَّنَد كثرت مظان التجويز للخطأ، وَكلما قلت قلت. قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: النُّزُول شُؤْم. وَقَالَ ابْن معِين: الْإِسْنَاد النَّازِل قرحَة فِي الْوَجْه. فَإِن كَانَ فِي النُّزُول مزية لَيست فِي الْعُلُوّ كَأَن يكون رِجَاله أوثق مِنْهُ، أَو أحفظ، أَو أفقه. والاتصال فِيهِ أظهر فَلَا تردد فِي أَن النُّزُول حِينَئِذٍ أولى. لِأَنَّهُ ترجح بِأَمْر معنوي فَكَانَ أولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 ذكره الشَّيْخ قَاسم. لَا سِيمَا إِذْ كَانَ فِيهِ بعض الْكَذَّابين مِمَّن ادّعى سَمَاعا من الصَّحَابَة كَأبي هدبة وخراش. قَالَ الذَّهَبِيّ: مَتى رَأَيْت الْمُحدث يفرح بعوالي هَؤُلَاءِ فَاعْلَم أَنه عَامي. قَالَ الشمني: وأقسام الْعُلُوّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير المتقن الضَّابِط: علوها صوري / أما بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَوي الإتقان والضبط فَعَلُوهَا - وَلَو كَانَ الْعدَد أَكثر معنوي، فَلَو تَعَارضا فضل علو الإتقان والضبط كَمَا رُوِيَ عَن وَكِيع أَنه قَالَ: الْأَعْمَش أحب إِلَيْكُم عَن أَبى وَائِل عَن أَو سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله؟ . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 فَقُلْنَا: الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل أقرب. فَقَالَ: الْأَعْمَش شيخ وَأَبُو وَائِل شيخ وسُفْيَان عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة فَقِيه عَن فَقِيه عَن فَقِيه عَن فَقِيه. وَنَحْوه عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قَالَ: لَيْسَ جودة الحَدِيث قرب الْإِسْنَاد بل جودة الحَدِيث صِحَة الْإِسْنَاد. وَمَا أحسن قَول الْحَافِظ السلَفِي: (لَيْسَ حسن الحَدِيث قرب رجال ... عِنْد أَرْبَاب علم النقاد) (بل علو الحَدِيث بَين أولي الْحِفْظ ... والإتقان صِحَة الْإِسْنَاد) (وَإِذا مَا اجْتمعَا فِي حَدِيث ... فاغتنمه فَذَاك أقْصَى المُرَاد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَقَول أبي الْحسن بن الْمفضل الْحَافِظ: (إِن الرِّوَايَة بالنزول ... عَن الثِّقَات الأعدلين) (خير من العالي ... عَن الْجُهَّال وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) أما من رجح النُّزُول مُطلقًا من أهل النّظر وَاحْتج بِأَن كَثْرَة الْبَحْث (عَن رُوَاة الحَدِيث) تَقْتَضِي الْمَشَقَّة فيعظم الْأَمر، فَذَلِك تَرْجِيح بإمر أَجْنَبِي يتَعَلَّق بالتصحيح والتضعيف. هَذَا أَخذه الْمُؤلف من كَلَام ابْن دَقِيق الْعِيد فَإِنَّهُ / قَالَ: التَّرْجِيح الْمَذْكُور مَرْدُود بِأَن كَثْرَة الْمَشَقَّة الْمَذْكُورَة غير مَطْلُوبَة لنَفسهَا، ورعاية الْمَعْنى الْمَقْصُود من الرِّوَايَة وَهُوَ الصِّحَّة أقرب إِلَى الصَّوَاب. على أَن ذَلِك تَرْجِيح بِأَمْر أَجْنَبِي عَمَّا يتَعَلَّق بالتصحيح والتضعيف. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وَأعلم أَن الْإِسْنَاد من خَصَائِص هَذِه الْأمة، قَالَ ابْن حزم: نقل الثِّقَة عَن الثِّقَة يبلغ بِهِ الْمُصْطَفى مَعَ الِاتِّصَال مَخْصُوص بِالْمُسْلِمين دون جَمِيع الْملَل، أما مَعَ الْإِرْسَال والإعضال فيوجد فِي الْيَهُود لَكِن لَا يقربون بِهِ من مُوسَى قربنا من نَبينَا بل يقفون حَيْثُ يكون بَينهم وَبَينه أَكثر من ثَلَاثِينَ نفسا، وَإِنَّمَا يبلغون بِهِ إِلَى نوح وشمعون، وَأما النَّصَارَى فَلَيْسَ عِنْدهم من صفة هَذَا النَّقْل إِلَّا تَحْرِيم الطَّلَاق ... ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 الْمُوَافقَة وَفِيه - أَي الْعُلُوّ النسبي - الْمُوَافقَة وَهِي الْوُصُول أَي وُصُول راو فِي الحَدِيث إِلَى شيخ أحد المصنفين وَإِن لم يكن من أهل الْكتب السِّتَّة كَمَا وَقع لبَعض الْأَئِمَّة فِي مُسْند أَحْمد إِلَّا أَن الْغَالِب الِاقْتِصَار فِي اسْتِعْمَال المخرجين على السِّتَّة. من غير طَرِيقه - أَي الطَّرِيق الَّتِي توصل إِلَى ذَلِك المُصَنّف الْمعِين. كَرِوَايَة الشَّيْخَيْنِ وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، فَإِنَّهُ إِذا رُوِيَ من طريقهم كَانَ أنزل. مِثَاله: روى البُخَارِيّ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك حَدِيثا، فَلَو روينَاهُ من طَرِيقه أَي البُخَارِيّ كَانَ بَيْننَا وَبَين قُتَيْبَة ثَمَانِيَة وَلَو روينَا ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه أَي إِسْنَادًا ومتنا من طَرِيق أبي الْعَبَّاس السراج عَن قُتَيْبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 - مثلا - لَكَانَ بَيْننَا وَبَين قُتَيْبَة فِيهِ سَبْعَة، فقد حصل لنا الْمُوَافقَة مَعَ البُخَارِيّ فِي شَيْخه بِعَيْنِه مَعَ علو الْإِسْنَاد على الْإِسْنَاد إِلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 الْبَدَل وَفِيه - الْعُلُوّ النسبي - الْبَدَل أَيْضا وَهُوَ الْوُصُول أَي وُصُول الرَّاوِي فِي حَدِيث إِلَى شيخ شَيْخه كَذَلِك. أَي من غير طَرِيق ذَلِك المُصَنّف الْمعِين من طَرِيق آخر أقل عددا من طَرِيقه. ذكره الشَّيْخ قَاسم كَأَن يَقع لنا ذَلِك الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قَالَ بَعضهم: صَوَاب (الْعبارَة) : ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه. من طَرِيق أُخْرَى إِلَى القعْنبِي عَن مَالك، فَيكون القعْنبِي بَدَلا فِيهِ عَن قُتَيْبَة. قَالَ المُصَنّف: واستخرجت قسما يجْتَمع فِيهِ الْبَدَل والموافقة مِثَاله: حَدِيث يرويهِ البُخَارِيّ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك، وَيُوجد من طَرِيق آخر فيوافق فِي قُتَيْبَة، وَيَرْوِيه قُتَيْبَة عَن الثَّوْريّ. وَأكْثر مَا يعتبرون الْمُوَافقَة وَالْبدل إِذا قَارنا الْعُلُوّ والا فاسم الْمُوَافقَة وَالْبدل وَاقع بِدُونِهِ. أَي فَلَيْسَ قيد الْوَاحِد مِنْهُمَا، وقيدهما ابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 الصّلاح: بعلو الطَّرِيق الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ على طَرِيق ذَلِك المُصَنّف، وَعبارَته: وَلَو لم يكن ذَلِك عَالِيا فَهُوَ - أَيْضا - مُوَافقَة / وَبدل لَكِن لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمُوَافقَة وَالْبدل لعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ. انْتهى. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَفِي كَلَام غَيره من المخرجين إِطْلَاق اسْم الْمُوَافقَة وَالْبدل مَعَ عدم الْعُلُوّ، فَإِن علا قَالُوا: مُوَافقَة عالية أَو بَدَلا عَالِيا. وَوَقع فِي كَلَام الظَّاهِرِيّ والذهبي: فوافقناه بنزول فسمياه مَعَ النُّزُول مُوَافقَة. وَقَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ: وَقد تطلق الْمُوَافقَة وَالْبدل مَعَ عدم الْعُلُوّ بل وَمَعَ النُّزُول - أَيْضا - وَوَقع فِي كَلَام الذَّهَبِيّ وَغَيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 الْمُسَاوَاة وَفِيه - أَي الْعُلُوّ النسبي - أَيْضا - الْمُسَاوَاة كَذَا وَقع للْمُصَنف. وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ قَاسم بِأَنَّهُ تقدم: أَن الْعُلُوّ النسبي أَن يَنْتَهِي الْإِسْنَاد إِلَى إِمَام ذِي صفة عَلَيْهِ. وَهَذِه الْمُسَاوَاة لَيست كَذَلِك، بل إِنَّمَا تَنْتَهِي إِلَى النَّبِي فحقها أَن تكون من أَفْرَاد الْعُلُوّ الْمُطلق اه. لَا النسبي. وَهِي اسْتِوَاء عدد رجال الْإِسْنَاد من الرَّاوِي إِلَى آخِره - أَي الْإِسْنَاد - مَعَ إِسْنَاد أحد المصنفين، بِأَن يكون الْعدَد الَّذِي بَين ذَلِك الرَّاوِي وَبَين النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مثل الْعدَد بَين ذَلِك المُصَنّف وَبَين النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. كَأَن يرْوى النَّسَائِيّ - مثلا - حَدِيثا يَقع بَينه وَبَين النَّبِي أحد عشر نفسا فَيَقَع لنا ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه بِإِسْنَاد آخر إِلَى النَّبِي، يَقع بَيْننَا فِيهِ وَبَين النَّبِي أحد عشر نفسا فنساوي النَّسَائِيّ فِيهِ من حَيْثُ / الْعدَد مَعَ قطع النّظر عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 مُلَاحظَة ذَلِك الْإِسْنَاد الْخَاص. وَلَا يحصل ذَلِك - كَمَا قَالَه السخاوي - بِالنِّسْبَةِ لأَصْحَاب الْكتب السِّتَّة، وطبقتهم أما من بعدهمْ كالبيهقي وَالْبَغوِيّ فقد تقع الْمُسَاوَاة، وَعبارَته: والمساواة مَعْدُومَة فِي هَذِه الْأَزْمَان وَمَا قاربها بِالنِّسْبَةِ لأَصْحَاب الْكتب السِّتَّة وَمن فِي طبقتهم، نعم يَقع لنا ذَلِك فِيمَن بعدهمْ كالبيهقي وَالْبَغوِيّ فِي " شرح السّنة " وَنَحْوهمَا. انْتهى. كَذَا قَالَ، وَقَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا كَانَ يُوجد قَدِيما وَأما الْآن فَلَا يُوجد فِي حَدِيث بِعَيْنِه، بل الْمَوْجُود مُطلق الْعدَد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 المصافحة وَفِيه - أَي الْعُلُوّ النسبي أَيْضا - المصافحة كَذَا عبر الْمُؤلف. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ إِذا كَانَت المصافحة مَا ذكره فَلم تدخل فِي تَعْرِيف الْعُلُوّ النسبي كَمَا مر فِي الْمُسَاوَاة. انْتهى. وَهِي الاسْتوَاء مَعَ تلميذ ذَلِك المُصَنّف على الْوَجْه المشروح أَولا. يعْنى فِي الْمُسَاوَاة فِي الْعدَد مَعَ ملاحظته الْإِسْنَاد الْخَاص. وَسميت مصافحة: لِأَن الْعَادة جرت فِي الْغَالِب بالمصافحة بَين من تلاقيا، وَنحن فِي هَذِه الصُّورَة كأنا لَقينَا النَّسَائِيّ، فكأنا صافحناه، وأخذنا عَنهُ. فَإِن كَانَت الْمُسَاوَاة لشيخ شيخك كَانَت المصافحة لشيخك وَإِن كَانَت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 لشيخ (شيخ) شيخك (كَانَت المصافحة لشيخ. . شيخك وَهَكَذَا، قَالَ / السخاوي: وَهِي الْآن مفقودة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 الْإِسْنَاد النَّازِل ويقابل الْعُلُوّ بأقسامه الْمَذْكُورَة النُّزُول، فَيكون كل قسم من أَقسَام الْعُلُوّ يُقَابله قسم من أَقسَام النُّزُول، خلافًا لمن زعم أَن الْعُلُوّ قد يَقع غير تَابع للنزول. فلولا نزُول النَّسَائِيّ لم يحصل الْعُلُوّ، وَمرَاده بالمخالف الزين الْعِرَاقِيّ فَإِنَّهُ نَازع فِي ذَلِك ابْن الصّلاح كَمَا ذكره فِي " شرح ألفيته ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 رِوَايَة الأقران وأقسامها فَإِن تشارك الرَّاوِي وَمن روى عَنهُ فِي أَمر من الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بالرواية مثل السن بِأَن يكون مولده قَرِيبا من مولد شَيْخه، أَو فِي اللقي - وَهُوَ الْأَخْذ عَن الْمَشَايِخ بِأَن يكون أَخذ عَن غَالب من أَخذ عَنهُ شَيْخه، فَإِذا روى أحد القرينين عَن الآخر من غير أَن يروي الآخر عَنهُ قَالَ بعض مَشَايِخنَا: رَأَيْت بِخَط ابْن حسان على نُسْخَة من نسخ هَذَا الْكتاب مَا صورته: وَكَانَ فِي الأَصْل: وَهُوَ ثمَّ أَمر المُصَنّف بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ، وإبقاء الْوَاو فَقَط، لَكِن رَأَيْتهَا بَاقِيَة فِي نُسْخَة الْمُؤلف. فَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ: رِوَايَة الأقران أَي يروي أَحدهمَا عَن الآخر، وَهَكَذَا القَوْل فِيمَا بعده. وَهَذَا (التَّرْكِيب) فِيهِ تَغْيِير لإعراب الْمَتْن، لِأَن الْمَتْن فَهُوَ الإقران وَمَا بَينهمَا شرح، فَلَو قَالَ: فَهُوَ الإقران أَي النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ رِوَايَة الأفران، لسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون رَاوِيا عَن قرينَة وَقد صنف فِيهِ: أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ. لَطِيفَة: قد يجْتَمع جمَاعَة من الأقران فِي حَدِيث، كَمَا روى أَحْمد بن حَنْبَل عَن أبي خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب عَن يحيى بن معِين عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة عَن أبي بكر بن حَفْص عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة: كن أَزوَاج النَّبِي يَأْخُذن عَن شعورهن حَتَّى تكون كالوفرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 فَأَحْمَد وَالْأَرْبَعَة فَوْقه خمستهم أَقْرَان. وَمن فَوَائِد هَذَا النَّوْع أَن لَا تظن الزِّيَادَة فِي الْإِسْنَاد أَو إِبْدَال عَن بِالْوَاو. والقرينان هما المتقاربان فِي السن - كَمَا تقرر - والإسناد. وَرُبمَا اكْتفى الْحَاكِم بِالْإِسْنَادِ - أَي بالتقارب فِيهِ - وَإِن لم يتقاربا فِي السن. المدبج وَأَن روى كل مِنْهُمَا - أَي القرينين - عَن الآخر كعائشة عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي هُرَيْرَة عَنْهَا فَهُوَ المدبج أَي فَهُوَ النَّوْع الْمُسَمّى بالمدبج بِضَم الْمِيم وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة وَآخره جِيم من دبجت بِمَعْنى زينت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَهُوَ أخص من الأول فَكل مدبج أَقْرَان وَلَا عكس، وَقد صنف الدَّارَقُطْنِيّ فِي ذَلِك وَهُوَ أول من سَمَّاهُ بذلك (وصنف أَبُو الشَّيْخ الْأَصْفَهَانِي فِي الَّذِي قبله) . مِثَاله فِي الصَّحَابَة: رِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة وَرِوَايَة عَائِشَة عَنهُ. وَفِي التَّابِعين: رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أبي الزبير وَرِوَايَة أبي الزبير عَنهُ. وَفِي أَتبَاع التَّابِعين: مَالك عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ عَن مَالك. وَفِي أَتبَاع أَتبَاع التَّابِعين: أَحْمد عَن ابْن الْمَدِينِيّ وَرِوَايَة ابْن الْمَدِينِيّ عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 قَالَ الزين الْعِرَاقِيّ: وَسمي / هَذَا النَّوْع مدبجا لحسنه، لِأَنَّهُ لُغَة: المزين وَالرِّوَايَة كَذَلِك إِنَّمَا تقع لنكتة يعدل فِيهَا عَن الْعُلُوّ إِلَى الْمُسَاوَاة أَو النُّزُول فَيحصل للإسناد بذلك تَحْسِين وتزيين. وَإِذا روى الشَّيْخ عَن تِلْمِيذه صدق أَن كلا مِنْهُمَا يروي عَن الآخر، فَهَل يُسمى مدبجا؟ فِيهِ مَبْحَث. وَالظَّاهِر لَا لِأَنَّهُ من رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر. والتدبيج مَأْخُوذ من ديباجة الْوَجْه وهما الخدان فَيَقْتَضِي أَن يكون ذَلِك مستويا من الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَجِيء فِيهِ هَذَا. وعَلى هَذَا فالمدبج مُخْتَصّ بالقرينين، وَبِه صرح ابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 الصّلاح - كالحاكم - أما رِوَايَة القرين عَن قرينه من غير أَن تعلم رِوَايَة الآخر عَنهُ فَلَا يُسمى مدبجا كَرِوَايَة زَائِدَة بن قدامَة عَن زُهَيْر ابْن مُعَاوِيَة وَلَا يعلم لزهير رِوَايَة عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَإِن روى الرَّاوِي عَمَّن هُوَ دونه فِي السن أَو فِي الْمِقْدَار فَهَذَا النَّوْع هُوَ رِوَايَة الأكابر سنا، أَو قدرا عَن الأصاغر أَي هَذَا النَّوْع الْمُسَمّى بذلك، وَالْأَصْل فِيهِ رِوَايَة الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن تَمِيم الدَّارِيّ حَدِيث الْجَسَّاسَة، وَهُوَ عِنْد مُسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 رِوَايَة الْآبَاء عَن الْأَبْنَاء وَنَحْوهَا وَمِنْه - أَي من جملَة هَذَا النَّوْع - خلافًا لِابْنِ الصّلاح وَمن تبعه حَيْثُ جَعَلُوهُ قسما مُفردا وَهُوَ أخص من مطلقه رِوَايَة الْآبَاء عَن الأنباء (وَفِي عَكسه) وَالصَّحَابَة عَن التَّابِعين. كَرِوَايَة العبادلة الْأَرْبَعَة وَأبي هُرَيْرَة وَمُعَاوِيَة وَأنس عَن كَعْب الْأَحْبَار وَالشَّيْخ عَن تِلْمِيذه وَنَحْو ذَلِك. وكرواية الْعَبَّاس عَن ابْنه الْفضل عَن الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: أَنه جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَة. وَرِوَايَة وَائِل بن دَاوُد عَن ابْنه بكر بن وَائِل عَن الزُّهْرِيّ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 أنس أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: أولم على صَفِيَّة بسويق وَسمن. وَفِي عَكسه أَي وَفِي رِوَايَة الْأَبْنَاء عَن الْآبَاء كَثْرَة وَمِنْه: من روى عَن أَبِيه عَن جده لِأَنَّهُ هُوَ الجادة المسلوكة الْغَالِبَة قَالَ الشَّيْخ قَاسم: كَانَ يَنْبَغِي تَأْخِير قَوْله وَمِنْه من روى عَن أَبِيه عَن جده عَن قَوْله لِأَنَّهُ إِلَى آخِره. وَفَائِدَة معرفَة ذَلِك أَي هَذَا النَّوْع التَّمْيِيز بَين مَرَاتِبهمْ وتنزيل النَّاس مَنَازِلهمْ، لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن الْمَرْوِيّ عَنهُ أفضل، أَو أكبر من الرَّاوِي لكَونه أغلب، وَهُوَ أَقسَام: 1 - أَحدهمَا: أسن وأقدم طبقَة من الْمَرْوِيّ عَنهُ كالزهري عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 مَالك، وكالأزهري عَن تِلْمِيذه الْخَطِيب. 2 - وَالثَّانِي: أكبر قدرا لَا سنا كمالك عَن عبد الله بن دِينَار وَأحمد بن حَنْبَل عَن عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي. 3 - الثَّالِث: أكبر من الْوَجْهَيْنِ مَعًا، كالحافظ عبد الْغَنِيّ عَن تِلْمِيذه الصُّورِي، وكالبرقاني عَن الْخَطِيب، والخطيب عَن ابْن مَاكُولَا. وَقد صنف الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي رِوَايَة الْآبَاء عَن الْأَبْنَاء تصنيفا حافلا جَامعا وأفرد جُزْءا لطيفا فِي رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 اخْتِلَاف طبقاتهم. وَجمع الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف نِسْبَة إِلَى سكَّة الْعلَا ببخاري، وَقيل إِلَى الْجد / مجلدا كَبِيرا فِي معرفَة من روى عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي، وقسمه أقساما: 1 - فَمِنْهُ: مَا يعود الضَّمِير فِي قَوْله عَن جده على الرواي. 2 - وَمِنْه: مَا يعود الضَّمِير فِيهِ على أَبِيه أَي أبي الرَّاوِي فَيكون جد أَبِيه لَا جده هُوَ أعنى الراوية. ذكره الشَّيْخ قَاسم. وَبَين ذَلِك بَيَانا شافيا وحققه تَحْقِيقا كَافِيا وافيا وَخرج فِي كل تَرْجَمَة مِنْهُ حَدِيثا من مرويه عَن الْأَب عَن الْجد وَقد لخصت كِتَابه الْمَذْكُور وزدت عَلَيْهِ تراجم كَثِيرَة فَاتَتْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 قَالَ الشَّيْخ قَاسم: طالعت التَّلْخِيص الْمَذْكُور من خطّ الْمُؤلف، وأظهرت فِيهِ سِتّ تراجم لَا وجود لَهَا فِي الْوُجُود وَهِي: 1 - حَمَّاد بن عِيسَى الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه عَن جده عُبَيْدَة بن صَيْفِي. 2 - وَعبد الله بن عبد الحكم عَن أمه أُمَيْمَة عَن أمهَا رقيقَة. 3 - وَعَن عبد الله بن معَاذ بن عبد الله بن جَعْفَر عَن أَبِيه عَن جده. 4 - وَبشير بن النُّعْمَان بن بشير بن النُّعْمَان بن بشير عَن أَبِيه عَن جده. 5 - وخَالِد بن مُوسَى بن زِيَاد بن جهور عَن أَبِيه عَن جده جهور. وَلما رَأَيْت هَذَا وضعت كتابا فِي هَذَا النَّوْع، وبينت فِيهِ مَا كَانَ مُتَّصِلا بِالْآبَاءِ مِمَّا فِيهِ انْقِطَاع الْآبَاء، وفصلت كل قسم على حِدة، وَخرجت فِي كل تَرْجَمَة حَدِيثا إِلَّا مَا كَانَ فِي أحد الْكتب السِّتَّة، وَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 بعض الْكتب الَّتِي لم تكن بحضرتي إِذْ ذَاك فنسبته إِلَيْهَا. انْتهى وَأكْثر مَا وَقع فِيهِ مَا تسلسلت فِيهِ الرِّوَايَة عَن الْآبَاء أَرْبَعَة عشر أَبَا. وَلم يتَّفق وُقُوع أَكثر من ذَلِك بالاستقراء التَّام. فَائِدَة: يلْتَحق بِرِوَايَة الرجل عَن أَبِيه عَن جده: رِوَايَة الْمَرْأَة عَن أمهَا عَن جدَّتهَا وَهُوَ عَزِيز جدا. وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن بنْدَار حَدثنَا عبد الحميد بن عبد الْوَاحِد حَدَّثتنِي أم جنوب بنت نميلَة عَن أمهَا سويدة بنت جَابر عَن أمهَا عقيلة بنت أسمر بن مُضرس عَن أببها أسمر قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 أتيت النَّبِي فَبَايَعته فَقَالَ: من سبق إِلَى مَا لم يسْبق إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ لَهُ. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 معرفَة السَّابِق واللاحق وَإِن اشْترك اثْنَان فِي الْأَخْذ عَن شيخ فِي آن وَاحِد وَتقدم موت أَحدهمَا على موت الآخر فَهُوَ من أَقسَام الْعُلُوّ الْمُسَمّى السَّابِق واللاحق وَهُوَ الْعُلُوّ بتقدم الْوَفَاة - أَي وَفَاة الرَّاوِي - سَوَاء كَانَ سَمَاعه مَعَ الْمُتَأَخر الْوَفَاة فِي آن وَاحِد أَو قبله، وَكَذَا إِذا كَانَ بعده (- فِيمَا يظْهر من إِطْلَاقهم -) لكَون الْمُتَقَدّم الْوَفَاة نقل الروَاة عَنهُ فيرغب فِي تَحْصِيل مروية. قَالَه السخاوي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -. وَفِي كَلَام الْمُؤلف شُمُول لما تقدم موت أَحدهمَا على الآخر بِزَمن قَلِيل، أَو كَانَ مَوْتهمَا فِي حَيَاة شيخهما، وَلَا يخفى أَنه لَا يُطلق على ذَلِك مثله. كَمَا ذكره بعض الْمُتَأَخِّرين. وَأكْثر مَا وقفنا عَلَيْهِ من ذَلِك (مَا بَين) الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 فِي الْوَفَاة مائَة وَخَمْسُونَ سنة، وَلم يُوجد أَكثر من ذَلِك بالاستقراء وَذَلِكَ أَن الْحَافِظ السلَفِي سمع مِنْهُ أَبُو عَليّ / البرداني بِالتَّحْرِيكِ أحد مشايخه أَي السلَفِي حَدِيثا وَرَوَاهُ عَنهُ وَمَات على رَأس الْخَمْسمِائَةِ ثمَّ كَانَ آخر أَصْحَاب السلَفِي موتا سبطه أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مكي ووفاته سنة خمسين وسِتمِائَة فبينهما مائَة وَخَمْسُونَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَمن قديم ذَلِك أَن البُخَارِيّ حدث عَن شَيْخه أبي الْعَبَّاس السراج بِالتَّشْدِيدِ أَشْيَاء فِي التَّارِيخ وَغَيره، وَمَات سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَآخر من حدث عَن السراج بِالسَّمَاعِ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد الْخفاف النَّيْسَابُورِي وَمَات سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة فَبين وفاتيهما مائَة وَسبع وَثَلَاثُونَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَقد سمع الذَّهَبِيّ من أبي إِسْحَق التنوخي وَحدث عَنهُ كَمَا ذكره الْمُؤلف فِي " تَارِيخه " وَمَات سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة، وَآخر من مَاتَ من أَصْحَاب التنوخي الشهَاب الساوي مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة. وغالب مَا يَقع من ذَلِك أَن المسموع مِنْهُ يتَأَخَّر بعد أَخذ الرَّاوِي عَنهُ زَمَانا حَتَّى يسمع مِنْهُ بعض الْأَحْدَاث، ويعيش بعد السماع مِنْهُ دهرا طَويلا، فَيحصل من مَجْمُوع ذَلِك نَحْو هَذِه الْمدَّة. وَمن فَوَائِد هَذَا النَّوْع: حلاوة علو الْإِسْنَاد فِي الْقُلُوب وَإِن لَا يظنّ سُقُوط شَيْء من الْإِسْنَاد. وَقد ألف فِيهِ الْخَطِيب كتابا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 المهمل وَإِن روى الرَّاوِي عَن اثْنَيْنِ متفقي الِاسْم فَقَط، أَو والكنية أَو مَعَ اسْم الْأَب، أَو مَعَ اسْم / الْجد، أَو مَعَ نسبته وَلم يتميزا بِمَا يخص كلا مِنْهُمَا. كَذَا عبر المُصَنّف، وَاعْترض بإنما قد يتميزا بِمَا يخص أَحدهمَا فَقَط. فَإِن كَانَا ثقتين لم يضر فهم مِنْهُ أَنَّهُمَا إِذا كَانَا غير ثقتين أَنه يضر، قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهُوَ الصَّحِيح، وَالْفرق بَين الْمُبْهم والمهمل أَن الْمُبْهم لم يذكر لَهُ اسْم، والمهمل ذكر اسْمه مَعَ الِاشْتِبَاه. وَمن ذَلِك مَا (وَقع) فِي البُخَارِيّ فِي رِوَايَته عَن أَحْمد غير مَنْسُوب عَن ابْن وهب، فَإِنَّهُ: إِمَّا أَحْمد بن صَالح، أَو أَحْمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 عِيسَى. أَو عَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب عَن أهل الْعرَاق، فَإِنَّهُ: إِمَّا مُحَمَّد ابْن سَلام (بِالتَّشْدِيدِ) أَو مُحَمَّد بن يحيى الذهلي (بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء، نِسْبَة إِلَى قَبيلَة ذهل بن ثَعْلَبَة أَو غَيرهَا) . وَقد استوعبت ذَلِك فِي مُقَدّمَة شرح البُخَارِيّ، وَمن أَرَادَ لذَلِك ضابطا كليا يمتاز بِهِ أَحدهمَا عَن الآخر فباختصاصه - أَي الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ - كَذَا فِي نسخ، وَفِي نُسْخَة أَي الرَّاوِي وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. بِأَحَدِهِمَا يتَبَيَّن المهمل أَي الَّذِي روى عَنهُ المهمل إِن كَانَ شَيخا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 لوَاحِد من المهملين فَقَط يعرف بِهِ، قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَهَذَا الضَّمِير رَاجع إِلَى غير مَذْكُور، وَتقدم ذكر الرَّاوِي فيتوهم عوده عَلَيْهِ فَصَارَ الْمحل قلقا، فَكَانَ حَقه أَن يَقُول: فباختصاص أَحدهمَا بالمروي عَنهُ يتَبَيَّن المهمل. انْتهى. وَقَالَ بعض تلامذة المُصَنّف: فِيهِ اخْتِلَاف عود الضمائر فِي الْمَتْن بِلَا قرينَة، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بالمروي الرَّاوِي عَن الِاثْنَيْنِ لِأَن الحَدِيث مَرْوِيّ عَنهُ، وَيكون المُرَاد بالاختصاص كَثْرَة الْمُلَازمَة، فَإِذا أطلق اسْما وَله شَيْخَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِك الِاسْم يحمل على من عرفت ملازمته / لَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا خلاف فِي عود الضَّمِير كَذَا قَرَّرَهُ، وَنَقله عَن المُصَنّف. ثمَّ وقفت على نُسْخَة الْكَمَال ابْن أبي شرِيف الَّتِي قَرَأَهَا على الْمُؤلف، وَبلغ لَهُ عَلَيْهَا بِخَطِّهِ فِي كل ورقة غَالِبا، فَوجدت فِيهَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 فباختصاصه - أَي الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ - ثمَّ ضرب الْكَمَال على قَوْله الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ وَكتب على الْهَامِش بِخَطِّهِ - أَي الرَّاوِي - وَصحح عَلَيْهِ. وَمَتى لم يتَبَيَّن ذَلِك، أَو كَانَ مُخْتَصًّا بهما مَعًا فإشكاله شَدِيد، فَيرجع فِيهِ إِلَى الْقَرَائِن أَو الظَّن الْغَالِب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 معرفَة من حدث وَنسي وَإِن (روى عَن شيخ حَدِيثا) فَجحد الشَّيْخ مرويه فَإِن كَانَ جزما كَأَن يَقُول: كذب عَليّ أَو مَا رويت هَذَا أَو نَحْو ذَلِك. فَإِن وَقع مِنْهُ ذَلِك. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: قَوْله فَإِن. . إِلَى آخِره حَشْو رد ذَلِك الْخَبَر الَّذِي تكاذبا فِيهِ، وَذَلِكَ يتَنَاوَل مَا إِذا تكاذبا فِي حَدِيث بجملته وَمَا إِذا تكاذبا فِي لَفْظَة وَنَحْوهَا. لكذب وَاحِد مِنْهُمَا قطعا لَكِن لَا بِعَيْنِه فَيحْتَمل كَونه الْفَرْع فَلَا يثبت مرويه وَلَا يكون ذَلِك قادحا فِي وَاحِد مِنْهُمَا للتعارض. حَتَّى تصح شَهَادَتهمَا فِي قَضِيَّة وَاحِدَة، لِأَن كلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 مِنْهُمَا يظنّ أَنه صَادِق وَالْكذب على النَّبِي الَّذِي يؤول إِلَيْهِ الْأَمر فِي ذَلِك إِنَّمَا يسْقط الْعَدَالَة إِذا كَانَ عمدا، وَلم يتَحَقَّق الْعمد لاحْتِمَال نِسْيَان الأَصْل أَو غلط الْفَرْع بِأَن الْتبس عَلَيْهِ بشيخ آخر كَذَا قَرَّرَهُ بَعضهم. وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: قَوْله لكذب أَحدهمَا. . إِلَى آخِره يَعْنِي لكذب / الأَصْل فِي قَوْله: كذب عَليّ أَو مَا رويت إِن كَانَ الْفَرْع صَادِقا فِي الْوَاقِع، أَو لكذب الْفَرْع فِي الرِّوَايَة إِن كَانَ الأَصْل صَادِقا فِي قَوْله: كذب عَليّ أَو مَا رويت إِلَّا أَن عَدَالَة الأَصْل تمنع كذبه فَيجوز النسْيَان. . على الْفَرْع، وعدالة الْفَرْع تمنع كذبه فَيجوز النسْيَان على الأَصْل، وَلم يتَبَيَّن مُطَابقَة الْوَاقِع مَعَ أَيهمَا فَلذَلِك لَا يكون قادحا. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 وَخَالف فِي ذَلِك السَّمْعَانِيّ فَقَالَ: تَكْذِيبه لَا يسْقط الْمَرْوِيّ لاحْتِمَال نِسْيَان الاصل بعد رِوَايَته للفرع، فَلَا يكون وَاحِد مِنْهُمَا مجروحا، وَاخْتَارَهُ فِي " جمع الْجَوَامِع ". وَهَذِه الْمَسْأَلَة من مبَاحث علم أصُول الْفِقْه. وَخرج بالجحد مَا لَو حَدثهُ ثمَّ قَالَ: منعتك من الرِّوَايَة عني، أَو لَا ترو عني، أَو رجعت عَن إخبارك فَلَا يضر إِلَّا إِن أسْندهُ إِلَى تبين خطأه أَو شكه فِي السماع فَحِينَئِذٍ يمْتَنع عَلَيْهِ الرِّوَايَة عَنهُ. وَبِقَوْلِهِ رد الْخَبَر رِوَايَة غير الْخَبَر الَّذِي تكاذبا فِيهِ، فَتقبل رِوَايَة كل مِنْهُمَا لَهُ كَمَا جزم بِهِ جمع. أَو كَانَ جَحده احْتِمَالا وعَلى سَبِيل التَّرَدُّد كَأَن قَالَ: مَا أذكر هَذَا، أَو مَا أعرفهُ وَالْفرع جازم قبل ذَلِك الحَدِيث فِي الْأَصَح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور لِأَن ذل يحمل على نِسْيَان الشَّيْخ كَمَا مر تَقْرِيره. مِثَاله مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ربيعَة ابْن أبي عبد الرَّحْمَن عَن سُهَيْل بن صَالح (عَن أَبِيه) عَن أبي هُرَيْرَة أَن الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام قضى بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمين. زَاد أَبُو دَاوُد: قَالَ عبد الْعَزِيز: فَذكرت ذَلِك لسهيل، فَقَالَ: أَخْبرنِي ربيعَة وَهُوَ عِنْدِي ثِقَة أَنِّي حدثته إِيَّاه وَلَا أحفظه. وَقيل: لَا يقبل مرويه، لِأَن الْفَرْع تبع الأَصْل فِي إِثْبَات الحَدِيث بِحَيْثُ إِذا ثَبت أصل الحَدِيث ثَبت رِوَايَة الْفَرْع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون فرعا عَلَيْهِ، وتبعا لَهُ فِي النَّفْي وَقِيَاسًا على نَظِيره فِي الشَّهَادَة على شَهَادَة الأَصْل وَهَذَا القَوْل متعقب أَي تعقبه الْجُمْهُور بِالرَّدِّ فَإِن عَدَالَة الْفَرْع تَقْتَضِي صَدَقَة، وَعدم علم الأَصْل لَا يُنَافِيهِ لاحْتِمَال نسيانه كَمَا مر والمثبت مقدم على النَّافِي. كَذَا قَالَ الْمُؤلف. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا لَيْسَ بجيد، لِأَن فِي مَسْأَلَة تَكْذِيب الأَصْل جزما، الأَصْل ناف وَالْفرع مُثبت، وَلَيْسَ الحكم فِيهَا للمثبت بل للنافي، فَالْحق أَن يَقُول: لِأَن الْمُحَقق مقدم على المظنون - كَمَا. . عَلَيْهِ فِي بعض نسخ الأفاضل) - أَو تَقول: الْجَزْم مقدم على التَّرَدُّد. وَأما قِيَاس ذَلِك بِالشَّهَادَةِ ففاسد لظُهُور الْفرق بَينهمَا لِأَن شَهَادَة الْفَرْع لَا تسمع مَعَ الْقُدْرَة قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: لَا يخفى مَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 التَّعْبِير بِالْقُدْرَةِ على شَهَادَة الأَصْل بِخِلَاف الرِّوَايَة. كَذَا قَرَّرَهُ الْمُؤلف. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَظَاهر كَلَامه أَنه جَوَاب سُؤال مُقَدّر، وَحَاصِله جَوَاب بالفارق وَهُوَ لَا يُؤثر حَتَّى يكون واردا على الْعلَّة الجامعة، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك. انْتهى. وَأجَاب أهل الْأُصُول: بِأَن بَاب الشَّهَادَة أضيق، لاعتبارهم فِيهِ الْحُرِّيَّة وَالْعَدَالَة والذكورة وَغَيرهمَا، وَلَو ظن الْفَرْع الرِّوَايَة وَجزم الأَصْل بنفيها أَو ظَنّه، قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: فِي الأول تعين الرَّد، وَفِي الثَّانِي تَعَارضا، وَالْأَصْل الْعَدَم وَالْأَشْبَه الْقبُول. وَلَو لم يَقع إِنْكَار الحَدِيث إِلَّا من أَصْحَاب الشَّيْخ الَّذِي زعم الرَّاوِي أَنه حَدثهُ فَإِن كَانَ الرَّاوِي من مشاهير أَصْحَابه لم يُؤثر الْإِنْكَار، وَإِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 فَنقل ابْن برهَان عَن أَصْحَابنَا أَنه يرد، كَمَا ردوا حَدِيث أبي خَالِد الدالاني لَيْسَ الْوضُوء على من نَام قَائِما أَو قَاعِدا أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا وَإِنَّمَا الْوضُوء على من نَام مُضْطَجعا، لقَوْل أَحْمد: إِن الدالاني يزاحم أَصْحَاب قَتَادَة وَلَيْسَ مِنْهُم. قَالَ ابْن برهَان: وَمَا تخيلوه لَا يَصح، لِأَن الْغَرَض أَن النَّاقِل ثِقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 عدل فَكيف يرد، وَغَايَة ذَلِك زِيَادَة ثِقَة، فاللائق بمذهبنا الرَّد. وَفِيه - أَي فِي هَذَا النَّوْع - صنف الدَّارَقُطْنِيّ كتاب من حدث ونسى. وَفِيه مَا يدل على تَقْوِيَة الْمَذْهَب الصَّحِيح لكَون كثير مِنْهُم حدثوا بِأَحَادِيث فَلَمَّا عرضت عَلَيْهِم لم يتذكروها لكَوْنهم لاعتمادهم على الروَاة عَنْهُم صَارُوا يرونها عَن الَّذِي رَوَاهَا عَنْهُم عَن أنفسهم، كَحَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا الَّذِي أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَنهُ فِي قصَّة الشَّاهِد واليمن أَي / فِي أَنه قضى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين. قَالَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي بِفَتْح أَوله وَالرَّاء وَالْوَاو وَسُكُون الرَّاء الثَّانِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 (وَكسر الدَّال) الْمُهْملَة حَدثنِي بِهِ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن سُهَيْل بن أبي صَالح قَالَ فَلَقِيت بعد ذَلِك سهيلا، فَسَأَلته عَنهُ فَلم يعرفهُ، فَقلت: إِن ربيعَة حَدثنِي عَنْك بِكَذَا، فَكَانَ سُهَيْل بعد ذَلِك يَقُول: حَدثنِي ربيعَة عَنى أَنِّي حدثته عَن أبي بِهِ. كَذَا حَكَاهُ المُصَنّف. قَالَ الشَّيْخ قَاسم الْحَنَفِيّ: إِن كَانَ هَذَا لفظ الْقِصَّة من غير تصرف فَكَانَ حق سُهَيْل أَن يَقُول حَدثنِي الدَّرَاورْدِي عَن ربيعَة عني أَنِّي حدثته عَن أبي. ونظائره كَثِيرَة. وَمن أَطْرَاف ذَلِك رِوَايَة الْخَطِيب عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 مُعْتَمر بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدَّثتنِي أَنْت عني عَن أَيُّوب عَن الْحسن قَالَ: وَيْح كلمة رَحْمَة. قَالَ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح - هَذَا مِثَال ظريف يجمع أنواعا مِنْهَا: 1 - رِوَايَة الْأَب عَن أبنه. 2 - وَرِوَايَة الْأَكْبَر عَن الْأَصْغَر. 3 - وَرِوَايَة التَّابِعِيّ عَن تابعيه. 4 - وَرِوَايَة ثَلَاثَة تابعين بَعضهم عَن بعض. 5 - وَأَنه حدث عَن وَاحِد عَن نَفسه. قَالَا: وَهَذَا فِي غَايَة الْحسن والغرابة، وَيبعد أَن يُوجد ذَلِك فِي حَدِيث آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 معرفَة المسلسل وَإِن اتّفق الروَاة فِي إِسْنَاد من الْأَسَانِيد فِي صِيغ الْأَدَاء: كسمعت فلَانا قَالَ سَمِعت فلَانا أَو حَدثنَا فلَان قَالَ حَدثنَا فلَان / وَغير ذَلِك من الصِّيَغ. أَو زمانها أَو مَكَانهَا أَو غَيرهَا من الْحَالَات القولية كسمعت فلَانا يَقُول: أشهد بِاللَّه لقد حَدثنِي فلَان. . إِلَى آخِره أَي يَقُول ذَلِك كل راو مِنْهُم من أول الْإِسْنَاد إِلَى آخِره. مِثَال التسلسل بأحوال الروَاة القولية: كَحَدِيث معَاذ بن جبل أَن الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَهُ: يَا معَاذ إِنِّي أحبك فَقل فِي دبر كل صَلَاة: اللَّهُمَّ أَعنِي على شكرك وذكرك وَحسن عبادتك. فقد تسلسل بقول كل راو من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 رُوَاته إِنِّي أحبك. مِثَال التسلسل بأحوال الروَاة الفعلية: أَو الفعلية، كَقَوْلِه: دَخَلنَا على فلَان فأطعمنا تَمرا. . إِلَى آخِره. أَي قَالَ ذَلِك كل راو مِنْهُم من أول الْإِسْنَاد. . إِلَى آخِره. مِثَال التسلسل بأحوال الروَاة القولية والفعلية: أَو القولية والفعلية مَعًا، كَقَوْلِه: حَدثنِي فلَان وَهُوَ آخذ بلحيته قَالَ آمَنت بِالْقدرِ بِالتَّحْرِيكِ إِلَى آخِره أَي قَالَ كل مِنْهُم ذَلِك وَهُوَ آخذ بلحيته، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 من الأول إِلَى الآخر. مِثَال للتسلسل بأحوال الروَاة الفعلية: وكحديث أبي هُرَيْرَة قَالَ: شَبكَ بيَدي أَبُو الْقَاسِم وَقَالَ: خلق الله الأَرْض يَوْم السبت. . إِلَى آخِره. وَكَذَا الْعد والمصافحة والآخذ بِالْيَدِ وَوضع الْيَد على رَأس الرَّاوِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 وَنَحْو ذَلِك. فَهَذَا أَي هَذَا النَّوْع هُوَ الْمُسَمّى المسلسل وَقد يَقع التسلسل بِزَمن الْأَدَاء أَو مَكَانَهُ، فالمتعلق بِالْمَكَانِ كالمسلسل بإجابة الدُّعَاء بالملتزم، وَقد جمع النَّاس فِي المسلسلات كثيرا. وَهُوَ أَي المسلسل من صِفَات الْإِسْنَاد وأفضله مَا سلم من التَّدْلِيس، وَدلّ على الِاتِّصَال فِي السماع من أَوله / إِلَى آخِره. وَمن فَوَائده: اشتماله على زِيَادَة الضَّبْط، وقلما يسلم من خلل فِي التسلسل. وَقد يَقع التسلسل فِي مُعظم الْإِسْنَاد لَا فِي كُله فتنقطع السلسلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 فِي وَسطه أَو آخِره كَحَدِيث المسلسل بالأولية وَهُوَ حَدِيث عبد الله ابْن عَمْرو: الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن. فَإِن السلسلة فِيهِ تَنْتَهِي إِلَى سُفْيَان بن عيينه فَقَط وانقطعت فِيمَن فَوْقه هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَمن رَوَاهُ مسلسلا من أَوله إِلَى منتهاه فقد وهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 قَالَ الْمُؤلف: قد رُوِيَ الحَدِيث المسلسل بالأولية من ثَلَاثَة طرق إِلَى منتهاه، والثلالثة وهم. قَالَ: وَأَصَح مسلسل يروي فِي الدُّنْيَا المسلسل بِقِرَاءَة سُورَة الصَّفّ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَكَذَا المسلسل بالحفاظ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَالْفُقَهَاء. بل قدم الْمُؤلف فِي هَذَا الْكتاب أَن المسلسل بالحفاظ مِمَّا يُفِيد الْعلم الْقطعِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 معرفَة صِيغ الْأَدَاء ثمَّ شرع يتَكَلَّم على صِيغ الْأَدَاء، وأقسام النَّقْل وَهُوَ أَدَاء مَا تحمله مُقْتَصرا على الشايع عِنْد أهل الحَدِيث فَقَالَ: وصيغ الْأَدَاء الْمشَار إِلَيْهَا على ثَمَان مَرَاتِب على الْمَشْهُور عِنْد متأخري الْمُحدثين، وفيهَا خلاف طَوِيل الذيل لَكِن عمل الْمُتَأَخِّرين على أَنَّهَا ثَمَانِيَة فَقَط فَلذَلِك جزم بِهِ الْمُؤلف وَاقْتصر عَلَيْهِ. الأولى وَهِي أرفعها سَمِعت وحَدثني أَي قَول الرَّاوِي ذَلِك عَن شَيْخه سَوَاء كَانَ أصلا، أَو حَدِيثا من حفظه، أَو كِتَابه. وَإِنَّمَا كَانَ أرفعها / لِأَنَّهُ لَا يكَاد يَقُول ذَلِك فِي الْإِجَازَة وَالْمُكَاتبَة، وَلَا فِي تَدْلِيس مَا لم يسمعهُ. ثمَّ يتلوها فِي الرُّتْبَة أَخْبرنِي وَهُوَ كثير فِي الِاسْتِعْمَال وقرأت عَلَيْهِ، وَهِي الْمرتبَة الثَّانِيَة من الثَّمَانِية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 ثمَّ يتلوها قرئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع وَهِي الْمرتبَة الثَّالِثَة، ثمَّ يتلوها أنبأني وَهِي الْمرتبَة الرَّابِعَة لِأَنَّهَا عِنْد الْمُتَقَدِّمين كالأخبار كَمَا سيجئ، لَكِن عَن كَذَلِك عِنْدهم أَيْضا. ثمَّ ناولني وَهِي الْمرتبَة الْخَامِسَة، ثمَّ شافهني أَي بِالْإِجَازَةِ وَهِي الْمرتبَة السَّادِسَة، ثمَّ كتب إِلَيّ أَي بِالْإِجَازَةِ وَهِي الْمرتبَة السَّابِعَة، ثمَّ عَن وَنَحْوهَا من الصِّيَغ المحتملة للسماع وللإجازة وَلعدم السماع ايضا. وَهَذَا مثل: قَالَ، وَذكر، وروى. فاللفظان الْأَوَّلَانِ من صِيغ الْأَدَاء وهما: سَمِعت وحَدثني صالحان لمن سمع وَحده من لفظ الشَّيْخ، وَتَخْصِيص الحَدِيث بِمَا سمع من لفظ الشَّيْخ هُوَ الشَّائِع بَين الْمُحدثين اصْطِلَاحا. أَرَادوا بِهِ التَّمْيِيز بَين النَّوْعَيْنِ - أَعنِي التحديث والإخبار. وَلَا فرق بَين التحديث والإخبار من حَيْثُ اللُّغَة بل هما فِي اللُّغَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 بِمَعْنى وَاحِد وَفِي ادِّعَاء الْفرق بَينهمَا تكلّف شَدِيد فِيهِ عناد وَخلف وتعسف. لَكِن لما تقرر الِاصْطِلَاح أَي اصْطِلَاح الْمُحدثين صَار ذَلِك حَقِيقَة عرفيه فَتقدم على الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة مَعَ أَن هَذَا الِاصْطِلَاح إِنَّمَا شاع عِنْد المشارقة / يَعْنِي الْجُمْهُور مِنْهُم وَمن تَبِعَهُمْ من المغاربة، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي وَأَصْحَابه، وَمُسلم، وَابْن وهب وَأما غَالب المغاربة ومعظم الْحِجَازِيِّينَ وَمَالك فَلم يستعملوا هَذَا الِاصْطِلَاح وَلم يعرجوا عَلَيْهِ بل الْإِخْبَار والتحديث عِنْدهم بِمَعْنى وَاحِد. وَعَلِيهِ البُخَارِيّ. فَإِن جمع الرَّاوِي أَي أَتَى بِصِيغَة الْجمع فِي الصِّيغَة الأولى كَأَن يَقُول: حَدثنَا فلَان أَو سمعنَا فلَانا يَقُول فَهُوَ أَي فَذَلِك دَلِيل على أَنه سمع مِنْهُ مَعَ غَيره، وَقد تكون النُّون للعظمة لَكِن بقلة. فَأكْثر مَا يَقُوله الْمُنْفَرد حَدثنِي لدلالتها على أَن الشَّيْخ حَدثهُ وَحده، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِم وَسَبقه إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ فِي " الْعِلَل " حَيْثُ قَالَ: مَا قلت حَدثنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 فَهُوَ مَا سَمِعت مَعَ النَّاس وَمَا قلت فِيهِ حَدثنِي فَهُوَ مَا سَمِعت وحدي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمدْخل " وَهُوَ معني قَول الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد. قَالَ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح - وَهُوَ حسن. وَخَالف فِي ذَلِك ابْن دَقِيق الْعِيد. فَإِن شكّ هَل كَانَ وَحده (أَو مَعَ غَيره) ؟ فَالْأَظْهر أَنه يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي لَا حَدثنَا أَو أخبرنَا لِأَن الأَصْل عدم غَيره. وأولها - أَي الْمَرَاتِب - أصرحهَا أَي أصرح صِيغ الْأَدَاء فِي سَماع قَائِلهَا لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل الْوَاسِطَة. كَمَا ذكره الْخَطِيب، فَلَا يُطلق على الْإِجَازَة غَالِبا وَلَكِن حَدثنِي قد يُطلق فِي الْإِجَازَة تدليسا. قَالَ المُصَنّف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 فِي " تَقْرِيره ": هَذَا يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم فِي قصَّة الرجل الَّذِي يقْتله الدَّجَّال ثمَّ يحييه فَيَقُول عِنْد ذَاك: أشهد أَنَّك الرجل الَّذِي حَدثنَا رَسُول الله عَنْك، وَمَعْلُوم أَن هَذَا الرجل لم يسمع من رَسُول الله وَإِنَّمَا يُرِيد بحدثنا جمَاعَة الْمُسلمين انْتهى. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بإن هَذَا يدل على جَوَاز الْإِطْلَاق لَا على الْإِطْلَاق تدليسا المستشهد عَلَيْهِ بِمَا ذكره فَلَا يَصح استدلاله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وأرفعها مِقْدَارًا مَا يَقع فِي الْإِمْلَاء لما فِيهِ من التثبت والتحفظ أَي الِاحْتِرَاز وهوأن الشَّيْخ يتثبت ويتحفظ ويتحرز فِيمَا يمليه، وَالْكَاتِب يتَحَقَّق مَا يسمعهُ مِنْهُ ويكتبه كَمَا سَمعه. وَالثَّالِث أَي من الصِّيَغ لَا من الْمَرَاتِب وَهُوَ أَخْبرنِي. وَالرَّابِع: وَهُوَ قَرَأت لمن قَرَأَ بِنَفسِهِ على الشَّيْخ. ويسميها أَكثر الْمُحدثين عرضا من حَيْثُ أَن الْقَارئ يعرض على الشَّيْخ مَا يقرره كَمَا يعرض الْقُرْآن على الْمُقْرِئ. لَكِن قَالَ الْمُؤلف فِي " شرح البُخَارِيّ ": بَين الْقِرَاءَة وَالْعرض عُمُوم وخصوص، لِأَن الطَّالِب إِذا قَرَأَ كَانَ أَعم من الْعرض وَغَيره، وَلَا يَقع الْعرض إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ على الشَّيْخ سَوَاء أَقرَأ هُوَ أَو غَيره، لِأَن الْعرض عبارَة عَمَّا يُعَارض بِهِ الطَّالِب أصل شَيْخه مَعَه، أَو مَعَ غَيره بِحَضْرَتِهِ. وَسَوَاء كَانَ الشَّيْخ يحفظه أَو ثِقَة غَيره، وَالرِّوَايَة بِهَذَا الْقسم / صَحِيحَة اتِّفَاقًا خلافًا لمن لم يعْتد بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 فَإِن جمع الرَّاوِي كَأَن يَقُول أخبرنَا أَو قَرَأنَا عَلَيْهِ فَهُوَ كالخامس وَهُوَ: قرئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع وَعرف من هَذَا أَن التَّعْبِير بقرأ لمن قَرَأَ خير من التَّعْبِير بالإخبار لِأَنَّهُ أفْصح بِصُورَة الْحَال. تَنْبِيه: الْقِرَاءَة على الشَّيْخ أحد وُجُوه التَّحَمُّل عِنْد الْجُمْهُور وَهُوَ القَوْل الْمَشْهُور الْمَنْصُور الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل. وَأبْعد من أَبى ذَلِك من أهل الْعرَاق، وَقد اشْتَدَّ إِنْكَار الإِمَام مَالك وَغَيره من الْمَدَنِيين عَلَيْهِم فِي ذَلِك، حَتَّى بَالغ بَعضهم فرجحها على السماع من لفظ الشَّيْخ. وَذهب جمع جم مِنْهُم البُخَارِيّ وَحَكَاهُ فِي أول صَحِيحه عَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة إِلَى أَن السماع من لفظ الشَّيْخ، وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ يَعْنِي فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة سَوَاء. وَالْحَاصِل أَن فِي الْمَسْأَلَة أقوالا: 1 - الأول: أَنَّهُمَا سَوَاء، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَأَصْحَابه وأشياخه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وغالب عُلَمَاء الْحجاز، وَالْبُخَارِيّ. وَرجحه الزَّرْكَشِيّ فِي طَائِفَة. وَحَكَاهُ الصَّيْرَفِي عَن الإِمَام الشَّافِعِي. وَنقل تَرْجِيحه عَن جُمْهُور المشارقة. وَجرى على تَرْجِيحه ابْن الْجَزرِي، وَاعْتَمدهُ السخاوي. 2 - الثَّانِي: أَنَّهَا فَوق السماع، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَاللَّيْث وَابْن أبي ذِئْب وَطَائِفَة إِلَى أَنَّهَا فَوق السماع. وروى عَن مَالك تقويته، فَإِن الشَّيْخ رُبمَا سهى أَو غلط فِيمَا يقرره فَلَا يرد عَلَيْهِ السَّامع لجهله أَو لهيبة الشَّيْخ / فَيجْعَل الْخَطَأ صَوَابا، وَإِذا قَرَأَ الطَّالِب فسهى أَو أَخطَأ رد عَلَيْهِ الشَّيْخ أَو غَيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 3 - الثَّالِث: أَنَّهَا دونه، وَعَلِيهِ بعض المشارقة، قَالَ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح - وَهُوَ الصَّحِيح. قَالَ صَاحب " البديع " بعد اخْتِيَاره للْأولِ: وَمحل الْخلاف مَا إِذا قَرَأَ الشَّيْخ من كِتَابه لِأَنَّهُ قد يسهو، فَلَا فرق بَينه وَبَين الْقِرَاءَة عَلَيْهِ، أما إِن قَرَأَ الشَّيْخ من حفظه فَهُوَ أَعلَى اتِّفَاقًا. وَاخْتَارَ الْمُؤلف أَن مَحل تَرْجِيح (السماع) مَا إِذا اسْتَوَى الشَّيْخ والطالب أَو كَانَ الطَّالِب أعلم لِأَنَّهُ أوعى لما يسمع، فَإِن كَانَ مفضولا فقرآته أولى لِأَنَّهَا أضبط لَهُ. قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ السماع من لَفظه فِي الْإِمْلَاء أرفع الدَّرَجَات لما يلْزم مِنْهُ من تَحْرِير الشَّيْخ والطالب. تَنْبِيه: إِذا قَرَأَ الطَّالِب إِسْنَاد شَيْخه بِالْكتاب أَو الْجُزْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 فَقَالَ فِي أول كل حَدِيث إِذا انْتهى مَا قبله: وَبِه قَالَ حَدثنَا ليَكُون كَأَنَّهُ أسْندهُ لصَاحبه فِي كل حَدِيث. وَقَالَ فِي كل مجْلِس لشيخه: وبسندكم الْمَاضِي إِلَى فلَان اي صَاحب الْكتاب قَالَ حَدثنَا. وَجَرت الْعَادة بإفادة السَّنَد يَوْم ختم الْكتاب لأجل من يَتَجَدَّد. (وَلما أنهى المُصَنّف الْكَلَام على صِيغ الْأَدَاء وَالسَّمَاع وَالْقِرَاءَة على الشَّيْخ شرع يبين صِيغ الْإِجَازَة) . والإنباء من حَيْثُ اللُّغَة واصطلاح الْمُتَقَدِّمين بِمَعْنى الْإِخْبَار إِلَّا فِي عرف الْمُتَأَخِّرين فَهُوَ للإجازة. تَنْبِيه: قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ " الْمنْهَج ": الْإِجَازَة من التَّجَوُّز وَهُوَ التَّعَدِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 فَكَأَنَّهُ عدى رِوَايَته حَتَّى أوصلها للراوي عَنهُ. وَقَالَ الشمني: هِيَ اصْطِلَاحا إِذن فِي الرِّوَايَة لفظا / أَو خطأ يُفِيد الْإِخْبَار الإجمالي عرفا، وأركانها أَرْبَعَة مجيز، ومجاز لَهُ، ومجاز بِهِ، وَلَفظ الْإِجَازَة. قَالَ البُلْقِينِيّ: وَلَا يشْتَرط قبُولهَا. قَالَ الْمُؤلف: والطبقة المتوسطة بَين الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين لَا يذكرُونَ الإنباء إِلَّا مُقَيّدا بِالْإِجَازَةِ، فَلَمَّا كثر واشتهر اسْتغنى الْمُتَأَخّرُونَ عَن ذكره. وَهَذَا كعن، فَإِنَّهَا فِي عرف الْمُتَأَخِّرين للإجازة قَالَ الشَّيْخ قَاسم: الْمقَام مقَام الْإِخْبَار لتقدم ذكرهم فَهُوَ أخصر. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 عِنْد الْمُتَقَدِّمين. وعنعنة المعاصر مَحْمُولَة على السماع عِنْد الْمُتَقَدِّمين كمسلم، وَادّعى فِيهِ الْإِجْمَاع وَبِخِلَاف غير المعاصر فَإِنَّهَا تكون مُرْسلَة أَو مُنْقَطِعَة. وَشرط حملهَا على السماع ثُبُوت المعاصرة إِلَّا من المدلس فَإِنَّهَا غير مَحْمُولَة على السماع. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقَوله وَشرط حملهَا. . إِلَى آخِره زِيَادَة مُسْتَغْنى عَنْهَا، وَإِنَّمَا ذكرت لأجل الِاسْتِثْنَاء الَّذِي فِي الْمَتْن مَعَ تقدم قَوْله بِخِلَاف غير المعاصر فَلَو آخر كَانَ أولى. انْتهى. أما مَا فِي عرف الْمُتَأَخِّرين فالعنعنة للإجازة. وَقيل: يشْتَرط فِي حمل عنعنة المعاصر على السماع ثُبُوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 لقائهما - أَي الشَّيْخ والراوي عَنهُ وَلَو مرّة وَاحِدَة، ليحصل على الْأَمْن من بَاقِي معنعنة عَن كَونه من الْمُرْسل الْخَفي. فَإِذا لم يعلم لقاؤه لَا يكون حجَّة حَتَّى يَأْتِي بِلَفْظ سَماع أَو حَدِيث. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقَوله ليحصل الْأَمْن. . إِلَى آخِره تقدم مَا فِيهِ فَليُرَاجع. اه بِهَذَا. وَهُوَ الْمُخْتَار تبعا لعَلي ابْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ / وَغَيرهمَا من النقاد. لَان العنعنة لَا تَقْتَضِي السماع، لَكِن إِذا ثَبت اللِّقَاء ترجح. كَذَا ذكره الْمُؤلف. وَاعْترض: بِأَنَّهُ يلْزمه عدم تَرْجِيح كتاب البُخَارِيّ بِهَذَا الشَّرْط على كتاب مُسلم إِذْ احْتِمَال عدم سَماع من لَقِي جَار فِي مروياته لاحْتِمَال عدم سَماع من عاصر وَلم يثبت لقاؤه وَلَا عَدمه، فالرافع للاحتمال فِي الأول رَافع للثَّانِي. ورد: بِأَنَّهُ لَا يُنَازع فِي الأرجحية بِهَذَا إِلَّا مكابر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وأطلقوا أَي أطلق الْمُتَأَخّرُونَ - وهم كَمَا قَالَ الشمني - من بعد الْخَمْسمِائَةِ المشافهة فِي الْإِجَازَة المتلفظ بهَا تجوزا فَيَقُولُونَ: أخبرنَا فلَان بمشافهة أَو شافهني فلَان بِكَذَا وَكَذَا أطْلقُوا - أَيْضا - الْمَكْتُوب فِي الْإِجَازَة المكتبة بهَا تجوزا فَيَقُولُونَ: أخبرنَا فلَان مُكَاتبَة أَو كِتَابَة أَو فِي كِتَابَة. قَالَ بَعضهم: فِي رثبات كَذَا تَغْيِير إِعْرَاب الْمَتْن. وَهُوَ مَوْجُود فِي عبارَة كثير من الْمُتَأَخِّرين بِخِلَاف الْمُتَقَدِّمين فَإِنَّهُم إِنَّمَا يطلقونها فِيمَا كتب بِهِ الشَّيْخ من الحَدِيث إِلَى الطَّالِب، سَوَاء أذن لَهُ فِي رِوَايَته أم لَا؟ لَا فِيمَا إِذا كتب إِلَيْهِ بِالْإِجَازَةِ فَقَط. وَرَأى الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: أَن هَذِه الْأَلْفَاظ لَا تسلم من طرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 من التَّدْلِيس، أما المشافهة فَلِأَنَّهَا لمشافهته بِالتَّحْدِيثِ، وَأما الْكِتَابَة فلإيهامها الْكِتَابَة بِنَفس الحَدِيث كَمَا يَفْعَله المتقدمون اه. يكْتب الْمُحدث مِنْهُم إِلَى آخر بِأَحَادِيث يذكر يذكر أَنه سمع من فلَان / كَمَا رسمها فِي الْكتاب. وَقد نَص الْحَافِظ الْهَمدَانِي على منع ذَلِك لإبهامه. الْمُكَاتبَة: وَاعْلَم أَن من طرق التَّحَمُّل أَن يكْتب الشَّيْخ شَيْئا من حَدِيث بِخَطِّهِ، أَو يَكْتُبهُ غَيره بِإِذْنِهِ ثمَّ يُرْسِلهُ ذَلِك الشَّيْخ إِلَى شخص غَائِب وَلَو عَن مَجْلِسه فيرويه عَنهُ بذلك. وَقد اخْتلف فِي الصِّيغَة الَّتِي يُؤَدِّي بهَا ذَلِك الشَّخْص، فَاخْتَارَ الْحَاكِم وأئمة عصره أَن يَقُول فِيمَا كتب إِلَيْهِ الْمُحدث من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 مدينته وَلم يشافهه بِالْإِجَازَةِ: كتب إِلَيّ فلَان. وَذهب جمع مِنْهُم اللَّيْث إِلَى جَوَاز إِطْلَاق حَدثنَا وَأخْبرنَا. وَالصَّحِيح أَن يُقيد ذَلِك بِالْكِتَابَةِ فَيُقَال: حَدثنَا أَو أخبرنَا كِتَابَة، أَو كتب إِلَيّ، وَنَحْو ذَلِك. المناولة: من طرق التَّحَمُّل - أَيْضا - المناولة وَصورتهَا: أَن يدْفع الشَّيْخ أصل سَمَاعه أَو فرعا مُقَابلا بِهِ إِلَى الطَّالِب، أَو يحضر الطَّالِب الأَصْل إِلَى الشَّيْخ وَيَقُول لَهُ الشَّيْخ: هَذَا روايتي عَن فلَان، أَو عَمَّن ذكر فِيهِ فاروه عني، أَو أجزتك بِهِ. فلَان من ذكر ذَلِك فِي الرِّوَايَة كَمَا قَالَ. واشترطوا فِي صِحَة الرِّوَايَة بالمناولة اقترانها بِالْإِذْنِ بالرواية، وَهِي إِذا حصل هَذَا الشَّرْط أرفع أَنْوَاع الْإِجَازَة مُطلقًا لما فِيهَا من التَّعْيِين والتشخيص للمروي والراوي، كَمَا حكى عِيَاض الِاتِّفَاق عَلَيْهِ حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 قَالَ جمع مِنْهُم مَالك: إِنَّهَا بِمَنْزِلَة السماع. وَنقل أبن الْأَثِير فِي " مُقَدّمَة جَامع الْأُصُول ": إِن من الْمُحدثين من ذهب إِلَى أَنَّهَا أرجح (من السماع) . لِأَن الثِّقَة بِكِتَاب الشَّيْخ مَعَ / إِذْنه فَوق الثِّقَة بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَأثبت لما يدْخل من الْوَهم على السماع والمسمع. وَصورتهَا أَن يدْفع الشَّيْخ أَصله أَي أصل سَمَاعه أَو مَا قَامَ مقَامه من فرع مُقَابل لَهُ للطَّالِب، أَو يحضر الطَّالِب الأَصْل للشَّيْخ. فيتناوله مِنْهُ، ويتأمله تأملا شافيا ثمَّ يناوله للطَّالِب وَيَقُول لَهُ أَي الشَّيْخ للطَّالِب فِي الصُّورَتَيْنِ هَذَا روايتي عَن فلَان أَو عَمَّن ذكر فِيهِ فاروه عني أَو وَقد أجزتك بِهِ فَلَا بُد من ذكر أحد هذَيْن اللَّفْظَيْنِ. وَشَرطه أَيْضا أَي صِحَة الرِّوَايَة بالمناولة أَن يُمكنهُ مِنْهُ: إِمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 بالتمليك، وَإِمَّا بالعارية لينقل مِنْهُ ويقابل عَلَيْهِ. أما إِذا نَاوَلَهُ واسترد فِي الْحَال فَلَا يتَبَيَّن لَهَا مزية على الرجازة الْمعينَة وَهِي أَن يُجِيزهُ الشَّيْخ بِرِوَايَة كتاب معِين. كالبخاري - مثلا - أَو جَمِيع مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ. ويعين لَهُ كَيْفيَّة رِوَايَته لَهُ. وَإِذا كَانَت المناولة كَذَلِك لَا تكون أرفع أَنْوَاع الْإِجَازَة. وَأما إِذا نَاوَلَهُ الطَّالِب نُسْخَة سَمَاعه، فَنَاوَلَهُ الشَّيْخ إِيَّاهَا من غير نظر وَلَا تَأمل وَلَا تحقق لسماعه، فَإِن كَانَ الشَّيْخ يَثِق بالطالب أَو قَالَ لَهُ حدث عني بِمَا فِيهِ إِن كَانَ روايتي مَعَ براءتي من الْغَلَط فصحيحة، وَإِلَّا فَلَا. وَإِذا خلت المناولة عَن الْإِذْن أَي إِذن الشَّيْخ فِي الرِّوَايَة عَنهُ لم يعْتد بهَا عِنْد الْجُمْهُور الَّذِي رَجحه النَّوَوِيّ وَغَيره، لَكِن ذهب جمع من أهل الْأُصُول مِنْهُم الإِمَام الرَّازِيّ إِلَى مُقَابلَته / لِأَنَّهَا لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 تَخْلُو من إِشْعَار بِالْإِذْنِ. وجنح من اعتبرها من هَؤُلَاءِ إِلَى أَن مناولته إِيَّاه يقوم مقَام إرْسَاله إِلَيْهِ بِالْكتاب أَي إرْسَال الْكتاب الَّذِي كتبه الشَّيْخ بِالْإِجَازَةِ إِلَيْهِ من بلد إِلَى بلد قَالَ الْمُؤلف: وَالْمرَاد بِالْكتاب الشَّيْء الْمَكْتُوب، (فَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِالْكتاب) . وَقد ذهب إِلَى صِحَة الرِّوَايَة (بِالْكتاب) الْمُجَرَّدَة عَن المناولة وَغَيرهَا جمَاعَة (من الْأَئِمَّة) وَلَو لم يقْتَرن ذَلِك بِالْإِذْنِ بالرواية وَكَأَنَّهُم اكتفوا فِي ذَلِك بِالْقَرِينَةِ. وَلم يظْهر لي فرق قوي بَين مناولة الشَّيْخ الْكتاب من يَده للطَّالِب وَبَين إرْسَاله إِلَيْهِ بِالْكتاب من مَوضِع إِلَى آخر إِذا خلا كل مِنْهُمَا عَن الْإِذْن. وَفصل الزَّرْكَشِيّ تَفْصِيلًا حسنا فَقَالَ: إِن كَانَت المناولة جَوَابا لسؤال كَأَن قَالَ: ناولني الْكتاب لأروية. فَنَاوَلَهُ لَهُ وَلم يُصَرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 بِالْإِذْنِ صحت، وَجَاز لَهُ أَن يرويهِ عَنهُ لِأَنَّهُ أبلغ من الْخط وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا لَو قَالَ: حَدثنِي بِمَا سَمِعت من فلَان فَقَالَ هَذَا سَمَاعي مِنْهُ، فَإِن نَاوَلَهُ الْكتاب وَلم يُخبرهُ أَنه سَمَاعه لم تجز الرِّوَايَة بِهِ اتِّفَاقًا. اه. وَحَيْثُ صحت الرِّوَايَة بالمناولة لَا تُؤَدّى عِنْد الْجُمْهُور إِلَّا بِلَفْظ يشْعر بهَا كناولني أَو حَدثنِي أَو أَخْبرنِي فلَان مناولة. وَجوز مَالك كالزهري إِطْلَاق حَدثنَا أَو أخبرنَا، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح. الوجادة: وَكَذَا اشترطوا الْإِذْن فِي / الوجادة وَهِي بِكَسْر الْوَاو اسْم لما أَخذ من الْعلم مصدر لوجد غير مسموع قِيَاسا. والوجادة اصْطِلَاحا: وجدان شَيْء من علم أَنه بِخَط رَاوِيه أَو مصنفة كَمَا قَالَ: وَهِي أَن يجد بِخَط يعرف كَاتبه فَيَقُول وجدت بِخَط فلَان. أَو قَرَأت فِيهِ كَذَا فَلَا يسوغ فِيهِ إِطْلَاق: أَخْبرنِي بِمُجَرَّد ذَلِك إِلَّا إِن كَانَ لَهُ مِنْهُ إِذن بالرواية عَنهُ. وَأطلق قوم ذَلِك فغلطوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 الْوَصِيَّة: وَكَذَا الْوَصِيَّة بِالْكتاب قَالَ بَعضهم: كَانَ يَنْبَغِي إِثْبَات فِي بعد قَوْله وَكَذَا ليستقيم الْكَلَام فِي إِعْرَاب الْمَتْن وَهُوَ أَن يُوصي عِنْد مَوته، أَو سَفَره، بِأَصْلِهِ أَو بأصوله يَعْنِي بِكِتَاب يرويهِ أَو كتب يَرْوِيهَا فقد قَالَ قوم من الْمُتَقَدِّمين يَعْنِي السّلف يجوز لَهُ أَن يروي تِلْكَ الْأُصُول عَنهُ بِمُجَرَّد هَذِه الْوَصِيَّة، وأباه الْجُمْهُور أنكان لَهُ مِنْهُ اجازة فَوجه عِيَاض الصِّحَّة بإنه مُتَضَمّن مُتَضَمّن للْإِذْن، وَفِيه شبه من الْعرض والمناولة. قَالَ ابْن الصّلاح: وَالْقَوْل بجوازها مُطلقًا زلَّة عَالم، أَو مَحْمُول على أَنه أَرَادَ رِوَايَته على سَبِيل الوجادة اه. فقد سُئِلَ ابْن سِيرِين عَنْهَا فجوزها ثمَّ تردد وَقَالَ للسَّائِل: لَا آمُرك وَلَا أَنهَاك. الْإِعْلَام: وَكَذَا اشترطوا الْإِذْن بالرواية فِي الْإِعْلَام وَهُوَ: أَن يعلم الشَّيْخ أحد الطّلبَة بأنني أروي الْكتاب الْفُلَانِيّ عَن فلَان /. أَو هَذَا الْكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 عَن فلَان فَإِن كَانَ لَهُ مِنْهُ إجَازَة صحت الرِّوَايَة وَإِلَّا فَلَا عِبْرَة بذلك. عِنْد الْجُمْهُور، قَالَ ابْن الصّلاح: وَغير مستبعد تَصْحِيح ذَلِك بِمُجَرَّد هَذَا الْإِعْلَام لِأَن الْقِرَاءَة على الشَّيْخ - مَعَ أَنه لم يتَلَفَّظ بِمَا قرئَ عَلَيْهِ - جعلت إِخْبَارًا مِنْهُ بذلك. كالاجازة الْعَامَّة أَي كَمَا أَنه لَا عِبْرَة بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة فِي الْمجَاز لَهُ لَا فِي الْمجَاز بِهِ، كَأَن يَقُول: أجزت لجَمِيع الْمُسلمين وَلمن أدْرك حَياتِي. أَو لكل أحد، أَو لأهل زماني أَو لأهل الأقليم الْفُلَانِيّ، أَو لأهل الْبَلَد الْفُلَانِيَّة وَهُوَ أَي وَهَذَا الْأَخير كَمَا قَالَه الْكَمَال بن أبي شرِيف أقرب إِلَى الصِّحَّة لقرب الانحصار وصححها مُطلقًا القَاضِي أَبُو الطّيب، والخطيب وَشبههَا بِالْوَقْفِ على بني تَمِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 أَو قُرَيْش، واستعملها جمَاعَة كَمَا قَالَه السخاوي، وَمحل الْخلاف إِذا لم يُقَيِّدهُ بِوَصْف خَاص وَإِلَّا كأجزت طلبة الْعلم بِبَلَد كَذَا، وَمن قَرَأَ عَليّ فَتَصِح لِأَنَّهُ مَحْصُور مَوْصُوف كَقَوْلِه لأَوْلَاد فلَان، أَو لأخوة فلَان بِخِلَاف مَا لَا حصر فِيهِ كَأَهل بلد كَذَا فَإِنَّهُ كالعامة الْمُطلقَة، وَقد أفرد الْقُسْطَلَانِيّ فِي هَذَا النَّوْع بتأليف مُسْتَقل. وَمثل ذَلِك: أهل مَذْهَب معِين. وَكَذَا الْإِجَازَة للْمَجْهُول كَأَن يكون مُبْهما كجماعة أَو مهملا كمحمد. كَذَا شَرحه الْكَمَال ابْن أبي شرِيف /. وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: تقدم أَن الْمُبْهم من لم يسم، والمهمل من سمي وَلم يتَمَيَّز. وَقَالَ الشّرف الْمَنَاوِيّ عِنْد قَوْله مُبْهما (أَو مهملا) : أَي كأجزت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 لرجل أَو جمَاعَة، أَو لمُحَمد الْمصْرِيّ مثلا وَثمّ جمَاعَة يعْرفُونَ بذلك وَلم يَتَّضِح المُرَاد فباطلة لعدم الْوُصُول لمعْرِفَة الْمجَاز لَهُ. وَكَذَا الْإِجَازَة للمعدوم كَأَن يَقُول: أجزت لمن سيولد لفُلَان. أَو لطلبة الْعلم بِبَلَد كَذَا مَتى كَانُوا، وَلكُل من دخل بلد كَذَا من طلبة الْعلم، فَهِيَ بَاطِلَة على مَا اخْتَارَهُ الْمُؤلف تبعا للماوردي - رَحمَه الله تَعَالَى - وَابْن الصّباغ وَابْن الصّلاح لِأَن الْإِجَازَة إِخْبَار إجمالي بالمجاز بِهِ، فَكَمَا لَا يَصح الْإِخْبَار للمعدوم لَا يَصح الْإِجَازَة لَهُ. وَقد قيل: إِن عطفت على مَوْجُود صَحَّ، كَأَن يَقُول: أجزت لَك، وَلمن سيولد لَك. أَو لَك ولعقبك من بعْدك مَا تَنَاسَلُوا فصح قِيَاسا على الْوَقْف، وَاعْتمد ذَلِك الْقُسْطَلَانِيّ فِي الْمنْهَج تبعا لجمع قَالَ الْمُؤلف: وَالْأَقْرَب عدم الصِّحَّة أَيْضا. وَمَا بَحثه صرح بِهِ القَاضِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 أَبُو الطّيب وَغَيره، لِأَن الْإِجَازَة فِي حكم الْإِخْبَار فَكَمَا لَا يَصح الْإِخْبَار للمعدوم لَا تصح الْإِجَازَة لَهُ. وَكَذَا الْإِجَازَة لموجود، أَو مَعْدُوم علقت بِشَرْط مَشِيئَة الْغَيْر، كَأَن يَقُول: أجزت لَك إِن شَاءَ فلَان، أَو أجزت لمن يَشَاء فلَان. فَإِنَّهَا لَا تصح لما فِيهَا من الْجَهَالَة وَتَعْلِيق بِشَرْط وَهُوَ / أَدخل فِي ضرب الْإِجَازَة المجهولة فَلَا تصح وفَاقا للْقَاضِي أبي الطّيب. وَخِلَافًا لأبي يعلى الْحَنْبَلِيّ، وأبى الْفضل الْمَالِكِي حَيْثُ قَالَا: إِن الْجَهَالَة ترْتَفع عِنْد وجود الْمَشِيئَة وَيتَعَيَّن الْمجَاز لَهُ عِنْدهَا. إِلَّا أَن يَقُول أجزت لَك إِن شِئْت. أَو أردْت، أَو أجبْت، أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 أجزت لفُلَان كَذَا إِن شَاءَ رِوَايَته عني فَإِنَّهَا لَا تبطل بل تصح. وَهَذَا على الْأَصَح فِي جَمِيع ذَلِك عِنْد جُمْهُور الْمُحدثين وَمُقَابل الْأَصَح مَا ذكره بقوله وَقد جوز الرِّوَايَة بِجَمِيعِ ذَلِك - سوى الْمَجْهُول مَا لم يتَبَيَّن المُرَاد مِنْهُ - الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَحَكَاهُ عَن جمَاعَة من مشايخه. وَاسْتعْمل الْإِجَازَة للمعدوم من القدماء لَكِن على سَبِيل الْقلَّة كَمَا أَفَادَهُ الْمُؤلف (أَبُو بكر بن أبي دَاوُد، وَأَبُو عبد الله بن مَنْدَه وَابْن أبي شيبَة وَاسْتعْمل الْمُعَلقَة مِنْهُم - أَيْضا -) أَبُو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 بكر ابْن أبي خَيْثَمَة. وروى بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة جمع كثير جمعهم بعض الْحفاظ فِي كتاب رتبهم على حُرُوف المعجم لكثرتهم (وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: أَفَادَ المُصَنّف فِي " تَقْرِيره ": أَن روايتهم بهَا كَانَت على سَبِيل الْقلَّة) . وكل ذَلِك كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح: توسع غير مرضى لِأَن الاجازة الْخَاصَّة الْمعينَة مُخْتَلف فِي صِحَّتهَا اخْتِلَافا قَوِيا عِنْد القدماء وان كَانَ الْعَمَل اسْتَقر على اعْتِبَارهَا عِنْد الْمُتَأَخِّرين فَهِيَ دون السماع بالِاتِّفَاقِ فَكيف إِذا حصل فِيهَا الاسترسال الْمَذْكُور فَإِنَّهَا تزداد ضعفا، لَكِنَّهَا فِي الْجُمْلَة خير من إِيرَاد الحَدِيث مفصلا /. بل قيل: إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 الْبطلَان فِي ذَلِك إِحْدَى روايتي الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف. وَنَقله القَاضِي عبد الْوَهَّاب عَن مَالك، وَقَالَ ابْن حزم: هَذِه بِدعَة غير جَائِزَة. وَإِلَى هُنَا انْتهى الْكَلَام فِي أَقسَام صِيغ الْأَدَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 خَاتِمَة: قد علم مِمَّا تقرر فِي كَلَام المُصَنّف آنِفا أَن مُسْتَند غير الصَّحَابِيّ فِي الرِّوَايَة قِرَاءَة الشَّيْخ عَلَيْهِ إملاء. ويحدثنا من غير إملاء. فقراءاته على الشَّيْخ. فسماعه بِقِرَاءَة غَيره على الشَّيْخ. فالمناولة مَعَ الْإِجَازَة. فالإجازة من غير مناولة لخاص فِي خَاص نَحْو أجزت لَك رِوَايَة البُخَارِيّ مثلا. فَخَاضَ فِي عَام نَحْو: أجزت لَك رِوَايَة جَمِيع مسموعاتي فعام فِي خَاص نَحْو: أجزت لمن أدركني رِوَايَة مُسلم. فعام فِي عَام نَحْو: أجزت لمن عاصرني رِوَايَة جَمِيع مروياتي. فلفلان وَمن يُوجد من نَسْله. فالمناولة من غير إجَازَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 فالإعلام كَأَن يَقُول: هَذَا الْكتاب من مسموعاتي على فلَان فَالْوَصِيَّة كَأَن يُوصي بِكِتَاب إِلَى غَيره عِنْد سَفَره أَو مَوته فالوجادة كَأَن يجد كتابا أَو حَدِيثا بِخَط الشَّيْخ مَعْرُوف. وَمنع إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَأَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَالْمَاوَرْدِيّ الْإِجَازَة بأقسامها السَّابِقَة. وَمنع قوم الْعَامَّة مِنْهَا دون الْخَاصَّة /. وَمنع القَاضِي أَبُو الطّيب: إجَازَة من يُوجد من نسل زيد وَهُوَ الصَّحِيح. وَالْإِجْمَاع عَليّ (منع) إجَازَة من يُوجد مُطلقًا أَي من غير تَقْيِيده بِنَسْل فلَان فَصَاعِدا اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الْمُتَّفق والمفترق ثمَّ الروَاة إِن اتّفقت أَسمَاؤُهُم وَأَسْمَاء آبَائِهِم فَصَاعِدا وَاخْتلفت أشخاصهم. (كَذَا عبر الْمُؤلف. قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: لَا فَائِدَة فِي ذَلِك إِذْ لَا بُد من الِاخْتِلَاف) . (لَا فَائِدَة فِي قَوْله وَاخْتلفت أشخاصهم لِأَن الْأَشْخَاص لَا تكون إِلَّا مُخْتَلفَة فَقَالَ: الأولى حذفه) ... ... ... . . وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا التَّعْلِيل لَا معنى لَهُ، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: لِأَن لَفْظَة الروَاة واتفقت أَسمَاؤُهُم تغني عَنْهُم. وَيُمكن أَن يُقَال فِي جَوَابه: إِن هَذَا بَيَان للْوَاقِع، وَكَثِيرًا مَا يَقع ذَلِك للبلغاء. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 سَوَاء اتّفق فِي ذَلِك اثْنَان مِنْهُم أَو أَكثر، وَكَذَلِكَ إِذا اتّفق الِاثْنَان فَصَاعِدا فِي الكنية وَالنِّسْبَة فَهَذَا النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ الْمُتَّفق والمفترق. وَفَائِدَة مَعْرفَته خشيَة أَن يظنّ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول الشخصان الراويان المتفقان فِي الِاسْم، أَو الكنية، أَو النِّسْبَة شخصا وَاحِدًا لِكَوْنِهِمَا متعاصرين واشتركا فِي بعض شيوخهما، أَو فِي الرِّوَايَة عَنْهُمَا فيظن أَن الشخصين وَاحِدًا، وَقد زلق بِسَبَبِهِ غير وَاحِد من الأكابر، وَذَلِكَ كالخليل بن أَحْمد سِتَّة، وَأحمد بن جَعْفَر بن حمدَان أَرْبَعَة، كلهم يروون عَن من يُسمى عبد لله، وَكلهمْ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 عصر وَاحِد. وَأبي عمرَان الْجونِي اثْنَان وَأبي بكر بن عَيَّاش ثَلَاثَة. والحنفي نسبته إِلَى بني حنيفَة وللمذهب. وأمثلة ذَلِك كَثِيرَة جدا. وَقد صنف فِيهِ (أَي فِي الْمُتَّفق والمفترق) الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ كتابا / حافلا، وَقد لخصته وزدت عَلَيْهِ شَيْئا كثيرا وَفِي هَذَا تَنْبِيه على خلاف مَا اشْتهر من أَن أول من صنف فِيهِ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ / وَوجه مَا اشْتهر أَن عبد الْغَنِيّ أول من صنف فِيهِ مُفردا. وَهَذَا عكس مَا تقدم من النَّوْع الْمُسَمّى بالمهمل لِأَنَّهُ يخْشَى مِنْهُ أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 يظنّ الْوَاحِد اثْنَيْنِ وَهَذَا يخْشَى مِنْهُ أَن يظنّ الِاثْنَان وَاحِدًا وَلَو جَمعهمَا الْمُؤلف فِي مَكَان وَاحِد كَمَا فعله غَيره كَانَ أولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 معرفَة الْمُخْتَلف والمؤتلف وَإِن اتّفقت الْأَسْمَاء أَو الألقاب أَو الْأَنْسَاب خطا وَاخْتلف (نطقا) . لَو قَالَ خطا لَا لفظا كَانَ أخصر. سَوَاء كَانَ مرجع الِاخْتِلَاف النقط أم الشكل فَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ الْمُخْتَلف والمؤتلف فَهُوَ فن مُهِمّ جليل ومعرفته من مهمات هَذَا الْفَنّ يقبح جَهله بِأَهْل الْعلم لَا سِيمَا أهل الحَدِيث وَمن لم يعرفهُ يكثر خَطؤُهُ ويفتضح بَين أَهله (حَتَّى قَالَ على بن الْمَدِينِيّ) : أَشد التَّصْحِيف مَا يَقع فِي الْأَسْمَاء. وَوَجهه بَعضهم بِأَنَّهُ شَيْء لَا يدْخلهُ الْقيَاس، وَلَا قبله شَيْء دَال عَلَيْهِ وَلَا بعده. كَذَا ذكره الْمُؤلف، ونوزع فِيهِ بِأَنَّهُ قد يدل ذكر الشَّيْخ أَو التلميذ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وَقد صنف فِيهِ جمَاعَة من الْحفاظ مِنْهُم أَبُو أَحْمد العسكري بِفَتْح أَوله وَالْكَاف، نِسْبَة إِلَى عَسْكَر مكرم مَدِينَة بالأهواز، هُوَ أول مُصَنف فِيهِ لكنه إِضَافَة إِلَى كتاب التَّصْحِيف لَهُ. ثمَّ أفرده بالتأليف عبد الْغَنِيّ بن سعيد فَجمع فِيهِ كتابين: كتاب فِي مشتبه الْأَسْمَاء، وَكتاب فِي مشتبه النِّسْبَة. وَجمع شَيْخه / الدَّارَقُطْنِيّ كتابا حافلا، ثمَّ جمع الْخَطِيب ذيلا، ثمَّ جمع الْجَمِيع ابْن مَاكُولَا فِي كِتَابه " الْإِكْمَال " واستدرك عَلَيْهِم فِي كتاب آخر، جمع فِيهِ أوهامهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وَبَينهَا، وَكِتَابَة من أجمع مَا جمع فِي ذَلِك. قَالَ ابْن الصّلاح: على إعواز فِيهِ وَهُوَ عُمْدَة كل مُحدث بعده، وَقد استدرك عَلَيْهِ الْحَافِظ أَبُو بكر بن نقطة مَا فَاتَهُ أَو تجدّد بعده فِي مُجَلد ضخم. مُفِيد جدا ثمَّ ذيل عَلَيْهِ يَعْنِي على ابْن نقطة مَنْصُور بن سليم - بِفَتْح السِّين - فِي مُجَلد لطيف، وَكَذَا ذيل عَلَيْهِ الْحَافِظ جمال الدّين أَبُو حَامِد الصَّابُونِي نِسْبَة إِلَى عمل الصابون، ثمَّ ذيل عَلَيْهِ - أَيْضا - الْحَافِظ مغلطاي ذيلا كَبِيرا جدا وَجمع الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي ذَلِك كتابا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 مُخْتَصرا جدا سَمَّاهُ " مشتبه النِّسْبَة " لكنه أجحف فِي الِاخْتِصَار اعْتمد فِيهِ على الضَّبْط بالقلم فَكثر فِيهِ الْغَلَط والتصحيف والتحريف المباين لموضوع الْكتاب، وَقد يسر الله تَعَالَى تَوْضِيحه فِي كتاب سميته " بتبصير المنتبه بتحرير المشتبه " وَهُوَ مُجَلد وَاحِد (ضخم) فضبطته بالحروف على الطَّرِيقَة المرضية وزدت عَلَيْهِ كثيرا مِمَّا أهمله، أَو لم يقف عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِك فقد أهمل مِنْهُ أَشْيَاء كَثِيرَة، وَكتاب. الْمُؤلف هَذَا أجل كتب هَذَا النَّوْع، وأتمها، وأعمها نفعا، وأحسنها وضعا. مِثَاله سَلام وَسَلام الأول بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ غَالب مَا وَقع، الثَّانِي بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ عبد الله بن سَلام / الحبر الصَّحَابِيّ، وَسَلام بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 أَخِيه، وَسَلام جد أبي عَليّ الجبائي المعتزلي، وجد النَّسَفِيّ، وجد السيدي، ووالد مُحَمَّد بن سَلام البيكندي الْكَبِير شيخ البُخَارِيّ، وَسَلام ابْن أبي الْحقيق الْيَهُودِيّ، وَكَذَا سَلام بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 مشْكم على مَا قَالَه بَعضهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 معرفَة الْمُتَشَابه وَإِن اتّفقت الْأَسْمَاء خطا (ونطقا، وَاخْتلفت الْآبَاء نطقا مَعَ ائتلافهما خطا) كمحمد بن عقيل - بِفَتْح الْعين -، وَمُحَمّد بن عقيل بضَمهَا، الأول نيسابوريي وَالثَّانِي فريابي بِكَسْر الْفَاء وهما محدثان مشهوران وطبقتهما مُتَقَارِبَة. وكموسى بن عَليّ بِفَتْح الْعين، وكموسى بن عَليّ بضَمهَا، الأول جمَاعَة لَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة وَلَا فِي تَارِيخ البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم، وَابْن أبي خَيْثَمَة، وَالْحَاكِم، وَابْن يُونُس وَأبي نعيم، وثقات ابْن حبَان، وطبقات ابْن سعد، وكامل ابْن عدي مِنْهُم أحد. وَفِي " تَارِيخ بَغْدَاد " للخطيب مِنْهُم رجلَانِ متأخران: مُوسَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 ابْن عَليّ أَبُو بكر الْأَحول الْبَزَّار روى عَن جَعْفَر الْفرْيَابِيّ. ومُوسَى بن عَليّ أَبُو عِيسَى الْخُتلِي روى عَنهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَابْن مقسم وَفِي " تَارِيخ ابْن عَسَاكِر " مُوسَى بن عَليّ أَبُو عمرَان الصّقليّ النَّحْوِيّ روى عَن أبي ذَر الْهَرَوِيّ. وَذكر فِي " تَلْخِيص الْمُتَشَابه " رَابِعا: مُوسَى بن عَليّ الْقرشِي مَجْهُول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 وَمِنْهُم: مُوسَى بن عَليّ بن قداح أَبُو الْفضل الْخياط الْمُؤَذّن، سمع مِنْهُ ابْن عَسَاكِر، وَابْن السَّمْعَانِيّ. ومُوسَى بن عَليّ بن غَالب الْأمَوِي الأندلسي. ومُوسَى بن عَليّ بن عَامر الجزيري الأشبيلي / النَّحْوِيّ، ذكرهمَا ابْن الْأَبَّار. 2 - وَالثَّانِي: مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح اللَّخْمِيّ الْمصْرِيّ أَمِير مصر. وكأيوب بن بشير وَأَيوب بن بشير الأول أَبوهُ مكبر عجلي، وَالثَّانِي أَبوهُ مصغر عدوي بَصرِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 أَو بِالْعَكْسِ: كَأَن يخْتَلف الْأَسْمَاء نطقا، وتأتلف خطا، لَو قَالَ: نطقا لَا خطا لَكَانَ أخصر. وتتفق الْآبَاء خطا ونطقا كشريح بن النُّعْمَان، وسريج بن النُّعْمَان، الأول بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة الْكُوفِي وَهُوَ تَابِعِيّ يروي عَن عَليّ حَدِيثا وَاحِدًا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 السّنَن الْأَرْبَعَة وَالثَّانِي: بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم وَهُوَ ابْن مَرْوَان اللؤلويي لبغدادي من شُيُوخ البُخَارِيّ وكمحمد ... فَهُوَ النَّوْع الَّذِي يُقَال لَهُ: الْمُتَشَابه. وَكَذَا إِن وَقع ذَلِك الِاتِّفَاق فِي الِاسْم وَاسم الاب وَالِاخْتِلَاف فِي النِّسْبَة، وَقد صنف فِيهِ أَي فِي الْمُتَشَابه الْخَطِيب كتابا جَلِيلًا سَمَّاهُ " تَلْخِيص الْمُتَشَابه " وَهُوَ من أحسن كتبه ثمَّ ذيل عَلَيْهِ هُوَ - أَيْضا - بِمَا فَاتَهُ وَهُوَ كتاب كثير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 الْفَوَائِد عَظِيم العائدة. ويتركب مِنْهُ وَمِمَّا قبله أَي المؤتلف والمختلف والمتفق والمفترق كَمَا قَالَ (الْكَمَال) ابْن أبي شرِيف أَنْوَاع مِنْهَا: أَن يحصل الِاتِّفَاق أَو الِاشْتِبَاه فِي الِاسْم وَاسم الْأَب مثلا إِلَّا فِي حرف أَو حرفين فَأكْثر من أَحدهمَا أَو مِنْهُمَا، وَهُوَ على قسمَيْنِ: 1 - إِمَّا بِأَن يكون الِاخْتِلَاف بالتغيير مَعَ أَن عدد الْحُرُوف ثَابت فِي الْجِهَتَيْنِ. 2 - أَو يكون الِاخْتِلَاف بالتغيير مَعَ نُقْصَان بعض الْأَسْمَاء عَن بعض. فَمن أَمْثِلَة الأول: مُحَمَّد بن سِنَان - بِكَسْر السِّين ونونين بَينهمَا ألف - وهم جمَاعَة / مِنْهُم العوقي بِفَتْح الْعين وَالْوَاو ثمَّ قَاف - نسبته إِلَى العوقة بطن من عبد الْقَيْس، أَو محلّة لَهُم بِالْبَصْرَةِ شيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 البُخَارِيّ. وَمُحَمّد بن سيار - بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء التَّحْتِيَّة وَبعد الْألف رَاء - وهم جمَاعَة، مِنْهُم: اليمامي شيخ عمر بن يُونُس. وَمِنْهَا: مُحَمَّد بن حنين - بِضَم الْمُهْملَة ونونين الأولى مَفْتُوحَة بَينهمَا يَاء تَحْتَانِيَّة - تَابِعِيّ يروي عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره. وَمُحَمّد بن جُبَير - بِالْجِيم بعْدهَا مُوَحدَة وَآخره رَاء - وَهُوَ مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم تَابِعِيّ مَشْهُور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وَمن ذَلِك: معرف بن وَاصل - كُوفِي مَشْهُور - ومطرف بن وَاصل، بِالطَّاءِ بدل الْعين، شيخ آخر يروي عَنهُ أَبُو حُذَيْفَة النَّهْدِيّ بِفَتْح فَسُكُون نِسْبَة إِلَى نهد بطن من قضاعة، وَقيل: من هَمدَان. وَمِنْه - أَيْضا - أَحْمد بن الْحُسَيْن صَاحب إِبْرَاهِيم بن سعيد وَآخَرُونَ، وأحيد بن الْحُسَيْن مثله لَكِن بدل الْمِيم يَاء تَحْتَانِيَّة، وَهُوَ شيخ بخاري يروي عَنهُ عبد الله بن مُحَمَّد البيكندي بموحدة تحتية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 (مَفْتُوحَة) ثمَّ مثناة تحتية (سَاكِنة، وكاف مَفْتُوحَة وَنون سَاكِنة ودال مُهْملَة) . وَمن ذَلِك - أَيْضا - حَفْص بن ميسرَة شيخ مَشْهُور من طبقَة مَالك، وجعفر بن ميسرَة شيخ لِعبيد الله بن مُوسَى الْكُوفِي. الأول بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء بعْدهَا صَاد مُهْملَة، وَالثَّانِي بِالْجِيم وَالْعين الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء ثمَّ رَاء. كَذَا وَقع للمؤلف ورده الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يكون مِنْهُ / لِأَن عدد الْحُرُوف لم تكن ثَابِتَة فِي الْجِهَتَيْنِ اه يم وَقَالَ الشّرف الْمَنَاوِيّ: حق حَفْص وجعفر أَن لَا يذكرَا فِي هَذَا الْقسم بل فِي الثَّانِي، لِأَن الِاخْتِلَاف فِيهِ مَعَ نُقْصَان الأول عَن الثَّانِي، لكنه ذكره فِي الأول لكَون الْفَاء مَعَ الْوَاو تشبه الصَّاد. وَمن أَمْثِلَة الثَّانِي: عبد الله بن زيد جمَاعَة مِنْهُم فِي الصَّحَابَة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 صَاحب الْأَذَان، وَاسم جده عبد ربه. وراوي حَدِيث الْوضُوء وَاسم جده عَاصِم، وهما أنصاريان. وَعبد الله بن يزِيد بِزِيَادَة يَاء فِي أول اسْم الْأَب وَالزَّاي مَكْسُورَة - وهم أَيْضا جمَاعَة - مِنْهُم فِي الصَّحَابَة: الخطمي يكنى أَبَا مُوسَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَحَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ. والقارئ لَهُ ذكر فِي حَدِيث عَائِشَة وَقد زعم بَعضهم أَنه الخطمي وَفِيه نظر. قَالَ: الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: وَجه النّظر أَن الخطمي لم يتَحَقَّق طول صحبته للنَّبِي، بل لَعَلَّه كَانَ صَغِيرا فِي عهد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. والقارئ ثبتَتْ كَمَال صحبته، من ذَلِك أَنه سَمعه يقْرَأ فَقَالَ: لقد أذكرتني بِقِرَاءَتِك آيَة كَذَا. فِي قصَّة لَهُ فلتراجع. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: بعد قَوْله وَفِيه نظر مَا نَصه: قَالَ المُصَنّف فِي تَقْرِير هَذَا: تمسك من زعم أَن الْقَارئ هُوَ الخطمي بِأَن الْقَارئ كَانَ صَغِيرا فِي زمن رَسُول الله فَكيف يكون مَذْكُورا؟ وَوجه النّظر إِنَّه لَو كَانَ صَغِيرا لما ذكر فِي / حَدِيث عَائِشَة رضى الله تَعَالَى عَنْهَا فِي الصَّحِيح، وَهُوَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام سَمعه من اللَّيْل يقْرَأ، فَقَالَ رَسُول الله: ذَكرنِي آيَة أنسيتها. أَو كَمَا قَالَ. فَهَكَذَا ذكر، قَالَ بعض من يدعى علم هَذَا الْفَنّ: قد يُقَال لَا مُنَافَاة بَين كَونه صَغِيرا وَهُوَ مَذْكُور لأمر مَا، وَلَو قرر وَجه النّظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 بِهَذَا كَانَ أولى، إِذْ لَا يلْزم من ذكره أَن لَا يكون صَغِيرا. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَالظَّاهِر أَن من قَالَ كَانَ صَغِيرا إِنَّمَا أَرَادَ أَنه لم يكن بِحَيْثُ يحضر النَّبِي، وَمن أجَاب بِأَنَّهُ لَو كَانَ صَغِيرا - يعْنى بالحيثية الْمَذْكُورَة - لما كَانَ لَهُ ذكر على هَذَا الْوَجْه وَهُوَ أَنه يقْرَأ الْقُرْآن لَيْلًا. انْتهى. وَمِنْهَا: عبد الله بن يحيى قَالَ الْمَنَاوِيّ: حق هَذَا أَن يذكر فِي الْقسم الأول لِأَن عدد حُرُوف يحيى ونجى سَوَاء. وهم جمَاعَة، وَعبد الله بن نجى - بِضَم النُّون وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الْيَاء - تَابِعِيّ مَعْرُوف يروي عَن عَليّ. أَو يحصل الِاتِّفَاق فِي الْخط والنطق لَكِن يحصل الِاخْتِلَاف أَو الِاشْتِبَاه بالتقديم وَالتَّأْخِير: إِمَّا فِي الاسمين جملَة، أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 نَحْو ذَلِك. كَأَن يَقع التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِي الِاسْم الْوَاحِد فِي بعض حُرُوفه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يشْتَبه بِهِ. مِثَال الأول: الْأسود بن يزِيد النخعيي تابعيي كَبِير حَدِيثه فِي الْكتب السِّتَّة وَيزِيد بن الْأسود الخزاعيي صحابيي لَهُ فِي السّنَن حَدِيث وَاحِد. وَيزِيد بن الاسود الجرشِي التَّابِعِيّ المخضرم / المشتهر بالصلاح، يكنى أَبَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 الْأسود وَسكن الشَّام، وَهُوَ الَّذِي استسقى بِهِ مُعَاوِيَة فسقوا للْوَقْت حَتَّى كَادُوا لَا يبلغون مَنَازِلهمْ. وَهُوَ ظَاهر. وَمِنْه عبد الله بن يزِيد، وَيزِيد بن عبد الله. وَمِثَال الثَّانِي: أَيُّوب بن سيار بِفَتْح السِّين وَشدَّة الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَأَيوب بن يسَار بِفَتْح الْيَاء وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة الأول: مدنِي مَشْهُور وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَالْآخر مَجْهُول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وكالوليد بن مُسلم التَّابِعِيّ الْبَصْرِيّ روى عَن جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ والوليد بن مُسلم الْمَشْهُور الدِّمَشْقِي روى عَنهُ أَحْمد وَالنَّاس. وَمُسلم بن الْوَلِيد بن رَبَاح الْمدنِي روى عَن أَبِيه وَعنهُ الدَّرَاورْدِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 معرفَة طَبَقَات الروَاة خَاتِمَة: من المهم عِنْد الْمُحدثين معرفَة طَبَقَات الروَاة، وَفَائِدَته الْأَمْن من تدَاخل المشتبهين، وَإِمْكَان الِاطِّلَاع على تلبيس المدلسين، وَالْوُقُوف على حَقِيقَة المُرَاد من العنعنة يعْنى هَل هِيَ مَحْمُولَة على السماع أَو مُرْسلَة؟ أَو مُنْقَطِعَة؟ ذكره الشَّيْخ قَاسم. والطبقة فِي اصطلاحهم: عبارَة عَن جمَاعَة اشْتَركُوا فِي السن ولقاء الشُّيُوخ، وَقد يكون الشَّخْص الْوَاحِد من طبقتين باعتبارين، كأنس بن مَالك فَإِنَّهُ من حَيْثُ ثُبُوت صحبته للنَّبِي يعد بِضَم الْمُثَنَّاة تَحت وَفتح الْعين فِي طبقه الْعشْرَة مثلا. وَمن حَيْثُ صغر السن يعد فِي طبقَة من بعدهمْ، فَمن نظر إِلَى الصَّحَابَة بِاعْتِبَار الصُّحْبَة جعل الْجَمِيع طبقَة وَاحِدَة / كَمَا صنع ابْن حبَان وَغَيره. وَمن نظر إِلَيْهِم بِاعْتِبَار قدر زَائِد كالسبق إِلَى الْإِسْلَام، أَو شُهُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الْمشَاهد الفاضلة جعلهم طَبَقَات وَإِلَى ذَلِك جنح (صَاحب الطَّبَقَات أَبُو عبد الله) مُحَمَّد بن سعد الْبَغْدَادِيّ، وَكتابه أجمع مَا جمع فِي ذَلِك. وَكَذَا من جَاءَ بعد الصَّحَابَة وهم التابعون من نظر إِلَيْهِم بِاعْتِبَار (الْأَخْذ عَن بعض الصَّحَابَة فَقَط جعلهم طبقَة وَاحِد كَمَا صنع ابْن حبَان، وَمن نظر إِلَيْهِم بِاعْتِبَار) اللِّقَاء قسمهم كَمَا فعل مُحَمَّد بن سعد وَلكُل وَجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 معرفَة المواليد والوفيات وَمن المهم - أَيْضا - معرفَة موالديهم ووفياتهم بِفَتْح الْفَاء وَالتَّخْفِيف وَيتَعَيَّن الاعتناء بِهِ ليعرف اتِّصَال الحَدِيث وانقطاعه. وبمعرفتها يحصل الْأَمْن من دَعْوَى الْمُدَّعِي للقاء بَعضهم وَهُوَ فِي نفس الْأَمر لَيْسَ كَذَلِك. وَمَنَافع التَّارِيخ عَظِيمَة، وفوائده جليلة، أَلا ترى إِلَى وَاقعَة رَئِيس الرؤساء مَعَ الْيَهُودِيّ الَّذِي أظهر كتابا فِيهِ أَن الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أسقط الْجِزْيَة عَن أهل خَيْبَر، وَفِيه شَهَادَة الصَّحَابَة - وَمِنْه عَليّ كرم الله وَجهه - فَوَقع رَئِيس الرؤساء وَالنَّاس فِي حيرة. فعرضه على الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فَتَأَمّله وَقَالَ: هَذَا مزور. فَقيل لَهُ: من أَيْن لَك ذَلِك؟ فَقَالَ: فِيهِ شَهَادَة مُعَاوِيَة وَهُوَ أسلم عَام الْفَتْح، وَفتح خَيْبَر سنة سبع. وَفِيه شَهَادَة سعد بن معَاذ وَقد مَاتَ فِي وقْعَة بني قُرَيْظَة قبل خَيْبَر بِسنتَيْنِ ففرح النَّاس بذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 معرفَة الْبلدَانِ والأوطان وَمن المهم: معرفَة بلدانهم وأوطانهم، وَفَائِدَته الْأَمْن من / تدَاخل الاسمين إِذا اتفقَا لَكِن افْتَرقَا بِالنّسَبِ. وَقد ادّعى قوم الرِّوَايَة عَن قوم فَنظر فِي التَّارِيخ فَظهر أَنهم زَعَمُوا الرِّوَايَة عَنْهُم بعد وفاتهم بسنين كَثِيرَة، كَمَا سَأَلَ الْحَاكِم مُحَمَّد بن حَاتِم الكسي عَن مولده لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 حدث عَن عبد بن حميد فَقَالَ: سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ. فَقَالَ: هَذَا سمع من عبد بن حميد بعد مَوته بِثَلَاث عشرَة سنة. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: كنت بالعراق فَأَتَانِي أهل الحَدِيث فَقَالُوا: هُنَا رجل يحدث عَن خَالِد بن معدان. فَأَتَيْته فَقلت: إِنَّك تزْعم أَنَّك سَمِعت مِنْهُ بعد مَوته بِسبع سِنِين، لِأَن خَالِدا مَاتَ سنة سِتّ وَمِائَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 قَالَ حَفْص بن غياث: إِذا اتهمتم الشَّيْخ فحاسبوه بِالسِّنِينَ - يَعْنِي سنه وَسن من كتب عَنهُ. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: لما اسْتعْمل الروَاة الْكَذِب استعملنا لَهُم التَّارِيخ. وَقَالَ حسان: لم تستعين على الْكَذَّابين بِمثل التَّارِيخ. وَقَالَ الْحميدِي: ثَلَاثَة أَشْيَاء من علم الحَدِيث يجب الاهتمام بهَا: الْعِلَل، والمؤتلف والمختلف، ووفيات الشُّيُوخ. وَفِي أَسمَاء الْبلدَانِ والأوطان كتب كَثِيرَة: لِابْنِ قَانِع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 والأكفاني، وَالْمُنْذِرِي، والمفضل، والحسيني ثمَّ الدمياطي والحافظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ، ثمَّ وَلَده شيخ الاسلام أَحْمد وَغَيرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 معرفَة أَحْوَال الروَاة جرحا وتعديلا وَمن المهم معرفَة أَحْوَالهم: تعديلا وتجريحا وجهالة لِأَن الرَّاوِي إِمَّا أَن تعرف عَدَالَته أَو يعرف فسقه، أَو لَا يعرف فِيهِ شَيْء من ذَلِك. وَشرط عَمَّن يقبل خَبره ويحتج بحَديثه / كَونه: ضابطا عدلا لسلامته من أَسبَاب الْفسق من ارْتِكَاب كَبِيرَة أَو إِصْرَار على صَغِيرَة، وَحفظه من خوارم الْمُرُوءَة خلافًا للخطيب فِي الْأَخير. وَيرجع فِي معرفَة الْجرْح وَالتَّعْدِيل إِلَى الْكتب الْمُؤَلّفَة فِيهِ: " كالثقات " وَالْجرْح لِابْنِ حبَان، وَالْعجلِي، والضعفاء، لَهما، وللذهبي. وَإِن لم يذكرُوا فِيهَا سَبَب الْجرْح، إِذْ فائدتها التَّوَقُّف فِيمَن جرحوه، ثمَّ إِن انزاحت الرِّيبَة ببحثنا عَنهُ حصلت الثِّقَة بِهِ، وَقَبلنَا حَدِيثه كَمَا وَقع فِي جمَاعَة فِي الصَّحِيحَيْنِ، وكما فِي اتهام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 الرَّاوِي بِالْوَضْعِ. مَرَاتِب الْجرْح: وَمن أهم ذَلِك بعد الِاطِّلَاع الْمَذْكُور معرفَة مَرَاتِب الْجرْح وَالتَّعْدِيل. ليعرف من يرد حَدِيثه مِمَّن يعْتَبر لأَنهم قد يجرحون الشَّخْص بِمَا لَا يلْزم رد حَدِيثه كُله. بل بعضه، كَأَن يكون ضَعِيفا فِي بعض مشايخه دون بعض، وَمن ذَلِك أَنه قيل لبَعْضهِم: لم تركت التحديث عَن فلَان؟ قَالَ: رَأَيْته يرْكض برذونا. وَقد بَينا أَسبَاب ذَلِك أَي الْجرْح فِيمَا مضى أَوَائِل الْكتاب وحصرناه فِي عشرَة أَي عشر أَسبَاب وَتقدم شرحها مفصلا على وَجه الِاخْتِصَار المحصل للمقصود. وَالْغَرَض هُنَا ذكر الْأَلْفَاظ الدَّالَّة فِي اصطلاحهم أَي الْمُحدثين على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 تِلْكَ الْمَرَاتِب الْعشْرَة الْمُتَقَدّمَة. وللجرح مَرَاتِب أسوأها أَي أَكْثَرهَا سوء أَي قبحا الْوَصْف بِمَا دلّ على الْمُبَالغَة فِيهِ، وأصرح ذَلِك التَّعْبِير بأفعل بِفَتْح الْهمزَة وَالْعين صِيغَة / مُبَالغَة كأكذب النَّاس، وَكَذَا قَوْلهم إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْوَضع. أَو - فِي نُسْخَة - الْكَذِب أَو هُوَ ركن الْكَذِب، وَنَحْو ذَلِك. ثمَّ بعد ذَلِك فِي الرُّتْبَة دجال، أَو وَضاع، أَو كَذَّاب لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت فِيهَا نوع مُبَالغَة لَكِنَّهَا دون الَّتِي قبلهَا فِي الْقبْح، لِأَنَّهَا قد تسْتَعْمل لأصل الْفِعْل فَلذَلِك كَانَت دون، هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمُؤلف تبعا لجمع، وَجعله أَبُو حَاتِم وَتَبعهُ ابْن الصّلاح وَابْن الْجَوْزِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 من الْمرتبَة الأولى: كمتروك الحَدِيث، واه، ذَاهِب الحَدِيث، لسقوطهم وَعدم الْكِتَابَة عَنْهُم. وأسهلها - أَي الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْجرْح أَي أدناها مَا قرب من التَّعْدِيل قَوْلهم: فلَان لين، أَو سيء الْحِفْظ، أَو فِيهِ أدنى مقَال. وَبَين أَسْوَأ الْجرْح وأسهله مَرَاتِب لَا تخفى. وَقَوْلهمْ: مَتْرُوك أَو سَاقِط، أَو فَاحش الْغَلَط، أَو مُنكر الحَدِيث اشد من قَوْلهم: ضَعِيف، أَو لَيْسَ بِالْقَوِيّ أَو فِيهِ مقَال. وَقَالَ بَعضهم: أَسْوَأ الْمَرَاتِب بعد صِيغَة الْمُبَالغَة: يكذب يضع. ويليها مُتَّهم بِالْكَذِبِ، مُتَّهم بِالْوَضْعِ، سَاقِط، هَالك، ذَاهِب الحَدِيث، مَتْرُوك، تَرَكُوهُ، فِيهِ نظر، سكتوا عَنهُ، لَا يعْتَبر حَدِيثه، لَيْسَ بالثقة، غير مَأْمُون. ويليها: مَرْدُود، ضَعِيف جدا، واه بِمرَّة، مطروح، أرم بِهِ، لَيْسَ بشئ، لَا يُسَاوِي درهما، لَا يُسَاوِي فلسًا. وكل من وصف بِشَيْء من هَذِه الْمَرَاتِب لَا يحْتَج بِهِ، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 يستشهد بحَديثه، لَا يعْتَبر بِهِ. د ويليها: ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث، مُضْطَرب الحَدِيث، واه / ضَعَّفُوهُ، لَا يحْتَج بِهِ. ويليها: فِيهِ مقَال، لَيْسَ بِذَاكَ لَيْسَ بِالْقَوِيّ، تعرف وتنكر، لَيْسَ بعمدة، فِيهِ خلف، مطعون فِيهِ، سيء الْحِفْظ، لين، تكلمُوا فِيهِ. وَأَصْحَاب هَاتين الرتبتين يكْتب حَدِيثهمْ للاعتبار. مَرَاتِب التَّعْدِيل: وَمن المهم - أَيْضا - معرفَة مَرَاتِب التَّعْدِيل وَقد رتبها ابْن أبي حَاتِم فأجاد وَبلغ المُرَاد. وأرفعها أَي أَعْلَاهَا الْوَصْف بِمَا دلّ على الْمُبَالغَة فِيهِ لَكِن صَدُوق وَإِن كَانَ فِيهِ مُبَالغَة - لكِنهمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 أصل الصدْق فلينتبه لَهُ. كَذَا ذكره المُصَنّف فِي غير هَذَا الْكتاب وأصرح ذَلِك التَّعْبِير بأفعل الدَّالَّة على الْمُبَالغَة كأوثق النَّاس، أَو أثبت النَّاس، أَو إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي التثبت، كَمَا وَقع فِي عبارَة الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -. ثمَّ مَا تَأَكد بِصفة من الصِّفَات الدَّالَّة على التَّعْدِيل، أَو صفتين كثقة ثِقَة، أَو ثَبت ثَبت، أَو ثِقَة حَافظ، أَو عدل ضَابِط، أَو نَحْو ذَلِك. كمأمون، حجَّة، لَا بَأْس بِهِ. وَأَدْنَاهَا مَا اشعر بِالْقربِ من أسهل التجريح كشيخ، يروي حَدِيثه، وَيعْتَبر بِهِ وَنَحْو ذَلِك. وَبَين ذَلِك مَرَاتِب لَا تخفى. فأعلاها صِيغَة مُبَالغَة، ثمَّ المكرر كثقة ثِقَة، ثَبت ثَبت، أَو ثِقَة حجَّة، أَو ثِقَة متقن. ويليها: ثِقَة، متقن، حجَّة، ثَبت، حَافظ، ضَابِط، مُفْرد. ويليه: لَيْسَ بِهِ بَأْس، لَا بَأْس بِهِ، صَدُوق، مَأْمُون، خِيَار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 ويليها: مَحَله الصدْق، رووا عَنهُ، شيخ وسط، صَالح، مقارب، جيد الحَدِيث، حسن الحَدِيث. ويليها: / الصويلح، صَدُوق إِن شَاءَ الله تَعَالَى، أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. أَحْكَام مُتَعَلقَة بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل: وَهَذِه أَحْكَام تتَعَلَّق بذلك، ذكرتها هُنَا لتكملة الْفَائِدَة فَأَقُول: 1 - تقبل التَّزْكِيَة من عَارِف بأسبابها لَا من غير عَارِف لِئَلَّا يُزكي بِمُجَرَّد مَا يظْهر لَهُ ابْتِدَاء من غير ممارسة واختبار. وَلَا يشْتَرط فِي الْعَارِف ذكر سَببه لِكَثْرَة الْأَسْبَاب، وَلِأَنَّهُ قد يتَعَلَّق بِالنَّفْيِ: كلم يفعل، لم يرتكب فَيشق تعدادها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وَلَو كَانَت التَّزْكِيَة صادرة من مزك وَاحِد. لِأَن الْعدَد لَا يشْتَرط فِي قبُول الْخَبَر على الْأَصَح وَالْجرْح كالتزكية فِيمَا تقرر، وَفِيمَا يَأْتِي. خلافًا لمن شَرط أَنَّهَا لَا تقبل إِلَّا من اثْنَيْنِ إِلْحَاقًا لَهَا بِالشَّهَادَةِ. أَي بتزكية الشَّهَادَة فِي الْأَصَح - أَيْضا -. نظرا إِلَى أَن الرِّوَايَة شَهَادَة فَلَا بُد فيهمَا من الْعدَد. وَأَشَارَ بقوله: فِي الْأَصَح - أَيْضا - إِلَى أَن اشْتِرَاط الْعدَد فِي تَزْكِيَة الشَّاهِد فِيهِ خلاف أَيْضا، وَالأَصَح مَا جرى عَلَيْهِ الْمُؤلف، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْآمِدِيّ، وَابْن الْحَاجِب، والهندي عَن تَصْحِيح الْأَكْثَرين، وَرجحه الإِمَام وَأَتْبَاعه. وَقَالَ ابْن الصّلاح: إِنَّه الصَّحِيح الَّذِي اخْتَارَهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَغَيره. وَصَححهُ النَّوَوِيّ - أَيْضا - وَعَلِيهِ جرى الْبرمَاوِيّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 " نَبَذته " و " ألفيته " مُخَالفا لما اقْتَضَاهُ كَلَام التَّاج السُّبْكِيّ تبعا لتصريح الباقلاني من الِاكْتِفَاء بِوَاحِد فِي الشَّهَادَة كالرواية. وَشَمل الْوَاحِد: العَبْد وَالْمَرْأَة وَهُوَ عدل الرِّوَايَة. وَالْفرق بَينهمَا: أَن التَّزْكِيَة أَي تَزْكِيَة / الرَّاوِي تنزل منزلَة الحكم، فَلَا يشْتَرط فِيهَا الْعدَد، وَالشَّهَادَة تقع من الشَّاهِد عِنْد الْحَاكِم فَافْتَرقَا. وَالْحَاصِل: أَن الشَّهَادَة تعلق الْحق فِيهَا بالمشهود لَهُ فاحتيط لذَلِك بِاشْتِرَاط الْعدَد بِخِلَاف الرِّوَايَة، وَلَو قيل: يفصل بَين مَا إِذا كَانَت التَّزْكِيَة فِي الرَّاوِي مستندة من الْمُزَكي إِلَى اجْتِهَاده، أَو إِلَى النَّقْل عَن غَيره لَكَانَ متجها، لِأَنَّهُ إِن كَانَ الأول فَلَا يشْتَرط الْعدَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 أصلا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَنْزِلَة الْحَاكِم. وَإِن كَانَ الثَّانِي فَيجْرِي فِيهِ الْخلاف، وَتبين - أَيْضا - لَا يشْتَرط الْعدَد لِأَن أصل النَّقْل لَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد فَكَذَا مَا تفرع عَنهُ. كَذَا بَحثه الْمُؤلف - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -، ورده الشَّيْخ الْمَنَاوِيّ وَغَيره: بِأَنَّهُ لَيْسَ لهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي ذكره فَائِدَة إِلَّا نفي الْخلاف فِي الْقسم الأول فَقَط. وَيَنْبَغِي أَن لَا يقبل الْجرْح وَالتَّعْدِيل إِلَّا من عدل متيقظ، فَلَا يقبل جرح من أفرط فِيهِ، فجرح بِمَا لَا يَقْتَضِي رد حَدِيث الْمُحدث، كَمَا لَا تقبل تَزْكِيَة من أَخذ بِمُجَرَّد الظَّاهِر فَأطلق التَّزْكِيَة. وَلَو نظر لذَلِك لرد أَكثر الروَاة حَتَّى الْأَئِمَّة الْكِبَار، فَإِنَّهُ قل من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 سلم فِي الْجرْح، وَقد تكلم فِي الْكِبَار من الْأَئِمَّة، لَكِن ينْدَفع ذَلِك بِأَنَّهُ إِذا كَانَ عدم الْقبُول إِنَّمَا هُوَ للتوقف لَا للجرح فَلَا الْتِفَات لكَلَام من جرح أحدا من الْأَئِمَّة، لِأَن الشُّهْرَة بِالْإِمَامَةِ وَالْجَلالَة تغني عَن التَّعْدِيل، وتدفع فِي صدر / من جرح أحدا مِنْهُم. وَقَالَ الذَّهَبِيّ - وَهُوَ من أهل الاستقراء التَّام فِي نقد الرِّجَال - لم يجْتَمع اثْنَان من عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن قطّ على تَوْثِيق ضَعِيف، وَلَا تَضْعِيف ثِقَة. انْتهى / قَالَ الْمُؤلف - رَحمَه الله - فِي " تَقْرِيره ": يَعْنِي يكون سَبَب ضعفه شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين، وَكَذَا عَكسه. انْتهى / قَالَ الشَّيْخ قَاسم: لم يَقع المُصَنّف على علم ذَلِك، وَلَا يفهم مِنْهُ المُرَاد من قبل هَذَا، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن اثْنَيْنِ لم يتَّفقَا فِي شخص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 على خلاف الْوَاقِع (فِي الْوَاقِع) بل لَا يتَّفقَا إِلَّا على من فِيهِ شَائِبَة مِمَّا اتَّفقُوا عَلَيْهِ. وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَب النَّسَائِيّ كَمَا نَقله عَنهُ ابْن مَنْدَه وَغَيره أَن لَا يتْرك حَدِيث الرجل حَتَّى يجْتَمع الْجَمِيع على تَركه قَالَ بَعضهم: وَفِي صَلَاحِية هَذَا تعليلا لما قبله نظر. وليحذر الْمُتَكَلّم فِي هَذَا الْفَنّ من التساهل فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل، فَإِنَّهُ إِن أعدل بِغَيْر تثبت كَانَ كالمثبت حكما لَيْسَ بِثَابِت، فيخشى عَلَيْهِ أَن يدْخل فِي زمرة من روى حَدِيثا وَهُوَ يظنّ أَنه كذب، وَإِن جرح بِغَيْر تحرز أقدم على الطعْن فِي مُسلم برِئ من ذَلِك، ووسمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 بميسم سوء يبْقى عَلَيْهِ عاره أبدا. والآفة تدخل فِي هَذَا تَارَة من الْهوى وَالْغَرَض الْفَاسِد وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين سَالم من هَذَا غَالِبا، وَتارَة من الْمُخَالفَة فِي العقائد وَهُوَ مَوْجُود كثيرا قَدِيما وحديثا، وَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاق الْجرْح بذلك، فقد قدمنَا تَحْقِيق الْحَال / فِي الْعَمَل بِرِوَايَة المبتدعة. 2 - وَالْجرْح مقدم عِنْد التَّعَارُض على التَّعْدِيل إِن كَانَ عدد الْجَارِح أَكثر من عدد الْمعدل إِجْمَاعًا، وَكَذَا إِن كَانَ عدد الْجَارِح والمعدل سَوَاء، أَو كَانَ الْجَارِح أقل عددا من الْمعدل - على الْأَصَح - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 لاطلاع الْجَارِح على مَا لم يطلع عَلَيْهِ الْمعدل. كَذَا ذَكرُوهُ وَأخذ مِنْهُ أَنه لَو اطلع الْمعدل على السَّبَب وَعلم تَوْبَته مِنْهُ قدم على الْجَارِح. وَهُوَ كَذَلِك. وَأطلق ذَلِك جمَاعَة، لَكِن مَحَله إِن صدر مُبينًا أَي مُفَسرًا من عَارِف بأسبابه على الصَّحِيح عِنْد الْأَئِمَّة الشَّافِعِيَّة لاخْتِلَاف النَّاس فِي أَسبَابه، قَالَ بَعضهم: اشْتِرَاط كَون الْجَارِح عَارِفًا بالأسباب بعد اشْتِرَاط كَونه مُبينًا فِيهِ نظر لَا يخفى. لإنه إِذا كَانَ غير مُفَسّر لم يقْدَح فِيمَن يثبت عَدَالَته وَإِن صدر من غير عَارِف بالأسباب لم يعْتَبر بِهِ. وَفِي نسخ: لم يعْتد بِهِ أَي لما ذكر، وَمَا جرى عَلَيْهِ الْمُؤلف تبع فِيهِ القَاضِي الباقلاني، وَالَّذِي جرى عَلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - أَنه يشْتَرط ذكر سَبَب الْجرْح للِاخْتِلَاف فِيهِ دون سَبَب التَّعْدِيل وَهُوَ الْمُخْتَار فِي الشَّهَادَة، أما الرِّوَايَة فَيَكْفِي فِيهَا إِطْلَاق الْجرْح كالتعديل إِذا عرف مَذْهَب الْجَارِح، تَنْزِيلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 لذَلِك منزلَة ذكر السَّبَب، وَظَاهره أَنه يثبت الْجرْح بِدُونِ بَيَان السَّبَب وَإِلَيْهِ يُشِير قَول ابْن الصّلاح: إِنَّمَا يعْتَمد النَّاس فِي جرح الروَاة ورد حَدِيثهمْ / على الْكتب المصنفة فِي الْجرْح، وقلما يتعرضون فِيهَا لذكر السَّبَب بل يقتصرون على فلَان ضَعِيف، أَو لَيْسَ بِشَيْء وَنَحْوهمَا. فاشتراط بَيَان السَّبَب فِي جرح الروَاة يُفْضِي إِلَى سد بَاب الْجرْح غَالِبا. ثمَّ أجَاب عَنهُ ابْن الصّلاح: بِأَنا وَإِن لم نعتمده فِي إِثْبَات الْجرْح وَالْحكم بِهِ فقد اعتمدناه فِي التَّوَقُّف عَن قبُول حَدِيثه لحُصُول رِيبَة لَا لِأَنَّهُ مَجْرُوح فِي نفس الْأَمر، وَلِهَذَا من زَالَت عَنهُ هَذِه الرِّيبَة ببحث عَن حَاله يقبل كَالَّذِين احْتج بهم الشَّيْخَانِ مِمَّن تقدم فيهم الْجرْح. اه /. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَعمل الْعَالم الْمُشْتَرط للعدالة فِي الرَّاوِي بِرِوَايَة شخص تَعْدِيل لَهُ فِي الْأَصَح وَإِلَّا لما عمل بروايته. وَرِوَايَة من لَا يروي إِلَّا عَن عدل بِأَن صرح بذلك أَو عرف من عَادَته بالاستقراء أَنه لَا يروي إِلَّا عَن عدل تَعْدِيل لَهُ، كَمَا لَو قَالَ: هُوَ عدل لَكِن هَذَا دون التَّصْرِيح كَمَا قَالَه ابْن دَقِيق الْعِيد. وَلَيْسَ من الْجرْح ترك الْعَمَل بمرويه وَترك الحكم بمشهوده لاحْتِمَال أَن يكون التّرْك لمعارض. وَفِيمَا إِذا تَعَارضا فِي ثُبُوت جارح معِين ونفيه تردد. فَإِن خلا الْمَجْرُوح عَن تَعْدِيل قبل الْجرْح فِيهِ مُجملا غير مُبين السَّبَب إِذا صدر من عَارِف على الْمُخْتَار، لِأَنَّهُ إِذا لم يكن فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 تَعْدِيل فَهُوَ فِي حيّز الْمَجْهُول، وإعمال قَول الْمَجْرُوح أولى من إهماله، وَمَال ابْن الصّلاح فِي مثل هَذَا إِلَى التَّوَقُّف. أما إِذا كَانَ من جرح مُجملا قد عدله أحد من أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ فَلَا يقبل الْجرْح فِيهِ من أحد كَائِنا من كَانَ / إِلَّا مُبينًا لَهُ لِأَنَّهُ قد يثبت لَهُ رُتْبَة الثِّقَة فَلَا يزحزح عَنْهَا إِلَّا بِأَمْر جلي. وَهَذَا اخْتِيَار للمؤلف قد نوزع فِيهِ. (تَنْبِيه) : مَا ذكره الْمُؤلف كُله مَأْخُوذ من كَلَام التَّاج السُّبْكِيّ حَيْثُ قَالَ: هُنَا قَاعِدَة مهمة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل، نافعة ضَرُورِيَّة، وَذَلِكَ أَنَّك إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 سَمِعت أَن الْجرْح مقدم على التَّعْدِيل، وَرَأَيْت جرحا وتعديلا فِي رجل، وَكنت غرا بالأمور أَو فدما مُقْتَصرا على مَنْقُول الْأُصُول، جزمت بِأَن الْعَمَل على جرحه. فإياك ثمَّ إياك، والحذر كل الحذر من هَذَا الظَّن، بل الصَّوَاب أَن من تثبت أَمَانَته وعدالته، وَكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وَكَانَت هُنَاكَ قرينَة دَالَّة على سَبَب جرحه: من تعصب مذهبي أَو غَيره لَا يلْتَفت إِلَى الْجرْح فِيهِ، بل يعْمل فِيهِ بِالْعَدَالَةِ، وَإِلَّا فَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب وأخذنا بِتَقْدِيم الْجرْح على إِطْلَاقه لما سلم لنا أحد من الْأَئِمَّة إِذْ مَا من إِمَام إِلَّا وَقد طعن فِيهِ طاعنون، وَهلك فِيهِ هالكون. وَقد عقد الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي " كتاب الْعلم " بَابا فِي حكم قَول الْعلمَاء بَعضهم فِي بعض، بَدَأَ فِيهِ بِحَدِيث: دب إِلَيْكُم دَاء الْأُمَم قبلكُمْ الْبغضَاء والحسد. . الحَدِيث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 وروى بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: اسْتَمعُوا علم الْعلمَاء، وَلَا تصدقوا بَعضهم على بعض، فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَهُم أَشد تغايرا من التيوس فِي / الزريبة. وَعَن مَالك بن دِينَار - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -: يُؤْخَذ بقول (الْعلمَاء) والقراء فِي كل شَيْء إِلَّا قَول بَعضهم فِي بعض. . وَفِي " معِين الْحُكَّام " لِابْنِ عبد الرفيع الرفيع الْمَالِكِي: لَا تجوز شَهَادَة الْعَالم على مثله لأَنهم أَشد النَّاس تحاسدا وتباغضا وتباغيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ، غير أَنا لَا نَأْخُذ بِهِ على إِطْلَاقه بل الضَّابِط عندنَا أَن ثَابت الْعَدَالَة لَا يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول من تشهد الْقَرَائِن بِأَنَّهُ مُتَحَامِل عَلَيْهِ، لتعصب مذهبي أَو غَيره. ثمَّ قَالَ ابْن عبد الْبر: الصَّحِيح أَن من ثبتَتْ عَدَالَته، وَصحت فِي الْعلم إِمَامَته لَا يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول أحد إِلَّا أَن يَأْتِي فِي جرحه بَينه، وَاسْتدلَّ بِأَن السّلف تكلم بَعضهم فِي بعض بِكَلَام مِنْهُ مَا حمل عَلَيْهِ التعصب أَو الْحَسَد، وَمِنْه مَا دعِي إِلَيْهِ التَّأْوِيل وَاخْتِلَاف الِاجْتِهَاد، وَقد حمل بَعضهم على بعض بِالسَّيْفِ تَأْوِيلا واجتهادا. ثمَّ انْدفع إِلَى ذكر جمَاعَة من النظراء تكلم بَعضهم فِي بعض، وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ حَتَّى انْتهى إِلَى كَلَام ابْن معِين فِي الإِمَام الشَّافِعِي، وَقَالَ: إِنَّه مِمَّا نقم على ابْن معِين. وَذكر قَول أَحْمد: من أَيْن يعرف ابْن معِين الشَّافِعِي، هُوَ لَا يعرفهُ، من جهل شَيْئا عَادَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 ثمَّ ذكر ابْن عبد الْبر كَلَام ابْن أبي ذِئْب وَإِبْرَاهِيم بن أبي سعد فِي مَالك. قَالَ: وَقد تكلم - أَيْضا - فِي مَالك عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة، وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن / أسلم وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَابْن أبي يحيى وَابْن أبي الزِّنَاد وعابوا أَشْيَاء من مذْهبه، وَقد برأه الله مِمَّا قَالُوا (وَكَانَ عِنْد الله وجيها) قَالَ: وَمَا مثل من تكلم فِي مَالك وَالْإِمَام الشَّافِعِي ونظائرهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: كناطح صَخْرَة يَوْمًا ليوهنها فَلم يَضرهَا وأوهى قرنه الوعل أَو كَمَا قَالَ الْحسن بن حميد: (يَا ناطح الْجَبَل العالي ليكلمه ... أشْفق على الرَّأْس لَا تشفق على الْجَبَل) وَقد أحسن أَبُو الْعَتَاهِيَة حَيْثُ قَالَ: (وَمن ذَا الَّذِي ينجوا من النَّاس سالما ... وَلِلنَّاسِ قَالَ بالظنون وَقيل) وَقيل لِابْنِ الْمُبَارك: فلَان يتَكَلَّم فِي أبي حنيفَة فَأَنْشد: (حسدوا أَن رأوك فضلك الله ... بِمَا فضلت بِهِ النجبا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وَقيل لأبي عَاصِم النَّبِيل: فلَان يتَكَلَّم فِي أبي حنيفَة: قَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ نصيب: سلمت وَهل حَيّ من النَّاس يسلم وَقَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي: (حسدوا الْفَتى إِذا لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أَعدَاء لَهُ وخصوم) ثمَّ قَالَ ابْن عبد الْبر: فَمن أَرَادَ قبُول قَول الْعلمَاء الثِّقَات بَعضهم فِي بعض فليقبل قَول الصَّحَابَة بَعضهم فِي بعض، وَإِن فعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 فقد ضل ضلالا بَعيدا وخسر خسرانا مُبينًا، وَإِن لم يفعل وَلنْ يفعل. . إِن هداه الله فليقف عِنْد / مَا شرطناه فِي أَن لَا يقبل فِي صَحِيح الْعَدَالَة الْمَعْلُوم بِالْعلمِ عنايته قَول قَائِل لَا برهَان لَهُ. انْتهى. وَهُوَ على حسنه غير صَاف عَن القذى والكدر، إِذْ لم يزدْ فِيهِ على قَوْله أَن من ثبتَتْ عَدَالَته ومعرفته لَا يقبل قَول جارحه إِلَّا ببرهان وَهَذَا قد ذكره الْعلمَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم جَمِيعًا، حَيْثُ قَالُوا: لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا، فَمَا الَّذِي زَاده عَلَيْهِم؟ . وَإِن أَرَادَ: أَن كَلَام النظير فِي نَظِيره، والعالم فِي مثله لَا يقبل فَيَنْبَغِي أَن لَا يُؤْخَذ بِإِطْلَاقِهِ. . بل يُقَال: إِن الْجَارِح لَا يقبل مِنْهُ الْجرْح وَإِن فسره فِي حق من غلبت طَاعَته مَعَاصيه، ومزكوه على جارحيه إِذا كَانَ ثمَّ قرينَة تدل على أَن الْحَامِل على ذَلِك تعصب مذهبي، أَو تنافس دُنْيَوِيّ كَمَا يكون بَين النظراء، مثلا لَا يلْتَفت إِلَى كَلَام ابْن أبي ذِئْب فِي مَالك وَابْن معِين فِي الإِمَام الشَّافِعِي، وَالنَّسَائِيّ فِي ابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 صَالح لأَنهم أَئِمَّة مشهورين، فالجارح لَهُم كالآتي بِخَبَر غَرِيب لَو صَحَّ توفرت الدَّوَاعِي على نَقله، فَكَانَ الْقَاطِع قَائِما على كذبه. وَيَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح حَال العقائد واختلافها بِالنِّسْبَةِ للجارح والمجروح، وَرُبمَا. خَالف الْجَارِح الْمَجْرُوح فِي العقيدة فجرحه لذَلِك، وَإِلَيْهِ اشار الإِمَام الرَّافِعِيّ بقوله: يَنْبَغِي أَن يكون المزكون بُرَآء أَي من الشحناء / والعصبية فِي الْمَذْهَب لِئَلَّا يحملهم ذَلِك على جرح عدل أَو تَزْكِيَة فَاسق كَمَا وَقع لكثير من الْأَئِمَّة، وَقد أَشَارَ ابْن دَقِيق الْعِيد فِي " الاقتراح " إِلَيْهِ وَقَالَ: أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار، وقف على شفيرها طَائِفَتَانِ: المحدثون والحكام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 وَمن أَمْثِلَة قَول بَعضهم فِي البُخَارِيّ: تَركه أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم من أجل مَسْأَلَة اللَّفْظ. فيا لله ايجوز لأحد أَن يَقُول فِي البُخَارِيّ مَتْرُوك مَعَ أَن الْحق فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ مَعَه إِذْ لَا يستريب عَاقل فِي أَن تلفظه من أَفعاله الْحَادِثَة الَّتِي هِيَ مخلوقة لله، وَإِنَّمَا أنكرها أَحْمد لبشاعة لَفظهَا ... وَهَذَا الذَّهَبِيّ من هَذَا الْقَبِيل، لَهُ علم وديانة وَعِنْده على أهل السّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 تحمل مفرط، فَلَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ. قَالَ العلائي: الْحَافِظ الذَّهَبِيّ لَا اشك فِي دينه وورعه، لَكِن غلب عَلَيْهِ مَذْهَب الْإِثْبَات ومنافرة التَّأْوِيل حَتَّى أثر فِي طبعة انحرافا شَدِيدا عَن أهل التَّنْزِيه، وميلا إِلَى أهل الْإِثْبَات، وَإِذا ترْجم أحدهم يطنب فِي وَصفه ويبالغ ويتغافل عَن غلطاته، وَإِذا ذكر أحدا من الطّرف الآخر كإمام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ لَا يُبَالغ فِي وَصفه، وَيكثر من قَول الطاعنين فِيهِ، وَيُعِيد ذَلِك ويبديه، ويعتقده دينا، ويعرض عَن محاسنة الطافحة / وَإِذا ظفر لأَحَدهم بغلطة ذكرهَا، وَكَذَا فعل فِي أهل عصره إِن لم يقدر على أحد مِنْهُم بتصريح يَقُول: الله يصلحه، وَنَحْو ذَلِك، وَسَببه الْمُخَالفَة فِي العقيدة. انْتهى. قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ: وَالْحَال فِي حق شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَزِيد مِمَّا وصف، وَهُوَ شَيخنَا ومعلمنا لَكِن الْحق أَحَق أَن يتبع، وَقد وصل من تعصبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 المفرط إِلَى حد حقد يسخر مِنْهُ، وأخشى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة من الْأَئِمَّة الَّذين حملُوا لنا الشَّرِيعَة فَإِن غالبهم أشاعرة، وَهُوَ إِذا وَقع بأشعري لَا يبْقى وَلَا يذر، وَالَّذِي اأركنا عَلَيْهِ الْمَشَايِخ النَّهْي عَن النّظر فِي كَلَامه، وَعدم اعْتِبَار قَوْله ... مَعَ قلَّة مَعْرفَته بمدلولات الْأَلْفَاظ، وَعدم ممارسته لعلوم الشَّرِيعَة. .، وَكَانَ إِذا ترْجم أحدا من عُلَمَاء الْمذَاهب الثَّلَاثَة - الْحَنَفِيَّة، والمالكية، وَالشَّافِعِيَّة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - وَمد الْقَلَم لترجمته غضب غَضبا مفرطا، ثمَّ قرطم الْكَلَام ومزقه، ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك غير خَبِير بمدلولات الْأَلْفَاظ، وَرُبمَا ذكر لَفْظَة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 الذَّم لَو عقل مَعْنَاهَا لم ينْطق بهَا، ودائما أتعجب من ذكره فِي " الْمِيزَان " الْفَخر الرَّازِيّ والآمدي فِي الضُّعَفَاء مَعَ أَنَّهُمَا لَا رِوَايَة لَهما، وَلَا جرحهما أحد، وَلَا ضعفهما فِيمَا ينقلانه من الْعُلُوم. . ثمَّ إِنَّا لسنا نقُول: لَا تقبل شَهَادَة سني على بدعى مُطلقًا بل من شهد على آخر وَهُوَ مُخَالف لَهُ فِي / العقيدة أوجب مُخَالفَته لَهُ فِيهَا رِيبَة للْحَاكِم ... فَيتَوَقَّف إِلَى تبين الْحَال، وَقبُول شَهَادَة المبتدع لَا توجب دفع الرِّيبَة فَيجب الفحص والتثبت وَقد قَالَ ابْن الصّلاح: إمامان ابتليا بأصحابهما وهما بريئان مِنْهُمَا أَحْمد بن حَنْبَل بالمجسمة، وجعفر الصَّادِق بالرافضة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد حَال الْجَارِح فِي الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة فَرب جَاهِل ظن الْحَلَال حَرَامًا، والمحمود مذموما فجرح بِهِ، وَمن ثمَّ أوجبوا التَّفْسِير. قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: حضرت بِمصْر مزكيا يجرح رجلا فَسئلَ عَن سَببه؟ فَقَالَ: يَبُول قَائِما. وَفِي " الْبَحْر " جرح رجل رجلا وَقَالَ: طين سطحه بطين حَوْض السَّبِيل. وَمِمَّا يَنْبَغِي تفقده كَمَا قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: الْخلاف الْوَاقِع كثيرا بَين الصُّوفِيَّة والمحدثين. . والطامة الْكُبْرَى إِنَّمَا هِيَ فِي العقائد المثيرة للتعصب والتنافس على حطام الدُّنْيَا. . وَقد وصل حَال بعض المجسمة إِلَى أَن كتب " شرح مُسلم " للنووي وَحذف مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 مَا تكلم بِهِ على أَحَادِيث الصِّفَات، فَإِن النَّوَوِيّ أشعري. . وَالْحَاصِل: إِن من تكلم فِي إِمَام اسْتَقَرَّتْ فِي الأذهان عَظمته، وتناقلت الروَاة ممادحه فقد جر الملام إِلَى نَفسه لَكِن لَا نقضي على من عرفت عَدَالَته إِذا جرح من لم يقبل مِنْهُ جرحه إِيَّاه بِالْفِسْقِ، بل يجوز أَن يكون واهما وَمن ذَا الَّذِي لَا يهم، وَأَن يكون / مؤولا، وَأَن يكون نَقله إِلَيْهِ من يرَاهُ صَادِقا ونراه نَحن كَاذِبًا. . ومعنا أصلان نستصحيهما إِلَى تَيَقّن خلافهما: اصل عَدَالَة الْمَجْرُوح الَّتِي اسْتَقَرَّتْ عَظمته، وأصل عَدَالَة الْجَارِح فَلَا يلْتَفت إِلَى جرحه وَلَا نجرحه بجرحه فاحفظه فَهُوَ من الْمُهِمَّات. . وَهَذَا لَا يُخَالف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 قَوْلهم: الْجرْح مقدم، فَإِنَّهُم إِنَّمَا عنوا حَالَة تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِذا تَعَارضا لأمر من جِهَة التَّرْجِيح قدم الْجرْح، وتعارضهما هُوَ اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا (لِأَن هَذَا شَأْن المتعارضين إِمَّا لَو لم يَقع اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا) فَلَا تعَارض، بل الْعَمَل بأقوى الظنين من جرح أَو تَعْدِيل، (وَفِي) مَا نَحن فِيهِ لم يتعارضا لِأَن غَلَبَة الظَّن بِالْعَدَالَةِ قَائِمَة، وَهَذَا كَمَا أَن عدد الْجَارِح إِذا كَانَ (أَكثر) قدم الْجرْح إِجْمَاعًا إِذْ لَا تعَارض وَالْحَالة هَذِه، وَلَا يَقُول أحد بِتَقْدِيم التَّعْدِيل لَا من قَالَ بتقديمة عِنْد التَّعَارُض وَلَا غَيره، وعبارتنا فِي " جمع الْجَوَامِع ": الْجرْح مقدم إِن كَانَ الْجَارِح أَكثر من الْمعدل إِجْمَاعًا، وَكَذَا إِن تَسَاويا، أَو كَانَ الْجَارِح أقل. وَقَالَ ابْن شعْبَان: يطْلب التَّرْجِيح. انْتهى. وَفِيه زِيَادَة على مَا فِي مختصرات أصُول الْفِقْه، فَإنَّا نبهنا فِيهِ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 الْإِجْمَاع وَلم ينبهوا عَلَيْهِ، حكينا مقَالَة ابْن شعْبَان - وَهِي غَرِيبَة - وَلم يذكروها فأشرنا بقولنَا يطْلب التَّرْجِيح إِلَى أَن النزاع إِنَّمَا هُوَ فِي حَال التَّعَارُض لِأَن طلب التَّرْجِيح إِنَّمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَالة. . إِذا عرف هَذَا علم أَنه لَيْسَ كل جرح مقدما وَقد عقد شَيخنَا / الذَّهَبِيّ فصلا فِي جمَاعَة لَا يعبأ بالْكلَام فيهم بل هم ثِقَات على رغم أَنفه. نختم هَذِه الْقَاعِدَة بفائدتين لَا تراهما لغيرنا: 1 - إِحْدَاهمَا: أَن قَوْلهم: لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسّر إِنَّمَا هُوَ فِي جرح من ثبتَتْ عَدَالَته واستقرت، فَإِذا أَرَادَ رَافع رَفعهَا بِالْجرْحِ؟ قيل لَهُ: ائْتِ ببرهان (عَلَيْهِ) . أَو فِيمَن لم يعرف حَاله لَكِن ابتدره جارحان ومزكيان فَيُقَال للجارحين فسرا مَا رميتماه بِهِ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 2 - الثَّانِيَة: أَنا لَا نطلب التَّفْسِير من كل أحد بل حَيْثُ يحْتَمل الْحَال شكا، لاخْتِلَاف فِي الِاجْتِهَاد، أَو لتهمة يسيرَة فِي الْجَارِح، أَو نَحوه مِمَّا لَا يُوجب سُقُوط قَول الْجَارِح، وَلَا يَنْتَهِي أَي الِاعْتِبَار بِهِ على الْإِطْلَاق، بل يكون بَين بَين، أما لَو انْتَفَت الظنون واندفعت التهم، وَكَانَ الْجَارِح حبرًا من أَحْبَار الْأمة مبرءا عَن مظان التُّهْمَة. أَو كَانَ الْمَجْرُوح مَشْهُور الضعْف فَلَا نتلعثم عِنْد جرحه وَلَا نحوج الْجَارِح إِلَى تَفْسِير، بل طلب التَّفْسِير مِنْهُ لَا حَاجَة إِلَيْهِ فنقبل قَول ابْن معِين فِي إِبْرَاهِيم بن شُعَيْب الْمدنِي شيخ روى عَنهُ ابْن وهب: أَنه لَيْسَ بِشَيْء، وَفِي إِبْرَاهِيم بن يزِيد الْمَدِينِيّ أَنه ضَعِيف. وَفِي الْحُسَيْن بن الْفرج أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 كَذَّاب ... . . وَإِن لم يبين الْجرْح، لِأَنَّهُ إِمَام مقدم فِي هَذِه الصِّنَاعَة ... وَلَا يقبل قَوْله فِي الشَّافِعِي وَلَو فسر وأتى بِأَلف إِيضَاح لقِيَام الْقَاطِع على أَنه غير محق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. فَاعْتبر مَا أَشَرنَا / إِلَيْهِ فِي ابْن معِين وَغَيره واحتفظ بِمَا ذَكرْنَاهُ تنْتَفع بِهِ. إِلَى هُنَا كَلَام السُّبْكِيّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 معرفَة الكنى فصل: وَمن المهم فِي هَذَا الْفَنّ معرفَة كنى المسمين مِمَّن اشْتهر باسمه. لَو قَالَ نعر كنيته لَكَانَ اشمل. نبه عَلَيْهِ بعض الْمُتَأَخِّرين. وَله كنية لَا يُؤمن أَن يَأْتِي فِي بعض الرِّوَايَات مكنيا لِئَلَّا يظنّ أَنه آخر. وَمَعْرِفَة أَسمَاء المكنين وَهُوَ عكس الَّذِي قبله. لِأَنَّهُ قد يَأْتِي فِي بعض الرِّوَايَات مُسَمّى باسمه فيظن أَنه غَيره. وَمَعْرِفَة من اسْمه كنيته بِأَن لَا يكون لَهُ اسْم غَيرهَا وَلَا كنيته غَيرهَا كَأبي بِلَال الْأَشْعَرِيّ وهم قَلِيل وغالب الروَاة لكل مِنْهُم اسْم وكنية، فَتَارَة يشْتَهر باسمه وَتارَة يشْتَهر بكنيته. وَمَعْرِفَة من عرف بكنيته وَلم يُوقف على اسْمه فَلم يدر هَل كنيته اسْمه كَأبي شيبَة الْخُدْرِيّ من الصَّحَابَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 وَمَعْرِفَة من لقب بكنيته كَأبي الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ اسْمه عبد الله وكنيته أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو الشَّيْخ لقب. وَمَعْرِفَة من قد اخْتلف فِي كنيته وهم كثير. وَمَعْرِفَة من كثرت كناه كَابْن جريح لَهُ كنيتان أَبُو الْوَلِيد وَأَبُو خَالِد. وَمَعْرِفَة من كثرت كناه كَذَا عبر الْمُؤلف - رَحمَه الله تَعَالَى - قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: وَلَو عبر بتعددت بدل كثرت لَكَانَ أولى، لَكِن لَعَلَّ الْكَثْرَة فِي كَلَامه بِإِزَاءِ الْوحدَة وَهُوَ خلاف الظَّاهِر الْمُتَبَادر. وَمَعْرِفَة من كثرت نعوته وألقابه وهم كثير. وَمَعْرِفَة من اتّفق على اسْمه وَاخْتلف فِي كنيته، وَقد صنف فِيهِ بعض الْمُتَأَخِّرين كأسامة بن زيد الْحبّ يكنى أَبَا يزِيد أَو أَبَا مُحَمَّد، أَو أَبَا خَارِجَة أَو أَبَا عبد الله أَقْوَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وَمَعْرِفَة من اخْتلف فِي اسْمه وَاتفقَ على كنيته كَأبي هُرَيْرَة فِي اسْمه نَحْو ثَلَاثِينَ قولا. وَمَعْرِفَة من اخْتلف فِي اسْمه وكنيته مَعًا كسفينة مولى رَسُول الله وَهُوَ لقبه، واسْمه صَالح أَو مهْرَان أَو عُمَيْر أَقْوَال. وكنيته أَبُو عبد الرَّحْمَن، وَقيل: أَبُو البخْترِي. وَمَعْرِفَة من لم يخْتَلف فِي اسْمه وَلَا فِي كنيته كأئمة الْمذَاهب الْأَرْبَعَة. وَمَعْرِفَة من اشْتهر باسمه دون كنيته كطلحة أبي مُحَمَّد وَالزُّبَيْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 أبي عبد الله. وَمَعْرِفَة من اشْتهر بكنيته دون اسْمه كَأبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح. وَمَعْرِفَة من وَافَقت كنيته اسْم أَبِيه كَأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْمدنِي أحد أَتبَاع التَّابِعين. قَالَ المُصَنّف: الْمَدِينِيّ نِسْبَة إِلَى مَدِينَة مَا، وَالْمَدَنِي إِلَى مَدِينَة الرَّسُول، وَلم يشذ عَن هَذَا الأَصْل إِلَّا عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَإِن وَالِده من أهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة. وَفَائِدَة مَعْرفَته: نفي الْغَلَط عَمَّن نسبه إِلَى أَبِيه فَقَالَ أنبا ابْن إِسْحَاق وَنسبه إِلَى التَّصْحِيف وَأَن الصَّوَاب انبا أَبُو إِسْحَاق. ليحصل التَّمْيِيز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وينتفي الْغَلَط. أَو بِالْعَكْسِ كإسحاق بن أبي إِسْحَاق السبيعِي بِفَتْح فَكسر نسبته إِلَى سبيع بطن من هَمدَان. وَقيل: إِلَى مَحل السبيع بِالْكُوفَةِ. أَو وَافَقت كنيته كنية زَوجته كَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَأم أَيُّوب صحابيان مشهوران. وكأبي الدَّرْدَاء وَزَوجته أم الدَّرْدَاء كَذَلِك قَالَ (الْجلَال) السُّيُوطِيّ. وَقد رَأَيْت فِي هَذَا النَّوْع تأليفا لطيفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 واختصرته أَو وَافق اسْم شَيْخه اسْم أَبِيه كالربيع بن أنس عَن أنس، هَكَذَا يَأْتِي فِي الرِّوَايَات، فيظن أَنه يروي عَن أَبِيه كَمَا وَقع فِي الصَّحِيح عَن عَامر بن سعد عَن سعد وَهُوَ أَبوهُ، وَلَيْسَ أنس شيخ الرّبيع وَالِده بل أَبوهُ بكري، وَشَيْخه أَنْصَارِي وَهُوَ أنس بن مَالك الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَلَيْسَ الرّبيع الْمَذْكُور من أَوْلَاده. وَمَعْرِفَة من نسب إِلَى غير أَبِيه وَفَائِدَته: دفع توهم التَّعَدُّد عِنْد نسبتهم إِلَى أبائهم كالمقداد بن الْأسود، نِسْبَة إِلَى أسود الزُّهْرِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 (بِضَم الزَّاي نِسْبَة إِلَى زهرَة بن كلاب بن مرّة بن كَعْب ابْن لؤَي) لكَونه تبناه وَإِنَّمَا هُوَ الْمِقْدَاد بن عَمْرو قَالَ المُصَنّف - رَحمَه الله -: قد نسب عَمْرو إِلَى كِنْدَة / وَلَيْسَ هُوَ من كِنْدَة وَإِنَّمَا هُوَ مهراني نزل كِنْدَة فنسب إِلَيْهَا فاتفق لَهُ مَا اتّفق لوَلَده. وكالحسن بن دِينَار - أحد الضُّعَفَاء - هُوَ زوج أمه وَأَبوهُ وَاصل. أَو إِلَى أمه كَابْن علية - هُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مقسم أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 الثِّقَات، وَعليَّة اسْم أمه اشْتهر بهَا. وَهِي بنت حسان مولاة بني شَيبَان وَكَانَ لَا يحب أَن يُقَال لَهُ ابْن علية، وَلِهَذَا كَانَ الإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - يَقُول: أنبا إِسْمَاعِيل الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن علية: وَزعم عَليّ بن حجر أَنَّهَا لَيست أمه بل جدته أم أمه. وكبلال بن حمامة الحبشي الْمُؤَذّن، أَبوهُ رَبَاح، وَسُهيْل وَسَهل وَصَفوَان بَنو بَيْضَاء، أبوهم وهب بن ربيعَة بن عَمْرو بن عَامر الْقرشِي الفِهري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَقد صنف فِي هَذَا الْقسم الْحَافِظ عَلَاء الدّين مغلطاي تصنيفا حسنا، وَذكر النَّوَوِيّ فِي " التَّهْذِيب " أَنه ألف فِيهِ جُزْءا وَلم نقف عَلَيْهِ. أَو نسب إِلَى غير مَا يسيق إِلَى الْفَهم. لِأَن الرَّاوِي قد ينْسب إِلَى مَكَان، أَو وقْعَة بِهِ أَو قَبيلَة، أَو صَنْعَة، وَلَيْسَ الظَّاهِر الَّذِي يسْبق إِلَى الْفَهم من تِلْكَ النِّسْبَة مرَادا بل لعَارض عرض من نُزُوله إِلَى ذَلِك الْمَكَان أَو تِلْكَ الْقَبِيلَة وَنَحْو ذَلِك. كالحذاء بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة ممدودا، فَهُوَ خَالِد ابْن مهْرَان ظَاهره أَنه مَنْسُوب رلى صناعتها أَو بيعهَا وَلَيْسَ / كَذَلِك، إِنَّمَا كَانَ مجَالِسهمْ فنسب إِلَيْهِم وكسليمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 التَّيْمِيّ، لم يكن من بني تَمِيم وَلَكِن نزل فيهم أَي بني تَمِيم، فنسب إِلَيْهِم. وكأبي مَسْعُود عقبَة بن (عَمْرو) الْأنْصَارِيّ الخرزجي البدري لم يشهدها فِي قَول الْأَكْثَرين بل نزلها، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: سكنها، وَقَالَ البُخَارِيّ: شَهِدَهَا. وَكَذَا من نسب إِلَى جده فَلَا يُؤمن التباسه بِمن وَافق اسْمه. . وَاسم أَبِيه اسْم الْجد الْمَذْكُور قَالَ المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 كمحمد بن بشر، (وَمُحَمّد بن السَّائِب بن بشر) ، الأول ثِقَة وَالثَّانِي ضَعِيف، وينسب رلى جده فَيحصل اللّبْس، وَقد وَقع ذَلِك فِي الصَّحِيح وَغَيره. وكأبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وعامر بن عبد الله بن الْجراح. وَأحمد بن حَنْبَل هُوَ ابْن مُحَمَّد بن حَنْبَل. وَمَعْرِفَة من اتّفق اسْمه وَاسم أَبِيه وجده كالحسن بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَقد يَقع أَكثر من ذَلِك. وكأحمد ابْن جَعْفَر بن حمدَان أَرْبَعَة كلهم يروون عَمَّن يُسمى عبد الله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وَكلهمْ فِي عصر وَاحِد: 1 - أحدهم: الْقطيعِي أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ روى عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَعنهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ. 2 - الثَّانِي: السَّقطِي أَبُو بكر الْبَصْرِيّ، روى عَن عبد الله بن أَحْمد الدَّوْرَقِي، وَعنهُ أَبُو نعيم - أَيْضا -. 3 - الثَّالِث: الدينَوَرِي روى عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سِنَان. 4 - طرسوسي، روى عَن عبد الله بن جَابر الطرسوسي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وَهُوَ من فروع المسلسل. وَقد يتَّفق الِاسْم وَاسم الْأَب مَعَ اسْم الْجد وَاسم الْأَب فَصَاعِدا كَأبي الْيمن الْكِنْدِيّ. س بِضَم فَسُكُون، نِسْبَة إِلَى كِنْدَة قَرْيَة بسمرقند. قيل: بِالْكَسْرِ إِلَى كِنْدَة قَبيلَة من الْيمن. هُوَ زيد بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن زيد بن الْحسن. أَو يتَّفق اسْم الرَّاوِي فاسم شَيْخه وَشَيخ شَيْخه فَصَاعِدا. كعمران عَن عمرَان عَن عمرَان، أَن الأول يعرف الْقصير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وَالثَّانِي أَبُو رَجَاء العطاردي بِالضَّمِّ نِسْبَة إِلَى عُطَارِد جده، وَقيل، بطن من تَمِيم، وَالثَّالِث ابْن حُصَيْن الْهَمدَانِي الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور. وكسليمان (عَن سُلَيْمَان) عَن سُلَيْمَان، الأول: ابْن أَحْمد بن أَيُّوب الطَّبَرَانِيّ بِفَتَحَات، نِسْبَة إِلَى طبرية مَدِينَة بالأردن وَالثَّانِي: ابْن أَحْمد الوَاسِطِيّ بِكَسْر الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى وَاسِط مَدِينَة بالعراق مَشْهُورَة. وَالثَّالِث: ابْن عبد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن بنت شُرَحْبِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وَقد يَقع ذَلِك للراوي ولشيخه مَعًا قَالَ بَعضهم: كَانَ الأولى جعله هَذَا قبل قَوْله: أَو يتَّفق اسْم الرَّاوِي وَاسم شَيْخه ... إِلَى آخِره. ليَكُون نوعا من قَوْله: وَقد يتَّفق الِاسْم وَاسم الْأَب مَعَ الِاسْم. . إِلَى آخِره ولترجع الْإِشَارَة إِلَيْهِ من ذَلِك كَمَا هُوَ الْمُنَاسب، وَقد جعله كَذَلِك التقي الشمني فِي شَرحه لنظم وَالِده للنخبة. كَأبي الْعَلَاء الْهَمدَانِي قَالَ الْمنصف رَحمَه الله: الهمذاني بِفَتْح الْهَاء وَالْمِيم والذال الْمُعْجَمَة / نِسْبَة إِلَى الْبَلَد. وبسكون الْمِيم وإهمال الدَّال نِسْبَة إِلَى الْقَبِيلَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وَمن الأول مَا فِي الْكتاب الْعَطَّار مَشْهُور بالرواية عَن أبي عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ (الْحداد، وكل مِنْهُمَا اسْمه الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن ابْن أَحْمد بن) الْحسن بن أَحْمد فاتفقا فِي ذَلِك، وافترقا فِي الكنية وَالنِّسْبَة إِلَى الْبَلَد والصناعة، وصنف فِيهِ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ جُزْءا حافلا. وَمَعْرِفَة من اتّفق اسْم شَيْخه والراوي عَنهُ، وَهُوَ نوع لطيف لم يتَعَرَّض لَهُ ابْن الصّلاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وَفَائِدَته: رفع اللّبْس عَمَّن يظنّ أَن فِيهِ تَكْرَارا وانقلابا، فَمن أمثلته البُخَارِيّ روى عَن مُسلم وروى عَنهُ مُسلم، فشيخه مُسلم بن ابراهيم الفراديسي بِفتْحَتَيْنِ وَكسر الْمُهْملَة وسين مُهْملَة نِسْبَة إِلَى بَاب الفراديس بِدِمَشْق الْبَصْرِيّ. والراوي عَنهُ مُسلم بن حجاج الْقشيرِي صَاحب الصَّحِيح. وَكَذَا وَقع ذَلِك لعبد بن حميد - أَيْضا - روى عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وروى عَنهُ مُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه حَدثنَا بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بِعَينهَا. وَمِنْهَا يحيى بن أبي كثير روى عَن هِشَام وروى عَنهُ هِشَام، فشيخه هِشَام بن عُرْوَة وَهُوَ من أقرانه، والراوي عَنهُ ابْن ابي عبد الله الدستوَائي. بِفَتْح فَسُكُون وَضم الْفَوْقِيَّة نِسْبَة إِلَى دستواء بلد بالأهواز، وَقيل: إِلَى ثِيَاب تجلب مِنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 وَمِنْهَا: ابْن جريج روى عَن هِشَام، وروى عَنهُ هِشَام فالأعلى: ابْن عُرْوَة، والأدنى ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ بِفَتْح فَسُكُون ومهملة وَآخره نون نِسْبَة إِلَى / صنعاء مَدِينَة بِالْيمن. وَمِنْهَا: الحكم بن عتيبة روى عَن ابْن أبي ليلى وَعنهُ ابْن أبي ليلى، فالأعلى عبد الرَّحْمَن والأدنى مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور، وأمثلته كَثِيرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 معرفَة الْأَسْمَاء الْمُجَرَّدَة وَمن المهم فِي هَذَا الْفَنّ معرفَة الْأَسْمَاء الْمُجَرَّدَة أَي عَن الكنى، والأنساب، الألقاب، كَذَا عبر الْمُؤلف - رَحمَه الله -. وَتعقبه الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ إِن كَانَ مُرَاده بالمجردة الَّتِي لَا تفِيد بكونهم ثِقَات، أَو ضعفاء، أَو رجال كتاب مَخْصُوص فَلَا يظْهر معنى قَوْله وَمِنْهُم من جمعهَا بِغَيْر قيد وَيرجع ذَلِك للكتب الْمُؤَلّفَة فِيهَا. وَقد جمعهَا جمَاعَة من الْأَئِمَّة: فَمنهمْ من جمعهَا بِغَيْر قيد كَابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) ، وَابْن أَبى خَيْثَمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة، وَفتح الْمُثَلَّثَة وَالْمِيم وَالْبُخَارِيّ فِي تاريخهما، وَابْن أبي حَاتِم فِي (الْجرْح التَّعْدِيل) . وَمِنْهُم من أفرد الثِّقَات: كالعجلي، وَابْن حبَان، وَابْن شاهين. وَمِنْهُم من أفرد الْمَجْرُوحين: كَابْن عدي وَابْن حبَان أَيْضا. وَمِنْهُم من تقيد بِكِتَاب مَخْصُوص (كرجال البُخَارِيّ) لأبي نصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 الكلاباذي بِفَتْح الْكَاف، وَتَخْفِيف اللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَرِجَال مُسلم لأبي بكر ابْن منجوية بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم الْجِيم وَفتح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة ورجالهما مَعًا لأبي الْفضل بن طَاهِر وَلابْن رسْلَان الرَّمْلِيّ صَاحب الزّبد وَرِجَال أبي / دَاوُد لأبي عَليّ الجياني بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَنون وَكَذَا رجال التِّرْمِذِيّ وَرِجَال النَّسَائِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 لجَماعَة من المغاربة وَمن هَذِه الْجَمَاعَة: الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدَّوْرَقِي لَهُ لكل مِنْهُمَا كتاب مُفْرد مُسْتَقل. وَرِجَال الْكتب السِّتَّة: الصَّحِيحَيْنِ، وَأبي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه لعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه " الْكَمَال " ثمَّ هذبه الْمزي فِي " تَهْذِيب الْكَمَال " (قَالَ المُصَنّف) : وَقد لخصته وزدت عَلَيْهِ أَشْيَاء كَثِيرَة، وسميته " تَهْذِيب التَّهْذِيب " وَجَاء مَعَ مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 اشْتَمَل عَلَيْهِ من الزِّيَادَات قدر ثلث الأَصْل وَمِنْهُم من أفرد رجال مسانيد الإِمَام الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك ومعاجم الطَّبَرَانِيّ الثَّلَاثَة، وَغير ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 معرفَة الْأَسْمَاء المفردة وَمن المهم - أَيْضا - معرفَة الْأَسْمَاء المفردة وَهِي الَّتِي لم يُشَارك من يُسمى بِشَيْء مِنْهَا غَيره فِيهَا. وَقد صنف فِيهَا: الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن هَارُون البرديجي بِفَتْح الْمُوَحدَة التَّحْتِيَّة وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْمُهْملَة وتحتيه وجيم، نِسْبَة إِلَى برديج قَرْيَة بِقرب بردعة وَهِي بلد إِلَى بِأَذربِيجَان فَذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 أَشْيَاء تعقبوا عَلَيْهِ بَعْضهَا. فَمِمَّنْ تعقب عَلَيْهِ أَبُو عبد الله بن بكير، فاستدرك عَلَيْهِ مَوَاضِع لَيست بمفاريد. . وَمن ذَلِك قَوْله: صغدي بن سِنَان أحد / الضُّعَفَاء - وَهُوَ بِضَم الْمُهْملَة وَقد تبدل سينا مُهْملَة وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة بعْدهَا دَال مُهْملَة ثمَّ يَاء كياء النّسَب، وَهُوَ اسْم علم بِلَفْظ النّسَب، وَلَيْسَ هُوَ فَردا فَفِي (كتاب) " الْجرْح وَالتَّعْدِيل " لِابْنِ أبي حَاتِم (أَي لعبد الرَّحْمَن ابْن أبي حَاتِم الرَّازِيّ. .) صغدي الْكُوفِي، وثقة ابْن معِين، وَفرق بَينه وَبَين الَّذِي قبله فضعفه (يَعْنِي ابْن أبي حَاتِم) . كَذَا ذكره الشَّيْخ قَاسم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 وَفِي " تَارِيخ الْعقيلِيّ " بِالتَّصْغِيرِ صغدي بن عبد الله يروي عَن قَتَادَة. قَالَ الْعقيلِيّ: حَدِيثه غير مَحْفُوظ انْتهى وَأَظنهُ هُوَ الَّذِي ذكره ابْن أبي حَاتِم. يَعْنِي صغدي الْكُوفِي وَأما كَون الْعقيلِيّ ذكره فِي " الضُّعَفَاء " فَإِنَّمَا هُوَ للْحَدِيث الَّذِي ذكره، وَلَيْسَ الآفة مِنْهُ بل هِيَ من الرَّاوِي عَنهُ عَنْبَسَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، وَسُكُون النُّون، وَفتح الْمُوَحدَة التَّحْتِيَّة وَالسِّين الْمُهْملَة ابْن عبد الرَّحْمَن. وَمن ذَلِك: سندر - بِالْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَة وَالنُّون الساكنة وَالدَّال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة بِوَزْن جَعْفَر وَهُوَ الْخصي مولى زنباع بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة التَّحْتِيَّة وَعين مُهْملَة. الجذامي بِكَسْر الْجِيم وذال مُعْجمَة مُخَفّفَة لَهُ صُحْبَة وَرِوَايَة نزل مصر وَالْمَشْهُور أَنه يكنى أَبَا عبد الله باسم ابْنه وَهُوَ اسْم فَرد لَا يسم بِهِ غَيره - فِيمَا نعلم - لَكِن ذكر أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي / كتاب الذيل لَهُ على معرفَة الصَّحَابَة لِابْنِ مندة بِفَتْح الْمِيم، وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة سندرا أَو الْأسود، وروى لَهُ حَدِيثا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وَاحِدًا ففهم بَعضهم من ذَلِك أَنَّهُمَا اثْنَان فَاعْترضَ على ابْن الصّلاح فِي دَعْوَى أَنه فَرد. وَتعقب عَلَيْهِ ذَلِك فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي ذكره ابْن مَنْدَه، وَقد ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور مُحَمَّد بن ربيع الجيزي بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة نِسْبَة إِلَى الْبَلَد الْمَشْهُور الْمُقَابلَة للفسطاط بِمصْر. ... فِي تَارِيخ الصَّحَابَة. . الَّذين نزلُوا مصر فِي تَرْجَمَة سندر مولى زنباع، وَقد حررت ذَلِك فِي كتابي الْمُسَمّى ب " الْإِصَابَة فِي معرفَة الصَّحَابَة " بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فليراجعه من أَرَادَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 معرفَة الكنى والألقاب الْمُجَرَّدَة وَكَذَا معرفَة الكنى والألقاب الْمُجَرَّدَة، وَهِي تَارَة تكون بِلَفْظ الِاسْم، وَتارَة بِلَفْظ الكنية، وَتَقَع نِسْبَة إِلَى عاهة أَو حِرْفَة. والعاهة: كالأعمش، والأعرج، والأعور، والضال لقب مُعَاوِيَة بن عبد الْكَرِيم لِأَنَّهُ ضل فِي طَرِيق مَكَّة. وَقد صنف فِي هَذَا النَّوْع جمع مِنْهُم: ابْن الْجَوْزِيّ، والشيرازي، وللجلال السُّيُوطِيّ فِي تأليف وجيز سَمَّاهُ " كشف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 النقاب فِي معرفَة الألقاب ". والحرفة (كالبزار) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 معرفَة الْأَنْسَاب وَكَذَا الْأَنْسَاب: وَهِي تَارَة تقع إِلَى الْقَبَائِل وَهُوَ فِي الْمُتَقَدِّمين أكثري / بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَأَخِّرين. قَالَ المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى -: (لِأَن الْمُتَقَدِّمين) كَانُوا يعتنون بِحِفْظ أنسابهم، وَلَا يسكنون المدن والقرى غَالِبا بِخِلَاف الْمُتَأَخِّرين. وَتارَة إِلَى الأوطان، وَهَذَا فِي الْمُتَأَخِّرين أكثري بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَقَدِّمين، لما ذكر (وَالنِّسْبَة إِلَى) الوطن أَعم من أَن يكون بلادا أَو ضيَاعًا، أَو سككا، أَو مجاورة، وَتَقَع إِلَى الصَّنَائِع كالخياط والحرف كالبزار، وَيَقَع فِيهَا الِاشْتِبَاه والاتفاق كالأسماء. وَلابْن السَّمْعَانِيّ كتاب عَظِيم فِي ذَلِك فِي مجلدات، وَألف فِيهِ قبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 الرشاطي وَاخْتصرَ ابْن الْأَثِير كتاب ابْن السَّمْعَانِيّ وَزَاد عَلَيْهِ شَيْئا قَلِيلا فِي كتاب سَمَّاهُ " اللّبَاب فِي معرفَة الْأَنْسَاب "، (وَاخْتَصَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي كتاب سَمَّاهُ " لب اللّبَاب فِي معرفَة الْأَنْسَاب ") . وَقد تقع الْأَنْسَاب ألقابا كخالد مخلد بن الْقَطوَانِي بِفَتْح الْقَاف والطاء وَالْوَاو كَانَ كوفيا، ويلقب الْقَطوَانِي وَكَانَ يغْضب مِنْهَا إِذا لقب بهَا. وَمن المهم - أَيْضا - معرفَة أَسبَاب ذَلِك - أَي الألقاب وَالنّسب - بِكَسْر النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة، جمع نِسْبَة بِكَسْر فَسُكُون. الَّتِي بَاطِنهَا على خلاف ظَاهرهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 معرفَة الموَالِي وَمَعْرِفَة الموَالِي من أَعلَى وَهُوَ الَّذِي معتقيه (سائبة) من الْعَرَب وَمن أَسْفَل وَهُوَ الَّذِي مُعْتقه عَتيق الآخر فَإِنَّهُ قد ينْسب إِلَى الْقَبِيلَة مولى مَوْلَاهَا وَالظَّاهِر أَن الْأَعْلَى والأسفل خَاص بِالرّقِّ كَمَا هُوَ صَرِيح صَنِيع التقي / الشمني فِي " شَرحه لنظم النخبة " بِالرّقِّ، أَو بِالْحلف بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، أَو بِالْإِسْلَامِ لِأَن كل ذَلِك يُطلق عَلَيْهِ مولى، وَلَا يعرف تَمْيِيزه إِلَّا بالتنصيص عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 معرفَة الْأُخوة وَالْأَخَوَات وَمَعْرِفَة الْأُخوة وَالْأَخَوَات من الْعلمَاء، والرواة كَذَلِك وَقد صنف فِيهِ القدماء كعلي بن الْمَدِينِيّ، وَمُسلم بن لحجاج وَمِثَال ذَلِك فِي الصحافة: عمر وَزيد ابْنا الْخطاب وَعبد الله وَعتبَة ابْنا مَسْعُود. وَمن لطيفه أَن ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة وَقَعُوا فِي إِسْنَاد وَاحِد، فَفِي " الْعِلَل " للدارقطني من طَرِيق هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أَخِيه يحيى بن سِيرِين عَن أَخِيه أنس بن سِيرِين عَن مَوْلَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 أنس بن مَالك أَن رَسُول الله قَالَ: لبيْك حجَّة حَقًا تعبدا وَرقا. وَذكر ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي: أَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَوَاهُ عَن أَخِيه (يحيى عَن أَخِيه) معبد عَن أَخِيه أنس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 معرفَة آدَاب الشَّيْخ والطالب وَمن المهم - أَيْضا - معرفَة آدَاب الشَّيْخ والطالب وَقد جَعلهمَا المحدثون على مَرَاتِب: 1 - أَولهَا الطَّالِب: وَهُوَ الْمُبْتَدِئ. 2 - ثمَّ الْمُحدث: وَهُوَ من تحمل رِوَايَته واعتنى بدرايته. 3 - ثمَّ الْحَافِظ: وَهُوَ من حفظ مائَة ألف حَدِيث متْنا وإسنادا، وَلَو بِتَعَدُّد الطّرق والأسانيد. أَو من روى ووعى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. 4 - ثمَّ الْحجَّة: وَهُوَ من أحَاط / بثلاثمائة ألف حَدِيث كَذَلِك. 5 - ثمَّ الْحَاكِم: وَهُوَ من أحَاط بِجَمِيعِ الْأَحَادِيث المروية. ذكره المطري. ويشتركان فِي تَصْحِيح النِّيَّة لِأَن أصل كل عمل (وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين) قَالُوا: الْإِخْلَاص هُوَ النِّيَّة وَخبر " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ". فَيَنْبَغِي أَن يبْدَأ كل مِنْهُمَا بتصحيح نِيَّته فِي الإفادة والطلب، خَالِصا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 لله لَا لغَرَض من الْأَغْرَاض. . الدُّنْيَوِيَّة، قَالَ حَمَّاد بن سَلمَة: من طلب الحَدِيث لغير الله مكر بِهِ. والتطهير من أغراض الدُّنْيَا فَإِن قصد التَّوَصُّل بِهِ إِلَيْهَا مَحْظُور عَظِيم. وتحسين الْخلق بِضَمَّتَيْنِ أَي أَخذ النَّفس بالأداب السّنيَّة الفاضلة، والابتهال إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فِي حُصُول التَّوْفِيق والتيسير، وَصدق اللهجة، وَهُوَ أساس هَذَا الْعلم. وينفرد الشَّيْخ بِأَن يسمع بِضَم أَوله وَكسر ثالثه إِذا احْتِيجَ إِلَيْهِ وَإِن لم يكن فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ من خمسين سنة إِلَى ثَمَانِينَ، فمدار الإسماع فِي الْحَقِيقَة على الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ وَإِن لم يبلغ عشْرين سنة، فقد حدث البُخَارِيّ وَمَا فِي وَجهه شَعْرَة. وَلَا يحدث بِبَلَد فِيهِ من هُوَ أولى مِنْهُ بِالتَّحْدِيثِ بل يرشد إِلَيْهِ أَي إِلَى من هُوَ أولى مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وَلَا يتْرك إسماع أحد لنِيَّة فَاسِدَة، وَأَن يتَطَهَّر وَيجْلس بوقار / وَلَا يحدث قَائِما وَلَا عجلا، وَلَا فِي الطَّرِيق إِلَّا إِن اضْطر إِلَى ذَلِك وَأَن يمسك عَن التحديث إِذا خشِي التَّغَيُّر أَو النسْيَان أَو لمَرض، أَو هرم، وَإِذا اتخذ مجْلِس الْإِمْلَاء أَن يكون لَهُ مستملي يقظ وَعَلِيهِ أَن يتبع السّنة الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة، وَلَا يتعصب لإمامه، ويورد الحَدِيث بِصَوْت حسن فصيح. وينفرد الطَّالِب بِأَن يوقر الشَّيْخ وَلَا يضجره، ويرشد غَيره لما سَمعه، وَلَا يدع الاستفادة لحياء، أَو تكبر وَيكْتب مَا سَمعه من الحَدِيث تَاما، ويعتني بالتقييد والضبط لألفاظ الحَدِيث ويذاكر بمحفوظة غَيره ليرسخ فِي ذهنه. وَيسمع مَا عِنْد أجل شُيُوخ بَلَده إِسْنَادًا وعلما، ودينا وشهرة وَيقدم الْأَعْلَى فالأعلى من الحَدِيث كَمَا تقدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 معرفَة سنّ التَّحَمُّل وَالْأَدَاء وَمن المهم معرفَة وَقت سنّ التَّحَمُّل وَالْأَدَاء وَالأَصَح اعْتِبَارا سنّ التَّحَمُّل بالتمييز وَيحصل غَالِبا باستكمال خمس سِنِين، وَمَا دونهَا فَهُوَ حُضُور، وهم كالمجمعين على صِحَّته هَذَا فِي السماع. وَقد جرت عَادَة الْمُحدثين بإحضارهم الْأَطْفَال مجَالِس الحَدِيث ويكتبون لَهُم أَنهم حَضَرُوا سَوَاء كَانَ الصَّغِير ابْن يَوْم، أَو ابْن سنة، أَو أَكثر إِلَى أَن يبلغ سنّ السماع، وَلَا بُد فِي مثل ذَلِك من إجَازَة المسمع. وَالأَصَح فِي سنّ الطّلب بِنَفسِهِ أَن يتأهل / لذَلِك قَالَ الشَّيْخ قَاسم: أَشَارَ بقوله بِنَفسِهِ إِلَى أَن الطَّالِب تَارَة يكون بِنَفسِهِ وَتارَة يكون بِغَيْرِهِ كالأطفال، ويحضرونهم الْمجَالِس. اه. وَاخْتلف فِي الزَّمن الَّذِي يَصح فِيهِ سَماع الصَّبِي فَقَالَ عِيَاض حدد أهل الصَّنْعَة فِيهِ خمس سِنِين وَهُوَ سنّ مَحْمُود بن الرّبيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 الَّذِي ترْجم البُخَارِيّ فِيهِ بَاب مَتى يَصح سَماع الصَّغِير. وَقيل: كَانَ ابْن أَربع أَو خمس. قَالَ الشمني: وَهَذَا وَإِن كَانَ هُوَ المستقر عَلَيْهِ الْعَمَل - أَعنِي التسميع لِابْنِ خمس - وَالأَصَح إِنَّه يعْتَبر كل صَغِير بِحَالهِ، فَمَتَى كَانَ فهما للخطاب ورد الْجَواب صححنا سَمَاعه وَإِن كَانَ لَهُ دون خمس، وَإِن لم يكن كَذَلِك لم يَصح وَإِن كَانَ ابْن خمسين، وَحَدِيث مَحْمُود لَا يُنَافِيهِ لكَونه يدل على ثُبُوته لمن هُوَ مثله لَا على نَفْيه عَمَّن هُوَ دونه مَعَ جودة التَّمْيِيز أَو ثُبُوته لمن هُوَ فِي سنه أَو فَوْقه وَلم يُمَيّز تَمْيِيزه. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 تحمل الْكَافِر وَالْفَاسِق وَيصِح تحمل الْكَافِر - أَيْضا - إِذا أَدَّاهُ بعد إِسْلَامه وَكَذَا الْفَاسِق من بَاب أولى بِلَا خلاف إِذا أَدَّاهُ بعد تَوْبَته وَثُبُوت عَدَالَته. وَيدل لذَلِك مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن جُبَير بن مطعم لما قدم فِي أُسَارَى بدر يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ فأداه بعد إِسْلَامه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 زمن الْأَدَاء وَأما الْأَدَاء فقد تقدم أَنه / لَا اخْتِصَاص لَهُ بِزَمن معِين بل يُفِيد بالاحتياج إِلَى ذَلِك والتأهل لذَلِك قَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذِه زِيَادَة على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي " التَّقْرِيب والتيسير " حَيْثُ قَالَ: إِنَّه مَتى احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْده جلس لَهُ. وَهُوَ مُخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال. وَقَالَ ابْن خَلاد بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام إِذا بلغ الْخمسين سنة، وَلَا يُنكر عِنْد الْأَرْبَعين. وَتعقب بِمن حدث قبلهَا كمالك. قَالَ المُصَنّف فِي " تَقْرِيره ": وَأجِيب عَنهُ بِأَن مُرَاده إِذا لم يكن هُنَاكَ أَمر يَقْتَضِي التحديث كَأَن لم يكن هُنَاكَ أمثل مِنْهُ، وَكَأن يكون قد صنف كتابا وَأُرِيد سَمَاعه. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 قَالَ الشَّيْخ قَاسم: فَإِذا لم يكن هُنَاكَ مَا يُوجب التحديث مِمَّا ذكر فالسن مَظَنَّة التأهل عِنْده. قَالَ الْمَنَاوِيّ هَذَا خصوه بِغَيْر (البارع الْمَطْلُوب مِنْهُ مُجَرّد الْإِسْنَاد، أما البارع فَلَا، فقد حدث مَالك وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة وشيوخه أَحيَاء، وَكَذَا الإِمَام الشَّافِعِي، وَحدث البُخَارِيّ وَمَا بِوَجْهِهِ شَعْرَة. انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 صفة كِتَابَة الحَدِيث وَمن المهم - أَيْضا - كِتَابَة الحَدِيث، وَهُوَ أَن يَكْتُبهُ مُبينًا مُفَسرًا، وَيشكل الْمُشكل (مِنْهُ) بِخِلَاف الْوَاضِح، قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَالصَّوَاب أَنه يشكل الْجَمِيع لخفائه على الْمُبْتَدِئ وَغير الْعَرَبِيّ، أَلا تراهم اخْتلفُوا فِي رفع / " ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه " ونصبه، وَكَذَا " لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 وَيَنْبَغِي أَن يكون اعتناؤه بضبط اللّبْس من الْأَسْمَاء أَكثر، لِأَنَّهُ نقل مَحْض لَا مدْخل للإفهام فِيهِ، مثل: بريد بِضَم الْمُوَحدَة فَإِنَّهُ يشْتَبه ببريد، وَلذَا قيل: أولى الْأَشْيَاء بالضبط أَسمَاء النَّاس لِأَنَّهُ لم يكن قبله وَلَا بعده مَا يدل عَلَيْهِ، وَلَا مدْخل للْقِيَاس فِيهِ. وينقطه، وَيكْتب السَّاقِط فِي الْحَاشِيَة الْيَمين مَا دَامَ فِي السطر بَقِيَّة. قَالَ بَعضهم: يَبْغِي أَن يكون مَحل ذَلِك إِذا كَانَ فِي الصفحة الْيَمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 (وَإِلَّا فَإِن كَانَ فِي الصفحة الْيُسْرَى) يَنْبَغِي أَن يكْتب فِي الْحَاشِيَة الْيُسْرَى إِلَّا أَن يكون الحاشيتان سَوَاء. وَإِلَّا بِأَن لم يبْق فِي السطر شَيْء فَفِي الْيُسْرَى يكْتب ذَلِك. وَصفَة عرضه وَهُوَ مُقَابلَته مَعَ الشَّيْخ المسمع، أَو مَعَ ثِقَة غَيره، أَو مَعَ نَفسه شَيْئا فَشَيْئًا. وَصفَة سَمَاعه بِأَن لَا يتشاغل بِمَا يخل بِهِ من نسخ أَو حَدِيث أَو نُعَاس. بِحَيْثُ لَا يفهمهُ. وَصفَة إسماعه كَذَلِك، وَأَن يكون ذَلِك من أَصله الَّذِي سمع فِيهِ، أَو من فرع قوبل على أَصله فَإِن تعذر فليخبره بِالْإِجَازَةِ لما خَالف إِن خَالف. وَسَوَاء كَأَن الأَصْل أَو الْفَرْع بيد الشَّيْخ أَو الْقَارئ أَو غَيرهمَا من الثِّقَات، فَإِن كَانَ بيد غير ثِقَة لم يَصح، أَو كَانَ الأَصْل غير تَامّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الوثوق بِهِ فليخبره / بِالْإِجَازَةِ لما خَالف مَا لم تكْثر الْمُخَالفَة، هَذَا إِذا لم يكن الشَّيْخ حَافِظًا لما قرئَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِن كَانَ السَّامع أَو المستمع ينْسَخ حَال الْقِرَاءَة فَابْن الْمُبَارك، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَآخَرُونَ على صِحَّته. وَمنعه أَبُو إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ قَالَ ابْن الْجَزرِي: وَالأَصَح أَنه إِن منع النّسخ وَنَحْوه فهمه للمقروء لم يَصح، وَإِلَّا صَحَّ، وَقد حضر الدَّارَقُطْنِيّ فِي حداثته إملاء وَهُوَ ينْسَخ فَقيل لَهُ: لَا يَصح سماعك. فَيرد لَهُم جَمِيع مَا أملاه الشَّيْخ عَن ظهر قلب، فعجبوا مِنْهُ. وَكَانَ المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى - يكْتب حَال الإسماع ويطالع مَعَ رده على الْقَارئ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وَكَانَ الْمزي يكْتب فِي السماع (وينعس) وَيرد مَعَ ذَلِك ردا جيدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 صفة الرحلة فِي طلب الحَدِيث وَصفَة الرحلة فِيهِ حَيْثُ يَبْتَدِئ بِحَدِيث أهل بَلَده فيستوعبه ثمَّ يرحل اسْتِحْبَابا وَهِي شدّ الرحل فَيحصل فِي الرحلة مَا لَيْسَ عِنْده من الْأَسَانِيد وَيكون اعْتِبَاره بتكثير المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشُّيُوخ. قَالَ الشمني: وَأما من اقْتصر على تَكْثِير الشُّيُوخ دون المسموع وَهُوَ صَنِيع جلّ أَصْحَابنَا محتجا بِمَا قيل: ضيع ورقة وَلَا تضيع شَيخا فقد ضيع الأَصْل، وَالْأولَى خِلَافه. انْتهى. ويبادر بِسَمَاع أصُول / الْإِسْلَام وَهِي الْكتب السِّتَّة، وَيقدم البُخَارِيّ مِنْهَا لأرجحيته على غَيره - كَمَا مر - واختصاص صَحِيحه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 بمزيد الصِّفَات. فَمُسلم لجمعه الطّرق فِي مَكَان وَاحِد على كَيْفيَّة حَسَنَة فَأَبُو دَاوُد لِكَثْرَة أَحْكَامه، وَمن ثمَّ قَالُوا يَكْفِي الْفَقِيه فَالتِّرْمِذِي لبيانه للمذاهب وإشارته لما فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث، وَالْحكم عَلَيْهَا. فالنسائي السّنَن الصُّغْرَى لإشارته للعلل، وَحسن إِيرَاده، وَقد توقف بَعضهم فِي إِلْحَاق ابْن مَاجَه بهم لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الضعْف بل الْمَوْضُوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 صفة تصنيف الحَدِيث وَصفَة تصنيفه بِأَن يتَصَدَّى لَهُ إِذا تأهل وَذَلِكَ يعْنى ترتيبه إِمَّا على المسانيد: بِأَن يجمع مُسْند كل صَحَابِيّ على حِدة، فَإِن شَاءَ رتبه على سوابقهم، وَإِن شَاءَ على حُرُوف المعجم وَهُوَ أسهل تناولا. أَو تصنيفه على الْأَبْوَاب الْفِقْهِيَّة أَو غَيرهَا بِأَن يجمع فِي كل بَاب مَا ورد فِيهِ مِمَّا يدل على حكمه إِثْبَاتًا أَو نفيا، وَالْأولَى أَن يقْتَصر على مَا صَحَّ أَو حسن، فَإِن جمع الْجَمِيع فليبين عِلّة الضعْف. قَالَ الشَّيْخ قَاسم:. . الِانْقِطَاع وَالْوَقْف وَنَحْوهمَا، فَقَالَ بعض من يدعى علم هَذَا الْفَنّ: ويبوب عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ هَذَا من تَقْرِير مَا ذكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 أَو تصنيفه على / الْعِلَل فيذكر الْمَتْن وطرقه وَبَيَان اخْتِلَاف نقلته، وَالْأَحْسَن أَن يرتبها على الْأَبْوَاب ليسهل تنَاولهَا. أَو تجميعه على الْأَطْرَاف، فيذكر طرف الحَدِيث الدَّال على بَقِيَّته، وَيجمع أسانيده إِمَّا مستوعبا وَإِمَّا متقيدا بكتب مَخْصُوصَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 معرفَة سَبَب الحَدِيث وَمن المهم معرفَة سَبَب الحَدِيث يَعْنِي السَّبَب الَّذِي لأَجله حدث النَّبِي بذلك الحَدِيث كَمَا فِي سَبَب نزُول الْقُرْآن الْكَرِيم. وَقد صنف فِيهِ بعض شُيُوخ القَاضِي أبي يعلى ابْن الْفراء الْحَنْبَلِيّ وَهُوَ أَبُو حَفْص العكبري بِضَم فَسُكُون وَفتح الْمُوَحدَة وَرَاء، نِسْبَة إِلَى عكبراء بلد على دجلة فَوق بَغْدَاد وَقد ذكر تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي أَوَائِل شرح الْعُمْدَة آخر الْكَلَام على حَدِيث " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " أَن أهل عصره شرع فِي جمع ذَلِك، وَكَأَنَّهُ مَا رأى تصنيف العكبري الْمَذْكُور. عبارَة ابْن دَقِيق الْعِيد: شرع ... . بعض الْمُتَأَخِّرين من أهل الحَدِيث هُوَ لَا يُنَافِي أَنه لم يكن اطلع على تصنيف العكبري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 لَا يُقَال: قَوْله شرع ظَاهر فِي ذَلِك. لأ (نَا) نقُول: يحمل أَن مُرَاده أَن بعض الْمُتَأَخِّرين مِمَّن تقدمه شرع فِي تصنيف وَلم يتمه فَلَا دلَالَة فِي ذَلِك على أَنه من أهل عصره. وصنفوا فِي / غَالب هَذِه الْأَنْوَاع على مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِيمَا تقدم فِي هَذَا الْكتاب غَالِبا أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه ترك الْإِشَارَة إِلَى بعض تِلْكَ الْأَنْوَاع وَهُوَ كَذَلِك، كَمَا تقدم بعض ذَلِك مَضْمُونا لكَلَامه. وَهِي أَي هَذِه الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الخاتمة نقل مَحْض بل وَكثير مِمَّا قبلهَا (نقل مَحْض) ظَاهِرَة التَّعْرِيف مستغنية عَن التَّمْثِيل، وحصرها متعسر أَو مُتَعَذر إِذْ لَا ضَابِط لَهَا تدخل تَحْتَهُ فَليُرَاجع لَهَا مبسوطاتها الْمشَار إِلَى كثير مِنْهَا فِيمَا تقدم ليحصل الْوُقُوف على حقائقها. وَالله الْمُوفق الْهَادِي إِلَى الصَّوَاب لَا غَيره لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب أَي ارْجع بِالتَّوْبَةِ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 ثمَّ قَالَ مُؤَلفه - متعنَا الله بحياته: وَقد انْتهى شرح شرح النخبة مَعَ انْتِهَاء شهر شعْبَان الْمُعظم قدره سنة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ بعد الْألف. ونسأل سر الْفَاتِحَة حسن الخاتمة، وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلى الله على من لَا نَبِي قبله وَلَا بعده. وَقد تمّ نسخه لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الْمُبَارك خلال سِتَّة أَيَّام من غرَّة ربيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 الأول سنة ألف وَمِائَة وَسَبْعَة عشر بعد الْألف على يَد أَضْعَف الْعباد: مصطفى بن مرتضى غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين. آمين /. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441