الكتاب: النكت على مقدمة ابن الصلاح المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: 794هـ) المحقق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج الناشر: أضواء السلف - الرياض الطبعة: الأولى، 1419هـ - 1998م عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي الزركشي، بدر الدين الكتاب: النكت على مقدمة ابن الصلاح المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: 794هـ) المحقق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج الناشر: أضواء السلف - الرياض الطبعة: الأولى، 1419هـ - 1998م عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [وَبِه أستعين] (1) [وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ] (2) [وَسلم] (3) [قَالَ شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن بهادر (4) بن عبد الله الزَّرْكَشِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ تغمده الله تَعَالَى برحمته] (5) الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى (6) منار الْإِسْلَام بِالسنةِ وَرفع بهَا عَن الْقُلُوب الأكنة (7) وحرس سَمَّاهَا بجهابذة (8) الْحفاظ من الأمراد (9) (10) الْجنَّة (11) وَالصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 على سيدنَا مُحَمَّد أشرف الْخلق وَقَائِدهمْ إِلَى الْجنَّة وعَلى آله وَصَحبه الَّذين جعلهم الله أَمَنَة (1) للنَّاس ومنة أما بعد فَلَمَّا كَانَت السّنة الْوَحْي الثَّانِي بعد الْمُتَشَابه المثاني (2) وَجب على كل ذِي [لب حفظهَا وَذكرهَا وَتَعْلِيمهَا ونشرها وَمن الْمعِين على ذَلِك] (3) معرفَة أوضاع أصطلح عَلَيْهَا حملتها ورسوم بَينهَا نقلتها [وَقد] (4) انتدبت (5) لجمع ذَلِك جمَاعَة وأجمعهم لَهُ (6) أَبُو عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي (7) وَأَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 [ابْن] (1) الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ (2) (3) وَأَبُو (مُحَمَّد) (4) الرامَهُرْمُزِي (5) (6) وَجَاء بعدهمْ الإِمَام أَبُو عَمْرو بن الصّلاح فَجمع مفرقهم وحقق طرقهم وأجلب بِكِتَابَة بَدَائِع الْعجب وأتى بالنكت (7) والنخب حَتَّى اسْتوْجبَ أَن يكْتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 بذوب الذَّهَب وَالنَّاس كالمجمعين على أَنه لَا يُمكن وضع مثله وقصارى أَمرهم اختصاره من أَصله وَأَخْبرنِي شَيخنَا الْعَلامَة مغلطاي - رَحمَه الله تَعَالَى - أَن بعض طلبة الْعلم من المغاربة كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ ذكر لَهُ أَن الشَّيْخ شمس الدّين بن اللبان وضع عَلَيْهِ تأليفا سَمَّاهُ إصْلَاح كتاب ابْن الصّلاح وَأَنه تطلب ذَلِك دهره فَلم يجده ثمَّ شرع الشَّيْخ عَلَاء الدّين فِي التنكيت وَسَماهُ بِالِاسْمِ الْمَذْكُور لكنه لَا يشفي الغليل وَإِنَّمَا تكلم على الْقَلِيل فاستخرت الله تَعَالَى فِي تَعْلِيق عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 فائق الْجمع شائق السّمع يكون لمستغلقه كالفتح ولمستبهمه كالشرح وَهُوَ يشْتَمل على أَنْوَاع الأول [بَيَان] مَا أشكل ضَبطه فِيهِ من الْأَسْمَاء والأنساب واللغات الثَّانِي حل مَا يعْقد فهمه الثَّالِث بَيَان قيوده واحترازاته فِي الرسوم والضوابط الرَّابِع التَّعَرُّض لتتمات أُمُور مهمة أغفلها الْخَامِس التَّنْبِيه على أَوْهَام وَقعت لَهُ فِي النَّقْل السَّادِس اعتراضات وأسئلة لَا بُد مِنْهَا السَّابِع مَا هُوَ الْأَصَح فِي أُمُور أطلقها الثَّامِن أُمُور مُسْتَقلَّة هِيَ بِالذكر أهم مِمَّا ذكره وقصدت بذلك الرُّجُوع إِلَيْهِ عِنْد أَوْقَات درسي ومراجعتي لنَفْسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وَالله أسأَل أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مقرنا بالفوز لجنات النَّعيم بمنه وَكَرمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الصَّلَاة على ديباجة (1) الْكتاب 1 - (قَوْله) وَآل كل وَلم يقل وآلهم تَحَرُّزًا من خلاف من منع إِضَافَته إِلَى الْمُضمر (2) 2 - (قَوْله) هَذَا (3 للدخول فِي غَرَض آخر وَنَظِيره فِي التَّخَلُّص قَوْله تَعَالَى {هَذَا وَإِن للطاغين لشر مآب} (3) الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وَلَعَلَّ هَذَا السَّبَب فِي أَن المُصَنّف لم يذكر أما بعد وَإِن ورد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولهَا فِي خطْبَة (1) - (قَوْله) يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال وفحلوتهم (3 عَن الزُّهْرِيّ (2) روينَاهُ من طَرِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الدينَوَرِي فِي كتاب المجالسة فَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة ثَنَا الرياشي عَن أبي يَعْقُوب الْخطابِيّ عَن عَمه قَالَ قَالَ ابْن شهَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الزُّهْرِيّ والْحَدِيث ذكر يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال ويكرهه مؤنثوهم قَالَ أَبُو مُحَمَّد أَرَادَ الزُّهْرِيّ أَن الحَدِيث أرفع الْعلم وأجله خطرا كَمَا أَن الذُّكُور أفضل من الْإِنَاث (وَإِلَيْهِ يمِيل الرِّجَال) وَأهل التَّمْيِيز مِنْهُم يحبونه وَلَيْسَ كالرأي السخيف الَّذِي يُحِبهُ سخفاء [الرِّجَال] فَضرب التَّذْكِير فِي التَّأْنِيث لذَلِك مثلا وَكَذَلِكَ شبه ابْن مَسْعُود فَقَالَ هُوَ ذكر فذكروه أَي جليل خطير فأجلوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بالتذكير وَنَحْوه الْقُرْآن فخم ففخموه انْتهى وَأنْشد الإِمَام أَبُو الْحسن سعد الْخَيْر الْأنْصَارِيّ فِي كتاب شرف أَصْحَاب الحَدِيث لبَعْضهِم (رحلت أطلب [أصل] الْعلم مُجْتَهدا ... وزينة الْمَرْء فِي الدُّنْيَا الْأَحَادِيث) (لَا يطْلب الْعلم إِلَّا بازل ذكر ... وَلَيْسَ يبغضه إِلَّا المخانيث) وَرَأَيْت بَعضهم ذكر فِي قَوْله الزُّهْرِيّ ذكر أَنه يرْوى بِكَسْر الذَّال وتسكين الْكَاف (ع 2) [ويروى بِفَتْحِهَا وَالْأول غَرِيب غير لَائِق بِاللَّفْظِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَفِي قَول المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى - من أفضل الْعُلُوم مَا يشْعر بِأَن غَيره يُشَارِكهُ فِي الْأَفْضَلِيَّة وَقد أطلق غَيره أَفضَلِيَّة علم الحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي فِي أول النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين وَقَالَ حَفْص بن غياث وَقد قيل لَهُ أَلا تنظر إِلَى أَصْحَاب الحَدِيث وَمَا هم فِيهِ فَقَالَ هم خير أهل الدُّنْيَا وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش إِنِّي لأرجو أَن يكون أَصْحَاب الحَدِيث خير النَّاس قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ صدقا جَمِيعًا كَيفَ [لَا] يكون كَذَلِك وَقد نبذوا الدُّنْيَا بأسرها وَرَاءَهُمْ وَجعلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 غذاءهم الْكِتَابَة وسمرهم الْمُعَارضَة واسترواحهم المذاكرة وخلوقهم المداد ونومهم السهاد فعقولهم بلذاذة السّنة غامرة وَقُلُوبهمْ بِالرِّضَا فِي الْأَحْوَال عامرة وَقَالَ فِي الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ وَقد ذكر حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي زَكَاة الْغنم - وَقد كَانَ إمامنا شُعْبَة يَقُول فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر فِي الْوضُوء لِأَن يَصح لي مثل هَذَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ من نَفسِي وَمَالِي قَالَ (أ 2) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الْحَاكِم وَذَاكَ حَدِيث فِي صَلَاة التَّطَوُّع فَكيف بِهَذِهِ السّنَن الَّتِي (هِيَ قَوَاعِد الْإِسْلَام) وَقَالَ الرّبيع سَمِعت الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول طلب الْعلم أفضل من صَلَاة النَّافِلَة قَالَ الرَّافِعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فِي شرح الْمسند كَأَن المُرَاد طلب علم الْآثَار ليؤخذ بهَا وتتبع وَقد اشْتهر عَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علمك يتعداك وعملك لَا يتعداك 4 - (قَوْله) ويعنى بِهِ قلت يعْنى من الْأَفْعَال اللَّازِمَة لبِنَاء الْمَفْعُول مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْمَاضِي قَالَ فِي الْمُحكم يُقَال عناه الْأَمر واعتنى بِالْأَمر وعني قَالَ والعناية مَا يهم بِهِ الرجل هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وعَلى هَذَا فَلَا يُؤْتى مِنْهُ بِصِيغَة أفعل (د 3) قَالَ الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الْجَوْهَرِي وَإِذا أمرت [مِنْهُ] قلت لتعن بحاجتي وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا لُغَتَانِ عني وعني وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا صَاحب الغريبين قَالَ يُقَال عنيت بِأَمْرك فَأَنا معني لَك وعنيت بِأَمْرك أَيْضا فَأَنا عان وَقَالَ المطرزي فِي اليواقيت يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 عنيت بحاجتك وعنيت بحاجتك على بنية الْفَاعِل وهما لُغَتَانِ فصيحتان قَالَ وعنيت المبنية للْمَفْعُول أصح وَفِي الحَدِيث أَنه قَالَ لرجل لقد عني الله بك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَي حفظ دينك 5 - (قَوْله) إِلَّا رذالتهم وسفلتهم الرذالة بِضَم الرَّاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ الرَّدِيء والرذل الدون الخسيس قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة رجل رذل ومرذول وَهُوَ الدون فِي الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 منظره وحالاته وَقد رذل رذولة ورذالة ورذل ورذل وَقوم أرذال والسفلة - بِفَتْح السِّين وَكسر الْفَاء - هم السقاط من النَّاس قَالَ الْجَوْهَرِي وَلَا يُقَال هُوَ سفلَة لِأَنَّهَا جمع والعامة تَقول رجل سفلَة من قوم سفل قَالَ ابْن السّكيت وَبَعض يُخَفف فَيَقُول سفلَة فينقل كسرة الْفَاء إِلَى السِّين وَكسر الْفَاء وَهُوَ اسْم جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 6 - (قَوْله) لَا سِيمَا قَالَ ثَعْلَب يلحنون فِيهِ لحنات يحذفون الْوَاو مِنْهُ وحرف النَّفْي ويحققون تاءه وَلَا يجوز اسْتِعْمَاله إِلَّا كَمَا جَاءَ فِي قَوْله وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 لَكِن ذكر غَيره أَنَّهَا تخفف وتحذف الْوَاو كَقَوْلِه ( [فه] بِالْعُقُودِ وبالأيمان لَا سِيمَا ... عقد (وَفَاء بِهِ) من أعظم القر) بل قَالَ السخاوي يجوز حذف النَّفْي مِنْهُ قِيَاسا على قَوْله تَعَالَى {تالله تفتأ} أَي لَا تفتؤ وَيجوز فِي قَول المُصَنّف لَا سِيمَا الْفِقْه جر الْفِقْه على الْإِضَافَة وَمَا زَائِدَة وَرَفعه على أَنه خبر لمضمر مَحْذُوف وَمَا مَوْصُولَة أَي وَلَا مثل الَّذِي هُوَ الْفِقْه وَلَا يجوز النصب إِمَّا حَال أَو تَمْيِيز وَلَا يكونَانِ إِلَّا فِي النكرَة وَهُوَ هُنَا معرفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَبِالثَّلَاثَةِ رُوِيَ الْبَيْت السَّابِق لِأَن مَا بعْدهَا نكرَة 7 - [ (قَوْله) عَظِيما عَظِيمَة جموع طلبته] أما عَظِيما فنصبه لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَأما عَظِيمَة فَفِي نَصبه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه خبر ثَان لَكَانَ ثَانِيهمَا أَنه بدل مِمَّا قبله وساغ ذَلِك وَإِن كَانَ عَظِيمَة مؤنثا لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مُذَكّر] واكتسب التَّأْنِيث مِمَّا بعده أَو لِأَنَّهُ جرى على غير من هُوَ لَهُ وجموع مَرْفُوع بعظيمة لِأَنَّهُ صفة مشبهة فَيعْمل عمل الْفِعْل وَأَصله مُعظم جموع حَملته وَلَقَد كَانَ شَأْن الحَدِيث فِيمَا مضى عَظِيما عَظِيمَة جموع طلبته رفيعة مقادير حفاظه وَحَمَلته قلت وَهَذَا شَيْء كالمتواتر عِنْد من نظر تراجمهم وأحوالهم قَالَ أَبُو سعد الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء حَدثنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الطاهري بِبَغْدَاد أَنا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الْحَافِظ ثَنَا أَبُو مُحَمَّد الْخلال قَالَ ذكر أَبُو الْقَاسِم مَنْصُور ابْن جَعْفَر بن ملاعب أَن إِسْمَاعِيل بن عَليّ العاصمي حَدثهمْ ثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 عمر بن حَفْص قَالَ وَجه المعتصم من يحزر مجْلِس عَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم فِي رحبة النّخل الَّتِي فِي جَامع الرصافة قَالَ وَكَانَ عَاصِم بن عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 يجلس على سطح المسقطات وينتشر النَّاس فِي الرحبة وَمَا يَليهَا فيعظم الْجمع جدا حَتَّى سمعته يَوْمًا يَقُول ثَنَا اللَّيْث بن سعد ويستعاد فَأَعَادَ أَربع عشرَة مرّة وَالنَّاس لَا يسمعُونَ قَالَ وَكَانَ هَارُون الْمُسْتَمْلِي يركب نَخْلَة معوجة ويستملي عَلَيْهَا فَبلغ المعتصم كَثْرَة الْجمع فَأمر من يحزرهم فَوجه بقطاعي الْغنم فحزروا الْمجْلس عشْرين ألفا وَمِائَة ألف ثمَّ روى أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 يجلس بِبَغْدَاد ويجتمع فِي مَجْلِسه أَكثر من عشْرين ألفا وَقَالَ ابْن عدي كُنَّا نشْهد مجْلِس الْفرْيَابِيّ وَفِيه عشرَة آلَاف وَأكْثر قَالَ وبخط وَالِدي عد فِي مجْلِس السَّيِّد أبي الْحسن الْعلوِي ألف محبرة قَالَ فرحم الله تَعَالَى السّلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الماضين كَانَ الْعلم مَطْلُوبا فِي زمانهم والرغبات متوافرة والجموع متكاثرة والآن خمدت ناره وَقل شراره وكسد سوقه حَتَّى سَمِعت أَبَا حَفْص عمر بن ظفر المغازلي - مذاكرة - يَقُول (أ 3) فَرغْنَا من إملاء الشَّيْخ أبي الْفضل بن يُوسُف فطلبنا محبرة نكتب مِنْهَا أسامي من حضر فَمَا وجدنَا انْتهى قلت فزماننا هَذَا الَّذِي كسد فِيهِ الْعلم وبار وَوَلَّتْ عساكره الأدبار فَكَأَنَّهُ برق تألق بالحمى ثمَّ انطوى مَكَانَهُ لم يلمع وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف من تَعْظِيم حَملته فَهُوَ أشهر من أَن يذكر قَالَ عَبْثَر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الْقَاسِم أشرفت أم ولد هَارُون الرشيد بالرقة ذَات يَوْم من الْقصر فرأت الغبرة قد ارْتَفَعت وَالنعال قد انْقَطَعت وانجفل النَّاس فَقَالَت مَا هَذَا قَالُوا عَالم من خُرَاسَان يُقَال لَهُ عبد الله بن الْمُبَارك قَالَت هَذَا وَالله الْملك لَا ملك هَارُون الَّذِي لَا يجمع النَّاس إِلَّا بِالسَّوْطِ والخشب وروينا عَن الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بِإِسْنَادِهِ إِلَى يحيى بن أَكْثَم قَالَ لي الرشيد مَا أنبل الْمَرَاتِب قلت مَا أَنْت فِيهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أفتعرف أجل مني قلت لَا قَالَ لكني أعرف رجلا فِي حَلقَة يَقُول حَدثنَا فلَان عَن فلَان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا خير مِنْك وَأَنت ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَولي عهد الْمُسلمين قَالَ نعم وَيلك هَذَا خير مني لِأَن اسْمه مقترن باسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَمُوت أبدا وَنحن نموت ونفنى وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن العميد يَقُول مَا كنت أَظن أَن فِي الدُّنْيَا حلاوة ألذ من الرِّئَاسَة والوزارة الَّتِي أَنا فِيهَا حَتَّى شاهدت مذاكرة سُلَيْمَان بن أَحْمد الطَّبَرَانِيّ وَأبي بكر بن الجعابي بحضرتي فَكَانَ الطَّبَرَانِيّ يغلب ابْن الجعابي بِكَثْرَة حفظه (د 4) وَأَبُو بكر الجعابي يغلب الطَّبَرَانِيّ بفطنته وذكائه حَتَّى ارْتَفَعت أصواتهما وَلَا يكَاد أَحدهمَا يغلب صَاحبه فَقَالَ ابْن الجعابي عِنْدِي حَدِيث لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عِنْدِي فَقَالَ هاته فَقَالَ حَدثنَا أَبُو خَليفَة ثَنَا سُلَيْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ابْن أَيُّوب فَحدث بِالْحَدِيثِ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ أَنا سُلَيْمَان بن أَيُّوب ومني سمع أَبُو خَليفَة فاسمع مني حَتَّى يَعْلُو إسنادك فَإنَّك تروي عَن أبي خَليفَة عني فَخَجِلَ ابْن الجعابي وغلبه الطَّبَرَانِيّ [فوددت أَن الوزارة لم تكن وَكنت أَنا الطَّبَرَانِيّ] وفرحت مثل الَّذِي فَرح الطَّبَرَانِيّ (ع 3) قلت رَوَاهُ الْخَطِيب قَالَ حَدثنِي أَبُو النجيب عبد الْغفار بن عبد الْوَاحِد الأرموي سَمِعت الْحسن بن عَليّ الْمُقْرِئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 سَمِعت ابْن فَارس فَذكره قَالَ وَأَنا بِالْحَدِيثِ أَبُو نعيم الْحَافِظ حَدثنِي أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن مُوسَى الملحمي أَنا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب ثَنَا سُلَيْمَان ابْن أَحْمد بن أَيُّوب اللَّخْمِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر نَا عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثَنَا وهب ابْن جرير عَن أَبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ لما توفّي أَبُو طَالب خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاشِيا على قَدَمَيْهِ إِلَى الطَّائِف فَدَعَاهُمْ إِلَى الله فَلم يُجِيبُوهُ فَأتى ظلّ شَجَرَة فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ضعف قوتي الحَدِيث 8 - (قَوْله) وأفنان فنونه ببقائهم غضة الأفنان جمع فنن والأفانين جمع الْجمع قَالَ فِي الصِّحَاح وَهِي أَجنَاس الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الْكَلَام وطرقه والفنون جمع فن وَهُوَ النَّوْع وأفنت الشَّجَرَة صَارَت ذَات أفنان أَي أَغْصَان 9 - (قَوْله) ومغانية بأَهْله آهلة المغاني - بالغين الْمُعْجَمَة - كَذَا الرِّوَايَة عَن خطّ الْمُؤلف وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَ بهَا أهلوها وأحدها مُغنِي كَذَا قَالَه فِي الصِّحَاح وعَلى هَذَا فاستعمال المُصَنّف فِيهِ تجوز بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ 10 - (قَوْله) إِنَّمَا هم شرذمة بإعجام الذَّال (أ 4) وَيجوز إهمالها قَالَه ابْن دحْيَة الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 11 - (قَوْله) لَا تعنى على الْأَغْلَب فِي تحمله بِأَكْثَرَ من سَمَاعه غفلا وَلَا تتعنى فِي تَقْيِيده بِأَكْثَرَ من كِتَابَته عطلا قلت الظَّاهِر أَن غفلا وعطلا حالان من الْفَاعِل وَهُوَ إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَا جمعين بِتَأْوِيل غافلين وعاطلين وَلَيْسَ كَذَلِك بل هما من صِفَات الْمُفْرد وَيجمع غفل على أغفال كقفل وأقفال هَذَا هُوَ الْمَنْقُول فِي اللُّغَة وَفِي الصِّحَاح أَرض غفل لَا علم بهَا وَلَا أثر عمَارَة وَقَالَ الْكسَائي أَرض غفل لم تمطر وَرجل غفل لم يجرب الْأُمُور وَيحْتَمل أَن ينزل كَلَام المُصَنّف على أَنَّهُمَا حالان من الْمَفْعُول وَهُوَ المسموع أَي خاليتين وعطل - بِضَمَّتَيْنِ - وَيجوز إسكان الطَّاء وَمَعْنَاهُ الْخُلُو من الشَّيْء وأصل الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 اسْتِعْمَاله فِي الخلي وَيُقَال عطل من المَال وَالْأَدب فَهُوَ عطل وَأَشَارَ المُصَنّف بذلك إِلَى أَن الإقتصار على السماع وَالْكِتَابَة أدنى درجاته وَقد بَين [الإِمَام] الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو شامة الْمَقْدِسِي مَا المُرَاد بِعلم الحَدِيث فَقَالَ فِي كِتَابه المقتفى فِي مبعث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُلُوم الحَدِيث الْآن ثَلَاثَة أشرفها حفظ متونه وَمَعْرِفَة غريبها وفقهها وَالثَّانِي حفظ أسانيدها وَمَعْرِفَة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها وَهَذَا كَانَ مهما وَقد كفيه المشتغل بِالْعلمِ بِمَا صنف وَألف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الْكتب فَلَا فَائِدَة تَدْعُو إِلَى تَحْصِيل مَا هُوَ حَاصِل وَالثَّالِث جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وَطلب الْعُلُوّ فِيهِ والرحلة إِلَى الْبلدَانِ والمشتغل بِهَذَا مشتغل عَمَّا هُوَ الأهم من علومه النافعة فضلا عَن الْعَمَل بِهِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب الأول قَالَ تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} إِلَّا أَن هَذَا لَا بَأْس بِهِ للبطالين لما فِيهِ من إبْقَاء سلسلة العنعنة الْمُتَّصِلَة بأشرف الْبشر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَمِمَّا يزهد فِي ذَلِك أَن فِيهِ يتشارك الصَّغِير وَالْكَبِير والبليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 والفاهم وَالْجَاهِل والعالم وَقد قَالَ الْأَعْمَش [حَدِيث يتداوله الْفُقَهَاء أحب إِلَيّ من] حَدِيث يتداوله الشُّيُوخ وَلَام إِنْسَان أَحْمد - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - فِي حُضُور مجْلِس الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَتَركه مجْلِس سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَقَالَ لَهُ أَحْمد - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - اسْكُتْ فَإِن فاتك حَدِيث بعلو تَجدهُ بنزول وَلَا يَضرك وَإِن فاتك عقل هَذَا الْفَتى أَخَاف أَلا تَجدهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وَسُئِلَ الجعابي أَكَانَ ابْن صاعد يحفظ فَقَالَ لَا يُقَال لأبي مُحَمَّد كَانَ يحفظ كَانَ يدْرِي انْتهى وَقَالَ ابْن يُونُس فِي شرح التَّعْجِيز إِذا أوصِي للمحدث تنَاول من علم طرق إِثْبَات الحَدِيث وعدالة رِجَالهمْ لِأَن من اقْتصر على السماع فَقَط لَيْسَ بعالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَقَالَ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان - وَكَانَ من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن رِوَايَة ودراية - (ع 4) وَلَقَد سلك أهل هَذِه الْبِلَاد فِي سَماع الحَدِيث طَرِيقا غير الطَّرِيق الَّتِي سلكها أهل الأندلس من سماعهم على الْعَوام الْجَاهِلين مَا يقْرَأ عَلَيْهِم وعَلى الْفُسَّاق والمتظاهرين بِالْفِسْقِ ويسمعون بِقِرَاءَة اللحانين الَّذين لَا يُقِيمُونَ الْإِعْرَاب فَيدْخلُونَ فِي حَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَأما نَحن فِي بِلَادنَا فَلَا نسْمع الحَدِيث وَلَا نرويه إِلَّا عَن أهل الْعلم وَالْعَدَالَة وبقراءة المعربين وَلَا يحضر الْأَطْفَال السماع حَتَّى يكون الشَّخْص مِنْهُم يعقل مَا يسمع وَيفهم أَكْثَره وكل مشتغل بِعلم من الْعُلُوم فَلَا بُد أَن يتَحَقَّق بِهِ أَو يكثر مِنْهُ إِلَّا أهل الحَدِيث فَإِن أَكْثَرهم عوام وَلم يمثل أحد مِنْهُم بَين يَدي عَالم وَلَا مقرئ وَلَا نحوي وَلَا لغَوِيّ وَلَا أديب وَلَا عروضي وَلَا فَقِيه وَلَا أصولي إِنَّمَا ينشأ الْوَاحِد مِنْهُم وَقد علم الْخط من الْكتاب فيعلقه عَامي مثله بِسَمَاع الحَدِيث وتطول قِرَاءَته [بِحَيْثُ] يحصل لَهُ أَنه إِذا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله بِالرَّفْع وَإِذا قَالَ إِن فَيَقُول رَسُول الله بِالنّصب من كَثْرَة مَا يرد لَهُ (أ 5) ذَلِك فِي قِرَاءَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الحَدِيث فَإِذا أَكثر من السماع لحقه من الزهو وَالْكبر مَا جعله يَعْلُو بِهِ (د 5) على الأفاضل وَالْعُلَمَاء وَصَارَ لَهُ تَمْيِيز عَليّ الصّبيان الَّذين يسمعهم وَأكْثر علمه أَن يعرف أَن الْجُزْء الْفُلَانِيّ يرويهِ الشَّيْخ الْعَاميّ فلَان وَأَن موفقيه مثلا انْفَرَدت بِالسَّمَاعِ عَن الثِّقَات وَابْن دِينَار وَأَن فَخر الدّين بن البُخَارِيّ آخر من حدث بِالْإِجَازَةِ عَن أبي طَالب الخشوعي وَنَحْو ذَلِك من غير حفظ لإسناد وَلَا متن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَلَا بحث فِي مُشكل والفاضل مِنْهُم الْكَبِير الْقدر هُوَ الَّذِي يفرق بَين بعض مَا يشكل كعيينة وعتيبة وبريد وَيزِيد وهيهات لَيْسَ علم الحَدِيث هَذَا فَقَط أَلا ترى إِلَى محدثي الصَّدْر الأول كَيفَ كَانُوا فِي مفاوتهم كسفيان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَيحيى بن معِين وأنظارهم وَبعد هَذَا كُله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَإنَّا لما وردنا مصر وجدناهم يروون عَن كل من دب ودرج فسلكنا مسلكهم وانتظمنا فِي سلكهم فسمعنا على من سمعُوا وروينا عَمَّن رووا وَيُقَال إِذا كنت فِي قوم عور فغمض عَيْنك حَتَّى تعد أَعور وَقد أَنْشدني أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم السيحاني لنَفسِهِ (إِن الَّذِي يروي وَلكنه ... يجهل مَا يروي وَمَا يكْتب) (كصخرة تنبع أمواهها ... تَسْقِي الْأَرَاضِي وَهِي لَا تشرب) هَذَا آخر كَلَام الشَّيْخ وَقَالَ الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ فِي تذكرة الْحفاظ قَالَ سُفْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 (الثَّوْريّ) لَيْسَ طلب الحَدِيث من عدَّة الْمَوْت لكنه علم يتشاغل بِهِ الرِّجَال صدق فِيمَا قَالَ لِأَن طلب الحَدِيث شَيْء غير الحَدِيث فَطلب الحَدِيث اسْم عرفي لأمور [زَائِدَة على] تَحْصِيل مَاهِيَّة الحَدِيث وَكثير مِنْهَا مراقي إِلَى الْعلم وأكثرها أُمُور شغف بهَا الْمُحدث من تَحْصِيل النّسخ المليحة وتطلب [الْإِسْنَاد] العالي وتكثير الشُّيُوخ والفرح بِالْأَلْقَابِ (وَالثنَاء) وتمني الْعُمر الطَّوِيل ليروي وَحب التفرد إِلَى أُمُور عديدة لَازِمَة للأغراض النفسانية لَا للأعمال الربانية فَإِذا كَانَ طَلَبك للْحَدِيث النَّبَوِيّ محفوفا بِهَذِهِ الْآفَات فَمَتَى خلاصك مِنْهَا إِلَى الْإِخْلَاص وَإِذا كَانَ [طلب] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 علم الْآثَار مَدْخُولا فَمَا ظَنك (بِعلم الْمنطق والجدل وَحِكْمَة الْأَوَائِل) الَّتِي تنكث الْإِيمَان وتورث الشكوك الَّتِي لم تكن - وَالله - فِي عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بل كَانَت علومهم الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه انْتهى وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء أَنا أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن بنت منيع قَالَ سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل أَن يكْتب [كتابا إِلَى سُوَيْد بن سعيد الحدثاني فَكتب هَذَا رجل يكْتب] الحَدِيث فَقلت يَا أَبَا عبد الله لَو كتبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 من أهل الحَدِيث فَقَالَ أهل الحَدِيث عندنَا من يسْتَعْمل الحَدِيث وَقَالَ عَمْرو بن قيس الْملَائي (ع 5) إِذا بلغك شَيْء من الحَدِيث فاعمل بِهِ وَلَو مرّة تكن من أَهله وَقَالَ وَكِيع إِذا أردْت أَن تحفظ الحَدِيث فاعمل بِهِ وَقَالَ بشر بن الْحَارِث الحافي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 يَا اصحاب الحَدِيث أَدّوا زَكَاة [هَذَا] الحَدِيث اعْمَلُوا من كل مِائَتي حَدِيث بِخَمْسَة أَحَادِيث وَسُئِلَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح بن سيد النَّاس عَن حد الْمُحدث والحافظ فَأجَاب بِأَن الْمُحدث فِي عصرنا هُوَ من اشْتغل بِالْحَدِيثِ رِوَايَة ودراية وَكِتَابَة واطلع على كثير من الروَاة وَالرِّوَايَات فِي عصره وتبصر بذلك حَتَّى حفظه واشتهر فِيهِ ضَبطه فَإِن انبسط فِي ذَلِك وَعرف أَحْوَال من تقدم شُيُوخه وشيوخ شيوخهم طبقَة طبقَة بِحَيْثُ تكون السَّلامَة من الْوَهم فِي الْمَشْهُورين غالبة وَيكون مَا يُعلمهُ من أَحْوَال الروَاة كل طبقَة أَكثر مِمَّا يجهله فَهَذَا حَافظ وَأما مَا نقل عَن الْمُتَقَدِّمين فِي ذَلِك من سَعَة الْحِفْظ فِيمَن (أ 6) يُسمى حَافِظًا والدأب فِي الطّلب الَّذِي لَا يسْتَحق الطَّالِب أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 يُطلق عَلَيْهِ مُحدث إِلَّا بِهِ كَمَا قَالَ بَعضهم كُنَّا لَا نعد صَاحب حَدِيث من لم يكْتب عشْرين ألف حَدِيث إملاء [فَذَلِك بِحَسب أزمنتهم] قلت وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي نصر الْحُسَيْن بن عبد الْوَاحِد الشِّيرَازِيّ قَالَ الْعَالم الَّذِي يعرف الْمَتْن والإسناد جَمِيعًا والفقيه الَّذِي يعرف الْمَتْن وَلَا يعرف الْإِسْنَاد والحافظ الَّذِي يعرف الْإِسْنَاد [وَلَا يعرف الْمَتْن والراوي الَّذِي لَا يعرف الْمَتْن وَلَا يعرف الْإِسْنَاد] وَلَعَلَّ هَذَا اصْطِلَاح خَاص وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه الْجَامِع الْوَصْف بِالْحِفْظِ على الْإِطْلَاق ينْصَرف إِلَى أهل الحَدِيث خَاصَّة وَهُوَ سمة لَهُم لَا يتعداهم وَلَا يُوصف بهَا أحد سواهُم لِأَن الرَّاوِي يَقُول حَدثنَا فلَان الْحَافِظ فَيحسن مِنْهُ إِطْلَاق ذَلِك إِذا كَانَ مُسْتَعْملا عِنْدهم يُوصف [بِهِ] عُلَمَاء أهل النَّقْل ونقادهم وَلَا يَقُول الْقَارئ لَقَّنَنِي فلَان الْحَافِظ وَلَا يَقُول الْفَقِيه درسني فلَان الْحَافِظ وَلَا يَقُول النَّحْوِيّ عَلمنِي فلَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الْحَافِظ فَهِيَ أَعلَى صِفَات الْمُحدثين وأسمى دَرَجَات الناقلين من وجدت فِيهِ قبلت اقاويله وَسلم لَهُ تَصْحِيح الحَدِيث وتعليله غير أَن الْمُسْتَحقّين لَهَا يقل معدودهم ويعز بل يتَعَذَّر وجودهم [فهم] فِي قلتهم بَين المنتسبين إِلَى مقالتهم أعز من مَذْهَب السّنة بَين سَائِر الأراء والنحل [و] أقل من عدد الْمُسلمين فِي مُقَابلَة جَمِيع أهل الْملَل 12 - (قَوْله) وَهَذِه فهرست أَنْوَاعه قلت يَقُولُونَ فهرست - بِفَتْح السِّين - وَجعل التَّاء فِيهِ للتأنيث ويقفون عَلَيْهَا بِالْهَاءِ وَالصَّوَاب كَمَا قَالَه ابْن مكي فِي تثقيف اللِّسَان فهرست - بِإِسْكَان السِّين - وَالتَّاء فِيهِ أَصْلِيَّة وَمَعْنَاهَا [فِي اللُّغَة] جملَة الْعدَد [للكتب] لَفْظَة الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فارسية وَاسْتعْمل النَّاس فِيهَا فهرس الْكتب يفهرسها فهرسة مثل دحرج وَإِنَّمَا الفهرست اسْم جملَة الْمَعْدُود والفهرسة الْمصدر كالفدلكة يُقَال فدلكت الْحساب إِذا وقفت على جملَته وَاعْلَم أَن هَذِه الْأَنْوَاع خَمْسَة وَسِتُّونَ ثمَّ قَالَ إِنَّه يقبل التنويع لأكْثر من ذَلِك وَفِيه أُمُور أَحدهَا أَنه قد يدعى رُجُوع بَعْضهَا إِلَى بعض فَيحصل التَّدَاخُل فَيدْخل تَحت الصَّحِيح الْمُتَّصِل والمسند وَالْمَرْفُوع والمعلل والشاذ وَالْمُنكر وَكَذَلِكَ الْمَرَاسِيل الْخَفي إرسالها - نوع من الْمُرْسل - وَكَذَلِكَ المدرج - وَهُوَ نوع من التَّدْلِيس - وَكَذَلِكَ الْأَفْرَاد ترجع إِلَى الشاذ وَزِيَادَة الثِّقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَيُجَاب بِأَنَّهُ لما كَانَ فِي مقَام تَعْرِيف الجزئيات انْتَفَى التَّدَاخُل لاخْتِلَاف حقائقها فِي أَنْفسهَا بِالنِّسْبَةِ (د 6) إِلَى الِاصْطِلَاح وَإِن كَانَت ترجع إِلَى قدر مُشْتَرك الثَّانِي أَنه لم يرتب الْجَمِيع على نسق وَاحِد فِي الْمُنَاسبَة فَإِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر بعد الْمسند الْمُنْقَطع والمرسل والمعضل وَيذكر الْمَشْهُور والغريب والعزيز قبل أَحْوَال الروَاة وَغير ذَلِك الثَّالِث أَنه أهل أنواعا أخر قَالَ الْحَازِمِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فِي كتاب العجالة [اعْلَم] أَن علم الحَدِيث (ع 6) يشْتَمل على أَنْوَاع كَثِيرَة تقرب من مائَة نوع وكل نوع مِنْهَا علم مُسْتَقل لَو أنْفق الطَّالِب فِيهِ عمره لما أدْرك نهايته لَكِن الْمُبْتَدِئ يحْتَاج أَن يستطرف من كل نوع لِأَنَّهَا أصُول الحَدِيث انْتهى وَأَقُول الأول من لم يرو إِلَّا عَن شخص وَاحِد وَهَذَا اظرف من عَكسه الَّذِي ذكره وأندر وَمن ذَلِك عبد الحميد بن أبي الْعشْرين عَن الْأَوْزَاعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَمِنْه عَاصِم بن ضَمرَة قَالَ الْبَزَّار فِي مُسْنده لَا نعلمهُ روى إِلَّا عَن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ صَالح الحَدِيث وَمِنْه صَيْفِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ يروي عَن أبي السَّائِب فِي قتل الْحَيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قَالَ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة (أ 7) إِلَّا عَن أبي السَّائِب قلت قد روى عَن أبي الْيُسْر السّلمِيّ خرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَالنَّسَائِيّ فِي الدُّعَاء وَمِنْه عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثَوْر يروي عَن ابْن عَبَّاس وَعنهُ الزُّهْرِيّ من رجال الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْخَطِيب فِي مكمله لَا أعلم روى عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ وَلَا أعلمهُ حدث عَن غير ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الثَّانِي رِوَايَة الصَّحَابَة بَعضهم عَن بعض وَقد أدرجه المُصَنّف فِي المدبج ثمَّ هُوَ على قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يُنَبه عَلَيْهِ عِنْد رِوَايَته وَهُوَ كثير الثَّانِي أَن لَا يُنَبه حِينَئِذٍ وَلَكِن إِذا سُئِلَ عَنهُ ذكره كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيمَن أصبح جنبا فَلَا صَوْم لَهُ لما سُئِلَ عَنهُ أَحَالهُ على الْفضل بن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وكحديث ابْن عَبَّاس إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة (1) لما سُئِلَ عَنهُ أَحَالهُ على أُسَامَة ابْن زيد (2) وَفَائِدَة معرفَة هَذَا النَّوْع دفع توهم من لَا معرفَة لَهُ كَون الرَّاوِي عَن الصَّحَابِيّ تابعيا (3) وَقد يكون فِي السَّنَد ثَلَاثَة من الصَّحَابَة يروي بَعضهم عَن بعض كَرِوَايَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان عَن مَالك بن يخَامر - وَقد أثبت لَهُ جمَاعَة الصُّحْبَة - عَن معَاذ بن جبل حَدِيث لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي الحَدِيث وَهُوَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الصَّحِيح وَقد يكون فِي السَّنَد أَرْبَعَة كالحديث الَّذِي أخرجه الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد عَن حويطب بن عبد الْعُزَّى عَن [عبد الله] بن السَّعْدِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 عَن عمر - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا آتاك الله من هَذَا المَال من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فاقبله ثمَّ قَالَ وَفِي هَذَا الحَدِيث أَرْبَعَة من الصَّحَابَة روى بَعضهم عَن بعض بِإِسْنَاد صَحِيح وَلَا نعلمهُ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث انْتهى والْحَدِيث فِي الصَّحِيح ويضاف إِلَيْهِ حَدِيث ويل للْعَرَب من شَرّ قد اقْترب فَإِنَّهُ من رِوَايَة أَرْبَعَة من الصَّحَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 قَالَ أَبُو عَليّ الغساني فِي تَقْيِيد المهمل وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح رِوَايَة أَرْبَعَة من الصَّحَابَة غَيرهَا وللحافظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد جُزْء فِيمَن اجْتمع فِيهِ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة وَأما خَمْسَة فَلم يُوجد غير حَدِيث وَاحِد رَوَاهُ عَمْرو بن الْعَاصِ عَن عُثْمَان بن عَفَّان عَن عمر بن الْخطاب عَن أبي بكر الصّديق عَن بِلَال - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَوْت كَفَّارَة لكل مُسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَفِيه رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَفِيه رِوَايَة ثَلَاثَة من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الثَّالِث رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين وَقد أدرجه المُصَنّف فِي رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَقد صنف الْخَطِيب فِيهِ كتابا وَبلغ عَددهمْ نَحْو الْعشْرين وَمن مَشْهُور ذَلِك مَا أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - عَن أم كُلْثُوم بنت أبي بكر عَن عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - أَن رجلا سَأَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [عَن الرجل يُجَامع أَهله ثمَّ يكسل - وَعَائِشَة جالسة - فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأَفْعَل ذَلِك أَنا وَهَذِه ثمَّ نغتسل] وَأم كُلْثُوم تابعية ولدت بعد موت أَبِيهَا - رَضِي الله عَنْهُمَا الرَّابِع رِوَايَة التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَهَذَا النَّوْع لَيْسَ مَا يَقُول فِيهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَة ويذكره وَمِنْه حَدِيث من يرد هوان قُرَيْش أهانه الله أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب (ع 7) بِإِسْنَاد فِيهِ خَمْسَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض الْخَامِس معرفَة من أشترك من رجال الْإِسْنَاد فِي فقه أَو بلد أَو إقليم وَهَذَا النَّوْع نَافِع فِي التَّرْجِيح عِنْد التَّعَارُض فَإِن رِوَايَة أهل الْبَلَد بَعضهم عَن بعض أولى (أ 8) من رِوَايَة أهل الْبَلَد عَن غَيرهم وَمن ثمَّ كَانَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش حجَّة فِي الشاميين لأَنهم أهل بَلَده دون الْحِجَازِيِّينَ وَرجح الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه حَدِيثا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 التَّيَمُّم بذلك السَّادِس معرفَة أَسبَاب الحَدِيث قيل وَقد صنف ابْن الْجَوْزِيّ فِيهِ تصنيفا وَلم يكمله كنظير أَسبَاب نزُول الْقُرْآن الْكَرِيم وَهُوَ من أهم أَنْوَاع علم الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَإِنَّمَا زل كثير من الروَاة ووهموا لما لم يقفوا على ذَلِك وَقد ردَّتْ عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - على الأكابر من الصَّحَابَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - بِسَبَب إغفالهم سَبَب الحَدِيث فَإِن قيل أَي فَائِدَة لهَذَا النَّوْع من أَن الْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ لَا بِخُصُوص السَّبَب قيل فَائِدَته عدم تَخْصِيص مَحل السَّبَب أَو فهم الْمَعْنى من السِّيَاق كَمَا فِي حَدِيث ولد الزِّنَا شَرّ الثَّلَاثَة أَو غير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَمِنْه حَدِيث اتِّخَاذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا من فضَّة وَجعل نقشه مُحَمَّد رَسُول الله لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتابا أَو أَرَادَ أَن يكْتب فَقيل لَهُ إِنَّهُم لَا يعْرفُونَ كتابا إِلَّا مَخْتُومًا فَاتخذ خَاتمًا من فضَّة نقشه مُحَمَّد رَسُول الله كَأَنِّي أنظر إِلَى بياضه ثمَّ السَّبَب قد ينْقل فِي الحَدِيث كَمَا فِي حَدِيث سُؤال جِبْرِيل عَن الْإِيمَان وَحَدِيث الْقلَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَقد لَا ينْقل فَهُوَ الَّذِي يجب الاعتناء بِهِ كَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة أَخْرجَاهُ من جِهَة زيد بن ثَابت وَهُوَ على سَبَب أخرجه ابْن مَاجَه عَن عبد الله (د 7) بن سعد قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا أفضل الصَّلَاة فِي بَيْتِي أَو الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد قَالَ أَلا ترى إِلَى بَيْتِي مَا أقربه من الْمَسْجِد فَلِأَن أُصَلِّي فِي بَيْتِي أحب إِلَيّ من أَن أُصَلِّي فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَن تكون صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 مَكْتُوبَة السَّابِع معرفَة التَّارِيخ الْمُتَعَلّق بِالْمَتْنِ وَهُوَ نَافِع فِي أَمر النَّاسِخ والمنسوخ كَمَا فِي حَدِيث حجامة الصَّائِم وَنَحْوهَا وَمن فَوَائده معرفَة ابْتِدَاء مَشْرُوعِيَّة الحكم فَيظْهر بذلك حَال مَا قبله وَقد جعلُوا أَسمَاء الرِّجَال المبهمة فِي الْأَسَانِيد والمتون من فنون الحَدِيث وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا فَنًّا آخر يجمع إِلَيْهِ أَمْثَاله من المبهمات الَّتِي لَيست فِي أَسمَاء الرِّجَال كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 سفر عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - وَانْقِطَاع عقدهَا فَإِنَّهُ ورد مُبْهما وَبَين فِي كتب التواريخ وكما فِي سفر جَابر - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الْجمل فَإِنَّهُ جَاءَ مُبْهما وَجَاء فِي رِوَايَة أَقبلنَا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَيَنْبَغِي الاعتناء بِهَذَا النَّوْع لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِهِ فَوَائِد علمية فِي بعض الْأَحَادِيث الثَّامِن معرفَة تفَاوت الروَاة لقَولهم هُوَ دون فلَان وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي مثل فلَان وَغير ذَلِك مِمَّا يدل على نَقصه بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره وَهَذَا الْفَنّ يحْتَاج إِلَيْهِ فِي بَاب التَّرْجِيح عِنْد اخْتِلَاف الرِّوَايَة وَلَيْسَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الْقدح فِي الرِّوَايَة الَّتِي لم تتعارض فِي شَيْء قَالَ الشَّيْخ فِي شرح الْإِلْمَام وَهَذَا النَّوْع من الحَدِيث يَنْبَغِي أَن يعْقد لَهُ بَاب أَو يفرد لَهُ تصنيف ويعد فِي عُلُوم الحَدِيث بل هُوَ من أجلهَا للْحَاجة إِلَيْهِ فِي التَّرْجِيح وَلست أذكر الْآن أَنه فعل ذَلِك انْتهى وَقد يُقَال بِرُجُوعِهِ إِلَى معرفَة طَبَقَات الروَاة وَقد أفردوه التَّاسِع معرفَة الْأَوَائِل والأواخر كَقَوْلِه أول مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصادقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَقد صنف فِيهِ الطَّبَرَانِيّ والعسكري وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة جملَة من ذَلِك الْعَاشِر معرفَة الْأَصَح وَهُوَ يعْتَبر بمعنيين أَحدهمَا أَن يكون رَوَاهُ الْعَالم الثِّقَة عَن الْعَالم الثِّقَة لِأَنَّهُ (ع 8) قد يشْتَهر بالتوثيق من لَيْسَ بعالم الثَّانِي أَن يكون مُعْتَبرا بِمَا ورد فِي ذَلِك الْمَعْنى من الْأَحَادِيث فِي الطَّهَارَة مثلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أَبُو البيع أَو النِّكَاح مِمَّا يجمعها بَاب وَاحِد فَيكون هُوَ أصح من غَيره فِي ذَلِك الْبَاب خَاصَّة وينفع هَذَا فِي بَاب التراجم الْحَادِي عشر الْجمع بَين معنى الحَدِيث وَمعنى الْقُرْآن وانتزاع مَعَاني الحَدِيث من الْقُرْآن وَذكر الشَّيْخ فِي شرح الْإِلْمَام أَن بعض أكَابِر صوفية الْمغرب اعتنى بذلك [وَجمعه] مثل مَا قَالَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْكَبَائِر شتم الرجل وَالِده قَالُوا يَا رَسُول الله هَل يشْتم الرجل وَالِديهِ قَالَ نعم يسب أَبَا الرجل فيسب أَبَاهُ ويسب أمه فيسب أمه قَالَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى {وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون الله فيسبوا الله عدوا بِغَيْر علم} وَمثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَمن قتل نَفسه بحديدة الحَدِيث قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {هَل تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ) وَقَوله تَعَالَى {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى الَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ} وَمثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعطي الرجل وَغَيره أحب إِلَيّ مِنْهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضَّة} الْآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَمثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمن يَأْكُل فِي معاء وَاحِد وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا يتمتعون ويأكلون كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام} وَقَوله {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا} الثَّانِي عشر الْكَلِمَات المفردة الَّتِي اخترعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَقَوْلِه فِي غَزْوَة أَوْطَاس الْآن حمى الْوَطِيس وَذَلِكَ حِين اسعرت الْحَرْب والوطيس نقرة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 حجر توقد حوله النَّار فيطبخ بِهِ اللَّحْم والوطيس التَّنور أَيْضا وَقَوله مَاتَ حتف أَنفه قَالَهَا فِي فضل من مَاتَ فِي سَبِيل الله رَوَاهُ عَنهُ عبد الله بن عتِيك قَالَ وَمَا سَمِعت هَذِه الْكَلِمَة من أحد من الْعَرَب قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ قَالَهَا لأبي عزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الجُمَحِي يَوْم أحد وَمِنْهَا لَا ينتطح فِيهَا عنزان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قَالَه حِين قتلت العصمي بنت مَرْوَان قَتلهَا بَعْلهَا لِأَنَّهَا كَانَت تسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشهد أَن دَمهَا هدر قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَمن هَا هُنَا يستنبط اصل التسجيل فِي الْفِقْه لِأَنَّهُ قد أشهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 على نَفسه [الشَّرِيفَة] صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإمضاء الحكم الثَّالِث عشر معرفَة الْأَمَاكِن واختلافها وَضبط أسمائها وَقد تصدى الْحَازِمِي لإفراد ذَلِك بمصنف حافل وَمِمَّا يبْعَث على معرفَة ذَلِك أَن الْمُزنِيّ - من أَصْحَاب الشَّافِعِي - احْتج على من أصبح صَائِما مُقيما ثمَّ سَافر جَازَ لَهُ الْفطر بِحَدِيث جَابر - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَام الْفَتْح إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان فصَام حَتَّى بلغ كرَاع الغميم فصَام النَّاس ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء فشربه أخرجه مُسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 قَالُوا وَهَذَا من الْمُزنِيّ وهم ظن أَن كرَاع الغميم خَارج الْمَدِينَة قَرِيبا وَلَيْسَ كَذَلِك بل بَين الْمَدِينَة وَبَينه مسيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام وَالْمرَاد من الحَدِيث أَنه صَامَ أَيَّامًا فِي سَفَره ثمَّ أفطر وَمن العجيب فِي ذَلِك مَا وَقع لصَاحب الْإِحْيَاء حَيْثُ اسْتحبَّ الْإِجَابَة لدَعْوَة الطَّعَام وَإِن بعد الْمَكَان قَالَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو دعيت إِلَى كرَاع الغميم لَأَجَبْت وَالَّذِي فِي الصَّحِيح وَلَو دعيت إِلَى كرَاع لَأَجَبْت من غير تَقْيِيد بالغميم وَالْمرَاد كرَاع الشَّاة الَّذِي يسمونه النَّاس بالكارع بِدَلِيل قَوْله قبله لَو أهدي إِلَيّ ذِرَاع لقبلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فَائِدَة أول مَا يَنْبَغِي أَن يتَكَلَّم فِي الحَدِيث كَمَا قَالَه ابْن دحْيَة على النَّاقِل وتعديله ثمَّ فِي مَتنه وتأويله وَإِذا تكلم فِي النَّاقِل فَلَا بُد من بَيَان اسْمه وَاسم أَبِيه وَنسبه لِئَلَّا (ع 9) يشْتَبه الروَاة وَقد تتفق الْأَسْمَاء وتختلف النّسَب فَيَقَع التباين باختلافهما كطلحة بن يحيى وَطَلْحَة بن يحيى أَحدهمَا قرشي وَالْآخر أَنْصَارِي زرقي وَمَا أقبح بِالرجلِ أَن يَقُول عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارئ - مَهْمُوز - فينسبه إِلَى الْقِرَاءَة وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَى القارة وَإِذا علم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْمُحدث الْأَنْسَاب كَانَ متحرزا من تغييرها متثبتا لَدَى (د 8) تكريرها وَحدث رجل عَن ابْن عَائِشَة عَن سعيد الْجريرِي فَقيل لَهُ فَقَالَ بقلة دينه كَانَ يَبِيع الجرار ثمَّ صَار يَبِيع الْجَرِير فَقيل لَهُ هَذَا رجل من الْعَرَب من بني جرير فَقَالَ فعل الله بالعرب مَا أقبح أسماءها وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عَليّ الغساني فِي كتاب شرف الْمُحدثين وَقد خص الله تَعَالَى هَذِه الْأمة بِثَلَاثَة اشياء لم يُعْطهَا من قبلهَا الْإِسْنَاد وَالْإِعْرَاب والأنساب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 (النَّوْع الأول) 13 - (قَوْله) اعْلَم علمك اله وإياي قيل كَانَ يَنْبَغِي أَن يعكس فَإِن السّنة فِي الْبدَاءَة بِالدُّعَاءِ بِنَفسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن نوح وَإِبْرَاهِيم - عَلَيْهِمَا السَّلَام - {رب اغْفِر لي ولوالدي} وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ عَن أبي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ذكر أحدا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفسِهِ قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح قلت يحْتَمل أَن يكون الْآيَة والْحَدِيث محمولين على مَا إِذا كَانَ الْمَدْعُو بِهِ وَاحِدًا وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الدُّعَاء للمتعلم بِأَصْل التَّعْلِيم وللمعلم بِالزِّيَادَةِ على مَا علمه وَلِهَذَا قدم الدُّعَاء للمتعلم لِأَنَّهُ أحْوج مِمَّن علم وَأما قَول من قَالَ إِن هَذَا الحَدِيث مُطلق يُقَيِّدهُ الحَدِيث الآخر وَكَانَ إِذا الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ذكر احدا من الْأَنْبِيَاء بَدَأَ بِنَفسِهِ رَحْمَة الله علينا وعَلى أخي هَذَا فمردود لِأَن الأول عَام لوُقُوعه نكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط وَالثَّانِي ذكر فِيهِ بعض أَفْرَاد الْعَام وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص على الصَّحِيح ثمَّ هُوَ مُشكل بِالْحَدِيثِ الآتيرحم الله مُوسَى وَقَالَ النَّخعِيّ كَانُوا يَقُولُونَ إِذا دَعَوْت فابدأ بِنَفْسِك فَإنَّك لَا تَدْرِي فِي أَي دعائك يُسْتَجَاب لَك فقد بَين الْعلَّة فِي ذَلِك وَقد ترْجم البُخَارِيّ فِي كتاب الدَّعْوَات على من خص أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دون نَفسه وَإِذا جَازَ الْإِفْرَاد فَلِأَن يجوز التَّقْدِيم عِنْد الِاجْتِمَاع من بَاب أولى وَأورد قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اغْفِر لِعبيد بن عَامر اللَّهُمَّ اغْفِر لعبد الله بن قيس ذَنبه وَقَالَ فِي عَامر بن الْأَكْوَع يرحمه الله وَقَالَ فِي أنس اللَّهُمَّ أَكثر مَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَولده وَبَارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته وَقَالَت عَائِشَة سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا [يقْرَأ] فِي الْمَسْجِد فَقَالَ رَحمَه الله لقد اذْكُرْنِي كَذَا وَكَذَا آيَة اسقطتهن وَقَالَ يرحم الله مُوسَى لقد أوذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر وَهَذِه الاحاديث كلهَا تدل على أَن حَدِيث التِّرْمِذِيّ السَّابِق لَيْسَ على عُمُومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَبِه يحصل الْجَواب عَن المُصَنّف 14 - (قَوْله) إِن الحَدِيث عِنْد أَهله يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف وَفِيه أَمْرَانِ أَحدهمَا قد اعْترض عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحصْر فَإِنَّهُ سَيَأْتِي انقسامه أَيْضا إِلَى مُرْسل ومنقطع ومعضل وَمَوْقُوف وَغير ذَلِك من الْأَنْوَاع وَالظَّاهِر أَنه لما كَانَ كل قسم يدْخل تَحْتَهُ الْمُتَّصِل والمسند وَالْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والضعيف يدْخل تَحْتَهُ الْمُنْقَطع والمرسل والمعضل والمضطرب والمعلل والشاذ وَالْمُنكر [سَاغَ لَهُ ذَلِك] لَكِن كَانَ يَنْبَغِي لَهُ التَّصْرِيح بأنواع كل قسم من هَذِه الثَّلَاثَة وحاول الإِمَام أَبُو زيد عبد الصَّمد الديلمي فِي غَايَة الْوُصُول إِلَى أَحَادِيث الرَّسُول دفع هَذَا السُّؤَال بطرِيق آخر فقسم أقسامه إِلَى قسمَيْنِ نوعية وصنفية قَالَ فالنوعية ثَلَاثَة الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف والصنفية الحديث: 14 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الْمسند الْمُتَّصِل الْمَرْفُوع الْمَوْقُوف الْمَقْطُوع الْمُنْقَطع إِلَى آخِره قَالَ وَابْن الصّلاح جعل الْكل أنواعا وَلَا شكّ أَن تَقْسِيم الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف هُوَ التَّقْسِيم الأول وَهُوَ النوعي وتقسيم الحَدِيث [إِلَى] الْمُرْسل والشاذ والمعلل وَغَيرهَا تَقْسِيم ثَان فَهُوَ الْقسم الصنفي كَمَا إِذا قلت الْعِبَادَة إِمَّا بدنية أَو مَالِيَّة فالبدنية (ع 10) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم والمالية كَالزَّكَاةِ وكل وَاحِد من الْبَدَنِيَّة والمالية يَنْقَسِم إِلَى أَقسَام أُخْرَى مثل انقسام الصَّلَاة وَالصَّوْم إِلَى فرض وَنفل وَكَذَلِكَ الْمَالِيَّة إِلَى زَكَاة الْفَرْض والتطوع وَإِلَى زَكَاة المَال وَزَكَاة الْفطر وَكَذَا انقسام الزَّكَاة إِلَى كَونهَا من النَّقْدَيْنِ أَو الْمَوَاشِي أَو الْحَيَوَان فالتقسيم الأول نَوْعي وَالثَّانِي وَالثَّالِث صنفي وَالتَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن تَأْخُذ الشَّيْء الْعَام الَّذِي لَا يتَصَوَّر فَوْقه أَعم مِنْهُ ثمَّ تقسمه إِلَى الْأَقْسَام الَّتِي تحْتَمل بِالْقِسْمَةِ الأولية كَمَا تعمد إِلَى الْمُمكن وَتقول الْمُمكن إِمَّا جَوْهَر أَو عرض لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون وجوده تَابعا لمحل مِنْهُ أَولا فَإِن كَانَ الأول فَهُوَ الْعرض وَإِن لم يكن وجوده تَابعا لمحل فإمَّا أَلا يكون فِي مَحل أصلا كالمجردات أَو يكون فِي مَحل لَيْسَ وجوده تَابعا لمحله كالجسمانيات كالسماء وَالْأَرْض والأرضيات تَنْقَسِم إِلَى الجماد والنبات وَالْحَيَوَان وكل وَاحِد من الجماد والنبات وَالْحَيَوَان من أَقسَام الأرضيات وَالْحَيَوَان يَنْقَسِم إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الْإِنْسَان وَالْفرس وَغَيرهمَا فَهَذِهِ كلهَا أَقسَام الْأَقْسَام فالقسم الأول يُسمى أقساما نوعية والبواقي تسمى أقساما صنفية والأصوليون قسموه إِلَى ثَلَاثَة قَوْله وَفعله وَتَقْرِيره وَهَذَا تَقْسِيم لَهُ بِاعْتِبَار حُدُوده وتقسيم الْمُحدثين بِاعْتِبَار الْقُوَّة والضعف وَقد يكون لَهُ تقسيمات باعتبارات مُخْتَلفَة فَهُوَ منقسم بِالْقِسْمَةِ الأولية إِلَى الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا الأصوليون وبالثانية إِلَى الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا المحدثون وبالثالثة إِلَيّ أَقسَام كل مِنْهَا الثَّانِي مَا ادَّعَاهُ من انقسامه عِنْد أهل الحَدِيث إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام حَكَاهُ - فِي أول كَلَامه على الْحسن - عَن الْخطابِيّ وَقد نازعه الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَقَالَ إِنَّمَا هَذَا اصْطِلَاح لِلتِّرْمِذِي خَاصَّة وَأَن غير التِّرْمِذِيّ من أهل الحَدِيث كَافَّة الحَدِيث عِنْدهم إِمَّا صَحِيح وَإِمَّا ضَعِيف والضعيف عِنْدهم مَا انحط عَن دَرَجَة الصَّحِيح ثمَّ (أ 11) قد يكون ضَعِيفا متروكا وَهُوَ أَن يكون راوية مُتَّهمًا اَوْ سيئ الْحِفْظ وَقد يكون حسنا وَهَذَا معنى قَول أَحْمد بن حَنْبَل الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف أولى من الْقيَاس يُرِيد بالضعيف الْحسن الثُّلُث وَهَذَا كَمَا فِي ضعف الْمَرِيض فَتَارَة يكون ضعفه قَاطعا لَهُ فَيكون صَاحب فرَاش عطاياه من الثُّلُث وَتارَة لَا يكون قَاطعا لَهُ فَيكون عطاياه من رَأس المَال كوجع الضرس وَالْعين وَالرَّأْس وَلِهَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد ذكرت فِي كتابي هَذَا الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ وَمَا يُقَارِبه وَلم يذكر إِلَّا نَوْعَيْنِ انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 قلت وَذكر الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب الرَّد على الْجِرْجَانِيّ أَن الرشيد لما امتحن الشَّافِعِي قَالَ لَهُ (د 9) كَيفَ علمك بِالسنةِ قَالَ أعرف مِنْهَا الْمَنْقُول بالتواتر وَمَا يُوجب الْعَمَل من اخبار الْآحَاد وأميز مِنْهَا بَين الصَّحِيح الَّذِي يجب قبُوله والسقيم الَّذِي لَا يجب قبُوله وَيجب رده والمتوسط [الَّذِي] يتَوَقَّف فِيهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فِي رسَالَته للجويني الْأَحَادِيث المروية على ثَلَاثَة أَنْوَاع نوع اتّفق أهل الْعلم على صِحَّته وَنَوع اتَّفقُوا على ضعفه وَنَوع اخْتلفُوا فِي ثوبته فبعضهم يضعف رُوَاته بِجرح ظهر لَهُ خَفِي على غَيره أَو لم يظْهر لَهُ من عَدَالَته مَا يُوجب قبُول خَبره وَقد ظهر لغيره أَو عرف مِنْهُ معنى يُوجب عِنْده رد خَبره وَذَلِكَ الْمَعْنى لَا يُوجِبهُ عِنْد غَيره أَو عرف أَحدهمَا عِلّة حَدِيث ظهر مِنْهَا انْقِطَاعه اَوْ انْقِطَاع بعض أَلْفَاظه إِمَّا إدراج لفظ من أَلْفَاظ من رَوَاهُ فِي مَتنه أَو دُخُول إِسْنَاد حَدِيث فِي إِسْنَاد غَيره خفيت تِلْكَ الْعلَّة على غَيره فَإِذا علم هَذَا وَعرف معنى [من] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 رد مِنْهُم [خَبرا] [أَو قبُول] من قبله [مِنْهُم] هداه الْوُقُوف عَلَيْهِ والمعرفة بِهِ إِلَى اخْتِيَار أصح الْقَوْلَيْنِ 15 - (قَوْله) فِي حد الصَّحِيح وَهُوَ مَا اتَّصل سَنَده احْتَرز بِهِ عَن الَّذِي (ع 11) لَا يتَّصل سَنَده كالمنقطع والمرسل والمعضل لَيْسَ صَحِيحا وَهَذَا صَحِيح على رَأْي من لَا يقبل الْمُرْسل الْبَتَّةَ وَأما من يقبله بِشَرْطِهِ الْآتِي كالشافعي فَلَا وَيرد على مَفْهُومه الحَدِيث الْمُعَلق وَهُوَ الَّذِي حذف من أول إِسْنَاده وَاحِد فَأكْثر فَلهُ حكم الصَّحِيح مَعَ أَنه لَيْسَ بِمُتَّصِل إِلَّا أَن يُقَال لَا بُد فِيهِ من الِاتِّصَال فِي طَرِيق آخر الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 16 - (وَقَوله) بِنَقْل الْعدْل احْتَرز بِهِ عَمَّا اتَّصل سَنَده بِغَيْر الْعدْل وَهُوَ قِسْمَانِ أَحدهمَا الْحسن فَإِنَّهُ اتَّصل سَنَده لَكِن لَا يَخْلُو عَن مَسْتُور لم تثبت عَدَالَته الثَّانِي مَا اتَّصل سَنَده بِنَقْل غير الْعدْل فَإِنَّهُ ضَعِيف 17 - (قَوْله) الضَّابِط خرج عَنهُ من لَيْسَ بضابط وَهُوَ من كثرت مُخَالفَته لرِوَايَة الثِّقَات المتقنين وَخرج عَنهُ أَيْضا من لَيْسَ بضابط وَلكنه لم يبعد عَن دَرَجَة الضَّابِط فَإِنَّهُ إِذا روى حَدِيثا كَانَ حسنا وَلم يكن صَحِيحا لِأَن من شَرط الصَّحِيح أَن يكون رَاوِيه ضابطا وَالْحَاصِل أَنه لَا بُد فِي مُسَمّى الصَّحِيح من اجْتِمَاع الْأَمريْنِ وهما عَدَالَة الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الرَّاوِي وَضَبطه فَإِن انتفيا فَهُوَ الضَّعِيف الْمَرْدُود وَإِن وجد أَحدهمَا فَقَط فَإِن كَانَ الضَّبْط دون الْعَدَالَة فَهُوَ ضَعِيف أَيْضا لِأَن الْعَدَالَة هِيَ الرُّكْن الْأَكْبَر فِي الرِّوَايَة لكنه أقوى مِمَّا انْتَفَى مِنْهُ الْأَمْرَانِ وَرُبمَا صلح للاستشهاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَالِاعْتِبَار وَله رتبتان إِحْدَاهمَا أَن يكون الضَّبْط مَعْلُوما مَشْهُورا الثَّانِيَة أَلا يكون مَعْلُوم الْعَدَم بِمَثَابَة المستور فِي الْعَدَالَة والرتبة الأولى أقوى من الثَّانِيَة [وَإِن كَانَت الْعَدَالَة دون الضَّبْط فَهُوَ أقوى من عَكسه لِأَن اعْتِبَار الْعَدَالَة فِي الرَّاوِي أقوى] من تَأْثِير الضَّبْط بِدَلِيل أَن الْكذَّاب لَا تقبل رِوَايَته وَالْعدْل الضَّعِيف الضَّبْط تقبل لَكِن يحْتَاج إِلَى مقو فَيقبل الحَدِيث لعدالة رَاوِيه لَكِن يتَوَقَّف فِيهِ - لعدم ضَبطه - على شَاهد مُتَّصِل يجْبر مَا فَاتَ من صفة الضَّبْط ثمَّ فِي هَذَا الْحَد أُمُور أَحدهَا اشتماله على الإسهاب وَلَو قَالَ بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة لاستغنى عَمَّا ذكر لِأَن ذَلِك معنى الثِّقَة الثَّانِي مَا سَنذكرُهُ فِي الثَّالِث من الحَدِيث الْحسن أَن الرَّاوِي الصدوق (أ 12) الَّذِي لم يبلغ دَرَجَة أهل الْحِفْظ والإتقان إِذا رُوِيَ حَدِيثه من وَجه آخر يرتقي من دَرَجَة الْحسن إِلَى الصِّحَّة فَهَذَا صَحِيح مَعَ أَنه لَيْسَ فِيهِ شَرط الصَّحِيح الْمَذْكُور هَا هُنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الثَّالِث خُرُوج الصَّحِيح الْمُخْتَلف فِيهِ عَن هَذَا التَّعْرِيف تَنْبِيه نَازع بَعضهم فِي تَعْرِيف الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف بِحَدّ أَو رسم وَقَالَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام القدماء أَنه لَا يعرف بذلك بل بِمَا نَص عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث فِي تصانيفهم إِمَّا بتصريحه فِي كل حَدِيث كدأب التِّرْمِذِيّ أَو بِالْتِزَام ذكر الصَّحِيح كالبخاري وَمُسلم وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان والمستخرجات على الصَّحِيح قلت وأيا مَا كَانَ فالتحديد مقتنص من استقراء كَلَامهم فِي ذَلِك فَلَا معنى لإنكاره وَأما قَول بَعضهم الحَدِيث الصَّحِيح هُوَ الَّذِي يجوز الْعَمَل بِهِ فَهَذَا تَعْرِيف للشَّيْء بِحكمِهِ وَأَيْضًا يدْخل فِيهِ الْحسن بل وَبَعض أَقسَام الضَّعِيف انْتهى 18 - (قَوْله) وَلَا يكون شاذا أَي من شَرط الحكم على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ الا يكون شاذا والشاذ أَن يروي الحديث: 18 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الثِّقَة حَدِيثا مُخَالفا لرِوَايَة من هُوَ أحفظ مِنْهُ [وأضبط] هلا اكْتفى بقوله الضَّابِط عَن قَوْله وَلَا يكون شاذا لِأَن الضَّبْط عبارَة عَن مُوَافقَة الثِّقَات فِيمَا يَرْوُونَهُ فَإِن خالفهم لم يكن ضابطا وَهَذَا معنى الشاذ فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن مُخَالفَة الثِّقَات على قسمَيْنِ غالبة ونادرة فَمَتَى خَالف الثِّقَات فِيمَا رَوَاهُ غَالِبا لم يكن حَافِظًا وَمَتى خالفهم نَادرا وَلَو فِي حَدِيث وَاحِد كَانَت مُخَالفَته شذوذا فَاحْتَاجَ المُصَنّف أَن يذكر فِي حد الصَّحِيح السَّلامَة من الشذوذ وَكَون الرَّاوِي ضابطا فَإِن قيل (ع 12) هلا اكْتفى بِذكر السَّلامَة من الشذوذ عَن اشْتِرَاط الضَّبْط فِي الرَّاوِي لِأَن الشاذ هُوَ الْفَرد الْمُخَالف وإخلال الضَّبْط يُوجد لمُخَالفَة الثِّقَات غَالِبا فَحَيْثُ جعلنَا الشذوذ يمْنَع من الحكم على الحَدِيث بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُخَالفَة فِي فَرد وَاحِد فبطريق أولى أَن يمْنَع من خَالف فَفِي أَفْرَاد كَثِيرَة غالبة على رِوَايَة الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي قيل إِنَّه يحصل بِهِ اختلال الضَّبْط فَالْجَوَاب أَنه أَرَادَ أَن ينص عَلَيْهَا حَتَّى يعلم ذَلِك بطرِيق الْمَنْطُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 19 - (قَوْله) وَلَا مُعَللا الْعلَّة عبارَة عَن سَبَب غامض قَادِح مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة [مِنْهُ] كَالْعلمِ بِأَن الرَّاوِي غلط فِيهِ أَو لم يسمع من الَّذِي حدث بِهِ عَنهُ وَبَعْضهمْ أطلق الْمُعَلل على إرْسَال حَدِيث وَصله الثِّقَة الضَّابِط وَجعل من اقسام الصَّحِيح [الصَّحِيح] الْمُعَلل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الاقتراح وَفِي هذَيْن الشَّرْطَيْنِ نظر الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 على مُقْتَضى مَذْهَب الْفُقَهَاء فَإِن كثيرا من الْعِلَل الَّتِي يُعلل بهَا المحدثون لَا تجْرِي على أصُول [الْفُقَهَاء] وَقَالَ فِي شرح الْإِلْمَام الَّذِي تَقْتَضِيه قَوَاعِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء أَن الْعُمْدَة فِي تَصْحِيح الحَدِيث على عَدَالَة الرَّاوِي وجزمه بالرواية [ونظرهم يمِيل إِلَى اعْتِبَار التجويز الَّذِي يُمكن مَعَه صدق الرَّاوِي] وَعدم غلطه فَمَتَى حصل ذَلِك وَجَاز أَلا يكون غَلطا وَأمكن الْجمع بَين رِوَايَته وَرِوَايَة من خَالفه (د 10) يُوَجه من الْوُجُوه الْجَائِزَة لم يتْرك حَدِيثه وَأما أهل الحَدِيث فَإِنَّهُم قد يروون الحَدِيث من رِوَايَة الثِّقَات الْعُدُول ثمَّ تقوم لَهُم علل فِيهِ تمنعهم من الحكم بِصِحَّتِهِ كمخالفة جمع كثير لَهُ أَو من هُوَ أحفظ مِنْهُ أَو قيام قرينَة تُؤثر فِي أنفسهم غَلَبَة الظَّن بغلطة وَلم يجر ذَلِك على قانون وَاحِد يسْتَعْمل فِي جَمِيع الْأَحَادِيث وَلِهَذَا أَقُول إِن من حكى عَن أهل الحَدِيث أَو أَكْثَرهم أَنه إِذا تعَارض رِوَايَة مُرْسل ومسند أَو وَاقِف وَرَافِع أَو نَاقص وزائد أَن الحكم للزائد فَلم نجد (هَذَا فِي) الْإِطْلَاق فَإِن ذَلِك لَيْسَ قانونا مطردا وبمراجعة أحكامهم الْجُزْئِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 يعرف صَوَاب مَا نقُول وَأقرب النَّاس إِلَى اطراد هَذِه الْقَوَاعِد بعض أهل الظَّاهِر انْتهى وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْحصار الأندلسي فِي تقريب المدارك على موطأ مَالك إِن للمحدثين أغراضا فِي طريقهم احتاطوا فِيهَا وبالغوا فِي الِاحْتِيَاط وَلَا يلْزم (أ 13) الْفُقَهَاء اتباعهم على ذَلِك كتعليلهم الحَدِيث الْمَرْفُوع بِأَنَّهُ قد رُوِيَ مَوْقُوفا أَو مُرْسلا وكطعنهم فِي الرَّاوِي إِذا انْفَرد بِالْحَدِيثِ أَو بِزِيَادَة فِيهِ أَو لمُخَالفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 من هُوَ أعدل مِنْهُ وأحفظ قَالَ وَقد يعلم الْفَقِيه صِحَة الحَدِيث بموافقة الْأُصُول أَو آيَة من كتاب الله تَعَالَى فيحمله ذَلِك على قبُول الحَدِيث وَالْعَمَل بِهِ واعتقاد صِحَّته وَإِذا لم يكن فِي سَنَده كَذَّاب فَلَا بَأْس بِإِطْلَاق القَوْل بِصِحَّتِهِ إِذا وَافق كتاب الله تَعَالَى وَسَائِر أصُول الشَّرِيعَة وَقَالَ ابْن عبد الْبر سَأَلَ التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 صَحِيح قَالَ وَمَا أَدْرِي مَا هَذَا من البُخَارِيّ وَأهل الحَدِيث لَا يحتجون بِمثل إِسْنَاده وَلَكِن الحَدِيث عِنْدِي صَحِيح من جِهَة أَن الْعلمَاء تلقوهُ بِالْقبُولِ قَالَ ابْن الْحصار وَلَعَلَّ البُخَارِيّ رأى رَأْي الْفُقَهَاء انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَظَاهر كَلَام ابْن عبد الْبر أَن الصِّحَّة تُوجد أَيْضا من تلقي أهل الحَدِيث بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ وَإِن لم يُوقف لَهُ على إِسْنَاد صَحِيح وَقد قَالَ فِي التَّمْهِيد رُوِيَ عَن جَابر بِإِسْنَاد لَيْسَ بِصَحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الدِّينَار أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ قيراطا قَالَ وَهَذَا وَإِن لم يَصح إِسْنَاده فَفِي قَول جمَاعَة الْعلمَاء وَإِجْمَاع النَّاس على مَعْنَاهُ مَا يُغني عَن الْإِسْنَاد فِيهِ وَقَرِيب مِنْهُ مَا ذكره الشَّافِعِي فِي الرسَالَة فِي حَدِيث لَا وَصِيَّة لوَارث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 إِن إِسْنَاده مُنْقَطع لَكِن استفاضته بَين النقلَة وَأهل الْمَغَازِي جعلته (134) حجَّة وَكَذَا قَول الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرائيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فِي أُصُوله تعرف صِحَة الحَدِيث باشتهاره عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث وَلم ينكروه وَكَذَلِكَ ابْن فورك فِي صدر كِتَابه مُشكل الحَدِيث وَمثله حَدِيث فِي الرقة ربع الْعشْر وَفِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَنَحْوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 20 - (قَوْله) فَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي يحكم [لَهُ] بِالصِّحَّةِ بِلَا خلاف بَين أهل الحَدِيث [قيل إِنَّمَا قيد نفي الْخلاف بِأَهْل الحَدِيث] لِأَن بعض الْمُعْتَزلَة يشْتَرط الْعدَد فِي الرِّوَايَة كَالشَّهَادَةِ قلت حُكيَ ذَلِك عَن بعض أهل الحَدِيث أَيْضا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع عندنَا الْخَبَر الصَّحِيح مَا حكم أهل الحَدِيث بِصِحَّتِهِ قَالَ وَذكر الْحَاكِم الْحَافِظ أَن صفة الحَدِيث الصَّحِيح أَن يرويهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَحَابِيّ مَشْهُور بالصحبة ويروي عَنهُ تابعيان عَدْلَانِ ثمَّ يتداوله أهل الحَدِيث بِالْقبُولِ إِلَى زَمَاننَا وَقد قَالُوا إِن الصَّحِيح لَا يعرف بالرواية من الثِّقَات فَقَط وَإِنَّمَا يعرف بالفهم وَالْحِفْظ وَكَثْرَة السماع وَلَيْسَ للمعرفة بِهِ معِين مثل المذاكرة مَعَ أهل الْفَهم والمعرفة ليظْهر مَا يخفى من عِلّة الحَدِيث ثمَّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَالشّرط الَّذِي شرطوه وَهُوَ أَن يرويهِ اثْنَان من التَّابِعين لَا يعرفهُ الْفُقَهَاء لِأَن رِوَايَة الْوَاحِد عِنْدهم مَقْبُولَة وَإِذا كَانَ ثِقَة حكم بِصِحَّة الْخَبَر وَقد ذهب بعض الْمُتَكَلِّمين إِلَى اشْتِرَاط الْعدَد وَلَيْسَ بِشَيْء وَأما المحدثون فَلَيْسَ الْعدَد عِنْدهم شرطا فِي الصِّحَّة إِلَّا أَنهم يسمعُونَ مَا نَقله الْوَاحِد عَن الْوَاحِد الصَّحِيح الْغَرِيب وَمَا نَقله الِاثْنَان فَمَا زَاد وتداوله أهل الرِّوَايَة بِالْقبُولِ على مَا مضى من الْقُرُون الصَّحِيح الْمُطلق أَو الصَّحِيح الْمَشْهُور هَذَا لَفظه وَبَقِي على المُصَنّف أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا أضافا إِلَى ذَلِك شُرُوطًا أخر فعلت بِهِ رُتْبَة حَدِيثهمَا فمما شَرطه البُخَارِيّ ثُبُوت السماع وَلم يكتف بِإِمْكَان اللِّقَاء والمعاصرة وَهَذَا لَا يدْخل فِي ضَابِط المُصَنّف 21 - (قَوْله) وَقد يَخْتَلِفُونَ فِي صِحَة بعض الْأَحَادِيث لاختلافهم فِي وجود الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 هَذِه الْأَوْصَاف فِيهِ أَو لاختلافهم فِي اشْتِرَاط بَعْضهَا كَمَا فِي الْمُرْسل هَذَا مِثَال للثَّانِي وَمثله قبُول المستور وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي الصَّحِيح هَل من شَرطه أَن يكون خَالِصا من الشذوذ مُطلقًا أم لَا وَالتَّحْقِيق أَن الشاذ الَّذِي يُخَالف الصَّحِيح هُوَ الشاذ الْمُنكر أَو الَّذِي لم ينجبر شذوذه بِشَيْء من الْأُمُور الْمَذْكُورَة فِي انجبار الْمُعَلل والشاذ وَأما سَبَب اخْتلَافهمْ فِي أَنه هَل اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط أَو انْتَفَى بَعْضهَا (أ 14) فَهَذَا هُوَ الْأَغْلَب كَمَا إِذا كَانَ الحَدِيث من رِوَايَة مَا اخْتلف فِي كَونه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 شَرط الصَّحِيح كالعلاء بن عبد الرَّحْمَن أَو حَمَّاد بن سَلمَة فَيَقُولُونَ فِيهِ حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَيْسَ بِصَحِيح على شَرط البُخَارِيّ لكَون هَؤُلَاءِ عِنْد مُسلم مِمَّن اجْتمعت فيهم الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة وَلم يثبت ذَلِك عِنْد البُخَارِيّ وَكَذَا حَال البُخَارِيّ فِيمَا حَدثهُ عَن عِكْرِمَة وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي وَعَمْرو بن مَرْزُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَغَيرهم [مِمَّن] لم يخرج لَهُ مُسلم وهم أربعمائه وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَعدد من احْتج مُسلم وَلم يحْتَج بهم البُخَارِيّ سِتّمائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ 22 - (قَوْله) وَمَتى قَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح فَمَعْنَاه مَا اتَّصل سَنَده مَعَ سَائِر الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة جعل المُصَنّف مدَار الحكم بِصِحَّة الحَدِيث على الحكم بِصِحَّة الْإِسْنَاد المستكمل للشرائط وَقد أوردوا عَلَيْهِ أَمريْن أَحدهمَا أَنهم يَقُولُونَ فِي الْمُرْسل صَحِيح فِي الْجُمْلَة وَإِن لم يكن صَحِيحا محتجا بِهِ وَكَذَلِكَ غير الْمُرْسل من الْأَحَادِيث الْمُخْتَلف فِي صِحَّتهَا وَلم يشْتَرط جَمِيع تِلْكَ (د 11) الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة الثَّانِي أَن السَّنَد قد يكون صَحِيحا مَعَ الحكم على الْمَتْن بالضعف ومثاله مَا الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَن أنس قَالَ صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر فَكَانُوا يستفتحون الصَّلَاة ب {الْحَمد لله رب الْعَالمين} لَا يذكرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا فَهَذَا الحَدِيث سَنَده صَحِيح وَمَتنه ضَعِيف لوُجُود الْعلَّة فِيهِ وَهُوَ أَن الْأَكْثَرين إِنَّمَا قَالُوا فِيهِ فَكَانُوا (ع 14) [يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين من غير تعرض لنفي الْبَسْمَلَة وَهَكَذَا اتّفق الشَّيْخَانِ على إِخْرَاجه فَمن رَوَاهُ كاللفظ الْمُتَقَدّم وَفهم من قَوْله] كَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد أَنهم كَانُوا لَا يبسملون فَصرحَ بِهِ وَأَخْطَأ لِأَنَّهُ قد ثَبت عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 أنس أَنه سُئِلَ عَن الِافْتِتَاح بالبسملة فَذكر أَنه لَا يحفظ فِيهِ شَيْئا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَوَاب أَن فِي قَول ابْن الصّلاح مَعَ سَائِر الْأَوْصَاف مَا يدْفع هَذَا الِاعْتِرَاض لِأَن من جُمْلَتهَا انْتِفَاء الْعلَّة وَهِي هَا هُنَا مَوْجُودَة فَلَيْسَ صِحَة الْإِسْنَاد وَحده مقتضيا للصِّحَّة حَتَّى يرد هَذَا نعم يَنْبَغِي التَّأَمُّل وَالنَّظَر بَين قَوْلهم هَذَا حَدِيث صَحِيح وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَبَينهمَا فرق فَإِن الثَّانِي يُرِيدُونَ بِهِ اتِّصَال الْإِسْنَاد وَعدم انْقِطَاعه لَا جودة الرِّجَال فَرُبمَا كَانَ متن الحَدِيث ضَعِيفا وَإِسْنَاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 جيدا بِخِلَاف قَوْلهم حَدِيث صَحِيح 23 - (قَوْله) وَكَذَلِكَ إِذا قَالُوا فِي حَدِيث إِنَّه غير صَحِيح فَلَيْسَ ذَلِك قطعا بِأَنَّهُ كذب فِي نفس الْأَمر إِذْ قد يكون صدقا وَإِنَّمَا المُرَاد أَنه لم يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمَذْكُور فِيهِ أَمْرَانِ الأول أَنه قد اعْترض عَلَيْهِ فِي هَذَا وَقيل قد رَأينَا كثيرا من الْأَئِمَّة يَقُولُونَ هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح وَمَتنه غير صَحِيح أَو إِسْنَاده غير صَحِيح وَمَتنه صَحِيح أَو إِسْنَاده مَجْهُول وَمَتنه مَجْهُول لَا يعرف أَو إِسْنَاده صَحِيح وَمَتنه صَحِيح أَو إِسْنَاده ضَعِيف وَمَتنه ضَعِيف وَأَيْضًا لَهُم الموضوعات وَيَقُولُونَ من فلَان إِلَى فلَان الله أعلم من وَضعه فَهَذَا يدل على أَنه فِي نفس الْأَمر غير صَحِيح وَقد سُئِلَ المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى - عَن هَذَا فِي فَتَاوِيهِ وَأجَاب الَّذِي يرد من هَذَا على ذَلِك قَوْلهم إِسْنَاده صَحِيح وَمَتنه غر صَحِيح الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَجَوَابه أَن فِي كَلَامي احْتِرَازًا عَنهُ وَذَلِكَ فِي قولي إِنَّه لم يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمَذْكُور [وَمَتى كَانَ الْمَتْن غير صَحِيح فمحال أَن يكون لَهُ إِسْنَاد صَحِيح على الشَّرْط الْمَذْكُور] لِأَن من جملَة الشُّرُوط أَلا يكون شاذا وَلَا مُعَللا وَالَّذِي أوردتموه لَا بُد أَن يكون فِي إِسْنَاده شذوذ أَو عِلّة تعله لأجل ذَلِك لَا يَصح بِهِ الْمَتْن فَإِن أطلق عَلَيْهِ إِنَّه إِسْنَاد صَحِيح فَلَا بالتفسير الَّذِي ذكرتموه بل بِمَعْنى أَن رجال إِسْنَاده عدُول ثِقَات فَحسب وَمَا بعد هَذَا لَا يمس مَا ذكرته (أ 15) إِلَّا قَوْلهم فِي بعض الْأَحَادِيث إِنَّه مَوْضُوع وَالْجَوَاب إِنَّه لَيْسَ فِي الْكَلَام الَّذِي ذكرته إِنْكَار لذَلِك وَإِنَّمَا فِيهِ أَنه لَا يُسْتَفَاد وَلَا يفهم من قَوْلهم هَذَا الحَدِيث غير صَحِيح أَكثر من أَنه لم يَصح لَهُ إِسْنَاد على الشَّرْط الْمَذْكُور وَهَذَا كَذَلِك لِأَن هَذَا الْكَلَام لَا يظْهر من مَعْنَاهُ أَنه كذب فِي نفس الْأَمر وَمهما أردنَا أَن نذْكر أَنه كذب فِي نفس الْأَمر احتجنا إِلَى زِيَادَة لفظ مثل أَن نقُول هُوَ مَوْضُوع أَو كذب أَو نَحوه وَقَوْلِي لم يَصح إِسْنَاده عَام أَي [لم] يَصح [لَهُ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 إِسْنَاد مَا الْأَمر الثَّانِي مَا اقْتَضَاهُ كَلَامه من أَنه يلْزم من عدم صِحَة الْإِسْنَاد عدم صِحَة الْمَتْن قد خَالفه بعد هَذَا فِي آخر النَّوْع الثَّانِي وَالْعِشْرين فَقَالَ إِذا رَأَيْت حَدِيثا بِإِسْنَاد ضَعِيف فلك أَن تَقول هُوَ ضَعِيف بِهَذَا الْإِسْنَاد [وَلَا تَقول ضَعِيف الْمَتْن بِمُجَرَّد ضعف ذَلِك الْإِسْنَاد] إِلَّا أَن يَقُول إِمَام إِنَّه لم يرد من وَجه صَحِيح أَو إِنَّه حَدِيث ضَعِيف مُفَسرًا ضعفه وَقَالَ أَيْضا فِي قسم الْمُعَلل إِن الْعلَّة الْوَاقِعَة فِي الْإِسْنَاد قد تقدح فِيهِ وَفِي الْمَتْن وَقد تقدح فِي الْإِسْنَاد خَاصَّة وَيكون الْمَتْن مَرْفُوعا صَحِيحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَيُجَاب بِأَن قَوْله أَولا وَإِذا قيل غير صَحِيح فَمَعْنَاه لم يَصح إِسْنَاده أَن هَذَا يَقْتَضِي أَن الحَدِيث إِذا رُوِيَ من وُجُوه كلهَا غير صَحِيحَة أقتضى ذَلِك الحكم على مَتنه بِأَنَّهُ غير صَحِيح لِأَن قَوْله لم يَصح إِسْنَاده اسْم جنس مُضَاف ليعم جَمِيع المسانيد وَهُوَ مُوَافق للْكَلَام الثَّانِي ثمَّ إِنَّه لَا يلْزم من ضعف السَّنَد ضعف الْمَتْن فقد يكون السَّنَد ضَعِيفا والمتن صَحِيح كَرِوَايَة يعلي بن عبيد عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار حَدِيث البيعان بِالْخِيَارِ غلط يعلى إِنَّمَا هُوَ عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ابْن دِينَار] فَالسَّنَد غير صَحِيح والمتن صَحِيح وَهَذَا مُوَافق لقَوْله فِي نوع [الْحسن] وَقَوْلهمْ حَدِيث حسن (ع 15) الْإِسْنَاد أَو صَحِيحه دون قَوْلهم حَدِيث حسن أَو صَحِيح لِأَنَّهُ قد يَصح أَو يحسن الْإِسْنَاد دون الْمَتْن لشذوذ أَو عِلّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 24 - (قَوْله) الصَّحِيح يتنوع إِلَى مُتَّفق عَلَيْهِ ومختلف فِيهِ أَي من اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِيهِ عِنْد من لم يقبل الْمَرَاسِيل وَعَدَمه عِنْد من قبله وَاشْتِرَاط عدم الشذوذ وَالْعلَّة عِنْد الْمُحدثين وَعدم اشْتِرَاط ذَلِك عِنْد الْفُقَهَاء وَقد ذكر الْحَاكِم أَن الصَّحِيح من الحَدِيث عشرَة أَقسَام خَمْسَة مُتَّفق عَلَيْهَا وَخَمْسَة فِيهَا خلاف فَالْأول من الْقسم الأول اخْتِيَار البُخَارِيّ وَمُسلم وَهُوَ الدرجَة الأولى من الصَّحِيح الَّذِي يرويهِ عَن الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور الَّذِي لَهُ راويان [ثمَّ] عَن التَّابِعِيّ وتابعي التَّابِعِيّ كَذَلِك إِلَى حد الشَّيْخَيْنِ وَالْأَحَادِيث المروية بِهَذَا الشَّرْط لَا يبلغ عَددهَا عشرَة آلَاف الثَّانِي الصَّحِيح بِنَقْل الْعدْل الضَّابِط عَن الْعدْل الضَّابِط إِلَى الصَّحَابِيّ الحديث: 24 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد الثَّالِث أَخْبَار جمَاعَة من التَّابِعين الَّذِي لَيْسَ لَهُم إِلَّا راو وَاحِد الرَّابِع هَذِه الْأَحَادِيث الْأَفْرَاد الغرائب الَّتِي يَرْوِيهَا الثِّقَات الْعُدُول تفرد بهَا ثِقَة من الثِّقَات وَلَيْسَ لَهَا طرق مخرجة فِي الْكتب الْخَامِس أَحَادِيث جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم وَلم تتواتر الرِّوَايَة عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم بهَا إِلَّا عَنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَأما الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمُخْتَلف فِي صِحَّتهَا فَالْأول الْمُرْسل صَحِيح عِنْد أهل الْكُوفَة الثَّانِي رِوَايَة المدلسين إِذا لم يذكرُوا سماعهم وَهِي صَحِيحَة عِنْد جمَاعَة مِنْهُم الثَّالِث (د 12) خبر يرويهِ ثِقَة من الثِّقَات عَن إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين فيسنده ثمَّ يرويهِ عَنهُ جمَاعَة من الثِّقَات فيرسلونه الرَّابِع رِوَايَة مُحدث صَحِيح السماع صَحِيح الْكتاب ظَاهر الْعَدَالَة غير أَنه لَا يعرف مَا يحدث بِهِ وَلَا يحفظه كأكثر محدثي زَمَاننَا فَإِن هَذَا الْقسم صَحِيح عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث وَأما أَبُو حنيفَة وَمَالك فَلَا يريان الْحجَّة بِهِ الْخَامِس رِوَايَات المبتدعة وَأهل الْأَهْوَاء فَإِن رواياتهم عِنْد أهل (أ 16) الْعلم مَقْبُولَة إِذا كَانُوا صَادِقين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قَالَ الْحَاكِم فَهَذِهِ أَقسَام ذكرتها لِئَلَّا يتَوَهَّم متوهم أَنه لَيْسَ يَصح إِلَّا مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم 25 - (قَوْله) فروينا قلت تكَرر هَذَا اللَّفْظ مِنْهُ وَيَقَع مضبوطا فِي بعض الْأُصُول بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة وَوجدت بِخَط المُصَنّف فِي فَوَائِد رحلته سَأَلت شَيخنَا أَبَا الْخطاب بن دحْيَة عَن قَوْلنَا روينَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل يُقَال روينَا فَقَالَ لَا إِنَّمَا يُقَال روينَا وَكَانَ ابْن الوردي الْحَافِظ يَقُول روينَا بِالتَّشْدِيدِ انْتهى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة قَوْلهم راوية الحَدِيث وروى الحَدِيث أَي حمله من قَوْلهم الْبَعِير يروي المَاء أَي يحملهُ الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 قلت وَلِهَذَا أطْلقُوا على المزادة الَّتِي يحمل فِيهَا راوية من بَاب مجَاز الْمُجَاورَة فَإِن راوية صِيغَة مُبَالغَة وَهِي حَقِيقَة للجمل فإطلاقه على ظرف المَاء مجَاز وَلَيْسَ هَذَا من بَاب أروى الرباعي حَتَّى يسْتَحقّهُ المَاء دون الْجمل لِأَن اسْم الْفَاعِل مِنْهُ مرو لَا راوية وَإِنَّمَا يَأْتِي راوية من الثلاثي 26 - (قَوْله) عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَنه قَالَ اصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه وروينا نَحوه عَن أَحْمد بن حَنْبَل فِيهِ أُمُور إِحْدَاهَا يجوز فِي رَاهَوَيْه فتح الْهَاء وَالْوَاو وَإِسْكَان الْيَاء وَيجوز ضم الْهَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَإِسْكَان الْوَاو وَفتح الْيَاء وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُخْتَار وَقَالَ المُصَنّف فِي بعض أَمَالِيهِ سَمِعت الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن عبد الله - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - يَقُول سَمِعت الْحَافِظ أَبَا الْعَلَاء يَقُول أهل الحَدِيث لَا يحبونَ ويه أَي يَقُولُونَ لفظ ويه ببدء الْوَاو سَاكِنة تفاديا من أَن يَقع فِي آخر الْكَلِمَة ويه انْتهى وَعَن الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي أَنه قَالَ غَالب مَا عِنْد الْمُحدثين (ع 16) فعلويه - بِضَم مَا قبل الْوَاو - إِلَّا رَاهَوَيْه فالأغلب فِيهِ عِنْدهم فتح مَا قبل الْوَاو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَفِي نفطويه الْوَجْهَانِ والآكد الْفَتْح وَاعْلَم أَن رَاهَوَيْه لقب لجده وَسمي بذلك لِأَنَّهُ ولد فِي الطَّرِيق والرهو الطَّرِيق وعَلى هَذَا فَقيل يكْتب ابْن بِالْألف لِأَنَّهُ لم يَقع بَين علمين وَكَانَ أَبوهُ يكره أَن يُسمى بِهِ الثَّانِي أَن هَذَا إِسْنَاد حجازي فَلَعَلَّ إِسْحَاق أَرَادَ ذَلِك لَا مُطلق الْأَسَانِيد وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب الْعلم سَمِعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه يَقُول سَمِعت [الْحسن بن سُفْيَان يَقُول سَمِعت] إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الْحَنْظَلِي يَقُول إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن عَمْرو بن شُعَيْب ثِقَة فَهُوَ كأيوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر الثَّالِث أَن الَّذِي نَقله الْحَاكِم عَن أَحْمد بن حَنْبَل بِصِيغَة أَجود لَا بِصِيغَة أصح فَلَعَلَّ المُصَنّف يرى أَن الْجَوْدَة وَالصِّحَّة مُتَرَادِفَانِ أَو متغايران وَلِهَذَا قَالَ نَحوه وَلم يقل مثله وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ فِي الطِّبّ هَذَا حَدِيث جيد حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ الصِّحَّة وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَذكر حَدِيثا رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عَن سُفْيَان عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن الْحَارِث بن سُوَيْد - قَالَ قَالَ أبي لَيْسَ بِالْكُوفَةِ عَن عَليّ أصح من هَذَا انْتهى وَهَذَا يدل على أَن كَلَامه الأول مَخْصُوص بالحجاز 27 - (قَوْله) وروينا عَن عَمْرو بن عَليّ أصح الْأَسَانِيد مُحَمَّد بن الحديث: 27 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ هَذَا الْإِسْنَاد مركب من بَصرِي وَعبيدَة كُوفِي وَعلي سكن الْكُوفَة وَعبيدَة - بِفَتْح الْعين - بن عَمْرو السَّلمَانِي - بِسُكُون اللَّام - تَابِعِيّ كَاد أَن يكون صحابيا وَكَانَ ابْن سِيرِين أروى النَّاس عَنهُ وَقَالَ مَا رَأَيْت رجلا أَشد توقيا من عُبَيْدَة قَالَه الْعجلِيّ فِي تَارِيخه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 28 - (قَوْله) وروينا نَحوه عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ ذكره الْحَاكِم عَنهُ بِصِيغَة أَجود لَا بِصِيغَة أصح وَفِيه مَا سبق والسختياني - بِفَتْح السِّين 29 - (قَوْله) وَمِنْهُم من جعله ابْن عون هَذَا نَقله الْحَاكِم عَن ابْن الْمَدِينِيّ 30 - (قَوْله) وَفِيمَا نرويه عَن يحيى بن معِين أَنه قَالَ (أ / 17) أَجودهَا الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة الحديث: 28 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 عَن عبد الله انْتهى ذكره الْحَاكِم وَزَاد (قَالَ رجل ليحيى لما قَالَ ذَلِك) الْأَعْمَش مثل الزُّهْرِيّ قَالَ بَرِئت من الْأَعْمَش أَن يكون مثل الزُّهْرِيّ يرى الْعرض وَالْإِجَازَة وَكَانَ يعْمل لبني أُميَّة وَذكر الْأَعْمَش فمدحه وَقَالَ فَقير صبور مُجَانب للسُّلْطَان وذكرعلمه بِالْقُرْآنِ وورعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 31 - (قَوْله) وروينا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة أَنه قَالَ أصح الْأَسَانِيد كلهَا الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن [عَليّ] قلت رَوَاهُ الْحَاكِم عَنهُ وَقَالَهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْمدْخل عَن مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر قَالَ سَأَلت عبد الرَّزَّاق أَي الْإِسْنَاد الحديث: 31 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 أصح قَالَ الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن عَليّ وَجعل النَّسَائِيّ هَذَا من أحسن الْأَسَانِيد لَا أَصَحهَا فَفِي الْكَمَال فِي تَرْجَمَة الزُّهْرِيّ قَالَ النَّسَائِيّ أحسن أَسَانِيد تروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن عَليّ وَالزهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر وَأَيوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ وَمَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 32 - (قَوْله) عَن البُخَارِيّ أَصَحهَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر هَذَا يُسمى سلسلة الذَّهَب وَفِي هَذَا الْإِطْلَاق عَنهُ نظر فَفِي ذمّ الْكَلَام للهروي قَالَ الداوساني قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة ديباج خسرواني الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 33 - (قَوْله) وَبنى الإِمَام أَبُو مَنْصُور التَّمِيمِي على ذَلِك أَن أجل الْأَسَانِيد الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَاحْتج بِإِجْمَاع أَصْحَاب الحَدِيث على أَنه لم يكن فِي الروَاة عَن مَالك أجل من الشَّافِعِي فِيهِ أُمُور أَحدهَا يُقَال على هَذَا أجل الْأَسَانِيد (د 13) مَا رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل عَن الشَّافِعِي عَن مَالك وَقد وَقع من ذَلِك أَحَادِيث فِي مُسْنده مِنْهَا قَالَ (ع 16) أَحْمد ثَنَا الشَّافِعِي ثَنَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يبع بَعْضكُم على بيع بعض وَنهى عَن النجش وَنهى عَن حَبل الحبلة وَنهى عَن الْمُزَابَنَة والمزابنة بيع التَّمْر بِالتَّمْرِ كَيْلا وَبيع الْكَرم بالزبيب كَيْلا وَأخرجه الحديث: 33 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 البُخَارِيّ متقطعا من حَدِيث مَالك وَزعم الخليلي فِي الْإِرْشَاد أَنه لم يروه عَن مَالك إِلَّا الشَّافِعِي قَالَ وَكَانَ يسْأَله عَنهُ الْأَئِمَّة وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من طَرِيق أَحْمد عَن الشَّافِعِي عَن مَالك عَن دَاوُد بن الْحصين عَن أبي سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد أَنه سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَابَنَة ثمَّ قَالَ رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَأخرجه مُسلم عَن ابْن وهب عَن مَالك وَمِنْهَا قَالَ أَحْمد ثَنَا الشَّافِعِي ثَنَا مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب ابْن مَالك عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ وَأخرج ابْن الصّلاح فِي كتاب أدب الْفتيا من طَرِيق عبد الله بن أَحْمد [سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول] سَمِعت مُحَمَّد بن عجلَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 يَقُول إِذا أغفل الْعَالم لَا أَدْرِي أُصِيبَت مقاتله ثمَّ قَالَ هَذَا إِسْنَاد جليل عَزِيز جدا لِاجْتِمَاع أَئِمَّة الْمذَاهب الثَّلَاثَة فِيهِ بَعضهم عَن بعض انْتهى وصنف الْحَازِمِي جُزْءا فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد عَن الشَّافِعِي وَسَماهُ سلسلة الذَّهَب وَمن غَرِيبه رِوَايَة أَحْمد عَن رجل عَن الشَّافِعِي ذكره الخليلي فِي كِتَابه فساق عَن الزَّعْفَرَانِي ثَنَا الشَّافِعِي ثَنَا يحيى بن سليم عَن عبيد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ابْن عمر عَن نَافِع عَن - ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم صَلَاة الْخَوْف رَكْعَتَيْنِ فِي [كل] رَكْعَة ركوعين وسجدتين ثمَّ قَالَ تفرد بِهِ الشَّافِعِي عَن يحيى بِهَذَا الْإِسْنَاد وسَمعه أَحْمد بن حَنْبَل عَن رجل عَن الشَّافِعِي ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الله بن أَحْمد ثَنَا أبي - وَأَنا سَأَلته - حَدثنِي سُلَيْمَان بن دَاوُد (أ 18) الْهَاشِمِي أخبرنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي مثله الثَّانِي مَا نَقله عَن أبي مَنْصُور رَأَيْته كَذَلِك فِي كِتَابه الْمُسَمّى بتنبيه الْعُقُول فِي الرَّد على الْجِرْجَانِيّ ويتأيد بِمَا ذكره الخليلي فِي الْإِرْشَاد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل كنت سَمِعت الْمُوَطَّأ من بضعَة عشر رجلا من حفاظ أَصْحَاب مَالك فأعدته على الشَّافِعِي لِأَنِّي وجدته أقومهم [بِهِ] وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي مُقَدّمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الْكَامِل عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْقزْوِينِي ثَنَا صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت الْمُوَطَّأ من مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي لِأَنِّي رَأَيْته فِيهِ ثبتا وَقد سمعته من جمَاعَة قبله انْتهى وَهَذَا تَصْرِيح من أَحْمد [بِأَن] [من] أجل من روى عَن مَالك هُوَ الشَّافِعِي وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء قلت لِلْحَافِظِ جمال الدّين الْمزي قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل كنت سَمِعت الْمُوَطَّأ من بضعَة عشر رجلا من حفاظ أَصْحَاب مَالك فَكيف أجَاز رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى بن يحيى التَّمِيمِي وَالْبُخَارِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 رِوَايَة عبد الله بن يُوسُف وَأَبُو دَاوُد رِوَايَة عبد الله بن مسلمة القعْنبِي وَالنَّسَائِيّ رِوَايَة قُتَيْبَة بن سعيد وَكَيف لم يروه أَصْحَاب الْكتب من طَرِيق الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ إِذا وجد حَدِيثا يُؤثر عَن مَالك لَا يكَاد يعدل بِهِ إِلَى غَيره حَتَّى إِنَّه يروي فِي الْجَامِع عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء عَن عَمه جوَيْرِية عَن مَالك وَلم يذكر الْجَواب وَيحْتَاج إِلَى فضل نظر وَجُوَيْرِية من أقدم أَصْحَاب مَالك وَهُوَ يُشَارك مَالِكًا فِي بعض شُيُوخه كنافع وَغَيره فَلهَذَا يؤثره البُخَارِيّ الثَّالِث أَن نَقله الْإِجْمَاع فِيهِ نظر فَإِن أَصْحَاب مَالك قد منعُوا ذَلِك وَقَالُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 إِمَّا أَن تريدوا بالأجلية فِي الْفِقْه أَو الحَدِيث فَإِن أردتم الْفِقْه فَلَا خلاف عندنَا [أَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَعبد الله بن وهب أجل مِنْهُ وَإِن أردتم الحَدِيث فَلَا خلاف عندنَا] أَن يحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي أجل إِسْنَادًا مِنْهُ فَلم يسند ذَلِك على قَول أبي مَنْصُور إِلَّا بالمجاز (ع 17) وَهُوَ أَن يُرِيد من أجل الْأَسَانِيد وَأَيْضًا فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ قد صنف جُزْءا فِي الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا أَبُو حنيفَة عَن مَالك وَالْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ إِن أجل من روى عَن مَالك أَبُو حنيفَة وَالْجَوَاب أما مَا ذكره الْمَالِكِيَّة فَمَمْنُوع - وَأَيْنَ مَحل ابْن وهب وَمن ذَكرُوهُ من الشَّافِعِي وَيَكْفِي فِي ذَلِك كَلَام الإِمَام أَحْمد السَّابِق وَأما أَبُو حنيفَة وَإِن صحت رِوَايَته عَن مَالك فَلم يشْتَهر وَلم يكثر كَرِوَايَة الشَّافِعِي وَقد ذكره الْخَطِيب فِي كتاب الروَاة عَن مَالك وَأسْندَ لَهُ حَدِيثا عَنهُ ووهمه فِيهِ وَقَالَ سَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ على خِلَافه الرَّابِع فَاتَ المُصَنّف من الْأَقْوَال فِي أصح الْأَسَانِيد يحيى بن أبي كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقيل شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عَامر أخي أم سَلمَة عَن أم سَلمَة حَكَاهُمَا الْحَاكِم وَقَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن عُبَيْدَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 عَليّ حَكَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي فِي الْمدْخل وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي حَدِيث مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر كَأَنَّهَا الدَّنَانِير ثمَّ قَالَ كَأَنَّك تسمعها من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر البردعي فِي كتاب الْمُتَّصِل والمنقطع الْأَحَادِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الصِّحَاح الَّتِي أجمع أهل الحَدِيث على صِحَّتهَا من جِهَة النَّقْل مثل الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن عمر وَالزهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة مَالك بن أنس وَابْن عُيَيْنَة وَمعمر والزبيدي وَعقيل وَالْأَوْزَاعِيّ مالم يخْتَلف فِيهِ فَإِذا وَقع الِاخْتِلَاف فِي مثل هَذَا بَين هَؤُلَاءِ الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ توقف عَنهُ (أ 19) وَقد خَالف نَافِع سالما فِي أَحَادِيث قَالَ وَمثل الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَمثل الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَهِشَام مَا لم يَقع الِاخْتِلَاف وَالِاضْطِرَاب فِيهِ ثمَّ أوضح ذَلِك (د 14) وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم اتّفق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ على أَن أصح الْأَحَادِيث أَحَادِيث أهل الْمَدِينَة ثمَّ أَحَادِيث أهل الْبَصْرَة ثمَّ أَحَادِيث أهل الشَّام وَنقل عَن مَالك أَنه كَانَ لَا يحْتَج بِأَحَادِيث أهل الْعرَاق وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم للشَّافِعِيّ فَإِنَّهُ قيل إِذا روى سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله حَدِيثا أيحتج بِهِ قَالَ إِن لم يكن لَهُ أصل بالحجاز وَإِلَّا فَلَا ثمَّ إِن الشَّافِعِي رَجَعَ عَن ذَلِك وَقَالَ لِأَحْمَد إِذا صَحَّ الحَدِيث فَأَخْبرنِي بِهِ حَتَّى أذهب إِلَيْهِ شاميا كَانَ أَو بصريا أَو كوفيا وَلم يقل مكيا أَو مدنيا لِأَنَّهُ كَانَ يحْتَج بِهِ قبل هَذَا وصنف أَبُو دَاوُد السجسْتانِي مفاريد أهل الْأَمْصَار فَذكر فِيهِ مَا انْفَرد أهل كل مصر من الْمُسلمين من الْعلم بِالسنةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الْخَامِس أَن مَا ذكره أَولا من إِطْلَاق أصح الْأَسَانِيد لَيْسَ هُوَ مُطلقًا بل بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَحَابِيّ دون آخر وَلما نقل الْحَاكِم فِي كِتَابه ذَلِك قَالَ فَذكر كل وَاحِد مِنْهُم مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي ذَلِك وَلكُل صَحَابِيّ رُوَاة من التَّابِعين وَلَهُم أَتبَاع وَأَكْثَرهم ثِقَات لَا يُمكن أَن يقطع بالحكم فِي أصح الْأَسَانِيد لصحابي وَاحِد فَنَقُول إِن أصح أَسَانِيد أهل الْبَيْت جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن جَعْفَر ثِقَة وَأَصَح أَسَانِيد الصّديق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَنهُ وَأَصَح أَسَانِيد عمر الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن جده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وَأَصَح أَسَانِيد أبي هُرَيْرَة الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَنهُ وَقَالَ البُخَارِيّ أَصَحهَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَنهُ ولعَبْد الله بن عمر مَالك عَن نَافِع عَنهُ ولعائشة عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن الْقَاسِم عَنْهَا قَالَ يحيى بن معِين تَرْجَمَة مشبكة بِالذَّهَب وَالزهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَلابْن مَسْعُود الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَنهُ ولأنس مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ وَأَصَح أَسَانِيد المكيين سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر وَأَصَح أَسَانِيد اليمانيين معمر (ع 18) عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة وَأثبت أَسَانِيد المصريين اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 عَن عقبَة بن عَامر وَأثبت أَسَانِيد الشاميين الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة عَن الصَّحَابَة وَأثبت أَسَانِيد الخراسانيين الْحُسَيْن بن وَاقد عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه وَقد ذكر ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بتحصيل أصُول الْفِقْه فَقَالَ بعد ذكره الْأَقْوَال السَّابِقَة وَأكْثر أَئِمَّة الحَدِيث أَن لكل وَاحِد من الصَّحَابَة أتباعا يختصون بِهِ وللرواية عَنهُ طرق بَعْضهَا أصح من بعض ثمَّ ذكر مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 سبق بِحُرُوفِهِ وَلم يعزه إِلَى الْحَاكِم وَكَذَلِكَ فعل الإِمَام أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ فِي كِتَابه القواطع فِي أصُول الْفِقْه 34 - (قَوْله) الثَّانِيَة إِذا وجدنَا فِيمَا يرْوى من أَجزَاء الحَدِيث إِلَى آخِره مَا ذكره من أَنه لَا يحكم بِصِحَّتِهِ لضعف الْأَهْلِيَّة فِي هَذِه الْأَزْمِنَة لَا نَعْرِف لَهُ فِيهِ سلفا وَالظَّاهِر جَوَازه وَلَعَلَّه بناه على جَوَاز خلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد الْمُطلق وَالصَّوَاب خِلَافه وَقَالَ النَّوَوِيّ الْأَظْهر عِنْدِي جَوَاز التَّصْحِيح لمن تمكن وقويت مَعْرفَته انْتهى وَعَلِيهِ عمل أهل الحَدِيث وَقد صحّح كثير من الْمُتَأَخِّرين أَحَادِيث لم نجد لمن تقدمهم فِيهَا تَصْحِيحا كَابْن الْقطَّان الحديث: 34 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وتلميذه ابْن الْمواق والضياء الْمَقْدِسِي والزكي الْمُنْذِرِيّ والمزي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 والذهبي إِلَّا أَن الشَّرْط الَّذِي ذكره النَّوَوِيّ مَأْخُوذ من تَعْلِيل ابْن الصّلاح وَالظَّاهِر أَنه لَا يُخَالف فِيهِ عِنْد وجوده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 35 - (قَوْله) أول من صنف الصَّحِيح البُخَارِيّ مُرَاده الْمُجَرّد كَمَا زَاده النَّوَوِيّ وَإِلَّا فقد سبق البُخَارِيّ مَالك فِي الْمُوَطَّأ لَكِن فِيهِ الصَّحِيح والبلاغ والمقطوع والمنقطع وَذَلِكَ وَإِن كَانَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ فَسَيَأْتِي جَوَابه (أ 20) فِي السَّادِسَة وَكَذَا مُسْند أَحْمد فَإِنَّهُ كالموطأ فِيهِ الصَّحِيح وَغَيره 36 - (قَوْله) ثمَّ إِن مُسلما شَارك البُخَارِيّ فِي أَكثر شُيُوخه قد اتّفقت الْأَئِمَّة السِّتَّة على روايتهم فِي كتبهمْ الْمَشْهُورَة عَن شيخ من غير وَاسِطَة كَأبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى وَأبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء الحديث: 35 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 و [مُحَمَّد] بن بشار بنْدَار وَمُحَمّد بن زِيَاد وَعبد الله بن سعيد الْأَشَج وَعَمْرو بن عَليّ الفلاس وَنصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وعباس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري إِلَّا أَن رِوَايَة البُخَارِيّ عَنهُ تَعْلِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 37 - (قَوْله) وكتاباهما أصح الْكتب بعد كتاب الله الْعَزِيز قَالَ النَّوَوِيّ بِاتِّفَاق الْعلمَاء فَإِن قيل قد روى مُسلم فِي صَحِيحه عَن جمَاعَة من الضُّعَفَاء أَو المتوسطين أهل الطَّبَقَة الثَّانِيَة الَّذين لَيْسُوا من شُيُوخ الصَّحِيح قَالَ النَّوَوِيّ فَجَوَابه من أوجه ذكرهَا ابْن الصّلاح أَحدهَا أَن ذَلِك فِيمَن هُوَ ضَعِيف عِنْد غَيره ثِقَة عِنْده وَلَا يُقَال الْجرْح مقدم لِأَن شَرط قبُوله بَيَان السَّبَب الثَّانِي أَن ذكر الضُّعَفَاء فِي كِتَابَيْهِمَا لم يُوجد محتجا بِهِ بل وَقع مُتَابعَة واستشهادا كمطر الْوراق وَبَقِيَّة وَابْن إِسْحَاق وَعبد الله بن عمر الْعمريّ الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ونعمان بن رَاشد وَغَيرهم الثَّالِث أَن يكون الضعْف طَرَأَ عَلَيْهِم بعد أَخذه عَنْهُم باختلاط حَدِيث لم يقْدَح فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُم قبل ذَلِك كَرِوَايَة مُسلم عَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب ابْن أخي عبد الله بن وهب فَذكر الْحَاكِم أَنه اخْتَلَط بعد الْخمسين وَمَا بَين بعد خُرُوج مُسلم من مصر الرَّابِع أَن يقْصد علو الْإِسْنَاد بِالرجلِ الضَّعِيف والْحَدِيث عِنْده من رِوَايَة الثِّقَات نَازل فَيقْتَصر على العالي وَلَا يطول بِإِضَافَة النَّازِل إِلَيْهِ مكتفيا بِمَعْرِِفَة أهل الشَّأْن ذَلِك وَهَذَا الْعذر قد روينَاهُ عَنهُ تنصيصا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 38 - (قَوْله) وَأما مَا روينَاهُ عَن الشَّافِعِي مَا أعلم كتابا فِي الْعلم أَكثر صَوَابا من كتاب مَالك وَمِنْهُم من رَوَاهُ بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ قلت كَقَوْلِه مَا كتاب بعد كتاب الله أَنْفَع من موطأ مَالك رَوَاهُ الْخَطِيب فِي جَامعه عَن هَارُون بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ قَالَ قَالَ لي الشَّافِعِي وعَلى هَذِه الرِّوَايَة فَلَا يَجِيء السُّؤَال 39 - (قَوْله) ثمَّ إِن كتاب البُخَارِيّ أصح الْكِتَابَيْنِ فِيهِ أُمُور الحديث: 38 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الأول تفضيله كتاب البُخَارِيّ على مُسلم (د 15) هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ (ع 19) النَّسَائِيّ فَقَالَ مَا فِي هَذِه الْكتب أَجود من كتاب البُخَارِيّ وَقرر ذَلِك الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مدخله أَيْضا وَابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع قَالَ وَقد قيل إِن مَا فِيهِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ وَمِمَّا يفضل بِهِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا اشْتِرَاطه فِي الرَّاوِي مَعَ إِمْكَان اللِّقَاء ثُبُوت السماع وَمُسلم يَكْتَفِي بِمُجَرَّد إِمْكَان المعاصرة وَنقل فِي أول كِتَابه الْإِجْمَاع على أَن الْإِسْنَاد المعنعن لَهُ حكم الْمَوْصُول ب سَمِعت بِوُجُود المعاصرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الثَّانِي اتِّفَاق الْعلمَاء على أَن البُخَارِيّ أجل من مُسلم وَأعلم بصناعة الحَدِيث وَقد انتخب مُسلم عَلَيْهِ ولخص مَا ارْتَضَاهُ فِي كِتَابه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَوْلَا البُخَارِيّ مَا ذهب مُسلم وَلَا جَاءَ وَقَالَ الْخَطِيب إِنَّمَا قفى مُسلم طَرِيق البُخَارِيّ وَنظر فِي علمه وحذا حذوه وَلما ورد البُخَارِيّ نيسابور فِي آخر عمره لَازمه مُسلم وأدام الِاخْتِلَاف إِلَيْهِ الثَّالِث استنباطه الْمعَانِي الصَّحِيحَة وَالْفِقْه الدَّقِيق مسبوكا فِي التراجم وَأما مُسلم فَلم يصنع ذَلِك بل الَّذِي ترْجم أبوابه (القَاضِي عِيَاض) قَالَه ابْن دحْيَة فِي مرج الْبَحْرين نعم اخْتصَّ مُسلم بِأَنَّهُ أحسن الْأَحَادِيث مساقا وأكمل سياقا وَأَقل تَكْرَارا وأتقن اعْتِبَارا بجمعه طرق الحَدِيث فِي مَكَان وَاحِد إِسْنَادًا ومتنا فيذكر الْمُجْمل ثمَّ الْمُبين لَهُ والمشكل ثمَّ الموضح لَهُ والمنسوخ ثمَّ النَّاسِخ لَهُ فيسهل على الطَّالِب النّظر فِي وجوهه وَتحصل لَهُ الثِّقَة بِجَمِيعِ مَا أوردهُ مُسلم من طرقه بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ يفرق طرق الحَدِيث فِي أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة متباعدة وَكثير مِنْهَا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 يذكرهُ فِي غير بَابه الَّذِي لَا يسْبق إِلَيْهِ الْفَهم أَنه فِيهِ أولى فيصعب على الطَّالِب جمع طرقه وَالْوُقُوف على أَلْفَاظه والإحاطة بِمَعْنَاهُ قَالَ النَّوَوِيّ وَلِهَذَا رَأَيْت جمَاعَة من الْحفاظ غلطوا فنفوا رِوَايَة البُخَارِيّ أَحَادِيث (أ 21) هِيَ مَوْجُودَة فِي صَحِيحه فِي غير مظانها السَّابِقَة إِلَى الْفَهم الْأَمر الثَّانِي مَا حَكَاهُ عَن [أبي عَليّ] النَّيْسَابُورِي حَكَاهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد فِي تَرْجَمَة مُسلم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مَنْدَه أَيْضا أَنه قَالَ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم بن الْحجَّاج فِي علم الحَدِيث وَإِلَيْهِ يمِيل كَلَام أبي الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 فِي خطْبَة تلخيصه لمُسلم وَنَقله عَن جمَاعَة وَعَزاهُ فِي اختصاره للْبُخَارِيّ إِلَى أَكثر المغاربة وَعزا تَرْجِيح البُخَارِيّ إِلَى أَكثر المشارقة وَسُئِلَ ابْن عقدَة الْحَافِظ أَيهمَا أحفظ مُسلم أَو البُخَارِيّ فَقَالَ كِلَاهُمَا عَالم فأعيد عَلَيْهِ السُّؤَال فَقَالَ يَقع لمُحَمد الْغَلَط فِي أهل الشَّام وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخذ كتبهمْ وَنظر فِيهَا فَرُبمَا ذكر الرجل بكنيته ويذكره فِي مَوضِع آخر باسمه يظنهما أثنين وَأما مُسلم فَقل مَا يُوجد لَهُ الْغَلَط فِي النَّقْل لِأَنَّهُ كتب المسانيد وَلم يكْتب المقاطيع وَلَا الْمَرَاسِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَفَاتَ المُصَنّف حِكَايَة قَول ثَالِث أَنَّهُمَا سَوَاء حَكَاهُ بعض الْمُتَأَخِّرين وَإِلَيْهِ ميل أبي الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ فِي مُخْتَصر البُخَارِيّ إِذْ قَالَ وَالْأولَى أَلا يُقَال فِي أَحدهمَا أولى بل هما فرسا رهان وَلَيْسَ لأحد بمسابقتهما يدان وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي لَو قيل إِن مُسلما كَانَ يعْتَمد على كِتَابه وعَلى ضَبطه وَأَن البُخَارِيّ كَانَ يعْتَمد على الضَّبْط كَانَ أولى فَإِن قيل مَا فَائِدَة هَذَا الْخلاف مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا يلْزم الْعَمَل بِهِ قلت يظْهر فَائِدَته فِي التراجيح عِنْد التَّعَارُض فَيقدم مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ على مَا رَوَاهُ مُسلم إِذا قُلْنَا بأرجحيته وَكَذَا ذكره الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فِي وُجُوه التَّرْجِيح الثَّالِث قَوْله من فضل كتاب مُسلم إِن كَانَ من جِهَة أَنه لم يمازجه غير الصَّحِيح بِخِلَاف مزج البُخَارِيّ فِي تراجم أبوابه من الْأَشْيَاء الَّتِي لم يسندها على الْوَصْف الْمَشْرُوط فِي الصَّحِيح اعْترض عَلَيْهِ بِأَن مُسلما قد مزجه بِغَيْر الْأَحَادِيث كَقَوْلِه فِي كتاب الصَّلَاة عَن يحيى بن أبي كثير لَا يُسْتَطَاع الْعلم براحة الْجِسْم وَلكنه نَادِر جدا بِخِلَاف البُخَارِيّ قلت لَيْسَ التَّرْجِيح بِمُجَرَّد اجتنابه غير الحَدِيث بل لِأَنَّهُ لم يسند مِنْهَا إِلَّا الصَّحِيح بِخِلَاف البُخَارِيّ فَإِنَّهُ تجوز فِيمَا عدا الْمسند من التعليقات وَغَيرهَا وأتى بهَا على غير شَرط الصَّحِيح وَمُرَاد ابْن الصّلاح بِالْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعم (ع 20) من الْمسند والأثر وَقد قَالَ مُسلم بعد أَحَادِيث التَّعَوُّذ آخر التَّشَهُّد بَلغنِي أَن طاوسا قَالَ لِابْنِهِ أدعوت بهَا فِي صَلَاتك فَقَالَ لَا قَالَ أعد صَلَاتك لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 طاوسا روى عَن ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة وَذكر أَيْضا أَمر حَدِيث الْإِفْك عَن عبد الله بن الْمُبَارك {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} إِلَى قَوْله {أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم} إِن هَذِه أَرْجَى آيَة فِي الْقُرْآن 40 - (قَوْله) لم يستوعبا الصَّحِيح وَلَا التزاماه قلت وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم فِي خطْبَة الْمُسْتَدْرك لم يحكما وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا أَنه لم يَصح من الحَدِيث غير مَا خرجاه وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل قَالَ وَقد بقيت الحديث: 40 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 أَحَادِيث صِحَاح لم يخرجاها وَلَيْسَ فِي تَركهمَا إِيَّاهَا دَلِيل على ضعفها وَعذر البُخَارِيّ كي لَا يطول الْكتاب فيمل فَإِنَّهُ قَالَ وَتركت من الصِّحَاح بِحَال [الطول] وَأما مُسلم فَإِنَّهُ قسم الْأَخْبَار ثَلَاثَة أَقسَام فَأخْرج الأول وَهِي الْأَخْبَار الَّتِي هِيَ أسلم من الْعُيُوب من غَيرهَا وأنقى وَمن عزمه أَن يخرج الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ فَأَدْرَكته الْمنية قبل إخراجهما انْتهى وَكَذَا الْحَازِمِي قَالَ لم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن يخرج كل مَا صَحَّ من الحَدِيث وكما أَنه لم يخرج عَن كل من صَحَّ حَدِيثه وَلم ينْسب إِلَى شَيْء من جِهَات الْجرْح وهم خلق كثير يبلغ عَددهمْ نيفا وَثَلَاثِينَ ألفا لِأَن تَارِيخه يشْتَمل على نَحْو من أَرْبَعِينَ ألفا وَزِيَادَة وَكتابه فِي الضُّعَفَاء دون السبعمائة نفس (أ 22) فالثقات عِنْده أَكثر (وَمَعَ ذَلِك فَالَّذِينَ) خرجهم فِي جَامِعَة دون أَلفَيْنِ وَكَذَا لم يخرج كل مَا صَحَّ من الحَدِيث انْتهى وَالْقَصْد من هَذَا أَمْرَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أَحدهمَا أَن إِلْزَام الْحَاكِم وَغَيره لَهما أَحَادِيث على شَرطهمَا لم يخرجاها لَيْسَ بِلَازِم وَكَذَا فعل الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ صنف جُزْءا فِي أَحَادِيث رجال من الصَّحَابَة رويت عَنْهُم من وُجُوه صِحَاح لَا مطْعن فِيهَا (د 16) فإلزام الدَّارَقُطْنِيّ الشَّيْخَيْنِ - يُخرجهَا إِذْ حَدهَا بسهامها - وَهُوَ فِي جُزْء صَغِير وخرجها أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ بأسانيدها من رِوَايَته عَن شُيُوخه فِي أَرْبَعَة أَجزَاء وَالثَّانِي أَن تَركهمَا إِخْرَاج حَدِيث لَا يدل على ضعفه مَا لم يُصَرح أحد مِنْهُم بضعفه أَو جرح رُوَاته وَلَو كَانَ كَذَلِك لما صَحَّ الِاحْتِجَاج بِمَا عدا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ [لَكِن لما جَاءَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا لم يستوعبا الصَّحِيح] من الحَدِيث كُله وَلَا الرِّجَال الثِّقَات وَقد صحّح كل وَاحِد مِنْهُمَا أَحَادِيث سُئِلَ عَنْهَا وَلَيْسَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فِي كِتَابه 41 - (قَوْله) وروينا عَن مُسلم أَنه قَالَ لَيْسَ كل شَيْء عِنْدِي صَحِيح وَضعته هَا هُنَا - يَعْنِي فِي كِتَابه الصَّحِيح - وَإِنَّمَا وضعت هَا هُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ إِلَى آخِره فِيهِ أَمْرَانِ الأول هَذَا ذكره مُسلم فِي صَحِيحه فِي بَاب صفة صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَول المُصَنّف أَرَادَ - وَالله أعلم - إِلَى آخِره جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَنا نجد فِي كِتَابه أَحَادِيث مُخْتَلف فِي صِحَّتهَا فقد حكى النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن ابْن الصّلاح أَنه أجَاب بجوابين أَحدهمَا الْمَذْكُور فِي كِتَابه هَا هُنَا وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ أَنه لم يضع فِيهِ مَا اخْتلف الثِّقَات فِيهِ فِي نفس الحَدِيث متْنا أَو إِسْنَادًا وَلم يرد مَا كَانَ اخْتلَافهمْ فِي تَوْثِيق بعض رُوَاته وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر من الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 كَلَامه فَإِنَّهُ ذكر ذَلِك لما سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا هَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 هُوَ صَحِيح فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيح فَقيل لَهُ لم لم تضعه هَا هُنَا فَأجَاب بالْكلَام السَّابِق وَمَعَ هَذَا فقد اشْتَمَل كِتَابه على أَحَادِيث اخْتلفُوا فِي أسانيدها أَو متونها لصحتها عِنْده وَفِي ذَلِك ذُهُول مِنْهُ عَن هَذَا الشَّرْط أَو بِسَبَب آخر وَقد استدركت وعللت الثَّانِي وَفِيه جَوَاب عَن الِاعْتِرَاض السَّابِق أَيْضا أَن مُرَاده ب المجمعين من لقِيه من أهل النَّقْل وَالْعلم بِالْحَدِيثِ قَالَه صَاحب الْمُفْهم وَقيل أَئِمَّة الحَدِيث كمالك وَالثَّوْري وَشعْبَة وَأحمد بن حَنْبَل وَابْن مهْدي وَغَيرهم قَالَه أَبُو حَفْص الميانشي فِي كتاب إِيضَاح مَا لَا يسع الْمُحدث جَهله وَذكر غَيره أَن مُسلما أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 إِجْمَاع أَرْبَعَة من الْحفاظ أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور الْخُرَاسَانِي 42 - (قَوْله) وَقد قَالَ البُخَارِيّ أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح قلت قيل إِنَّه أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة وَهَذَا (ع 21) ضَعِيف بل أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 التَّحْدِيد وَقد نقل عَن غَيره من الْحفاظ مَا هُوَ أَكثر من ذَلِك وعَلى هَذَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه أَرَادَ بِهِ تعدد الطّرق والأسانيد وَالثَّانِي أَن مُرَاده بالأحاديث مَا هُوَ أَعم من الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف وأقاويل السّلف وعَلى هَذَا حمل الْبَيْهَقِيّ فِي مَنَاقِب أَحْمد قَول أَحْمد صَحَّ من الحَدِيث سَبْعمِائة ألف على أَنه أَرَادَ أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَإِن قلت قد قَالَ ومائتي ألف غير صَحِيح فَمَا فَائِدَة حفظه لذَلِك قلت [التَّمْيِيز بَينهمَا] وَقد قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أحفظ سبعين ألفا صَحِيحَة وَأَرْبَعَة آلَاف مزورة فَقيل لَهُ مَا معنى حفظ المزورة قَالَ إِذا مر بِي حَدِيث مِنْهَا فِي الْأَحَادِيث عَرفته ذكره شيخ الْإِسْلَام فِي ذمّ الْكَلَام 43 - (قَوْله) ثمَّ إِن أَبَا عبد الله بن الأخرم الْحَافِظ قَالَ قل مَا يفوت الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 البُخَارِيّ وَمُسلمًا - مِمَّا يثبت من الحَدِيث الصَّحِيح [يَعْنِي] فِي كِتَابَيْهِمَا وَلقَائِل أَن يَقُول لَيْسَ ذَلِك بِالْقَلِيلِ وَفِي كتاب الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم جملَة مستكثرة وَقد قَالَ البُخَارِيّ (أ 23) أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا مَا أوردهُ على ابْن الأخرم لَا يرد لِأَنَّهُ قَالَ قل مَا يفوتهما مِمَّا يثبت من الحَدِيث الصَّحِيح وَلم يعين من كِتَابَيْهِمَا وَمَا احْتج عَلَيْهِ بقولة البُخَارِيّ أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح حجَّة لِابْنِ الأخرم لَا عَلَيْهِ أَو يكون مُرَاد ابْن الأخرم الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ وَذكر أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن أبي الْقَاسِم البوشنجي فِي كتاب الْجَهْر بالبسملة عَن البُخَارِيّ أَنه صنف كتابا أورد فِيهِ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وَهُوَ غَرِيب وَلَعَلَّه أَرَادَ لَو صنف على أَن الأقدمين يطلقون الْعدَد من الْأَحَادِيث على الحَدِيث الْوَاحِد الْمَرْوِيّ بعدة أَسَانِيد وعَلى هَذَا فيسهل الْخطب فَرب حَدِيث لَهُ مائَة طَرِيق وَأكْثر وَقد قَالَ الْفَقِيه نجم الدّين الْقَمُولِيّ إِن مَجْمُوع مَا صَحَّ من الحَدِيث أَرْبَعَة عشر ألف حَدِيث وَأول كَلَام البُخَارِيّ السَّابِق فَقَالَ مُرَاده - وَالله أعلم - بِمَا ذكره تعدد الطّرق والأسانيد وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهم فَسمى الْجَمِيع حَدِيثا وَقد كَانَ السّلف يطلقون الحَدِيث على ذَلِك قَالَ وَهَذَا أولى من تَأْوِيله أَنه أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة بل هُوَ مُتَعَيّن لَا يجوز الْعُدُول عَنهُ انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَهَذَا التَّأْوِيل يُؤَيّدهُ أَنه قد صَحَّ عَن جمَاعَة من الْحفاظ أَن الْأَحَادِيث لَا تَنْتَهِي إِلَى هَذَا الْعدَد وَقد ذكر أَبُو الْعَرَب فِي مُقَدّمَة كِتَابه الضُّعَفَاء عَن عَليّ بن بَقِي قَالَ سَأَلت يحيى بن سعيد الْقطَّان كم جملَة الْمسند فَقَالَ لي حصل أَصْحَابنَا ذَلِك وَهُوَ ثَمَانِيَة آلَاف حَدِيث وفيهَا مُكَرر قَالَ وَسمعت إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول سَأَلت جمَاعَة من أهل الْبَصْرَة عَن جملَة الْمسند الَّذِي رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا سَبْعَة آلَاف ونيف وَعَن غنْدر سَأَلت شُعْبَة عَن هَذَا فَقَالَ جملَة الْمسند أَرْبَعَة آلَاف ونيف وناظر عبد الرَّزَّاق إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي ذَلِك فَقَالَ إِسْحَاق أَرْبَعَة آلَاف وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أَقُول مَا قَالَه يحيى بن سعيد الْمسند أَرْبَعَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة مِنْهَا ألف ومائتان سنَن وَثَمَانمِائَة (د 17) حَلَال وَحرَام وَأَلْفَانِ وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فَضَائِل وأدب وتسديد وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ سِتَّة آلَاف أَو خَمْسَة وَذكر عَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة القدماء قَرِيبا من ذَلِك وَأكْثر مَا قيل ثَمَانِيَة آلَاف لَكِن أَيْن هَذَا مِمَّا حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الْحَث على الْحِفْظ عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قَالَ أعرف بكتابي مائَة ألف حَدِيث كَأَنِّي أنظر إِلَيْهَا وأحفظ مِنْهَا سبعين ألف حَدِيث من ظهر قلبِي صَحِيحَة وأحفظ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث مزورة قَالَ وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ عَن رجل حلف بِالطَّلَاق أَن أَبَا زرْعَة يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث هَل حنث قَالَ لَا ثمَّ قَالَ أَبُو زرْعَة أحفظ مِائَتي ألف حَدِيث كَمَا يحفظ الْإِنْسَان {قل هُوَ الله أحد} وَفِي المذاكرة ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 انْتهى [قَوْله] وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب وَالصَّوَاب أَنه لم يفت الْأُصُول الْخَمْسَة إِلَّا الْيَسِير أَعنِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ (ع 22) انْتهى وَقد يتَوَقَّف فِي هَذَا إِلَى مَا سبق وَمن يُحِيط بِالصَّحِيحِ حَتَّى يحصره وَفِي مدْخل الْحَاكِم عَن الإِمَام أَحْمد صَحَّ من الحَدِيث سَبْعمِائة ألف حَدِيث وَكسر وَهَذَا الْفَتى يَعْنِي أَبَا زرْعَة يحفظ سِتّمائَة ألف حَدِيث انْتهى وَهَذَا يَنْفِي إِرَادَة الْمُبَالغَة وَيَقْتَضِي إِجْرَاء كَلَام الْأَئِمَّة على ظَاهره وَذكر سعيد بن أبي مَرْيَم قَالَ سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول كتبت بيَدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 مائَة ألف حَدِيث قَالَ القَاضِي أبن المنتاب وَمِائَة ألف يسْمعهَا مَالك فتضاعف إِلَى عصرنا ويتشعب أَكثر من ألف ألف طَرِيق وَذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه كتب ألف ألف حَدِيث أسقط مِنْهَا ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث وَخرج مُسْنده من سَبْعمِائة ألف حَدِيث وَقَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن رَآهُ وَسمع مِنْهُ زِيَادَة على مائَة ألف إِنْسَان من رجل وَامْرَأَة وكل قد روى عَنهُ سَمَاعا أَو رِوَايَة فَعلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وَيُمكن الْجمع بَين كَلَام الْأَئِمَّة بِحمْل من نقل عَنهُ دون ذَلِك على أصُول الْأَحْكَام كَمَا يحْكى عَن أبي بكر بن عقال قَالَ أَبُو دَاوُد ذكرُوا عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قَالَ السّنَن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو تِسْعمائَة حَدِيث فَقيل لَهُ إِن أَبَا يُوسُف قَالَ هِيَ ألف وَمِائَة قَالَ أَبُو يُوسُف أَخذ (أ 24) تِلْكَ الهنات من هُنَا وَمن هُنَا يَعْنِي الْأَحَادِيث الضعيفة وَذكر عَن يحيى بن معِين أَن جملَة الْمسند أَرْبَعَة آلَاف ونيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وروى الخليلي فِي الْإِرْشَاد بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْبُوَيْطِيّ قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول أصُول الْأَحْكَام نَيف وَخَمْسمِائة حَدِيث كلهَا عَن مَالك إِلَّا ثَلَاثِينَ حَدِيثا وَكلهَا عِنْد ابْن عُيَيْنَة إِلَّا سِتَّة أَحَادِيث الثَّانِي ابْن الأخرم هَذَا [هُوَ] مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ الْمَعْرُوف أَبوهُ بِابْن الْكرْمَانِي وَيُقَال لَهُ أَيْضا الأخرم إِجْرَاء للقب أَبِيه عَلَيْهِ وَكَانَ صدر أهل الحَدِيث بنيسابور قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي هُوَ الْفَاضِل ابْن الْفَاضِل فِي الْحِفْظ والفهم صنف على الْكِتَابَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم وَكَانَ ابْن خُزَيْمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 يُرَاجِعهُ فِي مهمة سمع مِنْهُ أَبُو بكر الْقطيعِي وَأَبُو الْوَلِيد الْقرشِي وَأَبُو زَكَرِيَّا الْمُزَكي والطبقة توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة 44 - (قَوْله) وَقد قَالَ البُخَارِيّ أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح ومائتي ألف حَدِيث غير صَحِيح قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي جَاءَ فِي بعض الطّرق عَنهُ وَأعرف مِائَتي الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الف بِلَفْظ أعرف بدل أحفظ وَكَأن هَذِه الرِّوَايَة أحسن 45 - (قَوْله) وَجُمْلَة مَا فِي كِتَابه الصَّحِيح سَبْعَة آلَاف ومائتان وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا بالأحاديث المكررة هَذَا الَّذِي جزم بِهِ من الْعدَد الْمَذْكُور صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَة الْفربرِي وَأما رِوَايَة حَمَّاد بن شَاكر فَهِيَ دونهَا بِمِائَتي حَدِيث وَدون هَذِه بِمِائَة حَدِيث رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن معقل الحديث: 45 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 نقل ذَلِك من خطّ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْملك بن الْحسن بن عبد الله الصّقليّ وَذكر أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمجِيد الميانشي فِي كِتَابه إِيضَاح مَا لَا يسع الْمُحدث جَهله الَّذِي اشْتَمَل عَلَيْهِ كتاب البُخَارِيّ من الْأَحَادِيث سَبْعَة آلَاف وسِتمِائَة ونيف أختارها من ألف ألف حَدِيث وسِتمِائَة ألف حَدِيث ونيف (فَائِدَة) لم يتَعَرَّض المُصَنّف لعدد مَا فِي كتاب مُسلم وَذكر فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ على مُسلم أَن فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أصُول دون المكرر كَمَا ذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَبِه جزم النَّوَوِيّ فِي تقريبه وَلم يذكر عدته بالمكرر وَهُوَ يزِيد على البُخَارِيّ لِكَثْرَة طرقه وَقَالَ أَحْمد بن سَلمَة يُقَال هُوَ إثنا عشر ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 حَدِيث وَقَالَ أَبُو حَفْص الميانشي اشْتَمَل كتاب مُسلم على ثَمَانِيَة آلَاف حَدِيث وَلَعَلَّ هَذَا أقرب وَأما كتاب أبي دَاوُد فَفِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث قَالَ ابْن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا هَذِه السّنَن فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث والمراسيل نَحْو سِتّمائَة حَدِيث قَالَ أَبُو دَاوُد وَلم أصنف فِي هَذَا الْكتاب (ع 23) إِلَّا الْأَحْكَام وَلم أصنف فِيهِ كتب الزّهْد وَلَا فَضَائِل الْأَعْمَال وَهِي أَحَادِيث فِي صِحَاح كَثِيرَة وَعنهُ مَا فِي كتاب السّنَن حَدِيث إِلَّا وَقد عرضته على أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى ابْن معِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وَأما كتاب ابْن مَاجَه فَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان صَاحبه عدته أَرْبَعَة آلَاف وَأما أَحَادِيث التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَلم أر من عدهما وَأما الْمُوَطَّأ فَقَالَ أَبُو بكر الْأَبْهَرِيّ جملَة مَا فِيهِ من الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ألف وَسَبْعمائة وَعِشْرُونَ حَدِيثا الْمسند مِنْهَا سِتّمائَة حَدِيث والمرسل مِائَتَان وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثا وَالْمَوْقُوف سِتّمائَة وَثَلَاثَة عشر وَمن قَول التَّابِعين مِائَتَان وَخَمْسَة وَثَمَانُونَ وَذكر الكيا الهراسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فِي تَعْلِيقه فِي الْأُصُول إِن موطأ مَالك كَانَ اشْتَمَل على تِسْعَة آلَاف حَدِيث ثمَّ لم يزل ينتقي حَتَّى رَجَعَ إِلَى سَبْعمِائة وَذكر ابْن قدامَة فِي نسب قُرَيْش أَن الْوَلِيد (د 18) بن عَمْرو بن الزبير بن الْعَوام يُقَال إِنَّه [الَّذِي] ألف لمَالِك الْمُوَطَّأ وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 القَاضِي ابْن المنتاب أَن مَالِكًا روى مائَة ألف حَدِيث جمع مِنْهُ فِي موطئِهِ (أ 25) عشرَة آلَاف ثمَّ لم يزل يعرضهَا على الْكتاب وَالسّنة ويختبرها بالآثار وَالْأَخْبَار [حَتَّى وصلت] إِلَى خَمْسمِائَة وَأما مُسْند أَحْمد فَسَيَأْتِي فِيمَا بعد 46 - (قَوْله) وَرُبمَا عد الحَدِيث الْوَاحِد الْمَرْوِيّ بِإِسْنَادَيْنِ حديثين أَي إِذا كَانَ من الصَّحَابَة أَو التَّابِعين قَالَه الْحَافِظ الْمزي 47 - (قَوْله) ثمَّ إِن الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح على مَا فِي الْكِتَابَيْنِ إِلَى آخِره حَاصله أَن من أَرَادَ الْوُقُوف على الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي لَيست فِي البُخَارِيّ وَلَا [فِي] مُسلم أَو على زِيَادَة لَفْظَة فِي حَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو تَتِمَّة لمَحْذُوف أَو زِيَادَة شرح فَعَلَيهِ بِهَذِهِ الْكتب الَّتِي ذكرهَا لَكِن مَا ذكره من الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 تَقْيِيد الحكم بِالصِّحَّةِ بِمَا نصوا على صِحَّته فِي مصنفاتهم لَيْسَ بِشَرْط بل إِذا صَحَّ مِنْهُم تَصْحِيح حَدِيث وَلَو فِي غير مصنفاتهم أَو صَححهُ من لم يشْتَهر لَهُ تصنيف من الْأَئِمَّة الْمُتَقَدّمَة كيحيى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَغَيرهمَا فَالْحكم كَذَلِك وَإِنَّمَا قَيده ابْن الصّلاح بالمصنفات بِنَاء على اعْتِقَاده السَّابِق أَنه لَيْسَ لأحد التَّصْحِيح فِي هَذِه الْأَعْصَار وَقد وَافقه النَّوَوِيّ هُنَا ذهولا عَن اخْتِيَاره السَّابِق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 48 - (قَوْله) وَكثير من هَذَا مَوْجُود فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للحميدي وعَلى هَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَن يعزا مَا فِيهِ للْبُخَارِيّ وَمُسلم لما فِيهِ من الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا فليحذر من ذَلِك وَيُحَرر اللَّفْظ من الْكِتَابَيْنِ أَو أَحدهمَا وَمَا لم يُوجد فيهمَا أَو أَحدهمَا فَلَا يحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يعرف إِسْنَاده [وَهَذَا] [غير] مُمكن مِنْهُ فَإِنَّهُ لم يذكر أسانيدها وَلَا ذكر اصْطِلَاحا حَتَّى يعرف فَمَا بَقِي إِلَّا النّظر فِيهَا من خَارج الحديث: 48 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 49 - (قَوْله) واعتنى الْحَاكِم بِالزِّيَادَةِ فِي عدد أَي الْمُتُون لَا الْأَسَانِيد قَالَه الْمزي 50 - (قَوْله) فِي الْمُسْتَدْرك أودعهُ مَا لَيْسَ فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا رَآهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ قد أخرجَا عَن رُوَاته فِي كِتَابَيْهِمَا فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا نوزع فِي قَوْله أودعهُ مَا لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قد أودعهُ أَحَادِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا عَجِيب فَإِن هَذِه الْأَحَادِيث وَقعت لَهُ سَهوا على خلاف شَرطه وَلم يكن مَوْضُوع الْكتاب لذَلِك وَلَا هُوَ مَقْصُوده إِذْ لَا يكون ذَلِك استدراكا حِينَئِذٍ فَكَلَام المُصَنّف صَحِيح الثَّانِي مَا ذكره فِي شَرطه قد تبعه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ وَابْن دَقِيق الْعِيد الحديث: 49 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَغَيرهمَا وَكَأَنَّهُم لم يقفوا على شَرط الْحَاكِم وَالَّذِي فِي خطْبَة الْمُسْتَدْرك مَا نَصه وَأَنا أستعين الله على إِخْرَاج أَحَادِيث رواتها ثِقَات قد احْتج بِمِثْلِهَا الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا انْتهى وَقَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد بقَوْلهمْ على شَرطهمَا [فِي كِتَابَيْهِمَا] أَن يكون رجال إِسْنَاده فِي كِتَابَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهما شَرط فِي كِتَابَيْهِمَا وَلَا فِي غَيرهمَا وعَلى هَذَا عمل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فَإِنَّهُ ينْقل عَن الْحَاكِم تَصْحِيحه لحَدِيث على شَرط البُخَارِيّ - مثلا - ثمَّ يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن فِيهِ فلَانا وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ وَكَذَلِكَ فعل الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك وَلَيْسَ ذَلِك مِنْهُم بِحسن لما ذكرنَا من كَلَام الْحَاكِم فِي (ع 24) خطبَته أَنه لم يشْتَرط نفس الرِّجَال الْمخْرج لَهُم فِي الصَّحِيح بل اشْترط رُوَاة احْتج بمثلهم الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي منازعته فِي تَحْقِيق الْمُمَاثلَة بَين رِجَاله (أ 26) وَرِجَال الصَّحِيحَيْنِ نعم الْقَوْم معذورون فَإِنَّهُ قَالَ عقب أَحَادِيث أخرجهَا هُوَ صَحِيح على شَرط مُسلم فقد احْتج بفلان وَفُلَان يَعْنِي الْمَذْكُورين فِي سَنَده فَهَذَا مِنْهُ جنوح إِلَى إِرَادَة نفس رجال الصَّحِيح وَهُوَ يُخَالف مَا ذكره فِي مُقَدّمَة كِتَابه ثمَّ إِنَّه خَالف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الاصطلاحين فِي أثْنَاء كِتَابه وَقَالَ - لما أخرج التَّارِيخ وَالسير - وَلَا بُد لنا من نقل كَلَام ابْن إِسْحَاق والواقدي وَاعْلَم أَن مَا اعْتَمدهُ فِي تَخْرِيجه أَن يرى رجلا قد وثق وَشهد لَهُ بِالصّدقِ وَالْعَدَالَة أَو حَدِيثه فِي الصَّحِيح فَيجْعَل كل مَا رَوَاهُ هَذَا الرَّاوِي على شَرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الصَّحِيح [فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون على شَرط الصَّحِيح] إِذا انْتَفَت عَنهُ الْعِلَل والشذوذ والنكارة وتوبع عَلَيْهِ فَأَما مَعَ وجود ذَلِك أَو بعضه فَلَا يكون صَحِيحا وَلَا على شَرط الصَّحِيح وَمن تَأمل كَلَام البُخَارِيّ وَنظر فِي تَعْلِيله أَحَادِيث جمَاعَة أخرج حَدِيثهمْ فِي صَحِيحه علم إِمَامَته وموقعه من هَذَا الشَّأْن وَتبين لَهُ مَا ذكرنَا وَأَن الْحَال لَيْسَ مطردا على قانون وَاحِد وَنَظِير هَذَا من يرى الرجل قد تكلم فِي بعض حَدِيثه وَضعف فِي شيخ أَو فِي حَدِيث فَيجْعَل ذَلِك سَببا لتعليل حَدِيثه وتضعيفه أَيْن وجده كَمَا يَفْعَله كثير من الْمُتَأَخِّرين من الظَّاهِرِيَّة وَغَيرهم وَهُوَ غلط فَإِن تَضْعِيفه فِي رجل أَو فِي حَدِيث ظهر فِيهِ غلطه لَا يُوجب ضعف حَدِيثه مُطلقًا ثمَّ الْعجب مِنْهُ فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه يخرج الحَدِيث وَيَقُول على شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا وَيكون الحَدِيث بذلك اللَّفْظ فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا وَقد وَقع لَهُ ذَلِك فِي أَحَادِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الأول حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد عَن بكر عَن عبد الله بن رَبَاح عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا عرس بلَيْل اضْطجع عَن يَمِينه وَإِذا عرس قبل الصُّبْح نصب ذراعه نصبا وَوضع رَأسه على كَفه وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ وَقد أخرجه مُسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الثَّانِي حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وَمن تحول عافيتك وَمن فجاءة نقمتك وَمن جَمِيع سخطك وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَقد أخرجه مُسلم عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بكر عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن عقبَة بِهِ وَلَيْسَ لأبي زرْعَة فِي الصَّحِيح غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الثَّالِث حَدِيث يحيى بن معِين حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مجَالد عَن بَيَان عَن وبرة عَن همام بن الْحَارِث عَن عمار بن يَاسر قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا مَعَه إِلَّا خَمْسَة أعبد وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بكر وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَقد أخرجه البُخَارِيّ عَن عبد الله هُوَ ابْن حَمَّاد الآملي عَن ابْن معِين بِسَنَدِهِ وَمَتنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الرَّابِع حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار (د 19) قَالَ ذكر عِنْد جَابر ابْن زيد [تَحْرِيم] [لُحُوم] الْحمر الْأَهْلِيَّة فَقَالَ أَبى ذَاك الْبَحْر - يَعْنِي ابْن عَبَّاس وتلا {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} وَقد أخرجه البُخَارِيّ مطولا عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو قلت لجَابِر بن زيد يَزْعمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة فَقَالَ قد كَانَ يَقُول ذَاك الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ عندنَا بِالْبَصْرَةِ وَلَكِن أَبى ذَاك الْبَحْر ابْن عَبَّاس وَقَرَأَ {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} الْآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 الْخَامِس حَدِيث حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن أبي حزرة عَن عبَادَة بن الْوَلِيد ابْن عبَادَة حَدِيث التقاضي بِطُولِهِ قَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ مُخْتَصرا عَن زيد بن أسلم ورِبْعِي بن حِرَاش وحَنْظَلَة بن قيس كلهم (أ 27) عَن أبي الْيُسْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 أخرجه مُسلم السَّادِس حَدِيث مكي بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس الصِّحَّة والفراغ وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ (ع 25) وَلم يخرجَاهُ وَقد أخرجه البُخَارِيّ عَن مكي بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 السَّابِع حَدِيث أبي مسْهر عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي ذَر يَا عبَادي إِن حرمت الظُّلم على نَفسِي الحَدِيث بِطُولِهِ وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ [بِهَذِهِ السِّيَاقَة وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 - رَضِي الله عَنهُ - أَن رجلا أصَاب ذَنبا فَقَالَ يَا رب أذنبت ذَنبا فَاغْفِر لي الحَدِيث بِطُولِهِ وَقد أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم جَمِيعًا الثَّامِن حَدِيث أبان بن يزِيد عَن يحيى بن أبي كثير عَن ابْن قارظ عَن السَّائِب بن يزِيد عَن رَافع بن خديج كسب الْحجام خَبِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَثمن الْكَلْب خَبِيث وَمهر الْبَغي خَبِيث وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ] وَقد أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم أبي النَّضر عَن ابْن أبي أوفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 التَّاسِع حَدِيث لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو بِطُولِهِ قَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَقد أَخْرجَاهُ جَمِيعًا الْعَاشِر حَدِيث أبي سعيد لَا تكْتبُوا عني شَيْئا سوى الْقُرْآن رَوَاهُ فِي مَنَاقِب أبي سعيد وَقد رَوَاهُ مُسلم الْأَمر الثَّانِي مَا يَدعِي أَنه على شَرط البُخَارِيّ وَقد ذكره البُخَارِيّ على خِلَافه مِنْهَا مَا أخرجه عَن سعيد بن عَامر عَن شُعْبَة عَن عبد الْعَزِيز بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 صُهَيْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من وجد تَمرا فليفطر عَلَيْهِ وَمن لَا فليفطر على المَاء فَإِنَّهُ طهُور وَقَالَ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِن التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل قَالَ سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ حَدِيث سعيد بن عَامر وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَمِنْهَا أخرج حَدِيث عبد الله بن صَالح عَن يحيى بن أَيُّوب عَن ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا من أذن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَقَالَ على شَرط البُخَارِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن البُخَارِيّ أَن يحيى بن المتَوَكل رَوَاهُ عَن ابْن جريج عَمَّن حَدثهُ عَن نَافِع وَأَن هَذَا أشبه فصحح انْقِطَاعه وَمِنْهَا أخرج من جِهَة جرير بن حَازِم عَن ثَابت عَن أنس قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل من الْمِنْبَر فَيعرض لَهُ الرجل فِي الْحَاجة فَيقوم مَعَه حَتَّى يقْضِي حَاجته وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَهَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَرْبَعَة من جِهَة جرير قَالَ التِّرْمِذِيّ غَرِيب لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 نعرفه إِلَّا من حَدِيث جرير سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول وهم جرير فِي هَذَا وَالصَّحِيح مَا رُوِيَ عَن ثَابت عَن أنس قَالَ أُقِيمَت الصَّلَاة فَأخذ رجل بيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث هُوَ هَذَا وَجَرِير رُبمَا يهم فِي الشَّيْء وَهُوَ صَدُوق انْتهى 51 - (قَوْله) وَهُوَ وَاسع الخطو فِي شَرط الصَّحِيح متساهل فِي الْقَضَاء بِهِ قلت قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر أنكر النَّاس على الْحَاكِم أبي عبد الله أَحَادِيث جمعهَا وَزعم أَنَّهَا صِحَاح على شَرط الشَّيْخَيْنِ مِنْهَا حَدِيث الطير الحديث: 51 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَمن كنت مَوْلَاهُ فعلى مَوْلَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فَأنْكر عَلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث ذَلِك وَلم يميلوا إِلَى قَوْله وَقد كَانَ عِنْد الْحَاكِم ميل إِلَى عَليّ ونعيذه بِاللَّه من أَن يبغض أَبَا بكر أَو عمر أَو عُثْمَان - رَضِي الله عَنْهُم - وَقَالَ أَبُو نعيم الْحداد سَمِعت أَبَا [مُحَمَّد] الْحسن السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن الشاذياخي يَقُول سُئِلَ الْحَاكِم عَن حَدِيث الطير فَقَالَ لم يَصح وَلَو صَحَّ لما كَانَ أحد أفضل من عَليّ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الذَّهَبِيّ وَهَذِه الْحِكَايَة سندها صَحِيح فَمَا باله أخرج حَدِيثه فِي الْمُسْتَدْرك قَالَ فَلَعَلَّهُ تغير رَأْيه انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَالْحكم على حَدِيث الطير بِالْوَضْعِ ذكره الخليلي فِي الْإِرْشَاد وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَابْن طَاهِر فِي اليواقيت وَعظم النكير على الْحَاكِم حَيْثُ قَالَ فِي عُلُوم الحَدِيث إِنَّه من (أ 28) الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة الَّتِي لم تخرج فِي الصَّحِيح قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضُوع وَإِنَّمَا يَجِيء عَن سقاط أهل الْكُوفَة عَن الْمَشَاهِير والمجاهيل عَن أنس انْتهى وَفِيمَا قَالَه نظر فقد تكلم عَلَيْهِ الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو سعيد العلائي فَقَالَ - بَعْدَمَا ذكر تَخْرِيج التِّرْمِذِيّ لَهُ وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ فِي خَصَائِص على - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - إِن الحَدِيث رُبمَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة الْحسن أَو يكون ضَعِيفا يحْتَمل ضعفه أما أَنه مَوْضُوع فَلَا وَقد خرجه الْحَاكِم بِرِجَال كلهم ثِقَات معروفون سوى أَحْمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 عِيَاض فَلم أر من ذكره بتوثيق وَلَا تجريح قَالَ وَيقرب مِنْهُ حَدِيث عَليّ خير الْبشر من أبي فقد كفر أخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَهُوَ مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ وَقد قَالَ الْخَطِيب - بَعْدَمَا أخرجه - هَذَا حَدِيث مُنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَأخرج الْحَاكِم أَيْضا حَدِيث تَزْوِيج عَليّ بفاطمة وَهُوَ مَوْضُوع وَقَالَ الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ كتاب (د 20) الْمُسْتَدْرك فِيهِ عجائب وَذَلِكَ أَنه مزج كِتَابه فَأخْرج فِيهِ مِمَّا هُوَ عَليّ شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا قَرِيبا من ثلث الْكتاب وَأخرج فِيهِ أَيْضا أَحَادِيث أسانيدها فِي الظَّاهِر على شَرطهمَا وَفِي الْبَاطِن لَهَا علل خُفْيَة مُؤثرَة فِي عدم الصِّحَّة وَهِي قِطْعَة كَبِيرَة مِنْهُ وَأخرج قِطْعَة أُخْرَى نَحْو ربعه بأسانيد حَسَنَة وصالحة وجيدة وَبَاقِي الْكتاب مَنَاكِير وعجائب وَفِي غُضُون ذَلِك أَحَادِيث نَحْو الْمِائَة يشْهد الْقلب ببطلانها وَحَدِيث الطير بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا سَمَاء وَبِكُل حَال فَهُوَ كتاب مُفِيد وَقد قَالَ ابْن طَاهِر سَمِعت أَبَا مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي يَقُول بَلغنِي أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مُسْتَدْرك الْحَاكِم ذكر بَين يَدي الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ مُسْتَدْرك عَلَيْهِمَا حَدِيث الطير فَبلغ ذَلِك الْحَاكِم فَأخْرج الحَدِيث من الْكتاب وَهَذِه الْحِكَايَة ذكرهَا الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي كتاب المادح والممدوح وَقَالَ الذَّهَبِيّ إِنَّهَا بَاطِلَة فَإِن الْحَاكِم إِنَّمَا ألف الْمُسْتَدْرك فِي أَوَاخِر عمره بعد موت الدَّارَقُطْنِيّ بِمدَّة وَحَدِيث الطير فِيهِ لم يحول مِنْهُ وَذكر ابْن طَاهِر أَنه رأى حَدِيث الطير جمع الْحَاكِم بِخَطِّهِ فِي جُزْء ضخم فَكَتبهُ للتعجب وَقد وقف عَلَيْهِ وروى أَيْضا عَن المظفر بن حَمْزَة الْجِرْجَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا سعد الْمَالِينِي يَقُول طالعت الْمُسْتَدْرك على الشَّيْخَيْنِ - الَّذِي صنفه الْحَاكِم - من أَوله إِلَى آخِره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فَلم أر فِيهِ حَدِيثا على شَرطهمَا قَالَ الذَّهَبِيّ وَهَذَا غلو وإسراف بل فِيهِ جملَة وافرة على شَرطهمَا وَجُمْلَة كَبِيرَة على شَرط أَحدهمَا وَلَعَلَّ مَجْمُوع ذَلِك [نَحْو] النّصْف وَفِيه نَحْو الرّبع صَحَّ سَنَده وَإِن كَانَ فِيهِ عِلّة قَالَ وَمَا بَقِي وَهُوَ الرَّابِع فِيهِ الْمُنكر والضعيف والموضوع وَلَيْسَت رُتْبَة أبي سعد أَن يحكم بِهَذَا وتحامل ابْن دحْيَة عَلَيْهِ فَقَالَ فِي كتاب الْعلم يجب على طلبة الحَدِيث أَن يتحفظوا من قَول الْحَاكِم أبي عبد الله فَإِنَّهُ كثير الْغَلَط بَين السقط وَقد قَالَ على مَالك وَأهل الْمَدِينَة فِي كتاب الْمدْخل مَا لَا علم لَهُ بِهِ انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 52 - (قَوْله) فَالْأولى أَن نتوسط فِيمَا حكم بِصِحَّتِهِ وَلم نجد لغيره فَهُوَ حسن إِلَى آخِره وَمَا ذكره من الحكم بالْحسنِ عِنْد التفرد مَرْدُود بل الصَّوَاب أَن مَا انْفَرد بِتَصْحِيحِهِ فَيتبع بالكشف عَنهُ وَيحكم عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِي حَاله من الصِّحَّة أَو الْحسن أَو الضعْف وعَلى ذَلِك عمل الْأَئِمَّة الْمُتَأَخِّرين وَإِنَّمَا ألجأ ابْن الصّلاح إِلَى ذَلِك اعْتِقَاده أَنه لَيْسَ لأحد التَّصْحِيح فِي هَذِه الْأَعْصَار وَقد سبق رده وَقد صحّح فِي الْمُسْتَدْرك أَحَادِيث جمَاعَة وَأخْبر فِي كتاب الْمدْخل أَنهم لَا يحْتَج بهم وَأطلق الْكَذِب على بَعضهم هَذَا مَعَ أَن مُسْتَند تَصْحِيحه ظَاهر السَّنَد وَأَن رُوَاته ثِقَات وَلِهَذَا يَقُول صَحِيح الْإِسْنَاد وَصِحَّة الْإِسْنَاد شَرط (أ 29) من شُرُوط الحَدِيث وَلَيْسَت مُوجبَة لصِحَّته بل فِي الْمُسْتَدْرك أَحَادِيث مسكوت عَنْهَا وأسانديها صَحِيحَة أَو حَسَنَة أَو ضَعِيفَة فَيحكم عَلَيْهَا بِمَا يَقْتَضِيهِ حَال أسانيدها 53 - (قَوْله) ويقاربه فِي حكمه صَحِيح أبي حَاتِم البستي أَي يُقَارِبه فِيمَا ذكر وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بل صَحِيح ابْن حبَان أصح مِنْهُ بِكَثِير الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 قَالَ فِي خطْبَة كِتَابه لم يحْتَج فِيهِ إِلَّا بِحَدِيث اجْتمع فِي كل شيخ من رُوَاته خَمْسَة أَشْيَاء الْعَدَالَة والصدق وَالْعقل بِمَا يحدث وَالْعلم بِمَا يحِيل من مَا يروي والخلو من التَّدْلِيس فَكل من اجْتمع فِيهِ هَذِه الْخِصَال الْخمس احتججنا بحَديثه وكل من تعرى عَن خصْلَة مِنْهَا لم يحْتَج بِهِ إِلَى أَن قَالَ ولعلنا قد كتبنَا عَن أَكثر من ألفي شيخ من (أسفيجاب) إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَلم نرو فِي كتَابنَا هَذَا إِلَّا عَن مائَة وَخمسين شَيخا [أَو] أقل أَو أَكثر وَلَعَلَّ معول كتَابنَا هَذَا على نَحْو من عشْرين شَيخا مِمَّن أدرنا السّنَن عَلَيْهِم قَالَ (وَمن اخْتلف فِيهِ) كسماك ابْن حَرْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَدَاوُد بن أبي هِنْد وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار وَحَمَّاد بن سَلمَة وَأبي بكر بن عَيَّاش وأضرابهم فَمن صَحَّ عِنْدِي بِالِاعْتِبَارِ أَنه ثِقَة احتججت بِهِ وَلم أعرج على قَول من قدح فِيهِ وَمن صَحَّ عِنْدِي أَنه غير عدل لم أحتج بِهِ وَإِن وَثَّقَهُ بعض أَئِمَّتنَا قَالَ وَأما زيادات الْأَلْفَاظ فِي الرِّوَايَات فَلَا نقبل شَيْئا مِنْهَا إِلَّا عَمَّن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْفِقْه لِأَن أَصْحَاب الحَدِيث يغلب عَلَيْهِم حفظ الْأَسَانِيد دون الْمُتُون وَالْفُقَهَاء الْغَالِب عَلَيْهِم حفظ الْمُتُون وأحكامها وأداؤها بِالْمَعْنَى دون الْأَسَانِيد فَإِذا رفع مُحدث خَبرا وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْفِقْه لم أقبل رَفعه إِلَّا من كِتَابه لِأَنَّهُ لَا يعلم الْمسند من الْمُرْسل وَلَا الْمَوْقُوف من الْمُنْقَطع انْتهى وَبِه تعلم أَن شَرطه أَعلَى من شَرط الْحَاكِم وَبِذَلِك صرح الْحَازِمِي فَقَالَ ابْن حبَان أمكن فِي الحَدِيث من الْحَاكِم وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 صنف أَبُو حَاتِم بن حبَان كتابا سَمَّاهُ صَحِيحا وَجمع فِيهِ الْكثير وَلَيْسَ فِي الصِّحَّة والثبت مثل هَذِه الْكتب وَسكت المُصَنّف عَن صَحِيح ابْن خُزَيْمَة وألحقه الْخَطِيب فِي الْجَامِع بِكِتَاب أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ إِنَّه شَرط فِيهِ على نَفسه إِخْرَاج مَا اتَّصل بِهِ سَنَده بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 54 - (قَوْله) الْخَامِسَة الْكتب المخرجة إِلَى آخِره لما فرغ من الْمُسْتَدْرك أَخذ فِي الْمُسْتَخْرج وَحَقِيقَته أَن يَأْتِي المُصَنّف إِلَى كتاب البُخَارِيّ أَو مُسلم فَيخرج أَحَادِيثه بأسانيد لنَفسِهِ من غير طَرِيق البُخَارِيّ أَو مُسلم فيجتمع إِسْنَاد المُصَنّف مَعَ إِسْنَاد البُخَارِيّ اَوْ مُسلم فِي شَيْخه أَو من فَوْقه الحديث: 54 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فَمِمَّنْ صنف مستخرجا على البُخَارِيّ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو بكر البرقاني وَأَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ وَمِمَّنْ صنف مستخرجا على مُسلم أَبُو الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْقرشِي وَأَبُو عوَانَة الإسفرائني وَأَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ 55 - (قَوْله) غير أَن الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لحميدي مُشْتَمل على زِيَادَة تتمات إِلَى آخِره الحديث: 55 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَمن هَا هُنَا اعْترض عَلَيْهِ فِي إِدْخَاله تِلْكَ الزِّيَادَات فِي الْكتاب فَإِنَّهُ لم يذكرهَا بِإِسْنَاد لتتميز عَن إِيرَاد الصَّحِيحَيْنِ وَذكرهَا (د 21) فِي ذيل الحَدِيث موهما أَنَّهَا فِي الصَّحِيح فليحذر من ذَلِك وَهَذَا بِخِلَاف الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لعبد الْحق وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِغَيْر لفظ الصَّحِيح وَظَاهر كَلَام ابْن الصّلاح أَن الزِّيَادَات الْوَاقِعَة فِي كتاب الْحميدِي لَهَا حكم الصَّحِيح وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لم يروها بِسَنَد كالمستخرج وَلَا ذكر أَنه يُرِيد ألفاظا وَيشْتَرط فِيهَا الصِّحَّة حَتَّى يُقَلّد فِي ذَلِك 56 - (قَوْله) ثمَّ إِن التخاريج الْمَذْكُورَة يُسْتَفَاد مِنْهَا فَائِدَتَانِ أهمل ثَالِثَة وَهِي زِيَادَة قُوَّة الحَدِيث بِكَثْرَة الطّرق ذكرهَا النَّوَوِيّ فِي الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 (أ 30) مُخْتَصره 57 - (قَوْله) وَأما الَّذِي حذف من مُبْتَدأ إِسْنَاده وَاحِد أَو أَكثر وأغلب مَا وَقع فِي البُخَارِيّ وَهُوَ فِي كتاب مُسلم قَلِيل جدا يَعْنِي حَتَّى قيل إِنَّه لم يَقع إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد فِي التَّيَمُّم وَهُوَ حَدِيث أبي الْجُهَيْم بن الْحَارِث بن الصمَّة أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَحْو بِئْر جمل الحديث: 57 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 يَعْنِي الحَدِيث إِلَى آخِره قَالَ فِيهِ مُسلم وروى اللَّيْث بن سعد وَلم يُوصل سَنَده بِهِ إِلَى اللَّيْث وَقد أسْندهُ البُخَارِيّ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث قيل وَلَيْسَ فِي مُسلم بعد مُقَدّمَة كِتَابه حَدِيثا لم يذكرهُ إِلَّا تَعْلِيقا غير هَذَا الحَدِيث وَفِيه مَوَاضِع أخر رَوَاهَا بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِل ثمَّ قَالَ وَرَوَاهُ فلَان وَلَيْسَ من بَاب التَّعْلِيق وَإِنَّمَا مُرَاده الْمُتَابَعَة للراوي الَّذِي أسْندهُ من طَرِيقه أَو الِاخْتِلَاف فِي السَّنَد لَكِن قَالَ أَبُو عَليّ الغساني فِي كتاب مُسلم أَرْبَعَة عشر موضعا تَعْلِيقا وسردها وَذكره النَّوَوِيّ فِي مُقَدّمَة الشَّرْح وَوَاحِدَة فِي موضِعين مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 58 - (قَوْله) فَفِي بعضه نظر أَي فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَحَدِيث من ساده نظر) أَي هَل هُوَ صَحِيح أم لَا مِثَاله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس كَذَا قَالَ مُجَاهِد كَذَا قَالَ عَفَّان كَذَا قَالَ القعْنبِي كَذَا اعْترض عَلَيْهِ فِي التَّمْثِيل بعفان والقعنبي فَإِن كليهمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ الَّذين سمع مِنْهُم فَمَا رَوَاهُ عَنْهُم مَحْمُول على الِاتِّصَال وَقد ذكره على الصَّوَاب فِي النَّوْع الْحَادِي عشر وَأنكر على ابْن الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 حزم حكمه بالانقطاع على حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ فِي تَحْرِيم المعازف لِأَن البُخَارِيّ قَالَ قَالَ هِشَام بن عمار وَهِشَام أحد شُيُوخ البُخَارِيّ قلت وتمثيل ابْن الصّلاح صَحِيح وَذَلِكَ لِأَن عفانا روى عَنهُ البُخَارِيّ تَارَة شفاها وَتارَة بالواسطة والقعنبي روى عَنهُ مُسلم أَيْضا كَذَلِك فَإِذا رَأَيْنَاهُ ذكره بِصِيغَة قَالَ دون صِيغَة التحديث والإخبار احْتمل الِاتِّصَال وَعَدَمه لثُبُوت الْوَاسِطَة والاتصال مَشْكُوك فِيهِ فالتحق بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ الْقدر الْمُحَقق والوصل زِيَادَة تحْتَاج إِلَى ثُبُوت وَتوقف عَنْهَا عدوله عَن صِيغَة الِاتِّصَال إِلَى هَذِه الْعبارَة فَكَانَت هَذِه بريئة فِيمَا ذكرنَا وَكَانَ ابْن الصّلاح من بَاب أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 59 - (قَوْله) وَيَنْبَغِي أَن قَول مَا كَانَ من ذَلِك وَنَحْوه بِلَفْظ فِيهِ جزم وَحكم بِهِ على من علقه عَنهُ فقد حكم بِصِحَّتِهِ إِلَى آخِره وَهَذَا الَّذِي ذكره من أَن صِيغَة الْجَزْم تدل على صِحَة الحَدِيث والتمريض على ضعفه قد تبعه عَلَيْهِ أَكثر النَّاس وَقد أعترض عَلَيْهِ من جِهَتَيْنِ من جِهَة الصِّنَاعَة وَمن جِهَة الاستقراء فَإِن كَانَ هَذَا قَالَه من جِهَة الصِّنَاعَة فَلَا شكّ أَن قَول البُخَارِيّ مثلا قَالَ بِصِيغَة الْجَزْم لَيْسَ مَا يرى من قَول التَّابِعِيّ الْكَبِير قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظ الْجَزْم وَهُوَ لَا يَقْتَضِي صِحَة الحَدِيث فبذلك رأى البُخَارِيّ إِذا علق الحَدِيث لم يفد الصِّحَّة وللمصنف أَن يَقُول المُرَاد بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح مَا نَص أَئِمَّة الحَدِيث على صِحَّته وَإِن لم يذكر إِسْنَاده وَأما الاستقراء فَلَا يساعده فقد قَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم فِي بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم رَحل جَابر بن عبد الله مسيرَة شهر إِلَى عبد الله بن أنيس فِي حَدِيث وَاحِد انْتهى هَكَذَا جزم بِهِ ثمَّ ذكر بِصِيغَة التمريض فِي آخر الْكتاب فِي الرَّد على الْجَهْمِية فَقَالَ وَيذكر عَن جَابر بن عبد الله عَن عبد الله بن أنيس سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فَذكره الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فَدلَّ على اسْتِوَاء الصيغتين عِنْده وَإِلَّا يلْزم أَن يكون الحَدِيث الْوَاحِد ضَعِيفا حسنا وَمَا يُقَال إِنَّه جزم بالرحلة دون التحديث فعندما ذكر التحديث أَتَى بِصِيغَة التَّرَدُّد مُحْتَمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَأَيْضًا فقد قَالَ البُخَارِيّ فِي بَاب وجوب الصَّلَاة فِي الثِّيَاب وَيذكر عَن سَلمَة ابْن الْأَكْوَع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فزره وَلَو بشوكة وَفِي إِسْنَاده نظر وَقَالَ فِي بَاب من أهدي لَهُ هَدِيَّة (أ 31) وَعِنْده جلساء فَهُوَ أَحَق وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس أَن جلساءه شركاؤه وَلم يَصح وَلَو كَانَ هَذَا اللَّفْظ نصا فِي التَّضْعِيف لما احْتَاجَ إِلَى تضعيفها بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَقَالَ فِي بَاب الْفَخْذ ويروى عَن ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفَخْذ عَورَة وَقَالَ أنس بن مَالك حسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن فَخذه وَحَدِيث أنس أسْند وَحَدِيث جرهد أحوط حَتَّى يخرج من اخْتلَافهمْ فَانْظُر كَيفَ قَالَ لما جزم بِهِ إِنَّه أسْند وَقَالَ [حِين] مَرضه إِنَّه أحوط وَقواهُ وسلك فيهمَا طَرِيق التَّرْجِيح وَهُوَ يدل على أَنه لَيْسَ بضعيف عِنْده وَقد رد أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية على ابْن الصّلاح مَا اخْتَارَهُ فِي التَّعْلِيق وَقَالَ بل عَادَة البُخَارِيّ أَنه إِذا جزم بالمعلق فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ صَحِيح عِنْده وَإِذا لم يجْزم بِهِ كَقَوْلِه وَيذكر عَن بهز بن حَكِيم كَانَ ذَلِك عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 حسنا لَا يبلغ مبلغ الصَّحِيح وَلَكِن لَيْسَ بضعيف مَتْرُوك بل هُوَ حسن يستشهد بِهِ ويحتج بِهِ إِذا لم يُخَالف الصَّحِيح وَلَكِن لَيْسَ بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُور وَهَذَا أقرب مِمَّا قَالَه ابْن الصّلاح وَكَذَلِكَ نَازع فِيهِ الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي - رَحمَه الله تَعَالَى -[قَالَ] فَإنَّا نجد البُخَارِيّ فِي مواضيع يَأْتِي بِصِيغَة الْجَزْم وَهِي ضَعِيفَة من خَارج وَيَأْتِي بِصِيغَة التمريض وَهِي صَحِيحَة مخرجة فِي كِتَابه فَمن الأول قَوْله فِي بَاب قَول الله عز وَجل {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} وَقَالَ الْمَاجشون عَن عبد الله ابْن الْفضل عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة فَأَكُون أول من بعث وَقد أخرجه فِي كتاب الْأَنْبِيَاء عَن ابْن الْفضل عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة لَا ذكر فِيهِ لأبي سَلمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ (د 22) أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي أَطْرَافه - وَذكر كَلَام البُخَارِيّ إِنَّمَا يعرف هَذَا عَن ابْن الْفضل عَن الْأَعْرَج وَمن الثَّانِي قَوْله فِي كتاب الصَّلَاة وَيذكر عَن أبي مُوسَى قَالَ كُنَّا نتناوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد صَلَاة الْعشَاء ثمَّ أسْندهُ بعد ذَلِك بأسطر فِي بَاب فضل الْعشَاء فَقَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَنا أَبُو أُسَامَة عَن بريد عَن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 بردة عَن أبي مُوسَى وَقَالَ فِي كتاب الطِّبّ وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرقيا بِفَاتِحَة الْكتاب ثمَّ أسْندهُ بعد ذَلِك وَقَالَ فِي كتاب من رد أَمر السَّفِيه والضعيف الْعقل وَإِن لم يكن حجر عَلَيْهِ الإِمَام وَيذكر عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد على الْمُتَصَدّق صدقته ثمَّ أسْندهُ فِي مَوضِع آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 قَالَ الْحَافِظ [عبد الْحق فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ إِن المُرَاد بِهِ حَدِيث جَابر فِي فِي بيع الْمُدبر الَّذِي أخرجه فِي صَحِيحه قلت وللمنتصر لِابْنِ الصّلاح أَن يَقُول أما الأول فَلَا يُرَاد إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِك مَا يَقْتَضِي الضعْف كَمَا لَا يَقْتَضِيهِ فِيمَا علل بِهِ غَيره أَحَادِيث أسندها هُوَ وَوَصلهَا وَيجوز أَن يكون ابْن الْفضل روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الطَّرِيقَيْنِ فَذكر البُخَارِيّ فِي كل بَاب إِحْدَاهمَا كَمَا هِيَ عَادَته عِنْد التّكْرَار وَلَا يُعلل إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي الرقَاق والتوحيد وَغَيرهمَا من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة والأعرج كليهمَا عَن أبي هُرَيْرَة وَكَذَا أخرجه مُسلم وَلم أَن الْمُعْتَرض اعْترض بقول ابْن الصّلاح فِيمَا سَيَأْتِي من قَول البُخَارِيّ وَقَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده وَأَن ذَلِك لَيْسَ من شَرطه لَكَانَ أقرب من هَذَا وَمَعَ ذَلِك فَجَوَابه يعلم مِمَّا سَيذكرُهُ المُصَنّف عِنْد ذكر هَذَا التَّعْلِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وَأما الثَّانِي فلابن الصّلاح أَن يَقُول كَلَامي فِي التَّعْلِيق الْمُجَرّد الَّذِي لم يصله فِي مَوضِع آخر فَأَما تَعْلِيق هُوَ كَذَلِك فَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ لِأَن الْعَمَل حِينَئِذٍ بالمسند وَلَو صَحَّ الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بذلك بِنَاء على أَن كَلَامه فِي مُطلق التَّعْلِيق لورد فِي الْقسم الآخر فَإِنَّهُ قد يجْزم بتعاليق مَعَ أَنه [قد] يسندها فِي مَوضِع آخر من الصَّحِيح وَلَا يُمكن دُخُول ذَلِك فِي تَقْسِيم ابْن الصّلاح وَزعم أَن البُخَارِيّ حَيْثُ علق مَا هُوَ صَحِيح إِنَّمَا يَأْتِي بِهِ بِصِيغَة الْجَزْم وَقد يَأْتِي (أ 32) بِهِ بِغَيْر صِيغَة الْجَزْم لغَرَض آخر غير التَّضْعِيف وَهُوَ إِذا اختصر الحَدِيث أَو أَتَى بِهِ بِالْمَعْنَى عبر بِصِيغَة التمريض لوُجُود الْخلاف الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَالْخلاف أَيْضا فِي جَوَاز اخْتِصَار الحَدِيث قَالَ وَإِذا تَأَمَّلت سِيَاق إِيرَاده فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة تَجدهُ كَذَلِك وَهَذَا لَا معنى لَهُ فَإِن اخْتِصَار الحَدِيث أَو رِوَايَته بِالْمَعْنَى عِنْد المعتقد لجوازه بِشَرْطِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِك وَهنا عِنْده حَتَّى يُشِير إِلَيْهِ بعد ثُبُوت صِحَة أَصله بل كَلَام سليم الرَّازِيّ مُصَرح بِأَنا وَلَو منعنَا ذَلِك لم يسْقط بِهِ الرِّوَايَة لِأَنَّهَا مَسْأَلَة اجتهادية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 ثمَّ لَو كَانَت النُّكْتَة فِي التمريض مَا ادَّعَاهُ هَذَا الْقَائِل لَاسْتَعْمَلَهُ البُخَارِيّ فِي كل موطن يَقْتَضِيهِ ذَلِك وَقد رَأَيْنَاهُ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة يسند الحَدِيث فِي مَوضِع بِطُولِهِ ثمَّ يعلقه فِي مَوضِع آخر مُخْتَصرا أَو بِالْمَعْنَى وَيَأْتِي فِيهِ بِصِيغَة الْجَزْم لَا التمريض فَمِنْهُ قَوْله فِي بَاب لَا يدْرِي مَتى يَجِيء الْمَطَر إِلَّا الله وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله وَقد أسْندهُ بِطُولِهِ فِي كتاب الْإِيمَان بِلَفْظ فِي خمس فَحذف الْجَار وَاخْتصرَ بَقِيَّة اللَّفْظ وَقَالَ فِي بَاب إِدْخَال الْبَعِير فِي الْمَسْجِد لِلْعِلَّةِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس طَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بعير وأسنده فِي كتاب الْحَج فِي بَاب الْمَرِيض يطوف رَاكِبًا عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ وَهُوَ على بعير كلما أَتَى الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ وَكبر وَقَالَ فِي بَاب رفع الْبَصَر إِلَى الْأَمَام فِي الصَّلَاة وَقَالَت عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْكُسُوف رَأَيْت جَهَنَّم يحطم بَعْضهَا بَعْضًا حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت مَعَ أَنه أسْندهُ مطولا فِي بَاب [إِذا] انفلتت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الدَّابَّة فِي الصَّلَاة وَهُوَ كثير لمن يتبعهُ فقد بَطل هَذَا التأصيل وَلم يساعده الدَّلِيل وَأَقُول مَا علقه البُخَارِيّ إِمَّا أَن يسْندهُ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه أَو لَا فَإِن أسْندهُ فَهُوَ صَحِيح عِنْده سَوَاء ذكره بِصِيغَة الْجَزْم أَو التمريض لِأَن الْعَمَل حِينَئِذٍ بالمسند وَفَائِدَة تَعْلِيقه قصد الِاخْتِصَار عَن التّكْرَار وَإِنَّمَا لم يذكرهَا كلهَا بِصِيغَة الْجَزْم اعْتِمَادًا على سندها فِي مَوضِع آخر فسهل الْأَمر فِي ذَلِك وَإِن لم يسندها فِي مَوضِع آخر فَينْظر إِمَّا أَن ينص على ضعفها فِيهِ أَو لَا فَإِن نَص على ضعفها فَذَاك وَهَذَا كَمَا سبق مِثَاله فِي زر الثَّوْب بشوكة والهدية لمن عِنْده قوم وَإِن لم ينص على ضعفها فِيهِ نظر كَلَامه عَلَيْهِ من خَارج فَإِن عثر عَلَيْهِ إِمَّا من تَارِيخه أَو من نقل التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي الْجَامِع أَو غَيره فَالْعَمَل حِينَئِذٍ بِمَا قَالَ من تَضْعِيف أَو تَحْسِين من أمثلته قَوْله فِي بَاب الْغسْل وَقَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده مَعَ أَنه قَالَ فِي تَارِيخه مِمَّا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْده صَحِيحا بل إِمَّا حسن أَو ضَعِيف وَإِن لم يُوجد شَيْء من ذَلِك فَهُوَ عِنْده حسن يستشهد بِهِ لَا سِيمَا إِذا ذكر مَعَه بِمَعْنَاهُ فِي الْمسند مَا يقويه ويعضده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وَهَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَذْهَب البُخَارِيّ فِي ذَلِك وَإِلَّا فَإِذا علمنَا لَهُ سندا من خَارج وَجب الحكم بِمَا يَقْتَضِيهِ حَاله من صِحَة أَو غَيرهَا وَكَذَلِكَ كَلَام غَيره من الْحفاظ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 60 - (قَوْله) عَن الْحَافِظ أبي نصر الوائلي أجمع أهل الْعلم أَنه لَو حلف بِالطَّلَاق أَن جَمِيع مَا فِي البُخَارِيّ مِمَّا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد صَحَّ عَنهُ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه لَا شكّ فِيهِ أَنه لَا يَحْنَث وَالْمَرْأَة بِحَالِهَا فِي حبالته انْتهى والحبالة - بِكَسْر الْحَاء - قيدها ابْن الْأَثِير وَغَيره يجمع على حبائل وَمِنْه النِّسَاء حبائل الشَّيْطَان أَي مصائده الحديث: 60 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وَفِيه أُمُور أَحدهَا أَن هَذَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا وَعَزاهُ إِلَى كتاب مُسلم قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمسَائِل المفيدة قَالَ أَبُو الْمَعَالِي من حلف بِطَلَاق زَوجته أَن جَمِيع مَا فِي البُخَارِيّ وَمُسلم (أ 33) صَحِيح لم تطلق عَلَيْهِ لإِجْمَاع (د 23) الْمُسلمين على صِحَة مَا فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ حَكَاهُ عَنهُ قَاضِي أران نقلته من خطّ شَيخنَا السلَفِي أَنه سَمعه مِنْهُ ثمَّ أَشَارَ ابْن دحْيَة إِلَى الْقدح فِي الْإِجْمَاع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَمِيع فَقَالَ وَعرض البُخَارِيّ كِتَابه على حَافظ الدُّنْيَا أبي زرْعَة الرَّازِيّ فَقَالَ كتابك كُله صَحِيح إِلَّا ثَلَاثَة احاديث الثَّانِي أَن ابْن الصّلاح فِي غير هَذَا الْكتاب قد نَازع الإِمَام فِي هَذَا الْمدْرك وَقَالَ لقَائِل أَن يَقُول إِنَّه لَا يَحْنَث وَلَو لم يجمع [الْمُسلمُونَ] على صحتهما للشَّكّ فِي الْحِنْث فَإِنَّهُ لَو حلف بذلك فِي حَدِيث لَيْسَ هَذِه صفته لم يَحْنَث وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 كَانَ رَاوِيه فَاسِقًا فَعدم الْحِنْث حَاصِل قبل الْإِجْمَاع فَلَا يُضَاف إِلَى الْإِجْمَاع ثمَّ أجَاب بِأَن الْمُضَاف إِلَى الْإِجْمَاع هُوَ الْقطع بِعَدَمِ الْحِنْث ظَاهرا وَبَاطنا وَأما عِنْد الشَّك فَعدم الْحِنْث مَحْكُوم بِهِ ظَاهرا مَعَ احْتِمَال وجوده بَاطِنا فعلى هَذَا يحمل كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ اللَّائِق بتحقيقه قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَهَذَا مِنْهُ بِنَاء على اخْتِيَاره - أَن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهَا - وَأما على مَذْهَب الْأَكْثَرين فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ لَا يَحْنَث ظَاهرا وَلَا يسْتَحبّ لَهُ الْتِزَام الْحِنْث حَتَّى تسْتَحب لَهُ الرّجْعَة كَمَا إِذا حلف بِمثل ذَلِك فِي غير الصَّحِيحَيْنِ فَإنَّا لَا نحنثه لَكِن تسْتَحب لَهُ الرّجْعَة احْتِيَاطًا لاحْتِمَال الْحِنْث وَهُوَ احْتِمَال ظَاهر قَالَ وَأما الصحيحان فاحتمال الْحِنْث فيهمَا فِي غَايَة الضعْف وَلَا تسْتَحب لَهُ الرّجْعَة لضعف احْتِمَال مُوجبهَا وَهُوَ حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَقَالَ غَيره لَا نسلم عدم وُقُوع الطَّلَاق للجزم بِصِحَّتِهِ بل لعدم الْجَزْم بِعَدَمِ صِحَّته وَلَا يَقع الطَّلَاق بِالشَّكِّ فِي وُقُوع الْمُعَلق لِأَن الْحَالِف لَا يَحْنَث إِلَّا إِذا حلف على أَمر تحقق كذبه أما إِذا حلف على أَمر يعْتَقد صدقه وَهُوَ غير صَادِق لَا يَحْنَث لَا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا الثَّالِث أَنه أجْرى هَذَا على إِطْلَاقه بِالنِّسْبَةِ لجَمِيع مَا فِيهِ من الْمسند ثمَّ اسْتثْنى فِيمَا بعد مَا قدح [فِيهِ] مُعْتَمد من الْحفاظ وَهُوَ يفهم أَنه لم يرد بِهِ التعليقات بل المسندات المتعقبات وَهِي لَا شكّ مِمَّا حكم الإمامان بِصِحَّتِهَا فَهَذَا التَّقْيِيد خلاف مَا أطلقهُ هُنَا وَكَلَام أبي نصر وَالْإِمَام ينبو عَن تَأْوِيله 61 - (قَوْله) إِن فِي بعض التراجم مَا لَيْسَ من شَرطه كَقَوْلِه بَاب مَا يذكر فِي الْفَخْذ ويروى عَن ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفَخْذ عَورَة 62 - (قَوْله) فِي أول بَاب من أَبْوَاب الْغسْل قَالَ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أَحَق أَن يستحيا مِنْهُ فَهَذَا قطعا لَيْسَ من شَرطه وَلذَلِك لم يُورِدهُ الْحميدِي فِي كِتَابه فَاعْلَم ذَلِك فَإِنَّهُ مُهِمّ خَافَ انْتهى وَمرَاده أَن هَذَا التَّعْلِيق لم يفد إِلَّا الحكم بِصِحَّتِهِ عَمَّن أسْندهُ إِلَيْهِ أما الْمَذْكُور الحديث: 61 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 فَلَيْسَ من شَرطه وَلِهَذَا لم يحْتَج بِهِ فِي إِسْنَاده وَبِهَذَا صرح أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ فِي كتاب السماع فَقَالَ البُخَارِيّ لَا يعلق فِي كِتَابه إِلَّا مَا كَانَ فِي نَفسه صَحِيحا مُسْندًا لكنه لم يسْندهُ ليفرق بَين مَا كَانَ على شَرطه فِي اصل كِتَابه وَبَين مَا لَيْسَ كَذَلِك وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي الْوَهم وَالْإِيهَام قد يعلق مَا لَيْسَ من شَرطه إِثْر التراجم فقد يترجم بِأَلْفَاظ غير الصَّحِيحَة ويورد أَحَادِيث مُرْسلَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَقد فِي هَذِه كلهَا أَن مذْهبه صِحَّتهَا بل لَيْسَ لَهُ ذَلِك [بِمذهب] إِلَّا فِيمَا يُورِدهُ بِإِسْنَادِهِ موصلا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِن البُخَارِيّ فِيمَا يعلق من الْأَحَادِيث فِي الْأَبْوَاب غير مبال لضعف رواتها فَإِنَّهَا غير مَعْدُودَة فِيمَا انتخب وَإِنَّمَا يعد من ذَلِك مَا وصل الْأَسَانِيد قلت وَكَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن يُخَالف مَا فهمه المُصَنّف من كَلَام البُخَارِيّ فِي بعض التراجم السَّابِقَة فَإِنَّهُ لما (أ 34) روى حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى هَذَا الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة يَعْنِي أَنه أَوْمَأ إِلَى تقويته وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي اللبَاس من مُسْتَدْركه وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَأخرج الْبَيْهَقِيّ الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة فِي الْفَخْذ وَقَالَ هَذِه أَسَانِيد صَحِيحَة مُحْتَج بهَا ونازعه الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره وَقَالَ لَا تصل إِلَى الصِّحَّة بل صَالِحَة للحجة بانضمام بَعْضهَا إِلَى بعض وَاعْلَم أَنه قد اعْترض على المُصَنّف فِي تَخْصِيصه الصِّحَّة فِي كتاب البُخَارِيّ بالمقاصد دون الْأَبْوَاب والتراجم بِأَنَّهُ مُخَالف لقَوْله أَولا إِن جَمِيع مَا فِيهِ صَحِيح لِأَنَّهُ إِمَّا مَذْكُور بِالْأَسَانِيدِ وَلَا خلاف فِي صِحَّته أَو بِلَفْظ الْجَزْم فَهُوَ مُلْحق بِهِ أَو غير ذَلِك وَهُوَ قَلِيل وَذكره فِي أثْنَاء الصَّحِيح يشْعر بِصِحَّتِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْفَائِدَة الثَّانِيَة أَن القَوْل فِي الصَّحِيح وَالْحسن رَاجع إِلَى تنصيص مَشَايِخ الحَدِيث وَهَا هُنَا ألزم أَن الْمُصَحح فِي كتاب البُخَارِيّ هِيَ الْمَقَاصِد دون التراجم والتعاليق فَبين الْكَلَامَيْنِ فرق قلت مُرَاده الصِّحَّة الْمجمع عَلَيْهَا فَلَا يرد عَلَيْهِ التَّعَالِيق وَنَحْوهَا مِمَّا لَيْسَ من شَرطه 63 - (قَوْله) فِي السَّابِعَة فِي ذكر رتب الصَّحِيح وَأَن أَعْلَاهُ مَا اتّفق عَلَيْهِ البُخَارِيّ وَمُسلم الحديث: 63 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 قيل فَاتَهُ أَن يَقُول أَعْلَاهُ مَا اتّفق عَلَيْهِ الْأَئِمَّة السِّتَّة فَهُوَ أَعلَى من حَدِيث اتفقَا عَلَيْهِ وَحدهمَا وَمن نظر الْأَطْرَاف للمزي اجْتمع لَهُ مِنْهُ الْكثير وَقد أفرده بالتصنيف ابْن بنت أبي سعد وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي وَفِي هَذَا نظر لِأَن شَرط الْأَرْبَعَة دون شَرط الصَّحِيحَيْنِ وَمَا لَا مدْخل لَهُ فِي زِيَادَة الصِّحَّة لَا يصلح للترجيح فِيهَا وَقد يمْنَع بِأَن الْفُقَهَاء قد يرجحون بِمَا لَا مدْخل لَهُ فِي ذَلِك الشَّيْء كَابْن الْعم الشَّقِيق يقدم على ابْن الْعم للْأَب وَإِن كَانَ الْعم للْأُم لَا يَرث نعم هَذَا إِنَّمَا يتم فِي تعَارض حديثين أَحدهمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة وَالْآخر أخرجه الشَّيْخَانِ دونهم أما حَدِيث اتّفق السِّتَّة على إِخْرَاجه فَلَا تعلق لَهُ بِحَدِيث آخر انْفَرد بِهِ الشَّيْخَانِ حَتَّى يُقَال هَذَا اصح من هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 64 - (قَوْله) الثَّانِيَة صَحِيح انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ أَي تَفْرِيعا على تَفْضِيل كِتَابه على مُسلم لِأَن شَرطه أضيق من شَرط مُسلم (د 24) 65 - (قَوْله) الثَّالِث صَحِيح انْفَرد بِهِ مُسلم لَك أَن تَقول إِنَّمَا يظْهر نزُول هَذَا عَمَّا قبله فِي حَدِيث نَص البُخَارِيّ على تَعْلِيله فَأخْرجهُ مُسلم أما حَدِيث لم يتَعَرَّض لَهُ البُخَارِيّ وَأخرجه مُسلم كَيفَ يكون نازلا وَترك البُخَارِيّ لَهُ لَا يقْدَح فِيهِ لِأَنَّهُ لم يلْتَزم كل الصَّحِيح وَالتَّحْقِيق أَن هَذِه الرُّتْبَة وَمَا قبلهَا غير جَارِيَة على الْإِطْلَاق بل قد يكون بَعْضهَا كَمَا ذكر وَقد يكون بَعْضهَا بِخِلَافِهِ وَإِلَى ذَلِك يُشِير كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل حَيْثُ قَالَ فَإِن كَانَ مِمَّا خرجه الشَّيْخَانِ فِي كِتَابَيْهِمَا وَهُوَ الدرجَة الأولى من الصِّحَاح بَينته وَإِن كَانَ مِمَّا خرجه أَحدهمَا دون الاخر وَبَعضه دون الدرجَة الأولى فِي الصِّحَّة ذكرته انْتهى وَيدل لذَلِك أَنهم قد يقدمُونَ بعض مَا رَوَاهُ مُسلم على مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ لمرجح اقْتضى ذَلِك وَمن رجح كتاب البُخَارِيّ على مُسلم إِنَّمَا أَرَادَ تَرْجِيح الْجُمْلَة على الحديث: 64 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الْجُمْلَة لَا كل وَاحِد وَاحِد من أَحَادِيثه على كل وَاحِد من أَحَادِيث الآخر وَمَعَ ذَلِك فَلَا يَسْتَقِيم من المُصَنّف إِطْلَاق تَرْجِيح مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ على مُسلم 66 - (قَوْله) الرَّابِع صَحِيح على شَرطهمَا هَذَا يتَوَقَّف على معرفَة المُرَاد بشرطهما وَقد اخْتلف فِي ذَلِك قَالَ الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين إِذا قَالُوا على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن ذَلِك مخرج على نَظِير رجال الصَّحِيحَيْنِ واصطلاح الْمُتَأَخِّرين إِذا كَانَ (أ 35) على رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبِهَذَا جزم النَّوَوِيّ وَغَيره فَقَالَ المُرَاد بشرطهما أَن يكون رجال إِسْنَاده فِي كِتَابَيْهِمَا على مَا ذكرنَا وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل لما كَانَ مُرَاد البُخَارِيّ إِيدَاع الصَّحِيح فِي كِتَابه صَار من يروي عَنهُ رِوَايَة موثوقا بِهِ فَجَائِز لمن حذا حذوه أَن يحْتَج بِهِ بِعَيْنِه وَإِن كَانَ فِي غير ذَلِك الْخَبَر فَإِذا روى مَالك وَاللَّيْث بن سعد وَعقيل وَيُونُس الحديث: 66 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَشُعَيْب وَمعمر وَابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ فقد صَار هَؤُلَاءِ بأجمعهم من شَرطه فِي الزُّهْرِيّ حَيْثُ وجدوا إِذا صحت الرِّوَايَة عَنْهُم فَأَيهمْ جِيءَ بَدَلا عَن الاخر كَانَ شَرط البُخَارِيّ فِيهِ مَوْجُودا ورأيته قصد فِي أَكثر حَدِيث ابْن عُيَيْنَة إِلَى الرِّوَايَة عَن الْحميدِي وَعلي بن الْمَدِينِيّ لذكرهما عِنْد الْخَبَر فِي أَكثر مَا روياه عَنهُ ثمَّ قد روى عَن غَيرهمَا مَا لَا يذكر فِيهِ الْخَبَر فَصَارَ ذكر تِلْكَ الرِّوَايَات الَّتِي أَتَى بهَا عَن ابْن عُيَيْنَة من روايتهما مُتَّصِلَة وَإِن لم يذكر وَصلهَا من يرويهِ هَذَا الْإِسْنَاد عَنهُ اسْتِدْلَالا بروايته ذَلِك الْخَبَر مُتَّصِلا وَأما الْحَاكِم فَقَالَ فِي الإكليل شَرطهمَا أَلا يذكرَا إِلَّا مَا رَوَاهُ صَحَابِيّ مَشْهُور لَهُ راويان ثقتان [فَأكْثر] ثمَّ يرويهِ عَنهُ تَابِعِيّ مَشْهُور بالرواية عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الصَّحَابَة لَهُ [أَيْضا] راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ من أَتبَاع الأتباع الْحَافِظ المتقن الْمَشْهُور (على ذَلِك الشَّرْط ثمَّ كَذَلِك) قَالَ وَالْأَحَادِيث المروية بِهَذَا الشَّرْط لَا يبلغ عَددهَا عشرَة آلَاف وَوَافَقَهُ صَاحبه الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي السّنَن فِي عُقُوبَة كاتم مَاله عَن الزَّكَاة لم يخرج الشَّيْخَانِ بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده جَريا على عَادَتهمَا فِي أَن الصَّحَابِيّ اَوْ التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد لم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح وَمُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي لم يثبت عَنْهُمَا رِوَايَة ثِقَة عَنهُ غير ابْنه فَلم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وَقَالَ فِي رسَالَته للجويني رَأَيْت الشَّيْخ حكى عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَنه اشْترط فِي قبُول الْأَخْبَار رِوَايَة عَدْلَيْنِ حَتَّى يصل بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي عندنَا من مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَنَّهُمَا إِنَّمَا يشترطان أَن يكون للصحابي الَّذِي روى الحَدِيث راويان فَأكْثر ليخرج بذلك عَن حد الْجَهَالَة وَهَكَذَا من دونه إِن انْفَرد أحد الراويين عَنهُ بِحَدِيث وَانْفَرَدَ الآخر بِحَدِيث آخر قبلاه وَإِنَّمَا يتوقفان فِي رِوَايَة صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ لَا يكون لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كصفوان بن عَسَّال لم يرو عَنهُ ثِقَة إِلَّا زر بن حُبَيْش وَعُرْوَة بن مُضرس لم يرو عَنهُ غير الشّعبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وعَلى هَذَا انْتهى قد رد على الْحَاكِم الْأَئِمَّة فِي ذَلِك قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي فِي الْإِلْمَام هَذِه الدَّعْوَى لم تثبت وَقد أبطل ذَلِك الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ فِي الْكتاب الَّذِي بَين فِيهِ أَوْهَام الْمدْخل للْحَاكِم قلت وَكَذَلِكَ رد على الْحَاكِم الْحَازِمِي وَابْن طَاهِر وَابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ هَذَا غير صَحِيح وَلم يصب الْحَاكِم فِي هَذَا الظَّن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَقَالَ الْحَازِمِي هَذَا قَول من لم يمعن الغوص فِي خبايا الصَّحِيح وَلَو عكس الْقَضِيَّة كَانَ أسلم قَالَ وَقد صرح بِنَحْوِ مَا قلت من هُوَ أمكن مِنْهُ فِي الحَدِيث هُوَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ قَالَ وَأما الْأَخْبَار فَإِنَّهَا كلهَا أَخْبَار آحَاد لِأَنَّهُ لَيْسَ يُوجد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر من رِوَايَة عَدْلَيْنِ روى كل وَاحِد مِنْهُمَا [عَن] عَدْلَيْنِ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى رول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا اسْتَحَالَ هَذَا وَبَطل ثَبت أَن الْأَخْبَار كلهَا أَخْبَار آحَاد فَمن رد خبر الْوَاحِد فقد رد السّنة كلهَا قَالَ الْحَازِمِي (أ 36) وَمن سبر مطالع الْأَخْبَار عرف صَوَاب مَا ذكره ابْن حبَان وَأما قَوْله إِن الْمَوْجُود على هَذَا الشَّرْط قريب من عشرَة آلَاف فَهَذَا ظن مِنْهُ بِأَنَّهُمَا لم يخرجَا إِلَّا على مَا رسم بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن أقْصَى مَا يُمكن اعْتِبَاره فِي الصِّحَّة هُوَ شَرط البُخَارِيّ وَلَا يُوجد فِي كِتَابه من النَّحْو الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ إِلَّا الْقدر الْيَسِير وَأما قَوْله إِن شَرطهمَا إِخْرَاج الحَدِيث عَن عَدْلَيْنِ وهلم جرا فَلَيْسَ كَذَلِك فَفِي الْكِتَابَيْنِ أَحَادِيث عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة لَيْسَ لَهُم غير راو وَاحِد كمرداس بن مَالك الْأَسْلَمِيّ فِي حَدِيث يذهب الصالحون الأول فَالْأول وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 لمرداس فِي كتاب البُخَارِيّ غَيره قلت وَوهم الْحَاكِم فِي قَوْله إِن مرداسا لم يخرج لَهُ الشَّيْخَانِ شَيْئا وَمِنْهُم حزن بن أبي وهب المَخْزُومِي خرج لَهُ البُخَارِيّ حديثين وَقد انْفَرد بهما عَنهُ [ابْنه] الْمسيب وَعَن الْمسيب ابْنه سعيد [وَمِنْهُم رَافع بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فِي مُسلم وَلم يرو عَنهُ غير عبد الله بن الصَّامِت وَحَدِيث أبي رِفَاعَة الْعَدوي لم يرو عَنهُ غير حميد بن هِلَال وَحَدِيث الْأَغَر الْمُزنِيّ وَلم يرو عَنهُ غير أبي بردة] قَالَ وَمن مفاريد الْكِتَابَيْنِ حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَرد من غرائب الصَّحِيح إِذْ لم يروه عَن عمر سوى عَلْقَمَة انْتهى مُلَخصا قَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر فِي كتاب اليواقيت هَذَا الشَّرْط لم يشترطاه (د 25) وَلَا نقل عَن وَاحِد مِنْهُمَا أَنه قَالَه وَالْحَاكِم ظن ذَلِك ولعمري إِنَّه شَرط حسن لَو كَانَ مَوْجُودا فِي كِتَابَيْهِمَا لكنه منتقض بِأَحَادِيث روياها عَن أَقوام لَيْسَ لَهُم غير راو وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم فَبَطل هَذَا الأَصْل وَقد صرح الإِمَام المتقن أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَنْدَه بِأَن شَرطهمَا خلاف مَا قَالَه الْحَاكِم فَقَالَ وَمن حكم الصَّحَابِيّ إِذا روى عَنهُ تَابِعِيّ وَإِن كَانَ مَشْهُورا مثل الشّعبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب ينْسب إِلَى الْجَهَالَة فَإِذا روى عَنهُ رجلَانِ صَار مَشْهُورا وَاحْتج بِهِ وعَلى هَذَا بنى البُخَارِيّ وَمُسلم كِتَابَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا أحرفا تبين أمرهَا [انْتهى] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 واعتنى ابْن الْأَثِير بالحاكم فَقَالَ مَا حكم على الْكِتَابَيْنِ بِهَذَا الحكم إِلَّا بعد الاختبار وَغَايَة مَا قيل عَلَيْهِ إِن فِي الْكِتَابَيْنِ أَحَادِيث على غير هَذَا الشَّرْط وَهَذَا ناف وَالْحَاكِم مُثبت على أَنه يُمكن تَأْوِيله بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون الحَدِيث قد رَوَاهُ عَن الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور بالرواية راويان وَرَوَاهُ عَن ذَيْنك الراويين أَرْبَعَة عَن كل راو راويان [وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَن كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة راويان] وَكَذَلِكَ إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم الثَّانِي أَن يكون للصحابي راويان يروي الحَدِيث عَنهُ أَحدهمَا ثمَّ يكون لهَذَا الرَّاوِي راويان ويروي الحَدِيث عَنهُ أَحدهمَا وَكَذَلِكَ لكل وَاحِد مِمَّن روى ذَلِك الحَدِيث [راويان] وَيكون الْغَرَض من هَذَا الشَّرْط تَزْكِيَة الروَاة واشتهار ذَلِك الحَدِيث لصدوره عَن (قوم مشهورين بالرواية) انْتهى وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين مُرَاد الْحَاكِم بقوله وَله راويان ثقتان أَي للراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 راويان لَا للْحَدِيث الْمَذْكُور لأَنا وجدنَا أَحَادِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَرْوِيهَا إِلَّا راو وَاحِد فِي مَرَّات مُتعَدِّدَة كَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِن كَانَ أَرَادَ أَن كل حَدِيث يرويهِ الرَّاوِي يكون لَهُ راويان فالاعتراض عَلَيْهِ مُتَوَجّه وَإِن كَانَ أَرَادَ أَن رَاوِي كل حَدِيث مَشْرُوط بِأَن يكون لَهُ راويان سَوَاء كَانَ فِي هَذَا الحَدِيث أَو غَيره فالاعتراض غير وَارِد وَأغْرب مِمَّا قَالَه الْحَاكِم قَول أبي حَفْص الميانشي إِن شَرطهمَا فِي صَحِيحَيْهِمَا أَلا يدخلا فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدهمَا وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان فَصَاعِدا وَمَا نَقله عَن كل وَاحِد من الصَّحَابَة (أ 37) أَرْبَعَة من التَّابِعين فَأكْثر وَقَالَ ابْن طَاهِر إِن الْأَئِمَّة الْخَمْسَة البُخَارِيّ وَمُسلمًا وَأَبا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ لم ينْقل عَن وَاحِد مِنْهُم أَنه قَالَ شرطت فِي كتابي أَن أخرج على كَذَا لَكِن لما سبرت كتبهمْ علم بذلك كل وَاحِد مِنْهُم فَشرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن يخرجَا الحَدِيث الْمجمع على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور فَأن كَانَ للصحابي راويان فَصَاعِدا فَحسن وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد وَصَحَّ ذَلِك الطَّرِيق إِلَى ذَلِك الرَّاوِي أَخْرجَاهُ إِلَّا أَن مُسلما أخرج حَدِيث قوم وَترك البُخَارِيّ حَدِيثهمْ لشُبْهَة وَقعت فِي نَفسه كحماد بن سَلمَة وَسُهيْل بن أبي صَالح وَدَاوُد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 أبي هِنْد وَأبي الزبير والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم وَالْبُخَارِيّ لما تكلم فِي هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يزِيل الْعَدَالَة والثقة ترك إِخْرَاج حَدِيثهمْ اسْتغْنَاء بغيرهم فتكلموا فِي سُهَيْل من سَمَاعه من أَبِيه فَقيل صحيفَة وَتَكَلَّمُوا فِي حَمَّاد بِأَنَّهُ أَدخل فِي حَدِيثه مَا لَيْسَ مِنْهُ وَعند مُسلم مَا صَحَّ هَذَا النّظر فَأخْرج أَحَادِيثهم لإِزَالَة الشُّبْهَة عِنْده انْتهى وَقَالَ الْحَازِمِي مَذْهَب من يخرج الصَّحِيح أَن يعْتَبر حَال الرَّاوِي الْعدْل فِي مشايخه وفيمن روى عَنْهُم وهم ثِقَات أَيْضا وَحَدِيثه عَن بَعضهم صَحِيح ثَابت يلْزمهُم أخراجه وَعَن بَعضهم مَدْخُول لَا يصلح إِخْرَاجه إِلَّا فِي الشواهد والمتابعات وَهَذَا بَاب فِيهِ غموض وَطَرِيقه معرفَة طَبَقَات الروَاة عَن رَاوِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الأَصْل ومراتب مداركهم ولنوضح ذَلِك بمثال وَهُوَ أَن تعلم مثلا أَن أَصْحَاب الزُّهْرِيّ على خمس طَبَقَات مُتَفَاوِتَة فَالْأولى فِي غَايَة الصِّحَّة نَحْو مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَعبيد الله بن عمر وَيُونُس وَعقيل وَنَحْوهم وَهِي مقصد البُخَارِيّ الثَّانِيَة شاركت الأولى فِي الْعَدَالَة غير أَن الأولى جمعت بَين الْحِفْظ والإتقان وَبَين طول الْمُلَازمَة لِلزهْرِيِّ حَتَّى كَانَ مِنْهُم من يزامله فِي السّفر ويلازمه فِي الْحَضَر وَالثَّانيَِة لم تلْزم الزُّهْرِيّ إِلَّا مُدَّة يسيرَة وَلم تمارس حَدِيثه وَكَانُوا فِي الإتقان دون الطَّبَقَة الأولى [وهم] شَرط مُسلم نَحْو الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد والنعمان بن رَاشد وَعبد الرَّحْمَن بن مُسَافر وَنَحْوهم وَالثَّالِثَة جمَاعَة لزموا الزُّهْرِيّ كالطبقة الأولى غير أَنهم لم يسلمُوا من غوائل الْجرْح فهم بَين الرَّد وَالْقَبُول وَهُوَ شَرط أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ نَحْو سُفْيَان بن حُسَيْن وجعفر بن برْقَان وَعبد الله بن عمر الْعمريّ وَزَمعَة بن صَالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الْمَكِّيّ وَغَيرهم وَالرَّابِع قوم شاركوا أهل الثَّالِثَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وتفردوا بقلة ممارستهم لحَدِيث الزُّهْرِيّ لأَنهم لم يصاحبوا الزُّهْرِيّ كثيرا وهم شَرط التِّرْمِذِيّ وَقَالَ وَفِي الْحَقِيقَة شَرط التِّرْمِذِيّ أبلغ من شَرط أبي دَاوُد لِأَن الحَدِيث إِذا كَانَ ضَعِيفا أَو مطلعه فِي حَدِيث أهل الطَّبَقَة الرَّابِعَة فَإِنَّهُ يبين ضعفه وينبه عَلَيْهِ فَيصير الحَدِيث عِنْده من بَاب الشواهد والمتابعات وَيكون اعْتِمَاده على مَا صَحَّ عِنْد الْجَمَاعَة وَمن هَذِه الطَّبَقَة إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ وَمُعَاوِيَة بن يحيى الصَّدَفِي وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة الْمدنِي وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد الْمَكِّيّ والمثنى بن الصَّباح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَنَحْوهم الْخَامِسَة قوم من الضُّعَفَاء والمجهولين لَا يجوز لمن يخرج الحَدِيث على الْأَبْوَاب أَن يخرج لَهُم إِلَّا على سَبِيل الِاعْتِبَار والاستشهاد عِنْد أبي دَاوُد فَمن دونه فَأَما عِنْد الشَّيْخَيْنِ فَلَا كبحر بن كنيز السقاء وَالْحكم بن عبد الله الْأَيْلِي وَعبد القدوس بن حبيب وَمُحَمّد بن سعيد المصلوب وَغَيرهم وَقد يخرج البُخَارِيّ أَحْيَانًا عَن أَعْيَان الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَمُسلم عَن أَعْلَام الطَّبَقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الثَّالِثَة وَأَبُو دَاوُد عَن مشاهير الرَّابِعَة وَذَلِكَ لأسباب تَقْتَضِيه وَبِهَذَا (أ 38) يعْتَذر لمُسلم فِي إِخْرَاج حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة فَإِنَّهُ لم يخرج رواياته إِلَّا عَن الْمَشْهُورين كثابت الْبنانِيّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَذَلِكَ لِكَثْرَة ملازمته ثَابتا وَطول صحبته إِيَّاه بِخِلَاف أَحَادِيث حَمَّاد عَن آحَاد الْبَصرِيين فَإِن مُسلما لم يُخرجهَا لِكَثْرَة غرائبها ولقلة ممارسته لحديثهم وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يسبر حَال الشَّخْص فِي الرِّوَايَة بعد ثُبُوت عَدَالَته فمهما حصل الْفَهم بِحَالَة (د 26) الرَّاوِي على النَّحْو الْمَذْكُور وَكَانَ الرَّاوِي محتويا على الشَّرَائِط الْمَذْكُورَة تعين إِخْرَاج حَدِيثه مُنْفَردا بِهِ كَانَ أَو مشاركا وَلَا يُقَال يلْزم البُخَارِيّ ان يخرج عَن أَعْلَام الطَّبَقَة الثَّانِيَة لوُجُود الصِّحَّة لأَنا نقُول هُوَ لم يلْتَزم إِخْرَاج كل صَحِيح كَمَا مر بَيَانه وَأعلم أَن مُسلما ذكر فِي أول صَحِيحه أَنه يقسم الحَدِيث ثَلَاثَة أَقسَام وَاخْتلف الْحفاظ هَل ذكرهَا أَو ذكر الأول فَقَط واخترمته الْمنية قبل الثَّانِي فَقَالَ القَاضِي عِيَاض بِالْأولِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ بِالثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 67 - (قَوْله) السَّابِع صَحِيح عِنْد غَيرهمَا وَلَيْسَ على شَرط أَحدهمَا جعل غَيره السَّابِع مَا حكم بِصِحَّتِهِ أهل السّنَن الْأَرْبَعَة وَمن المهم معرفَة شرطهم وَقد سبق من كَلَام الْحَازِمِي شَيْء مِنْهُ وَقَالَ ابْن طَاهِر أما أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فَإِن كتابهما يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام الأول الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحكمه مَا ذكرنَا وَالثَّانِي الصَّحِيح على شَرطهمَا قَالَ ابْن مَنْدَه شَرطهمَا إِخْرَاج أَحَادِيث أَقوام لم يجمع على تَركهم إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الْإِسْنَاد من غير قطع وَلَا إرْسَال فَيكون هَذَا الْقسم من الصَّحِيح لما بَينا أَن الشَّيْخَيْنِ تركا كثيرا من الحديث: 67 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 الصَّحِيح الَّذِي حفظاه الثَّالِث أَحَادِيث أَخْرَجَاهَا من غير قطع مِنْهُمَا بِصِحَّتِهَا وَقد أَبَانَا بِمَا يفهمهُ أهل الْمعرفَة فأورداها وَبينا سقمها لتزول الشُّبْهَة وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ فِي كِتَابه الممهد وَإِذا الْتفت إِلَى (غير مَا يُخرجهُ) أهل الصَّحِيح فَمَا خرجه النَّسَائِيّ أقرب بِالصَّحِيحِ مِمَّا خرجه غَيره بل من النَّاس من يعده من أهل الصَّحِيح لِأَنَّهُ يبين علل الْأَسَانِيد فَإِنَّهُ أدخلها فِي كِتَابه وَقد حَدثنَا عَنهُ أَنه قَالَ لم أخرج فِي كتاب السّنَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 [عَن] من يتَّفق على تَركه فَإِن خرج مِنْهُم وَاحِد بَينته وَهَذِه رُتْبَة فِي الْعلم شريفة قَالَ ابْن طَاهِر وَأما التِّرْمِذِيّ فقسم كِتَابه على أَرْبَعَة أَقسَام صَحِيح مَقْطُوع بِهِ وَهُوَ مَا أوردهُ البُخَارِيّ وَمُسلم (وَقسم على شَرط أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ كَمَا بَينا فِي الْقسم الثَّانِي لَهما) وَقسم آخر كالثالث لَهما أخرجه وَأَبَان عَنهُ ورابع أبان [هُوَ] [عَنهُ] وَقَالَ مَا أخرجت فِي كتابي إِلَّا حَدِيثا قد عمل بِهِ بعض الْفُقَهَاء [مَا خلا حديثين] فعلى الأَصْل كل حَدِيث احْتج بِهِ مُحْتَج أَو عمل بِهِ عَامل أخرجه سَوَاء صَحَّ طَرِيقه أم لم يَصح وَقد أزاح عَن نَفسه بِأَنَّهُ تكلم على كل حَدِيث بِمَا فِيهِ وَكَانَ من طَرِيقه أَن يترجم الْبَاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث مَشْهُور عَن صَحَابِيّ [فِي حكم] قد صَحَّ الطَّرِيق إِلَيْهِ وَأخرج حَدِيثه فِي الْكتب الصِّحَاح ويورد فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الْبَاب ذَلِك الحكم عَن صَحَابِيّ آخر لم يخرجوه من حَدِيثه [وَلَا يكون الطَّرِيق إِلَيْهِ] كالطريق إِلَى الأول إِلَّا أَن الحكم صَحِيح ثمَّ يتبعهُ بِأَن يَقُول وَفِي الْبَاب عَن فلَان ويعد جمَاعَة فيهم الصَّحَابِيّ فالأكثر [الَّذِي أخرج ذَلِك الحكم من حَدِيثه] وَمَا سلك هَذِه الطَّرِيقَة إِلَّا فِي أَبْوَاب مَعْدُودَة 68 - (قَوْله) إِن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهَا لتلقي الْأمة لَهَا بِالْقبُولِ وَالْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة انْتهى وَقَالَ فِي جُزْء لَهُ مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه فَهُوَ مَقْطُوع بِصدق مخبره ثَابت يَقِينا لتلقي الْأمة ذَلِك بِالْقبُولِ وَذَلِكَ يُفِيد الْعلم النظري [وَهُوَ فِي إِفَادَة الْعلم كالمتواتر إِلَّا أَن الْمُتَوَاتر يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ وتلقي الْأمة بِالْقبُولِ يُفِيد الْعلم النظري] وَقد اتّفقت الْأمة على أَن مَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على صِحَّته الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 (أ / 39) فَهُوَ حق وَصدق انْتهى فِيهِ أُمُور أَحدهَا أَن هَذَا الَّذِي قَالَه المُصَنّف قد أنكرهُ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ وَأَبُو مُحَمَّد بن عبد السَّلَام فَقَالَ النَّوَوِيّ خَالف الشَّيْخ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالُوا يُفِيد الظَّن مَا لم يتواتر لِأَن أَخْبَار الْآحَاد لَا تفِيد إِلَّا الظَّن وَلَا يلْزم من إِجْمَاع الْأمة على الْعَمَل بِمَا فيهمَا إِجْمَاعهم على أَنه مَقْطُوع بِهِ من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين هُوَ مَبْنِيّ على قَول الْمُعْتَزلَة إِن الْأمة إِذا عملت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 بِحَدِيث اقْتضى ذَلِك الْقطع بِصِحَّتِهِ قَالَ وَهُوَ مَذْهَب رَدِيء وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين قد تكلم جمَاعَة من الْحفاظ على بعض أحاديثهما فَأَيْنَ التلقي بِالْقبُولِ وَفِيهِمَا المتعارض والقطعي لَا تعَارض فِيهِ وَنقل عَن ابْن برهَان الأصولي أَنه أنكر القَوْل بِأَن عمل الْأمة بِحَدِيث يَقْتَضِي الْقطع بِهِ وَأَيْضًا فَإنَّا نقطع بِالْفرقِ بَين حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ من أشهر الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَبَين غزَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدْرًا وأحدا وحنينا والعمليات لَا تَتَفَاوَت حَتَّى يظْهر الْفرق بَين بعض أَخْبَارهَا وَبَعض وَإِذا كَانَت خطْبَة حجَّة الْوَدَاع لم يحصل الْعلم بوقوعها بل هِيَ فِي عداد الْآحَاد مَعَ وُقُوعهَا فِي الْعَالم المجتمعين فِي الْحَج فَمَا الظَّن بِبَقِيَّة الْأَخْبَار الَّتِي لم يسْمعهَا إِلَّا وَاحِد أَو اثْنَان قَالَ وَالْحق أَن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ تفِيد الظَّن الْقوي واحتجاجه على ذَلِك بتلقي الْأمة بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ عِنْد عدم الْمعَارض يَقْتَضِي الْقطع فَهَذِهِ الْحجَّة لَا تخْتَص بالصحيحين وَقد تلقت الْأمة الْكتب الْخَمْسَة أَو السِّتَّة بِالْقبُولِ وَسَيَأْتِي نقل الْإِجْمَاع فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَأَيْضًا فَقَوله إِن الْأمة تلقت الْكِتَابَيْنِ بِالْقبُولِ إِن أَرَادَ كل الْأمة فَلَا يخفى فَسَاده لِأَن الْكِتَابَيْنِ إِنَّمَا صنفا فِي الْمِائَة الثَّالِثَة بعد عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وأئمة الْمذَاهب المتبعة ورؤوس حفاظ الْأَخْبَار ونقاد الْآثَار وَإِن أَرَادَ بالأمة الَّذين وجدوا بعد الْكِتَابَيْنِ فهم بعض الْأمة لَا كلهم فَلَا يَسْتَقِيم دَلِيله الَّذِي قدره من تلقي الْأمة وَثُبُوت الْعِصْمَة لَهُم والظاهرية إِنَّمَا يعتدون بِإِجْمَاع الصَّحَابَة خَاصَّة وَأَيْضًا فَإِن أَرَادَ أَن كل حَدِيث مِنْهَا تلقوهُ بِالْقبُولِ فَهُوَ غير مُسْتَقِيم فقد تكلم جمَاعَة من الْحفاظ فِي أَحَادِيث مِنْهَا كالدارقطني بل أدعى ابْن حزم أَن فيهمَا حديثين مَوْضُوعَيْنِ وَلَكِن الْحفاظ انتقدوه عَلَيْهِ وَقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاج حَدِيث مُحَمَّد بن بشار بنْدَار وأكثرا من الِاحْتِجَاج بِهِ وَتكلم فِيهِ غير وَاحِد من الْحفاظ وَغير ذَلِك من رجالهما الَّذين تكلم فيهم فَتلك الْأَحَادِيث عِنْد هَؤُلَاءِ لَا يتلقونها بِالْقبُولِ وَإِن أَرَادَ أَن غَالب مَا فيهمَا سَالم من ذَلِك لم تبْق لَهُ حجَّة فَإِنَّهُ إِنَّمَا احْتج بتلقي الْأمة وَهِي معصومة على مَا قَرَّرَهُ وَأَيْضًا فقد حكى فِيمَا سبق عَن أبي عَليّ الْحَافِظ أَن كتاب مُسلم أصح ورد عَلَيْهِ فِيهِ القَوْل فقد أجْرى فيهمَا التَّرْجِيح وَالتَّرْجِيح لَا يكون مَعَ الْقطع بِصِحَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الْإِجْمَاع على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (د 27) قَالَه وَأَيْضًا فينقض بِفعل الْعلمَاء فِي سالف الْأَعْصَار من تعرضهم لأحاديث الصَّحِيحَيْنِ وترجيح بَعْضهَا على بعض بِاعْتِبَار من سلم من الْكَلَام على من لم يسلم مِنْهُ وَغير ذَلِك من وُجُوه الترجيحات فَلَو كَانَ الْجَمِيع مَقْطُوعًا بِهِ لَا نسد بَاب التَّرْجِيح فَهَذَا تعَارض الْإِجْمَاع الَّذِي قَالَه ابْن الصّلاح سلمنَا دَعْوَى الْإِجْمَاع لَكِن يمْتَنع تنَاوله مَحل النزاع لِأَن ابْن الصّلاح بنى صِحَّته على أَن الْأمة إِذا ظنت شَيْئا لزم أَن يكون فِي نفس الْأَمر (أ / 40) فَيكون عِنْده الظَّن الْمجمع عَلَيْهِ فَيصير الْإِجْمَاع مَعْلُوما وَإِلَّا لم يتم لَهُ مقْصده وَنحن نمْنَع ذَلِك ونقول إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا إِذا اجْتمعت على شَيْء أَنه مظنون وظنها مَعْصُوم لِئَلَّا يلْزم خطؤها فِي ظَنّهَا وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم مَا قَالَه هَذَا حَاصِل مَا ردوا بِهِ وَاعْلَم أَن هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن الصّلاح هُوَ قَول جَمَاهِير الْأُصُولِيِّينَ من أَصْحَابنَا وَغَيرهم قد جزم بِهِ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني فَقَالَ فِي كِتَابه أصُول الْفِقْه الْأَخْبَار الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَقْطُوع بِصِحَّة أُصُولهَا ومتونها وَلَا يحصل الْخلاف فِيهَا بِحَال وَإِن حصل فِي ذَلِك اخْتِلَاف فِي طرقها أَو رواتها فَمن خَالف حكمه خَبرا مِنْهَا وَلَيْسَ لَهُ تَأْوِيل سَائِغ للْخَبَر نقضنا حكمه لِأَن هَذِه الْأَخْبَار تلقتها الْأمة بِالْقبُولِ هَذَا لَفظه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَجزم بِهِ أَيْضا القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ فِي شرح الْكِفَايَة وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي اللمع وسليم الرَّازِيّ فِي التَّقْرِيب وَحَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك فَقَالَ الْخَبَر الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ يقطع بصدقه وَأَنه أَشَارَ فِي مَوضِع آخر إِلَى تلقيهم قولا لَا عملا لأَنهم متعبدون بِالْعَمَلِ بِخَبَر الْوَاحِد وَأَن القَاضِي أَبَا بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 لم يسلم الْقطع وَلَو تلقوهُ بِالْقبُولِ وَنَقله الْغَزالِيّ فِي عَن الْأُصُولِيِّينَ ثمَّ خالفهم وَنَقله الكيا الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بتلويح مدارك الْأَحْكَام عَن الْأَكْثَرين قَالَ لِأَن الْأمة لَا يجوز أَن تنطق عَن التَّصْدِيق بِالْكَذِبِ لِأَن فِي ذَلِك إِجْمَاعًا على الْبَاطِل وَهُوَ منفي عَنْهَا قَالَ وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر هَذَا لَا يتَصَوَّر عِنْدِي فَإِن الْخَبَر الْوَاحِد إِذا لم يُوجب الْعلم فَلَا يتَصَوَّر اتِّفَاق الْأمة على انْقِطَاع الِاحْتِمَال حَيْثُ لَا يَنْقَطِع وَالْإِجْمَاع إِنَّمَا يتَصَوَّر فِيمَا يجوزه الْعقل وَهَذَا لَا يجوزه الْعقل قَالَ وَالْحق مَا قَالَه القَاضِي وَمن خَالفه فِي ذَلِك لم يحصل على علم مَا قَالَه وَقَالَ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع خبر الْوَاحِد قد يُوجب الْعلم فِي مَوَاضِع مِنْهَا أَن يتلقاه الْعلمَاء بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ لأَجله فَيقطع بصدقه قَالَ وَسَوَاء فِي ذَلِك عمل الْكل أَو الْبَعْض كَخَبَر حمل بن مَالك فِي الْجَنِين وَخبر ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 عَوْف فِي الْجِزْيَة من الْمَجُوس وَخبر أبي هُرَيْرَة فِي تَحْرِيم نِكَاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وخالتها ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك ذهب أَكثر أَصْحَاب الحَدِيث إِلَى أَن الْأَخْبَار الَّتِي حكم أهل الصَّنْعَة بِصِحَّتِهَا وَرَوَاهَا الثِّقَات الْأَثْبَات مُوجبَة للْعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي الملخص إِذا تلقت الْأمة الْخَبَر بِالْقبُولِ وصدقت بِهِ فَهُوَ دَلِيل على صِحَّته لقِيَام الدَّلِيل فِي انْتِفَاء الْخَطَأ من إجماعها وَلم يحك فِي ذَلِك خلافًا وَقَالَ صَاحب الْوَاضِح من الْمُعْتَزلَة ذهب الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ إِلَى أَن الصَّحَابَة إِذا اتّفقت على الْعَمَل بِمُجَرَّد خبر دلّ على أَن الْخَبَر كَانَ متواترا فِي الأَصْل مَعْلُوما وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَذِه الْعَادة غير مَعْلُومَة فقد قبلوا أَخْبَار الاحاد أَيْضا انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَنَقله بَعضهم عَن السَّرخسِيّ من الْحَنَفِيَّة وَجَمَاعَة من الْحَنَابِلَة كَأبي يعلى وَأبي الْخطاب وَابْن حَامِد وَابْن الزَّاغُونِيّ وَأكْثر أهل الْكَلَام من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الأشعرية وَغَيرهم وَأهل الحَدِيث قاطبة وَمذهب السّلف عَامَّة وَقد تبين مُوَافقَة ابْن الصّلاح لِلْجُمْهُورِ وَهُوَ لَازم للمتأخرين فَإِنَّهُم صححوا أَن خبر الْوَاحِد إِذا احتفت بِهِ الْقَرَائِن أَفَادَ الْقطع وَاخْتَارَهُ الإِمَام وَالْغَزالِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب (أ / 41) وَغَيرهم [و] الثَّانِي مَا جزم بِهِ من كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة قد اعْترض عَلَيْهِ فِيهِ بِأَنَّهُ إِن وصل إِلَيْنَا بالآحاد فَهُوَ ظَنِّي أَو بالتواتر - وَهُوَ قَلِيل - فظني عِنْد الإِمَام والآمدي قلت صرح ابْن برهَان وَغَيره من أَئِمَّتنَا بِأَن الْإِجْمَاع قَطْعِيّ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَلِهَذَا لم يقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد وَالظَّاهِر الثَّالِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 69 - (قَوْله) سوى أحرف يسيرَة قد صرح بِالِاسْتِثْنَاءِ أَيْضا فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ على مُسلم فَقَالَ وَهَذَا مُسْتَثْنى مِمَّا ذَكرْنَاهُ بعد الْإِجْمَاع على تلقيه بِالْقبُولِ وَقَالَ النَّوَوِيّ قد أجَاب عَن تِلْكَ الأحرف آخَرُونَ قلت وَأكْثر اسْتِدْرَاك الدَّارَقُطْنِيّ [يرجع إِلَى المسانيد من غير تَرْجِيح الْمُتُون وَقد أجَاب عَن بعضه أَبُو مَسْعُود إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبيد الدِّمَشْقِي قَالَ الدراقطني] اجْتمعت بِأبي مَسْعُود فتذاكرنا مَعَه الصَّحِيحَيْنِ ومشينا مَعَه ثمَّ فتحنا عَلَيْهِ جَوَاب غرائب فَلم يُوجد الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 قَالَ ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي سَمِعت أَبَا عبد الله الْحميدِي بِبَغْدَاد يَقُول قَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد بن حزم وَمَا وجدنَا للْبُخَارِيّ وَمُسلم فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا لَا يحْتَمل مخرجا إِلَّا حديثين لكل وَاحِد مِنْهُمَا حَدِيث تمّ عَلَيْهِ فِي تَخْرِيجه الْوَهم مَعَ اتصافهما وحفظهما وَصِحَّة معرفتهما قلت وَقد رَأَيْت ذكرهمَا هُنَا لتتم الْفَائِدَة الأول خرجه مُسلم عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم وَأحمد بن جَعْفَر المعقري عَن النَّضر بن مُحَمَّد اليمامي عَن عِكْرِمَة هُوَ ابْن عمار عَن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 زميل سماك الْحَنَفِيّ عَن ابْن عَبَّاس هُوَ عبد الله بن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا نَبِي الله ثَلَاث أعطنيهن قَالَ نعم قَالَ عِنْدِي أحسن الْعَرَب وأجمله أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان أزَوّجكَهَا قَالَ نعم قَالَ [و] مُعَاوِيَة تَجْعَلهُ كَاتبا قَالَ نعم قَالَ وَتُؤَمِّرنِي حَتَّى أقَاتل الْكفَّار كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين قَالَ نعم قَالَ أَبُو زميل وَلَوْلَا أَنه طلب ذَلِك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أعطَاهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لم يسْأَل شَيْئا إِلَّا قَالَ نعم قَالَ ابْن حزم هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وَلَا شكّ فِي وَضعه والآفة فِيهِ من عِكْرِمَة ابْن عمار وَلَا يخْتَلف اثْنَان من أهل الْمعرفَة بالأخبار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَزَوَّج أم حَبِيبَة إِلَّا قبل الْفَتْح بدهر وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة وأبوها أَبُو سُفْيَان يَوْمئِذٍ كَافِر هَذَا مِمَّا لَا شكّ فِيهِ وَإِنَّمَا أسلم يَوْم الْفَتْح وَأما الَّذِي فِي كتاب البُخَارِيّ وَتَابعه مُسلم عَلَيْهِ (28) فَهُوَ قبل تَمام الْكتاب بأوراق فِي كتاب تَرْجَمَة {وكلم الله مُوسَى تكليما} فساق عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 شريك بن عبد الله قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول لَيْلَة أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَسْجِد الْكَعْبَة جَاءَهُ ثَلَاثَة نفر قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ هَكَذَا قَالَ ثمَّ مضى فِي الحَدِيث وَفِيه حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهى ودنا الْجَبَّار رب الْعِزَّة فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قاب قوسين أَو أدنى فَأوحى إِلَيْهِ مَا يُوحى خمسين صَلَاة قَالَ ابْن حزم فَهَذِهِ أَلْفَاظ مُعْجمَة مُنكرَة أَولهَا قَوْله إِن ذَلِك قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَأَنه حِينَئِذٍ فرضت عَلَيْهِم الْخَمْسُونَ صَلَاة وَهَذَا بِلَا خلاف بَين أحد من أهل الْعلم أَنه كَانَ قبل الْهِجْرَة بِسنة وَبعد أَن أُوحِي إِلَيْهِ بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَكَيف يكون قبل الْوَحْي ثمَّ قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن هبة الله بن عبد الله حميد الْبَصْرِيّ الْبَزَّار - رَحمَه الله تَعَالَى - بِمصْر وَمَا كتبت عَنهُ غير هَذِه الْحِكَايَة [حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن النَّيْسَابُورِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد القَاضِي] ثَنَا عَليّ بن أَحْمد بن النَّضر قَالَ سَمِعت عَليّ بن الْمَدِينِيّ - وَدخل عَلَيْهِ رجلَانِ عَلَيْهِمَا هَيْئَة من اللبَاس فَقَالَا لَهُ يَا أَبَا الْحسن أما تحجم وَقد هجم هَذَا الشَّهْر الْمُبَارك فَقَالَ لَهما عَليّ بن الْمَدِينِيّ قد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أفطر الحاجم والمحجوم فَقَالَ لَهُ أَحدهمَا يَا أَبَا الْحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 إنَّهُمَا كَانَا يغتابان فَقَالَ عَليّ هَذَا رَوَاهُ الحجامون وَقد ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أفطر الحاجم والمحجوم (أ / 42) ثمَّ قَالَ لعَلي ثَلَاثَة أَحَادِيث لَا تصح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو صدق السَّائِل مَا أَفْلح من رده وأنهما كَانَا يغتابان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واجهه تِلْقَاء وَجهه انْتهى كَلَام ابْن حزم وَمَا ذكره مَرْدُود وَأما الأول فَفِيهِ أَوْهَام أَحدهَا قَوْله الآفة من عِكْرِمَة بعد قَوْله إِنَّه مَوْضُوع وَلم يقل أحد إِن عِكْرِمَة يضع الحَدِيث وَلَا يكذب وَهُوَ وَإِن تكلم فِيهِ فَلم يصل أحد فِيهِ إِلَى هَذَا الْقدح قَالَ قد قَالَ يحيى بن معِين ثِقَة وَكَانَ مجاب الدعْوَة قلت وَالظَّاهِر أَن الآفة فِيهِ من الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة وَهُوَ النَّضر بن عبد الرَّحْمَن فَإِن لَهُ عَن عِكْرِمَة مَنَاكِير كَمَا قَالَه الْحفاظ فَإِن قيل فَإِن مُسلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 لم يُخرجهُ عَنهُ وَإِنَّمَا أخرجه عَن النَّضر بن مُحَمَّد اليمامي قيل وَالظَّاهِر أَن مُسلما وهم فِي ذَلِك بِسَبَب اشْتِرَاك اسمهما فَظن أَن النَّضر هَذَا الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة هُوَ ابْن مُحَمَّد الثِّقَة وَلَيْسَ كَذَلِك هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الضَّعِيف وَهَذَا أسهل من وهمه فِي متن الحَدِيث وإدخاله إِيَّاه فِي صَحِيحه مَعَ أَنه كذب الثَّانِي نَقله الْإِجْمَاع على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَزَوَّج أم حَبِيبَة إِلَّا قبل الْفَتْح لَيْسَ بِصَحِيح فقد حكى الْمُنْذِرِيّ عَن بَعضهم أَنه تزَوجهَا بِالْمَدِينَةِ بعد قدومها من الْحَبَشَة غير أَن الْمَشْهُور الأول وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي السّنة الَّتِي تزَوجهَا فِيهَا فَقيل سنة خمس من الْهِجْرَة وَقيل سنة سِتّ وَدخل بهَا فِي سنة سبع وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي صَدَاقهَا فَقيل أصدقهَا النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَقيل مِائَتي دِينَار وَقيل / أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم الثَّالِث أَن هَذَا الْإِشْكَال الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ قد أجَاب عَنهُ الْعلمَاء بأجوبة مِنْهَا أَن أَبَا سُفْيَان لما اسْلَمْ ظن أَن النِّكَاح يَتَجَدَّد بِإِسْلَام الْوَلِيّ وخفي ذَلِك عَلَيْهِ كَمَا خَفِي على ابْن عمر طَلَاق الْحَائِض وخفي على عَليّ - رَضِي الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 عَنهُ - حكم الْمَذْي مَعَ تقدم صحبته وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي انتصاره إِن قَوْله أزَوّجكَهَا أَي أجدد عقدك عَلَيْهَا وَكَأن أَبَا سُفْيَان رأى غَضَاضَة عَلَيْهِ أَن زوجت قبل إِسْلَامه بِغَيْر إِذْنه أَو أَنه اعْتقد أَن بِإِسْلَامِهِ يَنْفَسِخ نِكَاح ابْنَته وَهَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ وَمعنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطييب لِقَلْبِهِ لِأَنَّهُ لم ينْقل تَجْدِيد قطّ وَهَذَا تَأْوِيل بعيد مَعَ قَوْله عِنْدِي أجمل الْعَرَب وَأحسنه وَهِي تَحت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا أَنه يحْتَمل أَن تكون مَسْأَلته الأولى إِيَّاه فِي تَزْوِيج أم حَبِيبَة وَقعت فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 بعض خرجاته إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ كَافِر حِين سمع نعي زوج أم حَبِيبَة بِأَرْض الْحَبَشَة ومسألته الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وقعتا بعد إِسْلَامه فجمعهما الرَّاوِي قبل ذَلِك [كَمَا] فِي حَدِيث عَليّ نهى عَن نِكَاح الْمُتْعَة وَلُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة يَوْم خَيْبَر وعَلى هَذَا الْجَواب اقْتصر الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ لَا يحْتَمل إِن كَانَ الحَدِيث مَحْفُوظًا إِلَّا ذَلِك وَمِنْهَا انه يحمل الحَدِيث على ظَاهره وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج أم حَبِيبَة بِمَسْأَلَة أَبِيهَا لما أسلم وَيقدم على تزَوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا بِأَرْض الْحَبَشَة فَإِن تَزْوِيجهَا بِأَرْض الْحَبَشَة جَاءَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار مُرْسلا وَالنَّاس يَخْتَلِفُونَ فِي الِاحْتِجَاج بمسانيده فَكيف بمراسيله [و] قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَهَذَا فِيهِ نظر فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 تزَوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا لم يخْتَلف أهل الْمَغَازِي أَنه كَانَ قبل رُجُوع جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه من أَرض الْحَبَشَة ورجوعهم كَانَ زمن خَيْبَر وتزويج أم حَبِيبَة كَانَ قبله وَإِسْلَام أبي سُفْيَان بن حَرْب كَانَ فِي زمن الْفَتْح فتح مَكَّة بعد نِكَاحهَا بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث فَكيف يَصح أَن يكون تزَوجهَا بمسألته (أ / 43) قلت وَمِمَّنْ حكى الْإِجْمَاع فِي ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَكَانَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير - رَحمَه الله تَعَالَى - يذكر تَأْوِيلا حسنا وَهُوَ أَن أَبَا سُفْيَان إِنَّمَا أَرَادَ تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ابْنَته الْأُخْرَى عزة أُخْت أم حَبِيبَة فَيحصل لَهُ الشّرف بصهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجْهَيْن وَيشْهد لهَذَا حَدِيث أم حَبِيبَة أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله انكح أُخْتِي ابْنة أبي سُفْيَان وَفِي بعض طرق مُسلم عزة بنت أبي سُفْيَان فَقَالَ أوتحبين ذَلِك الحَدِيث فَكَأَن أَبَا سُفْيَان اعْتقد أَن ذَلِك يحل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لأختها أم حَبِيبَة لتساعده على ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطييبا لِقَلْبِهِ فِي أول الْأَمر ثمَّ بَين لأم حَبِيبَة أَن ذَلِك لَا يحل وَقضى حاجتيه الْأُخْرَيَيْنِ بِأَن استكتب مُعَاوِيَة وَأمر أَبَاهُ وَكَانَ مِمَّن ابتعثه لتخريب طاغوت أهل الطَّائِف وَدخل الْوَهم على عِكْرِمَة أَو غَيره فِي قَوْله أحسن الْعَرَب وأجمله أم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 حَبِيبَة وَإِنَّمَا هِيَ عزة وَكَانَ الحَدِيث عِنْده بنت أبي سُفْيَان فَاعْتقد أَنَّهَا أم حَبِيبَة فسماها وَلم يتفطن لذَلِك فَصَارَ الحَدِيث مُنْكرا بذلك ثمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَطعن بَعضهم فِي الحَدِيث بِأَمْر آخر وَقَالَ لَا أعرف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا سُفْيَان وَلَو كَانَ الحَدِيث صَحِيحا لأَمره وَفَاء بعهده وَهَذَا (د 29) مَرْدُود بِمَا سبق عَن شَيخنَا ابْن كثير من تأميره على الطَّائِف وَذكر الزبير بن بكار عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبى يَوْم حنين سِتَّة آلَاف غُلَام وَامْرَأَة فَجعل عَلَيْهِم أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَحكى الزبير أَيْضا أَنه اسْتَعْملهُ على إجلاء الْيَهُود وَقد اخْتلف فِي اسْتِعْمَاله على نَجْرَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَأما مَا ذكره فِي الحَدِيث فشريك لم يقل أحد فِيهِ إِنَّه يضع الحَدِيث وَقد رد أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ على من قَالَ حدث بِأَحَادِيث بَوَاطِيلُ قَالَ لَا تقل بَوَاطِيلُ وَأما مَا تعلق بِهِ من قَوْله قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ فقد حمل جمَاعَة من الْعلمَاء هَذَا الحَدِيث على أَن الرُّؤْيَا كَانَت مناما كَمَا وَقع لعَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة مناما وَمعنى قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ أَي بالإسراء يقظة وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك الْخطابِيّ والوزير ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 70 - (قَوْله) إِذا ظهر بِمَا قدمْنَاهُ إِلَى آخِره حَاصله أَنه يشْتَرط للْعَمَل بِالْحَدِيثِ والاحتجاج بِهِ أَخذه من نُسْخَة مُقَابلَة مَعَ ثِقَة على أصُول مُخْتَلفَة مروية بروايات متنوعة وَقد حَكَاهُ عَنهُ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم ثمَّ قَالَ وَهُوَ مَحْمُول على الِاسْتِظْهَار والاستحباب أَي لعسر ذَلِك غَالِبا وَقَالَ فِي التَّقْرِيب وَلَو قابلها بِأَصْل مُعْتَمد مُحَقّق (فَلَا يبعد الِاكْتِفَاء بِهِ) وَسَيَأْتِي من كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَا يشْهد لَهُ وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي قسم الْحسن - لما ذكر اخْتِلَاف نسخ التِّرْمِذِيّ فِي قَوْله حسن صَحِيح أَو حسن وَنَحْو ذَلِك - فَيَنْبَغِي أَن تصحح أصلك بِجَمَاعَة أصُول وتعتمد على مَا اتّفقت عَلَيْهِ انْتهى وَفِي كَلَام الْكل أَنه لَا يشْتَرط فِي ذَلِك أَن يكون لَهُ بِهِ رِوَايَة وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان إِذا وجد النَّاظر حَدِيثا مُسْندًا فِي كتاب مصحح وَلم يسترب فِي ثُبُوته وَلم يسمعهُ من شَيْخه فَلَا يرويهِ وَلَكِن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ الحديث: 70 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَلَا يتَوَقَّف وجوب الْعَمَل على الْمُجْتَهدين لموجبات الْأَخْبَار على أَن يَنْتَظِم لَهُم الْإِسْنَاد فِي جَمِيعهَا وَالْمُعْتَمد فِي ذَلِك أَن الَّذين كَانَ ترد عَلَيْهِم كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِم الْعَمَل بموجبها وَمن يبلغهُ ذَلِك الْكتاب وَلم يكن مُخَاطبا بمضمونه وَلم يسمعهُ مِمَّن سَمعه فَهُوَ كالمقصود بمضمون الْكتاب قَالَ وَلَو قَالَ رجل رَأَيْت حَدِيثا فِي صَحِيح مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مَا وثقت باشتمال الْكتاب عَلَيْهِ فعلى الَّذِي يسمعهُ يذكر ذَلِك أَن يَثِق بِهِ ويلحقه بِمَا تَلقاهُ بِنَفسِهِ أَو رَوَاهُ عَن الشَّيْخ المسمع قَالَ وَلَو عرض مَا ذَكرْنَاهُ على جملَة الْمُحدثين لأبوه فَإِن فِيهِ سُقُوط ثُبُوت الرِّوَايَة عِنْد ظُهُور الثِّقَة وَصِحَّة الرِّوَايَة وهم عصبَة (أ 44) لَا مبالاة بهم فِي حقائق الْأُصُول انْتهى وَجعل الأبياري - فِي شَرحه - هَذِه الْمَسْأَلَة من تفريعات رد الْمُرْسل لِأَن الِاعْتِمَاد على صِحَة النُّسْخَة فَقَط لَا يحصل مِنْهُ معرفَة الْوَاسِطَة فَإِذا وجد نُسْخَة مصححة - مثلا - من صَحِيح البُخَارِيّ فَمن الَّذِي أوصله إِلَى أَن هَذَا صَحِيح البُخَارِيّ وَلَو ثَبت عِنْده ذَلِك لاحتاج إِلَى أَن يثبت عِنْده الطَّرِيق من البُخَارِيّ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَؤُلَاءِ لَا يجيزون أبدا الرِّوَايَة وَالْعَمَل بهَا إِلَّا إِذا عرفت الوسائط بِالْعَدَالَةِ وَمَا وَرَاء ذَلِك فَلَا يلْتَفت إِلَى صِحَة النُّسْخَة إِلَّا أَن يَقُول الرَّاوِي أَنا أروي هَذَا عَن فلَان وعينه لَهُ وَعلمه الْفَرْع قَالَ والمحدثون فِي هَذَا الْبَاب هم أهل الْفَنّ على الْحَقِيقَة فَلَا معنى لاطراح أَقْوَالهم قيل وَمن الْغَرِيب مَا نَقله الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن خير بن عمر الْأمَوِي - وَهُوَ خَال أبي الْقَاسِم السُّهيْلي - فِي قَوْله أَي كِتَابه إِنَّه لَا يحل نقل الحَدِيث إِلَّا لمن لَهُ بِهِ رِوَايَة وَنقل الْإِجْمَاع فِي ذَلِك فَقَالَ وَقد اتّفق الْعلمَاء رَحِمهم الله تَعَالَى على أَنه لَا يَصح لمُسلم أَن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا حَتَّى يكون عِنْده ذَلِك القَوْل مرويا وَلَو على أقل وُجُوه الرِّوَايَات لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَفِي رِوَايَة من كذب عَليّ مُطلقًا من غير تَقْيِيد انْتهى وَلَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاط ذَلِك بل فِيهِ تَحْرِيم الْجَزْم بِنِسْبَة القَوْل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يتَحَقَّق أَنه رُوِيَ فِي كتب الرِّوَايَات بِدَلِيل استدلاله بِالْحَدِيثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 النَّوْع الثَّانِي معرفَة الْحسن 71 - (قَوْله) عَن الْخطابِيّ الْحسن مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا احْتَرز بقوله عرف مخرجه عَن الْمُنْقَطع الَّذِي لم يعرف مخرجه وَبِقَوْلِهِ واشتهر رِجَاله عَن حَدِيث المدلس قبل أَن يتَبَيَّن تدليسه وَالْمرَاد بالاشتهار السَّلامَة من وصمة التَّكْذِيب الثَّانِي مَا ذكره من الاشتهار خلاف الْمَوْجُود بِخَط الجياني قد نقل أَبُو عبد الله ابْن رشيد فِيمَا وجد بِخَط الجياني وَاسْتقر حَاله بمعان من الِاسْتِقْرَار وَتَحْت الْحَاء عَلامَة الإهمال لَكِن المناقشة فِي مثل هَذَا قريبَة وَرِوَايَة ابْن الصّلاح أوضح الثَّالِث أَنه حد مَدْخُول فَإِن الصَّحِيح أَيْضا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله بِالصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ الضَّعِيف بالضعف فَلَعَلَّ مُرَاده مَا لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح الحديث: 71 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 لِئَلَّا يدْخل الصَّحِيح فِي حد الْحسن قَالَه الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي قَالَ التبريزي فِيهِ نظر لِأَنَّهُ سَيَقُولُ إِن الصَّحِيح أخص من الْحسن وَدخُول الْخَاص فِي حد الْعَام ضَرُورِيّ وَالتَّقْيِيد بِمَا يُخرجهُ مخل بِالْحَدِّ قلت هَذَا إِن جعلنَا الْحَد عِنْد قَوْله واشتهر رِجَاله وَهُوَ الظَّاهِر فَإِن مَا بعده أَحْكَام لِأَن قبُول الحَدِيث والاحتجاج بِهِ فرع ثُبُوت حسنه وَيدل لَهُ تكراره قَالَ فَإِن جعلنَا مَا بعده من تَمام الْحَد انْتَفَى الْإِيرَاد لَكِن يخلفه إِشْكَال آخر وَهُوَ منع أَن يكون الْحسن كَذَلِك إِلَّا أَن يُرِيد ب كَثْرَة مدَار الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَة الطّرق فَإِن غالبها لَا يبلغ رُتْبَة الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الرَّابِع قَوْله وَهُوَ الَّذِي يقبله أَكثر الْعلمَاء اسْتشْكل الشَّيْخ فِي الاقتراح الِاحْتِجَاج بالْحسنِ وَقَالَ إِن هَا هُنَا أوصافا يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة إِذا [وجدت فِي الرَّاوِي فإمَّا أَن يكون هَذَا الحَدِيث الْمُسَمّى بالْحسنِ الَّذِي] وجدت فِيهِ هَذِه الصِّفَات على أقل الدَّرَجَات الَّتِي يجب مَعهَا الْقبُول أَو لَا فَإِن وجدت فَذَلِك صَحِيح فَإِن لم تُوجد فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِن سمي حسنا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يرد هَذَا إِلَى أَمر اصطلاحي وَهُوَ أَن يُقَال إِن الصِّفَات الَّتِي يجب (مَعهَا قبُول الرِّوَايَة) لَهَا مَرَاتِب ودرجات فأعلاها هُوَ الصَّحِيح وَكَذَلِكَ أوسطها وَأَدْنَاهَا الْحسن وَحِينَئِذٍ يرجع الْأَمر فِي ذَلِك (د 30) إِلَى الِاصْطِلَاح [وَيكون الْكل صَحِيحا فِي الْحَقِيقَة وَالْأَمر فِي الِاصْطِلَاح] قريب لَكِن من أَرَادَ هَذِه الطَّرِيقَة فَعَلَيهِ أَن يعْتَبر مَا سَمَّاهُ أهل الحَدِيث حسنا وَتَحْقِيق وجود الصِّفَات الَّتِي يجب مَعهَا قبُول الرِّوَايَة فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 72 - (قَوْله) وروينا عَن أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ يَعْنِي فِي الْعِلَل الَّتِي فِي آخر الْجَامِع وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَن شَيخنَا ابْن كثير توقف فِي ثُبُوت هَذَا عَنهُ وَقَالَ لَا نعلمهُ فِي كِتَابه وَلَا اصْطلحَ عَلَيْهِ 73 - (قَوْله) أَلا يكون فِي إِسْنَاده من يتهم بِالْكَذِبِ احْتَرز بِهِ عَمَّا فِي سَنَده مُتَّهم فَإِنَّهُ ضَعِيف وَقَوله من لَا يتهم بِالْكَذِبِ يتَنَاوَل مَشْهُور الْعَدَالَة لكنه غير مُرَاد بل المُرَاد المستور وَاحْترز بقوله وَلَا يكون حَدِيثا شاذا عَن الشاذ وَهُوَ مَا خَالف فِيهِ الثِّقَة رِوَايَات الثِّقَات وَقَوله ويروى من غير وَجه عَمَّا لم يرد إِلَّا من وَجه وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يكون حسنا لِأَن تعدد الرِّوَايَات يُقَوي ظن الصِّحَّة واتحادها مِمَّا يُؤثر ضعفا فَإِنَّهُ إِذا رُوِيَ من وَجْهَيْن مُخْتَلفين علم أَنه مَحْفُوظ لَهُ أصل إِذا لم يكن إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ الحديث: 72 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 آخذة عَن الْأُخْرَى ثمَّ قد يكون غَرِيب الْإِسْنَاد فَيكون ذَلِك الْإِسْنَاد غَرِيبا وَقد يكون مَعَ ذَلِك يرْوى من وَجه ثَالِث صَحِيح فَيكون صَحِيحا حسنا غَرِيبا وَحَاصِله اعْتِبَار ثَلَاثَة شُرُوط لِلْحسنِ قَالَ بعض الْمُحَقِّقين وَلم يَفِ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا الشَّرْط فِي الْحسن وَقد حكم بِحسن أَحَادِيث لم تجمع هَذِه الصِّفَات قلت وَمِنْه قَوْله هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه فَأَيْنَ هَذَا من قَوْله ويروى من غير وَجه إِذا علمت ذَلِك فَهَذَا الْحَد معترض بِأُمُور أَحدهَا أَن الصَّحِيح أَيْضا شَرطه أَلا يكون شاذا وَلَا يكون فِي رِجَاله مُتَّهم إِلَّا أَن يفرق بَينهمَا بِأَن الشَّرْط فِي الصَّحِيح تَعْدِيل الروَاة وَهنا عدم تفسيقهم وَفِيه نظر الثَّانِي أَن رِوَايَته من غير وَجه لَا يشْتَرط فِي الصَّحِيح فَكيف الْحسن فعلى هَذَا الْأَفْرَاد الصَّحِيحَة لَيست بحسنة عِنْد التِّرْمِذِيّ إِذْ يشْتَرط عِنْده فِي الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه كَحَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَحَدِيث السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب وَحَدِيث نهى عَن بيع الْوَلَاء وهبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 لَكِن الظَّاهِر أَن التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْحسن مَجِيئه من وَجه آخر إِذا لم يبلغ رُتْبَة الصَّحِيح فَإِن بلغَهَا لم يشْتَرط ذَلِك بِدَلِيل قَوْله فِي مَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب فَلَمَّا ارْتَفع إِلَى دَرَجَة الصِّحَّة أثبت لَهُ الْعَدَالَة بِاعْتِبَار فرديته وَالْحَاصِل أَن الَّذِي يحْتَاج إِلَى مَجِيئه من غير وَجه مَا كَانَ رَاوِيه فِي دَرَجَة المستور وَإِن لم تثبت عَدَالَته وَأكْثر مَا فِي الْبَاب أَن التِّرْمِذِيّ عرف بِنَوْع مِنْهُ لَا بِكُل أَنْوَاعه وَأَيْضًا فيشكل على قَوْله فِي مَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه إِلَّا أَن يُرِيد اللَّفْظ دون اعْتِبَار الشَّاهِد للمعنى تَوْفِيقًا بَين كلاميه الثَّالِث قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن الْمواق لم يخص التِّرْمِذِيّ الْحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 بِصفة تميزه عَن الصَّحِيح فَلَا يكون صَحِيحا إِلَّا وَهُوَ غير شَاذ وَلَا يكون صَحِيحا حَتَّى يكون رُوَاته غير متهمين بل ثِقَات قَالَ وَظهر بِهَذَا أَن الْحسن عِنْده صفة لَا تخص هَذَا الْقسم بل قد يشركهُ فِيهِ الصَّحِيح قَالَ فَكل صَحِيح عِنْده حسن وَلَيْسَ كل حسن صَحِيحا 74 - (قَوْله) قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين إِلَى آخِره هَذَا قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات والعلل المتناهية وَجزم بِهِ ابْن دحْيَة فِي الْعلم الْمَشْهُور فَقَالَ إِنَّه مَا دون الصَّحِيح مِمَّا فِيهِ ضعف قريب مُحْتَمل عَن راو لَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة الْفسق انْتهى الحديث: 74 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَهُوَ ملتبس فَإِن الضعْف الْقَرِيب لَا ضَابِط لَهُ يَنْتَهِي بِهِ الْقدر الْمُحْتَمل من غَيره وَإِذا اضْطربَ هَذَا الْوَجْه لم يحصل الْوَجْه الْمُبين للْحَقِيقَة وَلَا يَجِيء فِي قَوْله حسن صَحِيح وَوجدت بِخَط الإِمَام الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف بن مُحَمَّد السالسي الْحسن مَا لَهُ من الحَدِيث منزلَة بَين منزلتي الصَّحِيح والضعيف وَيكون الحَدِيث حسنا هَكَذَا إِمَّا بِأَن يكون أحد رُوَاته مُخْتَلفا فِيهِ وثقة قوم وَضَعفه آخَرُونَ وَلَا يكون مَا ضعف بِهِ مُفَسرًا فَإِن كَانَ مُفَسرًا قدم على تَوْثِيق من وَثَّقَهُ فَصَارَ الحَدِيث ضَعِيفا وَإِمَّا أَن يكون أحد رُوَاته إِمَّا مَسْتُورا وَإِمَّا مَجْهُول الْحَال فَأَما المستور فَمن لم تثبت عَدَالَته مِمَّن قد روى عَنهُ اثْنَان فَأكْثر فَإِن هَذَا يخْتَلف فِي قبُول رِوَايَته من لَا يرى رِوَايَة الرَّاوِي الْعدْل عَن الرَّاوِي بعد إِسْلَامه وَطَائِفَة مِنْهُم يقبلُونَ رِوَايَته وَهَؤُلَاء هم الَّذين لَا يَبْتَغُونَ غير الْإِسْلَام مزيدا فِي حق الشَّاهِد والراوي بل يكتفون بِمُجَرَّد الْإِسْلَام مَعَ السَّلامَة عَن فسق ظَاهر ويتحققون إِسْلَامه بِرِوَايَة عَدْلَيْنِ عَنهُ إِذْ لم يعْهَد أحد مِمَّن يتدين يروي الدّين إِلَّا عَن مُسلم وَطَائِفَة (أ / 46) يردون رِوَايَته وهم الَّذين يَبْتَغُونَ وَرَاء الْإِسْلَام مزيدا وَهُوَ الْعَدَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 75 - (قَوْله) وَقد أمعنت النّظر فِي ذَلِك قلت الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَنْعَمت - بِتَقْدِيم النُّون - بِمَعْنى بالغت يُقَال أنعم فِي الشَّيْء إِذا بَالغ فِيهِ وَأنْشد صَاحب الْمُحكم (سمين الضواحي لم تؤرقه لَيْلَة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها) وَأما أمعنت فَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر يُقَال قد أمعن لي بحقي أَي اعْترف بِهِ وأظهره قَالَ أَبُو الْعَبَّاس هُوَ مَأْخُوذ من المَاء الْمعِين وَهُوَ الْجَارِي الظَّاهِر الحديث: 75 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَقَالَ ابْن فَارس فِي المقاييس معن مادته تدل على سهولة فِي جَرَيَان أَو جري يُقَال معن المَاء إِذا جرى وأمعن الْفرس فِي عدوه وأمعن بحقي ذهب بِهِ وأمعنت الأَرْض رويت انْتهى وَعَلِيهِ يتَخَرَّج كَلَام المُصَنّف 76 - (قَوْله) واتضح لي أَن الحَدِيث الْحسن قِسْمَانِ إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا أَن تَنْزِيل كَلَام التِّرْمِذِيّ على الْقسم الأول قد اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سيبين أَن رِوَايَة المستور الَّذِي لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته مَرْدُودَة فَكيف يَجْعَل مَا يرويهِ من قسم الْحسن وَينزل كَلَام التِّرْمِذِيّ عَلَيْهِ وَكَلَامه يدل عَلَيْهِ وَقد يُقَال إِنَّه لم يعْتَبر ذَلِك بِمُجَرَّدِهِ بل أضَاف إِلَيْهِ كَونه رُوِيَ من وَجه آخر وَغير ذَلِك نعم هَذَا بناه على أَن رِوَايَة مَسْتُور الْعَدَالَة مَقْبُولَة وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْن الصّلاح كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين لَكِن الْمَذْهَب أَن مَسْتُور الْعَدَالَة حكمه حكم غير الْعدْل فِي الحديث: 76 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الرِّوَايَة (د 31) فعلى هَذَا لَا تتَحَقَّق الْوَاسِطَة الثَّانِي أَن مَا ذكره فِي الْقسم الثَّانِي عَجِيب لمنافاته لللأول فَكيف يكون الْحسن حسنا وَغير الْحسن وَقد قَالَ صَاحب الاقتراح - مُعْتَرضًا على ابْن الصّلاح فِي هَذَا الْقسم - هَذَا كَلَام فِيهِ مبَاحث ومناقشات على بعض [هَذِه] الْأَلْفَاظ وَقد يُقَال إِن مَا قَالَه المُصَنّف من تغاير كَلَام التِّرْمِذِيّ والخطابي مَمْنُوع من جِهَة أَن قَول الْخطابِيّ مَا عرف مخرجه كَقَوْل التِّرْمِذِيّ وَرُوِيَ نَحوه من غير وَجه وَقَول الْخطابِيّ واشتهر رِجَاله كَقَوْل التِّرْمِذِيّ لَا يكون فِي إِسْنَاده مُتَّهم وَقد بَينا أَن مُرَاد التِّرْمِذِيّ بقوله لَا يتهم المستور وَهُوَ غير المشتهر وَزِيَادَة التِّرْمِذِيّ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 يكون شاذا غير مُحْتَاج إِلَيْهِ ومردود بِمَا سبق الثَّالِث أَن مَا اخْتَارَهُ من انحصار الْحسن فِي قسمَيْنِ إِمَّا بِأَن يكون فِيهِ مَسْتُور يقوى بورود مَتنه بمتابعة أَو شَاهد وَإِمَّا بِأَن يشْتَمل على قَاصِر الضَّبْط - غير جيد وَقد تقدم من كَلَام ابْن الصّلاح اخْتِيَار أَن مَا صَححهُ الْحَاكِم وَحده وَلَا عِلّة لَهُ أَنه حسن والأوفق لضبطه أَن مَا اشْتَمَل على مضعف إِمَّا بِضعْف واه وعده بَعضهم صَحِيحا أَو مُعْتَبر ترجح مُقَابلَة فَهُوَ الْحسن حَتَّى أَطْلقُوهُ فِيمَا جرح وَعدل ووقف وَرفع وَنَحْوه وَلِهَذَا علل عبد الْحق تَحْسِين التِّرْمِذِيّ حَدِيث الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فِي منع وضوء الرجل بِفضل الْمَرْأَة بقول البُخَارِيّ الْأَشْهر أَنه قَول الحكم قَالَ عبد الْحق فَمن لَا يرى الْوَقْف عِلّة يُصَحِّحهُ الرَّابِع حَاصله أَن دَرَجَات الْحسن تَتَفَاوَت كَالصَّحِيحِ بل الضَّعِيف كَذَلِك فالقسم الأول أدنى فِي الرُّتْبَة من الثَّانِي وَقد صرح المُصَنّف بعد ذَلِك فِي الثَّالِث بِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 مثل الْقسم الثَّانِي يرتقي إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح فَدلَّ على أَنه أَعلَى من الأول فَائِدَة قد يطلقون الْحسن على الْغَرِيب وَالْمُنكر روى ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء عَن ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ كَانُوا يكْرهُونَ إِذا اجْتَمعُوا أَن يخرج الرجل أحسن مَا عِنْده قَالَ [عَنى] النَّخعِيّ بالأحسن الْغَرِيب لِأَن الْغَرِيب غير المألوف مستحسن أَكثر من الْمَشْهُور الْمَعْرُوف قَالَ وَأَصْحَاب الحَدِيث يعبرون عَن الْمَنَاكِير بِهَذِهِ الْعبارَة قَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج - وَقيل لَهُ مَالك لَا تروي عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان وَهُوَ حسن الحَدِيث - قَالَ من حسنه فَرَرْت [أجري] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي أَبْوَاب التَّسْمِيَة فِي الْوضُوء عَن البُخَارِيّ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب احسن عِنْدِي من حَدِيث (أ / 47) رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن قَالَ النَّوَوِيّ - رَحمَه الله - وَلَا يلْزم من هَذِه الْعبارَة أَن يكون حسنا فَإِنَّهُم يَقُولُونَ هَذَا أحسن مَا جَاءَ فِي الْبَاب وَإِن كَانَ ضَعِيفا ومرادهم أرجحه أَو أَقَله ضعفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 77 - (قَوْله) الْحسن يتقاصر عَن الصَّحِيح إِلَى آخِره يَعْنِي من جِهَة الرُّتْبَة حَتَّى وَلَو تعَارض حسن وصحيح قدم الصَّحِيح وَإِلَّا فهما مستويان فِي الِاحْتِجَاج بهما كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّاسِع من كَلَامه وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَقْدِيم التَّاسِع إِلَى هَا هُنَا فَإِنَّهُ أنسب وَهل مُرَاده بِالصَّحِيحِ الَّذِي يقصر عَنهُ الْحسن مُطلق الصَّحِيح أَو غير أدنى دَرَجَات الصَّحِيح فِيهِ نظر وَحَاصِل مَا ذكره هُنَا مَبْنِيّ على اشْتِرَاط تعدد الْمخْرج فِي الْحسن وَقد سبق أَن ذَلِك لَيْسَ بِشَرْط الحديث: 77 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 78 - (قَوْله) وَإِذا استبعد ذَلِك أَي الِاحْتِجَاج بِمَا جَاءَ من وُجُوه مُتعَدِّدَة وَإِن لم يكن أَحدهَا كَاف فِي الإحتجاج لما فِي الْهَيْئَة الاجتماعية من الْقُوَّة واستند إِلَى امرين أَحدهمَا قبُول الْمُرْسل إِذا عضده مُرْسل آخر عِنْد الشَّافِعِي وَالثَّانِي قبُول رِوَايَة المستور وَإِن لم تقبل شَهَادَته فِيمَا حَكَاهُ ابْن السَّمْعَانِيّ عَن بعض أَصْحَابنَا وَقد نُوقِشَ فِي الأول بِأَن الشَّافِعِي لم يقبل مَرَاسِيل التَّابِعين مُطلقًا بل كبارهم وَهَذَا لَا يقْدَح فِي غَرَض ابْن الصّلاح هُنَا وَإِنَّمَا أطلقهُ لَا عتقاده التَّسْوِيَة بَين التَّابِعين فِي ذَلِك كَمَا سَيَأْتِي وَأما الثَّانِي فَلم أَجِدهُ فِي القواطع لِابْنِ السَّمْعَانِيّ لَكِن نَقله الْمَازرِيّ فِي شرح الْبُرْهَان عَن ابْن فورك وَلَا يظْهر التَّرْجِيح بِهِ لِأَن أحد جزئي الْحسن أَن يكون رَاوِيه مَسْتُورا وَإِنَّمَا يكون ذَلِك بعد التَّفْرِيع على قبُول رِوَايَته وَإِلَّا الْتحق بالضعيف والسمعاني - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة - نِسْبَة إِلَى بطن من تَمِيم هَكَذَا قَيده أَبُو الحديث: 78 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 سعد السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَرَأَيْت مَنْقُولًا عَن الْحَافِظ الْمزي أَن الْكسر فِيهِ أشهر قَالَ الْحَافِظ الْبكْرِيّ سَمِعت شَيخنَا أَبَا المظفر السَّمْعَانِيّ - ويسأله بعض الطّلبَة - هَل يُقَال فِيهِ بِكَسْر السِّين فَقَالَ سَمِعت أبي - وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك - فَقَالَ لَا أجعَل فِي حل من يَقُوله بِالْكَسْرِ وَذكر ابْن الصّلاح فِي أَمَالِيهِ على حَدِيث المسلسل سمْعَان مِنْهُم من أَتَى فِيهِ بِكَسْر السِّين وَغلط من فتحهَا وَمِنْهُم من لم يعرف إِلَّا فتح السِّين وَأَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ مِنْهُم وَمِنْهُم من ضَبطه بِالْوَجْهَيْنِ مَعًا انْتهى 79 - (قَوْله) لَعَلَّ الباحث الْفَهم إِلَى آخِره هَذَا من تَتِمَّة مَا سبق ذكره فِي صُورَة سُؤال وَجَوَاب وَمَا ذكره فِي الأول أَن الضعْف إِذا جَاءَ من جِهَة الرَّاوِي مَعَ كَونه من أهل الصدْق والديانة فَإِذا جَاءَ من جِهَة أُخْرَى عرفنَا أَنه لم يخْتل فِيهِ ضَبطه - مَرْدُود من جِهَة كَونه سَمَّاهُ ضَعِيفا فَإِن هَذَا حسن قطعا لانطباق رسمه عَلَيْهِ وَأما قبل الْمُتَابَعَة فَيدْخل فِي رسم الْحسن أَيْضا على رَأْي التِّرْمِذِيّ أَنه الَّذِي لَا يتهم رَاوِيه بِالْكَذِبِ وَالْغَرَض أَن رَاوِي هَذَا من الحديث: 79 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أهل الصدْق والديانة وَضعف الْحِفْظ على هَذَا ينزله من رُتْبَة الصَّحِيح إِلَى رُتْبَة الْحسن وَأما قَوْله فِي الضعْف من حَيْثُ الْإِرْسَال بِأَن يُرْسل الْخَبَر إِمَام حَافظ يَزُول بروايته من وَجه آخر فَنَقُول أطلق الْوَجْه الآخر وَلم يشْتَرط فِيهِ أَن يكون عَن ثِقَة وَلَا أقل مِنْهُ فِي مقاومة الإِمَام الْحَافِظ فَإِن كَانَ كَذَلِك وَأرْسل الْخَبَر حَافظ وأسنده ثِقَة فَإِنَّهُ يزْعم أَن الحكم للإسناد فَإِن ادّعى ذَلِك لِأَن الْإِسْنَاد زِيَادَة وَقد جَاءَت عَن ثِقَة فسبيلها أَن تقبل فَصَحِيح وَإِن زعم هَذَا مصطلح أهل هَذَا الشَّأْن فَلَيْسَ كَذَلِك على الْإِطْلَاق وَأما خبر لَا عِلّة لَهُ إِلَّا أَن إِمَامًا حَافِظًا أرْسلهُ وَقد تبين من وَجه آخر وَقد لزمَه فِي الْوَجْه الآخر أَن يكون عَن ثِقَة وَلَا بُد فَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون صَحِيحا على مذْهبه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 أَن الْمسند الثِّقَة مقدم على الْمُرْسل وَلَا عِلّة هُنَاكَ إِلَّا الْإِرْسَال وَقد انْتَفَت وَقد بحث مَعَه فِي هَذَا الْموضع الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي - رَحمَه الله تَعَالَى - وَقَالَ الْحق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة (أ 48) أَن يُقَال إِمَّا أَن يكون الرَّاوِي المتابع مُسَاوِيا للْأولِ فِي ضعفه أَو منحطا عَنهُ أَو أَعلَى مِنْهُ فَأَما مَعَ الانحطاط فَلَا تفِيد الْمُتَابَعَة شَيْئا (د 32) وَأما مَعَ الْمُسَاوَاة فقد قلت وَهُوَ تَفْصِيل حسن وَلَا يخفى أَن هَذَا كُله فِيمَا إِذا كَانَ الحَدِيث فِي الْأَحْكَام فَإِن كَانَ من الْفَضَائِل فالمتابعة فِيهِ تقوم على كل تَقْدِير لِأَنَّهُ عِنْد انْفِرَاده مُفِيد وشذ ابْن حزم عَن الْجُمْهُور فَقَالَ وَلَو بلغت طرق الضَّعِيف ألفا لَا يقوى وَلَا يزِيد انضمام الضَّعِيف إِلَى الضَّعِيف إِلَّا ضعفا وَهَذَا مَرْدُود لِأَن الْهَيْئَة الاجتماعية لَهَا أثر أَلا ترى أَن خبر الْمُتَوَاتر يُفِيد الْقطع مَعَ أَنا لَو نَظرنَا إِلَى آحاده لم يفد ذَلِك فَإِذا كَانَ مَا لَا يُفِيد الْقطع بِانْفِرَادِهِ يفِيدهُ عِنْد الانضمام فَأولى أَن يُفِيد الانضمام الِانْتِقَال من دَرَجَة الضعْف إِلَى دَرَجَة الْقُوَّة فَهَذَا سُؤال لَازم لَا سِيمَا إِذا بلغ مبلغ التَّوَاتُر فَإِن الْمُتَوَاتر لَا يشْتَرط فِي أخباره الْعَدَالَة كَمَا تقرر فِي علم الْأُصُول وَاعْلَم أَن الصَّوَاب فِي التَّمْثِيل لما ذكره بِحَدِيث المشمس كَمَا مثل بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 النَّوَوِيّ وَقَالَ فِي أربعينه فِي حَدِيث من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 اتّفق الْحفاظ على أَنه ضَعِيف وَإِن كثرت طرقه وَأما جعل المُصَنّف حَدِيث الأذنان من الرَّأْس مَحْكُوم بضعفه وَإِن رُوِيَ بأسانيد فقد سبق إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فَقَالَا إِنَّه رُوِيَ بأسانيد ضِعَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 لَكِن أخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن سُوَيْد بن سعيد عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن شُعْبَة عَن حبيب بن زيد عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد وسُويد احْتج بِهِ مُسلم وَحَدِيثه وثقة جمَاعَة وَبَاقِي الْإِسْنَاد على شَرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الصَّحِيحَيْنِ وَلِهَذَا أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي شرح الْإِلْمَام قَالَ شَيخنَا الْمُنْذِرِيّ وَهَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل وَرُوَاته مُحْتَج بهم وَهُوَ أمثل إِسْنَاد فِي هَذَا الْبَاب وَوَافَقَهُ الشَّيْخ وَقَالَ لَعَلَّ أمثل مِنْهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِيهِ ابْن الْقطَّان إِسْنَاده صَحِيح لثقة رُوَاته واتصاله قَالَ الشَّيْخ وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا يجمع طرقه لِأَنَّهُ يَأْتِي من وُجُوه قَالَ شَيخنَا الْمُنْذِرِيّ قد وَقع لنا هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وَعَائِشَة وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا يثبت مَرْفُوعا وَعَن عُثْمَان من قَوْله وأشهرها حَدِيث أبي أُمَامَة كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ قَالَ الشَّيْخ وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 علم أَن تظافر الروَاة على شَيْء ومتابعة بَعضهم لبَعض فِي حَدِيث مِمَّا يسْندهُ ويقويه وَرُبمَا الْتحق بالْحسنِ وَمَا يحْتَج بِهِ قَالَ وَقد أورد الْحَافِظ الْفَقِيه أَبُو عَمْرو بن الصّلاح كلَاما يفهم مِنْهُ لَا يرى هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْقَبِيل مَعَ كَونه رُوِيَ بأسانيد ووجوه - فَذكر كَلَامه هَذَا - ثمَّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذكره وَجعله هَذَا الحَدِيث من هَذَا النَّوْع الَّذِي لَا يقويه مجيؤه من طرق - قد لَا يُوَافق على ذَلِك فقد ذكرنَا رِوَايَة ابْن مَاجَه وَأَن رواتها ثِقَات وَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَحكم ابْن الْقطَّان لَهَا بِالصِّحَّةِ وعَلى الْجُمْلَة فَإِن توقف تَصْحِيحه عِنْد أحد على ذكر طَرِيق لَا عِلّة فِيهَا وَلَا كَلَام فِي أحد من رواتها فقد يتَوَقَّف فِي ذَلِك لَكِن اعْتِبَار ذَلِك صَعب ينْتَقض عَلَيْهِم فِي كثير مِمَّا استحسنوه وصححوه من هَذَا الْوَجْه فَإِن السَّلامَة من الْكَلَام فِي النَّاس قَلِيل وَلَو شَرط ذَلِك لما كَانَ لَهُم حَاجَة إِلَى تَعْدِيل الْحسن بالتظافر والمتابعة والمجيء من طرق أَو وُجُوه فينقلب النّظر وتتناقض العبر وَيَقَع التَّرْتِيب أَو (يخْتَلف التصويب) (فَإِن يكن المهدى من بَاب هَدِيَّة فَهَذَا وَإِلَّا فالهدى ذَا فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 المهدى) قَالَ وَمَا ذكرته عرض عَلَيْك لَا الْتِزَام أتقلد عهدته وَفِي كَلَامي مَا يُشِير إِلَى الْمَقْصُود (أ 49) انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الْحيَاء كم من حَدِيث لَهُ طرق تجمع فِي جُزْء لَا يَصح مِنْهَا حَدِيث وَاحِد كَحَدِيث الطير يرْوى عَن قريب من أَرْبَعِينَ رجلا من أَصْحَاب أنس ويروي عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة غَيره وَقد جمع غير وَاحِد من الْحفاظ طرقه للاعتبار والمعرفة كالحاكم أبي عبد الله وَأبي بكر بن مرْدَوَيْه وَأبي نعيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 قلت وَكَذَا حَدِيث من غسل مَيتا فليغتسل قَالَ الْمَاوَرْدِيّ جمع بعض الْمُحدثين طرقه فَكَانَت مائَة وَعشْرين طَرِيقا وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أَرْبَعِينَ الْبلدَانِ - وَقد خرج حَدِيث من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا - إِن الْأَحَادِيث الضِّعَاف إِذا انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 بعض مَعَ كَثْرَة تعاضد وتتابع أحدثت قُوَّة وضارت كالاشتهار والاستفاضة اللَّذين يحصل بهما الْعلم فِي بعض الْأُمُور 80 - (قَوْله) فِي الثَّالِثَة وَذَلِكَ يرقي حَدِيثه من دَرَجَة الْحسن إِلَى الصِّحَّة هَذَا فِيهِ نظر لِأَن حد الحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَقَدّم لَا يَشْمَلهُ وتمثيله بِحَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو تَابع فِيهِ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ أخرجه ثمَّ قَالَ وَقد روى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن زيد بن خَالِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيح (لِأَنَّهُ قد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه) وَأما مُحَمَّد فَزعم الحديث: 80 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 أَن حَدِيث أبي سَلمَة عَن زيد أصح انْتهى وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَمُحَمّد بن عَمْرو احْتج بِهِ مُسلم 81 - (قَوْله) إِن الْحسن يُوجد فِي كَلَام غير التِّرْمِذِيّ من مَشَايِخ الطَّبَقَة الحديث: 81 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الَّتِي قبله كأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا قلت وَفِي الطَّبَقَة الَّتِي قبلهَا كمالك فَذكر ابْن الْقطَّان من جِهَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب قَالَ سَمِعت عمي يَقُول سُئِلَ مَالك بن أنس عَن تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن فِي الْوضُوء فَقَالَ لَيْسَ ذَلِك على النَّاس فأمهلته حَتَّى خف النَّاس ثمَّ قلت يَا أَبَا عبد الله سَمِعتك تَقول فِي مَكَّة عندنَا فِيهَا سنة قَالَ وَمَا هِيَ قلت حَدثنَا ابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن عَمْرو الْمعَافِرِي عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلى عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فخلل بِخِنْصرِهِ مَا بَين أَصَابِع رجلَيْهِ قَالَ فَقَالَ مَالك إِن هَذَا الحَدِيث حسن وَمَا سَمِعت بِهِ قطّ إِلَّا السَّاعَة (د 33) قَالَ عمي ثمَّ سمعته بعد يسْأَل عَن تَخْلِيل الْأَصَابِع فِي الْوضُوء فَأمر بِهِ قَالَ ابْن الْقطَّان إِسْنَاده صَحِيح وَقَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب اخْتِلَاف الحَدِيث - وَقد ذكر حَدِيث ابْن عمر فِي استدبار الْكَعْبَة - هُوَ حسن الْإِسْنَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 82 - (قَوْله) وتختلف النّسخ من كتاب التِّرْمِذِيّ فِي قَوْله هَذَا حَدِيث حسن وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح قلت قَالَ السرُوجِي فِي الْغَايَة فِي الْكَلَام على حَدِيث أسفروا بِالْفَجْرِ كتب إِلَيّ صَاحب الإِمَام بِخَطِّهِ أَن النّسخ من كتاب التِّرْمِذِيّ تخْتَلف فِي قَوْله حسن صَحِيح أَو حسن وَأكْثر مَا يعتمده الْمُتَأَخّرُونَ رِوَايَة الحديث: 82 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الكروخي وَهِي مُخَالفَة فِي التَّصْحِيح لرِوَايَة الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار وَالَّذِي عندنَا فِي النُّسْخَة الَّتِي بِخَط ابْن الخاضبة الْحَافِظ حَدِيث رَافع أسفروا بِالْفَجْرِ حسن لَا غير وَفِي حَدِيث جَابر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سُئِلَ عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ لَا وَأَن تَعْتَمِرُوا هُوَ أفضل روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الكروخي عَن التِّرْمِذِيّ أَنه صَححهُ وروى الْمُبَارك عَنهُ تحسينه فَقَط 83 - (قَوْله) نَص الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه على كثير من ذَلِك أَي من الْحسن 84 - (قَوْله) وَمن مظانه أَي من مظان الْحسن كَأبي دَاوُد إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا المظان جمع مَظَنَّة وَهِي بِكَسْر الظَّاء كَمَا ضَبطهَا صَاحب النِّهَايَة قَالَ / وَهِي مَوضِع الشَّيْء ومعدنه مفعلة من الظَّن بِمَعْنى الْعلم وَكَانَ الْقيَاس فتح الظَّاء وَإِنَّمَا كسرت لأجل الْهَاء وَقَالَ المطرزي المظنة الْعلم من ظن بِمَعْنى علم الثَّانِي قد اعْترض الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي على ابْن الصّلاح وَقَالَ لم يرسم أَبُو دَاوُد شَيْئا بالْحسنِ وَعَمله بذلك شَبيه بِعَمَل مُسلم بن الْحجَّاج الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يحمل كَلَامه على غَيره أَنه اجْتنب الضَّعِيف الواهي وأتى بالقسمين الأول وَالثَّانِي وَحَدِيث من مثل بِهِ من الروَاة من الْقسمَيْنِ الأول وَالثَّانِي مَوْجُود فِي كِتَابه دون الْقسم الثَّالِث قَالَ فَهَلا ألزم الشَّيْخ أَبُو عَمْرو مُسلما من ذَلِك مَا ألزم بِهِ أَبَا دَاوُد فَمَعْنَى كَلَامهمَا وَاحِد الحديث: 83 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَقَول أبي دَاوُد وَمَا يُشبههُ يَعْنِي فِي الصِّحَّة وَمَا يُقَارِبه يَعْنِي فِيهَا أَيْضا قَالَ وَهُوَ نَحْو قَول مُسلم إِنَّه لَيْسَ كل الصَّحِيح نجده عِنْد مَالك وَشعْبَة وسُفْيَان فَاحْتَاجَ أَن ينزل إِلَى مثل حَدِيث لَيْث بن أبي سليم وَعَطَاء بن السَّائِب وَيزِيد بن أبي زِيَاد لما يَشْمَل الْكل من اسْم الْعَدَالَة والصدق وَإِن تفاوتوا فِي الْحِفْظ والإتقان وَلَا فرق بَين الطَّرِيقَيْنِ غير أَن مُسلما شَرط الصَّحِيح فَيخرج من حَدِيث الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَأَبا دَاوُد لم يَشْتَرِطه فَذكر مَا يشْتَد وهنه عِنْده وَالْتزم الْبَيَان عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 قَالَ وَفِي قَول أبي دَاوُد إِن بَعْضهَا أصح من بعض مَا يُشِير إِلَى الْقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا من الصِّحَّة وَإِن تفاوتت فِيهِ لما تَقْتَضِيه صِيغَة أفعل فِي الْأَكْثَر الثَّالِث مَا ذكره فِيمَا سكت عَنهُ أَنه حسن اعْتَرَضَهُ ابْن رشيد بِأَنَّهُ غير منحصر فِي ذَلِك لجَوَاز أَن يكون عِنْده صَحِيحا وَإِن لم يكن عِنْد غَيره كَذَلِك وَاسْتَحْسنهُ ابْن سيد النَّاس قلت وَلَا سِيمَا مَعَ قَول أبي دَاوُد ذكرت فِي كتابي الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ فَعلم أَن قَوْله صَالح أَرَادَ بِهِ الْقدر الْمُشْتَرك بَين الصَّحِيح وَالْحسن هَذَا إِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 أَبُو دَاوُد يفرق بَين الصَّحِيح وَالْحسن وَأما إِن كَانَ يرى الْكل صَحِيحا وَلَكِن دَرَجَات الصِّحَّة تَتَفَاوَت وَهُوَ الظَّاهِر من حَاله فَذَلِك أقوى فِي الِاعْتِرَاض على من نقل عَنهُ الحكم بِكَوْنِهِ حسنا نعم جَاءَ عَن أبي دَاوُد أَيْضا مَا سكت عَنهُ فَهُوَ حسن إِلَّا أَن الرِّوَايَة لسنن أبي دَاوُد مُخْتَلفَة يُوجد فِي بَعْضهَا كَلَام وَحَدِيث لَيْسَ فِي الْأُخْرَى وللآجري عَنهُ أسئلة قيل فَيحْتَمل قَوْله وَمَا سكت عَنهُ أَي فِي السّنَن وَيحْتَمل مُطلقًا وَهُوَ عَجِيب والصوب الأول والسياق مُصَرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 بِهِ على أَن أَبَا دَاوُد لم يوف بِهَذَا الشَّرْط فقد وَقع فِي سنَنه أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يبينها كالمرسل والمنقطع (وَمَا فِي) رُوَاته مَجْهُول كشيخ وَرجل وَنَحْوه فقد يُقَال إِنَّه مُخَالف لقَوْله وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته وَجَوَابه أَنه لما كَانَ ضعف هَذَا النَّوْع ظَاهرا اسْتغنى بظهوره عَن التَّصْرِيح ببيانه فَائِدَة روى السّنَن عَن أبي دَاوُد جمَاعَة أكملها رِوَايَة أبي بكر مُحَمَّد بن بكر بن عبد الله بن عبد الرَّزَّاق التمار الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن داسة - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وتخفيفها - على الْمَشْهُور وَضَبطه القَاضِي عِيَاض بِخَطِّهِ بتشديدها قَالَ أَبُو جَعْفَر بن الزبير ويقاربها رِوَايَة أبي عِيسَى إِسْحَاق بن مُوسَى الرَّمْلِيّ وراق أبي دَاوُد ثمَّ يَليهَا رِوَايَة أبي [سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الْأَعرَابِي وَلَيْسَ فِي رِوَايَته كتاب الْفِتَن والملاحم والحروب والخاتم وَيسْقط عَنهُ فِي كتاب اللبَاس نَحْو نصفه وَفَاته [من] كتاب الْوضُوء وَالصَّلَاة وَالنِّكَاح مَوَاضِع كَثِيرَة تشْتَمل على أوراق عدَّة روى أَكْثَرهَا الرَّمْلِيّ عَن [أبي دَاوُد روى بَعْضهَا ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي أُسَامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الرواس عَن أبي دَاوُد ذكر ذَلِك ابْن عبد الْبر وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو جَعْفَر بن الزبير (أ 51) رِوَايَة ابْن داسة أكمل الرِّوَايَات والرملي تقاربها وَهَذَا قَول أبي عَليّ الغساني الْحَافِظ أَيْضا وَقَالَ أَبُو الْحسن التبريزي الْحَافِظ - وَيعرف بِابْن الخازن - إِن رِوَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 اللؤْلُؤِي من أصح الرِّوَايَات لِأَنَّهَا هِيَ آخر مَا أمْلى أَبُو دَاوُد وَعَلَيْهَا مَاتَ 85 - (قَوْله) قَالَ ابْن مَنْدَه وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد إِلَى آخِره يقرب مِنْهُ مَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ من احتجاج الشَّافِعِي بالمرسل إِذا لم تُوجد دلَالَة سواهُ وَنقل ابْن [الْمُنْذر] عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه كَانَ يحْتَج بِعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده إِذا لم يكن فِي الْبَاب غَيره 86 - (قَوْله) الْخَامِس مَا صَار إِلَيْهِ صَاحب المصابيح إِلَى آخِره قد تبعه النَّوَوِيّ وَغَيره فِي الِاعْتِرَاض على الْبَغَوِيّ وَهُوَ عَجِيب لِأَن الْبَغَوِيّ الحديث: 85 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 لم يقل إِن مُرَاد الْأَئِمَّة بالصحاح كَذَا وبالحسان كَذَا وَإِنَّمَا اصْطلحَ على هَذَا رِعَايَة للاختصار وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح فَإِنَّهُ قَالَ أردْت بالصحاح مَا خرجه الشَّيْخَانِ وبالحسن مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَبُو عِيسَى وَغَيرهمَا وَبَيَان مَا كَانَ فيهمَا من غَرِيب أَو ضَعِيف أَشرت إِلَيْهِ وأعرضت عَن ذكر مَا كَانَ مُنْكرا أَو مَوْضُوعا انْتهى فقد الْتزم بَيَان غير الْحسن وَبَوَّبَ على الصَّحِيح وَالْحسن وَلم يُمَيّز بَينهمَا لاشتراك الْكل فِي الِاحْتِجَاج فِي نظر الْفَقِيه نعم فِي السّنَن أَحَادِيث صَحِيحَة / لَيست فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِي إدراجه لَهَا فِي قسم الْحسن (د 34) نوع مشاحة 87 - (قَوْله) السَّادِس كتاب المسانيد يجوز لَك إِثْبَات الْيَاء فِي الْجمع وَيجوز حذفهَا وَكَذَلِكَ مَرَاسِيل ومراسل الحديث: 87 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَالْأولَى الْحَذف قَالَ تَعَالَى {مَا إِن مفاتحه} وَالْإِثْبَات عِنْد الْبَصرِيين مَوْقُوف على السماع وَعند الْكُوفِيّين جَائِز ذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ فِي أول كِتَابه فِي بَاب الضرورات وَأنْشد (ننفي يداها الْحَصَى فِي كل هاجرة (نفي الدَّنَانِير تنقاد الصياريف) وَجعل بَعضهم مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ وَقِيَاسه معاذر لكنه أشْبع الكسرة فتولدت الْيَاء وَاعْلَم أَن أَئِمَّة الحَدِيث سلكوا فِي تصانيفهم طرقا فَمنهمْ من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال وَأول من صنف ذَلِك عبيد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 ابْن مُوسَى الْعَبْسِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وتبعهما أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب وَجَمَاعَة واشتملت تصانيفهم على رِوَايَة الثِّقَة وَغَيره وَمِنْهُم من صنف الصَّحِيح على الْأَبْوَاب وَأول من صنف ذَلِك البُخَارِيّ قَالَ الْحَاكِم وَالْفرق بَين الْأَبْوَاب والتراجم أَن التراجم شَرطهَا أَن يَقُول المُصَنّف ذكر مَا رُوِيَ عَن أبي بكر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يترجم هَذَا الْمسند فَيَقُول ذكر مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 روى قيس بن أبي حَازِم عَن أبي بكر صَحِيحا كَانَ أَو سقيما أما مُصَنف الْأَبْوَاب فَيَقُول ذكر مَا صَحَّ وَثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَبْوَاب الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَغَيرهمَا وَمِنْهُم من يرتب تصنيفه على أَبْوَاب الْفِقْه وَالْأَحْكَام إِلَّا أَنه لم يقْتَصر على ذكر الصَّحِيح وَمِنْهُم من رتبه على أَبْوَاب الْفِقْه وَجمع بَين الصَّحِيح وَغَيره من غير تَمْيِيز وَمِنْهُم من صنف الحَدِيث وَعلله بِجمع طرق كل حَدِيث وَاخْتِلَاف الروَاة فِيهِ كمسند يَعْقُوب بن [أبي شيبَة وَمِنْهُم من جمع فِي تصنيفه أَحَادِيث شُيُوخ مخصوصين كل شيخ مِنْهُم على انْفِرَاده كالدارمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَمِنْهُم من جمع التراجم وَهِي الْأَسَانِيد الْمَشْهُورَة [كمالك عَن] نَافِع عَن ابْن عمر وَسُهيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَهِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَمِنْهُم من جمع أبوابا من الْأَبْوَاب وأفردوها بالتأليف ككتاب الْأَذَان لِابْنِ حَيَّان وَالصَّلَاة لأبي نعيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَالْقِرَاءَة خلف الإِمَام للْبُخَارِيّ وَمِنْهُم من جمع حَدِيث كل صَحَابِيّ وَحده ثمَّ رتبهم على حُرُوف المعجم وَمِنْهُم من رتب على سوابق الصَّحَابَة فَبَدَأَ بِالْعشرَةِ ثمَّ بِأَهْل بدر ثمَّ بِأَهْل الْحُدَيْبِيَة ثمَّ بِمن أسلم وَهَاجَر بَين الْحُدَيْبِيَة وَفتح مَكَّة وَختم بأصاغر [الصَّحَابَة] ثمَّ بِالنسَاء وكل مثاب على قَصده وَلكُل وَجه وَمَنْفَعَة فِي ضبط السّنة ونشرها وتسهيل الطَّرِيق إِلَيْهَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ 88 - (قَوْله) كمسند أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُد وَلَيْسَ الْمسند لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ ليونس بن حبيب بن عبد القاهر الْعجلِيّ سَمعه فِي أصفهان مِنْهُ فنسبه إِلَيْهِ الحديث: 88 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 89 - (قَوْله) ومسند عبيد الله بن مُوسَى هُوَ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمُشكل أول من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ قلت وَلِهَذَا صدر المُصَنّف بالتمثيل بهما 90 - (قَوْله) ومسند عبد بن حميد هُوَ الْكشِّي وَيُقَال الكسي يرويهِ عَنهُ إِبْرَاهِيم بن خُزَيْمٌ - بِالْخَاءِ وَالرَّاء المعجمتين - وَأما مُحَمَّد بن خريم - بالراء - فَهُوَ رَاوِي الْمسند عَن هِشَام بن الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 عمار الدِّمَشْقِي ذكره ابْن نقطة 91 - (قَوْله) ومسند الدَّارمِيّ هُوَ أحد شُيُوخ البُخَارِيّ وينتقد على المُصَنّف فِي ذكره هُنَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن مُسْند الدَّارمِيّ مُرَتّب على الْأَبْوَاب لَا على المسانيد إِلَّا أَن يقْصد الِاسْم الْمَشْهُور بِهِ الحديث: 91 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الثَّانِي جعله دون الْكتب الْخَمْسَة وَقد أطلق جمَاعَة عَلَيْهِ اسْم الصَّحِيح 92 - (قَوْله) ومسند أَحْمد بن حَنْبَل قلت مَا ذكره من أَن مُسْند أَحْمد لَا يشْتَرط فِي الحَدِيث كَونه محتجا بِهِ وَأَنه دون الْكتب الْخَمْسَة - مَرْدُود فقد ذكر الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب فَضَائِل مُسْند أَحْمد أَن عبد الله سَأَلَ أَبَاهُ عَن هَذَا الْمسند فَقَالَ جعلته أصلا لِلْإِسْلَامِ يرجعُونَ إِلَيْهِ فَمَا لَيْسَ فِيهِ فَلَيْسَ بِصَحِيح وَعنهُ أَنه قَالَ جمعته وانتقيته من أَكثر من سَبْعمِائة ألف وَخمسين ألفا فَمَا اخْتلف الْمُسلمُونَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحجَّة الحديث: 92 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وَهَذَا لَا يدل على أَن كل مَا فِيهِ صَحِيح كَمَا توهم الْمَدِينِيّ بل يدل على أَن مَا لَيْسَ فِيهِ لَيْسَ بِحجَّة عِنْده لما [لم] يطلع عَلَيْهِ وَمَا أشبه هَذَا بقول مَالك - وَقد سَأَلَهُ الزهْرَانِي عَن رجل - لَو كَانَ ثِقَة لوجدته فِي كتابي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وَقَالَ بعض الْحفاظ وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ إِشْكَال إِذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا أَحَادِيث لَيست فِي الْمسند وَيُقَال إِنَّه فَاتَهُ من الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ قريب من مِائَتَيْنِ وَأجِيب بِأَن تِلْكَ الْأَحَادِيث بِعَينهَا وَإِن خلا الْمسند عَنْهَا فلهَا فِيهِ أصُول ونظائر وشواهد وَأما أَن يكون متن صَحِيح لَا مطْعن فِيهِ لَيْسَ لَهُ فِي الْمسند أصل وَلَا نَظِير فَلَا يكَاد يُوجد وَرُبمَا اعْترض بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة أم زرع مَعَ أَنه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا نَادِر قَالَ أَبُو مُوسَى وَلم يخرج أَحْمد إِلَّا عَمَّن ثَبت عِنْده صدقه وديانته دون من طعن فِي أَمَانَته يدل على ذَلِك قَول عبد الله ابْنه سَأَلت أبي عَن عبد الْعَزِيز بن أبان فَقَالَ لم أخرج عَنهُ فِي الْمسند شَيْئا قَالَ أَبُو مُوسَى وَمن الدَّلِيل على أَن مَا أودعهُ مُسْنده احتاط فِيهِ إِسْنَادًا ومتنا وَلم يُورد فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ عَنهُ ضربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 على أَحَادِيث رجال ترك الرِّوَايَة عَنْهُم وروى عَنْهُم فِي غير الْمسند وَهَذَا كُله يوهن جعل ابْن الصّلاح مُسْند أَحْمد دون الْكتب الْخَمْسَة فَإِن هَذَا الشَّرْط يُقَارب شَرط أبي دَاوُد لَكِن حكى أَبُو الْعِزّ بن كادش عَن عبد الله بن أَحْمد أَن أَبَاهُ قَالَ لَهُ فِي كَلَام لَو أردْت أَن أقصد مَا صَحَّ عِنْدِي لم أرو من هَذَا الْمسند إِلَّا الشَّيْء (د 35) بعد الشَّيْء وَلَكِنَّك يَا بني تعرف طريقي فِي الحَدِيث لست أُخَالِف مَا يضعف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ انْتهى وَفِي هَذَا مُخَالفَة لما صَار إِلَيْهِ الْمَدِينِيّ وَلذَلِك خطأ ابْن دحْيَة أَصْحَاب أَحْمد بِجَمِيعِ مَا فِي مُسْنده وَبَالغ فَقَالَ أَكْثَرهَا لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَإِنَّمَا خرجها الإِمَام حَتَّى يعرف الحَدِيث من ايْنَ مخرجه وَالْمُنْفَرد بِهِ عدل أَو مَجْرُوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 قَالَ الشَّيْخ نجم الدّين الطوفي فِيمَا وجدته بِخَطِّهِ قَالَ بعض متعصبي الْمُتَأَخِّرين لَا تقوم الْحجَّة بِمَا فِي مُسْند أَحْمد حَتَّى يَصح من طَرِيق آخر وَأَخْبرنِي شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية أَنه اعْتبر (أ 53) مُسْند أَحْمد فَوجدَ أَكْثَره على شَرط أبي دَاوُد وَشرط أبي دَاوُد كَمَا قَالَه ابْن مَنْدَه إِخْرَاج حَدِيث قوم لَا يجمع على تَركهم إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الْإِسْنَاد من غير قطع وَلَا إرْسَال وَهُوَ أَيْضا شَرط النَّسَائِيّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَمَا ذكرت حَدِيثا أَجمعُوا على تَركه وَرُوِيَ مثل هَذَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ حَنْبَل حضر أَحْمد وَابْنه عبد الله وَقَرَأَ علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الْمسند ثمَّ قَالَ إِنِّي أخرجت هَذَا الْمسند من سَبْعمِائة ألف حَدِيث وَلم أذكر فِيهِ مَا أجمع النَّاس على تَركه وَجَعَلته حجَّة بيني وَبَين الله عز وَجل فَمَا اخْتلف النَّاس فِيهِ من السّنة فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن وجدتموه فِيهِ وَإِلَّا فَلَا أصل لَهُ وَقَالَ ابْن تَيْمِية فِي بعض مؤلفاته قد تنَازع الحافظان أَبُو الْعَلَاء الهمذاني وَأَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد هَل فِيهِ أَحَادِيث مَوْضُوعَة فَأنْكر الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء ذَلِك وأثبته أَبُو الْفرج قلت لِأَنَّهُ أورد فِي كتاب الموضوعات حَدِيث عمر لَيَكُونن فِي هَذِه الْأمة رجل يُقَال لَهُ الْوَلِيد وَحَدِيث أنس مَا من معمر يعمر فِي الْإِسْلَام أَرْبَعِينَ سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 إِلَّا صرف الله عَنهُ أنواعا من الْبلَاء الْجُنُون والجذام والبرص وَحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 أنس عسقلان أحد العروسين يبْعَث مِنْهَا يَوْم الْقِيَامَة سَبْعُونَ ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَغير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ثمَّ قَالَ ابْن تَيْمِية وَفصل الْخطاب أَن أَحْمد لم يرو [فِي مُسْنده عَن الْكَذَّابين المعتمدين للوضع بل لم يرو] فِيهِ عَن الدعاة إِلَى الْبدع بدع الْكَلَام والرأي وَنَحْو ذَلِك وَهَذِه طَريقَة أَصْحَاب السّنَن فَإِنَّهُ ترك أَحَادِيث جمَاعَة مثل كثير بن عَوْف الْمُزنِيّ روى لَهُم أَبُو دَاوُد وَغَيره لَكِن يُوجد فِيهِ مَا يُوجد فِي هَذِه الْكتب من أَحَادِيث رَوَاهَا من غلط فِيهَا لسوء حفظه لَا لتعمده الْكَذِب [فَإِن أُرِيد بالموضوع مَا اعْتمد صَاحبه الْكَذِب فَأَحْمَد لَا يعْتَمد رِوَايَة هَؤُلَاءِ فِي مُسْنده] وَإِن أُرِيد بالموضوع مَا قد يسْتَدلّ بِهِ على بُطْلَانه بِدَلِيل مُنْفَصِل فَمثل هَذَا يَقع فِي عَامَّة الْكتب فَإِن الثِّقَات الْكِبَار قد يغلطون فِي أَشْيَاء انْتهى وَاعْلَم أَن الْغَالِب فِيهِ الرِّوَايَة عَن الثِّقَات كمالك وَشعْبَة وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَغَيرهم وَفِيه الرِّوَايَة قَلِيلا عَن جمَاعَة نسبوا إِلَى الضعْف وَقلة الضَّبْط وَذَلِكَ على وَجه الِاعْتِبَار والاستشهاد لَا على طَرِيق الِاعْتِمَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 والاعتداد مثل رِوَايَته عَن عَامر بن صَالح الزبيرِي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَسدي وَعمر بن هَارُون الْبَلْخِي وَعلي بن عَاصِم الوَاسِطِيّ وَإِبْرَاهِيم بن أبي اللَّيْث صَاحب الْأَشْجَعِيّ وَيحيى بن يزِيد بن عبد الْملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 النَّوْفَلِي وَتَلِيدُ بن سُلَيْمَان الْكُوفِي وحسين بن حسن الْأَشْقَر ومُوسَى بن هِلَال وَغَيرهم مِمَّن اشْتهر الْكَلَام فِيهِ بل فِي الْمسند أَحَادِيث سُئِلَ عَنْهَا فضعفها وأنكرها وَهَذَا يرد قَول الْمَدِينِيّ إِنَّه لَا يخرج إِلَّا مَا صَحَّ عِنْده مِنْهَا أَنه روى حَدِيث ابْن المطوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان (لم يقْض عَنهُ) صِيَام الدَّهْر وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا - وَقد سَأَلَهُ عَنهُ - لَا أعرف أَبَا المطوس وَلَا ابْن المطوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَمِنْهَا أَنه روى حَدِيث لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَرْوذِيّ لم يُصَحِّحهُ أَبُو عبد الله فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ [شَيْء] يثبت وَمِنْهَا روى حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا كَانَ [النّصْف من شعْبَان فأمسكوا] هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 يحدث الْعَلَاء بِحَدِيث أنكر من هَذَا وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي لَا يحدث بِهِ وَقد ذكرت فِي غير هَذَا الْموضع من هَذَا كثيرا 93 - (قَوْله) وَأما مَا يتَعَلَّق بعدده فَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه فِيهِ أَرْبَعُونَ ألف حَدِيث إِلَّا أَرْبَعِينَ أَو ثَلَاثِينَ قَالَ أَبُو عبد الله الْأَسدي هَكَذَا سمعته من الْقطيعِي لما سمعته مِنْهُ وَعَن ابْن الْمُنَادِي أَن فِيهِ ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وَلَعَلَّه أَرَادَ بِإِسْقَاط المكرر أَو خَالِيا عَن زِيَادَة ابْنه وَقد ذكر ابْن دحْيَة فِي كَلَامه على أَحَادِيث الْمِعْرَاج أَن فِيهِ (54 / أ) أَرْبَعِينَ ألفا بِزِيَادَات ابْنه عبد الله وَهُوَ يجمع الْأَقْوَال 94 - (قَوْله) ومسند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه جَاءَ عَنهُ أَنه قَالَ خرجت عَن كل صَاحِبي أمثل مَا ورد عَنهُ ذكره أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ 95 - (قَوْله) ومسند الْبَزَّار هُوَ يبين فِيهِ الْكَلَام على علل الْأَحَادِيث والمتابعات والتفردات قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لكنه قد يخطيء وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ هُوَ كَالَّذي قبله فِي عدم الِاحْتِجَاج مِنْهُ الحديث: 94 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 96 - (قَوْله) السَّابِع قَوْلهم [هَذَا حَدِيث] صَحِيح الْإِسْنَاد [إِلَى آخِره دَعْوَاهُ أَن قَوْلهم صَحِيح الْإِسْنَاد] يحْتَمل أَن يكون شاذا أَو مُعَللا قد يمْنَع فَإِن صِحَة الْإِسْنَاد مستلزمة لصِحَّة الْمَتْن وَالْحكم بِصِحَّة الْإِسْنَاد مَعَ احْتِمَال عدم صِحَّته بعيد وَهَذَا فِيهِ نظر وَقد تقدم فِي كَلَام المُصَنّف أَنهم إِذا قَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح فمرادهم اتِّصَال سَنَده لَا أَنه مَقْطُوع بِهِ فِي نفس الْأَمر وَقد تكَرر الحديث: 96 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فِي كَلَام الْمزي والذهبي وَغَيرهمَا من الْمُتَأَخِّرين إِسْنَاده صَالح والمتن مُنكر 97 - (قَوْله) الثَّامِن فِي قَول التِّرْمِذِيّ وَغَيره يَعْنِي كالبخاري قَالَ المُصَنّف وجدت فِي أصل الْحَافِظ أبي حَازِم العبدوي بِكِتَاب التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث معَاذ فيمَ يخْتَصم الْمَلأ ألأعلى الحديث: 97 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح انْتهى وَحَاصِل مَا ذكره فِي الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال وَجْهَان الأول مِنْهُمَا أَن تعدد الصّفة بِاعْتِبَار تعدد الْإِسْنَاد قد رد بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا ذكره ابْن أبي الدَّم لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن يكون الحَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا يكون الْمَتْن صَحِيحا لكَونه شاذا أَو مُعَللا فوصف الْإِسْنَاد بِالصِّحَّةِ أَو الْحسن غير وصف الحَدِيث نَفسه بِالصَّحِيحِ أَو الْحسن فَلَا يحسن أَن يُقَال إِن مُرَاده بقوله حَدِيث حسن صَحِيح - بعد التَّصْرِيح بِوَصْف الحَدِيث بهما بِأَنَّهُ رَاجع إِلَى وصف إِسْنَاده فَإِن الحَدِيث شَيْء وَإسْنَاد الحَدِيث شَيْء آخر وَإِنَّمَا لَا يبعد أَن يكون المُرَاد بقوله هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح أَن الصَّحِيح هُوَ الَّذِي نَقله الْعدْل عَن الْعدْل بِشَرْط الضَّبْط كَمَا تقدم وَالْحسن هُوَ الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ بشرى للمكلف وتسهيل عَلَيْهِ وتيسير مَأْخُوذ مِمَّا تميل إِلَيْهِ النَّفس (36 / د) وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي الْجَواب الثَّانِي انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 والاعتراض الثَّانِي ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد أَنه ينْتَقض بقول التِّرْمِذِيّ فِي كثير من الْمَوَاضِع هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه يُصَرح بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مخرج وَاحِد وَقد يُجَاب عَن هَذَا بأمرين أَحدهمَا أَن الصُّورَة الَّتِي ذكرهَا ابْن الصّلاح مُطلقَة لَيست مُقَيّدَة بِهَذَا الْقَيْد وَكَلَامه مَحْمُول عِنْد الْإِطْلَاق وَيكون المُرَاد هُوَ الْأَعَمّ الْأَغْلَب فَإِن هَذَا الْقَيْد الَّذِي ذكره التِّرْمِذِيّ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مطلقه الثَّانِي سلمنَا ذَلِك لَكِن يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث بعض الروَاة لَا أَن الْمَتْن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه أَي انْفِرَاد الرَّاوِي بِهِ عَن راو آخر لَا أَن الْمَتْن مُنْفَرد بِهِ وَيدل لهَذَا أَنه أخرج فِي كتاب الْفِتَن حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة من أَشَارَ إِلَى أَخِيه بحديدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه يستغرب من حَدِيث خَالِد فاستغربه من حَدِيث خَالِد لَا مُطلقًا وَأما الْجَواب الثَّانِي وَهُوَ تَجْوِيز أَن يُرَاد بالْحسنِ الْمَعْنى اللّغَوِيّ اعْترض عَلَيْهِ أَيْضا بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا ذكره صَاحب الاقتراح وَهُوَ استلزام إِطْلَاق الْحسن على الْمَوْضُوع إِذا كَانَ حسن اللَّفْظ وَلم يقلهُ أحد وَفِيه نظر لِأَن الْحسن الَّذِي ذكره ابْن الصّلاح إِنَّمَا هُوَ قرين (55 / أ) الصَّحِيح وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الْحسن الْمُطلق الثَّانِي أَن التِّرْمِذِيّ يَقُول ذَلِك فِي أَحَادِيث مروية فِي صفة جَهَنَّم وَالْحُدُود [و] الْقصاص وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُوَافق الْقلب إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه حسن بِاعْتِبَار مَا [فِيهِ] من الزّجر عَن الْقَبِيح وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 الَّذِي أقوله فِي جَوَاب هَذَا السُّؤَال أَنه لَا يشْتَرط فِي الْحسن قيد الْقُصُور عَن الصِّحَّة وَإِنَّمَا يجيؤه الْقُصُور وَيفهم ذَلِك مِنْهُ إِذا اقْتصر على قَوْله حسن والقصور ثَابت من حَيْثُ الِاقْتِصَار لَا من حَيْثُ حَقِيقَته وذاته [فَإِذا جمع بَينهمَا فَلَا قُصُور حِينَئِذٍ] وَبَيَان ذَلِك أَن هَا هُنَا صِفَات للرواة تَقْتَضِي قبُول روايتهم وَتلك الصِّفَات مُتَفَاوِتَة بَعْضهَا فَوق بعض كالتيقظ وَالْحِفْظ والإتقان مثلا [فوجود الدرجَة الدُّنْيَا كالصدق مثلا] لَا يُنَافِي وجود مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ كالحفظ والإتقان وَكَذَلِكَ إِذا وجدت الدرجَة الْعليا لم يناف ذَلِك وجود الدُّنْيَا [كالحفظ] مَعَ الصدْق فصح أَن يُقَال حسن بِاعْتِبَار الصّفة [الدُّنْيَا] صَحِيح بِاعْتِبَار الصّفة الْعليا وَيلْزم على ذَلِك أَن يكون كل صَحِيح حسنا ويلتزمه وَيُؤَيِّدهُ وُرُود قَول الْمُتَقَدِّمين هَذَا حَدِيث حسن فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وَحَاصِله أَن الصَّحِيح يرجع إِلَى زِيَادَة الْحِفْظ والإتقان وَالْحسن يرجع إِلَى الصدْق وَمُطلق الْحِفْظ وَقد يَجْتَمِعَانِ وَيشكل عَلَيْهِ مَا تقدم من إِطْلَاق الصَّحِيح عِنْد شهرة الرَّاوِي بِالصّدقِ مَعَ قُصُور ضَبطه وَأورد عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ السَّنَد قد اتّفق على عَدَالَة رُوَاته وَجَوَابه بندرة ذَلِك نعم مَا ادَّعَاهُ من أَن كل صَحِيح حسن مَمْنُوع فَإِن الصَّحِيح الَّذِي لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كَمَا سَيَأْتِي لَيْسَ بِحسن لِأَن شَرط الْحسن أَن يرْوى من غير وَجه كَمَا تقدم [نعم] لَو قيل بَينهمَا عُمُوم وخصوص لَكَانَ متجها إِذْ بعض الْحسن لَيْسَ بِصَحِيح أَيْضا لكَون رِجَاله لَيْسُوا من الضَّبْط والإتقان والشهرة بِذَاكَ وَإِن كَانَ مَعْرُوف الْمخْرج وَرُوِيَ من غير وَجه فَحَيْثُ عرف مخرجه واشتهر رِجَاله وهم بمَكَان من الضَّبْط والإتقان وَرُوِيَ من غير وَجه فَحسن وصحيح وَحَيْثُ رُوِيَ من وَجه آخر لَيْسَ لَهُ إِلَّا راو وَاحِد فِي كل دَرَجَة وَهُوَ ضَابِط متقن عدل ثِقَة فَصَحِيح وَلَيْسَ بِحسن وَحَيْثُ لَهُ مخرج مشتهر وَأخرج من غير وَجه فَحسن وصحيح وَحَيْثُ رُوِيَ من وَجه وَقَالَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير - رَحمَه الله - أصل هَذَا السُّؤَال غير مُتَّجه لِأَن الْجمع بَين الْحسن وَالصِّحَّة رُتْبَة متوسطة فَالصَّحِيح أَعْلَاهَا ويليه الْمَنْسُوب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 كل مِنْهُمَا وَهُوَ الصِّحَّة وَالْحسن ويليه الْحسن وَمَا كَانَ فِيهِ شبه من شَيْئَيْنِ اخْتصَّ باسم وَصَارَ كالمستقل كَقَوْلِهِم هَذَا حُلْو حامض أَي مز انْتهى وَيلْزم على هَذَا أَلا يكون فِي كتاب التِّرْمِذِيّ صَحِيح إِلَّا قَلِيلا لقلَّة اقْتِصَاره على قَوْله هَذَا صَحِيح مَعَ أَن الَّذِي يعبر فِيهِ بِالصِّحَّةِ وَالْحسن أَكْثَره مَوْجُود فِي الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ هُوَ يَقْتَضِي إِثْبَات قسم آخر وَهُوَ خرق لإجماعهم فَإِن قلت فَمَا عنْدك فِي دفع هَذَا الْإِشْكَال قلت يحْتَمل أَن يُرِيد بقوله حسن صَحِيح فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة الترادف وَاسْتعْمل هَذَا قَلِيلا تَنْبِيها على جَوَازه كَمَا اسْتَعْملهُ بَعضهم حَيْثُ وصف الْحسن بِالصِّحَّةِ على قَول من أدرج الْحسن فِي قسم الصَّحِيح وَيجوز أَن يُرِيد حقيقتهما فِي إِسْنَاد وَاحِد بِاعْتِبَار حَالين وزمانين فَيجوز أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث من رجل مرّة فِي حَال كَونه مَسْتُورا أَو مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة ثمَّ ترقى ذَلِك الرجل المسمع وارتفع حَاله إِلَى دَرَجَة الْعَدَالَة فَسَمعهُ مِنْهُ التِّرْمِذِيّ أَو غَيره مرّة أُخْرَى فَأخْبر بالوصفين (56 / أ) وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد أَنه سمع الحَدِيث الْوَاحِد على الشَّيْخ الْوَاحِد غير مرّة وَهُوَ قَلِيل وَهَذَا الِاحْتِمَال - وَإِن كَانَ بَعيدا - فَهُوَ أشبه مَا يُقَال وَهُوَ رَاجع لما ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَيحْتَمل أَن يكون التِّرْمِذِيّ أدّى اجْتِهَاده إِلَى حسنه أَو بِالْعَكْسِ أَو أَن الحَدِيث فِي أَعلَى دَرَجَات الْحسن وَأول دَرَجَات الصَّحِيح فَجمع لَهُ بِاعْتِبَار مذهبين كَمَا تقدم فِي حَدِيث الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وكحديث جَابر فِي (السَّلَام على من يَبُول) سكت عَنهُ عبد الْحق سكُوت مصحح لَهُ وَحسنه ابْن الْقطَّان للِاخْتِلَاف فِي رِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل فَيُقَال أَشَارَ بقوله حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 صَحِيح [للتّنْبِيه على أَنه باعتبارين فَحسن على وَجه مضعف وصحيح] على عدم الِاعْتِدَاد بِهِ وَيُقَوِّي هَذَا قَول التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة فِي (الْغسْل بمجاوزة الْخِتَان) حسن صَحِيح مَعَ نَقله عَن البُخَارِيّ فِي كتاب الْعِلَل أَن إِسْنَاده خطأ وَأَنت إِذا تَأَمَّلت تصرف التِّرْمِذِيّ لَعَلَّك تسكن إِلَى قَصده هَذَا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَاعْلَم أَن هَذَا السُّؤَال يرد بِعَيْنِه فِي قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لِأَن من شَرط الْحسن أَن يكون مَعْرُوفا من غير وَجه والغريب مَا انْفَرد أحد رُوَاته بِهِ وَبَينهمَا تناف وَجَوَابه أَن الْغَرِيب يُطلق على أَقسَام غَرِيب من جِهَة الْمَتْن وغريب من جِهَة الْإِسْنَاد وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي دون الأول لِأَن هَذَا الْغَرِيب مَعْرُوف عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة لَكِن تفرد بَعضهم بروايته عَن صَحَابِيّ فبحسب الْمَتْن حسن لِأَنَّهُ عرف مخرجه واشتهر فَوجدَ شَرطه الْحسن وبحسب الْإِسْنَاد غَرِيب لِأَنَّهُ لم يروه عَن تِلْكَ الْجَمَاعَة إِلَّا وَاحِد وَلَا مُنَافَاة بَين الْغَرِيب بِهَذَا (37 / د) الْمَعْنى وَبَين الْحسن بِخِلَاف سَائِر الغرائب فَإِنَّهَا تنَافِي الْحسن وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عبد المحسن الغرافي فِي كِتَابه مُعْتَمد [قَاصد] التَّنْبِيه قَول أبي عِيسَى هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب وَهَذَا حَدِيث [حسن] غَرِيب إِنَّمَا يُرِيد بِهِ ضيق الْمخْرج أَنه لم يخرج إِلَّا من جِهَة وَاحِدَة وَلم يَتَعَدَّد خُرُوجه من طرق إِلَّا إِن [كَانَ] الرَّاوِي ثِقَة فَلَا يضر ذَلِك فيستغربه هُوَ لقلَّة الْمُتَابَعَة وَهَؤُلَاء الْأَئِمَّة شروطهم عَجِيبَة وَقد يخرج الشَّيْخَانِ أَحَادِيث تقع إِلَى أبي عِيسَى فَيَقُول فِيهَا هَذَا حَدِيث حسن وَتارَة حسن غَرِيب كَمَا قَالَ فِي حَدِيث أبي بكر قلت يَا رَسُول الله عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيث حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 98 - (قَوْله) التَّاسِع من أهل الحَدِيث من لَا يفرد نوع الْحسن ويجعله مندرجا فِي الصَّحِيح انْتهى قد سبق النَّقْل عَن بعض الْمُتَأَخِّرين حِكَايَة هَذَا عَن جَمِيع أهل الحَدِيث خلا التِّرْمِذِيّ وَمِنْهُم من يَجعله مندرجا فِي الضَّعِيف ثمَّ تَسْمِيَة هَذِه الْكتب صحاحا إِمَّا هُوَ بِاعْتِبَار الْأَغْلَب لِأَن غالبها الصِّحَاح والحسان وَهِي مُلْحقَة بالصحاح والضعيف مِنْهَا رُبمَا الْتحق بالْحسنِ بِإِطْلَاق الصِّحَّة عَلَيْهَا فِي بَاب التغليب والكتب السِّتَّة الصحيحان وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ الحديث: 98 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَابْن مَاجَه وَعند المغاربة موطأ مَالك عوضا عَن سنَن ابْن مَاجَه قبل أَن يقفوا عَلَيْهِ 99 - (قَوْله) ذكر الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي الْكتب الْخَمْسَة إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا أَن هَذَا ذكره السلَفِي فِي كِتَابه مُقَدّمَة السّنَن فَقَالَ وَأما السّنَن فكتاب لَهُ صيت فِي الْآفَاق وَلَا يرى مثله على الْإِطْلَاق وَهُوَ كَمَا ذكرت فِيمَا تقدم أحد الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا عُلَمَاء الشرق والغرب والمخالفون لَهُم كالمتخلفين عَنْهُم بدار الْحَرْب فَكل من رد مَا صَحَّ من قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يتلقه بِالْقبُولِ قد ضل وغوى إِذْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا ينْطق عَن الْهوى وَإِنَّمَا ذكرته لِأَنِّي وجدت شَيخنَا (57 / أ) عَلَاء الدّين مغلطاي أنكر على ابْن الصّلاح هَذَا النَّقْل عَن السلَفِي حَيْثُ لم يقف على هَذَا الْموضع وَإِنَّمَا وقف على قَوْله قبل هَذَا بِنَحْوِ ورقتين وَكتاب أبي دَاوُد فَهُوَ أحد الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق أهل الْحل وَالْعقد من الْفُقَهَاء وحفاظ الحَدِيث على قبُولهَا وَالْحكم بِصِحَّة أُصُولهَا قَالَ فَإِنَّمَا نقل الِاتِّفَاق على صِحَة أُصُولهَا لَا مُطلقًا والعبارة السَّابِقَة هِيَ عبارَة الحديث: 99 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 المُصَنّف وَلَا تنَافِي هَذِه الْعبارَة الثَّانِي مَا اعْترض بِهِ على المُصَنّف قد أجَاب عَنهُ النَّوَوِيّ بِأَن مُرَاده مُعظم الْكتب الثَّلَاثَة سوى الصَّحِيحَيْنِ يحْتَج بِهِ لَكِن فِي هَذَا نظر إِذْ لَيْسَ كل صَحِيح يحْتَج بِهِ فالمنسوخ صَحِيح وَلَا يحْتَج بِهِ فمراده السَّالِم عَن الْمعَارض وَهَذَا وَاضح الثَّالِث السلَفِي - بِكَسْر الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَبعدهَا فَاء مَكْسُورَة - مَنْسُوب إِلَى جد لَهُ يُقَال سلفه كَانَ هَذَا الْجد مشقوق الشّفة فلقب بِالْفَارِسِيَّةِ شلفة - بِكَسْر (الشين الْمُعْجَمَة) وَفتح اللَّام - أَي ذِي ثَلَاث شفَاه ثمَّ عرب فَقيل سلفة هَكَذَا ذكره النَّوَوِيّ فِي كِتَابه بُسْتَان العارفين وَرَأَيْت فِي فهرست القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الله بن حوط الله أَنه مَنْسُوب إِلَى سلفة قَرْيَة من قرى أَصْبَهَان وَالصَّوَاب الأول فقد رَأَيْت فِي تَعْلِيق كتبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 بِخَط السلَفِي مَا نَصه بَنو سلفة سلفي أبي وَعمي وجدي وجد أبي [مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَخُو فَاطِمَة بنت شُعَيْب العالمة قدمت الصوفيات بأصبهان وَعم أبي الْفضل - رَحِمهم الله - يذكر مَعَ سلفة بن دَاوُد فِي نسب طَلْحَة بن مصرف انْتهى ونقلت من خطّ الْحَافِظ أبي المظفر مَنْصُور بن سليم الإسكندري فِي تَارِيخ الْإسْكَنْدَريَّة أصل سلفة أَنه كَانَت إِحْدَى شَفَتَيْه عريضة مفروقة فَكَانَت لَهُ ثَلَاث شفَاه فَقيل لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ شي لفه أَي ذُو ثَلَاث شفَاه ثمَّ عرب فَقيل سلفة ثمَّ نسب نَفسه بعد قدومه مصر فَقيل السلَفِي لِئَلَّا يشْتَبه بالسلفي فَائِدَة وَقع فِي عبارَة بَعضهم الْجيد كالترمذي فِي الطِّبّ من جَامعه وَمرَاده الصَّحِيح وَقَالَ إِسْحَاق بن بشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 قَالَ ابْن الْمُبَارك لَيْسَ جودة الحَدِيث قرب الْإِسْنَاد [بل] جودة الحَدِيث صِحَة الرِّجَال ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء وَيَقَع فِي عبارتهم الثَّابِت وَيكثر ذَلِك فِي كَلَام ابْن الْمُنْذر وَهل يسْتَلْزم ذَلِك الحكم بِالصِّحَّةِ يحْتَمل أَن يتَخَرَّج فِيهِ خلاف من خلاف الْفُقَهَاء أَن القَاضِي لَو قَالَ ثَبت عِنْدِي بِالْبَيِّنَةِ العادلة كَذَا هَل يكون حكما مِنْهُ وَجْهَان أقربهما نعم لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن تَحْقِيق الشَّيْء جزما وأصحهما لَا لِأَن الحكم هُوَ الْإِلْزَام والثبوت لَيْسَ بإلزام وَالْأَقْرَب أَنه لَا يتَخَرَّج لأَنهم أجروا هَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ صَحَّ عِنْدِي كَذَا هَل يكون حكما وَقد كَانَ الحافظان قطب الدّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَفتح الدّين بن سيد النَّاس يَقُولَانِ إِن الثَّابِت يخْتَص بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح دون الْحسن ونازعهم مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ اللَّخْمِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الصَّيْرَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وصنف فِي ذَلِك جُزْءا وقفت عَلَيْهِ بِخَطِّهِ وَقَالَ لَا يخْتَص بِهِ بل يَشْمَل الْحسن أَيْضا لِأَن الْحسن يحْتَج بِهِ كَمَا يحْتَج بِالصَّحِيحِ وَإِن كَانَ دونه فِي الْقُوَّة وَاعْترض على نَفسه بِأَن الْحفاظ قد استعملوا فِي مصنفاتهم الثَّابِت الصَّحِيح وَالصَّحِيح الثَّابِت فَقَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت وَهَذَا حَدِيث ثَابت صَحِيح وَلم يجْعَلُوا الصَّحِيح تَأْكِيدًا لِلْحسنِ وَلَا الْحسن تَأْكِيدًا للثبوت فَلم يَقُولُوا هَذَا حَدِيث حسن ثَابت أَو ثَابت حسن وَأجَاب أَنه لَا يلْزم من عدم استعمالهم أَلا يجوز وَلَا شكّ أَن الثُّبُوت يَشْمَل الصِّحَّة وَالْحسن لِأَن اللَّفْظ يحتملهما وَقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ (58 / أ) فِي سنَنه فِي حَدِيث شَهَادَة الْأَعرَابِي بِهِلَال رَمَضَان إِسْنَاده حسن ثَابت وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي حَدِيث ابْن عمر فِي (رُؤْيَة الْهلَال) أخرجه أَبُو دَاوُد وَهُوَ ثَابت وَقَالَ فِي (حَدِيث الْقلَّتَيْنِ) وَفِي حَدِيث (الْوضُوء من مس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الذّكر) حسن ثَابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وَقد اسْتعْمل ابْن الْمُنْذر فِي الإشراف هَذِه الْعبارَة كثيرا فِي أول الْأَبْوَاب فَيَقُول ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَذَا وَأمر بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا استعملها فِي أَحَادِيث كَثِيرَة حسنها التِّرْمِذِيّ وَلم يُخرجهَا البُخَارِيّ وَلَا مُسلم كَقَوْلِه ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعُثْمَان (38 د) بن أبي الْعَاصِ وَاتخذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ على أَذَانه أجرا قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ حسن وَقَالَ ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 حسنه التِّرْمِذِيّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَسْمِيَة الثُّبُوت لِلْحسنِ يَنْبَنِي على اتِّحَاد حكم الصَّحِيح وَالْحسن فِي وجوب الْعَمَل بهَا فِي الْأَحْكَام فَمن نظر إِلَى حكم الْحسن جَازَ أَن يُسَمِّيه صَحِيحا مجَازًا اعْتِبَارا بِحكمِهِ كَمَا فعل غير وَاحِد من الْأَئِمَّة وَمن لم يسمه صَحِيحا وهم الْأَكْثَرُونَ نظرُوا إِلَى حَقِيقَة إِسْنَاد الْحسن فعلى هَذَا الْإِشْكَال فِي جَوَاز تَسْمِيَة الْحسن بالثابت اعْتِبَارا بِحكمِهِ وَهل يُسمى الْحسن ثَابتا اعْتِبَارا بِإِسْنَادِهِ على مَذْهَب الْجُمْهُور فَإِن دَرَجَته متوسطة بَين الصَّحِيح والضعيف فِيهِ ثَلَاثَة احتمالات ثَالِثهَا التَّفْصِيل بَين ذَا ومستور لم تتَحَقَّق أَهْلِيَّته وَلَيْسَ مغفلا كثير الْخَطَأ وَلَا ظهر مِنْهُ سَبَب مفسق وَيكون متن حَدِيثه مَعْرُوفا فَلَا يُسمى حَدِيثه ثَابتا لعدم تَحْقِيق الْأَهْلِيَّة وَبَين راو اشْتهر بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَهُوَ مُرْتَفع عَن حَال من يعد تفرده مُنْكرا فيسمى حَدِيثه ثَابتا لوُجُود الثَّنَاء عَلَيْهِ وشهرته فَإِن دَرَجَات الْحسن مُتَفَاوِتَة كَمَا أَن دَرَجَات الصَّحِيح والضعيف تَتَفَاوَت فَإِن قلت قَوْلهم حَيْثُ حسن ثَابت يَقْتَضِي إسنادين حسن والاخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ثَابت كَمَا اقْتضى قَوْلهم [حَدِيث] حسن صَحِيح قلت لَا يتَّجه ذَلِك لجَوَاز أَن يكون الثُّبُوت أُرِيد بِهِ تَأْكِيد الْحسن وَهُوَ الْمَطْلُوب أَو الصِّحَّة فَهُوَ مُحْتَمل لَهما فَلَا يحكم بِالصِّحَّةِ فِي لفظ الثُّبُوت إِلَّا بِأَمْر صَرِيح وَلَيْسَ فِي الثُّبُوت صَرَاحَة فِي الصِّحَّة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي غير حَدِيث هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح كَمَا يَقُول حسن صَحِيح وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه إِسْنَاد صَحِيح حسن وَقَالَ أَيْضا هَذَا إِسْنَاد صَحِيح ثَابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 النَّوْع الثَّالِث فِي معرفَة الضَّعِيف 100 - (قَوْله) كل حَدِيث لم تَجْتَمِع فِيهِ صِفَات الصَّحِيح وَلَا صِفَات الْحسن فَهُوَ ضَعِيف اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى ذكر الصَّحِيح لِأَن مَا قصر عَن الْحسن فَهُوَ على الصَّحِيح أقصر وَهُوَ عَجِيب لِأَن مقَام التَّعْرِيف يَقْتَضِي ذَلِك وَلِأَنَّهُ لَا يلْزم من عدم وجود وصف الْحسن عدم وجود وصف الصَّحِيح فَالصَّحِيح بِشَرْطِهِ السَّابِق لَا يُسمى حسنا فالترديد مُتَعَيّن وَنَظِيره قَول النَّحْوِيّ - بعد تَعْرِيف الِاسْم وَالْفِعْل - الحديث: 100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 والحرف مَا لم يقبل شَيْئا من عَلَامَات الِاسْم وَلَا عَلَامَات الْفِعْل ثمَّ لَو عكس هَذَا الِاعْتِرَاض فَقيل لَا حَاجَة لذكر الْحسن بِنَاء على أَنه لَيْسَ ثمَّ غير قسمَيْنِ صَحِيح وَضَعِيف كَمَا سبق عَن الْجُمْهُور لَكَانَ أقرب وَهنا أسئلة أَحدهَا أَنه لَا يلْزم من كَون سَنَد الحَدِيث ضَعِيفا أَن يكون كَذَلِك فِي نفس الْأَمر بل قد يكون لَهُ سَنَد آخر صَحِيح وَقد ينجبر بِسَنَد آخر ضَعِيف يَنْتَهِي بمجموعها إِلَى دَرَجَة الْحسن كَمَا سبق فِي الْحسن أَنه يرتقي إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح إِذا رُوِيَ بِسَنَد آخر مثله فِي الْحسن الثَّانِي يَجِيء هُنَا مَا سبق فِي السَّابِع أَن قَوْلهم حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد دون قَوْلهم صَحِيح لَا يَقْتَضِي صِحَة الْمَتْن فَيُقَال هُنَا قَوْلهم ضَعِيف الْإِسْنَاد دون قَوْلهم ضَعِيف لَا يَقْتَضِي ضعف الْمَتْن إِلَّا إِذا اقْتصر عَلَيْهِ حَافظ مُعْتَمد (59 / أ) فَالظَّاهِر ضعف الْمَتْن وَعدم صِحَّته الثَّالِث أَن الحَدِيث الضَّعِيف إِذا تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ عمل بِهِ على الصَّحِيح حَتَّى إِنَّه ينزل منزلَة الْمُتَوَاتر فِي أَنه ينْسَخ الْمَقْطُوع وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي حَدِيث لَا وَصِيَّة لوَارث إِنَّه لَا يُثبتهُ أهل الحَدِيث وَلَكِن الْعَامَّة تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ وَعمِلُوا بِهِ حَتَّى جَعَلُوهُ نَاسِخا لآيَة الْوَصِيَّة للْوَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 101 - (قَوْله) وَأَطْنَبَ أَبُو حَاتِم البستي فِي تقسيمه أَي فِي أول كِتَابه الضُّعَفَاء 102 - (قَوْله) وسبيل من أَرَادَ الْبسط إِلَى آخِره [مِثَاله] أَن يعد الْمُنْقَطع قسما ثمَّ الْمُنْقَطع الشاذ قسما آخر ثمَّ الْمُنْقَطع الشاذ الْمُرْسل قسما آخر ثمَّ الْمُنْقَطع الشاذ الْمُرْسل المضطرب قسما رَابِعا ثمَّ كَذَلِك إِلَى آخر الصِّفَات ثمَّ يعود فَيَقُول الشاذ قسم خَامِس الشاذ الحديث: 101 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الْمُرْسل قسم سادس الْمُرْسل المضطرب قسم سَابِع وَهَكَذَا 103 - (قَوْله) وَهَكَذَا هَلُمَّ جرا اعْلَم أَنه مِمَّا يسْأَل عَنهُ إِعْرَاب هَذِه اللَّفْظَة وَمَعْنَاهَا وَقل من يعرض لَهَا وَقد ذكرهَا الشريشي فِي شرح المقامات وَقَالَ ينْتَصب فِي قَول الْكُوفِيّين على الْمصدر لِأَن فِي هَلُمَّ [معنى] جروا جرا وَفِي قَول الْبَصرِيين هُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال تَقْدِيره هَلُمَّ جارين أَي مستثبتين قِيَاسا على جَاءَ عبد الله مشيا وَأَقْبل ركضا وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الْمَعْنى سِيرُوا على هيئتكم لَا تجهدوا أَنفسكُم أخذا من الحديث: 103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الْجَرّ فِي السُّوق وَهُوَ أَن تتْرك الْإِبِل وَالْغنم ترعى فِي السّير ثمَّ رَأَيْت فِي الزَّاهِر لِابْنِ الْأَنْبَارِي بعد أَن ذكر هَذَا الْمَعْنى قَالَ فِي نَصبه ثَلَاثَة أوجه فَذكر الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين وَقَالَ وَالثَّالِث قَالَه بعض النَّحْوِيين أَنه مَنْصُوب على التَّفْسِير يَعْنِي التَّمْيِيز قَالَ وَيُقَال للرجلين هَلُمَّ جرا وهلما جرا وللجمع هلموا جرا وهلم جرا وَالِاخْتِيَار التَّوْحِيد لِأَن هَلُمَّ لَيست فعلا يتَصَرَّف وبالتوحيد جَاءَ الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى {والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا} 104 - (قَوْله) ثمَّ مَا عدم فِيهِ جَمِيع الصِّفَات هُوَ الْقسم الْأُخَر هُوَ بِكَسْر الْخَاء وَقصر الْألف قَالَ فِي الصِّحَاح يُقَال فِي الشتم أبعد الله الْأُخَر وَفِي حَدِيث مَاعِز إِن الْأُخَر زنا قَالَ ابْن عبد الْبر الرِّوَايَة فِيهِ بِكَسْر الْخَاء على وزن فعل عِنْد أهل اللُّغَة وَمَعْنَاهُ أَن البائس الشقي زنا كَمَا تَقول الْأَبْعَد زنا قَالَه توبيخا لنَفسِهِ وَقَالُوا فِي الحديث: 104 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 قَول قيس بن عَاصِم [و] الْمَسْأَلَة أخر كسب الرجل أَي أرذل كَسبه قلت وَعَن ابْن أَنه حُكيَ بِالْمدِّ وَهُوَ غَرِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 105 - (قَوْله) وَمن أَقسَام ذَلِك أَي من أَقسَام الضَّعِيف إِلَى آخِره أما أَن الْمَوْضُوع من أَقسَام الضَّعِيف فَغير مُسلم لِأَن الْمَوْضُوع لَيْسَ بِحَدِيث أصلا بل لَا يَنْبَغِي أَن يعد الْبَتَّةَ وَأما إِطْلَاقه الشاذ فَلَيْسَ بذلك فقد ينْفَرد الثِّقَة فَلَا يضر شذوذه كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه وَكَذَلِكَ الْمُعَلل والمرسل لَيْسَ بضعيف مُطلقًا فقد يحْتَج بِهِ من ضعفه إِذا اعتضد بِأُمُور وَمِمَّا أهمله المُصَنّف هَا هُنَا ذكر أَو هِيَ الْأَسَانِيد وَهُوَ نَظِير مَا تقدم فِي أصح الْأَسَانِيد وَقد تعرض لَهُ الْحَاكِم وَأَبُو نعيم الْحَافِظ فِيمَا أخرجه على كتاب الْحَاكِم والأستاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ فأوهى أَسَانِيد الصّديق صَدَقَة الدقيقي عَن الحديث: 105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 فرقد السبخي عَن مرّة الطّيب عَن أبي بكر وأوهى أَسَانِيد العمريين مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم عَن أَبِيه عَن جده فَإِن مُحَمَّدًا وَالقَاسِم وعبد الله لَا يحْتَج بهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وأوهي أَسَانِيد أهل الْبَيْت عَمْرو بن شمر عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الْحَارِث الْأَعْوَر عَن عَليّ وأوهى أَسَانِيد أبي هُرَيْرَة السّري بن إِسْمَاعِيل عَن دَاوُد بن يزِيد الأودي عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وأوهى أَسَانِيد عَائِشَة نُسْخَة عِنْد الْبَصرِيين عَن الْحَارِث بن شبْل عَن أم النُّعْمَان عَن عَائِشَة وأوهى أَسَانِيد (ل / 60 أ) عبد الله بن مَسْعُود شريك عَن أبي فَزَارَة عَن أبي زيد عَن عبد الله إِلَّا أَن أَبَا فَزَارَة رَاشد بن كيسَان كُوفِي ثِقَة وأوهى أَسَانِيد أنس بن مَالك دَاوُد بن المحبر بن قحذم عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 أَبِيه عَن أبان بن أبي عَيَّاش عَن أنس وأوهي أَسَانِيد المكيين عبد الله بن مَيْمُون القداح عَن شهَاب بن خرَاش عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد الخوزي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وأوهى أَسَانِيد اليمانيين حَفْص بن عمر الْعَدنِي عَن الحكم بن أبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وأوهى أَسَانِيد المصريين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج بن رشدين [بن] سعد عَن أَبِيه عَن جده عَن قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن بن حيوئيل عَن كل من روى عَنهُ فَإِنَّهَا نُسْخَة كَبِيرَة وأوهى أَسَانِيد الشاميين مُحَمَّد بن قيس المصلوب عَن عبيد الله بن زحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 عَن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وأوهى أَسَانِيد الخراسانيين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن مليحة عَن نهشل ابْن سعيد عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مليحة ونهشل نيسابوريان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 106 - (قَوْله) والملحوظ فِيمَا نورده من الْأَنْوَاع عُمُوم أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث لَا خُصُوص أَنْوَاع التَّقْسِيم الَّذِي فَرغْنَا الْآن مِنْهُ قلت هَذَا جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَنه ذكر أول الْكتاب أَن الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام ثمَّ ذكر بعد ذَلِك هَذِه الْأَنْوَاع وبناها على تِلْكَ الْأَقْسَام السَّابِقَة فَأَيْنَ الْحصْر فِي الثَّلَاثَة وَأجَاب بِأَن هَذِه الْأَنْوَاع من هَا هُنَا المُرَاد بهَا أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث لَا خُصُوص مَا سبق وَهُوَ جَوَاب غير متحصل وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال إِن هَذِه الْأَقْسَام فِي الْحَقِيقَة ترجع إِلَى تِلْكَ الثَّلَاثَة ثمَّ مِنْهَا مَا يرجع للصحيح فَقَط [وَمِنْهَا مَا يرجع لِلْحسنِ فَقَط] وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَيْهِمَا وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى الضَّعِيف فَيدْخل تَحت الصَّحِيح الْمسند والمتصل وَأحد نَوْعي الْمَرْفُوع وَأحد نَوْعي الْمَوْقُوف وَهُوَ الْمُتَّصِل مِنْهُمَا وَأحد أَنْوَاع الشاذ وَهُوَ أَن ينْفَرد الْعدْل الضَّابِط بِرِوَايَة حَدِيث لَا يُخَالف فِيهِ من هُوَ أحفظ مِنْهُ وأضبط وَيدخل تَحْتَهُ الْعَزِيز والغريب وَالْمَشْهُور وَيدخل تَحت الضَّعِيف الْمَقْطُوع والمنقطع والمرسل والمعضل وَالْمُعَلّق الحديث: 106 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 والشاذ والمعلل والمضطرب والمدرج والموضوع والمقلوب وَالْمُنكر والمدلس وَمِمَّا يدْخلهُ الثَّلَاثَة الشاذ والمقطوع وَالْمَوْقُوف كل وَاحِد مِنْهَا يَنْقَسِم إِلَى الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 النَّوْع الرَّابِع الْمسند وَهُوَ مَأْخُوذ من السَّنَد وَهُوَ مَا ارْتَفع وَعلا عَن سفح الْجَبَل لِأَن الْمسند يرفعهُ إِلَى قَائِله وَيجوز أَن يكون مأخوذا من قَوْلهم فلَان سَنَد أَي مُعْتَمد فَسُمي الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن مُسْندًا لاعتماد النقاد فِي الصِّحَّة والضعف عَلَيْهِ وَفِي أدب الرِّوَايَة للحفيد أسندت الحَدِيث أسْندهُ وعزوته أعزوه وأعزيه وَالْأَصْل فِي الْحَرْف رَاجع إِلَى الْمسند وَهُوَ الدَّهْر فَيكون معنى إِسْنَاد الحَدِيث اتِّصَاله فِي الرِّوَايَة اتِّصَال أزمنة الدَّهْر بَعْضهَا بِبَعْض وَحَاصِل مَا حَكَاهُ المُصَنّف فِي تَعْرِيفه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه الْمُتَّصِل إِسْنَاده وَإِن لم يرفع إِلَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالثَّانِي أَنه الْمَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِن لم يتَّصل وَالثَّالِث أَنه الْمُتَّصِل الْمَرْفُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وَيتَفَرَّع على هَذِه الْأَقْوَال أَن الْمُرْسل [هَل] يُسمى مُسْندًا فعلى الأول لَا يُسمى لِأَنَّهُ مَا اتَّصل إِسْنَاده وعَلى الثَّانِي يُسمى مُسْندًا لِأَنَّهُ جَاءَ عَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُنْقَطِعًا وعَلى الثَّالِث لَا يُسمى مُسْندًا أَيْضا لِأَنَّهُ فَاتَهُ شَرط الِاتِّصَال وَوجد فِيهِ الرّفْع وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضا الْمَوْقُوف - وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن الصَّحَابَة -[أَنه] هَل يُسمى مُسْندًا فعلى الأول نعم لاتصال إِسْنَاده إِلَى منتهاه وعَلى الثَّانِي وَالثَّالِث لَا وَكَذَلِكَ المعضل وَهُوَ (61 / أ) مَا سقط من إِسْنَاده اثْنَان فَأكْثر فعلى الأول وَالثَّالِث لَا يُسمى مُسْندًا وعَلى الثَّانِي يُسمى 107 - (قَوْله) - نقلا عَن الْخَطِيب - وَأكْثر مَا يسْتَعْمل ذَلِك فِيمَا جَاءَ عَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - دون مَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة وَغَيرهم عبارَة الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة إِلَّا أَن أَكثر استعمالهم هَذِه الْعبارَة فِيمَا أسْند عَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَاصَّة انْتهى فَشرط الْإِسْنَاد لم يعْتَبر اتِّصَال الْإِسْنَاد فِيهِ بِأَن يكون كل وَاحِد من رُوَاته سَمعه مِمَّن فَوْقه حَتَّى يَنْتَهِي ذَلِك إِلَى آخِره وَإِن لم يبين فِيهِ السماع بل اقْتصر الحديث: 107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 على العنعنة 108 - (قَوْله) وَذكر ابْن عبد الْبر إِلَى آخِره هَذَا القَوْل صَححهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه المعتصر الملخص من هَذَا الْكتاب وَهُوَ الظَّاهِر من حَال تصرف الْأَئِمَّة المصنفين للمسندات كأحمد بن حَنْبَل وَابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَغَيرهم وَقَالَ صَاحب كتاب الْوُصُول إِنَّه الْأَرْجَح لعدم تدَاخل الصِّنْفَيْنِ أَي الْمسند والمتصل الحديث: 108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وَحكى أَبُو عمر عَن قوم أَن الْمسند لَا يَقع إِلَّا على مَا اتَّصل مَرْفُوعا هَذَا القَوْل جزم بِهِ أَبُو الْحسن بن الْحصار فِي كِتَابه تقريب المدارك وَأَبُو عَمْرو عُثْمَان بن سعيد الْمُقْرِئ فِي جُزْء لَهُ جمعه فِي رسوم الحَدِيث وَابْن خلفون فِي الْمُنْتَقى وَهُوَ ظَاهر كَلَام السَّمْعَانِيّ فِي القواطع فَإِنَّهُ قَالَ الْمسند هُوَ الْخَبَر الْمُتَّصِل بِالنَّبِيِّ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من حَيْثُ النَّقْل قَالَ واتصاله يعْتَبر بِثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يرويهِ ناقل عَن ناقل حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى صَحَابِيّ ويصله بِالنَّبِيِّ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ] فَإِن اخْتَلَّ نِصَاب النَّقْل فِي وسط أَو طرف بَطل الِاتِّصَال وَالثَّانِي أَن يُسَمِّي كلما وجد من ناقل الحَدِيث بِمَا هُوَ مَشْهُور بِهِ حَتَّى يتَمَيَّز وَلَا يَقع التَّدْلِيس فِي اسْمه فَيمكن الْكَشْف عَن حكمه فَإِن لم يسمه أَو قَالَ أَخْبرنِي الثِّقَة أَو من لَا أَتَّهِمهُ لم يكن حجَّة فِي صِحَة النَّقْل وَقبُول الرِّوَايَة وَالثَّالِث أَن يكون كل وَاحِد من جمَاعَة الروَاة على الصّفة الَّتِي يعقل خَبره من التيقظ وَالْعَدَالَة فَعِنْدَ اجْتِمَاع هَذِه الشُّرُوط يكون الْخَبَر مُسْندًا انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الاقتراح فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ مَا اتَّصل سَنَده إِلَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ حكى قَول ابْن عبد الْبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 النَّوْع الْخَامِس معرفَة الْمُتَّصِل 109 - (قَوْله) وَيُقَال فِيهِ (د 40) الْمَوْصُول قلت والموتصل وَهِي عبارَة الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - كَمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ - وَقَالَ ابْن حَاجِب فِي تصريفه هِيَ لُغَة الشَّافِعِي 100 - (قَوْله) وَهُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده خرج بذلك الْمُرْسل والمنقطع والمعضل وَنَحْوهَا وَقد يطلقونه على الْمُنْقَطع مُقَيّدا كَقَوْلِهِم هَذَا مُتَّصِل إِلَى سعيد أَو إِلَى الزُّهْرِيّ أَو إِلَى مَالك وَنَحْوه الحديث: 109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 النَّوْع السَّادِس الْمَرْفُوع 111 - (قَوْله) هُوَ والمسند عِنْد قوم سَوَاء أَي كَابْن عبد الْبر كَمَا سبق نَقله عَنهُ فِي النَّوْع الرَّابِع 112 - (قَوْله) فَيخرج عَنهُ مُرْسل التَّابِعِيّ هَذَا فِيهِ قُصُور بل يخرج عَنهُ مَا لم يذكر فِيهِ الصَّحَابِيّ مُرْسلا كَانَ أَو غَيره الحديث: 111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 النَّوْع السَّابِع معرفَة الْمَوْقُوف وَقد صنف فِيهِ ابْن بدر الْموصِلِي كتابا سَمَّاهُ الْوُقُوف على الْمَوْقُوف 113 - (قَوْله) وَهُوَ مَا يرْوى عَن الصَّحَابَة من أَقْوَالهم وأفعالهم وَلَا يتَجَاوَز بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [انْتهى] هَذَا التَّعْرِيف غير صَالح إِذْ لَيْسَ كل مَا يرْوى عَن الصَّحَابِيّ من قَوْله مَوْقُوفا فقد تظهر قرينَة تَقْتَضِي رَفعه لكَونه مِمَّا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ وَأَنه لم يقلهُ إِلَّا توقيفا كَقَوْل عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ الحديث: 113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وَلِهَذَا احْتج الشَّافِعِي بِمثل هَذَا فِي الْجَدِيد وَأَعْطَاهُ حكم الْمَرْفُوع مَعَ نَصه على أَن قَول الصَّحَابِيّ لَيْسَ بِحجَّة قَالَ أَبُو عَمْرو الداني قد يَحْكِي الصَّحَابِيّ قولا يوقفه على نَفسه فيخرجه أهل الحَدِيث فِي الْمسند لِامْتِنَاع أَن يكون الصَّحَابِيّ قَالَه إِلَّا بتوقيف كَمَا رَوَاهُ أَبُو صَالح السمان عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ نسَاء كاسيات عاريات مائلات مميلات فَمثل هَذَا لَا يُقَال بِالرَّأْيِ فَيكون من جملَة الْمسند وَحكى ابْن عبد الْبر (أ 62) إِجْمَاعهم على أَن قَول أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقد رأى رجلا خَارِجا من الْمَسْجِد عِنْد الْأَذَان - أما هَذَا فقد عصى أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 أَنه مُسْند وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي القبس إِذا قَالَ الصَّحَابِيّ قولا يَقْتَضِيهِ الْقيَاس فَإِنَّهُ مَحْمُول على الْمسند إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمذهب مَالك وَأبي حنيفَة أَنه كالمسند انْتهى نعم اسْتثْنى بعض الْأَئِمَّة من ذَلِك مَا إِذا كَانَ الصَّحَابِيّ مِمَّن أسلم وَكَانَ من عُلَمَاء أهل الْكتاب كسلمان وَعبد الله بن سَلام فَلَا يلْتَحق بالمرفوع لاحْتِمَال أَن يكون مِمَّا رَوَاهُ فِي الْكتب السالفة وَلَا يُنَافِي الشَّرِيعَة ثمَّ قد يكون الْمَوْقُوف جليا يظْهر لكل أحد كَقَوْل حسان بن أَزْهَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 قَالَ عمر لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ المشمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَقد يكون خفِيا كَحَدِيث قرع الْبَاب بالأظافير قَالَ الْخَطِيب قد يتَوَهَّم أَنه مَرْفُوع لذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على صَحَابِيّ حكى فِيهِ عَن غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلا قَالَ وَمَعْرِفَة هَذَا النَّوْع مهمة فَمن أَرَادَ أَن يخرج مسانيد الصَّحَابَة فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى معرفَة الْمُتُون المرفوعة والموقوفة فَإِن مِنْهَا مَا يشكل كَحَدِيث جَابر قَالَت الْيَهُود فَإِنَّمَا يكون الْوَلَد أَحول إِذا أَتَى الرجل امْرَأَته من خلفهَا فَأنْزل الله تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} فقد يتَوَهَّم أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 مَوْقُوف وَإِنَّمَا هُوَ مُسْند لِأَن الصَّحَابِيّ الَّذِي شَاهد الْوَحْي إِذا أخبر عَن آيَة نزلت فِي كَذَا كَانَ مُسْندًا 114 - (قَوْله) وَقد يسْتَعْمل مُقَيّدا فِي غير الصَّحَابِيّ صَرِيح فِي أَن الْقَيْد لَا يتَقَيَّد بالتابعي بل يُقَال مَوْقُوف على الثَّوْريّ وعَلى مَالك وعَلى الشَّافِعِي وَنَحْوه وَلَكِن ذكر غَيره تَقْيِيده بالتابعي 115 - (قَوْله) وَفِي اصْطِلَاح فُقَهَاء خُرَاسَان تَعْرِيف الْمَوْقُوف باسم الْأَثر قلت وساعدهم فِي ذَلِك كَلَام الشَّافِعِي على مَا اسْتَقر فِيهِ فَإِنَّهُ غَالِبا يُطلق الْأَثر على كَلَام الصَّحَابَة والْحَدِيث على قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ تَفْرِيق حسن لِأَن التَّفَاوُت فِي الْمَرَاتِب يَقْتَضِي التَّفَاوُت فِيمَا يَتَرَتَّب على الْمَرَاتِب فَيُقَال لما نسب لصَاحب الشَّرْع الْخَبَر وللصحابة الْأَثر وللعلماء القَوْل وَالْمذهب وَنبهَ النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصره على أَن أهل الحَدِيث كلهم يطلقون الْأَثر على الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف الحديث: 114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَفِي الْكِفَايَة للخطيب من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا مَا جَاءَ عَن الله فَهُوَ فَرِيضَة وَمَا جَاءَ عني فَهُوَ كالفريضة وَمَا جَاءَ عَن اصحابي فَهُوَ سنة وَمَا جَاءَ عَن أتباعهم فَهُوَ أثر وَمَا جَاءَ عَمَّن دونهم فَهُوَ بِدعَة فَائِدَة يخرج من كَلَام اللغويين وَغَيرهم أَن مَادَّة الْأَثر تَدور على ثَلَاثَة معَان أَحدهَا البقي واشتقاقه من أثرت الشَّيْء أَثَره أَثَرَة وأثارة كَأَنَّهَا بَقِيَّته تستخرج فتثار وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَو أثارة من علم} أَي بَقِيَّة مِنْهُ وَجعل البُخَارِيّ فِي شرح الْمفصل سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا فَقَالَ الْأَثر هُوَ الْبَاقِي فِي الديار وَقَالُوا لسنن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آثَار لِأَنَّهَا بقيت بعده وَالثَّانِي من الْأَثر الَّذِي هُوَ الرِّوَايَة وَمِنْه قَوْلهم هَذَا الحَدِيث يُؤثر عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فلَان الثَّالِث من الْأَثر بِمَعْنى الْعَلامَة قَالَ الْمبرد قَالُوا الأثارة للشَّيْء الْحسن الْبَهِي فِي الْعين فَيُقَال للناقة ذَات أثارة إِذا كَانَت ممتلئة تروق الْعين وَوجه الِاسْتِعَارَة مِنْهُ فِي الْأَحَادِيث ظَاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 النَّوْع الثَّامِن الْمَقْطُوع 116 - (قَوْله) يُقَال فِي جمعه المقاطيع والمقاطع يَعْنِي كنظير مَا سبق فِي المسانيد وَالْمَنْقُول عَن جُمْهُور الْبَصرِيين من النَّحْوِيين إِثْبَات الْيَاء فِي الِاخْتِيَار والكوفيين والجرمي تَجْوِيز إِسْقَاطهَا اخْتِيَارا وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك 117 - (قَوْله) وَهُوَ مَا جَاءَ عَن التَّابِعين (أ 63) مَوْقُوفا عَلَيْهِم من أَقْوَالهم وأفعالهم الحديث: 116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 قلت فِي إِدْخَاله فِي أَنْوَاع الحَدِيث تسَامح كثير فَإِن أَقْوَال التَّابِعين ومذاهبهم لَا مدْخل لَهَا فِي الحَدِيث فَكيف يكون نوعا مِنْهُ نعم يَجِيء هُنَا مَا بَين فِي الْمَوْقُوف من أَنه إِذا كَانَ ذَلِك لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ أَن يكون فِي حكم الْمَرْفُوع وَبِه صرح ابْن الْعَرَبِيّ وَادّعى أَنه مَذْهَب مَالك وَلِهَذَا أَدخل عَن سعيد بن الْمسيب صَلَاة الْمَلَائِكَة خلف الْمُصَلِّي 118 - (قَوْله) فِي كَلَام الشَّافِعِي وَالطَّبَرَانِيّ وَكَذَلِكَ فِي كَلَام أبي بكر الْحميدِي وَالدَّارَقُطْنِيّ 119 - (قَوْله) أَحدهَا قَول الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعل كَذَا إِلَى آخِره حَاصله حِكَايَة قَوْلَيْنِ الْوَقْف مُطلقًا وَالتَّفْصِيل بِأَن تضيفه إِلَى زمَان الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَولا وأهمل مَذَاهِب أَحدهَا أَنه مَرْفُوع مُطلقًا وَبِه قَالَ الْحَاكِم وَرجحه من الْأُصُولِيِّينَ الإِمَام الرَّازِيّ وَقَالَ ابْن الصّباغ فِي الْعدة إِنَّه الظَّاهِر وَمثله بقوله عَائِشَة كَانَت الْيَد لَا تقطع فِي الشَّيْء التافه وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي شَرحه على البُخَارِيّ والوسيط عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 ظَاهر كَلَام كثير (د 41) من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء قَالَ وَهُوَ قوي فَإِن ظَاهره أَنه فعله على وَجه يحْتَج بِهِ وَلَا يكون إِلَّا بِرَفْعِهِ وَالثَّانِي التَّفْصِيل بَين أَن يكون ذَلِك الْفِعْل مِمَّا لَا يخفى غَالِبا فمرفوع وَإِلَّا فموقوف وَبِه قطع الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَغَيره حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي أَوَائِل شرح مُسلم وَقَالَ غَيره أما إِذا كَانَ فِي الْقِصَّة اطِّلَاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا شكّ فِي رَفعه كَقَوْل ابْن عمر كُنَّا نقُول -[و] رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ أفضل هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَيسمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُنكره رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير وَأَصله فِي الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وَالثَّالِث إِن ذكره الصَّحَابِيّ فِي معرض الْحجَّة حمل على الرّفْع وَإِلَّا فعلى الْوَقْف حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ فِي أُصُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 120 - (قَوْله) وَذكر الْحَاكِم فِي حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة إِلَى آخِره وَتبع الْحَاكِم فِي ذَلِك أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن سعيد الْمُقْرِئ وَحَكَاهُ المُصَنّف عَن الْخَطِيب أَيْضا قيل وَلم يُوجد فِي الْجَامِع هَذَا وَإِنَّمَا فِيهِ حَدِيث قرع الأظافير من حَدِيث أنس وَلم يتَعَرَّض لكَونه مَوْقُوفا وَهُوَ عَجِيب فقد سبق نَقله عَنهُ فِي الْمَوْقُوف وَحَدِيث الْمُغيرَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن شَيْخه الْحَاكِم فِي الأمالي من طَرِيق مُحَمَّد بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة ثمَّ قَالَ قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حسان هُوَ أَخُو هِشَام بن حسان الحديث: 120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 غَرِيب الحَدِيث قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد روينَاهُ فِي الْجَامِع من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْتَصر عَن أنس ابْن مَالك قَالَ السُّهيْلي وَمعنى الحَدِيث أَن بَابه الْكَرِيم لَيْسَ لَهُ حلق وَقَالَ غَيره بل ذَلِك أدبا وإجلالا 121 - (قَوْله) الثَّانِي قَول الصَّحَابِيّ أمرنَا بِكَذَا فِيهِ أُمُور أَحدهَا حَاصله حِكَايَة قَوْلَيْنِ الرّفْع وَالْوَقْف وَفَاته حِكَايَة ثَالِث وَهُوَ التَّفْصِيل بَين أَن يكون الرَّاوِي أَبَا بكر الصّديق فَيحمل على أَن الْآمِر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يَقُول أمرنَا إِلَّا وآمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لِأَن غير النَّبِي) لَا يَأْمُرهُ وَلَا يلْزمه أَمر غَيره [وَلَا تَأمر عَلَيْهِ أحد من الصَّحَابَة وَأما غير أبي بكر الصّديق إِذا قَالَ أمرنَا فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو غَيره] لِأَن أَبَا بكر الحديث: 121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 تَأمر على الصَّحَابَة وَوَجَب عَلَيْهِم امْتِثَال أمره وَهَذَا الْمَذْهَب غَرِيب جدا [قد] حَكَاهُ ابْن الْأَثِير فِي مُقَدّمَة جَامع الْأُصُول وَقد ضعف بِأَن غير أبي بكر كَانَ أَمِيرا فِي زمن وَكَانَ أَبُو بكر بن حَكِيم فِي بعض الْغَزَوَات لَكِن إِمَارَة غير (أ 46) أبي بكر لم تعلم إِلَّا فِي الحروب الثَّانِي خرج بِقَيْد الصَّحَابِيّ مَا إِذا قَالَ التَّابِعِيّ ذَلِك قَالَ الْغَزالِيّ [وَهُوَ] يحْتَمل الْوَقْف والإرسال قَالَ لكنه لَا يَلِيق بالعالم أَن يُطلق ذَلِك إِلَّا وَهُوَ يُرِيد من تجب طَاعَته قَالَ ابْن الْأَثِير وَالِاحْتِمَال فِي قَول التَّابِعِيّ أظهر مِنْهُ فِي قَول الصَّحَابِيّ وَجزم ابْن الصّباغ فِي الْعدة بِأَنَّهُ مُرْسل (وَحكى فِيمَا إِذا قَالَ ذَلِك سعيد بن الْمسيب هَل يكون حجَّة وَجْهَيْن) الثَّالِث لَو صرح بِالْأَمر كَقَوْلِه أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَهُوَ مَرْفُوع بِلَا خلاف لانْتِفَاء الْإِشْكَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 لَكِن حكى القَاضِي أَبُو الطّيب وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَغَيرهم عَن دَاوُد وَبَعض الْمُتَكَلِّمين أَنه لَا يكون حجَّة حَتَّى ينْقل لنا لَفظه وَهَذَا ضَعِيف بَاطِل إِلَّا أَن يُرِيدُوا لَا يكون حجَّة فِي الْوُجُوب كَمَا هُوَ ظَاهر تَعْلِيلهم 122 - (قَوْله) وَهَكَذَا قَول الصَّحَابِيّ من السّنة كَذَا فَالْأَصَحّ أَنه مُسْند مَرْفُوع مُقَابل الْأَصَح خلاف الْكَرْخِي الحديث: 122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 والصيرفي وَحَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان عَن الْمُحَقِّقين قَالُوا يحْتَمل أَن يُرِيد سنة غير الرَّسُول فَلَا تحمل على سنته وَجزم [بِهِ] ابْن حزم فِي كتاب الإحكام فَقَالَ قَول الصَّحَابِيّ من السّنة كَذَا أَو أمرنَا بِكَذَا لَيْسَ بِمُسْنَد وَلَا يقطع بِأَنَّهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ السّنة عِنْده على مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَاحْتج بِمَا فِي البُخَارِيّ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ أَلَيْسَ حسبكم سنة نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن حبس أحدكُم عَن الْحَج طَاف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ حل من كل شَيْء حَتَّى (يحجّ قَابلا) فيهدي أَو يَصُوم إِن لم يجد هَديا قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَا خلاف بَين أحد من الْأمة كلهَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَالسَّلَام إِذْ صد عَن الْبَيْت لم يطف بِهِ وَلَا بالصفا والمروة بل أحل حَيْثُ كَانَ بِالْحُدَيْبِية وَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن عمر لم يَقع [مِنْهُ] قطّ وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ بِأم الْقُرْآن على الْجِنَازَة فِي الصَّلَاة وجهر وَقَالَ إِنَّهَا سنة وَعَن أنس أَنه أفطر فِي منزله فِي رَمَضَان قبل أَن يخرج إِلَى السّفر وَقَالَ إِنَّهَا سنة انْتهى وَخرج بالصحابي التَّابِعِيّ وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ هَل هُوَ مَرْفُوع أَو مَوْقُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وحكاهما القَاضِي أَبُو الطّيب وَجْهَيْن وأشهرهما أَنه مَوْقُوف على بعض الصَّحَابَة وَثَانِيهمَا أَنه مَرْفُوع مُرْسل قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَالأَصَح الْوَقْف قلت وَيَنْبَغِي أَن يسْتَثْنى من مَوضِع الْخلاف سعيد بن الْمسيب على قَاعِدَة الشَّافِعِي فَإِن قَوْله من السّنة لَا يبعد حمله على الْمُرْسل وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ سنة بعض الصَّحَابَة وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ صَنِيع الشَّافِعِي فِي رِوَايَته عَن سعيد من السّنة تعاقل الْمَرْأَة وَالرجل إِلَى ثلث الدِّيَة وَلم يعْمل بِهِ وَهُوَ مُشكل على قبُوله مراسيله وَقد ذكر الكيا الهراسي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ فِي كتاب بعض مُفْرَدَات أَحْمد 123 - (قَوْله) وَلَا فرق بَين أَن يَقُول ذَلِك فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو بعده قلت يَقْتَضِيهِ تَسَاوِي الْأَمريْنِ وَهَذَا صَحِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصل الِاحْتِجَاج الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 إِلَى أَنَّهُمَا يتفاوتان فِي الْقُوَّة وَالظَّاهِر أَن ذكره ذَلِك فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبعد عَن الِاحْتِمَال من ذكره بعده فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الْآمِر والناهي من أدْرك الْخُلَفَاء لَكِن احْتِمَال إِرَادَته النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أظهر [قلت] وَالْخلاف فِي هَذَا قريب مِنْهُ فِي الَّذِي قبله فَائِدَة ويلتحق بقول الصَّحَابِيّ من السّنة كَذَا لَا تلبسوا [علينا] سنة نَبينَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَمْرو بن الْعَاصِ فِي عدَّة أم الْوَلَد وَقَوله أصبت السّنة كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمر (أ 56) فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَكَذَا قَوْله سنة أبي الْقَاسِم - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي مُتْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 الْحَج وأقربها للرفع سنة أبي الْقَاسِم ثمَّ وَلَا تلبسوا ثمَّ أصبت السّنة وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْخَارِج من الْمَسْجِد بعد الْأَذَان أما هَذَا فقد عصى أَبَا الْقَاسِم وَقَوله من لم يجب الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله فَحكى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الْمُنْذِرِيّ عَن بَعضهم أَنه مَوْقُوف وَذكر ابْن عبد الْبر أَنه مُسْند عِنْدهم قَالَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا وَذَاكَ أَنَّهُمَا مسندان (د 43) مرفوعان ويلتحق بِهِ قَول [عمار] فِي صَوْم يَوْم الشَّك 124 - (قَوْله) الثَّالِث إِلَى آخِره مَا اخْتَارَهُ فِي تَفْسِير الصَّحَابِيّ سبقه إِلَيْهِ الْخَطِيب [و] كَذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ قَالَ إِذا أخبر الصَّحَابِيّ عَن سَبَب وَقع فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أخبر عَن نزُول آيَة فِيهِ فَذَلِك مُسْند لَكِن قَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك تَفْسِير الصَّحَابِيّ الَّذِي شهد الْوَحْي والتنزيل عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم حَدِيث مُسْند وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال إِن كَانَ ذَلِك التَّفْسِير مِمَّا لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهِ فَهُوَ فِي الحديث: 124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 حكم الْمَرْفُوع وَإِن كَانَ يُمكن أَن يدْخلهُ الِاجْتِهَاد فَلَا يحكم عَلَيْهِ بِالرَّفْع وَمِمَّا أهمله المُصَنّف ويليق ذكره هُنَا تَأْوِيل الصَّحَابِيّ الْخَبَر على أحد محتمليه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي اللمع إِذا احْتمل اللَّفْظ أَمريْن احْتِمَالا وَاحِدًا فَصَرفهُ إِلَى أَحدهمَا كَمَا رُوِيَ عَن عمر أَنه حمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذَّهَب بِالذَّهَب رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء على الْقَبْض فِي الْمجْلس فقد قيل يقبل لِأَنَّهُ أعرف بِمَعْنى الْخطاب وَفِيه نظر عِنْدِي انْتهى وَقَالَ شَيْخه القَاضِي أَبُو الطّيب يجب قبُوله على الْمَذْهَب كتفسير ابْن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 التَّفَرُّق بالأبدان دون الْأَقْوَال 125 - (قَوْله) الرَّابِع من قبيل الْمَرْفُوع الْأَحَادِيث الَّتِي قيل فِي أسانيدها عِنْد ذكر الصَّحَابِيّ يرفع الحَدِيث أَو يبلغ بِهِ أَو ينميه وَحكمه حكم الْمَرْفُوع عِنْد أهل الْعلم انْتهى قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك وَلَك أَن تَقول مَا الْحِكْمَة فِي عدُول التَّابِعِيّ عَن قَوْله عَن الصَّحَابِيّ قَالَ أَو سَمِعت إِلَى ذَلِك وَقد اشار إِلَى الْجَواب الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ يشبه أَن يكون التَّابِعِيّ قد تحقق أَن الصَّحَابِيّ رفع لَهُ الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أَنه شكّ هَل قَالَ لَهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَو قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا لم يُمكنهُ الْجَزْم بِمَا قَالَه لَهُ أَتَى بِلَفْظ يرجع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله 126 - (قَوْله) وَإِذا قَالَ الرَّاوِي عَن التَّابِعِيّ يرفعهُ أَو يبلغ بِهِ الحديث: 125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 مَرْفُوع هَكَذَا جزم بِهِ وَيَنْبَغِي أَن يطرقه خلاف من قَول التَّابِعِيّ من السّنة كَذَا وَقد سبق فِيهِ قَولَانِ أَو وَجْهَان لَكِن الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف وَهنا مَرْفُوع مُرْسل وَالْفرق أَن يرفع الحَدِيث أبلغ فِي الرّفْع من السّنة كَذَا بَقِي من الْأَنْوَاع مثل قَول أبي قلَابَة عَن أنس من السّنة إِذا تزوج الْبكر أَقَامَ عِنْدهَا سبعا قَالَ أَبُو قلَابَة وَلَو شِئْت لَقلت إِن أنسا رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 اخْتلفُوا فِي هَذَا وَنَحْوه فَجزم النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم أَنه مَرْفُوع وَأَن مَعْنَاهُ لَو شِئْت أَن أقوله بِنَاء على الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لقلته وَلَو قلته كنت صَادِقا وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون ظن رَفعه من السّنة لفظا فَيجوز عَنهُ مَرْفُوعا الثَّانِي أَن يكون رأى أَن قَول أنس من السّنة فِي حكم الْمَرْفُوع فَلَو شَاءَ لعبر عَنهُ بِأَنَّهُ مَرْفُوع على حسب اعْتِقَاده أَنه فِي حكم الْمَرْفُوع قَالَ وَالْأول أقرب لِأَن قَوْله من السّنة يَقْتَضِي أَن يكون مَرْفُوعا بطرِيق اجتهادي مُحْتَمل وَقَوله إِنَّه رَفعه نَص فِي رَفعه وَلَيْسَ للراوي أَن ينْقل مَا هُوَ ظَاهر مُحْتَمل إِلَى مَا هُوَ نَص غير مُحْتَمل وَمِنْهَا ترك الصَّحَابِيّ رِوَايَة كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب اللبَاس عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة الْفطْرَة خمس أَو خمس من الْفطْرَة (أ 66) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 النَّوْع التَّاسِع الْمُرْسل 127 - (قَوْله) وَصورته الَّتِي لَا خلاف فِيهَا حَدِيث التَّابِعِيّ الْكَبِير الَّذِي لَقِي جمَاعَة من الصَّحَابَة وَجَالسهمْ كعبيد الله بن عدي بن الْخِيَار ثمَّ سعيد بن الْمسيب وأمثالهما إِذا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْلَم أَن هَذَا الَّذِي ذكره أَخذه من كَلَام أبي عمر بن عبد الْبر فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا الِاسْم وَاقع بِالْإِجْمَاع على حَدِيث التَّابِعِيّ الْكَبِير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل أَن يَقُول عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار أَو أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف أَو عبد الله بن الحديث: 127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 عَامر بن ربيعَة وَمن كَانَ مثلهم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ من دون هَؤُلَاءِ كسعيد بن الْمسيب وَسَالم بن عبد الله وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَمن كَانَ مثلهم وَكَذَلِكَ عَلْقَمَة بن قيس ومسروق بن الأجدع وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَمن كَانَ مثلهم الَّذين صَحَّ لَهُم لِقَاء جمَاعَة من الصَّحَابَة ومجالستهم وَنَحْوه مُرْسل من هُوَ دونهم كَحَدِيث ابْن شهَاب وَقَتَادَة وَأبي حَازِم وَيحيى بن سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسمى مُرْسلا كمرسل كبار التَّابِعين وَقَالَ آخَرُونَ حَدِيث هَؤُلَاءِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسمى مُنْقَطِعًا لأَنهم لم يلْقوا من الصَّحَابَة إِلَّا الْوَاحِد والاثنين وَأكْثر روايتهم عَن التَّابِعين انْتهى وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَنِّي رَأَيْت كثيرا من النَّاس يتوهمون أَن ابْن الصّلاح أَبُو عذرة هَذَا القَوْل ويوجهون الْمُؤَاخَذَة عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 إِذا علمت هَذَا فَفِيهِ أُمُور أَحدهَا أَن تَعْرِيفه الْمُرْسل بِمَا يرويهِ التَّابِعِيّ منقوض بِمَا لَو سمع كَافِر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا ثمَّ أسلم بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَاهُ بقوله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ تَابِعِيّ لِأَنَّهُ لم يكن مُؤمنا عِنْد الرُّؤْيَة مَعَ أَن حَدِيثه مُسْند قطعا لَيْسَ بمرسل إِذْ حكمه حكم الْمسند لَا حكم الْمُرْسل وعَلى هَذَا يلغز فَيُقَال تَابِعِيّ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَهُوَ مُسْند لَا مُرْسل وَقد يُجَاب عَن هَذَا النَّقْض بالعناية بكلامهم وَأَن مُرَادهم بالتابعي من لم يلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصلا وَهَذَا حكمه حكم التَّابِعِيّ لَا أَنه تَابِعِيّ حَقِيقَة لوُجُود الرِّوَايَة إِلَّا أَنه فَاتَ شَرطهَا وَنحن إِنَّمَا نرد الْمُرْسل لجَهَالَة الْوَاسِطَة وَهِي هَا هُنَا مفقودة الثَّانِي تَمْثِيل أبي عمر أَولا بعبيد الله بن عدي وموافقة ابْن الصّلاح لَهُ قد رد بِأَن عبيد الله هَذَا ذكره جمَاعَة فِي الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن مَنْدَه وَابْن حبَان [و] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 كَذَلِك أَبُو عمر فِي الِاسْتِيعَاب قَالَ إِنَّه ولد على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَنه لم يذكر لَهُ سَمَاعا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَوَابه أَن المصنفين فِي الصَّحَابَة إِنَّمَا ذكرُوا ذَلِك فِيهِ وَفِي أقرانه بِاعْتِبَار وجوده فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُرِيدُوا أَنه صَحَابِيّ لِأَن حد الصَّحَابِيّ لَا ينطبق عَلَيْهِ وَلِهَذَا ذكره خلق فِي جملَة التَّابِعين مِنْهُم الْحَاكِم وَكَذَا المُصَنّف فِيمَا سَيَأْتِي أَن من ولد فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمع مِنْهُ يعد فِي طَبَقَات التَّابِعين وَكَذَا تمثيله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 بِأبي أُمَامَة بن سهل وَبِعَبْد الله بن عَامر مَعَ ذكره لَهما فِي كتب الصَّحَابَة إِلَّا أَن عبد الله بن عَامر مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (د 43) وَله أَربع سِنِين أَو خمس وَلِهَذَا لما أخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا رويا لَهُ عَن أَبِيه عَامر وَعَن عمر بن الْخطاب وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعَائِشَة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو أُمَامَة ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ سَمَّاهُ وَهُوَ صَحَابِيّ صَغِير وَكَذَا عبد الله بن عَامر ومحمود بن الرّبيع وَأَبُو الطُّفَيْل والسائب بن يزِيد وَغَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 الثَّالِث لَيْسَ المُرَاد بقوله قَالَ رَسُول الله (أ 67) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حصره فِيهِ بل لَو ذكر فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُرْسلا الرَّابِع أَن تَقْيِيده التَّابِعِيّ بالكبير لأجل مَحل الْإِجْمَاع وَإِلَّا فقد قَالَ بعد ذَلِك الْمَشْهُور التَّسْوِيَة بَين جَمِيع التَّابِعين أَي صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ ويقابل الْمَشْهُور أَن مُرْسل صغارهم لَا يعد مُرْسلا بل مُنْقَطِعًا كَمَا حَكَاهُ بعد عَن ابْن عبد الْبر 128 - (قَوْله) إِذا انْقَطع الْإِسْنَاد قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ فَكَانَ فِيهِ رِوَايَة راو لم يسمع من الْمَذْكُور فَوْقه الَّذِي قطع بِهِ الْحَاكِم وَغَيره أَنه لَا يُسمى مُرْسلا إِلَى آخِره وَمَا حَكَاهُ عَن الْحَاكِم هُوَ كَذَلِك فِي عُلُوم الحَدِيث لَهُ قَالَ إِن مُرْسل أَتبَاع التَّابِعين عندنَا معضل لكنه خَالف ذَلِك فِي كِتَابه الْمدْخل فَلم يخص الْمُرْسل بالتابعي فَقَالَ إِنَّه قَول التَّابِعِيّ أَو تَابع التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَينه وَبَين الرَّسُول قرن أَو قرنان وَلَا يذكر سَمَاعه من الَّذِي سَمعه هَذَا لَفظه وَكَذَا ذكره الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وَحَاصِله أَنه إِذا انْقَطع الْإِسْنَاد قبل الْوُصُول إِلَى الصَّحَابِيّ بِوَاحِد أَو أَكثر فَقَالَ الْحَاكِم وَغَيره من الْمُحدثين لَا يُسمى مُرْسلا بل إِن سقط قبل التَّابِعِيّ بِوَاحِد فمنقطع أَو بِأَكْثَرَ فمعضل ومنقطع أَيْضا ثمَّ نقل عَن غَيره أَن كل ذَلِك مُرْسل وَمَا حَكَاهُ عَن الْحَاكِم ذكر الْحَافِظ أَبُو عَمْرو الْمُقْرِئ أَنه مَذْهَب عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَجَمَاعَة وَاخْتَارَهُ وَجرى عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور فَقَالَ الْمُرْسل مَا سقط من إِسْنَاده وَاحِد فَإِن سقط أَكثر من وَاحِد [فَهُوَ] معضل وَحَكَاهُ ابْن السَّمْعَانِيّ عَن أَصْحَاب الحَدِيث وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان قد سمى الْأُسْتَاذ أَبُو بكر بن فورك قَول التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَول تَابِعِيّ التَّابِعِيّ قَالَ الصَّحَابِيّ مُنْقَطِعًا وسمى ذَلِك الْوَاسِطَة على الْإِجْمَال مُرْسلا مثل أَن يَقُول التَّابِعِيّ سَمِعت رجلا يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَفِي كَلَام الشَّافِعِي إِشَارَة إِلَيْهِ وَمَا نَقله عَن الْأُصُولِيِّينَ حَكَاهُ أَبُو عَمْرو عَن عَامَّة الْكُوفِيّين وَجزم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 أَبُو الْحُسَيْن بن الْقطَّان من قدماء أَصْحَابنَا فِي أصُول الْفِقْه فَقَالَ الْمُرْسل هُوَ أَن يروي بعض التَّابِعين عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَبرا أَو يروي رجل عَمَّن لم يره وَلم يكن فِي زَمَانه هَذَا لَفظه وَفِي نقل ذَلِك عَن الْأُصُولِيِّينَ مَا يُعْطي أَن جُمْهُور الْمُحدثين على خِلَافه وَقد يُقَال إِنَّه مَذْهَب إِمَام الصَّنْعَة البُخَارِيّ وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد فقد قَالَ فِي تَارِيخه الْكَبِير فِي حَدِيث عون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الستبيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود هَذَا مُرْسل عون لم يدْرك ابْن مَسْعُود قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا لَيْسَ بِمُتَّصِل وَهُوَ يُوَافق كَلَام الْحَاكِم وَقَالَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي حَدِيث قَتَادَة عَن سُلَيْمَان الْيَشْكُرِي عَن جَابر من كَانَ لَهُ شريك فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 حَائِط ح هَذَا لَيْسَ بِمُتَّصِل سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول سُلَيْمَان الْيَشْكُرِي يُقَال إِنَّه مَاتَ فِي حَيَاة جَابر وَلم يسمع مِنْهُ قَتَادَة وَقَالَ أَبُو دَاوُد أَيْضا - فِي حَدِيث خَالِد بن دريك عَن عَائِشَة فِي الْعَوْرَة - هَذَا حَدِيث مُرْسل لم يسمع خَالِد مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَكتاب الْمَرَاسِيل لأبي دَاوُد يفصح بِتَسْمِيَة هَذَا النَّوْع مُرْسلا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث مَكْحُول عَن عبَادَة بن الصَّامِت سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل تقرؤون معي وَأَنا أُصَلِّي ح قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه هَذَا مُرْسل وسمى أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي مستخرجه التَّعْلِيق والمنقطع مُرْسلا وَاعْلَم أَن الْمَشْهُور عِنْد الْأُصُولِيِّينَ أَن الْمُرْسل هُوَ قَول من لم يلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء التَّابِعِيّ أم تَابِعِيّ التَّابِعِيّ فَمن بعده وَلِهَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب الْمُرْسل قَول غير الصَّحَابِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحِينَئِذٍ فَهَذَا لَا يَشْمَل سُقُوط رجل قبل التَّابِعِيّ وَلَا سُقُوطه (أ 68) مَعَ التَّابِعِيّ إِذا ذكر الصَّحَابِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَأما الْمُرْسل فَهُوَ عِنْد الْفُقَهَاء والأصوليين والخطيب الْبَغْدَادِيّ وَجَمَاعَة من الْمُحدثين مَا انْقَطع إِسْنَاده على أَي وَجه كَانَ انْقِطَاعه فَهُوَ عِنْدهم بِمَعْنى الْمُنْقَطع وَقَالَ جماعات من الْمُحدثين أَو أَكْثَرهم لَا يُسمى مُرْسلا إِلَّا مَا أخبر فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى وَمَعْنَاهُ أَن الْأُصُولِيِّينَ وَمن مَعَهم لم يفرقُوا بَين المعضل والمرسل والمنقطع بل قَالُوا الثَّلَاثَة قَول من لم يلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تقدمهم الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأطلق الْمُنْقَطع على الْمُرْسل وَأكْثر الْمُحدثين فرق فَجعل الْمُرْسل قَول التَّابِعِيّ والمنقطع قَول تَابِعِيّ التَّابِعِيّ والمعضل قَول من بعد التَّابِعِيّ وَقَالَ صَاحب الاقتراح الْمُرْسل الْمَشْهُور فِيهِ أَنه مَا سقط من منتهاه ذكر الصَّحَابِيّ بِأَن يَقُول التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن سقط اثْنَان فَهُوَ المعضل قَالَ وَقد يُطلق القدماء الْمُرْسل على مَا سقط مِنْهُ رجل مُطلقًا انْتهى فَاشْترط فِي الْمُرْسل سُقُوط الصَّحَابِيّ بِكُل تَقْدِير وَمَا نَقله عَن الْخَطِيب أبي بكر فعبارة الْخَطِيب لَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن إرْسَال الحَدِيث الَّذِي لَيْسَ بمدلس هُوَ رِوَايَة الرَّاوِي عَمَّن لم يعاصره أَو لم يلقه كَرِوَايَة ابْن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وَغَيرهم من التَّابِعين عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبمثابته فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 غير التَّابِعين كَمَا لَك عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَكَذَا من أرسل وحديثا عَن شيخ لقِيه وَلم يسمع ذَلِك الحَدِيث مِنْهُ وَسمع مِنْهُ مَا عداهُ انْتهى وَرجح بَعضهم قَول الْحَاكِم على قَول الْخَطِيب بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن لفظ الْمُرْسل إِنَّمَا أَطْلقُوهُ حَقِيقَة على مَا رَوَاهُ التَّابِعِيّ دون ذكر الصَّحَابِيّ أما مَا رَوَاهُ من دون التَّابِعِيّ بمرتبة أَو مرتبتين فَإِنَّمَا هُوَ مجَاز الثَّانِي أَن الْخلاف فِي قبُول الْمُرْسل إِنَّمَا يَأْتِي على قَول الْحَاكِم أما على قَول الْخَطِيب فَلَا يبْقى الْخلاف مِنْهُم لاندراج الْمُنْقَطع والمعضل فِي تَعْرِيف الْمُرْسل على قَوْله إِلَّا بعد الاستفسار عَن الْمُرْسل لِأَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَة التَّابِعِيّ لَا فِي الْمُنْقَطع والمعضل فَيكون الْخلاف فِي بعض أَنْوَاع الْمُرْسل لَا مُطلقًا وَهُوَ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقهم (د 44) 129 - (قَوْله) الثَّانِيَة قَول الزُّهْرِيّ وَأبي حَازِم وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وأشباههم من أصاغر التَّابِعين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخِره الحديث: 129 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 فِيهِ أُمُور أَحدهَا قد سبق أَن هَذَا كَلَام ابْن عبد الْبر وَكتب المُصَنّف بِخَطِّهِ على الْحَاشِيَة قَوْله الْوَاحِد والاثنين كالمثال فِي قلَّة ذَلِك وَإِلَّا فالزهري قد قيل إِنَّه رأى عشرَة من الصَّحَابَة وَسمع مِنْهُم أنسا وَسَهل بن سعد والسائب بن يزِيد ومحمود بن الرّبيع وسنينا أَبَا جميلَة وَغَيرهم وَمَعَ ذَلِك اكثر رِوَايَته عَن التَّابِعين انْتهى قلت ذكر ابْن منجويه أَنه رأى عشرَة مِنْهُم وَمن الصَّحَابَة الَّذين سمع مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر وَرَبِيعَة بن عباد - بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة - وَعبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير - بِضَم الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَأَبُو الطُّفَيْل وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة وَأَبُو أُمَامَة أسعد بن سهل بن حنيف - بِضَم الْحَاء - وَرجل من بلي - بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر اللَّام - وَكلهمْ صحابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَاخْتلفُوا فِي سَمَاعه من ابْن عمر فأثبته عَليّ بن الْمَدِينِيّ ونفاه الْجُمْهُور وَقيل روى عَنهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي الْعِلَل قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ سمع من ابْن عمر حديثين فِيمَا حَدثنَا بِهِ عبد الرَّزَّاق وَلم يحفظهما عبد الرَّزَّاق إِلَّا أَنه ذكر عَن الزُّهْرِيّ أَنه شهد ابْن عمر مَعَ الْحجَّاج (بِعَرَفَات) (أ 69) وَقَالَ إِنَّه رَآهُ وَلم يسمع مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن أبي حَاتِم قَالَ وَرَأى عبد الله بن جَعْفَر وَلم يسمع مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن سيد النَّاس فِي كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَامَّة الْعلمَاء لَا يثبتون لَهُ سَمَاعا من ابْن عمر على تَأَخّر مُدَّة ابْن عمر وَكَونه مَعَه بِالْمَدِينَةِ وَاخْتلفُوا فِي سَمَاعه من عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر فنفاه أَحْمد بن صَالح وَالنَّسَائِيّ فِيمَا حَكَاهُ ابْن دحْيَة وأثبته عبد الرَّزَّاق وَغَيره قَالَ ابْن عبد الْبر وَهُوَ أروى النَّاس عَنهُ ذكره فِي تَرْجَمته من كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الصَّحَابَة [و] قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب الْعِلَل قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَا أرَاهُ سمع من عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر إِنَّمَا يَقُول الزُّهْرِيّ كَانَ عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر يحدث فَيَقُول معمر وَأُسَامَة سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر وَلم يصنعا عِنْدِي شَيْئا وَقد أَدخل بَينه وَبَينه طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف [وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي سَمَاعه من] أبان بن عُثْمَان فأثبته مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي وَأنْكرهُ الْجُمْهُور مِنْهُم أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان حَكَاهُ فِي علله وَذكر أَن أَحْمد بن حَنْبَل نقل الإتفاق عَلَيْهِ وَأَنه قد أَدخل بَينه وَبَينه عبد الله بن أبي بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَيَقُول بَلغنِي أَن أبان سمع من الحكم ذكره ابْن أبي حَاتِم وَعبد الله بن سَنَد ذكره أَبُو نعيم وعبد الله بن الزبير وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَأم عبد الله الدوسية وَأَبُو رهم ومروان بن الحكم وَتَمام بن الْعَبَّاس قَالَ الْآجُرِيّ سَأَلت أَبَا دَاوُد يعد من لَقِي الزُّهْرِيّ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعد ابْن عمر وَسَهل بن سعد وَأنس بن مَالك وسنينا أَبَا جميلَة والسائب بن يزِيد وَأَبا أُمَامَة بن سهل ومحمود بن الرّبيع ورجلا من بلي وَعَمْرو بن أبي سَلمَة إِلَّا أَن أَبَا ضَمرَة يدْخل بَينهمَا رجلا وثعلبة بن أبي صعير وَعبد الرَّحْمَن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 الْأَزْهَر قلت لَهُ ابْن عبد الْقَارِي قَالَ لَا هَذَا أُتِي بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَغِير قلت ثَعْلَبَة ابْن أبي مَالك قَالَ سَأَلت أَحْمد بن صَالح عَن ثَعْلَبَة بن أبي مَالك أَله صُحْبَة قَالَ لَا قلت فَابْن الزبير قَالَ لَا قَالَ وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن أبي وَقاص انْتهى وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه عوالي التَّابِعين أدْرك نَحوا من عشْرين نفسا من الصَّحَابَة وَادّعى الْحَاكِم أَن الزُّهْرِيّ من كبار التَّابِعين وَلَعَلَّ مُرَاده من كبارهم فِي الْعلم وَفِي بعض مَا سبق نظر فَإِن مَرْوَان بن الحكم لَا يَصح لَهُ سَماع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا رهم إِن أُرِيد بِهِ الْغِفَارِيّ كُلْثُوم بن الْحصين فَلم يسمع الزُّهْرِيّ مِنْهُ وَإِنَّمَا روى عَن رجل عَنهُ وَفِي رِوَايَة عَن رجلَيْنِ عَنهُ وَذَلِكَ فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 أُرِيد بِهِ الأرحبي فَلَا يعرف لِلزهْرِيِّ رِوَايَة عَنهُ وَفِي الْمَذْكُورين من ولد فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مِمَّا حَكَاهُ عَنهُ ابْنه فِي الْعِلَل لَا يثبت لَهُ سَماع من الْمسور بن مخرمَة فَدخل بَينه وَبَينه سُلَيْمَان بن يسَار وَقَالَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن سيد النَّاس فِي كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد لم يسمع مِنْهُ وَلَا يرى أَنه لقِيه لِأَن الْمسور خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة وَقت مقتل عُثْمَان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمَات سنة أَربع وَسِتِّينَ أَصَابَهُ وَهُوَ مقبل حجر المنجنيق وَابْن شهَاب إِذْ ذَاك ابْن عشر أَو اثْنَتَيْ عشرَة وَالزهْرِيّ لم يكن إِذْ ذَاك يطْلب هَذَا الْعلم قَالَ وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا من يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 إِنَّه رأى الْمسور فضلا عَن أَن يكون روى عَنهُ وَلَعَلَّ مُرَاد ابْن عبد الْبر بقوله لم يلْقوا من الصَّحَابَة أَي المكثرين الثَّانِي أَن مُنَازعَة ابْن الصّلاح لَهُ فِي الزُّهْرِيّ خَاصَّة تَقْتَضِي مُوَافَقَته على التَّمْثِيل بِيَحْيَى وَأبي حَازِم وَفِيه مَا سبق فَإِن أَبَا حَازِم الْأَشْجَعِيّ سلمَان مولى عزة روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَذكر عبد الْغَنِيّ وَغَيره (أ 70) أَنه سمع من أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر وَابْن الزبير وَالْحسن بن عَليّ وَأما يحيى بن سعيد فقد سمع أنسا والسائب بن يزِيد وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة وَأَبا أُمَامَة سهل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 حنيف وَتقدم أَن ابْن عبد الْبر مثل بقتادة وَهُوَ قد سمع أنسا وَعبد الله بن سرجس وَأَبا الطُّفَيْل وهم صحابة فَلَا تصح دَعْوَى أَنه مِمَّن لم يلق مِنْهُم إِلَّا الْوَاحِد والاثنين الثَّالِث قَوْله إِن هَذَا الْمَذْهَب فرع لمَذْهَب من لم يسم الْمُنْقَطع قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ مُرْسلا إِلَى آخِره فِيهِ نظر بل هُوَ أصل يتَفَرَّع عَلَيْهِ أَنه يُسمى الْمُنْقَطع قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ مُرْسلا 130 - (وَقَوله) الْمَشْهُور التَّسْوِيَة بَين التَّابِعين وَغَيرهم هُوَ خلاف نَص الشَّافِعِي فِي الرسَالَة أَنه لَا يقبل إِلَّا مُرْسل كبار التَّابِعين دون صغارهم 131 - (قَوْله) الثَّالِثَة إِذا قيل فِي الْإِسْنَاد فلَان عَن رجل أَو عَن شيخ عَن فلَان إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا مَا نَقله عَن الْحَاكِم لم يَنْقُلهُ على وَجهه فَإِنَّهُ شَرط فِي كَونه مُنْقَطِعًا الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 أَن لَا يُسمى ذَلِك الشَّيْخ من طَرِيق آخر فَإِن سمي لم يكن مُنْقَطِعًا انْتهى فأخل ابْن الصّلاح من كَلَامه بِهَذَا الْقَيْد وَحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُسَمِّيه مُرْسلا وَلَا يلْزم من تَسْمِيَته مُنْقَطِعًا أَن لَا يكون مُرْسلا إِلَّا أَنه صرح فِي مَوضِع آخر بالمغايرة بَين الْمُرْسل والمنقطع وَأما إِذا سمي الْمَجْهُول من طَرِيق آخر فمجموع الطَّرِيقَيْنِ لَا يُسمى مُنْقَطِعًا وَفِي هَذَا جَوَاب عَن إخلال المُصَنّف بِهَذَا الْقَيْد الثَّانِي مَا نسبه لبَعض المصنفات فِي أصُول الْفِقْه أَرَادَ بِهِ كتاب الْبُرْهَان لإِمَام الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ / د 45 / وَقَول الرَّاوِي أَخْبرنِي رجل أَو عدل موثوق بِهِ من الْمُرْسل أَيْضا قَالَ وَكَذَلِكَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي لم يسم حاملها وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب الْمَحْصُول فَقَالَ إِذا سمى الرَّاوِي الأَصْل باسم لَا يعرف بِهِ فَهُوَ كالمرسل ونازعه الأبياري فِي شرح الْبُرْهَان وَقَالَ هَذَا مَرْدُود بِلَا خلاف وَلَا يَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 فِيهِ الْخلاف فِي قبُول الْمُرْسل إِلَّا أَن يكون قابله لَا يروي إِلَّا عَن عدل فَلَا فرق حِينَئِذٍ بَين أَن يَقُول حَدثنِي رجل وحَدثني عدل موثوق بِهِ ونفيه الْخلاف فِيهِ مَرْدُود وَقد ذكر أَبُو عَليّ الغساني - من أَئِمَّة الحَدِيث - أَنه نوع من الْمُرْسل [وَهُوَ] قَضِيَّة صَنِيع أبي دَاوُد فِي كتاب الْمَرَاسِيل الثَّالِث حَاصِل مَا حَكَاهُ فِي الْمَسْأَلَة مذهبان وأهمل ثَالِثا وَهُوَ أَنه مُتَّصِل لِأَنَّهُ لم يَنْقَطِع لَهُ سَنَد وَلَكِن فِي إِسْنَاده مَجْهُول كَمَا لَو سمي ذَلِك الرَّاوِي وَجَهل حَاله وَحَكَاهُ الْحَافِظ رشيد الدّين الْقرشِي فِي كتاب الْغرَر الْمَجْمُوعَة عَن الْأَكْثَر من عُلَمَاء الرِّوَايَة وأرباب النَّقْل وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي فِي كتاب جَامع التَّحْصِيل الرَّابِع إِن صُورَة الْمَسْأَلَة أَن يَقع ذَلِك من غير التَّابِعِيّ أما لَو قَالَ التَّابِعِيّ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقبل لِأَن الصَّحَابَة عدُول كلهم فَلَا يضر الْجَهْل بأعيانهم نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم عَنهُ وَبِه جزم أَئِمَّة الحَدِيث وَالْأُصُول وَلَا يتَّجه فِيهِ خلاف وَأما مَا وَقع فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ فِي إِلْحَاقه بالمرسل فَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن مُرَاده بِهِ فِي التَّسْمِيَة لَا فِي نفي الِاحْتِجَاج وَقد صرح بذلك فِي الْمعرفَة فِي الْكَلَام على الْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَبِه يعرف بطلَان اعْتِرَاض صَاحب الدّرّ النقي عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 فِي ذَلِك نعم شَرط الصَّيْرَفِي فِي قبُوله تحقق سَمَاعه مِنْهُ بِأَن يَقُول سَمِعت رجلا فَأَما لَو قَالَ عَن رجل من الصَّحَابَة فَلَا يقبل (أ / 71) لِأَنِّي لَا أعلم سمع التَّابِعِيّ من ذَلِك الرجل أم لَا إِذْ التَّابِعِيّ قد يحدث عَن رجل أَو رجلَيْنِ عَن الصَّحَابِيّ وَلَا أَدْرِي هَل أمكن لِقَاء ذَلِك الرجل أم لَا قَالَ فَلَو علمت إِمْكَانه لجعلته كمدرك الْعَصْر وَقَالَ فِي مدرك الْعَصْر إِنَّه على عدم السماع حَتَّى يتَحَقَّق سَمَاعه مِنْهُ قلت وَيَنْبَغِي مَجِيء الْخلاف بَين البُخَارِيّ وَمُسلم فِي هَذِه الصُّورَة 132 - (قَوْله) ثمَّ اعْلَم أَن حكم الْمُرْسل حكم الضَّعِيف إِلَّا أَن يَصح مخرجه بمجيئه من وَجه آخر كَمَا سبق بَيَانه فِي نوع الْحسن الحديث: 132 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 فِيهِ أُمُور أَحدهَا أَن مَا ذكره هُنَا من أَن حكم الْمُرْسل حكم الضَّعِيف قد يُعَارضهُ قَوْله فِي الْفَائِدَة السَّادِسَة من النَّوْع الأول وَيَنْبَغِي أَن نقُول مَا كَانَ من ذَلِك وَنَحْوه بِلَفْظ فِيهِ جزم وَحكم إِلَى قَوْله فَلَنْ يستجيز إِطْلَاق ذَلِك إِلَّا إِذا صَحَّ عِنْده ذَلِك عَنهُ لِأَن ذَلِك الدَّلِيل يتَحَقَّق فِي إرْسَال كل عدل من التَّابِعين وَمن يحذو حذوهم فَإِن قيل إِنَّمَا قَالَ المُصَنّف ذَلِك فِي حق البُخَارِيّ بِنَاء على مَا نقل عَنهُ أَنه قَالَ لَا يُورد فِي كِتَابه إِلَّا الصَّحِيح وَمَا كل أحد الْتزم ذَلِك فَلَا يرد ذَلِك الدَّلِيل مِنْهُ فأجبت عَنهُ بِوُجُوه أَحدهَا أَن الْقَيْد لَيْسَ فِي كَلَام المُصَنّف فِي تَقْرِير ذَلِك الدَّلِيل الثَّانِي أَن صِحَة ذَلِك الدَّلِيل دعامة لَا يتَوَقَّف على كَون الْجَازِم مِمَّن صرح بِاللَّفْظِ بِالْتِزَام أَفْرَاد الصَّحِيح فِي كِتَابه عَن أحد فِي عدُول الْمُسلمين وَلم يُصَرح بِالْتِزَام ذَلِك الثَّالِث أَن حكم المُصَنّف على البُخَارِيّ بِعَدَمِ استجازته الْجَزْم الْمَذْكُور إِن كَانَ بِاعْتِبَار تصريحه بِالْتِزَام الصَّحِيح فِي كِتَابه لَا ينْقض حكمه بقوله فِي تِلْكَ الْفَائِدَة أَيْضا وَأما مَا لم يكن فِي لَفظه جزم وَحكم مثل رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 كَلَامه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ حكم المُصَنّف بعد استجازة البُخَارِيّ ذَلِك الْإِطْلَاق بِنَاء على الْتِزَام البُخَارِيّ إِيرَاد الصَّحِيح فِي كِتَابه بِهَذِهِ الْعبارَة وَهِي روى وَغَيرهَا أَيْضا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْتِزَامه إِيرَاد الصَّحِيح فِي كِتَابه مُوجبا لعدم استجازته إِيرَاد غير الصَّحِيح لزم أَن لَا يستجيز أَن يَقُول رُوِيَ عَن فلَان كَذَا إِلَّا إِذا ثَبت عِنْده أَن تِلْكَ الرِّوَايَة صَحِيحَة والمروي بهَا صَحِيح وَإِلَّا كَانَ مُخَالفا لما الْتَزمهُ الثَّانِي أَن قَوْله إِلَّا أَن يَصح مخرجه بمجيئه من وَجه أطلق ذَلِك الْوَجْه الآخر وَقَالَ صَاحب الْمَحْصُول يتقوى بِهِ وَإِن كَانَ ضَعِيفا لَكِن ظَاهر نَص الشَّافِعِي فِي الرسَالَة يَقْتَضِي اشْتِرَاط صِحَة ذَلِك السَّنَد فَإِنَّهُ قَالَ ينظر إِلَى مَا أرسل من الحَدِيث فَإِن شركه فِيهِ حفاظ مأمونون فاسندوه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل معنى مَا روى كَانَت هَذِه دلَالَة على صِحَة من قبل عَنهُ وَحفظه انْتهى الثَّالِث أَن الَّذِي سبق فِي الْمَوْضُوع الْمَذْكُور حِكَايَة نَص الشَّافِعِي فِي مَرَاسِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 التَّابِعين أَنه يقبل مِنْهَا الْمُرْسل الَّذِي جَاءَ نَحوه مُسْند وَكَذَلِكَ لَو وَافقه مُرْسل آخر أرْسلهُ من أَخذ الْعلم عَن غير رجال التَّابِعِيّ الأول وَقَضيته أَن الشَّافِعِي يقبل مُطلق الْمُرْسل إِذا تَأَكد بِمَا ذكره وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا يقبل مَرَاسِيل كبار التَّابِعين إِذا تأكدت بالشرطين الْمَذْكُورين فِي كَلَامه هَكَذَا نَص عَلَيْهِ فِي الرسَالَة وَنَقله الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله والخطيب فِي كِفَايَته وسنذكره الرَّابِع أَن كَلَامه صَرِيح فِي أَنه لَا يحْتَج بالمرسل إِلَّا فِي حَالَة وَاحِدَة وَهُوَ أَن يَصح مخرجه لمجيئه من وَجه آخر وَلَيْسَ كَذَلِك بل يحْتَج بِهِ فِي مَوَاضِع ذكرهَا الشَّافِعِي فِي الرسَالَة مرتبَة فَقَالَ رَضِي الله عَنهُ الْمُنْقَطع (أ / 72) يخْتَلف فَمن شَاهد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فروى حَدِيثا مُنْقَطِعًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتبر عَلَيْهِ بِأُمُور مِنْهَا أَن ينظر إِلَى مَا أرسل من الحَدِيث فَإِن شركه الْحفاظ المأمونون فَأَسْنَدُوهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل معنى مَا روى كَانَت هَذِه دلَالَة [وَاضِحَة] على صِحَة من قبل عَنهُ وَحفظه وَإِن انْفَرد بِهِ مُرْسلا لم يشركهُ فِيهِ من بعده قبل مَا ينْفَرد بِهِ من ذَلِك وَيعْتَبر عَلَيْهِ بِأَن ينظر هَل يُوَافقهُ مُرْسل آخر فَإِن وجد ذَلِك قوي وَهِي أَضْعَف من الأولى وَإِن لم يُوجد ذَلِك نظر إِلَى بعض مَا روى عَن بعض الصَّحَابَة قولا لَهُ فَإِن وجدنَا مَا يُوَافق مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت شاهدة دلَالَة على أَنه لم يَأْخُذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 مرسله إِلَّا عَن أصل يَصح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ إِن وجد عوام من أهل الْعلم يفتون بِمثل [معنى] مَا روى ثمَّ يعْتَبر عَلَيْهِ بِأَن يكون إِذا سمى من روى عَنهُ لم يسم مَجْهُولا وَلَا واهيا فيستدل بذلك على صِحَّته وَيكون (د / 46) إِذا شرك أحدا من الْحفاظ فِي حَدِيث لم يُخَالِفهُ فَإِن خَالفه وَوجد حَدِيثه أنقص كَانَ فِي هَذِه دَلَائِل على صِحَة مخرج حَدِيثه وَمن خَالف مَا وصفت أضرّ بحَديثه حَتَّى لَا يسع أحدا قبُول مرسله قَالَ وَإِذا وجدت الدَّلَائِل بِصِحَّة حَدِيثه بِمَا وصفت أحببنا أَن نقبل مرسله وَلَا نستطيع أَن نزعم أَن الْحجَّة تثبت بِهِ ثُبُوتهَا بالمتصل وَذَلِكَ أَن بعض المنقطعات وَإِن وَافقه مُرْسل مثله فقد يحْتَمل أَن يكون مخرجها وَاحِدًا من حَيْثُ لَو سمي لم يقبل وَأَن [قَول] بعض الصَّحَابَة إِذا قَالَ بِرَأْيهِ لَو وَافقه (لم يدل على صِحَة) مخرج الحَدِيث دلَالَة قَوِيَّة إِذا نظر فِيهَا وَيُمكن أَن يكون إِنَّمَا غلط بِهِ حِين سمع قَول بعض الصَّحَابَة يُوَافقهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 قَالَ فَأَما من بعد كبار التَّابِعين فَلَا أعلم أحدا يقبل مرسله لأمور أَحدهَا أَنهم أَشد تجوزا فِيمَن يروون عَنهُ وَالْآخر أَنه تُوجد عَلَيْهِم الدَّلَائِل فِيمَا أرْسلُوا لضعف مخرجه وَالْآخر كَثْرَة الإحالة فِي الْأَخْبَار فَإِذا كثرت الإحالة فِي الْأَخْبَار كَانَ أمكن للوهم وَضعف من يقبل عَنهُ انْتهى كَلَامه بنصه من الرسَالَة وَقد حَكَاهُ كَذَلِك الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَنهُ فِي كتاب الْمدْخل وَقد تضمن الِاحْتِجَاج بالمرسل فِي مَوَاضِع أَحدهَا مَجِيئه مُسْندًا من وَجه آخر وَأَنه لَا بُد أَن يكون الطَّرِيق إِلَيْهِ صَحِيحا خلافًا لما وَقع فِي الْمَحْصُول وَثَانِيها أَن يُوَافقهُ مُرْسل آخر أرْسلهُ من أَخذ الْعلم عَن غير رجال التَّابِعِيّ الأول وَهَذَانِ الموضعان اقْتصر ابْن الصّلاح على حكايتهما عَن نَص الشَّافِعِي فِي التَّنْبِيه الأول من الْكَلَام [على] الْحسن فَاقْتضى كَلَامه ثمَّ أَن الشَّافِعِي يُسَوِّي بَينهمَا وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْمَنْصُوص فِي الرسَالَة كَمَا سقناه أَن الْمُرْسل الَّذِي يُوَافقهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 مُرْسل آخر أَضْعَف من الَّذِي وَافقه مُسْند وَهُوَ وَاضح ثَالِثهَا أَن يعضده قَول بعض الصَّحَابَة وَصرح الشَّافِعِي بِأَن هَذَا أَضْعَف من الَّذِي قبله وَأَنه يدل على أَنه لم يَأْخُذ مرسله إِلَّا عَن أصل يَصح رَابِعهَا أَن يعضده قَول جمع من أهل الْعلم وَلم يفصل بَين أَن يتَبَيَّن أَن يكون مستندهم أم لَا وَلَو قيل بالتفصيل لم يبعد خَامِسهَا أَن يكون مرسله لَو سمى من روى عَنهُ لَا يُسَمِّي مَجْهُولا وَلَا ضَعِيفا فيستدل بذلك على صِحَة مَا روى مُرْسلا وَهَذَا من أحسن مَا يُقَال فِي الْمُرْسل وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن رِوَايَة الثِّقَة عَن غَيره تَعْدِيل لَهُ إِذا كَانَ من عَادَته لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة وَهُوَ أصح الْأَقْوَال سادسها أَن يكون إِذا شَارك أحدا من الْحفاظ فِي حَدِيث لم يُخَالِفهُ فَإِن خَالفه وَوجد حَدِيثه أنقص كَانَ دَلِيلا على صِحَة مخرج حَدِيثه وَأَن لَهُ أصلا فَإِن هَذَا يدل على حفظه وتحريه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت مُخَالفَته بِزِيَادَة فَإِنَّهُ يُوجب التَّوَقُّف فِيهِ وَالِاعْتِبَار وَمن هُنَا (أ / 73) يُؤْخَذ أَن كَلَام الشَّافِعِي يرى أَن الزِّيَادَة من الثِّقَة لَيست مَقْبُولَة مُطلقًا كَمَا ظَنّه بَعضهم فَإِنَّهُ اعْتبر أَن يكون حَدِيث هَذَا الْمُخَالف أنقص من حَدِيث من خَالفه وَلم يعْتَبر التخالف بِالزِّيَادَةِ وَجعل نُقْصَان هَذَا الرَّاوِي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الحَدِيث دَلِيلا على [صِحَة مخرج حَدِيثه] وَأخْبر أَنه مَتى خَالف مَا وصف أضرّ ذَلِك بحَديثه وَلَو كَانَت الزِّيَادَة غير مَقْبُولَة مُطلقًا لم تكن مُخَالفَته بِالزِّيَادَةِ مضرَّة بحَديثه وَزَاد الْمَاوَرْدِيّ سابعا وَهُوَ أَن الْمُرْسل يحْتَج بِهِ إِذا لم يُوجد دلَالَة سواهُ وَنسبه لقَوْل الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد ذكره فِي بَاب بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَنَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان أَيْضا عَن الشَّافِعِي وَشرط فِيهِ الْإِقْرَار بالتعديل على الْإِجْمَال إِذا علمت ذَلِك فَفِي كَلَام الشَّافِعِي فَوَائِد إِحْدَاهَا أَن الْمُرْسل إِذا حصلت فِيهِ هَذِه الشواهد أَو بَعْضهَا [لزم] نوع الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا يلْزم لُزُوم الْحجَّة بالمتصل وَكَأَنَّهُ - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - أَرَادَ بِهِ أَن لَهُ مدخلًا فِي التَّرْجِيح لإِثْبَات الحكم بِهِ لِأَنَّهُ سوغ الِاحْتِجَاج بِهِ فِي الْجُمْلَة وَلم يُنكر على من خَالفه قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة لم نجد حَدِيثا (ثَابتا مُتَّصِلا) خَالفه جَمِيع أهل الْعلم إِلَّا أَن يكون مَنْسُوخا وَقد وجدنَا مَرَاسِيل أجمع أهل الْعلم على خلَافهَا وَذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 مِنْهَا حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر الْآتِي قَرِيبا وَلم يقف الْجُمْهُور على هَذَا النَّص فأطلقوا النَّقْل عَن الشَّافِعِي أَنه يحْتَج بالمرسل عِنْد اجْتِمَاع هَذِه الشُّرُوط مِنْهُم القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ قَالُوا وَلِهَذَا احْتج بمرسل سعيد فِي اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَقد تيقظ لهَذَا النَّص القَاضِي أَبُو بكر فَقَالَ فِي كِتَابه التَّقْرِيب قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يقبلهَا من الْمَرَاسِيل أستحب قبُولهَا وَلَا أَسْتَطِيع أَن اقول إِن الْحجَّة تثبت بهَا ثُبُوتهَا بالمتصل قَالَ القَاضِي فقد نَص بذلك على أَن الْقبُول عِنْد تِلْكَ الشُّرُوط مُسْتَحبّ لَا وَاجِب انْتهى وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الشَّافِعِي لم يرد الِاسْتِحْبَاب قسيم الْوُجُوب بل مُرَاده أَن الْحجَّة فِيهَا ضَعِيفَة لَيست كحجة الْمُتَّصِل إِذا انتهضت الْحجَّة وَجب الْأَخْذ لَا محَالة لَكِن الْحجَج مُتَفَاوِتَة فَإِذا عَارضه مُتَّصِل كَانَ الْمُتَّصِل مقدما عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ مُرَاد الشَّافِعِي بقوله أحببنا أَي اخترنا وَهَذَا النَّص يرفع اعْتِرَاض القَاضِي على الشَّافِعِي فِي الْعَمَل بالمرسل إِذا رُوِيَ من وَجه آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 مُسْندًا إِذْ الِاعْتِمَاد حِينَئِذٍ على الْمسند (و) إِذا علمت مُرَاد الشَّافِعِي زَالَ الِاعْتِرَاض الثَّانِيَة أَن الْمُرْسل العاري عَن هَذِه الاعتبارات والشواهد الَّتِي ذكرهَا لَيْسَ بِحجَّة عِنْده وَلِهَذَا قَالَ أَنا ابْن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن لي مَالا وعيالا وَلأبي مَالا عيالا فيريد أَن يَأْخُذ مَالِي فيطعم عِيَاله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 الشَّافِعِي مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر غَايَة فِي الْفِقْه وَالْفضل وَالدّين والورع وَلَكِن لَا نَدْرِي عَمَّن قبل هَذَا الحَدِيث انْتهى وَلَا نسلم خلو هَذَا الْمُرْسل عَن بعض هَذِه الاعتبارات فقد رُوِيَ من وُجُوه (مُسْندًا) الثَّالِثَة أَن مَأْخَذ رد الْمُرْسل عِنْده إِنَّمَا هُوَ احْتِمَال ضعف الْوَاسِطَة وَأَن الْمُرْسل لَو سَمَّاهُ لبان أَنه لَا يحْتَج بِهِ وعَلى هَذَا المأخذ فَإِذا كَانَ الْمَعْلُوم من عَادَة الْمُرْسل أَنه لم يسم إِلَّا ثِقَة وَلم يسم مَجْهُولا كَانَ مرسله حجَّة وَإِن كَانَ يروي عَن الثِّقَة وَغَيره فَلَيْسَ بِحجَّة وَلِهَذَا رد الشَّافِعِي مُرْسل الزُّهْرِيّ فِي الضحك فِي الصَّلَاة وَقَالَ يَقُولُونَ يحابي وَلَو حابينا لحابينا الزُّهْرِيّ وإرسال الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِشَيْء وَذَلِكَ أَنا نجده يروي عَن سُلَيْمَان بن أَرقم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وَهَذَا أعدل الْأَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَبْنِيّ على أصل وَهُوَ أَن رِوَايَة الثِّقَة عَن غَيره هَل هِيَ تَعْدِيل لَهُ أم لَا وَالصَّحِيح التَّفْصِيل (أ / 74) بَين أَن يكون من عَادَته أَنه لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة فَيكون تعديلا [لَهُ] وَإِلَّا فَلَا ولهذه (د / 47) الْعلَّة قبل الشَّافِعِي مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب [لَا] لِأَنَّهُ اعتبرها فَوَجَدَهَا مسانيد كَمَا ظن الْحَاكِم وَغَيره وَإِلَّا كَانَ الِاحْتِجَاج حِينَئِذٍ بالمسند مِنْهَا وَيَجِيء اعْتِرَاض القَاضِي السَّابِق وَلِهَذَا تقبل مَرَاسِيل الصَّحَابَة وَإِن احتملت روايتهم عَن التَّابِعين لِأَن الْغَالِب أَنهم لَا يروون إِلَّا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سِيمَا حَالَة الْإِطْلَاق فَحمل على الْغَالِب الرَّابِعَة أَن مُرْسل من بعد التَّابِعين لَا يقبل وَلم يحك عَن أحد قبُوله لتَعَدد الوسائط (وَلِأَنَّهُ لَو قبله يقبل مُرْسل الْمُحدث الْيَوْم) وَبَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مفاوز وَلم يقل بِهِ أحد الْخَامِسَة أَن ظَاهره قبُول مُرْسل [كبار] التَّابِعين دون صغارهم وَلِهَذَا قَالَ فِي الرسَالَة بعد النَّص الْمُتَقَدّم بِكَلَام وَمن نظر فِي الْعلم بخبرة وَقلة غَفلَة استوحش من مُرْسل كل من دون كبار التَّابِعين بدلائل ظَاهِرَة فِيهَا قَالَ لَهُ قَائِل فَلم فرقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 بَين كبار التَّابِعين الْمُتَقَدِّمين الَّذين شاهدوا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن شَاهد بَعضهم دون غَيرهم قَالَ الشَّافِعِي - رَحمَه الله تَعَالَى - فَقلت لبعد إِحَالَة من لم يشْهد أَكْثَرهم قَالَ (فَلم لَا تقبل الْمُرْسل) مِنْهُم وَمن كل ثِقَة دونهم فَقلت لما وصفت انْتهى وَمُرَاد الشَّافِعِي بالذين شاهدوا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي شاهدوا [كثيرا مِنْهُم وبالذين شاهدوا بَعضهم دون بعض أَي شاهدوا] قَلِيلا كَمَا تقدم فِي أبي حَازِم وَيحيى بن سعيد السَّادِسَة أَن هَذَا الحكم لَا يخْتَص عِنْده بإرسال سعيد بن الْمسيب كَمَا ظن بَعضهم وَسَيَأْتِي مُسْتَنده فِي ذَلِك إِذا علمت ذَلِك ظهر مِنْهُ أَن الشَّافِعِي يقبل الْمُرْسل فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة على التَّرْتِيب السَّابِق وَأَن الْحجَّة بالمتصل وَأَن ذَلِك كُله مُقَيّد بمرسل كبار التَّابِعين لَا مُطلق الْمُرْسل وَظهر بِهِ قُصُور المُصَنّف وَغَيره فِي اقتصارهم على بعض المرجحات وَبطلَان دَعْوَى خلق من الْأَصْحَاب أَن الشَّافِعِي يرى أَنه حجَّة مُسْتَقلَّة عِنْد وجود أحد هَذِه الْأَوْصَاف والموجب لذَلِك عدم اطلاعهم على هَذَا النَّص الْكَبِير الْقَوَاعِد والمذاهب إِنَّمَا تعلم من كَلَام أَرْبَابهَا فاشدد يَديك بِهَذِهِ الْفَائِدَة فَإِنَّهَا تَسَاوِي رحْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 الْأَمر الْخَامِس دَعْوَاهُ احتجاج الشَّافِعِي بمرسلات سعيد بن الْمسيب لوجودها مُسندَة من وُجُوه أخر تبع فِيهِ الْحَاكِم غَيره وَقد سبق أَن مأخذه غير ذَلِك نعم أخذُوا ذَلِك من قَول الشَّافِعِي فِي الْأُم فِي كتاب الرَّهْن الصَّغِير حِين قيل لَهُ كَيفَ قبلتم عَن سعيد مُنْقَطِعًا وَلم تقبلوه عَن غَيره قُلْنَا لَا نَحْفَظ لسَعِيد مُنْقَطِعًا إِلَّا وجدنَا مَا يدل على تسديده وَلَا يُؤثر أحد فِيمَا عَرفْنَاهُ عَنهُ إِلَّا عَن ثِقَة عَن مَعْرُوف وَمن كَانَ مثل حَاله قبلنَا منقطعه ورأينا غَيره يُسَمِّي الْمَجْهُول ويسمي من يرغب عَن الرِّوَايَة عَنهُ وَيُرْسل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن بعض من لم يلْحق من أَصْحَابه الْمُنكر الَّذِي لَا يُوجد لَهُ شَيْء يسدده ففرقنا بَينهم لافتراق أَحَادِيثهم وَلم نحاب أحدا وَلَكنَّا قُلْنَا فِي ذَلِك بِالدّلَالَةِ الْبَيِّنَة على مَا وَصفنَا من صِحَة رِوَايَته وَفِي الْكَامِل لِابْنِ عدي بِإِسْنَادِهِ إِلَى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ وَلَيْسَ الْمُنْقَطع بِشَيْء مَا عدا مُنْقَطع ابْن الْمسيب انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 لَكِن الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي الْكِفَايَة حكى هَذِه الْعلَّة عَن بعض أَصْحَابنَا ثمَّ ردهَا بِأَن [فِي] مُرْسل سعيد مَا لم يُوجد [مُسْندًا] بِحَال من وَجه يَصح قَالَ وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين مُرْسل (أ / 75) سعيد وَغَيره من التَّابِعين وَإِنَّمَا رجح بِهِ الشَّافِعِي [و] التَّرْجِيح بالمرسل صَحِيح وَإِن لم يكن حجَّة بمفرده وَزعم الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي بَاب بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ أَن الشَّافِعِي اخْتلف قَوْله فِي مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب فَكَانَ فِي الْقَدِيم يحْتَج بهَا بانفرادها لِأَنَّهُ لَا يُرْسل حَدِيثا إِلَّا يُوجد مُسْندًا وَلِأَنَّهُ لَا يروي إِلَّا مَا سَمعه من جمَاعَة أَو عضده قَول الصَّحَابَة أَو رَآهُ منتشرا عِنْد الكافة أَو وَافقه فعل أهل الْعَصْر وَلِأَنَّهُ لَا يروي إِلَّا عَن أكَابِر الصَّحَابَة وَأَيْضًا فَإِن مراسيله سبرت فَكَانَت مَأْخُوذَة عَن أبي هُرَيْرَة لما بَينهمَا من الوصلة والصهارة فَصَارَ إرْسَاله كإسناده عَنهُ قَالَ وَمذهب الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد أَن مُرْسل سعيد وَغَيره لَيْسَ بِحجَّة وَإِنَّمَا قَالَ مُرْسل سعيد عندنَا حسن لهَذِهِ الْأُمُور الَّتِي وَصفنَا استئناسا بإرساله ثمَّ اعْتِمَادًا على مَا قارنه من الدَّلِيل فَيصير الْمُرْسل حِينَئِذٍ [مَعَ مَا قارنه] حجَّة انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وَسَيَأْتِي من كَلَام الْبَيْهَقِيّ وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق والخطيب وَغَيرهم أَن الْأَصَح من قولي الشَّافِعِي أَن مُرْسل سعيد عِنْده لَيْسَ بِحجَّة إِنَّمَا يرجح بِهِ لَكِن فِي نِسْبَة ذَلِك إِلَى الْجَدِيد نظر فقد ذكر الشَّافِعِي فِي الْأُم وَهُوَ من الْكتب الجليلة على الْمَشْهُور فِي الرَّهْن الصَّغِير أَن مُرْسل سعيد حجَّة وَكَذَلِكَ من كَانَ مثله فِيمَا ذكر وَهُوَ يُؤَيّد قَول ابْن الصّلاح أَن الشَّافِعِي يقبل مُرْسل سعيد وَغَيره وَلَا يخْتَص عِنْده بإرسال سعيد قلت وَلَا بإرسال كل تَابِعِيّ بل بالتابعي الْكَبِير كَمَا سبق نَصه فِي الرسَالَة وَيرد أَيْضا دَعْوَى ابْن الصّلاح أَن الْعلَّة فِي قبُول مُرْسل سعيد كَونه وجد مُسْندًا فَقَط بل علته غير ذَلِك مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصره اشْتهر عِنْد فُقَهَاء أَصْحَابنَا أَن مُرْسل سعيد بن الْمسيب حجَّة عِنْد الشَّافِعِي حَتَّى إِن كثيرا مِنْهُم لَا يعْرفُونَ غير ذَلِك وَلَيْسَ الْأَمر على ذَلِك وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ [وإرسال سعيد بن الْمسيب عندنَا حسن فَذكر صَاحب الْمُهَذّب وَغَيره من أَصْحَابنَا فِي أصُول الْفِقْه فِي معنى كَلَامه وَجْهَيْن لأَصْحَابه] مِنْهُم من قَالَ مراسيله حجَّة لِأَنَّهَا فتشت فَوجدت مسانيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وَمِنْهُم من قَالَ لَيست بِحجَّة عِنْده بل هِيَ كَغَيْرِهَا على مَا نذكرهُ وَإِنَّمَا رجح الشَّافِعِي بِهِ وَالتَّرْجِيح بالمرسل صَحِيح وَحكى الْخَطِيب أَبُو بكر هذَيْن المذهبين لأَصْحَاب الشَّافِعِي ثمَّ قَالَ وَالصَّحِيح مِنْهُمَا عندنَا الثَّانِي لِأَن من مَرَاسِيل سعيد مَا لم يُوجد مُسْندًا بِحَال من وَجه صَحِيح وَقد جعل الشَّافِعِي لمراسيل كبار التَّابِعين مزية على غَيرهم كَمَا اسْتحْسنَ مُرْسل سعيد وروى الْبَيْهَقِيّ فِي مناقبه بِإِسْنَادِهِ عَن الشَّافِعِي أَنه يقبل مُرْسل التَّابِعِيّ إِذا أسْندهُ حَافظ وَغير ذَلِك من الْوُجُوه السالفة ثمَّ قَالَ فالشافعي يقبل مَرَاسِيل كبار التَّابِعين إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا مَا يؤكدها وَإِلَّا لم يقبلهَا سَوَاء مُرْسل ابْن الْمسيب أَو غَيره قَالَ وَقد ذكرنَا مَرَاسِيل لِابْنِ الْمسيب لم يقل بهَا الشَّافِعِي حِين لم ينصم إِلَيْهَا مَا يؤكدها ومراسيل لغيره قَالَ بهَا حِين انْضَمَّ إِلَيْهَا مَا أكدها قَالَ وَزِيَادَة ابْن الْمسيب على غَيره (فِي هَذَا) أَنه أصح (د / 48) التَّابِعين إرْسَالًا فِيمَا زعم الْحفاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 قَالَ فَهَذَا كَلَام الْخَطِيب وَالْبَيْهَقِيّ وَلَهُمَا الْمُنْتَهى فِي التَّحْقِيق ومحلهما من الْعلم مُطلقًا ثمَّ مَنْصُوص الشَّافِعِي ومذهبه مَعْرُوف وَأما قَول الْقفال فِي أول شرح التَّلْخِيص قَالَ الشَّافِعِي فِي الرَّهْن الْأَصْغَر مُرْسل ابْن الْمسيب عندنَا حجَّة فَهُوَ مَحْمُول على مَا ذكره الْخَطِيب وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ وَهَذَا النَّوْع وَقع فِي ابْن الصّلاح مُخْتَصرا مَعَ أَنه من أجل الْأَنْوَاع انْتهى وَمَا حَكَاهُ عَن الْخَطِيب وَغَيره من تَصْحِيح أَنه لَيْسَ بِحجَّة مُسْتَقلَّة ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا قَالَ فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ وإرسال سعيد عندنَا حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 فِي بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ (أ / 76) عقب أثر الصّديق فِيهِ وَقَول ثَلَاثَة من التَّابِعين وَظَاهره أَنه رجح بِهِ وَأما تَأْوِيل كَلَامه فِي الرَّهْن الصَّغِير بِمَا سبق فَيدل لَهُ كَلَام الشَّافِعِي فِي الرسَالَة وَلَو جعل على ظَاهره لَكَانَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ فَحصل فِي كَلَام ابْن الصّلاح أُمُور مِنْهَا دَعْوَاهُ أَن الشَّافِعِي يرى الِاحْتِجَاج بالمرسل لسَعِيد وَقد عرفت مُرَاد الشَّافِعِي فِي التَّرْجِيح بِهِ وَمِنْهَا دَعْوَاهُ أَن الْعلَّة عِنْده فِي قبُول مرسله كَونه رُوِيَ مُسْندًا وَقد سبق من كَلَام الشَّافِعِي أَعم من ذَلِك وَقيل إِنَّمَا رجح بِهِ الشَّافِعِي لكَونه من كبار التَّابِعين وَلم يتفرد بِهِ الشَّافِعِي وَقد قَالَ يحيى بن معِين أصح الْمَرَاسِيل عندنَا مُرْسل سعيد وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَمِنْهَا إِطْلَاقه أَن هَذَا الحكم لَا يخْتَص عِنْده بمرسل سعيد وَقد عرفت أَن الشَّافِعِي خصّه بمراسيل كبار التَّابِعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي رسَالَته إِلَى الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ أَن الشَّافِعِي لم يخص مُرْسل ابْن الْمسيب بِالْقبُولِ بل يقبل مرسله ومرسل غَيره من كبار التَّابِعين كالحسن وَابْن سِيرِين وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَسليمَان بن يسَار إِذا اقْترن بهَا مَا يؤكدها من الْأَسْبَاب قَالَ وَإِنَّمَا ترك الشَّافِعِي مَرَاسِيل من بعد كبار التَّابِعين كالزهري وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ وَمن فِي طبقتهم وَرجح بِهِ بعض قَول الصَّحَابَة إِذا اخْتلفُوا وَترك مَرَاسِيل كبار التَّابِعين مَا لم يقْتَرن بِهِ مَا يشده من الْأَسْبَاب الَّتِي ذكرهَا فِي الرسَالَة أَو وجد من الْحجَج مَا هُوَ أقوى مِنْهَا قَالَ وَقد احْتج الشَّافِعِي فِي أَحْكَام الْقُرْآن بمرسل الْحسن الْبَصْرِيّ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 وَقَالَ فَهَذَا وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا دون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن أَكثر أهل الْعلم يَقُولُونَ بِهِ وَهُوَ ثَابت عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره من الصَّحَابَة فأكد مرسله بقول صَحَابِيّ وقوى الْأَكْثَر كَمَا أكد مُرْسل سعيد فِي النَّهْي عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ بقول الصّديق وَبِأَنَّهُ رُوِيَ من وَجه آخر مُرْسلا وَقَالَ بمرسل الْحسن فِي كتاب الصّرْف فِي النَّهْي عَن بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَقَالَ بمرسل طَاوس فِي كتاب الزَّكَاة وَالْحج وَالْهِبَة وَغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 ذَلِك وبمرسل عُرْوَة بن الزبير وَأبي أُمَامَة [أسعد بن] سهل بن حنيف وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح وَعَطَاء بن يسَار وَسليمَان بن يسَار وَابْن سِيرِين وَغَيرهم من كبار التَّابِعين فِي مَوَاضِع من كتبه حِين اقْترن بهَا مَا يؤكدها وَلم يجد مَا هُوَ أقوى [مِنْهَا] وَترك مَا لم يجد فِيهِ ذَلِك كَمَا ترك ذَلِك فِي مُرْسل سعيد كمرسله أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فرض زَكَاة الْفطر مَدين من حِنْطَة وَأَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام [قَالَ] لَا بَأْس بالتولية فِي الطَّعَام قبل أَن يسْتَوْفى وَأَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ دِيَة كل ذِي عهد فِي عَهده ألف دِينَار وَأَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ من ضرب أَبَاهُ فَاقْتُلُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 قَالَ وعَلى هَذَا فتخصيص مُرْسل ابْن الْمسيب بِالْقبُولِ دون من عداهُ من كبار التَّابِعين على أصل الشَّافِعِي وَإِن قَالَه صَاحب التَّلْخِيص انْتهى يَعْنِي ابْن الْقَاص وَحكى إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن الشَّافِعِي أَن مَرَاسِيل الْحسن الْبَصْرِيّ عِنْده مستحسنة حَكَاهُ [عَنهُ] ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب فِي الْكَلَام على قبض الْمَبِيع قَالَ وَلِهَذَا احْتج بِهِ فِي الْأُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وَقَالَ ابْن حزم ادّعى بَعضهم أَن الْحسن الْبَصْرِيّ كَانَ إِذا حَدثهُ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة أرْسلهُ قَالَ فَهُوَ أقوى من الْمسند وَمِنْهَا دَعْوَاهُ أَن [من] مَرَاسِيل سعيد مَا لم يُوجد مُسْندًا بِحَال وَقد سبق كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي ترك الشَّافِعِي بعض مَرَاسِيل سعيد وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد فِي شرح العنوان هَذَا التتبع لم تظهر صِحَّته لوجدان غير حَدِيث مُرْسل من رِوَايَة سعيد لم يُوجد من جِهَة غَيره كَمَا تتبعه الْحفاظ وَإِن وجد فَمن وَجه لَا يَصح [وَقَالَ أَيْضا] ذَلِك الْوَجْه الآخر إِمَّا أَن يكون مُعْتَمدًا أَولا فَإِن كَانَ مُعْتَمدًا فَهُوَ الْحجَّة وَإِلَّا فَلَا أثر لَهُ (أ / 77) وَقَالَ الشَّيْخ تَاج الدّين الْفَزارِيّ قد اشْتهر اسْتثِْنَاء مَرَاسِيل سعيد لِأَنَّهَا وجدت مسانيد فعلى هَذَا لَا معنى للاستثناء لِأَن الِاحْتِجَاج إِنَّمَا وَقع بالمسند لِأَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وجدت مسانيد قَالَ وَلم يقل الشَّافِعِي إِنَّه يحْتَج بمرسل سعيد كَيفَ كَانَ وَإِنَّمَا أثنى على مراسيله لِأَنَّهُ يُرْسل عَن أبي هُرَيْرَة وَغَيره يُرْسل عَمَّن لَا يعرف وَقَالَ الكيا الطَّبَرِيّ لما قَالَ الشَّافِعِي إِن مُرْسل سعيد حجَّة رُوجِعَ فِي الْفرق بَينه وَبَين غَيره فَقَالَ لِأَنِّي تتبعت مراسيله فَوَجَدتهَا مسانيد [فَقيل لَهُ وجدت مجموعها أَو أَكْثَرهَا فَإِن قَالَ وجدت مجموعها مسانيد] فَلَا أثر للمرسل [إِذا] إِذْ الِاعْتِمَاد على الْمسند وَإِن قَالَ وجدت أَكْثَرهَا فَهَذَا مقَام لَا يقنع فِيهِ بالمعظم فَإِن كل حَدِيث يطْلب إِسْنَاده فِي عينه من غير إغفال شَرط لوُجُود الشَّرْط فِي غَيره وَسَيَأْتِي جَوَاب هَذَا 133 - (قَوْله) وَمن أنكر هَذَا زاعما أَن الِاعْتِمَاد حِينَئِذٍ يَقع على الْمسند دون الْمُرْسل فَيَقَع لَغوا فَجَوَابه أَن بالمسند يتَبَيَّن صِحَة الْإِسْنَاد الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَال حَتَّى يحكم لَهُ مَعَ إرْسَاله بِأَنَّهُ [إِسْنَاد] صَحِيح قلت يُشِير إِلَى اعْتِرَاض القَاضِي أبي بكر على احتجاج الشَّافِعِي بالمرسل إِذا رُوِيَ مُسْندًا من وَجه آخر بِأَن الْعَمَل حِينَئِذٍ على الْمسند وَأجَاب المُصَنّف بِأَنا لَا نسلم أَن الْعَمَل بالمسند فَقَط بل بالمسند يتَبَيَّن صِحَة إِسْنَاد الْإِرْسَال حَتَّى يحكم لَهُ الحديث: 133 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 مَعَ إرْسَاله بِأَنَّهُ صَحِيح الْإِسْنَاد قَالَ المُصَنّف فِي حَاشِيَته وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي الْإِرْشَاد وَقسم مِنْهُ أَن الحَدِيث الَّذِي يَقع عَلَيْهِ ذَلِك فِي إِسْنَاده يكون لَهُ إسنادان صَحِيحَانِ أَحدهمَا الْمُرْسل فيكتسب بذلك قُوَّة لَا وجود لَهَا على تَقْدِير الْمصير إِلَى أَنه لم يَصح إِلَّا ذَلِك الْإِسْنَاد الْمُتَّصِل الَّذِي زعم الْمُخَالف أَنه [بِهِ] ثَبت الحَدِيث لَا غير وَزَاد النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصره من الْفَوَائِد أَنه لَو كَانَ فِي الْمَسْأَلَة حديثان صَحِيحَانِ لَو عارضهما حَدِيث صَحِيح [جَاءَ من طَرِيق وَاحِد وَتعذر الْجمع رجحناهما عَلَيْهِ وعملناهما دونه وَقد اعْترض على هَذَا الْجَواب بِأَن الْإِسْنَاد الَّذِي فِيهِ إرْسَال يحْتَمل أَن يكون هُوَ الْإِسْنَاد الْمُتَّصِل الَّذِي هُوَ صَحِيح] وَيحْتَمل أَن يكون إِسْنَادًا آخر غير صَحِيح احْتِمَالا على السوَاء وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَا يتَبَيَّن بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل كَون الْإِسْنَاد الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَال صَحِيحا إِذا بِالشَّكِّ فِي كَونه هُوَ الْإِسْنَاد الصَّحِيح أَو غَيره لَا يرْتَفع عَنهُ الِاحْتِمَال الَّذِي هُوَ قَادِح فِي صِحَّته وَمُوجب لضَعْفه عِنْد من يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 بضعفه فَلَا يتَبَيَّن بِهِ صِحَّته بِوَجْه وَهَذَا ظَاهر عِنْد من لَهُ مذاق بِمَا يصلح أَن يتَبَيَّن بِهِ (د 49) الْأَمر وَمَا لَا يصلح وَقَول النَّوَوِيّ فَيكون فِي الْمَسْأَلَة حديثان صَحِيحَانِ حَتَّى يقدم على مَا صَحَّ من طَرِيق وَاحِدَة عَجِيب فَإِنَّهُ سَيَأْتِي فِي النَّوْع الْحَادِي عشر أَن الحَدِيث إِذا رُوِيَ مُسْندًا ومرسلا أَن القَوْل بِأَن ذَلِك لَيْسَ بقادح وَفِي التَّرْجِيح أَيْضا بالرواية من طَرِيقين على مَا رُوِيَ من طَرِيق بعد صحتهما نظر تكَاد تخَالفه استعمالات الْفُقَهَاء واستدلالاتهم فقد أَخذ الشَّافِعِي بِحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي التَّشَهُّد وَحَدِيث ابْن مَسْعُود أَكثر طرقا وَنَحْوه وَمِنْهُم من أجَاب عَن الْإِشْكَال السَّابِق بِأَن الِاحْتِجَاج بالمسند إِنَّمَا ينْهض إِذا كَانَ فِي نَفسه حجَّة وَلَعَلَّ الشَّافِعِي أَرَادَ بالمسند هُنَا مَا لَا ينْهض بِنَفسِهِ فَإِذا ضم إِلَى الْمُرْسل قَامَ بِهِ الْمُرْسل وَصَارَ حجَّة وَهَذَا لَيْسَ عملا بالمسند بل بالمرسل إِذا زَالَت التُّهْمَة عَنهُ وَسكت المُصَنّف عَن اعتراضهم فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ إِذا جَاءَ من وَجه آخر مُرْسلا فَإِن ضم الضَّعِيف إِلَى مثله لَا يُفِيد كَمَا فِي شَهَادَة الْفَاسِق مثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَقد (أ / 78) يُجَاب بِمَا سبق فِي الحَدِيث الضَّعِيف إِذا تعدّدت طرقه أَنه يرتقي إِلَى رُتْبَة الِاحْتِجَاج بِهِ وغرض الشَّافِعِي من هَذِه الْأَشْيَاء حرف وَاحِد وَهُوَ أَنا إِذا جهلنا عَدَالَة الرَّاوِي للْأَصْل لم يحصل عَلَيْهِ الظَّن بِصدق الْخَبَر فَإِذا انضمت هَذِه الْقَرَائِن إِلَيْهِ قوي بعض الْقُوَّة فَيجب الْعَمَل بِهِ دفعا للضَّرَر المظنون 134 - (قَوْله) فِي رد الْمُرْسل وَهُوَ قَول جَمَاهِير حفاظ الحَدِيث ونقاد الْأَثر هَكَذَا قَالَه الْخَطِيب وَفِي كَلَام ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد مَا يَقْتَضِي أَن كلهم مجمعون [عَلَيْهِ] لَكِن قَالَ القَاضِي أَبُو بكر فِي التَّقْرِيب الْجُمْهُور على قبُول الْمُرْسل وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ إِذا كَانَ الْمُرْسل ثِقَة عدلا وَهُوَ قَول مَالك وَأهل الْمَدِينَة وَأبي حنيفَة وَأهل الْعرَاق وَكَذَلِكَ نَقله الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول عَن الْأَكْثَرين وَيَنْبَغِي أَن يكون مُرَادهم أَكثر أهل الْأُصُول وَمُرَاد ابْن الصّلاح كَذَا قيل وَفِيه نظر فَإِن الْمُرْسل حجَّة عِنْد مَالك كَمَا نَقله ابْن عبد الْبر وَالْقَاضِي أَبُو بكر وَغَيرهمَا وَكَذَلِكَ عِنْد أَحْمد كَمَا نَقله ابْن عبد الْبر وَالْقَاضِي [أَبُو بكر] وروى الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 الْخَطِيب فِي الْجَامِع عَن أَحْمد أَنه قَالَ رُبمَا كَانَ الْمُرْسل أقوى من الْمسند وَنقل ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره إِجْمَاع التَّابِعين على قبُول الْمُرْسل لكنه مَرْدُود وغايته أَنهم كَانُوا يرسلون وَلَكِن من قَالَ إِنَّهُم أَجمعُوا على قبُوله فَإِن قلت يُؤَيّد دَعْوَى ابْن الْحَاجِب قَول الإِمَام مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ إِنْكَار الْمُرْسل بِدعَة حدثت بعد الْمِائَتَيْنِ قلت إِن ثَبت عَنهُ فمراده حدث القَوْل بِهِ لما احْتِيجَ إِلَيْهِ لِأَن أحدا قبل ذَلِك لم يكن يعْمل بِهِ فَلَمَّا تطاول الزَّمن احْتِيجَ إِلَى إِنْكَاره فَكَانَت بِدعَة وَاجِبَة وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيل لعارضناه بِكَلَام مُسلم بن الْحجَّاج الَّذِي نَقله ابْن الصّلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَاعْلَم أَن بعض الْخُصُوم نسب الشَّافِعِي للتفرد برد الْمُرْسل وَقَالَ ابْن عبد الْبر إِن ابْن جرير أَشَارَ بِكَلَامِهِ السَّابِق إِلَيْهِ وَقد حكى أَبُو دَاوُد السجسْتانِي قَرِيبا من ذَلِك فِي رسَالَته الَّتِي كتبهَا إِلَى أهل الْأَمْصَار فِي سَبَب كِتَابَة السّنَن فَقَالَ وَأما الْمَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء فِيمَا مضى مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بن أنس وَالْأَوْزَاعِيّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فَتكلم فِيهِ وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره انْتهى وَهَذَا مَرْدُود فقد قَالَ سعيد بن الْمسيب وَهُوَ إِمَام التَّابِعين إِنَّه لَيْسَ بِحجَّة كَذَا نَقله عَنهُ [الْحَافِظ أَبُو عبد الله] الْحَاكِم وَنَقله ابْن الْأَثِير فِي مُقَدّمَة جَامع الْأُصُول عَن الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ [و] صَحَّ ذَلِك عَن عبد الله بن الْمُبَارك وَغَيره وَفِي مُقَدّمَة صَحِيح مُسلم عَن عبد الله بن عَبَّاس - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنه لم يقبل مُرْسل بعض التَّابِعين وَكَانَ من الثِّقَات المحتج بهم فِي الصَّحِيحَيْنِ وَصَحَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 فِيهِ أَيْضا عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ كَانُوا لَا يسْأَلُون عَن الْإِسْنَاد فَلَمَّا وَقعت الْفِتْنَة قَالُوا سموا لنا رجالكم فَينْظر إِلَى أهل السّنة فَيُؤْخَذ عَنْهُم وَإِلَى أهل الْبدع فَلَا يُؤْخَذ عَنْهُم وَكَانَ يحيى بن سعيد الْقطَّان - ووفاته قبل الشَّافِعِي - شَدِيد الْإِنْكَار للمرسل فروى ابْن أبي حَاتِم عَن أَحْمد بن سِنَان عَنهُ أَنه كَانَ لَا يرى إرْسَال الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة شَيْئا وَيَقُول هُوَ بِمَنْزِلَة الرّيح وَيَقُول هَؤُلَاءِ قوم حفاظ كَانُوا إِذا سمعُوا الشَّيْء علقوه وَقَالَ سعيد بن الْمسيب عَن أبي بكر ذَاك شبه الرّيح وَقَالَ مَالك عَن سعيد بن الْمسيب أحب إِلَيّ من سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم وكل ضَعِيف وَقَالَ سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم لَا شَيْء وَقَالَ مرسلات أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 إِسْحَاق الْهَمدَانِي عِنْدِي لَا شَيْء وَالْأَعْمَش والتيمي وَيحيى بن أبي كثير يَعْنِي مثله وَقَالَ مرسلات أبن أبي خَالِد يَعْنِي إِسْمَاعِيل ابْن أبي خَالِد لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ مرسلات ابْن عُيَيْنَة شبه الرّيح ثمَّ قَالَ (إِي وَالله) وسُفْيَان بن سعيد وَقَالَ كَانَ شُعْبَة يضعف إِبْرَاهِيم عَن عَليّ هَذِه أَقْوَال يحيى بن سعيد وناهيك بِهِ وَفِي هَذَا القَوْل الَّذِي قَالَه عَن شُعْبَة من تَضْعِيفه (أ / 79) إِبْرَاهِيم عَن عَليّ تعقب على أبي عَمْرو فَإِنَّهُ روى أثرا عَن إِبْرَاهِيم عَن عَليّ فِي الَّذِي يُرَاجع وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 تعلم الْبَرَاءَة فَتزوّجت فَإِن الأول أَحَق بهَا قَالَ ابْن عبد الْبر وَأَجْمعُوا أَن مَرَاسِيل إِبْرَاهِيم صِحَاح وَمرَاده بالمرسل الْمُنْقَطع لما تقدم وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم سَمِعت أبي وَأَبا زرْعَة يَقُولَانِ لَا يحْتَج بالمراسيل وَإِنَّمَا تقوم الْحجَّة بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاح الْمُتَّصِلَة وبقولهما أَقُول وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله والْحَدِيث إِذا كَانَ مُرْسلا فَلَا يَصح عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث قد ضعفه غير وَاحِد مِنْهُم قَالَ وَمن ضعفه فَإِنَّمَا ضعفه من قبل أَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة قد حدثوا عَن الثِّقَات وَغير الثِّقَات فَإِذا روى أحدهم حَدِيثا وأرسله لَعَلَّه أَخذه عَن غير ثِقَة قَالَ وَقد احْتج بَعضهم بالمراسيل وَحَكَاهُ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ 135 - (قَوْله) وَفِي صدر صَحِيح مُسلم [الْمُرْسل] فِي أصل قَوْلنَا وَقَول أهل الْعلم بالأخبار لَيْسَ بِحجَّة اعْترض عَلَيْهِ فِيمَا نَقله فَإِن مُسلما إِنَّمَا ذكره فِي اثناء كَلَام خَصمه الَّذِي رد الحديث: 135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 عَلَيْهِ اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء فِي الْإِسْنَاد المعنعن فَقَالَ فَإِن قَالَ قبلته لِأَنِّي وجدت رُوَاة الْأَخْبَار قَدِيما وحديثا يروي أحدهم عَن الآخر الحَدِيث وَلما يعاينه وَمَا سمع مِنْهُ شَيْئا قطّ فَلَمَّا رَأَيْتهمْ استجازوا رِوَايَة الحَدِيث بَينهم هَكَذَا على الْإِرْسَال من غير سَماع والمرسل من الرِّوَايَات فِي أصل قَوْلنَا وَأهل الْعلم بالأخبار لَيْسَ بِحجَّة أحتجت لما وصفت من الْعلَّة إِلَى الْبَحْث عَن سَماع رَاوِي كل خبر عَن رَاوِيه إِلَى آخر كَلَامه وَأجِيب بِأَنَّهُ وَإِن حَكَاهُ عَن لِسَان خَصمه لَكِن لما لم يعْتَرض عَلَيْهِ بِشَيْء فَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ فَلهَذَا سَاغَ لِابْنِ الصّلاح عزوه إِلَيْهِ وَيُؤَيِّدهُ قَول التِّرْمِذِيّ الحَدِيث إِذا كَانَ مُرْسلا فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث 136 - (قَوْله) وَابْن عبد الْبر حَافظ الْمغرب مِمَّن حكى ذَلِك عَن (جمَاعَة) أَصْحَاب الحَدِيث أَي فِي كل الْأَمْصَار وَنَقله عَن سَائِر أهل الْفِقْه أَيْضا قَالَ الْإِجْمَاع على الحديث: 136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الْحَاجة إِلَى عَدَالَة (د 50) الْمخبر وَأَنه لَا بُد من علم ذَلِك وَقَالَ ابْن خلفون فِي الْمُنْتَقى وَلَا اخْتِلَاف أعلمهُ بَينهم أَنه لَا يجوز الْعَمَل بالمرسل إِذا كَانَ مرسله غير متحرز يُرْسل عَن غير الثِّقَات 137 - (قَوْله) والاحتجاج بِهِ - أَي مُطلقًا - مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وأصحابهما فِي طَائِفَة وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد فِيهِ أُمُور أَحدهَا هَذَا الْكَلَام يحْتَمل ثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا وَهُوَ الظَّاهِر أَنه هُوَ والمسند سَوَاء وَثَانِيها أَنه يحْتَج بِهِ مَعَ احْتِمَال كَونه أولى من الْمسند وَنَقله ابْن عبد الْبر عَن [ابْن] خويز منداد الْمَالِكِي الْبَصْرِيّ وَلَكِن المُرَاد هُوَ الأول الحديث: 137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الْأَمر الثَّانِي أَن ابْن الصّلاح أطلقهُ وَشَرطه عِنْدهم أَن يكون مرسله ثِقَة يُرْسل عَن الثِّقَات وَغَيرهم فَلَا خلاف أَنه لَا يجوز الْعَمَل بالمرسل قَالَه ابْن عبد الْبر وَغَيره من الْمَالِكِيَّة وَأَبُو بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة وعَلى هَذَا (فصل النزاع) فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من حَيْثُ الْمَعْنى فَإِن الشَّافِعِي يقبله حِينَئِذٍ كَمَا سبق ثمَّ الْخلاف فِي الْمُرْسل الَّذِي لَا عيب فِيهِ سوى الْإِرْسَال فَأَما إِذا انْضَمَّ إِلَى كَونه مُرْسلا ضعف راو من رُوَاته فَهُوَ حِينَئِذٍ أَسْوَأ حَالا من الْمسند الضَّعِيف لِأَنَّهُ يزِيد عَلَيْهِ بالانقطاع وَلَا خلاف فِي رده وَعدم الِاحْتِجَاج بِهِ قَالَه أَبُو الْحسن بن الْقطَّان فِي الْوَهم وَالْإِيهَام وَكَذَا أَبُو الْحُسَيْن فِي الْمُعْتَمد وخلائق من الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة مِنْهُم القَاضِي عبد الْوَهَّاب والمازري والباجي وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 الثَّالِث مَا نَقله عَن مَالك هُوَ الْمَشْهُور عَنهُ فِيمَا نَقله أَبُو دَاوُد وَابْن عبد الْبر وَابْن حزم وَغَيرهم وَلَكِن نقل أَبُو عبد لله الْحَاكِم عَنهُ أَنه لَيْسَ بِحجَّة 138 - (قَوْله) ثمَّ (إِنَّا لم) نعد فِي أَنْوَاع الْمُرْسل إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا حَاصله تَخْصِيص (أ 80) الْخلاف السَّابِق بمرسل التَّابِعين فَمن دونهم أما مُرْسل الصَّحَابَة فمقبول أَي بِالْإِجْمَاع كَمَا صرح بِهِ بَعضهم لَكِن حكى الْخَطِيب وَغَيره عَن بعض الْعلمَاء أَنه لَا يحْتَج بِهِ كمرسل غَيرهم إِلَّا أَن يَقُول لَا أروي إِلَّا مَا سمعته عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَن صَحَابِيّ لِأَنَّهُ قد يروي عَن غير صَحَابِيّ قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا مَذْهَب الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرائني وَالصَّوَاب الحديث: 138 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 الْمَشْهُور أَنه يحْتَج بِهِ مُطلقًا لِأَن روايتهم عَن غير الصَّحَابِيّ نادرة وَإِذا رووها بينوها قلت وَأغْرب ابْن برهَان فِي الْأَوْسَط فَقَالَ عَن مقَالَة الْأُسْتَاذ إِنَّهَا الصَّحِيح وَأغْرب ابْن بطال فِي شرح البُخَارِيّ فحكاه عَن الشَّافِعِي وَاخْتِيَار القَاضِي أبي بكر كَذَا ذكره فِي بَاب التناوب فِي الْعلم قَالَ لِأَنَّهُ قد يجوز أَن يسمع مِمَّن لَا يضْبط كواحد أَو أَعْرَابِي لَا حجَّة لَهُ وَلَا تعرف عَدَالَته وَقَالَ الكيا الهراسي وَأما مَرَاسِيل الصَّحَابَة فعلى قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يَقُول الْوَاحِد مِنْهُم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَن يَقُول سمعته وَالثَّانِي أَن يَقُول حَدثنِي رجل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفيهَا خلاف عِنْد من يرد الْمَرَاسِيل وَمن قبله يَقُول الِاعْتِمَاد على الظَّاهِر فَإِن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالظَّاهِر أَنه سَمعه لوُجُود دَلِيل السماع وَهُوَ الصُّحْبَة فَإِن قيل ظهر من حَال ابْن عَبَّاس إرْسَال الْأَحَادِيث فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 وَهُوَ صبي لم يبلغ فَكَانَ أَكثر مَا رَوَاهُ مُرْسلا وَأطْلقهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفعَال الْحَج وَلم يكن شَاهدهَا فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَعثه مَعَ أغيلمة بني عبد الْمطلب لَيْلَة الْمزْدَلِفَة وَأَنه سمع ذَلِك من أَخِيه الْفضل بن عَبَّاس وروى أَبُو هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ من أصبح جنبا فَلَا صَوْم لَهُ ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك سمعته من الْفضل وَقَالَ الْبَراء بن عَازِب مَا كل مَا نحدثكم بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعناه بل سمع بَعْضنَا من بعض وَلَكنَّا لَا نكذب قيل هَب أَن الْأَمر كَذَلِك فَظَاهر ذَاك الصَّحَابِيّ لَا يَخْلُو من أَن يكون سمع الرَّسُول أَو سمع مِنْهُم وهم معدلون فَلَا تضر الْجَهَالَة بهم انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 الثَّانِي أَن هَذَا لَا يخْتَص بأحداث الصَّحَابَة كَمَا عبر بِهِ بل مُرْسل الْكل كَذَلِك وَكَأَنَّهُ ذكره ليعلم كبارهم من بَاب أولى قَالَ الْحَافِظ أَبُو عَليّ الغساني لَيْسَ يعد مُرْسل الصَّحَابِيّ مُرْسلا فقد كَانَ يَأْخُذ بَعضهم عَن بعض ويروي بَعضهم عَن بعض وَقَالَ كَانَ لعمر بن الْخطاب جَار من الْأَنْصَار يتناوب مَعَه النُّزُول إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل هُوَ يَوْمًا وَالْآخر يَوْمًا قَالَ فَإِذا نزلت جِئْته بِخَبَر ذَلِك الْيَوْم من الْوَحْي وَغَيره وَقَالَ الْبَراء مَا كل مَا نحدثكم بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعناه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن سمعناه وَحدثنَا أَصْحَابنَا وَكُنَّا لَا نكذب وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي كتاب اليواقيت كَانَ من مَذْهَب الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم [أَنه] إِذا صَحَّ عِنْدهم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر حَدِيثا رَوَوْهُ عَنهُ من غير أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 تذكر الْوَاسِطَة بَينهم فقد روى أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس قصَّة {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت بِمَكَّة فِي بَدْء الْإِسْلَام لم يحضرها أَبُو هُرَيْرَة ويصغر عَنْهَا سنّ ابْن عَبَّاس وروى ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وقُوف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قليب بدر وَابْن عمر لم يحضر بَدْرًا وروى الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قصَّة الْحُدَيْبِيَة وسنهما لَا يحْتَمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 ذَلِك لِأَنَّهُمَا ولدا بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وروى أنس بن مَالك حَدِيث انْشِقَاق الْقَمَر وَذَلِكَ كَانَ قبل الْهِجْرَة وَقد أخرج الْأَئِمَّة هَذِه الْأَحَادِيث وأمثالها فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَأَجْمعُوا على الِاحْتِجَاج بهَا قلت وَلم أر من خَالف فِي ذَلِك سوى ابْن الْقطَّان فَإِنَّهُ علل حَدِيث جَابر فِي صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْكَعْبَة بِأَن جَابِرا لم (أ / 81) يدْرك من حَدثهُ بذلك وَهُوَ لم يشْهد صَبِيحَة الْإِسْرَاء لما علم أَنه أَنْصَارِي إِنَّمَا صَحبه بِالْمَدِينَةِ وَلَا يلْزم مثل [ذَلِك] فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس فَإِنَّهُمَا رويا إِمَامَة جِبْرِيل من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونازعه تِلْمِيذه ابْن الْمواق فِي كِتَابه بغية النقاد فَقَالَ وَقد تكَرر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 ابْن الْقطَّان مثل هَذَا فِي تَعْلِيل أَحَادِيث كَثِيرَة كَحَدِيث أُسَامَة بن زيد فِي الانتضاح وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْوضُوء بِفضل مَيْمُونَة وَحَدِيث زَيْنَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 الثقفية وَغير ذَلِك والبحث فِيهِ قَلِيل الجدوى فَإِنَّهُم كلهم عدُول وكيفما كَانَ فالحجة فِيهِ لَازِمَة الثَّالِث ظَاهره أَن مَرَاسِيل الصَّحَابَة إِنَّمَا تعرف بطرِيق وَاحِد وَهُوَ أَن يكون الرَّاوِي مِنْهُم صَغِير السن أَي بِحَيْثُ يغلب على الظَّن أَنهم أخذُوا (د 51) مَا رَوَوْهُ عَن غَيرهم من الأكابر فَأَما مُرْسل أكَابِر الصَّحَابَة فَإِنَّهُ يعرف بتبيينهم لَهُ وَإِلَّا فَمَا رَوَوْهُ مَحْمُول على السماع وَإِن لم يصرحوا بِهِ الرَّابِع أَشَارَ إِلَى الْعلَّة الْمُقْتَضِيَة لقبُول رِوَايَته بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ إِنَّمَا رددنا الْمُرْسل لاحْتِمَال عدم عَدَالَة الْوَاسِطَة وَهَذَا الْمَانِع مَفْقُود فِي الصَّحَابَة لعدالتهم فَلَا فرق بَين ذكر الْوَاسِطَة وحذفها لَكِن هَذَا ينْتَقض بِأَنَّهُم قد يروون عَن التَّابِعين وَقد صنف الْخَطِيب كتابا فِي الصَّحَابَة عَن التَّابِعين فَبلغ عَددهمْ نَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 الْعشْرين وَهَذَا يقْدَح فِي الْعلَّة الْمَذْكُورَة قَالَ السرُوجِي فِي الْغَايَة من لم يَجْعَل الْمُرْسل حجَّة لم يَجْعَل مُرْسل الصَّحَابِيّ حجَّة إِلَّا لِأَنَّهُ يحمل على السماع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا لم يعلم أَنه سَمعه لَا يُمكن حمله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون سَمعه من صَحَابِيّ فَيكون حجَّة أَو من تَابِعِيّ مَجْهُول أَو ضَعِيف فَلَا يكون حجَّة وَلَا يَجْعَل حجَّة للشَّكّ والإحتمال قَائِم على أصلهم قلت لَكِن قَول الصَّحَابِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ احْتِمَال سَمَاعه من غَيره أَو من غير صَحَابِيّ احْتِمَال بعيد فَلَا يُؤثر فِي الظَّاهِر وَأما روايتهم عَن [التَّابِعين] فنادرة جدا وَحَيْثُ رووا عَنْهُم بينوهم فَبَان ضعف هَذَا الإحتمال وَقد قيل أَيْضا وَإِن كَانَت روايتهم عَن الصَّحَابَة لَكِن الِامْتِنَاع من جِهَة أَنه يجوز أَن يرويهِ عَن صَحَابِيّ قَامَ بِهِ مَانع كماعز وسارق رِدَاء صَفْوَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وَذكره الْقَرَافِيّ وَهُوَ ضَعِيف فَإِن قيل كَيفَ يتَبَيَّن لنا إرْسَال الصَّحَابِيّ قلت قَالَ فِي كِتَابه فِي الْأُصُول إِن ظَاهر السماع لَا يثبت إرْسَاله إِلَّا بِقَرِينَة وَذَلِكَ كَقَوْلِه حَدثنَا الثِّقَة أَو حَدثنِي رجل من الصَّحَابَة وَبَلغنِي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين [بن] [دَقِيق الْعِيد] فِي شرح العنوان وَمن هَذَا الْقَبِيل أَن يَقُول التَّابِعِيّ حَدثنِي رجل من الصَّحَابَة أَو قوم من الصَّحَابَة فَهَذَا من وَجه إِبْهَام اسْمه كالمرسل إِذْ لَا فرق بَين ذكره وَعدم ذكره قَالَ وَمن دَقِيق هَذَا أَن يَقُول الرَّاوِي حَدثنِي من سمع فلَانا فَهَل يكون ذَلِك تعديلا لجزمه بِأَنَّهُ سمع إِذْ لَا يجْزم بذلك حَتَّى يكون عدلا عِنْده أَو يكون مُنْقَطِعًا لإبهامه فِيهِ نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 فَائِدَة أَكثر مَا تروى الْمَرَاسِيل من أهل الْمَدِينَة عَن سعيد بن الْمسيب وَمن أهل مَكَّة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَمن أهل مصر عَن سعيد بن أبي هِلَال وَمن أهل الشَّام عَن مَكْحُول وَمن أهل الْبَصْرَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَمن أهل الْكُوفَة عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ فصل سعيد بن الْمسيب نَص على قبُول مرسله الإمامان الشَّافِعِي وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا قَالَ أَحْمد أَخذ النَّاس بروايته عَن عمر فِيمَن يقبل وَقَالَ الدوري سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول أصح الْمَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ مُرْسل الشّعبِيّ وَابْن الْمسيب أحب إِلَيّ من دَاوُد بن الْحصين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس حَكَاهُ ابْن الْحذاء فِي رجال الْمُوَطَّأ وَقَالَ ابْن عبد الْبر مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ عِنْدهم صِحَاح نعم أنكر يحيى بن سعيد مُرْسل سعيد بن الْمسيب عَن أبي بكر وَقَالَ ذَلِك شبه الرّيح (أ / 28) ابْن سِيرِين قَالَ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد أجمع أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن ابْن سِيرِين أصح التَّابِعين مَرَاسِيل وَأَنه كَانَ لَا يروي وَلَا يَأْخُذ إِلَّا عَن ثِقَة وَأَن مراسيله صِحَاح كلهَا لَيْسَ كالحسن وَعَطَاء فِي ذَلِك انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 الْحسن قَالَ ابْن عدي فِي الْكَامِل سَمِعت الْحسن بن عُثْمَان يَقُول سَمِعت أَبَا زرْعَة الرَّازِيّ يَقُول كل شَيْء قَالَ الْحسن قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجدت لَهُ أصلا ثَابتا مَا خلا أَرْبَعَة أَحَادِيث وَقَالَ أَحْمد لَيْسَ فِي المرسلات أَضْعَف من مرسلات الْحسن وَعَطَاء بن أبي رَبَاح فَإِنَّهُمَا كَانَا يأخذان عَن كل أحد مُجَاهِد قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ مرسلات مُجَاهِد أحب إِلَيّ من مرسلات عَطاء بِكَثِير كَانَ عَطاء يَأْخُذ عَن كل ضرب وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ قلت ليحيى بن سعيد مرسلات مُجَاهِد أحب إِلَيْك أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 مرسلات طَاوس قَالَ مَا أقربهما وَفِي تَارِيخ ابْن أبي خَيْثَمَة عَن يحيى بن سعيد قَالَ سعيد مُجَاهِد عَن عَليّ وَعَطَاء عَن عَليّ إِنَّمَا هُوَ كتاب وَقَالَ يحيى بن سعيد أما مُجَاهِد عَن عَليّ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس إِنَّه قد أسْند عَن ابْن أبي ليلى عَن عَليّ وَأما عَطاء فَأَخَاف أَن يكون من كتاب الزُّهْرِيّ قَالَ الشَّافِعِي رَأَيْنَاهُ يُرْسل عَن الضُّعَفَاء وَقَالَ يحيى بن معِين مُرْسل الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِشَيْء روى ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن سعيد أَنه كَانَ لَا يرى إرْسَال الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة شَيْئا يَقُول هُوَ بِمَنْزِلَة الرّيح وَيَقُول هَؤُلَاءِ قوم حفاظ كَانُوا إِذا سمعُوا الشَّيْء علقوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وَقَالَ جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي قلت لِأَحْمَد بن صَالح قَالَ يحيى ابْن سعيد مرسلات الزُّهْرِيّ شبه لَا شَيْء فَغَضب أَحْمد وَقَالَ مَا ليحيى بِمَعْرِِفَة علم الزُّهْرِيّ لَيْسَ كَمَا قَالَ يحيى إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ أَحْمد لَا بَأْس بمرسلاته وَقَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان كَانَ شُعْبَة يضعف إِبْرَاهِيم عَن عَليّ وَقَالَ عَبَّاس الدوري عَن يحيى ابْن معِين مَرَاسِيل النَّخعِيّ عِنْدِي صَحِيحَة إِلَّا حَدِيث تَاجر الْبَحْرين وَذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 عبد الْحق فِي أَحْكَامه فِي كتاب الطَّهَارَة عَن عَبَّاس نَفسه ورد عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان بِأَنَّهُ من كَلَام يحيى أَبُو الْعَالِيَة الريَاحي قَالَ الشَّافِعِي حَدِيثه ريَاح وَقَالَ ابْن سِيرِين كَانَ أَبُو الْعَالِيَة وَالْحسن لَا يباليان عَمَّن أخذا حَدِيثهمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ سعيد بن جُبَير قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول مرسلات سعيد بن جُبَير أحب إِلَيّ من مرسلات عَطاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 أَبُو إِسْحَاق الْهَمدَانِي قَالَ عَليّ سَمِعت يحيى يَقُول مرسلات أبي إِسْحَاق عِنْدِي شبه لَا شَيْء وَالْأَعْمَش والتيمي وَيحيى بن أبي كثير هِيَ مثله ومرسلات عَمْرو بن دِينَار أحب إِلَيّ مُعَاوِيَة [بن قُرَّة] قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ سَمِعت يحيى يَقُول مرسلات مُعَاوِيَة بن قُرَّة أحب إِلَيّ من مرسلات زيد بن أسلم سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ عَليّ سَمِعت يحيى يَقُول مرسلات ابْن عُيَيْنَة شبه الرّيح سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مرسلاته شبه الرّيح وَقَالَ عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 سَمِعت يحيى يَقُول مُرْسل مَالك أحب إِلَيّ من مُرْسل سُفْيَان وَقَالَ أَيْضا سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم لَا شَيْء لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِيهِ إِنْسَان صَاح بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 النَّوْع الْعَاشِر الْمُنْقَطع 139 - (قَوْله) عَن الْحَاكِم أَن الْمُنْقَطع مَا سقط قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ الحديث: 139 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 لَيْسَ بجيد فَإِنَّهُ لَو سقط التَّابِعِيّ كَانَ مُنْقَطِعًا أَيْضا فَالْأولى أَن يُقَال قبل الصَّحَابِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع الْمُرْسل والمنقطع وَاحِد وَمِنْهُم من فرق (أ 83) بَينهمَا وَجعل الْمُنْقَطع مَا يكون بَين الراويين رجل لم يذكر (د / 52) وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ الْمُنْقَطع نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يكون فِي إِسْنَاده مَجْهُول لَا يعرف بعدالة سَوَاء ذكر اسْمه أَو أسقط وَالثَّانِي أَن يَقُول الرَّاوِي ثَنَا جمَاعَة أَو نَحوه وَلَا حجَّة فيهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 140 - (قَوْله) فِي الْمِثَال الثَّانِي عَن رجلَيْنِ عَن شَدَّاد بن أَوْس اعْلَم أَن هَذَا الْمِثَال وَالَّذِي قبله ذكره الْحَاكِم وَكَلَام المُصَنّف لَا يُعْطي ذَلِك 141 - (قَوْله) فِيهِ عَن رجلَيْنِ الحديث: 140 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 كَذَا يَقع فِي بعض نسخ كتاب الْحَاكِم وَالثَّابِت فِي النّسخ الْمُعْتَمدَة عَن رجل وَكَذَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالا عَن رجل من بني حَنْظَلَة قَالَ بَعضهم وَيُشبه أَن يكون هَذَا الرجل هُوَ الْمطلب بن عبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 الْحَنْظَلِي وَقد أخرج الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه حَدِيث حُذَيْفَة بِإِسْنَاد آخر مُتَّصِل من جِهَة شريك عَن عُثْمَان بن عُمَيْر عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن حُذَيْفَة بِهِ وَمن جِهَة أبي إِسْحَاق عَن زيد بن يثيع عَن عَليّ نَحوه لكنه قَالَ إِن توَلّوا أَبَا بكر تَجِدُوهُ زاهدا فِي الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْآخِرَة وَإِن توَلّوا عمر تَجِدُوهُ قَوِيا أَمينا 142 - (قَوْله) وَمِنْهَا أَن الْمُنْقَطع مثل الْمُرْسل هَذَا ظَاهر كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ وَقد سمى الشَّافِعِي فِي الرسَالَة الْمُرْسل الحديث: 142 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 مُنْقَطِعًا قَالَ ابْن حزم فِي الإحكام الْمُرْسل هُوَ الَّذِي سقط بَين أحد رُوَاته وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناقل وَاحِد فَصَاعِدا وَهُوَ الْمُنْقَطع أَيْضا 143 - (قَوْله) وَمِنْهَا مَا حَكَاهُ الْخَطِيب إِلَى آخِره فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن هَذَا قَول الْحَافِظ أبي بكر أَحْمد بن هَارُون البرديجي ذكره فِي الحديث: 143 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 جُزْء لطيف لَهُ الثَّانِي أَنه قد سبق فِي الْمَقْطُوع الْمَوْقُوف على التَّابِعِيّ أَنه يعبر عَنهُ بِلَفْظِهِ عَن الْمُنْقَطع غير الْمَوْصُول وَهَذَا غير ذَاك لِأَن الْكَلَام فِي إِطْلَاق الْمُنْقَطع على مَا يُطلق عَلَيْهِ الْمَقْطُوع بِزِيَادَة أَو من دون التَّابِعِيّ وَهَذَا هُوَ الْغَرِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وَفَاتَ المُصَنّف من الْأَقْوَال أَن الْمُرْسل قَول الرَّاوِي حَدثنِي فلَان عَن رجل فَيُرْسل صفته والمنقطع أَن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير ذكر راو أصلا حَكَاهُ الكيا الطَّبَرِيّ فِي تَعْلِيقه وَقَالَ فالمرسل إِذا ذكر رَاوِيا وَلم يذكر اسْمه وَصفته والمنقطع إِذا لم يذكر رَاوِيا أصلا وَإِن كَانَ على الْحَقِيقَة لَا بُد من إِسْنَاد هَذَا مصطلح الْمُحدثين انْتهى وكتبته من خطّ المُصَنّف فِي فَوَائِد رحلته وَأنْكرهُ عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا لَا نعرفه وَإِنَّمَا هُوَ من كتبه وَاعْلَم أَن المُصَنّف لم يذكر حكم الْمُنْقَطع كَمَا تعرض للْخلاف فِي الْمُرْسل وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع من منع قبُول الْمَرَاسِيل كَانَ من قبُول هَذَا أمنع وَمن قبلهَا اخْتلفُوا فِيهِ فَقيل يقبل وَقيل لَا وَإِن عَملنَا بالمرسل وَنبهَ الكيا الطَّبَرِيّ فِي تَعْلِيقه على مانقله عَن اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ أَن الْمُنْقَطع قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمرسل قَول الثِّقَة أَخْبرنِي أَو رجل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وتسميته بالمنقطع مجَازًا من جِهَة كَونه مُنْقَطِعًا فِي الظَّاهِر إِذْ لَو كَانَ مُنْقَطِعًا حَقِيقَة لم يكن مَنْقُولًا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لَا بُد من تَقْدِير الوسائط حَتَّى تَنْتَهِي الرِّوَايَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 النَّوْع الْحَادِي عشر المعضل 144 - (قَوْله) وَهُوَ عبارَة عَمَّا سقط من إِسْنَاده اثْنَان فَصَاعِدا هَذَا حَكَاهُ الْحَاكِم عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة قَالُوا هُوَ أَن يكون بَين الْمُرْسل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر من رجل وَأَنه غير الْمُرْسل فَإِن الْمَرَاسِيل للتابعين دون غَيرهم انْتهى ومرادهم سُقُوطهَا من مَوضِع وَاحِد فَإِن سقطا من موضِعين كَانَ مُنْقَطِعًا من وَجْهَيْن وَلَا يُسمى معضلا اصْطِلَاحا الحديث: 144 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 145 - (قَوْله) _ مستشكلا - قَول الْمُحدثين معضل بِفَتْح الضَّاد من حَيْثُ اللُّغَة يَعْنِي لِأَن الْمَعْرُوف أعضل الْأَمر فَهُوَ معضل كأشكل فَهُوَ مُشكل وَأَن لقَوْل الْمُحدثين مخلصا وَهُوَ أَنه يُؤْخَذ من قَوْلهم أَمر عضيل أَي مستغلق وَشرح هَذَا أَن قَوْلهم عضيل يدل على أَن مَا فِي ماضيه عضل ثلاثيا فعلى هَذَا يكون لنا عضل قاصرا وأعضل مُتَعَدِّيا وقاصرا وَنَظِيره ظلم اللَّيْل وأظلم اللَّيْل وأظلم الله اللَّيْل قَالَ الشَّاعِر (هما أظلما حَالي) وغطش اللَّيْل وأغطش وأغطشه الله هَذَا حَاصِل تَوْجِيه كَلَامه وَقد الحديث: 145 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 اسْتشْكل مَحل إشكاله فَقيل إِن كَانَ إشكاله من جِهَة أَن الْمَاضِي فِي ذَلِك ثلاثي فَقَط فَمَمْنُوع فقد حكى الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح أعضلني فلَان أَي أعياني أمره وَقد أعضل الْأَمر [أَي اشْتَدَّ واستغلق وَإِن كَانَ وَجه الْإِشْكَال أَن الرباعي إِنَّمَا أَتَى فِي الْقَاصِر كأعضل الْأَمر] وَمِنْه أَمر معضل بِكَسْر الضَّاد فَمَمْنُوع لما سبق من نقل الْجَوْهَرِي أعضلني فلَان وَهُوَ رباعي فِي الْمُتَعَدِّي وَلَعَلَّ المُرَاد أَن الْمُتَعَدِّي إِنَّمَا اسْتعْمل فِي نَحْو أعضلني فلَان أَي أعياني أمره وَإِذا قلت أعضلني الحَدِيث أَي أعياني أمره كنت [أَنْت] معضلا بِفَتْح الضَّاد وَهُوَ معضل بِكَسْرِهَا وَهُوَ خلاف المصطلح فَلذَلِك كَانَ مُشكلا وَيُؤْخَذ من قَوْلهم أَمر عضيل أَي مستغلق قيل وَلَا يمْتَنع بِمَا سبق أَن يَقُول أعضلت الحَدِيث وأعضلت فلَانا إِذا صيرت أمره معضلا فَيصح بذلك حَدِيث معضل - بِفَتْح الضَّاد - قلت وَالصَّوَاب فِي تَقْرِير كَلَامه مَا سبق نعم قَوْله لَا الْتِفَات إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 معضل بِكَسْر الضَّاد يَقْتَضِي أَنه لحن وَلَيْسَ كَذَلِك فقد حَكَاهُ صَاحب الْمُحكم إِلَّا أَن يُرِيد أَنه لَا يُؤْخَذ مِنْهُ معضل - بِفَتْح الضَّاد - فَقَط وَذَلِكَ يُقرر أَنه بِالْكَسْرِ عَرَبِيّ وَإِنَّمَا لم يُؤْخَذ مِنْهُ معضل - بِفَتْح الضَّاد - لِأَن معضلا بِكَسْرِهَا من رباعي قَاصِر كَمَا فِي أظلم اللَّيْل فَهُوَ مظلم وَالْكَلَام فِي رباعي مُتَعَدٍّ وعضيل يدل عَلَيْهِ لِأَن فعيلا بِمَعْنى مفعل إِنَّمَا اسْتعْمل فِي الْمُتَعَدِّي وَقد فسر عضيل بمستغلق من أَنه رباعي مُتَعَدٍّ وَذَلِكَ بقتضي صِحَة معضل بِفَتْح الضَّاد وَقَوله مستغلق هُوَ بِفَتْح اللَّام بِمَعْنى استغلقه غَيره كاستخرجه وَالْأَحْسَن أَن يكون من أعضلته إِذا صيرت أمره معضلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 146 - (قَوْله) (وَذكر أَبُو نصر الْحَافِظ أَن قَول الرَّاوِي إِلَى آخِره هَذَا الْمِثَال ذكره الْحَاكِم أَيْضا وَقد اسْتشْكل كَونه معضلا لجَوَاز أَن يكون مَالك سَمعه من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة كسعيد المَقْبُري ونعيم المجمر فَإِنَّهُ الحديث: 146 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 سمع مِنْهُم وَأجِيب بِأَنَّهُ قد وَصله مَالك خَارج الْمُوَطَّأ فَبين أَن بَينه وَبَينه اثْنَان ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك وَالْحَاكِم والخطيب فِي كِفَايَته فأسنده الْحَاكِم من (د 53) طَرِيق إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن مَالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمملوك طَعَامه وَكسوته بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلف من الْعَمَل إِلَّا مَا يُطيق قَالَ وَرَوَاهُ النُّعْمَان بن عبد السَّلَام وَغَيره عَن مَالك وَذكر الْحَاكِم للمعضل أَمْثِلَة قَالَ وَرُبمَا أعضل راو الحَدِيث فِي وَقت ثمَّ وَصله أَو أرْسلهُ فِي وَقت فَيَنْبَغِي للْعَالم بِهَذِهِ الصّفة أَن يُمَيّز بَين المعضل الَّذِي لَا يُوصل وَبَين مَا أعضله الرَّاوِي فِي وَقت ثمَّ وَصله فِي وَقت فَائِدَة يُؤْخَذ من تَرْتِيب المُصَنّف حَيْثُ ذكر بعد الْمُرْسل الْمُنْقَطع والمعضل تفاوتهما فِي الرُّتْبَة وَبِه صرح الجوزقاني فِي أول الموضوعات فَقَالَ المعضل عندنَا أَسْوَأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 حَالا من الْمُنْقَطع والمنقطع عندنَا أَسْوَأ حَالا من الْمُرْسل والمرسل عندنَا لَا تقوم بِهِ حجَّة 147 - (قَوْله) الْإِسْنَاد المعنعن إِلَى آخِره حَاصله حِكَايَة قَوْلَيْنِ فِيهِ الحديث: 147 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 أَحدهمَا أَنه من قبيل الْمُرْسل والمنقطع وَعبارَة الْمَازرِيّ فِي حكايته فِي شرح الْبُرْهَان وَمن النَّاس من لم ير هَذَا تَصْرِيحًا بالمسند (أ 85) وَتوقف فِيهِ مَخَافَة أَن يكون مُرْسلا وَالثَّانِي أَنه مُتَّصِل بِشَرْطَيْنِ وجود المعاصرة مَعَ الْبَرَاءَة من التَّدْلِيس 148 - (قَوْله) وَكَاد أَبُو عمر بن عبد الْبر يَدعِي إِجْمَاع أَئِمَّة الحَدِيث لَا حَاجَة لقَوْله كَاد فقد ادَّعَاهُ فِي أول كِتَابه التَّمْهِيد وَعبارَته أجمع أهل الْعلم على قبُول الْإِسْنَاد المعنعن بِثَلَاثَة شُرُوط عَدَالَة الْمُحدثين ولقاء بَعضهم بَعْضًا وَأَن يَكُونُوا بُرَآء من التَّدْلِيس الحديث: 148 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَلم يذكر ابْن الصّلاح الشَّرْط الأول ظنا أَنه يُؤْخَذ من الثَّالِث وَمَا نَقله عَن الداني وجدته فِي جُزْء لَهُ فِي عُلُوم الحَدِيث فَقَالَ وَمَا كَانَ من الْأَحَادِيث المعنعنة الَّتِي يَقُول فِيهَا ناقلوها عَن عَن فَهِيَ أَيْضا مُسندَة بِإِجْمَاع أهل النَّقْل إِذا عرف أَن النَّاقِل أدْرك الْمَنْقُول عَنهُ إدراكا بَينا وَلم يكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 مِمَّن عرف بالتدليس وَإِن لم يكن سَمَاعا كأحاديث أهل الْمَدِينَة والحجاز وَالْبَصْرَة وَالشَّام ومصر لأَنهم لَا يدلسون قلت وَأَبُو عَمْرو الداني إِنَّمَا أَخذ ذَلِك من كَلَام الْحَاكِم فَإِنَّهُ قَالَ فِي علومه الْأَحَادِيث المعنعنة مُتَّصِلَة بِإِجْمَاع أهل النَّقْل إِذا لم يكن فِيهَا تَدْلِيس لكنه لم يتَعَرَّض للقاء وَلَا معاصرة وَمِمَّنْ حكى الْإِجْمَاع مَعَ اللقي وَالسَّمَاع مِنْهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة قَالَ بِشَرْط أَن يكون مِمَّن يُدَلس وَلَا يُجِيز الْإِسْقَاط للعلو لَكِن فِي نقل هَذَا الْإِجْمَاع نظر فقد رَأَيْت فِي كتاب فهم السّنَن للْإِمَام الْحَارِث بن اسد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 المحاسبي اخْتلف النَّاس فِيمَا تثبت بِهِ السّنة فَقَالَ قوم تثبت بِخَبَر الْوَاحِد إِذا جَاءَ مُتَّصِلا بِرِجَال معروفين بِالصّدقِ وَالْحِفْظ واللقاء بَعضهم لبَعض إِذا قَالَ سَمِعت أَو حَدثنِي كل وَاحِد مِنْهُم فَمن فَوْقه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَما إِذا كَانُوا ثقاتا قد لَقِي بَعضهم بَعْضًا وَلم يقل كل وَاحِد مِنْهُم سَمِعت أَو حَدثنِي أَو قَالُوهُ جَمِيعًا إِلَّا وَاحِدًا فَلَا يثبت بِهِ أبدا سنة لأَنا قد وجدنَا الْحفاظ يروون عَن غَيرهم مَا لم يسمعوه مِنْهُم إِذا أخْبرهُم عَنْهُم غَيرهم فَلَا يجوز إِلَّا أَن يَقُول كل وَاحِد مِنْهُم سَمِعت أَو حَدثنِي أَو أَخْبرنِي وَقَالَ آخَرُونَ يثبت إِذا عرفُوا بِالْحِفْظِ واللقاء وَعدم التَّدْلِيس وَقَالَ آخَرُونَ يثبت إِذا عرفُوا بِالْحِفْظِ واللقاء وَعدم التَّدْلِيس وَقَالَ آخَرُونَ يقبل وَإِن كَانَ فيهم من يُدَلس إِذا كَانَ لَا يُدَلس إِلَّا عَن ثِقَة فَإِن كَانَ يُدَلس عَن غير ثِقَة لم يقبل هَذَا كَلَامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 قَالَ الْمَازرِيّ فِي شرح الْبُرْهَان وَإِنَّمَا دعاهم إِلَى العنعنة طلب الإختصار لِأَن قَول سَحْنُون حَدثنِي ابْن الْقَاسِم عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخصر من قَوْله حَدثنِي ابْن الْقَاسِم حَدثنِي مَالك حَدثنِي نَافِع نعم إِنَّمَا يحكم بالإتصال بِالشّرطِ السَّابِق إِذا لم يروه ذَلِك الرَّاوِي من جِهَة أُخْرَى مُصَرحًا بالواسطة فَإِن رَوَاهُ كَذَلِك فَالثَّانِي فِيهِ خلاف تعَارض الْوَصْل والإنقطاع وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك أَبُو الْحسن بن الْقطَّان فِي الْوَهم وَالْإِيهَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 فَقَالَ يحكم على الحَدِيث بالإنقطاع من إِحْدَى أَربع جِهَات الأولى قَول إِمَام من أَئِمَّة الْمُحدثين هَذَا مُنْقَطع لِأَن فلَانا لم يسمع من فلَان يقبل ذَلِك مِنْهُ مَا لم يثبت خِلَافه الثَّانِيَة أَن تُوجد رِوَايَة الْمُحدث لحديثه بِعَيْنِه بِزِيَادَة وَاسِطَة بَينهمَا فَيقْضى على الأول بالإنقطاع الثَّالِثَة أَن يعلم من تَارِيخ الرَّاوِي والمروي عَنهُ أَنه لم يسمع مِنْهُ الرَّابِعَة أَن يكون الإنقطاع مُصَرحًا بِهِ من الْمُحدث مثل أَن يَقُول حدثت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 عَن فلَان أَو بَلغنِي - إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا فِي حَدِيث حَدِيث قَالَ ابْن الْمواق فِي بغية النقاد وَإِنَّمَا يكون الَّذِي ذكره فِي الثَّانِيَة مُنْقَطِعًا بِشُرُوط أَحدهمَا أَن يكون الرَّاوِي قد عنعن وَلم يُصَرح بِالسَّمَاعِ وَلَا بِمَا يَقْتَضِيهِ من حَدثنَا وَشبهه الثَّانِي أَن يكون رَاوِي الزِّيَادَة ثِقَة فَإِن رِوَايَة غير الثِّقَة مناقضة غير قادحة قَالَ النَّسَائِيّ لَا يحكم بالضعفاء على الثِّقَات الثَّالِث أَلا يُخَالف رَاوِي الزِّيَادَة الْحفاظ وَلَا يَأْتِي بشذوذ وَمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ (أ 86) وَإِن كَانَ ثِقَة فَإِنَّهُ إِذا خَالف الْحفاظ أَو شَذَّ لم تعْتَبر رِوَايَته وَكَانَ القَوْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 قَول الْجُمْهُور قَالَ وَهَذَا الشَّرْط لم يعتبره ابْن الْقطَّان وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِن الْجُمْهُور ردوا رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج حَدِيث أم كرز فِي الْعَقِيقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وحكموا بوهمه لما قَالَت الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن جريج فَزَاد فِي إِسْنَاده رَاوِيا بَين سِبَاع بن ثَابت وَأم كرز مِمَّن نقل ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو بكر النَّيْسَابُورِي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم 149 - (قَوْله) فَظن بِهِ قَالَ المُصَنّف هُوَ أَمر من الظَّن 150 - (قَوْله) اخْتلفُوا فِي قَوْله أَن فلَانا حَاصله حِكَايَة قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهُمَا سَوَاء وَيُؤَيِّدهُ أَن لُغَة بني تَمِيم إِبْدَال الْعين من الْهمزَة وَالثَّانِي أَنَّهُمَا ليسَا سَوَاء وَنسبَة لِأَحْمَد بن حَنْبَل وَالَّذِي حَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي دَاوُد قَالَ سَمِعت أَحْمد قيل لَهُ إِن رجلا قَالَ الحديث: 149 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 عُرْوَة أَن عَائِشَة قَالَت يَا رَسُول الله وَعَن عُرْوَة عَن عَائِشَة سَوَاء قَالَ كَيفَ هَذَا سَوَاء لَيْسَ هَذَا بِسَوَاء وَإِنَّمَا فرق أَحْمد بَين اللَّفْظَيْنِ فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن عُرْوَة فِي اللَّفْظ الأول لم يسند ذَلِك إِلَى عَائِشَة وَلَا أدْرك [الْقِصَّة فَكَانَت] مُرْسلَة وَأما اللَّفْظ الثَّانِي فأسند ذَلِك إِلَيْهَا بالعنعنة فَكَانَت مُتَّصِلَة نعم قَالَ أَبُو الْحسن الْحصار فِي تقريب المدارك وَفِي إِن وَأَن اخْتِلَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَالْأولَى أَن يلحقا بالمقطوع إِذْ لم يتفقوا على عدهما فِي الْمسند وَلَوْلَا إِجْمَاعهم فِي عَن لَكَانَ فِيهِ نظر وَحكى ابْن حزم فِي كتاب الإحكام عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَن قَالَ فلَان يحْتَمل فِي الرَّقَائِق (د 54) وَلَا يحْتَمل فِي الْأَحْكَام قَالَ وَهُوَ بَاطِل 151 - (قَوْله) عَن أبي بكر البرديجي قَالَ المُصَنّف برديج على مِثَال فعليل بِفَتْح أَوله بليدَة بَينهَا وَبَين بردعة نَحْو أَرْبَعَة عشر فرسخا إِلَيْهَا ينْسب هَذَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن هَارُون البرديجي وَمن ينحو بهَا نَحْو أوزان كَلَام الْعَرَب كسر أَولهَا نظرا إِلَى أَنه لَيْسَ فِي كَلَامهم فعليل - بِفَتْح الْفَاء - قلت فِي الْعباب للصاغاني برديج - بِكَسْر الْبَاء - بليدَة بأقصى الحديث: 151 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 أذربيجان والعامة يفتحون باءها 152 - (قَوْله) فِيمَا حَكَاهُ عَن يَعْقُوب بن شيبَة فِي مُسْنده أَن أَن على الإنقطاع قد نوزع [ابْن الصّلاح] فِيهِ بِأَن يَعْقُوب لم يرد هَذَا وَلم يَجعله مُرْسلا من حَيْثُ إِنَّه لم يسند حِكَايَة الْقِصَّة إِلَى عمار والإ فَلَو قَالَ أَن عمارا قَالَ مَرَرْت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جعله مُرْسلا فَلَمَّا أَتَى بِهِ بِلَفْظ أَن عمارا مر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة هُوَ الحاكي لقصة لم يُدْرِكهَا لِأَنَّهُ لم يدْرك مُرُور عمار بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ لذَلِك مُرْسلا وَهَذَا يلْتَفت على معرفَة مَسْأَلَة وَهِي أَن الحديث: 152 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 الرَّاوِي إِذا روى حَدِيثا فِيهِ قصَّة أَو وَاقعَة فَإِن كَانَ أدْرك مَا رَوَاهُ بِأَن حكى قصَّة وَقعت بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين بعض الصَّحَابَة والراوي لذَلِك صَحَابِيّ أدْرك تِلْكَ الْوَاقِعَة فَهِيَ مَحْكُوم لَهَا بالاتصال وَإِن لم [نعلم] أَنه شَاهدهَا وَإِن لم يدْرك تِلْكَ الْوَاقِعَة فَهُوَ مُرْسل صَحَابِيّ وَإِن كَانَ الرَّاوِي تابعيا فَهُوَ مُنْقَطع وَإِن روى التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ قصَّة أدْرك وُقُوعهَا كَانَ مُتَّصِلا وَإِن لم يدْرك وُقُوعهَا وأسندها إِلَى الصَّحَابِيّ كَانَت مُتَّصِلَة وَإِن لم يُدْرِكهَا وَلَا أسْند حكايتها إِلَى الصَّحَابِيّ فَهِيَ مُنْقَطِعَة كَرِوَايَة ابْن الْحَنَفِيَّة الثَّابِتَة عَن عمار وَلَا بُد من اعْتِبَار السَّلامَة من التَّدْلِيس فِي التَّابِعين وَمن بعدهمْ وَقد حكى أَبُو عبد الله بن الْمواق فِي كِتَابه بغية النقاد اتِّفَاق أهل التَّحْقِيق من أهل الحَدِيث على ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فِي الْكَلَام على حَدِيث عرْفجَة 153 - (قَوْله) ثمَّ إِن الْخَطِيب مثل هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى آخِره الحديث: 153 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 قد يُقَال بل للتمثيل وَجه صَحِيح وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ من مُسْند ابْن عمر اقْتضى أَن عمر لم يسند فِي الْمسند بِلَفْظَة أَن وَكَذَلِكَ لم يدْخل عمار فِي الْمسند فِي رِوَايَة أَن فَجعله ابْن شيبَة مُرْسلا بِخِلَاف عمار والراوي لَهما وَاحِد وَهُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة 154 - (قَوْله) الثَّالِث قد ذكرنَا مَا حَكَاهُ ابْن عبد الْبر إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور الحديث: 154 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 أَحدهَا أَن (أ 87) ابْن عبد الْبر لم يُطلق ذَلِك بل شَرط فِيهِ الشُّرُوط الثَّلَاثَة فِيمَا سبق نعم أطلقهُ ابْن حزم فَقَالَ فِي كتاب الإحكام وَإِذا علم أَن الْعدْل قد أدْرك من روى عَنهُ من الْعُدُول فَهُوَ على اللِّقَاء وَالسَّمَاع سَوَاء قَالَ أخبرنَا أَو حَدثنَا أَو عَن فلَان أَو قَالَ فلَان كل ذَلِك مَحْمُول على السماع مِنْهُ انْتهى وَهَذَا قد يشكل على تَعْلِيله حَدِيث المعازف الْآتِي الثَّانِي مَا حَكَاهُ عَن أبي بكر الصَّيْرَفِي رَأَيْته مُصَرحًا بِهِ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالدلائل والأعلام فِي أصُول الْأَحْكَام فَقَالَ وكل من علم لَهُ سَماع من إِنْسَان فَحدث عَنهُ فَهُوَ على السماع حَتَّى يعلم أَنه لم يسمع مِنْهُ مَا حَكَاهُ وكل من علم لَهُ لِقَاء إِنْسَان فَحدث عَنهُ فَحكمه هَذَا الحكم لِأَن السماع واللقاء قد حصلا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَبَيَّن أَنه لم يسمع مَعَ اللِّقَاء قَالَ وَمن أمكن سَمَاعه وَعدم سَمَاعه فَهُوَ على الْعَدَم حَتَّى يتَحَقَّق سَمَاعه وَكَذَلِكَ الحكم فِي اللِّقَاء انْتهى وَقَول ابْن الصّلاح إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِيمَن لم يظْهر تدليسه يَعْنِي لِأَنَّهُ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 قبل هَذَا الْكَلَام وَمن ظهر تدليسه عَن غير الثِّقَات لم يقبل خَبره حَتَّى يَقُول حَدثنِي وَسمعت وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مَتى قَالَ الْمُحدث حَدثنَا فلَان عَن فلَان قبل خَبره لِأَن الظَّاهِر أَنه حكى عَنهُ وَإِنَّمَا توقفنا فِي المدلس لعيب ظهر لنا مِنْهُ فَإِن لم يظْهر فَهُوَ على سَلَامَته وَلَو توقفنا فِي هَذَا لتوقفنا فِي حَدثنَا لِإِمْكَان أَن يكون حدث قبيلته وَأَصْحَابه كَقَوْل الْحسن خَطَبنَا فلَان بِالْبَصْرَةِ وَلم يكن حَاضرا لِأَنَّهُ احْتِمَال لاغ فَكَذَلِك من علم سَمَاعه إِذا كَانَ غير مُدَلّس وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ الصَّحَابِيّ أَبُو بكر أَو عمر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مَحْمُول على السماع وَالْقَائِل بِخِلَاف ذَلِك مُغفل انْتهى 155 - (قَوْله) وَأنكر مُسلم بن الْحجَّاج فِي خطْبَة صَحِيحه على بعض أهل عصره إِلَى آخِره قيل يُرِيد بِهِ البُخَارِيّ نعم البُخَارِيّ لَا يشْتَرط ذَلِك فِي أصل الصِّحَّة وَلَكِن الْتَزمهُ فِي جَامعه فَلَعَلَّهُ يُرِيد ابْن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ يشْتَرط ذَلِك فِي أصل الصِّحَّة على مَا قيل وَهل البُخَارِيّ يشْتَرط ثُبُوت السماع فِي كل حَدِيث أَو إِذا ثَبت السماع فِي حَدِيث وَاحِد حمل الْبَاقِي عَلَيْهِ حَتَّى يدل دَلِيل على خِلَافه فِيهِ نظر وَالْأَقْرَب الحديث: 155 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 الثَّانِي وَقد بَلغنِي عَن الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي نفس مَذْهَب البُخَارِيّ وَيشْهد لَهُ أَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ أثبتا سَماع الْحسن من سَمُرَة مُطلقًا لِأَنَّهُ صَحَّ عَنهُ سَمَاعه لحَدِيث الْعَقِيقَة قَالَ التِّرْمِذِيّ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 عَليّ بن عبد الله عَن قُرَيْش بن أنس عَن حبيب بن الشَّهِيد قَالَ لي مُحَمَّد بن سِيرِين سُئِلَ الْحسن مِمَّن سمع حَدِيث الْعَقِيقَة فَسَأَلته قَالَ سمعته من سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ مُحَمَّد قَالَ عَليّ وَسَمَاع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث وَاعْلَم أَن هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي رده مُسلم هُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّافِعِي فِي الرسَالَة إِذْ قَالَ فِي بَاب خبر الْوَاحِد حِكَايَة عَن سَائل سَأَلَهُ فَقَالَ فَمَا بالك قبلت مِمَّن لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 تعرفه بالتدليس أَن يَقُول عَن وَقد يُمكن فِيهِ أَن يكون لم يسمعهُ فَقلت لَهُ الْمُسلمُونَ الْعُدُول عدُول أصحاء الْأَمر فِي أنفسهم [وحالهم فِي أنفسهم] غير حَالهم فِي غَيرهم أَلا ترى أَنِّي إِذا عرفتهم بِالْعَدْلِ فِي أنفسهم قبلت شَهَادَتهم وَإِذا شهدُوا على شَهَادَة غَيرهم لم أقبل [شَهَادَة غَيرهم] حَتَّى أعرف حَاله وَلم تكن معرفتي عدلهم معرفتي عدل من شهدُوا على شَهَادَته وَقَوْلهمْ عَن خبر أنفسهم وتسميتهم على الصِّحَّة حَتَّى نستدل من فعلهم بِمَا يُخَالف ذَلِك فنحترس مِنْهُم فِي الْموضع الَّذِي خَالف فعلهم فِيهِ مَا يجب عَلَيْهِم وَلم نَعْرِف بالتدليس ببلدنا مِمَّن مضى وَلَا من أدركنا من أَصْحَابنَا إِلَّا حَدِيثا فَإِن مِنْهُم من قبله عَمَّن لَو تَركه عَلَيْهِ كَانَ خيرا لَهُ وَكَانَ قَول الرجل سَمِعت فلَانا يَقُول [سَمِعت فلَانا] وَقَوله حَدثنِي فلَان عَن فلَان سَوَاء عِنْدهم لَا يحدث أحد مِنْهُم عَمَّن لَقِي إِلَّا مَا سمع مِنْهُ فَمن عَرفْنَاهُ بِهَذِهِ الطَّرِيق قبلنَا مِنْهُ حَدثنِي فلَان عَن فلَان وَمن عَرفْنَاهُ دلّس مرّة فقد أبان لنا عَوْرَته فِي رِوَايَته (أ 89) وَلَيْسَت تِلْكَ الْعَوْرَة بكذب فَيرد بهَا حَدِيثه وَلَا النَّصِيحَة فِي الصدْق (د 55) [فنقبل مِنْهُ مَا قبلنَا من أهل النَّصِيحَة فِي الصدْق] فَقُلْنَا لَا نقبل من مُدَلّس حَدِيثا حَتَّى يَقُول فِيهِ حَدثنِي أَو سَمِعت انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَمِمَّنْ اخْتَار هَذَا الْمَذْهَب من الْمُتَأَخِّرين ابْن الْوَكِيل فِي كِتَابه الْإِنْصَاف فَقَالَ الَّذِي أرَاهُ أَنه لَا يحمل على السماع وَإِن ثَبت اللِّقَاء لجَوَاز أَن يكون بلغه من عدل عِنْده لَو ذكره لنا لعرفنا فسقه أَو رَآهُ فِي كِتَابه فَيكون وجادة وَبِهَذَا رد ابْن حزم حَدِيث البُخَارِيّ فِي المعازف لقَوْله فِيهِ قَالَ هِشَام بن عمار مَعَ أَنه شيخ البُخَارِيّ انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 156 - (قَوْله) الرَّابِع التَّعْلِيق الَّذِي يذكرهُ الْحميدِي فِي أَحَادِيث من صَحِيح [البُخَارِيّ] قطع إسنادها صورته صُورَة الإنقطاع وَلَيْسَ حكمه حكمه اعْترض عَلَيْهِ بِأَنا نمْنَع أَن يكون ذَلِك من شَرط البُخَارِيّ فَإِنَّهُ سمى كِتَابه الْمسند فَمَا لم يسْندهُ لم يلْتَزم تَصْحِيحه وَالْجَوَاب أَن هَذَا من ابْن الصّلاح مَبْنِيّ على قَاعِدَته السَّابِقَة فِي تعاليق البُخَارِيّ المجزوم بهَا أَنَّهَا فِي حكم الْمُتَّصِلَة وَقد سبق بِمَا فِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ تَسْمِيَته بالمسند بل إِدْخَاله لَهَا بِصِيغَة الْجَزْم فِي الصَّحِيح يدل على أَنَّهَا مُسندَة وَلَكِن حذفه اختصارا الحديث: 156 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 157 - (قَوْله) على مَا نبهنا عَلَيْهِ فِي الْفَائِدَة السَّادِسَة الَّذِي ذكره هُنَاكَ تَفْصِيل لَا يُوَافق مَا أطلقهُ هُنَا فَلْيتَأَمَّل 158 - (قَوْله) من جِهَة أَن البُخَارِيّ أوردهُ قَائِلا فِيهِ قَالَ هِشَام بن عمار فَزعم ابْن حزم أَنه مُنْقَطع فِيمَا بَين البُخَارِيّ وَهِشَام إِلَى أَن قَالَ والْحَدِيث صَحِيح مَعْرُوف الِاتِّصَال بِشَرْط الصَّحِيح يَعْنِي فقد وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كتاب الْمُسْتَخْرج على البُخَارِيّ فَقَالَ حَدثنَا الْحسن وَهُوَ ابْن سُفْيَان النسوي الإِمَام [قَالَ] ثَنَا هِشَام بن عمار فَذكره الحديث: 157 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي مُسْند الشاميين حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد بن عبد الصَّمد حَدثنَا هِشَام بن عمار فَذكره ثمَّ إِن هِشَام بن عمار أحد شُيُوخ البُخَارِيّ حدث عَنهُ بِأَحَادِيث وعدوله هُنَا عَن التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ إِنَّمَا هُوَ ليفرق بَين مَا أَخذه عَن مشايخه فِي مجْلِس المذاكرة وَبَين مَا يَأْخُذهُ فِي مجْلِس التحديث وَقد قَالَ ابْن حزم فِي كِتَابه الإحكام فِي أصُول الْفِقْه إِن قَالَ مَحْمُولَة على السماع إِذا علم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 إِدْرَاك الرَّاوِي للقائل فَكيف يَجعله هُنَا مُنْقَطِعًا وَاعْلَم أَن اعْتِرَاض ابْن حزم بذلك ساعده عَلَيْهِ صَاحبه الْحميدِي فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ فَإِن البُخَارِيّ قَالَ وَقَالَ عُثْمَان بن الْهَيْثَم حَدثنَا عَوْف عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - قَالَ وكلني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحِفْظ زَكَاة رَمَضَان فَأَتَانِي آتٍ فَجعل يحثو من الطَّعَام وَذكر الحَدِيث فَقَالَ الْحميدِي أخرجه البُخَارِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 تَعْلِيقا بل قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ أخرجه البُخَارِيّ مَقْطُوعًا وَهَذَا كُله مَرْدُود فَإِن عُثْمَان بن الْهَيْثَم أحد شُيُوخ البُخَارِيّ الَّذِي حدث عَنْهُم فِي صَحِيحه وَسمع مِنْهُم وَقَول البُخَارِيّ فِي مثله قَالَ فلَان مَحْمُول على سَمَاعه مِنْهُ واتصاله فَإِن الله تَعَالَى برأه من التَّدْلِيس وَلَيْسَ ذَلِك بتعليق إِنَّمَا الْمُعَلق مَا أسقط البُخَارِيّ مِنْهُ شَيْخه أَو أَكثر بِأَن يَقُول فِي مثل هَذَا الحَدِيث وَقَالَ عَوْف أَو قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وَسُئِلَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد عَن هَذَا فصوب مقَالَة الْحميدِي قَالَ لَكِن الحَدِيث صَحِيح بجزم البُخَارِيّ أَن [عُثْمَان بن] الْهَيْثَم قَالَ قلت وَقد وَصله النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكَبِير فَقَالَ أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب ثَنَا عُثْمَان بن الهيئم وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمُسْتَخْرج حَدثنَا عبيد الله بن مُحَمَّد بن النَّضر اللؤْلُؤِي ثَنَا الْحسن بن السكن ثَنَا عُثْمَان بن الْهَيْثَم وَحدثنَا الْحسن بن سُوَيْد ثَنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 عبد الْعَزِيز بن سَلام سَمِعت عثمانا فَذكره وَقَالَ أَبُو نعيم ثَنَا أَبُو مُحَمَّد بن الْحسن ثَنَا ابْن حَرْب وَحدثنَا ابْن إِسْحَاق ثَنَا مُحَمَّد بن (أ 89) يحيى وجعفر بن أَحْمد بن سِنَان قَالَا حَدثنَا هِلَال بن بشر أَنا عُثْمَان بن الْهَيْثَم وَالْحَاصِل أَن قَول البُخَارِيّ عَمَّن لقِيه من شُيُوخه وَقَالَ فلَان لَيْسَ حكمه حكم التَّعْلِيق بل هُوَ من قبيل الْمُتَّصِل كَمَا سبق فِي الْإِسْنَاد المعنعن والشروط السَّابِقَة مَوْجُودَة هُنَا وَهَذَا الْمَذْكُور هُنَا هُوَ الصَّوَاب وَقد خَالف المُصَنّف هَذَا فِي مِثَال مثل بِهِ فِي السَّادِسَة من الْفَوَائِد فِي النَّوْع الأول فِي قَوْله قَالَ القعْنبِي كَذَا حَيْثُ مثل بِهِ لما سقط من أول إِسْنَاده وَاحِد وَقد بَينا هُنَاكَ أَن القعْنبِي شيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 البُخَارِيّ حدث عَنهُ فِي صَحِيحه فَيكون قَوْله قَالَ القعْنبِي مَحْمُولا على الِاتِّصَال كالحديث المعنعن وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي كل مَا يَقُول البُخَارِيّ فِيهِ قَالَ عَن مشايخه وَقَول المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ قد يفعل مثل ذَلِك لكَون الحَدِيث إِلَى آخِره هَذَا أَخذه من كَلَام الْإِسْمَاعِيلِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمدْخل كثيرا مَا يَقُول البُخَارِيّ قَالَ فلَان وَقَالَ فلَان فَيحْتَمل أَن يكون إعراضه عَن التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ لوجوه أَحدهَا أَلا يكون قد سَمعه مِمَّن يَثِق بِهِ عَالِيا وَهُوَ مَعْرُوف من جِهَة الثِّقَات عَن ذَلِك الْمَرْوِيّ عَنهُ فَيَقُول قَالَ فلَان مُقْتَصرا على صِحَّته وشهرته من غير جِهَته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَالثَّانِي أَن يكون قد ذكره فِي مَوضِع آخر بِالتَّحْدِيثِ فَاكْتفى عَن إِعَادَته ثَانِيًا وَالثَّالِث أَن يكون من سمع مِنْهُ ذَلِك لَيْسَ من شَرط كِتَابه فنبه على الْخَبَر الْمَقْصُود بِتَسْمِيَة من قَالَه لَا على وَجه التحديث بِهِ عَنهُ قَالَ وَأما مَا كَانَ من ذَلِك فَهُوَ صَحِيح سَائِغ غير مَدْفُوع ويضاف لما ذكره رَابِع وَهُوَ أَن يقْصد بذلك الْفرق بَين مَا يَأْخُذهُ عَن مشايخه فِي حَالَة التحديث وَحَالَة المذاكرة وَإِنَّمَا فرق بَينهمَا احْتِيَاطًا 159 - (قَوْله) وَأما مَا أوردهُ كَذَلِك عَن شُيُوخه فَهُوَ من قبيل مَا ذَكرْنَاهُ الحديث: 159 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 قَرِيبا يَعْنِي أَنه لَيْسَ لَهُ حكم التَّعْلِيق بل حكمه حكم الْإِسْنَاد المعنعن لِسَلَامَةِ البُخَارِيّ من التَّدْلِيس وَسبق أَن المُصَنّف خَالف هَذَا [فِي] النَّوْع [الأول] 160 - (قَوْله) وَبَلغنِي عَن بعض الْمُتَأَخِّرين من أهل الْمغرب أَنه جعله قسما من التَّعْلِيق ثَانِيًا وأضاف [إِلَيْهِ] مثل قَول البُخَارِيّ وَقَالَ لي فلَان وروانا فلَان فوسم ذَلِك بِالتَّعْلِيقِ الْمُتَّصِل من حَيْثُ الظَّاهِر الْمُنْفَصِل من حَيْثُ الْمَعْنى وَقَالَ وَمَتى رَأَيْت البُخَارِيّ يَقُول وَقَالَ لي وَقَالَ لنا فَاعْلَم أَنه إِسْنَاد لم يذكرهُ للاحتجاج بِهِ وَإِنَّمَا ذكره للاستشهاد قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ مُخَالف لقَوْل من هُوَ أعرف مِنْهُ وَهُوَ أَبُو جَعْفَر النَّيْسَابُورِي فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ عرض ومناولة انْتهى الحديث: 160 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ رد على هَذَا الْمُتَأَخر وَإِنَّمَا فِيهِ بَيَان المُرَاد بقوله قَالَ وَهَذَا جَائِز الْإِرَادَة وَقد لَا يبلغ عِنْده مبلغ الِاحْتِجَاج لَكِن مَا ذكره هَذَا الْمُتَأَخر ضَعِيف لتسويته بَين قَوْله [قَالَ فلَان وَقَالَ لي فلَان] هَذِه نَص فِي الِاتِّصَال وَإِنَّمَا الَّذِي يُمكن دَعْوَى ذَلِك فِيهِ مَا قدم من قَول البُخَارِيّ قَالَ هِشَام بن عمار الَّذِي لَيْسَ فِي لَفظه مَا يشْعر بالاتصال إِلَّا دَعْوَى الْفرق الَّذِي قدمه من كَلَام (د 56) الصَّيْرَفِي وَغَيره من تَعْمِيم الحكم بالاتصال فِيمَا ذكره الرَّاوِي عَمَّن لقِيه بِأَيّ لفظ كَانَ حَكَاهُ ابْن عبد الْبر وَغَيره وتشاغل المُصَنّف بِبَيَان المُرَاد بقوله قَالَ لي وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي اتِّصَاله وَعَدَمه وَالظَّاهِر أَنه نَص فِي الِاتِّصَال بِخِلَاف قَالَ فلَان وَأَن تَفْرِقَة البُخَارِيّ بَين قَالَ لي مُقَيّدا وَبَين قَوْله قَالَ مُطلقًا جديرة بِإِرَادَة مَا يتَبَادَر (أ 90) إِلَى الذِّهْن مِنْهَا من قُوَّة الِاتِّصَال مَعَ الْإِضَافَة وضعفها عِنْد الْحَذف أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 لَعَلَّه حَيْثُ أطلق أَرَادَ أَنه قَالَ لَهُ وَلغيره فِي المذاكرة فَلَمَّا لم يَخُصُّهُ أطلق وَلم يُقيد عملا بِمَا سبق عَن الصَّيْرَفِي وَمَا حكم بِهِ ابْن عبد الْبر وَغَيره من الِاتِّصَال 161 - (قَوْله) وَكَأن هَذَا التَّعْلِيق مَأْخُوذ من تَعْلِيق الْجِدَار وَتَعْلِيق الطَّلَاق قد نوزع فِي أَخذه من تَعْلِيق الطَّلَاق فَلَيْسَ التَّعْلِيق فِيهِ لأجل قطع الِاتِّصَال بل لتعليق أَمر على أَمر بِدَلِيل اسْتِعْمَاله فِي الْوكَالَة وَالْبيع وَغَيرهمَا [بل وَفِي الْكَلَام أَيْضا] فَلَا يَصح أَن يكون تَعْلِيق الطَّلَاق لأجل قطع الِاتِّصَال إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ قطع اتِّصَال حكم التَّنْجِيز بِاللَّفْظِ لَو كَانَ مُنجزا الحديث: 161 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 قلت تَعْلِيق الطَّلَاق لَيْسَ فِيهِ قطع اتِّصَال إِذْ لم يتَّصل الطَّلَاق بِالْمحل حَتَّى يُقَال إِن التَّعْلِيق قطعه فَيَنْبَغِي أَن يكون مُرَاد المُصَنّف بِالْقطعِ الدّفع لَا الرّفْع فَإِن التَّعْلِيق منع من الِاتِّصَال وَذَلِكَ هُوَ نَظِير تَعْلِيق الْجِدَار فَإِنَّهُ منع من اتِّصَاله بِالْأَرْضِ لَا أَنه وجد الِاتِّصَال ثمَّ قطعه وَوجه مناسبته فِي الحَدِيث أَن سُقُوط الرَّاوِي مِنْهُ منع من اتِّصَال الحَدِيث لكنه منع مُسْتَمر وَإِلَّا لم يكن تَعْلِيقا بِخِلَاف الطَّلَاق والجدار 162 - (قَوْله) الْخَامِس الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ بعض الثِّقَات مُرْسلا وَبَعْضهمْ مُتَّصِلا كَحَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي فِي هَذَا التَّمْثِيل نظر فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَن شُعْبَة وسُفْيَان أَنَّهُمَا وصلاه أَيْضا فَهُوَ من أَمْثِلَة مَا وَصله الرَّاوِي مرّة وأرسله أُخْرَى فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من جِهَة النُّعْمَان بن عبد السَّلَام عَن شُعْبَة وسُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الحديث: 162 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 بردة عَن أبي مُوسَى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي قَالَ الْحَاكِم وَهَذَا الحَدِيث لم يكن لِلشَّيْخَيْنِ إخلاء الصَّحِيحَيْنِ مِنْهُ فَإِن النُّعْمَان بن عبد السَّلَام ثِقَة مَأْمُون وَقد وَصله عَن الثَّوْريّ وَشعْبَة جَمِيعًا انْتهى وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه هَذَا الحَدِيث سَمعه أَبُو إِسْحَاق من أبي بردة مُسْندًا ومرسلا مَعًا فَمرَّة كَانَ يحدث بِهِ مَرْفُوعا وَمرَّة يرويهِ مُرْسلا فَالْخَبَر صَحِيح مُرْسلا وَمُسْندًا مَعًا بِلَا شكّ انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 163 - (قَوْله) فَحكى الْخَطِيب أَن أَكثر أَصْحَاب الحَدِيث يرَوْنَ الحكم للمرسل يجوز فِيهِ كسر السِّين وَفتحهَا وَعلل الْمُحب الطَّبَرِيّ هَذَا القَوْل بِأَن الْإِرْسَال جرح وَالْجرْح مقدم على التَّعْدِيل قَالَ وَمن قدم الْمُتَّصِل يَقُول إِنَّمَا قدم الْجرْح لِأَن الْجَارِح مَعَه زِيَادَة علم وَهِي هُنَا مَعَ الْمُتَّصِل وَفِي هَذِه الْعلَّة نظر وَإِنَّمَا عِلّة ذَلِك الشَّك فِي رَفعه فأخذنا بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقن وألغينا غَيره وَهَذَا القَوْل حَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَحَكَاهُ الحديث: 163 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 غَيره عَن مَالك وَإِنَّمَا ذهب إِلَى ذَلِك ليستيقن من الشَّك يعرض لَهُ وَهَكَذَا الحكم فِي الْوَقْف والانقطاع مَعَ الرّفْع والاتصال وَهَذَا معنى قَول الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ النَّاس إِذا شكوا فِي الحَدِيث ارتفعوا وَمَالك إِذا شكّ فِيهِ انخفض يَعْنِي إِذا حصل عِنْده أدنى شكّ فِي الرّفْع أَو فِي الْإِسْنَاد أَو الْوَصْل وقف وَأرْسل وَقطع أخذا بِالتَّحَرِّي وَهَذَا القَوْل هُوَ الظَّاهِر من تصرف الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل الْكَبِير فَإِنَّهُ قل مَا ذكر حَدِيثا من طَرِيقين مُسْند ومرسل أَو مَرْفُوع وَمَوْقُوف إِلَّا وَرجح الأنقص وَمن الْمَشْهُور عَن شُعْبَة قَوْله حَدثنَا عَليّ بن زيد - وَكَانَ رفاعا - أَي يرفع مَا يرويهِ الْغَيْر مَوْقُوفا وَحَاصِل مَا حَكَاهُ المُصَنّف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَرْبَعَة مَذَاهِب أَحدهَا أَن الحكم للمرسل (أ 91) وَالثَّانِي للْأَكْثَر لِأَن الْحِفْظ إِلَى الْجَمَاعَة أقرب مِنْهُ إِلَى الْأَقَل وَنَقله الْحَاكِم فِي الْمدْخل عَن أَئِمَّة الحَدِيث وَالثَّالِث للأحفظ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل الحكم لرِوَايَة الْأَكْثَر الأثبت وَرِوَايَة تزيد عَنْهُم تكون مَحْمُولَة على الْوَهم وَحَكَاهُ عَن فَإِنَّهُ قَالَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 تَعْلِيل حَدِيث الثِّقَة أَو يُخَالِفهُ من هُوَ أثبت وَالرَّابِع لمن أسْندهُ إِذا كَانَ عدلا ضابطا وَبِه جزم الخليلي فِي الْإِرْشَاد وَابْن حزم فِي كتاب الْإِعْرَاب وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد المُصَنّف وَغَيره جعلا لَهُ من قبيل الزِّيَادَة المقبولة وَظَاهر تصرف التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه يَقْتَضِي الْأَخْذ بأصح الرِّوَايَتَيْنِ سندا زِيَادَة أَو نقصا وَأما من حكى شَيْئا من هَذِه الْأَقْوَال عَن أهل الحَدِيث أَو أَكْثَرهم فقد أنكرهُ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي فِي مُقَدّمَة شرح الْإِلْمَام وَقَالَ إِن ذَلِك لَيْسَ قانونا مطردا وبمراجعة أحكامهم الْجُزْئِيَّة يعرف صَوَاب مَا نقُول فَإِنَّهُم يروون الحَدِيث من رِوَايَة الثِّقَات الْعُدُول ثمَّ تقوم لَهُم علل فِيهِ تمنعهم من الحكم بِصِحَّتِهِ لمُخَالفَة جمع كثير للأقل وَمن هُوَ أحفظ مِنْهُ أَو قيام قرينَة تُؤثر فِي أنفسهم غَلَبَة ظن بغلطه وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي وصل أَو رفع وَلم يجروا فِي ذَلِك على قانون وَاحِد يسْتَعْمل فِي جَمِيع الْأَحَادِيث قَالَ وَأقرب النَّاس إِلَى إطراد هَذِه الْقَوَاعِد بعض أهل الظَّاهِر وَمن هُنَا حكى بعض الْمُتَأَخِّرين تَقْدِيم أَحدهمَا على الآخر بِحَسب الْقَرَائِن فَإِن كَانَ الواقفون لَهُ ثِقَات حفاظا أوثق وأحفظ مِمَّن رَفعه فَالْحكم [للْوَقْف] وَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 إِذا كَانُوا عَن شيخ لَهُم وَأهل بلد فهم أَحَق بِهِ مِمَّن لَيْسَ هُوَ شَيْخه وَلَا كثرت ملازمته لَهُ وَلَا هُوَ من أهل بَلَده وَإِن كَانَ الرافع لَهُ كثيرين ثِقَات حفاظا وَإِن تعَارض الْحَال توقف فِي التَّرْجِيح وَالتَّحْقِيق أَن جهتي طرق الحَدِيث إِمَّا ضَعِيف أَو صَحِيح فالأخذ بِالصَّحِيحِ مُتَعَيّن وَإِمَّا صَحِيحَانِ فَإِن تَفَاوتا فالأخذ بالأصح أولى وأحوط وَإِن اسْتَويَا فِي الصِّحَّة فَهَل الْأَخْذ بالمتيقن الْأَقَل أَو بِالزَّائِدِ فِيهِ الْقَوْلَانِ المتقدمان وَالْمُخْتَار تَقْدِيم الرّفْع وَإِلَّا لزم الْأَخْذ بِالْأَصْلِ فِي زِيَادَة الْمَتْن وَهُوَ خلاف الْعَمَل فِي قبُول الزِّيَادَة الصَّحِيحَة نعم لَو اتَّصل الحَدِيث من وَجه صَحِيح (د 57) ثمَّ ذكر رَاوِيه لذَلِك الحَدِيث طَرِيقا آخر مَقْطُوعًا على وَجه التَّعْرِيف [والمتابعة فَذَلِك] لَا يُؤثر فِي اتِّصَاله قَالَه الْحَافِظ رشيد الدّين الْعَطاء 164 - (قَوْله) وَسُئِلَ البُخَارِيّ عَن حَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي إِلَى آخِره الحديث: 164 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم [قَالَ] حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق الْمُزَكي سَمِعت مُحَمَّد بن هَارُون المسكي سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَسُئِلَ عَن حَدِيث إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي فَقَالَ الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة إِسْرَائِيل ثِقَة وَإِن كَانَ سُفْيَان وَشعْبَة أَرْسلَاهُ فَإِن ذَلِك لَا يضر الحَدِيث انْتهى وَتَابعه التِّرْمِذِيّ فِي علله وَغَيره وَلَكِن فِي نِسْبَة القَوْل بِتَقْدِيم الْوَصْل إِلَى البُخَارِيّ مُطلقًا لأجل هَذَا نظر فَإِنَّهُ فِي تَارِيخه أخرج حَدِيث الثَّوْريّ عَن مُحَمَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 ابْن أبي بكر بن حزم عَن عبد الْملك بن أبي بكر عَن أَبِيه عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شِئْت سبعت عنْدك ثمَّ قَالَ عقبه أخبرنَا إِسْمَاعِيل حَدثنِي مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر بن الْحَارِث بن هِشَام أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا ثمَّ قَالَ الصَّحِيح هَذَا وَقد أخرج مُسلم حَدِيث الثَّوْريّ حكما مِنْهُ بِصِحَّة الْوَصْل وَكَذَلِكَ حُكيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 عَن الدَّارَقُطْنِيّ فَيظْهر من ذَلِك أَن البُخَارِيّ لَا يقدم الْوَصْل مُطلقًا وَلَا الْإِرْسَال مُطلقًا بل يرجع إِلَى قَرَائِن مِمَّا سبق أَو غَيرهَا (أ 92) وَكَذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيّ عَن هَذَا الحَدِيث هَؤُلَاءِ الَّذين رَوَوْهُ عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا عِنْد البُخَارِيّ أصح [لِأَن سماعهم فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة] وَإِن كَانَ شُعْبَة وَالثَّوْري أحفظ وَأثبت من جَمِيع هَؤُلَاءِ الَّذين رووا عَن أبي إِسْحَاق هَذَا الحَدِيث فَإِن رِوَايَة هَؤُلَاءِ عِنْده أشبه وَأَصَح لِأَن شُعْبَة وَالثَّوْري سمعا هَذَا الحَدِيث من أبي إِسْحَاق فِي مجْلِس وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 165 - (قَوْله) ويلتحق بِهَذَا مَا إِذا كَانَ الَّذِي وَصله قد أرْسلهُ فِي وَقت يُرِيد الحكم بوصله لَا مَجِيء كل الْخلاف السَّابِق فِيهِ الحديث: 165 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 166 - (قَوْله) وَهَكَذَا إِذا رفع بَعضهم الحَدِيث وَوَقفه بَعضهم أَو رَفعه وَاحِد فِي وَقت وَوَقفه هُوَ أَيْضا فِي وَقت آخر فَالْحكم للثقة الزَّائِد وَمَا ذكره فِي الْقسم الثَّانِي يُزَاد عَلَيْهِ أَن الْمَاوَرْدِيّ حكى فِي بَاب صَلَاة الْمُسَافِر من الْحَاوِي عَن مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه يحمل الْمَوْقُوف على مَذْهَب الرَّاوِي والمسند على أَنه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تعَارض وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين الرَّاجِح من قَول أَئِمَّة الحَدِيث أَن الْوَقْف وَالرَّفْع يتعارضان قَالَ وَهَكَذَا الْوَصْل مَعَ الْإِرْسَال الحديث: 166 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 النَّوْع الثَّانِي عشر التَّدْلِيس قَالَ ابْن السَّيِّد إِنَّه مُشْتَقّ من الدلس وَهُوَ الظلام وَنقل الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي فِي كتاب اقتناص السوانح عَن الْحَافِظ أبي بكر التَّدْلِيس اسْم ثقيل شنيع الظَّاهِر لكنه حقيق الْبَاطِن سهل الْمَعْنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 167 - (قَوْله) التَّدْلِيس قِسْمَانِ لَيْسَ كَمَا قَالَ بل هُوَ أَقسَام وسنتكلم على مَا أهمله 168 - (قَوْله) وَهُوَ أَن يروي عَمَّن لقِيه إِلَى آخِره أَي شَرط التَّدْلِيس أَن يكون المدلس قد لَقِي الْمَرْوِيّ عَنهُ وَلم يسمع مِنْهُ ذَلِك الحَدِيث الَّذِي دلسه عَنهُ وَشرط الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة أَن يكون مَشْهُورا بالرواية عَنهُ أما إِذا روى عَمَّن لم يُدْرِكهُ بِلَفْظ موهم فَلَيْسَ بتدليس على الصَّحِيح الْمَشْهُور بل هُوَ من قبيل الْإِرْسَال كَمَا سبق فِي بَابه عَن حِكَايَة الْخَطِيب وَحكى ابْن عبد الْبر عَن قوم أَنه تَدْلِيس فَجعلُوا التَّدْلِيس أَن يحدث الرجل عَن الرجل بِمَا لم يسمعهُ مِنْهُ بِلَفْظ لَا يَقْتَضِي تَصْرِيحًا بِالسَّمَاعِ وَإِلَّا لَكَانَ كذبا قَالَ ابْن عبد الْبر وعَلى هَذَا فَمَا سلم من التَّدْلِيس أحد لَا مَالك وَلَا غَيره الحديث: 167 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي الْوَهم وَالْإِيهَام التَّدْلِيس أَن يروي عَمَّن قد سمع مِنْهُ مَا لم يسمع مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار صَاحب الْمسند فِي جُزْء لَهُ فِي معرفَة من يتْرك حَدِيثه أَو يقبل وَاعْلَم أَن هَذَا التَّعْرِيف الَّذِي ذكره المُصَنّف منطبق على مُرْسل الصَّحَابَة مَعَ أَنه لَا يُطلق عَلَيْهِ تَدْلِيس وَأما مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله عَن يزِيد بن هَارُون قَالَ سَمِعت شُعْبَة يَقُول أَبُو هُرَيْرَة كَانَ يُدَلس فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إِسْقَاط الْوَاسِطَة بَينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض الأحيان كَمَا اتّفق لَهُ فِي حَدِيث صَوْم الْجنب لما أنكر عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنِيهِ الْفضل بن الْعَبَّاس وَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاق مثل هَذِه الْعبارَة فِي حق الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَإِنَّمَا ذَلِك إرْسَال وَقد نقل ابْن الْحَاجِب وَغَيره أَن قَول الصَّحَابِيّ الْعدْل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على سَمَاعه مِنْهُ خلافًا للْقَاضِي أبي بكر 169 - (قَوْله) وَإِنَّمَا يَقُول قَالَ فلَان أَو عَن فلَان وَنَحْو ذَلِك أَي أَن (أ 93) فلَانا وَمثله إِن أسقط ذَلِك ويسمي الشَّيْخ فَقَط فَيَقُول فلَان كَمَا ترَاهُ فِي حِكَايَة ابْن عُيَيْنَة 170 - (قَوْله) مِثَال ذَلِك إِلَى آخِره هَكَذَا مثل هَذَا الْقسم ثمَّ حكى الْخلاف فِيمَن عرف بِهِ هَل يرد حَدِيثه مُطلقًا أَو مَا لم يُصَرح فِيهِ بالاتصال وَهُوَ يَقْتَضِي جَرَيَانه فِي ابْن عُيَيْنَة وَهُوَ مَرْدُود فَإِن الحديث: 169 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 ابْن عبد الْبر حكى عَن أَئِمَّة الحَدِيث أَنهم قَالُوا يقبل تَدْلِيس ابْن عُيَيْنَة لِأَنَّهُ إِذا وقف أحَال على ابْن جريج وَمعمر ونظرائهما وَقَالَ الْكَرَابِيسِي دلّس ابْن عُيَيْنَة عَن مثل معمر ومسعر بن كدام وَمَالك ابْن مغول وَقَالَ الْحَاكِم فِي سؤالاته للدارقطني سُئِلَ عَن تَدْلِيس ابْن جريج فَقَالَ يتَجَنَّب تدليسه فَإِنَّهُ وَحش التَّدْلِيس لَا يُدَلس إِلَّا فِيمَا سَمعه من مَجْرُوح فَأَما ابْن عُيَيْنَة فَإِنَّهُ يُدَلس عَن الثِّقَات وَقَالَ ابْن حبَان فِي ديباجة كِتَابه الصَّحِيح وَهَذَا شَيْء لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَحده فَإِنَّهُ كَانَ يُدَلس وَلَا يُدَلس إِلَّا عَن ثِقَة متقن وَلَا يكَاد يُوجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 لِابْنِ عُيَيْنَة خبر دلّس فِيهِ [إِلَّا وجد] ذَلِك الْخَبَر بِعَيْنِه قد تبين سَمَاعه عَن ثِقَة ثمَّ مثل ذَلِك بمراسيل صغَار الصَّحَابَة فَإِنَّهُم لَا يرسلون إِلَّا عَن صَحَابِيّ انْتهى وَخرج من هَذَا عدم اخْتِصَاص ابْن عُيَيْنَة بل من كَانَت عَادَته لَا يُدَلس إِلَّا عَن ثِقَة فَحَدِيثه مَقْبُول وَبِذَلِك صرح أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ وَأَبُو بكر الْبَزَّار فَقَالَ فِي الْجُزْء الْمَذْكُور إِن من كَانَ يُدَلس عَن الثِّقَات كَانَ تدليسه عِنْد أهل الْعلم مَقْبُولًا ثمَّ قَالَ فَمن كَانَت هَذِه صفته وَجب أَن يكون حَدِيثه مَقْبُولًا وَإِن كَانَ مدلسا وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي فِي كتاب الدَّلَائِل والأعلام فَقَالَ كل من ظهر تدليسه عَن غير الثِّقَات لم يقبل خَبره حَتَّى يَقُول حَدثنِي أَو سَمِعت انْتهى وَمَا سبق عَن الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن جريج فِيهِ تَشْدِيد ويروى أَن ابْن أبي خَيْثَمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 فِي تَارِيخه [قَالَ] حَدثنَا إِبْرَاهِيم عَن عُرْوَة حَدثنِي يحيى بن سعيد عَن ابْن جريج قَالَ إِذا قلت قَالَ فَإِنِّي سمعته (د 58) مِنْهُ وَإِن لم أقل سمعته مِنْهُ قَالَ وَحدثنَا يحيى بن معِين ثَنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ مَا نَفَعَنِي مَال أحد مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فَاتبع سُفْيَان صديق كَانَ لَهُ قَالَ هَذَا الحَدِيث سمعته من الزُّهْرِيّ قَالَ لَا وَلَكِن حَدثنِي بِهِ وَائِل بن دَاوُد قَالَ يحيى بن معِين وَوَائِل بن دَاوُد لم يسمع من الزُّهْرِيّ وَإِنَّمَا سمع من ابْنه بكر بن وَائِل وَكَانَ بكر ندب إِلَيّ الزُّهْرِيّ انْتهى والمثال الْجيد لهَذَا الْقسم أَن التِّرْمِذِيّ أخرج فِي جَامعه من حَدِيث ابْن شهَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة مَرْفُوعا لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة يَمِين ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث لَا يَصح لِأَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من أبي سَلمَة سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول رُوِيَ عَن غير وَاحِد مِنْهُم مُوسَى بن عقبَة وَابْن أبي عَتيق عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن ارقم عَن يحيى بن أبي كثير [عَن أبي سَلمَة] عَن عَائِشَة مَرْفُوعا قَالَ مُحَمَّد والْحَدِيث هُوَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 171 - (قَوْله) الْقسم الثَّانِي كي لَا يعرف أَي لكَونه ضَعِيفا أَو مُتَأَخّر الْوَفَاة قد شَارك الرَّاوِي عَنهُ جمَاعَة دونه فِي السماع مِنْهُ أَو يكون أَصْغَر من الرَّاوِي سنا [سمع] أَو تكون أَحَادِيثه الَّتِي عِنْده كَثِيرَة فَلَا يحب تكْرَار الرِّوَايَة عَنهُ كَمَا ذكره ابْن الصّلاح عَنهُ قَالَ الْحَاكِم فِي سُؤَالَات البغداديين لَهُ مَذْهَب سُفْيَان بن سعيد أَن يكني الْمَجْرُوحين من الْمُحدثين إِذا روى عَنْهُم مثل بَحر السقاء يَقُول حَدثنَا أَبُو الْفضل والصلت بن دِينَار يَقُول حَدثنَا أَبُو شُعَيْب والكلبي يَقُول حَدثنَا أَبُو النَّضر الحديث: 171 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وَسليمَان بن أَرقم يَقُول حَدثنَا أَبُو معَاذ انْتهى وَلأَجل هَذَا أفرد المُصَنّف النَّوْع الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ (أ 94) فِيمَن ذكر بأسماء مُخْتَلفَة وَمن ذَلِك تكْثر ألقاب إِبْرَاهِيم بن يحيى وَمُحَمّد بن سعيد المصلوب إِلَى نَحْو الْمِائَة قَالَ أَبُو دَاوُد حدث ابْن جريج عَن إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى وَمُحَمّد بن سعيد فَقَالَ عَن إِبْرَاهِيم بن أبي عَطاء حَكَاهُ الْآجُرِيّ وكنوا عَن الْوَاقِدِيّ مُحَمَّد بن أبي سَلمَة وَيدخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 فِي كَلَام المُصَنّف [وَهُوَ] أَن يذكر الرَّاوِي الضَّعِيف باسمه أَو كنيته وَلَكِن لَا يُتَابع فِي تَعْرِيفه وشاركه فِي تِلْكَ الكنية ثِقَة فَتوهم أَنه ذَلِك الثِّقَة قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل بَلغنِي أَن عَطِيَّة كَانَ يَأْتِي الْكَلْبِيّ فَيَأْخُذ عَنهُ التَّفْسِير فَكَانَ يكنيه بِأبي سعيد فَيَقُول قَالَ أَبُو سعيد يَعْنِي ليوهم النَّاس أَنه يروي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ التَّفْسِير الَّذِي كَانَ يَأْخُذهُ عَنهُ وَأَيْنَ هَذَا من عَليّ بن الْمَدِينِيّ كَانَ يروي عَن أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ ضَعِيفا فيبينه ثمَّ يَقُول وَفِي حَدِيث الشَّيْخ مَا فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَاعْلَم أَنهم قد يَفْعَلُونَ ذَلِك لَا لقادح فِي الشَّيْخ بل لِمَعْنى عِنْد الرَّاوِي مثل مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب الذهلي النَّيْسَابُورِي الإِمَام الْمَشْهُور يروي عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح (وَلَا يُصَرح) بنسبه بل ينْسبهُ مرّة إِلَى جده وَمرَّة إِلَى جد أَبِيه قَالَ النَّسَائِيّ هُوَ ثِقَة مَأْمُون وَإِنَّمَا فعل ذَلِك للفتنة الْوَاقِعَة بَينه وَبَينه فِيمَا حَكَاهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخه وَقَول الذهلي من كَانَ يخْتَلف إِلَى هَذَا الرجل فَلَا يخْتَلف إِلَيْنَا قَالَ ابْن الْمُنِير وَإِنَّمَا أبهم البُخَارِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 اسْمه فِي الصَّحِيح لِأَنَّهُ لما اقْتضى التَّحْقِيق عِنْده أَن تبقى رِوَايَته عَنهُ خشيَة كتم الْعلم وعذره فِي قدحه فِيهِ بالتأويل خشِي على النَّاس أَن يقعوا فِيهِ فَإِنَّهُ قد عدد من جرحه وَذَلِكَ يُوهم أَنه صدقه على نَفسه فيجر ذَلِك وَهنا إِلَى البُخَارِيّ فأخفى اسْمه وغطى وسمه وَمَا كتم عَلَيْهِ فَجمع بَين المصلحتين وَالله أعلم بمراده 172 - (قَوْله) عَن ابْن مُجَاهِد كَانَ ينْسب النقاش إِلَى جد لَهُ الحديث: 172 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 يَقْتَضِي كَرَاهَة ذَلِك وَلِهَذَا جعله تدليسا وَحكى ابْن الْمواق فِي بغية النقاد خلافًا فِي نِسْبَة الرجل إِلَى جده وَاخْتَارَ التَّفْصِيل بَين الْمَشْهُور بِهِ فجوز ذَلِك وَإِلَّا فَلَا لما فِيهِ من إِبْهَام أَمرهم وتعمية طَرِيق معرفتهم 173 - (قَوْله) أما الْقسم الأول فمكروه جدا ذمه أَكثر الْعلمَاء أَي وَمِنْهُم من سهله قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده التَّدْلِيس لَيْسَ بكذب وَإِنَّمَا هُوَ تَحْسِين لظَاهِر الْإِسْنَاد 174 - (قَوْله) فروينا عَن الشَّافِعِي إِلَى آخِره الَّذِي رَوَاهُ عَن الشَّافِعِي عبد الْعَزِيز بن مِقْلَاص قَالَ سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول [كَانَ شُعْبَة يَقُول] التَّدْلِيس أَخُو الْكَذِب رَوَاهُ ابْن عدي فِي الْكَامِل وَكَذَا عبد الْغَنِيّ فِي أدب الحَدِيث لَكِن بِلَفْظ أخي الْكَذِب الحديث: 173 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 بِالتَّصْغِيرِ وَهِي دون الأولى وَالرِّوَايَة الثَّابِتَة عَن شُعْبَة رَوَاهَا عَنهُ أَبُو نعيم ذكرهَا ابْن عدي أَيْضا وَأسْندَ عَن قراد قَالَ سَمِعت شُعْبَة يَقُول كل حَدِيث لَيْسَ فِيهِ حَدثنَا وَأخْبرنَا فَهُوَ خل وبقل وَقَالَ أَبُو عَاصِم النَّبِيل أقل حالات المدلس عِنْدِي أَنه يدْخل فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وَحكى عبد الْغَنِيّ بن سعيد عَن وَكِيع قَالَ لَا يحل تَدْلِيس الثَّوْب فَكيف تَدْلِيس الحَدِيث وَقَالَ أَبُو الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا النهرواني فِي الْمجْلس الثَّالِث وَالْخمسين من كتاب الجليس الصَّالح كَانَ شُعْبَة يُنكر التَّدْلِيس وَيَقُول فِيهِ مَا يتَجَاوَز الْحَد مَعَ كَثْرَة رِوَايَته عَن المدلسين ومشاهدته من كَانَ مدلسا من أَعْلَام أهل الْعلم الْمُحدثين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 كالأعمش وسُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة وهشيم بن بشير وَغَيرهم والمدلس من هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِكَذَّابٍ فِي رِوَايَته وَلَا مَجْرُوح فِي عَدَالَته وَلَا مغموص فِي إِمَامَته وأعلام الْفُقَهَاء يحتجون فِي الدّين بنقله وَكَانَ الشَّافِعِي لَا يرى بِمَا يرويهِ المدلس حجَّة إِلَّا أَن يَقُول فِي رِوَايَته حَدثنَا وَأخْبرنَا أَو سَمِعت (أ 95) فقد وجدنَا لشعبة مَعَ سوء قَوْله فِي التَّدْلِيس تدليسا فِي عدَّة أَحَادِيث رَوَاهَا جَمعنَا ذَلِك فِي مَوضِع هُوَ أولى بِهِ انْتهى كَلَامه وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التحامل وسيتبين أَنه إِنَّمَا كَانَ يروي عَن المدلس إِذا صرح لَهُ بِالتَّحْدِيثِ وَإِلَّا تَركه وَهَذَا غير قَادِح وَأما نسبته إِيَّاه إِلَى التَّدْلِيس فَإِن ثَبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 فَلَيْسَ هُوَ من التَّدْلِيس المذموم وَسَنذكر فِي آخر الْبَاب فصلا فِي مَقَاصِد الثِّقَات بالتدليس قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع اعْلَم أَن عَامَّة الْمُحدثين من أهل الْحجاز قد صانوا أنفسهم عَن التَّدْلِيس إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ عَن ابْن عُيَيْنَة وَهُوَ كُوفِي وَقد سكن مَكَّة وَصَارَ إِمَام الدُّنْيَا فِي الحَدِيث وَإِنَّمَا كثر التَّدْلِيس من أهل الْكُوفَة وَجَمَاعَة من أهل الْبَصْرَة وَالشَّام وَقد كَانَ هشيم بن بشير كثير التَّدْلِيس وَهُوَ من أهل وَاسِط (د 59) وَأما أهل بَغْدَاد وَالْجِبَال وَأهل خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر فَلَا يذكر عَن أحد مِنْهُم التَّدْلِيس إِلَّا الشَّيْء الْيَسِير وَقد روى عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث بن سعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 عَن أَبِيه أَنه قَالَ التَّدْلِيس ذل وَحكى عَبْدَانِ عَن ابْن الْمُبَارك أَنه ذكر رجلا فِيمَن كَانَ يُدَلس فَقَالَ فِيهِ قولا شَدِيدا وَأنْشد فِيهِ (دلّس للنَّاس أَحَادِيثه ... وَالله لَا يقبل تدليسا) 175 - (قَوْله) ثمَّ اخْتلفُوا فِي قبُول رِوَايَة من عرف بِهَذَا التَّدْلِيس إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا حَاصله حِكَايَة مذهبين أَحدهمَا أَنه يرد حَدِيثه مُطلقًا سوء بَين السماع أم لَا وَأَن التَّدْلِيس جرح قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي الملخص وَهُوَ الحديث: 175 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 الظَّاهِر عِنْدِي على أصُول مَالك وَالثَّانِي وَصَححهُ التَّفْصِيل فَإِن صرح بالاتصال كَقَوْلِه سَمِعت وَحدثنَا وَأخْبرنَا فَهُوَ مَقْبُول يحْتَج بِهِ وَإِن أَتَى بِلَفْظ مُحْتَمل فَحكمه حكم الْمُرْسل وَهَذَا القَوْل هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي كَمَا قَالَه ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع وَقد تقدم نَقله أَيْضا عَن الشَّافِعِي من كَلَام النهرواني وَسوى بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا وَالَّذِي حَكَاهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي الملخص عَن الشَّافِعِي أَنه لَا يقبل من المدلس إِلَّا إِذا صرح بحدثني أَو سَمِعت دون قَوْله عَن أَو أَخْبرنِي وَهُوَ ظَاهر نقل ابْن السَّمْعَانِيّ أَيْضا بل هُوَ ظَاهر نَص الشَّافِعِي فِي الرسَالَة فَإِنَّهُ قَالَ فَقُلْنَا لَا يقبل من مُدَلّس حَدِيثا حَتَّى يَقُول فِيهِ حَدثنِي أَو سَمِعت هَذَا كَلَامه وَهُوَ نَص غَرِيب لم يحكمه الْجُمْهُور وَيخرج مِنْهُ مَذْهَب ثَالِث فِي الْمَسْأَلَة وَذكر بعض الْحَنَفِيَّة من شارحي الْبَزْدَوِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 مذهبا آخر وَهُوَ التّرْك مُطلقًا وَبَين أَنه الْمُصَحح عِنْدهم لِأَن عَدَالَة الرَّاوِي تَقْتَضِي أَنه مَا ترك ذكره إِلَّا لِأَنَّهُ عدل ثِقَة عدهَا على الِاحْتِجَاج بالمرسل وَأَنه يرى تعديله صَرِيحًا لَكِن الثَّانِي هُوَ قَول الْأَكْثَرين من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وَمِنْهُم عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين وَغَيرهم قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة سَأَلت يحيى بن معِين عَن التَّدْلِيس فكرهه وعابه قلت لَهُ أفيكون المدلس حجَّة فِيمَا روى [أَو] حَتَّى يَقُول حَدثنَا وَأخْبرنَا قَالَ لَا يكون حجَّة فِيمَا دلّس وَقَالَ يحيى الْقطَّان سَمِعت شُعْبَة يَقُول كنت أَجْلِس إِلَى قَتَادَة فَإِذا سمعته يَقُول سَمِعت فلَانا وَحدثنَا فلَان كتبت وَإِذا قَالَ قَالَ فلَان وَحَدِيث فلَان لم أكتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة من دلّس عَن غير ثِقَة وَعَمن لم يسمع مِنْهُ فقد جَاوز التَّدْلِيس الَّذِي رخص فِيهِ الْعلمَاء وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَأما المدلسون الَّذين هم ثِقَات عدُول فَإنَّا لَا نحتج بأخبارهم إِلَّا بِمَا بينوا السماع فِيمَا رووا مثل الثَّوْريّ وَالْأَعْمَش وَأبي إِسْحَاق (أ 96) وأضرابهم من الْأَئِمَّة المتقنين وَأهل الْوَرع فِي الدّين لأَنا مَتى قبلنَا خبر مُدَلّس دلّس هَذَا الْخَبَر عَن ضَعِيف اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون المدلس يعلم أَنه مَا دلّس قطّ إِلَّا عَن ثِقَة فَإِذا كَانَ كَذَلِك قبلت رِوَايَته وَإِن لم يبين السماع وَهَذَا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَحده انْتهى وَيخرج من هَذَا مَذْهَب رَابِع وَهُوَ التَّفْصِيل بَين أَن يكون من عَادَته فَلَا يقبل حَتَّى يبين وَهَذَا مَذْهَب أبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ فَإِنَّهُ قَالَ إِن كَانَ التَّدْلِيس عَن ثِقَة لم يحْتَج أَن يُوقف على شَيْء مِنْهُ وَإِن كَانَ عَن غير ثِقَة لم يقبل حَتَّى يَقُول حَدثنِي أَو سَمِعت فَيقبل تَدْلِيس ابْن عُيَيْنَة ونظرائه لِأَنَّهُ يحِيل على مَلِيء ثِقَة وَلَا يقبل تَدْلِيس الْأَعْمَش لِأَنَّهُ يحِيل على غير مَلِيء انْتهى وَحكى بَعضهم الِاتِّفَاق على أَن المدلس إِذا لم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ لم يقبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن الشَّافِعِي وَسَائِر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يَعْنِي فِيمَن لَا يقبل الْمُرْسل على أَن بعض من احْتج بالمرسل لَا يقبل عنعنة المدلس وَحكى القَاضِي عبد الْوَهَّاب والخطيب فِي الْكِفَايَة أَن جُمْهُور من احْتج بالمرسل يقبل خبر المدلس الْأَمر الثَّانِي أَن حَاصِل مَا حَكَاهُ من التَّفْصِيل عَن الْجُمْهُور أَنه لَا يصير مجروحا بذلك وَعَن غَيرهم الْجرْح سَوَاء بَين السماع أم لَا وَفصل ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع فَقَالَ إِن كَانَ إِذا استكشف لم يخبر باسم من يروي عَنهُ فَهَذَا يسْقط الِاحْتِجَاج بحَديثه لِأَن التَّدْلِيس مِنْهُ تزوير وإيهام لما لَا حَقِيقَة لَهُ وَذَلِكَ يُؤثر فِي صدقه وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وَإِن كَانَ إِذا استكشف عَنهُ أخبر باسمه وأضاف الحَدِيث إِلَى ناقله فَهَذَا لَا يسْقط الحَدِيث وَلَا يُوجب الْقدح فِي الرَّاوِي قَالَ وَقد كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يُدَلس فَإِذا سُئِلَ عَمَّن حَدثهُ أخبر باسمه وَلم يَكْتُمهُ وَهَذَا شَيْء مَشْهُور عَنهُ ثمَّ نبه على فَائِدَة جليلة وَهِي أَن الشَّافِعِي كَانَ لَا يروي عَنهُ مَا يدْخلهُ التَّدْلِيس دينا الثَّالِث أَنه سوى على قَول الْجُمْهُور بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الحكم بالاتصال وَقد علمت أَن مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه لَا يقبل فِي أخبرنَا وَلِهَذَا أورد الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ على الْمَذْهَب الْمَشْهُور سؤالا وَهُوَ أَنه يجب أَن لَا يقبل قَول المدلس أخبرنَا فلَان لِأَن ذَلِك يسْتَعْمل فِي السماع وَغَيره فَقَالَ أَخْبرنِي على قصد المناولة وَالْإِجَازَة وَالْمُكَاتبَة وأجابه بِأَن هَذَا لَا يلْزم لِأَن هَذِه اللَّفْظَة ظَاهِرَة السماع وَالْحمل على غير ذَلِك مجَاز وَالْحمل على الظَّاهِر أولى وَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 ذكره الْخَطِيب لَا يقوى مَعَ شُبْهَة التَّدْلِيس وَلنَا أَن نلتزم السُّؤَال ونقول لَا يقبل قَوْله أَخْبرنِي كَمَا سبق نَقله عَن الشَّافِعِي لهَذَا الْمَعْنى 176 - (قَوْله) وَأَن مَا رَوَاهُ المدلس بِلَفْظ مُحْتَمل لم يبين فِيهِ السماع والاتصال فَحكمه حكم الْمُرْسل يسْتَثْنى من هَذَا مَا إِذا كَانَ المدلس لَا يُدَلس إِلَّا عَن ثِقَة فَإِنَّهُ تقبل رِوَايَته وَإِن لم يبين السماع كسفيان بن عُيَيْنَة 177 - (قَوْله) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من الْكتب الْمُعْتَمدَة من حَدِيث هَذَا الضَّرْب كثير جدا إِلَى آخِره هَكَذَا ذكره محتجا [بِهِ] على قبُول رِوَايَة المدلس إِذا صرح بالاتصال وَلَيْسَ هَذَا من مَوضِع النزاع قَالَ النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصره مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ الحديث: 176 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَغَيرهمَا من الْكتب الصَّحِيحَة عَن المدلسين يَعْنِي فَمَحْمُول على ثُبُوت سَمَاعه من جِهَة أُخْرَى وَكَذَا قَالَ الْحَافِظ الْحلَبِي فِي الْقدح الْمُعَلَّى إِن المعنعنات الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ منزلَة [منزلَة] السماع وَتوقف فِي ذَلِك من الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ صدر الدّين بن الْوَكِيل وَقَالَ فِي كِتَابه الْإِنْصَاف لعمر الله إِن فِي النَّفس لغصة (د 60) من اسْتثِْنَاء أبي عَمْرو بن الصّلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وَغَيره من الْمُتَأَخِّرين (أ 97) عنعنة المدلسين فِي الصَّحِيحَيْنِ من بَين سَائِر معنعنات المدلسين ورد مقَالَة النَّوَوِيّ وَقَالَ هِيَ دَعْوَى لَا تقبل إِلَّا بِدَلِيل لَا سِيمَا مَعَ أَن كثيرا من الْحفاظ يعللون أَحَادِيث وَقعت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا بتدليس رواتها كَمَا فعلوا فِي حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم فِي نفي قِرَاءَة الْبَسْمَلَة فِي الصَّلَاة وَغَيره قلت قد أَزَال الغصة الشَّيْخ الإِمَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فاشار فِي كَلَام لَهُ إِلَى استشكال حول رِوَايَة المدلس فِي الصَّحِيحَيْنِ ورد رِوَايَته فِي غَيرهمَا قَالَ وَلَا بُد من الثَّبَات على طَريقَة وَاحِدَة إِمَّا الْقبُول أَو الرَّد الْمُمكن هُنَا من الْأَحْوَال الثَّلَاثَة إِمَّا أَن ترد الْأَحَادِيث من المدلس مُطلقًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَإِمَّا أَن تقبل مُطلقًا تَسْوِيَة بَين الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَإِمَّا أَن يفرق بَين مَا فِي الصَّحِيح من ذَلِك وَمَا خرج عَنهُ فَأَما الأول فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ للاستقرار على ترك التَّعَرُّض لما فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِن خَالف فِي ذَلِك الظَّاهِرِيَّة من المغاربة فَإِنِّي رَأَيْتهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 يجسرون على أَشْيَاء من أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ بِسَبَب كَلَام قيل فِي بعض الروَاة وَلَا يجْعَلُونَ راويها فِي حمى من تَخْرِيج صَاحب الصَّحِيح لَهُم وَأما الثَّانِي فَفِيهِ خُرُوج عَن الْمَذْهَب الْمَشْهُور فِي أَن رِوَايَة المدلس مَحْكُوم عَلَيْهَا بالانقطاع حَتَّى يتَبَيَّن السماع وَأما الثَّالِث وَهُوَ التَّفْصِيل بَين مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من ذَلِك وَبَين غَيره فَلَا يظْهر فِيهِ وَجه صَحِيح فِي الْفرق وَغَايَة مَا يُوَجه بِهِ أحد أَمريْن أَحدهمَا أَن يدعى أَن تِلْكَ الْأَحَادِيث عرف صاحبا الصَّحِيح صِحَة السماع فِيهَا وَهَذَا إِحَالَة على جَهَالَة وَإِثْبَات لِلْأَمْرِ بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال وَحكم على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 صَاحب الصَّحِيح بِأَنَّهُ يرى هَذَا الْمَذْهَب أَعنِي أَن رِوَايَة المدلس مَحْمُولَة على الإنقطاع وَإِلَّا فَيجوز أَن يرى أَنَّهَا مَحْمُولَة على السماع حَتَّى يظْهر الِانْقِطَاع وَإِذا جَازَ وَجَاز فَلَيْسَ لنا الحكم عَلَيْهِ بِأحد الجائزين مَعَ الِاحْتِمَال وَالثَّانِي أَن يدعى أَن الْإِجْمَاع على صِحَة مَا فِي الْكِتَابَيْنِ دَلِيل على وُقُوع السماع فِي هَذِه الْأَحَادِيث وَإِلَّا لكَانَتْ الْأمة مجمعة على الْخَطَأ وَهُوَ مُمْتَنع وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 يحْتَاج إِلَى إِثْبَات الْإِجْمَاع الَّذِي يمْتَنع أَن يَقع فِي نفس الْأَمر خلاف مُقْتَضَاهُ وَهَذَا فِيهِ عسر وَنحن مَا ادعيناه وَإِنَّمَا ادعينا أَن الظَّن الثَّابِت سَبَب الإطباق على التَّصْحِيح لما فِي الْكِتَابَيْنِ أقوى من الظَّن الْمُقَابل لَهُ وَيلْزم من سلك هَذِه الطَّرِيق أَلا يسْتَدلّ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَة المدلس من غير الصَّحِيح وَلَا يَقُول هَذَا شَرط مُسلم فلنحتج بِهِ لِأَن الْإِجْمَاع الَّذِي يدعى لَيْسَ مَوْجُودا فِيمَا لم يخرج فِي غير الصَّحِيح قَالَ وَالْأَقْرَب فِي هَذَا أَن نطلب الْجَواب من غير هَذَا الطَّرِيق أَعنِي طَرِيق الْقدح بِسَبَب التَّدْلِيس 178 - (قَوْله) وَقد أجراه الشَّافِعِي فِيمَن عَرفْنَاهُ دلّس مرّة قلت يُشِير إِلَى أَن الْعَادة فِي التَّدْلِيس يثبت بِمرَّة لِأَنَّهُ نوع جرح وَقد رَأَيْت نَص الشَّافِعِي فِي الرسَالَة بذلك فَقَالَ وَمن عَرفْنَاهُ دلّس مرّة فقد أبان لنا عَوْرَته فِي رِوَايَته وَلَيْسَت تِلْكَ الْعَوْرَة بكذب فَيرد بهَا حَدِيثه وَلَا نصيحة فِي الصدْق فنقبل مِنْهُ مَا قبلناه من أهل النَّصِيحَة والصدق فَقُلْنَا لَا يقبل من مُدَلّس حَدِيثا حَتَّى يَقُول فِيهِ حَدثنِي أَو سَمِعت انْتهى وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا قَالَ المدلس بِلَفْظ مُحْتَمل السماع وَعَدَمه لَا يقبل مِنْهُ حَتَّى يبين الحديث: 178 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 أَنه سَمعه مِنْهُ أَو سَمعه مِمَّن سَمعه مِنْهُ وَقد حكم الْبَيْهَقِيّ بِعَدَمِ قبُول قَول من دلّس مرّة (أ 98) وَاحِدَة مثل القنان ثمَّ إِذا بَين أَنه سَمعه مِمَّن أسْند الْخَبَر إِلَيْهِ قبل وَإِن لم يبين أَنه سَمعه مِمَّن سَمعه مِنْهُ فقد تَأَكد فِيهِ شَيْء فِيهِ الْخلاف 179 - (قَوْله) أما الْقسم الثَّانِي فَإِنَّهُ أخف وَفِيه تَضْييع للمروي عَنهُ أَو للمروي أَيْضا بألا يُثبتهُ فَيصير بعض رُوَاته مَجْهُولا قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي للتدليس مفْسدَة إِذْ يصير الرَّاوِي مَجْهُولا فَيسْقط الْعَمَل بِالْحَدِيثِ بِجَهَالَة الرَّاوِي وَإِن كَانَ عدلا فِي نفس الْأَمر وَهَذِه جِنَايَة عظمى ومفسدة كبرى وَله مصلحَة وَهُوَ امتحان النَّفس فِي اسْتِخْرَاج التدليسات وإلقاء ذَلِك إِلَى من يُرَاد اختبار حفظه ومعرفته بِالرِّجَالِ ووراء ذَلِك مفْسدَة أُخْرَى يراعيها أَرْبَاب الصّلاح والقلوب وَهُوَ مَا فِي التَّدْلِيس من التزين وَقد تنبه لذَلِك ياقوتة الْعلمَاء الْمعَافى بن عمرَان الحديث: 179 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 الْموصِلِي وَكَانَ من أكَابِر الْعلمَاء والصلحاء انْتهى وَلم يُصَرح ابْن الصّلاح بِحكم من عرف بِهَذَا الْقسم وَقَضِيَّة كَلَامه أَنه غير قَادِح وَحَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي اللمع وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَأطلق ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع الأول قَالَ وَمِنْه تَغْيِير الْأَسَامِي بالكنى والكنى بالأسامي لِئَلَّا يعرفوا وَقد فعله سُفْيَان الثَّوْريّ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُوجب الْقدح فِي الحَدِيث وَفصل ابْن الصّباغ فِي الْعدة بَين أَن يفعل ذَلِك لكَون من روى عَنهُ غير ثِقَة غير نَفسه عِنْد النَّاس وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يُغير اسْمه ليقبلوا خَبره فَلَا يقبل خَبره وَإِن كَانَ هُوَ يعْتَقد فِيهِ الثِّقَة فقد غلط فِي ذَلِك لجَوَاز أَن يعرف غَيره من جرحه مَا لَا يعرفهُ هُوَ فَإِن كَانَ لصِغَر سنه فَيكون ذَلِك رِوَايَة عَن مَجْهُول لَا يجب قبُول خَبره حَتَّى يعرف من روى عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وَأطلق ابْن برهَان فِي الْأَوْسَط أَن فَاعل هَذَا الْقسم غير مَجْرُوح إِلَّا أَن يكون الَّذِي ورى باسمه من أهل الْأَهْوَاء وَلكنه عدل عَن اسْمه الْمَشْهُور صونا لَهُ عَن الْقدح فَلَا ترد بذلك رِوَايَته لِأَن من الْعلمَاء من قبل رِوَايَة أهل الْأَهْوَاء وَمِنْهُم من قَالَ يصير مجروحا إِذا استفسر فَلم يُفَسر بِخِلَاف غَيره 180 - (قَوْله) وتسمح بذلك جمَاعَة من الروَاة المصنفين تسامحهم بِهَذَا الْقسم مَحْمُول على مَا إِذا لم يكن المكنى عَنهُ هَالكا وَإِلَّا فَلَا يتَسَامَح بِهِ أحد 181 - (قَوْله) مِنْهُم الْخَطِيب أَبُو بكر فقد [كَانَ] لهجا بِهِ فِي تصانيفه يَعْنِي وَلِهَذَا يَقُول حَدثنَا أَحْمد بن أبي جَعْفَر الْقطيعِي وَمرَّة الرَّوْيَانِيّ وَهُوَ الحديث: 180 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 هُوَ وَقَالَ حَدثنَا عَليّ بن أبي عَليّ الْمعدل وَمرَّة الْبَصْرِيّ وَهُوَ هُوَ وَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي الْحسن الساحلي وَمرَّة الشِّيرَازِيّ وَهُوَ هُوَ وَغير ذَلِك وَاعْلَم أَنه قد فَاتَ المُصَنّف من التَّدْلِيس أَقسَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 أَحدهَا تَدْلِيس الْإِسْقَاط وَهُوَ أَلا يسْقط شَيْخه لَكِن يسْقط من بعده لكَونه رجلا ضَعِيفا أَو صَغِير السن لتحسين الحَدِيث بإسقاطه ذكره الْخَطِيب قَالَ وَكَانَ الْأَعْمَش وَالثَّوْري وَبَقِيَّة يَفْعَلُونَ هَذَا النَّوْع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وَقَالَ الْعَبَّاس الدوري حَدثنَا قبيصَة قَالَ حَدثنَا سُفْيَان يَوْمًا [حَدِيثا] ترك (د 61) فِيهِ رجلا فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله فِيهِ رجل قَالَ هَذَا أسهل للطريق وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله سَمِعت أبي - وَذكر الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن بَقِيَّة - فَقَالَ حَدثنِي أَبُو وهب الْأَسدي عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ (أ 99) لَا تحمدوا إِسْلَام امْرِئ حَتَّى تعرفوا عقدَة [رَأْيه] وَأَنه قَالَ أبي هَذَا الحَدِيث لَهُ عِلّة قل من يفهمها روى هَذَا الحَدِيث عبيد الله بن عَمْرو عَن إِسْحَاق بن أبي فَرْوَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَعبيد الله بن عَمْرو كنيته أَبُو وهب وَهُوَ أسدي فجَاء بَقِيَّة فكنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 عبيد الله وَنسبه إِلَى بني أَسد لكَي لَا يفْطن لَهُ حَتَّى إِذا ترك إِسْحَاق بن أبي فَرْوَة من الْوسط لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ وَكَانَ بَقِيَّة من أفعل النَّاس لهَذَا وَلَعَلَّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه حفظ الحَدِيث عَن بَقِيَّة وَلم يتفطن لهَذَا وَيُقَال إِن مَا رَوَاهُ مَالك بن أنس عَن ثَوْر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس كَانَ ثَوْر يرويهِ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَكَانَ مَالك يكره الرِّوَايَة عَن عِكْرِمَة فأسقط اسْمه من الحَدِيث وأرسله قَالَ الْخَطِيب وَهَذَا لَا يجوز وَإِن احْتج مَالك بالمرسل لِأَنَّهُ قد علم أَن الحَدِيث عَمَّن لَيْسَ بِحجَّة عِنْده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وَاعْلَم أَن بَعضهم سمى هَذَا النَّوْع تَدْلِيس التَّسْوِيَة وَمِنْهُم أَبُو الْحسن بن الْقطَّان وتلميذه ابْن الْمواق فَقَالَ فِي بغية النقاد وَصورته عِنْد أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن أَن يعمد الرَّاوِي إِلَى إِسْقَاط راو من بَين شَيْخه وَبَين من رَوَاهُ عَنهُ شَيْخه أَو من بَين شَيْخه وَمن رَوَاهُ عَنهُ شيخ شَيْخه ليقرب بذلك الْإِسْنَاد وَإِنَّمَا يفعل من يَفْعَله مِنْهُم فِي رَاوِيَيْنِ علم التقاؤهما واشتهرت رِوَايَة أَحدهمَا عَن الآخر حَتَّى يصير مَعْلُوم السماع مِنْهُ ثمَّ يتَّفق لَهُ فِي حَدِيث أَن يرويهِ عَن رجل عَنهُ فيعمد ذَلِك المسوي إِلَى ذَلِك الرجل فيسقطه فَيبقى الْإِسْنَاد ظَاهر الِاتِّصَال فيسوي الْإِسْنَاد كُله ثِقَات وَهَذَا شَرّ أَقسَام التَّدْلِيس لِأَن الثِّقَة الأول قد لَا يكون مَعْرُوفا بالتدليس ويجده الْوَاقِف على الْمسند كَذَلِك بعد التَّسْوِيَة قد رَوَاهُ عَن ثِقَة آخر فَيحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَفِي هَذَا غرور شَدِيد قَالَ ومثاله حَدِيث عَليّ إِذا كَانَ لَك مَا تبادرهم ح ~ جرير سمع من أبي إِسْحَاق وروى عَنهُ الْكثير ثمَّ يروي هَذَا الحَدِيث عَن الْحسن بن عمَارَة عَنهُ فإسقاط الْحسن بن عمَارَة لكَونه ضَعِيفا تَسْوِيَة انْتهى وَمِمَّنْ اشْتهر بِفعل هَذَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد بن مُسلم أحد رجال مُسلم أما بَقِيَّة فقد سبق مِثَاله وَأما الْوَلِيد بن مُسلم فَقَالَ أَبُو مسْهر كَانَ الْوَلِيد بن مُسلم يحدث بِأَحَادِيث الْأَوْزَاعِيّ عَن الْكَذَّابين ثمَّ يدلسها عَنْهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وَقَالَ صَالح جزرة سَمِعت الْهَيْثَم بن خَارجه يَقُول قلت للوليد بن مُسلم قد أفسدت حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ قَالَ كَيفَ قلت تروي عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع وَعَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَعَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن سعيد وَغَيْرك يدْخل بَين الْأَوْزَاعِيّ وَبَين نَافِع عبد الله بن عَامر الْأَسْلَمِيّ وَبَينه وَبَين الزُّهْرِيّ إِبْرَاهِيم بن مرّة وقرة قَالَ أنبل الْأَوْزَاعِيّ أَن يروي عَن مثل هَؤُلَاءِ قلت فَإِذا روى عَن هَؤُلَاءِ وهم ضعفاء أَحَادِيث كَثِيرَة مَنَاكِير فأسقطتهم وصيرتها من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الثِّقَات ضعف الْأَوْزَاعِيّ فَلم يلْتَفت إِلَى قولي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وَمِمَّنْ ذكر هَذَا النَّوْع من التَّدْلِيس عَن الْوَلِيد بن مُسلم الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعيد العلائي فِي كِتَابه الْمَرَاسِيل وَهَذَا النَّوْع أفحش أَنْوَاع التَّدْلِيس مُطلقًا وَقَالَ ابْن حزم صَحَّ عَن قوم (أ 100) إِسْقَاط الْمَجْرُوح وَضم الْقوي إِلَى القوى تلبيسا على من يحدث وغرورا لمن يَأْخُذ عَنهُ فَهَذَا مَجْرُوح وفسقه ظَاهر وَخَبره مَرْدُود لِأَنَّهُ سَاقِط الْعَدَالَة وَمن هَذَا النَّوْع الْحسن بن عمَارَة وَشريك بن عبد الله القَاضِي الْقسم الثَّانِي تَدْلِيس الْبِلَاد كَمَا إِذا قَالَ حَدثنِي فلَان بالعراق يُرِيد موضعا بإخميم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 أَو بزبيد يُرِيد موضعا بقوص أَو بحلب يُرِيد موضعا بِالْقَاهِرَةِ أَو بالأندلس يُرِيد موضعا بالقرافة فَهَذَا أخف الْأَقْسَام إِلَّا أَنه لَا يَخْلُو عَن كَرَاهَة لإيهامه الْكَذِب والتشبع بِمَا لم يُعْط قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تلبيس إِبْلِيس دخل إِلَيْنَا [إِلَى] بَغْدَاد بعض طلبة الحَدِيث فَكَانَ يَأْخُذ الشَّيْخ يقعده فِي الرقة - وَهِي الْبُسْتَان الَّذِي على شاطيء دجلة - فَيقْرَأ عَلَيْهِ وَيَقُول فِي مجموعاته حَدثنِي فلَان بالرقة ويوهم النَّاس أَنَّهَا الْبَلدة الَّتِي بِنَاحِيَة الشَّام لِيَظُنُّوا أَنه قد تَعب فِي الْأَسْفَار لطلب الحَدِيث وَكَانَ يقْعد الشَّيْخ بَين نهر عِيسَى والفرات وَيَقُول حَدثنِي فلَان من وَرَاء النَّهر يُوهم نهر خُرَاسَان فِي طلب الحَدِيث الثَّالِث جعل ابْن حزم فِي كِتَابه الإحكام من أَقسَام التَّدْلِيس أَن يعمد الْحَافِظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الْعدْل إِلَى حَدِيث فَيحدث بِهِ على سَبِيل المذاكرة أَو الْفتيا أَو المناظرة وَلَا يذكر لَهُ سندا وَرُبمَا اقْتصر على بعض رُوَاته [وَرُبمَا أسْندهُ وَرُبمَا أرْسلهُ] قَالَ فَهَذَا [لَا يضر رَأْيه وَرِوَايَته] شَيْئا وَسَوَاء قَالَ أخبرنَا فلَان أَو عَن وَقد روينَا عَن عبد الرَّزَّاق قَالَ كَانَ معمر يُرْسل لنا أَحَادِيث فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ عبد الله بن الْمُبَارك أسندها لَهُ قَالَ [وَهَذَا النَّوْع فعله جلّ أَصْحَاب الحَدِيث] وأئمة الْمُسلمين كالحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَعَمْرو بن دِينَار وَالْأَعْمَش وَأبي إِسْحَاق السبيعِي والسفيانين وَأبي الزبير قَالَ وَقد أَدخل الدَّارَقُطْنِيّ فيهم مَالك بن أنس وَلَيْسَ كَذَلِك وَلم يُوجد لَهُ هَذَا إِلَّا فِي قَلِيل من حَدِيثه أرْسلهُ مرّة وأسنده أُخْرَى الرَّابِع التَّدْلِيس الْخَفي وَلَا يعرفهُ إِلَّا المدقق فِي هَذِه الصِّنَاعَة وَمن أمثلته أَنهم اخْتلفُوا فِي سَماع الْحسن من أبي هُرَيْرَة وَورد فِي بعض الرِّوَايَات عَن الْحسن حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة فَقيل أَرَادَ حدث أهل بلدنا وَهَذَا إِذا لم يقم دَلِيل قَاطع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 على أَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة لم يجز أَن يُضَاف إِلَيْهِ وَمِنْه قَول أبي إِسْحَاق لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة ذكره لَكِن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه فَظَاهره أَن المُرَاد سَمَاعه من عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه لعدوله عَن أبي عُبَيْدَة قيل إِنَّه تَدْلِيس كَمَا لَو قَالَ ابْتِدَاء عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه وَلم يقل قبله لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة ذكره نبه عَلَيْهِ صَاحب الاقتراح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 تَنْبِيه هَذَا كُله فِي تَدْلِيس الروَاة وَأما تَدْلِيس الْمُتُون فَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه المحدثون المدرج وَهُوَ أَن يدرج فِي كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلَام غَيره فيظن السَّامع أَن الْجَمِيع من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ذكره المُصَنّف فِي النَّوْع الْعشْرين وَكَانَ ذكره هُنَا (د 62) أنسب وَمِمَّنْ ذكره هُنَا من الْأُصُولِيِّينَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ وَقَالَ هُوَ مطرح فِي الحَدِيث مَجْرُوح الْعَدَالَة وَهُوَ من تَحْرِيف الْكَلم عَن موَاضعه وَكَانَ مُلْحقًا بالكذابين (أ 101) وَلم يقبل حَدِيثه وَكَذَلِكَ ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي الْحَاوِي وَالْبَحْر فِي كتاب الْقَضَاء فقسما التَّدْلِيس إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 مَا يَقع فِي الْإِسْنَاد وَإِلَى مَا يَقع فِي الْمَتْن ثمَّ قَالَا من عرف بتدليس الْمُتُون فَهُوَ مَجْرُوح مطرح فَائِدَة تقدم أَن التَّدْلِيس من أهل الْحجاز قَلِيل جدا وَكثير ذَلِك من أهل الْكُوفَة قَالَ أَبُو عمر التَّدْلِيس فِي محدثي أهل الْكُوفَة كثير قَالَ يزِيد بن هَارُون لم أر أحدا من أهل الْكُوفَة إِلَّا وَهُوَ مُدَلّس إِلَّا مسعرا وشريكا وَقَالَ الْحَاكِم أهل الْكُوفَة مِنْهُم من دلّس وَمِنْهُم من لم يُدَلس وَقد دلّس أَكْثَرهم انْتهى وَقد رَأَيْت أَن أسرد بعض أَسمَاء من نسب إِلَى التَّدْلِيس فَأَقُول مِنْهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 أَبُو قلَابَة الْجرْمِي قَالَ صَاحب الْمِيزَان هُوَ من عُلَمَاء التَّابِعين إِلَّا أَن يُدَلس عَمَّن لحقهم وَعَمن لم يلحقهم وَكَانَ لَهُ صحف يحدث مِنْهَا وَيُدَلس مُحَمَّد ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ ابْن جريج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 سُفْيَان الثَّوْريّ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عبد الْملك الْمَعْرُوف بالقبطي الْحسن الْبَصْرِيّ قَتَادَة بن دعامة الْمُبَارك بن فضَالة سُلَيْمَان الْأَعْمَش سُلَيْمَان التَّيْمِيّ هشيم بن بشير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الباغندي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى وَصفه أَحْمد بالتدليس شريك القَاضِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار قَالَ أَحْمد كَانَ كثير التَّدْلِيس جدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 مَيْمُون بن مُوسَى الْمرَائِي قَالَ أَحْمد كَانَ يُدَلس ذكره ابْن عدي الْحُسَيْن بن وَاقد الْمروزِي ذكره الخليلي الْحجَّاج بن أَرْطَاة مَشْهُور بالتدليس عَن الضُّعَفَاء حَفْص بن غياث وَعمر بن عَليّ الْمقدمِي ذكرهمَا أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم فِي علله وَذكره أَعنِي عمر بن عَليّ - أَبُو دَاوُد فِي سُؤَالَات الْآجُرِيّ لَهُ وَفِي الْكَمَال قَالَ يحيى بن معِين لم أكتب عَن عمر بن عَليّ شَيْئا وَكَانَ يُدَلس وَمَا بِهِ بَأْس حسن الْهَيْئَة قَالَ ابْن سعد كَانَ ثِقَة وَكَانَ يُدَلس تدليسا شَدِيدا يَقُول سَمِعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَحدثنَا ثمَّ يسكت ثمَّ يَقُول هِشَام بن عُرْوَة وَالْأَعْمَش وَقَالَ عَفَّان كَانَ رجلا صَالحا لم يَكُونُوا ينقمون عَلَيْهِ غير التَّدْلِيس وَأما غير ذَلِك فَلَا أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عِكْرِمَة بن عمار يحيى بن أبي كثير حميد الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 ابْن أبي نجيح أَبُو سعيد الْبَقَّال قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ الْمدنِي قَالَه عَليّ بن الْمَدِينِيّ حَكَاهُ عَنهُ صَاحب الْكَمَال فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة (شُعْبَة) قَالَه النهرواني وَسبق منازعته فِيهِ (مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي) سُئِلَ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ كَانَ يُدَلس قَالَه البرقاني فِي اللقط (تليد بن سُلَيْمَان الْكُوفِي) رُوِيَ عَن أَحْمد أَنه قَالَ كَانَ يتشيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وَيُدَلس (يحيى بن أبي حَيَّة) يُدَلس ذكرهمَا أَحْمد بن صَالح الْعجلِيّ وَذكر الثَّانِي ابْن أبي حَاتِم (الْوَلِيد بن مُسلم الدِّمَشْقِي) فِي الْخَامِس من سُؤَالَات أبي دَاوُد (سعيد بن أبي عرُوبَة) مُحَمَّد بن عِيسَى بن الطباع فِي خَامِس سُؤَالَات أبي دَاوُد مُغيرَة بن مقسم الضَّبِّيّ الْكُوفِي فِي أَوَائِل سَابِع تَارِيخ أَحْمد بن عبد الله بن صَالح قَالَ مُحَمَّد بن فُضَيْل كَانَ يُدَلس طَلْحَة بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 نَافِع أَبُو سُفْيَان ذكره فِي عُلُوم الحَدِيث (يزِيد بن أبي زِيَاد) (شباك) ذكرهمَا الْحَاكِم (سُوَيْد بن سعيد الحدثاني) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي بَاب الاستخباء بِالْحِجَارَةِ فِي الْقلب من سُوَيْد بن سعيد شَيْء من جِهَة التَّدْلِيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 أَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم الْمَكِّيّ عَليّ بن غراب قَالَ البُخَارِيّ قَالَ أَحْمد عَليّ بن غراب كَانَ يُدَلس وَلَا أرَاهُ إِلَّا صَدُوقًا (زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة) مولى مُحَمَّد (أ 102) بن الْمُنْتَشِر الْكُوفِي قَالَ أَبُو حَاتِم يُدَلس عَن الشّعبِيّ وَابْن جريج (حبيب بن أبي ثَابت) قَالَ ابْن حبَان كَانَ مدلسا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 (عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم الإفْرِيقِي) (بَقِيَّة بن الْوَلِيد) (مُحَمَّد بن عجلَان) دلّس عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمن الْقوي خير من الْمُؤمن الضَّعِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وَإِنَّمَا سَمعه من ربيعَة بن عُثْمَان عَن الْأَعْرَج ثمَّ إِن عبد الله بن إِدْرِيس رَوَاهُ عَن ربيعَة عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن الْأَعْرَج قَالَه ابْن أبي حَاتِم (مَرْوَان بن مُعَاوِيَة) قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول كَانَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة يُغير الْأَسْمَاء يعمي على النَّاس وَقَالَ مَا رَأَيْت أُحِيل للتدليس مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 (جَابر الْجعْفِيّ) قَالَ أَبُو نعيم قَالَ سُفْيَان كل مَا قَالَ لَك فِيهِ جَابر سَمِعت أَو حَدثنِي أَو أَخْبرنِي فاشدد بِهِ يَديك وَمَا كَانَ سوى ذَلِك فتوقه أَو نَحْو ذَلِك (مُوسَى بن عقبَة) وَحَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ فِي البُخَارِيّ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 يُقَال إِنَّه لم يسمع من الزُّهْرِيّ شَيْئا (يُونُس بن عبيد) و (الحكم) ذكرهمَا السّلمِيّ فِي سؤالاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 للدارقطني (مُحَمَّد بن خازم) قَالَ ابْن طَاهِر فِي رجال الصَّحِيحَيْنِ كَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث إِلَّا أَنه كَانَ يُدَلس (شُعَيْب بن أَيُّوب بن زُرَيْق بن معبد بن شيطا الصريفيني) كَانَ على قَضَاء وَاسِط قَالَ ابْن حبَان كَانَ يُدَلس ويخطيء ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب (عباد بن مَنْصُور أَبُو سَلمَة النَّاجِي الْبَصْرِيّ) قاضيها وَمن خطّ الصريفيني قَالَ مهنا سَأَلت أَحْمد عَن عباد بن مَنْصُور فَقَالَ أَحَادِيثه مُنكرَة وَكَانَ قدريا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وَكَانَ يُدَلس (مُحَمَّد بن صَدَقَة الفدكي) سمع مَالك بن أنس روى عَنهُ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر قَالَ ابْن الْأَثِير فِي الْأَنْسَاب كَانَ مدلسا (مُحَمَّد بن خازم أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة كَانَ من الثِّقَات وَرُبمَا دلّس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 فصل فِي الْأَسْبَاب الحاملة على التَّدْلِيس من الثِّقَات والضعفاء وَأما من الثِّقَات فَلهم فِيهَا أغراض لَا تضر فَمِنْهَا الِاخْتِصَار وَكَأن تدليسهم بِمَنْزِلَة روايتهم الْمُرْسل وَلِهَذَا كَانُوا إِذا سئلوا أحالوا على الثِّقَات فَلم يكن ذَلِك قادحا وَفِي تَارِيخ ابْن أبي خَيْثَمَة عَن الْأَعْمَش قَالَ قلت لابراهيم إِذا حَدَّثتنِي عَن عبد الله فأسند لي قَالَ إِذا قلت قَالَ عبد الله فقد سمعته من غير وَاحِد من أَصْحَابه وَإِذا قلت حَدثنِي فلَان فقد حَدثنِي فلَان وَمِنْهَا أَلا يتْرك الحَدِيث وَأَن يَعْلُو بِذكرِهِ الشَّيْخ دون من دونه لصِحَّة رِوَايَته عَنهُ غير هَذَا وتحققه (د 63) أَن الثِّقَات حدثونا بِهِ عَنهُ وَمِنْهَا وُقُوع بَينه وَبَين الْمَرْوِيّ عَنهُ فيحمله على إبهامه وَألا يُصَرح باسمه الْمَشْهُور وَلم تحمله ديانته على ترك الحَدِيث عَنهُ كَمَا صنع البُخَارِيّ فِي حَدِيثه عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي لما جرى بَينه وَبَينه فَمرَّة يَقُول حَدثنَا مُحَمَّد لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 يزِيد وَمرَّة يَقُول حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد فنسبه إِلَى جده الْأَعْلَى وَمرَّة يَقُول حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله فنسبه إِلَى جده الْأَدْنَى وَهَذِه الْأَغْرَاض كلهَا غير قادحة للْعلم بِأَنَّهُم متحققون بِصِحَّة الحَدِيث فِي الْجُمْلَة وعَلى هَذِه الْأَسْبَاب ينزل مَا سبق من التَّدْلِيس من الثِّقَات الْمَذْكُورين وَأما التَّدْلِيس من الضُّعَفَاء فَلهم [فِيهَا] أغراض وَكلهَا قادحة فَمِنْهَا قوم رووا الحَدِيث عَن ضَعِيف أَو مَجْهُول عَن الشَّيْخ فَسَكَتُوا عَنهُ واقتصروا على ذكر الشَّيْخ إِذْ عرف سماعهم مِنْهُ لغير هَذَا الحَدِيث وَمِنْهَا قوم رووا الحَدِيث عَن ضعفاء لَهُم أَسمَاء أَو كنى مَشْهُورَة عرفُوا بهَا فَلَو صَرَّحُوا بِأَسْمَائِهِمْ الْمَشْهُورَة وَكُنَاهُمْ الْمَعْلُومَة لم يشْتَغل بِحَدِيثِهِمْ فَأتوا بالإسم الْحَامِل وبالكنية المجهولة ليبهموا الْأَمر وَلِئَلَّا يعرف ذَاك الرَّاوِي وَضَعفه فيزهد فِي حَدِيثهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وَمِنْهَا قوم رووا عَن ضَعِيف لَهُ كنية يُشَارِكهُ فِيهَا رجل مَقْبُول الحَدِيث وَقد حدث عَنْهُمَا جَمِيعًا فيطلق الحَدِيث بالكنية لِئَلَّا يدْخل (أ 103) الْإِشْكَال أَو يَقع على السَّامع اللّبْس ويظن أَنه ذَاك الْقوي وَقد يفعل الرُّتْبَة الأولى بعض الثِّقَات كَمَا نسب للأعمش وَنَحْوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 النَّوْع الثَّالِث عشر الشاذ هُوَ لُغَة التفرد يُقَال شَذَّ يشذ ويشذ بِضَم الشين وَكسرهَا أَي انْفَرد عَن الْجُمْهُور قَالَه فِي الصِّحَاح 182 - (قَوْله) عَن الشَّافِعِي لَيْسَ الشاذ من الحَدِيث أَن يروي الثِّقَة مَالا يروي غَيره إِنَّمَا الشاذ أَن يروي الثِّقَة حَدِيثا يُخَالف مَا روى النَّاس انْتهى هَكَذَا نَقله الْعَبَّادِيّ فِي طبقاته عَن الشَّافِعِي وَزَاد عَنهُ تمثيله بِحَدِيث معَاذ الحديث: 182 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 ابْن جبل فِي غَزْوَة تَبُوك فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ يُرِيد مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل عَن معَاذ بن جبل - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا ارتحل ح ~ ثمَّ قَالَ رَوَاهُ ابْن الْمَدِينِيّ عَن أَحْمد عَن قُتَيْبَة وَهُوَ حسن غَرِيب تفرد بِهِ قُتَيْبَة لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن اللَّيْث غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وَقَالَ الْحَاكِم رِوَايَة أَئِمَّة ثِقَات وَهُوَ شَاذ الْإِسْنَاد والمتن ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ ليزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل رِوَايَة وَلَا وجدنَا هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ السِّيَاقَة عِنْد أحد من أَصْحَاب أبي الطُّفَيْل ثمَّ قَالَ فَنَظَرْنَا فَإِذا الحَدِيث مَوْضُوع وقتيبة ثِقَة مَأْمُون ثمَّ روى بِسَنَدِهِ إِلَى البُخَارِيّ قَالَ قلت لقتيبة مَعَ من كتبت عَن اللَّيْث هَذَا الحَدِيث قَالَ مَعَ خَالِد يَعْنِي ابْن الْقَاسِم الْمَدَائِنِي قَالَ البُخَارِيّ وَكَانَ خَالِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 الْمَدَائِنِي يدْخل الْأَحَادِيث على الشُّيُوخ وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس لم يحدث بِهِ إِلَّا قُتَيْبَة وَيُقَال إِنَّه غلط وَإِن مَوضِع يزِيد بن أبي حبيب أَبُو الزبير وروى الْأَثْرَم فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ من جِهَة مُوسَى بن عَليّ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 أَبِيه عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم عَرَفَة وَأَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَقَالَ هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ مُوسَى بن عَليّ وَالَّذين رووا هَذَا الحَدِيث لم يذكرُوا عَرَفَة وَقد يهم الْحَافِظ أَحْيَانًا وَالْأَحَادِيث إِذا كثرت كَانَت أثبت من الْوَاحِد الشاذ كَمَا قَالَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة إياك والشاذ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 الْعلم وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن أدهم إِنَّك إِن حملت الشاذ من الْعلم حملت شرا كثيرا قَالَ وَعِنْدنَا [هُوَ الَّذِي] يَجِيء بِخِلَاف مَا جَاءَ بِهِ غَيره وَلَيْسَ الشاذ الَّذِي يَجِيء وَحده بِشَيْء لم يَجِيء بِهِ أحد قد يُخَالِفهُ غَيره 183 - (قَوْله) وَحكى الخليلي نَحْو هَذَا عَن الشَّافِعِي يَعْنِي فَإِنَّهُ قَالَ وَأما الشواذ فَقَالَ الشَّافِعِي وَجَمَاعَة من أهل الْحجاز الشاذ عندنَا مَا يرويهِ الثِّقَات على لفظ وَاحِد وَيَرْوِيه ثِقَة خِلَافه زَائِدا أَو نَاقِصا وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب أَكثر الْمُحدثين على أَن الشاذ أَن يروي مَا لَا يرويهِ سَائِر الثِّقَات سَوَاء خالفهم أم لَا وَمذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة من عُلَمَاء الْحجاز أَن الشاذ مَا يُخَالف الثِّقَات أما مَالا يخالفهم فَلَيْسَ بشاذ بل يحْتَج بِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح انْتهى الحديث: 183 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وَيُؤَيِّدهُ أَن الْمَذْهَب الصَّحِيح قبُول الزِّيَادَة من الثِّقَة والمانعون يشكل عَلَيْهِم الْجمع بَين الْأَمريْنِ وَجرى الميانشي على طَرِيق الْمُحدثين فَقَالَ الشاذ أَنه يرويهِ راو مَعْرُوف لكنه لَا يُوَافقهُ على رِوَايَته المعروفون وحاول بَعضهم نفي الْخلاف فِي ذَلِك فَقَالَ لَا يحمل كَلَام الشَّافِعِي على خلاف قَول الْمُحدثين بل كَلَام الشَّافِعِي مَحْمُول على حكم الشاذ الَّذِي لَا يحْتَج بِهِ وَهُوَ الَّذِي انْفَرد بِهِ ثِقَة عَن غَيره مُخَالف لما رَوَاهُ النَّاس وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى يُسمى مُنْكرا فَعلمنَا من هَذَا أَن مُرَاد الشَّافِعِي بَيَان حكم الشاذ الَّذِي لَا يحْتَج بِهِ لَا تَعْرِيف الشاذ من حَيْثُ هُوَ لِأَن الشَّافِعِي أجل من أَن يخفى عَلَيْهِ ذَلِك (أ 104) بل كَلَام الشَّافِعِي يفهم أَن أهل الحَدِيث يطلقون الشاذ على مَا انْفَرد بِهِ ثِقَة فَحصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 أَن الَّذِي انْفَرد بِهِ ثِقَة أَو غير ثِقَة هُوَ الشاذ ثمَّ إِن كَانَ الِانْفِرَاد من الثِّقَة فَهُوَ صَحِيح يحْتَج بِهِ وَإِن كَانَ من غَيره فَلَا وَهَذَا تَقْسِيم لبَعْضهِم الشاذ إِلَى صَحِيح وَغير صَحِيح كَمَا فعلوا فِي الْعِلَل بل قسم بَعضهم الشاذ إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام صَحِيح وَحسن وَضَعِيف لِأَن الْمُنْفَرد إِن كَانَ ثِقَة فَصَحِيح وَإِن كَانَ غير ثِقَة فَحسن وَإِلَّا فضعيف 184 - (قَوْله) كَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّهُ فَرد إِلَى آخِره اعْترض عَلَيْهِ الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي فَقَالَ فِي التَّمْثِيل نظر لِأَن لَهُ شَاهدا وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن مَسْعُود أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح فَخرج عَن أَن يكون شاذا بذلك انْتهى الحديث: 184 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وَذكر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مَنْدَه فِي الْمُسْتَخْرج أَنه رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأنس وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبادَة بن الصَّامِت وَعتبَة بن عبد السّلمِيّ وهزال بن يزِيد (د 64) وَعقبَة بن عَامر وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ وَجَابِر وَعتبَة بن الندر وَعقبَة بن مُسلم وَذكر أَحَادِيثهم إِلَّا أَنه لم يذكر أسانيدها وأكثرها لَا يَصح قَالَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير وَمَا ذكره ابْن مَنْدَه غَرِيب وَقد عرضته على شَيخنَا الْحَافِظ الْمزي فَقَالَ لَا يكَاد يَصح من هَذَا شَيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 واستغرب ذَلِك جدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَأما دَعْوَى المُصَنّف تفرد عَلْقَمَة عَن عمر فَلَيْسَ كَذَلِك فقد رَوَاهُ عَن عمر غير عَلْقَمَة جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب وَأَبُو جُحَيْفَة وَذُو الكلاع وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وواصل بن عَمْرو الحذامي وَعَطَاء بن يسَار وناشرة بن سمي وَأَيْضًا لم يتفرد بِهِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة فقد رَوَاهُ عَنهُ نَافِع مولى ابْن عمر وَابْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 الْمسيب [كَذَا ذكره ابْن مَنْدَه فِي الْمُسْتَخْرج مَعَ ذكره ابْن الْمسيب] فِي جملَة من روى عَن عمر لَكِن رِوَايَة ابْن الْمسيب عَن عمر مُنْقَطِعَة وَرِوَايَته عَن عَلْقَمَة مُتَّصِلَة وَلم ينْفَرد يحيى بن سعيد بروايته ذَلِك عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فقد رَوَاهُ عَن [مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن عَمْرو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَدَاوُد بن أبي الْفُرَات و] مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَابْن بشار وحجاج بن أَرْطَاة وَعبد ربه بن سعيد هَذَا كُله كَلَام ابْن مَنْدَه لَكِن أَسَانِيد هَذِه لَا تصح فَلهَذَا كَانَ هَذَا الحَدِيث فَردا فِي الصِّحَّة 185 - (قَوْله) وأوضح من ذَلِك حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْوَلَاء وهبته تفرد بِهِ عبد الله بن دِينَار الحديث: 185 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 قد يُقَال هَذَا فِيهِ نظر فقد رَوَاهُ [عَن ابْن عمر نَافِع] قَالَ أَبُو حَاتِم حَدثنَا قبيصَة بن عقبَة عَن الثَّوْريّ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْوَلَاء وهبته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 قَالَ شَيخنَا عماد الدّين ونقلته من خطه هَذَا غَرِيب جدا والْحَدِيث مَشْهُور فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث الثَّوْريّ عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ مُسلم النَّاس عِيَال فِي هَذَا الحَدِيث على عبد الله بن دِينَار قلت وَقَالَ التِّرْمِذِيّ قد روى يحيى بن سليم هَذَا الحَدِيث عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَهُوَ وهم وهم فِيهِ يحيى بن سليم فقد روى عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعبد الله بن نمير وَغير وَاحِد عَن عبد الله بن دِينَار وَهَذَا أصح من حَدِيث يحيى بن سليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي الْعِلَل سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن يحيى الْأمَوِي عَن أَبِيه عَن عبيد الله عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْوَلَاء وهبته قَالَ أبي نَافِع أَخذ عَن عبد الله بن دِينَار هَذَا الحَدِيث وَلَكِن هَكَذَا قَالَ انْتهى وَرَوَاهُ أَيْضا عَن ابْن عمر عَمْرو بن دِينَار رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْوسط قَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى ثَنَا أبي عَن أَبِيه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 دِينَار أَنه سمع ابْن عمر يَقُول نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته قَالَ الطَّبَرَانِيّ لم يروه عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار إِلَّا يحيى بن حَمْزَة تفرد بِهِ وَلَده عَنهُ 186 - (قَوْله) وَحَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة وعَلى رَأسه المغفر الحديث: 186 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 لم ينْفَرد بذلك فقد رَوَاهُ [غَيره] عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 187 - (قَوْله) وَقد قَالَ مُسلم بن الْحجَّاج الحديث: 187 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 أَي فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور وَقد روى الزُّهْرِيّ حَدِيث من قَالَ لصَاحبه [تعال] أقامرك فليتصدق لَا يرويهِ أحد غير الزُّهْرِيّ وللزهري [نَحْو] من تسعين حرفا يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد بأسانيد جِيَاد وَقَالَ الْحَاكِم فِي النَّوْع السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ تفرد الزُّهْرِيّ عَن نَيف وَعشْرين رجلا من التَّابِعين لم يرو عَنْهُم غَيره 188 - (قَوْله) لَيْسَ الأمرعلى الْإِطْلَاق الَّذِي [أَتَى بِهِ] الخليلي وَالْحَاكِم إِلَى آخِره فِيهِ نظر لِأَن الخليلي مَا حكم بِشَيْء من جِهَة نَفسه بل ذكر قَول الشَّافِعِي الحديث: 188 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 فَقَط [و] قَوْله إِن مُرَاد الشَّافِعِي حكم الشاذ لَا تَعْرِيفه وَأما الْحَاكِم فقد عرف الشاذ والتعريف لَا يعول عَلَيْهِ إِلَّا من جِهَة الْجمع أَو الْمَنْع فَيُقَال هَذَا غير جَامع أَو غير مَانع فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّه غير مَانع لدُخُول الحَدِيث الَّذِي انْفَرد بِهِ الْآحَاد مَعَ كَونه ورد فِي الصَّحِيح [فللحاكم أَن يَقُول لَا يعْتَبر فِي وُرُود الحَدِيث الْمُنْفَرد فِي الصَّحِيح] لِأَنَّهُ لم يحكم بِصِحَّتِهِ وَلَا بضعفه بل بشذوذه وَلَا يلْزم من ذَلِك ضعفه لِأَن التفرد رُبمَا ينجبر بِمَا يلْحقهُ بِالصَّحِيحِ أَو الْحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 النَّوْع الرَّابِع عشر معرفَة الْمُنكر من الحَدِيث قد نوزع فِي إِفْرَاده بِنَوْع وَكَلَامهم يَقْتَضِي أَنه الحَدِيث الَّذِي انْفَرد بِهِ الرَّاوِي مُخَالفا لما رَوَاهُ من هُوَ أولى مِنْهُ بِالْحِفْظِ والإتقان أَو انْفَرد بِهِ من غير مُخَالفَة لما رَوَاهُ أحد لَكِن هَذَا التفرد نَازل عَن دَرَجَة الْحَافِظ الضَّابِط يعرف من ذَلِك أَن الْمُنكر من أَقسَام الشاذ فَلم يحْتَج لإفراده 189 - (قَوْله) بلغنَا عَن أبي بكر البرديجي أَنه الحَدِيث الَّذِي يتفرد بِهِ الرجل وَلَا يعرف مَتنه من غير رِوَايَته لَا من الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ مِنْهُ وَلَا من وَجه آخر انْتهى الحديث: 189 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 هَذَا لَا يظْهر فِيهِ فرق بَينه وَبَين مَا سبق فِي أحد نَوْعي الشاذ وَمن تَأمل كَلَام الأقدمين من أهل الحَدِيث وجدهم إِنَّمَا يطلقون النكارة على الحَدِيث الَّذِي يُخَالف رِوَايَة الْحفاظ المتقنين قَالَ مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه وعلامة الْمُنكر فِي (حَدِيث) إِذا مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 عرضت رِوَايَته على رِوَايَة غَيره من أهل الْحِفْظ والرضى خَالَفت رِوَايَته روايتهم أَو لم تكد توافقها انْتهى وَكتاب الْحَافِظ أبي أَحْمد بن عدي أصل نَافِع فِي معرفَة الْمُنْكَرَات من الْأَحَادِيث 190 - (قَوْله) مِثَال الأول وَهُوَ الْمُنْفَرد الْمُخَالف لما رَوَاهُ الثِّقَات رِوَايَة مَالك إِلَى آخِره الحديث: 190 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 فِيهِ أُمُور أَحدهَا أَن هَذَا لَا يصلح مِثَالا للْحَدِيث الْمُنكر وَلَا للشاذ وَلم يُطلق عَلَيْهِ أحد اسْم وَاحِد مِنْهُمَا والمتن لَيْسَ بمنكر وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب تَصْحِيف اسْم بعض الروَاة وَذَلِكَ لَا يقْدَح فِي الحَدِيث وَهُوَ أَمر خَارج عَنهُ والْحَدِيث فِي نَفسه صَحِيح وَرُوَاته عدُول وثقات وَقد رَوَاهُ جمَاعَة من أَقْرَان مَالك ومشيخته وَإِنَّمَا النكارة والشذوذ وصفان (د 65) لنَفس الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ رَاوِيه وَلم يروه غَيره أَو رَوَاهُ وَلم يُتَابع عَلَيْهِ مَعَ كَون رَاوِيه ثِقَة نعم لَا يبعد أَن يكون هَذَا الْإِسْنَاد مُنْكرا لِأَن الحَدِيث فِي مَتنه نَكَارَة وَقد يتَطَرَّق الْخلَل إِلَى متن الحَدِيث بِثُبُوت الْخلَل فِي إِسْنَاده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 كَذَا قَالَه صَاحب تدقيق الْعِنَايَة فِي تَحْقِيق الرِّوَايَة وَقد ذكر ابْن الصّلاح فِي نوع الْعِلَل أَن الْعلَّة الْوَاقِعَة فِي السَّنَد قد تقدح فِي الْمَتْن وَقد لَا تقدح وَمثل لما لَا يقْدَح بِمَا رَوَاهُ يعلى بن عبيد عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ البيعان بِالْخِيَارِ قَالَ فَهَذَا (أ 106) إِسْنَاد مُعَلل صَحِيح والمتن على كل حَال صَحِيح قَالَ وَالْعلَّة فِي قَوْله عَن عَمْرو بن دِينَار وَإِنَّمَا هُوَ عبد الله بن دِينَار فقد حكم على الْمَتْن بِالصِّحَّةِ مَعَ الحكم بوهم يعلى بن عبيد فِيهِ وَهَذَا مثله وَمَا حَكَاهُ عَن مُسلم قَالَه النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكَبِير أَيْضا وَقَالَ بعد أَن أخرجه لَا نعلم أحدا من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ تَابع مَالِكًا على ذَلِك وَقد قيل لَهُ فَثَبت عَلَيْهِ وَقَالَ هَذِه دَاره ثمَّ أخرج عَنهُ مُوَافقَة الْجَمَاعَة ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 قَالَ وَالصَّوَاب من حَدِيثه عمر بن عُثْمَان الثَّانِي قيل إِن مَالِكًا لم ينْفَرد بذلك وَقد تَابعه ابْن جريج كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه لَكِن وجدت فِي أصل صَحِيح فِي بَاب لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر من البُخَارِيّ رِوَايَة ابْن جريج فِيهَا عَمْرو بِإِثْبَات الْوَاو الثَّالِث الْأَحْسَن فِي تَمْثِيل هَذَا الْقسم مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى أحدكُم رَكْعَتي الْفجْر فليضطجع على يَمِينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 قَالَ الْبَيْهَقِيّ خَالف عبد الْوَاحِد الْعدَد الْكثير فِي هَذَا الحَدِيث فَإِن النَّاس إِنَّمَا رَوَوْهُ من فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا من أمره وَانْفَرَدَ عبد الْوَاحِد من بَين ثِقَات أَصْحَاب الْأَعْمَش بِهَذَا اللَّفْظ انْتهى فعبد الْوَاحِد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ لكنه خَالف النَّاس وَرَأَيْت من مثل هَذَا الْقسم بِحَدِيث همام بن يحيى عَن ابْن جريج عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 الزُّهْرِيّ عَن أنس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه رَوَاهُ الْأَرْبَعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا حَدِيث مُنكر وَإِنَّمَا يعرف عَن ابْن جريج عَن زِيَاد بن سعد عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من ورق ثمَّ أَلْقَاهُ قَالَ وَالوهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 من همام لم يروه إلاهمام انْتهى لَكِن قد تَابع هماما جمَاعَة كَمَا بَينته فِي الذَّهَب الإبريز 191 - (قَوْله) وَمِثَال الثَّانِي إِلَى آخِره هَذَا الحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا وَقد أطلق النَّسَائِيّ عَلَيْهِ اسْم النكارة وَهُوَ يشْهد لما قَالَه ابْن الصّلاح بل بَالغ ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي الموضوعات الحديث: 191 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَمَا ذكره ابْن الصّلاح من تفرد أبي زُكَيْرٍ بِهِ ذكره ابْن عدي فِي الْكَامِل أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَقَالَ هَذَا يعرف بِيَحْيَى وَلَا أعلم رَوَاهُ عَن هِشَام غَيره نعم إِطْلَاق المُصَنّف أَن مُسلما أخرج لَهُ لَيْسَ بجيد إِنَّمَا خرج لَهُ فِي المتابعات لَا فِي الْأُصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 النَّوْع الْخَامِس عشر معرفَة الِاعْتِبَار والمتابعات والشواهد هُوَ ظَاهر فِي النَّظَائِر وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الأَصْل وَقد صرح فِيمَا بعد أَنه يجوز تَسْمِيَة الْمُتَابَعَة بِالشَّاهِدِ أَيْضا وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْحَاكِم فِي الْمدْخل أَيْضا وَحَاصِل كَلَام المُصَنّف فِي التَّمْيِيز بَين هَذِه الْأَنْوَاع أَن الِاعْتِبَار أَن يروي ذَلِك الحَدِيث عَن شيخ الرَّاوِي أَو شيخ شَيْخه وَهَكَذَا إِلَى الصَّحَابِيّ أَو غَيره من الصَّحَابَة وَأَن الْمُتَابَعَة أَن يُوَافق الرَّاوِي راو آخر فِي رِوَايَته عَن ذَلِك الشَّيْخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وَلِهَذَا سمي مُتَابعَة لِأَنَّهَا مفاعلة من الْجَانِبَيْنِ كَأَنَّهُ تبعه فِي هَذِه الرِّوَايَة وَأَن الشَّاهِد لَا تقع الْمُوَافقَة فِي الشَّيْخ وَلَا فِي الرَّاوِي وَإِنَّمَا تقع فِي الْمَتْن بِأَن يروي مَعْنَاهُ من حَدِيث آخر وَهَذَا يَسْتَعْمِلهُ الْحَاكِم كثيرا فِي كتاب الْمُسْتَدْرك 192 - (قَوْله) ثمَّ اعْلَم أَنه يدْخل فِي بَاب الْمُتَابَعَة والاستشهاد رِوَايَة من لَا يحْتَج بحَديثه وَحده بل يكون معدودا فِي الضُّعَفَاء وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ذكر جمَاعَة من الضُّعَفَاء فِي المتابعات والشواهد الحديث: 192 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا ظَاهر تَقْيِيد ذَلِك بالمتابعة والشواهد أَنه لَا يجْرِي فِي الِاعْتِبَار وَأَنه لَا بُد فِيهِ من ثِقَة الرَّاوِي وَيُؤَيِّدهُ قَوْله أَولا فِي تَحْقِيق الِاعْتِبَار فَينْظر هَل روى [ذَلِك] ثِقَة غير أَيُّوب إِلَى آخِره وَالظَّاهِر أَنه لَا فرق لِأَنَّهُ إِذا تسومح بذلك فِي الشواهد والمتابعات فالاعتبار كَذَلِك الثَّانِي إِذا كَانَ الْمُقْتَضِي (أ 107) لقبُول روايتهم عدم الِاسْتِقْلَال بِمَا رَوَوْهُ فَيُقَال مَا الْفَائِدَة حِينَئِذٍ فِي الْمُتَابَعَة أَو الشَّاهِد وَجَوَابه أَن الْمَقْصُود تَكْثِير الطّرق للْحَدِيث وَجمعه فِي مَوضِع وَاحِد ليفسر بعضه بَعْضًا وليعلم أَن ذَلِك الضَّعِيف لم ينْفَرد بِهِ 193 - (قَوْله) مِثَال المتابع وَالشَّاهِد إِلَى آخِره هَكَذَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه وَأما قَوْله رَوَاهُ ابْن الحديث: 193 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 جريج عَن عَمْرو عَن عَطاء وَلم يذكر فِيهِ الدّباغ فيوهم أَن رِوَايَة ابْن جريج مُوَافقَة لرِوَايَة سُفْيَان وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن ابْن جريج زَاد فِي السَّنَد مَيْمُونَة فَجعله من مسندها وسُفْيَان جعله من مُسْند ابْن عَبَّاس فَهَذَا خلاف آخر غير إِسْقَاط الدّباغ وَلم يتَعَرَّض لَهُ المُصَنّف نعم روى إِبْرَاهِيم بن نَافِع الْمَكِّيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 عَن عَمْرو مثل رِوَايَة سُفْيَان سَوَاء فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يذكرهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 النَّوْع السَّادِس عشر معرفَة زيادات الثِّقَات وَحكمهَا 194 - (قَوْله) وَقد كَانَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي إِلَى آخِره قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم كَانَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي يعرف زيادات الْأَلْفَاظ فِي الْمُتُون وَالْمرَاد بِهِ الْأَلْفَاظ الْفِقْهِيَّة والزيادات الَّتِي يستنبط مِنْهَا الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة كزيادة تربَتهَا فِي حَدِيث التَّيَمُّم وَمن الْمُسلمين فِي حَدِيث الْفطر وَلَيْسَ المُرَاد الحديث: 194 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 بِهِ مَا زَاده الْفُقَهَاء فَذَلِك يذكر فِي المدرج 195 - (قَوْله) وَمذهب الْجُمْهُور من الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الحَدِيث فِيمَا حَكَاهُ الْخَطِيب أَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة مُطلقًا فِيهِ أُمُور أَحدهَا أَن مَا حَكَاهُ عَن الْخَطِيب وَأقرهُ قد اسْتشْكل الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي حكايته عَن الْمُحدثين وَقَالَ الَّذِي يظْهر من كَلَامهم خُصُوصا الْمُتَقَدِّمين كيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَمن بعدهمَا كأحمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ (د 66) وَيحيى بن معِين وَهَذِه الطَّبَقَة وَمن بعدهمْ كالبخاري الحديث: 195 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم الرازيين وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وأمثالهم وَالدَّارَقُطْنِيّ والخليلي - كل هَؤُلَاءِ مُقْتَضى تصرفهم فِي الزِّيَادَة قبولا وردا التَّرْجِيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يقوى عِنْد الْوَاحِد مِنْهُم فِي كل حَدِيث وَلَا يحكمون فِي الْمَسْأَلَة بِحكم كلي يعم جَمِيع الْأَحَادِيث وَهَذَا هُوَ الْحق قَالَ وَمِنْهُم من قبل الزِّيَادَة من الثِّقَة مُطلقًا سَوَاء اتَّحد الْمجْلس أَو تعدد كثر الساكتون أَو تساووا فَمن هَؤُلَاءِ ابْن حبَان وَالْحَاكِم فقد أخرجَا فِي كِتَابَيْهِمَا اللَّذين التزما فيهمَا الصِّحَّة كثيرا من الْأَحَادِيث المتضمنة للزِّيَادَة الَّتِي يتفرد بهَا راو وَاحِد وَخَالف فِيهَا الْعدَد والأحفظ من ذَلِك حَدِيث عُثْمَان بن عمر بن فَارس عَن مَالك بن مغول عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْعَمَل أفضل قَالَ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا الحَدِيث فَإِن البُخَارِيّ وَمُسلمًا روياه لوَقْتهَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 حَدِيث جمَاعَة كثيرين عَن مَالك بن مغول وَكلهمْ قَالَ لوَقْتهَا أَو على وَقتهَا وَلم يقل فِيهِ الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا سوى مُحَمَّد بن بشار بنْدَار وَالْحسن ابْن مكرم الْبَزَّاز وهما ثقتان عَن عُثْمَان بن عمر وَقد رَوَاهُ غَيرهمَا عَن عُثْمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة وَأخرجه الْحَاكِم بِهَذِهِ الزِّيَادَة وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَمِنْه حَدِيث الدَّرَاورْدِي عَن صَفْوَان بن سليم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ غسل الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم كَغسْل الْجَنَابَة أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث مَالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا عَن صَفْوَان بن سليم بِدُونِ قَوْله كَغسْل الْجَنَابَة وَكَذَلِكَ حَدِيث عَائِشَة فِي اعْتِبَار الْوَلِيّ والشاهدين فِي النِّكَاح أخرجه ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَذكر الشَّاهِد فِيهِ انْفَرد بِهِ عدد يسير (أ 108) وأمثلة ذَلِك فِي كِتَابَيْهِمَا يطول قلت وَهُوَ ظَاهر تصرف مُسلم فِي صَحِيحه أَعنِي قبُول الزِّيَادَة من الثِّقَة مُطلقًا وَكَذَا قَول التِّرْمِذِيّ فِي آخر الْجَامِع وَإِنَّمَا تصح الزِّيَادَة إِذا كَانَت مِمَّن يعْتَمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 على حفظه مثل زِيَادَة مَالك من الْمُسلمين وَهَذَا يقْدَح فِيمَا نسبه لعامة الْمُحدثين من عدم جريهم على قانون وَاحِد وَكَذَلِكَ ماعزاه الدَّارَقُطْنِيّ - وَسُئِلَ عَن الحَدِيث إِذا اخْتلف فِيهِ الثِّقَات مثل أَن يروي الثَّوْريّ حَدِيثا وَيُخَالِفهُ فِيهِ مَالك وَالطَّرِيق إِلَى كل مِنْهُمَا صَحِيح - قَالَ ينظر مَا اجْتمع عَلَيْهِ ثقتان يحكم بِصِحَّتِهِ أَو جَاءَ بِلَفْظَة زَائِدَة مُثبت تقبل مِنْهُ تِلْكَ الزِّيَادَة وَيحكم للْأَكْثَر مِنْهُم حفظا وثبتا على من هُوَ دونه انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه - وَقد ذكر رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أبي عَيَّاش عَن سعد نهى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة - قد خَالفه مَالك وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَأُسَامَة بن زيد رَوَوْهُ عَن (عبد الله بن يزِيد) وَلم يَقُولُوا نَسِيئَة واجتماع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة على خلاف مَا رَوَاهُ يحيى يدل على ضبطهم للْحَدِيث وَفِيهِمْ إِمَام حَافظ وَهُوَ مَالك بن أنس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه لسنا ندفع قبُول الزِّيَادَة من الْحفاظ وَلَكنَّا نقُول إِذا تكافأت الروَاة فِي الْحِفْظ والإتقان فَرَوَاهُ حَافظ عَالم بالأخبار قبلت زِيَادَته [لَا أَن] الْأَخْبَار إِذا تواردت بِنَقْل أهل الْعَدَالَة فَزَاد راو لَيْسَ مثلهم فِي الْحِفْظ زِيَادَة أَن تِلْكَ الزِّيَادَة مَقْبُولَة انْتهى وَقد اخْتَار الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ مَا حَكَاهُ الْخَطِيب وعمدتهم فِيهِ أَن الْوَاحِد لَو انْفَرد بِنَقْل حَدِيث عَن جَمِيع الْحفاظ يقبل فَكَذَلِك إِذا انْفَرد بِزِيَادَة لِأَن الْعدْل لَا يتهم وَقد عول على هَذِه الْحجَّة جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُم الْغَزالِيّ وَمن الْمُحدثين مِنْهُم الْخَطِيب وَهِي مَرْدُودَة بِأَن تفرده بِالْحَدِيثِ من أَصله لَا يتَطَرَّق الْوَهم إِلَى غَيره من الثِّقَات بِخِلَاف تفرده بِالزِّيَادَةِ إِذا خَالف [من خَالف] من هُوَ أولى بِالْحِفْظِ مِنْهُ فَإِن الظَّن مُرَجّح لقَولهم دونه لَا سِيمَا عِنْد اتِّحَاد الْمجْلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 الثَّانِي حَاصِل مَا حَكَاهُ المُصَنّف ثَلَاثَة مَذَاهِب أَحدهَا رد الزِّيَادَة مُطلقًا وَحَكَاهُ ابْن الصّباغ فِي الْعدة عَن قوم من أهل الحَدِيث وَحَكَاهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي الملخص عَن أبي بكر الْأَبْهَرِيّ وَالثَّانِي قبُولهَا من غَيره وردهَا مِنْهُ وَالثَّالِث قبُولهَا مُطلقًا وَعَزاهُ لِلْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب عَن مَالك وَسَوَاء كَانَت من شخص وَاحِد بِأَن رَوَاهُ نَاقِصا مرّة وَمرَّة كَامِلا أَو كَانَت الزِّيَادَة من غير تعرض لشَيْء من الشُّرُوط قَالَ وَإِلَيْهِ ذهب كَافَّة الْمُحَقِّقين مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَجرى عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَالْغَزالِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَابْن برهَان وَغَيرهم قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ عِنْدِي فِيمَا إِذا سكت الْبَاقُونَ فَإِن صَرَّحُوا بِنَفْي مَا نَقله هَذَا الرَّاوِي عِنْد إِمْكَان اطلاعهم على نَقله فَهَذَا يوهن قَول قَائِل الزِّيَادَة وَقد سبق فِي الْكَلَام على الْمُرْسل من كَلَام الشَّافِعِي أَن الزِّيَادَة من الثِّقَة لَيست مَقْبُولَة مُطلقًا وَهُوَ أثبت نقل عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة وَفصل ابْن الصّباغ فِي الْعدة بَين أَن يَتَعَدَّد الْمجْلس فيكونا كالخبرين وَيعْمل بهما وَإِن رويا ذَلِك عَن مجْلِس وَاحِد فَإِن كَانَ الَّذِي نقل الزِّيَادَة وَاحِدًا وَالْبَاقُونَ جمَاعَة لَا يجوز عَلَيْهِم الْوَهم سَقَطت الزِّيَادَة وَإِن كَانَ النَّاقِل للزِّيَادَة عددا كثيرا فَهِيَ مَقْبُولَة وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا وَاحِدًا فالأخذ بِرِوَايَة الضَّابِط مِنْهُمَا وَإِن كَانَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 ضابطين ثقتين كَانَ الْأَخْذ بِالزِّيَادَةِ أولى وَفصل بعض الْمُتَكَلِّمين بَين أَن تكون الزِّيَادَة مُغيرَة للإعراب فيكونا متعارضين وَإِلَّا فالأخذ بِالزِّيَادَةِ وَفصل قوم مِنْهُم الأبياري فِي شرح الْبُرْهَان بَين أَن يشْتَهر بِنَقْل الزِّيَادَة فِي وقائع فَلَا تقبل لِأَنَّهُ مُتَّهم وَفصل الإِمَام الرَّازِيّ بَين أَن يكون الممسك عَن الزِّيَادَة اضبط من الرَّاوِي لَهَا فَلَا تقبل وَكَذَا إِذا صرح بنفيها وَإِلَّا قبلت وَقَالَ الْآمِدِيّ إِن اتَّحد الْمجْلس فَإِن كَانَ من لم يروها قد انْتَهوا إِلَى حد لَا يَقْتَضِي فِي الْعَادة غَفلَة مثله عَن سماعهَا وَالَّذِي (أ 109) رَوَاهَا وَاحِد فَهِيَ مَرْدُودَة وَإِن لم ينْتَهوا إِلَى هَذَا الْحَد فاتفق جمَاعَة الْفُقَهَاء والمتكلمين على قبُول الزِّيَادَة خلافًا لجَماعَة من الْمُحدثين وَلأَحْمَد بن حَنْبَل فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ انْتهى وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْحَاجِب والقرافي وَغَيرهمَا قَالَ القَاضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 عبد الْوَهَّاب اخْتلف فِي صفة الزِّيَادَة الْمُغيرَة فَقيل الِاعْتِبَار بِالزِّيَادَةِ اللفظية دون مَا يُفِيد حكما شَرْعِيًّا كَقَوْلِهِم فِي محرم (د 67) وقصت بِهِ نَاقَته فِي أخاقيق جرذان فَإِن ذكر الْموضع لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم شَرْعِي وَقيل بِاعْتِبَار الزِّيَادَة الَّتِي تفِيد معنى شَرْعِيًّا أَيْضا وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى تقبل الزِّيَادَة سَوَاء كَانَت من جِهَة اللَّفْظ أَو الْمَعْنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 الثَّالِث أَن مُرَاده بقوله وَخِلَافًا لمن رد الزِّيَادَة مِنْهُ وَقبلهَا من غَيره لَا مَا حَكَاهُ الْخَطِيب عَن فرقة من الشَّافِعِيَّة أَنَّهَا لَا تقبل مِمَّن رَوَاهُ نَاقِصا وَتقبل من غَيره من الثِّقَات وَكَذَلِكَ حَكَاهُ أَبُو نصر الْقشيرِي فَقَالَ وَقيل إِن رَوَاهُ مرّة ثمَّ نَقله أُخْرَى وَزَاد فَلَا تقبل زِيَادَته إِذا سمع مِنْهُ ذَلِك الحَدِيث دون تِلْكَ الزِّيَادَة مرّة فَأَما إِذا أسْند الْعدْل زِيَادَة وَلم ينقلها عَن غَيره فَتقبل مِنْهُ الرَّابِع أَنه أَشَارَ بقوله وَقد قدمنَا عَنهُ - يَعْنِي عَن الْخَطِيب إِلَى آخِره - إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 إِشْكَال على الْخَطِيب حَيْثُ حكى هُنَا عَن الْأَكْثَر قبُولهَا مُطلقًا وَحكى فِيمَا سبق عَن الْأَكْثَر أَن الحكم لمن أرسل الحَدِيث على من وَصله مَعَ أَن وَصله زِيَادَة من الثِّقَة فَهُوَ من فروع هَذِه الْقَاعِدَة وَلِهَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب وَإِذا أسْند الحَدِيث وأرسلوه أَو رَفعه ووقفوه أَو وَصله وقطعوه فَحكمه حكم الزِّيَادَة فِي التَّفْصِيل السَّابِق وَقد يُجَاب بِالْفرقِ وَهُوَ أَن الْإِرْسَال عِلّة فِي السَّنَد فَكَانَ وجودهَا قادحا فِي الْوَصْل وَلَيْسَت الزِّيَادَة فِي الْمَتْن كَذَلِك وَقد أَشَارَ ابْن الصّلاح إِلَى آخر الْبَاب وَنقل عَن النَّسَائِيّ وَغَيره أَن من أرسل مَعَه زِيَادَة علم على من وصل لِأَن الْغَالِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 فِي الْأَلْسِنَة الْوَصْل فَإِذا جَاءَ الْإِرْسَال علم أَن [مَعَ] الْمُرْسل زِيَادَة علم وَرجحه ابْن الْقطَّان وَغَيره وَهُوَ يشكل على قَول المُصَنّف فِيمَا سَيَأْتِي أَن الزِّيَادَة مَعَ من وصل لَكِن الظَّاهِر أَن زِيَادَة الْعلم إِنَّمَا هِيَ مَعَ الَّذِي أسْند لِأَن الْإِرْسَال [بعض] نقص فِي الْحِفْظ لما جبل عَلَيْهِ الْإِنْسَان من النسْيَان 196 - (قَوْله) فِي تَقْسِيم مَا ينْفَرد بِهِ الثِّقَة هَذَا التَّقْسِيم لَيْسَ على وَجهه فَإِن الأول وَالثَّانِي لَا مدْخل لَهما فِي زِيَادَة الثِّقَة بِحَسب الِاصْطِلَاح فَإِن الْمَسْأَلَة مترجمة بِأَن يروي الحَدِيث جمَاعَة ويتفرد بَعضهم بِزِيَادَة فِيهِ والقسمان قد فرضهما فِي أصل الحَدِيث لَا فِي الزِّيَادَة فِيهِ وَإِنَّمَا هما قسما الشاذ بِعَيْنِه على مَا ذكره هُنَاكَ فَلَا معنى لتكراره وإدخاله مَسْأَلَة فِي أُخْرَى فَإِن لاحظ أصل التفرد من حَيْثُ هُوَ فَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَالْأَحْسَن فِي هَذَا الحديث: 196 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 تَقْسِيم ذكره مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه نَاقِلا لَهُ عَن الْمُحَقِّقين وأوضحه القَاضِي فِي شَرحه فَقَالَ اخْتلفُوا فِي الرَّاوِي الثِّقَة إِذا انْفَرد بِزِيَادَة فِي حَدِيث عَن سَائِر رُوَاة شَيْخه وَالصَّوَاب مَا ذهب إِلَيْهِ أهل التَّحْقِيق من الْفَرِيقَيْنِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ مُسلم وَهُوَ أَن الرَّاوِي إِن شَارك الثِّقَات فِي الْحِفْظ وَالرِّوَايَة قبل تفرده وَإِن لم يشاركهم وَلَا وافقهم فِيمَا رَوَوْهُ نظر فِي تفرده فَإِن انْفَرد بِزِيَادَة الْكثير مِمَّا لم يروه عَن أَشْيَاخهم وَلَا عرفه أُولَئِكَ الْمَشَاهِير من حَدِيثهمْ فَلَا يقبل وَترك حَدِيثه لتهمتنا لَهُ وَإِن انْفَرد بِالْحَدِيثِ الْوَاحِد من هَذَا الْفَنّ أَو بِزِيَادَة فِي الحَدِيث فَإِن مثل هَذَا يقبل مِنْهُ لِثِقَتِهِ فَإِن ظهر فِيهَا وهمه لم يقْدَح فِي عَدَالَته احْتمل بِصِحَّة حَدِيثه واستقامة رِوَايَته لغيره وَتحمل زِيَادَته هَذِه الَّتِي لم ير مَا يُبْطِلهَا ويعارضها على أَنه حفظ مَا لم يحفظ غَيره وعَلى هَذَا ألف أَئِمَّة الحَدِيث الْغَرِيب والأفراد من الحَدِيث وعدوه فِي الصَّحِيح هَذَا كُله لم يَجِيء مَا يُعَارضهُ فَإِن حاورت الْجَمَاعَة (أ 110) خِلَافه فالرجوع إِلَى قَول الْجَمَاعَة أولى من التَّرْجِيح لَا من بَاب الْقدح فِي الرِّوَايَة ثمَّ إِطْلَاق المُصَنّف زِيَادَة اللَّفْظَة فِي الْقسم الثَّالِث يَنْبَغِي أَن تحمل على الزِّيَادَة المعنوية كَمَا يَقْتَضِيهِ مِثَاله أما الزِّيَادَة اللفظية فَإِنَّهَا مَقْبُولَة بِلَا تردد كَقَوْلِه رَبنَا لَك الْحَمد وَلَك الْحَمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 197 - (قَوْله) مِثَال مَا رَوَاهُ مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا قَالَ الشَّيْخ محيي الدّين لايصح التَّمْثِيل بِحَدِيث مَالك لِأَنَّهُ لَيْسَ مُنْفَردا بِهِ بل وَافقه فِي هَذِه الزِّيَادَة عَن نَافِع عمر بن نَافِع وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَالْأول فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَالثَّانِي فِي صَحِيح مُسلم قلت وَفِي هَذَا رد لقَوْل التِّرْمِذِيّ فِي علله قد روى بَعضهم عَن نَافِع مثل رِوَايَة مَالك مِمَّن لَا يعْتَمد على حفظه هَذَا لَفظه واقتصار الشَّيْخ محيي الدّين على هذَيْن الرجلَيْن عَجِيب فقد رَوَاهَا عشرَة أنفس غَيرهمَا أَوَّلهمْ كثير بن فرقد عَن نَافِع أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ ثانيهم الْمُعَلَّى بن إِسْمَاعِيل الحديث: 197 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 عَن نَافِع أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه ثالثهم أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه رابعهم يُونُس بن يزِيد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه والطَّحَاوِي فِي مشكله خامسهم عبيد الله بن عمر أخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ سادسهم عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع أَيْضا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَنبهَ عَلَيْهِ وعَلى الَّذِي قبله أَبُو دَاوُد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 سابعهم ابْن أبي ليلى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا ثامنهم وتاسعهم وعاشرهم يحيى بن سعيد ومُوسَى بن عقبَة وَأَيوب بن مُوسَى أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَنبهَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه على بعض هَذِه المتابعات فَقَالَ رَوَاهُ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ فِيهِ من الْمُسلمين وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالك بن انس وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَعمر بن نَافِع والمعلى بن إِسْمَاعِيل وَعبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 الْعمريّ وَكثير بن فرقد وَيُونُس بن يزِيد وروى ابْن شَوْذَب عَن أَيُّوب عَن نَافِع كَذَلِك انْتهى الثَّانِي مَا حَكَاهُ عَن التِّرْمِذِيّ وَسكت عَلَيْهِ من أَن رِوَايَة عبيد الله وَأَيوب لَيْسَ فِيهَا هَذِه الزِّيَادَة هُوَ الْمَشْهُور لَكِن قد جَاءَت هَذِه الزِّيَادَة من طريقهما أَيْضا كَمَا سببق وَقد أخرج الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من طَرِيقين عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي ثَنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع بِهِ وصححها لَكِن ذكرهمَا أَبُو دَاوُد فِي سنَنه ثمَّ قَالَ وَالْمَشْهُور عَن عبيد الله لَيْسَ فِيهِ من الْمُسلمين وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من جِهَة الثَّوْريّ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر وفيهَا على كل مُسلم ثمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي عَن عبيد الله وَقَالَ فِيهِ من الْمُسلمين ثمَّ أخرجهَا بعد ذَلِك وَأما ايوب فالمعروف فِيهَا مَا ذكره التِّرْمِذِيّ أَيْضا لَكِن أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من طَرِيق أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ من جِهَة أَيُّوب بن مُوسَى أَيْضا وَالْحَاصِل أَن الْمِثَال يَصح للمتابعة وَالِاعْتِبَار الثَّالِث لَا معنى لتوقفه فِي حكم هَذَا الْقسم الثَّالِث فَإِنَّهُ مَوضِع مَسْأَلَة زِيَادَة (د 68) الثِّقَة وفيهَا الْخلاف الْمَشْهُور وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِيهَا الصَّحِيح قبُوله قلت وَهُوَ ظَاهر تصرف مُسلم فِي صَحِيحه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو سعيد العلائي توقف ابْن الصّلاح فِي قبُول هَذَا الْقسم وَحكى الشَّيْخ محيي الدّين عَنهُ اخْتِيَار الْقبُول فِيهِ وَلَعَلَّه قَالَه فِي مَوضِع غير هَذَا 198 - (قَوْله) وَمن أَمْثِلَة (أ 111) ذَلِك حَدِيث جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا فَهَذِهِ الزِّيَادَة تفرد بهَا أَبُو مَالك سعد بن طَارق الْأَشْجَعِيّ وَسَائِر الرِّوَايَات لَفظهَا وَجعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا قلت رِوَايَة أبي مَالك أخرجهَا مُسلم فِي صَحِيحه عَنهُ عَن ربعي عَن حُذَيْفَة الحديث: 198 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 فَإِن أَرَادَ المُصَنّف تفرد سعد بن طَارق من جِهَة حُذَيْفَة فَلَيْسَ كَذَلِك فقد روى أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن مُحَمَّد بن عَليّ أَنه سمع عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل التُّرَاب لي طهُورا [وَعبد الله مُخْتَلف فِيهِ فِي تعَارض الْإِرْسَال والوصل أَن الزِّيَادَة مَعَ من وصل غير مُسلم لما سبق قَرِيبا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 النَّوْع السَّابِع عشر معرفَة الْأَفْرَاد ذكر الميانشي أَن الْفَرد مَا انْفَرد بروايته بعض الثِّقَات عَن شَيْخه دون سَائِر الروَاة عَن ذَلِك الشَّيْخ 199 - (قَوْله) وَأما الثَّانِي فَهُوَ فَرد بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِهَة خَاصَّة كتقييد الْفَرد بِجِهَة أَو بلد معِين كمكة وَالْبَصْرَة أَو لكَونه لم يروه من أهل الْبَصْرَة أَو الْكُوفَة مثلا إِلَّا فلَان أَو لم يروه عَن فلَان إِلَّا فلَان وَفِيه صنف الدَّارَقُطْنِيّ كتاب الْأَفْرَاد ويستعمله الطَّبَرَانِيّ فِي [مُعْجَمه الْأَوْسَط] كثيرا وَيحْتَاج لاتساع الباع فِي الْحِفْظ وَكَثِيرًا مَا يَدعِي الْحَافِظ التفرد بِحَسب علمه ويطلع غَيره على المتابع وَلم يتَعَرَّض المُصَنّف للأمثلة فمثال تَقْيِيد الإنفراد بقوله لم يروه عَن فلَان إِلَّا فلَان حَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن حَمَّاد بن الحديث: 199 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 عِيسَى الْجُهَنِيّ عَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفع يَدَيْهِ فِي الدُّعَاء لم يحطهما حَتَّى يمسح بهما وَجهه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 قَالَ التِّرْمِذِيّ غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من جِهَة حَمَّاد بن عِيسَى وَقد تفرد بِهِ انْتهى وَقَالَ الْبَزَّار فِي مُسْنده هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ عَن حَنْظَلَة حَمَّاد بن عِيسَى وَهُوَ لين الحَدِيث وَإِنَّمَا ضعف حَدِيثه بِهَذَا الحَدِيث وَلم نجد بدا من إِخْرَاجه إِذْ كَانَ لَا يرْوى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد أَو من وَجه [آخر] دونه وَمِثَال تَقْيِيد الِانْفِرَاد بالثقة مَا أخرجه الشَّيْخَانِ عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 سَأَلت أنس بن مَالك عَن الْقُنُوت فِي الصَّلَاة قَالَ نعم قلت قبل الرُّكُوع أَو بعده قَالَ قبله فعاصم ثِقَة وَقد تفرد عَن سَائِر الروَاة عَن أنس فِي مَوضِع الْقُنُوت قَالَ الْأَثْرَم قلت لِأَحْمَد يَقُول أحد فِي حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت قبل الرُّكُوع غير عَاصِم الْأَحول فَقَالَ وَمَا علمت أحدا يَقُوله غَيره وَمِثَال مَا انْفَرد بِهِ أهل بَلْدَة مَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن جَابر فِي المشجوج إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم ويعصب على جرحه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه قَالَ أَبُو بكر ابْن أبي دَاوُد هَذِه سنة تفرد بهَا أهل مَكَّة وَحملهَا أهل الجزيرة وَحَدِيث عبد خير قَالَ شهِدت عليا فِي الرحبة يتَوَضَّأ فَتَمَضْمَض ثَلَاثًا ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 غرف غرفَة فَجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي مرّة قَالَ ابْن أبي دَاوُد هَذِه سنة تفرد بهَا أهل الْكُوفَة فِي الْجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بكف وَاحِد حَكَاهُ الْخَطِيب عَنهُ فِي كتاب الْفَصْل وَقسم الْحَاكِم التفرد ثَلَاثَة أَقسَام (أ 112) الأول تفرد أهل مَدِينَة عَن صَحَابِيّ الثَّانِي تفرد رجل وَاحِد عَن إِمَام من الْأَئِمَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 الثَّالِث تفرد أهل مَدِينَة عَن مَدِينَة أُخْرَى وَالْأول وَالثَّالِث يدخلَانِ تَحت الْفَرد بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِهَة خَاصَّة فَائِدَة قَوْلهم هَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن فلَان غير فلَان سُئِلَ ابْن الْحَاجِب هَل يجوز رفع غير أَو نصبها فَأجَاب بِجَوَاز الْوَجْهَيْنِ وَأطَال فِي تَقْرِيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 النَّوْع الثَّامِن عشر الْمُعَلل 200 - (قَوْله) ويسميه أهل الحَدِيث الْمَعْلُول وَذَلِكَ مِنْهُم وَمن الْفُقَهَاء فِي قَوْلهم فِي بَاب الْقيَاس الْعلَّة والمعلول مرذول عِنْد أهل الْعَرَبيَّة واللغة قلت قد سبقه إِلَى إِنْكَار هَذَا جمَاعَة مِنْهُم الحريري فَقَالَ الْمَعْلُول لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَفْعُولا كَقَوْلِه عله يعله ويعله إِذا سقَاهُ ثَانِيًا قَالَ وَإِطْلَاق النَّاس لَهُ على الَّذِي أَصَابَته الْعلَّة وهم فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُقَال لذَلِك معل وَقَالَ صَوَابه معتل أَو مُعَلل لِأَنَّهُ من الاعتلال وَالْعرْف فِيهِ أَن الحديث: 200 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 فعله رباعي نقُول لَا أعلك الله قَالَ الْجَوْهَرِي أَي لَا أَصَابَك بعلة وَهَذَا معنى قَول المُصَنّف مرذول لِأَن الْمَعْرُوف عله بِالشرابِ فَهُوَ مَعْلُول أَي سقَاهُ مرّة بعد أُخْرَى وَأعله فَهُوَ مُعَلل وَلَا يُقَال مَعْلُول قَالَ صَاحب الْمُحكم اسْتعْمل أَبُو إِسْحَاق يَعْنِي الزّجاج لَفظه الْمَعْلُول فِي المتفاعل من الْعرُوض ثمَّ قَالَ والمتكلمون يستعملون لَفْظَة الْمَعْلُول فِي مثل هَذَا كثيرا وَلست مِنْهَا على ثِقَة وَلَا ثلج لِأَن الْمَعْرُوف إِنَّمَا هُوَ أعله الله فَهُوَ مُعَلل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون على مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم مَجْنُون ومشلول من أَنَّهُمَا جَاءَا على جننته وشللته وَإِن لم يستعملا فِي الْكَلَام واستغني عَنْهُمَا بأفعلت قَالَ وَإِذا قَالُوا جن وشل فَإِنَّمَا يَقُولُونَ جعل مِنْهُ الْجُنُون والشل كَمَا قَالُوا حرق وَقتل انْتهى وَالصَّوَاب أَنه يجوز أَن يُقَال عله فَهُوَ مَعْلُول من الْعلَّة والاعتلال إِلَّا أَنه قَلِيل وَمِنْهُم من نَص على أَنه فعل ثلاثي وَهُوَ ابْن الْقُوطِيَّة فِي كتاب الْأَفْعَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 فَقَالَ عل الْإِنْسَان عِلّة مرض وَالشَّيْء أَصَابَته الْعلَّة انْتهى وَكَذَلِكَ قَالَه قطرب فِي كتاب فعلت وأفعلت وَكَذَلِكَ الليلي وَقَالَ أَحْمد صَاحب الصِّحَاح عل الشَّيْء فَهُوَ مَعْلُول من الْعلَّة وَيشْهد لهَذِهِ الْعلَّة قَوْلهم عليل كَمَا يَقُولُونَ قَتِيل وجريح وَقد سبق نَظِير هَذَا الْبَحْث فِي المعضل وَظهر بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن قَول المُصَنّف مرذول أَجود من قَول النَّوَوِيّ فِي اختصاره لحن لِأَن اللّحن سَاقِط غير مُعْتَبر الْبَتَّةَ بِخِلَاف المرذول وَأما قَول الْمُحدثين علله فلَان بِكَذَا فَهُوَ غير مَوْجُود فِي اللُّغَة وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُور عِنْدهم بِمَعْنى ألهاه بالشَّيْء وشغله من تَعْلِيل الصَّبِي بِالطَّعَامِ لَكِن (د 69) اسْتِعْمَال الْمُحدثين لَهُ فِي هَذَا الْمَعْنى على سَبِيل الِاسْتِعَارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 201 - (قَوْله) معرفَة هَذَا النَّوْع من أجل عُلُوم الحَدِيث إِلَى آخِره أسْند الْحَاكِم عَن ابْن مهْدي قَالَ لِأَن أعرف عِلّة حَدِيث هُوَ عِنْدِي أحب إِلَيّ أَن أكتب عشْرين حَدِيثا لَيْسَ عِنْدِي قَالَ الْحَاكِم وَإِنَّمَا يُعلل الحَدِيث من أوجه لَيْسَ للجرح فِيهَا مدْخل فَإِن حَدِيث الْمَجْرُوح سَاقِط واه وَعلة الحَدِيث يكثر فِي أَحَادِيث الثِّقَات أَن يحدثوا بِحَدِيث لَهُ عِلّة فيخفى عَلَيْهِم علته فَيصير الحَدِيث معلولا وَالْحجّة فِي التَّعْلِيل عندنَا الْحِفْظ والفهم والمعرفة لَا غير قَالَ ابْن مهْدي معرفَة الحَدِيث إلهام فَلَو قلت للْعَالم بعلل الحَدِيث من أَيْن قلت هَذَا لم يكن لَهُ حجَّة وَأسْندَ إِلَى أبي زرْعَة سَأَلَهُ رجل مَا الْحجَّة فِي تعليلكم الحَدِيث قَالَ الْحجَّة أَن تَسْأَلنِي عَن حَدِيث لَهُ عِلّة (أ 113) فأذكر علته ثمَّ تقصد ابْن وارة فتسأله وَلَا تخبره فيذكر علته ثمَّ تقصد أَبَا حَاتِم فيعلله ثمَّ تميز كلامنا على ذَلِك الحَدِيث فَإِن اتفقنا فَاعْلَم حَقِيقَة هَذَا الْعلم وَإِن اخْتَلَفْنَا فَاعْلَم أَن كلا يتَكَلَّم على مُرَاده فَفعل الرجل الحديث: 201 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فاتفقت كلمتهم فَقَالَ أشهد أَن هَذَا الْعلم إلهام وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد لعبد الرَّحْمَن بن مهْدي كَيفَ تعرف صَحِيح الحَدِيث من سقيمه قَالَ كَمَا يعرف الطَّبِيب الْمَجْنُون وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم سَمِعت أبي يَقُول مثل معرفَة الحَدِيث كَمثل فص ثمنه مائَة دِينَار وَآخر مثله على لَونه ثمنه عشرَة دَرَاهِم 202 - (قَوْله) مَعَ قَرَائِن تنضم إِلَى ذَلِك تنبه الْعَارِف بِهَذَا الشَّأْن على إرْسَال الْمَوْصُول إِلَى آخِره ذكر بعض من صنف فِي عُلُوم الحَدِيث أَن الْمُعَلل أَن يروي عَمَّن لم يجْتَمع بِهِ إِمَّا بطرِيق التَّارِيخ كمن تتقدم وَفَاته عَن مِيلَاد من يروي عَنهُ وَإِمَّا بطرِيق الْجِهَة بِأَن يروي الْخُرَاسَانِي عَن المغربي وَلم ينْقل أَن الْخُرَاسَانِي انْتقل من خُرَاسَان وَأَن المغربي انْتقل من الْمغرب الحديث: 202 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَاعْلَم أَن للمحدثين أغراضا فِي صناعتهم احتاطوا فِيهَا لَا يلْزم الْفُقَهَاء اتباعهم على ذَلِك فَمِنْهُ تَعْلِيلهم الحَدِيث الْمَرْفُوع بِأَنَّهُ رُوِيَ تَارَة مَوْقُوفا وَتارَة مُرْسلا وطعنهم فِي الرَّاوِي إِذا انْفَرد بِرَفْع الحَدِيث أَو بِزِيَادَة فِيهِ لمُخَالفَته من هُوَ أحفظ مِنْهُ فَلَا يلْزم ذَلِك فِي كل موطن لِأَن الْمُعْتَبر فِي الرَّاوِي الْعَدَالَة وَأَن يكون عَارِفًا ضابطا متقنا لما يرويهِ نعم إِذا خَالف الرَّاوِي من هُوَ أحفظ وَأعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 مُخَالفَة معارضه فَلَا يُمكن الْجمع بَينهمَا وَيكون ذَلِك مِنْهُ قدحا فِي رِوَايَته وكقولهم من لم يرو عَنهُ إِلَّا راو وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول وَمن عارضت رِوَايَته رِوَايَة الثِّقَات فَهُوَ مُتَّهم كل ذَلِك فِيهِ تَفْصِيل وَإِنَّمَا احتاطوا فِي صناعتهم كَمَا كَانَ بعض الصَّحَابَة يحلف من حَدثهُ أَو يطْلب شَاهدا أَو غَيره وكل ذَلِك غير لَازم فِي قبُول أَخْبَار الْآحَاد لِأَن الأَصْل هِيَ الْعَدَالَة وَالْحِفْظ وَالْفُقَهَاء لَا يعللون الحَدِيث ويطرحونه إِلَّا إِذا تبين الْجرْح وَعلم الِاتِّفَاق على ترك الرَّاوِي وَمِنْه قَوْلهم مُنْقَطع ومرسل وَهَذَا إِنَّمَا يكون عِلّة إِذا كَانَ الْمُرْسل يحدث عَن الثِّقَات وَغَيرهم وَلَا يكون عِلّة مُعْتَبرَة إِذا كَانَ الْمُرْسل لَا يروي إِلَّا عَن الثِّقَات وَقُلْنَا إِن رِوَايَته عَنهُ تَعْدِيل وعَلى هَذَا درج السّلف فَأَما إِذا عَارضه مُسْند عدل كَانَ أولى مِنْهُ قطعا [و] كَذَلِك قَوْلهم فلَان ضَعِيف وَلَا يثبتون وَجه الضعْف فَهُوَ جرح مُطلق وَفِي قبُوله خلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 نعم رُبمَا يتَوَقَّف الْفُقَهَاء فِي ذَلِك وَإِن لم يتَبَيَّن السَّبَب وَقَالَ ابْن حزم قد علل قوم أَحَادِيث بِأَن رَوَاهَا عَن رجل مرّة وَعَن آخر أُخْرَى وَهَذَا قُوَّة للْحَدِيث وَزِيَادَة فِي دَلَائِل صِحَّته وَمن الْمُمكن أَن يكون سَمعه مِنْهُمَا 203 - (قَوْله) ثمَّ مَا يَقع فِي الْإِسْنَاد قد يقْدَح فِي صِحَة الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا كَمَا فِي التَّعْلِيل بِالْإِرْسَال وَالْوَقْف إِلَى آخِره وَمَا ذكره من توهيم يعلى سبقه إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِي علله الْكَبِير هَذَا الحَدِيث يرويهِ الثَّوْريّ وَشعْبَة وَاخْتلف عَنْهُمَا فروى ابْن أبي عبد الرَّحْمَن الْمقري عَن أَبِيه عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يعلى بن عبيد عَن الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار وَكِلَاهُمَا وهم وَالصَّحِيح عَن الثَّوْريّ وَعَن شُعْبَة الحديث: 203 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 عَن عبد الله بن دِينَار انْتهى وَيُؤَيِّدهُ (أ 114) قَول يحيى بن معِين فِي رِوَايَة الدَّارمِيّ عَنهُ يعلى بن عبيد ضَعِيف فِي الثَّوْريّ ثِقَة فِي غَيره 204 - (قَوْله) وَمِثَال الْعلَّة فِي الْمَتْن إِلَى أَخّرهُ فِيهِ أُمُور أَحدهَا مَا ذكره من تَعْلِيل رِوَايَة مُسلم بِأَنَّهَا رويت بِالْمَعْنَى من قَوْله كَانُوا يستفتحون يُؤَيّدهُ رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ الحديث: 204 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 بِلَفْظ لَا يجهرون مَكَان لَا يقرؤون قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ وإسنادها صَحِيح وَالثَّانِي مَا ذكره من أَن أنسا سُئِلَ عَن الِافْتِتَاح بالبسملة فَذكر أَنه لَا يحفظ فِيهِ شَيْئا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا رَوَاهُ عَنهُ أَحْمد فِي الْمسند وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَاده صَحِيح لَكِن ابْن عبد الْبر وهنه بِنَوْع من التَّرْجِيح فَقَالَ من حفظ عَن أنس حجَّة على من سَأَلَهُ فِي حَال نسيانه وَأجَاب عَنهُ الْحَافِظ أَبُو شامة فِي كتاب الْبَسْمَلَة الثَّالِث أَن هَذَا الحَدِيث يصلح أَن يكون من أَمْثِلَة الْعلَّة فِي الْإِسْنَاد أَيْضا فَإِن فِي إِسْنَاده كِتَابَة لَا [يعلم] من كتبهَا وَلَا من حملهَا وَقَتَادَة ولد أكمه وَذَلِكَ أَن مُسلما رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن مهْرَان ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ فَفِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 عِلَّتَانِ الْكِتَابَة واشتماله على عنعنة الْوَلِيد وَهُوَ مُدَلّس 205 - (قَوْله) وسمى التِّرْمِذِيّ النّسخ عِلّة لَعَلَّ التِّرْمِذِيّ يُرِيد أَنه عِلّة فِي الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لَا أَنه عِلّة فِي صِحَّته لاشتمال الصَّحِيح على أَحَادِيث مَنْسُوخَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يجْرِي مثل ذَلِك فِي التَّخْصِيص الحديث: 205 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 206 - (قَوْله) ثمَّ إِن بَعضهم أطلق اسْم الْعلَّة على مَا لَيْسَ بقادح إِلَى أَخّرهُ وَهُوَ أَبُو يعلى الخليلي قَالَه فِي كتاب الْإِرْشَاد فِي حَدِيث للمملوك طَعَامه وَشَرَابه [ فوئد ] الأولى من أَمْثِلَة الْعلَّة حَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ من جِهَة ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة من جلس فِي مجْلِس كثر فِيهِ لغطه فَقَالَ قبل أَن يقوم سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا غفر لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسه الحديث: 206 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 قَالَ الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث هَذَا حَدِيث من تَأمله لم يشك أَنه من شَرط الصَّحِيح وَله عِلّة ثمَّ أسْند إِلَى مُسلم أَنه جَاءَ إِلَى البُخَارِيّ فَقبل [بَين] عَيْنَيْهِ وَقَالَ دَعْنِي حَتَّى أقبل رجليك يَا أستاذ الأستاذين وَسيد الْمُحدثين وطبيب الحَدِيث فِي علله حَدثكُمْ مُحَمَّد بن سَلام ثَنَا مخلد بن يزِيد الْحَرَّانِي ثَنَا ابْن (د 70) جريج عَن مُوسَى بن عقبَة فَذكر الحَدِيث مَا علته قَالَ البُخَارِيّ هَذَا حَدِيث مليح وَلَا أعلم فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث إِلَّا أَنه مَعْلُول أَنا بِهِ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 أَنا وهيب ثَنَا سُهَيْل عَن عون بن عبد الله قَوْله قَالَ البُخَارِيّ هَذَا أولى فَإِنَّهُ لَا يذكر لمُوسَى بن عقبَة سَماع من سُهَيْل انْتهى وَهَذِه الْحِكَايَة فِيهَا استنكار وَقد اتهمَ بهَا أَحْمد بن حمدون الْقصار راويها عَن مُسلم قَالَ الْحَاكِم فِي تَارِيخ نيسابور كَانَ أَبُو عَليّ الْحَافِظ يَقُول ثَنَا أَحْمد بن حمدون - إِن حلت الرِّوَايَة عَنهُ وَأنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث قَالَ الْحَاكِم أَحَادِيثه كلهَا مُسْتَقِيمَة وَهُوَ مظلوم انْتهى وَوجه النكارة فِيهَا قَوْله لَا أعلم فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث وَلَيْسَ كَذَلِك فقد جَاءَ من حَدِيث جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بَرزَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَمِنْهُم جُبَير بن مطعم وَرَافِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 ابْن خديج وَعَائِشَة رَوَاهَا النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَحَدِيث عَائِشَة رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَصحح إِسْنَاده فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ [استدراكه] فِي كِتَابه الْعُلُوم على البُخَارِيّ وَمِنْهُم نَافِع بن جُبَير كَمَا ذكره ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وَمِنْهُم أنس بن مَالك رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من جِهَة عُثْمَان بن مطر الشَّيْبَانِيّ عَن ثَابت الْبنانِيّ عَنهُ وَقَالَ تفرد بِهِ عُثْمَان بن مطر وَقد روى هَذِه الْحِكَايَة أَبُو يعلى الخليلي فِي الْإِرْشَاد فِي تَرْجَمَة البُخَارِيّ من جِهَة أبي حَامِد الأعمشي الْحَافِظ أَيْضا وَلم يذكر فِيهَا قَوْله لَا أعلم فِي الدُّنْيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 أحسن من هَذَا الحَدِيث - ابْن جريج عَن مُوسَى (أ 115) بن عقبَة عَن سُهَيْل - تعرف بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيثا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل إِلَّا أَنه مَعْلُول ثَنَا بِهِ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَنا وهيب ثَنَا مُوسَى بن عقبَة عَن عون بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره فَقَالَ مُسلم لايبغضك إِلَّا حَاسِد وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مثلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 الْفَائِدَة الثَّانِيَة إِذا اشْتَمَل الْإِسْنَاد على ضَعِيف ومجهول فَقَالَ ابْن الْقطَّان إعلاله بِالْمَجْهُولِ أولى وَقَالَ صَاحب الْإِنْصَاف إعلاله بالضعيف أولى من إعلاله بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ رُبمَا يعرف فيعدل الثَّالِثَة إِذا اشْتَمَل الْإِسْنَاد على ضعفاء فَذكر الْأَعْلَى أولى من ذكر [من] دونه من الضُّعَفَاء لِأَنَّهُ إِذا اقْتصر على السافل فَرُبمَا يرويهِ ثمَّ عَن ذَلِك الضَّعِيف فَإِذا ذكر الضَّعِيف السافل ارْتَفع ضعف الحَدِيث بِرِوَايَة الْمعدل بِخِلَاف ذكر الضَّعِيف الْأَعْلَى فَإِن الْمدَار حِينَئِذٍ عَلَيْهِ وَهَذَا يسكله عبد الْحق فِي أَحْكَامه كثيرا ويعترض عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان بِأَنَّهُ يقصر الْجِنَايَة على وَاحِد دون غَيره وَالَّذِي سلكه عبد الْحق حسن لما قُلْنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 النَّوْع التَّاسِع عشر المضطرب 207 - (قَوْله) هُوَ الَّذِي يخْتَلف الروَاة فِيهِ فيرويه بَعضهم على وَجه وَبَعْضهمْ على وَجه آخر مُخَالف قد يخرج مَا لَو حصل الِاضْطِرَاب من راو وَاحِد وَقد يُقَال فِيهِ نبنيه على دُخُوله من بَاب أولى فَإِنَّهُ أولى بِالرَّدِّ من الِاخْتِلَاف بَين رَاوِيَيْنِ وَيَنْبَغِي أَن يُقَال على وَجه يُؤثر ليخرج مَا لَو رُوِيَ الحَدِيث عَن رجل مرّة وَعَن آخر أُخْرَى قَالَ ابْن حزم فَهَذَا قُوَّة للْحَدِيث وَزِيَادَة فِي دَلَائِل صِحَّته كَمَا إِذا روى الْأَعْمَش الحَدِيث عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَيَرْوِيه [غير] الْأَعْمَش عَن [سُهَيْل عَن] أَبِيه عَن أبي سعيد إِذْ من الْمُمكن أَن يكون أَبُو صَالح سمع الحَدِيث من أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد مَعًا فَرَوَاهُ مرّة عَن هَذَا وَمرَّة عَن هَذَا انْتهى الحديث: 207 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَيَجِيء هَذَا فِيمَا لَو رَوَاهُ مرّة مُرْسلا وَمرَّة مُسْندًا وَقد ذكر ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَن خبر عبد الله بن عكيم فِي عدم الِانْتِفَاع بالإهاب مُتَّصِل وَإِن قَوْله فِي رِوَايَة حَدثنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيْهِم وَقَوله فِي رِوَايَة أُخْرَى قرئَ علينا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على اتِّصَاله فَإِن الصَّحَابِيّ قد يشْهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيسمع مِنْهُ شَيْئا لم يسمع ذَلِك الشَّيْء من هُوَ أعظم مِنْهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمرَّة يخبر عَمَّا شَاهده وَأُخْرَى عَمَّن سمع أَلا ترى أَن ابْن عمر شهد سُؤال جِبْرِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْإِيمَان وسَمعه من عمر بن الْخطاب فَمرَّة أخبر بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 شَاهده وَمرَّة روى عَن أَبِيه مَا سمع 208 - (قَوْله) وَإِنَّمَا نُسَمِّيه مضطربا إِذا تَسَاوَت الرِّوَايَتَانِ إِلَى آخِره كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول وَإِنَّمَا يُؤثر الِاضْطِرَاب إِذا تَسَاوَت وَإِلَّا فَلَا شكّ فِي الِاضْطِرَاب عِنْد الِاخْتِلَاف تكافأت الرِّوَايَات أم تفاوتت قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد فِي شرح الْعُمْدَة فِي الْكَلَام على حَدِيث جَابر فِي بيع وَشرط أَشَارَ بَعضهم إِلَى الحديث: 208 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 أَن اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِي الحَدِيث مِمَّا يمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ قَالَ وَهَذَا صَحِيح بِشَرْط تكافؤ الرِّوَايَات أَو تقاربها أما إِذا كَانَ التَّرْجِيح وَاقعا لبعضها إِمَّا لِأَن رُوَاته أَكثر أَو أحفظ فَيَنْبَغِي الْعَمَل بهَا إِذْ الأضعف لَا يكون مَانِعا من الْعَمَل بالأقوى والمرجوح لَا يمْنَع التَّمَسُّك بالراجح قَالَ فتمسك بِهَذَا الأَصْل فَإِنَّهُ نَافِع فِي مَوَاضِع عديدة مِنْهَا أَن الْمُحدثين يعللون الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ ويجمعون الرِّوَايَات العديدة فَيقوم فِي الذِّهْن مِنْهَا صُورَة توجب التَّضْعِيف وَالْوَاجِب أَن ينظر إِلَى تِلْكَ الطّرق فَمَا كَانَ مِنْهَا ضَعِيفا أسقط عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار وَلم يَجْعَل مَانِعا من التَّمَسُّك بِالصَّحِيحِ الْأَقْوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وَقَالَ ابْن حزم فِي كتاب الْإِعْرَاب إِذا اخْتلفت الْأَلْفَاظ من طرق الثِّقَات أَخذ بجميعها مَا أمكن ذَلِك فَأن تعذر عَلَيْهِ أَخذ بِالزَّائِدِ فِي حكمه قَالَ وَكم من خبر شَدِيد الِاضْطِرَاب قَالَ بِهِ الْعلمَاء كالخبر فِي إِيجَاب الزَّكَاة فِي عشْرين دِينَارا فَصَاعِدا (أ 116) وَهُوَ خبر شَدِيد الِاضْطِرَاب فَمرَّة رُوِيَ عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث وَعَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمرَّة رُوِيَ عَن أبي إِسْحَاق أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 قَالَ أَحْسبهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا خبر كَعْب بن عجْرَة فِي حلق رَأسه [وَهُوَ محرم] وَهُوَ شَدِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 الِاضْطِرَاب إِسْنَادًا ولفظا وَمِنْهَا خبر ابْن عَبَّاس فِي تَحْرِيم كل ذِي مخلب من الطير فَإِنَّهُ رُوِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَرَوَاهُ عَليّ بن الحكم عَن مَيْمُون بن مهْرَان فَأدْخل فِيهِ بَين مَيْمُون وَبَين ابْن عَبَّاس سعيد بن جُبَير وَمِنْهَا خبر رَافع فِي كِرَاء الأَرْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَمِنْهَا خبر تَحْرِيم الْمُتْعَة فَمَا نعلم خَبرا أَشد اضطرابا مِنْهُ مرّة حرمت فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 خَيْبَر وَمرَّة فِي حنين وَمرَّة فِي الْفَتْح وَمرَّة أَن عمر حرمهَا وَمِنْهَا الْغسْل عَن الإكسال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وَخبر النَّهْي عَن صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق قَالَ وَإِنَّمَا وَقع فِي هَذَا قوم من أَئِمَّة الحَدِيث إِمَّا غَلطا فيجتنب وَإِمَّا على سَبِيل المذاكرة لَا على رد السّنة وَالْحق الَّذِي لَا يجوز مُخَالفَته أَن مَا رَوَاهُ الثِّقَة (د 71) بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل يجب الْأَخْذ بِهِ وَلَا يرد بِأَنَّهُ قد اخْتلف فِيهِ رُوَاته وَلَا بِأَنَّهُ قد رَوَاهُ قوم ضعفاء وَلَا بِأَنَّهُ قد أرْسلهُ رُوَاته وَلَا بِأَن واقفه أَكثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 209 - (قَوْله) وَمن أمثلته أَي من أَمْثِلَة الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَرِوَايَة بشر بن الْمفضل أخرجهَا أَبُو دَاوُد وَأما رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الحديث: 209 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 إِسْمَاعِيل عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة فَلم أَجِدهُ هَكَذَا بل أخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث عمار بن خَالِد ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث عَن جده حُرَيْث ابْن سليم عَن أبي هُرَيْرَة فَصرحَ بِأَن الرِّوَايَة عَن جده حُرَيْث وَأَن بَين مُحَمَّد وحريث عمرا وأخرجها أَبُو دَاوُد من جِهَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل عَن [أبي] مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث عَن جده حُرَيْث - رجل من بني عذرة - عَن أبي هُرَيْرَة فَالظَّاهِر أَنه اخْتلف فِيهِ على ابْن عُيَيْنَة وَهَذَا اضْطِرَاب آخر لم يذكرهُ ابْن الصّلاح إِلَّا أَنه أَشَارَ إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَأما رِوَايَة حميد بن الْأسود فَلم أَجدهَا هَكَذَا فَإِن ابْن مَاجَه رَوَاهَا عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ثمَّ حول إِلَى طَريقَة ابْن عُيَيْنَة السَّابِقَة فَلَعَلَّهُ مِمَّا اخْتلف فِيهِ على حميد وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث صَححهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَغَيرهم وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ لَا بَأْس بِهِ فِي مثل هَذَا الحكم إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَأَنَّهُم رَأَوْا أَن هَذَا الِاضْطِرَاب لَيْسَ قادحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَلم يمثل ابْن الصّلاح للاضطراب فِي الْمَتْن وَسبق مِنْهُ جملَة عَن كتاب الْإِعْرَاب وَمِنْه أَيْضا حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس قَالَت سَأَلت أَو سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الزَّكَاة فَقَالَ إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة فَهَذَا حَدِيث قد اضْطربَ فِي لَفظه وَمَعْنَاهُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا من رِوَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 شريك عَن أبي حَمْزَة عَن الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة فَهَذَا اضْطِرَاب لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَقَول الْبَيْهَقِيّ إِنَّه لَا يحفظ لهَذَا اللَّفْظ إِسْنَادًا قد بَينا أَن ابْن مَاجَه رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 النَّوْع الْعشْرُونَ المدرج حَقه أَن يَقُول تَمام الْعشْرين أَو نَحوه فَإِن الْعشْرين اسْم للمجموع وَلَيْسَ هُوَ المُرَاد هُنَا وَإِنَّمَا المُرَاد وَاحِد مِنْهَا وَهُوَ مكملها وَقد وَقع التَّعْبِير بالتكميل فِي كَلَام الشَّافِعِي فِي الْأُم وَقد رَجَعَ المُصَنّف إِلَى الصَّوَاب فِيمَا سَيَأْتِي إِذْ قَالَ النَّوْع الموفي ثَلَاثِينَ 210 - (قَوْله) [فِي تَعْرِيفه] أَن يذكر الصَّحَابِيّ أَو من بعده عقب مَا يرويهِ إِلَى آخِره هَكَذَا قَيده بالعقب وَلَا شكّ أَن المدرج قد يكون فِي أول الحَدِيث أَو وَسطه وَقد ذكر الْخَطِيب فِي كتاب المدرج (أ 117) كثيرا من أمثلته كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَسْبغُوا الْوضُوء ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وكحديث بسرة الحديث: 210 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 من مس ذكره أَو أنثييه أَو رفغه فَليَتَوَضَّأ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَا رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 عبد الحميد عَن هِشَام وَوهم فِي ذكر الْأُنْثَيَيْنِ والرفغ وَالْمَحْفُوظ أَنه من قَول عُرْوَة نعم ضعف الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الاقتراح الطَّرِيق إِلَى الحكم بالإدراج إِذا وَقع فِي الْوسط فَقَالَ وَمِمَّا يضعف أَن يكون مدرجا فِي أثْنَاء لفظ الرَّسُول لَا سِيمَا إِن كَانَ مقدما على اللَّفْظ الْمَرْوِيّ أَو مَعْطُوفًا عَلَيْهِ بواو الْعَطف كَمَا لَو قَالَ من مس أنثييه وَذكره فَليَتَوَضَّأ بِتَقْدِيم لفظ الْأُنْثَيَيْنِ على الذّكر فها هُنَا يضعف الإدراج لما فِيهِ من اتِّصَال هَذِه اللَّفْظَة بالعامل الَّذِي هُوَ من لفظ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 قيل وَهَذَا ذكره مِثَالا وَإِلَّا فَلم يرد تَقْدِيم الْأُنْثَيَيْنِ وَهَذَا عَجِيب فقد ذكر رِوَايَة تَقْدِيمهَا على الذّكر فِي كِتَابه الإِمَام من جِهَة الطَّبَرَانِيّ وَقَالَ هُنَاكَ إِنَّمَا يكون الإدراج بِلَفْظ تَابع يُمكن استقلاله عَن اللَّفْظ السَّابِق فيدرجه الرَّاوِي وَلَا يفصل 211 - (قَوْله) وَمن أمثلته مَا روينَاهُ فِي التَّشَهُّد إِلَى آخر الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمَا ذكره من الإدراج ذكره الْأَئِمَّة مِنْهُم أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنَيْهِمَا الحديث: 211 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة وَنَقله عَن الْحفاظ والخطيب فِي كِتَابه المدرج وَغَيرهم وَنقل النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَأما قَول الْخطابِيّ فِي المعالم اخْتلفُوا فِيهِ هَل هُوَ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من قَول ابْن مَسْعُود وَمرَاده اخْتِلَاف الروَاة فِي وَصله وفصله لَا اخْتِلَاف الْحفاظ فَإِنَّهُم متفقون على أَنَّهَا مدرجة على أَنه قد اخْتلف على زُهَيْر فِيهِ فَرَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 المقرىء وَأَبُو النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم ومُوسَى بن دَاوُد الضَّبِّيّ [وَيحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ] وَيحيى بن أبي بكير الْكرْمَانِي وَغَيرهم هَكَذَا مدرجا وَرَوَاهُ شَبابَة بن سوار عَنهُ ففصله كَمَا سبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 212 - (قَوْله) الْقسم الثَّانِي مِثَاله حَدِيث ابْن عُيَيْنَة إِلَى آخِره هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زَائِدَة وَشريك فرقهما وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة كلهم عَن عَاصِم قَالَ مُوسَى بن هَارُون الْحمال وَذَلِكَ عندنَا وهم وَإِنَّمَا أدرج عَلَيْهِ وَهُوَ من رِوَايَة عَاصِم عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل عَن بعض أَهله عَن وَائِل هَكَذَا رَوَاهُ مُبينًا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَأَبُو بدر شُجَاع بن الْوَلِيد الحديث: 212 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 فميزا قصَّة تَحْرِيك الْأَيْدِي من تَحت الثِّيَاب وفصلاها من الحَدِيث وذكرا إسنادهما كَمَا ذكرنَا قَالَ مُوسَى بن هَارُون الْحمال وَهَذِه رِوَايَة مضبوطة اتّفق عَلَيْهِ زُهَيْر وشجاع بن الْوَلِيد وهما أثبت لَهُ رِوَايَة مِمَّن روى رفع الْأَيْدِي من تَحت الثِّيَاب عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن وَائِل 213 - (قَوْله) فِي الثَّالِث إِلَى آخِره هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من طَرِيق مَالك الحديث: 213 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وَلَيْسَ فِي الأول وَلَا تنافسوا وَهِي فِي الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الْخَطِيب وَقد وهم فِيهَا ابْن أبي مَرْيَم على مَالك عَن ابْن شهَاب وَإِنَّمَا يَرْوِيهَا مَالك فِي حَدِيثه عَن أبي الزِّنَاد 214 - (قَوْله) فِي الرَّابِع أَن يروي عَن جمَاعَة بَينهم اخْتِلَاف فِي إِسْنَاده إِلَى آخِره مَا ذكره من رِوَايَة ابْن مهْدي وَابْن كثير عَن سُفْيَان بِلَا إدراج يَقْتَضِي أَن الحديث: 214 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 غَيرهمَا رُوِيَ عَنهُ خلاف ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله يشبه أَن يكون الثَّوْريّ جمع بَين الثَّلَاثَة لِابْنِ مهْدي وَابْن كثير (أ 118) فَجعل اثْنَيْنِ مِنْهُم وَاحِدًا وَلم يذكر بَينهم خلافًا وَحمل حَدِيث وَاصل على حَدِيث الْأَعْمَش وَمَنْصُور وَقد فصل الثَّوْريّ ليحيى بن سعيد فحدثه عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل وحدثه عَن وَاصل عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالتَّفْصِيل هُوَ الصَّوَاب لِأَن (د 72) شُعْبَة ومهدي بن مَيْمُون روياه عَن وَاصل عَن أبي وَائِل عَن عبد الله كَمَا رَوَاهُ يحيى عَن الثَّوْريّ انْتهى وَاعْلَم أَنه اخْتلف على ابْن مهْدي أَيْضا فَرَوَاهُ مُحَمَّد بن بشار عَن ابْن مهْدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 عَن سُفْيَان عَن وَاصل عَن أبي وَائِل عَن ابْن شُرَحْبِيل وَهَذَا يقْدَح فِي الْمِثَال إِلَّا أَن يُقَال لَعَلَّه لما روى سُفْيَان والعبدي الحَدِيث عَن الثَّلَاثَة جمعا روى ابْن مهْدي حَدِيث وَاصل على انْفِرَاده وَأَشَارَ الدَّارَقُطْنِيّ إِلَى أَن الْأَعْمَش أَيْضا قد اخْتلف عَلَيْهِ فروى أَبُو شهَاب وَأَبُو مُعَاوِيَة وشيبان الحَدِيث عَن الْأَعْمَش كَمَا تقدم 215 - (قَوْله) وَاعْلَم أَنه لَا يجوز تعمد شَيْء من الإدراج الْمَذْكُور فِي هَذَا النَّوْع فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا لم يبين حكم فَاعل ذَلِك وَقد سبق فِي التَّدْلِيس أَن الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع قَالُوا إِن فَاعله مَجْرُوح سَاقِط الْعَدَالَة وَهُوَ مِمَّن يحرف الْكَلم عَن موَاضعه وَكَانَ مُلْحقًا بالكذابين الحديث: 215 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الثَّانِي لم يتَكَلَّم على تفَاوت هَذِه الْمَرَاتِب وأقواها فِي الْمَنْع الأول لخلطه الْمَرْفُوع بالموقوف ونسبته إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لم يقلهُ وأخفها الْأَخير لرجوع الْخلاف إِلَى الْإِسْنَاد خَاصَّة لَا سِيمَا إِذا كَانَ الْكل ثِقَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 النَّوْع الْحَادِي وَالْعشْرُونَ معرفَة الْمَوْضُوع 216 - (قَوْله) هُوَ شَرّ الْأَحَادِيث الضعيفة فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا هَذِه الْعبارَة سبقه إِلَيْهَا الْخطابِيّ وَقد استنكرت مِنْهُ فَإِن الْمَوْضُوع لَا يعد فِي الْأَحَادِيث للْقطع بِكَوْنِهِ غير حَدِيث وأفعل التَّفْضِيل إِنَّمَا يُضَاف لبعضه وَهَذَا الْإِشْكَال يرد أَيْضا على إِفْرَاد المُصَنّف لَهُ بِنَوْع فَإِنَّهُ إِذا لم يكن حَدِيثا فَكيف يعد من أَنْوَاع الحَدِيث وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّهُم أَرَادوا بِالْحَدِيثِ الْقدر الْمُشْتَرك وَهُوَ مَا يحدث بِهِ وَمن حكمه أَنه لَا تحل رِوَايَته إِلَّا لقصد بَيَان حَال رَاوِيه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حدث عني بِحَدِيث وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين رَوَاهُ مُسلم وَهُوَ أول الحديث: 216 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 حَدِيث فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقبه سَأَلت أَبَا مُحَمَّد يَعْنِي السَّمرقَنْدِي قلت لَهُ من روى حَدِيثا وَهُوَ يعلم أَن إِسْنَاده خطأ أيخاف أَن يكون قد دخل فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو إِذا روى حَدِيثا مُرْسلا فأسنده بَعضهم أَو قلب إِسْنَاده يكون قد دخل فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ إِنَّمَا معنى هَذَا الحَدِيث إِذا روى الرجل حَدِيثا وَلَا يعرف لذَلِك الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصل فَحدث فَأَخَاف أَن يكون قد دخل فِي هَذَا الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 الثَّانِي مَا ذكره هُنَا فِيهِ إِيهَام مُخَالفَة لقَوْله فِي قسم الضَّعِيف إِن مَا عدم فِيهِ جَمِيع صِفَات الحَدِيث الصَّحِيح وَالْحسن هُوَ الْقسم الْأُخَر الأرذل وَالصَّوَاب مَا ذكره هُنَا وَيحمل مَا ذكره ثمَّ على أَنه أَرَادَ مَا لم يكن مَوْضُوعا إِلَّا أَن يُرِيد بذلك كَون رَاوِيه كذابا وَمَعَ ذَلِك لَا يلْزم من وجود كَذَّاب فِي السَّنَد أَن يكون الحَدِيث مَوْضُوعا إِذْ مُطلق كذب الرَّاوِي لَا يَقْتَضِي وضع الحَدِيث 217 - (قَوْله) [وَإِنَّمَا يعرف كَون الحَدِيث] مَوْضُوعا بِإِقْرَار وَاضعه يَعْنِي كَحَدِيث نوح بن أبي مَرْيَم فِي فَضَائِل (أ 119) الْقُرْآن [انْتهى] فِيهِ أَمْرَانِ الحديث: 217 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 أَحدهمَا اعْتَرَضَهُ الإِمَام أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي وَقَالَ قَول وَاضعه يَعْنِي كَحَدِيث نوح بن أبي مَرْيَم لَيْسَ بقاطع بِوَضْعِهِ لجَوَاز كذبه فِيمَا أقرّ بِهِ يَعْنِي إِمَّا للتنفير عَن ذَلِك الحَدِيث الْمَرْوِيّ أَو لنَوْع آخر فَيحصل لغيره الرِّيبَة وَالشَّكّ فِيهِ وَجَوَابه إِن كَانَ الحَدِيث لَا يعرف إِلَّا من طَرِيق ذَلِك الشَّخْص كَانَ إِقْرَاره بذلك مسْقطًا لروايته وَقد حكم الشَّرْع على الْمقر بِمُقْتَضى إِقْرَاره وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون فِي نفس الْأَمر خِلَافه فَلَا نظر إِلَى ذَلِك الثَّانِي اقْتضى أَنه لَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْفُقَهَاء إِن شَهَادَة الزُّور تثبت بِالْإِقْرَارِ دون الْبَيِّنَة فَيجوز أَن تشرك الرِّوَايَة الشَّهَادَة فِي هَذَا الحكم أَيْضا (إِذا رفعت الرِّوَايَة) للْحَاكِم وَلَكِن ظَاهر تصرف الْمُحدثين خِلَافه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 218 - (قَوْله) أَو نَازل منزلَة إِقْرَاره أَي مِثَاله قيل لزائدة لم تركت حَدِيث الْكَلْبِيّ قَالَ مرض الْكَلْبِيّ فَكنت أختلف إِلَيْهِ فَسَمعته يَقُول مَرضت فنسيت مَا كنت أحفظه فَأتيت آل مُحَمَّد فتفلوا فِي فِي فَحفِظت كل مَا نسيت فَقلت لله عَليّ لَا أروي عَنْك شَيْئا أبدا 219 - (قَوْله) أَو من قرينَة حَال الرَّاوِي أَي كمن لم يرو عَمَّن لم يُدْرِكهُ قَالَ الْخَطِيب هَذَا مِمَّا يسْتَدلّ بِهِ على الحديث: 218 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 كذب الرَّاوِي كَمَا جَاءَ عَن عمر بن مُوسَى قَالَ ثَنَا شيخكم الصَّالح وَأكْثر من ذَلِك فَقيل لَهُ من هُوَ قَالَ خَالِد بن معدان فَقيل لَهُ فِي أَي سنة لَقيته قَالَ سنة ثَمَان وَمِائَة فِي غزَاة أرمينية فَقيل لَهُ اتَّقِ الله يَا شيخ وَلَا تكذب مَاتَ خَالِد سنة أَربع وَمِائَة وَلم يغز أرمينية قطّ وكغياث بن إِبْرَاهِيم لما زَاد لأجل الْمهْدي ذكر الْجنَاح فِي حَدِيث لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر فتقرب إِلَيْهِ بذلك فَلَمَّا قَامَ عَنهُ قَالَ أشهد أَن قفاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 قفا كَذَّاب رَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة وَنسبه الْقُرْطُبِيّ فِي أَوَائِل تَفْسِيره إِلَى أبي البخْترِي القَاضِي وَذكر أَبُو حَيَّان التوحيدي فِي البصائر عَن القَاضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 أبي حَامِد المروروذي أَن رجلا أَتَى بَاب الْمهْدي وَمَعَهُ نَعْلَانِ فَقَالَ هما نعلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرفهُ الْمهْدي فَأدْخلهُ وَقَبله وَوَصله فَلَمَّا خرج قَالَ الْمهْدي وَالله مَا هما بنعلي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن أَيْن صارتا لَهُ أبميراث أم بشرَاء أم بِهِبَة لَكِن كرهت أَن يُقَال أهدي إِلَيْهِ نعلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقبلهَا واستخف بحكمهما 220 - (قَوْله) أَو بِقَرِينَة فِي الْمَرْوِيّ فقد وضعت أَحَادِيث يشْهد بوضعها الحديث: 220 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 ركاكة ألفاظها ومعانيها قلت يشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي يعلى ثَنَا أَبُو خَيْثَمَة ثَنَا أَبُو عَامر الْعَقدي ثَنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عبد الْملك بن سعيد بن سُوَيْد عَن أبي حميد وَأبي أسيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث تعرفه قُلُوبكُمْ وتلين لَهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وترون أَنه قريب مِنْكُم فَأَنا أولاكم بِهِ وَإِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث تقشعر لَهُ جلودكم وتنفر لَهُ قُلُوبكُمْ واشعاركم وترون أَنه مِنْكُم بعيد فَأَنا أبعدكم مِنْهُ وَترْجم عَلَيْهِ ذكر الْأَخْبَار عَمَّا يسْتَحبّ لكم من كَثْرَة سَماع الْعلم ثمَّ الافتقار وَالتَّسْلِيم وروى شيخ الْإِسْلَام الْهَرَوِيّ فِي كتاب ذمّ الْكَلَام من جِهَة الدَّارمِيّ ثَنَا الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 ثَنَا يحيى بن آدم ثَنَا ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حدثتم حَدِيثا عني تعرفونه وَلَا تُنْكِرُونَهُ فصدقوا بِهِ قلته أَو لم أَقَله فَإِنِّي لَا أَقُول إِلَّا مَا يعرف وَلَا يُنكر وَإِذا حدثتم عني حَدِيثا تُنْكِرُونَهُ وَلَا تعرفونه فكذبوا بِهِ فَإِنِّي لَا أَقُول مَا يُنكر وَأَقُول مَا يعرف قَالَ شيخ الْإِسْلَام لَا أعرف عِلّة هَذَا الْخَبَر (د 73) فَإِن رُوَاته كلهم ثِقَات والإسناد مُتَّصِل وَمِمَّنْ صَححهُ عبد الْحق فِي أَحْكَامه والقرطبي فِي أول الْمُفْهم وَأما القَاضِي عِيَاض فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ حَدِيث ضَعِيف ضعفه الْأصيلِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة (أ 120) وتأوله الطَّحَاوِيّ إِن صَحَّ على أَن مَا جَاءَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُوَافقا لكتاب الله عز وَجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَمَا عرف من سنته غير مُخَالف لشريعته وَلَا يتَحَقَّق أَنه قَالَه فليصدق بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ إِذْ قد صَحَّ من أصُول الشَّرِيعَة أَنه قَالَ يُغير هَذَا اللَّفْظ وَلَا يكذب بِهِ إِذْ يحْتَمل أَنه قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعلم أَنه قد اسْتعْمل أَئِمَّة الحَدِيث هَذِه الطَّرِيقَة وَلَهُم فِي معرفَة ذَلِك ملكة يعْرفُونَ بهَا الْمَوْضُوع وَشَاهده أَن إنْسَانا لَو خدم ملكا سنينا وَعرف مَا يحب وَمَا يكره فجَاء إِنْسَان ادّعى أَنه كَانَ يكره شَيْئا يعلم ذَلِك أَنه يُحِبهُ فبمجرد سَمَاعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 يُبَادر إِلَى تَكْذِيب من قَالَ إِنَّه يكرههُ لَكِن فِي كَون ذَلِك من دَلَائِل الْوَضع نظر وَكَذَا قَول بَعضهم كَون الْمَرْوِيّ مِمَّا يخل بالفصاحة فَإنَّا إِذا جَوَّزنَا رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظِهِ الفصيح وَلم يحفظه الرَّاوِي وَهَذَا السُّؤَال ذكره الإِمَام أَبُو الْعِزّ المقترح جد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد لأمه ثمَّ قَالَ نعم إِن صرح أَن هَذَا صِيغَة الْمُصْطَفى وَكَانَت تخل بالفصاحة ردَّتْ رِوَايَته وَتبين وهمه انْتهى وَهنا أُمُور مهمة مِنْهَا قد كثر مِنْهُم الحكم على الحَدِيث بِالْوَضْعِ استنادا إِلَى أَن رَاوِيه عرف بِالْوَضْعِ فيحكمون على جَمِيع مَا يرويهِ هَذَا الرَّاوِي بِالْوَضْعِ وَهَذِه الطَّرِيقَة استعملها ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الموضوعات وَهِي غير صَحِيحَة لِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونه مَعْرُوفا بِالْوَضْعِ أَن يكون جَمِيع مَا يرويهِ مَوْضُوعا لَكِن الصَّوَاب فِي هَذَا أَنه لَا يحْتَج بِمَا يرويهِ لضَعْفه وَيجوز أَن يكون مَوْضُوعا لَا أَنه مَوْضُوع لَا محَالة وَقد قَالَ القَاضِي أَبُو الْفرج النهرواني فِي الْمجْلس الْمِائَة من كتاب الجليس الصَّالح زعم جمَاعَة من أهل صناعَة الحَدِيث وَكثير مِمَّن لَا نظر لَهُ فِي الْعلم فَظن أَن مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 ضعف رَاوِيه فَهُوَ بَاطِل فِي نَفسه ومقطوع على إِنْكَاره من أَصله وَهَذَا جهل مِمَّن ذهب إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَن رَاوِيا مَعْرُوفا بِالْكَذِبِ فِي رواياته لَو روى خَبرا انْفَرد بِهِ مِمَّا يُمكن أَن يكون حَقًا أَو يكون بَاطِلا لوَجَبَ التَّوَقُّف على الحكم بِصِحَّتِهِ وَالْعَمَل بِمَا تضمنه وَلم يجز الْقطع على تَكْذِيب رِوَايَته وَالْحكم بتكذيب مَا رَوَاهُ انْتهى وَفِي كتاب أدب الحَدِيث لعبد الْغَنِيّ بن سعيد من سمع عني حَدِيثا فكذبه فقد كذب ثَلَاثَة الله وَرَسُوله والناقل لَهُ وَمِنْهَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعيد العلائي الحكم على الحَدِيث بِكَوْنِهِ مَوْضُوعا من الْمُتَأَخِّرين عسر جدا لِأَن ذَلِك لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بعد جمع الطّرق وَكَثْرَة التفتيش وَأَنه لَيْسَ لهَذَا الْمَتْن سوى هَذَا الطَّرِيق الْوَاحِد ثمَّ يكون فِي رواتها من هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ إِلَى مَا يَنْضَم إِلَى ذَلِك من قَرَائِن كَثِيرَة تَقْتَضِي لِلْحَافِظِ المتبحر بِأَن هَذَا الحَدِيث كذب وَلِهَذَا انتقد الْعلمَاء على أبي الْفرج فِي كِتَابه الموضوعات وتوسعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 بالحكم بذلك على كثير من أَحَادِيث لَيست بِهَذِهِ المثابة وَيَجِيء بعده من لَا يَد لَهُ فِي علم الحَدِيث فيقلده فِيمَا حكم بِهِ من الْوَضع وَفِي هَذَا من الضَّرَر الْعَظِيم مَالا يخفى وَهَذَا بِخِلَاف الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين الَّذين منحهم الله تَعَالَى التبحر فِي علم الحَدِيث والتوسع فِي حفظه كشعبة وَالْقطَّان وَابْن مهْدي وَنَحْوهم وأصحابهم مثل أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَابْن رَاهَوَيْه وَطَائِفَة ثمَّ أَصْحَابهم مثل البُخَارِيّ وَمُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَهَكَذَا إِلَى زمن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَلم يَجِيء بعدهمْ مسَاوٍ لَهُم وَلَا مقارب فَمَتَى وجد فِي كَلَام أحد من الْمُتَقَدِّمين الحكم بِوَضْع شَيْء كَانَ مُتَعَمدا لما أَعْطَاهُم الله عز وَجل من الْحِفْظ الغزير وَإِن اخْتلف النَّقْل عَنْهُم عدل إِلَى التَّرْجِيح انْتهى وَفِيمَا قَالَه نظر فقد حكم جمع من الْمُتَقَدِّمين على أَحَادِيث بِأَنَّهُ لَا أصل لَهَا (أ 121) ثمَّ وجد الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَفَوق كل ذِي علم عليم فَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِنَّه يبْحَث عَن ذَلِك وَيُرَاجع من لَهُ عناية بِهَذَا الشَّأْن فَإِن لم يُوجد عِنْدهم مَا يُخَالف ذَلِك اعْتمد حِينَئِذٍ وَمِنْهَا جعل بعض الْأُصُولِيِّينَ من دَلَائِل الْوَضع أَن يُخَالف الْعقل فقد قَالَ الله تَعَالَى {لآيَات لقوم يعْقلُونَ} وَلِهَذَا أَنْكَرُوا حَدِيث عرق الْخَيل الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 رَوَاهُ مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي قَالَ الْبَيْهَقِيّ هُوَ مَوْضُوع وَقَالَ ابْن عدي كَانَ الثَّلْجِي يضع الْأَحَادِيث الَّتِي يشنع بهَا على أهل الحَدِيث وَجعلُوا من دَلَائِل الْوَضع أَيْضا أَن يُخَالف نَص الْكتاب كَمَا قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ - فِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أَيُّوب بن خَالِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ خلق الله التربة يَوْم السبت الحَدِيث قَالَ لَعَلَّ إِسْمَاعِيل سَمعه من إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى وَقَالَ البُخَارِيّ الصَّوَاب أَنه من قَول كَعْب الْأَحْبَار وَكَذَا ضعفه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من الْحفاظ وَقَالُوا هُوَ خلاف ظَاهر الْقُرْآن من أَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من جِهَة ابْن جريج عَن إِسْمَاعِيل بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وَمِنْهَا أَن يُخَالف صَحِيح السّنة وَهَذِه طَريقَة ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَهِي طَريقَة ضَعِيفَة لَا سِيمَا حَيْثُ أمكن الْجمع قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه فِي حَدِيث لَا يُؤمن عبد قوما فيخص نَفسه بدعوة فَإِن فعل فقد خَانَهُمْ هَذَا حَدِيث مَوْضُوع فقد ثَبت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 والْحَدِيث لَا يَنْتَهِي إِلَى ذَلِك فقد حسنه التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَلَيْسَ بمعارض لحَدِيث الاستفتاح لِإِمْكَان حمله على مَا لَا يشرع للْإِمَام وَالْمَأْمُوم وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لست كأحدكم إِنِّي أطْعم وأسقى هَذَا الْخَبَر يدل على أَن الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَ فِيهَا أَنه كَانَ يضع الْحجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 على بَطْنه كلهَا أباطيل وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا الحجز وَهُوَ طرف الْإِزَار لَا الْحجر إِذْ الله جلّ وَعلا كَانَ يطعم رَسُوله ويسقيه إِذا وَاصل فَكيف يتْركهُ جائعا مَعَ عدم الْوِصَال حَتَّى يشد الْحجر على بَطْنه وَمَا يُغني الْحجر عَن الْجُوع وَقَالَ فِي كِتَابه الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة أبان سُفْيَان إِنَّه روى حَدِيث عبد الله بن أبي أُصِيبَت ثنيته يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 أحد فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَّخذ ثنية من ذهب وروى النَّهْي أَن يُصَلِّي إِلَى نَائِم أَو متحدث قَالَ ابْن حبَان هَذَانِ موضوعان وَكَيف يَأْمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 الْمُصْطَفى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام باتخاذ الثَّنية من ذهب وَقد قَالَ إِن الذَّهَب وَالْحَرِير يحرمان على ذُكُور أمتِي وَكَيف ينْهَى عَن الصَّلَاة إِلَى النَّائِم وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَعَائِشَة مُعْتَرضَة بَينه وَبَين الْقبْلَة انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وَلَا يخفى مَا فِي ذَلِك وَقد قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان - بعد كَلَام ابْن حبَان - هَذَا حكمك عَلَيْهِمَا بِالْوَضْعِ بِمُجَرَّد (د 74) مَا أبديت حكم فِيهِ نظر لَا سِيمَا خبر الثَّنية وَمِنْهَا أَن الْوَضع قد وَقع وَمِنْهُم من اسْتدلَّ على وُقُوعه بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سيكذب عَليّ فَإِن كَانَ هَذَا صَحِيحا وَقع الْكَذِب وَإِلَّا فقد حصل الْمَقْصُود وَفِيه نظر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَحَادِيث الْمَوْجُودَة الْآن لِأَن الِاسْتِقْبَال فِي سيكذب لَا يعين وَقتهَا وَقد بقيت أزمان وَعِنْدهم نسخ مَشْهُورَة بِالْوَضْعِ وَقد جمعهَا بَعضهم فِي قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 (أَحَادِيث نسطور وَيسر ويغنم ... وَبعد أشج الْقَيْس ثمَّ خرَاش) (ونسخة دِينَار ونسخة تربه ... أبي هدبة الْقَيْسِي شبه فرَاش) 221 - (قَوْله) وَلَقَد أَكثر الَّذِي جمع فِي هَذَا الْعَصْر الموضوعات يُرِيد بِهِ أَبَا الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ واعتراضه عَلَيْهِ صَحِيح كَمَا سبق بَيَانه إِلَّا أَن الحديث: 221 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 قَوْله إِن حَقه أَن يذكر فِي الضَّعِيف مَمْنُوع اقْتِصَاره على ذَلِك فَإِن فِيهَا مَا ضعفه مُحْتَمل وَيُمكن التَّمَسُّك بِهِ فِي التَّرْغِيب والترهيب وَمِنْهَا ماهو وَحَدِيث حسن أَو صَححهُ بعض الْأَئِمَّة ك [حَدِيث] صَلَاة التَّسْبِيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ أَخطَأ بِذكرِهِ لَهُ فِي الموضوعات وَلم يكن لَهُ ذَلِك وَقد (أ 122) خرجه الْحفاظ فِي كتبهمْ وكحديث قِرَاءَة آيَة الْكُرْسِيّ عقب الصَّلَاة حكم عَلَيْهَا بِالْوَضْعِ وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد على شَرط الصَّحِيح قَالَ الْحَافِظ الْمزي أَسَاءَ ابْن الْجَوْزِيّ بِذكرِهِ فِي الموضوعات وَله مثل هَذَا كثير وَبَين قَوْلنَا لم يَصح وَقَوْلنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 مَوْضُوع بون كَبِير فَإِن الْوَضع إِثْبَات الْكَذِب والاختلاق وَقَوْلنَا لَا يَصح لَا يلْزم مِنْهُ إِثْبَات الْعَدَم وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن عدم الثُّبُوت وَفرق بَين الْأَمريْنِ وَقد ثَبت من طَرِيق آخر 222 - (قَوْله) والواضعون للْحَدِيث أَصْنَاف قلت قَالَ القَاضِي عِيَاض مِنْهُم من وضع عَلَيْهِ مالم يقلهُ أصلا إِمَّا اسْتِخْفَافًا كالزنادقة أَو حسبَة بزعمهم وتدينا كجهلة المتعبدين الَّذين وضعُوا الْأَحَادِيث فِي الْفَضَائِل والرغائب أَو إغرابا وَسُمْعَة كفسقة الْمُحدثين أَو تعصبا واحتجاجا كدعاة المبتدعة ومتعصبي الْمذَاهب أَو أتباعا لهوى فِيمَا أرادوه وَطلب الْعذر لَهُم فِيمَا راموه وَقد تعين جمَاعَة من كل من هَذِه الطَّبَقَات عِنْد أهل الصَّنْعَة وعلماء الرِّجَال وَمِنْهُم من لَا يضع متن الحَدِيث وَلَكِن رُبمَا وضع للمتن الضَّعِيف إِسْنَادًا مَشْهُورا وَمِنْهُم من يقلب الْأَسَانِيد وَيزِيد فِيهَا وَيسْتَعْمل ذَلِك إِمَّا للإغراب على غَيره أَو لرفع الْجَهَالَة عَن نَفسه وَمِنْهُم من يكذب ليدعي سَماع مَا لم يسمع ولقاء من لم يلق وَيحدث الحديث: 222 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 بأحاديثهم الصَّحِيحَة عَنْهُم وَمِنْهُم من يعمد إِلَى كَلَام الصَّحَابَة أَو غَيرهم وَحكم الْعَرَب فينسبها للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترويجا لَهَا قلت وَمن الزَّنَادِقَة مُحَمَّد بن سعيد المصلوب والمغيرة بن سعيد الْكِنْدِيّ أَرَادوا بذلك إِيقَاع الشَّك فِي قُلُوب النَّاس فرووا أَنا خَاتم النَّبِيين لَا نَبِي بعدِي إِلَّا أَن يَشَاء الله وَقَالَ شيخ من الْخَوَارِج بعد تَوْبَته أنظروا عَمَّن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 تأخذون دينكُمْ فَإنَّا كُنَّا إِذا هوينا أمرا صيرناه حَدِيثا قَالَ صَاحب الْمُفْهم وَقد استجاز بعض فُقَهَاء الْعرَاق نِسْبَة الحكم الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْقيَاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسْبَة قولية ل [فَيَقُول] فِي ذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَلِهَذَا نرى كتبهمْ مشحونة بِأَحَادِيث تشهد متونها بِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لِأَنَّهَا تشبه فَتَاوَى الْفُقَهَاء وَلَا تلِيق بجزالة كَلَام سيد الْمُرْسلين وَإِنَّهُم لَا يُقِيمُونَ لَهَا سندا صَحِيحا قَالَ وَهَؤُلَاء يشملهم الْوَعيد بِالْكَذِبِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 223 - (قَوْله) وَفِيمَا روينَاهُ عَن الإِمَام أبي بكر السَّمْعَانِيّ أَن بعض الكرامية جوز وضع الحَدِيث فِي بَاب التَّرْغِيب والترهيب قلت هَذَا قَالَه ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْمجْلس الثَّالِث من أَمَالِيهِ قَالَ واغتروا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 بِحَدِيث رَوَاهُ يُونُس بن بكير عَن الْأَعْمَش عَن طَلْحَة بن مصرف عَن عَمْرو ابْن شُرَحْبِيل عَن عبد الله بن مَسْعُود يرفعهُ من كذب عَليّ مُتَعَمدا ليضل فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار قَالَ وَهَذَا القَوْل مِنْهُم بَاطِل وَالْكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرَام فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَأما حَدِيث يُونُس بن بكير فقد جَاءَ عَنهُ بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ سَاقه كَذَلِك وَقَالَ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ وهم يُونُس بن بكير فِي هَذَا الحَدِيث فِي موضِعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 أَحدهمَا أَنه أسقط بَين طَلْحَة وَعَمْرو بن شُرَحْبِيل أَبَا عمار وَالثَّانِي أسْندهُ وَالْمَحْفُوظ أَنه مُرْسل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير ذكر ابْن مَسْعُود قَالَ وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [قَالَ] من حدث عني حَدِيثا بَاطِلا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار انْتهى وَذكر غَيره أَن الْعلمَاء أجابوا عَن هَذِه الزِّيَادَة بأجوبة أَحدهَا أَنَّهَا زِيَادَة بَاطِلَة اتّفق الْحفاظ على بُطْلَانهَا وَأَنه لَا تعرف صِحَّتهَا بِحَال الثَّانِي قَالَ الطَّحَاوِيّ لَو صحت (أ 123) لكَانَتْ للتَّأْكِيد لقَوْله تَعَالَى {فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا ليضل النَّاس بِغَيْر علم} الثَّالِث أَن اللَّام فِي يضل لَيست للتَّعْلِيل بل للصيرورة وَالْعَاقبَة أَي يصير كذبهمْ للإضلال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَبَقِي مِمَّا يتَعَلَّق بِكَلَام المُصَنّف ضبط السَّمْعَانِيّ والكرامية أما السَّمْعَانِيّ فَسبق فِي الْحسن وَأما الكرامية فَفِيهِ خلاف وَقد جرى بَين الشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل وَالْقَاضِي سعد الدّين الْحَارِثِيّ فَقَالَ ابْن المرحل هُوَ بتَخْفِيف الرَّاء فَأنكرهُ الْحَارِثِيّ عَلَيْهِ فأصر ابْن المرحل على التَّخْفِيف وَأنْشد (الْفِقْه فقه أبي حنيفَة وَحده ... وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام) وَذكر لي شَيخنَا جمال الدّين ابْن هِشَام - رَحمَه الله تَعَالَى - أَن الشَّيْخ الإِمَام أَبَا الْحسن السُّبْكِيّ - رَحمَه الله تَعَالَى - أخبرهُ أَن بعض النَّاس إِذْ ذَاك اتهمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 ابْن المرحل بِوَضْع هَذَا الْبَيْت قلت وَلَيْسَ كَذَلِك فقد أنْشدهُ الثعالبي لأبي الْفَتْح البستي وَأورد بعده (إِن الَّذين أَرَاهُم لم يُؤمنُوا ... بِمُحَمد بن كرام غير كرام) وَهَذَا الْبَيْت يعضد ضَبطه بِالتَّخْفِيفِ لَكِن مَا ضَبطه الْحَارِثِيّ هُوَ الَّذِي ذكره غير وَاحِد من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن مِنْهُم الْخَطِيب فِي المؤتلف والمختلف وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ كرام مثقل الرَّاء قَيده ابْن مَاكُولَا وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغير وَاحِد وَهُوَ الْجَارِي على الْأَلْسِنَة وَقد أنكر ذَلِك متكلمهم مُحَمَّد بن الهيصم وَغَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَحكى ابْن الهيصم فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا كرام بِالتَّخْفِيفِ وَالْفَتْح على وزن حَلَال وَذكر أَنه الْمَعْرُوف فِي أَلْسِنَة مشايخهم وَزعم أَنه بِمَعْنى كَرَامَة أَو كريم وَالثَّانِي كرام بِالْكَسْرِ على لفظ جمع كريم وَحكى هَذَا عَن أهل سجستان وَأطَال فِي ذَلِك قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَلَا معدل عَن الأول وَهُوَ الَّذِي أوردهُ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَقَالَ كَانَ وَالِده يحفظ الْكَرم فَقيل لَهُ الْكِرَام وَاعْتَرضهُ الذَّهَبِيّ وَقَالَ هَذَا قَالَه السَّمْعَانِيّ بِلَا إِسْنَاد وَفِيه نظر فَإِن كلمة كرام علم على وَالِد مُحَمَّد سَوَاء عمل فِي الْكِرَام أم لم يعْمل انْتهى وَقد لخص ابْن الصّلاح فِي فَوَائِد رحلته (د 75) مَا قَالَه مُحَمَّد بن الهيصم فِي كِتَابه مَنَاقِب مُحَمَّد بن كرام 224 - (قَوْله) وَرُبمَا غلط غالط فَوَقع فِي شبه الْوَضع بِلَا تعمد كَمَا وَقع لِثَابِت بن مُوسَى الزَّاهِد فِي حَدِيث من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ قلت هَذَا قَالَه الخليلي فِي الْإِرْشَاد وَمِنْه أَخذه المُصَنّف وَهَذَا الحَدِيث الحديث: 224 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الطلحي ثَنَا ثَابت بن مُوسَى أَبُو زيد عَن شريك عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ وَإِسْمَاعِيل الطلحي وثابت بن مُوسَى وثقهما أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ مطين وَقَالَ توفّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 إِسْمَاعِيل سنة 233 وَغَيره يَقُول سنة 32 فَلَيْسَ عِنْدهم بِصَحِيح قَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه ثَابت بن مُوسَى العابد الضَّرِير كُوفِي حَدِيثه بَاطِل لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا يُتَابِعه عَلَيْهِ ثِقَة ثمَّ سَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث وَكَذَا قَالَ ابْن عدي لَا يعرف إِلَّا بِهِ سَرقه مِنْهُ جمَاعَة من الضُّعَفَاء قَالَ وَبَلغنِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير أَنه ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث عَن ثَابت فَقَالَ بَاطِل شبه على ثَابت وَذَلِكَ أَن شَرِيكا كَانَ مزاحا وَكَانَ ثَابت رجلا صَالحا فَيُشبه أَن يكون ثَابت دخل على شريك وَكَانَ شريك يَقُول حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والتفت فَرَأى ثَابتا دخل على شريك وَكَانَ يمازحه من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ فَظن ثَابت لِغَفْلَتِه أَن هَذَا الْكَلَام الَّذِي قَالَه شريك هُوَ من الْإِسْنَاد الَّذِي قَرَأَهُ فَحَمله على ذَلِك وَإِنَّمَا ذَلِك قَول شريك 225 - (قَوْله) والإسناد الَّذِي قَرَأَهُ مَتنه حَدِيث مَعْرُوف انْتهى هَذَا هُوَ الْغَلَط الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الصّلاح وَقد يُنَازع فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا الحديث: 225 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 أَنه قد تَابع ابْن مُوسَى (أ 124) على رِوَايَته هَذَا عَن شريك جمَاعَة من الضُّعَفَاء - كَمَا قَالَه ابْن عدي مِنْهُم عبد الحميد بن (بَحر) وَعبد الله بن شبْرمَة الشريكي وَإِسْحَاق بن بشر الْكَاهِلِي ومُوسَى بن مُحَمَّد أَبُو الطَّاهِر الْمَقْدِسِي وَيُجَاب بِأَن الْمَذْكُورين سَرقُوهُ مِنْهُ كَمَا قَالَ ابْن عدي لَكِن مُتَابعَة عبد الله بن شبْرمَة رَوَاهَا أَبُو نعيم فِي تَارِيخ أَصْبَهَان ثَنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد ثَنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 ثَنَا عبد الله بن شبْرمَة الْكُوفِي ثَنَا شريك بِهِ هَكَذَا قَالَ الْكُوفِي وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام احْتج بِهِ مُسلم وَأما الشريكي الَّذِي ذكره ابْن عدي فَلم أر لَهُ ذكرا فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل بل قد جَاءَ الحَدِيث من غير طَرِيق شريك أخرجه ابْن جَمِيع فِي مُعْجَمه فَقَالَ ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الرقي ثَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن هِشَام بن الْوَلِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 ثَنَا جبارَة [بن] الْمُغلس عَن كثير بن سليم عَن أنس بِهِ مَرْفُوعا وجبارة وَكثير ضعيفان الثَّانِي أَن هَذَا الْمِثَال من بَاب المدرج لَا من الْمَوْضُوع وَلِهَذَا قَالَ ابْن حبَان فِي كتاب الضُّعَفَاء ثَابت بن مُوسَى العابد روى عَن شريك عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ قَالَ ابْن حبَان وَإِنَّمَا هُوَ قَول شريك قَالَه عقب حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكُم [ثَلَاث عقد فأدرج] ثَابت فِي الْخَبَر وَجعل قَول شريك من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سرق [هَذَا من] ثَابت جمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 من الضُّعَفَاء فَحَدثُوا بِهِ عَن شريك واقترن بِهِ التَّمْثِيل بِمَا ذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن يزِيد بن هَارُون عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من عمل بِمَا يعلم وَرثهُ الله علم مَا لم يعلم قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن أبي الْحوَاري ذكر أَحْمد بن حَنْبَل هَذَا الْكَلَام عَن بعض التَّابِعين أَنه ذكره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع هَذَا الْإِسْنَاد لسهولته وقوته وَهَذَا الحَدِيث لَا يحْتَمل بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أَحْمد بن حَنْبَل 226 - (قَوْله) وَهَكَذَا حَال الحَدِيث الطَّوِيل الَّذِي يرْوى عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة بحث باحث عَن مخرجه حَتَّى انْتهى إِلَى من اعْترف بِأَنَّهُ وَجَمَاعَة وضعوه انْتهى وَهَذَا الباحث الَّذِي أبهمه هُوَ مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل فَإِنَّهُ قَالَ حَدثنِي شيخ بِالْبَصْرَةِ فصرت إِلَيْهِ فَقَالَ حَدثنِي شيخ بعبادان فصرت إِلَيْهِ فَأخذ بيَدي وأدخلني الحديث: 226 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 بَيْتا فَإِذا فِيهِ قوم من المتصوفة وَمَعَهُمْ شيخ فَقَالَ هَذَا الشَّيْخ حَدثنِي فَقلت يَا شيخ من حَدثَك قَالَ لم يحدثني أحد وَلَكنَّا رَأينَا النَّاس قد رَغِبُوا عَن الْقُرْآن فَوَضَعْنَا لَهُم هَذَا الحَدِيث ليصرفوا قُلُوبهم إِلَى الْقُرْآن قلت وَكَأن المُصَنّف إِنَّمَا أبهم الباحث لغضاضة فِيهِ فقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل كثير الْخَطَأ وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث 227 - (قَوْله) وَلَقَد أَخطَأ الواحدي الْمُفَسّر وَغَيره كَالثَّعْلَبِيِّ والزمخشري فِي ذكره لَكِن الثَّعْلَبِيّ والواحدي ذكرَاهُ بِالْإِسْنَادِ الحديث: 227 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 فخف حَاله لِأَنَّهُ يعرف أمره [من الْإِسْنَاد] بِخِلَاف من ذكره بِلَا إِسْنَاد وَجزم بِهِ كالزمخشري فَإِن خطأه أَشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 النَّوْع الثَّانِي وَالْعشْرُونَ المقلوب 228 - (قَوْله) هُوَ نَحْو حَدِيث مَشْهُور عَن سَالم جعل عَن نَافِع ليصير بذلك غَرِيبا مرغوبا فِيهِ انْتهى وَهَذَا التَّعْرِيف غير واف بِحَقِيقَة المقلوب وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِير لنَوْع مِنْهُ وَحَقِيقَته جعل إِسْنَاد (أ 125) لمتن آخر وتغيير إِسْنَاد بِإِسْنَاد وَأطْلقهُ الْقشيرِي على مَا فسرنا بِهِ غَرِيب الْإِسْنَاد قَالَ وَهَذَا النَّوْع على طَريقَة الْفُقَهَاء يجوز أَن يكون بَينهمَا جَمِيعًا لَكِن تقوم عِنْد الْمُحدثين قَرَائِن وظنون يحكمون بهَا على الحَدِيث بِأَنَّهُ مقلوب وَقد يُطلق على رَاوِيه أَنه يسرق الحَدِيث وَقد يُطلق المقلوب على اللَّفْظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِسْنَاد والإسناد بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّفْظ فالنسبة من اصطلاحهم إِطْلَاق المقلوب على شَيْئَيْنِ أَحدهمَا مَا ذكره ابْن الصّلاح وَهُوَ أَن يكون الحَدِيث مَشْهُورا براو فَيجْعَل الحديث: 228 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 مَكَانَهُ راو آخر فِي طبقته ليصير بذلك غَرِيبا مرغوبا فِيهِ كَحَدِيث مَشْهُور بسالم فَيجْعَل مَكَانَهُ نَافِعًا وَقد كَانَ يَفْعَله جمَاعَة من الوضاعين كحماد بن عَمْرو النصيبي وَإِبْرَاهِيم بن أبي حَيَّة مِثَاله حَدِيث رَوَاهُ عَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي عَن حَمَّاد بن عَمْرو النصيبي عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِذا لَقِيتُم الْمُشْركين فِي طَرِيق فَلَا تبدؤوهم بِالسَّلَامِ الحَدِيث فَهَذَا مقلوب قلبه حَمَّاد بن عَمْرو أحد الهالكين فَجعله عَن الْأَعْمَش وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف بسهيل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة هَكَذَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه وَقد يَقع ذَلِك غَلطا من بعض الروَاة الثِّقَات (د 76) كَحَدِيث الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث بسر بن سعيد أَن زيد بن خَالِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وَفِي سنَن ابْن مَاجَه قَالَ أرسلوني إِلَى زيد بن خَالِد وَالصَّوَاب الأول قَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة مقلوبا وَالْقَوْل عندنَا قَول مَالك وَرَبِيعَة الثَّانِي أَن يُوجد إِسْنَاد متن فَيجْعَل على متن آخر أَو متن فَيجْعَل بِإِسْنَاد آخر وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي حِكَايَة البُخَارِيّ وَهَذَا قد يقْصد بِهِ أَيْضا الإغراب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 فَيكون ذَلِك كالوضع وَقد يفعل اختبارا لحفظ الْمُحدث هَل يقبل التَّلْقِين أم لَا وَمِمَّنْ فعل ذَلِك شُعْبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَقد أنكر حرمي على شُعْبَة لما حَدثهُ (بهز أَن شُعْبَة) قلب أَحَادِيث على أبان بن أبي عَيَّاش فَقَالَ حرمي بئس مَا صنع 229 - (قَوْله) وَكَذَلِكَ مَا روينَا أَن البُخَارِيّ قدم بَغْدَاد إِلَى آخِره هَذِه الْحِكَايَة رَوَاهَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد فَقَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي الْحسن الساحلي أَنا أَحْمد بن الْحسن الرَّازِيّ سَمِعت أَبَا الحديث: 229 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 أَحْمد بن عدي يَقُول سَمِعت عدَّة مَشَايِخ يحكون أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ قدم بَغْدَاد فَسمع بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث فَاجْتمعُوا وعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها وَجعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر ودفعوها إِلَى عشرَة أنفس إِلَى كل رجل عشرَة أَحَادِيث وَأمرُوهُمْ إِذا حَضَرُوا الْمجْلس يلقون ذَلِك على البُخَارِيّ وَأخذُوا الْموعد للمجلس فَحَضَرَ الْمجْلس جمَاعَة أَصْحَاب الحَدِيث من الغرباء من أهل خُرَاسَان وَغَيرهم وَمن البغداديين فَلَمَّا اطْمَأَن الْمجْلس بأَهْله انتدب إِلَيْهِ رجل من الْعشْرَة فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث فَقَالَ البُخَارِيّ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ فَمَا زَالَ يلقِي إِلَيْهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى فرغ من عشرته وَالْبُخَارِيّ يَقُول لَا أعرفهُ فَكَانَ الْفُقَهَاء مِمَّن حضر الْمجْلس يلْتَفت بَعضهم إِلَى بعض وَيَقُولُونَ فهم الرجل وَمن كَانَ مِنْهُم غير ذَلِك يقْضِي على البُخَارِيّ بِالْعَجزِ وَقلة الْفَهم ثمَّ انتدب رجل آخر من الْعشْرَة فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث المقلوبة فَقَالَ البُخَارِيّ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ فَلم يزل يلقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بعد آخر حَتَّى فرغ من عشرته (أ 126) وَالْبُخَارِيّ يَقُول لَا أعرفهُ ثمَّ انتدب إِلَيْهِ الثَّالِث وَالرَّابِع إِلَى تَمام الْعشْرَة حَتَّى فرغوا كلهم من الْأَحَادِيث المقلوبة وَالْبُخَارِيّ لَا يزيدهم على لَا أعرفهُ فَلَمَّا علم البُخَارِيّ انهم قد فرغوا الْتفت إِلَى الأول مِنْهُم فَقَالَ أما حَدِيثك الأول فَهُوَ كَذَا وَصَوَابه كَذَا وحديثك الثَّانِي فَهُوَ كَذَا وَصَوَابه كَذَا وحديثك الثَّالِث وَالرَّابِع على الْوَلَاء حَتَّى أَتَى على تَمام الْعشْرَة فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وكل إِسْنَاد إِلَى مَتنه وَفعل بالآخرين مثل ذَلِك ورد متون الْأَحَادِيث كلهَا إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 أسانيدها وأسانيدها إِلَى متونها فأقروا لَهُ بِالْحِفْظِ وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ 230 - (قَوْله) وَمن أمثلته وَيصْلح مِثَالا للمعلل إِلَى آخِره هَذَا مِثَال للقلب بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِسْنَاد وَلم يتَعَرَّض للقلب فِي الْمَتْن ومثاله من حَدِيث جرير بن حَازِم هَذَا مَا أخرجه الْأَرْبَعَة من جِهَة جرير عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل من الْمِنْبَر فيتعرض لَهُ الرجل فِي الْحَاجة الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث جرير وَسمعت مُحَمَّدًا يَقُول [وهم جرير بن حَازِم فِي هَذَا الحَدِيث وَالصَّحِيح مَا رُوِيَ عَن ثَابت عَن أنس قَالَ أُقِيمَت الصَّلَاة فَأخذ رجل بيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا زَالَ يكلمهُ حَتَّى نعس الحديث: 230 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 بعض الْقَوْم قَالَ مُحَمَّد والْحَدِيث هُوَ هَذَا وَجَرِير رُبمَا يهم فِي الشَّيْء وَهُوَ صَدُوق] وَمثله حَدِيث ابْن عمر إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم مَكْتُوم هَكَذَا فِي الصَّحِيح وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن عمته أنيسَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أذن ابْن أم مَكْتُوم فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَإِذا أذن بِلَال فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تشْربُوا فَإِن كَانَت الْمَرْأَة منا ليبقى عَلَيْهَا من سحورها فَتَقول لِبلَال أمْهل حَتَّى أفرغ [من] سحوري قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 المسانيد كَأَن هَذَا مقلوب إِنَّمَا هُوَ إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل وَاحْتج عبد الْغَنِيّ ابْن سعيد بِهِ على جَوَاز السماع من وَرَاء حجاب اعْتِمَادًا على الصَّوْت وَقَالَ [إِن] ابْن أم مَكْتُوم أَو بِلَالًا يُنَادي بلَيْل وروى ابْن خُزَيْمَة مثله من حَدِيث عَائِشَة وَهُوَ خلاف الْمَشْهُور عَنْهَا لكنه لم يَجعله من المقلوب بل قَالَ لَا تضَاد بَين الْخَبَرَيْنِ لجَوَاز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْأَذَان بِاللَّيْلِ نوبا بَين بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم فحين تكون نوبَة أَحدهمَا لِئَلَّا تكون نوبَة الآخر عِنْد طُلُوع الْفجْر فجَاء الخبران على حسب الْحَالين وَذكر ابْن حبَان فِي صَحِيحه نَحوه 231 - (قَوْله) فَإِن أطلق وَلم يُفَسر فَفِيهِ كَلَام يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَي فِي النَّوْع الثَّالِث وَالْعِشْرين الحديث: 231 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 232 - (قَوْله) الثَّانِي يجوز عِنْد أهل الحَدِيث وَغَيرهم التساهل فِي الْأَسَانِيد إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور أَحدهَا حَاصله أَن الضَّعِيف لَا يحْتَج بِهِ فِي العقائد وَالْأَحْكَام وَيجوز رِوَايَته وَالْعَمَل بِهِ فِي غير ذَلِك كالقصص وفضائل الْأَعْمَال وَالتَّرْغِيب والترهيب وَنقل ذَلِك عَن ابْن مهْدي وَأحمد بن حَنْبَل وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي أَنه قَالَ إِذا روينَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شددنا فِي الْأَسَانِيد وانتقدنا فِي الرِّجَال وَإِذا روينَا فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب سهلنا فِي الْأَسَانِيد وتسامحنا فِي الرِّجَال وَقَالَ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد سُئِلَ أَحْمد بن حَنْبَل - وَهُوَ على بَاب أبي النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم - فَقيل لَهُ يَا أَبَا عبد الله مَا تَقول فِي مُوسَى بن عُبَيْدَة وَمُحَمّد بن إِسْحَاق فَقَالَ أما مُوسَى بن عُبَيْدَة فَلم يكن بِهِ (أ 127) بَأْس وَلَكِن الحديث: 232 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 حدث بِأَحَادِيث مَنَاكِير عَن عبد الله بن دِينَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَرجل يكْتب عَنهُ هَذِه الْأَحَادِيث يَعْنِي الْمَغَازِي وَنَحْوهَا فَأَما إِذا جَاءَ الْحَلَال وَالْحرَام أردنَا قوما وَقبض أَصَابِع يَدَيْهِ الْأَرْبَع وَقَالَ ابْن عدي فِي الْكَامِل فِي تَرْجَمَة إِدْرِيس بن سِنَان الصَّنْعَانِيّ ثَنَا عَليّ ابْن أَحْمد بن سُلَيْمَان ثَنَا أَحْمد بن سعد بن أبي مَرْيَم سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول إِدْرِيس بن سِنَان يكْتب من حَدِيثه الرقَاق وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم ثَنَا أبي ثَنَا عَبدة قَالَ قيل لِابْنِ الْمُبَارك - وروى عَن رجل حَدِيثا - فَقيل هَذَا رجل ضَعِيف قَالَ يحْتَمل أَن يرْوى عَنهُ هَذَا الْقدر أَو مثل هَذِه الْأَشْيَاء قلت لعبدة مثل أَي شَيْء قَالَ فِي أدب فِي موعظة فِي زهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وَحَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة وَأبي زَكَرِيَّا الْفراء الْمصْرِيّ وَغَيرهم وَنقل النَّوَوِيّ فِي الْجُزْء الَّذِي جمعه فِي إِبَاحَة الْقيام فِيهِ الِاتِّفَاق فَقَالَ (د 77) أجمع أهل الحَدِيث وَغَيرهم على الْعَمَل فِي الْفَضَائِل وَنَحْوهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حكم وَلَا شَيْء من العقائد وصفات الله تَعَالَى بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي فَضَائِل الْأَعْمَال إِذا علمت هَذَا فقد نَازع بعض الْمُتَأَخِّرين وَقَالَ جَوَازه مُشكل فَإِنَّهُ لم يثبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإسناد الْعَمَل إِلَيْهِ يُوهم ثُبُوته وَيُؤَدِّي إِلَى ظن من لَا معرفَة لَهُ بِالْحَدِيثِ الصِّحَّة فينقلونه ويحتجون بِهِ وَفِي ذَلِك تلبيس قَالَ وَقد نقل بعض الْأَثْبَات عَن بعض تصانيف الْحَافِظ أبي بكر بن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي أَنه قَالَ إِن الحَدِيث الضَّعِيف لَا يعْمل بِهِ مُطلقًا الثَّانِي حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فِي الْفَضَائِل شَرط الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي فِي شرح الْإِلْمَام أَن يكون لَهُ اصل شَاهد لذَلِك كاندراجه فِي عُمُوم أَو قَاعِدَة كُلية فَأَما فِي غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 ذَلِك فَلَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ فِي شرح الْعُمْدَة حَيْثُ قُلْنَا يعْمل بالضعيف لدُخُوله تَحت العمومات مِثَاله الصَّلَاة الْمَذْكُورَة فِي أول جُمُعَة من رَجَب فَإِن الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 فِيهَا ضَعِيف فَمن أَرَادَ فعلهَا وإدراجها تَحت العمومات الدَّالَّة على فضل الصَّلَاة والتسبيحات لم يستقم لِأَنَّهُ صَحَّ [أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن تخص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام وَهَذَا أخص من العمومات الدَّالَّة] على فَضِيلَة مُطلق الْعِبَادَة قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَهَذَا الِاحْتِمَال الَّذِي قُلْنَاهُ من جَوَاز إدراجه تَحت العمومات نُرِيد بِهِ فِي الْفِعْل لَا فِي الحكم باستحباب ذَلِك الشَّيْء الْمَخْصُوص بهيئته الْخَاصَّة لِأَن الحكم باستحبابه على هَيئته الْخَاصَّة يحْتَاج إِلَى دَلِيل عَلَيْهِ وَلَا بُد بِخِلَاف مَا إِذا بني على أَنه من جملَة الْخيرَات الَّتِي لَا تخْتَص بذلك الْوَقْت وَلَا بِتِلْكَ الْهَيْئَة وَهَذَا [هُوَ] الَّذِي قُلْنَا باحتماله وَجَوَاز الْعَمَل بِهِ الثَّالِث مَا ذكره من عدم الْعَمَل بالضعيف فِي الْأَحْكَام يَنْبَغِي أَن يسْتَثْنى مِنْهُ صور [أَحدهَا] أَلا يُوجد سواهُ وَقد ذكر الْمَاوَرْدِيّ أَن الشَّافِعِي احْتج بالمرسل إِذا لم يُوجد دلَالَة سواهُ وَقِيَاسه فِي غَيره وَمن الضَّعِيف كَذَلِك وَقد نقل عَن الإِمَام أَحْمد أَنه يعْمل بالضعيف إِذا لم يُوجد فِي الْبَاب غَيره وَلم يكن ثمَّ مَا يُعَارضهُ قَالَ الْأَثْرَم رَأَيْت أَبَا عبد الله إِذا (أ 128) كَانَ الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 إِسْنَاده شَيْء يَأْخُذ بِهِ (إِذا لم يَجِيء أثبت مِنْهُ) مثل حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب وَإِبْرَاهِيم الهجري وَرُبمَا أَخذ بالمرسل إِذا لم يجد خِلَافه وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى قد أطلق أَحْمد القَوْل فِي الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فَقَالَ مهنا قَالَ أَحْمد النَّاس كلهم أكفاء إِلَّا الحائك والحجام والكساح فَقيل لَهُ تَأْخُذ بِحَدِيث كل النَّاس أكفاء وَأَنت تضعفه فَقَالَ إِنَّمَا يضعف إِسْنَاده وَلَكِن الْعَمَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مشيش - وَقد سَأَلَهُ عَمَّن تحل لَهُ الصَّدَقَة - إِلَى أَي شَيْء تذْهب فِي هَذَا فَقَالَ إِلَى حَدِيث حَكِيم بن جُبَير قلت حَكِيم ثَبت عنْدك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 فِي الحَدِيث قَالَ لَيْسَ هُوَ عِنْدِي ثبتا فِي الحَدِيث قَالَ القَاضِي قَول أَحْمد ضَعِيف أَي على طَريقَة أَصْحَاب الحَدِيث لأَنهم يضعفون بِمَا لَا يُوجب تَضْعِيفه عِنْد الْفُقَهَاء كالإرسال والتدليس والتفرد بِزِيَادَة فِي حَدِيث وَقَوله وَالْعَمَل عَلَيْهِ مَعْنَاهُ طَريقَة الْفُقَهَاء وَقَالَ مهنا سَأَلت أَحْمد عَن حَدِيث معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن غيلَان أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 لَيْسَ بِصَحِيح وَالْعَمَل عَلَيْهِ كَانَ عبد الرَّزَّاق يَقُول عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا قلت وَهَذَا مُتَعَيّن فقد سبق عَن الإِمَام أَحْمد أَنه لَا يعْمل بالضعيف فِي الْحَلَال وَالْحرَام فَدلَّ على أَن مُرَاده بالضعيف هُنَا غير الضَّعِيف هُنَاكَ وَلَا شكّ أَن الضَّعِيف تَتَفَاوَت مراتبه وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة بنى أَبُو دَاوُد كِتَابه السّنَن وَحكى الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة فِي كتاب الْجَهْر بالبسملة عَن القَاضِي ابْن الْعَرَبِيّ أَنه سمع ابْن عقيل الْحَنْبَلِيّ فِي رحلته إِلَى الْعرَاق يَقُول مَذْهَب أَحْمد أَن ضَعِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الْأَثر خير من قوي النّظر قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ هَذِه وهلة من أَحْمد لَا تلِيق بمنصبه فَإِن ضَعِيف الْأَثر لَا يحْتَج بِهِ مُطلقًا قَالَ شَيخنَا شرف الدّين بن قَاضِي الْجَبَل من أَصْحَابنَا من قَالَ هَذَا من تصرف ابْن عقيل فِي الْمَذْهَب على الْقَوَاعِد وَلَيْسَ كَذَلِك فقد نَص عَلَيْهِ أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله ذكره فِي مسَائِله وَرَوَاهُ عَنهُ شيخ الْإِسْلَام الْأنْصَارِيّ فِي كِتَابه وَنَصه قَالَ عبد الله قَالَ أبي ضَعِيف الحَدِيث خير من قوي الراي قَالَ شَيخنَا القَاضِي شرف الدّين وَإِنَّمَا أُتِي من أنكر هَذِه اللَّفْظَة على أَحْمد لعدم مَعْرفَته بمراده فَإِن الضَّعِيف عِنْد أَحْمد غير الضَّعِيف فِي عرف الْمُتَأَخِّرين فَعنده الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَضَعِيف لِأَنَّهُ ضعف عَن دَرَجَة الصَّحِيح وَأما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 الضَّعِيف بالاصطلاح الْمَشْهُور فَإِن أَحْمد لَا يعرج عَلَيْهِ أصلا انْتهى وَقَرِيب من هَذَا قَول ابْن حزم إِن الْحَنَفِيَّة متفقون على أَن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن ضَعِيف الحَدِيث عِنْده أولى من الرَّأْي وَالظَّاهِر أَن مُرَادهم بالضعيف مَا سبق الثَّانِيَة إِذا وجد لَهُ شَاهد مقو مُؤَكد ثمَّ الشَّاهِد إِمَّا من الْكتاب أَو السّنة وَالَّذِي من الْكتاب إِمَّا بِلَفْظِهِ كَحَدِيث وَلَا تجسسوا وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا فَهَذِهِ الصِّيغَة بِعَينهَا فِي الْقُرْآن وَأما بِمَعْنَاهُ كَحَدِيث نهى عَن الْغَيْبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 والتجسس فَهُوَ بِمَعْنى الَّذِي فِي الْقُرْآن وَالْحَاصِل أَنه يتَبَيَّن للْحَدِيث أصل وَالَّذِي من السّنة إِمَّا بِلَفْظِهِ مثل أَن يرْوى من وَجْهَيْن صَحِيح وَضَعِيف كل مَعْرُوف صَدَقَة وَنَحْوه فَيعلم بِالصَّحِيحِ أَن للضعيف أصلا فِي السّنة وَإِمَّا بِمَعْنَاهُ نَحْو (أ 129) من صنع مَعْرُوفا أثيب عَلَيْهِ إِذْ لَا يذهب الْمَعْرُوف عِنْد الله هدرا وَهَذَا بِمَثَابَة مَا إِذا أخبرنَا بِخَبَر وَاحِد وَأَحَدهمَا غير موثوق بِهِ فَإِنَّهُ إِذا أخبرنَا بِهِ الآخر الثِّقَة ظهر لنا أَن الأول صَادِق وَإِن كُنَّا لَا نعتد [بِهِ] وَفَائِدَة هَذَا جَوَاز الْعَمَل بخبرين لَا يسْتَقلّ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْحجَّةِ ويستقلان جَمِيعًا باعتضاد كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ وَذكر النَّوَوِيّ فِي شرح الْمَذْهَب من كتاب الْحَج أَنه يعْمل بالضعيف إِذا رُوِيَ من طرق مفرداتها ضَعِيفَة فَإِنَّهُ يُقَوي بَعْضهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 بَعْضًا وَيصير حسنا ويحتج بِهِ وَقد سبق تَحْرِير هَذَا فِي الْكَلَام على الْحسن بَقِي مَا لَو ورد الحَدِيث على رفع الْوَاقِع فَلَا يكون هَذَا شَاهدا لَهُ لِأَن الْكذَّاب لَا يضع حَدِيثا إِلَّا على وفْق وَاقع أَو مُمكن وَالْوَاقِع بِمُجَرَّدِهِ لَا يدل على الحكم شرعا فَإِن قيل (د 78) لم جوزتم الْعَمَل بالضعيف مَعَ الشَّاهِد المقوي وَلم تجوزوه بالموضوع مَعَ الشَّاهِد قُلْنَا لِأَن الضَّعِيف لَهُ أصل فِي السّنة وَهُوَ غير مَقْطُوع بكذبه وَلَا أصل للموضوع أصلا فشاهده كالبناء على المَاء أَو على جرف هار ثمَّ الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ بذلك الشَّاهِد إِن صلح لاستقلاله الثَّالِثَة أَن يكون (الْمَوْضُوع مَوضِع) احْتِيَاط فَيجوز الِاحْتِجَاج بِهِ ظَاهرا قَالَ النَّوَوِيّ فِي كتاب الْقَضَاء من الرَّوْضَة قَالَ الصَّيْمَرِيّ لَو سَأَلَ سَائل فَقَالَ إِن قتلت عَبدِي هَل عَليّ قصاص فواسع إِن قتلته قتلناك فَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 قتل عَبده قَتَلْنَاهُ وَلِأَن [الْقَتْل] لَهُ معَان فَائِدَة الْأَحَادِيث الَّتِي يَقع فِيهَا تعْيين المبهمات وَصَحَّ أَصْلهَا فِي طَرِيق آخر هَل يتَسَامَح فِي اسانيدها من جِهَة أَنه لَا يتَعَلَّق بتعيينه حكم شَرْعِي أم لَا فِيهِ نظر وَالْأَقْرَب التسامح 233 - (قَوْله) الثَّالِث إِذا أردْت رِوَايَة الحَدِيث الضَّعِيف إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور الأول مَا ذكره من أَنه لَا يجوز رِوَايَة الضَّعِيف إِلَّا بِصِيغَة التمريض شَامِل للضعيف الَّذِي يمْتَنع الْعَمَل بِهِ وَهُوَ فِي الْأَحْكَام وَالَّذِي شرع الْعَمَل بِهِ وَهُوَ الحديث: 233 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 فِي الْفَضَائِل وَهُوَ فِي الظَّاهِر وَمن النَّاس من يجْزم ب قَالَ فِي الضَّعِيف إِذا كَانَ من فَضَائِل الْأَعْمَال والأحوط الْمَنْع الثَّانِي شَمل إِطْلَاقه شَرّ أَنْوَاعه وَهُوَ الْمَوْضُوع وَلِهَذَا اسْتثْنى الْمَوْضُوع فِي الثَّانِي وَلم يستثنه فِي الثَّالِث وَالصَّوَاب الْمَنْع وَالْفرق أَنه فِي الضَّعِيف لَا يقطع بكذبه بِخِلَاف الْمَوْضُوع فَيجب تَنْزِيل كَلَام المُصَنّف على مَا عدا الْمَوْضُوع الثَّالِث أَن قَوْله بِغَيْر إِسْنَاد يَقْتَضِي أَنه إِذا رُوِيَ بِالْإِسْنَادِ يُقَال فِيهِ بِالْجَزْمِ وَهُوَ كَذَلِك اتبَاعا لما رُوِيَ الرَّابِع خرج من هَذَا أَنه لَا يجوز رِوَايَة الضَّعِيف إِلَّا مَعَ تبيينه وَقد حَكَاهُ الْعَلامَة أَبُو شامة الْمَقْدِسِي فِي كتاب الْبدع عَن جمع من الْمُحدثين والمحققين وَأهل الْفِقْه وَالْأُصُول وَقَالَ إِن جمَاعَة من أهل الحَدِيث يتساهلون فِي ذَلِك وَهُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ قَالَ وَمن تساهل فِيهِ فَهُوَ خطأ بل يَنْبَغِي أَن يُبينهُ إِن علم وَإِلَّا دخل تَحت الْوَعيد من كذب عَليّ مُتَعَمدا قلت وَلِهَذَا كَانَ الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَغَيره من أهل الدّيانَة إِذا روى حَدِيثا بِهَذِهِ الصّفة قَالَ حَدثنَا فلَان مَعَ بَرَاءَة من عهدته وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَاب الِاعْتِمَاد فِي الْجُلُوس فِي الْخَلَاء على الْيُسْرَى إِن صَحَّ (أ 128) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 ويلتحق بتبيين الضعْف أَن يذكر الْإِسْنَاد وَلِهَذَا اكْتفى أَحْمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم بذلك فِي رِوَايَة كثير من الْأَحَادِيث من غير بَيَان ضعفها لظُهُور أَمر حَالهَا بِالْإِسْنَادِ عِنْد من لَهُ أدنى بَصِيرَة بِهَذَا الشَّأْن وَقد روى الْحَاكِم فِي مدخله اخبرني عَليّ بن الْحُسَيْن بن يَعْقُوب بن شقير الْمقري بِالْكُوفَةِ ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كتبتم الحَدِيث فاكتبوه بِإِسْنَادِهِ فَإِن يكن حَقًا كُنْتُم شُرَكَاء فِي الْأجر وَإِن يكن بَاطِلا كَانَ وزره قَالَ الْحَاكِم أكتبه إِلَّا عَن ابْن شقير تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن عكس ذَلِك وَهُوَ إِذا أردْت رِوَايَة الحَدِيث الصَّحِيح بِغَيْر إِسْنَاد فَلَا يَأْتِي فِيهِ بِصِيغَة التمريض رُوِيَ وَنَحْوه وَوَقع ذَلِك فيي عبارَة الْفُقَهَاء وَلَيْسَ يستحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 النَّوْع الثَّالِث وَالْعشْرُونَ معرفَة من تقبل رِوَايَته 234 - (قَوْله) وخوارم الْمُرُوءَة (3 4 5 6 بِهِ أَمْثَاله وَهِي لَا تقدح فِي الْعَدَالَة كَمَا لَا يقْدَح فِيهَا وجود التُّهْمَة بل إِنَّمَا يقْدَح الحديث: 234 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 فِي الشَّهَادَة ((وَقد أطلق الْعِرَاقِيُّونَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن من وجد فِيهِ بعض مَا هُوَ خلاف الْمُرُوءَة قبلت شَهَادَته إِلَّا أَن يكون الْأَغْلَب عَلَيْهِ ذَلِك فَيرد وَحكى شُرَيْح الرَّوْيَانِيّ فِي رَوْضَة الْحُكَّام وَجْهَيْن فِي أَنه هَل يشْتَرط الْمُرُوءَة فِي الشَّهَادَة وجريانها فِي الرِّوَايَة أولى الثَّانِي لم يبين المُرَاد بالمروءة المشترطة وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الشَّهَادَات الْمُرُوءَة على ثَلَاثَة أضْرب أَحدهَا أَن يكون شرطا فِي الْعَدَالَة بمجانبة مَا يستخف من الْكَلَام المؤذي والضحك وَترك مَا قبح من الْفِعْل الَّذِي يلهو بِهِ ويستقبح بمعرته فمجانبة ذَلِك شَرط فِي الْعَدَالَة وارتكابه مفض إِلَى الْفسق (2) وَمِنْه نتف اللِّحْيَة وخضابها يَعْنِي بِالسَّوَادِ وَالثَّانِي مَا لَيْسَ بِشَرْط كالإفضال بِالْمَاءِ وَالطَّعَام والمساعدة بِالنَّفسِ والجاه الثَّالِث (3) مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ نَوْعَانِ عادات وصنائع ثمَّ حكى فِي مُخَالفَة الْعَادة أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا لَا تقدح مُطلقًا وَالثَّانِي تقدح مُطلقًا وَالثَّالِث إِن كَانَ قد نَشأ عَلَيْهَا فِي صغره لم تقدح فِي عَدَالَته وَإِن استحدثها فِي كبره قدحت لِأَنَّهُ يصير مطبوعا بهَا وَالرَّابِع إِن اخْتصّت بِالدّينِ قدحت كالبول قَائِما (4) وَفِي المَاء الراكد وكشف الْعَوْرَة إِذا خلا وَأَن يتحدث بمساوئ [النَّاس] (5) وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 اخْتصّت بالدنيا لم تقدح كَالْأَكْلِ فِي الطَّرِيق وكشف الرَّأْس بَين النَّاس وَالْمَشْي حافيا لِأَن مُرُوءَة الدّين مَشْرُوعَة ومروءة الدُّنْيَا مُسْتَحبَّة الْقسم الثَّانِي الصَّنَائِع الدِّينِيَّة وفيهَا أوجه ثَالِثهَا يرد مَا استرذل فِي الدّين كمباشرة الأنجاس (أ 131) من (1) الكناس والحجام والزبال ومشاهدة العورات كالقيم والمزين وَنَحْوهمَا (2) الثَّالِث لم يذكر من شُرُوطهَا الْحُرِّيَّة وَإِن ذكره الْفُقَهَاء فِي الشَّهَادَات لِأَن العَبْد (3) مَقْبُول الرِّوَايَة ب (4) [الشُّرُوط الْمَذْكُورَة] (5) إِجْمَاعًا كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيب (6) وَلَا يشْتَرط الذُّكُورَة خلافًا لما نَقله الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة قَالَ وَاسْتثنى أَخْبَار عَائِشَة وَأم سَلمَة وَلَا يشْتَرط الْبَصَر وَلَا الْعدَد وَلَا الْعلم بالفقه أَو الْغَرِيب أَو معنى الحَدِيث وَشرط أَبُو حنيفَة فقه (7) الرَّاوِي إِن خَالف الْقيَاس (8) 235 - (قَوْله) عَدَالَة الرَّاوِي تثبت بتنصيص عَدْلَيْنِ على عَدَالَته وَتارَة بالاستفاضة فِيهِ أَمْرَانِ الحديث: 235 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 أَحدهمَا ظَاهره الْحصْر فِي ذَلِك فَيخرج بِهِ مَا لَو عمل بحَديثه (1) فَلَا يَقْتَضِي تعديله وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْده كَمَا سَيَأْتِي وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْعَدَالَة تثبت بِرِوَايَة جمَاعَة من الجلة عَن الشَّخْص وَهَذِه طَريقَة الْبَزَّار فِي مُسْنده وجنح إِلَيْهَا ابْن الْقطَّان أَيْضا فِي الْكَلَام على حَدِيث قطع السدر (2) فِي كِتَابه الْوَهم وَالْإِيهَام (3) الثَّانِي مَا ذكره من اشْتِرَاط ذَلِك هُوَ الْمَشْهُور وَنقل فِي طبقاته عَن ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 عَبْدَانِ (1) أَنه حكى فِي كتاب شَرَائِط الْأَحْكَام عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه لم يعْتَبر فِي ناقل الْخَبَر مَا يعْتَبر فِي الدِّمَاء والفروج من التَّزْكِيَة بل إِذا كَانَ ظَاهره الدّين والصدق قبل خَبره ثمَّ استغربه الشَّيْخ وَهُوَ كَذَلِك (2) وَهُوَ قريب من توسع ابْن عبد الْبر الْآتِي وَاعْلَم أَنه يجوز تَقْلِيد الْأَئِمَّة (د 79) فِي التَّعْدِيل لَا سِيمَا فِي مثل هَذِه الْأَعْصَار قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح الْبُرْهَان فِي بَاب الِاجْتِهَاد وَصَارَ بعض الْأُصُولِيِّينَ إِلَى جَوَاز الِاكْتِفَاء بتعديل الْأَئِمَّة كَمَا ثَبت عِنْد الكافة الانقياد إِلَى تَعْدِيل من روى عَنهُ (3) البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِن كَانَ الروَاة عِنْد أهل الْعَصْر مستورين وَهَذَا اخْتَارَهُ الْغَزالِيّ (4) وَأَشَارَ إِلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (5) أَيْضا قَالَ وَيبعد فِي حق الرَّاوِي أَن يعرف حَاله كل من روى لَهُ خَبرا فيكتفي بتعديل الْأَئِمَّة بعد أَن يعرف مَذْهَبهم (6) فِي التَّعْدِيل مَذْهَب مُسْتَقِيم فَإِن النَّاس قد اخْتلفُوا فِيمَا يعدل بِهِ ويجرح قَالَ الْأَنْبَارِي وَالصَّحِيح عندنَا خلاف ذَلِك وَهَذَا تَقْلِيد مَحْض وَلَا يكون الْمُحدث على بَصِيرَة من هَذَا الْحَال وَرَأَيْت فِي جملَة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي أَنه إِذا ورد تَعْدِيل وَاحِد من الْحفاظ وتجريحه كيحيى بن معِين وَغَيره فَإِن كَانَ الرجل من أهل النَّقْد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 والمعرفة فَعَلَيهِ أَن ينظر فِيهِ ويتأمله بعده ويختار من أَقْوَال النَّاس وَمن (1) لم يكن من هَذِه الْمنزلَة فَلهُ تَقْلِيد يحيى وَغَيره 236 - (قَوْله) وَتوسع ابْن عبد الْبر فَقَالَ كل حَامِل علم إِلَى آخِره (4 5 6 7 8 9 10 النَّاس لست ارى مَا قَالَه أَبُو عمر إِلَّا مرضيا الحديث: 236 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 قَالَ وَقد جعل ذَلِك إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي (1) تعديلا جَائِزا فِي قبُول الشَّهَادَة وَهِي أضيق من الْخَبَر (أ 132) وَاكْتفى فِي قبُول الشَّهَادَة بِطَلَبِهِ الْعلم مَعَ السَّلامَة من الْجرْح ثمَّ سَاق ذَلِك بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ من عدله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى مِمَّن عدلته قَالَ الشَّيْخ وَلَو أَن مستوري الْحَال فِي دينهما تَعَارضا فِي نقل خبر وَأَحَدهمَا مَعْرُوف بِطَلَب الحَدِيث وكتابته وَالْآخر لَيْسَ كَذَلِك لكَانَتْ النَّفس إِلَى قبُول خبر الطَّالِب اميل وَلَا معنى لهَذِهِ الْمعرفَة إِلَّا مزية طلبا لعلم انْتهى وَقد يتَوَقَّف فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث على مَا قَصده ابْن عبد الْبر من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن قَوْله يحمل وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْخَبَر إِلَّا أَن مَعْنَاهُ الْأَمر وَلَا يجوز أَن يكون خَبرا مَحْضا وَإِلَّا لتطرق إِلَيْهِ الْخلف وَهُوَ مُخَالف لِأَنَّهُ قد يحملهُ غير عدل فِي الْوَاقِع وَلِأَن كثيرا من الْعُدُول لَا يحملونه وَحِينَئِذٍ فَلَا حجَّة فِيهِ لَا سِيمَا على الرِّوَايَة الَّتِي سيحكيها عَن كتاب الرحلة للْمُصَنف الثَّانِي أَن ابْن عبد الْبر نَفسه قَالَ فِي كتاب جَامع بَيَان الْعلم إِن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن أُسَامَة وَأبي هُرَيْرَة بأسانيد كلهَا مضطربة غير مُسْتَقِيمَة (2) هَذَا لَفظه وَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 قَالَ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة وَلَو اعْترض بِهِ على الشَّيْخ لَكَانَ أولى الثَّانِي أَن هَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ مَرْفُوعا من من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب وَأبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن عَمْرو وَابْن عمر وَأبي أُمَامَة وَجَابِر بن سَمُرَة وَأُسَامَة بن زيد وأسانيدها ضَعِيفَة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا يَصح مَرْفُوعا إِنَّمَا هُوَ عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري (1) عَن (2) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ابْن عدي رَوَاهُ الثِّقَات عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري قَالَ ثَنَا الثِّقَة من أَصْحَابنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَذكره (3) وَأوردهُ الْعقيلِيّ (4) فِي الضفعاء فِي تَرْجَمَة معَان بن رِفَاعَة (5) وَقَالَ لَا يعرف إِلَّا بِهِ (6) انْتهى وَهُوَ مُرْسل أَو معضل (7) ضَعِيف وَإِبْرَاهِيم الَّذِي أرْسلهُ قَالَ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 ابْن الْقطَّان لَا نعرفه الْبَتَّةَ فِي شَيْء من الْعلم غير هَذَا وَلم يضعوا اسْمه فِي تواريخهم قلت ذكره الْحسن بن عَرَفَة (1) فِي الصَّحَابَة حَكَاهُ عَنهُ أَبُو نعيم لكنه قَالَ لم يُتَابع عَلَيْهِ (2) وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي صحبته نظر وَذكره ابْن حبَان فِي ثِقَات التَّابِعين (3) فَحصل أَنه إِمَّا تَابِعِيّ ثِقَة (أم) (4) مَشْكُوك فِي صحبته بل فِي كتاب الْعِلَل للخلال أَن أَحْمد بن حَنْبَل سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث فَقيل لَهُ كَأَنَّهُ كَلَام مَوْضُوع فَقَالَ لَا هُوَ صَحِيح فَقيل لَهُ مِمَّن سمعته فَقَالَ من غير وَاحِد فَقيل من هم فَقَالَ حَدثنِي بِهِ مِسْكين إِلَّا أَنه يَقُول عَن معَان عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ أَحْمد وَمَعَان لَا بَأْس بِهِ ووثقة ابْن الْمَدِينِيّ (5) قَالَ ابْن الْقطَّان وخفي على أَحْمد من أمره مَا علمه غَيره ثمَّ ذكر تَضْعِيفه عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 ابْن معِين وَابْن أبي حَاتِم وَالسَّعْدِي وَابْن عدي وَابْن حبَان وَقَالَ عبد الْحق حَدِيث أبي هُرَيْرَة أحسن من عبد الله بن عَمْرو ونازعه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك وَفِيمَا صَار إِلَى من تَضْعِيفه نظر فَإِنَّهُ يتقوى بِتَعَدُّد طرقه وَمن شواهده كتاب عمر إِلَيّ أبي مُوسَى الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلودا فِي حد أَو مجربا عَلَيْهِ شَهَادَة زور (1) أَو ظنينا فِي وَلَاء أَو نسب (2) الثَّالِث الْمَشْهُور فِي لفظ هَذَا الحَدِيث يحمل بِفَتْح الْفَاء وَضم الْعين من عدوله على أَنه جمع عدل وَرَأَيْت فِي رحْلَة ابْن الصّلاح [بِخَطِّهِ] (3) مِمَّا نَقله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 من كتاب مَنَاقِب مُحَمَّد بن كرام جمع مُحَمَّد الهيصم وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ سَمِعت أَبَا جَعْفَر بن أَحْمد بن جَعْفَر (1) يَقُول سَمِعت أَبَا عَمْرو مُحَمَّد (2) بن أَحْمد التَّمِيمِي (3) يروي هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ فيضم الْيَاء من قَوْله يحمل على أَنه فعل لم يسم فَاعله وَيرْفَع الْمِيم من الْعلم وَيَقُول عدولة وبالتاء (4) وَمَعْنَاهُ أَن الْخلف هُوَ العدولة بِمَعْنى أَنه عَادل كَمَا نقُول شكور بِمَعْنى شَاكر وَتَكون الْهَاء للْمُبَالَغَة (أ 133) وَالْمعْنَى أَن الْعلم يحمل عَن (5) كل خلف كَامِل فِي عَدَالَته وَأما أَبُو بكر الْمُفِيد (6) فَقَالَ حفظت عَنهُ يحمل بِفَتْح الْيَاء من كل خلف عدوله بِضَم الْعين وَاللَّام وَذكر أَنه رِوَايَة انْتهى وَأما قَوْله خلف فِي الرِّوَايَة بتحريك اللَّام وَيسْتَعْمل فِي الْخَيْر يُقَال فلَان خلف صدق وَأما فِي الشَّرّ فَيُقَال خلف (7) قَالَ لبيد (وَبقيت فِي خلف كَجلْد الأجرب (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 قَالَ الْخطابِيّ وَمن روى الحَدِيث بِسُكُون اللَّام فقد أحَال (1) 237 - (قَوْله) الثَّانِيَة يعرف كَون الرَّاوِي ضابطا إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 8 عَن أَكثر الصَّحَابَة لتعذر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 هَذَا الْمَعْنى قَالَ (1) وَهَذَا الشَّرْط وَإِن كَانَ على مَا بَينا فَإِن أَصْحَاب الحَدِيث قل مَا يعتبرونه فِي حق الطِّفْل دون الْمُغَفَّل فَإِنَّهُ مَتى صَحَّ عِنْدهم سَماع الطِّفْل أَو حُضُوره أَجَازُوا رِوَايَته وَالْأول أحوط اللدين وَأولى (2) 238 - (قَوْله) التَّعْدِيل مَقْبُول من غير ذكر سَببه إِلَى آخِره (5 6 7 سَببهَا للمعنيين السَّابِقين الحديث: 238 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وَثَالِثهَا لَا يجب فيهمَا لِأَن الْمُزَكي إِن كَانَ بَصيرًا قبل جرحه وتعديله وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَول القَاضِي أبي بكر وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِن كَانَ الْمُزَكي عَالما بِأَسْبَاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل اكتفينا بِإِطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا (1) وَالْمُخْتَار مَا قَالَه الْغَزالِيّ أَنه ينظر فِي مَذَاهِب الجارحين والمزكين فَإِن كَانَت مُخْتَلفَة توقفنا عَن قبُول الْجرْح حَتَّى يتَبَيَّن وَجهه وَمَا كَانَ مُطلقًا أَو غير مُقَيّد فَلَا يجرح بِهِ وَمَا يَنْبَغِي فِي الْجَارِح والمعدل أَن يكون عَالما باخْتلَاف الْمذَاهب فِي ذَلِك فيجرح عِنْد كل حَاكم بِمَا يرَاهُ ذَلِك الْحَاكِم جرحا فيجرح عِنْد الْمَالِكِي بِشرب النَّبِيذ متأولا لِأَنَّهُ يرَاهُ قادحا دون غَيره وَإِذ لَو لم يعْتَبر ذَلِك لَكَانَ الْجَارِح أَو الْمعدل عَار لبَعض الْحُكَّام حَتَّى يحكم بقول من لَا يرى قبُول قَوْله وَهُوَ نوع من الْغِشّ محرم (2) 239 - (قَوْله) وَلذَلِك احْتج البُخَارِيّ بِجَمَاعَة إِلَى آخِره مَا ذكره من أَن احتجاجه بهؤلاء لِأَنَّهُ لم يُفَسر جرحهم مَرْدُود بل الصَّوَاب أَن يُقَال إِنَّمَا احْتج بهم لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده الْجرْح وَإِن فسر لِأَنَّهُ قد جَاءَ التَّفْسِير فيهم (أ 134) أما عِكْرِمَة فَقَالَ ابْن عمر لنافع لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب عِكْرِمَة على ابْن عَبَّاس (3) الحديث: 239 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وَفِي الْأَنْسَاب لمصعب الزبيرِي أَن سَبَب ذَلِك فِي عِكْرِمَة أَنه (1) إِلَى ابْن عَبَّاس فَقيل ذَلِك (2) وَأما عَاصِم (3) فَقَالَ ابْن معِين كَذَّاب كَذَّاب وَقَالَ مُسلم كثير الْمَنَاكِير وَقَالَ ابْن سعد لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ كثير الْخَطَأ فِي حَدِيثه (4) وَأما عَمْرو بن مَرْزُوق فنسبه أَبُو الْوَلِيد (5) الطَّيَالِسِيّ إِلَى الْكَذِب (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَأما ابْن سعيد (1) فمعروف بالتلقين وَقَالَ ابْن معِين كَذَّاب سَاقِط (2) وَأما إِسْمَاعِيل (3) فَيُقَال إِنَّه أقرّ على نَفسه بِالْوَضْعِ كَمَا حَكَاهُ النَّسَائِيّ عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 سَلمَة بن شبيب عَنهُ وَقَالَ النَّضر بن سَلمَة كَذَّاب (1) إِلَى غير ذَلِك من كَلَام الْأَئِمَّة فِي الرِّجَال الْوَاقِعَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالَّذِي يزيح الْإِشْكَال مَا قدمْنَاهُ من أَنه لم يثبت عِنْده الْجرْح (2) وَلِهَذَا قَالَ إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع (3) سَأَلت مَالك بن أنس قلت أبلغك أَن ابْن عمر قَالَ لنافع لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب عِكْرِمَة على ابْن عَبَّاس قَالَ لَا وَلَكِن بَلغنِي أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ ذَلِك لبرد مَوْلَاهُ (4) وعَلى تَقْدِير ثُبُوت التَّفْسِير فَلَا شكّ أَن فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل ضَرْبَيْنِ (5) من الِاجْتِهَاد وأئمة النَّقْل يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَكْثَر فبعضهم يوثق الرجل إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 الْغَايَة وَبَعْضهمْ يوهنه إِلَى الْغَايَة وهما إمامان إِلَيْهِمَا الْمرجع فِي هَذَا الشَّأْن قَالَ التِّرْمِذِيّ اخْتلف الْأَئِمَّة من أهل الْعلم فِي تَضْعِيف الرِّجَال كَمَا اخْتلفُوا فِيمَا سوى ذَلِك من الْعلم فَذكر عَن شُعْبَة أَنه ضعف أَبَا (1) الزبير الْمَكِّيّ (2) وَعبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان (3) وَحَكِيم بن جُبَير (4) وَترك الرِّوَايَة عَنْهُم ثمَّ حدث شُعْبَة عَمَّن هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 دونهم فِي الْحِفْظ وَالْعَدَالَة كجابر (1) الْجعْفِيّ (2) وَإِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري (3) وَمُحَمّد بن عبيد ال (4) لَهُ الْعَرْزَمِي (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 وَحِينَئِذٍ (1) فَلَا يكون إِمَام مِنْهُم حجَّة على الآخر فِي قبُول رِوَايَة راو أوردهُ (2) فَهَذَا [مُحَمَّد بن] (3) إِبْرَاهِيم التَّمِيمِي قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل يروي مَنَاكِير (ذكر) (4) ذَلِك الْبَاجِيّ فِي رجال البُخَارِيّ (5) وَكَذَا الْعقيلِيّ (6) وَقَالَ فِيهِ ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 الْحذاء تكلم فِيهِ أهل الحَدِيث وَمَعَ هَذَا فاتفق أَئِمَّة الْإِسْلَام كمالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهم على الرِّوَايَة عَنهُ (1) وَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ إِنَّمَا مَدَاره عَلَيْهِ وَقد تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ لموافقته الْأُصُول فَلَا يَجْعَل قَول أَحْمد - وَإِن كَانَ إِمَام هَذَا الشَّأْن - حجَّة على مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهم من الْأَئِمَّة (2) كَمَا لَا يكون قَول بعض الْأَئِمَّة حجَّة على بعض فِي الْمسَائِل الاجتهادية وَلَو ذهب الْعلمَاء إِلَى ترك كل من تكلم فِيهِ لم يبْق بأيدي أهل هَذَا (3) الشَّأْن من الحَدِيث إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 الْيَسِير بل لم يبْق شَيْء وَمن الَّذِي ينجو من النَّاس سالما وَلِلنَّاسِ قَالَ بالظنون وَقيل (1) وَأَيْضًا فللبخاري أَن يَقُول إِنَّمَا شرطي صِحَة الحَدِيث للاتفاق على عَدَالَة الروَاة فقد يكون الحَدِيث لَهُ طرق بَعْضهَا أرفع من بعض فيعدل عَن الطَّرِيق الْأَصَح لنزوله (2) أَو لقصد تكْرَار الطّرق أَو غَيرهَا وَقد صرح مُسلم بِنَحْوِ ذَلِك فَقَالَ أَبُو عُثْمَان سعيد بن عَمْرو (3) سَمِعت (4) أَبَا زرْعَة الرَّازِيّ - وَقد ذكر لَهُ كتاب الصَّحِيح الَّذِي أَلفه مُسلم - فَقَالَ هَؤُلَاءِ قوم أَرَادوا التَّقَدُّم قبل أَوَانه فعملوا فِيهِ شيئايتشرفون بِهِ وألفوا كتبا لم يسْبقُوا إِلَيْهَا ليقيموا لأَنْفُسِهِمْ رئاسة قبل وَقتهَا وَأَتَاهُ ذَات (أ 135) يَوْم وَأَنا شَاهد رجل بِكِتَاب الصَّحِيح رِوَايَة مُسلم فَجعل ينظر فِيهِ فَإِذا هُوَ قد حدث عَن أَسْبَاط بن نصر (5) فَقَالَ أَبُو زرْعَة مَا أبعد (6) هَذَا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 الصَّحِيح يدْخل فِي كِتَابه أَسْبَاط بن نصر ثمَّ رأى فِيهِ قطن بن نسير (1) فَقَالَ لي هَذَا أَطَم (2) من الأول قطن بن نسير وصل أَحَادِيث عَن ثَابت (3) جعلهَا عَن أنس ثمَّ نظر وَقَالَ يروي عَن أَحْمد بن عِيسَى (4) فِي كتاب الصَّحِيح قَالَ لي أَبُو زرْعَة مَا رَأَيْت أهل مصر يَشكونَ فِي أَن أَحْمد بن عِيسَى وَأَشَارَ أَبُو زرْعَة إِلَى لِسَانه - كَأَنَّهُ يَقُول الْكَذِب ثمَّ قَالَ لي يحدث عَن هَؤُلَاءِ وَيتْرك مُحَمَّد بن عجلَان ونظراءه قَالَ ورأيته يذم من وضع هَذَا الْكتاب فَلَمَّا رجعت (5) إِلَى نيسابور فِي الْمرة الثَّانِيَة ذكرت لمُسلم بن الْحجَّاج إِنْكَار أبي زرْعَة عَلَيْهِ فَقَالَ لي مُسلم إِنَّمَا قلت صَحِيح وَإِنَّمَا أدخلت من حَدِيث اسباط بن نصر وقطن بن نسير وَأحمد مَا قد رَوَاهُ الثِّقَات عَن شيوخهم إِلَّا أَنه رُبمَا وَقع إِلَيّ عَنْهُم بارتفاع وَيكون عِنْدِي من رِوَايَة من هُوَ أوثق مِنْهُم بنزول فأقتصر على الأول (6) وَاصل الحَدِيث مَعْرُوف من رِوَايَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 الثِّقَات (1) انْتهى وَهَذِه فَائِدَة جليلة أزالت الْإِشْكَال وَعرف بهَا عذر الرجل بالتنصيص لَا بالتخرص وَعلم أَن إِلْزَام من ألزمهما تَخْرِيج (2) أَحَادِيث تركاها من رِوَايَة رجال رووا عَنْهُم وَقع فيهم الْكَلَام غير لَازم لما ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ قد لَا يصحبها (3) من أصل الصِّحَّة مَا صَحَّ (4) ب مَا أَخْرجَاهُ من حَدِيث أُولَئِكَ الرِّجَال وَهَا هُنَا فَائِدَة جليلة وَهُوَ مَا جرت بِهِ عَادَة كثير من الْمُتَأَخِّرين فِي الرجل إِذا روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَقد تكلم فِيهِ أَن يعتمدوه ويقولوا قد جَازَ القنطرة قَالَ الشَّيْخ وَهَكَذَا نعتقده (5) وَبِه نقُول وَجرى على ذَلِك الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج (د 81) الْمزي والذهبي وَغَيرهم مِمَّا يظْهر من تصرفهم وَنَازع فِي ذَلِك الإِمَام النَّاقِد شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي (6) وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 الْحق أَن هَذَا القَوْل غير مَقْبُول على الْإِطْلَاق بل الْكَلَام فِي الرجل من رجال الصَّحِيح تَارَة لَا يكون مؤثرا فِيهِ ككلام النَّسَائِيّ فِي أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ (1) وَتارَة يكون مؤثرا كيحيى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ (2) ونعيم بن حَمَّاد (3) وسُويد بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 سعيد (1) وَغَيرهم فَإِذا انْفَرد وَاحِد مِنْهُم واشتهر الْكَلَام فِيهِ أَو ضعفه أَكثر الْأَئِمَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 بِحَدِيث فِي الْحَلَال وَالْحرَام لم يحْتَج بِهِ وَأَصْحَاب الصَّحِيح إِذا رووا لمن تكلم فِيهِ وَضعف فَإِنَّهُم يثبتون من حَدِيثه مَا لم ينْفَرد بِهِ بل وَافق فِيهِ الثِّقَات وَقَامَت شَوَاهِد صدقه قَالَ وَفِي هَذَا الْموضع يعرض الْغَلَط لطائفتين من النَّاس إِحْدَاهمَا (1) يرَوْنَ الرجل قد أخرج لَهُ فِي الصَّحِيح فيحكمون بِصِحَّة كل مَا رَوَاهُ حَيْثُ رَأَوْهُ (2) فِي حَدِيث قَالُوا هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط الصَّحِيح وَهُوَ غلط فَإِن ذَلِك الحَدِيث قد يكون مِمَّا أنكر عَلَيْهِ من حَدِيثه أَو يكون شاذا أَو مُعَللا فَلَا يكون من شَرط أَصْحَاب الصَّحِيح بل وَلَا يكون حسنا وَقد أخرج البُخَارِيّ حَدِيث جمَاعَة ونكب (3) على بضعهَا خَارج الصَّحِيح وَالثَّانيَِة يرَوْنَ الرجل قد تكلم فِيهِ وَقد ضعف فيجعلون مَا قيل فِيهِ من كَلَام الْحفاظ مُوجبا لترك جَمِيع مَا رَوَاهُ ويضعفون مَا صَحَّ من حَدِيثه لطعن من طعن فِيهِ كَمَا يَقُول ابْن حزم ذَلِك فِي إِسْرَائِيل (4) (أ 136) وَغَيره من الثِّقَات وَكَذَلِكَ ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 الْقطَّان يتَكَلَّم فِي أَحَادِيث كَثِيرَة قد أخرجت فِي الصَّحِيح لطعن من طعن فِي رواتها وَهَذِه طَريقَة ضَعِيفَة وسالكها قَاصِر فِي معرفَة الحَدِيث وذوقه عَن معرفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 الْأَئِمَّة وذوقهم انْتهى وَيشْهد لَهُ الْحِكَايَة الَّتِي أوردناها عَن مُسلم - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (1) ويلتحق بذلك أَمر ثَالِث وَهُوَ أَن يرَوْنَ الرجل ترك الشَّيْخَانِ حَدِيثه فيجعلون ذَلِك قدحا فِيهِ وَهَذَا ظَاهر تصرف الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه السّنَن والمعرفة كثيرا مَا يُعلل الْأَحَادِيث بِأَن رواتها لم يخرج لَهُم الشَّيْخَانِ وَالْحق أَنه لَا يدل على ذَلِك كَمَا لَا يدل تَركهمَا مَا لم يخرجَا من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة على ضعفها وَبِه صرح الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل وَقَالَ تَركه الرِّوَايَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَنَحْوه كتركه كثيرا من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة على شَرطه لَا لِضعْفِهَا وإسقاطها وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه الْمدْخل أَيْضا وعَلى مصنفاتهم فِي الْعِلَل وسؤالاتهم يعْتَمد فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل لَا على كتاب بنوا فِيهِ على أصل وشرطوا لأَنْفُسِهِمْ فِيهِ شُرُوطًا انْتهى 240 - (قَوْله) فَقَالَ مَا يصنع بِصَالح (11 هَكَذَا فِي اصل موثوق بِهِ فِيهِ سَماع الْخَطِيب (2) الحديث: 240 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 241 - (قَوْله) وَلقَائِل أَن يَقُول إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 8 9 10 ذَلِك بِنَاء على أَنه فِي نفس الْأَمر قَادِح على مَا عرف الحديث: 241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 242 - (قَوْله) فَمنهمْ من قَالَ لَا يثبت ذَلِك إِلَّا بِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَات (3 4 5 6 7 أُمُور الحديث: 242 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 أَحدهَا مَا جزم بِهِ من تَقْدِيم الْجرْح يَقْتَضِي تَخْصِيص الْقطع بِمَا إِذا اسْتَوَى الْجَارِح والمعدل بِدَلِيل قَوْله بعد فَإِن كَانَ عدد المعدلين أَكثر فقد قيل إِلَى آخِره فَدلَّ على أَن الأول لَا خلاف فِيهِ وَكَذَا ذكره ابْن عَسَاكِر (1) أَيْضا فَقَالَ فِي حَدِيث الأطيط (2) أجمع أهل الْعلم على تَقْدِيم قَول من جرح رَاوِيا على قَول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 من عدله انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 وَيَنْبَغِي تَنْزِيل كَلَام ابْن عَسَاكِر على ذَلِك (1) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 الثَّانِي فَاتَهُ من (أ 137) الْخلاف حِكَايَة قَول أَنه إِذا لم يزدْ يتعارضان وَلَا يرجح أَحدهمَا إِلَّا بمرجح حَكَاهُ ابْن الْحَاجِب (1) وَقيل يرجح بالأحفظ الثَّالِث أَن تَقْدِيم الْجَارِح مَشْرُوط عِنْد الْفُقَهَاء بِأَن يُطلق القَوْل فَإِن قَالَ الْمعدل عرفت السَّبَب الَّذِي ذكره الْجَارِح لكنه تَابَ وَحسنت حَالَته (2) فَإِنَّهُ يقدم الْمعدل وَكَذَلِكَ لَو عين (3) الْجَارِح سَببا فنفاه الْمعدل بطرِيق مُعْتَبر كَمَا إِذا قَالَ قتل فلَانا ظلما وَقت كَذَا فَقَالَ الْمعدل رَأَيْته حَيا بعد ذَلِك أَو كَانَ الْقَتِيل فِي ذَلِك الْوَقْت عِنْدِي لَكِن هُنَا يتعارضان فيتساقطا وَيبقى أصل الْعَدَالَة ثَابتا وَيحْتَمل أَن يُقَال بِتَقْدِيم قَول الْمعدل لِأَن السَّبَب الَّذِي اسْتندَ إِلَيْهِ الْجَارِح قد تبين بُطْلَانه فَكَأَنَّهُ لم يكن وَيبقى التَّعْدِيل (مُسْتقِلّا وَالْحكم) (4) وَاحِدًا غير (5) أَن على هَذَا الِاحْتِمَال يكون ثُبُوت عَدَالَته بِالْأَصَالَةِ وَذكر ابْن الرّفْعَة (6) مَسْأَلَة أُخْرَى وَهِي مَا لَو شَهدا بجرحه بِبَلَد ثمَّ انْتقل إِلَى غَيره فعدله آخرَانِ فها هُنَا يقدم التَّعْدِيل كَذَا أطلقهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَ بَين انْتِقَاله من الأول إِلَى الثَّانِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء وَإِلَّا فَلَا يقدم الرَّابِع هَذَا كُله إِذا فسر الْجرْح فَأَما لَو تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل غير مفسرين فالمقدم التَّعْدِيل قَالَه الْحَافِظ الْمزي وَغَيره (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 الْخَامِس أَن تَقْدِيم الْجرْح مَحَله - كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن الخزرجي (1) فِي كتاب تقريب المدارك - إِذا كَانَ الْجَارِح قد علم مَا لم يعلم الْمعدل قَالَ فَأَما إِذا اخْتلفُوا فِيمَا ينْسب إِلَى الرَّاوِي كَقَوْل النَّسَائِيّ فِي سماك (2) إِنَّه يقبل التَّلْقِين وَقَالَ غَيره قد عرضت حَدِيثه على رِوَايَة غَيره من الثِّقَات فوافقها فَلَا يكون أَحدهمَا حجَّة على الآخر بل هَذَا الَّذِي عرض حَدِيثه وَنظر فِيهِ قد علم مَا لم يعلم المجرح وَقَالَ وَلِهَذَا احْتج مُسلم بسماك فَلَا يكون النَّسَائِيّ حجَّة عَلَيْهِ (3) قَالَ وَكَذَلِكَ إِذا اخْتلفُوا فِيمَا يظْهر من الرَّاوِي هَل هُوَ جرح أم لَا لَا يقدم أَحدهمَا على الاخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 السَّادِس هَذَا فِيمَا إِذا تَعَارضا (1) من قائلين فَأَما إِذا تَعَارضا من قَائِل وَاحِد فَلم أر من تعرض لَهُ وَهَذَا يتَّفق ليحيى بن معِين وَغَيره يرْوى عَنهُ تَضْعِيف الرجل مرّة وتوثيقه أُخْرَى وَكَذَا ابْن حبَان يذكرهُ فِي الثِّقَات مرّة ويدخله فِي الضُّعَفَاء (أُخْرَى) (2) (3) قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمدْخل وَهَذَا لِأَنَّهُ قد يخْطر على قلب المسؤول (د / 82) عَن الرجل من حَاله فِي الحَدِيث وقتا مَا يُنكره قلبه فَيخرج جَوَابه على حسب الفكرة الَّتِي فِي قلبه ويخطر لَهُ مَا يُخَالِفهُ فِي وَقت آخر فيجيب عَمَّا يعرفهُ فِي الْوَقْت مِنْهُ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِك بتناقض وَلَا إِحَالَة وَلكنه صدر عَن حَالين مُخْتَلفين عرض أَحدهمَا فِي وَقت والاخر فِي غَيره قلت وَالظَّاهِر فِي هَذِه الْحَالة أَنه إِن ثَبت تَأَخّر أحد الْقَوْلَيْنِ عَن الْأُخَر فَهُوَ الْمَعْمُول (بِهِ) (4) وَإِلَّا وَجب التَّوَقُّف كَمَا سبق (5) 244 - (قَوْله) فَإِن كَانَ عدد المعدلين أَكثر فقد قيل التَّعْدِيل (6) أولى (11 وَاجِب كَمَا فِي تعَارض الحديث: 244 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 الْحَدِيثين والأمارتين (أ 138) وَالصَّحِيح تَقْدِيم الْجرْح لما ذكرنَا يَعْنِي لِأَن تَقْدِيم الْجرْح إِنَّمَا هُوَ لتَضَمّنه زِيَادَة خفيت على الْمعدل وَذَلِكَ مَوْجُود مَعَ زِيَادَة عدد الْمعدل ونقصه ومساواته فَلَو جرحه وَاحِد وعدله (1) مائَة قدم قَول الْوَاحِد لذَلِك (2) 245 - (قَوْله) فِي السَّادِسَة إِذا قَالَ حَدثنِي الثِّقَة لم يكتف (5 6 بالِاتِّفَاقِ عِنْد الشَّافِعِي وَأَصْحَابه فَإِذا قَالَ الحديث: 245 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 شَاهد الْفَرْع أشهدني شَاهد أصل أشهد بعدالته وثقته أَنه شهد بِكَذَا لم يسمع ذَلِك وفَاقا حَتَّى يُعينهُ الْحَاكِم ثمَّ الْحَاكِم إِن علم عَدَالَة شَاهد الأَصْل عمل بِمُوجب الشَّهَادَة وَإِن جهل حَاله اشْتَركَا (1) (2) 346 - (قَوْله) فَإِن كَانَ الْقَائِل لذَلِك عَالما أَجْزَأَ ذَلِك فِي حق من يُوَافقهُ فِي مذْهبه على مَا اخْتَارَهُ بعض الْمُحَقِّقين (5 6 7 بن أبي يحيى (4) (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وبمن لَا يتهم يحيى (1) بن حسان (2) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 فَصَارَت (1) الْكِنَايَة كالتسمية قَالَ وَقيل إِن الشَّافِعِي قَالَ ذَلِك احتجاجا لنَفسِهِ وَلم يقلهُ احتجاجا على خَصمه وَله فِي حق نَفسه أَن يعْمل بِمَا يَثِق بِصِحَّتِهِ هَذَا كَلَامه فِي القواطع (2) وَالصَّوَاب الْقبُول إِن كَانَ من عَادَته لَا يروي إِلَّا عَن عدل وَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا - شهد عِنْدِي رجال مرضيون وأرضاهم عِنْدِي عمر (3) وَنَظِيره قَول مُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه حَدثنَا غير وَاحِد وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ بلغ عِنْده مبلغ الاشتهار الَّذِي لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى تعْيين الْوَاسِطَة وَهنا فَائِدَة ذكرهَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن عَاصِم الآبري السجْزِي (4) فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي سَمِعت بعض أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ يَقُول إِذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 قَالَ الشَّافِعِي فِي كتبه أخبرنَا الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب (1) فَهُوَ ابْن أبي فديك (2) وَإِذا قَالَ أخبرنَا الثِّقَة عَن اللَّيْث بن سعد [فَهُوَ يحيى بن حسان] (3) وَإِذا قَالَ أخبرنَا الثِّقَة عَن الْوَلِيد بن كثير (4) فَهُوَ ابو أُسَامَة (5) وَإِذا قَالَ أخبرنَا الثِّقَة عَن الْأَوْزَاعِيّ [فَهُوَ عَمْرو بن أبي سَلمَة] (6) (7) وَإِذا قَالَ أخبرنَا الثِّقَة عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة (8) فَهُوَ إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى (5) انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 وَذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي أَمَالِيهِ عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ مَا حدث بِهِ الشَّافِعِي فِي كِتَابه فَقَالَ حَدثنِي الثِّقَة فَإِنَّمَا يُرِيد بِهِ أبي قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا فِي الْكتب الْقَدِيمَة أَكثر (1) انْتهى وَسُئِلَ يحيى بن معِين إِن مَالِكًا يَقُول حَدثنِي الثِّقَة فَمن هُوَ قَالَ مخرمَة ابْن بكير (2) قيل لَهُ لم قل حَدِيث مَالك قَالَ لِكَثْرَة تَمْيِيزه (3) 247 - (قَوْله) (أ 139) السَّابِعَة إِذا روى الْعدْل عَن رجل وَسَماهُ لم تجْعَل رِوَايَته عَنهُ تَعْدِيل مِنْهُ (7 8 9 10 11 وَهُوَ الصَّحِيح الحديث: 247 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (1) وَجمع من أَئِمَّة الحَدِيث (2) وَقد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين لَا نبالي أَلا نسْأَل عَن رجل حدث عَنهُ مَالك حَكَاهُ الخليلي (3) وَيخرج من كَلَام أبي حَاتِم الرَّازِيّ مَذْهَب آخر فَإِنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَن رِوَايَة الثِّقَات عَن رجل غير ثِقَة مِمَّا يقويه فَقَالَ إِذا كَانَ مَعْرُوفا بالضعف لم يقوه رِوَايَته عَنهُ وَإِذا كَانَ مَجْهُولا لَا تَنْفَعهُ رِوَايَة الثِّقَة عَنهُ ثمَّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن رِوَايَة الثِّقَات عَن الرجل مِمَّا يُقَوي حَدِيثه قَالَ إِي لعمري قلت الْكَلْبِيّ روى عَنهُ الثَّوْريّ قَالَ إِنَّمَا ذَاك إِذا لم يتَكَلَّم فِيهِ الْعلمَاء وَكَانَ الْكَلْبِيّ يتَكَلَّم فِيهِ قَالَ أَبُو زرْعَة أخبرنَا (4) أَبُو نعيم (5) أَنا سُفْيَان أَنا مُحَمَّد بن السَّائِب هُوَ الْكَلْبِيّ وَتَبَسم الثَّوْريّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم قلت لأبي مَا معنى رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْكَلْبِيّ وَهُوَ غير ثِقَة عِنْده قَالَ كَانَ الثَّوْريّ يذكر الرِّوَايَة عَن الرجل على الْإِنْكَار والتعجب فيعلقون عَنهُ رِوَايَته وَلم تكن رِوَايَته عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 الْكَلْبِيّ قبُوله لَهُ (1) انْتهى وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا هُوَ الْمَذْهَب فِي رِوَايَة الثِّقَات عَن الشَّخْص لَا فِي رِوَايَة الثِّقَة الْوَاحِد الَّتِي هِيَ مَسْأَلَتنَا وَهَذِه الطَّرِيقَة يستعملها الْبَزَّار فِي مُسْنده كثيرا فِي التَّعْدِيل فَيَقُول تفرد بِهِ فلَان وَقد روى عَنهُ النَّاس [تَنْبِيه] هَل مَحل هَذَا الْخلاف الَّذِي حَكَاهُ المُصَنّف فِي مَجْهُول الْعَدَالَة أَو فِي الْمَعْرُوف عينه وَقد جرحه قوم وروى عَنهُ ثِقَة فِيهِ نظر (2) وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر (3) بن خلفون (4) اخْتلف الْأَئِمَّة فِي رِوَايَة الثِّقَة عَن الْمَجْهُول الَّذِي لَا يعرف حَاله إِلَّا بِظَاهِر الْإِسْلَام فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن رِوَايَة الثِّقَة عَنهُ تعديلا وَذهب بَعضهم إِلَى أَن رِوَايَة الرجلَيْن عَنهُ يُخرجهُ عَن حد الْجَهَالَة (5) وَإِن لم يعرف حَاله وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْجَهَالَة لَا ترْتَفع عَنهُ بروايتهما عَنهُ حَتَّى يعرف حَاله وتتحقق عَدَالَته وَهَذَا القَوْل أولى عندنَا بِالصَّوَابِ انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 [فَائِدَة] الَّذِي عَادَته لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة ثَلَاثَة يحيى بن سعيد وَشعْبَة وَمَالك قَالَه ابْن عبد الْبر (1) وَغَيره وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ أحد بعد التَّابِعين آمن على الحَدِيث (أ 140) من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَلَا أقل رِوَايَة عَن الضُّعَفَاء مِنْهُم (2) وَلم يحدث مَالك عَن مَتْرُوك إِلَّا عَن عبد الْكَرِيم أبي (3) أُميَّة روى (4) عَنهُ حديثين وَعَن يحيى بن سعيد عَن عبد الْغفار بن الْقَاسِم (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وَعبد الْغفار مَتْرُوك وَعَاصِم بن عبيد الله (1) وَعَمْرو بن أبي عَمْرو وَلم يرو عَنْهُمَا من الْأَحْكَام شَيْئا وكل من روى عَنهُ مَالك سوى هَؤُلَاءِ فَهُوَ فيهم حجَّة (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (فِي الْمدْخل انْفَرد (1) من الْأَئِمَّة عَن الرِّوَايَة عَن الضُّعَفَاء كمالك بن أبي مَرْيَم (2) وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَغَيرهم وَقد يُوجد فِي رِوَايَة بَعضهم الرِّوَايَة) (3) عَن بعض الضُّعَفَاء بخفائها عَلَيْهِ وظهوره لغيره كَرِوَايَة مَالك عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق (4) وَهُوَ عِنْد غَيره ضَعِيف (انْتهى) وَحكى الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي عَن تَارِيخ قرطبة أَن بَقِي بن مخلد قَالَ كل من رويت عَنهُ فَهُوَ ثِقَة وَمن تَارِيخ ابْن أبي خَيْثَمَة سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول إِذا حدث الشّعبِيّ عَن رجل فَسَماهُ فَهُوَ ثِقَة (5) يحْتَج بحَديثه 248 - (قَوْله) وَهَكَذَا نقُول إِن عمل الْعَالم (6) أَو فتياه على وفْق حَدِيث لَيْسَ حكما مِنْهُ بِصِحَّة ذَلِك الحَدِيث (9 (د 83) أَو لدَلِيل آخر وَافق ذَلِك الحديث: 248 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 الحَدِيث وَقَضيته طرد الْخلاف السَّابِق فِيهِ وَبِه صرح إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان فَحكى قَوْلَيْنِ فِي أَنه تَعْدِيل لَهُ أَولا ثمَّ اخْتَار توسطا وَهُوَ أَنه إِن ظهر مُسْتَند فعله مَا رَوَاهُ وَلم يكن ذَلِك من مسالك الِاحْتِيَاط فَهُوَ تَعْدِيل وَإِلَّا فل (1) اوأطلق فِي الْمَحْصُول أَنه تَزْكِيَة إِلَّا أَن يُمكن حمله على الِاحْتِيَاط أَو الْعَمَل بِدَلِيل آخر وَافق الْخَبَر (2) وَاعْلَم أَن شَيخنَا ابْن كثير استدرك على كَلَام ابْن الصّلاح فَقَالَ وَفِي هَذَا نظر إِذا لم يكن فِي الْبَاب (3) غير ذَلِك الحَدِيث إِذا تعرض للاحتجاج بِهِ فِي فتياه إِن حكمه وَاسْتشْهدَ بِهِ عِنْد الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ (4) وَهَذَا مِنْهُ عَجِيب لِأَن ذَلِك لم يلاق كَلَام ابْن الصّلاح فإ كَلَامه مَفْرُوض فِي غير هَذِه الْحَالة وَانْظُر قَوْله عمل الْعَالم على وفْق حَدِيث لَيْسَ حكما بِصِحَّة ذَلِك الحَدِيث فَعلم أَن كَلَامه فِيمَا إِذا لم يظْهر أَن ذَلِك مُسْتَنده وَنَظِير ذَلِك الْخلاف الأصولي فِي الْإِجْمَاع الْمُوَافق لخَبر هَل يجب أَن يكون عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 249 - (قَوْله) أَحدهمَا الْمَجْهُول للعدالة من حَيْثُ الظَّاهِر وَالْبَاطِن جَمِيعًا وَرِوَايَته غير مَقْبُولَة عِنْد الجماهير (3 4 5 6 7 ابْن الصّلاح بِالْخِلَافِ فِي هَذَا الْقسم كَمَا يَنْبَغِي وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَن الْمُحدثين ترددوا الحديث: 249 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 فِي (1) رِوَايَته وَأَن الَّذِي صَار إِلَيْهِ المعتبرون من الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهَا لَا تقبل قَالَ وَهَذَا الْمَقْطُوع بِهِ عندنَا وَمَا ذَكرْنَاهُ من إِطْلَاق الْعَمَل فِي كثير من كتب الحَدِيث لَا بُد فِيهِ من قيد وَهُوَ أَن يروي عَنهُ راويان فَأكْثر وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُول الْعين وَكَأَنَّهُ اسْتغنى عَن ذَلِك بِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَام فِي مَجْهُول الْعين (2) وَمَا أَشَارَ إِلَى تَصْحِيحه صرح بِتَصْحِيحِهِ الْمُحب الطَّبَرِيّ وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي مُقَدّمَة شرح مُسلم احْتج بِهَذَا الْقسم (أ 141) وَالَّذِي بعده كثير من الْمُحَقِّقين (3) وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة قَالَ المارودي وَالرُّويَانِيّ إِذا كَانَت عَدَالَة الرَّاوِي شرطا فِي الْحجَّة فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهمَا أَن يعلم عَدَالَته فَيحكم بِصِحَّة الحَدِيث وَثَانِيها أَن يعلم جرحه فَلَا يحكم بِصِحَّتِهِ وَثَالِثهَا أَن يجهل حَاله فَعِنْدَ أبي حنيفَة يقبل مَا لم يعلم الْجرْح وَعند الشَّافِعِي لَا يقبل مالم تعلم الْعَدَالَة وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن الْمواق (4) المجاهيل على ضَرْبَيْنِ لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد مَجْهُول روى عَنهُ اثْنَان فَصَاعِدا وَرُبمَا قيل فِي الْأَخير مَجْهُول الْحَال فَالْأول لَا خلاف أعلمهُ بَين أَئِمَّة الحَدِيث فِي رد (5) رواياتهم (6) وَإِنَّمَا يحْكى فِي ذَلِك خلاف الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُم لم يفصلوا بَين من روى عَنهُ وَاحِد وَبَين من روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد بل قبلوا رِوَايَة الْمَجْهُول على الْإِطْلَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 وَالثَّانِي اخْتلفت فيهم أهل الحَدِيث وَالْفُقَهَاء فَذهب أَكثر أهل الحَدِيث إِلَى قبُول رواياتهم والاحتجاج بهَا مِنْهُم الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ فنص الْبَزَّار فِي كتاب الْأَشْرِبَة لَهُ وَفِي فَوَائده وَفِي غير مَوضِع على أَن من روى عَنهُ ثقتان فقد ارْتَفَعت جهالته وَثبتت عَدَالَته وَنَحْو ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي الدِّيات من سنَنه لما تكلم على حَدِيث خشف بن مَالك (1) عَن ابْن مَسْعُود فِي الدِّيَة (2) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 وَذهب الْمُحَقِّقُونَ من أهل الحَدِيث وَغَيرهم إِلَى التَّوَقُّف عَن الِاحْتِجَاج بِهَذَا الضَّرْب (1) حَتَّى تثبت عدالتهم مِمَّن ذهب إِلَى ذَلِك أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ أما أَبُو حَاتِم فَإِنَّهُ كثيرا مَا يذكر الرَّاوِي الْوَاحِد من الروَاة ويعرفه بِرِوَايَة جمَاعَة من الثِّقَات عَنهُ ثمَّ يسْأَل عَنهُ فَيَقُول مَجْهُول وَقد قَالَ فِي زِيَاد بن جَارِيَة (2) التَّمِيمِي (3) روى عَنهُ مَكْحُول وَيُونُس بن ميسرَة (4) شيخ مَجْهُول (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي آخر كِتَابه قد روى عَن أبان بن أبي عَيَّاش (1) (2) غير وَاحِد من الْأَئِمَّة وَإِن كَانَ فِيهِ من الضعْف والغفلة مَا وَصفه أَبُو عوَانَة وَغَيره فَلَا يغتر بِرِوَايَة الثِّقَات عَن النَّاس (3) فَهَذَا مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ من الْأُصُولِيِّينَ تَنْبِيه اعْترض الشَّيْخ تَاج الدّين التبريزي على كَلَام المُصَنّف هُنَا وَقَالَ إِنَّه غير ظَاهر فِي الْمَقْصُود لِأَنَّهُ إِن كَانَ المُرَاد بِظَاهِر الْعَدَالَة من شهد عَدْلَانِ على عَدَالَته فَلَا نزاع فِي قبُول شَهَادَته وَرِوَايَته فِي ظَاهر الشَّرْع وَإِن كَانَ بَاطِنه بِخِلَاف الظَّاهِر وَإِن كَانَ المُرَاد مَا اشْتهر بِالْعَدَالَةِ بَين النَّاس فَلَا نزاع فِيهِ وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك فَلَا نسلم أَنه يُقَال لَهُ ظَاهره الْعَدَالَة وَأما قَوْله بِخِلَاف الشَّهَادَة فَإِنَّهُ اعْتبر فِيهِ الْعَدَالَة ظَاهرا وَبَاطنا فَفِيهِ بحث فَإِن المعدلين إِذا غلب على ظنهما صَلَاح رجل بعد الِاعْتِبَار والصحبة وشهدا بعدالته يعْتَبر تعديلهما قطعا وَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَة الرجل الْمعدل وَإِن كَانَ فِي الْبَاطِن غير عدل قلت مُرَاده بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة الْعلم بِعَدَمِ الْفسق وَأما الْبَاطِنَة فَهِيَ الَّتِي يرجع فِيهَا إِلَى أَقْوَال المزكين وَقد صرح بذلك الْأَصْحَاب فِي كتاب الصّيام وَحِينَئِذٍ لَا يَصح الِاعْتِرَاض فَإِنَّهُ لم يرد بالباطنة مَا فِي نفس الْأَمر بل مَا يثبت عِنْد الْحَاكِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 وَإِنَّمَا جرى فِيهِ خلاف من جِهَة أَن شَرط قبُول الرِّوَايَة هَل هُوَ الْعلم بِالْعَدَالَةِ أَو عدم الْعلم بِالْفِسْقِ فَإِن قُلْنَا بِالْأولِ لم يقبل المستور وَإِلَّا قبلناه وَهَذَا مُتَوَقف على ثُبُوت الْوَاسِطَة بَين الْعَدَالَة وَالْفِسْق وَذَلِكَ بِاعْتِبَار مَا يظْهر من تزكيته وَعدمهَا وَلِهَذَا فرق المحدثون بَين الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف فَالصَّحِيح رِوَايَة الْعدْل وَالْحسن رِوَايَة المستور (1) والضعيف رِوَايَة الْمَجْرُوح وَاعْلَم أَنه لَا يشكل على من لم يقبل رِوَايَة المستور تَصْحِيح النِّكَاح بِحَضْرَة شَاهِدين مستوري الْعَدَالَة لِأَن ذَلِك عِنْد (2) المتحمل وَلِهَذَا لَو رفع العقد بهما إِلَى حَاكم لم يحكم بِصِحَّة العقد كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة (3) عَن الشَّيْخ أبي حَامِد (4) وَغَيره 251 - (قَوْله) الْمَجْهُول الْعين إِلَى آخِره (9 وَاحِد وَهَذَا اصْطِلَاح وَإِلَّا (5) فالمجهول على الحديث: 251 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 الْحَقِيقَة نَحْو شيخ وَرجل (1) مِمَّن لَا تعرف عينه وَلَا اسْمه وَهَذَا لَا يخْتَلف فِي رد رِوَايَته وَقد اسْتشْكل بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من الرِّوَايَة عَن جمَاعَة نسبوا للْجَهَالَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيق شُعْبَة عَن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب (2) وَابْنه مُحَمَّد (3) كِلَاهُمَا عَن مُوسَى بن طَلْحَة (4) عَن أبي أَيُّوب حَدِيث السَّائِل أَخْبرنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 وَقد قَالُوا مُحَمَّد بن عُثْمَان مَجْهُول (1) وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم عَن أبي يحيى مولى آل (2) جعدة (3) (4) عَن أبي هُرَيْرَة مَا عَابَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما قطّ (5) وَأَبُو يحيى مَجْهُول الْعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 وَالْجَوَاب أَنه لم يَقع الِاحْتِجَاج بِرِوَايَة من ذكر على الِاسْتِقْلَال أما مُحَمَّد بن عُثْمَان فَلم يخرج لَهُ إِلَّا مَقْرُونا بِأَبِيهِ عُثْمَان وَأَبوهُ هُوَ الْعُمْدَة فِي الِاحْتِجَاج وَكَذَلِكَ أَبُو يحيى إِنَّمَا أخرج مُسلم حَدِيثه مُتَابعَة كَحَدِيث ثِقَة مَشْهُور فَإِن مُسلما رَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة فَصَارَ حَدِيث أبي يحيى (1) مُتَابعَة 252 - (وَقَوله) وَمن روى عَنهُ عَدْلَانِ وَعَيناهُ فقد ارْتَفَعت عَنهُ هَذِه الْجَهَالَة وَذكر أَبُو بكر الْخَطِيب فِي أجوبة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا أَن الْمَجْهُول (د 84) عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث كل من لم يعرفهُ الْعلمَاء وَمن لم يعرف حَدِيثه إِلَّا من الحديث: 252 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 جِهَة راو وَاحِد مثل عَمْرو ذِي مر (1) إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 عَنهُ غير الْوَلِيد بن مُسلم (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 وَقَالَ فِي (أ 143) مَوضِع آخر سَأَلت أَبَا دَاوُد عَن عبيد الله بن عَمْرو بن غَانِم (1) فَقَالَ أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة مَا أعلم حدث عَنهُ غير الشّعبِيّ لقِيه بالأندلس (2) وَهَذَا ظَاهر تصرف ابْن حبَان فِي كتاب الثِّقَات أَعنِي الِاكْتِفَاء فِي الْعَدَالَة بِرِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة وَنقل ذَلِك بَعضهم عَن النَّسَائِيّ أَيْضا وَبِه صرح ابْن الْقطَّان فِي كتاب الْوَهم وَالْإِيهَام وَنَقله الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي وَأهل الْأُصُول كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ أَبُو بكر (3) مُحَمَّد بن خلفون فِي كتاب الْمُنْتَقى اخْتلف الْأَئِمَّة فِي رِوَايَة الثِّقَة عَن الْمَجْهُول الَّذِي لَا يعرف حَاله فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه تَعْدِيل لَهُ وتقوية وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن رِوَايَة الرجلَيْن عَنهُ يرفع عَنهُ الْجَهَالَة وَإِن لم تعرف حَاله وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْجَهَالَة لَا ترْتَفع بروايتهما عَنهُ حَتَّى يعرف حَاله وتتحقق عَدَالَته وَإِن جهل نسبه وَقَالَ وَهَذَا أولى عندنَا بِالصَّوَابِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ (4) الْحق أَنه مَتى عرف عَدَالَة الرَّاوِي قبل خَبره سَوَاء روى عَنهُ وَاحِد أَو أَكثر وعَلى هَذَا كَانَ الْحَال فِي الْعَصْر الأول من الصَّحَابَة وتابعيهم إِلَى أَن تنطع المحدثون انْتهى وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رسَالَته للجويني الَّذِي عندنَا من مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَنَّهُمَا شرطا أَن يكون للصحابي الَّذِي يرْوى عَنهُ الحَدِيث راويان فَأكْثر ليخرج بذلك عَن حد الْجَهَالَة وَهَكَذَا من دونه ثمَّ إِن انْفَرد أحد الراويين (5) عَنهُ بِحَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 وَانْفَرَدَ الاخر بِحَدِيث آخر قبلاه وَإِنَّمَا يتوقفان فِي رِوَايَة صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ لَا يكون لَهُ إِلَّا راو وَاحِد كصفوان بن عَسَّال (1) لم يرو عَنهُ من الثِّقَات إِلَّا الشّعبِيّ قَالَ وَهَذَا عِنْد الشَّافِعِي وَغَيره من الْأُصُولِيِّينَ حجَّة إِذا كَانَ الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة (2) انْتهى وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الاستذكار فِي الْكَلَام على حَدِيث حَكِيم بن حزَام لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 لَا أعلم لعبد الله بن عصمَة (1) جرحة إِلَّا من لم يرو عَنهُ إِلَّا رجل وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم إِلَّا أَنِّي أَقُول إِن كَانَ مَعْرُوفا [بالثقة] وَالْأَمَانَة وَالْعَدَالَة فَلَا يضرّهُ إِذا لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد (3) انْتهى وَقَالَ الإِمَام أثير الدّين أَبُو حَيَّان (4) فِي بعض أَمَالِيهِ قد زعم بعض من عاصرناه أَنه لَا تَنْتفِي الْجَهَالَة عَن الشَّخْص وَإِن روى عَنهُ اثْنَان وَهَذَا مُخَالف لقَوْل الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن (5) قَالَ والجهالة أَمر نسبي رب شخص يكون مَجْهُولا عِنْد شخص يكون غير مَجْهُول عِنْد آخر هَذَا أَبُو حَاتِم صَاحب الْجرْح وَالتَّعْدِيل سَأَلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 ابْنه عَن أبان بن حَاتِم (1) الَّذِي روى عَنهُ هِشَام بن عبد الْملك الفخذمي فَقَالَ مَجْهُول (3) وَلَيْسَ بِمَجْهُول فقد روى [عَنهُ] (4) مُحَمَّد بن الْمُصَفّى ذكر ذَلِك الإِمَام أَبُو عبد الرَّحْمَن بَقِي بن مخلد فِي مُسْنده فَقَالَ أَنا مُحَمَّد بن الْمُصَفّى (5) (6) أَنا أبان بن حَاتِم أَبُو سَلمَة الْحِمصِي فَهَذَا أبان قد روى [عَنهُ] (8) الفخذمي وَابْن الْمُصَفّى (7) وَخرج بذلك عَن الْجَهَالَة وَهَذَا أَيْضا أَبُو مُحَمَّد بن حزم أسْند فِي حجَّة الْوَدَاع حَدِيثا فِي سَنَده عبيد الله [بن] (9) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن حبابة (1) وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ (2) [وَقَالَ] (3) مَجْهُولَانِ هَذَا وهما من الشُّهْرَة فِي الدُّنْيَا وَكَثْرَة الروَاة عَنْهُمَا بِالْمحل الَّذِي يعرفهُ أهل الحَدِيث وَمَعَ ذَلِك فقد جهلهما ابْن حزم على سَعَة مَعْرفَته قلت وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كتاب الإيصال أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ مَجْهُول (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن رشيد قَول من قَالَ لَا يخرج عَن الْجَهَالَة إِلَّا بِرِوَايَة عَدْلَيْنِ إِن أَرَادَ الْخُرُوج عَن جَهَالَة الْعين فَلَا شكّ أَن رِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة تخرجه عَن ذَلِك إِذا سَمَّاهُ وَنسبه وَإِن أَرَادَ جَهَالَة الْحَال فالحال كَمَا لَا يعلم من رِوَايَة الْوَاحِد الثِّقَة عَنهُ مَا لم يُصَرح بهما كَذَلِك لَا يعلم من رِوَايَة الِاثْنَيْنِ إِلَّا أَن يُصَرح أَو يكون مِمَّن يعلم أَنه لَا يروي (أ 144) إِلَّا عَن ثِقَة فَلَا فرق بَين الْوَاحِد والاثنين نعم كَثْرَة رِوَايَات الثِّقَات عَن الشَّخْص تقَوِّي حسن الظَّن بِهِ وَظَاهر (1) كَلَام بَعضهم أَنهم جَهَالَة الْحَال لَا جَهَالَة الْعين (2) 253 - (قَوْله) (3) رادا على الْخَطِيب قد روى عَن الهزهاز الثَّوْريّ أَيْضا (9 10 أبي حَاتِم (7) وَهُوَ أَصْغَر من الثَّوْريّ وَتَأَخر بعده مُدَّة فَلَعَلَّ الهزهاز [تَأَخّر بعد الحديث: 253 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 الشّعبِيّ وسمى ابْن أبي حَاتِم أَبَا الهزهاز] (1) مَازِن بِالْألف لَا بِالْيَاءِ (2) كَمَا وَقع فِي المُصَنّف وَلَعَلَّ بَعضهم أماله فَكَتبهُ [بِالْيَاءِ] (3) (4) 254 - (قَوْله) إِلَّا أَنه لَا يثبت لَهُ حكم الْعَدَالَة بروايتهما عَنهُ (4 5 6 7 8 9 10 من الصَّحَابَة كَذَلِك وَلَا شكّ أَن مرداسا (7) الحديث: 254 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وَرَبِيعَة (1) صحابيان مشهوران فمرداس من أهل الشَّجَرَة وَرَبِيعَة من أهل الصّفة وَالصَّحَابَة كلهم عدُول فَلَا تضر الْجَهَالَة بأعيانهم لَو ثبتَتْ وَقَالَ الْحَاكِم إِن الصَّحَابِيّ الْمَعْرُوف إِذا [لم نجد لَهُ رَاوِيا غير التَّابِعِيّ الْوَاحِد الْمَعْرُوف] (2) احتججنا بِهِ وصححنا حَدِيثه إِذْ هُوَ على شَرطهمَا جَمِيعًا (3) الثَّانِي سلمنَا ذَلِك لَكِن قد روى عَنْهُمَا أَكثر من وَاحِد أما مرداس فقد روى عَنهُ أَيْضا زِيَاد بن علاقَة (4) وَأما ربيعَة فروى عَنهُ أَيْضا نعيم المجمر (5) وحَنْظَلَة بن عَليّ (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 قيل مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء (1) وَأَبُو عمرَان الْجونِي (2) قَالَ النَّوَوِيّ وَلِأَن الْخَطِيب شَرط فِي الْمَجْهُول أَن لَا يعرفهُ الْعلمَاء وَهَذَانِ معروفان عِنْدهم مشهوران قَالَ وَالصَّوَاب مَا ذكره الْخَطِيب وَهُوَ لم يقلهُ عَن اجْتِهَاد بل نَقله عَن أهل الحَدِيث قَالَ وَحصل مِمَّا ذَكرْنَاهُ من اشتهار مرداس وَرَبِيعَة أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا لم يخالفا نقل الْخَطِيب عَن اهل الحَدِيث قَالَ وَقد حكى الشَّيْخ فِي النَّوْع السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ (3) عَن ابْن عبد الْبر أَن من لم يرو عَنهُ غير راو وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم إِلَّا أَن يكون رجلا مَشْهُورا فِي غير تحمل الْعلم كاشتهار مَالك بن دِينَار (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 فِي الزّهْد وَعَمْرو (1) بن معدي كرب (2) بالنجدة انْتهى (3) وَفِي أَمْرَانِ أَحدهمَا (أ 85) يرد على إِطْلَاق [الْخَطِيب] (4) الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن الجارودي (5) لم يرو عَنهُ إِلَّا وَلَده الْمُنْذر (6) وَقد خرج الشَّيْخَانِ حَدِيثه (7) عَن أَبِيه وَكَذَلِكَ حُصَيْن بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ (8) احتجا بِهِ وَلم يرو عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 وَاحْتج البُخَارِيّ بجويرية بن قدامَة (1) وَلم يرو عَنهُ إِلَّا أَبُو جَمْرَة الضبعِي (2) وَبِعَبْد الله ابْن وَدِيعَة الْأنْصَارِيّ (3) وَلم يرو عَنهُ سوى أبي سعيد المَقْبُري (4) وبعمر بن [مُحَمَّد ابْن] (5) جُبَير بن مطعم (6) لم يرو عَنهُ سوى بكير بن عبد الله الْأَشَج (7) وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام (8) وَمَا روى عَنهُ سوى الزُّهْرِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وَهَؤُلَاء كلهم موثقون لَهُم تراجم مسطورة وَيَكْفِي تَخْرِيج أحد الشَّيْخَيْنِ لَهُم لِأَنَّهُ لَوْلَا معرفتهم لما خرج لَهُم وَلَا سِيمَا من روى عَنهُ إِمَام جليل كالزهري (1) (أ 145) الثَّانِي مُوَافَقَته الْخَطِيب على أَن ذَلِك قَول أهل الحَدِيث فِيهِ نظر لما سبق بَيَانه قَرِيبا وَأَن مدَار كَلَامهم على الْمعرفَة بِالرجلِ الثِّقَة سَوَاء روى عَنهُ الْوَاحِد أَو الِاثْنَان وَقد ذكر البرديجي الْحَافِظ فِي كتاب الْمُتَّصِل والمنقطع حَدِيثا لَا تصاب (2) عِنْد الرجل الْوَاحِد لم يضر أَلا يرويهِ غَيره إِذا كَانَ متن الحَدِيث مَعْرُوفا وَلَا يكون مُنْكرا وَلَا معلولا 256 - (قَوْله) وَذَلِكَ مِنْهُمَا مصير إِلَى أَن الرَّاوِي قد يخرج عَن كَونه مَجْهُولا بِرِوَايَة وَاحِد عَنهُ (9 10 11 1) يَعْنِي أَن أصل الرِّوَايَة يثبت بِوَاحِد وَالتَّعْدِيل فِيهَا يَكْفِي بِوَاحِد فَيَنْبَغِي أَن الحديث: 256 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 يكون الْجَهَالَة فِيهَا ترْتَفع بِالْوَاحِدِ 258 - (قَوْله) التَّاسِعَة اخْتلفُوا فِي قبُول رِوَايَة المبتدع إِذا لم يكفر ببدعته (3 4 5 6 عَن الحديث: 258 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 الْجَانِب (1) الاخر وَقد نقل ابْن حبَان أَيْضا فِيهِ الِاتِّفَاق على الْقبُول قَالَ فِي تَارِيخ الثِّقَات فِي تَرْجَمَة جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي (2) لَيْسَ بَين أهل الحَدِيث من أَئِمَّتنَا خلاف فِي أَن الصدوق المتقن (3) إِذا كَانَ فِيهِ بِدعَة [وَلم يكن يَدْعُو إِلَيْهَا أَن الِاحْتِجَاج بأخباره جَائِز فَإِن دَعَا إِلَى] (4) بدعته سقط (5) الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ (6) (7) انْتهى وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد قلت لأبي رويت عَن أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير (8) - وَكَانَ مرجئا - وَلم ترو عَن شَبابَة بن سوار (9) - وَكَانَ قدريا - قَالَ لِأَن أَبَا مُعَاوِيَة لم يكن يَدْعُو إِلَى الإرجاء وشبابه كَانَ يَدْعُو إِلَى الْقدر (10) وَفِي الْمَسْأَلَة قَول رَابِع لم يحكه المُصَنّف أَنه تقبل أخباره مُطلقًا وَإِن كَانُوا كفَّارًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 أَو فساقا بالتأويل (1) حَكَاهُ الْخَطِيب (2) وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان الْبِدْعَة على ضَرْبَيْنِ صغرى كغلو التَّشَيُّع [أَو كالتشيع] (3) بِلَا غلو فَهَذَا كثير فِي التَّابِعين وتابعيهم مَعَ الدّين والورع والصدق فَلَو رد حَدِيث هَؤُلَاءِ لذهبت جملَة من الْآثَار النَّبَوِيَّة ثمَّ بِدعَة كبرى كالرفض الْكَامِل والحط على الشَّيْخَيْنِ وَالدُّعَاء إِلَى ذَلِك فَهَذَا النَّوْع لَا يحْتَج بهم وَلَا كَرَامَة قَالَ وَأَيْضًا فَمَا أستحضر الْآن من هَذَا الضَّرْب رجلا صَادِقا وَلَا ملعونا بل الْكَذِب شعارهم والنفاق دثارهم فَكيف يقبل نقل من هَذَا حَاله حاشا وكلا قَالَ والشيعي الغالي فِي زمن السّلف وعرفهم هُوَ من يتَكَلَّم (4) فِي (5) عُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة [وَمُعَاوِيَة] (6) وَطَائِفَة مِمَّن حَارب عليا - رَضِي الله عَنهُ - وَتعرض لسبهم والغالي فِي زَمَاننَا وعرفنا الَّذِي يكفر هَؤُلَاءِ السَّادة فَهَذَا ضال معثر (7) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر اخْتلف النَّاس فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث الرافضة على ثَلَاثَة اقوال أَحدهمَا الْمَنْع مُطلقًا وَالثَّانِي الترخيص مُطلقًا إِلَّا فِيمَن يكذب وَيَضَع وَالثَّالِث التَّفْصِيل فَتقبل رِوَايَة الرافضي الصدوق الْعَارِف بِمَا يحدث وَترد رِوَايَة الداعية وَلَو كَانَ صَدُوقًا (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 قَالَ أَشهب سُئِلَ مَالك عَن الرافضة قَالَ لَا نكلمهم وَلَا نروي عَنْهُم فَإِنَّهُم يكذبُون (1) وَقَالَ حَرْمَلَة (2) سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول لم أر (3) أشهد بالزور من الرافضة (4) وَقَالَ يزِيد بن هَارُون يكْتب عَن كل صَاحب بِدعَة (أ 164) إِذا لم يكن دَاعِيَة إِلَّا الرافضة فَإِنَّهُم يكذبُون (5) رَابِعهَا أَن مَا عزاهُ أَولا للشَّافِعِيّ قَالَ فَخر الدّين فِي الْمَحْصُول إِنَّه الْحق (6) وَحَكَاهُ الْحَاكِم فِي الْمدْخل عَن أَكثر أَئِمَّة الحَدِيث (7) وَرجحه الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي وَقَالَ الَّذِي تقرر عندنَا أَنه لَا يعْتَبر الْمَذْهَب (8) فِي الرِّوَايَة إِذْ لَا يكفر أحد من أهل الْقبْلَة إِلَّا بإنكار قَطْعِيّ (9) من الشَّرِيعَة فَإِذا اعْتبرنَا (10) ذَلِك وانضم إِلَيْهِ التَّقْوَى والورع فقد حصل مُعْتَمد الرِّوَايَة وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي حَيْثُ يقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء (11) قَالَ وأعراض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام (1) قلت وَنقل الخليلي فِي الْإِرْشَاد أَن الشَّافِعِي كَانَ يَقُول فِي إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى حَدثنَا الثِّقَة فِي حَدِيثه الْمُتَّهم فِي دينه لِأَنَّهُ كَانَ يرى الْقدر (2) وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمدْخل كَانَ مُحَمَّد بن خُزَيْمَة (3) يَقُول حَدثنَا الصَّادِق فِي رِوَايَته الْمُتَّهم فِي دينه عباد بن يَعْقُوب (4) (5) خَامِسهَا علل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عدم قبُول الداعية بإهانته وَبنى عَلَيْهِ قبُول رِوَايَته فِيمَا لم يروه [غَيره] (6) كتقديم مصلحَة الحَدِيث على إهانته ورد مَا وَافق بدعته من رد الشَّهَادَة بالتهمة (7) 259 - (قَوْله) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الرِّوَايَة عَن المبتدعة غير الدعاة (8 مِنْهُم عمرَان بن حطَّان الْخَارِجِي (8) مادح عبد الرَّحْمَن بن الحديث: 259 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 ملجم قَاتل عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَهَذَا من أكبر الدعْوَة إِلَى الْبِدْعَة خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَزعم جمَاعَة أَنه من دعاة الشراة (1) وَمِنْهُم عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن (2) أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي كَانَ دَاعِيَة إِلَى الإرجاء وَغير ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه لَا فرق (3) وَلذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 أطلق الشَّافِعِي النَّص الْمَشْهُور عَنهُ وَهُوَ قَوْله أقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِلَّا الخطابية (1) وَقَالَ فِي الْأُم ذهب النَّاس فِي تَأْوِيل الْقُرْآن وَالسّنة إِلَى أُمُور تباينوا فِيهَا تباينا شَدِيدا وَاخْتلفُوا اخْتِلَافا بَعيدا (2) فَلم نر أحدا مِنْهُم رد شَهَادَة أحد بِتَأْوِيل وَإِن خطأه (3) وضلله وَرَآهُ اسْتحلَّ مَا حرم الله (4) انْتهى وَمِمَّا يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة فِي كتاب الشَّهَادَات كَانَ البُخَارِيّ يؤلف الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة بَين الْقَبْر والمنبر قَالَ فرويت عَن مُحَمَّد بن محيريز فغلبتني عَيْنَايَ فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ تروي عَن ابْن محيريز وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 يطعن فِي اصحابي وَكَانَ خارجيا قَالَ مُحَمَّد فَقلت يَا رَسُول الله لكنه ثِقَة فَقَالَ (1) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه ثِقَة فارو عَنهُ قَالَ فَكنت أروي عَنهُ بعد ذَلِك لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (2) انْتهى وَهَذِه الْحِكَايَة لَا يعرف لَهَا إِسْنَاد إِلَى البُخَارِيّ وَفِي صِحَّتهَا نظر وَلَيْسَ فِي رجال البُخَارِيّ من اسْمه مُحَمَّد بن محيريز لَكِن فِي التَّابِعين من اسْمه مُحَمَّد بن محيريز (د 86) وَهُوَ من سَادَات أهل الشَّام لَهُ تَرْجَمَة عَظِيمَة فِي تَارِيخ دمشق (3) وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ حريز بن عُثْمَان (4) أَوله حاء مُهْملَة وَآخره زَاي مُعْجمَة فَإِنَّهُ ينْسب إِلَى أنحراف عَن عُثْمَان - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقيل لم يَصح عَنهُ وَقيل رَجَعَ عَن ذَلِك الرَّأْي وَالَّذِي (5) عوتب فِي الْمَنَام عَن الرِّوَايَة عَنهُ هُوَ يزِيد بن هَارُون وَقد أوضح ذَلِك الْحَافِظ أَبُو شامة الْمَقْدِسِي فِي تَرْجَمَة حريز من تَارِيخ دمشق وَهَذِه الْحِكَايَة لَيست بصحيحة وَقد كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ على جلالته فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 الْعلم فِي الْأُمُور النقلية [و] (1) فِي كتاب (أ 147) النِّهَايَة (2) من ذَلِك عدَّة أَوْهَام كَالَّذي ذكره فِي حَدِيث الْبَسْمَلَة (3) وَعمرَة الْجِعِرَّانَة (4) وَغسل أَسمَاء بنت عُمَيْس للْإِحْرَام (5) وَغير ذَلِك (6) 260 - (قَوْله) الْعَاشِرَة التائب من الْكَذِب فِي حَدِيث النَّاس وَغَيره إِلَى آخِره فِيهِ أُمُور الحديث: 260 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 أَحدهمَا مَا نَقله عَن هَؤُلَاءِ وَاخْتَارَهُ من عدم قبُول التائب من الْكَذِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَقله الْحَازِمِي فِي كِتَابه الشُّرُوط عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَرَافِع بن الأشرس (1) وَأبي نعيم (2) وَغَيرهم من السّلف وَاخْتَارَهُ (3) وَلم يُوَافق على ذَلِك النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي مُخْتَصره هَذَا مُخَالف لقاعدة مَذْهَبنَا وَمذهب غَيرنَا وَلَا يُقَوي الْفرق بَينه وَبَين الشَّهَادَة (4) أَي فَإِن الشَّاهِد لَو كذب على (5) ثمَّ تَابَ لقبلت شَهَادَته فَهَذَا نقبل رِوَايَته وَقَالَ فِي شرح مُسلم هَذَا القَوْل ضَعِيف وَالْمُخْتَار الْقطع بِصِحَّة (6) تَوْبَته فِي هَذَا وَقبُول رواياته بعْدهَا إِذا صحت تَوْبَته بشروطها وَقد أَجمعُوا على صِحَة رِوَايَة من كَانَ كَافِرًا وَأسلم كَمَا تقبل شَهَادَته فَقَالَ وَحجَّة من ردهَا أبدا وَإِن حسنت حَالَته (7) التَّغْلِيظ وتعظيم الْعقُوبَة فِيمَا وَقع فِيهِ وَالْمُبَالغَة فِي الزّجر عَنهُ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على غَيْرِي (8) انْتهى (9) قلت وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الشَّيْخ من أَنه مُخَالف لمذهبنا مَمْنُوع فَإِن جُمْهُور الْأَصْحَاب عَلَيْهِ مِنْهُم الطَّبَرِيّ وَابْن السَّمْعَانِيّ كَمَا نَقله ابْن الصّلاح وَقد حَكَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 عَن الصَّيْرَفِي القَاضِي أَبُو الطّيب وَلم يُخَالِفهُ وَمِنْهُم الْقفال (1) الْمروزِي (2) فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الْبَحْر فِي بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة فَقَالَ قَالَ الْقفال إِذا أقرّ الْمُحدث بِالْكَذِبِ لم يقبل حَدِيثه أبدا وَحكى ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب عِنْد الْكَلَام فِيمَا إِذا بَان فسق الشَّاهِد عَن الْمَاوَرْدِيّ إِن الرَّاوِي إِذا كذب فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ردَّتْ جَمِيع أَحَادِيثه السالفة وَوَجَب نقض مَا حكم بِهِ مِنْهَا وَإِن لم ينْقض (3) الحكم بِشَهَادَة من حدث فسقه بِأَن الحَدِيث حجَّة لَازِمَة لجَمِيع (4) الْمُسلمين وَفِي جَمِيع الْأَمْصَار وَكَانَ (5) حكمه أغْلظ وَلم يتعقبه ابْن الرّفْعَة بنكير وَحَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة عَن الْحميدِي وَقَالَ إِنَّه الْحق (6) وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن الدَّلِيل يعضده وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد وَلِهَذَا حكى إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن وَالِده أَن من تعمد الْكَذِب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكفر (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وَقد فرق أَصْحَابنَا بَين الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَلَا بدع أَن (1) هَذَا مِنْهَا نعم قَالَ القَاضِي أَبُو بكر الشَّامي (2) من أَصْحَابنَا وَهُوَ فِي طبقَة القَاضِي أبي الطّيب لايقبل فِيمَا رد وَيقبل فِي غَيره اعْتِبَارا بِالشَّهَادَةِ حَكَاهُ القَاضِي من الْحَنَابِلَة عَنهُ أَنه أَجَابَهُ بذلك لما سَأَلَهُ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة (3) فَحصل فِيهَا وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا وأصحهما لَا تقبل وَأما قَوْله إِنَّه مُخَالف لمَذْهَب غَيرنَا فَمَمْنُوع فقد حكى الْخَطِيب عَن عبيد الله بن أَحْمد الْحلَبِي (4) قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن مُحدث كذب فِي حَدِيث وَاحِد ثمَّ تَابَ وَرجع قَالَ تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله عز وَجل وَلَا يكْتب عَنهُ حَدِيث أبدا (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 لَكِن القَاضِي من الْحَنَابِلَة حكى أَنه سَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ (1) فَقَالَ يقبل حَدِيثه الْمَرْدُود وَغَيره بِخِلَاف شَهَادَته إِذا ردَّتْ ثمَّ تَابَ لَا تقبل تِلْكَ خَاصَّة قَالَ لِأَن هُنَاكَ حكما من حَاكم بردهَا (2) فَلَا تقبل (3) ورد الْخَبَر مِمَّن روى لَهُ لَيْسَ بِحكم (4) وَهَذَا توسع مفرط وَحصل فِي الْمَسْأَلَة مَذَاهِب أَصَحهَا لَا يقبل مُطلقًا (أ 148) وَعَلِيهِ أهل الحَدِيث وَجُمْهُور الْعلمَاء وَثَانِيها يقبل مُطلقًا حَدِيثه الْمَرْدُود وَغَيره وَهُوَ أضعفها وَالثَّالِث لَا يقبل الْمَرْدُود وَيقبل فِي غَيره وَهُوَ أوسطها وَهَذَا كُله فِي الْمُعْتَمد (5) بِلَا تَأْوِيل فَأَما من كذب فِي فَضَائِل الْأَعْمَال مُعْتَقدًا (6) أَن هَذَا لَا يضر ثمَّ عرف ضَرَره فَتَابَ فَالظَّاهِر قبُول رِوَايَته (7) وَكَذَا [من كذب] (8) دفعا لضَرَر يلْحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 من الْعَدو وَتَابَ عَنهُ الْأَمر الثَّانِي مَا نَقله عَن الصَّيْرَفِي من الْإِطْلَاق يَقْتَضِي أَنه لم يفرق فِي الرَّد بَين حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا مُطلقًا كَذَا حَكَاهُ عَنهُ القَاضِي أَبُو الطّيب فِي شرح الْكِفَايَة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله هُنَا من أهل النَّقْل وتقييده بالمحدث فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالدلائل والإعلام فِي اصول الْفِقْه فَقَالَ وَلَيْسَ يطعن على الْمُحدث إِلَّا أَن يَقُول تَعَمّدت الْكَذِب فَهُوَ كَاذِب فِي الأول وَلَا يقبل خَبره بعد ذَلِك انْتهى نعم كَلَام ابْن حزم فِي كِتَابه الإحكام يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ من أسقطنا حَدِيثه لم نعد لقبوله أبدا وَمن احتججنا بِهِ لم نسقط رِوَايَته أبدا (1) وَكَذَا قَالَه أَبُو حَاتِم بن حبَان (2) الْأَمر الثَّالِث احْتَرز بقوله مُتَعَمدا عَمَّا (3) إِذا قَالَ كنت أَخْطَأت وَلم أتعمد الْكَذِب فَإِن ذَلِك يقبل مِنْهُ قَالَه الصَّيْرَفِي وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب وَعَلِيهِ جرى الْخَطِيب (4) وَغَيره الْأَمر الرَّابِع مَا نَقله عَن السَّمْعَانِيّ الرَّد بكذبة وَاحِدَة هُوَ مَا سبق نَقله عَن أَحْمد لَكِن حُكيَ عَن أَحْمد أَيْضا أَن الكذبة الْوَاحِدَة لَا ترد بهَا الشَّهَادَة فَكَذَا الرِّوَايَة لَا جرم [و] (5) حكى ابْن عقيل من أَصْحَابه عَنهُ فِي ذَلِك رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ عدم الْقبُول (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 فرع الْقَاذِف إِذا تَابَ هَل تقبل رِوَايَته قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر - فِي بَاب شَهَادَة (1) الْقَاذِف إِن قذف بِلَفْظ الشَّهَادَة وَلم يثبت قبلت رِوَايَته وَإِن لم تقبل شَهَادَته إِذا كَانَ عدلا لِأَن أَبَا بكرَة (2) ردوا شَهَادَته وَلم يردوا خَبره (3) لِأَن هَذَا التفسيق بالتأويل وَإِن قذف لَا [فِي] (4) معرض الشَّهَادَة لم تقبل رِوَايَته مَا لم (يتب) (5) فَإِن التفسيق بِقَذْف النّسَب نَص وبقذف الشَّهَادَة اجْتِهَاد وَبِهَذَا التَّفْصِيل جزم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 الرَّافِعِيّ وَغَيره 261 - (قَوْله) الْحَادِيَة عشر (1) إِذا أنكر الأَصْل رِوَايَة الْفَرْع فالمختار إِن كَانَ جَازِمًا بنفيه فقد تَعَارضا فَلَا يقبل إِلَى آخِره (3 4 5 6 ابْن السَّمْعَانِيّ فِي القواطع لأَصْحَاب الشَّافِعِي (4) وَبَالغ الْهِنْدِيّ (5) فِي النِّهَايَة الحديث: 261 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 فَحكى فِيهِ الْإِجْمَاع وَلَيْسَ كَذَلِك فقد جزم جمَاعَة من أَئِمَّتنَا بِعَدَمِ الرَّد مِنْهُم الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَجزم بالتفصيل كَمَا ذكره ابْن الْأَثِير صَاحب جَامع الْأُصُول فِي مقدمته (1) الثَّانِي مَا تمسك بِهِ فِي الرَّد من التَّعَارُض قد يُعَارض بِأَن الْمُثبت مقدم على النَّافِي لَكِن لما كَانَ النَّافِي [هُنَا نفى] (2) مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي أَمر يقرب من المحصور بِمُقْتَضى الْغَالِب اقْتضى أَن يرجح النَّافِي (3) وَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة كَالْقَاضِي إِذا شهد عَلَيْهِ الشُّهُود بِحكم (د 87) فَأنْكر حكمه خلافًا لمَالِك وَمُحَمّد بن الْحسن وَغَيرهمَا فِي صُورَة القَاضِي (أ 149) وَهُوَ الْأَقْرَب لتَعلق حق الْغَيْر لَا سِيمَا مَعَ الانتشار وَكَثْرَة الْأَحْكَام 262 - (قَوْله) وَلَا يكون ذَلِك جرحا لَهُ (9 جرح (6) للفرع وَالْفرق (7) غلظ بَاب الشَّهَادَة وضيقه الحديث: 262 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 263 - (قَوْله) أما إِذا قَالَ الْمَرْوِيّ عَنهُ لَا أعرفهُ إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7 8 9 الظَّاهِر لَا على النَّادِر وحنئذ فللشيخ الحديث: 263 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 أَن يَقُول حَدثنِي فلَان عني أَنِّي حدثته (1) تَنْبِيه هَذَا كُله إِذا أنكرهُ [قولا] (2) (وَفِي إِنْكَاره فعلا) (3) حالتان إِحْدَاهمَا أَن يُنكره فعلا بِأَن يعْمل بِخِلَاف الْخَبَر فَإِن كَانَ قبل الرِّوَايَة فَلَا يكون تَكْذِيبًا لِأَن الظَّاهِر أَنه تَركه لما بلغه الْخَبَر وَكَذَا إِذا لم يعلم التَّارِيخ وَإِن [كَانَ] (4) بعد الرِّوَايَة فَإِن كَانَ الْخَبَر يحْتَمل مَا عمل بِهِ بِتَأْوِيل لم يكن تَكْذِيبًا وَإِلَّا فَالْخَبَر مَرْدُود الثَّانِيَة أَن يُنكره تركا وَإِذا امْتنع الشَّيْخ من الْعَمَل بِالْحَدِيثِ دلّ على أَنه لَو عرف صِحَّته لما امْتنع من الْعَمَل بِهِ وَله حكم مَا قبله ذكره ابْن الْأَثِير فِي مُقَدّمَة جَامع الْأُصُول (5) 264 - (قَوْله) خلافًا لقوم من أَصْحَاب أبي حنيفَة [انْتهى (9 10 أَخذ من ردهم هَذَا الحَدِيث الحديث: 264 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 265 - (قَوْله) فِي الأمثله كَحَدِيث الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره (2 3 4 5 6) قلت وَقَبله الدَّارَقُطْنِيّ وضع فِيهِ جُزْءا وَاعْلَم أَن نَظِير هَذِه الْحَالة الثَّانِيَة أَلا يُنكر الْحَاكِم حكمه بل يتَوَقَّف فَفِي قبُول شَهَادَة الشُّهُود بِحكمِهِ وَجْهَان أوفقهما لكَلَام (5) الْأَكْثَرين قبُول الشَّهَادَة بِحكمِهِ وأجراهما بعض الْمُتَأَخِّرين الحديث: 265 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة إِذا ظهر توقف الأَصْل 267 - (قَوْله) وَلأَجل ذَلِك كره الْعلمَاء الرِّوَايَة عَن الْأَحْيَاء مِنْهُم الشَّافِعِي قَالَ لِابْنِ عبد الحكم (1) إياك وَالرِّوَايَة عَن الْأَحْيَاء (4 5 6 7 8 طَرِيق آخر غير طَرِيق الْحَيّ فَإِن لم يكن لَهُ سواهَا الحديث: 267 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 وَحدثت وَاقعَة فَلَا معنى للكراهة لما فِي الْإِمْسَاك من كتم الْعلم وَقد يَمُوت الرَّاوِي قبل موت الْمَرْوِيّ عَنهُ فيضيع 268 - (قَوْله) قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم (1) فِي الْمُحدث يحدث بِالْأَجْرِ (2) فَقَالَ لَا يكْتب عَنهُ وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ نَحوه (4 5 6 7 8 فاستقى المَاء وَقعد الحديث: 268 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَدخلت الْبَيْت فَلَمَّا أردْت أَن أناوله نظر إِلَيّ فَقَالَ أَأَنْت هُوَ قلت نعم قَالَ ردُّوهُ وأبى أَن يشرب وَقَامَ وَمضى (1) وَذكر أَبُو الْفرج النهرواني فِي الجليس الصَّالح أَن الرشيد دخل الْكُوفَة وَمَعَهُ ولداه الْأمين والمأمون يسمعا الحَدِيث من عبد الله بن إِدْرِيس (2) وَعِيسَى بن يُونُس (3) فَأمر لَهما بِمَال جزيل فَلم يقبلا [قَالَ] (4) لَهُ عِيسَى بن يُونُس لَا وَلَا أهليلجة (5) وَلَا شربة مَاء على حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو مَلَأت لي هَذَا الْمَسْجِد ذَهَبا إِلَى السّقف (6) 269 - (قَوْله) وَرخّص فِيهِ أَبُو نعيم (7) وَعلي بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ وَآخَرُونَ قلت قَالَ عَليّ بن جَعْفَر (8) كُنَّا نَخْتَلِف إِلَى أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن نكتب الحديث: 269 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 عَنهُ الحَدِيث فَكَانَ يَأْخُذ منا الدَّرَاهِم الصِّحَاح فَإِذا (1) كَانَ مَعنا دَرَاهِم مكسرة أَخذ عَلَيْهَا صرفا (2) وَالْمرَاد بعلي بن عبد الْعَزِيز هُوَ أَبُو الْحسن الْبَغَوِيّ شيخ الْحرم ومصنف الْمسند أُنْثَى عَلَيْهِ النَّاس (3) وَكَانَ النَّسَائِيّ يمقته لأجل أَخذه الْأُجْرَة على التحديث (4) وَمِمَّنْ كَانَ يفعل ذَلِك أَيْضا أَبُو شُعَيْب الْحَرَّانِي الإِمَام (5) وَقد بلغنَا أَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس قدم على طَاوس فَحَمله على نجيب (6) ثمنه سِتُّونَ دِينَارا وَقَالَ أَلا أَشْتَرِي علم هَذَا العَبْد بستين دِينَارا (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 وَكَانَ مُجَاهِد إِذا أَتَاهُ الَّذِي يتَعَلَّم مِنْهُ قَالَ اذْهَبْ اعْمَلْ لي كَذَا ثمَّ تعال أحَدثك (1) وَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم (2) ثَنَا إِسْمَاعِيل (3) عَن يحيى بن عَتيق (4) عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ (5 6 7 قَالَ ابْعَثْ معي ابْنك يحملهُ وَفِي لفظ قَالَ عَازِب لَا حَتَّى تحدثنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 كَيفَ لَيْلَة سريت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر أسرينا ليلتنا الحَدِيث (1) قَالَ أَبُو الْفرج فِي مشكله (2) كَانَ بعض الْمُتَأَخِّرين من شُيُوخ الْمُحدثين الَّذين لم يَذُوقُوا (3) طعم الْعلم يحْتَج بِهَذَا على جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على التحديث وَلَا يبعد من ناقل لَا يفهم مَا نقل أَن يكون مبلغ علمه الِاحْتِجَاج بِمثل هَذَا فَأَما من اطلع على سير الْقَوْم فهم أَنه لم يكن هَذَا بَينهم على وَجه الْأُجْرَة فَإِن أَبَا بكر لم يكن ليبخل على عَازِب بِالْحَدِيثِ وَلَا هُوَ مِمَّن يبخل عَلَيْهِ بِحمْل الرحل (د 88) وَإِنَّمَا هُوَ انبساط الصّديق إِلَى صديقه فَإِنَّهُ رُبمَا قَالَ لَا أَقْْضِي حَاجَتك حَتَّى تَأْكُل (أ 151) معي ويحقق هَذَا أَن عازبا من الْأَنْصَار وهم قد آثروا (4) الْمُهَاجِرين بِأَمْوَالِهِمْ وأسكنوهم فِي دِيَارهمْ طلبا للثَّواب فَكيف يبخل على أبي بكر بِقَضَاء حَاجَة (5) قَالَ والمهم من هَذَا الْكَلَام فِي هَذَا أَن نقُول قد علم أَن حرص الطّلبَة للْعلم قد فتر لَا بل قد بَطل فَيَنْبَغِي للْعُلَمَاء أَن يحببوا لَهُم الْعلم فَإِذا رأى طَالب الْأَثر أَن الْإِسْنَاد يُبَاع وَالْغَالِب على الطّلبَة الْفقر ترك الطّلب فَكَانَ هَذَا سَببا لمَوْت السّنة وَيدخل هَؤُلَاءِ فِي معنى الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله وَقد رَأينَا من كَانَ على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 مأثور السّلف فِي نشر الْعلم فبورك لَهُ فِي حَيَاته وَبعد مماته وَأما من كَانَ على السِّيرَة الَّتِي ذممناها فَلم يُبَارك لَهُ على غزارة علمه نسْأَل الله عز وَجل الْإِخْلَاص فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال انْتهى (1) وَمَا نَقله الْمُؤلف عَن فَتْوَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق مَحْمُول على من لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ وَكَانَ يَنْقَطِع عَن كَسبه وَقِيَاس الشَّاهِد أَنه لَا يجوز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة على أَدَاء الشَّهَادَة لِأَنَّهُ فرض (2) عَلَيْهِ أَن يكون هُنَا مثله مَسْأَلَة قبُول (3) الْهَدِيَّة (4) من المستفتي (5) وَلَا يخفي الْوَرع (6) وَقد حكى أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن عبد الله بن زبر (7) فِي أخباره أَن أَصْحَاب الحَدِيث أهدوا لَهُ هَدِيَّة (8) فَلَمَّا اجْتَمعُوا قَالَ لَهُم أَنْتُم بِالْخِيَارِ إِن شِئْتُم قبلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 هديتكم وَلم أحدثكُم وَإِن شِئْتُم رَددتهَا عَلَيْكُم وحدثتكم فَاخْتَارُوا ردهَا فردوها وَحَدَّثَهُمْ (1) وحكاية (2) حَمْزَة - أحد الْأَئِمَّة السَّبْعَة - فِي امْتِنَاعه من شرب المَاء لما اشْتَدَّ بِهِ الْعَطش (3) فِي يَوْم حَار من بَيت مر بِهِ فَخرج [بِهِ] (4) شَاب (5) فَعرفهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ أَأَنْت الَّذِي تحضرنا فِي الْحلقَة فَقَالَ نعم فَرده عَلَيْهِ وَلم يشرب (6) 270 - (قَوْله) الثَّالِثَة عشر لَا تقبل رِوَايَة من عرف بالتساهل فِي سَماع الحَدِيث وإسماعه كم لَا يُبَالِي بِالنَّوْمِ فِي مجْلِس السماع (7 8 9 أَو يزل فيتيقظ الشَّيْخ وَيرد عَلَيْهِ الحديث: 270 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 سَرِيعا وَكَانَ بَعضهم إِذا كتب طبقَة السماع كتب وَفُلَان وَهُوَ يَنْعس وَفُلَان وَهُوَ يكْتب 271 - (قَوْله) وَمن هَذَا الْقَبِيل من عرف بِقبُول التَّلْقِين فِي الحَدِيث (2 3 4 5 6 7 8 9 10 فَأجَاب الملقن بِمَا عرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 بُطْلَانه كَانَ دَلِيلا على مجازفته لَا على تَعَمّده الْكَذِب فالكذب مِنْهُ يَقِينا يتَوَقَّف على أَن يثبت أَنه لقن الْبَاطِل الَّذِي عرف بُطْلَانه فَأجَاب بِهِ وَأما الْإِجَابَة بِمَا يلقن بِهِ من غير تحقق إِفَادَة فَإِنَّمَا يَجعله قدحا بطرِيق التُّهْمَة أَو بِقَرِينَة شهرت بالمجازفة وَعدم التثبت (1) 272 - (قَوْله) وَلَا تقبل رِوَايَة من عرف بِكَثْرَة السَّهْو فِي رِوَايَته إِذا لم يحدث من أصل صَحِيح (6 7 8 9 10] (4) ثَابتا وَلَعَلَّه روى عَنْهُم فِي عنفوان شبابه فَثَبت حفظه (5) الحديث: 272 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 الثَّانِي ظَاهره إِذا حدث من أصل صَحِيح فَلَا مبالاة بِكَثْرَة سَهْوه (1) لِأَن الِاعْتِمَاد حِينَئِذٍ على الأَصْل لَا على حفظه وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي فِي الرسَالَة أَيْضا فَإِنَّهُ قَالَ وَمن كثر غلطه من الْمُحدثين وَلم يكن لَهُ أصل كتاب صَحِيح لم يقبل حَدِيثه كَمَا يكون من أَكثر الْغَلَط فِي الشَّهَادَة (2) لم نقبل شَهَادَته (3) 273 - (قَوْله) وَورد عَن ابْن الْمُبَارك (6 7 8 9 10 11 ضم إِلَى جَهله الحديث: 273 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 إِنْكَاره (1) الْحق (2) 274 - (قَوْله) الرَّابِعَة عشر أعرض النَّاس فِي هَذِه الْأَعْصَار (3 4 5 6 7 8 9 يكن فِي قديم الْأَمر هَكَذَا روى الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد (3) عَن أبي بكر الْحِيرِي (4) الحديث: 274 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 (أ 153) عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم (1) قَالَ كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ حَدِيث فَقَالَ أروي نصفه وَلَا أروي نصفه الآخر فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ قَرَأت نصفه على الشَّيْخ ثمَّ هُوَ حمَار فَلَا أَدْرِي سَمعه الشَّيْخ أم لَا فشككت فِيهِ فتركته وَكَانَ النَّاس هَكَذَا انْتهى وَقد ذكر ابْن الْأَثِير فِي مُقَدّمَة جَامع الْأُصُول توسع النَّاس فِي هَذِه الْأَعْصَار والإخلال بالضبط وَالْعلم بِمَا سمع وَقَالَ إِن ذَلِك خلاف الِاحْتِيَاط للدّين (2) وَقد سبق فِي أول الْكتاب كَلَام الشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان فِي هَذَا الْمَعْنى أَيْضا (3) نعم مَا نَقله ابْن الصّلاح من التَّوَسُّع فِي هَذَا (د 89) قد ذكره الْأُسْتَاذ أَبُو نصر بن الْقشيرِي (4) فِي كِتَابه فِي الْأُصُول فَقَالَ - بعد أَن حكى عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ اشْتِرَاط علم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 الشَّيْخ بِمَا يَقْرَؤُهُ الْقَارئ وَلَو مر (1) [بِهِ] (2) تَحْرِيف أَو تَصْحِيف لرده عَلَيْهِ - قَالَ ابْن الْقشيرِي وَقد صرح القَاضِي أَبُو بكر بِأَنَّهُ تصح رِوَايَة الحَدِيث عَمَّن لم يعلم مَعْنَاهُ قَالَ وَهَذَا فِيمَا أَظن إِجْمَاع من أَئِمَّة (3) وَفِي الْخَبَر رب حَامِل فقه غير فَقِيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ (4) وَلَو شرطنا علم الرَّاوِي بِمَعْنى الحَدِيث لشرطنا معرفَة جَمِيع وجوهه وينسد بذلك بَاب التحديث قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فرواة الْأَخْبَار على غَلَبَة الظَّن فَإِذا قرئَ بَين يَدي الصَّبِي والأمي أَخْبَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 عَن (1) شَيْخه فتحملها هَذَا السَّامع وقرئت عَلَيْهِ فتحملت عَنهُ اكْتفي بذلك وَاشْتِرَاط (2) النّظر فِي النُّسْخَة ودراية الْمَعْنى تضييق النطاق فِي الرِّوَايَة انْتهى وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي جُزْء لَهُ جمعه فِي شَرط الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ إِن الشُّيُوخ الَّذين لَا يعْرفُونَ حَدِيثهمْ الِاعْتِمَاد فِي روايتهم على الثِّقَة الْمُقَيد عَنْهُم لَا عَلَيْهِم وَإِن هَذَا كُله توسل من الْحفاظ إِلَى حفظ الْأَسَانِيد إِذْ لَيْسُوا من شَرط الصَّحِيح إِلَّا على وَجه الْمُتَابَعَة وَلَوْلَا رخصَة الْعلمَاء لما جَازَت الْكِتَابَة عَنْهُم وَلَا الرِّوَايَة إِلَّا على قوم مِنْهُم دون آخَرين انْتهى وَقَالَ الذَّهَبِيّ فيمَ مُقَدّمَة الْمِيزَان الْعُمْدَة فِي زَمَاننَا لَيْسَ على الروَاة بل على الْمُحدثين والمقيدين (3) الَّذين عرفت عدالتهم وَصدقهمْ فِي ضبط أَسمَاء السامعين قَالَ ثمَّ من الْمَعْلُوم أَنه لَا بُد من صون الرَّاوِي وستره (4) 275 - (قَوْله) أما الفاظ التَّعْدِيل فعلى مَرَاتِب (11 دعاهم إِلَيْهَا الِاخْتِصَار كَمَا قَالَه ابْن الحديث: 275 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 الْقطَّان فِي أَوَائِل الْوَهم وَالْإِيهَام قَالَ فَكَمَا كَانَ يحصل لنا من نقل الْعدْل إِذا قَالَ إِن فلَانا كَانَ ورعا حَافِظًا ضابطا (1) علمنَا (2) أَن فلَانا الْمَذْكُور مَقْبُول الرِّوَايَة يرجح (3) جَانب صدقه على جَانب كذبه فَكَذَلِك يحصل لنا ذَلِك إِذا قَالَ لنا لفظا من الْأَلْفَاظ المصطلح عَلَيْهَا (4) 276 - (قَوْله) الأولى ثِقَة (5) (5 6 7 8 9 وَيَنْبَغِي أَن يكون أَعلَى مِنْهَا قَوْلهم فلَان لَا يسْأَل عَن مثله وَنَحْوه (7) الحديث: 276 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 277 - (قَوْله) قلت وَكَذَا إِذا قيل ثَبت أَو حجَّة (2 3 4 5 6 7 الحديث: 277 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 صَدُوق لَيْسَ بِحجَّة (1) ] حَكَاهُ عَنهُ عَبَّاس الدوري (2) 278 - (قَوْله) ورد عَن ابْن أبي خَيْثَمَة أَنه قَالَ [قلت] ليحيى (3) بن معِين (3 4 الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم (5) مَا تَقول فِي عَليّ بن الحديث: 278 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 حَوْشَب الْفَزارِيّ (1) فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ قلت وَلم لَا تَقول ثِقَة وَلَا نعلم إِلَّا خيرا قَالَ قد قلت لَك إِنَّه ثِقَة الثَّانِي مَا ذكره من أَنه مُخَالف لما تقدم فِيهِ نظر لِأَن ابْن معِين لم يقل إِن قولي لَا بَأْس بِهِ مسَاوٍ للثقة بل قَالَ إِن مَا قلت فِيهِ هَذَا فَهُوَ ثِقَة وللثقة مَرَاتِب وَالتَّعْبِير عَنهُ بقَوْلهمْ ثِقَة أرفع من التَّعْبِير عَنهُ بِأَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ وَإِن اشْتَركَا فِي مُطلق الثِّقَة (2) وَيدل على أَن التَّعْبِير بالثقة أرفع حِكَايَة المُصَنّف عَن عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي (3) وَحكى الْمَرْوذِيّ نَحْوهَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل (4) 279 - (قَوْله) الثَّالِثَة إِذا قيل شيخ (8 9 10 اتّفقت لَهُ رِوَايَة الحَدِيث أَو أَحَادِيث أخذت عَنهُ الحديث: 279 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 280 - (قَوْله) مقارب الحَدِيث (2 3 4 5 6 7 8 9 وَلَا الْجَلالَة وَكَلَام الْجَوْهَرِي فِي (4) الصِّحَاح (5) يَقْتَضِي الْكسر الحديث: 280 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي مرج الْبَحْرين يُقَال شَيْء مقارب بِكَسْر الرَّاء قَالَه ابْن الْأَعرَابِي وَقَالَ ثَابت فِي الدَّلَائِل جَمِيع أهل اللُّغَة يخالفوه فيقولونه بِالْفَتْح انْتهى وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ للكسر لِأَن هَذَا يُقَال مدحا لَا ذما ثمَّ ذكر ابْن دحْيَة فِي قَوْلهم فلَان مقارب الحَدِيث بِالْفَتْح وَالْكَسْر على الْمَعْنيين السَّابِقين (1) وَمِمَّا أجمله ابْن الصّلاح قَوْلهم روى أَحَادِيث مَنَاكِير قَالَ الشَّيْخ فِي شرح الْإِلْمَام لَا يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِهِ ترك (2) رِوَايَته حَتَّى تكْثر الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته وَيَنْتَهِي إِلَى أَن يُقَال فِيهِ مُنكر الحَدِيث فليتنبه للْفرق بَين قَوْلهم مُنكر الحَدِيث وروى مَنَاكِير وَقَالَ فِي الْإِلْمَام من يُقَال فِيهِ مُنكر الحَدِيث لَيْسَ كمن يُقَال فِيهِ روى أَحَادِيث مُنكرَة لِأَن مُنكر الحَدِيث وصف فِي الرجل يسْتَحق بِهِ التّرْك لحديثه والعبارة الْأُخْرَى تَقْتَضِي أَنه وَقع لَهُ فِي حِين لَا دَائِما وَقد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يروي أَحَادِيث مُنكرَة وَقد اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِلَيْهِ الْمرجع فِي حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ (3) انْتهى وَقَوْلهمْ لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا بِالْحَافِظِ يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ انحطاطه عَن الدرجَة الْعَالِيَة وَكَذَا قَوْلهم [لَا يحمدونه وَلَا ينزلونه منزلَة الْكِبَار فِي الْحِفْظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 وَقَوْلهمْ] (1) صُوَيْلِح وَقَول يحيى فِي زَائِدَة (2) (3) هُوَ دون شُعْبَة وسُفْيَان (4) وَقَالَ يحيى بن سعيد لَيْسَ هُوَ عِنْدِي مثل إِسْمَاعِيل وَهَذَا يدل على نَقصه بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره لَا نَقصه مُطلقًا وَقَول البُخَارِيّ فِي الرجل كثيرا فِيهِ نظر قَالَ الحافظان الْمزي والذهبي هُوَ نَظِير (د 90) قَوْلنَا مَتْرُوك أَو مطروح وَقَول الشَّافِعِي فِي الرِّوَايَة عَن حرَام بن عُثْمَان (5) حرَام (6) وَمن روى عَن [أبي] (7) جَابر البياضي (8) بيض الله عَيْنَيْهِ ومأمون بن أَحْمد (9) غير مَأْمُون (10) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 فصل نَافِع فِي مَرَاتِب الْمُتَكَلِّمين فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل ذكره الذَّهَبِيّ فِي جُزْء مُفْرد (1) وقسمهم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام قسم مِنْهُم متعنت فِي الْجرْح (2) متثبت فِي التَّعْدِيل يغمز (3) الرَّاوِي فِي الغلطتين وَالثَّلَاث فَهَذَا إِذا وثق شخصا فعض على قَوْله بنواجذك وَتمسك بتوثيقه وَإِذا ضعف رجلا فَانْظُر هَل وَافقه غَيره على تَضْعِيفه فَإِن وَافقه وَلم يوثق ذَلِك أحد من الحذاق فَهُوَ ضَعِيف وَإِن وَثَّقَهُ آخر فَهُوَ الَّذِي قَالُوا لَا يقبل فِيهِ الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا يَعْنِي لَا يَكْفِي فِيهِ قَول ابْن معِين مثلا هُوَ ضَعِيف وَلم يبين (4) سَبَب ضعفه ثمَّ يَجِيء (5) البُخَارِيّ وَغَيره يوثقه وَمثل هَذَا يخْتَلف فِي تَصْحِيح حَدِيثه وتضعيفه (6) وَقسم مِنْهُم يتسمح كالترمذي وَالْحَاكِم وَقسم مِنْهُم معتدل كأحمد بن حَنْبَل وَالدَّارَقُطْنِيّ (7) وَابْن عدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 فَأول من زكى وجرح من التَّابِعين وَإِن كَانَ (أ 156) قد وَقع ذَلِك قبلهم الشّعبِيّ (1) وَابْن سِيرِين حفظ عَنْهُمَا تَوْثِيق أنَاس وتضعيف آخَرين وَسبب قلَّة ذَلِك فِي التَّابِعين قلَّة متبوعيهم من الضُّعَفَاء إِذْ أَكثر المتبوعين صحابة عدُول وَأكْثر المتبوعين من غير الصَّحَابَة ثِقَات وَلَا يكَاد يُوجد فِي الْقرن الأول الَّذِي انقرض فِيهِ الصَّحَابَة وكبار التَّابِعين ضَعِيف إِلَّا الْوَاحِد بعد الْوَاحِد كالحارث الْأَعْوَر وَالْمُخْتَار (2) الْكذَّاب فَلَمَّا مضى الْقرن الأول وَدخل الثَّانِي كَانَ فِي أَوَائِله من أوساط التَّابِعين جمَاعَة من الضُّعَفَاء الَّذين ضعفوا غَالِبا من قبل تحملهم وضبطهم للْحَدِيث [فتراهم يرفعون الْمَوْقُوف ويرسلون كثيرا وَلَهُم غلط] (3) كَأبي هَارُون الْعَبْدي (4) فَلَمَّا كَانَ عِنْد آخر عصر التَّابِعين وَهُوَ حُدُود الْخمسين وَمِائَة تكلم فِي التوثيق والتضعيف طَائِفَة من الْأَئِمَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة مَا رَأَيْت أكذب من جَابر الْجعْفِيّ وَضعف الْأَعْمَش جمَاعَة ووثق آخَرين وَنظر (5) فِي الرِّجَال شُعْبَة بن الْحجَّاج وَكَانَ متثبتا [لَا يكَاد يروي إِلَّا عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 ثِقَة] (1) وَكَذَا كَانَ مَالك بن أنس وَمِمَّنْ إِذا قَالَ فِي هَذَا الْعَصْر قبل قَوْله معمر بن رَاشد وَهِشَام الدستوَائي (2) وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَابْن الْمَاجشون وَحَمَّاد بن سَلمَة وَاللَّيْث بن سعد وَغَيرهم (3) ثمَّ طبقَة أُخْرَى بعد هَؤُلَاءِ كَعبد الله بن الْمُبَارك وهشيم (4) بن بشير وَأبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ والمعافى بن عمرَان الْموصِلِي وَبشير بن الْمفضل وَابْن عُيَيْنَة (5) وَغَيرهم ثمَّ طبقَة أُخْرَى فِي زمانهم كَابْن علية وَابْن وهب ووكيع (6) ثمَّ انتدب (7) فِي زمانهم أَيْضا لنقد الرِّجَال الحافظان الحجتان يحيى بن سعيد الْقطَّان (8) وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي فَمن جرحاه لَا يكَاد يندمل جرحه (9) وَمن وثقاه فَهُوَ المقبول وَمن اخْتلفَا فِيهِ [وَذَلِكَ قَلِيل] (10) اجْتهد فِي أمره (11) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 ثمَّ كَانَ بعدهمْ مِمَّن إِذا قَالَ سمع مِنْهُ يزِيد بن هَارُون (1) وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل (2) وبعدهم طبقَة أُخْرَى كالحميدي (3) والقعنبي (4) وَأبي عبيد (5) وَيحيى بن يحيى (6) وَأبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ (7) ثمَّ صنفت الْكتب ودونت فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل [والعلل] (8) وَبَين من [هُوَ] (9) فِي الثِّقَة والتثبت كالسارية وَمن هُوَ فِي الثِّقَة كالشاب الصَّحِيح الْجِسْم وَمن هُوَ لين كمن يوجعه رَأسه وَهُوَ متماسك يعد من أهل الْعَافِيَة وَمن صفته كمحموم يرجح (10) إِلَى السَّلامَة وَمن صفته كمريض شبعان من الْمَرَض وَآخر كمن سقط قواه وأشرف على التّلف وَهُوَ الَّذِي يسْقط حَدِيثه (11) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 وَولَايَة الْجرْح وَالتَّعْدِيل بعد من ذكرنَا ليحيى بن معِين وَقد سَأَلَهُ عَن الرِّجَال غير وَاحِد من الْحفاظ وَمن ثمَّ اخْتلفت آراؤه وعباراته فِي بعض الرِّجَال كَمَا أختلفت اجتهادات الْفُقَهَاء وَصَارَت لَهُم الْأَقْوَال وَالْوُجُوه فاجتهدوا فِي الْمسَائِل كَمَا اجْتهد ابْن معِين فِي الرِّجَال وَمن طبقته أَحْمد بن حَنْبَل سَأَلَهُ جمَاعَة من تلامذته عَن الرِّجَال وَكَلَامه فيهم باعتدال وإنصاف وأدب وورع وَكَذَا تكلم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ فِي طبقاته بِكَلَام جيد مَقْبُول وَأَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب لَهُ كَلَام كثير رَوَاهُ عَنهُ ابْنه أَحْمد وَغَيره وَأَبُو جَعْفَر عبد (1) الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِي (2) حَافظ (3) (أ 157) الجزيرة (4) الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد لم ار أحفظ مِنْهُ وَعلي بن عبد الله الْمَدِينِيّ وَله التصانيف الْكَثِيرَة فِي الْعِلَل وَالرِّجَال وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمد هُوَ درة الْعرَاق وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة [الْعَبْسِي صَاحب الْمسند وَكَانَ آيَة فِي الْحِفْظ شبه] 5 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 بِأَحْمَد بن حَنْبَل فِي الْمعرفَة وَعبيد الله بن عمر القواريري (1) الَّذِي قَالَ فِيهِ صَالح جزرة هُوَ (2) أعلم من رَأَيْت بِحَدِيث أهل الْبَصْرَة وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه إِمَام خُرَاسَان وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي الْحَافِظ (3) وَله كَلَام جيد فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ حَافظ مصر وَكَانَ قَلِيل الْمثل (4) وَهَارُون بن عبد الله الْحمال (5) وَكَانَ من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل (6) ثمَّ خَلفهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 طبقَة (1) أُخْرَى مُتَّصِلَة بهم مِنْهُم إِسْحَاق (2) الكوسج (3) والدارمي (4) والذهلي وَالْبُخَارِيّ وَالْعجلِي الْحَافِظ نزيل الْمغرب ثمَّ من بعدهمْ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَمُسلم بن الْحجَّاج وابو إِسْحَاق الْجوزجَاني (5) وَهُوَ مِمَّن يُبَالغ فِي الْجرْح وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَبَقِي بن مخلد وَأَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي (6) وَغَيرهم ثمَّ من بعدهمْ (7) عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن خرَاش الْبَغْدَادِيّ (8) لَهُ مُصَنف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل قوي النَّفس كَأبي حَاتِم وَإِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ (1) وَمُحَمّد بن وضاح الأندلسي (2) حَافظ قرطبة وَأَبُو بكر بن أبي عَاصِم (3) وَعبد الله بن أَحْمد وَصَالح جزرة وَأَبُو بكر الْبَزَّار وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة (4) وَهُوَ ضَعِيف لكنه من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي (1) ثمَّ من بعدهمْ (2) أَبُو بكر الْفرْيَابِيّ والبرديجي وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى الْموصِلِي وَالْحسن بن سُفْيَان (3) وَابْن خُزَيْمَة (4) وَابْن جرير الطَّبَرِيّ والدولابي وَأَبُو عرُوبَة الْحَرَّانِي (6) وَأَبُو الْحسن أَحْمد بن عُمَيْر بن جوصا (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 وَأَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ (1) ثمَّ طبقَة (2) أُخْرَى مِنْهُم ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو طَالب أَحْمد بن نصر الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ شيخ (3) الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عقدَة وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع (4) ثمَّ من بعدهمْ (5) أَبُو سعيد بن يُونُس (6) وَابْن حبَان البستي وَأَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي الْجِرْجَانِيّ ومصنفه فِي الرِّجَال إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْجرْح ثمَّ من بعدهمْ (7) أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الماسرجسي النَّيْسَابُورِي وَله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 مُسْند مُعَلل فِي ألف وثلاثمائة جُزْء (1) وَأَبُو مُحَمَّد بن حَيَّان (2) وَأَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم (3) وَالدَّارَقُطْنِيّ (4) بِهِ ختم معرفَة الْعِلَل ثمَّ من بعدهمْ (5) أَبُو عبد الله بن مَنْدَه وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو نصر الكلاباذي (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 وَأَبُو الْمطرف (1) عبد الرَّحْمَن بن فطيس (2) قَاضِي قرطبة (3) وَله دَلَائِل السّنة فِي خمس مجلدات وفضائل الصَّحَابَة فِي مِائَتَيْنِ وَخمسين جُزْءا وَعبد الْغَنِيّ بن سعيد وَأَبُو بكر بن (د 91) مرْدَوَيْه الْأَصْبَهَانِيّ (4) وَتَمام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ (5) ثمَّ من بعدهمْ (6) أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن أبي الفوارس (7) وَأَبُو بكر البرقاني وَأَبُو حَازِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 العبدوي (1) وَقد كتب عَنهُ عشرَة أنفس عشرَة آلَاف جُزْء وَخلف بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ (2) (3) وَأَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي (4) وَأَبُو الْفضل الفلكي (5) وَله كتاب الطَّبَقَات (أ 158) فِي ألف جُزْء وَأَبُو الْقَاسِم حَمْزَة السَّهْمِي (6) وَأَبُو يَعْقُوب القراب الْهَرَوِيّ (7) وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ ثمَّ من بعدهمْ (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد الْخلال الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو عبد الله الصُّورِي (2) وَأَبُو سعد السمان (3) وَأَبُو يعلى الخليلي ثمَّ من بعدهمْ (4) ابْن عبد الْبر وَابْن حزم الأندلسيان وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب ثمَّ أَبُو الْقَاسِم بن عَليّ الزنجاني (5) وَشَيخ الْإِسْلَام الْأنْصَارِيّ (6) وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وَابْن مَاكُولَا (1) وَأَبُو الْوَلِيد (2) الْبَاجِيّ (3) وَقد صنف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكَانَ عَلامَة حجَّة وَأَبُو عبد الله الْحميدِي (4) وَابْن مفوز الْمعَافِرِي الشاطبي (5) ثمَّ أَبُو الْفضل بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 طَاهِر الْمَقْدِسِي (1) وشجاع بن فَارس الذهلي (2) والمؤتمن بن أَحْمد بن عَليّ السَّاجِي (3) وشيرويه بن شهردار (4) الديلمي الهراسي (5) صنف تَارِيخ هراة وَأَبُو عَليّ الغساني (6) ثمَّ بعدهمْ (7) أَبُو الْفضل بن نَاصِر السلَامِي (8) وَالْقَاضِي عِيَاض وَأَبُو طَاهِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 السلَفِي وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْن بشكوال (1) ثمَّ بعدهمْ (2) عبد الْحق الإشبيلي وَابْن الْجَوْزِيّ وَأَبُو عبد الله بن الفخار (3) وَعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي (4) والرهاوي وَابْن مفضل الْمَقْدِسِي (5) ثمَّ بعدهمْ (6) أَبُو الْحسن بن الْقطَّان وَابْن الْأنمَاطِي (7) وَابْن نقطة وَابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 الدبيثي (1) وَابْن خَلِيل الدِّمَشْقِي (2) وَأَبُو بكر بن خلفون الْأَزْدِيّ الأوسي وَابْن النجار (3) ثمَّ (4) الزكي الْمُنْذِرِيّ والبرزالي (5) والصريفيني والرشيد الْعَطَّار وَابْن الصّلاح وَابْن الْأَبَّار (6) وَابْن العديم (7) وَأَبُو شامة وَأَبُو الْبَقَاء خَالِد بن يُوسُف النابلسي (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 وَابْن الصَّابُونِي (1) ثمَّ من بعدهمْ (2) الدمياطي وَابْن الظَّاهِرِيّ (3) والميدومي (4) وَابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن فَرح (5) وَعبيد الأسعردي (6) ثمَّ من بعدهمْ (7) سعد الدّين الْحَارِثِيّ والمزي وَابْن تَيْمِية وصفي الدّين الْقَرَافِيّ (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 وَعلم الدّين البرزالي (1) وقطب الدّين الْحلَبِي (2) وَفتح الدّين بن سيد النَّاس وَهَذَا فصل نَافِع يوقفك على طَبَقَات الْمُحدثين ومراتبهم فَائِدَة إِنَّمَا يجوز الْقدح فِي الرجل إِذا احْتِيجَ إِلَى الرِّوَايَة عَنهُ وَقد شغف الْمُتَأَخّرُونَ فِي التراجم بِذكر معايب الشَّخْص وَإِن لم يكن من أهل الرِّوَايَة وَقد وجدت بِخَط الإِمَام ابي الْفَتْح الْقشيرِي وَقد ذكر عَن ابْن السَّمْعَانِيّ تَرْجَمَة شَاعِر قدح فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخ قلت إِذا لم يضْطَر إِلَى الْقدح فِيهِ الرِّوَايَة لم يجز انْتهى وَقد ذكر الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان اقواما من هَذَا الْجِنْس وقدح فيهم وَالله يغْفر لنا وَلَهُم (3) ثمَّ إِنَّهُم يذكرُونَ أنواعا كَثِيرَة من القوادح وَقد قَالَ الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد لَا يجوز للشَّاهِد أَن يدسن (4) مهما أمكن الِاكْتِفَاء بِأَحَدِهِمَا فَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 الْقدح إِنَّمَا يجوز للضَّرُورَة فليقدر بِقَدرِهَا وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْقَرَافِيّ وَغَيره فَائِدَة فِي الْجمع بَين أَقْوَال الْأَئِمَّة الْمَنْقُول عَنْهُم صِيغَة التمريض والتقوية وَقد جمع بَينهمَا القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فَقَالَ فِي كِتَابه فرق الْفُقَهَاء (أ 159) إِن الرجل مِنْهُم قد يسْأَل عَن الشَّيْخ الَّذِي لَيْسَ بذلك فِي جملَة الضُّعَفَاء فَيَقُول لَا باس بِهِ هُوَ صَدُوق هُوَ ثِقَة يَعْنِي أَنه لَيْسَ من هَذِه الطَّبَقَة وَيسْأل عَنهُ فِي مجْلِس آخر فِي جملَة الْأَئِمَّة فَيَقُول ذَاك ضَعِيف لين الحَدِيث عِنْده مَنَاكِير (1) لَيْسَ بِمَعْرُوف على حسب حَاله وَقد كَانَ يحيى بن معِين يسْأَل عَن رجل روى حَدِيثا فيضعفه وَيسْأل عَنهُ فِي رِوَايَة حَدِيث آخر فيوثقه (2) وَإِنَّمَا ذَلِك بِحَسب مَا يحْتَملهُ حَاله من الحَدِيث وَيقبل فِيهِ على انْفِرَاده وَرِوَايَته فَلَا يقبل على هَذَا وَلَا يفهمهُ إِلَّا من عرف الصِّنَاعَة وَعلم أسرارها ومقاصدها وأغراض الْأَئِمَّة المجرحين والمعدلين وَلَيْسَ كل أحد من الثِّقَات يحْتَمل تفرده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 النَّوْع الرَّابِع وَالْعشْرُونَ 281 - (قَوْله) فَتقبل رِوَايَة من تحمل قبل الْإِسْلَام وروى بعده (3 4 5 هِرقل (4) ويلتحق بِهِ من تحمل فِي الحديث: 281 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 حَالَة الْفسق ثمَّ روى بعد الْعَدَالَة بل أولى وَمن الْغَرِيب والعجيب رِوَايَة أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وجدت بِخَط) (3 4 مَنْصُور بن عبد الله الخالدي ثَنَا أَبُو أَحْمد إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن عَليّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 الْكُوفِي (1) ثَنَا عَليّ بن مُحَمَّد الْعقيلِيّ (2) ثَنَا جَعْفَر بن أبان (3) ثَنَا حسن بن عَليّ الموافقي (4) عَن يُونُس بن إِبْرَاهِيم (5) عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة (6) عَن عُرْوَة بن عَمْرو الثَّقَفِيّ (7) سَمِعت أَبَا طَالب قَالَ سَمِعت ابْن أخي الْأمين يَقُول اشكر ترزق وَلَا تكفر فتعذب (8) 282 - (قَوْله) وَكَذَا رِوَايَة من سمع قبل الْبلُوغ وروى بعده وَمنع من ذَلِك قوم فأخطأوا انْتهى الحديث: 282 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 وَهَذَا الْمَنْع هُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة وَلَهُم (1) وَجه أَنه يجوز رِوَايَة الصَّبِي قبل بُلُوغه وَالْمَشْهُور الأول وَيدل لما قَالَه المُصَنّف سَماع صبيان الصَّحَابَة ثمَّ روايتهم بعد الْبلُوغ وَقبلت بالاجماع وَقد سلمت أم أنس أنسا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبيا للْخدمَة فخدمه عشر سِنِين وَكَذَلِكَ كثرت رِوَايَته عَنهُ وَأم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا - دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بنت تسع وروت عَنهُ الْكثير وَشرط الأصوليون كَونه عِنْد التَّحَمُّل مُمَيّزا (2) وَإِلَّا لم تصح رِوَايَته بعد الْبلُوغ قَالَ ابْن الْقشيرِي وَحكي فِيهِ الْإِجْمَاع 283 - (قَوْله) وَقيل لمُوسَى بن إِسْحَاق كَيفَ لم تكْتب عَن أبي نعيم (8 بن دُكَيْن الْكُوفِي مر بِأبي جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ الحديث: 283 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 الملقب بمطين (1) صَغِيرا يلْعَب مَعَ الصّبيان وَقد تلطخ بالطين وَكَانَ بَينه وَبَين أَبِيه مَوَدَّة فَنظر إِلَيْهِ وَقَالَ يَا مطين قد آن لَك أَن تحضر مجْلِس السماع ذكره الْحَاكِم فِي النَّوْع الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ (أ 160) من كِتَابه (2) وَهَذَا لَا يرد فَلَعَلَّهُ رأى فِيهِ من النجابة مَا يسْتَحق ذَلِك وَلِأَن فِيهِ الْأَمر بِحُضُور مجَالِس الحَدِيث لَا الرحلة إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالة فَإِن ذَلِك يَسْتَدْعِي مزِيد فهم وَقُوَّة وَقد قَالَ أَبُو الْحسن سعد الْخَيْر الْأنْصَارِيّ (3) فِي كتاب شرف الحَدِيث كَانَ الْأَمر المواظب عَلَيْهِ فِي عصر التَّابِعين وقريبا مِنْهُم لَا يكْتب الحَدِيث إِلَّا من جَاوز حد الْبلُوغ وَصَارَ فِي عداد من يصلح لمجالسة الْعلمَاء ومذاكرتهم وَقد قيل إِن أهل الْكُوفَة لم يكن الْوَاحِد مِنْهُم يسمع الحَدِيث إِلَّا بعد استكمال عشْرين سنة (4) 284 - (قَوْله) الثَّالِث اخْتلفُوا فِي أول زمَان يَصح فِيهِ سَماع الصَّغِير (10 إِلَى آخِره الحديث: 284 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 وَحَاصِله حِكَايَة أَرْبَعَة أَقْوَال إِذا ميز أدنى تَمْيِيز وَإِذا عقل وَضبط وَإِذا بلغ خمْسا وَإِذا بلغ الْبلُوغ الشَّرْعِيّ وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر وَهُوَ التَّفْصِيل بَين الْعَرَبِيّ والعجمي وَهُوَ الْمَذْكُور فِي كتاب الْوَجِيز فِي ذكر الْمجَاز والمجيز لِلْحَافِظِ أبي الطَّاهِر السلَفِي فَقَالَ إِن الْأَكْثَرين على أَن الْعَرَبِيّ يَصح سَمَاعه إِذا بلغ سنتَيْن لحَدِيث مَحْمُود (1) وَأَن العجمي يَصح إِذا بلغ سبع سِنِين (6 7 8 9 10 بن يزِيد والمسور (2) بن مخرمَة وروى مسلمة بن مخلد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 وَكَانَ لَهُ حِين قبض عشر سِنِين وَقيل ارْبَعْ عشرَة وَتزَوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة وَهِي بنت سِتّ وَبنى بهَا وَهِي بنت تسع وروت عَنهُ مَا حفظت فِي ذَلِك الْوَقْت وروى عمر بن أبي سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (1) لَهُ يَا غُلَام سم الله وكل مِمَّا يليك (2) (3) قَالَ وَالْمُعْتَبر فِيهِ الْحَرَكَة والتيقظ والضبط عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث وَحكي عَن بعض أهل الْعلم أَن السماع يَصح بِحُصُول التَّمْيِيز والإصغاء فَحسب (4) وَلِهَذَا بَكرُوا بالأطفال فِي السماع من الشُّيُوخ الَّذين علا إسنادهم قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ مَاتَ عبد الرَّزَّاق وللدبري (5) (6) سِتّ (7) سِنِين (8) أَو سبع وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 روى الدبرِي عَن عبد الرَّزَّاق عَامَّة (1) كتبه ونقلها النَّاس عَنهُ وسمعوها مِنْهُ قَالَ وَسمع القَاضِي أَبُو عمر الْقَاسِم (2) بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي (3) كتاب سنَن أبي دَاوُد من اللؤْلُؤِي وَله خمس سِنِين واعتد النَّاس بذلك السماع وَنقل عَنهُ الْكتاب عَامَّة أهل الْعلم من حفاظ الحَدِيث وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم (4) انْتهى وَمَا ذكره المُصَنّف عَن القَاضِي عِيَاض أَن أهل الصَّنْعَة حدوه بِخمْس أهمل مِنْهُ قَول القَاضِي وليعلم إِنَّمَا أَرَادوا أَن هَذَا السن أقل مَا يحصل بِهِ الضَّبْط وعقل مَا يسمع وَحفظه وَإِلَّا فمرجوع ذَلِك للعادات فَرب (5) بليد الطَّبْع غبي (6) الْفطْرَة (7) لَا يضْبط شَيْئا فَوق هَذَا السن قَالَ وَرِوَايَة مَحْمُود بن الرّبيع فِي الْخمس ذكرهَا البُخَارِيّ من طَرِيق أبي مسْهر (8) وَتَابعه ابْن الْمُصَفّى وَغَيره وَخَالفهُم غَيرهم فَقَالُوا أَربع سِنِين (9) قلت وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى تَعْلِيل الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ (10) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 (أ 161) وَقد يستشهد لرِوَايَة الْأَرْبَع بِمَا رَوَاهُ مُسلم فِي الْفَضَائِل من ضبط ابْن الزبير وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وَقَوله كنت يَوْم الخَنْدَق أَنا وَعمر بن أبي سَلمَة مَعَ النسْوَة فِي أَطَم حسان نَنْظُر فَكنت أعرف أبي إِذا مر على فرسه فِي السِّلَاح إِلَى بني قُرَيْظَة (1) بل روى أَحْمد فِي الْمسند عَن أبي الجوزاء (2) قلت لِلْحسنِ بن عَليّ مَا تذكر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أذكر أَنِّي أخذت تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فجعلتها فِي فِي فنزعها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلعابها فَجَعلهَا فِي التَّمْر (3) وروى مثله عَن الْحُسَيْن أَيْضا (4) وَفِي رِوَايَة غَيره فَقَالَ كخ كخ وَمثل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 ذَلِك لَا يُقَال إِلَّا للطفل الْمُرْضع أَو قريب مِنْهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيث مصرحة بِمَا دون الْخمس فَكيف يَجْعَل الْخمس تحديدا 285 - (قَوْله) وَيَنْبَغِي اعْتِبَار كل بِحَسب عقله وفهمه (4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 وفوض إِلَه اخْتِيَار أَحدهمَا الحديث: 285 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وَإِنَّمَا قدر - بذلك لسن (1) التَّمْيِيز لِأَنَّهَا السن الَّتِي يفهم فِيهَا الْوَلَد حَال أَبَوَيْهِ ثمَّ قدرهَا أَصْحَاب الشَّافِعِي بِسبع لِأَنَّهَا السن الَّتِي أَمر فِيهَا بِالصَّلَاةِ لفهم الْخطاب على الْجُمْلَة قَالَ وَأما حَدِيث مَحْمُود بن الرّبيع فَلَعَلَّ تَمْيِيزه فِي هَذَا السن وإدراكه فِيهَا ببركة رُؤْيَته لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبركة المَاء الَّذِي مجه فِي وَجهه وَأصَاب بَشرته من فَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يبعد أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصد بذلك إِصَابَة بركته فَإِن وجد صبي على الندور إِدْرَاكه (2) مثل إِدْرَاك (3) مَحْمُود بن الرّبيع فِي سنه صَحَّ سَمَاعه حالتئذ انْتهى وَكَذَا قَالَ غَيره (4) لَيْسَ فِي حَدِيث مَحْمُود مَا يدل على التَّحْدِيد بِهَذَا لكل أحد إِذْ لَيْسَ تَمْيِيز كل أحد كتمييز مَحْمُود بل قد ينقص عَنهُ وَقد يزِيد وَلَا يلْزم مِنْهُ أَلا يعقل قبل ذَلِك وسنه أقل من ذَلِك وَلَا يلْزم من عقل المجة أَن يعقل غير ذَلِك (5) على أَن الْمَنْصُوص للشَّافِعِيّ اعْتِبَار السَّبع فروى الْحَافِظ السلَفِي بِسَنَدِهِ إِلَى الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ كنت عِنْد الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - وَقد أَتَاهُ رجل يطْلب الْإِجَازَة لِابْنِهِ فَقَالَ كم لابنك فَقَالَ سِتّ سِنِين فَقَالَ لَا يجوز الْإِجَازَة لمثله حَتَّى يتم (6) لَهُ سبع سِنِين (7) انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْإِجَازَة فَفِي السماع بطرِيق الأولى وَهَذَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي كِتَابه أدب (أ 162) [الْمُحدث] (1) فَإِنَّهُ صدر الْبَاب بِحَدِيث مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع (2) وَبِحَدِيث عبد الله بن الزبير أَنه جِيءَ بِهِ ليبايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن سبع فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بَايعه (3) وَحكى قَول الْمُزنِيّ قلت للشَّافِعِيّ قد سمع ابْن الزبير من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم وَحفظ عَنهُ وَكَانَ يَوْم سمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن سبع سِنِين (4) وَقَول عَمْرو بن سَلمَة أممت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْن سبع أَو سِتّ (5) 286 - (قَوْله) وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي أَنه قَالَ رَأَيْت صَبيا ابْن ارْبَعْ سِنِين إِلَى آخِره الحديث: 286 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 هَذِه الْحِكَايَة رَوَاهَا الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة (1) بِإِسْنَادِهِ وَطعن بَعضهم (2) فِي صِحَّتهَا بِأَن فِي سندها أَحْمد بن كَامِل القَاضِي (3) وَكَانَ يعْتَمد على حفظه فيهم (4) وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ متساهلا قلت قد ذكر صَاحب الْمِيزَان أَن [غير] (5) الدَّارَقُطْنِيّ مَشاهُ وَكَانَ من أوعية الْعلم (6) 287 - (قَوْله) الأول السماع من لفظ الشَّيْخ وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى إملاء وتحديث إِلَى قَوْله وَهَذَا الْقسم أرفع الْأَقْسَام الحديث: 287 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 قَضيته مُسَاوَاة الْإِمْلَاء والتحديث فِي أَنَّهُمَا أَعلَى الْأَقْسَام [وَذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي أدب الْإِمْلَاء والاستملاء أَن أَعلَى (1) الْأَقْسَام (2) أَن يملي عَلَيْك وتكتب من لَفظه لِأَنَّك إِذا قَرَأت عَلَيْهِ رُبمَا يغْفل أَو لَا يسمع وَإِن قَرَأَ عَلَيْك رُبمَا تشتغل (د 93) بِشَيْء عَن سَمَاعه وَإِن قرئَ عَلَيْهِ ويحضر (3) سَمَاعه فَكَذَلِك ثمَّ أسْند عَن إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع (4) أَنه قَالَ لَا أعد الْقِرَاءَة شَيْئا بَعْدَمَا رَأَيْت مَالِكًا يقْرَأ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْعس (5) قَالَ وَقد روى عَن يحيى بن يحيى قَرِيبا من هَذَا ثمَّ أسْند إِلَى أبي عَليّ الزنجاني (6) قَالَ قَرَأَ (7) يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي (8) الْحَافِظ كتاب الْمُوَطَّأ على مَالك فَلَمَّا فرغ مِنْهُ [قَالَ لمَالِك مَا سكن قلبِي إِلَى هَذَا السماع قَالَ وَلم قَالَ لِأَنِّي خشيت أَنه سقط مِنْهُ] (9) شَيْء (10) فَقَرَأَ مَالك فَلَمَّا فرغ قَالَ مَا سكن قلبِي إِلَى هَذَا السماع لِأَنِّي خشيت أَنه سقط من أُذُنِي [شَيْء] (11) قَالَ اقرؤه أَنا ثَانِيًا فتسمعه فقرأه وَتمّ لَهُ السماع ثَلَاث مَرَّات (12) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 288 - (قَوْله) نقلا عَن القَاضِي عِيَاض أَنه لَا خلاف فِيمَا نَسْمَعهُ أَن نقُول حَدثنَا (3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 رَاوِي الْكتاب أَنه الحديث: 288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 قَالَ يُقَال إِن هَذَا الرجل الْخضر (1) وَلَا يبعد أَن يكون الْخضر تلقى ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن الْمواق وَلَا أَقُول إِن حَدثنَا صَرِيح فِي السماع بل ظَاهر قوي حَتَّى يعلم خِلَافه (2) (أ 163) 289 - (قَوْله) مُعْتَرضًا على مَا نَقله عَن عِيَاض - فِيهِ نظر (5 6 7 8 9 10 11 1) الحديث: 289 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 هَذَا فِيهِ مُوَافقَة لما قُلْنَاهُ عَن ابْن الْقطَّان آنِفا وَرَأَيْت فِي كتاب أصُول الْفِقْه لأبي الْحُسَيْن بن الْقطَّان من قدماء أَصْحَابنَا ذَلِك أَيْضا فَقَالَ سَمِعت آكِد من حَدثنَا لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون ثَنَا أَي حدث قَومنَا لقَوْل الْحسن خَطَبنَا ابْن عَبَّاس انْتهى وينازع فِيهِ قَول المُصَنّف بعد ذَلِك أَن ثَنَا وَأَنا أرفع من سَمِعت من وَجه آخر وَهُوَ أَن قَوْله حَدثنَا وَأخْبرنَا فِيهِ على مخاطبته لَهُ بِهِ وَأَنه رَوَاهُ لَهُ وَذكر عبد الْغَنِيّ فِي أدب الْمُحدث عَن الْأَصْمَعِي (1) قَالَ سَمِعت مُعْتَمر بن سُلَيْمَان (2) يَقُول سَمِعت أسهل عَليّ من حَدثنَا وَأخْبرنَا وحَدثني واخبرني لِأَن الرجل قد يسمع وَلَا يحدث (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن الْقُسْطَلَانِيّ (1) فِي كِتَابه الْمنْهَج الْأَحْسَن التَّفْصِيل فَإِن كَانَ الْمجْلس محصورا لإسماع قوم مُعينين وَلم يكن فيهم وسَمعه يَقُول فَقَالَ سَمِعت فَهُوَ دون ثَنَا إِذْ لم يَقْصِدهُ بِالتَّحْدِيثِ فَإِن (4 5 6) إِلَى أَخّرهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي وَهَذَا إِذا لم يقم دَلِيل قَاطع على أَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة لم يجز أَن يُصَار إِلَيْهِ (2) قلت قَالَ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم من قَالَ عَن الْحسن حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة فقد أَخطَأ (3) يُشِير إِلَى أَنه لم يسمع مِنْهُ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور مِنْهُم عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيُونُس بن عبيد (4) (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَزِيَاد الأعلم (1) وَأَيوب بن أبي تَمِيمَة وَابْن جدعَان (2) والبرديجي وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ - زَاد يُونُس مَا رَآهُ قطّ - وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَالْبَزَّار فِي مُسْنده (3) وَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ عَن الْفضل بن عِيسَى الرقاشِي (4) عَن الْحسن قَالَ خَطَبنَا أَبُو هُرَيْرَة فَذكره (5) وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده ثَنَا عباد بن رَاشد (6) ثَنَا الْحسن ثَنَا أَبُو هُرَيْرَة - وَنحن إِذْ ذَاك بِالْمَدِينَةِ - قَالَ يَجِيء الْإِسْلَام يَوْم الْقِيَامَة (7) الحَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 وَهُوَ على رسم الشَّيْخَيْنِ (1) وَفِيه دلَالَة على أَنه سمع مِنْهُ قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الصَّغِير فِي بَاب المحمدين وَقد اخْرُج حَدِيثا عَن الْحسن قَالَ خَطَبنَا أَبُو هُرَيْرَة على منبره (2) فَذكر حَدِيثا ثمَّ قَالَ وَهَذَا الحَدِيث يُؤَيّد قَول من قَالَ إِن الْحسن قد سمع من أبي هُرَيْرَة بِالْمَدِينَةِ وَقد رأى الْحسن عُثْمَان بن عَفَّان يخْطب على الْمِنْبَر (3) (أ 164) 292 - (قَوْله) وَسَأَلَ الْخَطِيب شَيْخه (4) البرقاني (6 7 8 9 فَلذَلِك تورع وتحرى الحديث: 292 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 293 - (قَوْله) وَأما قَوْله قَالَ لنا فلَان (2 3 4 5 6 7 8 الْجَوَاز وَحكى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن البُخَارِيّ أَنه كَانَ حكى عَن الحديث: 293 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 أبي سعيد الْحداد (1) أَنه قَالَ عِنْدِي خبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقِرَاءَة على الْعَالم فَقيل لَهُ فَقَالَ قصَّة ضمام بن ثَعْلَبَة آللَّهُ أَمرك بِهَذَا قَالَ نعم (2) (3) 295 - (قَوْله) فَنقل عَن أبي حنيفَة وَغَيره تَرْجِيح الْقِرَاءَة على الشَّيْخ على السماع من لَفظه (4 5 6 قلبا وشغل الْقلب وتوزع الْفِكر إِلَى الْقَارئ أسْرع فَلذَلِك رجح (4) الحديث: 295 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 296 - (قَوْله) وَرُوِيَ عَن مَالك وَغَيره أَنَّهُمَا سَوَاء (2 3 4 5 6 7 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قراءتك على الْعَالم وَقِرَاءَة الْعَالم عَلَيْك سَوَاء (8) الحديث: 296 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 297 - (قَوْله) وَالصَّحِيح تَرْجِيح السماع (2 3 4) إِلَى آخِره لم يستثنوا مِمَّا يجوز فِي الْقسم الأول إِلَّا لَفْظَة سَمِعت فَلم يجوزوها فِي الْعرض وَقد صرح بذلك أَحْمد بن صَالح فَقَالَ لَا يجوز أَن يَقُول سَمِعت وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الطّيب إِنَّه الصَّحِيح قَالَ وَقَالَ بَعضهم يجوز قَالَ القَاضِي عِيَاض وَهُوَ قَول رُوِيَ عَن مَالك وَالثَّوْري (1) وَالصَّحِيح مَا تقدم وَقَالَ ابْن أبي الدَّم طرد الْخلاف هُنَا فِي قَوْله سَمِعت بعيد جدا فَلَا يَنْبَغِي أَن يجوز للراوي أَن يَقُول (أ 165) سَمِعت إِذا لم يسمع لَفظه قولا وَاحِدًا لِأَنَّهَا صَرِيحَة فِي سَماع اللَّفْظ من الشَّيْخ وَلم يصطلح الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ على إِطْلَاقهَا على التحديث وَالرِّوَايَة من غير السماع (2) 299 - (قَوْله) وَأما إِطْلَاقه حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الْقِرَاءَة على الحديث: 297 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 الشَّيْخ (2 3 4 5 6) هَذَا حَكَاهُ الْخَطِيب فِي جَامعه عَن أَكثر أهل الْعلم (3) وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره إِنَّه الصَّحِيح وَنقل عَن الْحَاكِم أَنه مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة (4) وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن مَالك وَأبي حنيفَة وَحَكَاهُ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي أدب الْمُحدث عَن مَالك قَالَ وَسمعت إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد القَاضِي (5) يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي (6) - وَسَأَلَهُ رجل مَا الْفرق بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 فَقَالَ سَوَاء الْخلق (1) (2) وَاحْتج عبد الْغَنِيّ على التَّسْوِيَة بَينهمَا بقوله تَعَالَى {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} (3) قَالَ فَجمع بَينهمَا وَقَالَ ابْن فَارس فِي كتاب مآخذ الْعلم ذهب أَكثر عُلَمَائِنَا إِلَى أَنه لَا فرق بَين قَول الْمُحدث حَدثنَا وَأخْبرنَا وَقَالَ آخَرُونَ حَدثنَا دَال على أَنه سَمعه لفظا وَأخْبرنَا دَال على سمع قِرَاءَة عَلَيْهِ وَهَذَا عندنَا بَاب من التعمق وَالْأَمر فِي ذَلِك كُله وَاحِد وَلَا فرق بَينهمَا عِنْد الْعَرَب ثمَّ اسْتشْهد على ذَلِك بأشعارهم (4) وَكَذَلِكَ صنف أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ جُزْءا فِي إِثْبَات التَّسْوِيَة بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا وَاحْتج بقوله تَعَالَى {تحدث أَخْبَارهَا} (5) وَقَوله تَعَالَى {قد نبأنا الله من أخباركم} (6) و {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} (7) قَالَ فَسمى بَعْضهَا خَبرا وَبَعضهَا حَدِيثا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 وَفِي الحَدِيث أخبروني عَن شَجَرَة مثلهَا مثل الْمُؤمن (1) فَهُوَ فِي معنى حَدثُونِي وَقَالَ حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل (2) فَسمى مَا يذكر عَنْهُم حَدِيثا لَا أَخْبَارًا وَذكر نَحْو ذَلِك مِمَّا اسْتعْمل فِيهِ الْأَخْبَار بِمَعْنى التحديث وَعَكسه وَاحْتج غَيره بقوله تَعَالَى {وَإِذ أسر} النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ) (4) فَاسْتعْمل التحديث والإنباء بِمَعْنى وَاحِد وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ فِي المسالك (5) أَن بَعضهم قَالَ حَدثنَا أبلغ من أخبرنَا لِأَن أخبرنَا قد تكون صفة للموصوف والمخبر من لَهُ الْخَبَر 301 - (قَوْله) وَالْمذهب الثَّالِث الْفرق إِلَى آخِره الحديث: 301 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 مَا ذكر (1) أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْجَامِع عَن الرّبيع قَالَ قَالَ الشَّافِعِي إِذا قَرَأَ عَلَيْك الْمُحدث فَقل (2) حَدثنَا وَإِذا قَرَأت عَلَيْهِ فَقل أخبرنَا (3) قَالَ الْخَطِيب وَهَذَا الَّذِي قَالَه الشَّافِعِي مَذْهَب جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الْأَوْزَاعِيّ وَابْن جريج وَكَانَ حَمَّاد بن سَلمَة وهشيم بن بشير وَابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَيزِيد بن هَارُون وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَغَيرهم يَقُولُونَ فِي غَالب حَدِيثهمْ الَّذِي يَرْوُونَهُ (4) أخبرنَا وَلَا يكادون يَقُولُونَ حَدثنَا (5) 302 - (قَوْله) وَمن أحسن مَا يحْكى عَمَّن ذهب هَذَا الْمَذْهَب (8 9 حبيب بن أبي ثَابت (أ 166) على مَحَله من الْعلم لَا تقوم الحديث: 302 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 بحَديثه حجَّة لأمر (1) كَانَ يذهب إِلَيْهِ وَكَانَ (2) مذْهبه مَا قَالَ إِذا حَدثنِي رجل عَنْك بِحَدِيث ثمَّ حدثت بِهِ عَنْك كنت صَادِقا (3) فَانْظُر إِلَى حِكَايَة أبي حَاتِم الْهَرَوِيّ (4) وتشديده (5) وحكاية حبيب وتساهله وَمَعَ ذَلِك فقد خرج لحبيب فِي الصَّحِيح فَكَأَن هَذِه الْحِكَايَة لم تصح (6) 303 - (قَوْله) وَإِن كَانَ الشَّيْخ لَا يحفظ مَا يقرا عَلَيْهِ فَرَأى بعض أَئِمَّة الْأُصُول أَن هَذَا السماع غير صَحِيح (6 إِمَام الْحَرَمَيْنِ (7) والمازري فِي الحديث: 303 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 شرح الْبُرْهَان وَالْعجب من المُصَنّف فِي عزوه ذَلِك لبَعض الْأُصُولِيِّينَ وَقد نَقله الْحَاكِم عَن مَالك وَأبي حنيفَة (1) وَأخرج فِي مُسْتَدْركه عَن أبي مُوسَى الغافقي (2) قَالَ آخر مَا عهد إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قَالَ عَلَيْكُم بِكِتَاب (3) الله وسترجعون إِلَى قوم يحبونَ الحَدِيث عني - أَو كلمة تشبهها - فَمن حفظ [عني] (4) شَيْئا فليحدث بِهِ قَالَ وَقد جمع هَذَا الحَدِيث لفظتين غريبتين إِحْدَاهمَا يحبونَ الحَدِيث وَثَانِيهمَا قَوْله فَمن حفظ عني شَيْئا فليحدث بِهِ وَقد ذهب جمَاعَة من أَئِمَّة الْإِسْلَام إِلَى أَنه لَيْسَ للمحدث أَن يحدث بِمَا لم يحفظ (5) انْتهى وَابْن الصّلاح أَخذ (6) ذَلِك من كَلَام القَاضِي عِيَاض فَإِنَّهُ حكى ذَلِك (7) عَن القَاضِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَقَط ثمَّ قَالَ وَاخْتَارَهُ (8) بَعضهم وَصَححهُ وَبِه عمل كَافَّة الشُّيُوخ وَأهل الحَدِيث (9) وَفِي كتاب السلَفِي الَّذِي سَمَّاهُ شَرط الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ هَل على التلميذ أَن يري (10) الشَّيْخ صُورَة سَمَاعه فِي الْجُزْء أَو يقْتَصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 على إِعْلَامه قَالَ أَبُو الطَّاهِر هما سيان على هَذَا عهدنا علماءنا عَن آخِرهم وَلم يزل الْحفاظ قَدِيما وحديثا يخرجُون للشيوخ من الْأُصُول فَتَصِير تِلْكَ الْفُرُوع بعد الْمُقَابلَة أصولا وَهل كَانَت الْأُصُول أَولا إِلَّا فروعا (1) انْتهى 304 - (قَوْله) قَالَ أَبُو نصر لَيْسَ لَهُ أَن يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي (5 6 7 8 9 نقُول فِي الْأَدَاء حَدثنِي وَلَا أَخْبرنِي وَلَا سَمِعت (5) وَفِيه نظر الحديث: 304 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 305 - (قَوْله) الثَّالِث فِيمَا نرويه عَن الْحَاكِم (2 3) فسوى بَين مَسْأَلَتَيْنِ التحديث وَالْأَخْبَار وَهُوَ الْقيَاس (3) وَمثل ذَلِك مَا حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْوَلِيد بن بكر (4) فِي كتاب الوجازة فِي صِحَة القَوْل بِالْإِجَازَةِ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا حَدثَك الْعَالم وَحدك فَقل حَدثنِي وَإِذا حَدثَك فِي ملإ فَقل حَدثنَا وَإِذا قَرَأت عَلَيْهِ فَقل قَرَأت عَلَيْهِ وَإِذا قرئَ عَلَيْهِ فَقل قرئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع (5) قَالَ أَبُو عبد الله ابْن الْحَاج (6) وَأَنا اسْتحْسنَ مَا قَالَه ابْن حَنْبَل لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّحَرِّي الحديث: 305 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 قَالَ حفيد القَاضِي (1) فِي كتاب أدب (2) الرِّوَايَة إِذا حدث الحَدِيث عَن الرَّاوِي سَمَاعا من لَفظه إِن كنت مُفردا أَو فِي جمَاعَة فَقل حَدثنَا (أ / 167) وَإِن حَدثَك وَحدك فَقل حَدثنِي فقولك حَدثنَا أَعم وَجَاز لفظ الْجَمَاعَة تجوزا 306 - (قَوْله) فَإِن شكّ فِي شَيْء عِنْده أَنه من قبيل حَدثنَا أَو أخبرنَا (5 6 7 8 9 10 11 12 على فلَان (7) وَهَذَا الحديث: 306 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 حسن فَإِن إِفْرَاد الضَّمِير يَقْتَضِي قِرَاءَته وَجمعه يُمكن حمله على قِرَاءَة بعض من حضر 307 - (قَوْله) ثمَّ إِن هَذَا التَّفْصِيل من أَصله مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب حَكَاهُ الْخَطِيب عَن أهل الْعلم كَافَّة (4 5 6 7 8 9 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَحَادِيثه بِالْمَعْنَى فَأولى أَن الحديث: 307 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 يجوز إِبْدَال لفظ حَدثنَا وَأخْبرنَا وعَلى الْعَكْس وَلَكِن فِيمَا إِذا علم أَن الشَّيْخ لَا يفرق بَين اللَّفْظَيْنِ وَأَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد كَنَظِيرِهِ فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى فَإِن علم من الشَّيْخ أَنه لم يفرق أَو لَا يرى هَذَا حصل الْفرق بَينه وَبَين الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى (1) وَمَا حمل ابْن الصّلاح كَلَام الْخَطِيب عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ فِي الاقتراح إِنَّه ضَعِيف قَالَ [وَأَقل مَا فِيهِ] (2) أَنه يَقْتَضِي تَجْوِيز هَذَا فِيمَا ينْقل من المصنفات الْمُتَقَدّمَة إِلَى أجزائنا وتخاريجنا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِير التصنيف الْمُتَقَدّم قَالَ وَلَيْسَ هَذَا جَارِيا على الِاصْطِلَاح بل الِاصْطِلَاح أَلا تَتَغَيَّر (3) الْأَلْفَاظ بعد الِانْتِهَاء إِلَى الْكتب المُصَنّف فَسَوَاء رويناها فِيهَا أَو نقلناها مِنْهَا (4) وَفِي كَلَام بَعضهم مَا يدل على امْتِنَاعه وَفِيه ضعف لم يُخبرهُ (5) قَالَ وَبَعض الْمُحدثين لَا يلْتَزم عدم الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَيزِيد تَارِيخ السماع وَتَعْيِين الْقَارئ والمخرج وَلَا يجْرِي ذَلِك على قانون (6) الأَصْل (7) وَقبل الِانْتِهَاء إِلَيْهَا يَنْبَغِي أَن يتحفظ فِي أَسمَاء رواتها إِذا تصرف فِيهَا بِشَرْط الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَلَا يزِيد فِي تَعْرِيف الرَّاوِي مَا لَو عرض عَلَيْهِ (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 309 - (قَوْله) الْخَامِس حَاصله حِكَايَة خلاف فِي جَوَاز السماع وَقت النّسخ (2 3 4 5 6 7 8 9 10 رَاكِبًا إِلَى الْجَبَل وَحَوله اثْنَان وَثَلَاثَة يقرؤون عَلَيْهِ دفْعَة الحديث: 309 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 وَاحِدَة فِي أَمَاكِن مُخْتَلفَة من الْقُرْآن وَيرد على الْجَمِيع (1) قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه معرفَة الْقُرَّاء مَا أعلم أحدا من المقرئين ترخص فِي إقراء آيَتَيْنِ فَصَاعِدا إِلَّا الشَّيْخ علم الدّين وَفِي النَّفس من صِحَة تحمل الرِّوَايَة على هَذَا الْفِعْل شَيْء قَالَ الله تَعَالَى {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه} وَلَا ريب فِي أَن ذَلِك ايضا خلاف السّنة لِأَن الله تَعَالَى يقو ل {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن} فَاسْتَمعُوا [لَهُ] (3) وأنصتوا] ) (4) وَإِذا كَانَ هَذَا يقْرَأ فِي سُورَة وَهَذَا فِي سُورَة فِي آن وَاحِد فَفِيهِ مفاسد أَحدهَا زَوَال بهجة الْقُرْآن عِنْد السامعين وَثَانِيها أَن كل وَاحِد يشوش على الاخر مَعَ كَونه مَأْمُورا بالإنصات وَثَالِثهَا أَن الْقَارئ مِنْهُم لَا يجوز لَهُ أَن يَقُول قَرَأت الْقُرْآن كُله على الشَّيْخ وَهُوَ يسمع ويعي مَا أتلو عَلَيْهِ كَمَا لَا يسوغ للشَّيْخ أَن يَقُول لكل فَرد مِنْهُم قَرَأَ [عَليّ] (5) الْقُرْآن جَمِيعه وَأَنا أسمع قِرَاءَته وَمَا هَذَا فِي قُوَّة الْبشر بل فِي قُوَّة الربوبية قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا سُبْحَانَ من وسع سَمعه الْأَصْوَات (6) وَإِنَّمَا يَصح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 فِي التَّحَمُّل إجَازَة الشَّيْخ التلميذ وَلَكِن تصير الرِّوَايَة بِالْقِرَاءَةِ إجَازَة لَا سَمَاعا من كل وَجه (1) هَذَا كَلَامه 310 - (قَوْله) مَا روينَا عَن الْحَافِظ الدَّارَقُطْنِيّ (3 4 5 6 7 8 لَا الحديث: 310 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 تعرف بعض حُرُوفه فيجيزه بعض أَصْحَابه قَالَ إِن كَانَ يعلم أَنه كَمَا فِي (د / 96) الْكتاب فَلَا بَأْس بِهِ كَذَا قَالَ انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ كَانَ شَيخنَا ابْن أبي الْفَتْح (1) يسْرع فِي الْقِرَاءَة ويعرب لكنه يدغم بعض أَلْفَاظه وَمثله ابْن أبي حبيب وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس (2) يسْرع وَلَا يدغم إِلَّا نَادرا وَكَانَ الْمزي يسْرع وَيبين وَرُبمَا يتمتم يَسِيرا (3) 312 - (قَوْله) يسْتَحبّ للشَّيْخ أَن يُجِيز لجَمِيع السامعين جَمِيع الْجُزْء (6 7 8 9 10 السماع بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَله أَن يعرف أَن جَمِيع الْكتاب قِرَاءَة عَلَيْهِ (5) الحديث: 312 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 الثَّانِي وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لكاتب السماع أَن يكْتب إجَازَة الشَّيْخ عقب كِتَابَة السماع (أ / 169) وَيُقَال إِن أول من كتب الْإِجَازَة فِي طباق السماع [أَبُو الطَّاهِر] (1) إِسْمَاعِيل بن عبد المحسن الْأنمَاطِي (2) وَمَا نَقله عَن ابْن عتاب (3) ذكره الْحَافِظ أَبُو عمر بن عَاتٍ (4) فِي (5) كِتَابه رَيْحَانَة النَّفس (6) فِي شُيُوخ أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 الأندلس (1) عَن الْحَافِظ أبي عَليّ الغساني قَالَ قَالَ لنا مُحَمَّد بن عتاب الَّذِي أَقُول إِنَّه لَا غنى لطَالب الْعلم عَن الْإِجَازَة وَلَو سمع الحَدِيث أَو الدِّيوَان قِرَاءَة من الْمُحدث أَو قِرَاءَة عَلَيْهِ لجَوَاز السَّهْو أَو الْغَفْلَة أَو التَّشْبِيه عَلَيْهِمَا أَو على أَحدهمَا 313 - (قَوْله) يَصح السماع من وَرَاء حجاب (5 6 7 8 9 10 11 1 (2) الحديث: 313 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 314 - (قَوْله) من سمع من شيخ حَدِيثا ثمَّ قَالَ لَهُ لَا تروه عني (1) غير مُبْطل لسماعه هَذَا ذكره الْأَئِمَّة مِنْهُم ابْن خَلاد فِي كتاب الْفَاصِل (2) وَقَالَ القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى لَا يَقْتَضِي النّظر سواهُ لِأَن مَنعه أَلا يحدث بِمَا حَدثهُ [بِهِ] (3) لَا لعِلَّة وَلَا لريبة فِي الحَدِيث لَا تُؤثر لِأَنَّهُ قد حَدثهُ فَهُوَ شَيْء لَا يرجع فِيهِ قَالَ وَلَا أعلم من قَالَ بِخِلَاف هَذَا إِلَّا أَن صَاحب طَبَقَات عُلَمَاء إفريقية (4) [روى] (5) عَن شيخ من جلة شيوخها أَنه أشهد بِالرُّجُوعِ عَمَّا حَدثهُ لبَعض أَصْحَابه [لأمر نقمه عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فعل الْفَقِيه الْمُحدث أَبُو بكر ابْن عَطِيَّة (6) فَإِنَّهُ أشهد الحديث: 314 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 بِالرُّجُوعِ عَمَّا حدث بِهِ بعض أَصْحَابه] (1) لهوى ظهر لَهُ مِنْهُ وَلَعَلَّ هَذَا صدر مِنْهُم تأديبا لَا لأَنهم اعتقدوا صِحَة تَأْثِيره وَقِيَاس من قَاس الْإِذْن فِي الحَدِيث (2) وَعَدَمه على الْإِذْن فِي الشَّهَادَة وَعدمهَا غير صَحِيح لِأَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة لَا تصح إِلَّا مَعَ الْإِشْهَاد وَالْإِذْن فِي الحَدِيث لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى ذَلِك بِاتِّفَاق (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 الْإِجَازَة هِيَ فِي الأَصْل مصدر أجَاز ووزنها فعالة وَأَصلهَا إجوازة تحركت الْوَاو فَتوهم انفتاح مَا قبلهَا فإنقلبت الْفَا فَبَقيت (1) الْألف الزَّائِدَة الَّتِي بعْدهَا فحذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَت إجَازَة وَفِي الْمَحْذُوف من الْأَلفَيْنِ الزَّائِدَة أَو الْأَصْلِيَّة قَولَانِ وَالْأول قَول سِيبَوَيْهٍ وَالثَّانِي قَول الْأَخْفَش وَيُقَال أجزت لفُلَان كَذَا وأجزت فلَانا كَذَا فَمن عداهُ بِحرف الْجَرّ فَهُوَ بِمَعْنى سوغت لَهُ وأبحت وَمن عداهُ بِنَفسِهِ فَهُوَ بِمَعْنى أجزته مَاء أَي أسقيته مَاء لأرضه أَو لماشيته وَالْأول أظهر وَأشهر (2) وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَنَّهُ يحْكى عَن بعض الْمُحدثين أَنه سُئِلَ حَال إِجَازَته عَن وزن إجَازَة فتوقف وَتردد 315 - (قَوْله) وَزَاد الْبَاجِيّ فَادّعى الْإِجْمَاع على جَوَاز الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ وَهُوَ بَاطِل فقد خَالف فِيهَا جماعات وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الشَّافِعِي الحديث: 315 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 قلت سبق الْبَاجِيّ إِلَى نقل ذَلِك القَاضِي أَبُو بكر وَدَعوى المُصَنّف بُطْلَانه فِيهِ (أ / 170) نظر فَإِن الْخَطِيب وَغَيره من الْمُحَقِّقين حملُوا كَلَام المانعين على الْكَرَاهَة فَإِن الرِّوَايَة عَن الشَّافِعِي هِيَ أَن الرّبيع قَالَ فَاتَنِي من الْبيُوع من كتاب الشَّافِعِي ثَلَاث وَرَقَات فَقلت لَهُ أجزها لي فَقَالَ فاقرأ (1) عَليّ كَمَا قرئَ عَليّ ورددها (2) عَليّ غير مرّة حَتَّى أذن الله فِي جُلُوسه فَجَلَسَ فقرئ عَلَيْهِ قَالَ الْخَطِيب وَهَذَا من الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى مَحْمُول على الْكَرَاهَة للاتكال على الْإِجَازَة بَدَلا من السماع لِأَنَّهُ قد ثَبت عَن الشَّافِعِي الْإِجَازَة (3) ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى دَاوُد بن عَليّ (4) قَالَ لي حُسَيْن الْكَرَابِيسِي لما كَانَت قدمة الشَّافِعِي الثَّانِيَة - يَعْنِي إِلَى بَغْدَاد - أَتَيْته فَقلت لَهُ فَأذن لي أَن اقْرَأ عَلَيْك الْكتب فَأبى وَقَالَ خُذ كتب الزَّعْفَرَانِي فانسخها فقد أجزتها لَك فأخذتها إجَازَة (5) انْتهى لَكِن الْكَرَابِيسِي من رُوَاة الْقَدِيم والمعمول بِهِ عِنْدهم إِنَّمَا هُوَ على قَوْله الْجَدِيد وَالربيع من رُوَاة الْقَدِيم والمعمول بِهِ عِنْدهم (6) نعم قد سبق عَن الرّبيع أَنه روى عَن الشَّافِعِي الْإِجَازَة لمن بلغ سبع سِنِين وَفِي الْمعرفَة للبيهقي مَا نَصه وَأما الْإِجَازَة فقد حكينا عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان فِي حِكَايَة ذكرهَا عَن الشَّافِعِي وَقَالَ فِي آخرهَا يَعْنِي أَنه كره الْإِجَازَة قَالَ وروينا عَن ابْن وهب أَنه ذكر لمَالِك الْإِجَازَة فَقَالَ تُرِيدُ أَن تَأْخُذ الْعلم فِي ايام يسيرَة (7) انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 قَالَ الْخَطِيب وَكَذَلِكَ المحكي عَن مَالك وَقد ثَبت عَنهُ الحكم بِصِحَّة الرِّوَايَة بِأَحَادِيث الْإِجَازَة قَالَ على أَن مَنعه إِنَّمَا هُوَ على وَجه الْكَرَاهَة أَن يُجِيز الْعلم لمن لَيْسَ [من] (1) أَهله وَلَا خدمه (2) وَإِنَّمَا المحكي عَن شُعْبَة وَابْن الْمُبَارك وأضرابهما قَوْلهم (3) لَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة فَقيل فِي مَعْنَاهُ إِنَّهَا لَا تقوم مقَام السماع والمشافهة فِي النَّقْل وَأَن ذَلِك أبعد من التَّصْحِيف والتحريف أَو أَن الْإِسْنَاد إِلَيْهَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال الرحلة فخافوا على الطلاب ترك السماع والرحلة وَقَول المُصَنّف وَمِمَّنْ أبطلها من أهل الحَدِيث إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ (4) فَهَذَا رَوَاهُ عَن الْخَطِيب من جِهَة أبي أَيُّوب سُلَيْمَان بن إِسْحَاق الْجلاب (5) أَنه قَالَ سَمِعت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 إِبْرَاهِيم يَقُول الْإِجَازَة والمناولة لَا تجوز وَلَيْسَ بِشَيْء (1) لكنه روى بعد بأوراق عَن سُلَيْمَان بن إِسْحَاق الْجلاب هَذَا قَالَ سَأَلت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ قلت سَمِعت كتاب الْكَلْبِيّ وَقد تقطع عَليّ [وَالَّذِي] (2) هُوَ عِنْده يُرِيد الْخُرُوج فَكيف ترى أَن أستجيزه أَو أسأله أَن يكْتب بِهِ إِلَيّ قَالَ لَا قل (3) لَهُ يكْتب (أ / 97) [بِهِ] (4) إِلَيْك فَتَقول كتب إِلَيّ فلَان وَالْإِجَازَة لَيْسَ هِيَ بِشَيْء قَالَ الْخَطِيب قد ذكرنَا فِيمَا تقدم الرِّوَايَة عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه كَانَ لَا يعد الْإِجَازَة والمناولة شَيْئا وَهَا هُنَا قد اخْتَار الْمُكَاتبَة على إجَازَة (5) المشافهة والمناولة أرفع من الْمُكَاتبَة لِأَن المناولة إِذن مشافهة فِي رِوَايَة الْمعِين وَالْمُكَاتبَة مراسلة بذلك قَالَ فأحسب إِبْرَاهِيم رَجَعَ عَن القَوْل الَّذِي أسلفناه عَنهُ إِلَى مَا ذكره هُنَا من تَصْحِيح الْمُكَاتبَة وَأما اخْتِيَاره لَهَا على إجَازَة المشافهة فَإِنَّهُ قصد بذلك إِذا لم يكن للمستجيز بِمَا استجازه نُسْخَة منقولة من أصل الْمُجِيز وَلَا مُقَابلَة بِهِ وَهَذَا القَوْل فِي معنى مَا ذكره لي البرقاني (6) ونرى أَن إِبْرَاهِيم ذهب إِلَى أَن الْإِجَازَة لمن لم يكن [لَهُ] (7) نُسْخَة منقولة من الأَصْل أَو مُقَابلَة بِهِ لَيست شَيْئا لِأَن تَصْحِيح ذَلِك سَمَاعا للراوي ومقابلا بِأَصْل كِتَابه وَرُبمَا كَانَ فِي غير الْبَلَد الَّذِي الطَّالِب فِيهِ مُتَعَذر (أ / 171) إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 بعد الْمَشَقَّة وَالْمُكَاتبَة بِمَا يروي وإنفاده (1) إِلَى الطَّالِب أقرب إِلَى السَّلامَة (2) وأجدر بِالصِّحَّةِ (3) 316 - (قَوْله) قَالَ أَبُو نصر سَمِعت عَامَّة من أهل الْعلم يَقُولُونَ قَول الْمُحدث قد أجزت لَك (4) ان تروي عني تَقْدِيره أجزت لَك مَا لَا يجوز فِي الشَّرْع لِأَن الشَّرْع لَا يُبِيح رِوَايَة مَا لَا يسمع (18 19 20 21) انْتهى الحديث: 316 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 وَهَذَا القَوْل فِيهِ نظر لِأَن للإجازة (1) وَالرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ شُرُوطًا من تَصْحِيح (2) الْخَبَر من الْمُجِيز بِحَيْثُ يُوجد فِي أصل صَحِيح سَمَاعه عَلَيْهِ الموجز سَمَاعا مِنْهُ من الشُّيُوخ مَعَ رِعَايَة جَمِيع شُرُوط الرِّوَايَة وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِجَازَةِ الرِّوَايَة عَنهُ مُطلقًا سوى عرف (3) رِوَايَة الْخَبَر عَن الْمُجِيز بِهِ (4) لَا بل لَا تجوز الرِّوَايَة عَن الْمُجِيز إِلَّا بعد مَحْض سَمَاعه أَو إِمَّا يُوصي لَهُ بِهَذَا الْجُزْء وَحفظه فَلَا تكون الرِّوَايَة عَنهُ إِذْنا فِي الْكَذِب عَلَيْهِ 318 - (قَوْله) ثمَّ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل وَقَالَ بِهِ جَمَاهِير أهل الْعلم تَجْوِيز الْإِجَازَة (7 8 9 10 11 12 13 الْغَائِب (6) وَلم يشْتَرط فِيهِ سَمَاعا وَلَا إجَازَة الحديث: 318 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مَنْدَه فِي كتاب الْوَصِيَّة إِنَّه ذكر عِنْد الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل لَو صحت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة فَقَالَ لَو بطلت الْإِجَازَة لذهب الْعلم وضاعت (1) الْكتب الْمنزلَة وَغير الْمنزلَة خَاصَّة هَذَا الَّذِي فِيهِ {وَمن بلغ} (2) و {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله ثَنَا مَحْمُود (4) بن غيلَان (5) أَنا وَكِيع عَن عمرَان بن حدير (6) عَن أبي مجلز (7) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 عَن بشير (1) قَالَ كتبت كتابا عَن أبي هُرَيْرَة فَقلت أرويه عَنْك قَالَ نعم (2) وَأخرج مثله عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة (3) وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي كتاب الْوَجِيز الْإِجَازَة ضَرُورِيَّة لِأَنَّهُ قد يَمُوت الروَاة ويفقد الْحفاظ الوعاة فَيحْتَاج إِلَى إبْقَاء الْإِسْنَاد وَلَا طَرِيق إِلَّا الْإِجَازَة فالإجازة فِيهَا نفع عَظِيم ورفد (4) جسيم إِذا الْمَقْصُود إحكام السّنَن المروية فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وإحياء الْآثَار سَوَاء كَانَ بِالسَّمَاعِ أَو الْقِرَاءَة أَو المناولة أَو الْإِجَازَة قَالَ وسومح بِالْإِجَازَةِ لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} (5) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت بالحنيفية السمحة (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 قَالَ وَمن مَنَافِعهَا أَنه لَيْسَ طَالب علم يقدر على رحْلَة وسفر إِمَّا لعِلَّة توجب عدم الرحلة أَو بعد الشَّيْخ الَّذِي يَقْصِدهُ فالكتابة حِينَئِذٍ بِهِ أرْفق (أ / 172) وَفِي حَقه أوفق فَيكْتب من بأقصى (1) الْمغرب إِلَى من بأقصى الْمشرق وَيَأْذَن لَهُ فِي رِوَايَة مَا يَصح عَنهُ وَيكون ذَلِك الْمَرْوِيّ حجَّة كَمَا فعله سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد صَحَّ عَنهُ أَنه كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر (2) وَغَيرهمَا مَعَ رسله فَمن قبل مِنْهُم فَهُوَ حجَّة لَهُ وَمن لم يقبل مِنْهُم فَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ (3) وتوسط أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي كِتَابه مآخذ الْعلم قَالَ بلغنَا أَن نَاسا يكْرهُونَ الْإِجَازَة وَيَقُولُونَ لَو اقْتصر عَلَيْهَا بطلت الرحلة وَقعد النَّاس عَن طلب الْعلم وَنحن فلسنا نقُول إِن طَالب الْعلم يقْتَصر على الْإِجَازَة فَقَط ثمَّ لَا يسْعَى وَلَا يرحل لَكِن نقُول الْإِجَازَة لمن كَانَ لَهُ فِي الْقعُود عَن الطّلب عذر من قُصُور نَفَقَة أَو بعد مَسَافَة أَو صعوبة مَسْلَك فَأَما أَصْحَاب الحَدِيث (4) فَمَا زَالُوا يتجشمون المصاعب ويركبون الْأَهْوَال أخذا بِمَا حث عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (5) وَيخرج من كَلَام بَعضهم مَذْهَب آخر وَهُوَ أَنَّهَا لَا تجوز إِلَّا عِنْد عدم إِمْكَان السماع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 319 - (قَوْله) محتجا على الْإِجَازَة لِأَنَّهُ إِذا جَازَ لَهُ أَن يروي عَنهُ مروياته فقد أخبرهُ بهَا جملَة كَمَا لَو أخبرهُ تَفْصِيلًا (3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 فحسبك (6) بِمَا هَذِه صفته (7) انْتهى الحديث: 319 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 وَكَلَامه إِن كَانَ فِي الْإِجَازَة المقرونة بالمناولة فَقَوله إِنَّه لم يقل (د / 98) بِهِ أحد من التَّابِعين مَرْدُود فَسَيَأْتِي نقلهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم بل جَاءَ عَن أنس مَا يشْعر بهَا فَفِي مُعْجم الصَّحَابَة لِلْبَغوِيِّ عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ كُنَّا إِذا أكثرنا على أنس ابْن مَالك أَتَانَا بمخال (1) (2) لَهُ فألقاها إِلَيْنَا وَقَالَ هَذِه أَحَادِيث سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكتبتها وعرضتها (3) وَأسْندَ الرامَهُرْمُزِي إِلَى الْحسن أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا بِأَن يدْفع الْمُحدث كِتَابه وَيَقُول ارو عني جَمِيع مَا فِيهِ ويسعه (4) أَن يَقُول حَدثنِي فلَان عَن فلَان (5) وَإِن كَانَ كَلَام ابْن حزم فِي الْإِجَازَة الخالية عَن المناولة فَلَا يُنَاسب تَعْلِيله وَإِطْلَاق من جوزها يَشْمَل ذَلِك وَمَا نَقله المُصَنّف عَمَّن قَالَ من الظَّاهِرِيَّة إِن الْعَمَل بِالْإِجَازَةِ لَا يجب وَيجْرِي مجْرى الْمُرْسل يَقْتَضِي ذَلِك منع الْعَمَل دون التحديث وَقد نقل عَن الْأَوْزَاعِيّ عكس ذَلِك فَفِي كتاب الرامَهُرْمُزِي قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي كتاب (6) الْأَمَانَة يَعْنِي المناولة (أ / 173) يعْمل بِهِ وَلَا يحدث بِهِ وَعَن الْأَوْزَاعِيّ فِي ذَلِك رِوَايَات ذكرهَا الرامَهُرْمُزِي (7) وَكَأن معنى قَوْله لَا يحدث بِهِ أَي بِصِيغَة التحديث وَإِلَّا فَلَا معنى للْعَمَل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 بِهِ مَعَ نَفْيه التحديث وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم وَيسمع مِمَّن يسمع مِنْكُم (1) فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكيفية نقل الشَّرِيعَة فقد يَقْتَضِي منع الْإِجَازَة وَسكت المُصَنّف عَن ذكر الْخلاف فِي رُتْبَة الْإِجَازَة وَقد تعرض لذَلِك فِي المناولة وَقد اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك فَالْمَشْهُور أَنَّهَا دون السماع وَقيل كالسماع وَحَكَاهُ ابْن عَاتٍ (2) فِي كتاب رَيْحَانَة النَّفس (3) عَن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد ابْن بَقِي بن مخلد (4) قَالَ كَانَ يَقُول الْإِجَازَة عِنْدِي وَعند ابي وجدي كالسماع وَالثَّالِث أَنَّهَا أقوى من السماع وَهُوَ اخْتِيَار عبد الرَّحْمَن بن مَنْدَه وَعَلِيهِ بنى كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ بِالْوَصِيَّةِ وَقَالَ فِيهِ مَا حدثت بِحرف مُنْذُ سَمِعت الحَدِيث وكتبته إِلَّا على سَبِيل الْإِجَازَة لِئَلَّا أوبق فَأدْخل فِي الصَّحِيح لأهل الْبدع والمحتجين [بِهِ] (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ وَأبْعد النَّاس من الْكَذِب الَّذِي لَا يحدث النَّاس إِلَّا بِالْإِجَازَةِ ليخلص النَّاس من التُّهْمَة وَسُوء الظَّن ويخلص نَفسه من الرِّيَاء وَالْعجب وَقد رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ نجم الدّين الطوفي (1) فِي بعض تعاليقه رَأَيْت محدثي الْعَصْر يتهافتون (2) ويتنافسون فِي تَرْجِيح رِوَايَة الحَدِيث سَمَاعا على رِوَايَته إجَازَة وَإِنَّمَا هَذَا شَيْء ألقوه وتلقوه عَمَّن قبلهم وغفلوا عَن الْأَشْيَاء تخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمِنَة وَالْحق التَّفْصِيل وَهُوَ الْفرق بَينهمَا فِي عصر السّلف فَأَما مُنْذُ دونت الدَّوَاوِين وَجمع السّنَن واشتهرت فَلَا فرق بَينهمَا وَالْفرق بَين الزمانين أَن السّلف رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم كَانُوا يجمعُونَ الحَدِيث من صحف النَّاس وصدور الرِّجَال فدعَتْ الْحَاجة إِلَى السماع خوفًا من التَّدْلِيس والتلبيس وَلِهَذَا كَانَ شُعْبَة يَقُول إِنِّي لأنظر إِلَى فَم قَتَادَة فَإِن قَالَ سَمِعت كتبت وَإِن قَالَ عَن فلَان لم أكتب (3) وَذَلِكَ لأَنهم (4) رُبمَا كتبُوا ودلسوا بالعنعنة فَإِذا روى ذَلِك الْكتاب إجَازَة توهم الرَّاوِي عَنهُ أَن العنعنة سَماع وَلَا أسمع مِنْهُ الحَدِيث لحرى (5) فَبين أَو سُئِلَ فالجيء إِلَى التَّبْيِين وَهَذَا بِخِلَاف مَا بعد تدوين الْكتب فِي علم الْمَتْن والسند فَإِن فَائِدَة الرِّوَايَة إِذا إِنَّمَا هِيَ اتِّصَال سلسلة الْإِسْنَاد بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبركا وتيمنا وَإِلَّا فالحجة تقوم بِمَا فِي السّنَن وَنَحْوهَا وَيعرف الْقوي والضعيف والنقلة من كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَلما ذكرته من الْفرق بَين العصرين كَانَ المتقدمون لَا يروون حَدِيثا إِلَّا مُسْندًا ويسمون مَا لَيْسَ بِمُسْنَد تَعْلِيقا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 وَصَارَ الْمُتَأَخّرُونَ يصيغون كتب الْأَحْكَام وَنَحْوهَا محذوفة الْأَسَانِيد إِحَالَة على مَا قَرَّرَهُ الْأَولونَ واتفاقا فَإِن هَؤُلَاءِ الْمُحدثين (1) يصححون السماع على عَامي لَا يعرف معنى مَا يسمع خُصُوصا إِذا عمر وَبعد عَهده بِسَمَاع مَا سمع فَإِنَّهُ قد ينسى وَلَا يعرف [أَنه] (2) قد سَمعه إِلَّا بِوُجُود اسْمه فِي الطَّبَقَة فَأَي فرق بَين السماع على مثل هَذَا وَبَين أَن يَقُول أجزت لَك أَن تروي عني الْكتاب وَإِذ قد بَان مَا ذكرته أَن فَائِدَة الرِّوَايَة بعد تدوين السّنَن إِنَّمَا هُوَ اتِّصَال السَّنَد وسلسلة الرِّوَايَة وَذَلِكَ حَاصِل بِالْإِجَازَةِ فَوَجَبَ أَلا يكون بَين الْإِجَازَة و [بَين] (3) السماع فرق نعم لَو أتفق شيخ حاذق بِعلم الحَدِيث وفوائده كَانَت الرِّوَايَة (أ / 174) سَمَاعا أولى لما يُسْتَفَاد مِنْهُ وَقت السماع لَا لقُوَّة رِوَايَة السماع على الْإِجَازَة لِأَن تِلْكَ الْفَائِدَة تنفك عَن الرِّوَايَة بِدَلِيل مَا لَو قرئَ عَلَيْهِ الحَدِيث بحثا تفقها لَا رِوَايَة وَالله أعلم (4) انْتهى وَنَحْوه مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن ميسر الْمَالِكِي (5) من أَن الْإِجَازَة على وَجههَا خير وَأقوى من السماع الرَّدِيء حَكَاهُ الْوَلِيد بن بكر فِي كتاب الوجازة 321 - (قَوْله) فِي الْإِجَازَة الْعَامَّة ورتبهم عَن جمَاعَة كثيرين الحديث: 321 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 وَفَاته أَن أَبَا جَعْفَر بن الْبَدْر الْكَاتِب (1) جمع جُزْءا فِيمَن أجَاز هَذِه الْإِجَازَة الْعَامَّة ورتبهم على حُرُوف المعجم لكثرتهم وَمِمَّنْ أجازها أَحْمد بن الْحُسَيْن بن خيرون الْبَغْدَادِيّ (2) وَأَبُو الْوَلِيد بن رشد الْمَالِكِي (3) وَرجحه أبن الْحَاجِب (4) وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي زيادات الرَّوْضَة إِنَّه الصَّحِيح (5) وَاحْتج بَعضهم عَلَيْهَا بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغو عني الحَدِيث (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 وَبِمَا رَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات حَدثنَا عَفَّان (1) ثَنَا حَمَّاد (2) ثَنَا عَليّ بن زيد بن جدعَان (3) عَن أبي رَافع (4) أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما احْتضرَ قَالَ من أدْرك زماني من سبي الْعَرَب فَهُوَ حر من مَال الله (5) 322 - (قَوْله) وأنبأني من سَأَلَ الْحَازِمِي (5 6 فَأجَاب هَذَا مِمَّا وَقع فِي كَلَام الْمُتَأَخِّرين وَلم أر فِي اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين من ذَلِك الحديث: 322 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 شَيْئا غير أَن نَفرا من الْمُتَأَخِّرين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ وَلم يرَوا بهَا باسا وَرَأَوا أَن التَّخْصِيص والتعميم فِي هَذَا سَوَاء وَقَالَ مَتى عدم السماع الَّذِي هُوَ مضاه للشَّهَادَة فَلَا معنى للتعيين قَالَ وَمن أدْركْت من الْحفاظ نَحْو أبي الْعَلَاء (1) وَغَيره كَانُوا يميملون إِلَى الْجَوَاز وَفِيمَا كتب إِلَيْنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي من الْإسْكَنْدَريَّة فِي بعض مكاتباته أجَاز لأهل بلدان عدَّة مِنْهَا بَغْدَاد وواسط وهمدان وأصبهان وزنجان وعَلى الْجُمْلَة فالتوسع فِي هَذَا الشَّأْن غير مَحْمُود فمهما أمكن الْعُدُول عَنهُ إِلَى غير هَذَا الِاصْطِلَاح أَو تهَيَّأ تأكيده بمتابع لَهُ سَمَاعا أَو إجَازَة خَاصَّة كَانَ ذَلِك أَحْرَى وَإِن ألحت الضَّرُورَة من يُرِيد تَخْرِيج حَدِيث فِي بَاب لم يجد مسلكا سواهُ استخار الله تَعَالَى وَجوز أَلْفَاظه نَحْو أَن يَقُول أَخْبرنِي فلَان إجَازَة عَامَّة أَو فِيمَا أجَاز لمن أدْرك حَيَاته أَو يَحْكِي لفظ الْمُجِيز فِي الرِّوَايَة فيتخلص من غوائل (د / 99) التَّدْلِيس والتشبع بِمَا لم يُعْط وَيكون مقتديا وَلَا يعد مقترفا هَذَا كَلَام الْحَازِمِي 323 - (قَوْله) قَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (13 14 الرِّوَايَة بهَا وَهَذَا يَقْتَضِي تصحيحها وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة لَهَا (2) الحديث: 323 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 يُرِيد أَن فَائِدَة الْإِجَازَة الرِّوَايَة بهَا فَإِذا لم تسْتَعْمل فَأَي فَائِدَة لجوازها لَكِن هَذَا لَا يتنافى مَعَ كَلَام ابْن الصّلاح لِأَنَّهُ لم يدع عدم الْجَوَاز بل ذكر أَنه لم يسمع وُقُوع ذَلِك وَحجَّة الْجَوَاز على مَا ذكره النَّوَوِيّ لَا يسْتَلْزم الْوُقُوع وَقد وَقعت وَلم يبلغ ابْن الصّلاح ويساعد مَا قَالَه مَا رَأَيْته فِي أجوبة مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَهُوَ بِخَط الْحَافِظ فَقَالَ وسئلت عَن الْإِجَازَة الْعَامَّة وَالرِّوَايَة بهَا فقد روى بهَا غير وَاحِد من الْحفاظ (أ / 175) وجوزوها وَلست أرى الرِّوَايَة بهَا وَلَا التعريج عَلَيْهَا انْتهى وَقد حكى ابْن دحْيَة أَن الْحَافِظ السلَفِي حدث عَن ابْن خيرون بهَا وَابْن دحْيَة حدث بهَا فِي تصانيفه عَن أبي الْوَقْت (1) والسلفي وَأَبُو الْحسن الشَّيْبَانِيّ القفطي (2) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 حدث فِي كتاب تَارِيخ النُّحَاة (1) عَن السلَفِي بهَا وَعَن الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ أَنه دَعَا النَّاس إِلَى قِرَاءَة البُخَارِيّ على أبي الْعَبَّاس ابْن (2) بِالْإِجَازَةِ فَسَمعهُ عَلَيْهِ خلق كثير وَكَذَا الْحَافِظ الدمياطي حدث بإجازته الْعَامَّة من الْمُؤَيد الطوسي (3) وَسمع بهَا الْحفاظ الْمزي والذهبي والبرزالي على الرُّكْن الطاووسي (4) بإجازته الْعَامَّة من أبي جَعْفَر الصيدلاني (5) وَغَيره 324 - (قَوْله) أَو يَقُول أجزت لفُلَان أَن يروي عني (6) كتاب الْمسند وَهُوَ يروي جمَاعَة من كتب (7) الْمسند الْمَعْرُوفَة بذلك ثمَّ لَا يعين هَذِه إجَازَة الحديث: 324 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 فَاسِدَة (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبل وَإِن شَاءَ لم يقبل لتوقف تَمام البيع على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 قبُوله وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الْإِجَازَة فَإِنَّهَا لَا تتَوَقَّف على الْقبُول فَلَا يكون قَوْله أجزت لمن شَاءَ الرِّوَايَة تَعْلِيقا لِأَن قبل مَشِيئَة الرِّوَايَة لَا يكون مجَازًا أَو بعد مشيئتها يكون وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَعْلِيق وتجهيل (1) وَذَلِكَ مُبْطل وَنَظِيره من الْوكَالَة وكلته فِي بيع هَذِه الْعين لمن شَاءَ أَن يقبلهَا (2) وَإِذا بَطل فِي الْوَصِيَّة مَعَ احتمالها مَالا يحْتَمل فِي غَيرهَا فَلِأَن يبطل فِي هَذِه أولى نعم نَظِير فرع البيع أَن يَقُول أجزتك إِن شِئْت على معنى أَن تروي إِذا شِئْت وَذَلِكَ صَحِيح لما بَيناهُ 326 - (قَوْله) أما إِذا قَالَ أجزت لفُلَان كَذَا إِن شَاءَ أَو لَك إِن شِئْت فَالْأَظْهر جَوَازه (9 10 11 12) إِلَى آخِره الحديث: 326 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا فالشافعي نَفسه أجَازه وَنَصّ عَلَيْهِ فِي وَصيته (أ / 176) المكتتبة فِي الْأُم فأوصى فِيهَا أوصياء على أَوْلَاده الْمَوْجُودين وَمن يحدثه الله تَعَالَى لَهُ من الْأَوْلَاد 328 - (قَوْله) قَالَ الْخَطِيب سَأَلت القَاضِي أَبَا الطّيب عَن الْإِجَازَة للطفل الصَّغِير هَل يعْتَبر فِي صِحَّتهَا سنه أَو تَمْيِيزه إِلَى آخِره وَهَذِه المسالة منصوصة للشَّافِعِيّ فِيمَا سبق عَن الْحَافِظ السلَفِي بِسَنَدِهِ إِلَى الرّبيع أَن الشَّافِعِي أَتَاهُ رجل يطْلب الْإِجَازَة [لِابْنِهِ فَقَالَ كم لابنك قَالَ سِتّ سِنِين قَالَ لَا يجوز الْإِجَازَة] (1) لَهُ حَتَّى [يبلغ] (2) لَهُ سبع سِنِين (3) قَالَ ابْن زبر (4) وَهُوَ مَذْهَب فِي الْإِجَازَة قَالَ السلَفِي وَالَّذِي أدركنا (5) عَلَيْهِ الشُّيُوخ فِي الْبِلَاد والحفاظ أَن الْإِجَازَة تصح لمن يجاز لَهُ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا 329 - (قَوْله) فِي السَّادِس يَنْبَغِي بِنَاؤُه على أَن الْإِجَازَة فِي حكم الْإِخْبَار بالمجاز جملَة أَو هِيَ إِذن إِلَى آخِره وَفِيه أَمْرَانِ أَحدهمَا مَا صَححهُ من بطلَان هَذِه الْإِجَازَة قَالَ النَّوَوِيّ إِنَّه الحديث: 328 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 الصَّوَاب (1) الثَّانِي تنظيره بِبيع الَّذِي سيملكه (2) لَيْسَ بجيد (3) بل نَظِيره أَن يُوكل فِي بيع مَا ملكه وَمَا سيجري فِي ملكه وَحِينَئِذٍ تقرب الصِّحَّة فِي الْإِجَازَة على قِيَاس مَا سبق فِي الْوَقْف وَالْوَصِيَّة وَقد خرجها ابْن أبي الدَّم على مَسْأَلَة الْوكَالَة فِي البيع وَفِيمَا إِذا وَكله فِي عتقه إِذا اشْتَرَاهُ وَفِي طَلَاق زَوجته الَّتِي يُرِيد أَن يَتَزَوَّجهَا وَالْخلاف فِي الْكل مَوْجُود 330 - (قَوْله) وَأما إِذا قَالَ أجزت لَك مَا صَحَّ وَيصِح عنْدك من مسموعاتي (7 8 9 10 11 12 13 لِأَن الْغَرَض من العبارتين تَجْوِيز رِوَايَة مَا جَازَ رِوَايَته عِنْد الْأَدَاء وَلَا يُقَال الحديث: 330 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 هَذَا تَوْكِيل بِمَا لم يملك لِأَن الرِّوَايَة غير التَّوْكِيل فَإِنَّهَا فِي الْحَقِيقَة إِذن بالإخبار عَن الْمُجِيز بِمَا صَحَّ رِوَايَة (3 4 5) انْتهى وَأَشَارَ بِهِ [إِلَى] (1) عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي (2) أحد شُيُوخ ابْن الْجَوْزِيّ فَكَانَ لَا يجوزها (3) وَجمع [فِي] (4) ذَلِك جُزْءا وَكَانَ من خِيَار أهل (د / 100) الحَدِيث وَذَلِكَ لِأَن الْإِجَازَة ضَعِيفَة فيقوى الضَّعِيف باجتماع (5) الإجازتين وَيَنْبَغِي أَن يكون الْخلاف عِنْد الِاسْتِقْلَال أما لَو جعله تَابعا للمسموع فَلَا يَأْتِي الْخلاف كَمَا سبق نَظِيره فِي الْإِجَازَة للْحَمْل وَنَحْوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 وَبَقِي من الْأَنْوَاع الَّتِي لم يذكرهَا المُصَنّف الْإِذْن فِي الْإِجَازَة مثل أَن يَقُول لَهُ أَذِنت لَك أَن تجيز عني من شِئْت وَقد وَقع ذَلِك فِي عصرنا وَالظَّاهِر فِيهِ الصِّحَّة (3) كَمَا لَو قَالَ وكل عني وَيكون مجَازًا من جِهَة الْإِذْن وينعزل الْمَأْذُون لَهُ (أ / 177) فِي أَن يُجِيز بِمَوْت الْآذِن قبل الْإِجَازَة كَمَا يَنْعَزِل الْوَكِيل بِمَوْت الْمُوكل وَإِذا قَالَ أجزت لَك أَن تجيز عني فلَانا كَانَ أولى بِالْجَوَازِ من أَذِنت أَن تجيز عني من شِئْت وَقد ذكر ابْن الصّلاح نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة فِي قسم (2) الْكِتَابَة وَسَتَأْتِي وَمِنْهَا الْإِجَازَة لمن لَيْسَ لَهَا أَهلا إِذْ ذَاك وَهُوَ يَشْمَل صورا مِنْهَا الصَّبِي فِي آخر الْمَعْدُوم وَمِنْهَا الْمَجْنُون وَهِي صَحِيحَة ذكرهَا الْخَطِيب (4) وَمِنْهَا الْإِجَازَة للْحَمْل وَلم أر من ذكرهَا غير أَن الْخَطِيب قَالَ لم نرهم أَجَازُوا لمن لم يكن مولودا فِي الْحَال (5) وَلم يتَعَرَّض لكَونه إِذا وَقع يَصح أم لَا وَلَا شكّ أَنه أولى بِالصِّحَّةِ من الْمَعْدُوم (6) وَيشْهد لَهُ تصحيحهم الْوَصِيَّة للْحَمْل وَإِيجَاب النَّفَقَة على الْأَب لأمه الْمُطلقَة تَنْزِيلا لَهَا منزلَة الْمَوْجُود وَيحْتَمل بِنَاؤُه على أَن الْحمل يعلم أم لَا فَإِن قُلْنَا يعلم صحت الْإِجَازَة لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا يعلم فَهُوَ كالإجازة للْمَجْهُول يجْرِي فِيهِ الْخلاف لَكِن قد يفرق بَان الْمَجْهُول مَوْجُود قطعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 أما الْإِجَازَة لَهُ تبعا لِأَبَوَيْهِ فَلَا شكّ فِيهِ وَمِنْهَا الْكَافِر وَقد سبق أَن تحمله صَحِيح وَلم يتَعَرَّضُوا لحكم الْإِجَازَة لَهُ وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة زمن الْحَافِظ أبي الْحجَّاج الْمزي وَذَلِكَ أَن شخصا من الْأَطِبَّاء يُقَال لَهُ ابْن عبد السَّيِّد سمع الحَدِيث فِي حَال يَهُودِيَّته على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن الصُّورِي (1) وَكتب اسْمه فِي طبقَة سَماع السامعين وَأَجَازَ ابْن عبد الْمُؤمن لمن سمعهم وَهُوَ من جُمْلَتهمْ وَكَانَ السماع وَالْإِجَازَة بِحُضُور الْمزي وَبَعض السماع بقرَاءَته وَلَوْلَا أَنه رأى الْجَوَاز لأنكره ثمَّ هدى الله ابْن عبد السَّيِّد الْمَذْكُور لِلْإِسْلَامِ ثمَّ حدث وَمِنْهَا الْإِجَازَة لِلْفَاسِقِ والمبتدع وَالظَّاهِر جَوَازهَا وَأولى من الْكَافِر (2) 332 - (قَوْله) روينَا عَن أبي الْحُسَيْن ابْن فَارس (9 10 عبد الله مُحَمَّد بن سعيد (3) بن الْحجَّاج (4) فِي جُزْء الْإِجَازَة الحديث: 332 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 معنى ثَالِثا غير مَا حاوله المُصَنّف فَقَالَ هِيَ مصدر أجزت أُجِيز إجَازَة واشتقاقها من الْمجَاز فَكَأَن الْقِرَاءَة وَالسَّمَاع هُوَ فِي الْحَقِيقَة فِي بَاب الرِّوَايَة وَمَا عداهُ مجَاز وَالْأَصْل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز عمل (1) عَلَيْهِ (2) فَائِدَة جرت عَادَتهم فِي الاستجازة أَن يَقُولُوا (3) المسموع (4) من الْعَام الْمَشَايِخ (5) أَن يجيزوا لفُلَان وَفُلَان مَا صَحَّ عِنْدهم من مسموعاتهم فَالضَّمِير فِي عِنْدهم مُتَرَدّد بَين أَنه للمشايخ أَو للْجَمَاعَة المستجيزين وَهُوَ لَهُم دون الْمَشَايِخ لِأَن الْمَشَايِخ قد صَحَّ عِنْدهم مَا أجازوه وَإِنَّمَا المُرَاد مَا صَحَّ عِنْد المستجيزين أَنه رِوَايَة الْمَشَايِخ جَازَ لَهُم أَن يرووه فَائِدَة أُخْرَى كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد لَا يُجِيز رِوَايَة مسموعاته كلهَا بل يُقَيِّدهُ بِمَا حدث بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يشك فِي بعض مسموعاته فَلم يحدث بِهِ وَلم يجزه وَهُوَ سَمَاعه على ابْن المقير (6) فَمن حدث عَنهُ بإجازته غير مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 حدث بِهِ من مسموعاته فَهُوَ غير صَحِيح (1) 333 - (قَوْله) إِنَّمَا تستحسن الْإِجَازَة إِذا كَانَ الْمُجِيز عَالما (3 4 5 6 7 8 9 10 11 لهَذَا (6) انْتهى الحديث: 333 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 وَفِي هَذَا الشَّرْط نوع تضييق منَاف لما جوز لَهُ الْإِجَازَة وَهُوَ التَّوسعَة وَبَقَاء سلسلة الْإِسْنَاد على أَن هَذَا الشَّرْط لَا معنى لَهُ فَإِن الْمجَاز لَهُ لَا يروي إِلَّا عَن أصل سَوَاء كَانَ الْمُجِيز إِسْنَاده مُشكلا أم لَا وَقَرِيب مِنْهُ مَا حَكَاهُ الْخَطِيب فِي الْكِفَايَة قَالَ مَذْهَب أَحْمد بن صَالح أَنه إِذا قَالَ للطَّالِب أجزت لَك أَن تروي عني مَا شِئْت من حَدِيثي لَا يَصح ذَلِك دون أَن يدْفع إِلَيْهِ أُصُوله أَو فروعا كتبت مِنْهَا وَنظر فِيهَا وصححها (1) انْتهى وَقد توَسط القَاضِي أَو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فَقَالَ - فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ عَن الطرطوشي (2) عَنهُ - الْإِجَازَة على قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يَسْتَدْعِي الْمُجِيز الْإِجَازَة للْعَمَل وَالثَّانِي أَن يستدعيها للرواية فَإِن كَانَ إِنَّمَا تطلب الْإِجَازَة ليعْمَل بِمَا يكْتب بِهِ إِلَيْهِ فَيجب أَن يكون من أهل الْعلم بذلك والفهم بِاللِّسَانِ وَإِلَّا لم يحل لَهُ الْأَخْذ بِهِ وَإِن كَانَ إِنَّمَا تطلب الْإِجَازَة للرواية خَاصَّة فَيجب أَن يكون من أهل الْمعرفَة بِالنَّقْلِ وَالْوُقُوف على أَلْفَاظ مَا أُجِيز لَهُ ليسلم من التَّصْحِيف والتحريف وَمن لم يكن عَارِفًا بِشَيْء من ذَلِك وَإِنَّمَا يُرِيد علو الْإِسْنَاد بِالْإِجَازَةِ فَفِي الْإِجَازَة ضعف (3) انْتهى وَقد سُئِلَ الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي عَن الشَّيْخ إِذا كَانَ خَالِيا من الْعلم وَلَا يعرف شُرُوط الْإِجَازَة هَل تصح الْإِجَازَة أم لَا فَأجَاب أصل الْإِجَازَة مُخْتَلف فِيهِ وَمن أجازها فَهِيَ قَاصِرَة عَن رُتْبَة السماع وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَلا تجوز من كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 [من] (1) يجوز مِنْهُ السماع وَإِن يترخص مترخص وجوزها من كل من يجوز مِنْهُ السماع فَأَقل مَرَاتِب الْمُجِيز أَن يكون عَالما بِمَعْنى الْإِجَازَة الْعلم الإجمالي من أَنه روى شَيْئا وَأَن معنى إِجَازَته لغيره إِذْنه لذَلِك الْغَيْر فِي رِوَايَة ذَلِك الشَّيْء عَنهُ بطرِيق الْإِجَازَة الْمَعْهُودَة من أهل هَذَا الشَّأْن لَا الْعلم التفصيلي بِمَا روى وَبِمَا يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْإِجَازَة وَهَذَا الْعلم الإجمالي حَاصِل بِمَا رَأَيْنَاهُ من عوام الروَاة فَإِن انحط راو فِي الْفَهم عَن هَذِه الدرجَة وَلَا أخال أحدا ينحط عَن إِدْرَاك هَذَا إِذا عرف بِهِ فَلَا أَحْسبهُ أَهلا لِأَن يتَحَمَّل عَنهُ بِإِجَازَة وَلَا سَماع قَالَ وَهَذَا الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ من التَّوَسُّع فِي الْإِجَازَة هُوَ طَرِيق الْجُمْهُور وَقد رأى بعض النَّاس الْأَمر فِيهَا أضيق من ذَلِك وَقَالَ لَا بُد فِي الْمُجِيز أَن يكون عَالما بِمَا يُجِيز وَحكى مَا سبق عَن مَالك وَابْن عبد الْبر 334 - (قَوْله) (أ / 179) (د / 101) يَنْبَغِي للمجيز إِذا كتب (11 12) الحديث: 334 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 قد أنكر بعض الْأُصُولِيِّينَ إِفْرَاد المناولة عَن الْإِجَازَة وَقَالَ هِيَ رَاجِعَة إِلَيْهَا وَقَالَ ابْن سعيد (1) هِيَ [فِي] (2) مَعْنَاهَا لَكِن يفترقان فِي أَن المناولة تفْتَقر إِلَى مشافهة الْمُجِيز للمجاز لَهُ وحضوره قَالَ وَمِمَّنْ رأى اسْتِعْمَالهَا مَالك وَغَيره وَقد اسْتدلَّ الْحَاكِم على صِحَة المناولة بِغَيْر قِرَاءَة بِمَا أسْندهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه إِلَى كسْرَى مَعَ عبد الله بن حذافة وَأمره أَن يَدْفَعهُ (3) إِلَى عَظِيم الْبَحْرين ويدفعه عَظِيم الْبَحْرين إِلَى كسْرَى (4) 336 - (قَوْله) وَهِي أَعلَى أَنْوَاع الْإِجَازَة (7 8 فَقَالَ الظَّاهِر أَنَّهَا أَخفض من الْإِجَازَة الحديث: 336 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 لِأَن أقل درجاتها أَنَّهَا إجَازَة مَخْصُوصَة فِي كتاب بِعَيْنِه بِخِلَاف الْإِجَازَة (1) 337 - (قَوْله) مِنْهَا أَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل سَمَاعه أَو فرعا مُقَابلا بِهِ (3 4 5 6 7 8 للسماع لَكِن فِي الْقنية (4) من كتب الْحَنَفِيَّة إِذا أعطَاهُ الْمُحدث الْكتاب وَأَجَازَ لَهُ مَا الحديث: 337 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 فِيهِ وَلم يسمع ذَلِك مِنْهُ وَلَا يعرفهُ فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا تجوز رِوَايَته (1) الثَّانِي مَا نَقله عَن الْحَاكِم عَن الْمُتَقَدِّمين من تنزيلها منزلَة السماع معَارض بِمَا أسْند الرامَهُرْمُزِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس (2) قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَن أصح السماع فَقَالَ قراءتك على الْعَالم - أَو قَالَ الْمُحدث - ثمَّ قِرَاءَة الْمُحدث عَلَيْك ثمَّ أَن يدْفع إِلَيْك كِتَابه فَيَقُول أرو هَذَا عني (3) انْتهى وَهَذَا تَصْرِيح من مَالك بانحطاط دَرَجَة المناولة عَن الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَقِرَاءَة الشَّيْخ على الطَّالِب وعمدة الْحَاكِم فِي ذَلِك مَا أسْندهُ عَن ابْن أبي أويس قَالَ سُئِلَ مَالك عَن حَدِيث أسماع هُوَ فَقَالَ مِنْهُ سَماع وَمِنْه عرض وَلَيْسَ الْعرض عندنَا بِأولى من السماع (4) وَهَذَا يُمكن حمله على عرض القرءة وَفِي رِوَايَة الرمهرمزي مَا يَقْتَضِي (5) تَسْمِيَة عرض المناولة سَمَاعا لِأَن التَّرْتِيب جَوَاب عَن أصح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 السماع وَكَأن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة المحكي عَنْهُم جوزوا الرِّوَايَة بهَا إِلَّا أَنهم نزلوها منزلَة السماع فِي كل شَيْء (1) 339 - (قَوْله) وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي هَذَا الْعرض (3 4 5 6 7 8 الْمسند وَلأبي طَالب مناولة (7) الحديث: 339 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 وَقَالَ أَبُو الْيَمَان (1) جَاءَنِي أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ كَيفَ تحدث عَن شُعَيْب (2) فَقلت بَعْضهَا قِرَاءَة وَبَعضهَا أخبرنَا (3) وَبَعضهَا مناولة فَقَالَ قل فِي كل أخبرنَا وَمِمَّا احْتج بِهِ الْحَاكِم بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى من سَمعهَا (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 وَقَوله تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم (1) وَهَذَا لَا يَقْتَضِي امْتنَاع تَنْزِيل المناولة على مَا تقدم منزلَة السماع فِي الْقُوَّة 340 - (قَوْله) وَقد صَار غير وَاحِد من الْفُقَهَاء الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهَا لَا أثر لَهَا (4 5 6 7 8 9 آخِره هَذَا اسْتِدْرَاك الحديث: 340 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 حسن وَقد روى الْخَطِيب عَن الزُّهْرِيّ مَا يساعده وَمَا عداهُ (1) (2) قد أسْندهُ الْخَطِيب إِلَى مَالك رَضِي الله عَنهُ (3) 341 - (قَوْله) الثَّانِي المناولة الْمُجَرَّدَة عَن الْإِجَازَة إِلَى قَوْله وعابها غير وَاحِد من الْفُقَهَاء والأصوليين من الْمُحدثين (1 2 3 4 5 من الْأُصُولِيِّينَ وَقد الحديث: 341 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 خالفهم كثير من الْأَصْحَاب مِنْهُم ابْن الصّباغ وَلذَلِك لم يشْتَرط الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول الْإِذْن بل وَلَا المناولة فَقَالَ إِذا أَشَارَ الشَّيْخ إِلَى كتاب فَقَالَ هَذَا سَمَاعي من فلَان جَازَ لمن سَمعه أَن يرويهِ عَنهُ سَوَاء نَاوَلَهُ أم لَا خلافًا لبَعض الْمُحدثين وَسَوَاء قَالَ لَهُ اروه عني أم لَا (1) وَقد قَالَ ابْن الصّلاح بعد هَذَا إِن الرِّوَايَة بهَا ترجح على الرِّوَايَة بِمُجَرَّد إِعْلَام الشَّيْخ لما فِيهِ من المناولة فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو من إِشْعَار بِالْإِذْنِ فِي الرِّوَايَة (2) قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين هَذَا السنح (3) من المناولة قريب من السماع من الشَّيْخ بِقِرَاءَة غير الشَّيْخ مَعَ عدم الْإِذْن بالرواية لِأَن هَذِه المناولة مُشَاركَة مَعَ ذَلِك السماع فو كَونهمَا من مسموعات الشَّيْخ الَّذِي يجوز لَهُ رِوَايَة ذَلِك الحَدِيث وَإِذا صَحَّ عِنْد الرَّاوِي بِأَن هَذَا من مسموعات فلَان فَيَقُول أروي عَن فلَان فَإِنَّهُ يروي عَن نُسْخَة فلَان إِلَى منتهاه 342 - (قَوْله) حكى قوم أَنهم جوزوا إِطْلَاق حَدثنَا وَأخْبرنَا فِي الرِّوَايَة بالمناولة وَالْإِجَازَة (12 13 14 15 الشرق إِظْهَار السماع الحديث: 342 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 وَالْإِجَازَة وتمييز أَحدهمَا عَن الآخر بِلَفْظ لَا إِشْكَال فِيهِ وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول الأَصْل التَّاسِع وَالسِّتِّينَ والمائتين يجوز إِطْلَاق أَخْبرنِي وحَدثني فِي الْإِجَازَة وَالْمُكَاتبَة وَيدل لَهُ قَوْله تَعَالَى (د / 102) {من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} (1) وَإِنَّمَا صَار نبأ وخبرا لوصول علم ذَلِك إِلَيْهِ فَكَذَلِك يجوز لَهُ أَن يَقُول حَدثنِي لِأَنَّهُ قد أحدث إِلَيْهِ الْخَبَر سَوَاء حدث شفاها أَو بِكِتَاب أَو بمناولة قَالَ وَلَيْسَ للممتنع أَن يمْتَنع من هَذَا تورعا ويتفقد الْأَلْفَاظ مستقصيا فِي تحري الصدْق قَوْله حَدثنِي وَأَخْبرنِي وَيَزْعُم أَنه يمْتَنع من ذَلِك حَتَّى يحدث شفاها فَيقْرَأ رجل قَلِيل الْمعرفَة باللغة يتَوَهَّم أَن أَخْبرنِي وحَدثني يَقْتَضِي الشفاه وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مَدْلُول التحديث لُغَة إِلْقَاء الْمعَانِي إِلَيْك سَوَاء أَلْقَاهُ لفظا أَو كتابا وَقد سمى الله تَعَالَى الْقُرْآن حَدِيثا (2) حدث بِهِ الْعباد وخاطبهم وكل مُحدث أحدث إِلَيْك شفاها أَو بِكِتَاب فقد حَدثَك بِهِ وَأَنت صَادِق فِي قَوْلك حَدثنِي وسمى الَّذِي يحدث فِي الْمَنَام حَدِيثا وَقَالَ تَعَالَى {ولنعلمه من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} (3) انْتهى (4) 343 - (قَوْله) وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو نعيم يُطلق حَدثنَا فِيمَا يرويهِ فِي الْإِجَازَة (14 الضُّعَفَاء أَبَا نعيم وَحكى عَن أبي بكر الحديث: 343 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 الْخَطِيب فِيمَا حَكَاهُ ابْن طَاهِر رَأَيْت لأبي نعيم أَشْيَاء يتساهل فِيهَا مثل أَن يَقُول فِي الْإِجَازَة أخبرنَا من غير أَن يُبينهُ (1) قَالَ ابْن دحْيَة سخم (2) الله وَجه من يذكر مثل أبي نعيم الإِمَام عَالم الدُّنْيَا وَقد صَحَّ عَن ابْن وهب أَنه قَالَ كنت عِنْد مَالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 ابْن أنس فَجَاءَهُ رجل يحمل موطأه [فِي] (1) كسائه فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله هَذَا موطؤك قد كتبته وقابلته فأجزه لي [فَقَالَ قد فعلت] (2) قَالَ فَكيف أَقُول حَدثنَا أَو أخبرنَا فَقَالَ لَهُ مَالك قل أَيهمَا شِئْت (3) انْتهى وَحكى الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان كَلَام الْخَطِيب ثمَّ قَالَ هَذَا مَذْهَب رَوَاهُ أَبُو نعيم وَغَيره وَهُوَ ضرب من التَّدْلِيس (4) انْتهى على أَنه قد نوزع من ادّعى على أبي نعيم ذَلِك بِأَنَّهُ (5) إِنَّمَا يَفْعَله نَادرا فَإِنَّهُ كثيرا مَا يَقُول كتب إِلَيّ جَعْفَر الْخُلْدِيِّ (6) وَكتب إِلَيّ أَبُو الْعَبَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 الْأَصَم (1) وَأخْبرنَا أَبُو الميمون بن رَاشد (2) فِي كِتَابه وَلكنه يَقُول أخبرنَا عبد الله ابْن جَعْفَر (3) فِيمَا قرئَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِر أَن هَذَا إجَازَة وَقَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ هَذَا لَا ينقصهُ شَيْئا إِذْ أَبُو نعيم يَقُول فِي مُعظم تصانيفه أخبرنَا فلَان إجَازَة وعَلى تَقْدِير أَنَّهَا تطلق فِي الْإِجَازَة أخبرنَا من غير تعْيين فَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْعلمَاء كَابْن جريج وَغَيره وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأهل الْمَدِينَة فَلَا يبعد أَن يكون مذهبا لَهُ أَيْضا (4) 344 - (قَوْله) وروينا عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ الَّذِي أختاره إِلَى آخِره وَفِيه إِبْهَام (7 8 9) الحديث: 344 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 قلت يُشِير إِلَى قَول الْوَلِيد بن بكر فِي كتاب الْإِجَازَة بَلغنِي عَن الْخطابِيّ أَنه قَالَ حكم الْإِجَازَة أَن يَقُول فِيهَا أخبرنَا فلَان أَن فلَانا حَدثهُ كَأَنَّهُ جعل دُخُول أَن دَلِيلا على الْإِجَازَة فِي مَفْهُوم اللُّغَة وَغَابَ عني إِذا اخْتِيَار الْخطابِيّ أَنه حَكَاهُ عَن غَيره وَقد تأملته فَلم أجد لَهُ وَجها صَحِيحا لِأَن أَن الْمَفْتُوحَة الَّتِي اشترطها الْخطابِيّ أَصْلهَا التَّأْكِيد وَمعنى أخبرنَا فلَان أَن فلَانا حَدثهُ أَي بِأَن فلَانا حَدثهُ فدخول الْبَاء أَيْضا للتَّأْكِيد وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا صَارَت اسْما فَإِن صَحَّ عَنهُ هَذَا الْمَذْهَب كَانَت الْإِجَازَة أقوى من السماع لِأَنَّهُ خبر قارنه التَّأْكِيد وَهَذَا لَا يَقُوله أحد (1) انْتهى قلت قد سبقت حكايته عَن قوم وعَلى أَن مَا حَكَاهُ عَن الْخطابِيّ قيل إِن القَاضِي عِيَاض حَكَاهُ عَن اخْتِيَار أبي حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ وَأنْكرهُ بَعضهم وَحقه أَن يُنكر فَلَا معنى لَهُ يتفهم مِنْهُ المُرَاد وَلَا اُعْتِيدَ هَذَا الْوَضع فِي الْمَسْأَلَة لُغَة وَلَا عرفا وَلَا اصْطِلَاحا (2) 346 - (قَوْله) فِي الْمُكَاتبَة أجَاز الرِّوَايَة بهَا غير وَاحِد من الشافعيين الحديث: 346 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 قلت مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرايني والمحاملي وَصَاحب الْمَحْصُول (1) 347 - (قَوْله) وأبى ذَلِك آخَرُونَ قلت مِنْهُم الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى (2) وَقَالَ السَّيْف الْآمِدِيّ لَا يرويهِ إِلَّا بتسليط من الشَّيْخ كَقَوْلِه فاروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته (3) وَذهب ابْن الْقطَّان إِلَى انْقِطَاع الرِّوَايَة بالمكاتبة قَالَه عقب حَدِيث جَابر بن سَمُرَة الْمَذْكُور فِي مُسلم (4) ورد عَلَيْهِ أَبُو عبد الله (5) ابْن الْمواق (6) فِي كِتَابه بغية النقاد (7) الحديث: 347 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 وَوَقع فِي صَحِيح مُسلم أَحَادِيث رويت كِتَابَة فَوق الْعشْرَة وَاخْتلف الْعلمَاء أَيْضا فِي اتِّصَال ذَلِك قَالَ القَاضِي عِيَاض وَالْجُمْهُور على الْعَمَل بذلك وعدوه مُتَّصِلا وَذَلِكَ بعد ثُبُوت صِحَّتهَا عِنْد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ خطّ الْكَاتِب كاتبها (1) 348 - (قَوْله) ثمَّ يَكْفِي فِي ذَلِك أَن يعرف الْمَكْتُوب إِلَيْهِ خطّ الْكَاتِب (5 6 7 8 9 10 11 12 13 انتفعتم بجلدها (5) يَعْنِي الحديث: 348 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 الشَّاة الْميتَة فَقَالَ إِسْحَاق حَدِيث ابْن عكيم (1) كتب إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِشَهْر لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب (2) أشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة (أ / 183) لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر فَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا كتاب وَذَاكَ سَماع فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 إِسْحَاق إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَكَانَ حجَّة عَلَيْهِم فَسكت الشَّافِعِي (1) قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي كَانَ وَالِدي رَحمَه الله يَحْكِي عَن شَيْخه الْحَافِظ أبي الْحسن الْمَقْدِسِي الْمَالِكِي (2) أَنه كَانَ يرى أَن حجَّة الشَّافِعِي بَاقِيَة يُرِيد لِأَن الْكَلَام فِي التَّرْجِيح بِالسَّمَاعِ وَالْكتاب وَلَا فِي إبِْطَال الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب يَعْنِي فَلم يكن لقَوْل إِسْحَاق [إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب] (3) إِلَى آخِره معنى لِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَام فِيهِ (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 349 - (قَوْله) وَقطع بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الطوسي (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 إِذْ لَيْسَ هُوَ نَظِير الحديث: 349 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 الرِّوَايَة لِأَن الرِّوَايَة لَا تتَوَقَّف فِي مجْلِس الحكم فَإِنَّهَا شرع عَام وَإِنَّمَا يَصح التنظير إِذا سَمعه فِي مجْلِس الحكم فَإِن الشَّهَادَة حِينَئِذٍ مُؤثرَة وَذَلِكَ نَظِير قَول الرَّاوِي أرويه عَن فلَان فَإِنَّهُ مُؤثر فِي إِيجَاب الْعَمَل مَعَ الثِّقَة وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصح الاستشهاد لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط إِذن الأَصْل فِي هَذِه الْحَالة فَظهر أَن إِلْحَاق الرِّوَايَة بِالشَّهَادَةِ فِي هَذِه الصُّورَة يَقْتَضِي جَوَاز الرِّوَايَة بهَا من غير إِذن عكس مَقْصُود المُصَنّف وَأَيْضًا فَالْفرق بَينهمَا وَاضح فَإِن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة نِيَابَة (1) فَاعْتبر فِيهَا الْإِذْن وَلِهَذَا لَو قَالَ بعد التَّحَمُّل لَا تُؤَد عني امْتنع عَلَيْهِ الْأَدَاء بِخِلَاف الرِّوَايَة وَقد احْتج الْخَطِيب وَغَيره للْجُوَاز بِالْقِيَاسِ على الشَّهَادَة فِيمَا إِذا سمع الْمقر (2) يقر بِشَيْء لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهِ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ وَهَذَا أصح من قِيَاس المُصَنّف وَحصل بذلك أَن الْمُعْتَمد الْجَوَاز (3) 350 - (قَوْله) فِي السَّابِع وتجويزه بعيد جدا (11 12 أَو متأول إِلَى آخِره فَالرِّوَايَة بطرِيق الوجادة لم الحديث: 350 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 يخْتَلف إِلَّا فِي أَنه لَا يجوز الرِّوَايَة بهَا وَقد نقلنا الْخلاف فِي جَوَاز الرِّوَايَة بِالْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّة بالكتب مؤول على إِرَادَة الرِّوَايَة بالوجادة مَعَ كَونه لَا يَقُول بِصِحَّة الرِّوَايَة غلط ظَاهر (4 5 6 7 8 9) إِلَى آخِره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 اعْلَم أَنه (1) لوجد (2) مصدران آخرَانِ لم يذكرهما وهما جدة فِي الْغَضَب وَفِي الْغنى وإجدان بِكَسْر الْهمزَة حَكَاهُمَا ابْن الْأَعرَابِي وَلَيْسَ لنا شَيْء مِنْهَا لَيْسَ لَهُ مصدر وَاحِد إِلَّا الْحبّ فَإِن مصدره وجد بِالْفَتْح لَا غير قَالَه ابْن سَيّده (3) وَكَذَلِكَ هُوَ مصدر وجد بِمَعْنى حزن قَالَه الْجَوْهَرِي (4) وَأما فِي الْمَطْلُوب فَلهُ مصدران وجود ووجدان حَكَاهُمَا صَاحب الْمَشَارِق فَقَالَ الوجادة إِلَى آخِره (5) كَذَا فسروا الوجادة بوجدان سَماع الْغَيْر وَهِي فِي الْحَقِيقَة هَذَا الْقسم ووجدان سَماع نَفسه بِخَطِّهِ وبخط غَيره المروية [فِي] (6) السَّادِس وَالْعِشْرين أَنه يجوز (عِنْد رَأَيْته فِي حَقه) (7) وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِم (8) الْبَلْخِي (9) إِن المجوزين فِي هَذَا الْقسم أَن يَقُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 أخبرنَا فلَان عَن فلَان احْتَجُّوا بِأَنَّهُ إِذا وجد سَمَاعه بِخَط موثوف بِهِ كَانَ [لَهُ أَن] (1) يَقُول أخبرنَا فلَان فها هُنَا كَذَلِك (2) 352 - (قَوْله) فَلهُ أَن يَقُول وجدت بِخَط فلَان (4 5 6 7 8 9 10 يُقَال بل عده من التَّعْلِيق أولى من الْمُرْسل والمنقطع الحديث: 352 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 354 - (قَوْله) فروينا عَن بعض الْمَالِكِيَّة أَن الْمُعظم على أَنه لَا يعْمل بهَا (3 4 5 6 7 قَالَ قوم يأْتونَ بعدكم يَجدونَ صحفا يُؤمنُونَ بِمَا فِيهَا (4) وَهُوَ استنباط حسن الحديث: 354 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 قَالَ وَلم يبْق فِي زَمَاننَا إِلَّا مُجَرّد وجادات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 النَّوْع الْخَامِس وَالْعشْرُونَ 355 - (قَوْله) وَمِمَّنْ روينَا عَنهُ كَرَاهَة ذَلِك عمر (3 4 5 عَمه عَمْرو بن أبي سُفْيَان أَنه سمع عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى الحديث: 355 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 عَنهُ يَقُول قَالَ وَكَذَلِكَ الرِّوَايَة عَن أنس بن مَالك صَحِيح من قَوْله وَقد أسندت من وَجه غير مُعْتَمد (1) قلت قد أسندها ابْن شاهين فِي كِتَابه من حَدِيث ثُمَامَة ابْن أنس (2) عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيدوا الْعلم بِالْكِتَابَةِ (3) وَسَاقه الْخَطِيب فِي كِتَابه من طرقه وَقَالَ هَذَا حَدِيث مَوْقُوف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 لَا يَصح رَفعه وهم فِي رَفعه عبد الحميد بن سُلَيْمَان (1) وَقد حدث بِهِ مرّة مَوْقُوفا (2) وَقَوله بِالْكتاب أَي بِالْكِتَابَةِ وهما مصدران لكتب 356 - (قَوْله) وروينا عَن أبي سعيد (4 5 6 7) الْقُرْآن بِغَيْرِهِ وَالْإِذْن حِين أَمن ذَلِك الحديث: 356 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 وَيدل للْأولِ مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن (د / 104) الْخَلِيل بن مرّة (1) عَن يحيى (2) ابْن أبي (3) صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ رجل من الْأَنْصَار يجلس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي لأسْمع مِنْك الحَدِيث فَيُعْجِبنِي وَلَا أحفظه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعِنْ بيمينك وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْخط قَالَ التِّرْمِذِيّ وَفِي الْبَاب عَن عبد الله بن عَمْرو وَهَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ الْقَائِم سَمِعت البُخَارِيّ يَقُول الْخَلِيل مُنكر الحَدِيث (4) انْتهى وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَصَححهُ (5) وَذكر غير المُصَنّف وُجُوهًا أخر فِي الْجمع بَين الْأَحَادِيث أَحدهَا أَن النَّهْي عَن الْكِتَابَة مَخْصُوص بحياة [سيد الْبشر (6) ] النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن النّسخ يطْرَأ فِي كل وَقت فيختلط النَّاسِخ بالمنسوخ وَيشْهد لَهُ حَدِيث أبي شاه (7) لما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 أذن لَهُ فِي كِتَابَة الْخطْبَة الَّتِي خطب بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا كَانَت مواعظ ووصايا لَا تنسخ وَكَانَت على نَحْو من أنحاء الْكَلَام الَّذِي يخْتَلط مِنْهُ بِالْقُرْآنِ وَالثَّانِي أَن النَّهْي مَنْسُوخ وَهُوَ الَّذِي جنح إِلَيْهِ ابْن شاهين فِي كِتَابه النَّاسِخ وَاحْتج عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ أَن أهل مَكَّة يَكْتُبُونَ (1) الثَّالِث أَن النَّهْي لِئَلَّا يتكل الْكَاتِب على مَا يكْتب وَلَا يحفظ فيقل الْحِفْظ كَمَا قَالَ الْخَلِيل (لَيْسَ الْعلم (2) مَا حوى القمطر ... مَا الْعلم إِلَّا مَا حواه الصَّدْر (3)) الرَّابِع أَلا يتَّخذ مَعَ الْقُرْآن كتابا يضاهى بِهِ ذكر هذَيْن الْأَخيرينِ ابْن عبد الْبر فِي كتاب جَامع الْعلم قَالَ وَمن ذكرنَا قَوْله (أ / 186) فِي هَذَا الْبَاب فِي الْحَث على الْحِفْظ فَإِنَّمَا هُوَ على مَذْهَب الْعَرَب لأَنهم كَانُوا مطبوعين على الْحِفْظ مخصوصين بِهِ وَلَيْسَ أحد الْيَوْم على هَذَا (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 وَفِي الْمَسْأَلَة مَذْهَب ثَالِث لم يحكه المُصَنّف وَحَكَاهُ الرامَهُرْمُزِي (1) والخطيب (2) وَهُوَ جَوَاز الْكِتَابَة (3) للْحِفْظ (4) فَإِذا حفظ محاه رُوِيَ ذَلِك عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَعَاصِم بن ضَمرَة وَغَيرهمَا وَفِي سُؤَالَات البغداديين للْحَاكِم أبي عبد الله أَن جمَاعَة دفنُوا كتبهمْ مِنْهُم مُحَمَّد بن يحيى (5) وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن يحيى (6) وَعبد الله بن الْمُبَارك (7) وَفِي كتاب تَقْيِيد الْعلم للخطيب كَانَ غير وَاحِد من السّلف إِذا حَضرته الْوَفَاة أتلف كتبه أَو أوصى بإتلافها خوفًا من أَن تصير إِلَى من لَيْسَ من أهل الْعلم فَلَا يعرف أَحْكَامهَا وَيحمل جَمِيع مَا فِيهَا على ظَاهره وَرُبمَا زَاد فِيهَا وَنقص فَيكون ذَلِك مَنْسُوبا إِلَى كاتبها (8) فِي الأَصْل ثمَّ حكى ذَلِك عَن طَاوس وَعبيدَة (9) وَشعْبَة (10) وَأبي قلَابَة (11) ثمَّ سَاق إِلَى الْمَرْوذِيّ سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول لَا أعلم لدفن الْكتب معنى قَالَ الْخَطِيب لَا معنى فِيهَا إِلَّا مَا ذكرنَا (12) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 قَالَ ثمَّ اتَّسع النَّاس فِي كتب الْعلم وتدوينه بعد الْكَرَاهَة [لضَرُورَة بَقَائِهِ] (1) وَصَارَ علم الْكَاتِب (2) فِي هَذَا الزَّمَان أثبت من علم الْحَافِظ (3) ثمَّ أسْند إِلَى الرّبيع قَالَ خرج علينا الشَّافِعِي رَحمَه الله ذَات يَوْم فَقَالَ لنا اعلموا رحمكم الله أَن هَذَا الْعلم يند كَمَا تند الْإِبِل فاجعلوا الْكتب لَهُ حماة والأقلام عَلَيْهِ رُعَاة وَقَالَ ابْن الْمُبَارك لَوْلَا الْكتاب مَا حفظنا (4) وَقَالَ أَبُو الْمليح الرقي (5) يعيبون علينا أَن نكتب الْعلم أَو ندونه وَقد قَالَ تَعَالَى {قَالَ علمهَا عِنْد رَبِّي فِي كتاب} (6) وَهَذَا إِنَّمَا يحفظ عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ (7) وَهُوَ من أهل الْبَصْرَة (8) وَقيل لِابْنِ الْمُبَارك يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن لَو خرجت فَجَلَست مَعَ أَصْحَابك وَقَالَ إِنِّي إِذا كنت فِي الْمنزل جالست أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي النّظر فِي الْكتب (9) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 وَقيل لبَعْضهِم أما (1) تستوحش فَقَالَ يستوحش من (2) مَعَه الْأنس كُله يَعْنِي (3) الْكتب ثمَّ أسْند (4) إِلَى (أبي) الْقَاسِم بن أبي بكر الْقفال الشَّاشِي (5) قَالَ [أنشدنا] (6) أبي لنَفسِهِ (7) (خليلي كتابي لَا يعاف وصاليا ... وَإِن قل مَالِي وَولى جمالِيًّا) (وَفِي لي على حَالي شباب وكبرة ... وَلم يجهمني (8) لشيب قذاليا (9)) (على حِين خانتني الحسان عهودها ... وقطعن من بعد اتِّصَال حباليا) (تجافين عني إِذْ تجافت شبيبتي ... وأنكرنني لما تنكرت حاليا) (كتابي عشيقي حِين لم يبْق معشق ... إغازله لَو كَانَ يدْرِي غزاليا) (كتابي أَب بر وَأم شفيقة هما ... هُوَ (10) إِذْ لَا أم أَو لَا أَبَا ليا) (كتابي جليسي لَا أَخَاف ملاله ... مُحدث صدق لَا يخَاف ملاليا) (مُحدث أَخْبَار الْقُرُون الَّتِي مَضَت ... كَأَنِّي أرى تِلْكَ الْقُرُون الخواليا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 (فهم (1) جلسائي لَا بهائم رقع ... حمير سدى مَا يخطرون بباليا) (كتابي بَحر لَا يغيض عطاؤه ... يفِيض عَليّ المَال إِن غاض (2) ماليا) ((أ / 187) وتلفظ لي إفلاذ أكباد كنزه ... لجينا (3) وعقيانا ودرا لآليا) (أدل بعلمي أَن أذلّ لجَاهِل ... وَيعْقل عَقْلِي (4) أَن يحل عقاليا) (كتابي دَلِيل [لي] (5) على خير غَايَة ... فَمن ثمَّ إدلالي وَمِنْه دلاليا) (إِذا زِغْت عَن قصد السَّبِيل أقامني (6) وَإِن ضل ذهني ردني عَن ضلاليا) (فَهَذَا خليلي لَا أَزَال خَلِيله ... وَخير خلالي أَن أَدِيم خلاليا) فَائِدَة احْتج ابْن فَارس فِي كتاب مآخذ الْعلم على الْكِتَابَة بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى فاكتبوه} (7) فَجعل كِتَابَة الدّين فِي أَجله وَكتبه من الْقسْط عِنْده وَجعل ذَلِك قيَاما للشَّهَادَة ونفيا للارتياب قَالَ وَأَعْلَى مَا يحْتَج بِهِ فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى (8 ن والقلم) (8) قَالَ الْحسن الدواة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 والقلم - الْعلم (1) وَاعْلَم أَنه لَا يَنْبَغِي الِاقْتِصَار على الْكِتَابَة حَتَّى لَا يصير لَهُ قُصُور وَلَا يحفظ شَيْئا وَهَذَا وَجه مَا رُوِيَ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ (2) إِذا أردْت أَن تكون عَالما فاكسر الْقَلَم 358 - (قَوْله) وَأول نَاس (4 5) إِلَى آخِره قد ذكر القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب أدب الدُّنْيَا وَالدّين فصلا نَافِعًا فِي الْكِتَابَة يَنْبَغِي ذكره هُنَا لِكَثْرَة فَوَائده فَقَالَ يجب على من حفظ الْعلم بالخط أَمْرَانِ أَحدهمَا يقوم الْحُرُوف على أشكالها الْمَوْضُوعَة لَهُ وَالثَّانِي ضبط مَا اشْتبهَ مِنْهَا بالنقط والأشكال المميزة لَهَا ثمَّ مَا زَاد على هذَيْن الحديث: 358 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 من تَحْسِين الْخط وملاحظة نظمه فَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة حذق لصنعته وَلَيْسَت بِشَرْط فِي صِحَّته وَيحل مَا زَاد على ذَلِك مَحل مَا زَاد على الْكَلَام الْمَفْهُوم من فصاحة الْأَلْفَاظ وَلذَلِك قَالَت الْعَرَب حسن الْخط إِحْدَى الفصاحتين قَالَ وَمِنْهُم من يصرف الْعِنَايَة إِلَى هَذَا حَتَّى صَارَت صناعَة برأسها لَكِن [الْعلمَاء] (1) اطرحوه لم يقطعهم ذَلِك عَن التوفر على الْعلم وَلذَلِك تَجِد خطوط الْعلمَاء فِي الْأَغْلَب رَدِيئَة لَا تلحظ إِلَّا من أسعده الْقَضَاء وَقَالَ الْفضل بن سهل (2) من سَعَادَة الْمَرْء أَن يكون رَدِيء الْخط ليَكُون الزَّمَان الَّذِي يفنيه بِالْكِتَابَةِ يشْغلهُ بِالْحِفْظِ وَالنَّظَر وَلَيْسَت رداءة الْخط هِيَ السَّعَادَة وَإِنَّمَا السَّعَادَة أَلا يكون لَهُ صَارف عَن الْعلم قَالَ وَقد تعرض لِلْخَطِّ مَوَانِع لفهم مَا تضمنه وَذَلِكَ من ثَمَانِيَة أوجه أَحدهَا إِسْقَاط الفاظ من أثْنَاء الْكَلَام يصير الْبَاقِي مِنْهَا مبتورا (د / 105) لَا يعرف استخراجه وَلَا يفهم مَعْنَاهُ وَهَذَا إِمَّا من سَهْو الْكَاتِب أَو فَسَاد نَقله وَهَذَا يسهل استنباطه (أ / 188) بِأَن يسْتَدلّ بجواشي الْكَلَام وَمَا سلم مِنْهُ على مَا سقط أَو فسد لَا سِيمَا إِذا قل لِأَن الْكَلِمَة تستدعي ثَانِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 وَالثَّانِي زِيَادَة الفاظ فِي أثْنَاء الْكَلَام يشكل مِنْهَا معرفَة الصَّحِيح غير الزَّائِد من معرفَة السقيم الزَّائِد فَيصير الْكل مُشكلا وَهَذَا لَا يكَاد يُوجد كثيرا إِلَّا أَن يقْصد الْكَاتِب تعمية كَلَامه فَيدْخل فِي أَثْنَائِهِ مَا يمْنَع من فهمه فَيصير رمزا يعرف بالمواضعة فَأَما وُقُوعه سَهوا فقد يكون بِالْكَلِمَةِ والكلمتين وَذَلِكَ لَا يمْنَع من فهمه على المرياض (1) وَغَيره الثَّالِث إِسْقَاط حرف من الْكَلِمَة يمْنَع من استخراجها على الصِّحَّة ثمَّ قد يكون سَهوا فيقل وَقد يكون من ضعف الهجاء فيكثر الرَّابِع زِيَادَة حرف فِي الْكَلِمَة ثمَّ قد يكون سَهوا فيقل وَلَا يمْنَع من اسْتِخْرَاج الصَّحِيح وَقد يكون لتعمية ومواضعة يقْصد بهَا الْكَاتِب إخفاء غَرَضه فيكثر كالتراجم وَهُوَ كالثاني الْخَامِس وصل الْحُرُوف المفصولة وَفصل الموصولة مِمَّا يَدْعُو إِلَى الْإِشْكَال ثمَّ [هَذَا] (2) قد يكون سَهوا فيقل ويسهل استخراجه إِلَّا على المرياض وَلذَلِك قَالَ عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ شَرّ الْكِتَابَة الْمشق (3) كَمَا شَرّ الْقِرَاءَة الْهَذْرَمَةُ (4) السَّادِس تَغْيِير الْحُرُوف عَن أشكالها [الْمَوْضُوعَة لَهَا] (5) وإبدالها بغَيْرهَا كالمعمي فَلَا يتَوَقَّف (6) عَلَيْهِ إِلَّا بالتوقيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 السَّابِع ضعف الْخط عَن تَقْوِيم الْحُرُوف على أشكالها الصَّحِيحَة حَتَّى تتَمَيَّز عَن غَيرهَا حَتَّى تصير الْعين الموصولة كالفاء والمفصولة كالحاء وَهَذَا من رداءة الْخط وَضعف الْيَد واستخراجه مُمكن وَلذَلِك قيل الْخط الْحسن يزِيد الْحق وضوحا (1) الثَّامِن إِسْقَاط النقط والأشكال الَّتِي تتَمَيَّز بهَا الْحُرُوف عَن أشكالها الصَّحِيحَة حَتَّى تتَمَيَّز عَن غَيرهَا وَهَذَا أمره سهل لِإِمْكَان استخراجه بل قد استقبح ذَلِك فِي المكاتبات وداؤه من نقص الْكَاتِب لَا سِيمَا مُكَاتبَة الرؤساء أما غير المكاتبات من الْعُلُوم فَلم يروه قبيحا بل استحسنوه وَلَا سِيمَا فِي كتب الْأَدَب الَّتِي يقْصد بهَا حفظ الْأَلْفَاظ وَكَيْفِيَّة مخارجها وكما افْتَرقَا فِي هَذَا يفترقان فِي أَن مشق الْخط فِي المكاتبات مستحسن (2) وَإِن كَانَ فِي سَائِر الْعُلُوم مستقبحا وَسبب ذَلِك أَنهم لفرط إدلالهم بالصنعة يكتفون بِالْإِشَارَةِ ويقتصرون على التَّلْوِيح (3) انْتهى 360 - (قَوْله) أَو يحصلونه بِخَط الْغَيْر (11 إِدْخَال الْألف وَاللَّام على غير (4) الحديث: 360 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 361 - (قَوْله) وَقد أحسن من قَالَ إِنَّمَا يشكل مَا يشكل ثمَّ قَالَ وَحكي عَن قوم أَنه يَنْبَغِي أَن يشكل مَا يشكل وَمَا لَا يشكل (3 4 5 6 7 8 لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة (4) الْجَمَاعَة يَرْوُونَهُ بِرَفْع صَدَقَة الحديث: 361 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 (أ / 189) على أَنه خَبرا لمبتدأ لِأَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لَا تورث والإمامية يَرْوُونَهُ بِالنّصب على التَّمْيِيز لما تَرَكُوهُ صَدَقَة وَلَو كَانَ كَمَا قَالُوا لم يكن فرق بَينهم وَبَين غَيرهم وَلم يكن لتخصيص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَائِدَة وَأَيْضًا مَا للنصب وَجه غير مَا ذَكرُوهُ وَهُوَ الحالية كَمَا قَالَه النّحاس وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث هُوَ لَك عبد بن زَمعَة (1) رِوَايَة الْجَمَاعَة رفع عبد على النداء أَو إتباع ابْن لَهُ على وَجْهَيْن فِي نعت المنادى الْمُفْرد من الضَّم وَالْفَتْح وَبَعض الْحَنَفِيَّة يرويهِ بتنوين عبد على الِابْتِدَاء أَي هُوَ لَك عبد وَيرْفَع ابْن على النداء الْمُضَاف (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 وترده رِوَايَة هُوَ لَك يَا عبد (1) بالتصريح بِحرف النداء 362 - (قَوْله) يَنْبَغِي أَن يكثر اعتناؤه بأسماء النَّاس (3 4 5) الحديث: 362 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 قَالَ صَاحب الاقتراح تبعا للْقَاضِي فِي الإلماع من عَادَة المتقنين أَن يبالغوا فِي إِيضَاح الْمُشكل فيفرقوا حُرُوف الْكَلِمَة فِي الْحَاشِيَة ويضبطوها حرفا حرفا حَتَّى لَا يبْقى (1) بعده إِشْكَال (2) 364 - (قَوْله) الثَّالِث يكره الْخط الدَّقِيق من غير عذر انْتهى (5 6 7) بِفتْحَتَيْنِ مَا يخلف من بعد يُشِير إِلَى أَن داعيته الْحِرْص على مَا عِنْده من الكاغد إِذْ لَو كَانَ يعلم أَنه مستخلف لوسع (4) 366 - (قَوْله) دون الْمشق (9 الْمشق فِي اللُّغَة الخفة يُقَال مشقه بِالرُّمْحِ ومشق الرَّغِيف إِذا أكله أكلا الحديث: 364 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 خَفِيفا قَالَ النّحاس فِي صناعَة الْكتاب معنى مشق الْكَاتِب خفف يَده واستثني من ذَلِك السِّين والشين فَيحسن (1) فِيهَا الْمشق إِلَّا فِي أَوَاخِر الْكَلم نَحْو النَّاس والبأس قَالَ وَهَذَا اخْتِيَار مُحدث فاما رُؤَسَاء الْكتاب الْمُتَقَدِّمين فَكَانُوا (2) يكْرهُونَ الْمشق كُله وإرسال الْيَد مِنْهُ وَيَقُول بَعضهم هُوَ للمبتدئ مُفسد (3) وللمنتهي دَال على تهاونه بِمَا يكْتب وَقَالَ النّحاس فِي صناعَة الْكتاب يُقَال لمن حسن كِتَابَته زينها وحبرها ونمقها (4) وذهبها وريشها (5) فَإِن أفسد كِتَابَته قيل سرحها (6) وهلهلها (7) [ولهلهها] (8) فَإِن لم يبين كتَابَتهَا قيل دحمسها (9) فَإِن (10) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 جمع الْحُرُوف وقارب السطور بَعْضهَا من بعض قيل قرمطها (1) (2) (3) 367 - (قَوْله) فَيجْعَل النقط الَّذِي فَوق المعجمات (3 4 5) الحديث: 367 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 هِيَ بتَشْديد الثَّاء وَقد تخفف جمع أثفية وَهِي الْحِجَارَة الَّتِي تنصب وَيجْعَل الْقدر عَلَيْهَا والهمزة فِيهَا زَائِدَة كَذَا قَالَه صَاحب نِهَايَة الْغَرِيب (1) وَكَلَام الْجَوْهَرِي يَقْتَضِي أَنَّهَا أصيلة (2) 369 - (قَوْله) الثَّامِن يكره لَهُ فِي مثل عبد الله بن فلَان (4 5 6 7 8 الْمُحَافظَة على كتبه الصَّلَاة والستليم على الحديث: 369 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذكره (2 3 4 5 6 7 الْكتاب (3) وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 رَضِي الله عَنهُ لَو لم يكن لصَاحب الحَدِيث فَائِدَة إِلَّا الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ يُصَلِّي [عَلَيْهِ] (1) مَا دَامَ فِي ذَلِك الْكتاب ثمَّ حكى منامات بالبشارات عَن مُحَمَّد بن أبي سُلَيْمَان (2) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 وَعَن عبيد الله الْفَزارِيّ (1) (2) وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن عبد الله بن عبد الحكم لما رأى الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمَنَام وَقد جَاءَ بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن ابْن شهَاب عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يرفعهُ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ أَصْحَاب الحَدِيث وبأيديهم المحابر فَيُرْسل الله عز وَجل إِلَيْهِم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فيسألهم من أَنْتُم - وَهُوَ أعلم - فَيَقُولُونَ أَصْحَاب الحَدِيث فَيَقُول الرب جلّ جَلَاله وَعلا ادخُلُوا الْجنَّة فطالما كُنْتُم تصلونَ على نبيي فِي دَار الدُّنْيَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 وَهَذَا يعم صلَاتهم بلسانهم وبنانهم (1) 371 - (قَوْله) وَهَكَذَا الْأَمر فِي الثَّنَاء على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (3 4 5 6 7 8 وَالرِّوَايَات وَقَالَ إِذا ذكر الصَّلَاة [لفظا من غير أَن يكون فِي الحديث: 371 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 الأَصْل] (1) فَيَنْبَغِي أَن يصحبها قرينَة تدل على ذَلِك من كَونه يرفع رَأسه عَن النّظر فِي الْكتاب وَيَنْوِي بِقَلْبِه أَنه هُوَ الْمُصَلِّي لَا حاكيا عَن غَيره (1) 373 - (قَوْله) الْعَاشِر (2) على الطَّالِب مُقَابلَة كِتَابه بِأَصْل سَمَاعه (4 5 6 الْمهرِي (5) الحديث: 373 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 عَن عقيل (1) حَدثنِي سعيد بن سُلَيْمَان (2) (3) عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن زيد (4) عَن جده زيد ابْن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كنت أكتب الْوَحْي عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكتب وَهُوَ يملي (5) عَليّ فَإِذا فرغت قَالَ اقرأه [فأقرؤه] (6) فَإِن كَانَ فِيهِ سقط أَقَامَهُ ثمَّ أخرج بِهِ إِلَى النَّاس (7) وَالثَّانِي ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أدب الاستملاء من حَدِيث عَطاء بن يسَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 قَالَ كتب رجل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ كتبت قَالَ نعم قَالَ عرضت قَالَ لَا قَالَ لم تكتبه (1) حَتَّى تعرضه فَيصح (2) وَهَذَا مُرْسل قَالَ النّحاس فِي صناعَة الْكتاب (1 / 191) وَيُقَال قَابل بِالْكتاب قبالا ومقابلة أَي جعله قبالته وَجعل فِيهِ كلما فِي الآخر وَمِنْه منَازِل الْقَوْم تتقابل أَي يُقَابل بَعْضهَا بَعْضًا (3) [وَهُوَ بِمَعْنى الْمُعَارضَة يُقَال عارضت بِالْكتاب الْكتاب] (4) أَي جعلت مَا فِي آخرهَا مثل مَا فِي الآخر مَأْخُوذ من عارضته (5) بِالثَّوْبِ إِذا أَعْطيته وَأخذت غَيره 374 - (قَوْله) عَن الشَّافِعِي وَيحيى بن أبي كثير من كتب وَلم يُعَارض كمن دخل الْخَلَاء وَلم يسْتَنْج (8 هَذَا أسْندهُ القَاضِي عِيَاض فِي الإلماع عَن الْأَوْزَاعِيّ وَيحيى بن أبي كثير فَلْينْظر (6) الحديث: 374 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 375 - (قَوْله) ثمَّ أفضل الْمُعَارضَة أَن يُعَارضهُ مَعَ الشَّيْخ حَال تحديثه إِيَّاه (3 4 5 6 7 8 9 عِنْد نظره فمقابلته مَعَ الْغَيْر أولى أَو الحديث: 375 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 أوجب (1) (2) 377 - (قَوْله) وَقد رُوِيَ عَن يحيى بن معِين أَنه سُئِلَ عَمَّن [لم] (3) ينظر فِي الْكتاب (3 4 5 6 7 8 ترك النّظر إِذا كَانَ من تقدم مقابلها الحديث: 377 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 بِأَصْل الرَّاوِي (1) 378 - (قَوْله) وَكَذَلِكَ إِذا قَابل بِأَصْل أصل الشَّيْخ الْمُقَابل بِهِ أصل الشَّيْخ (3 4 5 6 7 8 9 379 - (قَوْله) وَلَا بُد من شَرط ثَالِث وَهُوَ أَن يكون ناقل النُّسْخَة من الحديث: 378 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 الأَصْل غير سقيم النَّقْل (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 عَلَيْهِ كَأَنَّهُ جعله اسْما لَا ظرفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 وَهُوَ كَرِوَايَة بَعضهم وفوقه عرش الرَّحْمَن 382 - (قَوْله) أما التضبيب وَيُسمى التمريض (2 3 4 5 6 جدا (5) وَهَذَا الَّذِي قَالَه المُصَنّف بلاغا عَنهُ ذكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن فَاضل بن صمدون الصُّورِي (1) فِي جُزْء جمعه فَقَالَ كتب إِلَيّ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد لله بن مَيْمُون الْقُرْطُبِيّ (2) أَن أَبَا مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقُرْطُبِيّ (3) أنباهم قَالَ أجَاز لنا أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن زِيَادَة (4) التَّمِيمِي الطبني (5) أنبأهم سَمِعت أَبَا الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الزُّهْرِيّ الإفليلي يَقُول كَانَ شُيُوخنَا يتعالمون أَن الْحَرْف إِذا كتب عَلَيْهِ صَحَّ بصاد وحاء أَن ذَلِك عَلامَة لصِحَّة الْحَرْف لِئَلَّا يتَوَهَّم عَلَيْهِ خلل وَلَا نقص فَوضع حرف كَامِل على حرف صَحِيح وَإِذا كَانَ عَلَيْهِ صَاد ممدودة دون حاء كَانَ عَلامَة بِأَن الْحَرْف سقيم إِذا (6) وضع عَلَيْهِ حرف غير تَامّ ليدل نقص الْحُرُوف (7) على اختلال (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 الْحَرْف ويمسي ذَلِك الْحَرْف ضبة أَي أَن الْحَرْف مقفل (1) لَا يتَّجه لقِرَاءَة كَمَا أَن الضبة ينقفل (2) بهَا (3) انْتهى 384 - (قَوْله) فِي الضَّرْب إِنَّه خير من الحك والمحو (3 4 5 6 ابْن الْعَرَبِيّ وَهَكَذَا أَخْبرنِي (6) أَصْحَاب الشَّيْخ الْفَقِيه أبي إِسْحَاق الحديث: 384 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 الشِّيرَازِيّ أَن بنانه كَأَنَّهَا أمْطرت مدادا وَجَاء عَن ابْن الْمسيب بن وَاضح (1) قَالَ سَمِعت ابْن الْمُبَارك يَقُول (أ / 193) إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وزن حبر الْعلمَاء وَدم الشُّهَدَاء فرجح حبر الْعلمَاء على دم الشُّهَدَاء (2) (3) وَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَدَب أَن عبيد الله بن سُلَيْمَان (4) رأى على ثوبة أثر صفرَة فَأخذ من مداد الدواة وطلى [بِهِ] (5) ثمَّ قَالَ المداد أحسن من الزَّعْفَرَان وَأنْشد (إِنَّمَا الزَّعْفَرَان عطر العذارى ... ومداد الدوى عطر الرِّجَال) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 وللأديب أبي الْحسن الفنجكردي (1) (2) (مداد الْفَقِيه على ثَوْبه ... أحب إِلَيْنَا من الغالية) (وَمن طلب الْفِقْه ثمَّ الحَدِيث ... فَإِن لَهُ همة عالية) (وَلَو يَشْتَرِي النَّاس هَذِه (3 4 5 6 بِالسَّوَادِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 ثمَّ بالحبر خَاصَّة دون المداد لِأَن السوَاد اصبغ الألوان والحبر أبقاها على ممر الدهور (1) والأزمان (2) قَالَ وَقد سَأَلَ رجل أَبَا عبيد (3) أَن يكْتب كتاب الْأَمْوَال تصنيفه بِمَاء الذَّهَب فَقَالَ [اكتبه] (4) بالحبر فَإِنَّهُ أبقى (5) وَقَالَ الْحسن بن سهل (6) إِنَّمَا سمي الحبر حبرًا لِأَن البليغ إِذا حبر الفاظه ونمنم (7) بَيَانه أحضرك (8) من مَعَاني الحكم آنق (9) من حبرات الْبَز (10) ومفوفات الوشي (11) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 (1) وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى من حضر مجْلِس الْعلم بِلَا محبرة (2) كَانَ كمن حضر الطاحونة بِلَا طَعَام (3) قَالَ وَأما الْقَلَم (4) فَلَا يَنْبَغِي أَن يكون قلم صَاحب الحَدِيث أَصمّ صلبا فَإِن هَذِه الصّفة تمنع سرعَة الجري وَلَا يكون رخوا فيسرع إِلَيْهِ الحفا (5) يتَّخذ أملس (6) الْعود مزال الْعُقُود وَتوسع فَتحته وتطال جلفته (7) وتحرف قطته (8) (9) وَذكر الْغَزالِيّ فِي كِتَابه نصيحة الْمُلُوك تكون براية الْقَلَم على شكل منقار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 الكركي (1) محرفا من الْجَانِب الْأَيْمن (2) وَحكى صَاحب تَارِيخ أريل أَنه حضر بعض مشايخه وَمَعَهُ قلم فِي آخِره عقدَة فَقَالَ احذفها من الْقَلَم فقد قيل إِنَّه يُورث الْفقر قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَيَنْبَغِي أَلا يسْتَعْمل سكين الأقلام إِلَّا فِي بريها وَتَكون رقيقَة الشَّفْرَة (3) مَاضِيَة الْحَد صَافِيَة الْحَدِيد (4) (5) وَقد أهْدى الْحسن بن وهب (6) سكينا وَكتب مَعهَا قد أهديت لَك سكينا أَمْلَح من الْوَصْل (7) وأقطع من الْبَين (8) (9) وَيَنْبَغِي أَن يكون الحبر براقا جَارِيا والقرطاس نقيا صافيا (10) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 386 - (قَوْله) وَرُبمَا اقْتصر على الضَّمِير مِنْهَا وَهُوَ النُّون وَالْألف (2) بَينهمَا (1) 387 - (قَوْله) وَإِذا كَانَ للْحَدِيث إسنادان فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ عِنْد الِانْتِقَال من إِسْنَاد إِلَى آخر مَا صورته ~ إِلَى آخِره وجدت بِخَط بعض الْفُضَلَاء عَن شَيْخه الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي أَنه قَالَ لَفْظَة (ح) يستعملها المحدثون عِنْد فرَاغ السَّنَد والشروع فِي سَنَد آخر ويعنون بهَا التَّحْوِيل (2) من سَنَد إِلَى سَنَد ويريدون حاجز (د / 108) قَالَ وَقد قَرَأَ على بعض الْحفاظ المغاربة فَصَارَ كلما وصل إِلَى (ح) قَالَ حاجز هَذَا فِي (ح) مُهْملَة وَقَالَ (أ / 194) إِن بعض الْمُحدثين يستعمها بِالْخَاءِ المنقوطة يُرِيد بهَا أخبر أَو خبر قَالَ الدمياطي وَأول من تكلم فِي هَذَا الْحَرْف فِيمَا علمت ابْن الصّلاح 388 - (قَوْله) روينَا أَن رجلا أدعى على رجل بِالْكُوفَةِ سَمَاعا مَنعه إِيَّاه فتحاكما إِلَى قاضيها إِلَى قَوْله لِأَن خطّ صَاحب الْكتاب دَال على رِضَاهُ الحديث: 386 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 باستماع صَاحبه مَعَه (2 3 4 5 6 7 8) إِلَى آخِره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 قلت وَذكر الْحَافِظ محب الدّين بن النجار (1) فِي ذيل التَّارِيخ بِسَنَدِهِ إِلَى الْأَمِير أبي مُحَمَّد عبد الله بن عُثْمَان بن عمر بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن الواثق بِاللَّه بن المعتصم بِاللَّه بن الرشيد بن الْمُهْتَدي بن الْمَنْصُور قَالَ سَمِعت جدي (2) يَقُول قدم إِلَى إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي (3) رجلَانِ فَادّعى أَحدهمَا على الاخر سمعا لَهُ فِي كتاب وَأَنه يلتمسه مِنْهُ ليكتبه فيمنعه عَنهُ فَسَأَلَ القَاضِي الْمُدعى عَلَيْهِ فاعترف بِسَمَاعِهِ وَامْتنع من إِخْرَاج الْكتاب إِلَيْهِ فَقَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي إِن كَانَ سَمَاعه فِي كتابك بِخَطِّهِ فَأَنت بِالْخِيَارِ فِي دَفعه وَمنعه وَإِن كَانَ سَمَاعه فِي كتابك بخطك فَعَلَيْك أَن تخرجه إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّه يُعَذِّبنِي فِي كتبي إِذا دفعتها إِلَيْهِ فَقَالَ أخرج إِلَيْهِ مَا لزمك بالحكم وَقَالَ للْآخر إِذا أعارك أَخُوك كتبه لتنسخها فَلَا تعذبه فَإنَّك تطرق على نَفسك مَنعك مِمَّا تسْتَحقّ فرضيا بذلك وطابا (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 قلت وَهَذِه الرِّوَايَة تخَالف مَا حَكَاهُ المُصَنّف من جِهَة أَن قَول المُصَنّف بِخَط غَيره يَشْمَل صُورَتَيْنِ مَا إِذا كَانَ السماع بِخَط الْمُدَّعِي وبخط غَيرهمَا والمدرك فيهمَا مُخْتَلف وَيَنْبَغِي إِلْحَاق مَا إِذا كَانَ بِخَط غَيرهمَا بِمَا (1) إِذا كَانَ بِخَط صَاحب الْكتاب فَإِن سَماع الطَّالِب مَتى كَانَ بِخَطِّهِ أمكنة اعْتِقَاد التُّهْمَة فَلَا يظْهر (2) اسْتِحْقَاقهَا لما يَدعِيهِ من ذَلِك بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بِخَط [غَيرهمَا (3) لانْتِفَاء التُّهْمَة إِذْ ذَاك وَيَنْبَغِي أَيْضا أَن يفصل فِيمَا إِذا كَانَ السماع بِخَط] (4) غَيرهمَا بَين خطّ (5) الثِّقَة وَخط غَيره فَيلْزم الْإِعْطَاء فِي الأول دون الثَّانِي كَمَا إِذا كَانَ السماع بِخَط صَاحب الْكتاب لظُهُور الِاسْتِحْقَاق 390 - (قَوْله) وَقد كَانَ لَا يتَبَيَّن لي وَجهه ثمَّ وَجهه (9 ذَلِك من الْمصَالح الْعَامَّة الْمُحْتَاج إِلَيْهَا مَعَ وجود علقَة الحديث: 390 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 بَينهمَا تَقْتَضِي إِلْزَامه بإسعافه فِي مقْصده أَصله إِعَارَة الْجِدَار لوضع جُذُوع الْجَار (أ / 195) بالعارية مَعَ دوَام الْجُذُوع فِي الْغَالِب فَلِأَن يلْزم صَاحب الْكتاب مَعَ عدم دوَام الْعَارِية أولى (1) وَقد ذكر ابْن الصّلاح فِي النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين التَّرْغِيب فِي الْعَارِية والتحذير من منعهَا (2) 391 - (قَوْله) ثمَّ إِذا نسخ الْكتاب فَلَا ينْقل سَمَاعه إِلَّا بعد مُقَابلَته (6 بلغ فِي الْمجْلس الأول أَو الثَّانِي هَكَذَا الحديث: 391 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 النَّوْع السَّادِس [و] (1) الْعشْرُونَ 392 - (قَوْله) ذكر عَن يحيى بن حسان إِلَى آخِره (3 4 5 عَنهُ عدل فَهُوَ جيد وَإِلَّا كَانَ غير عدل فالبلاء مِمَّن أَخذه (3) عَنهُ (4) الحديث: 392 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 393 - (قَوْله) وَمثل هَذَا وَقع فِي شُيُوخ زَمَاننَا (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 غير أَنه لَا يحفظ مَا تَضَمَّنت قَالَ الْخَطِيب فَمن احتاط (2) فِي حفظه الحديث: 393 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 وَسلم من أَن يدْخل عَلَيْهِ غير سَمَاعه جَازَت رِوَايَته (1) 395 - (قَوْله) ثمَّ وجدت الْخَطِيب قد حكى مصداق ذَلِك (3 4 5) الحديث: 395 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 أَي بِشَرْط أَن يكون مَحْفُوظًا عِنْده (1) وَسَوَاء فِي هَذَا مَا اخْتلف مَعْنَاهُ أَو (2) لم يخْتَلف وَاخْتلف اللَّفْظ وَقد روى همام حَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْترى حلَّة بِسبع وَعشْرين نَاقَة وَقَالَ هَكَذَا فِي حفظي (أ / 196) وَفِي كتابي ثوبا (3) (4) وَاحْترز المُصَنّف بقوله أَولا الْحَافِظ عَمَّن لم يحفظ وَإِن كَانَ نسي الْحِفْظ فَلَا يعْتَمد إِلَّا اصل كِتَابه الموثوق بِهِ 397 - (قَوْله) هَكَذَا فعل شُعْبَة (6 7 8) إِلَى آخِره الحديث: 397 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 أعلم أَن الرَّاوِي إِمَّا أَن يتَذَكَّر الْمَرْوِيّ بِنَفسِهِ سَمَاعا وَقِرَاءَة وَلَا إِشْكَال فِي جَوَازه وَرِوَايَته (1) كَمَا قَالَه أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ فِي الْمُعْتَمد وَإِمَّا أَن يظنّ أَنه سمع مَا فِي الْكتاب أَو يجوز سَمَاعه ونفيه على السوَاء فَلَيْسَ لَهُ التحديث (2) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يخبر بِمَا يُعلمهُ أَنه كَاذِب فِي كِتَابه أَي إِمَّا بِخَطِّهِ أَو بِخَط شَيْخه أَو خطّ موثوق بِهِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْن فَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَن يكون مَوضِع الْخلاف (3) وَقد حكى المُصَنّف فِيهِ مذهبين أَحدهمَا الْمَنْع وَنسبه لأبي حنيفَة وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَكَأَنَّهُ يُرِيد بِهِ الصيدلاني وَقد سبق مِنْهُ فِي أول الْبَاب حكايته عَنهُ وَعَن مَالك أَيْضا (5) وَقَالَ الْخَطِيب سَأَلت القَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ عَمَّن وجد سَمَاعه فِي كِتَابه من شيخ قد سمي وَنسب فِي الْكتاب غير أَنه لَا يعرفهُ فَقَالَ لَا يجوز لَهُ رِوَايَة ذَلِك الْكتاب (6) وَبَلغنِي عَن الشَّيْخ زين الدّين الكشاني (7) من الْمُتَأَخِّرين أَنه اخْتَارَهُ وَكَانَ يَقُول أَنا لَا يحل لي أَن أروي إِلَّا حَدِيث (أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 لِأَنِّي من حِين سمعته لم أنسه (1) وَالثَّانِي الْجَوَاز وَقَالَ إِنَّه مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى أَي الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابه وَنَقله أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد صَاحِبي أبي حنيفَة (2) وَإِن كَانُوا لَا يعتمدون الْخط فِي الشَّهَادَة لِأَن بَاب الرِّوَايَة أوسع لَكِن شَرط أَن يكون الْخط مَحْفُوظًا عِنْده كَمَا سَيَأْتِي وَنقل القَاضِي حُسَيْن (2) فِي فَتَاوِيهِ عَن الْمُحدثين الْجَوَاز ثمَّ قَالَ وَلَا يجوز من طَرِيق الْفِقْه مَا لم يذكر سَمَاعه قَالَ وَعَكسه لَو تحقق وَعلم سَماع ذَلِك الْخَبَر لَكِن اسْمه غير مَكْتُوب عَلَيْهِ لم يجوز المحدثون رِوَايَته وَيجوز من طَرِيق الْفِقْه كَالشَّهَادَةِ وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد فِي شرح العنوان (4) إِن الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ عمل الْمُحدثين جَوَاز ذَلِك إِذْ لم تظهر مِنْهُ قرينَة التَّعْبِير لَكِن الضَّرُورَة دعت إِلَى ذَلِك بِسَبَب (5) انتشار الْأَحَادِيث وَالرِّوَايَة انتشارا يتَعَذَّر مَعَ (10 11 12 درءا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 لأعظم المفسدتين ثمَّ مِنْهُم من يتحَرَّى بِزِيَادَة شَرط آخر وَهُوَ أَلا يخرج الْكتاب عَن يَده بعارية أَو غَيرهَا وَهُوَ احْتِيَاط حسن وَقد كَانَ المتقدمون إِذا كتبُوا أَحَادِيث بِالْإِجَازَةِ إِلَى غَائِب عَنْهُم يختمونه بالخاتم إِمَّا كلهم أَو بَعضهم (أ / 167) 399 - (قَوْله) لَكِن هَذَا لَهُ شَرط وَهُوَ أَن يكون السماع بِخَطِّهِ أَو بِخَط من يَثِق بِهِ (5 6 7 8 9 10 11) وَإِن لم يكن فِيهِ سَماع غَيره فنيظر فَإِن كَانَ الْكتاب كَبِيرا بِحَيْثُ لَا يُمكن قِرَاءَته فِي مجْلِس اعْتبر فِيهِ مَوَاضِع البلاغات وشق الدارات والتصحيح والإلحاقات لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل قِرَاءَته فِي مجْلِس وَاحِد وَأَن يسلم مَعَ كبره من الْغَلَط والتصحيف والإسقاط وَإِن كَانَ صَغِيرا بِحَيْثُ يُمكن قِرَاءَته فِي الحديث: 399 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 606 مجْلِس وَاحِد اعْتبر بِهِ (1) أَيْضا الدَّلَائِل الْمَذْكُورَة لِأَن الْفُرُوع وَإِن صحت ولطفت لَا بُد لَهَا أَن تعجز عَن الْأُصُول وَلَو بِحرف أَو إِعْرَاب قَالَ فَإِن كَانَ الرَّاوِي مَشْهُورا (2) بكتب الحَدِيث والرحلة إِلَى الْمَشَايِخ وَكَانَ حَافِظًا أَخذ عَنهُ مَا أوردهُ من حفظه لاشتهاره بذلك وَكَذَا مَا يحدث بِهِ من أصل إِذا كَانَ ذَلِك تَعْلِيق حديثين أَو ثَلَاثَة وَكَانَ بِخَطِّهِ بعد أَن يَقُول علقته عَن الشَّيْخ الثَّالِث قَضيته أَنه لَو تحقق سَمَاعه وَلم يُوجد بِخَطِّهِ وَلَا خطّ غَيره أَنه لَا يرويهِ وَقد سبق عَن القَاضِي حُسَيْن نَقله عَن الْمُحدثين وَأَن مُقْتَضى الْفِقْه الْجَوَاز وَقَالَ الفرغاني الدّيانَة لَا توجب رِوَايَته وَالْعقل لَا يُجِيز إذاعته لِأَنَّهُ فِي صُورَة كَذَّاب وَإِن كَانَ صَادِقا فِي نفس الْأَمر قَالَ وللراوي أَن يقلده فِيهِ إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَعلم حفظه لما فِيهِ إِلَّا انه يجوز لَهُ أَن يكْتب سَمَاعه على كِتَابه لِئَلَّا يُوهم الْجَزْم بِصِحَّتِهِ 400 - (قَوْله) وَهَذَا إِذا لم يتشكك وَإِلَّا لم يجز (11 12 13 14 متذكر وَلَكِن أَصله نَاس (5) الحديث: 400 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 401 - (قَوْله) الْخَامِس إِذا أَرَادَ رِوَايَة (1) مَا سَمعه على مَعْنَاهُ دون لَفظه (3 4 5 6 7 8 وَإِنَّمَا نقل إِلَيْنَا (أ / 198) ذَلِك (7) الحديث: 401 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 بِالْمَعْنَى (1) وَفِي الْمَسْأَلَة حَدِيث أخرجه ابْن مَنْدَه فِي معرفَة الصَّحَابَة من جِهَة مُحَمَّد بن عبد الله بن إِسْحَاق بن سُلَيْمَان بن أكيمَة اللَّيْثِيّ (2) عَن أَبِيه عَن جده أَنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع مِنْك الحَدِيث لَا أَسْتَطِيع أَن أرويه كَمَا أسمع مِنْك (د / 110) يزِيد حرفا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم تحلوا حَرَامًا وَلَا تحرموا حَلَالا وأصبتم الْمَعْنى فَلَا بَأْس (3) قَالَ فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ بن أبي الْحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 فَقَالَ لَوْلَا هَذَا (1) مَا حَدثنَا وَقَالَ ابْنه (2) فِي كتاب الْوَصِيَّة حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق أخرجه أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه فِي كتاب الْعلم وَحَدِيث إِسْحَاق بن يَعْقُوب ابْن عبد الله بن أكيمَة عَن أَبِيه عَن جده بِهِ أخرجه إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن دَاوُد الْمُسْتَمْلِي الْبَلْخِي (4) فِي كِتَابه وَقد نَقله (5) النَّاس للْإيمَان بِهِ والاستعمال وَتَركه بَعضهم لاخْتِلَاف الْإِسْنَاد والألفاظ وَأما الجوزقاني فَذكره فِي الموضوعات وَقَالَ إِنَّه حَدِيث بَاطِل وَفِيه اضْطِرَاب (6) وَقد فَاتَ المُصَنّف حِكَايَة مَذَاهِب أَحدهَا أَنه يجوز للصحابي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دون غَيره حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَالثَّانِي يجوز للصحابي والتابعي دون غَيرهمَا وَبِه جزم حفيد القَاضِي أبي بكر (7) فِي كتاب أدب الرِّوَايَة قَالَ وَلَيْسَ ذَلِك لمن بعدهمْ فَإِن الحَدِيث إِذا قَيده الْإِسْنَاد وَجب أَلا يخْتَلف لَفظه فيدخله الْكَذِب والحفيد هَذَا كَانَ معاصرا للخطيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 وَالثَّالِث إِن كَانَ يحفظ اللَّفْظ لم يجز أَن يرويهِ بِغَيْرِهِ (2 3 4 5 6) إِلَى آخِره ذكر ابْن دَقِيق الْعِيد كَلَام المُصَنّف هَذَا ثمَّ قَالَ وَهَذَا فِيهِ ضعف وَأَقل مَا فِيهِ أَنه يَقْتَضِي تَجْوِيز هَذَا فِيمَا ينْقل من المصنفات إِلَى أجزائنا وتخاريجنا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِير التصنيف الْمُتَقَدّم قَالَ وَلَيْسَ هَذَا جَارِيا على الِاصْطِلَاح على أَن تغير (3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 الْأَلْفَاظ بعد الِانْتِهَاء إِلَى الْكتب المصنفة سَوَاء رويناها فِيهَا أَو نقلناها مِنْهَا 403 - (قَوْله) (1) السَّابِع هَل يجوز اخْتِصَار الحَدِيث (3 4 5 6 7 8 9 تحري البُخَارِيّ (وَهُوَ تحري الحديث: 403 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 مُسلم (1) وَيُؤَيِّدهُ قَوْله بعده وعَلى هَذَا كَافَّة النَّاس ومذاهب الْأَئِمَّة وَعَلِيهِ صنف المصنفون كتبهمْ فِي الحَدِيث على الْأَبْوَاب وفصلوا الحَدِيث عَلَيْهَا (2) وَأحسن (أ / 199) ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره حَيْثُ قَالَ حذف بعض الْخَبَر جَائِز عِنْد الْأَكْثَرين (3) إِلَّا فِي الْغَايَة وَالِاسْتِثْنَاء وَنَحْوه (4) وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك صَاحب الْمُسْتَصْفى فَقَالَ رِوَايَة بعض (5 6 7 8 9 10 (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 الثَّانِي مَا نَقله عَن الْخَطِيب وَغَيره ذكره (1) فِي الْمُسْتَصْفى فَإِنَّهُ شَرط للْجُوَاز أَن يرويهِ مرّة بعد أُخْرَى بِتَمَامِهِ ثمَّ قَالَ [أما] (2) إِذا روى الحَدِيث مرّة تَاما وَمرَّة نَاقِصا نُقْصَانا لَا يضر فَجَائِز بِشَرْط أَلا يتَطَرَّق إِلَيْهِ سوء الظَّن بالتهمة فَإِن علم أَنه مُتَّهم باضطراب النَّقْل وَجب الِاحْتِرَاز عَنهُ (3) الثَّالِث قد احْتج عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي كِتَابه أدب الْمُحدث على الْجَوَاز بِحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ لَيْلَة بِآيَة يُرَدِّدهَا حَتَّى أصبح (4) قَالَ فَإِذا كَانَ سيد النَّاس قد فعل هَذَا فِي سيد الحَدِيث وَهُوَ الْقُرْآن ففصل بعضه من بعض - كَانَ غَيره بذلك أولى وَفِي حَدِيث عبد الله بن السَّائِب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة ابتدأها بِسُورَة حَتَّى بلغ ذكر مُوسَى أَو عِيسَى أَخَذته سعلة فَرَكَعَ (5) وَفِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 نظر لِأَن عِلّة الْمَنْع فِي مَسْأَلَتنَا الإلباس (1) بِحَذْف الْبَاقِي وَهَذَا مَأْمُون فِي الْقُرْآن لحفظه فِي الصُّدُور الرَّابِع أَنه يلْتَحق بِمَا يخل بِالْمَعْنَى عِنْد الْحَذف مَا إِذا [لم] (2) يكن للمحذوف تعلق بالمذكور أصلا وَلَكِن يخَاف من عدم ذكره تَغْيِير الحكم الشَّرْعِيّ وَمن أمثلته مَا ذكره إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي خبرين أَحدهمَا أَن ابْن مَسْعُود روى أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحجرين وروثة يستنجي بهَا فَألْقى الروثة وَقَالَ إِنَّهَا رِجْس (3) زَاد بعض الروَاة عَن ابْن مَسْعُود أَنه [قَالَ] (4) ابغ لي ثَالِثا (5) قَالَ فالسكوت عَن ذكر الثَّالِث لَا يخل برمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 الروثة وَأَنَّهَا رِجْس وَلَكِن يُوهم الِاكْتِفَاء بحجرين وَقَالَ الإِمَام إِن قصد الرَّاوِي الِاحْتِجَاج على منع اسْتِعْمَال الروث سَاغَ لَهُ الِاقْتِصَار وَإِن استفتح الرِّوَايَة غير مُتَعَلق بغرض خَاص فَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَار لِئَلَّا يُوهم الِاكْتِفَاء بحجرين وَخَالفهُ الشَّارِح الْأَنْبَارِي وَقَالَ يجب نقل الثُّلُث لَا بِالنّظرِ إِلَى إفتقار الْمَرْوِيّ إِلَيْهِ لَكِن بِالْإِضَافَة إِلَى الْحَاجة إِلَى ذكر الْخَبَر ليتلقى مِنْهُ الحكم الثَّانِي مَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم ماعزا وَلم يذكر الْجلد (3) وَفِي حَدِيث آخر الثّيّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم (4) قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا مَنْسُوخ بِحَدِيث مَاعِز قيل فَلَعَلَّهُ جلد وَلم ينْقل فَمَا كل مفصل يجب نَقله (5) وَلَا يُقَابل التَّصْرِيح بِالسُّكُوتِ فَإِن الْحق أَحَق أَن يتبع نعم لَا يُعَارض السُّكُوت التَّصْرِيح (أ / 200) وَلَوْلَا أَنه قد رُوِيَ أَنه رجم وَلم يجلد لم نقل بالنسخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 قَالَ القَاضِي وَالْإِجْمَاع على ترك الْجلد وَقَالَ الإِمَام بل فِي السّلف [من جمع] (1) بَين الْجلد وَالرَّجم قَالَ القَاضِي من روى الْجلد مَعَ الرَّجْم غلط إِذْ لَا معنى للجلد مَعَه قَالَ الإِمَام لَا يسوغ تغليط الثِّقَة (2) بالاستبعاد (3) 404 - (قَوْله) وَأما تقطيع المُصَنّف متن الحَدِيث الْوَاحِد وتفريقه فِي الْأَبْوَاب (5 6 7 8 9 10 لَهُ وَلَا اخْتِصَار إِذا لم يقل فِيهِ مثل حَدِيث فلَان وَنَحْوه الحديث: 404 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 وَاعْلَم أَن مَالِكًا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فعل ذَلِك فِي الْمُوَطَّأ فِي حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي الْحَج (1) قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فَصله فِي مَوَاضِع وَترك مِنْهُ أَكْثَره فَلم يذكرهُ وَذكر مِنْهُ فصلا آخر خَارج الْمُوَطَّأ (2) انْتهى وَكَذَلِكَ فعل البُخَارِيّ فرقه على الْأَبْوَاب (3) وَأما مُسلم فساقه وَاحِدَة الثَّانِي أَن مَا قَالَه من الْكَرَاهَة نازعه فِيهِ النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصره قَالَ وَمَا أَظن ابْن الصّلاح يُوَافق على الْكَرَاهَة (4) وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقد بَالغ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي كِتَابه أدب الْمُحدث وَكَاد أَن يَجعله مُسْتَحبا وَالتَّحْقِيق التَّفْصِيل فَإِن قطع بِأَنَّهُ لَا يخل الْمَحْذُوف بعضه بِبَعْض وخفائه وجلائه لاحْتِمَال أَن يكون من بَاب الْجمع فِي الْإِخْبَار أَو من بَاب الْإِخْبَار عَن الْجمع وَبَينهمَا فرق تعرض لَهُ شَارِح الْإِلْمَام وَأما مَا فعله مَالك وَالْبُخَارِيّ فَيسلم لَهما لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا فعلاه لقصد صَحِيح يظْهر رجحانه (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 الثَّالِث أهمل أمورا مِنْهَا حذف زِيَادَة مَشْكُوك فِيهَا وَهُوَ سَائِغ كَانَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى يَفْعَله (1) كثيرا بل كَانَ يقطع إِسْنَاد الحَدِيث إِذا شكّ فِي وَصله وَنَقله عبد الْغَنِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَمحل حذف الزِّيَادَة الْمَشْكُوك فِيهَا زِيَادَة لَا تعلق للمذكور بهَا فَإِن تعلق ذكرهَا مَعَ الشَّك ليعلم (2) كَقَوْل دَاوُد بن الْحصين (3) فِي حَدِيث الرُّخْصَة فِي الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق أَو دون خَمْسَة أوسق (4) فَشك وَلَكِن لما كَانَ الْمَشْكُوك فِيهِ مِمَّا لَا يسوغ حذفه ذكره على الشَّك (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 وَمِنْهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَقد بوب لَهُ عبد الْغَنِيّ بن سعيد وَحكى فِيهِ الْجَوَاز - إِذا لم يتَغَيَّر الْمَعْنى - عَن الْحسن والمعتمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه 405 - (قَوْله) يَنْبَغِي أَلا يروي حَدِيثه بِقِرَاءَة لحان (4 5 6 7 8 9 وَفِي الحَدِيث لَعَلَّ بَعْضكُم أَلحن بحجته من بعض (4) الحديث: 405 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 (1) وَذكر الْخطابِيّ مثله و [قَالَ] (2) يُقَال فِي لحن - بِكَسْر الْحَاء - وَفِي الزيغ عَن الْإِعْرَاب لحن إِلَى آخِره (3) فِيهِ أُمُور أَحدهَا مَا حَكَاهُ من التَّعْبِير بالإصلاح وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة فِي كتاب الْإِعْرَاب لَهُ سُئِلَ الشّعبِيّ وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن وَعَطَاء وَالقَاسِم عَن الرجل يحدث بِالْحَدِيثِ فيلحن أأحدث كَمَا سَمِعت أَو أعربه قَالُوا لَا بل أعربه (4) وَقَالَ الْآجُرِيّ فِي سؤالاته سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كَانَ أَحْمد بن صَالح يقوم كل لحن فِي الحَدِيث (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 الثَّانِي أهمل فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ غريبين أَحدهمَا حَكَاهُ الْقَابِسِيّ فِي الملخص قَالَ وَأما اللّحن فِي الحَدِيث فشديد وَقد سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن هَاشم الْبَصْرِيّ (1) وَكَانَ من عُلَمَاء النَّاس وخيارهم رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول سُئِلَ أَبُو عمرَان - يَعْنِي النسوي (2) - عَن اللّحن يُوجد فِي الحَدِيث فَقَالَ إِن كَانَ شَيْئا يَقُوله الْعَرَب وَلَو كَانَ فِي غير لُغَة قُرَيْش فَلَا يُغير لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكلم النَّاس بلسانهم وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُوجد فِي كَلَام الْعَرَب فَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يلحن (3) انْتهى وَاخْتَارَهُ ابْن حزم فِي كتاب الإحكام قَالَ وَأما اللّحن فَإِن كَانَ يجوز وَلَو على بعض لُغَة الْعَرَب أَدَّاهُ كَمَا سَمعه وَإِن كَانَ لَا وَجه لَهُ فِي الْكَلَام إِلَيْهِ حرم عَلَيْهِ تأديته ملحونا لتيقننا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يلحن قطّ (4) الثَّانِي حَكَاهُ صَاحب الاقتراح عَن شَيْخه الشَّيْخ عز الدّين فَقَالَ سَمِعت أَبَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام (5) - وَكَانَ أحد سلاطين الْعلمَاء - كَانَ يرى فِي الْمَسْأَلَة بِمَا لم أره (6) لأحد أَن هَذَا اللَّفْظ المختل لَا يرْوى على الصَّوَاب وَلَا على الْخَطَأ وَأما على الصَّوَاب فَإِنَّهُ (7) لم يسمع من الشَّيْخ كَذَلِك وَأما على الْخَطَأ فَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقلهُ كَذَلِك (8) انْتهى وَهَذَا نَظِير قَول أَصْحَابنَا فِيمَا لَو وَكله بِبيع فَاسد أَنه لَا يَسْتَفِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 الْفَاسِد لِأَن الشَّرْع لم يَأْذَن فِيهِ وَلَا الصَّحِيح لِأَن الْمَالِك لم يَأْذَن فِيهِ الثَّالِث أَنه يشْتَرط فِي رِوَايَته على الصَّوَاب الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ كَمَا قَالَه ابْن فَارس فِي كتاب مآخذ الْعلم [وَيحْتَاج] (1) لترو فِي ذَلِك وَبحث شَدِيد فَإِن اللُّغَة وَاسِعَة وَاخْتَارَ الْجَوَاز قَالَ وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فبلغها كَمَا سمع فَالْمُرَاد كَمَا سمع من صِحَة الْمَعْنى واستقامته من غير زِيَادَة وَلَا نقص وَاحْتج ابْن الْمُنِير أَيْضا على الْجَوَاز بقوله فَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ 406 - (قَوْله) وَأما إصْلَاح ذَلِك وتغييره فِي كِتَابه (8 9 10 11 يسع (3) الْمُحدث جَهله صوب بعض الْمَشَايِخ هَذَا وَأَنا أستحسنه وَبِه (4) آخذ الحديث: 406 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 407 - (قَوْله) وَهَكَذَا (1) الحكم فِي استثبات الْحَافِظ مَا شكّ فِيهِ (2 3 4) إِلَى آخِره الحديث: 407 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 مِثَاله قَول البُخَارِيّ ثَنَا يحيى بن بكير ثَنَا اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاء قبل أَن يفْرض رَمَضَان وَكَانَ يَوْمًا تستر فِيهِ الْكَعْبَة فَلَمَّا فرض رَمَضَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شَاءَ فليصم وَمن شَاءَ أَن يتْركهُ فليترك (1) فخلط السندين وَلم يقل عِنْد انْتِهَاء سَنَد ابْن أبي حَفْصَة (2) قَالَا وَإِنَّمَا اخْتَصَرَهُ لكَون اللَّفْظ للثَّانِي وَهُوَ وَالْأول اشْتَركَا فِي الْمَعْنى وَقد أفْصح مُسلم بن الْحجَّاج فِي الصَّحِيح فَقَالَ - (3) إِذا روى مثل هَذَا - وَاللَّفْظ لفُلَان (4) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلَيْسَ فِي (د / 112) حَدِيث عقيل ستر الْكَعْبَة وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيث ابْن أبي حَفْصَة (5) والإسماعيلي حَافظ فَلَا يَقُول هَذَا إِلَّا بعد تتبع وَالْبُخَارِيّ أحفظ مِنْهُ وَأكْثر تثبتا فَيحْتَمل أَن رُوِيَ من طَرِيق البُخَارِيّ السّتْر فِي رِوَايَة أُخْرَى (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 409 - (قَوْله) فإعادته ثَانِيًا وَذكر أَحدهمَا مشْعر بِأَن اللَّفْظ لَهُ قبل (2 3 4 5 6 7 8 9) إِلَى آخِره فِي الْإِرْشَاد للخليلي ذاكرت يَوْمًا بعض الْحفاظ فَقلت البُخَارِيّ لم يخرج الحديث: 409 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 حَمَّاد بن سَلمَة (1) فِي الصَّحِيح وَهُوَ زاهد ثِقَة قَالَ لِأَنَّهُ يجمع بَين حَدِيث أَصْحَاب أنس فَيَقُول انا قَتَادَة وثابت وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب وَرُبمَا يُخَالف فِي بعض ذَلِك فَقلت أَلَيْسَ ابْن وهب اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يجمع بَين أَسَانِيد فَيَقُول حَدثنَا مَالك وَعَمْرو بن الْحَارِث وَاللَّيْث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم فِي أَحَادِيث وَيجمع بَين غَيرهم فَقَالَ ابْن وهب أتقن لما يرويهِ وأحفظ لَهُ (2) انْتهى وَفِي هَذَا مَا يُجَاب بِهِ عَمَّا ذكره ابْن الصّلاح أَنه عيب على البُخَارِيّ 412 - (قَوْله) وَإِذا سمع كتابا مصنفا من جمَاعَة (8 9 10 11 12 13 أوعى لَهُ من بعض الَّذِي الحديث: 412 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 حَدثنِي بِهِ عُرْوَة عَن عَائِشَة وسَاق الحَدِيث وَهُوَ فِي الصَّحِيح وَهَذَا يَسْتَعْمِلهُ أهل الْمَغَازِي وَالسير وَلَا يعلم مِنْهُ الْقدر الَّذِي رَوَاهُ عَن كل وَاحِد من الَّذين حدثوه طَائِفَة مِنْهُم وَأغْرب من ذَلِك مَا صنعه البُخَارِيّ فِي كتاب الرقَاق فِي بَاب كَيفَ كَانَ عَيْش النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتخليهم من الدُّنْيَا ثَنَا أَبُو نعيم بِنَحْوِ من نصف هَذَا الحَدِيث (1) ثَنَا عَمْرو بن ذَر ثَنَا مُجَاهِد أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول فساق حَدِيث أهل الصّفة وَشرب اللَّبن وَلم يذكر من روى عَنهُ النَّص الآخر وَيحْتَمل أَن المُرَاد بِمَا سَاقه بالسند أَوَائِل الْكَلَام دونه آخِره (2) (3) 413 - (قَوْله) الثَّالِث عشر قَوْلهم قَالَ لَا بُد من ذكره حَالَة الْقِرَاءَة لفظا (8 9 10 1 (5) وَقد أنكر الشَّيْخ شهَاب الدّين المرحل (6) النَّحْوِيّ الحديث: 413 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 628 اشْتِرَاط الْمُحدثين التَّلَفُّظ ب قَالَ فِي أثْنَاء الْإِسْنَاد لِأَن القَوْل يحذف كثيرا وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن (1) 414 - (قَوْله) فِي آخر الرَّابِع عشر - وَهَكَذَا فعل كثير من المؤلفين (4 5 6 7 8 9 10 11 حَدِيث الْبَوْل فَأوردهُ كَمَا سَمعه وَلَو ذكر حَدِيث الْبَوْل بالسند الحديث: 414 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 629 لأوهم أَنه سَمعه بالسند وَلم يَقع ذَلِك وَيدل لهَذَا أَنه ذكر حَدِيث نَحن السَّابِقُونَ فِي بَاب الْجُمُعَة بالسند من غير أَن يذكر حَدِيث الْبَوْل فِي المَاء الدَّائِم (1) إِذْ لَا حَاجَة لَهُ بِهِ هُنَاكَ وَهَذَا الِاحْتِيَاط يحْتَمل أَن يكون للورع وَالْخُرُوج من الْخلاف الْمَذْكُور وَيحْتَمل أَن يكون مَذْهَب البُخَارِيّ أَنه لَا يجوز (2) وَمثله فِي عَلَامَات النُّبُوَّة أخرج حَدِيث شبيب بن غرقدة (3) عَن الْحَيّ فِي قصَّة الشَّاة وَالدِّينَار (4) وَلَيْسَت من شَرطه (5) 415 - (قَوْله) فِي الْخَامِس عشر - فَيَنْبَغِي أَن يكون (أ / 204) فِيهِ خلاف من الْخلاف فِي تَقْدِيم بعض متن الحَدِيث إِلَى آخِره الحديث: 415 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 630 وَفِيه أَمْرَانِ أَحدهمَا قَضيته أَنه الْخلاف فِي جَوَاز تَقْدِيم بعض الحَدِيث على بعض وَلم يتَقَدَّم لَهُ ذَلِك (1) الثَّانِي أَن هَذَا التَّخْرِيج مَرْدُود لظُهُور الْفرق بَينهمَا وَهُوَ أَن تَقْدِيم [بعض] (2) الْأَلْفَاظ على بعض يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال بِالْمَقْصُودِ فِي الْعَطف وعود الضَّمِير وَنَحْوه بِخِلَاف السَّنَد فَإِن تَأَخّر بعضه أَو كُله عَن الْمَتْن فِي حكم الْمُقدم فَلذَلِك جَازَ تَقْدِيمه وَلم يتَخَرَّج [على (3) الْخلاف] (4) وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك الشَّيْخ محيي الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي مُخْتَصره فقا ل الصَّحِيح أَو الصَّوَاب جَوَاز هَذَا فَلَيْسَ كتقديم الْمَتْن على بعض فَإِنَّهُ قد يتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنى [بِخِلَاف (5) هَذَا] (6) 416 - (قَوْله) - فِي السَّادِس عشر - فَلَا يظْهر الْمَنْع من ذَلِك انْتهى الحديث: 416 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 631 وَالظَّاهِر خلاف مَا رَجحه لَا سِيمَا إِذا قَالَ كَمَا يَقُول مُسلم سَوَاء وَيدل لذَلِك أَن الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قد صنع ذَلِك حَتَّى فِي الْموضع الْمُحْتَمل [وَذَلِكَ أَن] (1) الدَّارَقُطْنِيّ خرج فِي سنَنه من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَدِيث تَقول الْمَرْأَة أنْفق عَليّ وَإِلَّا طَلقنِي ثمَّ خرج من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق على زَوجته قَالَ يفرق بَينهمَا ثمَّ أخرج من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله (2) فَهَذَا مَعَ احْتِمَال أَن يكون مثل الْمَوْقُوف وَأَن يكون (د / 113) مثل الْمَرْفُوع قبله (3) خرجه الْبَيْهَقِيّ بطرِيق الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيه لفظ الْمَرْفُوع فروى بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أعْسر الرجل بِنَفَقَة امْرَأَته يفرق بَينهمَا (4) وَلم يَقع ذَلِك فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا فِي كتاب من أَخذ عَن الدَّارَقُطْنِيّ إِلَّا بِلَفْظَة مثله المحتملة وَحِينَئِذٍ فَإِذا زَالَ الِاحْتِمَال جَازَ أَن يَأْتِي بذلك اللَّفْظ بالسند الَّذِي فِيهِ لَفْظَة مثله (5) لَكِن الَّذِي فعله الْبَيْهَقِيّ معترض كَمَا بَينته فِي الذَّهَب الإبريز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 632 417 - (قَوْله) الثَّامِن عشر الظَّاهِر أَنه لَا يجوز تَغْيِير عَن النَّبِي - لَا عَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (3 4 5 6 7 8 قيل يرد عَلَيْهِ حَدِيث الْبَراء بن عَازِب فِي الصَّحِيح لما قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 417 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 633 وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت ثمَّ استعاده فَقَالَ وَرَسُولك الَّذِي ارسلت فقا ل لَا وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت (1) فَإِنَّهُ يدل على أَنه لَا يُبدل النَّبِي بالرسول فعكسه أولى قلت لَا حجَّة (أ / 205) فِيهِ لِأَن أَلْفَاظ الْأَذْكَار توقيفية وَرُبمَا كَانَ فِي اللَّفْظ معنى لَا يحصل لغيره أَو لما فِي الْجمع بَين النُّبُوَّة والرسالة أَو لاخْتِلَاف الْمَعْنى لِأَن رَسُولك الَّذِي أرْسلت يدْخل فِيهِ جِبْرِيل وَغَيره من الْمَلَائِكَة الَّذين لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء الثَّانِي أَن مَا قَالَه المُصَنّف من أَن الْمَعْنى يخْتَلف فِي هَذَا لَا يمْنَع الْجَوَاز لِأَنَّهُ وَإِن اخْتلف مَعْنَاهُمَا فَلَا يخْتَلف الْمَعْنى فِي نِسْبَة ذَلِك القَوْل لقائله بِأَيّ وصف وَصفه إِذا كَانَ يعرف بِهِ 418 - (قَوْله) إِذا كَانَ السماع على صفة فِيهَا بعض الوهن فَعَلَيهِ أَن يذكر (9 10 11 الْإِعْلَام بِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن رجلَيْنِ وَأَن الْمَذْكُور لم ينْفَرد وَفِيه تتبع الطّرق (4) الحديث: 418 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 634 421 - (قَوْله) - فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين - (2 3 الحديث: 421 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 635 النَّوْع السَّابِع وَالْعشْرُونَ (1) معرفَة آدَاب [الْمُحدث] (2) 422 - (قَوْله) يُنَاسب مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الشيم وينافر مساوئ الْأَخْلَاق (3 4 5 مرَّتَيْنِ بِاللَّفْظِ وَمرَّة بِالْمَعْنَى وَهُوَ الْأَخْلَاق لَكِن الحديث: 422 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 636 قيل الشيم الطبائع (1) وَقَوله ومساوئ قَالَ صَاحب تثقيف اللِّسَان وَيَقُولُونَ ظَهرت مساويه وَالصَّوَاب مساوئه بِالْهَمْز (2) وَقد استدرك أَبُو إِسْحَاق الأجدابي (3) عَلَيْهِ قَالَ الأَصْل الْهَمْز كَمَا ذكرته وَترك الْهمزَة جَائِز على لُغَة من يَقُول فِي الخاطئين الخاطين وَهِي لُغَة مَعْرُوفَة قَالَ حبيب بن أَوْس (محَاسِن مَا زَالَت بمسامر النَّوَى ... يُعْطين أَو مسَاوٍ من الصد (4)) 423 - (قَوْله) وَهُوَ من عُلُوم الْآخِرَة لَا من عُلُوم الدُّنْيَا (7) الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ فِي تذكرة الْحفاظ لقد صدق فِيمَا قَالَ لِأَن طلب الحَدِيث شَيْء غير الحَدِيث وَطلب الحَدِيث اسْم عرفي لأمور زَائِدَة على تَحْصِيل مَاهِيَّة الحَدِيث وَكثير مِنْهَا (6) مراقي إِلَى الْعلم وأكثرها أُمُور يشغف بهَا الحديث: 423 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 637 الْمُحدث من تَحْصِيل النّسخ المليحة وتطلب الْإِسْنَاد العالي وتكثير الشُّيُوخ والفرح بِالْأَلْقَابِ وتمني الْعُمر الطَّوِيل ليروي وَحب التفرد إِلَى أُمُور عديدة لَازِمَة للأغراض النفسانية لَا للأعمال الربانية فَإِذا كَانَ طَلَبك للْحَدِيث النَّبَوِيّ محفوفا بِهَذِهِ الْآفَات فَمَتَى خلاصك مِنْهَا إِلَى الْإِخْلَاص فَإِذا كَانَ علم الْآثَار مَدْخُولا فَمَا ظَنك بعلوم الْأَوَائِل الَّتِي تنكس (7 8 9) انْتهى وَظَاهره أَنه وَقع ذَلِك لغَيرهم وَقد رَأَيْت فِي فَوَائِد رحْلَة المُصَنّف بِخَطِّهِ أَخْبرنِي بنيسابور الشَّيْخ أَبُو الْحسن بن مُحَمَّد الطوسي (2) بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَن الْحَافِظ أبي سعد (3) عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ الْمروزِي رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ لَا يعرف فِي الْإِسْلَام مُحدث حدث (4) بعد اسْتِيفَاء مائَة إِلَّا أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ (5) وَأَبُو إِسْحَاق الهُجَيْمِي (6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 638 وَأَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ (1) قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو قلت هَذَا الْحصْر مَرْدُود فَهَذَا الْحسن ابْن عَرَفَة (2) عَاشَ مائَة وَعشرا وَكتب [عَنهُ] (3) خَمْسَة قُرُون (4) وَسَمَاع إِسْمَاعِيل الصفار (5) مِنْهُ بِمُقْتَضى سنه لَا يكون إِلَّا بعد الْمِائَة من سنّ الْحسن وَأما قَول ابْن خَلاد فِي كِتَابه لَا يعرف رجل فِي الْإِسْلَام حدث بعد اسْتِيفَائه مائَة سنة إِلَّا أَبُو إِسْحَاق الهُجَيْمِي (6) فَإنَّا لَا نستدرك عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنه أَرَادَ من حدث بعد الْمِائَة وَلم يحدث قبلهَا وَذَلِكَ لَا يعرف لغير الهُجَيْمِي فَإِنَّهُ آلى إِلَّا يحدث بعد الْمِائَة إِن يَسْتَوْفِي الْمِائَة فتم لَهُ ذَلِك وَلم يُشَارِكهُ فِي ذَلِك الْبَغَوِيّ والطبري وَغَيرهمَا انْتهى كَلَام الشَّيْخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 639 وَمَا ذكره من أَن الْحسن بن عَرَفَة عَاشَ مائَة (1) وَعشرا هُوَ قَول بَعضهم وَالْمَشْهُور أَن مولده سنة خمسين وَمِائَة ووفاته سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَوَافَقَهُ فِي المولد الشَّافِعِي وَأَشْهَب (2) على قَول وَقَالَ شَيخنَا عماد الدّين بن كثير حدث جمَاعَة بعد استكمال الْمِائَة لَكِن إِذا كَانَ الِاعْتِمَاد على حفظ الشَّيْخ الرَّاوِي فَيَنْبَغِي الِاحْتِرَاز من اخْتِلَاطه إِذا طعن فِي السن وَأما إِذا كَانَ الِاعْتِمَاد على حفظه وتمييزه وَضَبطه وخطه فها هُنَا كلما كَانَ السن عَالِيا كَانَ النَّاس أَرغب فِي السماع عَلَيْهِ كَمَا اتّفق (د / 114) لشَيْخِنَا الحجار (3) فَإِنَّهُ جَاوز الْمِائَة محققا سمع عَليّ الزبيدِيّ (4) سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة صَحِيح البُخَارِيّ وأسمعه فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ شَيخا (5) كَبِيرا عاميا لَا يضْبط شَيْئا وَلَا يتعقل كثيرا وَمَعَ هَذَا تداعى (6) النَّاس إِلَى السماع مِنْهُ عِنْد تفرده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 640 على الزبيدِيّ فَسمع مِنْهُ نَحْو الْمِائَة ألف أَو يزِيدُونَ وَالله أعلم وَمن الْفَوَائِد أَن ابا إِسْحَاق الهُجَيْمِي كَانَ رأى فِي مَنَامه أَنه قد تعمم ورد على رَأسه مائَة وَثَلَاث دورات فَعبر لَهُ أَنه يعِيش سِنِين بعْدهَا فَحدث بعد مجاوزته الْمِائَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقَارئ يَوْمًا شعرًا وَهُوَ (إِن الجبان حتفه من فَوْقه ... كَالْكَلْبِ يحمي جلده بروقه (1)) وأبدل الْقَارئ لفظ الثور بالكلب ليختبر بذلك ذهنه (أ / 207) وحسه فَقَالَ لَهُ الهُجَيْمِي قل يَا ثَوْر كالثور فَإِن الْكَلْب لَا روق لَهُ ففرح النَّاس بِصِحَّة عقله وَحُضُور فهمه (2) وَقد عَاشَ حَكِيم بن حزَام من الصَّحَابَة مائَة وَعشْرين سنة وَالظَّاهِر أَنه لم يتَوَقَّف عَن التحديث بعد مُجَاوزَة الْمِائَة وَكَذَلِكَ من التَّابِعين شريك بن عبد الله النمري (3) وَمن غَيرهم الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَقد صنف الذَّهَبِيّ جُزْءا فِيمَن عَاشَ الْمِائَة فَصَاعِدا (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 641 425 - (قَوْله) ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يحدث بِحَضْرَة من هُوَ أولى مِنْهُ (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13) الحديث: 425 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 642 قلت قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء هَذِه الْكَلِمَة اعتبرها قوم فِي تعلم الْعلم لغير الله ثمَّ رجوعهم إِلَى الله قَالَ وَإِنَّمَا الْعلم الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هَذَا الْقَائِل هُوَ علم الحَدِيث وَتَفْسِير الْقُرْآن وَمَعْرِفَة سير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَالصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَإِن فِيهِ التخويف والتحذير وَهُوَ سَبَب لإثارة الْخَوْف من الله تَعَالَى فَإِن لم يُؤثر فِي الْحَال أثر فِي الْمَآل فَأَما الْكَلَام وَالْفِقْه الْمُجَرّد الَّذِي يتَعَلَّق بفتاوى الْمُعَامَلَات وَفصل الْخُصُومَات الْمَذْهَب مِنْهُ وَالْخلاف فَلَا يرد الرَّاغِب فِيهِ للدنيا إِلَى الله تَعَالَى بل لَا يزَال متماديا فِي حرصه إِلَى آخر عمره وَقَالَ فِي مَوضِع آخر قَالَ بعض الْمُحَقِّقين قَوْلهم فَأبى أَن يكون إِلَّا لله حصل لنا حَدِيثه وَأَلْفَاظه وَاعْلَم أَن هَذَا أسْندهُ القَاضِي عِيَاض فِي الإلماع من جِهَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن سماك بن حَرْب قَالَ طلبنا هَذَا الْأَمر لَا نُرِيد بِهِ الله فَلَمَّا بلغت مِنْهُ حَاجَتي دلَّنِي على مَا يَنْفَعنِي وحجزني عَمَّا يضرني قَالَ القَاضِي وَرُوِيَ نَحوه فِي حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمُجاهد وَالْحسن وَمعمر وَغَيرهم بِمَعْنَاهُ (1) وروى عبد الله بن أَحْمد فِي زياداته من طَرِيق مَالك بن مغول عَن الشّعبِيّ قَالَ عَليّ تعلمُوا الْعلم صغَارًا تنتفعوا بِهِ كبارًا تعلمُوا الْعلم لغير الله يصير لذات الله تَعَالَى (2) وَاعْلَم أَن مَا قَالَه المُصَنّف أَولا فِيهِ إِجْمَال وَقَالَ (أ / 208) القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ فِي أدب الدُّنْيَا وَالدّين إِن كَانَ الْبَاعِث للطلب دنيا وَجب على الشَّيْخ إسعافه وَإِن لم يكن فَإِن كَانَ مُبَاحا لرجل دَعَاهُ إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 643 الطّلب حب النباهة وَطلب الرياسة فَهُوَ قريب مِمَّا قبله لِأَن الْعلم يعطفه إِلَى الدّين فِي ثَانِي الْحَال وَقد حُكيَ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ تعلمنا الْعلم لغير الله فَأبى أَن يكون إِلَّا لله (1) وَإِن [كَانَ] (2) الدَّاعِي مَحْظُورًا كَرجل دَعَاهُ إِلَى طلب الْعلم (3) شَرّ كَأَن يُرِيد أَن يَسْتَعْمِلهُ فِي شبه دنية وحيل فقهية لَا يجد أهل السَّلامَة مِنْهُمَا مخلصا وَلَا عَنْهُمَا مدفعا فَيَنْبَغِي للشَّيْخ أَن يمنعهُ من طلبته ويصرفه عَن بغيته وَلَا يُعينهُ على إِمْضَاء مكره وَلَا إِكْمَال شَره فَفِي الحَدِيث وَاضع الْعلم فِي غير أَهله كمقلد الْخَنَازِير اللُّؤْلُؤ والجوهر وَالذَّهَب (4) انْتهى (5) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 644 427 - (قَوْله) كَانَ مَالك إِذا (1) أَرَادَ أَن يحدث تَوَضَّأ إِلَى آخِره (2 3 4 5 6 7) قلت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يسْرد الحَدِيث كَسَرْدِكُمْ (5) زَاد التِّرْمِذِيّ لكنه كَانَ يتَكَلَّم بِكَلَام بَين وَفصل يحفظه من جلس إِلَيْهِ وَتَفْسِير السرد بِهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَقَالَ النّحاس فِي صناعَة الْكتاب قَوْلهم سرد الْكَاتِب قِرَاءَته مَعْنَاهُ أحكمها مُشْتَقّ من سرد الدرْع إِذا أحكمها وَجعل حلقها وَلَاء غير مُخْتَلفَة وَأحسن صنة المسامر وَلَا الحديث: 427 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 645 يكن دَقِيقًا فيسلس وَلَا غليظا فيقصمها (1) 429 - (قَوْله) وَمن أبلغ مَا يفْتَتح بِهِ أَن يَقُول الْحَمد لله (3 4 5 6 7 8 9 عَبدِي (6) 430 - (قَوْله) وَيسْتَحب للمحدث الْعَارِف عقد مجْلِس (د / 115) الحديث: 429 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 646 لإملاء الحَدِيث فَإِنَّهُ من أَعلَى مَرَاتِب الراوين (2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 إملاء الحَدِيث طَريقَة مسلوكة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 647 قي الْقَدِيم والْحَدِيث ويشيبه نبل فضل التَّبْلِيغ وَالرِّوَايَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغُوا عني وَلَو آيَة وَفِيه فَائِدَة أُخْرَى وَهِي تَقْيِيد الْعلم بِالْكتاب قَالَ وَهَاتَانِ الفائدتان الجسيمتان تحصلان بالإملاء متعاونين لَا كالتبليغ وَالسَّمَاع بِلَا كِتَابَة أَو الْكِتَابَة بِلَا سَماع ثمَّ يخْتَص الْإِمْلَاء بفوائد أُخْرَى أَحدهَا وَهِي الْعُظْمَى صِحَة السماع وَبعده عَن الْخَطَأ والتحريف وَقد يصحف فِيمَا يقْرَأ إِمَّا عَن خطأ أَو جهل وَالثَّانيَِة إِن الْإِمْلَاء يشْتَمل بعد رِوَايَة الحَدِيث على تصرف إِمَّا من جمع طرقه وشواهده أَو ذكر أَحْوَال (1) رُوَاته والفوائد الْمُتَعَلّقَة بمتنه فَيكون نشاط النَّفس لَا حد لَهَا (2) وَالِانْتِفَاع [بهَا] (3) أَكثر وَأتم الثَّالِثَة مَا فِيهِ من زِيَادَة التفهيم والتفهم للمذاكرة (4) والمراجعة فِي تضاعيف الْإِمْلَاء وَالْكِتَابَة والمقابلة وَيَدْعُو إِلَيْهِمَا التَّأَمُّل والفكر فِي تِلْكَ المهلة هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ (5) فَائِدَة قَالَ النّحاس فِي صناعَة الْكتاب يُقَال أمليت الْكتاب إملاء وأمللت إملالا جَاءَ الْقُرْآن بهما جَمِيعًا قَالَ تَعَالَى {فليملل} (6) (7) فَهَذَا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 648 أمل وَقَالَ تَعَالَى {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ} (1) فَهَذَا من أمْلى فَيجوز أَن تكون اللغتان يمعنى وَاحِد وَيجوز أَن يكون أصل أمليت أمللت فاستثقلوا الْجمع بَين حرفين على لفظ وَاحِد فأبدلوا من أَحدهمَا يَاء كَمَا قَالُوا تظنيت وَكَأَنَّهُ من قَوْلهم أمْلى الله لَهُ أَي طَال عمره فَمَعْنَى أمليت الْكتاب على فلَان أطلت قراءتي عَلَيْهِ (2) 431 - (قَوْله) مثل مَا روينَا أَن يزِيد بن هَارُون (6 7 8) قيد (7) ابْن السَّمْعَانِيّ ذَلِك بِمَا إِذا كثر عدد من يحضر السماع وَكَانُوا بِحَيْثُ لَا الحديث: 431 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 649 يرَوْنَ وَجه الْمُسْتَمْلِي فَيُسْتَحَب أَن يجلس على مِنْبَر أَو غَيره حَتَّى (أ / 210) ترى الْجَمَاعَة وَجهه ويبلغهم صَوته (1) 433 - (قَوْله) وَعَلِيهِ أَن يتبع لفظ الْمُحدث فيؤديه (2) على وَجهه (4 5 6 7) أسْندهُ ابْن السَّمْعَانِيّ عَن أبي نَضرة (7) (8) قَالَ كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 433 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 650 إِذا اجْتَمعُوا تَذَاكَرُوا الْعلم قرؤوا سُورَة (1) وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي رياضة المتعلمين وَرَوَاهُ أَيْضا من جِهَة أبي نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قعدوا يتحدثون فِي الْفِقْه كَانُوا يأمرون أَن يقْرَأ رجل سُورَة (2) وَظَاهر كَلَام المُصَنّف أَن الْقَارئ غير الْمُسْتَمْلِي وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي آخر أَمَالِيهِ استحبوا لململي أَن يقْرَأ قبل الْإِمْلَاء سُورَة خَفِيفَة من الْقُرْآن ويخفها فِي نَفسه واستحبه ابْن السَّمْعَانِيّ للمستملي (3) أَيْضا (4) 435 - (قَوْله) فَإِذا فرغ استنصت الْمُسْتَمْلِي أهل الْمجْلس (7 8 9 أمره أَن يستنصت لَهُ النَّاس رَوَاهُ البُخَارِيّ (7) رَحمَه الله تَعَالَى الحديث: 435 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 651 436 - (قَوْله) ثمَّ يبسمل ويحمد وَيُصلي [على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (1) (2 3 4 5 6 7 8 9) [انْتهى وَهَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ ثمَّ يَقُول من ذكرت رَحِمك الله] (6) وَلَا يَقُول من الحديث: 436 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 652 حَدثَك أَو أخْبرك أَو من سَمِعت فَإِنَّهُ لَا يدْرِي بِأَيّ لَفْظَة يَبْتَدِئ انْتهى لَكِن قَالَ صَاحب الاقتراح الْأَحْسَن أَن يَقُول من حَدثَك أَو من أخْبرك إِن لم يقدم الشَّيْخ ذكر أحد (1) وَكَذَا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ يَقُول من ذكرت أَو من حَدثَك رَحِمك الله فَيَقُول المملي فلَان وينسب (2) شَيْخه الَّذِي [يُرِيد أَن] يروي (3) [عَنهُ] (4) حَتَّى يبلغ بنسبه منتهاه (5) 438 - (قَوْله) وَذكر الْخَطِيب أَنه يسمع صَوته بذلك (6 7) انْتهى فَإِن كَانَ أَبوهُ صحابيا كَابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَإِن كَانَ أَبوهُ وجده صحابيين وذكرهما كعائشة قَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ ابْن الحديث: 438 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 653 السَّمْعَانِيّ وَالْأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث جَابر كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ يَا أَبَا بكر أَعْطَاك الله الرضْوَان الْأَكْبَر (1) 440 - (قَوْله) وَلَا بَأْس بِذكر من يروي عَنهُ بِمَا يعرف من لقب كغندر (4 5 6 لَهُ فديد (4) فلقب بلوين قَالَ لوين لقبتني أُمِّي الحديث: 440 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 654 لوينا وَقد رضيت بِهِ (1) وَإِنَّمَا قيل لَهُ المصِّيصِي لِأَنَّهُ انْتقل إِلَيْهَا وَنسب إِلَيْهَا وَهُوَ كُوفِي الأَصْل يروي عَن مَالك بن أنس وطبقته وروى عَنهُ من البغداديين (2) يحيى بن صاعد وَمَات بأذنه محلّة فِيهَا وَدفن بِالْمصِّيصَةِ والمصيصي بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فَمن فتح الْمِيم خفف الصَّاد (3) 441 - (قَوْله) أَو نسب إِلَى أم عرف بهَا كيعلى بن منية (5 6 7 8 9 10 فِيهِ التَّأْنِيث والعلمية إِلَّا مَا نكرهه من ذَلِك كَمَا فِي إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم (6) الحديث: 441 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 655 قلت وَكَذَلِكَ سعيد بن الْمسيب وَكَذَلِكَ أَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان كنيته أَبُو عبد الرَّحْمَن وَأَبُو الزِّنَاد لقب ذكره الْحَافِظ أَبُو الْفضل الفلكي فِي الألقاب فَقَالَ إِنَّه كَانَ يغْضب من أبي الزِّنَاد وَكَانَ عَالما مفتيا (1) وَمِنْهُم إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه ولد (2) أَبوهُ فِي طَرِيق مَكَّة فَقَالَ المراوزة راهوي لِأَنَّهُ ولد فِي الطَّرِيق فَقَالَ إِسْحَاق كَانَ أبي يكره هَذَا وَأما أَنا فلست أكرهه وَقَالَ أَحْمد بن جَعْفَر الْجَعْدِي (3) ذكر لِأَحْمَد أَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فكره أَحْمد أَن يُقَال لَهُ رَاهَوَيْه (4) وَمِنْهُم مسلمة بن عَليّ الْخُشَنِي (5) لَيْسَ فِي الرِّوَايَة وَقد يصغر اسْم أَبِيه فَيُقَال عَليّ وَكَانَ يكره ذَلِك وَمِنْهُم عَليّ بن رَبَاح (6) الإِمَام التَّابِعِيّ قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْقرشِي أَدخل البُخَارِيّ على بن رَبَاح فِي بَاب عَليّ مكبرا وَيُقَال عَليّ وَالصَّحِيح عَليّ وَالْأَشْهر فِي اسْمه على من سَمَّاهُ عليا بِالتَّصْغِيرِ وَابْنه مُوسَى بن عَليّ (7) كَانَ أَيْضا يحتد إِذا قيل لَهُ ابْن عَليّ بِالتَّصْغِيرِ وَقَالَ اللَّيْث بن سعد رَحمَه الله تَعَالَى سمعته يَقُول لَا أجعله فِي حل وَمِنْهُم (8) الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْأَصْبَهَانِيّ (9) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 656 قوام السّنة يُقَال لَهُ جوزي (1) وَكَانَ يكره ذَلِك حَكَاهُ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب (2) وَمِنْهُم أَبُو سَلمَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي (3) سمي بِهِ لِأَنَّهُ اشْترى دَارا بتبوذك (4) (5) وَكَانَ يَقُول لَا جزى الله خيرا من سماني تبوذكيا إِنَّمَا نزل دَاري قوم من تبوذك (6) 442 - (قَوْله) وَكَانَ من عَادَة غير وَاحِد ختم الْإِمْلَاء بِشَيْء من الحكايات (5 6 وَأَن الحديث: 442 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 657 يُفَسر مَا يحْتَاج إِلَى تَفْسِيره وَبَيَانه فَعَن أبي أُسَامَة (1) أَن تَفْسِير الحَدِيث ومعرفته خير من سَمَاعه (2) وَأَن يخْتم الْمجْلس بالحكايات والإنشادات المرققة وَألا يُطِيل الْإِمْلَاء إِلَّا إِذا عرف أَن الْحَاضِرين لَا يتبرمون (3) بِهِ وَأَن يَدْعُو ويستغفر عِنْد تَمَامه سرا وجهرا انْتهى وَذكر (أ / 212) ابْن السَّمْعَانِيّ مثله (4) وَرُوِيَ عَن بَعضهم المستمع أسْرع ملالة من الْمُتَكَلّم (5) وَقَالَ الزُّهْرِيّ إِذا طَال الْمجْلس كَانَ للشَّيْطَان فِيهِ نصيب (6) وَلَا يروي مَا لَا تحتمله عقول الْعُمُوم (7) وَمن أَنْفَع مَا يملي الْأَحَادِيث الْفِقْهِيَّة الَّتِي تفِيد معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من الْعِبَادَات وَمَا يتَعَلَّق بِحُقُوق الْمُعَامَلَات فَفِي الحَدِيث مَا عبد الله بِشَيْء أفضل من فقه فِي دين (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 658 وَيسْتَحب إملاء التَّرْغِيب فِي فَضَائِل الْأَعْمَال والحث على الْخَيْر وَالذكر والتزهيد فِي الدُّنْيَا (1) قَالَ وَلَا يحدث إِلَّا من كِتَابه فَإِن الْحِفْظ خوان قَالَ ابْن درسْتوَيْه (2) أقعد عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ بسامراء على مِنْبَر فَقَالَ يقبح لمن جلس هَذَا الْمجْلس أَن يحدث من كتاب فَأول حَدِيث حدث من حفظه غلط فِيهِ وَقَالَ يحيى بن معِين دخلت على أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى فَقلت أوصني فَقَالَ لَا تحدث الْمسند إِلَّا من كتاب (3) وَفِي جَامع الْخَطِيب عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ لي سَيِّدي أَحْمد بن حَنْبَل لَا تحدث (4) إِلَّا من كتاب وَقَالَ مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم بن مرتع الْحَافِظ (5) قدم علنيا أَبُو بكر بن أبي شيبَة فَانْقَلَبت بِهِ بَغْدَاد وَنصب لَهُ الْمِنْبَر فِي مَسْجِد الرصافة فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ من حفظه ثَنَا شريك ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 659 قَالَ هِيَ بَغْدَاد وأخاف أَن تزل قدم بعد ثُبُوتهَا يَا أَبَا شيبَة هَات الْكتاب (1) قَالَ السَّمْعَانِيّ وَيسْتَحب أَن يكون المملي فِي حَال الْإِمْلَاء على أكمل حَال (2) وَأفضل زِينَة ويتعاهد نَفسه قبل ذَلِك بإصلاح أُمُوره الَّتِي تجمله عِنْد الْحَاضِرين كالتطهير والتنظيف والتطيب وتسريح اللِّحْيَة وَليكن جُلُوسه فِي الْمَسْجِد تجاه الْقبْلَة (3) قَالَ وليبكر الْمُسْتَمْلِي الْحُضُور قيل لِشَرِيك مَا بَال حَدِيثك منتقد قَالَ لتركي العصائد بالغدوات قَالَ السَّمْعَانِيّ والتبكير إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الصَّيف فَأَما فِي الشتَاء فَالْأولى أَن يصبر سَاعَة حَتَّى يرْتَفع النَّهَار (4) وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله تَعَالَى من غَابَ خَابَ وَأكل نصيب الْأَصْحَاب وَلم يعد لَهُ حَدِيث (5) وَدخل بعض أَصْحَاب الحَدِيث على الشَّيْخ رَحمَه الله وَقت الِانْصِرَاف فَأَنْشَأَ الشَّيْخ (6) يَقُول (وَلَا يردون المَاء إِلَّا عَشِيَّة ... إِذا صدر الوراد (7) عَن كل منهل (8)) 443 - (قَوْله) وَإِذا نجز الْإِمْلَاء (11 كَمَا يَقُول الْعَامَّة فَمَعْنَاه حضر وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه (9) الحديث: 443 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 660 النَّوْع الثَّامِن وَالْعشْرُونَ 444 - (قَوْله) أول مَا عَلَيْهِ تَحْقِيق الْإِخْلَاص (3 4 5 6 7) انْتهى الحديث: 444 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 661 وَقد سبق فِي النَّوْع الَّذِي قبله عَن سُفْيَان مَا يُوهم مُخَالفَته (أ / 213) لهَذَا (1) وَهُوَ مؤول وَالْمَذْكُور هُنَا حَكَاهُ صَاحب شرف الحَدِيث عَن وَكِيع وَبشر بن الْحَارِث أَيْضا (2) قَالَ وَقد اخْتلف النَّاس فِي طلب الحَدِيث والتحدث بِهِ وَفِي ثَوَابه هَل هُوَ من الْعِبَادَات فَذهب من نَقَلْنَاهُ عَنْهُم إِلَى ذَلِك [فَقَالَ قوم الحَدِيث منزلَة درس الْقُرْآن] (3) وَقَالَ قوم بِمَثَابَة الصَّلَاة وَأَجْمعُوا (4) على أَنه أفضل من صَلَاة النَّافِلَة وَمن صَوْم التَّطَوُّع (5) وَأما إِنْكَار عمر الحَدِيث على طَائِفَة احْتِيَاطًا للدّين وَحسن النّظر للْمُسلمين لِأَنَّهُ خَافَ من (الاستكثار التساهل فِي الْأَدَاء) (6) وَأَن يتكل النَّاس على ظَاهر الْأَخْبَار وَلَيْسَ كل الْأَحَادِيث على ظَاهرهَا وَلَا كل من سَمعهَا فقهها وَأدْركَ مَعْنَاهَا (فخشي من دُخُول التحريف) (7) وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ من لَقِي الله لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا دخل الْجنَّة فَقَالَ يَا نَبِي الله أَفلا أبشر النَّاس قَالَ لَا إِنِّي أَخَاف أَن يتكلوا (8) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 662 وَمِمَّا وَقع فِيهِ السُّؤَال أَنه هَل يتَعَلَّق بِقِرَاءَة متون الْأَحَادِيث ثَوَاب خَاص كَمَا يتَعَلَّق بِالْقُرْآنِ وَهل يُثَاب على مُجَرّد سماعهَا من كَانَ عَارِفًا بهَا كَمَا يُثَاب المستمع لِلْقُرْآنِ على مُجَرّد الِاسْتِمَاع أفتى بَعضهم بِحُصُول الثَّوَاب وَنَازع فِيهِ آخَرُونَ واستندوا إِلَى أَن الْمسَائِل منقولة فِي شرح اللمع للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فَقَالَ إِن قِرَاءَة متون الْأَحَادِيث لَا يتَعَلَّق بهَا ثَوَاب حَاضر وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِجَوَاز قرَاءَتهَا وروايتها بِالْمَعْنَى لِأَن مَا يتَعَلَّق بِهِ حكم شَرْعِي لَا يجوز تَغْيِيره (1) بِخِلَاف الْقُرْآن فَإِنَّهُ معجز فِي نَفسه وَإِذا كَانَت قِرَاءَة الحَدِيث الْمُجَرَّدَة لَا ثَوَاب فِيهَا لم يكن فِي استماعه الْمُجَرّد عَن الْمعَانِي السَّابِقَة ثَوَاب من بَاب أولى وَهَذَا كُله للثَّواب الْمَخْصُوص من حَيْثُ خُصُوص اللَّفْظ أما بِاعْتِبَار أَدَاء السّنة ونشرها وتنزل الرَّحْمَة عِنْد ذكرهَا وَالْقِيَام بتبليغها الْمَأْمُور بِهِ فَلَا شكّ فِي حُصُول الثَّوَاب على اللَّفْظ من هَذِه الْحَيْثِيَّة الْخَارِجَة عَن نفس اللَّفْظ لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى هَذِه الْمَقَاصِد 447 - (قَوْله) وَيبدأ بِالسَّمَاعِ من أسْند شُيُوخ عصره وَمن الأولى فَالْأولى احْتج أَبُو نعيم فِي كِتَابه رياضة المتعلمين لهَذَا بِحَدِيث سهل بن أبي خَيْثَمَة الحديث: 447 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 663 تعلمُوا من قُرَيْش وَلَا تعلموها (1) وَحَدِيث شبْل بن عباد (2) عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر أَن رجلا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَي النَّاس أعلم قَالَ من يجمع علم النَّاس إِلَى علمه وكل صَاحب علم غر ثَان (3) 448 - (قَوْله) عَن مَالك من بركَة الحَدِيث إِفَادَة بَعضهم بَعْضًا انْتهى وَنَحْوه مَا رَوَاهُ ابْن مَنْدَه عَن حُسَيْن (4) بن أبي السّري (5) قَالَ سَمِعت وكيعا الحديث: 448 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 664 يَقُول أول بركَة الحَدِيث إِعَارَة الْكتب (1) وَقَالَ يُونُس بن يزِيد (2) قَالَ لي ابْن شهَاب إياك وَغُلُول الْكتب قلت وَمَا غلولها قَالَ حَبسهَا (3) رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي آخر كتاب رياضة المتعلمين وَختم بِهِ الْكتاب وروى أَبُو نعيم فِي كتاب رياضة المتعلمين من جِهَة عبد القدوس بن حبيب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا إخْوَانِي تناصحوا فِي الْعلم وَلَا يكتم بَعْضكُم بَعْضًا فَإِن خِيَانَة الرجل فِي علمه كخيانته فِي مَاله وَالله سَائِلكُمْ عَنهُ (4) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 665 وَقد سبق (أ 214) عَن أبي عبد الله الزبير (1) وجوب الْعَارِية فِيمَن وجد سَمَاعه فِي كتاب غَيره وسبقت حكايته أَيْضا عَن القَاضِي إِسْمَاعِيل (2) على تَفْصِيل فِيهِ 449 - (قَوْله) وَعَن عمر وَابْنه من رق وَجهه رق علمه (4 5) قلت فِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كنت أَقْْرِئ رجَالًا من الْمُهَاجِرين مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقد كَانَ حَكِيم بن حزَام يقْرَأ على معَاذ بن جبل - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَقيل لَهُ تقْرَأ على هَذَا الْغُلَام الخزرجي فَقَالَ إِنَّمَا أهلكنا التكبر (5) وَحَدِيث عَمْرو بن سَلمَة فِي إِمَامَة قَومهمْ (6) وَهُوَ صبي لم يبلغ الحديث: 449 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 666 لامتيازه عَلَيْهِم بتلقي (1) الْقُرْآن من الواردين وَالْأَصْل فِي ذَلِك قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (2) على ابْن مَسْعُود (3) قَالُوا وَإِنَّمَا قَرَأَ عَلَيْهِ ليتواضع النَّاس وَلَا يستنكفون أَخذ الْعلم عَمَّن دونهم مَعَ مَا فِي ذَلِك من ترغيب الصَّغِير فِي الازدياد إِذا رأى الْكَبِير يَأْخُذ عَنهُ كَمَا يحْكى عَن بَعضهم أَنه سمع صَبيا فِي بعض مجَالِس الْعلم يذكر شَيْئا فَطلب الْقَلَم وَكتبه مِنْهُ (4) وَالله تَعَالَى أعلم (انْتهى الْمَوْجُود من هَذَا التَّعْلِيق النفيس للْمُصَنف الرئيس شيخ الْإِسْلَام بدر الدّين الزَّرْكَشِيّ تغمده الله تَعَالَى برحمته وَأَسْكَنَهُ فسيح جنته ونفعنا ببركته (5) وبركة علومه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (سَبِيل الْحق) وحشرني مَعَه فِي زمرة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببركة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل) (أ / 215) (د / 119) وَفِي نُسْخَة دمشق ختام الْكتاب وَكَانَ الْفَرَاغ من تَعْلِيق هَذَا الْكتاب الْمُبَارك حادي عشْرين شهر ربيع الأول سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 667