الكتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير المؤلف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ) المحقق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض-السعودية الطبعة: الاولى، 1425هـ-2004م عدد الأجزاء: 9   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- البدر المنير ابن الملقن الكتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير المؤلف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ) المحقق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض-السعودية الطبعة: الاولى، 1425هـ-2004م عدد الأجزاء: 9   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير]ـ المؤلف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ) المحقق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض-السعودية الطبعة: الاولى، 1425هـ-2004م عدد الأجزاء: 9 [الكتاب مدقق إملائيا وترقيمه موافق للمطبوع] مُقَدّمَة بسمِ اللهِ الرَّحْمَن الرحيمِ (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا) الْحَمد لله رَافع منار الْأَحْكَام، ومظهر دينه بأقوى (عُرًى) وإحكام، ومُشَيِّده بحفاظ جَهَابِذَة أَعْلَام، مستمرين مدى الدهور والأعوام. نحمده عَلَى ذَلِكَ كُله وَعَلَى سَائِر الإنعام، ونشكره عَلَى أَن جعلنَا مِمَّن تَصَدَّى لجمع السّنَن الْكِرَام. ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة مستمرة عَلَى الدَّوَام، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أفضل الْأَنَام، صلَّى الله عَلَيْهِ، وَعَلَى آله، وأصحابِه، وأزواجِه، وذرِّيَّاتِه، وَأَتْبَاعه الغُرِّ الْكِرَام. وبعدُ: فَإِن أولَى الْعُلُوم - بعد معرفَة كتاب الله - سنة الرَّسُول - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ إِذْ هِيَ مبينَة للْكتاب الْعَزِيز، الَّذِي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد) . وَلذَلِك أدلةٌ ظَاهِرَة، وبراهينُ متظاهرة: قَالَ تَعَالَى: (وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم) . وَقَالَ: (وَمَا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب إِلَّا لتبين لَهُم الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ وَهدى وَرَحْمَة لقوم يُؤمنُونَ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي حَدِيث طَوِيل: «إنَّ مَا حَرَّم رسُولُ اللهِ كَمَا حَرَّم اللهُ - عزَّ وجلَّ» . حَدِيث صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، أودعهُ الْأَئِمَّة: التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وحسَّنه، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وصحَّحه، وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. هَذَا مَعَ اتِّفَاق أهل الْحل وَالْعقد عَلَى أَن من شَرط الْمُجْتَهد - من القَاضِي والمفتي - أَن يكون عالِمًا بِأَحَادِيث الْأَحْكَام، ليعرف بهَا الْحَلَال من الْحَرَام، وَالْخَاص من الْعَام، وَالْمُطلق من الْمُقَيد، والناسخ من الْمَنْسُوخ، وَشبه ذَلِكَ. وَقد نَدَبَ الشَّارِع - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - إِلَى نقلهَا، وحَثَّهم عَلَى حفظهَا، وتبليغها (من) لم يشهدها، فَقَالَ فِي خطبَته (حجَّة) الْوَدَاع: «هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ مِنْكُم الغَّائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سامع» . حَدِيث صَحِيح بِاتِّفَاق (الْأَئِمَّة) ، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَقَالَ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَيْضا: «نَضَّرَ اللهُ امْرأ سمع مَقَالَتي، فَحَفِظَهَا، وَوَعَاهَا، فأَدَّاها إِلَى مَنْ (لَمْ) يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حاملِ فقه غيرِ فَقِيه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ» . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ: « (بَلِّغُوا) عَنِّي وَلَو آيَة» . رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» . وَقَالَ: «تَسْمَعُون وَيُسْمَع مِنْكُم، وَيُسْمَعُ مِمَّن (يسمع) مِنْكُم» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. فامتثلت الصَّحَابَة حينئذٍ - الَّذين هم خير قُرُون هَذِه الْأمة، بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - فحفظوا عَنهُ أَحْوَاله (وأقواله) وأفعاله، امتثالًا لأَمره، وابتغاء ثَوَابه وأَجره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ثمَّ فعل ذَلِكَ بعدهمْ التابعون وتابعوهم، قبيلًا بعد قبيل، وجِيلًا بعد جيل، تلقوا ذَلِكَ عَنْهُم، واستفادوه مِنْهُم - رَضِيَ اللَّهُ عَنَّا وعنهم. لَكِن دخل فِي ذَلِكَ قوم لَيْسُوا من أهل هَذَا الشَّأْن، وَلَا جَرْيَ لَهُم فِي هَذَا الميدان، فأخطئوا فِيمَا نقلوا وحَرَّفوا، وَرُبمَا وضعُوا، فَدخلت الآفة من هَذَا الْوَجْه، وَاخْتَلَطَ الصَّحِيح بالسقيم، والمجروح بالسليم، فَحِينَئِذٍ أَقَامَ الله سُبْحَانَهُ - وَله الْحَمد والمِنَّة - طَائِفَة كَبِيرَة من هَذِه الْأمة، هم نُجُوم للدِّين وعَلَمٌ للمسترشدين، فدوَّنوا التصانيف (المبتكرة) ، المبسوطة والمختصرة، ونظروا فِي رجالها - جرحا وتعديلًا، وانقطاعًا ووصلًا - بِالنّظرِ التَّام، وبذلوا وسعهم فِي ذَلِكَ، وَقَامُوا بِهِ أحسن قيام، أعظم الله أَجرهم، وَلَا خَيَّب سعينا وسعيهم. وهم (مستمرون) عَلَى ذَلِكَ مدى الدهور والأعوام، من زَمَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى انْقِضَاء الدُّنْيَا والذهاب، بإخباره عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام حَيْثُ قَالَ: «لَا تَزَالُ طائفةٌ من أُمَّتي ظاهِرينَ عَلَى الحقِّ، لَا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهُم، حتَّى تَقُومَ السَّاعةُ» . فَكَانَت هَذِه الطَّائِفَة كَمَا وَصفهم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْخَبَر الْمَرْوِيّ عَنهُ، (مُرْسلا من جِهَة إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري) ، وَمُسْندًا من جِهَة أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله بن عَمْرو - كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 رَوَاهُمَا الْعقيلِيّ. قَالَ عبد الْحق: وَالْأول أحسن. ونَازَعَه ابْن الْقطَّان، وَفِيه وَقْفَة، فقد سُئل أَحْمد عَنهُ، فَقَالَ صَحِيح: «يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه، يَنْفُون عَنْه تَحْرِيف الغالين، وانْتِحَالَ المُبْطِلِيْن، وَتَأْوِيل الجاهِلِيْن» . وَمَنَّ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَله الْحَمد والمِنَّة - عَلَى هَذِه الطَّائِفَة بِالْحِفْظِ الوافر، كالبحر الزاخر. وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم: قَالَ أَبُو زرْعَة: حُزِرَتْ كُتبُ الإِمام أَحْمد يَوْم مَاتَ، فبلغت [اثْنَي] عشر حملا و [عدلا] ، كل ذَلِكَ كَانَ يحفظه عَن ظهر قلب. قَالَ: كَانَ يحفظُ ألفَ ألفَ حَدِيث. فَقيل لَهُ: وَمَا يدْريك؟ قَالَ: ذَاكَرْتُه فأخذتُ عَلَيْهِ الْأَبْوَاب. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: قَالَ لي أبي: خُذ أَي كتاب شِئْت من كتب وَكِيع، من المُصَنّف، فَإِن شِئْت تَسْأَلنِي عَن الْكَلَام حتَّى أخْبرك بِالْإِسْنَادِ، وَإِن شِئْت تَسْأَلنِي عَن الإِسناد حتَّى أخْبرك بالْكلَام. وَحفظ الإِمَام الشَّافِعِي «الْمُوَطَّأ» فِي ثَلَاثَة أَيَّام، وَالْقُرْآن فِي سَبْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 أَيَّام، كَمَا نقل (عَن) الإِمام فَخر الدَّين الرَّازِيّ. وَكَانَ يَحْيَى بن معِين (يَقُول) عَن الْأَثْرَم الْحَافِظ: إِن أحد أَبَوَيْهِ كَانَ جِنِّيًّا. يَعْنِي لقُوَّة حفظه. وَهُوَ أحفظ من أبي زرْعَة، وأتقن. كَمَا قَالَه إِبْرَاهِيم الْأَصْفَهَانِي. وَكَانَ أَحْمد بن نصر الخَفَّاف يذاكر بِمِائَة ألف حَدِيث. وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يملي سبعينَ ألف حديثٍ حفظا، وأملى مرّة أحد عشر ألف حديثٍ من حفظه، ثمَّ قَرَأَهَا مرّة أُخْرَى، فَمَا زَاد حرفا وَلَا نقص حرفا، وَقَالَ مرّة: أحفظ مَكَان مائَة ألف حَدِيث كَأَنِّي أنظر إِلَيْهَا، وأحفظ مِنْهَا سبعين ألف حَدِيث من ظهر قلبِي (صَحِيحَة) ، وأحفظ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث مزوَّرة. فَقيل لَهُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لأجل إِذا مرَّ بِي مِنْهَا حَدِيث فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، فَلَيْتُهُ مِنْهَا فَلْيًا. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: مَا استَوْدَعْتُ أُذُنِي شَيْئا إلَّا حفظته، حتَّى أَمُرَّ بِكَلِمَة كَذَا - قَالَهَا - فأسد أُذُنِي، مَخَافَة أَن أحفظها. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: حتَّى أَمُرَّ بالحائك. يَعْنِي: فأسدّ أُذُنِي. وَكَانَ أَبُو زرْعَة يحفظ سِتّمائَة ألف حَدِيث، كَمَا شهد لَهُ بذلك الإِمام أَحْمد، وَقَالَ فِي حَقه: مَا جَاوز الجسر أفضل مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وَحلف رجل بِالطَّلَاق أنَّ أَبَا زرْعَة يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يَحْنَث. وَقَالَ مرّة: أحفظ مِائَتي ألف حَدِيث كَمَا يحفظ الْإِنْسَان (قل هُوَ الله أحد (، وَفِي المذاكرة ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث. وَقَالَ أَيْضا: فِي بَيْتِي مَا كتبته مُنْذُ (خمسين) سنة، وَلم أطالعه مُنْذُ كتبته، وَإِنِّي أعلم فِي أَي كتاب هُوَ، وَأي ورقة، وَأي (صفحة) ، وَفِي أَي سطر هُوَ، وَمَا سُمع أَو تُلي شَيْء من الْعلم إلَّا وَعَاه قلبِي، وَإِنِّي كنت أَمْشِي فِي سوق بَغْدَاد، فَأَسْمع من الغرف الْمُغَنِّيَات، فأضع أُصْبُعِي فِي أُذُنِي مَخَافَة أَن يَعِيَه قلبِي. وَقَالَ البُخَارِيّ: أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح، وأحفظ مِائَتي ألف حَدِيث غير صَحِيح. وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: سَمِعت عدَّة مَشَايِخ يحكون: أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ قدم بَغْدَاد، فَسمع بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث، واجتمعوا وعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وَجعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر، وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر، ودفعوها إِلَى عشرَة أنفس، فابْتَدَرَ رجل من الْعشْرَة، فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث، فقَالَ: لَا أعرفهُ. فَسَأَلَهُ عَن آخر، فَقَالَ: لَا أعرفهُ. فَمَا زَالَ يلقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بعد واحدٍ حتَّى فرغ، وَالْبُخَارِيّ يَقُول: لَا أعرفهُ. وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 بعض الْفُقَهَاء يَقُول: الرجل فهم. وَبَعْضهمْ يقْضِي عَلَيْهِ بِالْعَجزِ. ثمَّ انْتُدِبَ رجل آخر، فَسَأَلَهُ عَن الْأَحَادِيث وَهُوَ يَقُول فِي كل حَدِيث: لَا أعرفهُ. حتَّى فرغ من عشرته، ثمَّ الثَّالِث، ثمَّ الرَّابِع إِلَى تَمام الْعشْرَة، وَالْبُخَارِيّ لَا يزيدهم عَلَى: لَا أعرفهُ. فَلَمَّا فرغوا الْتفت البُخَارِيّ إِلَى الأول فَقَالَ: أما حَدِيثك الأول فَهُوَ كَذَا، و [حَدِيثك] الثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِث كَذَا، وَالرَّابِع كَذَا، حتَّى أَتَى عَلَى تَمام الْعشْرَة، فَرد كل متنٍ إِلَى إسنادٍ، وكل إِسْنَاد إِلَى متنٍ، وَفعل بِالْآخرِ مثل ذَلِك، فَأَقرَّ النَّاس لَهُ بِالْحِفْظِ، وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ. وَكَانَ البُخَارِيّ يخْتَلف إِلَى مَشَايِخ الْبَصْرَة وَلَا يكْتب، فَسَأَلُوهُ: لِمَ لَا تكْتب؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِم جَمِيع مَا سمع من حفظه، وَكَانَ يزِيد عَلَى خَمْسَة عشر ألف حَدِيث. وَأخرج مُسلم الصَّحِيح من ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث مسموعة، كَمَا أقَرَّ بِهِ هُوَ فِيمَا نَقله ابْن نقطة عَنهُ بِإِسْنَادِهِ. وَحفظ أَبُو دَاوُد - يَعْنِي: الطَّيَالِسِيّ - أَرْبَعِينَ ألف حَدِيث، وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي عشرَة آلَاف، وَكَانَا شربا البَلاَذُر لأجل الْحِفْظ، فجَذِمَ أَبُو دَاوُد، وبَرِصَ عبد الرَّحْمَن. وَقَالَ عمر بن شَبَّة: كتبُوا عَن أبي دَاوُد - يَعْنِي الطَّيَالِسِيّ - أَرْبَعِينَ ألف حديثٍ، وَلَيْسَ مَعَه كتاب. وَقَالَ أَبُو دَاوُد - (يَعْنِي) - السجسْتانِي: كتبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 خَمْسمِائَة ألف حَدِيث، انتخبت مِنْهَا مَا تضمنته السّنَن، جمعت (فِيهِ) أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث. وَكَانَ عبد الله ابْنه من الْحفاظ، أَمْلَى ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث من حفظه، فَإِنَّهُ لَمَّا خرج إِلَى سجستان، اجْتمع إِلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث، وسألوه أَن يُحَدِّثَهم فَأَبَى، وَقَالَ: لَيْسَ معي كتاب. فَقَالُوا: ابْن أبي دَاوُد وَكتاب! فأثاروه، فأملى عَلَيْهِم هَذَا الْقدر، ولَمَّا قَدِم بَغْدَاد قَالَ البغداديون: مَضَى يلْعَب بِالنَّاسِ، ثمَّ فَيَّجُوا فَيْجًا، (اكتروه) بِسِتَّة (دَنَانِير) إِلَى سجستان، فَكَتَبُوا بِهِ نُسْخَة، فَخَطَّئوه فِي سِتَّة أَحَادِيث، مِنْهَا ثَلَاثَة حَدَّث بهَا كَمَا حُدِّث، وَثَلَاثَة أخطأَ هُوَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. ولمَّا مَاتَ صُلِّي عَلَيْهِ ثَمَانُون مرّة، فحُزِر الْجمع، فَزَاد عَلَى ثَلَاثمِائَة ألف. وَقَالَ مَعْمَر: اجْتمعت أَنا وَشعْبَة وَالثَّوْري وَابْن جريج، فَقدم علينا شيخ، فأملى علينا أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث عَن ظهر قلب، فَمَا أَخطَأ إلَّا فِي موضِعين، لم يكن الْخَطَأ مِنَّا وَلَا مِنْهُ، إنَّما الْخَطَأ مِمَّن فَوْقه. وَكَانَ الرجل: طَلْحَة بن عَمْرو الْحَافِظ. وَكَانَ عبد الله بن مُوسَى القَاضِي الْمَعْرُوف بعَبْدَان، يحفظ مائَة ألف حَدِيث. كَمَا قَالَ أَبُو عَلّي الْحَافِظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَقَالَ الشَّعْبي: مَا كتبتُ سَوْدَاء فِي بَيْضَاء إلَّا وَأَنا أحفظها، وَلَا حدَّثني رجلٌ بحديثٍ فأحببتُ أَن يُعِيْدَه عليَّ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَا استعدت حَدِيثا، وَلَا شَككت فِي حديثٍ، إلَّا حَدِيثا وَاحِدًا، فَسَأَلت صَاحِبي، فَإِذا هُوَ كَمَا حفظت. وَقَالَ عبيد الله بن عمر القَوَارِيري: أَمْلَى عليَّ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عشْرين ألف حديثٍ حفظا. وحدَّث أَبُو عبد الله عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الله [الخُتُّلي] بِخَمْسِينَ ألف حديثٍ من حفظه. ولَمَّا أَمْلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد الفِرْيَابِي - الْحَافِظ الَّذِي طَاف الْبِلَاد شرقًا وغربًا - بِبَغْدَاد: كَانَ عدد المستملين ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة عشر، وحُزِرَ الْجمع فَكَانُوا ثَلَاثِينَ ألفا، وَكَانَ الَّذين يَكْتُبُونَ (عَنهُ) نَحْو عشرَة آلَاف. وَقَالَ هشيم: كنت أحفظ فِي الْمجْلس مائَة حَدِيث، وَلَو سُئلت عَنْهَا أجبْت. وَقَالَ هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ - صَاحب النَّسَب -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 حفظت مَا لَمْ يحفظه أحد، و (نسيت) مَا لَمْ (ينسه) أحد: كَانَ لي عمّ يعاتبني عَلَى حفظ الْقُرْآن، فَدخلت بَيْتا، وَحلفت أَنِّي لَا أخرج مِنْهُ حتَّى أحفظ الْقُرْآن، فحفظته فِي ثَلَاثَة أَيَّام، وَنظرت يَوْمًا فِي الْمرْآة، فقبضت عَلَى لحيتي لآخذ مَا دون القبضة، فَأخذت مَا فَوق القبضة. وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: أحفظ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف حَدِيث. وحدَّث بِبَغْدَاد، فَحُزِر مَجْلِسه تسعين ألفا. وَقَالَ أَحْمد بن أبي الطّيب: سَمِعت يزِيد بن هَارُون الْحَافِظ وَقيل لَهُ: إِن هَارُون الْمُسْتَمْلِي يُرِيد أَن يُدخل عَلَيْك فِي حَدِيثك، فَدخل هَارُون، فَقَالَ: يَا هَارُون، بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ (أَن) تدخل عليَّ فِي حَدِيثي، (فاجهد) جهدك، لَا رَعَى الله عَلَيْك إِن رَعيْت، أحفظ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف حديثٍ، لَا أقامني الله إِن كنت لَا أقوم بحديثي. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، الْمَعْرُوف بِابْن عقدَة - الَّذِي قَالَ فِي حَقه الدَّارَقُطْنِيّ: أجمع أهل الْكُوفَة أَنه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مَسْعُود إِلَى زَمَنه أحفظ مِنْهُ -: أَنا (أُجِيب) فِي ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث، و (أذاكر) بِالْأَسَانِيدِ، وَبَعض الْمُتُون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 والمراسيل، والمقاطيع. قَالَ ابْن عقدَة: وَدخل [البَرْدِيجي] الْكُوفَة، فَزعم أَنه أحفظ مِنَّا، فَقلت: لَا تُطَوِّل، نَتَقَدَّم إِلَى دكان وراق، وَنَضَع القَبَّان، ونزن من الْكتب مَا شئتَ، ثمَّ تُلْقَى (علينا) فنذكرها. فَبَقِيَ. ولَمَّا انْتقل ابْن عقدَة إِلَى مَكَان آخر كَانَت كتبه سِتّمائَة حمل. وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الدَّيْلَمي يحفظ أَرْبَعِينَ ألف حَدِيث، ويذاكر بسبعين ألف حَدِيث. وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: قَالَ لي الأزْهَري: كنت أحضر عِنْد أبي عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن (بكير) ، وَبَين يَدَيْهِ أَجزَاء (كبار) ، فَأنْظر بَعْضهَا، فَيَقُول لي: أَيّمَا أحبّ إِلَيْك، تذكر لي متن مَا تُرِيدُ من هَذِه الْأَحَادِيث حتَّى أخْبرك بِإِسْنَادِهِ؟ أَو تذكر لي إِسْنَاده حتَّى أخْبرك بمتنه؟ فَكنت أذكر لَهُ الْمُتُون فيخبرني بِالْأَسَانِيدِ من حفظه، وَفعلت هَذَا مرَارًا كَثِيرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قَالَ: وحُبِّب إليَّ الحَدِيث، حتَّى رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي النّوم، فَلم أقل: ادْع الله لي. وَإِنَّمَا قُلْتُ: يَا رَسُول الله، أَيّمَا أثبت فِي الحَدِيث، مَنْصُور أَو الْأَعْمَش؟ فَقَالَ: مَنْصُور. مَنْصُور. وَقَالَ أَبُو حَفْص بن شاهين: صَلَّيْتُ خَلفه مرّة، فَافْتتحَ الصَّلَاة، ثمَّ قَالَ: نَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان لُوَيْن. فَقيل لَهُ: سُبْحَانَ الله! فَقَالَ: نَا شَيبَان بن فروخ (الأُبُلِّي) . فَقيل لَهُ: سُبْحَانَ الله! فَقَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: أَنا [بشرى] بن عبد الله الرُّومِي، قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن جَعْفَر بن (سَلْم) يَقُول: لَمَّا قَدِم علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أَبُو مُسلم (الكَجِّي) أَمْلَى الحَدِيث فِي رحبة غَسَّان، وَكَانَ فِي مَجْلِسه (سَبْعَة) مستملين، يُبَلِّغ كل وَاحِد مِنْهُم صَاحبه الَّذِي يَلِيهِ، وَكتب النَّاس (عَنهُ) قِيَامًا بِأَيْدِيهِم المحابر، ثمَّ مُسِحَت الرَّحْبَة، وَحسب من حضر بمحبرة، فَبلغ ذَلِكَ نَيِّفًا وَأَرْبَعين ألف محبرة، سُوَى النَّظَّارة. قَالَ ابْن (سَلْم) : وَبَلغنِي أَن أَبَا مُسلم كَانَ نَذَرَ أَن يتصدَّق إِذا حَدَّث بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. وَقَالَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان البَاغَنْدِي: أحفظُ ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث من حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو (الْحُسَيْن) عَاصِم بن عَلّي الوَاسِطِيّ يجلس عَلَى سطح المسقطات، ويركب مستمليه نَخْلَة، يستملي عَلَيْهَا. فَقَالَ يَوْمًا: نَا اللَّيْث بن (سعد) ، فَأَعَادَ أَربع عشرَة مرّة، وَالنَّاس لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 يسمعُونَ، فحزر الْجمع، فَكَانُوا مائَة ألف وَعشْرين [ألفا] . وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُسلم الجِعَابي: دخلت الرَّقَّة، وَكَانَ لي ثَمَّ قمطران كتب فأنفَذُت غلامي إِلَى ذَلِكَ الرجل الَّذِي كُتبي عِنْده، فَرجع الْغُلَام مغمومًا، فَقَالَ: ضَاعَت الْكتب. فَقلت: يَا بنيَّ، لَا تغتم، فَإِن فِيهَا (مِائَتي) ألف حديثٍ، لَا يُشْكَلُ عليَّ مِنْهَا حديثٌ، لَا إِسْنَادًا وَلَا متْنا. وَكَانَ يُقَال: إِنَّه يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث، ويجيب فِي مثلهَا. وَقَالَ مرّة عَن نَفسه: أحفظ أَرْبَعمِائَة ألف حَدِيث، وأذاكر بستمائة ألف حَدِيث. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس جَعْفَر بن مُحَمَّد الْحَافِظ يَقُول: مَا رَأَيْت أحفظ من أبي عبد الله بن مَنْدَه، سَأَلته يَوْمًا: كم يكون سَماع (الشَّيْخ) ؟ فَقَالَ: يكون خَمْسَة آلَاف مَنًّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَقَالَ الجعابي: كنت بليد الْحِفْظ، فَقَالَ لي الْأَطِبَّاء: كُلِ الخَبزَ بالجُلَّاب. فأكلته أَرْبَعِينَ يَوْمًا بالغديات والعشيات، لَا آكل غَيره، فصفا ذهني، وصرت حَافِظًا، حتَّى صرت أحفظ فِي كل يَوْم (ثَلَاثمِائَة) حَدِيث. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: بَلغنِي أَن الدَّارَقُطْنِيّ حضر فِي حداثته مجْلِس إِسْمَاعِيل الصَفَّار، فَجعل ينْسَخ جُزْءا كَانَ مَعَه، وَإِسْمَاعِيل يملي، فَقَالَ (لَهُ) بعض الْحَاضِرين: لَا يصحّ سماعك وَأَنت تنسخ. فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: فهمي للإِملاء غير فهمك. ثمَّ قَالَ: تحفظ كم أَمْلَى الشَّيْخ من حَدِيث إِلَى الْآن؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَمْلَى ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا. فَعُدَّت الْأَحَادِيث فَكَانَ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ قَالَ: الحَدِيث الأول عَن فلَان عَن فلَان، وَمَتنه كَذَا، و (الحَدِيث) الثَّانِي عَن فلَان عَن فلَان، وَمَتنه كَذَا. فَلم (يزل) يذكر أَسَانِيد الْأَحَادِيث ومتونها عَلَى ترتيبها فِي الإِملاء حتَّى أَتَى عَلَى آخرهَا؛ فتعجب النَّاس مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمد بن مَنْصُور: خرجت مَعَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَيَحْيَى بن معِين، فَقَالَ يَحْيَى لِأَحْمَد: أُرِيد أختبر أَبَا نعيم. فَقَالَ: لَا تُرِد، الرجل ثِقَة. فَقَالَ: لَا بدّ لي. فَأخذ ورقة فَكتب فِيهَا ثَلَاثِينَ حَدِيثا من حَدِيث أبي نعيم، وَجعل عَلَى رَأس كل عشرَة مِنْهَا حَدِيثا لَيْسَ من حَدِيثه، ثمَّ جَاءُوا إِلَى أبي نعيم، فَقَرَأَ يَحْيَى عَلَيْهِ عشرَة، وَأَبُو نعيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 سَاكِت، ثمَّ قَرَأَ الْحَادِي عشر، فَقَالَ أَبُو نعيم: لَيْسَ من حَدِيثي، اضْرِب عَلَيْهِ. ثمَّ قَرَأَ الْعشْرَة الثَّانِيَة، وَأَبُو نعيم سَاكِت، فَقَرَأَ الحَدِيث الثَّانِي، فَقَالَ: لَيْسَ من حَدِيثي، اضْرِب عَلَيْهِ. ثمَّ قَرَأَ الْعشْرَة الثَّالِثَة، وَأَبُو نعيم سَاكِت، ثمَّ قَرَأَ الحَدِيث الثَّالِث، فَتَغَيَّر أَبُو نعيم، وانقلبت عَيناهُ، وَأَقْبل عَلَى يَحْيَى فَقَالَ: أما هَذَا - وذراع أَحْمد بِيَدِهِ - فأورع من أَن يعْمل هَذَا، وَأما هَذَا - يُرِيدنِي - فَأَقل من أَن يفعل هَذَا، وَلَكِن هَذَا من فعلك يَا فَاعل، ثمَّ أخرج رجله، فرفس يَحْيَى، فَرَمَى بِهِ. فَقَالَ يَحْيَى: وَالله لرفسته أحبّ إليَّ من سَفَرِي. وَكَانَ قَتَادَة بن دِعامة السَّدُوسي يسْأَل سعيد بن الْمسيب فيكثر، فَقَالَ لَهُ سعيد: كل مَا سَأَلتنِي عَنهُ تحفظ؟ فقَالَ: نعم، سَأَلتك عَن كَذَا وَكَذَا، فَقلت: كَذَا وَكَذَا. قَالَ سعيد: مَا ظَنَنْت أَن الله خلق مثلك. وَكَانَ يَقُول: مَا سَمِعَتْ أذناي شَيْئا قطّ إلَّا وَعَاهُ قلبِي، وَمَا قُلْتُ لمحدثٍ قطّ: أَعِدْ عليَّ؛ فإنَّ إِعَادَة الحَدِيث تَذْهَبُ بنوره. وَقَالَ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ - أحد الْأَئِمَّة الحفَّاظ، العارفين بعلل الحَدِيث، وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل -: أَحْصَيْتُ أَنِّي مشيتُ عَلَى قَدَمَيَّ زِيَادَة عَلَى ألف فَرْسَخ. وَقلت عَلَى بَاب أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: من أَغْرَبَ عليَّ حَدِيْثًا مُسْندًا صَحِيحا، لم أسمع بِهِ؛ فَلهُ عليَّ (دِرْهَم) - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَقد حضر أَبُو زرْعَة، وَإِنَّمَا كَانَ مرادي أَن يُلْقي إِلَيّ مَا لم أسمع، ليقول هُوَ عِنْد فلانٍ، فَأذْهب أسمع، ومرادي أَن أستخرج مِنْهُم مَا لَيْسَ عِنْدِي - (فَمَا تهَيَّأ) لأحد أَن يُغربَ عليَّ حَدِيثا. وَكَانَ أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم القَاضِي يحضر مجْلِس الحَدِيث فيحفظ خمسين وَسِتِّينَ حَدِيثا، فَيقوم فيمليها عَلَى النَّاس. وَقَالَ ابْن الْأَخْضَر القَاضِي: سَمِعت أَبَا حَفْص بن شاهين - صَاحب «النَّاسِخ والمنسوخ فِي الحَدِيث» - يَوْمًا يَقُول: حسبت مَا اشتريتُ بِهِ الحبر إِلَى هَذَا الْوَقْت، فَكَانَ سَبْعمِائة دِرْهَم. قَالَ القَاضِي: وَكُنَّا نشتري الحبر أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم. قَالَ القَاضِي: وَقد مكث ابْن شاهين بعد ذَلِكَ يكْتب زَمنا. وَجَاء عَن مُحَمَّد بن الْمسيب الأَرْغِيَاني أَنه قَالَ: كنت أَمْشِي بِمصْر وَفِي كُمي مائَة جُزْء، فِي كل جُزْء ألف حَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فصل فَهَذِهِ نبذةٌ من أحوالِ هَؤُلَاءِ الْحفاظ، الَّذين تتنزل الرَّحْمَة بذكرهم، وَهِي مختصرة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَرَكْنَاهُ. ذكرتها لَك مَجْمُوعَة أَيهَا النَّاظر فِي هَذَا الْموضع؛ لتعرف مَنَازِلهمْ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَكَيف حَالهم فِي اجتهادهم فِي هَذَا الْعلم، والإِكباب عَلَيْهِ. فَلَعَلَّ ذَلِكَ يكون محركًا فِي المسارعة إِلَى تتبع أَثَرهم، وَالسير إِلَيْهِ، لَعَلَّك تصل إِلَى بعض بعض مَا وصلوا إِلَيْهِ، أَو إِلَى كلّه، ففضل الله وعطاؤه وَاسع، لَا زَالَ مُنْهَلًّا لَدَيْهِ. ثمَّ وفَّق الله الْعَظِيم - وَله المِنَّة - هَؤُلَاءِ الحفَّاظ، الْأَئِمَّة النقَّاد إِلَى وُصُول مَا حفظوه إِلَيْنَا، وتقريب مَا تقلَّدوه علينا ، فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة، مُطَوَّلَة ومختصرة. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي أول من صنَّف الْكتب عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: عبد الْملك بن جريج. ثَانِيهَا: الرّبيع بن صَبِيح. ثَالِثهَا: (سعيد) بن أبي عرُوبَة. حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» . وَاخْتلف فِي ذَلِكَ مقاصدهم، وتشعَّبت آراؤهم، وَكلهَا مَقَاصِد حَسَنَة، وأفعال مستحسنة. فَمنهمْ من رَأَى أَن تدوينه عَلَى مسانيد الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أقرب إِلَى ضَبطه، فرتَّبه كَذَلِك، كالإِمام أَحْمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» ، ونظرائه. (قَالَ الْحَاكِم: أول من صنَّف الْمسند عَلَى [تراجم الرِّجَال] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 عبيد الله بن مُوسَى العَبْسي، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ) . وَمِنْهُم من رَأَى أَن تدوينه عَلَى تَرْتِيب أَبْوَاب الْفِقْه أسْرع لتنَاوله، فرتَّبه كَذَلِك. وَقيل: أول من فعل ذَلِكَ الرّبيع بن صبِيح. وَقيل: مَالك بن أنس فِي «موطئِهِ» وَبِه جزم الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» . ثمَّ مِنْ بعدهمْ جمع كَبِير، وجمٌّ غفير، كَعبد الرَّزَّاق، وَابْن أبي شيبَة، وَغَيرهمَا. وهلم جرًّا إِلَى زمن الإِمامين، الحافظين، الناقدين: أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن (الْحجَّاج) الْقشيرِي، فصنفا كِتَابَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ، والتزما ألَّا يوردا فيهمَا إلَّا حَدِيثا صَحِيحا، وتلقَّتهما الْأمة بِالْقبُولِ. ثمَّ ألَّف جمَاعَة فِي زمنهما كتبا أُخر عَلَى الْأَبْوَاب، من غير الْتِزَام فِيهَا مَا التزماه، فَلم تلتحق بهَا، كسنن أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي، وجامع أبي عِيسَى مُحَمَّد بن سَوْرة التِّرْمِذِيّ (الضَّرِير) ، وَسنَن أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ، وَسنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي. وألَّف جمَاعَة أُخر كتبا كَذَلِك: فبعضهم شَرط أَن يكون مُصَنفه مُخرَّجًا عَلَى أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا، ككتاب أبي نعيم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَالْبرْقَانِي، والإسماعيلي، وَأبي عَوَانَة. وَبَعْضهمْ شَرط أَن يسْتَدرك مَا أهمله الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، كَمَا فعل الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْكتاب الَّذِي سَمَّاه ب «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» . وَبَعْضهمْ شَرط فِي مُصَنفه الصِّحَّة مُطلقًا، لَا عَلَى رأيٍ، بل عَلَى رَأْيهمْ، كصحيح إِمَام الْأَئِمَّة، أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وصحيح أبي حَاتِم بن حبَان، الْمُسَمَّى ب «التقاسيم والأنواع» ، وَهَذَا لم يرتبه مُصَنفه عَلَى التَّرْتِيب الْمَذْكُور، وَإِنَّمَا رتَّبه عَلَى ترتيبٍ خَاص بديع. (وَبَعْضهمْ لم يَشْتَرِطْ) شَرْطًا، وإنَّما أودعا فِي تصانيفهما الصَّحِيح والضعيف، مبينين ذَلِكَ، ك «سنَن أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ) ، و «السّنَن الْكَبِير» لِلْحَافِظِ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ، المرتَّب عَلَى تَرْتِيب «الْمَبْسُوط» الَّذِي صنَّفه عَلَى تَرْتِيب (مُخْتَصر) الْمُزنِيّ. هَذَا كُله كَانَ (عَلَى) رَأْي السّلف الأول، يذكرُونَ الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ فِي هَذِه التصانيف، إذْ عَلَيْهِ المُعَوَّل. وَأما الْمُتَأَخّرُونَ، فاقتصروا عَلَى إِيرَاد الْأَحَادِيث فِي تصانيفهم بِدُونِ الْإِسْنَاد، مقتصرين عَلَى الْعزو إِلَى الْأَئِمَّة الأُوَل -[إلاّ أفرادًا] من ذَلِكَ وآحادًا -: كأحكام عبد الْحق «الْكُبْرَى» ، و «الصُّغْرَى» و «الْوُسْطَى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَعَلَى «الْوُسْطَى» اعتراضات لِلْحَافِظِ أبي الْحسن بن الْقطَّان، وَمَا أَكثر نَفعه. وَعَن بَعْضهَا أجوبة لبَعض الْمُتَأَخِّرين. وَأَحْكَام (الْحَافِظ) أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، الْمَعْرُوف ب «الضياء الْمَقْدِسِي» ، وَلم يتمم كِتَابه، وصل فِيهِ إِلَى أثْنَاء الْجِهَاد، وَهُوَ أكثُرها نفعا. وَأَحْكَام الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي: «الْكُبْرَى» ، و «الصُّغْرَى» . وَأَحْكَام الْحَافِظ مجد الدَّين عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية، الْمُسَمَّى ب «المُنْتَقَى» ، وَهُوَ كاسمه، وَمَا أحْسنه، لَوْلَا إِطْلَاقه فِي كثير من الْأَحَادِيث الْعزو إِلَى (كتب) الْأَئِمَّة دون التحسين والتضعيف، يَقُول مثلا: (رَوَاهُ أَحْمد) ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَيكون الحَدِيث ضَعِيفا، وَأَشد من ذَلِكَ: كَون الحَدِيث فِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» مُبَيَّنًا ضعفه، فيعزيه إِلَيْهِ من غير بَيَان ضعفه. وَيَنْبَغِي لِلْحَافِظِ جمع هَذِه الْمَوَاضِع، وكتبها عَلَى حَوَاشِي هَذَا الْكتاب، أَو جمعهَا فِي مُصَنف لتكمل فَائِدَة الْكتاب الْمَذْكُور. وَقد شَرَعْتُ فِي كَتْبِ ذَلِكَ عَلَى حَوَاشِي نُسْخَتي، وَأَرْجُو إِتْمَامه. وَأَحْكَام الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ - نزيل مَكَّة، شرَّفها الله تَعَالَى - وَهُوَ أبسطها وأطولها. وَأَحْكَام بَقِيَّة الْمُجْتَهدين فِي هَذَا الْفَنّ: تَقِيّ الدَّين أبي الْفَتْح الْقشيرِي، الْمُسَمَّى ب «الْإِلْمَام» ، وشَرَطَ فِيهِ - كَمَا قَالَ فِي خطبَته - أَن لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 يُخرج إلَّا حَدِيثا قد صحَّحه أحدٌ من الْأَئِمَّة، أَو زَكَّى (رُواته) واحدٌ مِنْهُم، وإنْ كَانَ غَيره قد ضعَّفه. وَأما كِتَابه «الإِمام» : فَهُوَ للْمُسلمين إِمَام، وَلِهَذَا الْفَنّ زِمَام، لَا نَظِير لَهُ، لَو تمَّ جَاءَ فِي خَمْسَة وَعشْرين مجلدًا، كَمَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه «سير النبلاء» . وَهُوَ حقيق بذلك؛ فقد رَأَيْت من أوَّلِه إِلَى أثْنَاء كتاب الصَّلَاة فِي الْكَلَام عَلَى رفع الْيَدَيْنِ فِي ثَلَاث مجلداتٍ ضخماتٍ، وَنقل (الذَّهَبِيّ) فِي الْكتاب الْمَذْكُور، عَن شَيخنَا قطب الدَّين (عبد الْكَرِيم) الْحلَبِي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - أنَّه كَمَّل تسويد هَذَا الْكتاب. وَكَذَلِكَ سمعته من بعض مَشَايِخنَا، يَحْكِي عَن الهمذاني عَن المُصَنّف أَنه أكمله. وَالْمَوْجُود بِأَيْدِينَا مِنْهُ متواليًا مَا قَدَّمْتُه، وَقطعَة من الْحَج وَالزَّكَاة. وَلَو بُيِّض هَذَا الْكتاب، وَخرج إِلَى النَّاس، لاستغني بِهِ عَن كل كتاب صُنِّف فِي نَوعه، أَو بقيت مسودته. وَيُقَال: إِن بَعضهم أَفْسَدَ قِطْعَة مِنْهُ حسدًا. فَلَا حول وَلَا قُوَّة إلَّا بِاللَّه العليّ الْعَظِيم. هَذَا كَلَامهم فِيمَا يتَعَلَّق بمتن الحَدِيث. وَأما متعلقاته: فَأمر غَرِيبه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أفرده بالتصنيف: أَبُو عُبَيْدَة معمر بن المثنَّى، وتلميذه أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام، وَالنضْر بن شُمَيْل، والهروي، وَابْن الْأَثِير، وَغَيرهم. وَأمر أَسمَاء رُوَاته جرحا وتعديلًا: وَأول من تكلَّم فِي ذَلِكَ: شُعْبَة، ثمَّ تبعه يَحْيَى بن سعيد القطَّان، ثمَّ أَحْمد بن حَنْبَل، وَيَحْيَى بن معِين. كَمَا قَالَه صَالح بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ - فأفرده بالتصنيف: يَحْيَى بن معِين - وَهُوَ أول من وضع كتابا فِي ذَلِكَ - ثمَّ البُخَارِيّ، ثمَّ أَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم، وَالنَّسَائِيّ. وَمن بعدهمْ: كالعُقَيْلي، والأزدي، وَابْن حبَان. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الاقتراح» : أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار، وَقَفَ عَلَى شَفِيْرِها طَائِفَتَانِ من النَّاس: المحدثون والحكام. قَالَ: وَكَانَ شيخ شُيُوخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحسن الْمَقْدِسِي يَقُول فِي الرجل الَّذِي يخرج عَنهُ فِي الصَّحِيح: هَذَا جَازَ القنطرة. يَعْنِي بذلك: أَنه لَا (يلْتَفت) إِلَى مَا قيل فِيهِ. قَالَ الشَّيْخ: وَهَكَذَا (نعتقد، و) بِهِ نقُول، وَلَا نخرج عَنهُ إلَّا ببيانٍ (شافٍ) ، وَحجَّة ظَاهِرَة. وَأمر صحابته أفرده بالتصنيف: أَبُو نعيم وَأَبُو مُوسَى الأصبهانيان، وَابْن قَانِع، وَابْن عبد الْبر، وَابْن الْأَثِير، وَغَيرهم. وَكَذَلِكَ فعلوا - قَدَّس الله أَرْوَاحهم، ونَوَّر ضرائحهم - بباقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 أَنْوَاعه، وفنونه الزَّائِدَة عَلَى السِّتين نوعا، أَنْجَحَ الله قصدهم، وَلَا خَيَّبَ سعينا وسعيهم، فَلَقَد بذلوا جهدهمْ فِيمَا صنَّفوه، وأتعبوا فِكْرَهُم فِيمَا وضعوه وحرَّروه، وَلم يبْق هِمَّةُ أكثرِ الْفُضَلَاء (من) الْمُتَأَخِّرين إلَّا النّظر فِيمَا هَذَّبُوه، والاقتباس مِمَّا قَيَّدوه وضبطوه، ولعمري إنَّ ذَلِكَ (الْيَوْم) لمن أشرفِ المطالب، وأعظمِ الْمَقَاصِد. وَكنت مِمَّن أَنعمَ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَله الْحَمد والمِنَّة - عَلَيْهِ محبَّة الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة، خُصُوصا هَذَا الْعلم الشريف، فَكنت أُعلِّق فَوَائده، وأَضبط شوارده، وأُقيِّد أوابده، وأَسمع عاليه ونازله، كاشفًا عَن فنونه، باحثًا عَن علومه، (أَعنِي) : صَحِيحه، وَحسنه، وضعيفه، ومتصله، ومرسله، ومنقطعه، ومعضله، ومقلوبه، ومشهوره، وغريبه، وعزيزه، ومنكره، و (معروفه) ، وآحاده، ومتواتره، وأفراده، وشاذه، ومعلله، ومدرجه، ومبينه، ومختلفه، وموضوعه، إِلَى غير ذَلِكَ من معرفَة حَال أسانيده جرحا وتعديلًا، وأنسابًا وتاريخًا، وصدقًا وتدليسًا، واعتبارًا ومتابعةً، ووصلًا وإرسالًا، ووقفًا وانقطاعًا، وَزِيَادَة الثِّقَات، وَمَا خُولف فِيهِ الْأَثْبَات، وَمَعْرِفَة الصَّحَابَة، وتابعيهم، وتابعي التَّابِعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَجْمَعِينَ. ويَسَّر الله - تَعَالَى - لنا - سُبْحَانَهُ، وَله الْحَمد والْمنَّة - من الْكتب الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا طَالب هَذَا الْفَنّ: زِيَادَة عَلَى مائَة تأليف، كَمَا سأعدها لَك فِي آخر الْخطْبَة. وأحببت أَن أشتغل بِكِتَابَة الحَدِيث النَّبَوِيّ - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأعظم التَّحِيَّة والإِكرام - رَجَاء شَفَاعَته (فيَّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 يَوْم الْقِيَامَة، يَوْم الهول والملامة، وثواب الله الْكَرِيم، وفضله العميم، وَقد قَالَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِيمَا (روينَا عَنهُ) : «اغْدُ عَالما أَو مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ الثَّالِثَة فَتَهْلِك» . وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني من حَدِيث عَطاء بن مُسلم، عَن خَالِد الحَذَّاء، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي [بكرَة] ، عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «اغْدُ عَالما، أَو مُتَعَلِّمًا، أَو مستمعًا، أَو مُحِبًّا، وَلَا تكن الْخَامِسَة فتهلك» ، قَالَ: يَعْنِي بالخامسة: المُبْغِض. ورجاءَ وُصُول هَذَا (الْعلم) الشريف إِلَى ذهني الركود، وقريحتي الَّتِي قَلَّ أَن تجود، وامتثالًا لقَوْل الْعلمَاء أولي الْفضل والتفضيل: التصنيف أحد (طريقَي) التَّحْصِيل. وَلَا شكّ وَلَا مرية أَن أهم أَنْوَاعه - قبل الْخَوْض فِي فهمه -: معرفَة صَحِيحه من سقيمه، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الاقتراح» : نَحن نرَى أَن [من] أهم عُلُوم الحَدِيث: مَا يُؤَدِّي إِلَى معرفَة صَحِيح الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فَبَقيت زَمنا مُتَحَيِّرًا فِيمَ أكتبه، وَمَا أعلِّقه وأصنِّفه، إِلَى أَن خار الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - والخيرة بِيَدِهِ، كَمَا قَالَ فِي كِتَابه: (مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة) ، وَله الْحَمد والمنَّة - بتأليف كتاب نَفِيس، لم أُسْبَقْ إِلَى وَضعه، وَلم يُنسج عَلَى منواله وَجمعه، وَأهل زَمَاننَا وَغَيرهم (شديدو) الْحَاجة إِلَيْهِ، وكل الْمذَاهب تعتمد فِي الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ، وَهُوَ: أَن أتكلَّم عَلَى الْأَحَادِيث (والْآثَار الْوَاقِعَة) فِي «الْفَتْح الْعَزِيز (فِي) شرح الْوَجِيز» ، وَهُوَ الشَّرْح الْكَبِير الَّذِي صنَّفه إِمَام الملَّة والدِّين، أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم ابْن الإِمام أبي الْفضل مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الرَّافِعِيّ، قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه، فَإِنَّهُ كتاب لم يصنف فِي الْمَذْهَب عَلَى مثل أسلوبه، وَلم يجمع أحد سلف كجمعه، فِي ترتيبه وتنقيحه وتهذيبه، ومرجع فقهائنا فِي كل الأقطار - الْيَوْم - فِي الْفَتْوَى، والتدريس، والتصنيف إِلَيْهِ، واعتمادهم فِي هَذِه الْأُمُور عَلَيْهِ. لكنه - أَجْزَل الله مثوبته - مَشَى فِي هَذَا الشَّرْح الْمَذْكُور عَلَى طَريقَة الْفُقَهَاء الخُلَّص، فِي ذكر الْأَحَادِيث الضعيفة والموضوعات، والمنكرة والواهيات، وَالَّتِي لَا تعرف أصلا فِي كتاب حَدِيث، لَا قديم وَلَا حَدِيث، فِي معرض الِاسْتِدْلَال، من غير بَيَان ضَعِيف من صَحِيح، وسليم من جريح. وَهُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِمَام فِي الْفَنّ الْمَذْكُور، وَأحد فرسانه، كَمَا سَيَأْتِي إيضاحه فِي تَرْجَمته. فتوكلت - حينئذٍ - عَلَى الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ذَلِكَ، وسَأَلْتُه التوفيقَ فِي القولِ والعملِ، والعصمة من الْخَطَأ والخَطَل. وَكنت عزمت عَلَى أَن أرتِّب أَحَادِيث وآثار الْكتاب الْمَذْكُور عَلَى مسانيد الصَّحَابَة، فأذكر الصَّحَابِيّ وعدة مَا رَوَى من الْأَحَادِيث، وَمَا لَهُ من الْآثَار، فثنيت الْعَنَان عَن ذَلِكَ، لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الإِمام الرَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي كثير من المواطن لَا يذكر إلَّا نَفْس الحَدِيث، ويحذف الرَّاوِي، إذْ هُوَ مَوضِع الْحَاجة، فَلَا يَهْتَدِي طَالب الحَدِيث إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف مظنته. الثَّانِي: أَن ذَلِكَ يعسر عَلَى الْفَقِيه، فإنَّه يَسْتَدْعِي معرفَة جَمِيع الْأَحَادِيث والْآثَار الْوَاقِعَة فِي شرح الرَّافِعِيّ، واستحضارها - وَهِي زَائِدَة عَلَى أَرْبَعَة آلَاف بمكررها - وَرُبمَا عسر ذَلِكَ عَلَيْهِم. فرتبته عَلَى تَرْتِيب «شرح الرَّافِعِيّ» ، لَا أُغَيِّر مِنْهُ شَيْئا بِتَقْدِيم وَلَا بِتَأْخِير، فأَذكر كل بَاب وَمَا تضمَّنه من الْأَحَادِيث والْآثَار. فَمَتَى طلب الطَّالِب حَدِيثا أَو أثرا فِي «كتاب الطَّهَارَة» مِنْهُ، فَزِعَ إِلَى كتاب الطَّهَارَة من هَذَا التَّأْلِيف، أَو فِي «كتاب الصَّلَاة» فَزِعَ إِلَى كتاب الصَّلَاة مِنْهُ، وَهَكَذَا أَولا فَأول، عَلَى التَّرْتِيب وَالْوَلَاء، إِلَى آخر الْكتاب - إِن شَاءَ الله تَعَالَى ذَلِكَ وقَدَّره - مُعْزِيًا إِلَى الْأُصُول الْمخْرج مِنْهَا: فَإِن كَانَ الحَدِيث أَو الْأَثر فِي صحيحي الإِمامين: أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج القُشَيْري، أَو أحدِهِما: اكتفيت بعزوه إِلَيْهِمَا، أَو إِلَيْهِ، وَلَا أُعَرِّجُ عَلَى من رَوَاهُ غَيرهمَا من بَاقِي (أَصْحَاب) الْكتب الستَّة، وَالْمَسَانِيد، والصحاح؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي الإِطالة بذلك - وَإِن كَانَ الْحَافِظ مجد الدَّين عبد السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ابْن تَيْمِية اعْتمد ذَلِكَ فِي «أَحْكَامه» - لِأَن الْغَرَض الِاخْتِصَار، وَذَلِكَ عِنْدِي - بِحَمْد الله - من أيسر شَيْء. اللَّهُمَّ إلَّا أَن يكون فِي الحَدِيث زِيَادَة (عِنْد غَيرهمَا) ، وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَى ذَلِكَ، فَأُشْفِعُه (بالعزو) إِلَيْهِم. وَإِن لم يكن الحَدِيث فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، (عزوته) إِلَى من أخرجه من الْأَئِمَّة: كمالك فِي «موطئِهِ» ، وَالشَّافِعِيّ فِي « (الْأُم) » ، و «مُسْنده» الَّذِي جُمع من حَدِيثه، و «سنَنه» الَّتِي رَوَاهَا الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَنهُ، و «سنَنه» الَّتِي رَوَاهَا أَبُو عبد الله، مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عَنهُ، وَأحمد فِي «مُسْنده» ، وَعبد الله بن وهب فِي «موطئِهِ» ، وَأبي دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَأبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَأبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكَبِير» المُسَمَّى ب «المجتنى» ، و «الصَّغِير» المُسَمَّى ب «الْمُجْتَبَى» ، وَأبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي فِي «سنَنه» ، وَأبي عوَانَة فِي «صَحِيحه» ، وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي الْقطعَة الَّتِي وقفتُ عَلَيْهَا من «صَحِيحه» ، وَأبي حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه الْمُسَمَّى ب «التقاسيم والأنواع» ، وَفِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» ، وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «صَحِيحه» وَأبي عبد الله الْحَاكِم فِيمَا استدرك عَلَى «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَابْن أبي شيبَة، والحُمَيْدِي، والدَّارِمِي، و (أبي) دَاوُد الطَّيَالِسي، وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَأبي يَعْلَى، والبَزَّار، والْحَارث بن أبي أُسَامَة، فِي «مسانيدهم» ، وَابْن الْجَارُود فِي «المُنْتَقى» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 «سنَنه» ، وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن الْكَبِير» ، وانْتَقَد عَلَيْهِ بعض شُيُوخنَا مواضعَ يُمكن الْجَواب عَنْهَا، و «معرفَة السّنَن والْآثَار» ، و «شعب الإِيمان» والمعاجم الثَّلَاثَة للطبراني، والْكَبِير سِتُّونَ ألف حديثٍ، كَمَا قَالَه ابْن دحْيَة فِي كتاب «الْآيَات الْبَينَات» . قَالَ فِي (مَوضِع آخر) مِنْهُ: وَقيل: ثَمَانُون ألفا. وَجمع الْقَوْلَيْنِ فِي كِتَابه «خَصَائِص أَعْضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ: وعاش مائَة سنة. وَقَالَ صَاحب «مُسْند الفردوس» : وَيُقَال: إِن الْأَوْسَط ثَلَاثُونَ ألف حَدِيث. و «الطّهُور» لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلَّام، و «سنَن» اللالكائي، و «سنَن» أبي عَلّي بن السَّكن، المسمَّى ب « (السّنَن) الصِّحَاح المأثورة» . نَاظرا عَلَى ذَلِك من كتب الصَّحَابَة: مَا صنَّفه أَبُو نعيم وَأَبُو مُوسَى الأصبهانيان، وَابْن عبد الْبر، وَابْن قَانِع فِي «مُعْجَمه» ، و (عبد الْكَرِيم الْجَزرِي) فِي كِتَابه « (أَسد) الغابة» ، وَمَا زَاده الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ (من) «طَبَقَات ابْن سعد» وَغَيره، فِي اختصاره للْكتاب الْمَذْكُور وَمَا أهمله. وَمن كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا وَغير ذَلِك: تواريخ البُخَارِيّ، و «الضُّعَفَاء» لَهُ، و «الضُّعَفَاء» للنسائي، و «الْجرْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَالتَّعْدِيل» لِابْنِ أبي حَاتِم، و «الضُّعَفَاء» للعقيلي، و «الْكَامِل» لِابْنِ عدي، و «الضُّعَفَاء» لِابْنِ حبَان، و «الثِّقَات» لَهُ، و «الثِّقَات» لِابْنِ شاهين، و «المُخْتَلَف فيهم» (لَهُ) ، و «الضُّعَفَاء» (لأبي الْعَرَب) ، و «الضُّعَفَاء» لأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ، وَمَا جمعه الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء» ، وَمَا ذيَّل عَلَيْهِ، وَمَا جمعه آخرا وسَمَّاه ب «ميزَان الِاعْتِدَال فِي نقد الرِّجَال» ، وَهُوَ من أنفس كتبه. و «رجال الصَّحِيحَيْنِ» لِابْنِ طَاهِر، غير مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِ، و «الكُنى» للنسائي، و «الكُنى» للدولابي، و «الكُنى» لِلْحَافِظِ أبي أَحْمد الْحَاكِم، وَهُوَ (أكبرها) . و «الْمدْخل إِلَى الصَّحِيحَيْنِ» للْحَاكِم أبي عبد الله، و «التذهيب» لِلْحَافِظِ أبي عبد الله الذَّهَبِيّ، وَأَصله المسمَّى ب «تَهْذِيب الْكَمَال» لِلْحَافِظِ جمال الدَّين المزيِّ، وَمَا (نُقد) عَلَيْهِ. «والكمال» ، و «الكاشف» ، و «الذبّ عَن الثِّقَات» ، و «من تُكُلِّمَ فِيهِ وَهُوَ موثق» لِلْحَافِظِ أبي عبد الله الذَّهَبِيّ، و «الْأَسْمَاء المفردة» لِلْحَافِظِ أبي بكر البرديجي، و «أَسمَاء رُوَاة الْكتب» لأبي عبد الله بن نقطة، و «كشف النقاب عَن الْأَسْمَاء والألقاب» لأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ، و «الْأَنْسَاب» لِابْنِ طَاهِر، و «إِيضَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 [الْإِشْكَال] » لِلْحَافِظِ عبد الْغَنِيّ الْمصْرِيّ، و «غُنْيَة الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس» للخطيب الْبَغْدَادِيّ، و «مُوَضِّح أَوْهَام الْجمع والتفريق» لَهُ، وَهُوَ كتاب نَفِيس، وَقع لي بِخَطِّهِ. و «تَلْخِيص الْمُتَشَابه فِي الرَّسْم، وحماية مَا أشكل (مِنْهُ) عَن (بَوَادِر) التَّصْحِيف وَالوهم» لَهُ أَيْضا، و «أَسمَاء من رَوَى عَن مَالك» لَهُ، وَكتاب: «الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل» (لَهُ) ، و «التَّهْذِيب» للشَّيْخ محيي الدَّين النواوي. وَمن كتب الْعِلَل: مَا أودعهُ أَحْمد، وَابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن أبي حَاتِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن القَطَّان، وَابْن الْجَوْزِيّ: فِي عللهم. قَالَ ابْن مهْدي الْحَافِظ: لِأَن أَعْرِف عِلَّة حَدِيث هُوَ عِنْدِي، أحبّ إليَّ من أَن أَكتبَ عشْرين حَدِيثا لَيْسَ عِنْدِي. وَمن كتب الْمَرَاسِيل: مَا أودعهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن أبي حَاتِم، وَابْن بدر الْموصِلِي، وَشَيخنَا صَلَاح الدَّين العلائي، حَافظ زَمَانه - أبْقَاه الله فِي خير وعافية - فِي مراسيلهم. وَمن كتب الموضوعات: مَا أودعهُ ابْن طَاهِر، والجَوْرَقَاني، وَابْن الْجَوْزِيّ، والصَّغَانيّ، وَابْن بدر الْموصِلِي: فِي موضوعاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَمن كتب الْأَطْرَاف: أَطْرَاف الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي، حَافظ الْوَقْت، الْمُسَمَّاة ب «تحفة الْأَشْرَاف بِمَعْرِِفَة الْأَطْرَاف» . اقْتَصَرْتُ عَلَيْهَا؛ لكَونه هَذَّبَ الْأَطْرَاف المتقدِّمة قبله، (مَعَ جمعهَا لَهَا) ك «أَطْرَاف» خلف، وَأبي مَسْعُود، وَابْن عَسَاكِر، وَابْن طَاهِر، واستدرك جملَة عَلَيْهِم. وأطراف خلف أقلُّ وهما وَخطأ من أَطْرَاف أبي مَسْعُود، وأطراف ابْن طَاهِر كَثِيرَة الْوَهم، كَمَا شهد بذلك حَافظ الشَّام ابْن عَسَاكِر. وَمن كتب الْأَحْكَام: أَحْكَام عبد الْحق «الْوُسْطَى» ، و «الصُّغْرَى» ، و «أَحْكَام» الضياء الْمَقْدِسِي، و «الْأَحْكَام الْكُبْرَى» لعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي، وَأَحْكَام أبي عبد الله مُحَمَّد (بن فرج) الْمَعْرُوف ب «الطَلَّاع» ، و «الْمُنْتَقَى» لمجد الدَّين ابْن تَيْمِية، و «الإِلمام» للشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، وَالْمَوْجُود من «الإِمام» (لَهُ) ، و «الْخُلَاصَة» للشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ، وَهِي مفيدة، وَلم يُكَمِّلها. وَمَا ذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كتاب «اخْتِصَار سنَن أبي دَاوُد» ، من اعتراضات وفوائد. وَمن كتب الخلافيات الحديثية: «خلافيات» الْحَافِظ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ، وَلم أرَ مثلهَا، بل وَلَا صُنِّف. وخلافيات الْحَافِظ جمال الدَّين أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ، الْمُسَمَّاة ب «التَّحْقِيق فِي أَحَادِيث التَّعْلِيق» ، وَهِي مفيدة، وَمَا نقب عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَمن كتب الأمالي: « (أمالي» ) ابْن السَّمْعَانِيّ، «أمالي» ابْن مَنْدَه، «أمالي» ابْن عَسَاكِر، أمالي إِمَام الْملَّة وَالدّين، أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ - الَّذِي تصدينا لإِخراج أَحَادِيث «شَرحه الْكَبِير» - وَهِي مفيدة جدًّا لم أرَ أحدا مَشَى عَلَى مِنْوَالِها، فإنَّه أملاها فِي ثَلَاثِينَ مَجْلِسا، ذكر فِي أول كل مجلسٍ مِنْهَا حَدِيثا بِإِسْنَادِهِ، عَلَى طَريقَة أهل الْفَنّ، ثمَّ تكلم (عَلَيْهِ) بِمَا يتَعَلَّق بِإِسْنَادِهِ، وحالِ رواتِه، وغريبِه، وعربيته، وفقههِ، ودقائقه، ثمَّ يختمه بفوائد، (وأشعار) ، وحكايات، ورتبها ترتيبًا بديعًا عَلَى نظم كَلِمَات الْفَاتِحَة، بإرداف كلمة «آمين» لِأَنَّهَا بهَا ثَلَاثُونَ كلمة، فَاشْتَمَلَ الحَدِيث الأول عَلَى كلمة «الِاسْم» ، وَالثَّانِي عَلَى اسْم الله الْعَظِيم، وَالثَّالِث عَلَى «الرَّحْمَن» ، وهلم جرًّا إِلَى آخرهَا. وَهَذَا تَرْتِيب بديع، وسمَّاها: «الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» ، ومَنْ نَظَر فِي الْكتاب الْمَذْكُور عَرَفَ قدر هَذَا الإِمام، وَحكم لَهُ بتقدمه فِي (هَذَا) الْعلم خُصُوصا. وَمن كتب النَّاسِخ والمنسوخ: مَا أودعهُ الإِمام الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الحَدِيث» ، والأثرم، والحازمي، وَابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ: فِي تواليفهم. وَمن كتب المبهمات فِي الحَدِيث: (مَا) أودعهُ الْحَافِظ الْخَطِيب أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ، وَابْن بشكوال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَابْن طَاهِر: فِي تواليفهم. وَمَا زَاده الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ فِي اختصاره لكَلَام الْخَطِيب، والحافظ: أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي آخر كِتَابه الْمُسَمَّى ب «تلقيح فهوم [أهل] الْأَثر فِي الْمَغَازِي وَالسير» . وَمن كتب شُرُوح الحَدِيث والغريب: مَا ذكره القَاضِي عِيَاض، والمازري قبله، وَالنَّوَوِيّ، والقرطبي: فِي شروحهم ل «مُسلم» . وَمَا شرحهُ الْخطابِيّ من: «سنَن أبي دَاوُد» ، و «البُخَارِيّ» المسمَّى ب «الْأَعْلَام» . وَمَا شرَحه (النَّوَوِيّ) من: «البُخَارِيّ» ، و «سنَن أبي دَاوُد» وَلم يكملهما. وَمَا شرَحه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين من أَوَائِل «الإِلمام» . وَمَا شَرحه شَيخنَا، حَافظ مصر فتح الدَّين ابْن سيد النَّاس من «جَامع التِّرْمِذِيّ» ، وَلَو كَمُلَ كَانَ فِي غَايَة الْحسن. و «شرح مُسْند الإِمَام الشَّافِعِي» لِابْنِ الْأَثِير، وللإِمام أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ أَيْضا، وَهُوَ من جملَة مَا يُعْرَفُ بِهِ قدره فِي هَذَا الْفَنّ. وَمَا أودعهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلَّام فِي «غَرِيبه» (الَّذِي) جمعه فِي أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَ خُلَاصَة عمره. والحَرْبيّ - صَاحب الإِمام أَحْمد - فِي «غَرِيبه الْكَبِير» ، والزَّمَخْشَرِيّ فِي «فَائِقِه» ، وَابْن قُرْقُول فِي «مطالعه» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 والهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» ، وَابْن الْأَثِير فِي «نهايته» . وَمَا ذكره فِي «جَامع الْأُصُول» . وَمَا ذكره القَلْعِي، وَابْن بَاطِيْش، وَابْن مَعْن: فِي كَلَامهم عَلَى (الْمُهَذّب) . والخَطَّابي فِي كِتَابه: «تصاحيف الْمُحدثين» ، والصولي فِيهِ أَيْضا، والعَسْكري فِيهِ أَيْضا. والمُطَرِّزِيّ فِي «مغربه» ، وَمَا أَكثر فَوَائده. وَمن كتب أَسمَاء الْأَمَاكِن: مَا أودعهُ الْوَزير أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي «مُعْجم مَا استعجم من الْبلدَانِ» ، (والحافظ أَبُو بكر الْحَازِمِي) فِي تأليفه الْمُسَمَّى ب «الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» وهما غَايَة فِي بابهما. وَمن كتب أُخرى حَدِيثِيَّةٌ: كمعجم أبي (يعْلى) الْموصِلِي، و «جَامع المسانيد بألخص الْأَسَانِيد» لأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ، وَهُوَ تَلْخِيص مُسْند الإِمام أَحْمد بن حَنْبَل، و «نقي النَّقْل» لَهُ، وَكتاب «تَحْرِيم الْوَطْء فِي الدبر» لَهُ، و «بَيَان خَطَأِ من أَخْطَأَ عَلَى الشَّافِعِي فِي الحَدِيث» للبيهقي، و «فِي اللُّغَة» لَهُ أَيْضا، و «حَيَاة الْأَنْبِيَاء فِي قُبُورهم» لَهُ أَيْضا، وَكتاب «الْأَشْرِبَة» للإِمام أَحْمد، و «الْحِلْية» لأبي نعيم، و «أَمْثَال الحَدِيث» للرَّامَهُرْمُزِيّ، و «الْأَوَائِل» للطبراني، و «عُلُوم الحَدِيث» للْحَاكِم أبي عبد الله، وَابْن الصّلاح. و «الدَّعْوَات الكافية فِي الْأَدْوِيَة الشافية» لِابْنِ الْقُسْطَلَانِيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 و «الْأَدْعِيَة» لِلْحَافِظِ أبي الْفضل الْمَقْدِسِي، و «الصَّوْم» لَهُ، و «الصّيام من السّنَن المأثورة» للْقَاضِي يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل. و «كَلَام الحافظِ أبي الْفضل بن طَاهِر عَلَى حَدِيث معَاذ» ، و «أَحَادِيث الشهَاب» . و «المُحَلَّى شرح المُجَلَّى» لأبي مُحَمَّد بن حزم. وَمَا رَدَّه عَلَيْهِ ابْن عبد الْحق، وَابْن مُفَوِّز، وَشَيخنَا قطب الدَّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي، الْحَافِظ، فِي جُزْء جيد، وَمَا أَكثر فَوَائده. و «رسائل ابْن حزم فِي الْقيَاس» ، و «فَضَائِل الْجِهَاد» لبهاء الدَّين بن عَسَاكِر، ابْن الْحَافِظ الْمَشْهُور. وَمن مصنفات أبي الْخطاب بن دِحْيَة: «الْآيَات البَيِّنات فِي أَعْضَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَام» ، و «مرج الْبَحْرين فِي فَوَائِد المشرقين والمغربين» ، و «العَلَم الْمَشْهُور فِي فَضَائِل الْأَيَّام والشهور» ، و « (خَصَائِص) الْأَعْضَاء» ، و « (التَّنْوِير) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 فِي مولد السراج الْمُنِير» وَغَيرهَا من مؤلفاته المفيدة. وَمن كتب أُخْرَى مُتَعَلقَة بالفقه: ك «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» للشَّيْخ زكي (الدَّين) عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ، رَأَيْت مِنْهُ إِلَى أَوَاخِر الْحَج، وشأنه إِيرَاد الْأَحَادِيث بأسانيده. وَكَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ عَلَى «الْوَسِيط» ، و «الْمُهَذّب» ، وَكَلَام الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «التذنيب» الَّذِي لَهُ عَلَى «الْوَجِيز» . وَكَلَام الشَّيْخ نجم الدَّين بن الرِّفْعَة، فِي شرحي «الْوَسِيط» ، و «التَّنْبِيه» ، وَغير ذَلِك. هَذَا مَا حضرني الْآن من الْكتب الَّتِي نظرتها، واعتمدت عَلَيْهَا فِي هَذَا التصنيف وانتخبتها. وَأما الْأَجْزَاء الحديثية، والمصنفات اللطيفة، والفوائد المنتخبة من الخبايا والزوايا فَلَا ينْحَصر مصنفاتها، وكل نقولاتها فِي الْكتاب معزوة إِلَى (قَائِلهَا) وناقلها، فإنْ كَانَ فِي المظنة أطلقته، وإنْ لم يكن (فِيهَا) قَيَّدتهُ بِبَابِهِ. وَعَدَدْتُ هَذِه الْكتب هَا هُنَا لفائدتين: إِحْدَاهمَا: أَن النَّاظر قد يُشْكِل عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا ذَكرْنَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة، فيراجعه من تواليفهم. (الثَّانِيَة) : ليعرف مِقْدَار هَذَا الْكتاب، وبذل جهد الطَّاقَة والوسع فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فإنْ كَمُلَ مَا رُمْنَاهُ، وَحصل مَا قَصَدْنَاه حصل عنْدك أَيهَا الطَّالِب خزانَة من أَنْوَاع الْعُلُوم الْمَذْكُورَة فِيهِ، وكملت فَائِدَة شرح الرَّافِعِيّ، لِأَن محصلهما حينئذٍ يكون جَامعا للفنين - أَعنِي عِلْمَي: الْفِقْه والْحَدِيث - (وحائِزًا (للمنقبتين) ، ويلتحق بِمن إِذا ذكرُوا فِي الْقَدِيم والْحَدِيث) ، يُقَال فِي حَقهم: الجامعون بَين الْفِقْه والْحَدِيث. وأتوسط فِي الْعبارَة فِيمَا أُورده من علل الحَدِيث، ومتعلقاته، وَإِذا توارد عَلَى التَّعْلِيل - أَو غَيره من الْفُنُون الْمُتَعَلّقَة بِهِ - (أَقْوَال) أَئِمَّة ذكرتُ قَول أشهرهم لَئِلَّا يطول الْكتاب. وأُنَبِّه - مَعَ ذَلِكَ - عَلَى مَا أَظهره الله عَلَى يَدي مِمَّا وَقع للْمُتَقَدِّمين والمتأخرين من وهم، أَو غلط، أَو اعْتِرَاض، أَو (اسْتِدْرَاك) ، قَاصِدا بذلك النَّصِيحَة للْمُسلمين، حاشا الظُّهُور أَو التنقيص، معَاذ الله من ذَلِكَ، فَهَل الْفضل إلَّا للمتقدم، وغالب ذَلِكَ إِنَّمَا يَقع (من) التَّقْلِيد، وَنحن (برَاء مِنْهُ) بِحَمْد الله وَمَنِّه. وأُتْبعُ الْكَلَام غَالِبا - بعد بَيَان صِحَة الحَدِيث، وَضَعفه، وغرابته، إِلَى غير ذَلِكَ من فنونه - بِمَا وَقع فِيهِ من ضبط ألفاظٍ، وَأَسْمَاء، وفوائدَ، وإشكالات. وَهَذَا النَّوْع - وَإِن كَانَ كتَابنَا هَذَا غير مَوْضُوع لَهُ - فبه تكمل الْفَائِدَة، وتتم العائدة، إلَّا أَنَّا نَتَحَرَّى الِاخْتِصَار فِي إِيرَاده، ونقتصر فِي إبرازه، حَذَرَ السَّآمَة (والملل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 ووسمته ب «الْبَدْر الْمُنِير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشَّرْح الْكَبِير» . وقدمت فِي أَوله فصولًا، تكونُ لِمُحَصِّله وَغَيره قَوَاعِد يَرْجِع إِلَيْهَا، وأصولًا فِي شُرُوط الْكتب السِّتَّة، وَغَيرهَا من الْكتب المصنَّفة المتقدِّمة، ليعتمد عَلَى شَرطهَا من أول الْكتاب إِلَى آخِره. وَفِي آخرهَا فصلا فِي حَال الإِمام (الرَّافِعِيّ) ومولده، ووفاته، وشيوخه، ومصنفاته، فإنَّه فِي الإِسلام بِمحل خطير، وَبِكُل فَضِيلَة جدير، ليُعْرَف قدره، وَيرد عَلَى (كل) من جَهِلَ حَاله وفضله. وَبَيَان حَال وَالِده، ووالدته، فإنَّهما من الَّذين تتنزَّل الرَّحْمَة بذكرهم، ويُبْتَهل إِلَى الله ببركتهم. جَعَلَه الله مُقَرِّبًا من رضوانه، مُبْعِدًا من سخطه وحرمانه، نَافِعًا لكَاتبه، وسامعه، نفعا شَامِلًا فِي الْحَال والمآل، إنَّه لِمَا يَشَاء فَعَّال، لَا رب سواهُ، وَلَا مَرْجُوًّا إلَّا إيَّاه. اللَّهُمَّ انفعني بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، يَوْم الْحَسْرَة والندامة، ووالدي، ومشايخي، وأحبائي، وَالْمُسْلِمين أَجْمَعِينَ، إِنَّه عَلَى مَا يَشَاء قدير، وَبِكُل مأمول جدير. فصل أمَّا «موطأ» إِمَام دَار الْهِجْرَة، مَالك بن أنس: فشرطها أوضح من (الشَّمْس) . قَالَ بشر بن عمر الزهْرَانِي: سَأَلت مَالِكًا عَن رجلٍ، فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 رَأَيْتَه فِي كتبي؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: لَو كَانَ ثِقَة لرأيته فِي كتبي. وَقَالَ الإِمام أَحْمد: مالكٌ إِذا رَوَى عَن رجلٍ لَمْ يُعْرَف فَهُوَ حجَّة. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: كَانَ مَالك لَا يبلغ من الحَدِيث إلَّا صَحِيحا، وَلَا يُحَدِّث إلَّا عَن ثِقَات النَّاس. (وَقَالَ صَاحب «مُسْند الفردوس» : هُوَ أول كتاب صُنِّف فِي الْإِسْلَام، وعلِّقَ عَلَى بَاب الْكَعْبَة بسلسلة الذَّهَب) . فصل وَأما مُسْند الإِمام أَحْمد، (وَذَلِكَ) فِيمَا روينَا بالإِسناد الصَّحِيح عَنهُ أَنه قَالَ: عملت هَذَا الْكتاب - يَعْنِي الْمسند - إِمَامًا، إِذا اخْتلف الناسُ فِي سُنَّةٍ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رُجِع إِلَيْهِ. وَقَالَ حَنْبَل بن إِسْحَاق: جَمَعَنا أَحْمد بن حَنْبَل، أَنا وَصَالح، وَعبد الله وَقَرَأَ علينا «الْمسند» ، و (مَا) سَمعه مِنْهُ غَيرنَا، وَقَالَ لنا: هَذَا الْكتاب قد جمعته وانتقيته من أَكثر من سَبْعمِائة ألف وَخمسين ألفا، فَمَا اخْتلف الْمُسلمُونَ فِيهِ من حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فارجِعُوا إِلَيْهِ، فإنْ وجدتموه، وإلَّا فَلَيْسَ بحجَّة. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرُّهَاوي فِي كتاب «المادح والممدوح» - وَمن خطّ الْمُنْذِرِيّ نقلت -: كَيفَ قَالَ الإِمام أَحْمد هَذَا و «الْمسند» يشْتَمل عَلَى الصِّحَاح، وغرائب، وَأَحَادِيث فِيهَا ضعف؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 إنَّما أَرَادَ بقوله: فإنْ وجدتموه فِيهِ، وإلَّا فَلَيْسَ بِحجَّة: الْأَحَادِيث الصِّحَاح الَّتِي احتوى عَلَيْهَا مُسْنده، دون الغرائب، والضعاف. يَعْنِي: أَن كل حَدِيث يُرَاد للاحتجاج بِهِ، وَالْعَمَل بِحكمِهِ، وَلَيْسَ فِي مُسْنده فَلَيْسَ بِصَحِيح، حكما مِنْهُ بأنَّه لم يبقَ حَدِيث صَحِيح خَارج «مُسْنده» ، وَهَذَا لسعة علمه بالأحاديث، وإحاطته بهَا وبطرقها، وصحاحها، وسقامها. قَالَ: وَمن أَمْعَنَ فِي طلب الحَدِيث، واستكثر مِنْهُ، وَمن الْكتب المصنفة فِيهِ فِي أَنْوَاع علومه، وَرَآهَا مشحونة بِكَلَامِهِ، وَرَأَى اعْتِمَاد المُصَنِّفين عَلَى كَلَامه، وإحالتهم عَلَيْهِ - من عصره، وزمانه وهلم جرًّا، إِلَى حِين قَلَّ طالبو الحَدِيث، وكَسَد سوقه - عَرفَ صِحَة مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي «خَصَائِصه» : وَلم يخرج - أَي أَحْمد - إلَّا عَمَّن يثبت عِنْده صدقه، وديانته، دون من طُعِنَ فِي أَمَانَته، يدل عَلَى ذَلِكَ قَول ابْنه عبد الله: سَأَلت أبي عَن عبد الْعَزِيز بن أبان فَقَالَ: لم أخرج عَنهُ فِي الْمسند شَيْئًا، قد أخرجت عَنهُ عَلَى غير وَجه الحَدِيث، لَمَّا حدَّث بِحَدِيث الْمَوَاقِيت تركته. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَمن الدَّلِيل (عَلَى) أنَّ مَا أودعهُ «مُسْنده» قد (احتاط) فِيهِ إِسْنَادًا ومتنًا، وَلم يوردْ فِيهِ إلَّا مَا صحَّ عِنْده (ضربه) عَلَى أَحَادِيث رجال (ترك) الرِّوَايَة عَنْهُم، رَوَى عَنْهُم فِي غير «الْمسند» . فَائِدَة: عَدَدُ أَحَادِيث «الْمسند» أَرْبَعُونَ ألفا، بِزِيَادَات ابْنه عبد الله. كَمَا قَالَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ابْن دحْيَة فِي «فَوَائِد المشرقين والمغربين» . وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن (الْمُنَادِي) : إِنَّه ثَلَاثُونَ ألفا، (وَقَالَ صَاحب «مُسْند الفردوس» : يُقَال: إِنَّه ضمَّنَه خمسين ألف حَدِيث) . فصل وَأما «صَحِيح الإِمام أبي عبد الله البُخَارِيّ» فَهُوَ أصح الْكتب بعد الْقُرْآن. روينَا عَنهُ أَنه قَالَ: مَا أدخلت فِي كتاب «الْجَامِع» إلَّا مَا صحَّ، وَتركت من الصِّحَاح لحَال الطول. وروينا من جِهَات عَنهُ أَنه قَالَ: صنفت كتاب الصَّحِيح لستّ عشرَة سنة، خرجته من سِتّمائَة ألف حَدِيث، وَجَعَلته حجَّة بيني وَبَين الله - عزَّ وجلَّ. قُلْتُ: وَأما زعم أبي مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ أَن فِيهِ حَدِيثا مَوْضُوعا - وَهُوَ حَدِيث «شقّ الصَّدْر» إِلَى آخِره - فَلَا يُقبل مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَقد أجَاب عَن ذَلِكَ ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي جُزْء مُفْرد. فصل وَأما صَحِيح الإِمام أبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج، فَهُوَ أصح الْكتب بعد الْقُرْآن أَيْضا، وَبَعض عُلَمَاء (الغرب يَقُولُونَ) : إنَّه أصح من كتاب البُخَارِيّ. وَلَيْسَ بصواب. رُوِّينا عَنهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي «صَحِيحه» أَنه قَالَ: لَيْسَ كل حَدِيث صَحِيح وَضعته فِي كتابي، إنَّما وضعت هَا هُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: أَرَادَ - وَالله أعلم - أَنه لم يضع فِي كِتَابه إلَّا الْأَحَادِيث الَّتِي وُجِدَ عِنْده فِيهَا شَرَائِط الصَّحِيح (الْمجمع) عَلَيْهِ، وإنْ لم يظْهر اجتماعها فِي بَعْضهَا عِنْد بَعضهم. قُلْتُ: وَأما زعم أبي مُحَمَّد الظَّاهِرِيّ أَيْضا أَن فِيهِ حَدِيثا مَوْضُوعا - وَهُوَ حَدِيث أبي سُفْيَان يَوْم الْفَتْح الْمَشْهُور - فَلَا يقبل مِنْهُ. وَقد أجَاب عَنهُ الْأَئِمَّة بأجوبة، نذكرها - إِن شَاءَ الله - فِي كتاب «الْوكَالَة» من ربع الْبيُوع، حَيْثُ يعرض لَهُ الرَّافِعِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَاعْلَم أَن مَا ذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي كتاب «الْمدْخل إِلَى معرفَة كتاب الإِكليل» أَن الصَّحَابِيّ أَو التَّابِع إِذا لم يكن لَهُ إلَّا راوٍ واحدٍ، لم يخرِّجا حَدِيثه فِي «الصَّحِيحَيْنِ» - أَعنِي [الشَّيْخَيْنِ]- لم يشترطاه، وَلَا (وَاحِد مِنْهُمَا) ، وَهُوَ منقوض بِمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي كتاب «أَدَاء الزَّكَاة» ، إِن شَاءَ الله - تَعَالَى. فصل وَأما «سنَن أبي دَاوُد» - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقد حَكَى عَنهُ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ - كَمَا أَفَادَهُ ابْن طَاهِر - أَن (شَرطه) إِخْرَاج أَحَادِيث أقوامٍ لم يُجْمَع عَلَى تَركهم، إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الإِسناد من غير قطع وَلَا إرْسَال. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي فِي (كتاب) « (شُرُوط) الْأَئِمَّة» : قَالَ أَبُو دَاوُد: كتبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَمْسمِائَة ألف حَدِيث، انتخبت مِنْهَا مَا ضمنته «كتاب السّنَن» ، جمعت فِيهِ أَرْبَعَة (آلَاف) حَدِيث، (وَثَمَانمِائَة حَدِيث) ، ذكرت الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ، وَمَا يُقَارِبه. وَقد اشْتهر عَنهُ من غير وَجه مَا مَعْنَاهُ: أَنه يذكر فِي كل بَاب أصح مَا عرفه فِي ذَلِكَ الْبَاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَقَالَ: مَا كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ (وَهَنٌ) شَدِيد فقد بَيَّنْتُه، وَمَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح، وَبَعضهَا أصح من بعض. نقل ذَلِكَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» ، وَالشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَنه» عَنهُ. وَذكر الْحَازِمِي فِي كِتَابه «شُرُوط الْأَئِمَّة الْخَمْسَة» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، أَنه قَالَ فِي «رسَالَته» الَّتِي كتبهَا إِلَى أهل مَكَّة وَغَيرهَا جَوَابا لَهُم: سَأَلْتُم أَن أذكر لكم الْأَحَادِيث الَّتِي فِي كتاب «السّنَن» (أَهِي) أصح مَا عرفت فِي هَذَا الْبَاب؟ فاعلموا [أَنه كَذَلِك] كُله، إِلَّا أَن يكون قد رُوِيَ من وَجْهَيْن صَحِيحَيْنِ، وَأَحَدهمَا أقدم إِسْنَادًا، وَالْآخر صَاحبه [أقوم] فِي الْحِفْظ، فَرُبمَا أكتب ذَلِكَ، وَلَا أرَى فِي كتابي [من] هَذَا عشرَة أَحَادِيث. وَلم أكتب فِي الْبَاب إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا أَو حديثين، وإنْ كَانَ فِي الْبَاب أَحَادِيث صِحَاح، فإنَّه يكبر، وإنَّما أردْت (قرب) منفعَته. وَلَيْسَ فِي كتاب «السّنَن» الَّذِي صنَّفته عَن رجلٍ مَتْرُوك الحديثِ شيءٌ، فإنْ ذُكِرَ لَك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُنَّةٌ لَيْسَ فِيمَا خَرَّجْتُه، فاعْلَم أنَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 حَدِيث واهٍ، إلَّا أَن يكون فِي كتابي من طَرِيق (آخر) ، (فإنِّي) لم أخرج الطّرق (بِهِ) ، (فإنَّه يكثر) عَلَى المتعلم. وَلَا أعرف أحدا جَمَعَ عَلَى الاستقصاءِ غَيْرِي. وَنقل النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّص الْمُتَقَدّم عَن أبي دَاوُد - الَّذِي (شَارك) ابْن الصّلاح فِيهِ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد - ثمَّ قَالَ: وَهَذَا يُشْكِل؛ فإنَّ فِي سنَنه أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يُبَيِّنْها، مَعَ أَنَّهَا مُتَّفق عَلَى ضعفها عِنْد الْمُحدثين، كالمرسل، والمنقطع، وَرِوَايَة مَجْهُول. ك «شيخ» ، و «رجل» ، وَنَحْوه، فَلَا بدّ من تَأْوِيل هَذَا الْكَلَام. قَالَ: وليعلم أَن مَا وَجَدْنَاهُ فِي «سنَنه» ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا، وَلَا نَص عَلَى صِحَّته أَو حسنه أحد مِمَّن يعْتَمد، وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حسن عِنْد أبي دَاوُد أَو صَحِيح، فَيحكم بِالْقدرِ الْمُحَقق، وَهُوَ أَنه حسن. فإنْ نصَّ عَلَى ضعفه من يُعْتَمد، أَو رَأَى الْعَارِف فِي سَنَده مَا يَقْتَضِي الضعْف، وَلَا جابِرَ لَهُ حَكَمْنَا بضعفه. وَقد قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: إِن أَبَا دَاوُد يخرج الإِسنادَ الضَّعِيف إِذا لم يجدْ فِي الْبَاب غَيره؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنْده من رَأْي الرِّجَال. وَقَالَ الْخطابِيّ: كتاب أبي دَاوُد جَامع للصحيح وَالْحسن، وأَمَّا الضَّعِيف فإنَّه خَليٌ مِنْهُ. قَالَ: وإنْ وَقع مِنْهُ شيءٌ - لضرب من الْحَاجة - فإنَّه لَا يَأْلُو أَن يبِّين أمره، وَيذكر علته، ويَخْرُجَ من عهدته. قَالَ: ويُحكى لنا عَن أبي دَاوُد أنَه قَالَ: مَا ذكرت فِي كتابي حَدِيثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 اجْتمع الناسُ عَلَى تَركه. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي أول «أَطْرَافه» : صنف أَبُو دَاوُد كِتَابه الَّذِي سمَّاه «السّنَن» ، فأجاد فِي تصنيفه وَأحسن، وَقصد أَن يَأْتِي فِيهِ بِمَا كَانَ صَحِيحا مشتهرًا، أَو غَرِيبا (حسنا) مُعْتَبرا، ويطرح مَا كَانَ مطَّرحًا مستنكرًا، (ويجتنب) مَا كَانَ شاذًّا مُنْكرا. قلت: وَمَا حَكَاهُ الْخطابِيّ فِيهِ نظر؛ فإنَّ فِي «سنَنه» أَحَادِيث ظَاهِرَة الضعْف لم يبينها، مَعَ أنَّها ضَعِيفَة كالمرسل، والمنقطع، وَرِوَايَة مَجْهُول: كشيخ، وَرجل، وَنَحْوه، كَمَا سَلَفَ. وَأجَاب النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَنه» (عَنهُ) : بِأَنَّهُ - (وَهُوَ) مُخَالف أَيْضا لقَوْله: وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَيَّنْتُه - لَمَّا كَانَ ضَعْفُ هَذَا النوعِ ظَاهرا، اسْتَغنَى بظهوره عَن التَّصْرِيح ببيانه. قلت: فعلَى كل حَال لَا بُد من تَأْوِيل كَلَام أبي دَاوُد، والحقُّ فِيهِ مَا قَرَّره النَّوَوِيّ. وَأما قَول الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي: سنَن أبي دَاوُد من الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق عَلَى صِحَّتهَا عُلَمَاء الشرق والغرب، فَفِيهِ تساهلٌ كبيرٌ. وتَأَوَّلَ النوويُّ عَلَى إِرَادَة الْمُعظم. فصل وَأما جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ: فقد كفانا مُؤْنَة الْكَلَام عَلَيْهِ مُؤَلِفُه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فإنَّه بَيَّن فِيهِ الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف، وَقَالَ: صنفت هَذَا الْكتاب، وعرضته عَلَى علماءِ أهلِ الْحجاز فَرَضُوا بِهِ، وعرضته عَلَى عُلَمَاء العراقِ فَرَضُوا (بِهِ) ، وعرضته عَلَى عُلَمَاء خُرَاسَان فَرَضُوا بِهِ، وَمن كَانَ فِي بَيته هَذَا الْكتاب، فكأنَّما فِي بَيته نَبِيٌّ يتَكَلَّم. وَقَالَ أَبُو نصر عبد الرَّحِيم بن عبد الْخَالِق فِي كِتَابه الموسوم ب «مَذَاهِب الْأَئِمَّة فِي تَصْحِيح الحَدِيث» : كتاب أبي عِيسَى عَلَى أَرْبَعَة أَقسَام: (قسم) صَحِيح مَقْطُوع بِهِ، وَهُوَ مَا وَافق فِيهِ البخاريَّ وَمُسلمًا، وَقسم عَلَى شَرط أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَقسم أخرجه [للضدِّيَّة] ، وأبَانَ عَن علته، وَقسم رَابِع أبَانَ عَنهُ فَقَالَ: مَا أخرجت فِي كتابي هَذَا إلَّا حَدِيثا قد عَمِلَ بِهِ بعض الْفُقَهَاء. وَهَذَا شَرط واسعٌ، فإنَّ عَلَى هَذَا الأَصْل كل حَدِيث احْتج بِهِ مُحْتَج أَو عمل بِهِ عاملٌ، [أخرجه] ، سَوَاء صحَّ طَرِيقه أَو لم يصحّ طَرِيقه. وَقد أزاحَ عَن نفسِهِ الكلامَ؛ فإنَّه شَفَى فِي تصنيفه لكتابه، وتكلَّم (فِيهِ) عَلَى كلِّ حَدِيث بِمَا فِيهِ، وَظَاهر طَرِيقَته: أَن يترجم الْبَاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث مَشْهُور، عَن صَحَابِيّ قد صَحَّ الطَّرِيق إِلَيْهِ، وأُخرِجَ من حَدِيثه فِي الْكتب الصِّحَاح، فيورد فِي الْبَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 [ذَلِك الحكم] من حَدِيث صَحَابِيّ [آخر] لم يخرجوه من حَدِيثه، وَلَا تكون الطَّرِيق إِلَيْهِ كالطريق إِلَى الأول؛ لِأَن الحكم صَحِيح، ثمَّ يُتْبِعُه بِأَن يَقُول: وَفِي الْبَاب عَن فلانٍ وفلانٍ، ويعد (فيهم) جمَاعَة فِيهم الصَّحَابِيّ وَالْأَكْثَر الَّذِي أُخْرِجَ ذَلِكَ الحكم من حَدِيثه، وقَلَّما يسْلك هَذِه الطَّرِيقَة إلَّا فِي أَبْوَاب مَعْدُودَة. وَقَالَ ذَلِك [بنصه] : ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي أَيْضا. وَقَالَ يُوسُف بن أَحْمد: لأبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ الضَّرِير الْحَافِظ فَضَائِل تُجمع، وتُروى، وتُسمع، وَكتابه من الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق أهل الْحل وَالْعقد، وَالْفضل، وَالْفِقْه من الْعلمَاء، وَالْفُقَهَاء، وَأهل الحَدِيث النبهاء عَلَى قبُولهَا، وَالْحكم بِصِحَّة أُصُولهَا، وَمَا ورد فِي أَبْوَابهَا وفصولها. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي: إنَّ جَامع التِّرْمِذِيّ من الْكتب الْخَمْسَة الَّتِي اتّفق عَلَى صِحَّتهَا عُلَمَاء الشرق والغرب. وَفِيهِمَا نظر؛ لِأَن فِيهِ الضَّعِيف، والواهي، والموضوع. قَالَ ابْن (الْقطَّان) فِي «علله» : جَهِلَ التِّرْمِذِيّ بعضُ من لم يبْحَث عَنهُ، وَهُوَ: أَبُو مُحَمَّد بن حزم، فَقَالَ فِي كتاب الْفَرَائِض من «الإيصال» (إِثْر) حَدِيث أوردهُ: إنَّه مَجْهُول. فَأوجب ذَلِكَ فِي ذكره - من تعْيين من شهد لَهُ بالإِمامة - مَا هُوَ مستغنٍ عَنهُ، بِشَاهِد علمه، وَسَائِر شهرته، فَمِمَّنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 (ذكره) - فِي جملَة -: (الإِمام) الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله. وَقَالَ الخليلي فِي «كِتَابه» : ثِقَة مُتَّفق عَلَيْهِ. وَمِمَّنْ ذكره أَيْضا: الْأَمِير ابْن مَاكُولَا، وَابْن الفرضي، والخَطَّابي. وَنقل ابْن دِحْيَة فِي كتاب «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» جهالته عَن ابْن حزم، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ الْخَطِيب، وَلم يذكرهُ فِي تَارِيخه. قَالَ: وَزعم أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أبي بكر [الصَّيْرَفِي] (أَن التِّرْمِذِيّ) لم يسمع هَذَا الْكتاب. فصل وَأما شَرط أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ، فَقَالَ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ - كَمَا أَفَادَهُ ابْن طَاهِر -: إنَّ شَرطه إِخْرَاج أَحَادِيث أَقوام لم يُجْمَع عَلَى تَركهم، إِذا صَحَّ الحَدِيث باتصال الإِسناد، من غير قطع، وَلَا إرْسَال. قَالَ ابْن طَاهِر: سَأَلت الإِمام أَبَا الْقَاسِم سعد بن عَلّي الزَّنْجَانيّ عَن حالِ رجلٍ من الروَاة فَوَثَّقَه، قُلْتُ: إنَّ أَبَا عبدَ الرَّحْمَن النَّسَائِيّ ضَعَّفَه. فَقَالَ لي: لأبي عبد الرَّحْمَن فِي الرِّجَال (شرطٌ) أَشد من شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَقَالَ أَبُو طَالب أَحْمد بن نصر الْحَافِظ: من يصبر عَلَى مَا يصبر عَلَيْهِ النَّسَائِيّ؟ كَانَ عِنْده حَدِيث ابْن لَهِيعَة تَرْجَمَة تَرْجَمَة، فَمَا حدَّث بهَا. وَقَالَ أَحْمد بن مَحْبُوب الرَّمْلي: سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ يَقُول: لما عَزَمْتُ عَلَى جَمْع كتاب «السّنَن» استخرت الله - تَعَالَى - فِي الرِّوَايَة عَن شُيُوخ كَانَ فِي الْقلب مِنْهُم بعض الشَّيْء، فَوَقَعت الْخيرَة عَلَى تَركهم، فَنَزَلْتُ فِي جملَة من الْأَحَادِيث كنت أعلو فِيهَا عَنْهُم. وَقَالَ أَبُو الْحسن [الْمعَافِرِي] الْفَقِيه: إِذا التُفِت إِلَى مَا يُخرجهُ أهل الحَدِيث، فَمَا خرجه النَّسَائِيّ أقرب إِلَى الصِّحَّة مِمَّا خَرَّجه غَيره. بل من النَّاس من يعده من أهل الصَّحِيح؛ لِأَنَّهُ يبيِّن عَن علل الْأَسَانِيد، وإنْ أدخلها فِي كِتَابه. وَقد حُدِّثْنا عَنهُ أَنه قَالَ: لم أُخْرِج فِي كتابي (السّنَن) من يُتَّفَق عَلَى تَركه، فإنْ أَخْرَج مِنْهُ أحدا بَيَّنه، وَهَذِه رُتْبَة شريفة. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: الَّذين أخرجُوا الصَّحِيح، وميِّزوا الثَّابِت من الْمَعْلُول، وَالْخَطَأ من الصَّوَاب أَرْبَعَة: البُخَارِيّ، وَمُسلم، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ أَبُو بكر البرقاني الْحَافِظ: ذكرت لأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ أَبَا عبيد (بن حربويه) ، فَذكر من جلالته، وفضله، وَقَالَ: حدَّث عَنهُ أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي «الصَّحِيح» ، وَلَعَلَّه مَاتَ قبله بِعشْرين سنة. قَالَ ابْن طَاهِر: فالدارقطني سمَّى كتاب «السّنَن» صَحِيحا، مَعَ فَضله، وتحقيقه فِي هَذَا الشَّأْن. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ [الْمصْرِيّ] : سَمِعت أَبَا عَلّي الْحسن بن خضر (السُّيُوطِيّ) يَقُول: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي النّوم، وَبَين يَدَيْهِ كُتب كَثِيرَة، مِنْهَا كتاب «السّنَن» لأبي عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ لي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِلَى مَتى وَإِلَى كَمْ؟ هَذَا يَكْفِي. وَأخذ بِيَدِهِ الْجُزْء الأول من كتاب الطَّهَارَة من «السّنَن» لأبي عبد الرَّحْمَن، فَوَقع فِي روعي أَنه يَعْنِي كتاب «السّنَن» لأبي عبد الرَّحْمَن. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: قَوَاعِد الإِسلام أَرْبَعَة: الصحيحان، وكتابَيْ أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، فَارْجِعُوا إِلَيْهَا. قُلْتُ: وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر (السلَفِي) : إِنَّه اتّفق عَلَى صِحَّته عُلَمَاء الْمشرق وَالْمغْرب، وَلَا يَخْلُو من نزاع. فصل وَأما سنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي: فَلَا أعلم لَهُ شرطا، وَهُوَ أَكثر السّنَن الْأَرْبَعَة ضعفا، وَفِيه مَوْضُوعَات، مِنْهَا: مَا ذكره فِي أَثْنَائِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 «فضل قَزْوِين» . لَكِن قَالَ أَبُو زرْعَة - فِيمَا روينَا عَنهُ -: طالعت كتاب أبي عبد الله بن مَاجَه، فَلم أجد فِيهِ إلَّا قدرا يَسِيرا مِمَّا فِيهِ شَيْء. وَذكر قدر بضعَة عشر، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ. وَهَذَا الْكَلَام من أبي زرْعَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْلَا أَنه مَرْوِيّ عَنهُ من أوجه، لجزمتُ بِعَدَمِ صِحَّته عَنهُ، فإنَّه غير لائقٍ (بجلالته) . لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين قَالَ فِي «شرح الإِلمام» : هَذَا الْكَلَام من أبي زرْعَة لَا بُد من تَأْوِيله، وإخراجه عَن ظاهرِه، وَحمله عَلَى وَجه (يَصح) . وَعَجِيب قَول ابْن طَاهِر: حَسبك من كتاب يعرض عَلَى أبي زرْعَة الرَّازِيّ، وَيذكر هَذَا الْكَلَام بعد إمعان النّظر والنقد. وَقَوله: ولعمري إنَّ كتاب أبي عبد الله بن مَاجَه، من نظر فِيهِ علم منزلَة الرجل: من حسن التَّرْتِيب، وغزارة الْأَبْوَاب، وَقلة الْأَحَادِيث، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَترك التّكْرَار، وَلَا يُوجد فِيهِ من النَّوَازِل، والمقاطيع، والمراسيل، وَالرِّوَايَة عَن الْمَجْرُوحين، إلَّا هَذَا الْقدر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو زرْعَة. وَرَوَى ابْن عَسَاكِر عَن أبي الْحسن بن [بابويه] : قَالَ أَبُو عبد الله بن مَاجَه: عرضت هَذِه النُّسْخَة عَلَى أبي زرْعَة، فَنظر فِيهِ وَقَالَ: أَظن إنْ وَقع هَذَا فِي أَيدي النَّاس تعطَّلت هَذِه الْجَوَامِع كلهَا، أَو أَكْثَرهَا. ثمَّ قَالَ: لَعَلَّه لَا يكون فِيهِ تَمام ثَلَاثِينَ حَدِيثا مِمَّا فِي إِسْنَاده ضعف، أَو قَالَ: عشْرين وَنَحْوهَا من الْكَلَام. قَالَ: وَحكي عَنهُ أَنه نظر فِي جُزْء من أَجْزَائِهِ، وَكَانَ عِنْده فِي خَمْسَة أَجزَاء. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: لَا بُد من تَأْوِيله جزما، وَلَعَلَّه أَرَادَ ذَلِكَ الْجُزْء الَّذِي نظر فِيهِ، أَو غَيره مِمَّا يَصح. وَقَالَ ابْن طَاهِر: وَسنَن ابْن مَاجَه وإنْ لم تشتهر عِنْد أَكثر الْفُقَهَاء، فإنَّ لَهُ ب «الرّيّ» ، وَمَا وَالاَهَا من «ديار الْجَبَل» و «قوهستان» - وعدَّد بلادًا - شأنٌ عظيمٌ، عَلَيْهِ اعتمادهم، وَله عِنْدهم طرق كَثِيرَة. فصل وَأما «صَحِيح» أبي حَاتِم بن حبَان، فشرطه - كَمَا قَالَ فِي خطْبَة صَحِيحه -: نملي الْأَخْبَار بأشهرها إِسْنَادًا، وأوثقها (عمادًا) من غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وجود قطعٍ فِي سندها، وَلَا ثُبُوت جرح فِي ناقلها. ثمَّ قَالَ بعد ذَلِكَ بأوراق: وشرطنا فِي (نقل) مَا أودعناه كتَابنَا هَذَا من السّنَن، فإنَّا لَمْ نحتج فِيهِ إلَّا بحديثٍ اجْتمع فِي كل شيخٍ من رُوَاته خَمْسَة أَشْيَاء: الأول: الْعَدَالَة فِي الدَّين بالستر الْجَمِيل. وَالثَّانِي: الصدْق فِي الحَدِيث بالشهرة فِيهِ. وَالثَّالِث: الْعقل مَا يحدث من الحَدِيث. وَالرَّابِع: (الْعلم) بِمَا يحِيل من مَعَاني مَا يُروى. وَالْخَامِس: (المتعري خَبره) عَن التَّدْلِيس (عَلَى رِوَايَته) . فَكل من (اجْتمع) عِنْده هَذِه الْخِصَال الْخمس احتججنا بحَديثه، وبنينا الْكتاب عَلَى رِوَايَته، وكل من تَعَرَّى عَن خصْلَة من هَذِه الْخِصَال الْخمس لم نحتج بِهِ. ثمَّ شرع - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - فِي بَيَان الشُّرُوط الْمَذْكُورَة وَاحِدًا بعد واحدٍ، فَأفَاد وأجاد، فَمَا أحسن كَلَامه. وَلَعَلَّ غَالب «صَحِيحه» منتزع من صَحِيح شَيْخه، إِمَام الْأَئِمَّة، (أبي بكر) مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، فإنِّي رَأَيْت قِطْعَة من «صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ابْن خُزَيْمَة» إِلَى كتاب الْبيُوع، وكلَّما يَقُول ابْن حبَان (فِي «صَحِيحه» ) : نَا ابْن خُزَيْمَة. رَأَيْته فِي الْقطعَة الْمَذْكُورَة. وترتيب هَذَا «الصَّحِيح» تَرْتِيب بديع، لم يُسْبَق إِلَيْهِ، يتَعَيَّن عَلَى طَالب الحَدِيث الْوُقُوف عَلَيْهِ، والكشف مِنْهُ من أصعب شَيْء. وَقد رَتَّبه عَلَى تَرْتِيب (الْكتب) الْفِقْهِيَّة الشَّيْخ الإِمَام (عَلَاء) الدَّين أَبُو الْحسن (عَلّي) بن بلبان الْفَارِسِي (الْحَنَفِيّ) ، تغمده الله برحمته. فصل وَأما «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله، فشرطه كَمَا قَالَ هُوَ فِي خطْبَة كِتَابه: «سَأَلَني - جمَاعَة من أَعْيَان (أهل) الْعلم بِهَذِهِ الْمَدِينَة، (وَغَيرهَا) أَن أجمع كتابا يشْتَمل عَلَى الْأَحَادِيث المروية بأسانيد يحْتَج مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَمُسلم بن الْحجَّاج بِمِثْلِهَا، إِذْ لَا سَبِيل إِلَى إِخْرَاج مَا لَا علَّة لَهُ، فإنَّهما - رحمهمَا الله - لم يدعيا ذَلِكَ لأنفسهما. وَقد خَرَّج جمَاعَة من عُلَمَاء [عصرهما] ، وَمن بعدهمَا عَلَيْهِمَا أَحَادِيث قد أَخْرَجَاهَا وَهِي معلولة، وَقد (جهدت) فِي الذَّبِّ عَنْهُمَا فِي «الْمدْخل إِلَى الصَّحِيح» بِمَا رضيه أهل الصَّنْعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَأَنا أستعينُ الله عَلَى إِخْرَاج أَحَادِيث رواتها ثِقَات، قد احْتج بِمِثْلِهَا الشَّيْخَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَو أَحدهمَا، وَهَذَا شَرط الصَّحِيح عِنْد كَافَّة فُقَهَاء الإِسلام: أَن الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد والمتون من الثِّقَات مَقْبُولَة. هَذَا لفظ الْحَاكِم برمتِهِ، وَهُوَ صَرِيح فِي أَن مُرَاده بقوله: عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا: أَن رجال إِسْنَاده احتجا بمثلهم، لَا أنَّ نَفْس رِجَاله احتجا [بهم] . نعم، خَالف هَذَا الِاصْطِلَاح فِي كِتَابه فَاعْترضَ (عَلَيْهِ) من هَذَا الْوَجْه: الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح، والنواوي، وتقي الدَّين بن دَقِيق الْعِيد، والحافظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي «اختصاره للمستدرك) ، (فَيَقُولُونَ عقيب) قَوْله: إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا: فِيهِ فلَان، وَلم يخرج لَهُ مَنْ صَححهُ عَلَى شَرطه. ثمَّ فِي تَسْمِيَة هَذَا (المُصَنّف) ب «الْمُسْتَدْرك» أَولا نظرٌ؛ لِأَنَّهُمَا لم يلتزما اسْتِيعَاب الصَّحِيح بإقرارهما - كَمَا قدَّمناه عَنْهُمَا - فَكيف يسْتَدرك عَلَيْهِمَا؟ ! فتركنا وسَلَّمنا التَّسْمِيَة الْمَذْكُورَة، فَكل حَدِيث لَهُ إِسْنَاد صَحِيح، احتجَّ الشَّيْخَانِ بِمثلِهِ (فَهُوَ عَلَى شَرطهمَا، كَمَا قرَّره، وكل حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح، وَلم يحْتَج الشَّيْخَانِ بِمثلِهِ) ، كَيفَ يَصح استدراكه، مَعَ الْتِزَام الشَّيْخَيْنِ عدم اسْتِيعَاب الصَّحِيح؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 مَعَ أَن الْحَاكِم عَلَيْهِ مناقشة فِي كلا الْقسمَيْنِ، قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي أول «الموضوعات» : لَو نُوقِشَ فِيهِ بَانَ غلطه. وَقَالَ الشَّيْخ (تَقِيّ الدَّين) بن الصّلاح فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» : اعتنى الْحَاكِم أَبُو عبد الله بِالزِّيَادَةِ فِي عدد الحَدِيث الصَّحِيح الزَّائِد عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجمع ذَلِكَ فِي كتاب سمَّاه «الْمُسْتَدْرك» أودعهُ مَا لَيْسَ فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، مِمَّا رَآهُ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قد (أخرجَا) عَن رُوَاته فِي كِتَابَيْهِمَا، أَو عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَحده، أَو عَلَى (شَرط) مُسلم وَحده، وَمَا أَدَّى اجْتِهَاده إِلَى (تَصْحِيحه) ، وإنْ لم يكن عَلَى شَرط وَاحِد مِنْهُمَا. وَهُوَ وَاسع الخطو فِي شَرط (الصَّحِيح) ، متساهلٌ فِي الْقَضَاء بِهِ، فَالْأَوْلَى أَن (نتوسط) فِي أمره فَنَقُول: مَا حكم بِصِحَّتِهِ، وَلم نجد ذَلِكَ فِيهِ لغيره من الْأَئِمَّة، إنْ لم يكن من قبيل الصَّحِيح، فَهُوَ من قبيل الْحسن يُحتج ويُعمل بِهِ، إلَّا أَن تظهر فِيهِ عِلّة توجب ضعفه. قَالَ: ويقاربه فِي حكمه صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان البستي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن الشاذياخي: كُنَّا فِي مجْلِس السَّيِّد أبي الْحسن، فسُئِلَ الْحَاكِم عَن حَدِيث الطير، فَقَالَ: لَا يَصح، وَلَو صَحَّ لما كَانَ أحدٌ أفضل من عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ ابْن طَاهِر (فِي) حَدِيث الطير الْمَشْهُور، الْمَرْوِيّ من (نَحْو) عشْرين طَرِيقا - عائبًا عَلَى إِخْرَاج الْحَاكِم لَهُ فِي « (مُسْتَدْركه» ) -: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع، كل طرقه بَاطِلَة معلولة، إنَّما يَجِيء عَن سقاط أهل الْكُوفَة والمجاهيل عَن أنس وَغَيره. قَالَ: وصنَّف الْحَاكِم فِي جمع طرقه جُزْءا. قَالَ: وَلَا يَخْلُو الْحَاكِم من أحد أَمريْن: إمَّا الْجَهْل بِالصَّحِيحِ، فَلَا يعْتَمد عَلَى قَوْله؛ وإمَّا الْعلم بِهِ، وَيَقُول بِخِلَافِهِ، فَيكون معاندًا كَذَّابًا. قَالَ: وَله دسائس. قَالَ: وَبلغ الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْحَاكِم أَدخل حَدِيث الطير فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، فَقَالَ: يسْتَدرك عَلَيْهِمَا حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الطير؟ ! فَبلغ الْحَاكِم، فَأخْرجهُ من الْكتاب. وَكَانَ (يُتَّهم) بالتعصبِ للرافضة. وَكَانَ يَقُول: هُوَ حَدِيث صَحِيح، وَلم يُخَرَّجْ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) . قُلْتُ: حَدِيث الطير مَوْجُود فِي نسخ (الْمُسْتَدْرك) (الَّتِي) بِأَيْدِينَا الْآن بِمصْر وَالشَّام. قَالَ الْخَطِيب: وحَدَّثَنَي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد (الأرموي) بنيسابور - وَكَانَ شَيخا، فَاضلا، صَالحا، عَالما - (قَالَ) : جمع الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَحَادِيث، زَعَمَ أَنَّهَا صِحاح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، يلْزمهُمَا إخْرَاجهَا فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، مِنْهَا: حَدِيث الطير، و «من كنت مَوْلَاهُ فعليّ مَوْلَاهُ» فأنكرها عَلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث، وَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله، وَلَا صوَّبُوه فِي فعله. وَقَالَ ابْن القَطَّان فِي «علله» : هُوَ حَافظ، وَقد ينْسب إِلَى غَفلَة. وَقَالَ ابْن طَاهِر: وَسمعت المظفر بن حَمْزَة بجرجان يَقُول: سَمِعت أَبَا سعد الْمَالِينِي يَقُول: طالعت كتاب «الْمُسْتَدْرك عَلَى الشَّيْخَيْنِ» الَّذِي صنفه الْحَاكِم من أَوله إِلَى آخِره، فَلم أر فِيهِ حَدِيثا عَلَى شَرطهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 قُلْتُ: هَذَا الْكَلَام أستبعد صِحَّته عَن هَذَا الْحَافِظ؛ لِأَن الْمُشَاهدَة تَدْفَعهُ، و (قد) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «عُلُوم الحَدِيث» : كتاب «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» للْحَاكِم أبي عبد الله كتاب كَبِير، (يشْتَمل مِمَّا) فاتهما عَلَى شَيْء كثير، وإنْ يكن عَلَيْهِ فِي بعضه مقَال، فَإِنَّهُ يصفو لَهُ مِنْهُ صَحِيح كثير. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ - عقب الْمقَالة الْمُتَقَدّمَة -: هَذَا إِسْرَاف وغلو من الْمَالِينِي، وإلَّا فَفِي (الْمُسْتَدْرك) جملَة وافرة عَلَى شَرطهمَا، وَجُمْلَة كَبِيرَة عَلَى شَرط أَحدهمَا، لَعَلَّ مَجْمُوع ذَلِكَ نَحْو نصف الْكتاب، وَفِيه نَحْو الرّبع مِمَّا صَحَّ سَنَده، وَفِيه بعض الشَّيْء أَو لَهُ [عِلّة] ، وَمَا بَقِي -[وَهُوَ] نَحْو الرّبع - فَهُوَ مَنَاكِير وواهيات لَا تصحّ، وَفِي بعض ذَلِكَ مَوْضُوعَات. قُلْتُ: وَقد أفردت مَا ردَّ بِهِ الذَّهَبِيّ عَلَى الْحَاكِم أبي عبد الله، فِي (تلخيصه لمستدركه) ، بِزِيَادَات ظَفرت بهَا، فَجَاءَت سَبْعَة كراريس، وَذَلِكَ قريب من مقَالَته الْمُتَقَدّمَة. وَاعْلَم أَيهَا النَّاظر فِي هَذَا الْكتاب إِذا رَأَيْتنَا نقلنا عَن الْحَاكِم تَصْحِيحا لحَدِيث، وسكتنا عَلَيْهِ فَشُدَّ عَلَى ذَلِكَ يَديك، (فَإنَّا سبرنا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 إِسْنَاده، وَيكون الْأَمر كَمَا قَالَه. وَمَا لم يكن كَذَلِك، فإنَّا نشفعه بالاعتراض عَلَيْهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فصل هَذَا آخر مَا وقفت عَلَيْهِ من شُرُوط (بعض) الْكتاب الَّتِي نقلنا مِنْهَا هَذَا الْكتاب، ذكرتها هُنَا مَجْمُوعَة ليحال مَا يَقع بعْدهَا عَلَيْهَا، فإنَّ الْكتاب (بأسره) مَبْنِيّ عَلَيْهَا، وَبَاقِي الْكتب يسير حَالهَا عَلَى الصّفة المرضية فِي مواطنها - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فصل فِي معرفَة حَال الإِمام الرَّافِعِيّ، وشيوخه، ومولده، ووفاته، ومصنفاته، فإنَّه كَانَ فِي الإِسلام بِمحل خطير، وَبِكُل فَضِيلَة جدير، و (معرفَة) بَيته الطَّاهِر، وسلفه الْكِرَام، فَإِنَّهُم من الْعلمَاء الْأَعْلَام، وَالسَّلَف الْكِرَام، رجَالًا وَنسَاء. أما هُوَ: فَهُوَ الإِمام، (الْعَالم) ، العلَّامة، الْمُجْتَهد، إِمَام الملَّة والدِّين، حجَّة الإِسلام وَالْمُسْلِمين، أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم ابْن الإِمام أبي الْفضل مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْفضل بن الْحسن بن الْحُسَيْن. كَذَا سَاق فِي نسبه فِي «أَمَالِيهِ» ، وَكَذَا كتب لَهُ بِمَا قَدَّمناه من الْأَلْفَاظ أهلُ زمانِهِ. القَزْوِيْنيّ الرَّافِعِيّ الشَّافِعِي، خَاتِمَة الْأَئِمَّة من أَصْحَابه المرجوعِ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 قَوْلهم. و «قَزوين» : بِفَتْح الْقَاف، مَدِينَة مَعْرُوفَة، كَذَا قَالَه ابْن السَّمْعَانِيّ. وَقَالَ غَيره: هِيَ مَدِينَة كَبِيرَة فِي عراق الْعَجم، عِنْد قِلاَع الإِسماعيلية. وَقد اخْتُلِف فِي نِسْبَة الرَّافِعِيّ إِلَى مَاذَا؟ فَقَالَ الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مَنْسُوب إِلَى «رافعان» ، قَرْيَة من بِلَاد قزوين. وَذكر الإِمام ركن الدَّين عبد الصَّمد بن مُحَمَّد الديلمي، الْقزْوِينِي، أَنه سَأَلَ القَاضِي مظفر الدَّين، قَاضِي قزوين: إِلَى مَاذَا ينْسب الرَّافِعِيّ؟ فَقَالَ: كتب بِخَطِّهِ، وَهُوَ عِنْدِي فِي كتاب «التدوين فِي أَخْبَار قزوين» أَنه مَنْسُوب إِلَى رَافع بن خديج رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَقَالَ ركن الدَّين الْمَذْكُور: وَكنت سَمِعت قبل ذَلِكَ من الشَّيْخ شرف الدَّين أَنه مَنْسُوب إِلَى أبي رَافع، مولَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرَضي عَنهُ. وَذكر ركن الدَّين هَذَا أنَّه لم يسمع بِبِلَاد «قزوين» بقرية يُقَال لَهَا: «رافعان» . ولَمَّا ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ هَذِه النِّسْبَة - وَهِي الرَّافِعِيّ - فِي «كِتَابه» ، قَالَ: هِيَ نِسْبَة إِلَى أبي رَافع. وَفِي «تَارِيخ خوارزم شاه» لأبي الْفضل المنسي - فِي أثْنَاء حِكَايَة ذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ هَذَا فَقَالَ: الشَّيْخ إِمَام الدَّين (الرَّافِعِيّ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 قَالَ شَيخنَا (بَقِيَّة) الْحفاظ صَلَاح الدَّين العلائي شيخ الْقُدس الشريف - أبقاه الله فِي خير وعافية -: وَكَأَنَّهُ - وَالله أعلم - شُبِّه عَلَى من نسبه إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا: رافعان، وَإِنَّمَا هَذَا اللَّفْظ نِسْبَة أَعْجَمِيَّة إِلَى رَافع، وَالظَّاهِر أَنه رَافع بن خديج، الصَّحَابِيّ، أحد الْأَنْصَار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم كَمَا كتب هُوَ بِخَطِّهِ. وأخبرت أَيْضا عَن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدَّين الْقزْوِينِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَنه كَانَ يَقُول: إنَّ «رافعان» بالعجمي، مثل «الرَّافِعِيّ» بالعربي، فإنَّ الْألف وَالنُّون فِي آخر الِاسْم عِنْد الْعَجم (كياء النّسَب) فِي آخِره عِنْد الْعَرَب. فرافعان نِسْبَة إِلَى رَافع، وَهَذَا مَشْهُور عِنْد الْعَجم بالإِمام رافعان. قَالَ: ثمَّ إِنَّه لَا يعرف بنواحي قزوين بلد يُقَال لَهَا: رَافع، بل هُوَ مَنْسُوب إِلَى (جد من) أجداده. فَظهر بِهَذَا أَن مَا ادَّعاه النَّوَوِيّ لَا أصل لَهُ، فالرافعي (أعرف) بِنَفسِهِ، وَكَذَا أهل قزوين أعرف ببلادهم. ولد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تَقْرِيبًا سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة؛ فإنَّه قَالَ فِي «الْأَرْبَعين» الَّتِي خرَّجها فِي الرَّحْمَة - وَلنَا بهَا رِوَايَة - أبنا وَالِدي حضورًا وَأَنا فِي الثَّالِثَة، سنة ثَمَان وَخمسين. أَفَادَ (ذَلِك) شَيخنَا صَلَاح الدَّين الْمَذْكُور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 (وَرَأَيْت) فِي «أَمَالِيهِ» - أَعنِي الرَّافِعِيّ - فِي أَوَائِل الْمجْلس الأول، مَا نَصه: - فِي تَرْجَمَة سعد الْخَيْر (بن) مُحَمَّد بن سهل الْأنْصَارِيّ المغربي الأندلسي - أَن سَعْدا هَذَا توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة. قَالَ: وَسمع وَالِدي مِنْهُ الْكثير، وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ يغلب عَلَيْهِ فِي آخر عمره مَا يغلب عَلَى المشتاقين. قَالَ: وَكنت أتولى خدمته فِي مرض وَفَاته، ودعا لي بالسعادة غير مرّة (فِيهِ) ، وَأَرْجُو أَن يستجيب الله دعاءه. وَكَانَ كثيرا مَا ينشد فِي تِلْكَ المرضة: أَنا إنْ مِتُّ فالهوى حَشْو قلبِي وبذا الْهَوَى يَمُوت الْكِرَام هَذَا نَص مَا ذكر، فَإِن كَانَ المُرَاد بقوله: «وَكنت أتولى خدمته» : وَالِد الإِمام الرَّافِعِيّ، فَلَا إِشْكَال؛ وَإِن كانَ المُرَاد الإِمام الرَّافِعِيّ نَفسه، فَهُوَ مُشكل؛ لِأَن سَعْدا توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، وَكَانَ الرَّافِعِيّ إذْ (ذَاكَ) يَخْدمه فِي مَرضه، وَأَقل من يتأهل للْخدمَة (أَن يكون) بَالغا، فَيكون مولد الرَّافِعِيّ عَلَى هَذَا - تخمينًا - سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة. وَيبقى مُخَالفا لما أخبر بِهِ فِي «أربعينه» من أَن وَالِده أخبرهُ حضورًا (وَهُوَ) فِي الثَّالِثَة، سنة ثَمَان وَخمسين، فلينقح ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 قَرَأَ الحَدِيث عَلَى وَالِده، قَالَ فِي «الْأَرْبَعين» : أَخْبرنِي وَالِدي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة، وَعَلَى أَحْمد بن إِسْمَاعِيل (الطَّالْقَانيِّ) خَال والدته، الْآتِي ذكره، وَعَلَى أبي بكر عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْملك. وسَمعه من جماعات: كأحمد بن حسنويه بن حاجي الزبيري الشريف الأديب المناظر الْفَقِيه، والواقد بن خَلِيل الْحَافِظ، جد (الزبيري) لأمه، وَأحمد بن الْحسن العطَّار، وَالْحسن بن أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد العطَّار الهمذاني الْحَافِظ الْكَبِير، سمع مِنْهُ بهمذان، وَاللَّيْث بن (سعد الْكشميهني) الهمذاني، وحامد بن مَحْمُود بن عَلّي الماوراء النَّهْرِي الْخَطِيب الرَّازِيّ الْمُفْتِي المناظر الْمُحدث، وشهردار بن شيرويه بن فناخسرو الديلمي المتقن الْحَافِظ صَاحب «الفردوس» وَعبد الله بن أبي الْفتُوح بن عمرَان العمراني أَبُو حَامِد، أحد الْفُقَهَاء المعتبرين، وَعبد الْوَاحِد بن عَلّي بن مُحَمَّد، وَعلي بن [عبيد الله] بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن بابويه، الرَّازِيّ الْحَافِظ وَعلي بن الْمُخْتَار بن عبد الْوَاحِد العربوي، وَعلي بن سعيد الحَبَّار، ومبارك بن عبد الرَّحْمَن، وَمُحَمّد بن أبي طَالب - أَو طَالب - ابْن (بلكويه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 بن أبي طَالب الضَّرِير الْمُقْرِئ العابد، وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي بن أَحْمد بن سلمَان أَبُو الْفَتْح [بن] (البَطِّي) ، سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد، وَمُحَمّد بن أَحْمد النَّيْسَابُورِي، وَيَحْيَى بن ثَابت (البَقَّال) ، وَأَبُو الْكَرم الْهَاشِمِي، وَأَبُو [عبد الله] مُحَمَّد [بن] النجَّار الْحَافِظ صَاحب « [ذيل تَارِيخ] بَغْدَاد» . وَرَوَى بالإِجازة الْعَامَّة عَن: أبي (سعد) السَّمْعَانِيّ. والخاصة عَن: أبي (زرْعَة) طَاهِر بن الْحَافِظ أبي الْفضل مُحَمَّد بن عَلّي الْمَقْدِسِي، وَرَجَب بن مَذْكُور بن (أرنب) ، وَغَيرهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 رَوَى عَن هَؤُلَاءِ كلهم - خلا عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْملك - فِي «أَمَالِيهِ» ، وَهُوَ فِي «أربعينه» . رَوَى عَنهُ بِالسَّمَاعِ: وَلَده الإِمام (عَزِيز) الدَّين - مُحَمَّد، والحافظ زكي (الدَّين) عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ، سمع مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة - عَلَى ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - و (حَدَّث عَنهُ) فِي «مُعْجَمه» ، وَلم يكن حِين اجْتمع بِهِ عرف أَنه ذَلِك الإِمام؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي زِيّ الْفُقَرَاء الصَّالِحين، وَآخَرُونَ. وبالإِجازة: ابْن أُخْته أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن أبي سعيد الْقزْوِينِي الطاوسي، وَأَبُو الْفَتْح عبد الْهَادِي بن عبد الْكَرِيم الْقَيْسِي، خطيب المقياس، وفخر الدَّين عبد الْعَزِيز بن قَاضِي الْقُضَاة (عماد الدَّين) عبد الرَّحْمَن، الْمَعْرُوف ب «ابْن السكرِي» ، وَغَيرهم. وَمن حَدِيثه: مَا أَنا بَقِيَّة الحفَّاظ صَلَاح الدَّين (أَبُو) سعيد خَلِيل بن (كيكلدي) بن عبد الله العلائي، بالقدس الشريف، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَنا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُؤَذّن (الواني) بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، أَنا أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن (أبي) سعيد بن مَحْمُود بن الناصح الْقزْوِينِي (سَمَاعا) عَلَيْهِ، أَنبأَنَا (خَالِي) الإِمام أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الْقَاسِم عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الرَّافِعِيّ (ح) . وَأَخْبرنِي مشافهة عَالِيا الْأَئِمَّة: أثير الدَّين أَبُو حَيَّان، وَعبد الْكَرِيم الْحلَبِي، وَبدر الدَّين مُحَمَّد بن أَحْمد الفارقي قَالُوا: أخبرنَا فَخر الدَّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدَّين، الْمَعْرُوف ب (ابْن) السكرِي - الْأَوَّلَانِ سَمَاعا، وَالثَّالِث إجَازَة - قَالَ: أَنبأَنَا الإِمام أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ - قَدَّس الله روحه، ونَوَّر ضريحه - قَالَ: قَرَأت عَلَى وَالِدي، قيل لَهُ: أخْبركُم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْفضل، فأقَرَّ بِهِ، أخبرتنا فَاطِمَة بنت (أبي عَلّي) الدقاق، أخبرنَا عبد الْملك بن الْحسن، أَنا أَبُو عوَانَة - يَعْنِي الإِسفراييني - نَا الصغاني، نَا (عبيد الله) بن مُوسَى، أَنا طَلْحَة بن يَحْيَى، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إنَّ هَذِه الأُمَّةَ أمة مَرْحُومَة، لَا عَذَاب عَلَيْهَا، (عَذَابُها فِي الدُّنْيَا) بأيديها، فَإِذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَة، أُعطيَ كُلُّ رجلٍ مِنْهُم رجلا من أهلِ الأَدْيانِ، فَكَانَ فَكَاكَهُ من النَّار» . وَأخْبرنَا الشَّيْخ صَلَاح (الدَّين) الْمَذْكُور بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، أخبرنَا شيخ الشُّيُوخ فريد الْعَصْر أَبُو المجامع إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد (بن) الْمُؤَيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 بن حمويه الْجُوَيْنِيّ فِيمَا شافهني بِهِ بمنى - شَرَّفَها الله - ثمَّ كتب بِهِ إليَّ. وحدَّثني بعض أَصْحَابنَا الْحفاظ، أَنا الإِمام (عَزِيز) الدَّين مُحَمَّد بن الإِمام الْعَلامَة إِمَام الدَّين أبي الْقَاسِم عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الرَّافِعِيّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بقزوين سنة (إِحْدَى وَسبعين) وسِتمِائَة، نَا وَالِدي من لَفظه سنة إِحْدَى عشرَة قَالَ: قَرَأت عَلَى وَالِدي، أَنا عبد الله بن مُحَمَّد، أَنا أَحْمد بن عَلّي الأديب، أَنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزيَادي - يَعْنِي أَبَا طَاهِر بن محسن الْفَقِيه - أَنا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، نَا أَحْمد بن يُوسُف، نَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن همام بن مُنَبّه قَالَ: هَذَا مَا حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن مُحَمَّد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لله تِسْعَة وتسْعُونَ اسْمًا - مائَة إلَّا وَاحِدًا - منْ أحْصاها دَخَل الجنَّة، إنَّه وتْر يُحبُّ الْوتر» . وَأخْبرنَا الشَّيْخ صَلَاح (الدَّين) الْمَذْكُور بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، أَنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأخلاطي، أَنا مُحَمَّد بن (أبي) سعيد، أَنا الإِمام أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ إِذْنا، قَالَ: قَرَأت عَلَى أبي بكر عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْملك، وَأَجَازَ لي الْأَئِمَّة: وَالِدي، وَأحمد بن إِسْمَاعِيل، وَمُحَمّد بن عبد الْعَزِيز قَالُوا: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الْملك بن مُحَمَّد، سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة، أَنا الإِمام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَلّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الفيروزابادي سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة، أَنا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد البرقاني، نَا أَبُو بكر الإِسماعيلي الإِمام - لفظا - أَخْبرنِي أَبُو يعْلى - يَعْنِي: أَحْمد بن الْمثنى - نَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي سَمِينَة، نَا (مُعْتَمر) بن سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعت أبي، نَا قَتَادَة، أَن أَبَا رَافع حَدثهُ، أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إنَّ الله تَعَالَى كَتبَ كِتَابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الْخلق: إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي، فَهُوَ عِنْده مَكْتُوب فَوق الْعَرْش» . وَرُوِيَ لنا من (طَرِيق آخر) أَعلَى من هَذَا، إلَّا أنَّ هَذِه [الطَّرِيق] حَسَنَة جدًّا، لتسلسل غَالب رُواتها بالأئمة الْكِبَار من أَصْحَابنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، وَقد ذكرت بِإِسْنَاد الإِمام الرَّافِعِيّ أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِي «مناقبه» الَّتِي (أفردتها) بالتصنيف، وَهَذَا الْقدر كافٍ هُنَا؛ لِأَن الله وتر يحب الْوتر. تفقَّه الإِمام الرَّافِعِيّ عَلَى وَالِده الْمَذْكُور، (الإِمام) أبي الْفضل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 لَا أعلم أحدا تفقَّه عَلَيْهِ غَيره، وانتهت إِلَيْهِ رئاسة مَذْهَب الشَّافِعِي، ومعرفته بدقائقه فِي سَائِر الْبِلَاد. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: أَظن أَنِّي لم أرَ فِي بِلَاد الْعَجم مثله. قَالَ: وَكَانَ ذَا فنونٍ، حسن السِّيرَة، جميلَ الأثرِ. وَقَالَ أَبُو عبد الله (مُحَمَّد) بن (مُحَمَّد بن عمر) بن أبي بكر الصفار الإِسفراييني فِي «أَرْبَعِينَ» خرَّجَها: شَيخنَا، إِمَام الدَّين حَقًّا، وناصرُ السُّنَّةِ صدقا، أَبُو الْقَاسِم، عبد الْكَرِيم الرَّافِعِيّ، كَانَ أوحد عصره فِي الْعُلُوم الدِّينِيَّة، (أُصُولهَا) وفروعها، ومجتهد زَمَانه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي، وفريد وقته فِي تَفْسِير الْقُرْآن و (الْمَذْهَب) ، وَكَانَ لَهُ مجْلِس للتفسير، وإسماع الحَدِيث بِجَامِع قزوين. وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدَّين النواوي رَحِمَهُ اللَّهُ: كَانَ إِمَامًا، بارعًا، (مُتَبَرعا) ، متبحرًا فِي علم (الْمَذْهَب) وعلوم كَثِيرَة، وَكَانَ زاهدًا، ورعًا، متواضعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ من الصَّالِحين المتمكنين، وَكَانَت لَهُ كرامات ظَاهِرَة. قلت: لَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا ريب، فَمِنْهَا: مَا أَخْبرنِي شَيخنَا بَقِيَّة الحفَّاظ صَلَاح (الدَّين العلائي) ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ: حَكَى شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر الدِّمَشْقِي، أَنه سمع من شَيخنَا الزَّاهِد الْكَبِير وليّ الله أبي الْحسن عَلّي الوَاسِطِيّ - (قَالَ شَيخنَا) : وَسمعتهَا أَيْضا من جمَاعَة آخَرين مُرْسلَة - أَن الإِمامَ أَبَا الْقَاسِم الرَّافِعِيّ بَات (عِنْد) بعض أَصْحَابه بكرم لَهُ خَارج بلد «قزوين» ، وَكَانَت عَادَته أَنه يكْتب بِاللَّيْلِ فِيمَا يصنف فِيهِ، فلمَّا كَانَ اللَّيْل لم يُوجد (هُنَاكَ) دهن يُشعل بِهِ السراج، وَلَا أمكن الدُّخُول إِلَى الْبَلَد لأجل ذَلِك لَيْلًا، فَجَلَسَ الرَّافِعِيّ إِلَى جنب (دالته) ، فأضاء لَهُ غُصْن مِنْهَا، فَكتب عَلَيْهِ إِلَى أَن فرغ. قَالَ الشَّيْخ عَلّي الوَاسِطِيّ: وَهَذِه الْحِكَايَة مَشْهُورَة عندنَا بواسط، وَتلك الْبِلَاد. وَمِنْهَا: مَا قرأته عَلَى شَيخنَا الْمَذْكُور قَالَ: حَكَى شيخ شُيُوخنَا العلَّامة تَاج الدَّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْفَزارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تاريخٍ علَّقه عَن القَاضِي شمس الدَّين بن خلكان، أَنه حدَّثه أَن الْملك جلال الدَّين خوارزم شاه، غزا الكُرْج بتِفْليس سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة، وَقتل فيهم بِنَفسِهِ حَتَّى جمد الدَّم عَلَى يَده، فَلَمَّا مرَّ بقزوين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 خرج إِلَيْهِ الإِمام أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أكْرمه إِكْرَاما عَظِيما، فَقَالَ (لَهُ) الشَّيْخ: سَمِعت أَنَّك قَاتَلتَ الْكفَّار حَتَّى جَمُدَ الدَّم عَلَى يدك، فَأحب أَن تخرج إليَّ يدك لأقبِّلها. فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: بل أَنا (أقبِّل يدك) . فقبَّل السُّلْطَان يَده، و (تحادثا) ، ثمَّ خرج الشَّيْخ، وَركب دَابَّته، وَسَار قَلِيلا، فَعَثَرَتْ بِهِ الدَّابَّة، فَوَقع فتأَذَّت يَده الَّتِي قبَّلها السُّلْطَان، فَقَالَ الشَّيْخ: سُبْحَانَ الله! لما قَبَّل هَذَا الْملك يَدي حصل فِي نَفسِي شَيْء من العظمة، فعوقبت بِالْوَقْتِ بِهَذِهِ الْوَقْعَة. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ طَاهِر اللِّسَان فِي تصنيفه، كثير الْأَدَب، شَدِيد الِاحْتِرَاز فِي النقول، فَلَا يُطلق نقلا عَن أحد إلَّا إِذا وقف عَلَيْهِ من كَلَامه، فإنْ لم يقف عَلَيْهِ عبَّر بقوله: «وَعَن فلَان كَذَا» ، شَدِيد الِاحْتِرَاز - أَيْضا - فِي مَرَاتِب التَّرْجِيح، وَلِهَذَا يُطلق تَارَة: (عَلَى) الْأَصَح، وَنَحْوه. وَتارَة يَقُول: الْأَصَح عِنْد الْأَكْثَرين. وَتارَة يَقُول: الْأَصَح عَلَى مَا قَالَه فلَان وَفُلَان. أَو: كَلَام الْأَكْثَرين يمِيل إِلَى كَذَا. وَمرَّة يذكر مَا يشْعر بِأَنَّهُ من جِهَته، كَقَوْلِه: الْأَحْسَن، والأعدل، وَالْأَشْبَه، والأمثل، وَالْأَقْرَب، (والأنسب) ، وَيَنْبَغِي كَذَا، وَيُشبه كَذَا، وَنَحْو ذَلِك. صّنَّف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَأعَاد علينا من بركاته، وبركات سلفه الطَّاهِر - كُتبًا أضحت للدّين والإِسلام أَنْجُمًا وشُهبًا، مِنْهَا: الْكتاب الَّذِي خار الله لنا - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَله الْحَمد والمنَّة - (بالْكلَام) عَلَى أَحَادِيثه، وآثاره - يَسَّر الله إكماله، ونفع بِهِ - وَهُوَ: «الْفَتْح الْعَزِيز (فِي) شرح الْوَجِيز» ، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: لم يشْرَح الْوَجِيز بِمثلِهِ. قلت: بل لم يصنف فِي الْمَذْهَب مثله، قَرَأت عَلَى شَيخنَا صَلَاح الدَّين - بالقدس الشريف - قَالَ: سَمِعت شَيخنَا الْعَلامَة الرباني أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الْفَزارِيّ - غير مرّة - يَقُول: «مَا يعرف قدر الشَّرْح للرافعي إِلَّا بِأَن يجمع الْفَقِيه المتمكن فِي الْمَذْهَب الْكتب الَّتِي كَانَ الإِمام الرَّافِعِيّ يستمد مِنْهَا، ويصنف شرحًا للوجيز، من غير أَن يكون كَلَام الرَّافِعِيّ عِنْده، فَحِينَئِذٍ يعرف كل أحد (قصوره عمَّا) وصل إِلَيْهِ (الإِمام) الرَّافِعِيّ. هَذَا أَو مَعْنَاهُ. وَمِنْهَا: «الشَّرْح الصَّغِير» للوجيز أَيْضا، قَالَ الإِسفراييني - الْمُتَقَدّم ذكره -: وَقع موقعًا عَظِيما عِنْد الْخَاصَّة، والعامة. قَرَأت عَلَى شَيخنَا صَلَاح الدَّين قَالَ: سَمِعت قَاضِي الْقُضَاة أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْقزْوِينِي - تغمده الله بعفوه - يَحْكِي عَن مَشَايِخ بَلَده، أَن سَبَب تصنيف الإِمام أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ «الشَّرْح الصَّغِير» أَن بعض الْفُقَهَاء قصد أَن يختصر «الشَّرْح الْكَبِير» ، فَبلغ ذَلِك الإِمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الرَّافِعِيّ، فخاف أَن يُفْسده عَلَيْهِ بالتغيير، لقُصُور (عبارَة) ذَلِك الرجل، فَقَالَ لَهُ الإِمام أَبُو الْقَاسِم: أَنا أَخْتَصِرهُ لَك، وَلَكِن لَا أقدر عَلَى الْوَرق. وَكَانَ ذَلِك الرجل - أَيْضا - فَقِيرا، فَلم يُمكنهُ إلَّا أنْ أحضر للإِمام أبي الْقَاسِم من الْوَرق الْمَكْتُوب الَّذِي يُبَاع شَيْئا كثيرا، فَكتب الإِمام «الشَّرْح الصَّغِير» فِي ظُهُوره، حَتَّى أَكْمَلَه، ثمَّ نُقِلَ من تِلْكَ الظُّهُور. قلت: وَهَذِه الْحِكَايَة، مِمَّا يدل عَلَى زهد الإِمام الرَّافِعِيّ، وتَقلُّلِهِ من الدُّنْيَا. وَمِنْهَا: «المُحَرَّر» وَهُوَ كاسمه، وَمَا أَكثر نَفعه، مَعَ صغر حجمه. وَمِنْهَا: «شرح مُسْند الإِمام الشَّافِعِي» ، وَهُوَ كتاب نَفِيس، قَالَ الإِسفراييني الْمُتَقَدّم ذكره: أَسْمَعَه مُصَنفه سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة. وَمِنْهَا: «الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» ، الَّتِي تقدم التَّنْبِيه عَلَى عظم شَأْنهَا فِي الْخطْبَة، ابْتَدَأَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) فِي إملائها يَوْم الثُّلَاثَاء، ثامن عشْرين رَجَب، سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة، (وختمها يَوْم الْجُمُعَة، رَابِع عشْرين ربيع الأول، سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة) . وَمِنْهَا: «التذنيب» عَلَى (الشرحين) ، لما يتَعَلَّق بالوجيز. وبهذه الْكتب الثَّلَاثَة يُعْرفُ محلُّ الإِمام أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ من معرفَة هَذَا الْعلم - أَعنِي علم (هَذَا) الحَدِيث، وَالْكَلَام عَلَيْهِ، عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 اصْطِلَاح أَهله فِي عزوه وَرِجَاله، وفوائده - الْمعرفَة التَّامَّة. وخرَّج لنَفسِهِ «أَرْبَعِينَ حَدِيثا» ، كَمَا تقدّمت الإِشارة إِلَيْهَا، سَاق (فِيهَا) الحَدِيث المسلسل بالأولية من عشرَة طرق، يذكر مَعَ كل طَرِيق مِنْهَا أَرْبَعَة أَحَادِيث فِيمَا يتَعَلَّق بِالرَّحْمَةِ. وَمِنْهَا: «الإيِجاز فِي أخطار الْحجاز» ، صنَّفه فِي سَفْرَتِه إِلَى الْحَج، أَفَادَهُ بعض الْعَجم من شُيُوخ الْعَصْر. وَله - رَحِمَهُ اللَّهُ، مَعَ ذَلِك - شعر حسن، فَمن ذَلِك مَا ذكره فِي «أَمَالِيهِ» : سَمِّني مَا شئتَ وسِم جبهتي بِاسْمِك ثمَّ اسْمُ بأسمائي فَسَمِّني (عَبدك) أفخرْ بهِ وَيَسْتَوِي عَرْشِي عَلَى الماءِ وفيهَا لَهُ: إنْ كنتَ فِي اليُسْرِ فاحمدْ من حَبَاكَ بِهِ فَلَيْسَ حَقًّا قَضى لكنَّه الجودُ أَو كنت فِي العُسْرِ فاحمده كَذَلِك إذْ مَا فوقَ ذلكَ مصروفٌ و (مردودُ) وَكَيف مَا دارتِ الأَّيام مقبلةً وَغير مقبلةٍ فَالْحَمْد محمودُ وفيهَا لَهُ: إِلَى رضى الربِّ نَسُوق الرِّضَا بِاللَّه ربًّا فارض فِيمَا قَضَى وَلَا تَكُنْ عَنْ شَأْنِهِ غَافِلًا فالوقتُ سيفٌ صَارِمٌ ينتضى وفيهَا لَهُ: العَالمُون ضَعِيفُهُم وقَوِيُّهُم لجلالِ عزته سُجُودٌ رُكَّعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 لَو كُلِّفُوا أَنْ يَعْبُدُوه عمرَهمُ حقَّ العبَادةِ (لَحْظَة) لَتَعكفوا وفيهَا لَهُ: وَلَا تَنِيَا فِي ذكرِه فَتَهِيما أَقِيْمَا عَلَى بابِ (الرحيمِ) أَقِيمَا لعلكما تستنشقانِ نسيما وللنَّفَحَاتِ الطَّيِّبَات تَعَرَّضَا يَجدْه رءوفًا بالعبادِ رحِيما هُوَ الرَّبُ من يَقْرَعْ عَلَى الصِّدْقِ بَابَهُ وفيهَا لَهُ: تلهفُ مَنْ يَسْتَغْرقُ العمرَ نَوْمُهُ تَنَبَّهْ فَحَقٌّ أَن يطولَ بحسرةٍ فَهُبَّ لصبحِ [الشَّيبِ] إذْ جَاءَ (يَوْمُهُ) لَقدْ نِمْتَ فِي (ليْلِ) الشَّبيبةِ غافِلًا وفيهَا لَهُ: وَقد نِمْتَ فِيهِ (لَقى) غَافِلًا سَوَادُ الشبابِ كليلٍ مَضَى فَعَمَّا قليلٍ تُرَى آِفلًا وصُبْحُ المَشِيبِ بَدَا فَانْتَبِه وفيهَا لَهُ: ويطلبُ العوذة فِيمَا يُعينْ منْ يَسْتَعِنْ بِاللَّه سُبْحانه يَقَرُّ عينا ويَفِرُّ اللَّعِينْ يُعِنْهُ بالفضِل عَلَى مَا بهِ إيَّاهُ نَرْجُو وَبِهِ نستعينْ فحسبنا الله لِمَا نَابَنَا وفيهَا لَهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 لَيْسَ (للدنيا) استقامه وانتشاء من مُدَامهْ هِيَ إلمامةُ طَيْفٍ من تجاويفِ غَمَامَهْ هِيَ مثلُ البرقِ يَبْدُو من هَوَانٍ وكرامهْ (نائلٌ) مَا أَنْت فِيهِ تَبِعَاتٌ وغرامهْ حاصلُ المأمولِ فِيهَا ثُمَّ فِي العُقْبَى ندامهْ تعبٌ فِي الحَالِ صَعْبٌ تنجْ (مِنْهَا) بِسَلاَمهْ جافِ عَنْهَا الجْنبَ صَفْحًا وفيهَا لَهُ: وإِنْ جَفَوْنِي وإنْ جَارُوا وإنْ (غَدَرُوا) أَُفْدي الَّذين سَقَونيِ كَأْس حُبّهمُ فَفِي فؤاديَ مِنْهُ الوِرْدُ والصَّدَرُ أَلَيْسَ قد جعلوني أهلَ (وُدهمُ) ذكرا وحبًّا وإضمارًا وَقد قَدَرُوا أَلَيْسَ (لم) يسلبوني مَا أَلُذْ بِهِ وفيهَا لَهُ: ميعادك واحتكم بِمَا شِئْتَ علَيَّ صافيتكَ لَا تشب بمطلٍ وبليٍّ مِنْكَ اليَدُ والقصور مِنِّي وإليَّ أَتْمِمْ نِعَمًا أَنْتَ تَطَوَّلْتَ بهَا (وفيهَا لَهُ) : فَمَا الخيرُ عِنْدِي سُوَى خَيْرِكم تَيَمَّمتُ بَابَكَ لَا غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فَما أرتجي الطلَّ مِنْ غَيْرِكم لَئِن لم أُصِبْ مِنْكمُ وابِلًا (وفيهَا لَهُ) : تَحَوَّلُوا عَنْ حَالهم أَو ثَبَتُوا فَخَوَّلُوا نَفسِي فدًا لَهُم أَحبُّوا أَمْ تَوَلَّوا فَتَحْتُ عَيْني بهم فَمَا عَنْهُم محول إنْ حَرَمُوا فطالما بفضلهم تَطَوَّلُوا وعَرضوني للنوى (و) مَا عليَّ (طَوَّلُوا) إعراضهم إنْ أَعْرَضُوا وَشدَّدوا وهَوَّلوا عَلَيْهِم فِي كُلِّ مَا أقصده (المُعَوَّلُ) لَيْسَ بثانٍ عَنْهُم إنَّ الحبيب الأولُ (وفيهَا لَهُ) : مَا عنهمُ لي عُدُولُ قُولوا لَهُم ثمَّ قُولوا تَنْهَدّ مِنْهَا العقُولُ (أَحمَّلُوني) أمورًا يَطولُ فِيهِ الفَضُولُ (أَو) توَلَّونِي بِخَيْرٍ فالرهنُ مِمَّا يَزُولُ لَا أَجْعَلُ القَلبَ رَهْنًا وَالْوَقْف (مَا) لَا يحولُ وَقْفٌ عليهمُ فؤَادِي وفيهَا لَهُ: وبعدَ (ذَلِك) ضَلَّا قد ذَلَّ مَنْ مِنْهُ مَلَّا وخَابَ من عَنهُ وَلَّى وفاز مَن فِيهِ يسْعَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 (فَفِي) هُدَاه اسْتَقَلَّا مَن اسْتَقَلَّ سوَاهُ نُوَلِّه مَا تَولَّى والِمُعْرِضُ المُتَواني (بفضله) يَتَجَلَّى وإنْ خَضَعْتَ تراهُ من ظِلِّ فَضْلِكَ ظِلَّا يَا رب عَبْدُك يَرْجُو تُسْدِي الجميلَ فَهَلَّا وَأَنت ربٌّ رَحِيمٌ ثمَّ خَتَم هَذِه الأمالي بِأَن قَالَ: تَكْنُفُهُ مِنْ كل أرجائهِ عبدُ الْكَرِيم المُرْتَجِي رَحْمَة مَا وَفَّق اللهُ بنعمائهِ أَمْلَى ثَلَاثِينَ حَدِيثا عَلَى قولَ الحائرِ التائهِ لَيْسَ يُزَكِّيها ولكنَّه يقولُ قَبِلتَ حَرْفَيْنِ من إملاَئِه فَازَ أَبُو الْقَاسِم يَا رب لَو وللإِمام الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَوْلَاد: ولد ذكر، اسْمه: مُحَمَّد، ولقبه: عَزِيز الدَّين - كَمَا سُقْنَا حَدِيثه عَن وَالِده فِيمَا تقدم من الْأَحَادِيث - وَبنت، ذكر أَبُو (سعد) النسوي المنشي فِي «تَارِيخ خوارزم شاه» : أَن الإِمام أَبَا الْقَاسِم الرَّافِعِيّ كَانَت لَهُ بنت، تزَوجهَا رجل من مَشَايِخ «قزوين» وأولدها أَوْلَادًا كَثِيرَة. وقرأت عَلَى الشَّيْخ صَلَاح الدَّين - أبقاه الله - قَالَ: رَأَيْت بِدِمَشْق سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة امْرَأَة حضرت عِنْد قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدَّين السُّبْكِيّ، عجمية، فصيحة اللِّسَان، ذَكَرتْ أَنَّها من نسل الإِمام الرَّافِعِيّ، وَكَانَت تحفظ «عقيدته» الَّتِي صنّفها، فَقَرَأت مِنْهَا قِطْعَة، وَهِي عقيدة بديعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 عَلَى طَريقَة أهل السنَّة، بِعِبَارَة فصيحة عَلَى عَادَته - رَحْمَة الله عَلَيْهِ. توفّي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه، وَجعل الْجنَّة مَأْوَاهُ - فِي حُدُود سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة، ودُفن ب «قزوين» . قَالَه أَبُو عبد الله الصَفَّار، الإِسفراييني، وَكَذَا أَرَّخَهُ القَاضِي شمس الدَّين بن خلكان، وَأفَاد بِأَنَّهَا كَانَت فِي ذِي الْقعدَة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: بلغنَا بِدِمَشْق وَفَاته سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة، وَكَانَت وَفَاته فِي أوائلها، أَو فِي أَوَاخِر السّنة الَّتِي قبلهَا بقزوين. هَذَا مَا يتَعَلَّق بِحَال الإِمام أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ. وَأما وَالِده الَّذِي وَعَدْنا بِذكرِهِ: فَقَالَ (ابْن) نقطة الْحَافِظ فِي «ذيله عَلَى كتاب الْأَمِير ابْن مَاكُولَا» : أَبُو الْفضل، مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْفضل الرَّافِعِيّ الْقزْوِينِي يُقَال (لَهُ) : بابويه. سمع بِبَلَدِهِ من أبي عَلّي الْحسن بن أَحْمد الهمذاني، قدم عَلَيْهِم، وَمن ملكداذ بن عَلّي بن أبي عَمْرو، (و) بِبَغْدَاد من: أبي مَنْصُور بن خيرون، وَأبي الْفضل الأرموي، وَأبي عبد الله بن الطرائفي، وَسعد الْخَيْر الْأنْصَارِيّ. (و) بنيسابور من: أبي الأسعد الْقشيرِي، وَعبد الْخَالِق بن زَاهِر الشحامي فِي آخَرين. وَقَالَ وَلَده - أَعنِي الإِمام الرَّافِعِيّ - فِي «أَمَالِيهِ» : وَالِدي أَبُو الْفضل، مِمَّن خُصَّ بعفة الذيل، وحُسن السِّيرَة، والجدِّ فِي الْعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَالْعِبَادَة، وذلاقة اللِّسَان، وَقُوَّة الْجنان، والصلابةِ فِي الدَّين، والمهابةِ عِنْد النَّاس، والبراعة فِي الْعلم: حفظا، وضبطًا، ثمَّ: إتقانًا، وبيانًا، وفهمًا ودرايةً، ثمَّ: أَدَاء، وَرِوَايَة. سمع الحَدِيث، وتفقَّه ب «قزوين» فِي صِباه، ثمَّ سَافر إِلَى الرّيّ، فَسمع، وتفقَّه، ثمَّ ارتحل إِلَى بَغْدَاد، فَسمع، وتفقَّه، وحجَّ مِنْهَا، ثمَّ انْتقل إِلَى نيسابور، فحصَّل عَلَى الإِمام مُحَمَّد بن يَحْيَى، وَسمع الحَدِيث الْكثير. وَكَانَ مشايخه (يوقرونه) ، لحسن سيره، وشمائله، ووفور فَضله، وفضائله. ولَمَّا عَاد إِلَى «قزوين» أَقبلت عَلَيْهِ المتفقِّهةُ، فدرَّس، وأَفاد، وذاكَر، وذَكَّر، وفَسَّرَ، وَرَوَى، وأَمْلى، وصَنَّف: فِي التَّفْسِير، والْحَدِيث، وَالْفِقْه، وانتفع بِهِ الْخَواص والعوام. ثمَّ اسْتَأْثر الله - تَعَالَى - بِهِ فِي شهر رَمَضَان، سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة. قَالَ: وَلَعَلَّ الله يوفق لما فِي عزمي من جمع مُخْتَصر فِي مناقبه، أُسَمِّيهِ ب «القَوْل الْفَصْل فِي فضلِ أبي الْفضل» . ا. هـ وَقَالَ فِي الْمجْلس الْخَامِس (من هَذِه «الأمالي» ) : وَالِدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ جيد الْحِفْظ، سمعته صَبِيحَة بعض الْأَيَّام يَقُول: سَهِرْتُ البارحة فأجلت الفكرَ فِيمَا أحفظه من الأبيات المفردة، والمقطعات فبلغت آلافًا. ذكر عددا كثيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَقَالَ فِي الْمجْلس الْعَاشِر مِنْهَا: سَمِعت عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن المؤذِّن - وَكَانَ رجلا صَالحا يؤذِّن فِي مَسْجده - يَحْكِي أَن وَالِدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خرج فِي لَيْلَة مظْلمَة لصلاةِ العشاءِ، قَالَ: وَأَنا عَلَى بَاب الْمَسْجِد أنتظره، فحسبت أَن فِي يَده سِراجًا، وتعجَّبْتُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لم يكن من عَادَته استصحابُ السراج، فمَّا بلغ الْمَسْجِد لم أجد السراجَ، و (دهشت) وَذكرت لَهُ ذَلِكَ من الْغَد فَلم يُعجبهُ وُقُوفِي عَلَى الْحَال، وَقَالَ: أقبل عَلَى شَأْنك. وَقَالَ فِي الْمجْلس الْعَاشِر مِنْهَا: كَتَبَ [سعد] بن الْحسن الْكرْمَانِي لوالدي، رحمهمَا الله - وَكَانَ [سعد] من أهل (الْعلم و) الْفضل، والبيوتات الشَّرِيفَة -: فَأَسَأْنا بِحسن عَهْدك ظَنَّا يَا أَبَا الْفضل قَد تَأَخَّرْتَ عنَّا فَإِذا أنْتَ ذَلِكَ المُتَمَنَّى كمْ تَمَنَّتْ نَفْسي صَدِيقًا صَدُوقًا وبِعَهْدِ الصِّبَا وإنْ بَانَ عَنَّا (فبِغُصنِ) الشَّباب لما تَثَنَّى لَا تَقُلْ للرسولِ كانَ وكُنَّا كُنْ جوابي إِذا قَرأْتَ كِتابي فَبلِّغْتُ أَنه كَانَ جَوَابه. أ. هـ. وَقَالَ فِي الْمجْلس الْخَامِس عشر: كتب إِلَيّ وَالِدي أَبُو سُلَيْمَان (الزبيري) - حِين عزم عَلَى السّفر للتفقه -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَلَسْتَ ملومًا بِمَا تَفْعَلُ أَبَا الْفضل هَجْرُكَ لَا يُحْمَلُ وقدمًا علينا بهَا يبخلُ وإنَّكَ مِنْ حَسَناتِ الزَّمَانِ وَأما والدته الَّتِي وعدنا بذكرها أَيْضا، فَقَالَ فِي «أَمَالِيهِ» - أَيْضا -: والدتي صَفِيَّة بنت الإِمام أسعد (الركاني) ، - رحمهمَا الله - كَانَت تروي الحَدِيث عَن إجَازَة جمَاعَة من مَشَايِخ «أَصْبَهَان» ، و «بَغْدَاد» ، و «نيسابور» ، عَنِيَ بتحصيل أَكْثَرهَا: خالها أَحْمد بن إِسْمَاعِيل. قَالَ: وَلَا أعرف امْرَأَة فِي الْبَلَد كريمةَ الأطرافِ فِي (الْعلم) مثلهَا، فأبوها كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب، والأقوالِ، وَالْوُجُوه [فِيهِ] ، (المستقرب) مِنْهَا والمستبعد، ماهرًا فِي الْفَتْوَى، مرجوعًا إِلَيْهِ. وَأمّهَا: زُلَيْخَا بنت القَاضِي إِسْمَاعِيل بن يُوسُف، كَانَت فقيهةً (يُرَاجِعهَا) النِّسَاء، فتفتي لَهُنَّ لفظا وخطًّا، سيّما فِيمَا ينوبهن، ويستحين مِنْهُ، كالعدة وَالْحيض. وأخواها: من معتبري (الْأَئِمَّة) الْمَشْهُورين فِي الْبَلَد، دَرَجَ أكبرهما، وأُنسئ فِي أجل (الآخر) . وَزوجهَا الإِمَام وَالِدي، قد أَشرت إِلَى جملٍ من أَحْوَاله فِيمَا تقدم. وجدّها: القَاضِي إِسْمَاعِيل (بن يُوسُف) ، من أهل (العِلْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 و) الحَدِيث، والجدّ فِي الْعِبَادَة، وَكَانَ قد تفقَّه عَلَى القَاضِي، الشَّهِيد: أبي المحاسن الرَّوْيَانِيّ، وَسمع مِنْهُ الحَدِيث. وخالها: الإِمَام أَحْمد بن إِسْمَاعِيل، مَشْهُور فِي الْآفَاق. قَالَ فِي أثْنَاء « (أَمَالِيهِ) » - بعد أَن رَوَى عَنهُ حَدِيثا -: هُوَ أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الطَّالقَانِي (ثمَّ الْقزْوِينِي) ، أَبُو الْخَيْر، إِمَام كثير الْخَيْر، موفر الْحَظ من عُلُوم الشَّرْع: حفظا، وجمعًا، ونشرًا، بالتعليم، والتذكير، والتصنيف. وَكَانَ لَا يزَال لِسَانه رطبا من ذكر الله تَعَالَى، وَمن تِلَاوَة الْقُرْآن، وَرُبمَا قُرِئَ عَلَيْهِ الحَدِيث وَهُوَ يُصَلِّي ويصغي إِلَى الْقَارئ، و (ينبهه) إِذا زَلَّ، وَاجْتمعَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ الْقبُول التَّام، عِنْد الْخَواص والعوام، والصيت الْمُنْتَشِر، والجاه والرفعة. وتولَّى تدريس النظامية بِبَغْدَاد مُدَّة، مُحْتَرمًا فِي حَرِيم الْخلَافَة، مرجوعًا إليْهِ، ثمَّ آثَر الْعود (إِلَى) الوطن، واغتنم النَّاس رُجُوعه إِلَيْهِم، و [استفادوا] من علمه، وتَبَرَّكُوا بأيامه. وَسمع الْكثير من الفراوي، وفهرست مسموعاته متداول، وَكَانَ يعْقد الْمجْلس للعامة فِي الْأُسْبُوع ثَلَاث مَرَّات، إِحْدَاهَا: صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة، (فَتكلم عَلَى عَادَته يَوْم الْجُمُعَة) ، الثَّانِي عشر من الْمحرم سنة تسعين وَخَمْسمِائة فِي قَول الله تَعَالَى: (فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَذكر أَنَّهَا من أَوَاخِر مَا نزل من الْقُرْآن، وعَدَّدَ الْآيَات الْمنزلَة آخرا، مِنْهَا: (الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ) , وَمِنْهَا: سُورَة النَّصْر. وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: (وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله) . وَذكر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا عَاشَ بعد نزُول هَذِه الْآيَة إلَّا سَبْعَة أَيَّام، ولمَّا نَزَلَ من الْمِنْبَر حُمَّ، وانتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى فِي (يَوْم) الْجُمُعَة الْأُخْرَى، وَلم يَعِشْ بعد ذَلِكَ الْمجْلس إلَّا سَبْعَة أَيَّام، وَهَذَا من عَجِيب الاتفاقات. وَكَأَنَّهُ أُعْلِمَ بِالْحَال، و [بِأَنَّهُ] حانَ وَقت الارتحال، ودُفن يَوْم السبت، وَلَقَد خرجت من الدَّار بكرةَ (فِي) ذَلِكَ اليومِ عَلَى قصد التَّعْزِيَة، وَأَنا فِي شَأْنه متفكر، وَمِمَّا أَصَابَهُ منكسر، إِذْ وَقع فِي خلدي من غير نِيَّة، وفكر وروية: لوفاةِ أحمدِهَا بن إسماعيلها بَكَت العلومُ بويلها وعويلها كَأَن أحدا يُكَلِّمُنِي (بذلك) . وَكَانَت وِلَادَته سنة: (اثْنَتَيْ عشرَة) وَخَمْسمِائة، وَهُوَ مَعَ كَونه خَال والدتي، أَبوهَا من الرَّضَاع أَيْضا. قَالَ: وَابْنهَا، المملي لهَذِهِ الأمالي - يَعْنِي الرَّافِعِيّ نَفسه -: لَا يخرج من زمرة أهل الْعلم، ويحشر فيهم - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَكَذَلِكَ سَائِر بنيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قَالَ: ثمَّ هِيَ - يَعْنِي والدته - فِي (نَفسهَا) متديِّنة خائفة، وَبِمَا لَا بُد مِنْهُ للفروض عارفة، قارئة لكتاب الله تَعَالَى، (كَثِيرَة) الْخَيْر، رقيقَة الْقلب، سليمَة الْجَانِب، تحمل الكَلَّ، وترغب فِي الْمَعْرُوف، وتُحْسِنُ إِلَى الْيَتَامَى والأيامى، تلِي خيرا، وتولي جميلًا مَا استطاعت إِلَيْهِمَا سَبِيلا. وَكَانَت قد ابْتليت بعدة بَنَات، أنفقت وَاسِطَة الْعُمر عليهنَّ، حتَّى استكملن من أدبهنَّ، مَضَيْن لسبيلهنَّ، (فَتَرَكْنَها) ملهوفة ثَكْلَى بهنَّ، وَللَّه مَا أَخذ، وَله مَا أعْطى، وَلَا راد لما حكم (بِهِ) وَقَضَى. ثمَّ ذكر أَحَادِيث وشعرًا تَسْلِيَة لوالدته - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وعنها. وللإِمام الرَّافِعِيّ أَخ، اسْمه: مُحَمَّد، تفقَّه عَلَى أبي الْقَاسِم بن فضلان. وَسمع الحَدِيث من أَبِيه، وَأَجَازَ لَهُ: ابْن البَطِّي. ورحل إِلَى «أَصْبَهَان» و «الرّيّ» ، و «أذربيجان» ، و «الْعرَاق» . وَسمع (الحَدِيث) من: نصر الله القَزَّاز، وَابْن الْجَوْزِيّ. واستوطن بَغْدَاد، وولِّي مشارفة أوقاف «النظامية» . وَكَانَ فِي ديانَة، وَأَمَانَة، وتواضُع، وتودُّد، وحُسن خلق. كتب الْكثير - مَعَ ضعف خطه - من التَّفْسِير، والْحَدِيث، وَالْفِقْه. ومعرفته فِي الحَدِيث تَامَّة. قَالَ ابْن النجار: وَكَانَ يذاكرني بأَشْيَاء، وَله فهم حسن، (وَمَعْرِفَة) . مَاتَ فِي ثامن عشْرين جُمَادَى الأولَى، من سنة ثَمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَعشْرين وسِتمِائَة، وَقد قَارب (السّبْعين) . هَذَا آخر مَا أردْت ذكره من هَذِه الْفُصُول، وَهِي مهمةٌ، نَافِعةٌ، سِيَّما مَنَاقِب الإِمامِ الرَّافِعِيّ (ووالده، ووالدته) ، فإنَّ بذلك يعرف قدرهم، وفضلهم، وبسطناها (هُنَا) بسطًا حسنا، لَا يُوجد كَذَلِك فِي كتاب. وإذْ قد فَرَغْنَا من هَذِه الْفُصُول، فلنشرع الْآن فِي الْغَرَض الأهم الْمَقْصُود، متوكلين عَلَى الصَّمد المعبود، أسألُ الله الْكَرِيم إِتْمَامه مصونًا عَاجلا، عَلَى أحسن الْوُجُوه، وأبركها، وأعمها، وأنفعها، وأدومها، (بِمُحَمد وَآله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 كتاب الطَّهَارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب الطَّهَارَة بَاب المَاء الطَّاهِر قَالَ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي مُحكم كِتَابه الْكَرِيم: (وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ) . وَقَالَ: (وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا) . ذكر الإِمام الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الْبَاب من الْأَحَادِيث سِتَّة أَحَادِيث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الحَدِيث الأول ورد فِي الْبَحْر قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح جليل، مَرْوِيّ من طرق، الَّذِي يحضرنا مِنْهَا تِسْعَة: أَولهَا: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عبد الرَّحْمَن بن صَخْر - عَلَى الْأَصَح - عِنْد جمَاعَة من الْحفاظ، كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» . وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه الْأَصَح (من) نَحْو ثَلَاثِينَ قولا، كَنَّاه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأبي هُرَيْرَة - وَقيل: أَبوهُ - لمَّا رَآهُ وَقد جمع أَوْلَاد هِرة وحشية، حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ - أَيْضا - فِي «أَمَالِيهِ» - قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إنَّا نركب الْبَحْر ونحمل مَعنا الْقَلِيل من المَاء، فَإِن توضأنا بِهِ عطشنا، أفنتوضأ بِمَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ ميتَته» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، أهل الْحل وَالْعقد: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، والدارمي فِي «مسانيدهم» ، وَالْبُخَارِيّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 «تَارِيخه» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، (وَالنَّسَائِيّ) ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو بكر بن خُزَيْمَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَأَبُو مُحَمَّد بن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» ، وَأَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيث صَحِيح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه « (الْمعرفَة» ) : هُوَ حَدِيث صَحِيح، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: ثَبت أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْبَحْر: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ، الْحل ميتَته» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَقَالَ الْبَغَوِيّ: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مُتَّفق عَلَى صِحَّته. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» : هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور، أخرجه الْأَئِمَّة فِي كتبهمْ، وَاحْتَجُّوا بِهِ، وَرِجَاله ثِقَات. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» ، و «الإِلمام» : رجح ابْن مَنْدَه صِحَّته. وَخَالف الْحَافِظ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر، فَقَالَ فِي «تمهيده» : اخْتلف أهل الْعلم فِي إِسْنَاده. قَالَ: وَقَول البُخَارِيّ: صَحِيح. لَا أَدْرِي مَا هَذَا مِنْهُ؟ ! وَلَو كَانَ صَحِيحا عِنْده، لأخرجه فِي كِتَابه. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لم يحْتَج أهل الحَدِيث بِمثل إِسْنَاده. قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح؛ لِأَن الْعلمَاء تلقوهُ بِالْقبُولِ وَالْعَمَل بِهِ، لَا يُخَالف [فِي] جملَته أحد (من) الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي بعض مَعَانِيه. وَهَذَا الْكَلَام من الْحَافِظ أبي عمر فِيهِ نظر كَبِير، لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين تعقَّبه، فَقَالَ فِي «شرح الإِلمام» : (قَوْله) : لَو كَانَ صَحِيحا لأخرجه (فِي كِتَابه) . غير لَازم؛ لِأَنَّهُ (لم) يلْتَزم إِخْرَاج كل حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 (صَحِيح) . وَأما قَوْله: لم يحْتَج أهل الحَدِيث بِمثل إِسْنَاده. فقد ذكرنَا فِي كتاب «الإِمام» وُجُوه التَّعْلِيل الَّتِي يُعلل بهَا الحَدِيث. قلت: وحاصلها - كَمَا قَالَ فِيهِ - أَنه يُعلل بأَرْبعَة أوجه: أَحدهَا: الْجَهَالَة [بِسَعِيد] بن سَلمَة، والمغيرة بن أبي بردة، الْمَذْكُورين فِي إِسْنَاده، وادَّعى أَنه لم يرو عَن سعيد غير صَفْوَان بن سليم، وَلَا عَن الْمُغيرَة غير سعيد بن سَلمَة. قَالَ الإِمام الشَّافِعِي: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من لَا أعرفهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» : يحْتَمل أَن يُرِيد سعيد بن سَلمَة، أَو الْمُغيرَة أَو كِلَاهُمَا. وَالْجَوَاب: أَنه رَوَاهُ عَن سعيد غير صَفْوَان، رَوَاهُ عَنهُ: الجُلاَح، بِضَم الْجِيم، وَتَخْفِيف اللَّام، وَآخره حاء مُهْملَة. قَالَ أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» : وَخَالف أَبُو الْأسود أَصْحَابه، فَقَالَ: الجلاخ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. انْتَهَى - كنيته: أَبُو كثير، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من رِوَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 قُتَيْبَة، عَن لَيْث، عَنهُ. وَلَفظه: «أنَّ نَاسا أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالُوا: إنَّا نبعد فِي الْبَحْر، وَلَا نحمل [من المَاء] إلاَّ الإِداوة والإِداوتين، [لأنَّا] لَا نجد الصَّيْد حَتَّى نبعد، فنتوضأ بِمَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ: «نعم، إنَّه الحِلُّ ميتَته، الطّهُور مَاؤُهُ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» ، والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه الْكَبِير» ، من طَرِيق: يَحْيَى بن بكير عَن اللَّيْث، بِسَنَدِهِ، وَلَفْظهمَا: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا، فَجَاءَهُ صَيَّاد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إنَّنا ننطلق فِي الْبَحْر، نُرِيد الصَّيْد فَيحمل أَحَدنَا (مَعَه) الإِداوة، وَهُوَ يَرْجُو أَن يَأْخُذ الصَّيْد قَرِيبا، فَرُبمَا وجده كَذَلِك، وَرُبمَا لم يجد الصَّيْد حتَّى يبلغ من الْبَحْر مَكَانا لم يظنّ (أَن) يبلغهُ، فَلَعَلَّهُ يَحْتَلِم، أَو يتَوَضَّأ فإنْ اغْتسل أَو تَوَضَّأ بِهَذَا المَاء فَلَعَلَّ أَحَدنَا يُهْلِكُه الْعَطش، فَهَل ترَى فِي مَاء الْبَحْر أَن نغتسل بِهِ، أَو نَتَوَضَّأ (بِهِ) إِذا خفنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 ذَلِك؟ فَزعم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اغتسلوا مِنْهُ وَتَوَضَّئُوا بِهِ، فَإِنَّهُ الطُّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ ميتَته» . قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج مُسلم بالجلاح، أبي كثير. قلت: وَرَوَاهُ عَن الجلاح أَيْضا: يزِيد بن أبي حبيب، وَعَمْرو بن الْحَارِث. أما رِوَايَة عَمْرو: فَمن طَرِيق ابْن وهب، وَأما رِوَايَة يزِيد: فَمن طَرِيق اللَّيْث عَنهُ. وَأما الْمُغيرَة بن أبي بردة: فقد رَوَى عَنهُ يَحْيَى بن سعيد، وَيزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي إِلَّا أَن يَحْيَى بن سعيد اخْتُلف عَلَيْهِ فِيهِ: فَرَوَاهُ هشيم عَنهُ، عَن الْمُغيرَة، عَن رجل من بني مُدْلِج مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ حَمَّاد عَنهُ، عَن الْمُغيرَة، (عَن أَبِيه) ، عَن أبي هُرَيْرَة. ذكرهمَا الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» . وَرِوَايَة يزِيد بن مُحَمَّد: أخرجهَا أَيْضا فِيهِ، وَرَوَاهَا أَيْضا: أَحْمد بن عبيد الصَفَّار، صَاحب «الْمسند» . وَمن جِهَته أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: (فاتفاق صَفْوَان والجلاح) ، مِمَّا يُوجب شهرة سعيد بن سَلمَة، واتفاق يَحْيَى بن سعيد، وَسَعِيد بن سَلمَة، عَلَى الْمُغيرَة بن أبي بردة، مِمَّا يُوجب شهرة الإِسناد، فَصَارَ الإِسناد مَشْهُورا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَقد زِدْنَا عَلَى مَا ذكرنَا عَن ابْن مَنْدَه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 رِوَايَة يزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي، فتلخص أَن الْمُغيرَة رَوَى عَنهُ ثَلَاثَة، فبطلت دَعْوَى التفرد الْمَذْكُور عَن سعيد وَصَفوَان. قَالَ فِي «شرح الإِلمام» : فالجهالة فِي حق سعيد ترْتَفع بِرِوَايَة الجلاح وَصَفوَان عَنهُ، وَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين: بِرَفْع الْجَهَالَة عَن الرَّاوِي. والجهالة مُرْتَفعَة عَن الْمُغيرَة بِرِوَايَة ثَلَاثَة عَنهُ كَمَا تقدم، مَعَ كَونه مَعْرُوفا من غير الحَدِيث فِي مَوَاقِف (الحذر) فِي الحروب بالمغرب. قَالَ: وَزَوَال الْجَهَالَة عَن سعيد بِرِوَايَة [اثْنَيْنِ] عَنهُ، وَعَن الْمُغيرَة بِرِوَايَة ثَلَاثَة عَنهُ يَكْتَفِي بِهِ من لَا يرَى أَنه لابد من معرفَة حَال الرَّاوِي فِي الْعَدَالَة، بعد زَوَال الْجَهَالَة عَنهُ، فإنْ كَانَ المصححون لَهُ قد علموها عَلَى جِهَة التَّفْصِيل، فَلَا إِشْكَال مَعَ ذَلِك، وإلاَّ فَلَا يبعد اعتمادهم عَلَى تحري مَالك، وإتقانه للرِّجَال أَو عَلَى الِاكْتِفَاء بالشهرة. قلت: قد ثَبت ثِقَة سعيد بن سَلمَة، والمغيرة بن أبي بردة (صَرِيحًا) ، (فإنَّ الإِمام أَبَا عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وثقهما، كَمَا نَقله عَنهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» ، وَكَذَلِكَ أَبُو (حَاتِم) ابْن حبَان، ذكرهمَا فِي كتاب «الثِّقَات» ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَرَوَى الْآجُرِيّ عَن أبي دَاوُد، أَنه قَالَ: الْمُغيرَة بن أبي بردة مَعْرُوف. وأوضح ابْن يُونُس معرفَة عينه، فارتفعت عَنْهُمَا جَهَالَة الْحَال بِهَذَا، وجهالة الْعين بِمَا تقدم. وينضم إِلَى ذَلِك تَصْحِيح الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين لَهُ: التِّرْمِذِيّ، وَالْبُخَارِيّ، وَابْن الْمُنْذر، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَالْبَيْهَقِيّ، وَابْن مَنْدَه، وَالْبَغوِيّ، وَغَيرهم. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» : (مثل هَذَا الحَدِيث) الَّذِي صَدَّر بِهِ مَالك كتاب «الْمُوَطَّأ» ، وتداوله فُقَهَاء الإِسلام من عصره إِلَى وقتنا هَذَا، لَا يُردُّ بِجَهَالَة هذَيْن الرجلَيْن. قَالَ: عَلَى أَن اسْم الْجَهَالَة مَرْفُوع عَنْهُمَا بمتابعات. فَذكرهَا بأسانيده. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» : الَّذِي أَقَامَ إِسْنَاده ثِقَة، أودعهُ مَالك فِي موطئِهِ. الْوَجْه الثَّانِي من التَّعْلِيل: الِاخْتِلَاف فِي اسْم سعيد بن سَلمَة. فَقيل - كَمَا قَالَ الإِمام مَالك -: سعيد بن سَلمَة، من (آل) ابْن الْأَزْرَق. وَقيل: عبد الله بن سعيد المَخْزُومِي. وَقيل سَلمَة بن سعيد. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ المخالفان لرِوَايَة مَالك (هما من رِوَايَة: مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَلَى الِاخْتِلَاف عَنهُ، وَالتَّرْجِيح لرِوَايَة مَالك) - مَعَ جلالته، وَعدم الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ - أولَى. وَإِن كَانَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر (قَالَ) : [رُوَاة الْمُوَطَّأ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 اخْتلفُوا، فبعضهم يَقُول: من آل بني الْأَزْرَق، كَمَا قَالَ يَحْيَى. وَبَعْضهمْ يَقُول: من آل الْأَزْرَق. وَكَذَا قَالَ (القعْنبِي) . وَبَعْضهمْ يَقُول: من آل ابْن الْأَزْرَق، كَذَلِك قَالَ [ابْن] الْقَاسِم، وَابْن بكير. قَالَ ابْن عبد الْبر: وَهَذَا كُله مُتَقَارب غير (ضار) . قلت: وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الَّذِي اعتذر بِهِ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّيْخَيْنِ فِي عدم تخريجهما لهَذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِي كتاب «الْمعرفَة» : (إنَّما) لم يخرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» لاخْتِلَاف وَقع فِي اسْم سعيد بن سَلمَة، والمغيرة بن أبي بردة. وَهَذَا غير ضار؛ إِذْ قد زَالَت الْجَهَالَة عَنْهُمَا عينا وَحَالا كَمَا تقدَّم، فَلَا يضر حينئذٍ الِاخْتِلَاف فِي اسمهما. الْوَجْه الثَّالِث من التَّعْلِيل: التَّعْلِيل بالإِرسال. قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر: ذكر ابْن أبي عمر، والْحميدِي، والمخزومي، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن رجل من أهل الْمغرب - يُقَال لَهُ: الْمُغيرَة بن عبد الله بن أبي بردة -: «أنَّ نَاسا من بني مُدْلِج أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! إنَّا نركب أَرْمَاثًا فِي الْبَحْر ... » وسَاق الحَدِيث بِمَعْنى حَدِيث مَالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 قَالَ أَبُو عمر: هُوَ مُرْسل، وَيَحْيَى بن سعيد أحفظ من صَفْوَان بن سليم، وَأثبت من سعيد بن سَلمَة، وَلَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مِمَّا تقوم بِهِ عِنْد أهل الْعلم بِالنَّقْلِ حجَّة؛ لِأَن فِيهِ رجلَيْنِ غير معروفين بِحمْل الْعلم. وَأَرَادَ أَبُو عمر بِالرجلَيْنِ: سعيدًا والمغيرة، وَقد تقدَّم رَدُّ جهالتهما، وَأكْثر مَا بَقِي فِي هَذَا الْوَجْه - بعد اشتهار سعيد والمغيرة - تَقْدِيم إرْسَال الأحفظ، عَلَى إِسْنَاد من دونه، فإنَّ يَحْيَى بن سعيد أرْسلهُ من هَذَا الْوَجْه، وَسَعِيد بن سَلمَة أسْندهُ، وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة فِي الْأُصُول. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي « (شرح) الإِلمام» : وَهَذَا غير قَادِح عَلَى الْمُخْتَار عِنْد أهل الْأُصُول. قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر - بعد أَن ذكر رِوَايَة من رَوَى عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة عَن أَبِيه وَقد جَوَّدَه عبد الله بن يُوسُف، عَن مَالك، عَن صَفْوَان، سمع (الْمُغيرَة) أَبَا هُرَيْرَة. وَأَيْضًا تقدم رِوَايَة مَالك وَمن تَابعه لعدم الِاضْطِرَاب فِيهَا، عَلَى رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد للِاخْتِلَاف عَلَيْهِ. الْوَجْه الرَّابِع: التَّعْلِيل بِالِاضْطِرَابِ. قد تقدم اتِّفَاق رِوَايَة مَالك، وَيزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي، والجلاح، من جِهَة اللَّيْث، وَعَمْرو بن الْحَارِث. وَأما ابْن إِسْحَاق: فَرَوَاهُ عَن يزِيد، عَن جلاح، عَن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 بن سعيد المَخْزُومِي، عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» كَذَلِك بالسند الْمَذْكُور (عَن أبي هُرَيْرَة) ، قَالَ: «أَتَى (رجال) من بني مُدْلِج إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (فَقَالُوا) : يَا رَسُول الله، إنَّا أَصْحَاب هَذَا الْبَحْر، نعالج الصَّيْد عَلَى رِمْث، فَنَعْزُب فِيهِ اللَّيْلَة والليلتين وَالثَّلَاث والأربع، ونحمل مَعنا من العذب لشفاهنا، فإنْ نَحن توضأنا بِهِ خشينا عَلَى أَنْفُسنَا، وإنْ نَحن آثرنا بِأَنْفُسِنَا، وتوضأنا من الْبَحْر، وجدنَا فِي أَنْفُسنَا من ذَلِك، فَخَشِينَا أَن لَا يكون طهُورا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «توضئوا مِنْهُ، فإنَّه الطَّاهِرُ ماؤُه، (الحِلُّ) ميتَته» . وَفِي رِوَايَة عَن ابْن إِسْحَاق: سَلمَة بن سعيد، عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة حَلِيف بني عبد الدَّار، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ البُخَارِيّ: وَحَدِيث مَالك أصح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: اللَّيْث بن سعد أحفظ من مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَقد أَقَامَ إِسْنَاده عَن يزِيد بن أبي حبيب، وَتَابعه عَلَى ذَلِك عَمْرو بن الْحَارِث عَن الجلاح، فَهُوَ أولَى أَن يكون صَحِيحا، وَقد رَوَاهُ يزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي، عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة (نَحْو رِوَايَة من رَوَاهُ عَلَى الصِّحَّة. وَالِاخْتِلَاف عَلَى يَحْيَى بن سعيد فِيهِ كَبِير، وَقَالَ هشيم عَنهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 رِوَايَة: عَن الْمُغيرَة بن أبي [بَرزَة] ) . وَحمل التِّرْمِذِيّ الْوَهم عَلَى هشيم فِي ذَلِك، وَحَكَاهُ عَن البُخَارِيّ، فَقَالَ: وهم فِيهِ هشيم، إنَّما هُوَ: ابْن أبي بردة، وَقد رَوَاهُ أَبُو عبيد (عَن) هشيم عَلَى الصَّوَاب، فقد يكون الْوَهم مِمَّن دونه. قلت: وَقد جمع الِاخْتِلَاف فِي (إِسْنَاده) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» ، فَقَالَ مَا ملخصه: قيل: عَن صَفْوَان، عَن سعيد بن سَلمَة، عَن الْمُغيرَة، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَه مَالك. وَقيل: عَن سَلمَة بن سعيد - أَو عَكسه - عَن الْمُغيرَة (بِهِ) . وَقيل: عَن سعيد، عَن أبي بردة بن عبد الله، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: عَن صَفْوَان بن سليم مُرْسلا، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الله بن عَامر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقيل: عَن جلاح، عَن سعيد، عَن الْمُغيرَة، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: (عَن جلاح، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة) . وَقيل: عَن جلاح، (عَن) الْمُغيرَة، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: عَن جلاح، عَن أبي ذَر الْمصْرِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وَقيل: عَن يزِيد بن مُحَمَّد الْقرشِي، عَن الْمُغيرَة، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْمُغيرَة، عَن رجل من بني مُدْلِج، «أنَّ رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » الحَدِيث. وَقيل: عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْمُغيرَة، عَن رجل من قومه، عَن رجل سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقيل: عَن يَحْيَى، عَن الْمُغيرَة، عَن أَبِيه، مَرْفُوعا. وَقيل: عَن يَحْيَى، عَن الْمُغيرَة بن عبد الله - أَو عبد الله بن الْمُغيرَة - «أَن نَاسا من بني مُدْلِج سَأَلُوا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » الحَدِيث. وَقيل: عَن يَحْيَى، عَن عبد الله بن الْمُغيرَة، عَن أَبِيه، عَن رجل من بني مُدْلِج، (اسْمه عبد الله، مَرْفُوعا. [وَقيل] : عَن يَحْيَى عَن الْمُغيرَة بن عبد الله - أَو عبد الله بن الْمُغيرَة -، عَن رجل من بني مُدْلِج، مَرْفُوعا. وَقيل: عَن يَحْيَى، عَن عبد الله بن الْمُغيرَة، عَن أبي بردة مَرْفُوعا. وَقيل: عَن يَحْيَى، عَن عبد الله بن الْمُغيرَة، عَن بعض بني مُدْلِج) مَرْفُوعا. وَهُوَ فِي «مُسْند أَحْمد» . وَقيل: عَن الْمُغيرَة، عَن عبد الله المدلجي، مَرْفُوعا. وَقيل: عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن بكر بن سوَادَة، عَن مُسلم بن مخشيِّ، عَن (الفراسيِّ) ، مَرْفُوعا. (وَقيل: عَن يَحْيَى بن عبَّاد، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مَرْفُوعا) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وأشبهها بِالصَّوَابِ قَول مَالك، وَمن تَابعه، عَن صَفْوَان بن سليم. الطَّرِيق الثَّانِي من طرق الحَدِيث: عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِل عَن مَاء الْبَحْر، فَقَالَ: «هُوَ الطَّهور مَاؤُهُ، الحِلُّ ميتَته» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي «الْمسند» ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَالْحَاكِم وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وتَرْجَم عَلَيْهِ ابْن حبَان، (بِأَن قَالَ) : ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أنَّ هَذِه السُّنَّة تفرَّد بهَا سعيد بن سَلمَة. وَعَن الْحَافِظ أبي عَلّي ابْن السكن أَنه قَالَ: حَدِيث جَابر هَذَا أصح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب. وَخَالف ابْن مَنْدَه فِي ذَلِك، وَقَالَ: قد رَوَى هَذَا الحَدِيث عبيد الله بن مقسم عَن جَابر، والأعرج عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا يثبت. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : عِنْدِي أنَّ قَول أبي عَلّي بن السكن فِي تَقْوِيَة حَدِيث جَابر، أَقْوَى من قَول ابْن مَنْدَه. وَذَلِكَ أَن عبيد الله بن مقسم مَذْكُور فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين الشَّيْخَيْنِ، وَإِسْحَاق (الْمدنِي) الْمَذْكُور فِي الطَّرِيقَة الأولَى - يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ الْجَمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 المتقدمون خلا طَريقَة الْحَاكِم - وثَّقَه أَحْمد، وَيَحْيَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح. و [أَبُو] الْقَاسِم بن أبي الزِّنَاد - الْمَذْكُور فِيهِ أَيْضا - اسْمه [كنيته] أَثْنَى عَلَيْهِ أَحْمد، وَقَالَ [يَحْيَى] : لَا باس بِهِ. قَالَ: وَيُمكن أَن يكون ابْن مَنْدَه (علَّل) الحَدِيث باختلافٍ فِي إِسْنَاده. ثمَّ ذكر أنَّ عبد الْعَزِيز بن عمرَان رَوَاهُ عَن إِسْحَاق بن حَازِم الزيَّات، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر، عَن أبي بكر كَذَلِك. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. قلت: بحث مَعَه شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي، الْمَعْرُوف بِابْن سيد النَّاس - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» : هَذَا الَّذِي ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين عَن ابْن مَنْدَه لَا يصلح أَن يكون مُعَلِّلاً لرِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد، عَن إِسْحَاق. لتوثيق ابْن أبي الزِّنَاد، وَضعف عبد الْعَزِيز بن عمرَان بن أبي ثَابت عِنْدهم، وَرِوَايَة الضَّعِيف لَا تُعِلُّ رِوَايَة الثِّقَة. قلت: وَلِحَدِيث جَابر هَذَا طَرِيق آخر، ذكره الطَّبَرَانِيّ فِي « (أكبر) معاجمه» من حَدِيث: الْمعَافى ابْن عمرَان، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْبَحْر: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ (الْحَلَال) ميتَته» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 و (هَذَا سَنَد) عَلَى شَرط الصَّحِيح، إلاَّ أَنه يُخْشَى أَن يكون ابْن جريج لم يسمعهُ من أبي الزبير، فإنَّه مدلِّس، وَأَبُو الزبير مدلِّسٌ أَيْضا، وَقد عنعنا فِي هَذَا الحَدِيث. وَقد تَابع ابْن جريج: مباركُ بن فضَالة، فَرَوَاهُ عَن أبي الزبير عَن جَابر، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إنَّ البحْرَ حلالٌ ميتتهُ، طَهُورٌ ماؤُه» . ومبارك هَذَا كَانَ يدلِّس أَيْضا، وضعَّفه أَحْمد، وَالنَّسَائِيّ. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن سُريج - بِالْجِيم - بن النُّعْمَان، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي التَّيَّاح - بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق، بعْدهَا يَاء مثناة تَحت مُشَدّدَة، واسْمه: يزِيد بن حميد الضبعِي -، عَن مُوسَى بن سَلمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «سُئِل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مَاء الْبَحْر، فَقَالَ: «مَاء الْبَحْر طهُور» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَله شَوَاهِد كَثِيرَة، وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : مُوسَى بن سَلمَة: هُوَ المحبق، أخرج لَهُ مُسلم، وَقد صحَّح بعض الحفَّاظ حَدِيثا من رِوَايَة حَمَّاد، عَن (أبي) التياح، عَنهُ. وَبَاقِي السَّنَد مَشْهُور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَخَالف الدَّارَقُطْنِيّ، فَقَالَ فِي «سنَنه» : الصَّوَاب وَقفه عَلَى ابْن عَبَّاس. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن مُسلم بن مخشي، (عَن) ابْن الفِراسي - بِكَسْر الْفَاء وَالسِّين الْمُهْملَة - قَالَ: كنت أصيد، وَكَانَت لي قربَة أجعَل فِيهَا مَاء، وَإِنِّي تَوَضَّأت بِمَاء الْبَحْر، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ، الْحل ميتَته» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» كَذَلِك «ابْن الفراسي» ، وَالتِّرْمِذِيّ، قَالَ فِي «جَامعه» : الفراسي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَكَذَا هُوَ عِنْد ابْن عبد الْبر، وَذكر: أَن إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم، وَأَن الفراسي (مَجْهُول) فِي الصَّحَابَة غير مَعْرُوف. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (فِي «الإِمام» ) : إِن كَانَ مُرَاد أبي عمر مَجْهُول الْحَال، مَعَ إِثْبَات كَونه من الصَّحَابَة، فقد اشْتهر بَين أَرْبَاب الْأُصُول والْحَدِيث، أنَّ ذَلِك لَا يضر، لعدالة جَمِيع الصَّحَابَة. وإنْ أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 مَجْهُول الصُّحْبَة، فقد أثبت البُخَارِيّ (صحبته) ، فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» ، فِيمَا ذكر عَنهُ. وَعَابَ عبد الْحق سَنَد هَذَا الحَدِيث بِأَن قَالَ: لم يَرْوِه - فِيمَا أعلم - إلاَّ مُسلم بن مخشي، وَمُسلم لم يَرْوِ عَنهُ إلاَّ بكر بن سوَادَة. وتعقَّبه ابْن الْقطَّان، فَقَالَ فِي كِتَابه «الْوَهم والإِيهام» : أَظن أنَّه خَفِي عَلَى عبد الْحق انْقِطَاع حَدِيث الفراسي، وَهُوَ حَدِيث لم يسمعهُ مُسلم من الفراسي، وإنَّما سَمعه من ابْن الفراسي (عَن الفراسي) . ثمَّ ذكر رِوَايَة أبي عمر بِإِسْنَادِهِ إِلَى بكر بن سوَادَة، عَن مُسلم بن مخشي: أَنه حدَّث أنَّ الفراسي قَالَ: «كنت أصيد فِي الْبَحْر الْأَخْضَر، عَلَى أَرْمَاث ... » الحَدِيث. قَالَ: وَمَا أرَى أَبَا مُحَمَّد وقف عَلَيْهِ إلاَّ عِنْد ابْن عبد الْبر، وَلذَلِك مَا نقل فِيهِ مَا (قَالَ) فِي حَدِيث «إِذا كنت سَائِلًا فسل الصَّالِحين» ، حَيْثُ قَالَ: (ابْن) الفراسي لم يَرْوِ عَنهُ إلاَّ مُسلم بن مخشي. وَذَلِكَ أَنه لم يرَ فِي حَدِيثه (هَذَا لِابْنِ) الفراسي ذكرا، (وَرَآهُ) فِي حَدِيث «سل الصَّالِحين» . وَمن هُنَاكَ [يتَبَيَّن] : أَن مُسلم بن مخشي لَا يَروي عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الفراسي إلاَّ بِوَاسِطَة ابْنه، والْحَدِيث الْمَذْكُور ذكره فِي الزَّكَاة من حَدِيث النَّسَائِيّ، من رِوَايَة: مُسلم بن مخشي عَن ابْن الفراسي [أَن الفراسي] قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أسألُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «لَا، وإنْ كنتَ لابدَّ سَائِلًا فسلِ الصَّالِحين» . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَن حَدِيث (ابْن) الفراسي فِي مَاء الْبَحْر، فَقَالَ: مُرْسل، لم يدْرك ابْن الفراسي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، والفراسي لَهُ صُحْبَة. فَهَذَا - كَمَا ترَى - يُعْطي أنَّ الحَدِيث يُروى أَيْضا عَن ابْن الفراسي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، لَا (يذكر) فِيهِ الفراسي، فَمُسلم بن مخشي (لَا يروي) إلاَّ عَن الابْن، (وَرِوَايَته) عَن الْأَب مُرْسلَة. انْتَهَى مَا ذكره ابْن الْقطَّان. فتبيَّن بِهَذَا: أَن الحَدِيث إمَّا مُنْقَطع بَين مُسلم بن مخشي والفراسي، أَو مُرْسل بَين (ابْن) الفراسي وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وجوَّز الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» أَن يكون ابْن الفراسي والفراسي وَاحِدًا وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ، قَالَ: (وَيُؤَيِّدهُ) : رِوَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 ابْن مَاجَه - الْمُتَقَدّمَة - فإنَّ ظَاهرهَا أنَّ ابْن الفراسي هُوَ الَّذِي سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَسمع مِنْهُ ذَلِك، قَالَ: فَإِذا (ضُمَّ) إِلَى ذَلِك رِوَايَة من رَوَى: الفراسي، اقْتَضَى أَنَّهُمَا (وَاحِد) اخْتلف فِي اسْمه. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عَمْرو (بن) شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ميتةُ البحرِ حلالٌ، وماؤهُ طَهُورُ» . رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» عَن [أبي الْعَبَّاس] مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحَافِظ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، كِلَاهُمَا عَن: مُحَمَّد بن إِسْحَاق، نَا (الحكم) بن مُوسَى، نَا هِقْل، نَا الْمثنى، عَن عَمْرو بِهِ. كَذَا فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم: بدل الْمثنى: الْأَوْزَاعِيّ عَن عَمْرو. وَهُوَ إِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم، خلا تَرْجَمَة عَمْرو بن شُعَيْب، فإنَّ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: هُوَ الصغاني، كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي رِوَايَة الْحَاكِم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَهُوَ الْحَافِظ، الرحَّال، أخرج لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، وَقَالَ ابْن خرَاش: ثِقَة مَأْمُون. و (الحكم) بن مُوسَى: هُوَ الْقَنْطَرِي، الزَّاهِد، أخرج لَهُ مُسلم، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَهُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين. وهقل: هُوَ ابْن زِيَاد، السكْسكِي، كَاتب الْأَوْزَاعِيّ، أخرج لَهُ مُسلم، وَالْأَرْبَعَة، وَهُوَ ثَبت. وَالْأَوْزَاعِيّ: ناهيك بِهِ. وَعَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: احْتج بِهِ الْأَكْثَرُونَ، وسنعقد فِي ذَلِك فصلا فِي بَاب الْوضُوء إِن شَاءَ الله تَعَالَى. والمثنَّى - الْمَذْكُور فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ -: هُوَ ابْن الصَبَّاح، قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: لَيِّن الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. (و) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَأَنا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، نَا جَعْفَر القلانسي، نَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، نَا ابْن (عَيَّاش) ، قَالَ: حَدَّثَنَي الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ميتةُ البحرِ حلالٌ، وماؤهُ طَهورٌ» . ابْن (عَيَّاش) هَذَا: هُوَ إِسْمَاعِيل، أَبُو عتبَة، الْحِمصِي، لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 بِالْقَوِيّ، وَحَدِيثه عَن الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيف، بِخِلَاف الشاميين. والمُثنَّى بن الصَّباح: مكي، فَتكون هَذِه الطَّرِيقَة ضَعِيفَة. قَالَ يزِيد بن هَارُون: مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيِّنٌ. وَقَالَ البُخَارِيّ: إِذا حَدَّث عَن أهل حمص فَصَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» : لَا بَأْس بحَديثه إِذا حدَّث عَن الشاميين، فَإِذا عداهم إِلَى حَدِيث أهل الْمَدِينَة جَاءَ بِمَا لَا يُتَابع عَلَى أَكْثَره. قلت: والاعتماد إِنَّمَا هُوَ عَلَى الطَّرِيق الأول، وَهَذِه مُتَابعَة لَهُ. الطَّرِيق السَّادِس: عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: «سُئل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مَاء الْبَحْر، فَقَالَ: «هُوَ الطهورُ ماؤهُ، الحلُّ ميتتهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، من حَدِيث: معَاذ بن مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَلّي، حَدَّثَنَي أبي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي - كرَّم الله وَجهه - قَالَ: «سُئل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » (الحَدِيث) . هَذَا إِسْنَاد عَجِيب. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : فِيهِ من يحْتَاج إِلَى معرفَة حَاله. قلت: وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: هُوَ ابْن عقدَة، وَقد ضَعَّفوه، وَإِن كَانَ حَافِظًا. الطَّرِيق السَّابِع: عَن مَالك بن أنس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 الله عَنْهُمَا قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! إنَّا نركب (الْبَحْر) ، ونحمل مَعنا الْقَلِيل من المَاء، فإنْ توضأنا بِهِ عطشنا، أفنتوضأ من مَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «هُوَ الطهورُ ماؤهُ، الحلُّ ميتتهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب حَدِيث مَالك» ، قَالَ: وَهُوَ بَاطِل بِهَذَا الإِسناد، مقلوب، وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» : عَن صَفْوَان بن سليم، (عَن [سعيد] بن سَلمَة، عَن الْمُغيرَة، عَن أبي هُرَيْرَة) . وَفِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» فِي أول الصَّيْد والذبائح، (من) حَدِيث (عَمْرو) بن دِينَار، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة، «أَنه سَأَلَ ابْن عمر - رَحْمَة الله عَلَيْهِ -: آكل مَا (طفا) عَلَى المَاء؟ قَالَ: إنَّ طافيته ميتَة، وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إنَّ مَاءَهُ طهُور، وميتته حل» . الطَّرِيق الثَّامِن: عَن أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئل عَن مَاء الْبَحْر، فَقَالَ: «هُوَ الطهورُ ماؤهُ، الحلُّ ميتتهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث: عبد الْعَزِيز بن أبي ثَابت، عَن إِسْحَاق بن حَازِم الزيات، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر بن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الله، عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَعبد الْعَزِيز (هَذَا) أحد المتروكين. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَا يُكتب حَدِيثه، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير. ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفا عَلَى أبي بكر الصّديق، بِإِسْنَاد صَحِيح. وَقَالَ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث تفرَّد بِهِ عبد الْعَزِيز بن عمرَان الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مديني، ضَعِيف الحَدِيث. رَوَاهُ عَن إِسْحَاق بن حَازِم الزيات، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر، عَن أبي بكر مَرْفُوعا. وَإِسْحَاق بن حَازِم هَذَا: شيخ مديني، لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقد اخْتُلف عَنهُ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، (فَرَوَاهُ) أَبُو الْقَاسِم بن أبي (الزِّنَاد) ، عَن إِسْحَاق بن حَازِم، عَن عبيد الله بن مقسم، عَن جَابر مَرْفُوعا، وَلم يذكر فِيهِ أَبَا بكر. حدَّث بِهِ عَنهُ كَذَلِك: أَحْمد بن حَنْبَل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 قَالَ: وَقد رُوي هَذَا الحَدِيث عَن أبي بكر الصّديق، مَوْقُوفا من قَوْله، غير مَرْفُوع، من رِوَايَة صَحِيحَة عَنهُ، حدَّث (بِهِ) : عبيد الله بن عمر، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن أبي بكر قَوْله، وَرَوَاهُ ابْن (زَاطِيَا) عَن شيخ لَهُ من حَدِيث: عبيد الله بن عمر، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن أبي بكر مَرْفُوعا، وَوهم فِي رَفعه، وَالْمَوْقُوف أصح. أه وَذكر الحَدِيث مَرْفُوعا: ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» ، فِي تَرْجَمَة عبد الْعَزِيز بن عمرَان، ثمَّ قَالَ: وَالْخَبَر عَن أبي بكر الصّديق مَشْهُور (قَوْله) ، غير مَرْفُوع، من حَدِيث: عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن أبي بكر. الطَّرِيق التَّاسِع: عَن أبان بن أبي عَيَّاش، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْبَحْر: «الْحَلَال ميتَته، الطّهُور مَاؤُهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَقَالَ أبان هَذَا مَتْرُوك. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وَفِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» ، عَن معمر، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن رجل من الْأَنْصَار، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: ماءان لَا ينقيان من الْجَنَابَة: مَاء الْبَحْر، وَمَاء الحَمَّام. وَكَذَا رَوَى عَن أبي هُرَيْرَة، لكنه قَالَ: « (لَا) يجزيان» بدل: « (لَا) ينقيان» . (و) قَالَ معمر: (ثمَّ) سَأَلت يَحْيَى عَنهُ بعد حِين، فَقَالَ: قد بَلغنِي مَا هُوَ أوثق من ذَلِك، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئل عَن مَاء الْبَحْر فَقَالَ: «الْبَحْر طهُور مَاؤُهُ، (حل) ميتَته» . ثمَّ رَوَى (عَن) ابْن جريج عَن (سُلَيْمَان) بن مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْبَحْر طهُور مَاؤُهُ، حَلَال ميتَته» . ثمَّ رَوَى عَن الثَّوْريّ حَدِيث أبان، عَن أنس السالف قَرِيبا. وَاعْلَم أَن هَذِه الطّرق الَّتِي ذَكرنَاهَا آخرا، (وفيهَا) ضعف، لَا (يقْدَح) فِي الطّرق السَّابِقَة، وإنَّما ذَكرنَاهَا للتّنْبِيه عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ونختم الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث بخاتمتين: إِحْدَاهمَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث: سعيد بن ثَوْبَان، عَن أبي هِنْد، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من لم يُطَهِّره مَاء الْبَحْر، فَلَا طَهَّره الله» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن. قلت: فِيهِ نظر؛ فإنَّ فِيهِ: مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن الْمُخْتَار، أما الأول: فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» - فِي بَاب «فرض الْجدّة والجدتين» -: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأما الثَّانِي: فَقَالَ أَحْمد بن عَلّي الأبَّار: سَأَلت زنيجًا أَبَا غَسَّان عَنهُ، فَقَالَ: تركته. وَلم يرضه، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِذَاكَ. الثَّانِيَة: فِي التَّنْبِيه عَلَى ضبط الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِيهِ، وَبَعض فَوَائده، بأوجز (عبارَة) ، فَإِنَّهُ حَدِيث عَظِيم، أصل من أصُول الطَّهَارَة، مُشْتَمل عَلَى أَحْكَام كَثِيرَة، وقواعد مهمة. قَالَ المارودي - من أَصْحَابنَا - فِي «الْحَاوِي» : قَالَ الْحميدِي: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث نصف علم الطَّهَارَة. فَنَقُول: أَولهَا: «الْبَحْر» : هُوَ المَاء الْكثير، ملحًا كَانَ أَو عذبًا. مِمَّن نَص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 عَلَى ذَلِك: ابْن سَيّده فِي «الْمُحكم» ، قَالَ: وَقد غلب عَلَى الْملح، حتَّى قلَّ فِي العذب، وصرفوه عَلَى مَعْنَى الملوحة. وَقَالَ القَزَّاز: إِذا اجْتمع الْملح والعذب سموهُ باسم الْملح، أَي: بحرين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ (، قَالَ: وسُمي بذلك لسعته، من قَوْلهم: تَبحَّر الرجل فِي الْعلم. أَي: اتَّسع. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: سميت الْأَنْهَار: بحارًا؛ لِأَنَّهَا مشقوقة فِي الأَرْض شقًّا، وَمِنْه سميت البَحِيْرَة. الثَّانِيَة: «الطّهُور» بِفَتْح الطَّاء: اسْم للْمَاء، وَبِضَمِّهَا: اسْم للْفِعْل. هَذَا هُوَ أشهر اللُّغَات فِيهِ. وَقيل: بِالضَّمِّ فيهمَا. وَقيل: بِالْفَتْح فيهمَا. الثَّالِثَة: قَوْله «الحِلُّ» : هُوَ بِمَعْنى الْحَلَال، (كَمَا يُقَال فِي ضِدّه: حرم، وَحرَام، وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: «الْحَلَال) ميتَته» . كَمَا تقدم. الرَّابِعَة: قَوْله: «ميتَته» : هُوَ بِفَتْح الْمِيم؛ لِأَن المُرَاد: الْعين الْميتَة، وَأما (الْميتَة بِكَسْر الْمِيم: هَيْئَة الْمَوْت) . قَالَ الْمبرد: المِيتة: الْمَوْت، وَهُوَ من أَمر الله - عزَّ وجلَّ - يَقع فِي الْبر وَالْبَحْر، لَا يُقَال فِيهَا: لَا حَلَال، وَلَا حرَام. وَلَا مَعْنَى لهَذَا هُنَا. قَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه «إصْلَاح الْخَطَأ» - ثمَّ الشَّيْخ زكي الدَّين -: وعوامّ الروَاة يولعون بِكَسْر الْمِيم فِي هَذَا الموطن، وَهُوَ خطأ. وَكَذَا (قَالَ) صَاحب «الْمَشَارِق» : من رَوَاهُ بِالْكَسْرِ فقد أَخطَأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 قَالَ الشَّيْخ فِي «الإِمام» : قَالَ بَعضهم: يُقَال فِي الْحَيَوَان: ميتَة، وَفِي (الأَرْض) : ميت، بِغَيْر هَاء، قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا أَن يكون ميتَة) ، وَقَالَ تَعَالَى: (وأحيينا بِهِ بَلْدَة مَيتا) . قَالَ: وَهَذَا يرد عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: (وَآيَة لَهُم الأَرْض الْميتَة) . أه. و (الْميتَة) : بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، بِمَعْنى وَاحِد فِي موارد الِاسْتِعْمَال، وَفصل بَعضهم بَينهمَا. قَالَ (البَطَلْيَوسي) فِي «شرح أدب (الْكَاتِب) » : فرَّق قوم بَين الْمَيِّت بِالتَّخْفِيفِ، والميِّت بِالتَّشْدِيدِ (فَقَالُوا) : الأول مَا قد مَاتَ، وَالثَّانِي (مَا) سيموت. وَهَذَا خطأ. ثمَّ أوضحه ابْن عَطِيَّة فِي «تَفْسِيره» ، نقل هَذَا أَيْضا، إلاَّ أَنه قَالَ: بِالتَّشْدِيدِ يُستعمل فِيمَا مَاتَ، وَفِيمَا لم يَمُتْ بعد. الْخَامِسَة: «الأَرْمَاث» الْمَذْكُور فِي بعض رويات الحَدِيث، هُوَ: بِفَتْح الْهمزَة، (وبالراء) الْمُهْملَة، وَآخره ثاء مُثَلّثَة، جمع: رَمَث: (بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم) ، وَهِي: خشب يُضم بعضُها إِلَى بعض، ويُركَبُ عَلَيْهَا فِي الْبَحْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 السَّادِسَة: قَوْله: «فَيَعْزُبُ فِيهِ (الليلتين) وَالثَّلَاث» . يجوز أَن يُقرأ بالغين الْمُعْجَمَة، وَالرَّاء الْمُهْملَة؛ أَي: يبعد. وبالعين الْمُهْملَة، وَالزَّاي الْمُعْجَمَة، يُقَال: عَزَبَ بِالْفَتْح، يَعْزُبُ بِالضَّمِّ؛ أَي: بَعُدَ. أفادهما الشَّيْخ فِي «الإِمام» . السَّابِعَة: أنهَى بَعضهم إِعْرَاب قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «الطهورُ ماؤهُ، الحِلُّ ميتتهُ» إِلَى قريب من عشْرين وَجها، كَمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» ، فِي كثير مِنْهَا تكلّف وإضمار لَا يظْهر الدّلَالَة عَلَيْهَا، قَالَ: فتركنا أَكْثَرهَا، (واقتصرنا) عَلَى أَرْبَعَة أوجه: الأول: أَن يكون « (هُوَ» ) : (مُبْتَدأ، و «الطّهُور» : مُبْتَدأ ثَانِيًا، وَخَبره: مَاؤُهُ، وَالْجُمْلَة من هَذَا) الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره، خبر الْمُبْتَدَأ الأول. الثَّانِي: أَن يكون «هُوَ» مُبْتَدأ، «الطّهُور» خَبره، وماؤه من بدل الاشتمال. الثَّالِث: أَن يكون «هُوَ» ضمير الشَّأْن، و «الطّهُور مَاؤُهُ» : مُبْتَدأ وخبرًا. الرَّابِع: أَن يكون «هُوَ» مُبْتَدأ، و «الطّهُور» خَبره، و «مَاؤُهُ» فَاعل؛ لِأَنَّهُ قد (اعْتمد) عَامله بِكَوْنِهِ خَبرا. الثَّامِنَة: فِيهِ جَوَاز الطَّهَارَة بِمَاء الْبَحْر، وَبِه قَالَ جَمِيع الْعلمَاء، إلاَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 (ابْن عمر، وَابْن عَمْرو) ، وَسَعِيد بن الْمسيب، وتقدَّم (قبل) ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة، و (رِوَايَته) الحَدِيث «أَنه طهُور» (ترده) ، وَكَذَا رِوَايَة عبد الله بن عمر أَيْضا. التَّاسِعَة: فِيهِ أنَّ الطّهُور، هُوَ (المطهر) ، وَهُوَ مَذْهَبنَا، وَبِه قَالَ الْجُمْهُور، خلافًا لأَصْحَاب أبي حنيفَة، حَيْثُ قَالُوا: هُوَ الطَّاهِر. حجَّة الْجُمْهُور: أَنهم سَأَلُوا عَن طهوريته، لَا عَن طَهَارَته. الْعَاشِرَة: فِيهِ أَن ميتات الْبَحْر كلهَا حَلَال، لَكِن يُسْتَثْنَى عندنَا الضفدع، والسرطان، لدَلِيل خَصَّهما. الْحَادِيَة عشرَة: فِيهِ أَن (السّمك) الطافي - وَهُوَ الَّذِي مَاتَ فِي الْبَحْر بِغَيْر سَبَب - حَلَال، وَهُوَ مَذْهَبنَا، وَبِه قَالَ الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحل. الثَّانِيَة عشرَة: فِيهِ أَن ركُوب الْبَحْر جَائِز، اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يهيج، ويغلب عَلَى الظَّن الْهَلَاك، فَلَا لدَلِيل آخر. الثَّالِثَة عشرَة: (فِيهِ) أَن المَاء إِذا خالطه مَاء أَزَال عَنهُ اسْم المَاء الْمُطلق، لم يجز الطَّهَارَة بِهِ عندنَا، وَبِه قَالَ الْجُمْهُور، (وجوَّزه) أَبُو حنيفَة. وَمَوْضِع الدّلَالَة لِلْجُمْهُورِ: أَنهم شَكُّوا فِي جَوَاز الطَّهَارَة بِمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 الْبَحْر من أجل ملوحته، فسألوا عَنهُ، فَلَو لم يكن (التَّغَيُّر) فِي الْجُمْلَة مؤثرًا لم يسْأَلُوا (عَنهُ) . الرَّابِعَة عشرَة: فِيهِ أَن الْمُفْتِي إِذا سُئل عَن شَيْء، وَعلم أنَّ بالسائل حَاجَة إِلَى أَمر آخر مُتَعَلق بِالْمَسْأَلَة، يسْتَحبّ لَهُ أَن يذكرهُ لَهُ، ويعلمه إِيَّاه؛ لِأَنَّهُ سَأَلَ عَن مَاء الْبَحْر، فَأُجِيب بمائه وَحكم ميتَته؛ لأَنهم يَحْتَاجُونَ إِلَى الطَّعَام كَالْمَاءِ، وَإِذا جهلوا كَونه مطهرًا فجهالتهم حل ميتَته أولَى، ونظائر هَذَا كثير فِي الْأَحَادِيث. الْخَامِسَة عشرَة: اسْم السَّائِل عَن الْبَحْر هُوَ: العَرَكي - بِفَتْح الْعين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ - هَكَذَا قَالَه السَّمْعَانِيّ فِي «الْأَنْسَاب» . وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني - (أَي: بِسَنَدِهِ) - عَن العركي، أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مَاء الْبَحْر، فَقَالَ: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته» . وغَلَّطُوه - أَعنِي السَّمْعَانِيّ - فِي قَوْله: اسْمه «العركي» ، وَإِنَّمَا العركي وصفٌ لَهُ، وَهُوَ: مَلاَّح السَّفِينَة. (و) تبعه الْحَافِظ أَبُو عبد الله (الذَّهَبِيّ) فِي مُخْتَصره «معرفَة الصَّحَابَة» ، فَقَالَ: هُوَ اسْم (يشبه) النِّسْبَة، وَفِيه النّظر الَّذِي ذَكرْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 آنِفا، وإنَّما اسْمه: عبيد، وَقيل: عبد، بِالتَّصْغِيرِ وَالتَّكْبِير. وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ: الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ، فَقَالَ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» : عبد، أَبُو زَمعَة، البلوي، الَّذِي سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مَاء الْبَحْر، قَالَ ابْن منيع: بَلغنِي أَن اسْمه: عبيد. وَأوردهُ الطَّبَرَانِيّ فِيمَن اسْمه عبيد. وَأوردهُ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بالعركي، والعركي: هُوَ الملاح، وَلَيْسَ لَهُ باسم. هَذَا لفظ أبي مُوسَى برمتِهِ. وَفِي «علل» أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ: أَن اسْمه عبد الله، كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَة لَا بَأْس بهَا. وَقد تقدم أَن السَّائِل (هُوَ) : الفِراسي، أَو ابْن الفِراسي. وَقَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : يُقَال: إنَّ هَذَا الرجل كَانَ من بني مُدْلِج. قلت: قد ورد هَذَا صَرِيحًا، مَجْزُومًا بِهِ فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» ، فَرَوَاهُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْمُغيرَة بن أبي بردة، عَن المدلجي، «أَنه أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن بشكوال: إِنَّه عِنْده العركي، (وَكَذَا) أَبُو الْوَلِيد فِي «مشتبه النِّسْبَة» من تأليفه، ثمَّ قَالَ: وَقيل: هُوَ عبد الله المدلجي، وَسَاقه بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك. وَهَذَا الَّذِي قَالَه السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو مُوسَى، والرافعي: إِنَّمَا ينفعنا فِي رِوَايَة من رَوَى: «أَن رجلا سَأَلَ» ، أَو «سَائِلًا (سَأَلَ) . فَأَما الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: أَن (رجَالًا) من بني مُدْلِج، أَو نَاسا» ، فَيحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَن اسمهم، وَالظَّاهِر أَن الْقِصَّة وَاحِدَة. وَالْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث منتشر جدا، لَا يسعنا هُنَا استيعابه، وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 نبَّهنا بِمَا ذكرنَا عَلَى كثير (مِمَّا تركنَا) ، ولعلنا نفرده بالتصنيف - إِن شَاءَ الله وقَدَّر. وَقد فعل ذَلِك - وَله الْحَمد - فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ، فِي جُزْء لطيف. الحَدِيث الثَّانِي «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ من بئرِ بضَاعَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مَشْهُور من حَدِيث أبي سعيد سعد بن مَالك بن سِنَان، الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: «قيل: يَا رَسُول الله، أَنَتَوَضَّأُ من بِئْر بضَاعَة - وَهِي بِئْر يُلقى فِيهَا الحِيَضُ، وَلُحُوم الْكلاب، والنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إنَّ المَاء طهُور، لَا يُنَجِّسُه شَيْء» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة، أهل الْحل وَالْعقد: الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، و «اخْتِلَاف الحَدِيث» ، وَأحمد فِي «الْمسند» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، وَفِي بعض نسخه: صَحِيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 قَالَ: وَقد جَوَّد أَبُو أُسَامَة هَذَا الحَدِيث، [لم يَرْوِ أحد] حَدِيث أبي سعيد فِي بِئْر بضَاعَة أحسن مِمَّا رَوَى أَبُو أُسَامَة، قَالَ: (وَقد) رُوي هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن أبي سعيد. وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هَذَا حَدِيث صَحِيح. نَقله الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» وَغَيره عَنهُ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : صحَّحه يَحْيَى بن معِين، وَالْحَاكِم، وَآخَرُونَ من الْأَئِمَّة الْحفاظ، وَقَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : وَقَوْلهمْ مقدم عَلَى قَول الدَّارَقُطْنِيّ إِن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت. قلت: كَذَا نَقَل عَن الدَّارَقُطْنِيّ هَذِه القولة أَيْضا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، وَلم أَرَها فِي «علله» ، بل ذكر فِي «علله» الِاخْتِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فِي إِسْنَاده، ثمَّ قَالَ: و (أحْسنهَا) إِسْنَادًا: حَدِيث الْوَلِيد بن كثير، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن رَافع، عَن أبي سعيد؛ وَحَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي سَلمَة (الْمَاجشون) ، عَن (عُبيد الله) بِهِ، فَاعْلَم ذَلِك. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: تكلَّم فِيهِ بَعضهم، وَلم يبيِّنه رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو الْحسن (بن) الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم والإِيهام» : أمره إِذا بُين، تبين مِنْهُ ضعف الحَدِيث لَا حسنه، وَذَلِكَ أَن مَدَاره عَلَى أبي أُسَامَة، عَن مُحَمَّد بن كَعْب، ثمَّ اختُلف عَلَى أبي أُسَامَة فِي الْوَاسِطَة [الَّتِي] بَين مُحَمَّد بن كَعْب، وَأبي سعيد، فقوم يَقُولُونَ: عبيد الله بن عبد الله بن رَافع بن خديج، وَقوم يَقُولُونَ: عبد الله بن عبد الله بن رَافع بن خديج. وَله [طَرِيق] آخر، من رِوَايَة: ابْن إِسْحَاق، عَن سليط بن أَيُّوب. واختُلف عَلَى ابْن إِسْحَاق فِي الْوَاسِطَة بَين سليط وَأبي سعيد، فقوم يَقُولُونَ: عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع - قلت: وَنقل أَبُو دَاوُد هَذَا فِي «سنَنه» عَن بَعضهم - وَقوم يَقُولُونَ: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 بن رَافع؛ (وَقوم يَقُولُونَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع) . فَتحصل فِي هَذَا الرجل - يَعْنِي الرَّاوِي لَهُ عَن أبي سعيد - خَمْسَة أَقْوَال: عبد الله بن (عبد الله) بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الله بن رَافع، وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع. وكيفما كَانَ، فَهُوَ من لَا (تعرف) لَهُ حَال وَلَا عين، والأسانيد بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي كتب الحَدِيث مَعْرُوفَة، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» الْخلاف الْمَذْكُور مُفَسرًا. قَالَ (ابْن الْقطَّان) : وَلِحَدِيث بِئْر بضَاعَة (طَرِيق) حسن، من غير رِوَايَة أبي سعيد، من رِوَايَة سهل بن سعد. قَالَ قَاسم بن أصبغ: ثَنَا مُحَمَّد بن وَضَّاح، ثَنَا أَبُو عَلّي عبد الصَّمد بن أبي سكينَة الْحلَبِي، بحلب، نَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن سهل بن سعد: قَالُوا: «يَا رَسُول الله، (إِنَّك تتوضأ) من بِئْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 بضَاعَة، وفيهَا مَا يُنْجِي النَّاس والمحايض، وَالْجنب؟ ! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» . قَالَ قَاسم: هَذَا من أحسن شَيْء فِي بِئْر بضَاعَة. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَيمن: ثَنَا ابْن وَضَّاح ... فَذكره - أَيْضا - بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه. وَقَالَ ابْن حزم فِي (كتاب) «الإِيصال» : عبد الصَّمد بن أبي سكينَة ثِقَة مَشْهُور. وَذكره (المنتجالي) ، وَقَالَ: (إِن) ابْن وضاح لقِيه بحلب. ويُروى عَن سهل بن سعد فِي بِئْر بضَاعَة من طرق، هَذَا (خَيرهَا) . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : أخرج أَبُو عبد الله بن مَنْدَه هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن رَافع، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد مَشْهُور، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَتَركه البُخَارِيّ وَمُسلم لاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده. رَوَاهُ ابْن أبي ذِئْب، عَن الثِّقَة عِنْده، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سعيد. ثمَّ ذكر رِوَايَة مطرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 بن طريف، عَن خَالِد بن أبي نوف، عَن سليط بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه. وَقَالَ بعد ذَلِك: فإنْ كَانَ عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع هَذَا، هُوَ الْأنْصَارِيّ الَّذِي رَوَى عَن جَابر بن عبد الله، فقد (رَوَى) عَنهُ هِشَام بن عُرْوَة، وَهُوَ رجل مَشْهُور فِي أهل الْمَدِينَة. وَعبد الله بن رَافع بن خديج مَشْهُور، (وَعبيد الله) ابْنه مَجْهُول. فَهَذَا حَدِيث مَعْلُول (بِرِوَايَة) عبيد الله بن عبد الله بن رَافع. وَقد أخرج الْحَافِظ، أَبُو مُحَمَّد عبد الْغَنِيّ (بن سعيد) الْمصْرِيّ، فِي (كتاب) : «إِيضَاح الإِشكال» رِوَايَة مطرف، عَن خَالِد بن أبي نوف، عَن سليط، عَن ابْن أبي سعيد، عَن أَبِيه قَالَ: «انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهُوَ يتَوَضَّأ من بِئْر بضَاعَة، فَقلت: يَا رَسُول الله، تتوضأ مِنْهَا وَهِي يُلقى فِيهَا مَا يُلقى من النتن؟ ! فَقَالَ: إنَّ المَاء لَا يُنَجِّسه شَيْء» . قَالَ الشَّيْخ فِي «الإِمام» : وَفِي رِوَايَة [ابْن] إِسْحَاق، عَن سليط شَيْء آخر، ذكره أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي «الْمَرَاسِيل» عَن أَبِيه، قَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق بَينه وَبَين سليط رجل. وَكَلَامه مُحْتَمل لِأَن يكون بَينهمَا رجل فِي حَدِيث بِئْر بضَاعَة، وَبَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 أَن يكون بَينهمَا رجل مُطلقًا، وَالْأَقْرَب إِلَى وضع الْكتاب الْمَذْكُور هُوَ الثَّانِي. اه. قلت: وَالَّذِي يظْهر، صِحَة الحَدِيث مُطلقًا، كَمَا صحَّحه الْأَئِمَّة المتقدمون: التِّرْمِذِيّ، وَأحمد، وَيَحْيَى بن معِين، وَالْحَاكِم، وهم أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ والمرجوع إِلَيْهِم. وتضعيف ابْن الْقطَّان إِيَّاه لجَهَالَة الوسائط بَين سليط بن أَيُّوب وَأبي سعيد، يُعَارضهُ رِوَايَة سليط عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَلَيْسَت مِمَّا ذكره، فَلَيْسَ عبد الرَّحْمَن هَذَا مَجْهُولا، رَوَى لَهُ الْجَمَاعَة إلاَّ البُخَارِيّ. وَأما قَوْله: إنَّ الْخَمْسَة الَّذين (رَوَوْهُ) عَن أبي سعيد كلهم مَجَاهِيل. فَفِيهِ نظر؛ لِأَن تَصْحِيح الحفَّاظ الأُوَل لهَذَا الحَدِيث تَوْثِيق مِنْهُم لَهُم، إِذْ لَا يُظن بِمن دونهم الإِقدام عَلَى تَصْحِيح مَا رِجَاله مَجَاهِيل؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيس فِي (الرِّوَايَة) وغش، وهم برَاء من ذَلِك. وَقد وثَّق أَبُو حَاتِم ابْن حبَان (عبيد الله) بن عبد الله بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعقد لَهما ترجمتين فِي «ثقاته» . وهما فِي كتاب البُخَارِيّ وَاحِد، وَكَذَلِكَ عِنْد (ابْن) أبي حَاتِم، بل لَعَلَّ الْخَمْسَة الْمَذْكُورين عِنْد ابْن الْقطَّان [واحدٌ] عِنْد البُخَارِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 لَا جرم أَن الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد بن حزم (قَالَ) فِي كِتَابه «المحلَّى شرح المجلَّى» عقب حَدِيث بِئْر بضَاعَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح، جَمِيع رُوَاته معروفون عدُول. وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» - لمَّا ذكر (حَدِيث) عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر رَفعه: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة، فَلهُ فِيهَا أجر ... » الحَدِيث -: (ذكر) الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن [عبد الله بن عبد الرَّحْمَن] هَذَا مَجْهُول، لَا يعرف. ثمَّ أخرجه من حَدِيث هِشَام، عَن (عبد الله) بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع بن خديج، سَمِعت جَابِرا يذكر ... الحَدِيث. وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي كتاب «إحْيَاء الْموَات» حِين يذكر الإِمام الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث. و (إِذْ) قد فَرغْنَا من تَصْحِيح هَذَا (الحَدِيث) ، فَلَا بُد من إِيرَاد ضبط بعض أَلْفَاظه، وفوائده، فَنَقُول: «بضَاعَة» : بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَيُقَال: بِكَسْرِهَا، لُغَتَانِ، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي وَغَيره، وَالضَّم أشهر وأفصح، وَلم يذكر جمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 (سواهُمَا) . ثمَّ قيل: هُوَ اسْم لصَاحب الْبِئْر. وَقيل: اسْم لموضعها. وَهِي بِئْر بِالْمَدِينَةِ، بَصق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهَا، وبرَّك فِيهَا، وَتَوَضَّأ فِي دلو وَرَدَّه فِيهَا، وَكَانَ إِذا مرض مَرِيض يَقُول لَهُ: «اغْتسل بِمَائِهَا» فيغتسل فَكَأَنَّمَا نشط من عقال. وَهِي فِي ديار بني سَاعِدَة مَعْرُوفَة، وَبهَا مَال من أَمْوَال الْمَدِينَة. و «الحِيَض» : بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْيَاء، جمع: حِيَضة - بِكَسْر الْحَاء - وَهِي الْخِرْقَة الَّتِي تحشي (بهَا) الْمَرْأَة. وَقد تطلق «الحِيضة» - بِكَسْر الْحَاء - عَلَى الِاسْم من «الحَيضة» بِالْفَتْح. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد (و) الدَّارَقُطْنِيّ: «وعَذِر النَّاس» : وَهِي - بِفَتْح الْعين، وَكسر الذَّال - اسْم جنس للعذرة. وَضبط أَيْضا بِكَسْر الْعين وَفتح الذَّال، كمعدة ومِعَد، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَضم الْعين فِيهَا تَصْحِيف. وَقَوله: «وَمَا يُنْجِي الناسُ» : هُوَ بياء مثناة تَحت مَضْمُومَة، ثمَّ نون سَاكِنة، ثمَّ جِيم (مَكْسُورَة) . كَذَا ضَبطه صَاحب «الإِمام» . ثمَّ قَالَ: و «النَّاس» : بِرَفْع السِّين عَلَى الفاعلية، يُقَال: أنجى الرجل، إِذا أحدث، فَيحْتَمل أَلا يكون فِيهِ حذف وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ - الْمَذْكُورَة «وَعذر النَّاس» - وَيحْتَمل أَن يكون (فِيهِ) حذف عَلَى تَقْدِير: ويُلقى فِيهِ خرق مَا يُنجي النَّاس، كَمَا قيل فِي المحايض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 قَالَ الْخطابِيّ وَآخَرُونَ: لم يكن (إِلْقَاء) ذَلِك تعمدًا من آدَمِيّ، بل كَانَت هَذِه الْبِئْر فِي حَدُور السَّيْل تكسح الأقذار من الأفنية، فتلقيها فِيهَا، وَلَا يُؤثر فِي المَاء لكثرته. وَقيل: كَانَت الرّيح تلقي ذَلِك. وَقيل: المُنَافِقُونَ. وَيحْتَمل الرّيح والسيول، وَأما: المُنَافِقُونَ، فبعيد؛ لِأَن الِانْتِفَاع بهَا مُشْتَرك، مَعَ تَنْزِيه الْمُنَافِقين وَغَيرهم الْمِيَاه فِي الْعَادة. وَوَقع فِي «الرَّافِعِيّ» : أَن مَاء هَذِه الْبِئْر كَانَ (كَنُقَاعَةِ) الْحِنَّاء. وَهَذَا (غَرِيب) جدًّا، لم أَرَه بعد الْبَحْث، وسؤال بعض الْحفاظ عَنهُ، وَهَذَا الْوَصْف لَا أعلمهُ يلقى إلاَّ فِي صفة الْبِئْر الَّتِي (سُحِر) فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهِي: بِئْر ذروان. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تلبيسه» : «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ من غَدِير مَاؤُهُ كنقاعة الْحِنَّاء» . وَذكرهَا ابْن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» ، وَلَعَلَّه أَخذهَا من «كتاب الرَّافِعِيّ» . قَالَ بَعضهم: إنَّها مَوْجُودَة فِي «شرح السنَّة» لِلْبَغوِيِّ، وراجعته، فَلم أجد ذَلِك فِيهِ. وَالَّذِي أعلمهُ فِي صفة (بِئْر) بضَاعَة مَا قَالَه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : سَمِعت قُتَيْبَة بن سعيد يَقُول: سَأَلت قَيِّمَ بِئْر بضَاعَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 عمقها، قَالَ: أَكثر مَا يكون فِيهَا المَاء إِلَى الْعَانَة. قلت: فَإِذا نقص؟ قَالَ: دون الْعَوْرَة. قَالَ أَبُو دَاوُد: وقَدَّرتُ بِئْر بضَاعَة بردائي، مددته عَلَيْهَا ثمَّ ذرعته فَإِذا عرضهَا سِتَّة أَذْرع، وَسَأَلت الَّذِي فتح لي بَاب الْبُسْتَان فأَدخلني إِلَيْهِ: هَل غُيِّر بنيانها عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا. وَرَأَيْت فِيهَا مَاء متغير اللَّوْن. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي - كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» و «السّنَن» -: بِئْر بضَاعَة كَثِيرَة المَاء وَاسِعَة، وَكَانَ يُطرح فِيهَا من الأنجاس مَا لَا يُغير لَهَا لونًا، وَلَا طعمًا، وَلَا يظْهر لَهُ (فِيهَا) ريح، فَقيل للنَّبِي (: تتوضأ من بِئْر بضَاعَة، وَهِي يُطرح فِيهَا كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مجيبًا: «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» . يَعْنِي: فِي المَاء مثلهَا. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُعْلَمَ: أَن بِئْر بضَاعَة كَانَت واقفةً، وأمَّا مَا قَالَه الْوَاقِدِيّ وَغَيره: أنَّ هَذِه الْبِئْر كَانَ يُسْقَى مِنْهَا الزَّرْع و (الْبَسَاتِين) . وَقَول بَعضهم: إِنَّهَا كَانَت جَارِيَة. فغلط؛ لِأَن الْعلمَاء ضبطوا بِئْر بضَاعَة، وعرَّفوها فِي كتب مَكَّة وَالْمَدينَة، وَأَن المَاء لم يكن يجْرِي، والواقدي لَا يحْتَج بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَّصِلَة، فَكيف بِمَا يُرْسِلهُ أَو يَقُوله عَن نَفسه؟ وَعَلَى تَقْدِير صِحَة ذَلِك، فَيكون مَعْنَاهُ: أَنه يُسْقَى مِنْهَا بالدلو والناضح، عملا بِمَا نَقله الْأَثْبَات فِي صفتهَا. وَالْمرَاد «بالعورة» فِي كَلَام (قَيِّم) الْبِئْر: الْفرج، يَعْنِي: دون الْفرج بِقَلِيل. وَكَأَنَّهَا كَانَت تنقص شبْرًا أَو نَحوه، وإنَّما قدرهَا أَبُو دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 بردائه، وَسَأَلَ عَنْهَا قُتَيْبَة، ليعلم أَنَّهَا كَبِيرَة جدًّا. وَالْمَقْصُود: أَن بعض الْأَئِمَّة يَقُول: إِذا كَانَ المَاء غير جارٍ، وَوَقعت فِيهِ نَجَاسَة، فَإِن كَانَ بِحَيْثُ لَو حُرِّك أحد طَرفَيْهِ تَحرَّك الآخر فَهُوَ نجس كُله، وإلاَّ فطاهر. وَهَذِه الْبِئْر كَانَت دون هَذَا، فمعلوم أَنَّهَا إِذا حرَّك أحد طرفيها، تَحرَّك الآخر، وَقد صَحَّ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ مِنْهَا، وَكَانَت النَّجَاسَات تقع فِيهَا، فَهَذَا يردُّ مَذْهَب هَذَا الإِمام. هَذَا مَقْصُود قُتَيْبَة وَأبي دَاوُد بِمَا ذكرَاهُ وَلِهَذَا قَالَ: سَأَلت الَّذِي فتح لي الْبَاب: هَل غُيِّر بناؤها عمَّا كَانَ فِي زمن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: لَا. وَقَوله: رَأَيْت فِيهَا مَاء متغير اللَّوْن. هَذَا التَّغَيُّر كَانَ بطول الْمكْث أَو نَحوه، أَو من أَصْلهَا، لَا بِنَجَاسَة، ثمَّ إنَّ هَذِه صفة مَائِهَا فِي زمن أبي دَاوُد، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن تكون صفتهَا كَذَلِك فِي زمن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (وَلَعَلَّه) قلَّ اسْتِعْمَالهَا، فَتغير مَاؤُهَا. وَاعْلَم: أَن هَذَا الحَدِيث عَام مَخْصُوص، خُصَّ مِنْهُ الْمُتَغَيّر بِنَجَاسَة، فإنَّه ينجس بالإِجماع، وَخص مِنْهُ أَيْضا: مَا دون الْقلَّتَيْنِ إِذا لاقته نَجَاسَة، عَلَى قَول الشَّافِعِي وَأحمد وكثيرين، وَقَالَ مَالك وَآخَرُونَ (بِعُمُومِهِ) ، فَالْمُرَاد: المَاء الْكثير الَّذِي لم تغيره نَجَاسَة لَا يُنجسهُ شَيْء، وَهَذِه كَانَت صفة بِئْر بضَاعَة. وَهَذَا الحَدِيث لَا يُخَالف حَدِيث الْقلَّتَيْنِ الْآتِي؛ لِأَن ماءها كَانَ كثيرا، لَا يُغَيِّره وُقُوع هَذِه الْأَشْيَاء فِيهِ. وَقَوله: «أَتَتَوَضَّأُ» هُوَ بتاءين مثناتين من فَوق، خطابٌ للنَّبِي (، كَمَا وَقع مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة قَاسم بن أصبغ الْمُتَقَدّمَة، قَالُوا: «يَا رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الله، إِنَّك تتوضأ من بِئْر بضَاعَة» . وَفِي رِوَايَة ابْن مَنْدَه الْمُتَقَدّمَة أَيْضا: «انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهُوَ يتَوَضَّأ من بِئْر بضَاعَة» . وَكَذَلِكَ جَاءَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة الشَّافِعِي «قيل: يَا رَسُول الله، أتتوضأ من بِئْر بضَاعَة» . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «مَرَرْت بِالنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يتَوَضَّأ من بِئْر بضَاعَة، فَقلت: يَا رَسُول الله، أتتوضأ مِنْهَا، وَهِي يُطرح فِيهَا ... » الحَدِيث، وَأول من نَبَّه عَلَى هَذَا الضَّبْط: النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَبعهُ شَيخنَا فتح الدَّين بن سيد النَّاس فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» . قَالَ النَّوَوِيّ: إنَّما ضبطت كَونه بِالتَّاءِ لئلايُصَحَّف، فَيُقَال: «أَنَتَوَضَّأُ» بالنُّون. قَالَ: وَقد رَأَيْت من صحَّفه، واستبعد كَون النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ مِنْهَا قَالَ: وَهَذَا غلط فَاحش. لما ذَكرْنَاهُ. قلت: و (مِمَّا) يَنْبَغِي أَن (يُنتبه لَهُ) أَن النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : أخرج هَذَا الحَدِيث من أخرج الأول - يَعْنِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - وَهَذِه الْعبارَة تَقْتَضِي كَونه فِي «الْمُوَطَّأ» ، فإنَّ الأول عزاهُ إِلَى «الْمُوَطَّأ» وَهَذَا الحَدِيث لَا يُوجد فِي موطأ من الموطآت المرويَّة عَن الإِمام مَالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بل لم يعزه أحد من مصنفي الْأَحْكَام إِلَيْهِ. وَقد يُجاب عَن النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَنَّهُ أَرَادَ بقوله: أخرجه من أخرج الأول: الْمُعظم. وَلَا يخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَواب. الحَدِيث الثَّالِث رُوي أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خَلَقَ اللهُ الماءَ طهُورا، لَا يُنَجِّسُهُ شيءٌ، إلاَّ مَا غَيَّر طعمه، أَو رِيحه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 اعْلَم: أَن صدر هَذَا الحديثَ صحيحٌ، كَمَا تقدم الْآن من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ السَّابِق، وَلم أرَ فِيهِ لفظ: «خلق الله» ، فَتنبه لَهُ، وَرُوِيَ أَيْضا من طُرُق أُخر: فأولها: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: «انتهينا إِلَى غَدِير، فَإِذا فِيهِ جيفة حمَار، قَالَ: فَكَفَفْنَا عَنهُ، حتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: إنَّ الماءَ لَا يُنجسهُ شيءٌ فاستقينا وحملنا» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح، لَوْلَا (طريف) بن شهَاب السَّعْدِيّ، فإنَّه واهٍ مَتْرُوك عِنْدهم، حتَّى قَالَ فِيهِ ابْن حبَان: إِنَّه كَانَ (مغفلاً، يَهِمُ) فِي الْأَخْبَار، حتَّى يقلبها، ويروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات. لَكِن يَقع فِي بعض نسخه (بدله) طَارق بن شهَاب، فإنْ صَحَّ - مَعَ بعده - فَهُوَ الأحمسي، صَحَابِيّ، فَيصح السَّنَد. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «المَاء لايُنَجِّسُهُ شَيْء» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث: سماك بن حَرْب، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ. وَرَوَاهُ إِمَام الْأَئِمَّة، مُحَمَّد بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، لَكِن لَفظه: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَرَادَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتَوَضَّأ، فَقَالَت امْرَأَة من نِسَائِهِ: يَا رَسُول الله قد توضَّأتُ من هَذَا. فَتَوَضَّأ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقَالَ: المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» . وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» - أَيْضا - بِلَفْظ: اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من) جَفْنَة، فجَاء رَسُول الله يغْتَسل مِنْهَا، أَو يتَوَضَّأ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إنِّي كنت جُنبًا. فَقَالَ: إنَّ المَاء لَا يَجْنُب» . وَهُوَ فِي «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي جَفْنَةٍ، فَأَرَادَ رَسُول الله أَن يتَوَضَّأ (مِنْهَا أَو يغْتَسل) ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت جُنبًا. فَقَالَ: إنَّ الماءَ لَا يَجْنُب» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن شريك، عَن سماك، فسمَّاها: مَيْمُونَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْحَاق، عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن سماك، أَن مَيْمُونَة ... قَالَ الْحَازِمِي: لَا يُعْرَف مُجَوَّدًا إلاَّ من حَدِيث سماك، وَسماك فِيمَا ينْفَرد بِهِ رَدَّه بعض الْأَئِمَّة، (وقَبِلَه) الْأَكْثَرُونَ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج البُخَارِيّ بِأَحَادِيث عِكْرِمَة، وَاحْتج مُسلم بِأَحَادِيث سماك بن حَرْب، وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فِي الطَّهَارَة، وَلَا تحفظ لَهُ عِلّة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورُوي مُرْسَلاً. قَالَ: وَمن أسْندهُ أحفظ. قلت: وأمَّا ابْن حزم (فإنَّه وَهَّاه) فِي «محلاه» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يصحّ، (لِأَنَّهُ بِرِوَايَة) سماك بن حَرْب، وَهُوَ يقبل التَّلْقِين، شهد عَلَيْهِ بذلك شُعْبَة وَغَيره، (وَهَذِه جُرحة ظَاهِرَة) . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» . رَوَاهُ قَاسم بن أصبغ - كَمَا تقدم فِي الحَدِيث قبله - بِسَنَد حسن، وَالدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث مُحَمَّد بن مُوسَى (الْحَرَشِي) ، عَن (فُضَيْل) بن سُلَيْمَان النميري، عَن أبي حَازِم، عَن سهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 و (فُضَيْل) هَذَا: تكلَّم فِيهِ يَحْيَى، وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم. لَكِن احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ. وَمُحَمّد هَذَا: وَهَّاه أَبُو دَاوُد، ووثَّقه غَيره. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث: شريك، عَن الْمِقْدَام بن شُريح، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن الْمِقْدَام إلاَّ شريك. وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» بِحَذْف إِن. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بِئْر بضَاعَة، فَقَالَ: «المَاء طهُور، لَا يُنجسهُ شَيْء» . ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَنهُ، وَقَالَ: إنَّه حَدِيث غير ثَابت. وَأما الِاسْتِثْنَاء الْوَاقِع فِي آخِره، فَروِيَ أَيْضا من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن ثَوْبَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «المَاء طهُور، إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه، أَو طعمه» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث رشدين، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد بن سعد عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وَرشْدِين هَذَا: هُوَ ابْن سعد - وَيُقَال: ابْن أبي رشدين - وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي، وَأَبُو زرْعَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث، فِيهِ غَفلَة، يحدث بِالْمَنَاكِيرِ عَن الثِّقَات. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : مَتْرُوك الحَدِيث. وَضَعفه أَحْمد، وَقَالَ فِي رِوَايَة: هُوَ رجل صَالح، وَلكنه لَا يُبَالِي عمَّن يروي. وَمرَّة قَالَ: أَرْجُو أنَّه صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن يُونُس: كَانَ رجلا صَالحا، لَا يُشَكُّ فِي صَلَاحه وفضله، فَأَدْرَكته غَفلَة الصَّالِحين، فَخَلَّط فِي الحَدِيث. وَقَالَ الْجوزجَاني: عِنْده (معاضيل) ، ومناكيره كَثِيرَة، وَسمعت ابْن أبي مَرْيَم يثني عَلَيْهِ فِي دينه. قَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقْرَأ كل مَا (دفع) إِلَيْهِ، سَوَاء كَانَ من حَدِيثه أَو لم يكن. وَكَذَلِكَ قَالَ (قُتَيْبَة) . وَقَالَ ابْن عدي: رشدين ضَعِيف، وَقد خُصَّ نَسْله بالضعف: حجاج بن رشدين، وَمُحَمّد بن الْحجَّاج، وَأحمد بن مُحَمَّد. وَمُعَاوِيَة بن صَالح: هُوَ قَاضِي الأندلس، وَهُوَ ثِقَة، كَمَا قَالَ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَغَيرهمَا. وَأما رَاشد بن سعد: فوثَّقه ابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَابْن سعد، وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ، وشذَّ ابْن حزم، فَقَالَ: ضَعِيف. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يُعتبر بِهِ، لَا بَأْس) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 أخرج لَهُ مُسلم، وَقَالَ يَحْيَى: هُوَ صَالح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يرفعهُ غير رشدين، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء، إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه وطعمه ولونه» . وَهَذَا الحَدِيث رُوِيَ من طَرِيقين: أَحدهمَا مُسندَة: رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مَحْمُود بن خَالِد، وَغَيره، عَن مَرْوَان بن مُحَمَّد، نَا رشدين، نَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد بن سعد، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا كَمَا تقدم. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» ، من حَدِيث مُحَمَّد بن يُوسُف الغضيضي، عَن رشدين (بن) سعد، عَن مُعَاوِيَة بِهِ. وَلم يذكرَا: «ولونه» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن مُعَاوِيَة بن صَالح إلاَّ رشدين، تَفرَّد بِهِ مُحَمَّد بن يُوسُف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 قلت: لَا، فقد تَابعه مَرْوَان بن مُحَمَّد، كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِيمَا سلف. وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» - أَيْضا - من حَدِيث مَرْوَان بن مُحَمَّد الطاطري، عَن رشدين بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ - أَيْضا - من رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد، عَن [رَاشد] بن سعد بِهِ، وَلَفظه: «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يُنجسهُ شَيْء، إلاَّ مَا غلب رِيحه أَو طعمه» . وَقَالَ: كَذَا وجدته، وَلَفظ الْقلَّتَيْنِ فِيهِ غَرِيب. قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ يرويهِ عَن ثَوْر إلاَّ حَفْص بن عمر. قلت: قد رَوَاهُ بَقِيَّة أَيْضا عَنهُ، أخرج ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَلَفظه: «إنَّ المَاء طَاهِر، إلاَّ إنْ تغيَّر رِيحه، أَو طعمه، أَو لَونه بِنَجَاسَة تحدث فِيهِ» . الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: مُرْسلَة رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْأَحْوَص بن حَكِيم، عَن رَاشد بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إلاَّ مَا غلب عَلَى رِيحه أَو طعمه» . وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِزِيَادَة: «أَو لَونه» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مُرْسل، قَالَ: وَوَقفه أَبُو أُسَامَة عَلَى رَاشد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الصَّحِيح أَن هَذَا الحَدِيث مُرْسل. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ رشدين بن سعد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد، (عَن) أبي أُمَامَة مَرْفُوعا، وَخَالفهُ الْأَحْوَص بن حَكِيم فَرَوَاهُ عَن رَاشد بن سعد مُرْسلا، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ أَبُو أُسَامَة: عَن الْأَحْوَص، عَن رَاشد قَوْله وَلم (يُجَاوز بِهِ راشدًا) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَلَا يثبت الحَدِيث. قلت: فَتَلَخَّصَ أَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور ضعيفٌ، لَا يحلّ الِاحْتِجَاج بِهِ، لِأَنَّهُ مَا بَين مُرْسل وَضَعِيف. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى تَضْعِيفه. وَقد أَشَارَ إمامنا الْأَعْظَم، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 إِلَى ضعفه فَقَالَ: وَمَا قلت من أنَّه إِذا تغيَّر طعم المَاء وريحه ولونه كَانَ نجسا، يُروى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من وَجه لَا يُثْبِتُ أهل الحَدِيث مثله، وَهُوَ قَول الْعَامَّة، لَا أعلم بَينهم (خلافًا) . وَتَابعه عَلَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث غير قوي، (إلاَّ أنَّا) لَا نعلم (فِي) نَجَاسَة المَاء إِذا تغيَّر خلافًا. وَابْن الْجَوْزِيّ، (قَالَ) فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. فَإِذا عُلم ضعف الحَدِيث، تعيَّن الِاحْتِجَاج بالإِجماع، كَمَا قَالَه الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهمَا، (من الْأَئِمَّة) . قَالَ ابْن الْمُنْذر: أَجمع الْعلمَاء عَلَى أنَّ المَاء الْقَلِيل أَو الْكثير، إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة، فغيَّرت طعمًا أَو لونًا أَو ريحًا فَهُوَ نجس. وَنقل الإِجماع كَذَلِك جمع (غَيره) . وَذكر الإِمام الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الحَدِيث بعد هَذَا الْبَاب بِلَفْظ: «الطّعْم والرائحة» دون «اللَّوْن» ثمَّ قَالَ: نُصَّ عَلَى الطّعْم وَالرِّيح، وقاس الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اللَّوْن عَلَيْهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ قلَّد فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، فإنَّه قَالَ فِي « (الْمُهَذّب» ) ، (كقولته) ، وَلم يقفا رحمهمَا الله عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا «اللَّوْن» الَّتِي قَدَّمناها من طَرِيق ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ. فَإِن قلت: لعلهما رأياها فتركاها لأجل ضعفها ونَزَّلا وجودهَا وَالْحَالة هَذِه كعدمها؟ قلت: هَذَا لَا يصحّ، لِأَنَّهُمَا لَو رَاعيا الضعْف واجتنباه، لتركا جملَة الحَدِيث، لضَعْفه الْمُتَّفق عَلَيْهِ. وَاعْلَم: أَن هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الْآتِي، وَوَقعت لنا مَعَه فِيهِ مناقشة، فإنَّه قَالَ: وَقَالَ مَالك: لَا ينجس المَاء الْقَلِيل إلاَّ بالتغيُّر كالكثير، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «خُلَقَ المَاء طهُورا، لَا يُنَجِّسه شَيْء، إلاَّ مَا غَيَّر طعمه أَو رِيحه» ، وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ، وَالشَّافِعِيّ حمل هَذَا الْخَبَر عَلَى الْكثير؛ لِأَنَّهُ ورد فِي بِئْر بضَاعَة، وَكَانَ ماؤهاكثيرًا. انْتَهَى. وَهَذِه الدَّعْوَى: أَن هَذَا الْخَبَر ورد فِي (بِئْر) بضَاعَة لَا تُعرف؛ نعم صَدْرُه ورد فِيهَا كَمَا قَدمته، وَأما هَذَا الِاسْتِثْنَاء فَفِي حَدِيث آخر كَمَا قَرّرته لَك فاعلمه. والإِمام الرَّافِعِيّ، الظَّاهِر أَنه تبع الْغَزالِيّ فِي هَذِه الدَّعْوَى، فقد ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ذَلِك فِي «الْمُسْتَصْفَى» حَيْثُ قَالَ (لما) سُئِلَ عَن بِئْر بضَاعَة فَقَالَ: خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ إلاَّ مَا غيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه» . وَوَقع فِي «الْكِفَايَة» لِابْنِ الرّفْعَة، عزو الِاسْتِثْنَاء إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد، (فَقَالَ: وَرِوَايَة أبي دَاوُد) : «خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ إلاَّ مَا غير طعمه أَو رِيحه» وَهَذَا لَيْسَ فِي أبي دَاوُد فاعلمه. الحَدِيث الرَّابِع أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا بَلَغَ (الماءُ) قُلَّتَين، لم يَحْمِلْ خَبَثًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، ثَابت، من رِوَايَة عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، «أنَّ رَسُول الله سُئِلَ عَن المَاء يكون بِأَرْض الفَلاَة، وَمَا يَنُوبُه من السبَاع وَالدَّوَاب، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِذا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَيْنِ، لم يحملِ الخَبَث» . أخرجه (الْأَئِمَّة) الْأَعْلَام: الشَّافِعِي، وَأحمد، والدارمي فِي «مسانيدهم» . وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحهمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة: «السّنَن الْكَبِير» ، و «الْمعرفَة» ، و «الخلافيات» . قَالَ يَحْيَى بن معِين: إِسْنَاد جيد. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، فقد احتجا جَمِيعًا بِجَمِيعِ رُوَاته، وَلم يخرجَاهُ، وأظنهما - وَالله أعلم - لم يخرجَاهُ لخلاف عَلَى أبي أُسَامَة عَلَى الْوَلِيد بن كثير حَيْثُ رَوَاهُ تَارَة: عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير، وَتارَة: عَن مُحَمَّد بن (عبَّاد) بن جَعْفَر. قَالَ: وَهَذَا خلاف لَا يُوهن الحَدِيث، فقد احتجَّ الشَّيْخَانِ جَمِيعًا بالوليد بن كثير، وَمُحَمّد بن (عباد) بن جَعْفَر، وإنَّما قرنه (أَبُو أُسَامَة) إِلَى مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثمَّ حدَّث بِهِ مرّة عَن هَذَا وَمرَّة عَن ذَاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي أُسَامَة نَا الْوَلِيد بن كثير، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير؛ وَمُحَمّد بن عباد بن جَعْفَر، عَن عبد الله بن عمر بِهِ. قَالَ: فقد صحَّ وَثَبت بِهَذِهِ الرِّوَايَة صِحَة الحَدِيث، وَظهر أَن أَبَا أُسَامَة سَاق الحَدِيث عَن الْوَلِيد بن كثير، عَنْهُمَا جَمِيعًا، قَالَ: وَقد تَابع الْوَلِيد بن كثير عَلَى رِوَايَته، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير مُحَمَّد بن إِسْحَاق. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرط مُسلم فِي عبيد الله بن عبد الله، وَمُحَمّد بن جَعْفَر، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، والوليد بن كثير. قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم بن الْمُنْذر، (عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه. [و] رَوَاهُ إِسْمَاعِيل ابْن علية، عَن عَاصِم بن الْمُنْذر) ، عَن رجل، عَن ابْن عمر. فَهَذَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَافق عِيسَى بن يُونُس، عَن الْوَلِيد بن كثير فِي ذكر مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير، وَعبيد الله (بن عبد الله) بن عمر. وروايتهما توَافق رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة وَغَيره، عَن عَاصِم بن الْمُنْذر، (فِي ذكر عبيد الله بن عبد الله) . فَثَبت هَذَا الحَدِيث بِاتِّفَاق أهل الْمَدِينَة والكوفة وَالْبَصْرَة عَلَى حَدِيث عبيد الله بن عبد الله، وباتفاق مُحَمَّد بن إِسْحَاق، والوليد بن كثير، عَلَى روايتهما عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير. فعبيد الله، وَعبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الله ابْنا عبد الله بن عمر مقبولان بإجماعٍ من الْجَمَاعَة فِي كتبهمْ. وَكَذَلِكَ مُحَمَّد (بن جَعْفَر) بن الزبير، وَمُحَمّد بن عَبَّاد بن جَعْفَر، والوليد بن (كثير) : فِي كتاب مُسلم بن الْحجَّاج، وَأبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ. وَعَاصِم بن الْمُنْذر يُعْتَبر بحَديثه. وَابْن إِسْحَاق أخرج عَنهُ (مُسلم و) أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. وَعَاصِم بن الْمُنْذر اسْتشْهد (بِهِ) البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع، وَقَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج: مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: هُوَ ثِقَة ثِقَة ثِقَة. هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ ابْن مَنْدَه. وَقد ذكرت فصلا فِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق قبيل الْأَذَان، وَذكرت أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فَرَاجعه. وأعَلَّ قومٌ الحديثَ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: الِاضْطِرَاب، وَذَلِكَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا فِي الإِسناد، وَالثَّانِي فِي الْمَتْن. (أما الأول) : فَحَيْثُ رَوَاهُ الْوَلِيد بن كثير تَارَة عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر، وَتارَة عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير. وَحَيْثُ رُوِيَ تَارَة عَن (عبيد الله) بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَتارَة عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن هَذَا لَيْسَ اضطرابًا، بل رَوَاهُ مُحَمَّد بن عباد، وَمُحَمّد بن جَعْفَر، وهما ثقتان معروفان. (وَرَوَاهُ) - أَيْضا - عبيد الله، وَعبد الله ابْنا عبد الله بن عمر بن الْخطاب (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وأرضاهم) ، وهما - أَيْضا - ثقتان، وَلَيْسَ هَذَا من الِاضْطِرَاب. وَقد جمع اليبهقي طرقه، وبيَّن رِوَايَة المُحَمَّدَيْن، وَعبد الله، وَعبيد الله، وَذكر (طرق) ذَلِك كلهَا، وبيَّنها أحسن بَيَان، ثمَّ قَالَ: والْحَدِيث مَحْفُوظ عَن عبد الله وَعبيد الله. قَالَ: وَكَذَا كَانَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ الْحَاكِم يَقُول: الحَدِيث مَحْفُوظ عَنْهُمَا، وَكِلَاهُمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه. قَالَ: وَإِلَى هَذَا ذهب كثير من أهل الرِّوَايَة، وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول: غلط أَبُو أُسَامَة فِي عبد الله بن عبد الله، إِنَّمَا هُوَ عبيد الله بن عبد الله، بِالتَّصْغِيرِ. وَأَطْنَبَ الْبَيْهَقِيّ فِي تَصْحِيح الحَدِيث بدلائله، فَحصل أنَّه غير مُضْطَرب. وَقد قَدَّمنا - قبل هَذَا - كَلَام الْحَاكِم أبي عبد الله فِي ذَلِك. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، و «علله» : رَوَاهُ الْوَلِيد بن كثير عَن المُحَمَّدَيْن. فصحَّ الْقَوْلَانِ عَن أبي أُسَامَة، وصحَّ أَن الْوَلِيد بن كثير رَوَاهُ عَن هَذَا مرّة، وَعَن الآخر أُخْرَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : الظَّاهِر عِنْد الْأَكْثَرين صِحَة الرِّوَايَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَقَالَ فِي «التذنيب» : الْأَكْثَرُونَ صححوا الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالُوا إِن عبد الله، وَعبيد الله روياه عَن أَبِيهِمَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» : لأجل هَذَا الِاخْتِلَاف تَركه البُخَارِيّ وَمُسلم، لِأَنَّهُ عَلَى خلاف شَرطهمَا، لَا لطعن فِي متن الحَدِيث، فإنَّه فِي نَفسه حَدِيث مَشْهُور مَعْمُول بِهِ، وَرِجَاله ثِقَات معدلون، وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَاف مِمَّا يوهنه. ثمَّ ذكر مقَالَة الْحَاكِم الْمُتَقَدّمَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: يَكْفِي شَاهدا عَلَى صِحَة هَذَا الحَدِيث: أَن نُجُوم أهل الحَدِيث صحَّحوه، وَقَالُوا بِهِ، واعتمدوه فِي تَحْدِيد المَاء، وهم الْقدْوَة، وَعَلَيْهِم الْمعول فِي هَذَا الْبَاب. فَمِمَّنْ ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي، وَأحمد، وَإِسْحَاق، وَأَبُو ثَوْر، وَأَبُو عبيد، وَابْن خُزَيْمَة، وَغَيرهم. وَقَالَ عبد الْحق: حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : هَذَا الحَدِيث حَسَّنه الحفَّاظ وصحَّحوه، وَلَا تُقبل دَعْوَى من ادَّعى اضطرابه. (وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فَهُوَ أَنه قد رُوي فِيهِ) : «إِذا كَانَ المَاء قدر قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاث، لم يُنجسهُ شَيْء» . رَوَاهُ الإِمام أَحْمد. وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، لم يُنجسهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 شَيْء» . وَفِي رِوَايَة: لِابْنِ عدي، والعقيلي، وَالدَّارَقُطْنِيّ: «إِذا بلغ المَاء أَرْبَعِينَ قلَّة، فإنَّه لَا يحمل الْخبث» . وَالْجَوَاب عَن ذَلِك: أما الرِّوَايَتَيْنِ (الأولتين، فهما شاذتان، غير ثابتتين، فوجودهما كعدمهما. قَالَه النَّوَوِيّ) فِي «شرح الْمُهَذّب» . وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : رَوَاهُمَا حَمَّاد، واختُلف عَلَيْهِ: فروَى عَنهُ: إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج، وهدبة، وكامل بن طَلْحَة، فَقَالُوا: «قُلَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا» . وَرَوَى عَنهُ: عفَّان، وَيَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، وَبشر بن السّري، والْعَلَاء بن عبد الجَبَّار، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَعبيد الله بن مُوسَى العيشي: «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ» . وَلم يَقُولُوا: «أَو ثَلَاثًا» . وَاخْتلفُوا عَن يزِيد بن هَارُون، فروَى عَنهُ ابْن الصَبَّاح بِالشَّكِّ، وَأَبُو مَسْعُود بِغَيْر شكّ. فَوَجَبَ الْعَمَل عَلَى قَول من لم يشك. وَأما الرِّوَايَة الْأَخِيرَة، فَلَيْسَتْ (من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ) فِي شَيْء، (ذَاك) من طَرِيق ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر مَرْفُوعا، تفرد بِهِ الْقَاسِم الْعمريّ، عَن ابْن الْمُنْكَدر، وَهِي مَرْدُودَة بالقاسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: غلط فِيهِ، وَكَانَ ضَعِيفا فِي (الحَدِيث) ، (جَرَّحه) أَحْمد، (وَيَحْيَى) ، وَالْبُخَارِيّ، وَغَيرهم من الْحفاظ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ ضَعِيفا، كثير الْخَطَأ، (وَوهم) فِي إِسْنَاده، وَخَالفهُ روح بن الْقَاسِم، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَمعمر، (فَرَوَوْه) عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن عبد الله بن [عَمْرو] مَوْقُوفا. وَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، من قَوْله لم (يُجَاوِزهُ) . وَقد رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة، عَن أَبِيه، قَالَ: إِذا كَانَ المَاء قدر أَرْبَعِينَ قلَّة، لم يحمل خبثًا. وَخَالفهُ غير وَاحِد، فَرَوَوْه عَن أبي هُرَيْرَة، فَقَالُوا: أَرْبَعِينَ غَرْبًا، وَمِنْهُم من قَالَ: أَرْبَعِينَ دلوًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَول من يوافقُ قَوْله من الصَّحَابَة قَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْقلَّتَيْنِ، أولَى أَن يُتَّبع. قلت: لَا جرم أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر فِي «مَوْضُوعَاته» هَذِه الرِّوَايَة الثَّالِثَة، وَقَالَ: إنَّها لَا تصح، (وأنَّ) الْمُتَّهم بالتخليط فِيهَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الْقَاسِم بن [عبد الله] الْعمريّ، قَالَ عبد الله بن أَحْمد: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ، لَيْسَ بِشَيْء، وسمعته مرّة يَقُول: كَانَ يكذب، وَفِي رِوَايَة: يضع الحَدِيث. الْوَجْه الثَّانِي: مِمَّا أُعِلَّ بِهِ هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ: أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى (عبد الله) بن عمر (كَذَلِك رَوَاهُ ابْن عُلَيَّة) . وَالْجَوَاب: أَنه (قد سبق رِوَايَته) مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من طَرِيق الثِّقَات، فَلَا يضر تفرد وَاحِد لم (يحفظ) بوقفه. وَقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ وَغَيره، بالإِسناد الصَّحِيح، عَن يَحْيَى بن معِين - إِمَام (أهل) هَذَا الشَّأْن - أَنه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: جيد الْإِسْنَاد، قيل لَهُ: فَابْن علية لَمْ يرفعهُ؟ قَالَ يَحْيَى: وإنْ لم يحفظ ابْن علية، فَالْحَدِيث جيد الْإِسْنَاد. (وَأَنا أتعجب) من قَول أبي عمر بن عبد الْبر فِي «تمهيده» : مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ، مَذْهَب ضَعِيف من جِهَة النّظر، غير ثَابت من جِهَة الْأَثر؛ لِأَنَّهُ حَدِيث تَكَلَّم فِيهِ جمَاعَة من أهل الْعلم؛ وَلِأَن الْقلَّتَيْنِ لَمْ يُوقَف عَلَى حَقِيقَة (مبلغهما) فِي أثر ثَابت، وَلَا إِجْمَاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وَقَوله فِي «استذكاره» : حديثٌ مَعْلُول، رَدَّه إِسْمَاعِيل القَاضِي، وَتَكلَّم فِيهِ. وَقد حكم الإِمام الْحَافِظ، أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، الْحَنَفِيّ، بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث، كَمَا ذكرنَا، لكنه اعتلَّ بِجَهَالَة قدر الْقلَّتَيْنِ. وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك: الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، فَقَالَ فِي «شرح الإِلمام» : هَذَا الحَدِيث قد صحَّح بَعضهم إِسْنَاد بعض طرقه، وَهُوَ - أَيْضا - صَحِيح عَلَى طَريقَة الْفُقَهَاء؛ لِأَنَّهُ وإنْ كَانَ حَدِيثا مُضْطَرب الإِسناد، مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي (بعض) أَلْفَاظه - وَهِي علَّة عِنْد الْمُحدثين، إلاَّ أَن يُجاب عَنْهَا بِجَوَاب صَحِيح - فإنَّه يُمكن أَن يُجمع بَين الرِّوَايَات، ويُجاب عَن بَعْضهَا بطرِيق أصولي، ويُنسب إِلَى التَّصْحِيح، وَلَكِن تركته - (يَعْنِي) فِي «الإِلمام» - لِأَنَّهُ لم يثبت عندنَا - الْآن - بطرِيق اسْتِقْلَال يجب الرُّجُوع إِلَيْهِ شرعا تعْيين لمقدار الْقلَّتَيْنِ. وَالْجَوَاب عَمَّا اعتذرا بِهِ: أنَّ المُرَاد قُلَّتَيْنِ بقلال هجر، كَمَا رَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، و «الْمُخْتَصر» : عَن مُسلم بن خَالِد الزِّنجيّ، عَن ابْن جريج، بإسنادٍ لَا يحضرني ذكره، أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحملْ خبثًا» ، وَقَالَ فِي الحَدِيث: «بقلال هَجَر» . قَالَ ابْن جريج: وَقد رَأَيْت قلال هجر، فالقلَّة تسعُ قربتين، أَو قربتين وشيئًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . وَمُسلم بن خَالِد، وإنْ تُكُلِّم فِيهِ، فقد وثَّقه: يَحْيَى بن معِين، وَابْن حِبَّان، وَالْحَاكِم، وَأَخْرَجَا لَهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، أَعنِي ابْن حبَان وَالْحَاكِم. وَقَالَ ابْن عدي: حسنُ الحَدِيث. وَمن ضَعَّفه لَمْ يَبَيِّن سَببه، وَالْقَاعِدَة المقررة: أنَّ الضعْف لَا يُقْبَلُ إلاَّ مُبَيَّنًا. قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : (الإِسناد) الَّذِي لم يحضر الشَّافِعِي ذكره - عَلَى مَا ذكر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ - أنَّ ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي محمدٌ (أنَّ) يَحْيَى بن عقيل أخبرهُ، أَن يَحْيَى بن يعمر أخبرهُ، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ، لم يحمل خبثًا، وَلَا بَأْسا» . قَالَ مُحَمَّد: فَقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟ فقَالَ: قلال هجر. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» أَيْضا. قَالَ: وَمُحَمّد هَذَا الَّذِي حَدَّث (عَنهُ) ابْن جريج هُوَ: مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 بن يَحْيَى، يحدث عَن يَحْيَى بن أبي كثير، وَيَحْيَى بن عقيل. وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل، فإنَّ يَحْيَى بن يعمر (تَابِعِيّ مَشْهُور) ، رَوَى عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ من الحَدِيث الْمَشْهُور، وَيكون ابْن يعمر قد رَوَاهُ عَن ابْن عمر، وَيجوز أَن يكون غَيره؛ لِأَنَّهُ يكون قد رَوَاهُ عَن غير ابْن عمر. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَمَا ذكرالإِمامان: الرَّافِعِيّ، وَابْن الْأَثِير. قلت: وَإِذا كَانَ مُرْسلا، فيعتضد بِمَا رَوَاهُ ابْن عدي من رِوَايَة ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ من قلال هجر، لم يُنجسهُ شَيْء» . لَيْسَ فِي إِسْنَاده سُوَى: الْمُغيرَة بن [سقلاب] ، قَالَ ابْن أبي حَاتِم [عَن أَبِيه] : صَالح الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: (جزري) لَا بَأْس بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَهَذَا يُقَدَّم عَلَى قَول ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث، وَعَلَى قَول (عليّ بن) مَيْمُون الرَّقي: إنَّه لَا يُسَوِّي بَعرَة، لجلالة الْأَوَّلين. وَمن الْمَعْلُوم: أَن قِلال هجر كَانَت مَعْرُوفَة عِنْدهم، مَشْهُورَة، يدل عَلَيْهِ حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أخْبرهُم) لَيْلَة الإِسراء (فَقَالَ) : «رُفِعَتْ إليَّ سِدرْة الْمُنْتَهَى، فَإِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة، وَإِذا نَبِقُها مثل قِلال هَجَر» . فعُلِم بِهَذَا: أنَّ القلال عِنْدهم مَعْلُومَة، مَشْهُورَة، وَكَيف يُظن أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يُحدد) لَهُم، أَو يمثل لَهُم بِمَا لَا يعلمونه، وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ؟ قَالَ الشَّافِعِي: كَانَ مُسلم - يَعْنِي ابْن خَالِد الزنْجِي - يذهب إِلَى (أنَّ) ذَلِك الشَّيْء الْمَذْكُور فِي قَول ابْن جريج أقل (من نصف قربَة، أَو نصف الْقرْبَة، فَيَقُول: خمس قرب هُوَ أَكثر مَا يسع قُلَّتَيْنِ، وَقد تكون) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 القلتان أقل من خمس. قَالَ الشَّافِعِي: فالاحتياط أَن تكون [الْقلَّة] قربتين وَنصفا، فَإِذا كَانَ المَاء خمس قرب لم يحملْ خبثًا، فِي (جَرَيَان) ، أَو غَيره. إلاَّ أَن يظْهر فِي المَاء ريح أَو طعم أَو لون. قَالَ: وَقِرَب الْحجاز كبار، فَلَا يكون المَاء الَّذِي لَا يحمل النَّجَاسَة إلاَّ بِقِرَبٍ كبار. قلت: لِأَن الْقلَّة فِي اللُّغَة: الجرة الْعَظِيمَة، الَّتِي يُقلها الْقوي من الرِّجَال، أَي: يحملهَا و (يرفعها) . قَالَ الْخطابِيّ: قلال هجر مَشْهُورَة الصَّنْعَة، مَعْلُومَة الْمِقْدَار، لَا تخْتَلف كَمَا لَا تخْتَلف المكاييل والصيعان المنسوبة إِلَى الْبلدَانِ، قَالَ: وقلال هجر أكبرها وأشهرها؛ لأنَّ الْحَد لَا يَقع بِالْمَجْهُولِ. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي «تَعْلِيقه» : قَالَ أَبُو إِسْحَاق، إِبْرَاهِيم بن جَابر، صَاحب «الْخلاف» : سَأَلت قوما من ثِقَات هجر، فَذكرُوا أنَّ القلال بهَا لَا تخْتَلف، وَقَالُوا: قايسنا الْقلَّتَيْنِ، فوجدناهما خَمْسمِائَة رَطْل. فَإِذا تقرر عنْدك مَا قَرَّرْنَاهُ، ظهر لَك أنَّ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور مُتَعَيّن، وَلَا جَهَالَة فِي مِقْدَار الْقلَّتَيْنِ. فإنْ قُلْتَ: قد جَاءَ فِي آخر حَدِيث ابْن عمر، الَّذِي ذكرته من طَرِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 ابْن عدي، بعد قَوْله: «إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ من قلال هجر لَمْ يُنجِّسه شَيْء» .: «وَذكر (أَنَّهُمَا) فرقان» . فَلَا يَصح مَا قَرّرته؛ لِأَن الْفرق: سِتَّة عشر رطلا، فَيكون مَجْمُوع الْقلَّتَيْنِ: اثْنَان وَثَلَاثُونَ رطلا، وَلَا تَقولُونَ بِهِ؟ فَالْجَوَاب: أنَّ هَذِه اللَّفْظَة مدرجة فِي الحَدِيث، جمعا بَينه وَبَين مَا قَرَّرْنَاهُ: من أَن قلال هجر لن تخْتَلف، وأنهما خَمْسمِائَة رَطْل. فَائِدَة: هَجَر: بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم، قَرْيَة بِقرب الْمَدِينَة، لَيست هجر الْبَحْرين. كَذَا قَالَه ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ. وَحَكَى الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» قولا آخر: أَنَّهَا تُنسب إِلَى هجر الَّتِي بِالْيمن، وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي فِي كتاب «الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : هجَر - بِفَتْح الْجِيم - الْبَلَد، قَصَبَة بِبِلَاد الْبَحْرين، بَينه إِلَى (سِرَّين) سَبْعَة أَيَّام، والهجر: بلد بِالْيمن، بَينه وَبَين (عثر) يَوْم وَلَيْلَة. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي «مُعْجَمه» : هَجَر - بِفَتْح أَوله وثانيه - مَدِينَة الْبَحْرين، مَعْرُوفَة، وَهِي مُعَرَّفة لَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام، وَهُوَ اسْم فَارسي، مُعرب (أَصله) «هكر» ، وَقيل: إنَّما سمي (بهجر) بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 مِكْنَف من العماليق. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» : هجر - وَيُقَال: الهجر بِالْألف وَاللَّام -: مَدِينَة جليلة، قَاعِدَة الْبَحْرين، بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل. وَقَالَ مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد: هِيَ عَلَى ثَمَان لَيَال من مَكَّة إِلَى الْيمن، مِمَّا يَلِي الْبَحْر. قَالَه فِي «مغازيه» . وَمَا ذكره ابْن دحْيَة - أَولا - تبع فِيهِ صَاحب «الْمطَالع» ، (فَإِنَّهُ قَالَ) : وهجر مَدِينَة بِالْيمن، وَهِي قَاعِدَة الْبَحْرين، بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم، وَيُقَال فِيهِ: الهجر بِالْألف وَاللَّام بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل. فَائِدَة أُخرى: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لم يحمل الْخبث» ، مَعْنَاهُ: لَمْ ينجس بِوُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ. كَمَا فَسَّره فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، الَّتِي (رَوَاهَا) أَبُو دَاوُد، وَابْن حبَان، وَغَيرهمَا: «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ، لم ينجس» . وَهَذِه الرِّوَايَة: ذكرهَا الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الْآتِي، وَهِي صَحِيحَة من غير شكّ وَلَا مرية، لَا مطْعن لأحد فِي اتصالها، وثقة رجالها. قَالَ يَحْيَى بن معِين: إسنادها جيد، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: مَوْصُول. وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين: لَا غُبَار عَلَيْهِ. وتقديرها: لَا يقبل النَّجَاسَة، بل يَدْفَعهَا عَن نَفسه، كَمَا يُقال: فلَان لايحمل الضَّيْم، أَي: لَا يقبله، وَلَا يصبر عَلَيْهِ، (بل) يأباه. وقَالَ النَّوَوِيّ: وَأما قَول بعض المانعين للْعَمَل بالقلتين: إِن مَعْنَاهُ أَنه يَضْعُف عَن حمله. (فخطأ) فَاحش من أوجه: أَحدهَا: أَن الرِّوَايَة الْأُخْرَى مصرحة بغلطه، وَهِي قَوْله: «لم ينجس» . الثَّانِي: أَن الضعْف عَن الْحمل إِنَّمَا يكون فِي الْأَجْسَام، كَقَوْلِك: فلانٌ لايحمل الْخَشَبَة، أَي: يعجز عَنْهَا لثقلها. وَأما فِي الْمعَانِي فَمَعْنَاه: لَا يقبله، كَمَا ذكرنَا. ثَالِثهَا: أنَّ سِيَاق الْكَلَام يُفْسِدهُ؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد: أَنه يضعف عَن حمله، لم يكن للتَّقْيِيد بالقلتين مَعْنَى، فإنَّ مَا دونهَا أولَى بذلك. فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر بالإِجماع فِي الْمُتَغَيّر بِنَجَاسَة؟ فَالْجَوَاب: أَنه عَام، خص مِنْهُ الْمُتَغَيّر بِالنَّجَاسَةِ، فَيَبْقَى الْبَاقِي (عَلَى) عُمُومه، كَمَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ. فإنْ قيل: هَذَا الحَدِيث (يحمل) عَلَى الْجَارِي. فَالْجَوَاب: أَن الحَدِيث يتَنَاوَل الْجَارِي والراكد، فَلَا يَصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 تَخْصِيصه بِلَا دَلِيل. الحَدِيث الْخَامِس عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهاها عَن التشميس، وَقَالَ: إنَّه يُورِثُ البَرَص» . هَذَا (الحَدِيث واهٍ جدًّا) ، وَله أَربع طرق: (أوَّلها) : عَن خَالِد بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالَت: «دخل عليَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقد سَخَّنتُ مَاء فِي الشَّمْس، فَقَالَ: لَا تفعلي يَا حُمَيْراء، فإنَّه يُورث البرص» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَابْن عدي فِي «كَامِله» ، وَأَبُو نعيم فِي كتاب «الطِّبّ» بأسانيدهم إِلَى خَالِد بِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: خَالِد هَذَا مَتْرُوك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد ضَعَّفه الْأَئِمَّة، قَالَ ابْن عدي: يضع الحَدِيث عَلَى ثِقَات الْمُسلمين. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: لايجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: كَذَّاب، يحدث عَن الثِّقَات بِالْكَذِبِ. لَا جرم أَن الْبَيْهَقِيّ لَمَّا ذكره فِي «سنَنه» قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يصحّ. وَثَانِيها: عَن عَمْرو بن مُحَمَّد (الأَعْسَم) ، عَن (فُلَيْح، عَن الزُّهْرِيّ) ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، قَالَت: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُتَوضَأ بِالْمَاءِ المشمس، أَو يُغتسل بِهِ، وَقَالَ: إنَّه يُورث البرص» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، (إِلَيْهِ) ثمَّ قَالَ: عَمْرو بن مُحَمَّد الأعسم مُنكر الحَدِيث، وَلم يروه عَن فليح غَيره، وَلَا يصحّ عَن الزُّهْرِيّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: عَمْرو هَذَا يروي عَن الثِّقَات الْمَنَاكِير، وَيَضَع أسامي الْمُحدثين، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. والأعسم: بِالْعينِ وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ. وَثَالِثهَا: عَن وهب بن وهب، عَن هِشَام (بن) عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَت: «أسخنت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَاء فِي الشَّمْس، فَقَالَ: لَا تعودي يَا حميراء، فإنَّه يُورث البرص» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 رَوَاهُ ابْن عدي، وَقَالَ: وهب: (أَشَرُّ) من خَالِد بن إِسْمَاعِيل. قلت: بِلَا شكّ، وَهُوَ وهب بن وهب بن كَبِير: - بِفَتْح الْكَاف، وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة - ابْن عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن عبد الْعُزَّى بن قصي، أَبُو البَخْتَري - بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق -: قَاضِي بَغْدَاد، وَهُوَ من رُؤَسَاء الْكَذَّابين، قَالَ أَحْمد: كَانَ كَذَّابًا يضع الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش، وَابْن الْمَدِينِيّ، والرازي: كَانَ كذَّابًا. وَقَالَ يَحْيَى: كَذَّاب خَبِيث، كَانَ عَامَّة اللَّيْل يضع الحَدِيث. وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: ذَاك دَجَّال. وَقَالَ السَّعْدِيّ: كَانَ يكذب ويجسر. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: كَانَ يكذب، ويحدِّث بِمَا لَيْسَ لَهُ أصل. وَقَالَ مُسلم، وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. زَاد الدَّارَقُطْنِيّ: وكَذَّاب. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا أعلم لَهُ حَدِيثا مُسْتَقِيمًا، كُلّها بَوَاطِيلُ. رَابِعهَا: عَن الْهَيْثَم بن عدي، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، نَحْو الطَّرِيق الأول. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. والهيثم هَذَا: هُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن الطَّائي، أحد الهلكى، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 يَحْيَى: كَانَ يكذب، لَيْسَ بِثِقَة. وقَالَ عَلّي: لَا أرضاه فِي شَيْء. وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط، قد كشف قناعه. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كَذَّاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ، والرازي، والأزدي: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الرِّوَايَة عَنهُ إلاَّ عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار، وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: وَلِحَدِيث عَائِشَة طَرِيق خَامِس: أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ، وَلم يذكر إِسْنَاده، فَقَالَ فِي «سنَنه» : وَرُوِيَ بِإِسْنَاد مُنكر عَن ابْن وهب، عَن مَالك، عَن هِشَام. وَلَا يَصح. وَهَذَا قد بَيَّنه الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه «غرائب أَحَادِيث مَالك الَّتِي لَيست فِي الْمُوَطَّأ» ، فَرَوَاهُ بإسنادٍ إِلَيْهِ، بطرِيق هِشَام المتكررة بِلَفْظ: «سَخَّنت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَاء فِي الشَّمْس يغْتَسل فِيهِ، فَقَالَ: لَا تفعلي يَا حميراء، فإنَّه يُورث البرص» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا بَاطِل عَن ابْن وهب، وَعَن مَالك أَيْضا، وإنَّما رَوَاهُ: خَالِد بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي - وَهُوَ مَتْرُوك - عَن هِشَام، ومَنْ دون ابْن وهب - فِي الإِسناد - ضعفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ (بِمَاء مشمس) ، فأصابهُ وَضَحٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَه» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب (جدًّا) لَيْسَ فِي السّنَن الْأَرْبَعَة قطعا، حاشا الصَّحِيحَيْنِ مِنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي «السّنَن الْكَبِير» ، و «الْمعرفَة» للبيهقي، وَلَا فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» ، و «علله» ، وَلَا فِي «المسانيد» ، فِيمَا فحصت عَنهُ عدَّة سِنِين فَوق الْعشْرَة، وسؤالي لبَعض الْحفاظ بِمصْر، والقدس، ودمشق عَنهُ، فَلم يعرفوه. (إلاَّ أَنِّي ظَفرت بِهِ) فِي (مشيخة) قَاضِي المرستان، فِي أَوَاخِر الْجُزْء الْخَامِس مِنْهَا، وَقد أخبرنَا بهَا: المُسْنِد، أَبُو عبد الله، مُحَمَّد بن أَحْمد بن (خَالِد) الفارقي، أَنا الْعِزّ الْحَرَّانِي سَمَاعا، والنجيب إجَازَة، أخبرنَا ابْن الخُرَيف، ضِيَاء (الدَّين) بن أبي الْقَاسِم، سَمَاعا، أَنا القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز، الْمَعْرُوف بقاضي المرستان، أَنا أَبُو الْحسن عَلّي بن جَامع النَّيْسَابُورِي، أَنا أَبُو بكر بن عبد ربه، أَنا أَبُو مُسلم فَارس بن المظفر بن غَالب، أَنا (أَبُو عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 مُحَمَّد) بن عَمْرو بن أَحْمد الْمُقْرِئ، أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس الإِسماعيلي، أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن هَارُون بن حميد بن [المجدر] ، وثنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون الْبَصْرِيّ، نَا عَلّي بن (الْحسن) بن يعمر، عَن عمر بن (صُبْح) ، عَن مقَاتل بن حَيَّان، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من احْتجم يَوْم الْأَرْبَعَاء، أَو السبت، فَأَصَابَهُ داءٌ فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن اغْتسل (بالمشمس) فَأَصَابَهُ وَضَحٌ، فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، ومَنْ بَال فِي مستنقع، مَوضِع وضوئِهِ، فَأَصَابَهُ وسواس فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن تَعَرَّى فِي غير كِنٍّ، فَخُسِفَ بِهِ فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن نَام وَفِي يَده غَمَرُ الطَّعَام، فَأَصَابَهُ لَمَمٌ فَلَا يلومنَّ إِلَّا نَفسه، وَمن نَام بعد الْعَصْر، فاختلس عقله فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن شَبَّك فِي صلَاته، فَأَصَابَهُ زحِيْرٌ فَلَا يلومنَّ إِلَّا نَفسه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 (حَدِيث واهٍ) ، (عمرُ) بن صبح: كَذَّاب، اعْترف بِالْوَضْعِ، والضَحَّاك: لَمْ يَلْقَ ابْن عَبَّاس، وَابْن [المجدر] : صَدُوق، لكنه نَاصِبِيٌّ منحرفٌ عَن (الْحق) . وَفِي الْبَاب - أَيْضا - فِي النَّهْي عَن المشمس: حَدِيث أنس، وَله طَرِيقَانِ: أَولهمَا: عَن سوَادَة، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أنَّه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا تغتسلوا (بِالْمَاءِ) الَّذِي يُسَخَّن فِي الشَّمْس، فإنَّه يُعْدِي من البَرَصِ» . رَوَاهُ الْعقيلِيّ، وَغَيره، من حَدِيث: عَلّي بن هَاشم الْكُوفِي، عَن سوَادَة، بِهِ كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: سوَادَة مَجْهُول بِالنَّقْلِ، حَدِيثه غير مَحْفُوظ. وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ (عليٌّ وهَاشِم غاليين) فِي مَذْهَبهمَا. يَعْنِي التَّشَيُّع. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ (عليٌّ) غاليًا فِي التَّشَيُّع، ويروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير. وَثَانِيهمَا: عَن زَكَرِيَّا بن حَكِيم، عَن الشّعبِيّ، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تغسلوا صِبْيَانكُمْ بِالْمَاءِ الَّذِي يسخن بالشمس، فإنَّه يُورث البَرَص» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْجُزْء النيف والثمانين من «أَفْرَاده» ، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» ، وَهِي طَريقَة غَرِيبَة، (قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَفَرَّد بِهِ زَكَرِيَّا بن حَكِيم، عَن الشّعبِيّ، وَلم يروه) عَنهُ (غير) أبي اليسع، أَيُّوب بن سُلَيْمَان. قلت: زَكَرِيَّا هَذَا ضَعِيف بِمرَّة. قَالَ فِيهِ أَحْمد، وَيَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وقَالَ مرّة: لَيْسَ بِثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ. وَقَالَ عليٌّ: هَالك. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَأما أَيُّوب بن سُلَيْمَان، الرَّاوِي عَنهُ: فَهُوَ المكفوف، قَالَ الْأَزْدِيّ: غير حجَّة. فَتَلَخَّص: أَن الْوَارِد فِي النَّهْي عَن اسْتِعْمَال المَاء المشمس، من جَمِيع طرقه بَاطِل، لَا يصحّ، وَلَا يحلُّ (لأحدٍ) الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمَا (قَصَّرَ) ابنُ الْجَوْزِيّ فِي نسبته إِلَى الْوَضع فِي حَدِيث عَائِشَة وأَنس، وَقَوله فِي كل مِنْهُمَا: هَذَا حَدِيث لَا يصحّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» : لَا يصحُّ. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 لَا يثبت الْبَتَّةَ. وَقَالَ الْعقيلِيّ الْحَافِظ: لَا يصحُّ فِي المَاء المشمس حَدِيث مُسْند، إنَّما يرْوَى فِيهِ شَيْء عَن عمر بن الْخطاب من قَوْله. وَسَيَأْتِي ذَلِك قَرِيبا. ثمَّ بَينه بعد ذَلِك لما وَقع لأبي عبد الله، مُحَمَّد بن معن الدِّمَشْقِي فِي كِتَابه الَّذِي وَضعه عَلَى «الْمُهَذّب» ، الْمُسَمَّى ب «التنقيب» ، فإنَّه لمَّا ذكر حَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم، قَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا. هَكَذَا هُوَ ثَابت فِي كل النّسخ، وَلَا أَدْرِي كَيفَ وَقع لَهُ هَذَا الْغَلَط الْقَبِيح، (وَمن أَيْن أَخذه) ؟ ! ، وَقد (وَقع فِي) الْكتاب الْمَذْكُور أَمْثَال ذَلِك، لَعَلَّنَا نُنَبِّه عَلَيْهَا فِي مواطنها - إِن شَاءَ الله ذَلِك وقَدَّره. انْقَضَى الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، بِحَمْد الله وعونه. وَذكر فِيهِ عَن الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -: « (أَنهم تَطَهَّرُوا) بِالْمَاءِ المُسَخَّنِ بَين يَدي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يُنكِر عَلَيْهِم. وَهَذَا، قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: لم أَرَهُ فِي غير الرَّافِعِيّ. قلت: وَقد رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» من حَدِيث الْعَلَاء بن الْفضل المِنْقَري، نَا الْهَيْثَم بن رُزَيْق - بِتَقْدِيم الرَّاء الْمُهْملَة عَلَى الزَّاي - الْمَالِكِي، من بني مَالك بن كَعْب بن سعد، عَاشَ مائَة و [سبع عشرَة] سنة، عَن أَبِيه، عَن الأسلع بن شريك، قَالَ: «كنت أُرَحِّلُ ناقةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فأصابتني جنابةٌ فِي لَيْلَة بَارِدَة، وَأَرَادَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الرحلة، فكرهتُ أَن أُرَحِّل نَاقَته وَأَنا جنب، وخشيت أَن أَغْتَسِل بِالْمَاءِ الْبَارِد فأموت، أَو أمرض، فأمرتُ رجلا من الْأَنْصَار، يُرَحِّلها، ووضعتُ أحجارًا، فأسخنت بهَا [مَاء] ، فاغتسلت، ثمَّ لحقت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[وَأَصْحَابه، فَقَالَ: يَا أسلع، مَا لي أرَى رحلتك تَغَيَّرت؟] فَقلت: يَا رَسُول الله لم أُرَحِّلْها، رحَّلها رجل من الْأَنْصَار. قَالَ: «ولِمَ» ؟ [فَقلت: إِنِّي] أصابتني جَنَابَة، فخشيتُ القُرَّ عَلَى نَفسِي، فَأَمَرته أَن يرحِّلها، ووضعتُ أحجارًا، فأسخنتُ مَاء فاغتسلت بِهِ، فَأنْزل الله - تَعَالَى -: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى ... إِلَى قَوْله: (إِن الله كَانَ عفوا غَفُورًا) . وَرَوَاهُ الْحَافِظ: الْحسن بن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن مَرْزُوق، عَن الْهَيْثَم بن رُزَيْق، بِسَنَدِهِ، وَفِيه: «مَالِي أرَى (رحلتك) تضطرب» ؟ وَمن جِهَة الْحسن بن سُفْيَان، أخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر (الْبَيْهَقِيّ) ، إلاَّ أَنه مُخْتَصر اللَّفْظ. وَأخرجه أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من طُرُق، أَحدهَا تقدَّم، وَالْبَاقِي فِي التَّيَمُّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 والهيثم هَذَا ذكره وأباه: ابنُ أبي حَاتِم، وَلم يذكر فيهمَا جرحا وَلَا تعديلاً، وَلم يذكر (رَاوِيا) عَن الْهَيْثَم إلاَّ وَاحِدًا. قلت: وَذكره الْعقيلِيّ، وَقَالَ: لَا يُتابع عَلَى حَدِيثه. والْعَلَاء بن الْفضل (الْمنْقري) : فِيهِ ضعف يسير، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ مِمَّن ينْفَرد بأَشْيَاء مَنَاكِير عَن (أَقوام) مشاهير، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بأخباره الَّتِي انْفَرد بهَا، فأمَّا مَا وَافق [فِيهَا] الثِّقَات: فإنْ (اعْتبر بهَا) مُعْتَبر، لم أَرَ بذلك بَأْسا. وَيُقَال: رَحَلَ النَّاقة، يرحَلها - بِفَتْح الْحَاء - فِي الْمَاضِي والمستقبل، والرِّحلة - بِكَسْر الرَّاء هَهُنَا -: الْهَيْئَة، والرِّحلة - بِالْكَسْرِ أَيْضا -: الارتحال. فَأَما الرُّحلة - بِالضَّمِّ -: فَمَا (يُرْتَحَلُ) إِلَيْهِ، يُقَال: أَنْتُم رُحْلَتِي. أَفَادَهُ الشَّيْخ فِي «الإِمام» . وَلَا أعلم عَن أحدٍ من الصَّحَابَة فِي زَمَنه «وَقع لَهُ ذَلِك) إلاَّ الأسلع هَذَا، (ولعلنا نتكلم علَىَ شَيْء من حَاله فِي بَاب التَّيَمُّم - إِن شَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الله وقَدَّره) . وَهُوَ وافٍ بِمَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ؛ لِأَن عِبَارَته ظَاهِرَة فِي أَن جَمِيع الصَّحَابَة فعلوا ذَلِك بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالْعقل قَاض باستحالة ذَلِك، لتفرقهم فِي الْبلدَانِ. وَلَعَلَّه كَانَ فِي الأَصْل الَّذِي نَقله الرَّافِعِيّ: أَن بعض الصَّحَابَة تطهَّر بِالْمَاءِ المسخن. . إِلَى آخِره، فَسقط لفظ «بعض» ، إِمَّا من الأَصْل الْمَنْقُول مِنْهُ أَو من أصل الرَّافِعِيّ. نعم، قد رُوِيَ (التطهر) بِالْمَاءِ المسخن من فعل جمع من الصَّحَابَة: أحدهم: عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم، (عَن أسلم) مولَى عمر بن الْخطاب: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يُسَخَّن لَهُ (مَاء) فِي قُمْقُمَةٍ، فيغتسل بِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. قلت: فِيهِ وَقْفَة، فَفِي إِسْنَاده عَلّي بن غراب، وَهِشَام بن سعد، وَقد ضُعِّفَا، فَلَعَلَّ الدَّارَقُطْنِيّ (اخْتَار تعديلهما. أما) عَلّي بن غراب: فَقَالَ أَحْمد: كَانَ يدلِّس، وَلَا أرَاهُ إلاَّ صَدوقًا. وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تركُوا حَدِيثه. وَقَالَ الْجوزجَاني: سَاقِط. وَقَالَ ابْن حبَان: حَدَّث بالأشياء الْمَوْضُوعَة، فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ، وَكَانَ غاليًا فِي التَّشَيُّع، وإنْ أخرج لَهُ مُسلم. وَقَالَ أَحْمد: كَانَ يدلِّس، وَمَا أرَاهُ إلاَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 صَدوقًا. قلت: قد عنعن فِي (هَذَا) الْأَثر. وَأما هِشَام بن سعد: فَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ (هُوَ بمحكم) الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَمرَّة: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَمرَّة: ضَعِيف. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : ضَعِيف. وَله إِسْنَاد آخر صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» عَن عبد الْعَزِيز (الدَّرَاورْدِي) ، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: أنَّ عمر كَانَت لَهُ قمقمة يسخن فِيهَا المَاء. وَرَوَاهُ - أَيْضا -[عبد الرَّزَّاق] عَن معمر، عَن زيد بن أسلم، عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أَبِيه: أَن عمر كَانَ يغْتَسل بِالْمَاءِ الْحَمِيم. وَهَذَا إِسْنَاد كَالَّذي قبله. (ثمَّ رَوَاهُ عَن: وَكِيع، عَن هِشَام بن سعد عَن زيد بِهِ) . وَأخرجه أَبُو عبيد فِي كتاب «الطّهُور» بالإِسناد الأول، فَقَالَ: نَا ابْن أبي مَرْيَم، و [نعيم] بن حَمَّاد، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يغْتَسل، وَيتَوَضَّأ بالحميم. الثَّانِي: عَن ابْنه عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. رَوَاهُ عَنهُ: ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، عَن إِسْمَاعِيل بن عُلَيَّة، عَن أَيُّوب، قَالَ: سَأَلت نَافِعًا عَن المَاء المسخَّن، فَقَالَ: كَانَ ابْن عمر يتَوَضَّأ بالحميم. (وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» ، عَن معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع: أَن ابْن عمر كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ الْحَمِيم) . وَهَذَا الإِسناد، وَالَّذِي قبله: رجالهما رجال الصَّحِيحَيْنِ. وَأخرجه أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» بالإِسناد الأول سَوَاء. الثَّالِث: عبد الله بن عَبَّاس. رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، عَن مُحَمَّد بن بشر، نَا مُحَمَّد بن (عَمْرو) ، نَا أَبُو سَلمَة، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: إنَّا نَدَّهِن بالدهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَقد طُبخ عَلَى النَّار، ونتوضأ بالحميم وَقد أُغلي عَلَى النَّار. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَفِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» بِإِسْنَاد صَحِيح (عَنهُ) : «لَا (بَأْس) أَن يُغتسل بالحميم، وَيتَوَضَّأ مِنْهُ» . الرَّابِع: سَلمَة بن الْأَكْوَع. رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، عَن حَمَّاد بن مسْعدَة، عَن يزِيد: أَن سَلمَة كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ المَاء، فيتوضأُ بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» بِإِسْنَادِهِ، وَزَاد فِي آخِره: فِي الْبرد. وَذكر الإِمام الرَّافِعِيّ فِيهِ (من الْآثَار: أثر عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَنه كره) المَاء المشمس، وَقَالَ: إنَّه يُورث البَرَص. وَهَذَا الْأَثر رُوِيَ من طَرِيقين: أَحدهمَا: من رِوَايَة جَابر عَنهُ، كَذَلِك رَوَاهُ (الإِمام) الشَّافِعِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 «الْأُم» ، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن صَدَقَة بن عبد الله، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَنهُ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» ، و «الْمعرفَة» ، عَن الشَّافِعِي بالسند الْمَذْكُور. وَهَذِه الطَّرِيقَة معلولة من وَجْهَيْن: الأول: الطعْن فِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، وَهُوَ: [ابْن أبي] يَحْيَى، سمْعَان الْأَسْلَمِيّ، (الْمدنِي) ، (لم يُخرج لَهُ غير [ابْن مَاجَه] حَدِيث وَاحِد وَهُوَ: «من مَاتَ مَرِيضا مَاتَ شَهِيدا» ) . قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد، حَافظ مصر، فِي كِتَابه «إِيضَاح الإِشكال» - وَهُوَ مُفِيد -: هُوَ عبد [الْوَهَّاب] الْمقري، الَّذِي (يروي عَنهُ) مَرْوَان بن مُعَاوِيَة، وَهُوَ أَبُو الذِّئْب الَّذِي يحدث (عَنهُ) ابْن جريج. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» : كَانُوا يبهرجونه؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَة، وَكَانَ الْوَاقِدِيّ يَقُول: أَبُو إِسْحَاق بن مُحَمَّد، وَرُبمَا قَالَ: إِسْحَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 بن إِدْرِيس. و (كَانَ) ابْن جريج يَقُول نَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي عَطاء. وَكَانَ يَحْيَى بن آدم يَقُول: نَا إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى [الْمدنِي] . أه. وَقد أَكثر أهل الحَدِيث القَوْل فِيهِ من جِهَة الْقدر وَغَيره، حَكَى ابْن أبي حَاتِم جرحه وتوهينه عَن: مَالك، ووكيع، وَابْن الْمُبَارك، وَابْن عُيَيْنَة، وَالْقطَّان، وَابْن الْمَدِينِيّ، وَأحمد، وَيَحْيَى بن معِين، وَأبي حَاتِم، وَأبي زرْعَة، وَغَيرهم. قَالَ يَحْيَى بن سعيد: سَأَلت مَالِكًا عَنهُ: أَكَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث؟ قَالَ: لَا، وَلَا فِي دينه. وَسَيَأْتِي أَنه حط عَلَى مَالك أَيْضا. وَقَالَ (الْقطَّان) : كَذَّاب. وَقَالَ أَحْمد: تركُوا أَحَادِيثه، (قدري) معتزلي، يروي أَحَادِيث مُنكرَة، لَيْسَ لَهَا أصل، وَيَأْخُذ أَحَادِيث النَّاس يَضَعهَا فِي كتبه. (وَقَالَ وَكِيع: لَا تكْتبُوا عَنهُ حرفا) . وَقَالَ أَحْمد (مرّة) : (قدريّ) ، جهمي، كل بلَاء فِيهِ، ترك النَّاس حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَركه ابْن الْمُبَارك وَالنَّاس. وَقَالَ مرّة: كَانَ يرَى الْقدر، وَكَانَ جهميًّا. وَقَالَ ابْن معِين: كَذَّاب، رَافِضِي، مَتْرُوك. وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 شيبَة: سَمِعت [عليا] يَقُول: هُوَ كَذَّاب، وَكَانَ يَقُول بِالْقدرِ، (وَأَخُوهُ أنيس) ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الكذابون المعروفون بِوَضْع الحَدِيث عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْبَعَة: إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى بِالْمَدِينَةِ، والواقدي بِبَغْدَاد، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان بخراسان، وَمُحَمّد بن سعيد بِالشَّام، (يعرف بالمصلوب) . وَقَالَ (النَّسَائِيّ) مرّة: مَتْرُوك. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيره. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد - عَلَى مَا أسْندهُ الْعقيلِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» -: كنَّا نُسَمِّيه - وَنحن نطلب الحَدِيث -: خرافة. وَقَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت يزِيد بن هَارُون يكذبهُ. وَقَالَ بشر بن (الْمفضل) : سَأَلت فُقَهَاء الْمَدِينَة عَنهُ، فكلهم قَالُوا: هُوَ كذَّاب. وَقَالَ أَبُو همَّام (السكونِي) : سَمِعت إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى يشْتم بعض السّلف. وحطَّ عَلَى مَالك الإِمام، فَحَدَّث شخصا غَرِيبا بِثَلَاثِينَ حَدِيثا، وَقَالَ: قد حدَّثتك ثَلَاثِينَ حَدِيثا، وَلَو ذهبت إِلَى ذَلِك الْحمار، فحدَّثك (بِثَلَاثَة) أَحَادِيث لفرحت بهَا؛ يَعْنِي: مَالِكًا. وَقَالَ الْعجلِيّ: كَانَ قدريًا، معتزليًا، رَافِضِيًّا، كَانَت فِيهِ كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 بِدعَة، وَكَانَ من أحفظ النَّاس، وَكَانَ قد سمع علما كثيرا، وقرابته كلهم ثِقَات، وَهُوَ غير ثِقَة. وَفِي «كتاب (الْآجُرِيّ) » عَن أبي دَاوُد: كَانَ قدريًا رَافِضِيًّا، شتَّامًا، مَأْبُونًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب نزُول الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم: إِبْرَاهِيم هَذَا مُخْتَلف فِي ثقته، ضعَّفه أَكثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وطعنوا فِيهِ، قَالَ: وَكَانَ الشَّافِعِي (يُبْعده) عَن الْكَذِب، قَالَ: وَقَالَ الرّبيع: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: كَانَ إِبْرَاهِيم بن (أبي) يَحْيَى قَدَرِيًّا. قَالَ يَحْيَى بن زَكَرِيَّا: قلت للربيع: فَمَا حمل الشَّافِعِي عَلَى أَن رَوَى عَنهُ؟ قَالَ: كَانَ يَقُول: (لِأَن) (يخر إِبْرَاهِيم) من بُعْد، أحبّ إِلَيْهِ من أَن يكذب، وَكَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث. وَفِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» فِي الْحَج: أنَّ الشَّافِعِي قَالَ فِيهِ: أنَّه أَحْفَظ من عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي. الْمُتَّفق عَلَى إِخْرَاج حَدِيثه فِي الصَّحِيح. قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي الْحَافِظ: سَأَلت أَحْمد (بن مُحَمَّد) بن سعيد - يَعْنِي ابْن عقدَة - فَقلت: تعلمُ أحدا أحسن القَوْل فِي إِبْرَاهِيم بن (أبي) يَحْيَى، شيخ الشَّافِعِي، غَيره؟ فَقَالَ: نعم، ثَنَا أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 بن يَحْيَى (الأودي) ، قَالَ: سَأَلت (حمدَان) بن الْأَصْبَهَانِيّ - يَعْنِي مُحَمَّدًا - قلت: [أتدينُ بِحَدِيث إِبْرَاهِيم] بن أبي يَحْيَى؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ ابْن عدي: قَالَ لي أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد: نظرت فِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، فَلَيْسَ هُوَ بمنكر الحَدِيث. قَالَ ابْن عدي: وَقد نظرت (أَنا) فِي (حَدِيثه) - أَيْضا - الْكثير، فَلم أجدْ فِيهِ مُنْكرا، وإنَّما الْمُنكر إِذا [كَانَت الْعهْدَة] من قبل الرَّاوِي عَنهُ، (أَو من قبل) من يروي إِبْرَاهِيم عَنهُ، وَله أَحَادِيث كَثِيرَة، وَله كتاب أَضْعَاف موطأ مَالك. (قَالَ) : وَقد رَوَى عَنهُ: ابْن جريج، و [الثَّوْريّ] ، وعَبَّاد بن مَنْصُور، و (منْدَل) ، وَيَحْيَى بن أَيُّوب؛ وَهَؤُلَاء أقدم موتا مِنْهُ، وأكبر سنا، وَهُوَ فِي (جملَة) من يكْتب حَدِيثه، وَقد وثَّقَه الشَّافِعِي، وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وَقَالَ الرّبيع: كَانَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ: (ثَنَا) من لَا أتهم. (بِهِ) يُرِيد إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى. وَقَالَ (السَّاجِي) : الشَّافِعِي لم يخرجْ عَن إِبْرَاهِيم حَدِيثا فِي فرض، إنَّما جعله شَاهدا فِي فَضَائِل الْأَعْمَال، وَظن بِهِ الشَّافِعِي مَا ظن بِهِ ابْن جريج. قلت: وَفِيه نظر. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يرَى الْقدر، وَيذْهب إِلَى كَلَام جهم، ويكذب مَعَ ذَلِك فِي الحَدِيث، قَالَ: وَأما الشَّافِعِي: فإنَّه كَانَ يُجَالس إِبْرَاهِيم فِي حداثته، ويحفظ عَنهُ حفظ الصَّبِي، وَالْحِفْظ فِي الصغر كالنقش فِي الْحجر، فَلَمَّا دخل مصر فِي آخر عمره، وَأخذ يُصَنِّف الْكتب المبسوطة احْتَاجَ إِلَى الْأَخْبَار، وَلم يكن مَعَه كتبه، فَأكْثر مَا أودع الْكتب من حفظه، وَرُبمَا كَنَّى عَنهُ، وَلَا يُسَمِّيه فِي كتبه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان (فِي «علله» : قد) كَانَ من النَّاس من أحسن الرَّأْي فِيهِ، مِنْهُم: الشَّافِعِي، وَابْن جريج. قلت: فَتَلَخَّص أَن خَمْسَة وَثَّقُوه، وهم: الشَّافِعِي، (وَابْن جريج) ، وحمدان بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ، وَأحمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن عقدَة الْحَافِظ، وَابْن عدي، وَأَن الجمَّ الْغَفِير ضَعَّفُوهُ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 خَفَاء أَن الْجرْح مقدم، (لَا جرم) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء» : هُوَ مَتْرُوك عِنْد الْجُمْهُور. وَقَول ابْن الصّلاح فِي «مشكله» فِي صفة الصَّلَاة: وَابْن أبي يَحْيَى، وإنْ كَانَ ثِقَة عِنْد الشَّافِعِي، فَهُوَ مَجْرُوح عِنْد سَائِر أهل الحَدِيث. غَرِيب مِنْهُ مَعَ جلالته، وَكَأَنَّهُ تبع أَبَا الْعَرَب، فإنَّه قَالَ فِي «ضُعَفَائِهِ» : حَدَّثَنَي عِيسَى بن حَكِيم، عَن مُحَمَّد بن (سَحْنُون) ، أَنه قَالَ: (إِنَّه) لَا يحْتَج (بحَديثه) عِنْد (الْأمة) جَمِيعهَا، لَا أعلم (بَين) الْأَئِمَّة اخْتِلَافا فِي إبِْطَال الْحجَّة بحَديثه. وَقَالَ الخليلي فِي كتاب «الإِرشاد» : لَا يروي عَنهُ من (يُزَكِّيه) إلاَّ الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ يَقُول: (ثَنَا) الثِّقَة (فِي حَدِيثه) ، الْمُتَّهم فِي دينه، وَقد رَوَى عَنهُ ابْن جريج مَعَ جلالته. الثَّانِي: الطعْن فِي صَدَقَة بن عبد الله، شيخ إِبْرَاهِيم، وَهُوَ أخف حَالا من تِلْمِيذه، وَهُوَ: (أَبُو) مُعَاوِيَة، السمين، الْقرشِي، الدِّمَشْقِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وثَّقَه (دُحَيْم) ، وَقَالَ أَحْمد: (ضَعِيف) جدا، لَيْسَ بِشَيْء، أَحَادِيثه مَنَاكِير، لَيْسَ يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا. وَقَالَ يَحْيَى، و (النَّسَائِيّ) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ (البُخَارِيّ) : ضَعِيف جدا. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات. فَتَلَخَّص: أنَّ هَذَا الْأَثر ضَعِيف، للعلتين المذكورتين. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : هَذَا الْأَثر حسنٌ. وَفِي ذَلِك مَا لَا يخْفَى. الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة حسَّان بن أَزْهَر، عَنهُ، (أَنه) قَالَ: لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ المشمس، فإنَّه يُورث البرص. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي سهل بن زِيَاد، ثَنَا إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، ثَنَا دَاوُد بن رشيد، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، قَالَ: حَدَّثَنَي صَفْوَان بن (عَمْرو) ، عَن حسَّان بِهِ. وَهَذَا إسنادٌ جيدٌ، وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: فِيهِ مقَال، تَقَدَّم فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ» . وَقد قَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: إِذا رَوَى عَن أهل حمص يكون حَدِيثه صَحِيحا. وَصَفوَان بن (عَمْرو) هَذَا: حمصي، لَا جرم، قَالَ الْحَافِظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 محب الدَّين الطَّبَرِيّ (فِي «شَرحه» ) : إنَّ إِسْنَاده صَحِيح. قلت: وَلم ينْفَرد إِسْمَاعِيل بِهِ، بل تُوبع عَلَيْهِ، قَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، فِي تَرْجَمَة حسان بن أَزْهَر هَذَا: (ثَنَا) مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد، (ثَنَا) عبد الْأَعْلَى بن سَالم الكتاني، ثَنَا [أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس] بن الْحجَّاج، ثَنَا صَفْوَان بن عَمْرو، ثَنَا حسان بن أَزْهَر، عَن عمر بن الْخطاب، قَالَ: لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ المشمس، فإنَّه ينْزع إِلَى البَرَص. خَاتِمَة ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا، فِي الْكَلَام عَلَى مَا إِذا تَغَيَّر المَاء بِالتُّرَابِ: أنَّ الشَّرْع أَمر بالتعفير (من) ولوغ الْكَلْب. وَهُوَ كَمَا قَالَ، و (ستعلمه) فِي أثْنَاء الْبَاب (الْآتِي) - إِن شَاءَ الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَاب بَيَان النَّجَاسَات (وَالْمَاء النَّجس) ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرْبَعَة وَعشْرين حَدِيثا الأول الْخَبَر الْمَشْهُور: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ دُعِي إِلَى دارٍ فَأجَاب، ودعي إِلَى دَار أُخرى فَلم يجب، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: «إنَّ فِي دَار فلَان كَلْبا» . فَقيل: وَفِي دَار فلَان هرَّة، فَقَالَ: «الهرَّة لَيست بِنَجِسة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْتِي دَار قوم من الْأَنْصَار، ودونهم دَار لَا يَأْتِيهَا، فشقَّ ذَلِك عَلَيْهِم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! تَأتي دَار فلَان، وَلَا تَأتي دَارنَا؟ ! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إنَّ فِي (داركم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 كَلْبا» قَالُوا: فإنَّ فِي دَارهم سنورًا. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «السنور سبع» . هَذَا لَفظهمْ، وَإِسْنَاده صَحِيح، كل رِجَاله ثِقَات، إلاَّ عِيسَى بن الْمسيب، فَفِيهِ مقَال. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ فِي «الإِمام» ، وَالْمُنْذِرِي فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : إِن إِسْنَاده صَحِيح إِلَيْهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَعِيسَى بن الْمسيب تفرد بِهِ عَن أبي زرْعَة، قَالَ: وَهُوَ صَدُوق وَلم يجرح قطّ. كَذَا قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَهَذَا من أعجب الْعجب، فقد تكلم جماعات. قَالَ يَحْيَى بن معِين، و (النَّسَائِيّ) : ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعِيف. وَقَالَ الرازيان: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَخْبَار وَلَا يعلم، ويخطئ وَلَا يفهم، حتَّى خرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابِعه عَلَى هَذَا الحَدِيث إِلَّا مَن هُوَ مثله، أَو دونه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لم يرفعهُ أَبُو نعيم، وَهُوَ أصح، وَعِيسَى لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ اخْتِلَاف فِيهِ، فَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الضُّعَفَاء» عَنهُ أَنه قَالَ: هُوَ ضَعِيف. وَنقل الْبَيْهَقِيّ، وَالْمُنْذِرِي، وَصَاحب «الإِمام» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 عَنهُ أَنه قَالَ: صَالح الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَأَيْته فِي «سنَنه» عقب هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالْمُنْذِرِي: قَالَ ابْن عدي: عِيسَى بن الْمسيب صَالح فِيمَا يرويهِ. وضَعَّفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْعِلَل المتناهية فِي الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة» بِسَبَبِهِ، وَقَالَ: إنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» : أشكل مَعْنَى هَذَا الحَدِيث - إنْ صحّ - وَقَالَ بَعضهم: سقط مِنْهُ، وَتَمَامه: «الْهِرَّة لَيست بِسبع» . قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَلَيْسَ (كَذَلِك) ، بل هِيَ سبع، والْحَدِيث تَامّ، وَالْمعْنَى فِيهِ: أَن الْهِرَّة سبع ذَات نَاب، ينْتَفع بهَا، وَالْكَلب لَا مَنْفَعَة فِيهِ. وَمن الْعَجَائِب: أَن الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَّضَ لهَذَا الحَدِيث بَيَاضًا فِي «شرح الْمُهَذّب» وَلم يعزه لأحد، وَهُوَ مَوْجُود فِي الْكتب الْمَذْكُورَة، وَتَابعه الشَّيْخ نجم الدَّين ابْن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» ، وَزَاد - لأجل أَنه لم يعزه -: إِنَّه غير مَشْهُور. وَاعْلَم: أَن الإِمام الرَّافِعِيّ لم يُورد هَذَا الحَدِيث كَمَا سردته لَك، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَيَوَانَات طَاهِرَة، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا ثَلَاثَة، أَحدهَا: الْكَلْب، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الحَدِيث الْمَشْهُور: «إِنَّهَا لَيست بنجسة» . قَالَ: وَوجه الِاسْتِدْلَال مَشْهُور. فأفصحت لَك بِهِ، وَإِيَّاك أَن تَقول: مُرَاده حَدِيث أبي قَتَادَة الْآتِي، فَإِن الْكَلْب لَيْسَ لَهُ ذكر فِيهِ، (فَافْهَم ذَلِك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وإنْ كَانَ ذَلِك وَقع فِي كتب أهل الْأُصُول فِي كَلَامهم عَلَى الْأَسْمَاء. الحَدِيث الثَّانِي أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أُحِلَّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَان: السمكُ والجرادُ، والكبدُ وَالطحَال» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي، وَأحمد فِي «مسنديهما» ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» . من رِوَايَة: عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الله بن عمر، أَنه قَالَ: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ ... » الْخَبَر. قَالَا: وَهُوَ الْأَصَح. يَعْنِي: أَن الْقَائِل: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ» ، هُوَ ابْن عمر؛ لِأَن الرِّوَايَة الأولَى - وَهِي رِوَايَة الْمَرْفُوع - ضَعِيفَة جدًّا، لأجل عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، فإنَّه ضَعِيف بِاتِّفَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الْحفاظ، ضعفه الإِمام أَحْمد، وَعلي بن الْمَدِينِيّ، حتَّى قَالَ: لَيْسَ فِي ولد زيد بن أسلم ثِقَة. وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ و (النَّسَائِيّ) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: بَنو زيد بن أسلم لَيْسُوا بِشَيْء. وَقَالَ الشَّافِعِي: سَأَلَ رجل عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم: حَدَّثك أَبوك عَن أَبِيه: أنَّ سفينة نوح طافت بِالْبَيْتِ، وَصَلى خلف الْمقَام؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ الشَّافِعِي: ذُكِرَ لمَالِك حَدِيث، فَقَالَ: من حَدَّثك؟ فَذكر لَهُ إِسْنَادًا مُنْقَطِعًا، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، يحدِّثك عَن أَبِيه، عَن نوح - عَلَيْهِ السَّلَام - وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَخْبَار وَهُوَ لَا يعلم، حتَّى كَثُر ذَلِك فِي رِوَايَته، من رفع الْمَرَاسِيل، وَإسْنَاد الْمَوْقُوف، فَاسْتحقَّ التّرْك. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: ضَعَّفه الْجُمْهُور. قلت: وَأخرج الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» حَدِيثا فِي مَنَاقِب سيدنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَفِيه عبد الرَّحْمَن هَذَا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد، وَفِي ذَلِك نظر، لما عَلمته من أَقْوَالهم فِيهِ. قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» : قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: رَوَى حَدِيثا مُنْكرا: أُحِلَّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ. يَعْنِي الإِمام أَحْمد: الرِّوَايَة الأولَى، وَأما الثَّانِيَة: فَهِيَ أصحّ مِنْهَا، كَمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَأَبُو زرْعَة الرَّازِيّ، فإنَّ ابْن أبي حَاتِم نقل فِي «علله» أَنه قَالَ: الْمَوْقُوف أصح. كَمَا قَالَاه. (مَعَ) أَن ابْن عدي فِي «كَامِله» قَالَ: رَوَاهُ يَحْيَى بن حَسَّان، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال مَرْفُوعا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رفع هَذَا الحَدِيث أولادُ زيد عَن أَبِيهِم، وهم: عبد الله، وَأُسَامَة، وَعبد الرَّحْمَن بَنو زيد بن أسلم، عَن أَبِيهِم، عَن ابْن عمر، قَالَ: وَأَوْلَاد زيد كلهم ضعفاء، جرحهم يَحْيَى بن معِين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَعلي بن الْمَدِينِيّ يوثقان عبد الله بن زيد، إلاَّ أَن الصَّحِيح من هَذَا الحَدِيث هُوَ الأول، يَعْنِي: الْمَوْقُوف الَّذِي قدمه. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، غير أَنه متماسك. قَالَ: وَأَوْلَاد زيد، وإنْ كَانُوا قد ضُعِّفوا ثَلَاثَتهمْ، فعبد الله مِنْهُم: قد وثَّقه أَحْمد، وَعلي بن الْمَدِينِيّ. قَالَ: وَفِي اجْتِمَاعهم عَلَى رَفعه مَا يقويه تَقْوِيَة صَالِحَة. قلت: وجنح الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» إِلَى تَصْحِيح الرِّوَايَة المرفوعة من طَرِيق عبد الله بن زيد، فإنَّه قَالَ - عقب قَول الْبَيْهَقِيّ: إِن أَحْمد بن حَنْبَل (و) عَلّي بن الْمَدِينِيّ كَانَا يوثِّقان عبد الله بن زيد، إِلَى آخِره -: إِذا كَانَ عبد الله عَلَى مَا قَالَاه، فَيدْخل حَدِيثه فِيمَا رَفعه الثِّقَة، وَوَقفه غَيره، (قَالَ) وَقد عُرِف مَا فِيهِ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء. يَعْنِي: والأصحّ تَقْدِيم مَا رَوَاهُ (الرافع) ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة، وَهِي من الثِّقَة مَقْبُولَة. (قَالَ) : لاسيما وَقد تَابعه عَلَى ذَلِك أَخَوَاهُ. أَي: فَلَا يُسَلَّم أَن الصَّحِيح الأول كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ، (فَتكون هَذِه الطَّرِيقَة حَسَنَة، مَعَ أَن الرِّوَايَة الْأُخْرَى يحسن الِاسْتِدْلَال بهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ) : هِيَ فِي مَعْنَى الْمسند. قلت: (لِأَن) قَول الصَّحَابِيّ: «أمرنَا بِكَذَا» ، «ونهينا عَن كَذَا» ، «وأحلَّ كَذَا» ، «وحُرِّم كَذَا» : مَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عَلَى الْمُخْتَار) عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 جُمْهُور الْفُقَهَاء، والأصوليين، والمحدثين. لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح، وَالشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ قَالَا: يحصل الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الرِّوَايَة؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَرْفُوع. وَلِهَذَا الحَدِيث طَريقَة (ضَعِيفَة) جدًّا، غَرِيبَة، لَا بَأْس بالتنبيه عَلَيْهَا، وَهِي: عَن الْمسور بن الصَّلْت، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، مَرْفُوعا كَمَا تقدم. قَالَ الدارقطني: لَا يصحّ؛ لِأَن الْمسور كَانَ ضَعِيفا. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد (كَذًَّبه) أَحْمد. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات الموضوعات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. الحَدِيث الثَّالِث أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا وَقع الذُّبَابُ فِي إناءِ أحدِكم، فامْقُلُوهُ، فَإِن فِي أَحَدِ جَنَاحَيْه شِفَاء، وَفِي الآخرِ دَاء، وإنَّه يُقَدِّم الدَّاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، يُروى من طَرِيقين: أَحدهمَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (رَوَاهُ) : البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَنهُ مَرْفُوعا، وَهَذَا لَفظه: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 فليغمسه كُله، ثمَّ لينزعه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر شِفَاء» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، فِي «صَحِيحهمَا» عَنهُ مَرْفُوعا أَيْضا، بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغمسه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء وَفِي الآخر شِفَاء، وإنَّه يَتَّقِي (بجناحه) الَّذِي فِيهِ الدَّاء، فليغمسه كُله، ثمَّ يَنْزعهُ» . وَهَذِه الرِّوَايَة مُوَافقَة لما أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شرابكم، فليغمسه فِيهِ، ثمَّ ليطرحه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر شِفَاء» . وَأخرجه الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبيد بن حنين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، بِلَفْظ البُخَارِيّ إلاَّ أَنه قَالَ: «سقط» بدل «وَقع» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث (حَمَّاد بن سَلمَة، عَن) ثُمامة بن عبد الله بن أنس، عَن أبي هُرَيْرَة (مَرْفُوعا) بِلَفْظ البُخَارِيّ، إلاَّ أَنه لم يقل: «ثمَّ لينزعه» ثمَّ قَالَ الدَّارمِيّ: قَالَ [غير] حَمَّاد: عَن ثُمَامَة، عَن أنس، مَكَان أبي هُرَيْرَة، وَقوم يَقُولُونَ: عَن الْقَعْقَاع، عَن أبي هُرَيْرَة، وَحَدِيث عبيد بن حنين أصح. وَأخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليمقله، فَإِن فِي أحد جناحيه دَوَاء، وَفِي الآخر دَاء، أَو قَالَ: سم» . الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، بِلَفْظ: «فِي أحد جناحي الذُّبَاب سُمٌّ، وَفِي الآخر شِفَاء، فَإِذا وَقع فِي الطَّعَام، فامقلوه فِيهِ، فإنَّه يقدم السم، وَيُؤَخر الشِّفَاء» وكل رِجَاله مخرج لَهُم فِي الصَّحِيح، خلا سعيد بن خَالِد القارظي الْمدنِي، فإنَّ النَّسَائِيّ ضَعَّفه، مَعَ أَنه أخرج لَهُ هَذَا الحَدِيث فِي «سنَنه» ، بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليمقله» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يحْتَج بِهِ. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» لَا جرم أخرجه فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فامقلوه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر دَوَاء» وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِهِ سَوَاء، وَزَاد: «وَإنَّهُ يُؤَخر الدَّوَاء، وَيقدم السم» وَكَذَا أَحْمد، إلاَّ أنَّ لَفظه «وَيُؤَخر الشِّفَاء» . مَعْنَى «امقلوه» : اغمسوه، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. وَله طَرِيق ثَالِث ضَعِيفَة، لَا بَأْس بالتنبيه عَلَيْهَا، وَهِي عَن ثُمَامَة، (عَن) أنس مَرْفُوعا: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغمسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 (فِيهِ) ، فإنَّ فِي أحد جناحيه (دَاء) ، وَفِي الآخر شِفَاء» . ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» وَقَالَ: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة (عَنهُ) ، فَقَالَا: هَذَا خطأ، وَالصَّحِيح: حَدِيث ثُمَامَة عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: سَأَلت أبي عَنهُ - أَي عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة قيس بن خَالِد عَنهُ - فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الإِسناد. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رَوَاهُ ثُمَامَة، عَن أنس مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ ثُمَامَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَقَالَ: الْقَوْلَانِ محتملان. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر (مِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة) هُوَ الصَّوَاب. الحَدِيث الرَّابِع عَن سلمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا سلمَان كل طَعَام وشراب، وَقعت فِيهِ (دابةٌ) لَيْسَ لَهَا دم، فَمَاتَتْ، فَهُوَ حلالٌ أَكْلهُ وشربهُ ووضوؤه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي «سُنَنهمَا» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 من رِوَايَة بَقِيَّة (بن الْوَلِيد) ، أبي يُحمد - بِضَم الْيَاء، وَأَصْحَاب الحَدِيث فتحوها، كَمَا قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ - عَن سعيد بن أبي سعيد، (الزبيدِيّ، عَن بشر بن مَنْصُور، عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن سعيد) بن الْمسيب، عَن سلمَان بِهِ. وَهُوَ مَعْلُول من أوجه: أَولهَا: أَن بَقِيَّة ضَعِيف من وَجْهَيْن، أَحدهمَا: التَّدْلِيس. وَالثَّانِي: الضعْف مُطلقًا. قَالَ الإِمام أَحْمد: إِذا (حَدَّث) عَن قوم لَيْسُوا بمعروفين فَلَا. (أَي) : لَا يقبل. وَقَالَ أَبُو مسْهر: أَحَادِيث بَقِيَّة غير نَقِيَّة، فَكُن مِنْهَا عَلَى تَقِيَّة. وَقَالَ ابْن حبَان: سمع من شُعْبَة وَمَالك وَغَيرهمَا أَحَادِيث مُسْتَقِيمَة، ثمَّ سمع من أَقوام كَذَّابين عَن شُعْبَة، وَمَالك، فروَى عَن الثِّقَات بالتدليس مَا سمع من الضُّعَفَاء، وَكَانَ أَصْحَابه يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي حَدِيثه، فَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: إِذا قَالَ نَا، وأنبأنا فَهُوَ ثِقَة. وَكَذَا قَالَ ابْن معِين، والرازيان: إِذا حدث عَن ثِقَة. وَأخرج لَهُ مُسلم مستشهدًا بِهِ فِي حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ حَدِيثه عَن الزبيدِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «من دُعِي إِلَى (عرس) وَنَحْوه فليجب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 (قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» ) : لَيْسَ لبَقيَّة فِي الصَّحِيح سواهُ. و (قيل) أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة، وَقيل: أصلا، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الْأَدَب، (خَارج الصَّحِيح) ، وَاسْتشْهدَ بِهِ فِي «الصَّحِيح» فِي بَاب: من [أخفَّ] الصَّلَاة عِنْد بكاء الصَّبِي. قَالَ ابْن دحْيَة فِي (كتاب «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» ) : الْعجب مِنْهُ كَيفَ أخرج لبَقيَّة فِي «صَحِيحه» وَهُوَ يُدَلس أقبح التَّدْلِيس، وَكَانَ يُسَوِّي ويحذف اسْم الضَّعِيف، وَقد كَانَ لَهُ رُوَاة يَفْعَلُونَ ذَلِك. (قَالَ) : وَقد كَانَ أَخَذَ عَلَى مُسلم فِي ذَلِك الحافظُ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ، (قَالَ) : مَعَ أَنه إنَّما خَرَّج (عَنهُ) من طَرِيق الشاميين، وَرِوَايَته عَنْهُم صَالِحَة عِنْد بَعضهم. (قَالَ ابْن عدي فِي «كَامِله» : إِذا رَوَى بَقِيَّة عَن أهل الشَّام فَهُوَ ثَبت، وَقَالَ ابْن طَاهِر: حكم الْحَافِظ بِأَن بَقِيَّة إِذا رَوَى عَن غير الشاميين لَا يعْتد بروايته) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : مَا يرويهِ بَقِيَّة عَن الضُّعَفَاء والمجهولين لَيْسَ بمقبول مِنْهُ، كَيفَ وَقد أَجمعُوا عَلَى أَن بَقِيَّة لَيْسَ بِحجَّة. هَذَا لَفظه برمتِهِ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: بَقِيَّة يدلِّس عَن الضُّعَفَاء، ويستبيح ذَلِك، (وَهُوَ) - إنْ صحَّ - مُفسد لعدالته. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : نعم وَالله، صحَّ هَذَا عَنهُ. وَقَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : بَقِيَّة ثِقَة، إلاَّ (أَنه) يكْتب ويروي عَن كل أحد. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : بَقِيَّة ثِقَة فِي نَفسه، لكنه يدلِّس (عَن) الْكَذَّابين. الْوَجْه الثَّانِي: أَن سعيد بن أبي سعيد الزبيدِيّ: مَجْهُول، كَمَا قَالَه أَبُو أَحْمد الْحَاكِم، وَكَذَلِكَ ابْن عدي، وَنَقله ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ فِي كِتَابيه: «الضُّعَفَاء» ، و «التَّحْقِيق» ، وأقرَّه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. (وَلَا تنَافِي بَينه وَبَين الأول، لِأَن الْمَجْهُول ضَعِيف أَيْضا) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي هَذَا الْبَاب: قَالَ ابْن عدي: الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 الزبيدِيّ عامتها لَيست بمحفوظة. وَقَالَ فِيهَا، فِي بَاب الصَّائِم يكتحل: سعيد الزبيدِيّ من مَجَاهِيل شُيُوخ بَقِيَّة، ينْفَرد بِمَا لَا يُتابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : لَا يُعرف، وَأَحَادِيثه سَاقِطَة. وَقَالَ فِي «الضُّعَفَاء» : قَالَ ابْن عدي: هُوَ مَجْهُول. ثمَّ قَالَ: لَا سِيمَا وَقد تفرد عَنهُ بَقِيَّة. وَخَالف الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب (فوثقه) ، فَقَالَ - عَلَى مَا نقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» -: إِن اسْم أبي سعيد: عبد الْجَبَّار، قَالَ: وَكَانَ (سعيد) بن أبي سعيد ثِقَة. قَالَ الشَّيْخ: وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ ضَعِيف. لَا يُريدهُ، وَيُرِيد بَقِيَّة. وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان، فَذكره فِي «ثقاته» ، وَأَنه من أهل الشَّام، وَأَن أهل بَلَده رووا عَنهُ. الْوَجْه الثَّالِث: أَن عَلّي بن زيد بن جدعَان: ضَعَّفه ابْن عُيَيْنَة. وَقَالَ حَمَّاد بن زيد: كَانَ يقلب الْأَحَادِيث. وَذكر شُعْبَة أَنه اخْتَلَط. وَقَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: ضَعِيف فِي كل شَيْء. وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِقَوي. [وَقَالَ ابْن حبَان] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 (يهم) ويخطئ، فَكثر ذَلِك فَاسْتحقَّ التّرْك. وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِثَابِت (الْبنانِيّ) . وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : حسن الحَدِيث (صَاحب غرائب) ، احْتج بِهِ بَعضهم. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء. الْوَجْه الرَّابِع: أَنه لَا يُعلم متابع لبَقيَّة عَلَيْهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يروه غير بَقِيَّة، عَن سعيد بن أبي سعيد الزبيدِيّ. وَلأَجل هَذِه الْعِلَل، قَالَ الْحَافِظ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ. الحَدِيث الْخَامِس أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا أُبِيْنَ من حيٍّ، فَهُوَ مَيِّت» . هَذَا الحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة من قَوَاعِد الْأَحْكَام، وَهُوَ مَرْوِيّ من طُرُق، الَّذِي يحضرنا مِنْهَا أَرْبَعَة: أَولهَا: - وَهِي أقرب إِلَى لفظ الْكتاب - عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (سُئل) عَن جِباب أسنمة الإِبل، وأَلَيَات الْغنم، فَقَالَ: مَا قُطِع من حَيّ، فَهُوَ ميت» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي موضِعين مِنْهُ، وَقَالَ فِي كتاب الذَّبَائِح - وَهُوَ الْموضع الثَّانِي -: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» - وَقد سُئِلَ عَنهُ -: إنَّه رُوِيَ عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد، وَعَن عَطاء بن يسَار مُرْسلا، و (أَن) الْمُرْسل أشبه بِالصَّوَابِ. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي وَاقد، الْحَارِث بن عَوْف - وَقيل عَكسه - اللَّيْثِيّ، (البدري) ، قَالَ: «قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَدِينَة، وهم يجبونَ أسنمة الإِبل، ويقطعون أَلَيَات الْغنم، فَقَالَ: مَا يُقْطَعُ من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميتَة» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَكَذَا الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَلَفظه: أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا قُطِعَ من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت» . وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَلَفظه: «كَانَ [النَّاس] فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الإِسلام يَجُبُّون أسنمة الإِبل، [ويقطعون أليات الْغنم فيأكلونها] ، ويحملون مِنْهَا الودك، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، سَأَلُوهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: «مَا قُطع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وَأخرجه أَيْضا أَحْمد فِي «مُسْنده» وَلَفظه: «قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَدِينَة، وَبهَا نَاس يَعْمِدُونَ إِلَى أَلَيات الْغنم، وَأَسْنِمَة الإِبل، (فيجبونها) ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا قُطع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة فَهُوَ ميتَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث زيد بن أسلم. قَالَ ابْن القطَّان: وإنَّما لم يصحِّحه التِّرْمِذِيّ، لِأَنَّهُ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار، وَهُوَ يُضَعَّف، وإنَّ كَانَ البُخَارِيّ قد أخرج لَهُ. قلت: لَكِن الْحَاكِم رَحِمَهُ اللَّهُ لم يَعْبَأْ بِهَذَا التَّضْعِيف، فَأخْرجهُ فِي «الْمُسْتَدْرك» كَمَا تقدَّم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد. قلت: أَي عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَخَالف أَبُو زرْعَة، فَقَالَ - عَلَى مَا نَقله ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» -: إنَّ هَذَا الحَدِيث وهمٌ، وَأَن الصَّحِيح: حَدِيث زيد بن أسلم عَن ابْن عمر. يَعْنِي الْآتِي إِثْر هَذَا، وَفِي ذَلِك نظر. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا قُطِعَ من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَالْبَزَّار فِي «مُسْنده» وَضَعفه الْحَافِظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 عبد الْحق فِي «أَحْكَامه الْكُبْرَى» فَقَالَ - عَلَى مَا نَقله ابْن القَطَّان فِي «علله» عَنهُ -: فِي إِسْنَاده هِشَام بن سعد، وَهُوَ ضَعِيف. (قلت: قد أخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَلَيْسَ فِي إِسْنَاده هَذَا الرجل، بل فِيهِ: يَعْقُوب بن حميد بن كاسب الْمدنِي، وَقد تكلَّم فِيهِ النَّسَائِيّ والرازي. وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ، فَمرَّة ضَعَّفه، وَمرَّة وثَّقه. وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب التَّفْسِير من «الْمُسْتَدْرك» : مَا تَكَلَّم فِيهِ أحدٌ بِحجَّة. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «أَخْبَار الشهَاب» : [أخرج] عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه. قلت: صَرِيحًا لَا، فَالَّذِي فِيهِ: نَا يَعْقُوب، نَا إِبْرَاهِيم بن سعد. وَالظَّاهِر أَنه هُوَ) . (و) أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» بِدُونِهِ، فَرَوَاهُ من حَدِيث عبد الله بن نَافِع الصَّائِغ، عَن عَاصِم بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر، مَرْفُوعا: «مَا قُطِع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَالَّذِي قُطع من لَحمهَا فَلَا يَأْكُلهُ أحد» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه عَن عَاصِم بن عمر إلاَّ عبد الله بن نَافِع. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : عبد الله بن نَافِع من كبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 أَصْحَاب مَالك، مفتي بِالْمَدِينَةِ، وَيَحْيَى بن الْمُغيرَة، الرَّاوِي عَنهُ: قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: صَدُوق، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَهَذَا الطَّرِيق أَجود من الطَّرِيق الْآتِيَة بعْدهَا. قلت: من غير شكّ فِي ذَلِك، وَلَا مرية، وَقد أخرجهَا ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» ، لَكِن ذكر ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» هَذِه الطَّرِيق، وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنْهَا فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن تَمِيم الدَّارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يكون فِي آخر الزَّمَان قوم، يجبونَ أسنمة الإِبل، ويقطعون أَلَيات الْغنم، فَمَا قُطِع من حَيّ فَهُوَ ميت» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «قيل للنَّبِي (: إِن قوما يجبونَ أسنمة الإِبل، ويقطعون أَذْنَاب الْغنم؟ قَالَ: « (كلُ مَا) قُطِعَ من الحيِّ فَهُوَ ميت» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قَالُوا: يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن نَاسا) يجبونَ أسنمة الإِبل، وأذناب الْغنم وَهِي أَحيَاء، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا قُطع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 (وَفِي إِسْنَاده واهٍ و) مُخْتَلف فِيهِ، أما الأول: فَهُوَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ، واسْمه: سُلْمى - بِالضَّمِّ - قَالَ غنْدر: كَذَّاب. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ عَلّي: ضَعِيف لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَعلي بن الْجُنَيْد: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (مُنكر ومتروك) . وَأما الثَّانِي: فَهُوَ شهر بن حَوْشَب، وَهُوَ من عُلَمَاء التَّابِعين، وَفِيه مقَال، وثَّقه أَحْمد، وَيَحْيَى بن معِين، وَيَعْقُوب بن شيبَة، (وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا هُوَ بِدُونِ أبي الزبير) ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا (بآخر) ، وَأخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيثه عَن أم سَلمَة: أَنه - عَلَيْهِ السَّلَام - جَلَّل الْحسن، وَالْحُسَيْن، و [عليا] ، وَفَاطِمَة بكساء. .» الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرج لَهُ الْحَاكِم فِي كتاب (الْقرَاءَات) من «مُسْتَدْركه» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 حَدِيثا، (وَقَالَ: لم أخرج لَهُ فِي كتابي غَيره) . (وَقَالَ ابْن القَطَّان: لم أسمع (لمضعفيه) حجَّة، وَمَا ذَكرُوهُ إمَّا لَا يَصح، وإمَّا خَارج عَلَى مخرج لَا يضرّهُ، وَأخذ الخريطة: كذبٌ عَلَيْهِ، وتَقَوُّل شَاعِر أَرَادَ عَيبه) . وَقَالَ النَّسَائِيّ، وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات المعضلات، [وَعَن الْأَثْبَات المقلوبات] عَادَلَ عباد بن مَنْصُور فِي الْحَج، فَسرق عيبته، فَهُوَ [الَّذِي يَقُول فِيهِ] الْقَائِل: لَقَدْ بَاعَ شهرٌ دينه بخريطةٍ فَمَنْ يَأْمَن الْقُرَّاء بعْدك يَا شهرُ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَالَّذِي رَأينَا فِي التَّارِيخ: (أَنه) أَخذ تِلْكَ الخريطة من بَيت المَال - وَكَانَ عَاملا عَلَيْهِ - وَذَلِكَ أَمر قريب. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ يَحْيَى بن أبي بكر الكِرماني، عَن أَبِيه: كَانَ شهر بن حَوْشَب عَلَى بَيت المَال، فَأخذ خريطة فِيهَا دَرَاهِم، فَقَالَ الْقَائِل: لقد بَاعَ شهر. . الْبَيْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: قَالَ عَلّي بن مُحَمَّد: قَالَ أَبُو بكر الْبَاهِلِيّ: كَانَ شهر بن حَوْشَب عَلَى خَزَائِن يزِيد بن الْمُهلب، فَرفعُوا عَلَيْهِ أَنه أَخذ خريطة، فَسَأَلَهُ يزِيد عَنْهَا، (فَأَتَى) بهَا، فَدَعَا يزِيد الَّذِي رفع إِلَيْهِ فشتمه، وَقَالَ لشهر: هِيَ لَك. قَالَ: لَا حَاجَة لي فِيهَا. فَقَالَ الْقطَامِي الْكَلْبِيّ - وَيُقَال: سِنَان بن مكبل النميري -: لَقَدْ بَاعَ شهرٌ دينَه بخريطةٍ فَمَنْ يَأْمَن الْقُرَّاء بعْدك يَا شهرُ (أخذت بهَا) شَيْئا طفيفًا وبعته من ابْن جرير إِن هَذَا هُوَ الغدرُ وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» - قبيل الْكَلَام عَلَى غسل الْوَجْه - عَن الْأَكْثَرين توثيقه، وَأَن الْجرْح كَانَ مُسْتَندا إِلَى مَا لَيْسَ بجارح. الحَدِيث السَّادِس «سُئِلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أفضلت الحُمُر؟ قَالَ: نعم، وَبِمَا أفضلت السِبَاعُ كُلُّها» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن أَبِيه، عَن جَابر بن عبد الله، (قَالَ) : «قيل: يَا رَسُول الله، أَنَتَوَضَّأُ ... » الحَدِيث، كَمَا ذكر المُصَنّف. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» عَن سعيد بن سَالم - وَهُوَ القَدَّاح - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 (عَن) (ابْن) أبي حَبِيبَة - أَو ابْن حَبِيبَة - عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن جَابر بِهِ. وَهَذَا الشَّك فِي أَنه (ابْن) أبي حَبِيبَة أَو ابْن حَبِيبَة، شكٌ من الرّبيع، كَمَا رَوَاهُ الْأَصَم، وَالرجل هُوَ: ابْن أبي حَبِيبَة بِلَا شكّ. وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن النَّيْسَابُورِي عَن الرّبيع، فَقَالَ: ابْن (أبي) حَبِيبَة بِلَا شكّ، لَكِن لَفظه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ بِمَا أفضلت السبَاع» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ - بعد أَن أخرجه من طَرِيق الشَّافِعِي الأولَى -: وَفِي غير روايتنا، قَالَ الشَّافِعِي: وأُخْبِرنا عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن دَاوُد بن الْحصين بِمثلِهِ. وَحَاصِل مَا يُعلَّل بِهِ هَذَا الحَدِيث وَجْهَان: أَحدهمَا: الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده، حَيْثُ رُوِيَ عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن جَابر، وَعَن دَاوُد عَن أَبِيه، عَن جَابر كَذَلِك. رَوَاهُ جماعات: الزَّعْفَرَانِي، وَالربيع عَن الشَّافِعِي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن دَاوُد بن الْحصين، وَابْن أبي ذِئْب عَن دَاوُد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : فَيُشبه أَن تكون الرِّوَايَة الأولَى مُرْسلَة، (قَالَ) : وَيدل عَلَيْهِ أَنهم لم يذكرُوا فِي تَعْرِيف دَاوُد بن الْحصين رِوَايَته عَن جَابر، ولاغيره من الصَّحَابَة. (وَذكر هَذَا التَّعْلِيل الإِمام أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» ) ، وَهُوَ تَعْلِيل لَا يقْدَح؛ لِأَن الحَدِيث رُوي من طَرِيقين، إِحْدَاهمَا مَقْطُوعَة، وَالْأُخْرَى مُتَّصِلَة، وَالْحكم للمتصلة. الْوَجْه الثَّانِي: أَن فِي إِسْنَاده جمَاعَة تُكُلِّم فيهم: أَوَّلهمْ: إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، وَالْجُمْهُور عَلَى تَضْعِيفه، كَمَا مر فِي الْبَاب قبله، وصَرَّح ابْن عدي بِأَن الْبلَاء فِي هَذَا الحَدِيث مِنْهُ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَة ابْن أبي يَحْيَى: كَأَنَّهُ أُتِي من قِبَل شَيْخه - يَعْنِي دَاوُد بن الْحصين - (لَا من قبله. فَاخْتلف كَلَامه) . وثانيهم: سعيد بن سَالم القَدَّاح. أدخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب «الضُّعَفَاء» وَقَالَ: إنَّه يُرمى بالإِرجاء. وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد: لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: ثِقَة. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي صَدُوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وثالثهم: إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة الأشْهَلِي الْمدنِي. قَالَ البُخَارِيّ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : ضَعِيف. وَقَالَ أَحْمد: ثِقَة. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين مرّة: صَالح الحَدِيث. وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ صَالح فِي بَاب الرِّوَايَة يكْتب حَدِيثه مَعَ ضعفه. (وَقَالَ) [مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ] : كَانَ مصليًّا عابدًا، صَامَ سِتِّينَ سنة، وَكَانَ قَلِيل الحَدِيث. وأَعَلَّه الإِمام أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ بِوَجْه ثَالِث، فَقَالَ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» : دَاوُد بن الْحصين قَالَ فِيهِ ابْن حبَان: إِنَّه حَدَّث عَن الثِّقَات بِمَا (لَا) يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، يجب مجانبة رِوَايَته. قلت: هَذَا الْوَجْه لَيْسَ بِشَيْء، فإنَّ دَاوُد بن الْحصين، وإنْ كَانَ تَكَلَّم فِيهِ ابْن حبَان وَغَيره، فإنَّه ثِقَة مَشْهُور، رَوَى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَلَى سَبِيل الِاحْتِجَاج بِهِ، وَرَوَى عَنهُ الإِمام مَالك، وَقد عُلِمَ شدَّة تحرِّيه فِي الرِّجَال، وَلأَجل ذَلِك قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَوْلَا أنَّ مَالِكًا (رَوَى عَنهُ) لتُرك حَدِيثه. ووثَّقه يَحْيَى بن معِين وَغَيره. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) (وَغَيره) : لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: إِذا رَوَى عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 ثِقَة فَهُوَ صَالح الرِّوَايَة، إلاَّ أَن يروي عَنهُ ضَعِيف، فَيكون الْبلَاء مِنْهُ، مثل: ابْن أبي (حَبِيبَة) ، وَإِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى. مَعَ أَن ابْن حبَان ذكره فِي كتاب «الثِّقَات» لَكِن رَمَاه بِأَنَّهُ (كَانَ) يذهب مَذْهَب الشراة - يَعْنِي الْخَوَارِج - لَكِن لم يكن دَاعِيَة حَتَّى يُجْتَنَب مَا رَوَاهُ. قلت: ووالد دَاوُد ضَعَّفه أَبُو حَاتِم وَغَيره. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : هَذَا الحَدِيث إِذا ضُمَّت أسانيده بَعْضهَا إِلَى بعض أخذت قُوَّة. قَالَ: وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيث أبي قَتَادَة، وَإِسْنَاده صَحِيح، والاعتماد عَلَيْهِ. الحَدِيث السَّابِع «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكِب فَرَسًا (مُعْروريًا) لأبي طَلْحَة» . هَذَا حَدِيث صَحِيح، مُتَّفق عَلَى صِحَّته، رَوَاهُ إِمَامًا الْمُحدثين: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي رضوَان الله عَلَيْهِمَا فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 رِوَايَة أنس بن مَالك - خَادِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّذِي رُزِق ببركة دُعَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أكثرَ من مائَة وَعشْرين ولدا، وَتحمل نخله فِي السّنة مرَّتَيْنِ، وَكَانَ يجيدُ الرَّمْي عَلَى كبر سِنِّه. أَفَادَ ذَلِك كُله الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» (وَغَيره) . قَالَ: وَلما (طَال عمره) كَانَ (يشد) أَسْنَانه بِالذَّهَب، وَهُوَ آخر الصَّحَابَة موتا بِالْبَصْرَةِ. قلت: وَرَوَى الحَدِيث الَّذِي ذكره المُصَنّف: مُسلم، من رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة بن جُنَادَة بن جُنْدُب العامري السوَائِي، حَلِيف بني زهرَة، و [خَاله] سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وَاعْلَم أَنه وَقع فِي الحَدِيث الْمَذْكُور: « (ركب) فرسا لأبي طَلْحَة عُرْيًا» . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «مُعْرَوْرًا» فَالْأول: بِضَم الْعين، وَسُكُون الرَّاء. وَالثَّانِي: بِضَم الْمِيم. قَالَ (صاحبا) «الْمَشَارِق» ، و «الْمطَالع» : (أَي) لَيْسَ عَلَيْهِ سَرْج، وَلَا (أَدَاة) . (قَالاَ) : وَلَا يُقال مثل هَذَا فِي الْآدَمِيّين، وإنَّما يُقال: عُرْيَان، وَلَا يُقَال: (افعوعل) ، معدًّى إلاَّ فِي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 اعروريت الْفرس، واحلوليت الشَّيْء. وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ: معروريًا، بِزِيَادَة (يَاء) بعد الرَّاء، وَالْمَعْرُوف مَا ذَكرْنَاهُ (مِنْهُم، هُوَ اسْم فَاعل) . الحَدِيث الثَّامِن «أنَّ أَبَا طيبةَ الحَجَّام شَرِبَ دمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يُنْكِرْ عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، لَا أعلم من خَرَّجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث غَرِيب عِنْد أهل الحَدِيث، لم أجدْ لَهُ مَا يثبت بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث مَعْرُوف، لكنه ضَعِيف. قلت: فِي «تَارِيخ الْمَجْرُوحين» (لِابْنِ حبَان) ، بِإِسْنَادِهِ عَن نَافِع، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «حَجَمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غلامٌ لبَعض قُرَيْش، فَلَمَّا فرغ من حجامته، أَخذ الدَّم فَذهب بِهِ من وَرَاء الْحَائِط، فَنظر يَمِينا وَشمَالًا، فلمَّا لَمْ (يَرَ) أحدا تَحَسَّى دَمه حتَّى فرغ، ثمَّ أقبل، فَنظر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِي وَجهه) ، فَقَالَ: وحيك مَا صنعت بِالدَّمِ؟ قلت: غيبته من (وَرَاء) الْحَائِط. قَالَ: أَيْن غيبته؟ قلت: يَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 رَسُول الله، (نَفِسْتُ) عَلَى دمك أَن أهريقه فِي الأَرْض، فَهُوَ فِي بَطْني. قَالَ: اذْهَبْ فقد أحرزت نَفسك من النَّار» . فَلَعَلَّ هَذَا الْغُلَام الْمُبْهم هُوَ أَبُو (طيبَة) . لَكِن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف جدا. قَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِنَافِع، رَوَى عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة نُسْخَة مَوْضُوعَة مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: كَذَّاب. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَوَقع فِي «الْوَسِيط» لحجَّة الإِسلام الْغَزالِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأبي طيبَة عِنْد شرب الدَّم: إِذن لَا [ييجع] بَطْنك (أبدا) » . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (ابْن الصّلاح) : [ييجع] (بَطْنك) : بِفَتْح الْجِيم، وَفِيه وَجْهَان: أَحدهمَا: ييجع بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت فِي أَوله، وَالرَّفْع فِي بَطْنك، عَلَى أَن يكون الْفِعْل لبطنه. وَالثَّانِي: تيجع بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق، وَنصب بَطْنك، عَلَى أَن يكون الْفِعْل لأبي (طيبَة) . قَالَ: ثمَّ النصب فِيهِ عَلَى التَّمْيِيز أَو نزع (الْخَافِض) ؟ فِيهِ من الْخلاف مَا فِي قَوْله تَعَالَى: (إِلَّا من سفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 نَفسه) . قَالَ: وَقد حققت ذَلِك من مَعْنَى مَا ذكره الْأَزْهَرِي فِي «التَّهْذِيب» . وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأبي طيبَة بَعْدَمَا شرب الدَّم: لَا تَعُدْ، الدَّم كُله حرَام» وَلم أر من رَوَى ذَلِك فِي حَدِيثه. قلت: وَأَبُو طيبَة اسْمه: نَافِع، وَقيل: ميسرَة، وَقيل: دِينَار. كَانَ عبدا لبني بياضة، صحَّ أَنه حجمه، وكلَّم أَهله أَن يخففوا عَنهُ من خراجه، كَمَا سَيَأْتِي فِي آخر بَاب الْأَطْعِمَة - حَيْثُ ذكره المُصَنّف - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. نعم ورد (هَذَا) فِي حق أبي هِنْد، سَالم بن أبي الْحجَّاج الصَّحَابِيّ، قيل: اسْمه سِنَان، قَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» : ثَنَا مُحَمَّد، (ثَنَا) مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الهمذاني، ثَنَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، ثَنَا الْقَاسِم بن (الحكم) العُرَنِي، عَن يُوسُف بن صُهَيْب، ثَنَا أَبُو الجَحَّاف، عَن سَالم، قَالَ: «حجمت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فلمَّا وليت المِحْجَمة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شربته، فَقلت: يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شربته) ، فَقَالَ: وَيحك يَا سَالم، أما علمت أَن الدَّم حرَام؟ ! لَا تَعُدْ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ سعيد بن وَاقد، وَالْخضر بن مُحَمَّد بن شُجَاع، عَن عفيف بن سَالم، عَن يُوسُف بن صُهَيْب. قلت: وَأَبُو الجحاف هَذَا هُوَ: دَاوُد بن أبي عَوْف، فِيهِ خلاف، وَثَّقَهُ يَحْيَى. وَقَالَ أَحْمد: حَدِيثه مقارِب. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: زائغ ضَعِيف. وَذكر أَبُو نعيم أَيْضا فِي تَرْجَمَة الْحَارِث بن مَالك، مولَى أبي هِنْد الحجَّام: «أَنه حجم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وشفع لَهُ فِي خراجه عَلَيْهِ السَّلَام» ، فَقَالَ: مِنْهُم من قَالَ: حجمه غُلَام لبني بياضة، وَمِنْهُم من قَالَ: أَبُو طيبَة، وَمِنْهُم من قَالَ: أَبُو هِنْد الْحَارِث بن مَالك. قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: وَرُوِي أَيْضا عَن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه شرب دم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث هنيد بن الْقَاسِم، عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه، قَالَ: «احْتجم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَعْطَانِي الدَّم فَقَالَ: اذْهَبْ فَغَيِّبْه. (فَذَهَبت) فَشَربته، ثمَّ أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ (لي) : مَا صنعت؟ قلت: غيبته، قَالَ: «لَعَلَّك شربته؟» قلت: شربته» . هنيد لَا يعلم لَهُ حَال، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : لَيْسَ فِي إِسْنَاده (من) يحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَن حَاله إلاَّ هُوَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» بالسند الْمَذْكُور، وَلَفظه: «أَن عبد الله بن الزبير أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يحتجم، فَلَمَّا فرغ قَالَ: يَا عبد الله، اذْهَبْ بِهَذَا الدَّم، فأهرقه حَيْثُ لَا يرَاهُ أحد. فلمَّا برزتُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَمَدت إِلَى الدَّم فحسوته، فلمَّا رجعت إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مَا صنعت يَا عبد الله؟ قَالَ: جعلته فِي مَكَان (ظَنَنْت) أَنه خافٍ عَلَى النَّاس. قَالَ: فلعلك شربته؟ قلت: نعم، قَالَ: من أَمرك أَن تشرب الدَّم؟ ويلٌ لَك من النَّاس، وويل للنَّاس مِنْك» . وَرَوَاهُ (أَيْضا) الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» فِي مَنَاقِب عبد الله بن الزبير من كتاب الْفَضَائِل، عَن (إِبْرَاهِيم) بن عصمَة بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا السّري بن خُزَيْمَة، نَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، نَا هنيد بن الْقَاسِم بن مَاعِز، قَالَ: سَمِعت عَامر بن عبد الله بن الزبير يحدث، أنَّ أَبَاهُ حدَّثه، «أَنه أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يحتجم. .» الحَدِيث كَمَا سَاقه الطَّبَرَانِيّ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الخصائص، من كتاب النِّكَاح، من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة، وَلَفظه: «احْتجم رَسُول الله وَأَعْطَانِي دَمه فَقَالَ: اذْهَبْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 فوارِهِ، لَا يبْحَث عَنهُ سبع، أَو كلب، أَو إِنْسَان. قَالَ: فتنحيتُ، فَشَربته، ثمَّ أتيت رَسُول الله فَقَالَ: مَا صنعتَ؟ قلت: صنعت الَّذِي أَمرتنِي (بِهِ، قَالَ) : مَا أَرَاك إِلَّا قد شربته. قلت: نعم. قَالَ: مَاذَا تلقى أمتِي مِنْك» . قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَزَادَنِي بعض أَصْحَاب الحَدِيث عَن أبي سَلمَة، قَالَ: فَيَرَوْنَ أَن الْقُوَّة الَّتِي كَانَت فِي ابْن الزبير من قُوَّة دم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورُوِي ذَلِك من وَجه آخر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، وَعَن سلمَان، فِي شرب ابْن الزبير دَمه. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، نَا مُحَمَّد بن حميد، نَا عَلّي بن مُجَاهِد، نَا رَبَاح النوبي، أَبُو مُحَمَّد مولَى آل الزبير، قَالَ: سَمِعت أَسمَاء ابْنة أبي بكر تَقول للحجاج: «إنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - احْتجم، فَدفع دَمه إِلَى ابْني، فشربه، فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَأخْبرهُ، فَقَالَ: مَا صنعت؟ قَالَ: كرهت أَن أصبَّ دمك. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تمسك (النَّار) ، وَمسح عَلَى رَأسه وَقَالَ: ويل لَك من النَّاس» . قَالَ عبد الْحق عقب هَذِه الرِّوَايَة: عَلّي بن مُجَاهِد ضَعِيف، وَلَا يَصح. وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» عَن مُحَمَّد بن حميد، نَا عَلّي بن مُجَاهِد، كَمَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادًا ومتنًا، إلاَّ أَنه (زَاد) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 «وويل للنَّاس مِنْك» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» بَعْدَمَا أخرجه: يحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَن حَال رَبَاح الْمَذْكُور. قلت: رَبَاح هَذَا ذكره الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» ، وَقَالَ: لَيَّنه غير وَاحِد، وَلَا يُدْرَى من هُوَ. فَإِذا عرفت هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه قضيتَ الْعجب من قَول الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : إنَّ حَدِيث عبد الله بن الزبير هَذَا لم نجدْ لَهُ أصلا بالكُلِّيَّة. قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: ويُروى عَن عليٍّ - كَرَّم الله وَجهه - أَنه شرب دم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: هَذَا غَرِيب مِنْهُ، لَا أعلم مَنْ خَرَّجه بعد الْبَحْث عَنهُ. وَقد رُوِيَ أَن سفينة شرب دَمه - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - فَفِي «ضعفاء» ابْن حبَان، و «الصَّحَابَة» لأبي نعيم، (بإسنادهما) إِلَى إِبْرَاهِيم بن عمر بن سفينة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «احْتجم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَعْطَانِي دَمه فَقَالَ: اذْهَبْ فواره. فَذَهَبت فَشَربته، فَرَجَعت فَقَالَ: مَا صنعت فِيهِ؟ فَقلت: واريته - أَو قلت: شربته - قَالَ: احترزت من النَّار» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب النِّكَاح من طَرِيق ابْن عدي، بِلَفْظ الطَّبَرَانِيّ الْآتِي، إلاَّ أنَّه قَالَ: «من الدَّوَابّ وَالطير» ، أَو قَالَ: «النَّاس وَالدَّوَاب» . شكَّ ابْن أبي فديك. لكنه حَدِيث ضعيفٌ، قَالَ ابْن حبَان: إِبْرَاهِيم هَذَا يُخَالف الثِّقَات فِي الرِّوَايَات، يروي عَن أَبِيه مَا لَا يُتابع عَلَيْهِ من رِوَايَة الْأَثْبَات، فَلَا يحل الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه لَا (يُتَابِعه) عَلَيْهَا الثِّقَات، وَأَرْجُو أنَّه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ: إِسْنَاده مَجْهُول. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : حَدِيث لَا يَصح. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث بُرَيْه بن عمر بن سفينة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «احْتجم فَقَالَ: (خُذ) هَذَا الدَّم، فادفنه من الدَّوَابّ وَالطير وَالنَّاس. فتغيبتُ، فَشَربته، ثمَّ ذكرت ذَلِك [لَهُ] ، (فضحِك) » . وبُرَيْه هُوَ إِبْرَاهِيم، (فحَقِّقه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وشربه أَيْضا: مَالك بن سِنَان - وَالِد أبي سعيد الْخُدْرِيّ - كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (بِسَنَد (الإِمام) أَحْمد بن حَنْبَل إِلَيْهِ) ، قَالَ: «لمَّا أُصِيب وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم أُحد، استَقْبَلتُه، (فمصصت) جرحه، ثمَّ (ازدردته) ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من أحبَّ أَن ينظرَ إِلَى من خالطَ دمي دَمه، فَلْينْظر إِلَى مَالك بن سِنَان» . وَفِيه مَجَاهِيل لَا أعرفهم بعد الْكَشْف عَنْهُم. الحَدِيث التَّاسِع «أَن أمَّ أَيمن شربت بَوْل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: إذنْ لَا تلج النَّار بَطْنك» . وَلم يُنكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَيْهَا. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» . وَقَالَ فِي «علله» : إنَّه مُضْطَرب، وأنَّ الِاضْطِرَاب جَاءَ من جِهَة أبي مَالك النَّخعِيّ رَاوِيه، وَأَنه ضَعِيف. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «الْآيَات البَيَّنات» : رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن (الْعدْل) ابْن جريج، قَالَ: «أُخبرت أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَبُول فِي قدح من عَيْدان، ثمَّ يوضع تَحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 سَرِيره، (قَالَ: فَوُضِعَ تَحت سَرِيره) ، فجَاء (فأراده) فَإِذا الْقدح لَيْسَ فِيهِ شَيْء، فَقَالَ لامْرَأَة يُقَال لَهَا: بركَة -[كَانَت تخْدم لأم حَبِيبَة] ، جَاءَت مَعهَا من أَرض الْحَبَشَة -: أَيْن الْبَوْل الَّذِي كَانَ فِي الْقدح؟ قَالَت: شربته. قَالَ: صِحَة يَا أم يُوسُف - وَكَانَت تُكَنَّى أم يُوسُف - فَمَا مَرضَت قطّ، حتَّى كَانَ مَرضهَا الَّذِي مَاتَت فِيهِ» . قَالَ ابْن دحْيَة: إنْ كَانَ عبد الرَّزَّاق قَالَ: أُخبرت، فقد أسْندهُ يَحْيَى بن معِين، عَن حجاج، عَن ابْن جريج، عَن حكيمة، عَن أمهَا أُمَيْمَة. قَالَ: وَفِي «الطَّبَرَانِيّ» عَن ابْن شهَاب، قَالَ: «كَانَت أم أَيمن - أم أُسَامَة - من الْحَبَشَة، حاضنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَامَتْ لَيْلًا وَهِي عَطْشَانَة بَعْدَمَا بَال عَلَيْهِ السَّلَام فِي فَخَّارة ... » الحَدِيث. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث (أبي) مَالك النَّخعِيّ، عَن الْأسود بن قيس، عَن نُبَيْح الْعَنزي، عَن أم أَيمن، قَالَت: «قَامَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من اللَّيْل إِلَى فَخَّارة فِي جَانب الْبَيْت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 فَبَال فِيهَا، فَقُمْت من اللَّيْل، (وَأَنا عَطْشَانَة) فَشَرِبت مَا فِيهَا، وَأَنا لَا أشعر، فَلَمَّا أصبح النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: يَا أم أَيمن، قومِي فأهريقي مَا فِي تِلْكَ الفخارة. (قلت) قد وَالله شَرِبْتُ مَا فِيهَا. قَالَت: فَضَحِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حتَّى بَدَت نَوَاجِذه، ثمَّ قَالَ: أما إنَّه - (وَالله) - لَا (يَيجَعَنَّ) بَطْنك أبدا» . وَكَذَا رَأَيْته (أَنا) فِي «أكبر معاجمه» . قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَالك (النَّخعِيّ) : ضعَّفه الرازيان، أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَالْأسود بن قيس: ثِقَة، وثَّقه يَحْيَى، وَأَبُو حَاتِم. ونبيح الْعَنزي: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ، فَقَالَ: كُوفِي ثِقَة، لم يرو عَنهُ غير الْأسود بن قيس. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يُنْظَر فِي اتِّصَال هَذَا الإِسناد فِيمَا (بَين) نُبيح وَأم أَيمن، فإنَّهم اخْتلفُوا فِي وَقت وفاتها، فروَى الطَّبَرَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ: أَنَّهَا توفَّيَتْ بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِخَمْسَة أشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 قلت: وَقيل سنة. (حَكَاهُ ابْن الْأَثِير. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: توفيت) فِي خلَافَة عُثْمَان. وَهُوَ شَاذ. (وَقَالَ الشَّيْخ) : وَرُوِيَ فِي الحَدِيث: أَنَّهَا عاشت بعد عمر بن الْخطاب. وَقَالَت يَوْم قَتله: الْيَوْم وَهَى الإِسلام. قَالَ: فإنْ كَانَ الْأَمر عَلَى مَا نَقَل الزُّهْرِيّ، فَلم يُدْرِكهَا نُبيح، وإنْ كَانَ الآخر، (فيُنظر) فِي ذَلِك. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» - عِنْد قَول حجَّة الإِسلام فِيهِ: رُوي «أَن (أم) أَيمن شربَتْ بَوْل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يُنكر عَلَيْهَا، وَقَالَ: إِذا لَا تلج النَّار بَطْنك» : هَذَا حَدِيث ورد متلوِّنًا ألوانًا، وَلم يخرج فِي الْكتب (الْأُصُول) ، فَروِيَ بإسنادٍ جيدٍ، عَن حكيمة بنت أُمَيْمَة بنت (رقيقَة) «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَبُول فِي قدح من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 عيدَان، وَيُوضَع تَحت السرير، فَبَال فِيهِ لَيْلَة، فَوضع تَحت السرير، فجَاء فَإِذا الْقدح لَيْسَ (فِيهِ شَيْء) ، فَقَالَ لامْرَأَة يُقَال لَهَا بركَة كَانَت تخدمه، لأم حَبِيبَة، جَاءَت مَعهَا من أَرض الْحَبَشَة: «الْبَوْل الَّذِي كَانَ فِي الْقدح، مَا فعل؟ قَالَت: شربته يَا رَسُول الله» . زَاد بَعضهم، «فَقَالَت: قُمْت وَأَنا عَطْشَانَة فَشَربته، وَأَنا لَا أعلم» . وَفِي رِوَايَة لأبي عبد الله بن مَنْدَه الْحَافِظ: «لقد احتظرت من النَّار بحظار» فَهَذَا الْقدر مِنْهُ اتّفقت عَلَيْهِ الرِّوَايَات، وَأما مَا اضْطَرَبَتْ فِيهِ مِنْهُ، فالاضطراب مَانع من تَصْحِيحه. قلت: وَأمر آخر، وَهُوَ: جَهَالَة حكيمة بنت أُمَيْمَة، فإنَّه لَا يُعرف لَهَا حَال. قَالَ: وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن حَدِيث الْمَرْأَة الَّتِي شربت بَوْله صَحِيح. قلت: لَعَلَّه قَالَه تبعا لعبد الْحق، حَيْثُ قَالَ: وَمِمَّا يلْحق بِالصَّحِيحِ - عَلَى مَا قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ - حَدِيث [أُمَيْمَة بنت رقيقَة] : «كَانَ للنَّبِي (قدح من عيدَان تَحت سَرِيره يَبُول فِيهِ» . وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان، بِأَن قَالَ: لَمْ (يقْض) عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ بِصِحَّة، وَلَا يَصح لَهُ ذَلِك، إِنَّمَا ذكر أَنَّهَا فِيمَن يلْزم الشَّيْخَيْنِ إِخْرَاج حَدِيثهَا، وَلم ينصّ فِي «حكيمة» بتعديل وَلَا تجريح، فَالْحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 مُتَوَقف الصِّحَّة عَلَى الْعلم بِحَال حكيمة، فإنْ ثَبت ثقتها ثبتَتْ رِوَايَتهَا، وَهِي لم تثبت، واعتماد الدَّارَقُطْنِيّ فِي ذَلِك غير كَاف. قلت: قد ذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، فثبتت وَالْحَمْد (لله) . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (قَالَ) : وَرَوَى أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي كِتَابه «حلية الْأَوْلِيَاء» من حَدِيث الْحسن بن سُفْيَان , صَاحب الْمسند بِإِسْنَاد، عَن أم أَيمن قَالَت: «بَات رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْبَيْت، (فَقَامَ) من اللَّيْل، فَبَال فِي فَخَّارة، فَقُمْتُ وَأَنا عطشى لم أشعر مَا فِي الفَخَّارة، فَشَرِبت مَا فِيهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ لي: يَا أم أَيمن، أريقي مَا فِي الفخارة. قلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ شربتُ مَا فِيهَا، فَضَحِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حتَّى بَدَت نَوَاجِذه، ثمَّ قَالَ: إنَّه لَا [يَيْجَعَنَّ] بَطْنك بعده أبدا» . قلت: وَهَذَا اللَّفْظ هُوَ لفظ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي ترجمتها، لَكِن بِإِسْنَاد الطَّبَرَانِيّ الْمُتَقَدّم سَوَاء. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: فالاستدلال بذلك إِذا يحْتَاج إِلَى أَن يُقال فِيهِ: لم يأمرها النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بِغسْل) (فمها) ، وَلَا نهاها عَن عودة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 قَالَ: وَكَون الْمَرْأَة أم أَيمن، مولاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد يُظنُّ من حَيْثُ أَن اسْمهَا بركَة، وَفِي الحَدِيث تَسْمِيَة الْمَرْأَة الشاربة: بركَة، وَلَا يثبت ذَلِك بذلك، فإنَّ فِي الصحابيات أُخرى اسْمهَا بركَة بنت يسَار مولاة أبي سُفْيَان بن حَرْب، هاجَرَتْ إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَمَا فِي الحَدِيث من نسبتها إِلَى أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان يدل عَلَى أَنَّهَا بنت يسَار. قَالَ: وَيجوز فِي قَوْله: «النَّار» النصب، مَعَ الرّفْع فِي قَوْله «بَطْنك» ، وَيجوز الْعَكْس. قلت: حَكَى ابْن الْأَثِير خلافًا فِي أنَّ أم أَيمن، بركَة مولاة رَسُول الله وحاضنته، (هِيَ) الَّتِي شَرِبَتْ بَوْله، أَو بركَة جَارِيَة أم حَبِيبَة. (وبالأول جزم) أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي ترجمتها. وَذكر الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من طَرِيقين، أنَّ الَّذِي شربه (برة) خَادِم أم سَلمَة، بعد أَن عقد ترجمتها، وَهُوَ غَرِيب. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَعَلَّ بركَة هَذِه - يَعْنِي الْمُتَقَدّمَة - أم أَيمن. قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «الْآيَات الْبَينَات» : لَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا هِيَ بركَة بنت يسَار، مولاة أبي سُفْيَان بن صَخْر بن حَرْب، هَاجَرت إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 أَرض الْحَبَشَة مَعَ زَوجهَا قيس بن عبد الله الْأَسدي. قَالَ: وَالْعجب من ابْن عبد الْبر، (حَيْثُ) ذَكَرَها مَعَ زَوجهَا فِي حرف الْقَاف، ثمَّ شكَّ الْآن فِيهَا وظنَّها أم أَيمن، وَأم أَيمن: هِيَ بركَة بنت ثَعْلَبَة، زوج (عبيد) الحبشي، تُعرف ب «أُم الظباء» ، هَاجَرت (الهجرتين) ، وصلت الْقبْلَتَيْنِ، و (ابْنهَا) أَيمن قُتل شَهِيدا يَوْم حنين. (وَقَالَ) : وَظهر مِمَّا قُلْنَاهُ: أَن فِي ذَلِك قصتين، إِحْدَاهمَا: فِي قدح من عيدَان، والراوية أم يُوسُف؛ وَالثَّانيَِة: فِي فَخَّارة، والراوية أم أَيمن، بركَة بنت ثَعْلَبَة. وإنَّما أشكل ذَلِك عَلَى الروَاة من حَيْثُ أَن اسْم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بركَة، وكلتاهما من الموَالِي، فَهَذِهِ مولاة رَسُول الله، وَتلك مولاة أبي سُفْيَان، وكلتاهما مِمَّن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة من النِّسَاء مَعَ الْأزْوَاج، (فَاشْتَبَهَ أَمرهمَا) ، وَقد تبيَّن الْفرق بَينهمَا. قَالَ: وَقَوله: «لَا [يَيْجَعَنَّ] بَطْنك» عَلَى مِثَال: لَا (تشتكين) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 قَالَ اللغويون: هُوَ اسْم لجَمِيع الْمَرَض كُله. الحَدِيث الْعَاشِر عَن عَائِشَة، أم الْمُؤمنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت أفرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَرْكًا، فيصلِّي فِيهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم، فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ. وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يغسل الْمَنِيّ، ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة فِي ذَلِك الثَّوْب، وَأَنا أنظر إِلَى أثر الْغسْل فِيهِ» . فَائِدَة: قَالَ الإِمام أَحْمد، ثمَّ الْبَزَّار: إِنَّمَا رُوي غَسْل الْمَنِيّ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 عَائِشَة من وَجه وَاحِد، رَوَاهُ عَمْرو بن مَيْمُون، عَن سُلَيْمَان، وَلم يسمع (من) عَائِشَة. قَالَ الْبَزَّار: فَلَا يكون مُعَارضا للأحاديث الَّتِي فِيهَا الفرك. كَذَا قَالَا، وَفِي «صَحِيح (البُخَارِيّ) » هُنَا التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ مِنْهَا. وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث (عمْرَة) عَنْهَا، بل الْبَزَّار (نَفسه) رَوَى ذَلِك، كَمَا سَيَأْتِي فِي الحَدِيث (الثَّانِي) عشر. قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَنَّهَا تفركه وَهُوَ فِي الصَّلَاة. قَالَ: وَالِاسْتِدْلَال بهَا أَقْوَى. قلت: بِلَا شكّ، وَهِي رِوَايَة صَحِيحَة، (رَوَاهَا) أَئِمَّة حفَّاظ، بأسانيد كل رجالها ثِقَات، لَا مطْعن لأحد فيهم. أَوَّلهمْ: إِمَام الْأَئِمَّة أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، رَوَاهُ فِي «صَحِيحه» ، عَن الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي، عَن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن قيس، عَن محَارب بن دِثَار، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا كَانَت تَحُتُّ الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يُصَلِّي» . وهذ إِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح، كل رِجَاله ثِقَات فِي الصَّحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 فالزعفراني أخرج لَهُ البُخَارِيّ. (وَإِسْحَاق هُوَ) (ابْن) يُوسُف الْأَزْرَق، اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَيْهِ. وَمُحَمّد بن قيس رَوَى لَهُ مُسلم، ووثَّقه وَكِيع وَأحمد وَيَحْيَى وَعلي بن الْمَدِينِيّ. ومحارب بن دثار اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : ذكر مَا رُوِيَ من فركه فِي الصَّلَاة. ثمَّ قَالَ: رَوَى ابْن خُزَيْمَة ... وَسَاقه كَمَا ذكرته. وثانيهم: الْحَافِظ أَبُو حَاتِم بن حبَان، فإنَّه أخرجه فِي «صَحِيحه» ، عَن مُحَمَّد بن (عَلان) ، نَا لوين، نَا حَمَّاد بن زيد، عَن هِشَام الدستوَائي، عَن أبي معشر، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «لقد رَأَيْتنِي أفرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يُصَلِّي» . وَهَذَا إِسْنَاد (فِي غَايَة من الصِّحَّة. وثالثهم: الْحَافِظ) أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «تَحْقِيقه» : أَنا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز، حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَلّي الْحَافِظ، أَنا أَبُو عمر بن مهْدي، نَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي، نَا إِبْرَاهِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 بن (أَحْمد) بن عمر، نَا أبي، نَا وهب بن إِسْمَاعِيل، نَا مُحَمَّد بن قيس، عَن محَارب بن دثار، عَن عَائِشَة قَالَت: «ربَّما حتته من ثوب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ» . ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي «الْمعرفَة» للبيهقي، (فِي أثْنَاء الصَّلَاة، ذكره) (من) حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، (عَن) إِسْحَاق بن يُوسُف، عَن مُحَمَّد بن قيس، عَن محَارب (بن) دثار، عَن عَائِشَة: «أَنَّهَا كَانَت تُحُتُّ الْمَنِيّ من ثِيَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي الصَّلَاة» . ثمَّ قَالَ: (وَهَذَا) وإنْ كَانَ فِيهِ بَين محَارب وَعَائِشَة إرْسَال، (فَفِيمَا) قبله مِمَّا يؤكده. قلت: (هَذَا) قد تَابعه الْأسود - كَمَا سلف - عَلَى تَقْدِير الإِرسال. وَأوردهُ الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» من حَدِيث مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَائِشَة قَالَت: «كنت أفرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِيهِ» . فَإِذا عرفت (ذَلِك) ، قضيت الْعجب من قَول الشَّيْخ محيي الدَّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 النَّوَوِيّ - رَحمَه - الله: أَن الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة الَّتِي رَوَاهَا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْحفاظ غَرِيبَة. يَعْنِي: أَنه لَا يعرف من رَوَاهَا. الحَدِيث الْحَادِي عشر رُوي أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا يغسل الثَّوْب من الْبَوْل، والمذي، والمني» . هَذَا الحَدِيث بَاطِل، لَا يحلّ الِاحْتِجَاج بِهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْه الَّذِي ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ، وَالْمَوْجُود: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، مَرَّ بعمَّار وَهُوَ يسْقِي (رَاحِلَته) فِي رَكْوَة، إذْ تَنَخَّم، فأصابت نخامته ثَوْبه، فَأقبل عمَّار يغسلهَا، فَقَالَ: يَا عمَّار، مَا نخامتك وَلَا دموعك إلاَّ بِمَنْزِلَة المَاء الَّذِي فِي رَكْوَتك، إنَّما تَغْسِلُ (ثَوْبك) من الغائطِ، والبولِ، والمني، وَالدَّم، والقيء» . رَوَاهُ كَذَلِك: أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو نعيم فِي «مَعْرفَته» ، وَابْن عدي فِي «كَامِله» ، والعقيلي فِي «ضُعَفَائِهِ» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَمْ يَرْوِه غير ثَابت بن حَمَّاد، وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ: (لَا) يرويهِ عَن سعيد بن الْمسيب، (عَن) عَمَّار، غير عَلّي بن زيد، تَفَرَّد بِهِ ثَابت بن حَمَّاد، وَلَا يُروى عَن (عمَّار) إلاَّ بِهَذَا الإِسناد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، و «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث بَاطِل، لَا أصل لَهُ، إنَّما رَوَاهُ ثَابت بن حَمَّاد، عَن عَلّي بن زيد، [عَن ابْن الْمسيب] ، عَن عمار، وَعلي بن زيد غير مُحْتَج بِهِ، وثابت مُتَّهم بِالْوَضْعِ. وضَعَّفه فِي «الْمعرفَة» بِسَبَب ثَابت. قلت: أما ثَابت بن حَمَّاد، فَهُوَ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه، وَتَركه الْأَزْدِيّ أَيْضا، وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث يُخَالف فِيهَا وَفِي أسانيدها الثِّقَات، وَهِي مَنَاكِير. وَقَالَ الْعقيلِيّ: حَدِيثه غير مَحْفُوظ، وَهُوَ مَجْهُول بِالنَّقْلِ. ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وقولة الْبَيْهَقِيّ المتقدِّمة، لَا نعلم (لَهُ) مُوَافقا عَلَيْهَا، وَقَالَ هبة الله الطَّبَرِيّ: هَذَا الْخَبَر يرويهِ ثَابت بن حَمَّاد، وأنَّ أهل النَّقْل أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. قَالَ أَبُو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 الْبَزَّار: وَلَا نعلم ثَابتا رَوَى إلاَّ هَذَا الحَدِيث. وَأما عَلّي بن زيد بن جُدعان: فقد تَقَدَّم أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ، فِي الحَدِيث الرَّابِع من هَذَا الْبَاب. و (ذكره) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» ، و (ضَعَّفه) بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وبيَّض لَهُ الشَّيْخ زكي الدَّين، وَهُوَ فِي هَذِه الْكتب. الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (فِي الْمَنِيّ) : اغسليه رطبا، وافركيه يَابسا» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب عَلَى هَذِه الصُّورَة، وَكَأن الإِمام الرَّافِعِيّ تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْمَاوَرْدِيّ، فَإِنَّهُ (أوردهُ) كَذَلِك فِي «حاويه» ، ثمَّ قَالَ: إنْ صحَّ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين، أَبُو الْفرج، ابْن الْجَوْزِيّ، فِي كتاب «التَّحْقِيق» : هَذَا حَدِيث لَا يُعرف، وإنَّما الْمَنْقُول أَنَّهَا كَانَت (هِيَ) تفعل ذَلِك، من غير أَن يكون أَمَرَهَا. ثمَّ رَوَى (بِإِسْنَادِهِ) عَن الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدِهِ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت أَفْرُكُ الْمَنِيّ من ثوبِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ يَابسا، وأغسله إِذا كَانَ رطبا» . وَهُوَ كَذَلِك فِي «سنَنه» ، (وَأخرجه أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» أَيْضا) . وَفِي «مُسْند الْبَزَّار» أَيْضا، لَكِن بِلَفْظ: «كنت أَفْرُكُ الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ يَابسا، وأغسله، [أَو] أمسحه إِذا كَانَ رطبا» . ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا يُعلم أحد أسْندهُ عَن بشر بن بكر، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، إلاَّ عبد الله بن الزبير، وَهُوَ الْحميدِي، (وَرَوَاهُ غَيره) عَن عمْرَة مُرْسلا. وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 عَائِشَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمر بحتِّ الْمَنِيّ» ضَعِيف. قلت: رَوَى ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى، وَأحمد بن [يُوسُف] قَالَا: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة، نَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن هَمَّام بن الْحَارِث قَالَ: «كَانَ ضيف عِنْد عَائِشَة، فأجنب، فَجعل يغسل مَا أَصَابَهُ، فَقَالَت عَائِشَة: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْمُرنَا بِحَتِّه» . وَسَاقه ابْن بشكوال من طَرِيق الثَّوْريّ، نَا هناد، وَأَنا أَبُو نعيم، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن همام، قَالَ: «ضَافَ عائشةَ ضيفٌ، فَأمرت لَهُ بِمِلْحَفَةٍ صفراء، فَنَامَ فِيهَا، فَاحْتَلَمَ. فاستحيى أَن يُرْسل بهَا وَبهَا أثر الِاحْتِلَام، فغمسها فِي المَاء، ثمَّ أرسل بهَا. فَقَالَت عَائِشَة: لِمَ أَفْسَدَ علينا ثوبنا، إنَّما كَانَ يَكْفِيهِ أَن يفركه بأصابعه، وربَّما فركته من ثوب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بأصابعي» . ثمَّ سَاق عَن الْحميدِي، عَن سُفْيَان بِهِ بِنَحْوِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الضَّيْف هُوَ: عبد الله بن شهَاب الْخَولَانِيّ. ثمَّ سَاقه من حَدِيث مُسلم، عَن أَحْمد بن جَوَّاس، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن شبيب بن [غرقدة] عَن عبد الله بن شهَاب الْخَولَانِيّ قَالَ: «كنت نازلاً عَلَى عَائِشَة، فأجنبت فِي ثوبيَّ، [فغمستهما فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 المَاء] فرأتني جَارِيَة لعَائِشَة فَأَخْبَرتهَا، [فَبعثت] إليَّ عَائِشَة فَقَالَت: مَا حَمَلك عَلَى مَا صنعت [بثوبيك] ؟ قَالَ: رَأَيْت مَا يرَى النَّائِم فِي مَنَامه. قَالَت: هَل رَأَيْت [فيهمَا] شَيْئا؟ قلت: لَا. قَالَت: لَو رأيتَ شَيْئا غسلته، لقد رَأَيْتُني [و] إنِّي لأَحُكُّه من ثوبِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[يَابسا بظفري] » . وَقيل: هُوَ همام بن الْحَارِث، وَقيل: الْأسود بن يزِيد. ثمَّ سَاق من حَدِيث الحكم، عَن إِبْرَاهِيم، عَن همام، وَسَاقه وَفِي آخِره: «إنَّما كَانَ يَكْفِيك أَن تمسحه بإذخرة، أَو تغسل الْمَكَان الَّذِي أَصَابَهُ، فإنْ أُخْفِي عَلَيْك أَن تَدعه، لقد رَأَيْتنِي أجد فِي ثوب رَسُول الله الْمَنِيّ مِنْهُ بعد أَيَّام، فأحته» . ثمَّ سَاق من حَدِيث مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «نزل الْأسود عَلَى عَائِشَة ... » الحَدِيث، وَفِي آخِره: فأَحُتّه هَكَذَا» ) . الحَدِيث الثَّالِث عشر «إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسْتَعْمل الْمسك، وَكَانَ أحبَّ الطّيب إِلَيْهِ» . هَذَا صَحِيح، (يُذكر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة) ، وَمِنْهَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة: «كَأَنِّي أنظر إِلَى وبيصِ الْمسك فِي مَفْرِقِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ (مُحْرِمٌ» ) . اللَّفْظ لمُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «الطِّيب» بدل «الْمسك» وَقَالَ: «مفارق» (بدل «مفرق» ) . وَأخرجه مُسلم كَذَلِك، لكنه قَالَ: «و [هُوَ] يُهِلٌُّ» وَفِي رِوَايَة: «وَهُوَ يُلَبِّي» . وَهَذَا الحَدِيث ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ فِي كتاب «الْحَج» ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - مَبْسُوطا. وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كَانَت امْرَأَة من بني إِسْرَائِيل قَصِيرَة، تمشي بَين امْرَأتَيْنِ طويلتين، فاتخذت رجلَيْنِ من خشب، و (خَاتمًا) من ذهب [مغلقٍ] مُطَبَّقٍ، ثمَّ حَشَتْهُ مسكًا، والمسكُ أطيب الطّيب» . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز مُخْتَصرا بلفظين: أَحدهمَا: «الْمسك أطيب الطّيب» الثَّانِي: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن الْمسك، فَقَالَ: هُوَ أطيب طيبكم» . ثمَّ قَالَ فيهمَا: حسن صَحِيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَأخرج ابْن حبَان الأول فِي «صَحِيحه» ، وَأحمد بِلَفْظ: «ذُكر الْمسك عِنْد رَسُول الله فَقَالَ: هُوَ أطيب الطّيب» . وَالْحَاكِم بِاللَّفْظِ الثَّانِي لِلتِّرْمِذِي، ثمَّ بِلَفْظ: «أطيب الطّيب الْمسك» ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الإِسناد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد - أَيْضا - فِي الْجَنَائِز (مُخْتَصرا) : «أطيب (طيبكم) الْمسك» . وَكَذَا النَّسَائِيّ فِيهِ بلفظين: أَحدهمَا: «أطيب الطّيب (الْمسك) » . وَالثَّانِي: «من (خير) طيبكم الْمسك» . وَأخرجه فِي اللبَاس بِلَفْظ: «إِن امْرَأَة من بني إِسْرَائِيل اتَّخذت خَاتمًا من ذهب، وحَشَتْه مسكًا، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَهُوَ أطيب الطّيب» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «الشَّمَائِل» عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَت للنَّبِي (سُكَّة يتطيب مِنْهَا» . إِسْنَاده صَحِيح وَرِجَاله كلهم ثِقَات مُخَرَّج لَهُم فِي الصَّحِيح. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي «الإشراف» ، قبيل مَوَاقِيت الصَّلَاة: (رُوي) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْنَاد جيد «أَنه كَانَ لَهُ مسك يتطيَّب بِهِ» . وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى هَذَا الحَدِيث. وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» فِي عشرَة النِّسَاء، عَن الْحُسَيْن بن عِيسَى القومسي، عَن عفَّان (بن مُسلم) ، عَن سَلاَّم بن سُلَيْمَان، عَن ثَابت، عَن أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «حُبِّبَ إليَّ من دُنْيَاكُم: النِّسَاء وَالطّيب، وجُعِلَتْ قُرَّة عَيْني فِي الصَّلاة» . كل رجال هَؤُلَاءِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، إلاَّ سلاَّم بن سُلَيْمَان المُزني، قَارِئ الْبَصْرَة، فَأخْرج عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث. فَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح. وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» فَقَالَ: ثَنَا عبد الْوَاحِد أَبُو عُبَيْدَة، عَن سَلام [أبي] الْمُنْذر، عَن ثَابت، عَن أنس رَفعه: «حُبِّبَ إليَّ النِّسَاء ... » الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 ثمَّ رَوَاهُ عَن أبي سعيد، مولَى (بني) هَاشم، عَن سَلام بِهِ، بِلَفْظ: «إنَّ ممَّا حُبِّبَ إليَّ فِي الدُّنْيَا: النِّسَاء ... » (الحَدِيث) . وفيهَا أَيْضا - أَعنِي «سنَن النَّسَائِيّ» - فِي (الْموضع الْمَذْكُور) مثله، عَن عَلّي بن مُسلم، عَن (سَيَّار) بن حَاتِم، عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضُّبَعِي، عَن ثَابت، عَن أنس مَرْفُوعا، مثله سَوَاء. وَهَذَا إِسْنَاد حسن، عليَّ بن (مُسلم احتجَّ بِهِ البُخَارِيّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وسيار بن حَاتِم صَدُوق. وجعفر بن) سُلَيْمَان أخرج لَهُ مُسلم، وَهُوَ ثِقَة، وَفِيه شَيْء. لَا جرم أَن الْحَاكِم أَبَا عبد الله، أخرجه فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من هَذِه (الطَّرِيقَة) ، فِي كتاب النِّكَاح، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. و (ذكره) ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» ، ثمَّ ذكر حَدِيث: «وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة» من حَدِيث أنس أَيْضا، والمغيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب التَّرْغِيب فِي النِّكَاح، من حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعلي بن الْجَعْد، عَن سَلاَّم بِهِ، بِلَفْظ: «إنَّما (حُبِّبَ) إليَّ من دنياكم: النساءُ والطيبُ، وجُعِلَت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة» . لفظ حَدِيث عَلّي، وَلَفظ حَدِيث مُوسَى: «حُبِّبَ إليَّ من الدُّنْيَا» ثمَّ قَالَ: تَابعه سَيَّار بن حَاتِم، عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان، عَن ثَابت، عَن أنس، وَرَوَى ذَلِك جمَاعَة من الضُّعَفَاء عَن ثَابت. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن رِوَايَته عَن ثَابت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، أشبه بِالصَّوَابِ. و (مَا) أَدْرِي مَا وَجه ذَلِك؟ (وَذكره أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ فِي كتاب «أَخْلَاق رَسُول الله» فِي موضِعين، وسَاق فِي الثَّانِي - بعد أَن رَوَاهُ بِلَفْظ: «حُبِّبَ إليَّ من الدُّنْيَا ... » - فِي حَدِيث ابْن عمر، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: « [مَا] أَعْطَيْت من دنياكم هَذِه إِلَّا نُسَيَّاتِكم» ) . فَيُؤْخَذ من مَجْمُوع مَا (ذَكَرْتُ) ، مَا ذَكَرَه الإِمام الرَّافِعِيّ - إِن شَاءَ الله - فَتَأَمّله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَقد (ذكره) الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فِي الْبيُوع، فَقَالَ: والمسك كَانَ أحب الطّيب إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَقَالَ ابْن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» : مَا ذكره صَحِيح. ثمَّ اسْتدلَّ بِحَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو الطّيب: إنَّ أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَوَى (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ) : «أطيب الطّيب الْمسك» . قَالَ: وَهَذَا نَص. وَقد عرفت أَنْت من أخرج هَذَا الحَدِيث، وَمَا زدناه عَلَى ذَلِك، فَوَافَقَ الْحَافِر الْحَافِر بِزِيَادَة، فَللَّه الْحَمد. الحَدِيث الرَّابِع عشر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُم مِنْ نَوْمِه، فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِناءِ، حتَّى يَغْسِلها ثَلَاثًا، فإنَّه لَا يَدْري أيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مرويّ من ثَلَاثَة طرق: أَولهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم (من نَومه) ، فَلَا يغمس يَده فِي الإِناء، حتَّى يغسلهَا، فإنَّه لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده» . رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم فِي «صَحِيحهمَا» ، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم فَلْيُفْرِغ عَلَى (يَده) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 ثَلَاث مَرَّات، قبل أَن يُدخل يَده فِي إنائه، فإنَّه لَا يدْرِي فيمَ باتت يَده» . وَفِي رِوَايَات لأبي حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ذكر الْعدَد أَيْضا. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، بعد أَن سَاقه بِدُونِ «ثَلَاثًا» : لَا أَدْرِي هَذِه اللَّفْظَة فِي الْخَبَر أم لَا؟ ثمَّ سَاقه بعد ذَلِك بأوراق بالسند الْمَذْكُور، وَفِيه لَفْظَة «ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «فإنَّ أحدكُم لَا يدْرِي أَيْن كَانَت تَطوف يَده» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قبل أَن يُدخلهما فِي وضوئِهِ» . وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي، وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: «مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا» . وَفِي «مُسْند (أبي) دَاوُد الطَّيَالِسِيّ» : ثَنَا شُعْبَة، أَخْبرنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 الْأَعْمَش، عَن ذكْوَان، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (إِذا) اسْتَيْقَظَ أحدُكُم من مَنَامه، فَلَا يغمس يَده فِي الإِناء حتَّى يصبَّ (عَلَيْهَا) صبَّة أَو صبتين، فإنَّه لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده» . (قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رَفعه صَحِيح) . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» : «فإنَّه لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده مِنْهُ» . وأخرجها الْبَيْهَقِيّ (من جِهَة ابْن خُزَيْمَة) ، وَقَالَ: قَوْله: «مِنْهُ» تَفَرَّدَ [بِهِ] مُحَمَّد بن الْوَلِيد البُسْري، وَهُوَ ثِقَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : تَفَرَّدَ بهَا شُعْبَة. (و) قَالَ ابْن مَنْدَه: هَذِه الزِّيَادَة رواتها ثِقَات، وَلَا أَرَاهَا مَحْفُوظَة. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي: «فإنْ غَمَس يَده فِي الْإِنَاء قبل أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 يغسلهَا، فليهريق ذَلِك (المَاء) » . قَالَ ابْن عدي: وَهَذِه الزِّيَادَة مُنكرَة، (لَا تُحْفَظ) . وَهِي من رِوَايَة مُعَلَّى بن الْفضل، وَفِي بعض مَا يرويهِ نكرَة، وَهِي أَيْضا من رِوَايَة الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد قَالَ غير وَاحِد إِنَّه لم يسمع مِنْهُ. وَفِي رِوَايَة بعد: «فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده» : «ويسمِّي قبل أَن (يُدخلها) » رَوَاهَا عبيد الله بن سعيد (السجسْتانِي) فِي الْجُزْء الرَّابِع من «فَوَائِد ابْن نطيف» وَقَالَ: غَرِيبَة. أَفَادَ ذَلِك الشَّيْخ فِي «الإِمام» . قُلْتُ: و (رَأَيْتهَا) فِي «تَارِيخ الْعقيلِيّ» ، وَقَالَ بعد ذكرهَا: هَذَا الحَدِيث من حَدِيث أبي هُرَيْرَة صَحِيح الْإِسْنَاد من غير وَجه، وَلَيْسَ فِيهِ: «يسمِّي قبل أَن يُدخلها» . وأسنده ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: «إِذا قَامَ أحدكُم من نوم اللَّيْل» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جَابر بن عبد الله رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا قَامَ أحدكُم من (النّوم) فَأَرَادَ أَن يتَوَضَّأ فَلَا يُدخل يَده فِي الإِناء حتَّى يغسلهَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» (كَذَلِك) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا بِلَفْظ: «إِذا قَامَ أحدكُم من النّوم، فَأَرَادَ أَن يتَوَضَّأ، فَلَا يُدخل يَده فِي وضوئِهِ حتَّى يغسلهَا، فإنَّه لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده، وَلَا عَلَى مَا وَضعهَا» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الله بن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه، فَلَا يُدْخِل يَده فِي الإِناء حتَّى يغسلهَا» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه - أَيْضا - فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَلَفْظهمَا: «إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه، فَلَا يُدخل يَده فِي الإِناء حتَّى يغسلهَا ثَلَاث مَرَّات، فإنَّه لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده، أَو أَيْن طافت يَده» . (قَالَ) الدَّارَقُطْنِيّ: «فَقَالَ لَهُ رجل: أرأيتَ إنْ كَانَ حوضًا؟ فَحَصَبَه ابْن عمر، وَجعل يَقُول: (أخْبرك) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَتقول: أرأيتَ إِن كَانَ حوضًا؟ !» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: [إِسْنَاد] حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لِأَن جَابر بن إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ مَعَ ابْن لَهِيعَة فِي إِسْنَاده. وَهَذَا (من) الْبَيْهَقِيّ تَعْلِيل لحسنه من حَيْثُ لم ينْفَرد بِهِ ابْن لَهِيعَة. قَالَ إِمَام الْأَئِمَّة أَبُو بكر بن خُزَيْمَة بعد أَن أخرجه فِي «صَحِيحه» من جِهَة ابْن لَهِيعَة وَجَابِر بن إِسْمَاعِيل: ابْن لَهِيعَة لَيْسَ مِمَّن أُخْرِجُ حَدِيثه فِي هَذَا الْكتاب - يَعْنِي «صَحِيحه» - إِذا انْفَرد بالرواية، وَلَكِن جَابر بن إِسْمَاعِيل مَعَه فِي الإِسناد. وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق رَابِع لَا بَأْس بالتنبيه عَلَيْهِ، أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَائِشَة أَيْضا. وَهَذِه الطَّرِيقَة ذكرهَا ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» ، من حَدِيث أبي سَلمَة، عَنْهَا مَرْفُوعا: «إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من النّوم، فليغرف عَلَى يَده ثَلَاث غرفات قبل أَن يُدخلها فِي وضوئِهِ، فإنَّه لَا يدْرِي حَيْثُ باتت يَده» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم: [سُئل أَبَا زرْعَة] عَنهُ فَقَالَ: (إنَّه) وهمٌ. (وَالصَّوَاب حَدِيث أبي هُرَيْرَة) . وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «فإنَّه لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده» سَببه مَا (قَالَ) الإِمام الشَّافِعِي رَضِي اللهُ عَنْهُ وَغَيره: أَن أهل الْحجاز كَانُوا يقتصرون عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 الِاسْتِنْجَاء بالأحجار، وبلادهم حارة، فَإِذا نَام أحدهم عرق، فَلَا يَأْمَن النَّائِم أَن تَطوف يَده عَلَى الْمحل النَّجس، أَو عَلَى (بَثْرة) وقملة، وَنَحْو ذَلِك، (فيتنجس) . الحَدِيث الْخَامِس (عشر) أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا بَلَغَ الماءُ قلَّتَيْن، بِقِلال هَجَر، لَمْ يَحْمِل خَبَثًا» . وَرُوِيَ: «نَجَسًا» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام (عَلَيْهِ) وَاضحا فِي الْبَاب قبله. الحَدِيث السَّادِس عشر «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأسماء: حُتِّيه، ثُمَّ اقرَصيه، ثُمَّ اغسليه بِالْمَاءِ» . هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من طَرِيقين صَحِيحَيْنِ: أَحدهمَا: عَن أَسمَاء أَن امْرَأَة سَأَلت. وَالثَّانِي: أَن أَسمَاء سَأَلت. أما الطَّرِيقَة الأولَى: فأخرجها الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي اللهُ عَنْهُما قَالَت: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إحدانا يُصِيب ثوبها من دم الْحَيْضَة، كَيفَ تصنع بِهِ؟ قَالَ: تَحُتّه، ثمَّ تقرصه بِالْمَاءِ، ثمَّ تنضحه، ثمَّ تصلِّي فِيهِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وَفِي رِوَايَة (لأبي) دَاوُد - بِإِسْنَاد عَلَى شَرطهمَا -: «إِذا أصَاب إحداكن الدَّم من الْحيض، فلتقرصه، ثمَّ لتنضحه بِالْمَاءِ، (ثمَّ) لتصلي» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَلَى شَرط البُخَارِيّ: «حُتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِالْمَاءِ، ثمَّ انضحيه» . وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: «حُتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِالْمَاءِ، ثمَّ رشيه، (و) صلي فِيهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. و (صححها) ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان أَيْضا. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الثَّوْب يُصِيبهُ الدَّم من الْحَيْضَة، فَقَالَ: لِتَحُتُّه، ثمَّ (تَقْرُصُه) بِالْمَاءِ، ثمَّ لتَنْضَحْه، فتصلِّي فِيهِ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أنَّ امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله، مَا أصنع بِمَا أصَاب ثوبي من دم (الْحيض) ؟ قَالَ: حُتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِالْمَاءِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 وانضحي مَا حوله» . وَفِي رِوَايَة لأبي عوَانَة فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث الشَّافِعِي عَن مَالك: «إِذا أصَاب ثوبَ إحداكنَّ الدَّم، فلتقرصه، ثمَّ لتتبعه بِالْمَاءِ، ثمَّ تصلِّي فِيهِ» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن دم الْحيض يكون فِي الثَّوْب، قَالَ: اقرصيه، واغسليه، وصلِّي فِيهِ» . وَأما الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: فرواها الإِمام الشَّافِعِي رَضِي اللهُ عَنْهُ، (وَهِي) فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن هِشَام، عَن فَاطِمَة، عَن أَسمَاء قَالَت: «سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن دم الْحَيْضَة يُصِيب الثَّوْب، فَقَالَ: حتِّيه، (ثمَّ) اقرصيه بِالْمَاءِ، ثمَّ رشيه، وصلِّي فِيهِ» . قَالَ الشَّافِعِي: ونا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، أَنه سمع امْرَأَته فَاطِمَة بنت الْمُنْذر تَقول: سمعتُ جدتي أَسمَاء بنت أبي بكر تَقول: «سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن دم الْحَيْضَة ... » فَذكر مثله. وَرَوَاهُ فِي «الْمسند» أَيْضا عَن مَالك، عَن هِشَام، عَن فَاطِمَة، عَن أَسمَاء قَالَت: «سَأَلت امرأةٌ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَقد تَقَدَّم. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا فِي «الْأُم» بِالطَّرِيقِ الأولَى الَّتِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 «الْمسند» . وَهَذِه الْأَسَانِيد الَّتِي ذكر الشَّافِعِي بهَا هَذِه الزِّيَادَة - أنَّ أَسمَاء هِيَ السائلة - أَسَانِيد صَحِيحَة، لَا مطْعن لأحد فِي اتصالها، وثقات رواتها، فَكُلّهم أَئِمَّة أَعْلَام، مخرج حَدِيثهمْ فِي (الصَّحِيح) ، وَفِي الْكتب السِّتَّة، فَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط أهل الْعلم كلهم، وَأَنا أتعجَّب كل الْعجب من قَول الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شرح الْمُهَذّب» : أنَّ الشَّافِعِي رَوَى فِي «الْأُم» (أَن أَسمَاء هِيَ السائلة، بِإِسْنَاد ضَعِيف. فالإِسناد الَّذِي ذكره فِي «الْأُم» ) كَمَا قدَّمته، عَلَى أَنه - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد يُعذر فِي ذَلِك، فإنَّه سبقه إِلَى هَذِه الْمقَالة الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى (الْمُهَذّب» فقلَّده فِي ذَلِك. ثمَّ رَأَيْت الْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابه «الْمعرفَة» بعد أَن ذكره عَن الشَّافِعِي بِهَذَا السَّنَد وَاللَّفْظ [قَالَ] : هَكَذَا رَوَى الرّبيع هَذَا الحَدِيث عَن الشَّافِعِي، (بِإِسْنَادِهِ) ، عَن جدَّتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر «أَن امْرَأَة سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب» وَهُوَ الصَّحِيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 كَذَلِك رَوَاهُ الْحميدِي، وَغَيره، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. [و] كَذَلِك رَوَاهُ مَالك وَيَحْيَى بن سعيد وَعبد الله بن نمير ووكيع وَغَيرهم، عَن هِشَام، وَهُوَ مُخَرَّج فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث مَالك وَغَيره. انْتَهَى) . وَمِمَّا يُتعجب أَيْضا إِنْكَار جماعات عَلَى صَاحب «الْمُهَذّب» ، حَيْثُ رَوَى أَن أَسمَاء هِيَ السائلة، وغَلَّطُوه فِي ذَلِك، وَقد بَانَ غلطُهم بِفضل الله وقوَّته. بَقِي أَمر آخر - وَهُوَ المهم الْمَطْلُوب - وَهُوَ: أَن هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي أوردهَا الإِمام الرَّافِعِيّ وَغَيره من الْفُقَهَاء فِي هَذَا الحَدِيث وَهِي: «اغسليه بِالْمَاءِ» - وَهِي بَيت (القصيد) - غَرِيبَة، لَيست مرويَّة فِي الْكتب الْمَشَاهِير، وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث - مَعَ من تقدم - الإِمام أَحْمد، وَبَاقِي السّنَن الْأَرْبَعَة، وَغَيرهم، وَلَيْسَ فِي رواياتهم هَذِه اللَّفْظَة، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : إِن هَذِه اللَّفْظَة غير مَحْفُوظَة (فِي) هَذَا الحَدِيث. لَكِن قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : (يرْوَى) فِي الْخَبَر هَذِه اللَّفْظَة. فَبَقيت زَمنا متحيِّرًا فِي ذَلِك، نَاوِيا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ مرّة، ومتوقفًا أُخرى، إِلَى أَن وجدت مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 نَقله، فَخرج عَن عُهْدَة النَّقْل، وَقد أَفَادَ ذَلِك شيخ الإِسلام تَقِيّ الدَّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه «الإِمام» ، فَقَالَ: لَيْسَ من الْأُمَّهَات مَا اشْتهر (بَين) الْفُقَهَاء فِي هَذَا الحَدِيث: «ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ» . (قَالَ) : وَمن زعم أَن: «اقرصيه بِالْمَاءِ» مساوٍ فِي الدّلَالَة (ل «اغسليه) بِالْمَاءِ» ، فَقَوله مَمْنُوع، نعم وَقع لنا الْأَمر بِالْغسْلِ بِالْمَاءِ من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، قَالَت: «سمعتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَسَأَلته) امْرَأَة عَن دم الْحيض يُصِيب ثوبها، قَالَ: اغسليه (بِمَاء، ثمَّ انضحي فِي سَائِر ثَوْبك، وصَلِّي فِيهِ» . رَوَاهُ أَحْمد بن منيع فِي «مُسْنده» ، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: وَقد رَوَاهُ غَيره عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بِغَيْر هَذِه اللَّفْظَة، أَعنِي: «اغسليه» ) . قُلْتُ: وتعتضد هَذِه الرِّوَايَة بِرِوَايَة أبي عوَانَة، وَابْن مَاجَه المتقدمتين، فإنَّ ظاهرهما مثلهَا. وَرَأَيْت بعد ذَلِك فِي «الْمعرفَة» للبيهقي مَا (نَصه) : وَرَوَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار، عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، عَن أَسمَاء، وَفِيه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 «حتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِمَاء، ثمَّ تنضح فِي سَائِر ثوبها، ثمَّ تصلِّي» . فَهَذِهِ رِوَايَة أُخرى عَن ابْن إِسْحَاق، فَيكون اخْتُلف عَلَيْهِ فِي لَفظه. وَقد وَردت أَيْضا فِي حَدِيث (آخر) صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، يتَعَيَّن الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، من حَدِيث أم قيس بنت مُحصن رَضِي اللهُ عَنْهُا «أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن دم الْحَيْضَة يُصِيب الثَّوْب، فال: حُكِّيه بضِلَع، واغسليه بِمَاء وَسدر» . قَالَ أَبُو الْحسن ابْن القطَّان: وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي غَايَة من الصِّحَّة، وَلَا أعلم لَهُ عِلّة. تَنْبِيهَات: أَولهَا: جمع الإِمامان ابْن الْأَثِير، والرافعي فِي « (شرحي) الْمسند» بَين الرِّوَايَتَيْنِ المتقدمتين فِي حَدِيث أَسمَاء بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه يُمكن أَن أَسمَاء سَأَلت عَن ذَلِك، وَسَأَلَ غَيرهَا أَيْضا، فيكونا قصتين، (فترجع) كل رِوَايَة إِلَى سُؤال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وَالثَّانِي: أَنه يُمكن أَن تَعْنِي أَسمَاء فِي الرِّوَايَة: «أَن امْرَأَة سَأَلت» . نَفسهَا، والوجهان محتملان. ثَانِيهَا: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : الْأَمر بالحتّ والرشّ أَمر ندبٍ لَا حتم، وَالْأَمر بالقَرْص إِنَّمَا هُوَ مقرون بِشَرْطِهِ، وَهُوَ إِزَالَة الْعين، فإزالة الْعين فرض، والقَرْص بِالْمَاءِ نفل إِذا قُدر عَلَى إِزَالَته بِغَيْر قَرْص، وَالْأَمر بِالصَّلَاةِ فِي ذَلِك الثَّوْب بعد غسله أَمر (إِبَاحَة لَا حتم) . قَالَ: (و) قَوْله فِي حَدِيث أم قيس: «اغسليه بِالْمَاءِ» أَمر فرض، وَذكر السدر والحك بالضلع أَمر ندب وإرشاد. ثَالِثهَا: الحتّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق: الحك والقشر، قَالَ الْهَرَوِيّ: حُتِّيه: أَي حُكِّيه. والقَرْص: الغمز بأطراف الْأَصَابِع، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: (قَرِّصِيه: قَطِّعِيه) . وَرُوِيَ: «تَقْرُصه» بِفَتْح التَّاء وَإِسْكَان الْقَاف وَضم الرَّاء، وبضم التَّاء وَفتح الْقَاف وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: رَوَيْنَاهُ بهما جَمِيعًا. رَابِعهَا: أُم قيس بنت مُحصن، لم يذكرالحافظ جمال الدَّين الْمزي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 اسْمهَا، وَهِي آمِنَة، كَمَا قَالَه السُّهيْلي فِي «الرَّوْض» ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هِيَ جذامة بنت وهب بن مُحصن. فاستفد ذَلِك. خَامِسهَا: قَوْله فِي حَدِيث أُم قيس: «حُكِّيه بِصَلْع» . هُوَ بالصَّاد الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة، بعْدهَا لَام سَاكِنة، ثمَّ عين مُهْملَة. كَذَا ضَبطه صَاحب «الإِمام» وَهُوَ عِنْدهم الْحجر. قَالَ: وَوَقع فِي بعض الْمَوَاضِع: «بِضِلَع» بالضاد الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة، وَفتح اللَّام. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : لَعَلَّه تَصْحِيف، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى يَقْتَضِي تَخْصِيص الضلع، وَأما الْحجر فَيحْتَمل أَن [يُحمل] ذكره عَلَى غَلَبَة الْوُجُود، واستعماله فِي (الحك) . قُلْتُ: (وَمَا زَعمه) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين - رَحِمَهُ اللَّهُ - من هَذَا التَّصْحِيف خلاف الْمَنْقُول، فقد ذكره جماعات بالضاد الْمُعْجَمَة، قَالَ الصَّاغَانِي فِي «الْعباب» فِي مَادَّة «ضلع» : وَفِي الحَدِيث «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَ امْرَأَة فِي دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب فَقَالَ: حتيه بضلع» . قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الضلع: هُوَ الْعود هَاهُنَا، وَقيل للعود الَّذِي فِيهِ عرض واعوجاج: ضلع، تَشْبِيها (بالضلع) . وَقَالَ الْأَزْهَرِي فِي «تهذيبه» فِي الْمَادَّة الْمَذْكُورَة: وَرُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَ امْرَأَة فِي دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب: حتيه بضِلَع» هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَات، بِكَسْر الضَّاد، وَفتح اللَّام، فَأَخْبرنِي الْمُنْذر، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أَنه قَالَ: الضلع: الْعود هَاهُنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وَقَالَ الْأَزْهَرِي: (أصل) الضِّلَع: ضِلَع الْجنب، وَقيل للعود الَّذِي فِيهِ عرض واعوجاج: ضلع تَشْبِيها بالضلع، وَاحِد الأضلاع. وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الصلع والضلع (لُغَتَانِ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «النِّهَايَة» فِي بَاب الضَّاد الْمُعْجَمَة مَعَ اللَّام: وَفِي حَدِيث غسل [دم] الْحيض: «حتيه بضلع» ، أَي بِعُود) ، وَالْأَصْل فِيهِ ضلع الْحَيَوَان، فَسُمي بِهِ الْعود الَّذِي يُشبههُ، وَقد تسكن اللَّام تَخْفِيفًا. وَذكره أَيْضا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «غَرِيبه» فِي بَاب الضَّاد الْمُعْجَمَة. فقد بَانَ بِهَذَا أَن الرِّوَايَة بالضاد الْمُعْجَمَة، وَأَن الْحَامِل للشَّيْخ تَقِيّ الدَّين عَلَى جعلهَا تصحيفًا قد بَانَ خِلَافه من أَن المُرَاد بالضلع: الْعود، لَا الْعظم نَفسه. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَفِي «المستعذب فِي غَرِيب الْمُهَذّب» لأبي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الركبي اليمني: فِي الحَدِيث: «حكِّيه (وَلَوْ) بضلع» : أَي عظم. الحَدِيث السَّابِع عشر رُوي «أَن نسْوَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَأَلْنَه عَن دم الْحيض (يُصِيب) الثَّوْب، وذَكَرْنَ لَهُ أنَّ لون الدَّم يَبْقَى، فَقَالَ: أَلْطِخْنَه بزعفران» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لَا أعلم من خَرَّجَه بعد الْبَحْث عَنهُ، نعم فِي «سنَن أبي دَاوُد» بِإِسْنَاد لَا أعلم بِهِ بَأْسا، عَن معَاذَة قَالَت: «سألتُ عَائِشَة عَن الْحَائِض يُصِيب ثوبها الدَّم، قَالَت: تغسله، فإنْ لَمْ يذهب أَثَره فلتغيره بِشَيْء من صُفرة. قَالَت: وَلَقَد كنت (أحيض) عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاث حِيَض، جَمِيعًا، لَا أغسل لي ثوبا» . وَفِي «مُسْند الدَّارمِيّ» عَن أبي النُّعْمَان، نَا ثَابت بن [يزِيد] ، نَا عَاصِم، عَن معَاذَة العدوية، عَن عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَت: «إِذا غَسَلَتِ [الْمَرْأَة] الدَّم، فَلم يذهب، فتلغيره بصُفرة (ورس) أَو زعفران» . الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن خَوْلَة بنت يسَار قَالَت: «سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن دم الْحيض، فَقَالَ: اغْسِلِيه. فَقلت: أغسله فَيَبْقَى أَثَره؟ فَقَالَ (: الماءُ يَكْفِيكِ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَره» . هَذَا الحَدِيث رُوي عَن خَوْلَة رَضِي اللهُ عَنْهُا من طَرِيقين، ولنذكر ذَلِك بِإِسْنَادَيْنِ (إِلَيْهَا) ، لِئَلَّا يَخْلُو الْكتاب (من) إِسْنَاد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 فأولهما: أَنا بِهِ الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي، وَغير وَاحِد، أَنا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد، أَنا الْمُنْذِرِيّ، أَنا أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ، أَنا زَاهِر بن طَاهِر، أَنا أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ، أَنا أَبُو زَكَرِيَّا (يَحْيَى) بن أبي إِسْحَاق، أَنا الْأَصَم، أَنا مُحَمَّد بن عبد الحكم، أَنا ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن ابْن أبي حبيب، عَن عِيسَى بن طَلْحَة، عَن أبي هُرَيْرَة: أنَّ خَوْلَة بنت يسَار قَالَت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أرأيتَ إنْ لَمْ يخرجْ الدَّم من (الثَّوْب) ؟ قَالَ: يَكْفِيك المَاء، وَلَا يَضرك أَثَره» . وَرَوَاهُ يَحْيَى بن عُثْمَان بن صَالح، عَن أَبِيه، عَن ابْن لَهِيعَة. (كَذَلِك) وَسَنذكر - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي عبد الله بن لَهِيعَة فِي آخر بَاب الْوضُوء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَانِ الإِسنادان ضعيفان، تَفَرَّد بهما ابْن لَهِيعَة. وأَخْبَرْنَاه - أَعلَى من هَذَا بِدَرَجَة - العدْل شهَاب الدَّين، أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن هبة الله - بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ - أَنا النجيب عبد اللَّطِيف - حضورًا - أَنا ابْن طبرزذ، أَنا أَبُو الْفَتْح الْوراق، أَنا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب، نَا ابْن عبد الْوَاحِد، ثَنَا اللؤْلُؤِي، نَا أَبُو دَاوُد، نَا قُتَيْبَة، (عَن) ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عِيسَى بن طَلْحَة، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن خَوْلَة بنت يسَار أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إنَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 لَيْسَ لي إلاَّ ثوب وَاحِد، وَأَنا أحيض فِيهِ، كَيفَ أصنع؟ قَالَ: إِذا طهرت فاغسليه، ثمَّ صلِّي فِيهِ. قَالَت: فإنْ لم يخرج الدَّم؟ قَالَ: يَكْفِيك (المَاء) ، وَلَا يَضرك أَثَره» . هَذَا الحَدِيث ثَابت فِي «سنَن أبي دَاوُد» من طَرِيق ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا، وَلم يذكرهُ ابْن عَسَاكِر فِي «الْأَطْرَاف» ، وَهُوَ (أحد) مَا يُستدرك عَلَيْهِ، لَا (جرم) أنَّ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي ذكره فِي «أَطْرَافه» مستدركًا عَلَيْهِ. قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ: قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: لم يُسْمَع بخولة بنت يسَار إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث. الطَّرِيق الثَّانِي: أَنا بِهِ الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي، نَا أَبُو مُحَمَّد بن ساعد، أَنا ابْن خَلِيل الْحَافِظ، أَنا الشَّيْخَانِ: (أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الطرسوسي) ، وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن (أبي) زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 الكراني، قَالَا: أَنا مَحْمُود بن إِسْمَاعِيل الصَّيْرَفِي، أَنا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن فاذشاه، أَنا الطَّبَرَانِيّ، نَا الْحُسَيْن بن إِسْحَاق التسترِي، نَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، نَا عَلّي بن ثَابت الْجَزرِي، عَن الْوَازِع بن نَافِع، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن خَوْلَة بنت حَكِيم، قَالَت: «قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أحيض، وَلَيْسَ لي إلاَّ ثوب وَاحِد. قَالَ: اغسليه، وصلِّي فِيهِ. قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إنَّه يَبْقَى فِيهِ أثر الدَّم. قَالَ: لَا يَضرك» . أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه» فِي مُسْند خَوْلَة بنت حَكِيم الْأَنْصَارِيَّة، بعد أَن ذكر مُسْند خَوْلَة بنت حَكِيم السلمِيَّة، وَلَيْسَ (لهَذَا) الحَدِيث فِيهِ ذكر. وَذكره الْحَافِظ أَبُو نعيم، ثمَّ أَبُو عمر بن عبد الْبر، فِي تَرْجَمَة خَوْلَة بنت يسَار، ثمَّ قَالَ (أَبُو عمر) : أخْشَى أَن تكون خَوْلَة بنت الْيَمَان، لِأَن إِسْنَاد حَدِيثهمَا (وَاحِد) ، وإنَّما هُوَ: (عَلّي) بن ثَابت، عَن الْوَازِع بن نَافِع، عَن أبي سَلمَة (بِهِ) ، إلاَّ أنَّ من دون عَلّي بن ثَابت [يخْتَلف فِي الْحَدِيثين] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 قُلْتُ: الْوَازِع بن نَافِع، قَالَ فِيهِ الْحَرْبِيّ: (غَيره) أوثق مِنْهُ. وَهَذِه عبارَة عَجِيبَة فَإِنَّهَا لَا (تُقال) إلاَّ لِمَنْ شُورك فِي الثِّقَة، والوازع هَذَا قَالَ فِيهِ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ أَحْمد مرّة أُخْرَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. (وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الرَّازِيّ: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِشَيْء) . قَالَ (النَّسَائِيّ) : مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. فَتَلخَّص أنَّ الحَدِيث الْمَذْكُور ضَعِيف من (طريقيه) . الحَدِيث التَّاسِع عشر «أنَّ أَعْرَابِيًا بَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: صُبّوا عَلَيْه ذنوبًا مِنْ مَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مرويّ من طَرِيقين صَحِيحَيْنِ، لَا مطْعن لأحد فيهمَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 أَحدهمَا: عَن أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحن فِي الْمَسْجِد مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ جَاءَ أَعْرَابِي، فَقَامَ يَبُول فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَه مَه، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تُزْرِمُوه دَعوه. فَتَرَكُوهُ حتَّى بَال، ثمَّ إنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ هَذِه الْمَسَاجِد لَا تصلح لشَيْء من هَذَا الْبَوْل وَلَا (القذر) ، إنَّما هِيَ لذكر الله - عزَّ وجلَّ - وَالصَّلَاة، وَقِرَاءَة الْقُرْآن - أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَمَرَ رجلا من الْقَوْم، فجَاء بِدَلْو من مَاء، فشنَّه عَلَيْهِ» . رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَاللَّفْظ لمُسلم. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «قَامَ أَعْرَابِي فِي الْمَسْجِد فَبَال، فتناوله النَّاس، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: دَعوه (وهريقوا) عَلَى بَوْله سَجْلًا من مَاء - أَو ذَنُوبًا من مَاء - فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرين، وَلم تُبعَثوا معسرين» . رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ. وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» عَنهُ: «دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد، وَرَسُول الله جَالس، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي ولمحمد، وَلَا تغْفر لأحد مَعنا. فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 عَلَيْهِ السَّلَام: لقد (احتظرت) وَاسِعًا. ثمَّ تنحَّى الْأَعرَابِي فَبَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد. فَقَالَ (الْأَعرَابِي بعد أَن فَقِهَ الإِسلام: إنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: إِن هَذَا الْمَسْجِد) إِنَّمَا هُوَ لِذِكْر الله، وَالصَّلَاة وَلَا يُبَال فِيهِ. ثمَّ دَعَا بسجل من مَاء، فأفرغه عَلَيْهِ» . (و) اعْلَم: أنَّ الإِمام الرَّافِعِيّ لمَّا نَقَل عَن أبي حنيفَة: أَن الأَرْض لَا تطهر حتَّى تُحْفَر إِلَى الْموضع (الَّذِي) وصلت إِلَيْهِ النداوة، وينقل التُّرَاب. قَالَ: لنا هَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ إثره: وَلم يَأْمر بِنَقْل التُّرَاب. انْتَهَى. وَقد رُوِيَ الْأَمر بذلك من طرق، (لَكِنَّهَا) مُتَكَلم فِيهَا: أَحدهَا: عَن عبد الله بن معقل بن مقرن رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «قَامَ أَعْرَابِي إِلَى زَاوِيَة من زَوَايَا الْمَسْجِد، [فانكشف] ، فَبَال فِيهَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فألقوه، وأهريقوا عَلَى مَكَانَهُ مَاء» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا» . قَالَا: وَعبد الله بن معقل تَابِعِيّ، وَهُوَ مُرْسل. قَالَ الْعجلِيّ: تَابِعِيّ ثِقَة. وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هَذَا حَدِيث مُنكر. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقد رُوي مَرْفُوعا وَلَا يصحّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي (وَائِل) ، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِي فَبَال فِي الْمَسْجِد، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بمكانه فاحتُفر، وصُبَّ عَلَيْهِ دلو من مَاء، فَقَالَ الْأَعرَابِي: يَا رَسُول الله، الْمَرْء يحب الْقَوْم و (لمَّا) يعْمل (عَمَلهم) . فقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْمَرْء مَعَ من أحب» . رَوَاهُ (الدَّارَقُطْنِيّ) فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد فِيهِ ضعيفان: أَحدهمَا: سمْعَان بن مَالك، قَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الثَّانِي: أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي، قَالَ البُخَارِيّ: رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضعفه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث أصل. وَقَالَ ابو زرْعَة: مُنكر. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ «أَن أَعْرَابِيًا بَال فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: احفروا مَكَانَهُ، ثمَّ صبوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا من مَاء» . رَوَاهُ ابْن صاعد، عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن أنس. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم عبد الْجَبَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 عَلَى ابْن عُيَيْنَة؛ لِأَن أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة الحفَّاظ رَوَوْهُ عَنهُ، عَن يَحْيَى بن سعيد، فَلم يذكر أحد مِنْهُم «الْحفر» وإنَّما رَوَى ابْن عُيَيْنَة هَذَا عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «احفروا مَكَانَهُ» مُرْسلا، فاختلط عَلَى عبد الْجَبَّار المتنان. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : عبد الْجَبَّار هَذَا هُوَ ابْن الْعَلَاء بن عبد الْجَبَّار أَبُو بكر [الْعَطَّار] الْبَصْرِيّ، أخرج لَهُ مُسلم وَابْن خُزَيْمَة، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مكي صَالح. وَقَالَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: شيخ. وَسُئِلَ عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل، فَقَالَ: رَأَيْته (عِنْد) ابْن عُيَيْنَة حسن الْأَخْذ. الطَّرِيق (الرَّابِع) : عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَدخل أَعْرَابِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمدًا، وَلَا ترحم مَعنا أحدا. فَقَالَ لَهُ: وَيحك - أَو وَيلك - لقد حظرت وَاسِعًا. ثمَّ تَنَحَّى الْأَعرَابِي فَبَال قَائِما، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: دَعوه حتَّى يَفْرُغَ من مباله. ثمَّ دَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِسَجْلٍ من مَاء فَصَبَّه عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه» ، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 إِسْنَاده عبيد الله بن أبي حُميد الْهُذلِيّ، وَهُوَ ضَعِيف، سُئِلَ عَنهُ الإِمام أَحْمد فَقَالَ: تُرِكَ حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُنكر الحَدِيث، (ضَعِيف الحَدِيث) . وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. (إِذا) عرفت طرق هَذَا الحَدِيث، فلنعد إِلَى تَبْيِين مَا وَقع (فِيهِ) من الْغَرِيب، فَنَقُول: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَا تُزْرِموه» هُوَ: بِضَم التَّاء، وَإِسْكَان الزَّاي الْمُعْجَمَة، بعْدهَا رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة، وَمَعْنَاهُ: لَا (تقطعوه) . والإِزرام: (الْقطع) . و «الدَّلْو» فِيهِ لُغَتَانِ: التَّذْكِير، والتأنيث. و «الذَّنوب» بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة: الدَّلْو إِذا كَانَت الدَّلْو ملأى، قَالَ ابْن سِيده فِي «الْمُحكم» : الذَّنُوب: الدَّلْو فِيهَا مَاء. وَقيل: الذُّنُوب: الدَّلْو الَّذِي يكون المَاء دون ملئها. وَقيل: هِيَ الدَّلْو الملأى. وَقيل: هِيَ الدَّلْو مَا كَانَت. كل ذَلِك مُذَكّر عِنْد اللحياني. (قَالَ) : وَقد (يؤنث) الذُّنُوب. و «السَّجْل» بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وبالجيم الساكنة: الدَّلْو الْكَبِيرَة إِذا كَانَ فِيهَا مَاء، قَلَّ أَو كثر، قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهُوَ مُذَكّر، وَلَا يُقَال: سجل إِذا لم يكن فِيهِ مَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 و «مَه» كلمة زجر، وَيُقَال: «بِهِ» بِالْبَاء أَيْضا، وَهُوَ اسْم مَبْنِيّ عَلَى السّكُون، مَعْنَاهُ: اسْكُتْ. قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : أَصْلهَا: مَا هَذَا، ثمَّ حذفت تَخْفِيفًا. قَالَ: وَقَالَ يَعْقُوب: هِيَ لتعظيم الْأَمر كبخٍ بخ. وَقد تنوَّن مَعَ الْكسر، ويُنَوَّن الأول ويُكسر الثَّانِي بِغَيْر تَنْوِين. وَقَوله: «فَشَنَّه عَلَيْهِ» يُروى بالشين الْمُعْجَمَة، والمهملة، وَمَعْنَاهُ: صَبَّه. وفرَّق بعض الْعلمَاء بَينهمَا، فَقَالَ: هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ: الصب فِي سهولة، وبالمعجمة: التَّفْرِيق فِي صبه. فَائِدَة مهمة يُرحل إِلَيْهَا: وَهِي أَن الَّذِي بَال فِي الْمَسْجِد، مَا اسْمه؟ وليُعْلَم أَنه ذُو الْخوَيْصِرَة الْيَمَانِيّ، كَذَا سَاقه بِإِسْنَادِهِ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» ، وَلَا أعلم أحدا ذكره فِي المبهمات، وَهُوَ أحد مَا يسْتَدرك عَلَيْهِم ويُستفاد. الحَدِيث الْعشْرُونَ أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إنَّما يُغْسَل مِنْ بَوْل الْجَارِيَة، ويُرَشُّ عَلى بَوْل الْغُلَام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق: أَحدهَا: عَن عَلّي بن أبي طَالب - كرَّم الله وَجهه - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي بَوْل الرَّضِيع: يُنضح بَوْل الْغُلَام، ويُغسل بَوْل الْجَارِيَة» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وَابْن مَاجَه، (وَابْن خُزَيْمَة) ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لفظ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي أَوَاخِر «كتاب الصَّلَاة» : هَذَا حَدِيث حسن، رَفَعَ هِشَام الدستوَائي هَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة، و (وَقفه) سعيد بن (أبي) عرُوبَة عَن قَتَادَة، وَلم يرفعهُ. قَالَ: وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ، فَقَالَ: سعيد بن أبي عرُوبَة لَا (يرفعهُ) ، وَهِشَام يرفعهُ، وَهُوَ حَافظ. قَالَ اليبهقي: إلاَّ أَن غير معَاذ بن هِشَام - يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ عَن أَبِيه هِشَام مَوْصُولا - يرويهِ عَن هِشَام مُرْسلا. أَي: فَيكون هِشَام قد اخْتُلف عَلَيْهِ فِي رَفعه. وَلم يعبأ الْحَاكِم أَبُو عبد الله بذلك، فَذكره مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 هَذَا حَدِيث صَحِيح. (قَالَ: و) أَبُو الْأسود الديلِي - يَعْنِي رَاوِيه عَن عَلّي - صَحَّ سَمَاعه من عَلّي، وَهُوَ عَلَى شَرطهمَا صَحِيح وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهِدَانِ صَحِيحَانِ. وهما الطريقان الآتيان بعد هَذَا. ثَانِيهَا: عَن أبي السَّمْح رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كنت أخدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأُتِيَ بِحسن - أَو حُسَيْن - فَبَال عَلَى صَدره، فجئتُ أغسله، فَقَالَ: يُغسل (من) بولِ الْجَارِيَة، ويُرَش من بولِ الْغُلَام» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة والحاكمان: أَبُو أَحْمد فِي «كناه» ، وَأَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث أبي السَّمْح هَذَا حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَيْضا: أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» (بِلَفْظ) : «يُنْضَحُ بولُ الغلامِ، ويُغْسَلُ بولُ الْجَارِيَة» . وَقَالَ: أَبُو السَّمْح لَا يُعْلَمُ (حدَّث) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إلاَّ بِهَذَا الحَدِيث، وَلَا لهَذَا الحَدِيث إسنادٌ إلاَّ هَذَا، وَلَا يُحفظ هَذَا الحَدِيث إلاَّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي. قُلْتُ: لَهُ حَدِيث آخر. قَالَه بَقِي بن مخلد. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا حَدِيث لَا تقوم بِهِ حجَّة، والمُحِلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 ضَعِيف، وَرِوَايَة من رَوَى الصب عَلَى بَوْل الصَّبِي، وإتباعه (بِالْمَاءِ) أصح. وَتَبعهُ ابْن عبد الْحق فِي كِتَابه: «الرَّد عَلَى ابْن حزم فِي الْمُحَلَّى» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة يَحْيَى بن الْوَلِيد بن الْمسير أَبُو الزَّعْرَاء، وَفِيه جَهَالَة، لَمْ يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم بجَرح وَلَا (تَعْدِيل) ، وَلَا غَيره من المتقدِّمين إلاَّ النَّسَائِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْس بِهِ. وَفِيه أَيْضا: مُحِلّ - بميم مَضْمُومَة، ثمَّ حاء مُهْملَة مَكْسُورَة، ثمَّ لَام مُشَدّدَة، كَذَا ضَبطه صَاحب «الإِمام» - (ابْن خَليفَة، قَالَ ابْن عبد الْبر فِيهِ: ضَعِيف. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. انْتَهَى مَا ذكره ابْن عبد الْحق. وَالْحق: صِحَّته، كَمَا قَالَه ابْن خُزَيْمَة، وَالْحَاكِم) وَكَذَا الْقُرْطُبِيّ فِي « (شرح مُسلم» ) . أَو حسنه، كَمَا قَالَ (البُخَارِيّ) . وَيَكْفِينَا فِي يَحْيَى بن الْوَلِيد (قَول) النَّسَائِيّ، وَكَذَلِكَ فِي «مَحل بن خَليفَة» قَول ابْن معِين وَأبي حَاتِم، وَقد أخرج لَهُ مَعَ ذَلِك البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» . فَائِدَة: قَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: لَا أعرف اسْم أبي السَّمْح هَذَا، وَلَا أعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث. وَذكر هَذَا الحَدِيث ابْن الْجَوْزِيّ فِي آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 «جَامع المسانيد» فِي تَرْجَمَة من عرف بكنيته وَلم يعرف اسْمه. قُلْتُ: (قد تقدَّم) أَن الْحَافِظ بَقِي بن مخلد قَالَ: إِن لَهُ حَدِيثا آخر. وَفِي «تَهْذِيب الْكَمَال» للشَّيْخ جمال الدَّين الْمزي أَنه رَوَى أَيْضا حديثين: أَحدهمَا: «كنت خَادِم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يغْتَسل قَالَ: وَلِّني قفاك. واستتر بِالثَّوْبِ» ، ثمَّ ذكر الثَّانِي: «كَانَ يجاء بالْحسنِ - أَو الْحُسَيْن - فيبول عَلَى صَدره، فأرادوا أَن يغسلوه، فَقَالَ: رشوه، فإنَّه يغسل من بَوْل الْجَارِيَة، ويرش من بَوْل الْغُلَام» . (وَغير) الشَّيْخ جمال الدَّين الْمزي ساقهما (مساق) حَدِيث واحدٍ، كَأبي دَاوُد (وَغَيره) . وَأما اسْمه، فَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر، وجمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» : يُقَال إِن اسْمه (إياد) . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» : اسْمه مَالك. قَالَ: كَذَا سَمَّاه يَحْيَى بن يُونُس. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن لبَابَة بنت الْحَارِث، قَالَت: «كَانَ الْحُسَيْن بن عَلّي فِي حجر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَبَال عَلَيْهِ، فَقلت: البس ثوبا جَدِيدا، وَأَعْطِنِي إزارك حتَّى أغسله. فَقَالَ: إنَّما يُغْسل من بَوْل الْأُنْثَى، ويُنْضح من بَوْل الذّكر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 رَوَاهُ الإِمام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: ولبابة هِيَ بنت الْحَارِث الْكُبْرَى، أمهَا هِنْد، ولدت من الْعَبَّاس سِتَّة: الْفضل، وَعبد الله، وَعبيد الله، ومعبدًا، وَعبد الرَّحْمَن، وقُثَم. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (أَيْضا) فِي «أكبر معاجمه» من رِوَايَة قَابُوس بن الْمخَارِق، (عَن أَبِيه) ، عَن لبَابَة أَيْضا. وَهَذِه لَا تَقْتَضِي انْقِطَاعًا فِي (طَرِيق الأول) ، فإنَّ فِيهَا أَبُو مَالك النَّخعِيّ، وَقد تَقَدَّم أَنه ضَعِيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم (عَن أَبِيه: قَابُوس) هَذَا رَوَى عَن أم الْفضل بنت الْحَارِث - يَعْنِي لبَابَة الْمَذْكُورَة - وَسمع من أَبِيه، وَأَبوهُ سمع من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الطَّرِيق الرَّابِع: (عَن عَمْرو بن شُعَيْب) ، عَن أم كرز الْخُزَاعِيَّة الْكَعْبِيَّة رَضِي اللهُ عَنْهُا قَالَت: (أُتِيَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بصبي فَبَال عَلَيْهِ، فَأَمَر بِهِ فنضح، وأُتِيَ بِجَارِيَة فَبَالت عَلَيْهِ، فأَمَرَ بِهِ فَغسل» . رَوَاهُ الإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَلَفظه: (قَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «بَوْل الْغُلَام ينضح، وَبَوْل الْجَارِيَة يغسل» . قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: هَذَا حَدِيث مُنْقَطع؛ لِأَن عَمْرو بن شُعَيْب لم يدْرك أم كرز. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أُم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يُنضح بَوْل الْغُلَام، ويُغسل بَوْل الْجَارِيَة» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الْحسن، عَن أمه، عَنْهَا. و «إِسْمَاعِيل» هَذَا يُحتمل أَن يكون الْمَكِّيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 وَأَن يكون الْعَبْدي، فإنَّ كلا مِنْهُمَا يروي عَن الْحسن، فَإِن (يكن) الأول فضعيف، وإنْ يكن الثَّانِي فَثِقَة. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «الْأَوْسَط» (بالسند الْمَذْكُور) بِلَفْظ: «إِذا كَانَ الْغُلَام لم يطعم الطَّعَام صب عَلَى (بَوْله) ، وَإِذا كَانَت الْجَارِيَة غسل» . وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث هشيم، عَن يُونُس، عَن الْحسن، عَن أمه عَنْهَا: «أَن الْحسن - أَو الْحُسَيْن - بَال عَلَى بطن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذَهَبُوا ليأخذوه، فَقَالَ: لَا تُزْرِموا ابْني - أَو وَلَا تعجلوه - فَتَركه حتَّى قَضَى بَوْله، فَدَعَا بِمَاء ... » الحَدِيث. وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» من حَدِيث (الْمُبَارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 بن) فضَالة، عَن الْحسن بِلَفْظ: «يُصَبُّ عَلَيْهِ المَاء مَا لم يطْعَم، وَبَوْل الْجَارِيَة يُغسل غسلا طُعِمَتْ أَو لَمْ تُطْعَم» . (وَذكره) ابْن عبد الْبر مَوْقُوفا عَلَيْهَا، فإنَّه قَالَ: (أولَى) وَأحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب مَا قالته أم سَلمَة، قَالَت: «بَوْل الْغُلَام يُصب عَلَيْهِ (المَاء) صبا، وَبَوْل (الْجَارِيَة) يُغسل، طعمت أَو لم تطعم» ذكره الْبَغَوِيّ. الطَّرِيق السَّادِس: عَن نَافِع، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: «بَينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - راقدٌ فِي بعض (بيوته) ، عَلَى قَفاهُ، إذْ (جَاءَ) الْحسن يدرج، حتَّى قعد عَلَى صدر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ بَال عَلَى صَدره، فَجئْت أميطه عَنهُ، فَقَالَ: وَيحك يَا أنس، دعْ ابْني، وَثَمَرَة فُؤَادِي، فإنَّ من آذَى هَذَا فقد آذَانِي، وَمن آذَانِي فقد آذَى الله. ثمَّ دَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَاء، فصبَّه عَلَى الْبَوْل صَبًّا، فقَالَ: يُصبُّ عَلَى بَوْل الْغُلَام، ويُغسل بَوْل الْجَارِيَة» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَنَافِع هَذَا: هُوَ أَبُو هُرْمُز، قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: لَيْسَ بِثِقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 الطَّرِيق السَّابِع: عَن زَيْنَب بنت جحش، قَالَت: «تَقَيَّل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بَيْتِي، إِذْ أقبل الْحُسَيْن، وَهُوَ غُلَام، حتَّى جلس عَلَى بطن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ وضع ذَكَرَه فِي سُرَّتِه، قَالَت: فقمتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِمَاء. فَأَتَيْته بِمَاء، (فصبَّه) عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: يُغسل من (بَوْل) الْجَارِيَة، ويُصب عَلَيْهِ من الْغُلَام» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَفِيه لَيْث بن أبي سليم، عَن [حدمر] ، وَالْأول عرفت حَاله، وَالثَّانِي لَا أعرفهُ، قَالَ فِي (الْمِيزَان) فِي حَقه: لَيْسَ بمقنع. الطَّرِيق الثَّامِن: عَن عمَارَة (بن) أبي حَفْصَة، عَن أبي (مجلز) ، عَن حُسَيْن بن عَلّي - أَو (ابْن) حُسَيْن بن عَلّي -: حدَّثتنا امْرَأَة من أهلنا، قَالَت: «بَينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُسْتَلْقِيا عَلَى ظَهره، يلاعب صَبيا عَلَى صَدره، إذْ بَال، فَقَامَتْ لتأخذه وتضربه، قَالَ: دعيه، ائْتُونِي بكوز من مَاء. فنضح المَاء عَلَى الْبَوْل، حَتَّى تفايض المَاء عَلَى الْبَوْل، فَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 هَكَذَا يصنع بالبول، يُنضح من الذّكر، ويُغسل من الْأُنْثَى» . رَوَاهُ أَحْمد بن منيع فِي «مُسْنده» ، ثَنَا ابْن (علية) ، حَدَّثَنَا عمَارَة بِهِ. أَفَادَهُ الشَّيْخ فِي «الإِمام» . قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» : وَرَوَى حَدِيث بَوْل الْغُلَام (أَيْضا) : ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة، وَزَيْنَب رَضِي اللهُ عَنْهُم. ولَمَّا ذكر ابْن السكن فِي «صحاحه» حَدِيث أبي السَّمْح، قَالَ: وَعَن أم الْفضل عَنهُ (مثله. ثمَّ ذكر حَدِيث عَلّي. وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» فِي مَنَاقِب الْحُسَيْن، عَن أم الْفضل، ذكر (عَنْهَا) حَدِيثا، وَفِي آخِره: «قَالَ ابْن عَبَّاس: بَوْل الْغُلَام الَّذِي لم يَأْكُل يُرش، وَبَوْل الْجَارِيَة يُغسل» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد رُوِيَ بأسانيد، لم يخرجَاهُ. وَرَوَى ابْن مَاجَه بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي الْيَمَان الْمصْرِيّ قَالَ: سَأَلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 الشَّافِعِي عَن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث «يُرش من بَوْل الْغُلَام، ويُغسل من بَوْل الْجَارِيَة» . والماءان جَمِيعًا (وَاحِد) ؟ قَالَ: لِأَن بَوْل الْغُلَام من المَاء والطين، وَبَوْل الْجَارِيَة من اللَّحْم وَالدَّم، لِأَن الله لما خلق آدم، خُلقت حَوَّاء من ضلعه (الْقصير) ، فَصَارَ بَوْل الْغُلَام من المَاء والطين، وَصَارَ بَوْل الْجَارِيَة من اللَّحْم وَالدَّم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» - بعد أَن رَوَى مَا ورد فِي الْفرق بَين بَوْل الْجَارِيَة وَبَوْل الْغُلَام -: (و) الْأَحَادِيث المسندة فِي الْفرق بَينهمَا، إِذا ضُمَّ بَعْضهَا إِلَى بعض (قَوِيت) . قَالَ: وَكَأَنَّهَا لم تثبت عِنْد الشَّافِعِي (حِين) . قَالَ: وَلَا يتَبَيَّن لي فِي بَوْل الصَّبِي وَالْجَارِيَة فرق من السّنة. قَالَ: وَإِلَى مثل هَذَا ذهب البُخَارِيّ وَمُسلم، حَيْثُ لم يُودِعَا شَيْئا (مِنْهَا) فِي «كِتَابَيْهِمَا» إلاَّ أَن البُخَارِيّ اسْتحْسنَ حَدِيث أبي السَّمْح، وصَوَّب هشامًا فِي رفع حَدِيث عليّ. قَالَ: وَمَعَ ذَلِك فِعْل أم سَلمَة صَحِيح (عَنْهَا) ، (مَعَ) مَا سبق من الْأَحَادِيث الثَّابِتَة. يَعْنِي الَّتِي رَوَاهَا فِي الرش عَلَى بَوْل الصَّبِي. وَذكر فِي «خلافياته» (حَدِيث) عَلّي، وَقَول الْحَاكِم فِيهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 وَحَدِيث أم سَلمَة، ثمَّ قَالَ: قد صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ عَن عَلّي وَأم سَلمَة، وَلَا يُعْرفُ لَهما من الصَّحَابَة مخالفٌ. الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ عَن أم قيس بنت مُحصن رَضِي اللهُ عَنْهُا: «أَنَّهَا أَتَت (إِلَى) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِابْن لَهَا لم يبلغ أَن يَأْكُل الطَّعَام، فَبَال فِي حِجْر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَدَعَا بِمَاء، فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبه، وَلم يغسلهُ غسلا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «لم يَأْكُل الطَّعَام» ، وَهِي الَّتِي ذكرهَا الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه، بِإِسْنَاد جيد: «فرشَّ عَلَيْهِ» بدل: « (فنضحه) عَلَى بَوْله» . وَرَوَى الشَّيْخَانِ مثله من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا، قَالَت: «أُتِيَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بصبي، فَبَال عَلَى ثَوْبه، فَدَعَا بِمَاء، فنضحه وَلم يغسلهُ» . فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهمَا: فِي اسْم أم قيس قَولَانِ: أَحدهمَا: آمِنَة بنت وهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 بن مُحصن، قَالَه السُّهيْلي. الثَّانِي: جذامة، قَالَه ابْن [عبد الْبر] ، وَقد سبقا فِي الحَدِيث السَّادِس عشر. الثَّانِيَة: لَا أعلم أحدا من الْحفاظ ذكر (اسْم) ابْن أم قيس، وَأما الصَّبِي الْمَذْكُور فِي حَدِيث عَائِشَة، فحكي عَن شَيخنَا قطب الدَّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي - قَدَّس الله روحه - (أَنه) قَالَ: يُحتمل أَن يكون الصَّبِي الْمَذْكُور عبد الله بن الزبير. وأيَّده بِمَا (رَوَاهُ) الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة، قَالَت: «بَال ابْن الزبير عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخَذته أخذا عنيفًا، فَقَالَ: إِنَّه لم يَأْكُل الطَّعَام، وَلَا يضر بَوْله» . الْحجَّاج بن أَرْطَاة: ضَعِيف ومدلِّس. وَقد عنعن فِي هَذِه الرِّوَايَة. قَالَ: ويُحتمل أَن يكون الْحسن رَضِي اللهُ عَنْهُ. وأيَّده بِمَا (رَوَى) الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» بِإِسْنَادِهِ عَن أم الْفضل «أَنَّهَا أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن بَضْعَةً من جسدك قُطعت، فَوضعت فِي حجري. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: خيرا رأيتِ، تَلد فَاطِمَة - إِن شَاءَ الله - غُلَاما فَيكون فِي حجرك. فَولدت فَاطِمَة رَضِي اللهُ عَنْهُ حسنا، فَكَانَ فِي حجرها، فَدخلت بِهِ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبَال عَلَيْهِ، فذهبتُ أتناوله، فَقَالَ: دعِي ابْني، إنَّه لَيْسَ بِنَجس. ثمَّ دَعَا بِمَاء فصبَّه عَلَيْهِ» . إِسْنَاده جيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 قُلْتُ: وَيحْتَمل قولا ثَالِثا: وَهُوَ أَن يكون الْحُسَيْن رَضِي اللهُ عَنْهُ ويؤيِّده مَا رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ عَن أم الْفضل، قَالَت: «دخل عليَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا أُرضع الْحُسَيْن بن عَلّي بِلَبن ابنٍ كَانَ يُقَال لَهُ: قثم. قَالَت: فتناوله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فناولته إِيَّاه، فَبَال عَلَيْهِ. قَالَت: فَأَهْوَيْت بيَدي إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تزرمي ابْني. قَالَت: فرشَّه بِالْمَاءِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: بَوْل الْغُلَام الَّذِي لم يَأْكُل (يُرش) ، وَبَوْل الْجَارِيَة يُغسل» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث قد رُوي بأسانيد، وَلم يخرجَاهُ. وَذكر (ذَلِك) فِي تَرْجَمَة الْحُسَيْن بِالْيَاءِ رَضِي اللهُ عَنْهُ فَسَلِمَ من ادِّعَاء التَّصْحِيف بالْحسنِ مُكَبَّرًا. ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك مثله فِي «مُسْند أَحْمد» ، و «سنَن أبي دَاوُد» ، و «الدَّارَقُطْنِيّ» ، وَغَيرهمَا كَمَا تقدم. الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا وَلَغَ الكلبُ فِي إناءِ أحدكُم فَلْيُرِقْه، وليغسله سبعا، أولَاهُنَّ - أَو إِحْدَاهُنَّ - بِالتُّرَابِ» . هَذَا الحَدِيث أصل من الْأُصُول الْمُعْتَمد عَلَيْهَا، وَهُوَ مَشْهُور، فلنذكره من جَمِيع طرقه، فَنَقُول: رَوَى البُخَارِيّ، وَمُسلم، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا شرب الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغسله سبع مَرَّات» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَرَوَاهُ كَذَلِك قبلهمَا (مَالك) فِي «الْمُوَطَّأ» . قَالَ ابْن عبد الْبر: كَذَا قَالَ مَالك فِي هَذَا الحَدِيث: «إِذا شرب» وَغَيره من الروَاة يَقُولُونَ: «إِذا ولغَ» . وَهُوَ الَّذِي يعرفهُ أهل اللُّغَة. وَكَذَا استغربَ هَذِه اللَّفْظَة الحافظان، أَبُو بكر الإِسماعيلي فِي «صَحِيحه» ، والحافظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه. وَقد تَابع مَالِكًا عَلَى لَفظه: «إِذا شرب» : الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن وورقاء بن عمر، عَن أبي الزِّنَاد؛ رَوَى الطَّرِيق الأول أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ، وَالثَّانِي أَبُو بكر الجوزقي فِي «كِتَابه» . وَرَوَاهُ أَيْضا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيه أَيْضا «إِذا شرب» . وَقد اختُلف عَلَى مَالك فِي لفظ «الشّرْب» ، و «الولوغ» وَالْمَشْهُور (عَنهُ) ، مَا قَالَ أَبُو عمر. أَفَادَ ذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليرقه، ثمَّ ليغسله سبع (مرارٍ) » . قَالَ ابْن مَنْدَه: وَهَذِه الزِّيَادَة - وَهِي: «فليرقه» - تَفَرَّد بهَا عَلّي بن مسْهر، وَلَا تُعْرف عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِوَجْه من الْوَجْه إلاَّ من هَذِه الرِّوَايَة. قُلْتُ: وَلَا يضرّ تفرُّده بهَا، فإنَّ عَلّي بن مسْهر إِمَام حَافظ، متَّفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 عَلَى عَدَالَته والاحتجاج بِهِ، وَلِهَذَا (قَالَ) - بعد تَخْرِيجه لَهَا - الدَّارَقُطْنِيّ: إسنادها حسن، ورواتها ثِقَات. وأخرجها إِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَلَفظه: «فليهرقه» . وَفِي رِوَايَة «لمُسلم» : «طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب، أَن يغسلهُ سبع مَرَّات، أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الإِناء، فاغسلوه سبع مَرَّات، السَّابِعَة بِالتُّرَابِ» . ورجالها ثِقَات. كَمَا قَالَه صَاحب «الإِمام» . وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة للشَّافِعِيّ، (وَالْبَيْهَقِيّ) : «أُولاهن - أَو أُخراهن - بِالتُّرَابِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: «أُولاهن - أَو قَالَ: أولهنَّ - بِالتُّرَابِ» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة للبزار: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الإِناء، يُغسل سبع مَرَّات، آخِره بِالتُّرَابِ» . وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَغَيره عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا فِي الْكَلْب يلغ فِي الْإِنَاء: «أَنه يُغسل ثَلَاثًا، أَو خمْسا، أَو سبعا» . وَهِي ضَعِيفَة، بَيَّن الْبَيْهَقِيّ ضعفها (وَاضحا) فِي «سنَنه» ، و «خلافياته» . وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث عبد الله بن مُغفل مَرْفُوعا: «إِذا وَلَغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فاغسلوه سبعا، وعَفِّرُوه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ» . وَقَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاده مُجْمَع عَلَى صحَّته. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «التَّحْقِيق» : انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ. وَهُوَ سبق قلم مِنْهُ قطعا، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَن يكْتب: انْفَرد بِهِ مُسلم، فَسبق الْقَلَم إِلَى البُخَارِيّ، فليصلح. وَرَدَّ الْبَيْهَقِيّ هَذِه الرِّوَايَة (بِأَن) قَالَ: أَبُو هُرَيْرَة أَحْفَظ من رَوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 الحَدِيث فِي دهره، فروايته أَولى. وَأما الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف - وَهِي: «أُولاهن أَو إِحْدَاهُنَّ» - بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ - فَغَرِيبَة. وَقد أخرجهَا كَذَلِك - (عَلَى [مَا] وجدته خطا) - أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا وَلَغَ الْكَلْب فِي الإِناء، غُسل سبع مَرَّات، أُولاهن أَو (إِحْدَاهُنَّ) بِالتُّرَابِ» . وَهَذِه الرِّوَايَة سندها كسند الشَّافِعِي فِي رِوَايَة: «أُولاهن أَو أُخراهن» ، فإنَّ الشَّافِعِي أخرجهَا فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أَيُّوب (بِهِ) . فَيتَوَقَّف حينئذٍ فِي لفظ: «إِحْدَاهُنَّ» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَيُقَال: لَعَلَّهَا «أُخراهن» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، لِأَن السَّنَد وَاحِد، وَقد يقُال: لَا يلْزم ذَلِك؛ لِأَن التِّرْمِذِيّ أخرج بِهَذَا السَّنَد - أَعنِي طَرِيق أَيُّوب - رِوَايَته (السالفة) : «أُولاهن، أَو قَالَ: أولهنَّ» ، فابحث عَن ذَلِك. نعم، رِوَايَة: «إِحْدَاهُنَّ» - من غير شكّ - (مَشْهُورَة) ، مَوْجُودَة من ثَلَاث طرق - وَقد ذكرهَا الرَّافِعِيّ بعد هَذَا وَحدهَا -: الأول: (رَوَى) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مَحْمُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 بن مُحَمَّد الْمروزِي، نَا الْخضر بن (أَصْرَم) ، نَا الْجَارُود، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن هُبَيْرَة بن يريم، عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (إِذا) وَلَغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغسله سبع مَرَّات، إِحْدَاهُنَّ بالبطحاء» . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذِه الرِّوَايَة (لَيست) فِي الصَّحِيح وَلَا فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة، رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَهِي غَرِيبَة. قُلْتُ: وَمَعَ غرابتها، فَفِي إسنادها جمَاعَة يجب معرفَة حَالهم: أحدهم: الْخضر بن أَصْرَم، لَا أعرفهُ، وَلم أره فِي (كتاب) (ابْن) أبي حَاتِم، وَلَا غَيره. الثَّانِي: الْجَارُود، وَهُوَ ابْن يزِيد، أَبُو عَلّي النَّيْسَابُورِي، مَتْرُوك الحَدِيث بإجماعهم. الثَّالِث: هُبَيْرَة بن يريم، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُبَيْرَة هَذَا شَبيه بالمجهولين. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» فِي كتاب الْحَضَانَة: مَجْهُول. وَقَالَ ابْن سعد: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن خرَاش: ضَعِيف. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» - مُعْتَرضًا عَلَى أبي حَاتِم الرَّازِيّ فِي قَوْله السالف -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 قد صَحَّح التِّرْمِذِيّ (حديثين) من طَرِيقه، ووثَّقه ابْن حبَان. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فإنَّه ذكره فِي «ثقاته» وَقَالَ: رَوَى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي. وَقَالَ الْحَافِظ جمال (الدَّين) الْمزي: رَوَى عَنهُ أَيْضا أَبُو فَاخِتَة. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَلم يَرْوِ عَنهُ غَيرهمَا. وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ، هُوَ أحبّ إِلَيْنَا (من) الْحَارِث. فَإِذن ارْتَفَعت عَنهُ جَهَالَة الْعين وَالْحَال، فلولا مَا مَضَى، (لَكَانَ حسنا) . أما [مَحْمُود بن مُحَمَّد] الْمروزِي (السَّابِق) : فقد ذكره الْخَطِيب فِي «تَارِيخه» وحَسَّن حَاله. الطَّرِيق الثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث أبي هِلَال الرَّاسِبِي، وَيزِيد بن إِبْرَاهِيم، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، ليغسله سبع مَرَّات، إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . وَأَبُو هِلَال الرَّاسِبِي اسْمه مُحَمَّد بن سليم، بَصرِي، وَلم يكن من بني راسب، وإنَّما نزل فيهم، رَوَى لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَفِيه مقَال، كَانَ يَحْيَى بن سعيد لَا يعبأ بِهِ، وَقَالَ يزِيد بن زُرَيْع: عَدَلت عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 عمدا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. ووثَّقه (أَبُو دَاوُد) . وَقَالَ ابْن معِين: صَدُوق. الطَّرِيق الثَّالِث: رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا (فِي «مُسْنده» ) ، عَن عباد بن يَعْقُوب، عَن الْوَلِيد بن أبي ثَوْر، عَن السُّدي، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا وَلَغ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغسله سبع مَرَّات - أَحْسبهُ قَالَ -: إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . وعَبَّاد بن يَعْقُوب هَذَا هُوَ الراوجني، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا، وَقَالَ ابْن حبَان: هُوَ رَافِضِي دَاعِيَة. والوليد بن أبي ثَوْر ضَعَّفه النَّسَائِيّ وَغَيره. والسُّدي هُوَ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن، مُخْتَلَف فِيهِ، وثَّقه أَحْمد، وضعَّفه ابْن معِين، ورُمي بالتشيع، وَهُوَ السُّدي الْكَبِير، صَاحب التَّفْسِير، وَأما السُّدي الصَّغِير فَهُوَ مُحَمَّد بن مَرْوَان، يروي عَن الْأَعْمَش، وَهُوَ مُتَّهم هَالك. ووالده: لَا أعرف حَاله، وَقد أخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ. (ثمَّ) اعْلَم أَن مُقْتَضَى كَلَام النَّوَوِيّ (فِي «شرح الْمُهَذّب» ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمسَائِل المنثورة ثُبُوت هَذِه اللَّفْظَة - أَعنِي لَفْظَة: «إِحْدَاهُنَّ» - وَقد عرفت حَاله، وَكَلَامه فِيهَا فِي «شرح الْمُهَذّب» كَمَا سلف. الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الهِرَّة: «إنّها لَيست بنجسة، إنَّها من الطوافين عَلَيْكُم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور، رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، حُفَّاظ الإِسلام: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، والدارمي، فِي «مسانيدهم» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» ، و «الْمعرفَة» . من رِوَايَة أبي قَتَادَة رَضِي اللهُ عَنْهُ. وَليكن كلامنا عَلَى هَذَا الحَدِيث مُلَخصا فِي ثَلَاثَة فُصُول: الأول: فِيمَن صحَّحه، و (شُبْهَة) من أعلَّه قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث حسن صَحِيح وَإنَّهُ أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب، وَإِن مَالِكًا جَوَّد إِسْنَاده عَن إِسْحَاق [بن] عبد الله، وَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 أحدا لم يأتْ بِهِ أتم مِنْهُ. قَالَ: وَسَأَلت البُخَارِيّ (عَنهُ) ، فَقَالَ: جَوَّده مَالك بن أنس، وَرِوَايَته أصحّ من رِوَايَة غَيره. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، عَلَى أَنَّهُمَا قد استشهدا جَمِيعًا بِمَالك بن أنس، وَأَنه (الحكم) فِي حَدِيث الْمَدَنِيين، وَهَذَا الحَدِيث (ممَّا) صحَّحه مَالك واحتجَّ بِهِ فِي «الْمُوَطَّأ» وَمَعَ هَذَا فَلهُ شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح: نَا أَبُو عبد الله القَاضِي ببخارا (ثَنَا مُحَمَّد بن أَيُّوب) ، أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، نَا سُلَيْمَان بن مسافع بن شيبَة الحَجبي، قَالَ: سَمِعت مَنْصُور بن صَفَيَّة بنت شيبَة يحدِّث عَن أمه صَفِيَّة، (عَن) عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إنَّها لَيست بِنَجس، هِيَ كبعض أهل الْبَيْت - يَعْنِي الْهِرَّة» . وَهَذَا الشَّاهِد الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الْحَاكِم أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَلَفظه: «هِيَ كبعض مَتَاع الْبَيْت - يَعْنِي الْهِرَّة» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرَّد بِهِ سُلَيْمَان بن مسافع. قُلْتُ: ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 الْعقيلِيّ فِي «الضُّعَفَاء» قَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر فِي كِتَابه «معرفَة السّنَن والْآثَار» فِي حَدِيث أبي قَتَادَة: إِسْنَاده صَحِيح والاعتماد عَلَيْهِ. وصحَّحه أَيْضا الإِمامان أَبُو بكر بن خُزَيْمَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُمَا أَخْرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَمَا قدَّمناه عَنْهُمَا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ (فِي «علله» ) طرقه، ثمَّ قَالَ: رُوي مَرْفُوعا وموقوفًا. قَالَ: وَرَفعه صَحِيح. قَالَ: ولعلَّ من وَقفه لم يسْأَل أَبَا قَتَادَة: هَل عِنْده عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهِ أثر أم لَا؟ لأَنهم حَكوا فعل أبي قَتَادَة حسب. قَالَ: وأحسنها إِسْنَادًا مَا (رَوَى) مَالك، عَن إِسْحَاق، عَن امْرَأَته، عَن أمهَا، عَن أبي قَتَادَة، وحَفِظَ أَسمَاء (النِّسَاء وأنسابهن) وجَوَّد ذَلِك، وَرَفعه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَخَالف الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ - بعد أَن أخرجه من رِوَايَة مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، ثمَّ ذكر اخْتِلَاف رواياته -: أم يَحْيَى اسْمهَا حميدة، وخالتها هِيَ كَبْشَة، وَلَا يُعرف لَهما رِوَايَة إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث، (ومحلهما مَحل) الْجَهَالَة، وَلَا (يثبت) هَذَا الْخَبَر من وَجه من الْوُجُوه وسبيله سَبِيل الْمَعْلُول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : جَرَى ابْن مَنْدَه عَلَى مَا اشْتهر عَن أهل الحَدِيث أَنه من لَمْ يَرْوِ عَنهُ إلاَّ وَاحِد، فَهُوَ مَجْهُول. قَالَ: ولعلَّ من صحَّحه اعْتمد عَلَى كَون مَالك رَوَاهُ وَأخرجه، مَعَ مَا عُلِمَ من تشدُّده وتحرِّيه فِي الرِّجَال، وَأَن كل من رَوَى عَنهُ فَهُوَ ثِقَة، كَمَا صحَّ عَنهُ. ونقلناه فِي مُقَدمَات هَذَا الْكتاب. قَالَ: فإنْ سلكت (هَذَا) الطَّرِيق فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث - أَعنِي عَلَى تَخْرِيج مَالك لَهُ - وإلاَّ فَالْقَوْل مَا (قَالَ) ابْن مَنْدَه، وَقد ترك الشَّيْخَانِ إِخْرَاجه فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَقَالَ فِي «الإِمام» : إِذا لم يعرف لحميدة وكبشة رِوَايَة إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث، فلعلَّ طَرِيق من صحَّحه أَن يكون اعْتمد عَلَى إِخْرَاج مَالك لروايتهما، مَعَ شهرته بالتشدُّد. وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح (ابْن سيد النَّاس) الْيَعْمرِي: بَقِيَ عَلَى ابْن مَنْدَه أَن يَقُول: (وَلم يُعْرَفْ) حَالهمَا من جارح، فكثير من رُواة الْأَحَادِيث مقبولون. قُلْتُ: هَذَا لَا بُد مِنْهُ، (وَأَنا) أستبعد كل الْبعد توارد الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين عَلَى تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، مَعَ جهالتهم بِحَال حميدة وكبشة، فإنَّ الإِقدام (عَلَى التَّصْحِيح) - وَالْحَالة هَذِه - لَا يحلُّ بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فلعلهم اطَّلَعوا عَلَى حَالهمَا، وخفي علينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 قَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : وَهَذَا الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد حسنٌ، وَلَيْسَ فِيهِ سَبَب مُحَقّق فِي ضعفه. قُلْتُ: وَقد ظهر أَن جَمِيع مَا (عَلَّله) بِهِ ابْن مَنْدَه - وتُوبع عَلَيْهِ - فِيهِ نظر. أما قَوْله: «إِن حُميدة لَا تُعرف لَهَا رِوَايَة إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث» فخطأ، فلهَا ثَلَاثَة أَحَادِيث، أَحدهَا: هَذَا. وَثَانِيها: حَدِيث «تشميت الْعَاطِس» أخرجه أَبُو دَاوُد مُصَرحًا (باسمها) ، وَالتِّرْمِذِيّ (مُشِيرا) (إِلَيْهِ) ، فإنَّه قَالَ: عَن عمر بن إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة، عَن أمه، عَن أَبِيهَا. وحَسَّنه التِّرْمِذِيّ عَلَى مَا نَقله ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ: أَنه حَدِيث غَرِيب، وَإِسْنَاده مَجْهُول. وَثَالِثهَا: حَدِيث «رِهان (الْخَيل) طِلْق» ، رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث يَحْيَى بن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أمه، عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا بِهِ. وَأما قَوْله فِي «كَبْشَة» فَكَمَا قَالَ، فَلم أَرَ لَهَا حَدِيثا آخر، وَلَا يَضرهَا (ذَلِك) فإنَّها ثِقَة كَمَا سَيَأْتِي. وَأما قَوْله: إِن (مَحلهمَا) الْجَهَالَة فخطأ، أمَّا حُميدة فقد رَوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 عَنْهَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، (رَاوِي) حَدِيث «الْهِرَّة» وَابْنه يَحْيَى فِي (حَدِيث) «تشميت الْعَاطِس» من طَرِيق أبي دَاوُد، وَقد وَثَّقه ابْن معِين. وَفِي طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَن الرَّاوِي عَنْهَا ابْنهَا (عمر) بن إِسْحَاق، فَإِن لم يكن غَلطا، فَهُوَ ثَالِث، وَهُوَ أَخُو يَحْيَى. وَذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» فقد زَالَت (عَنْهَا) الْجَهَالَة العينية والحالية. وَأما كَبْشَة (فَلم أعلم) رَوَى عَنْهَا غير حُميدة، لَكِن ذكرهَا ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: إِن الرَّاوِي إِذا وثق زَالَت جهالته، وَإِن لم يَرْوِ عَنهُ إلاَّ وَاحِد. وَأَعْلَى من هَذَا أَنَّهَا صحابية، كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» وَكَذَا نَقله أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ عَن جَعْفَر. وَأما قَوْله: وَلَا يثبت هَذَا الْخَبَر بِوَجْه من الْوُجُوه. فخطأ، فقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «الْأَفْرَاد» فَقَالَ: ثَنَا مُوسَى بن هَارُون، ثَنَا عمر بن الْهَيْثَم بن أَيُّوب الطَّالقَانِي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن أَسِيْد بن أبي أسيد، عَن أَبِيه: «أنَّ أَبَا قَتَادَة كَانَ يُصْغِي الإِناء للهرة، فَتَشرب مِنْهُ، ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها، فَقيل لَهُ: أتتوضأُ بفضلها؟ ! فَقَالَ: إنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إنَّها (لَيست) بِنَجس، (إنَّما هِيَ) من الطوَّافين عَلَيْكُم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 فَهَذِهِ مُتَابعَة لكبشة، وَهَذَا سَنَد لَا أعلم بِهِ بَأْسا. فقد اتَّضَح وَجه تَصْحِيح الْأَئِمَّة لهَذَا الحَدِيث، وَخطأ معلله، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، فاستفده فإنَّه من الْمُهِمَّات. الْفَصْل الثَّانِي: فِي ذكر أَلْفَاظه، وَاخْتِلَاف طرقه فإنَّ الْحَاجة تشتد إِلَى ذَلِك؛ لِأَنَّهُ عُمْدَة مَذْهَبنَا فِي طَهَارَة سُؤْر السبَاع، وَسَائِر الْحَيَوَان غير الْكَلْب وَالْخِنْزِير، وَفرع أَحدهمَا، (فَنَقُول) : (لفظ) رِوَايَة مَالك: عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن حُميدة بنت أبي عُبَيْدَة بن فَرْوَة، عَن خَالَتهَا كَبْشَة ابْنة كَعْب بن مَالك - وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة - أَنَّهَا أخْبرتهَا: «أَن أَبَا قَتَادَة دخل عَلَيْهَا، فَسَكَبت (لَهُ) وضُوءًا، فَجَاءَت هرة لتشرب مِنْهُ، فأصغى لَهَا الإِناء حتَّى شربت، قَالَت كَبْشَة: فرآني أنظر إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنة أخي؟ قَالَت: (قُلْتُ) : نعم. فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إنَّها) لَيست بِنَجس، إنَّما هِيَ من الطوَّافين عَلَيْكُم، أَو الطوافات» . هَذَا لفظ رِوَايَة مَالك بحروفها. وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ مثلهَا سَوَاء، إلاَّ أَن رِوَايَة مَالك: «أَو الطوافات» (بِأَو) ، وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ: «إنَّما هِيَ من الطوافين والطوافات» بِالْوَاو، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 وبحذف «عَلَيْكُم» . وَرِوَايَة أَحْمد من طَرِيق مَالك كهذه، إلاَّ أَنه أثبت «عَلَيْكُم» . وَرِوَايَة ابْن حبَان، وَالْحَاكِم، كَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ، إلاَّ أَن فِي روايتهما إِثْبَات «عَلَيْكُم» ، وَابْن خُزَيْمَة كَذَلِك. وَفِي (روايتي) الدَّارمِيّ وَأبي دَاوُد: عَن كَبْشَة بنت كَعْب بن مَالك - وَكَانَت تَحت (ابْن) أبي قَتَادَة - (ثمَّ) فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «والطوافات» ، وَفِي رِوَايَة الدَّارمِيّ: «أَو الطوافات» كَذَا نَقله النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن مُسْند الدَّارمِيّ، وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ «والطوافات» كَرِوَايَة أبي دَاوُد بِحَذْف الْألف، وَفِيه: «تَحت أبي قَتَادَة» بِحَذْف «ابْن» . وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: «كَبْشَة بنت كَعْب، وَكَانَت تَحت بعض ولد أبي قَتَادَة» ، وفيهَا «والطوافات» بِالْوَاو. وَرِوَايَة الرّبيع عَن الشَّافِعِي، عَن مَالك (بِإِسْنَادِهِ) ، وَقَالَ فِي كَبْشَة: وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة، أَو أبي قَتَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الشَّك من الرّبيع. وَقَالَ فِيهِ «أَو الطوافات» (بِأَو) ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الرّبيع فِي مَوضِع آخر عَن الشَّافِعِي، ثمَّ قَالَ: وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة، وَلم يشك. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن الثِّقَة، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بِمثلِهِ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 الْفَصْل الثَّالِث: فِي الْكَلَام عَلَى شَيْء من إِسْنَاده ومفرداته قَالَ الإِمام أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَى هَذَا الحَدِيث يَحْيَى بن يَحْيَى، عَن مَالك، عَن إِسْحَاق، عَن حُميدة ابْنة أبي (عُبَيْدَة) بن فَرْوَة، عَن خَالَتهَا كَبْشَة ... الحَدِيث. هَكَذَا قَالَ يَحْيَى: عَن حُميدة بنت أبي عُبَيْدَة، وَلم يُتَابِعه عَلَى قَوْله ذَلِك أحد، وَهُوَ غلط (مِنْهُ) ، وَأما سَائِر (رُوَاة) الْمُوَطَّأ، فَيَقُولُونَ: (ابْنة عبيد بن رِفَاعَة. إلاَّ أَن زيد بن الْحباب قَالَ فِيهِ عَن مَالك) : حُميدة ابْنة عبيد بن رَافع. وَالصَّوَاب: رِفَاعَة، (وَهُوَ رِفَاعَة) بن رَافع الْأنْصَارِيّ. قُلْتُ: وَهُوَ فِي «صَحِيح ابْن حبَان» من رِوَايَة القعْنبِي، عَن مَالك: حُميدة بنت عبيد بن رِفَاعَة (ثمَّ) قَالَ: وَانْفَرَدَ يَحْيَى بقوله: عَن خَالَتهَا. وَسَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ يَقُولُونَ: «عَن كَبْشَة» لَا يذكرُونَ خَالَتهَا. (واخْتُلِفَ) فِي رفع الْحَاء، ونصبها من «حُميدة» وَأَشَارَ إِلَى أَن الْأَكْثَر ضمهَا، وتكنى حُميدة: أم يَحْيَى. وَهِي امْرَأَة إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة. ذكر ذَلِك يَحْيَى الْقطَّان فِي هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 ابْن الْمُبَارك: عَن مَالك [عَن إِسْحَاق، بِإِسْنَادِهِ مثله] إلاَّ أَنه قَالَ: «كَبْشَة امْرَأَة أبي قَتَادَة» . وَهَذَا وهمٌ، وَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَة (ابْن) أبي قَتَادَة. وَنقل النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد (أَنه) وَقع فِي رِوَايَة مَالك وَالتِّرْمِذِيّ: «تَحت أبي قَتَادَة» وَقَالَ: هُوَ مجَاز مَحْمُول عَلَى الرِّوَايَة (الْمَشْهُورَة) «تَحت ابْنه» . وَرَأَيْت من وَهَّم النَّوَوِيّ فِي نَقله ذَلِك عَن «الْمُوَطَّأ» وَوَهِمَ هُوَ فِي ذَلِك، (فَكَفَى) بالنووي أَن يُوَافق نَقله مَا نَقله ابْن الْمُبَارك، لَكِن الْمَشْهُور من رِوَايَة مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : «تَحت (ابْن) أبي قَتَادَة» وَكَذَلِكَ هُوَ مَوْجُود فِي «المُلَخَّص» للقابسي فَافْهَم ذَلِك. وَأما لَفْظَة: «أَو الطوافات» فَقَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد (الْبَاجِيّ) ، وَصَاحب «الْمطَالع» : يُحتمل أَن يكون عَلَى مَعْنَى الشَّك من الرَّاوِي، ويُحتمل أَن (يكون) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ ذَلِك، يُرِيد أَن (هَذَا) الْحَيَوَان لَا يَخْلُو أَن يكون من جملَة الذُّكُور الطوافين أَو الإِناث (الطوافات) . وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» هَذَا عَن صَاحب «الْمطَالع» وَحده، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَه مُحْتَمل. قَالَ: وَالْأَظْهَر أَنه للنوعين كَمَا جَاءَ فِي (رِوَايَات) «الْوَاو» . قَالَ أهل اللُّغَة: الطوافون: الخدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 والمماليك. وَقيل: هم الَّذين يخدمون بِرِفْق وعناية. وَإِنَّمَا جَمَعَ الهرَّة بِالْيَاءِ وَالنُّون، مَعَ أَنَّهَا لَا تعقل، لِأَن المُرَاد (أَنَّهَا) من جنس الطوَّافين (أَو الطوَّافات) . وَمَعْنى الحَدِيث: أَن الطوَّافين من الخدم وَالصغَار الَّذين سَقَطَ فِي حَقهم الْحجاب والاستئذان فِي غير الْأَوْقَات (الثَّلَاثَة) الَّتِي ذكرهَا الله - تَعَالَى - (و) إِنَّمَا سقط فِي حَقهم دون غَيرهم للضَّرُورَة، وَكَثْرَة (مداخلتهم) ، بِخِلَاف الْأَحْرَار الْبَالِغين، (وَكَذَا) يُعْفَى عَن الْهِرَّة للْحَاجة، وَقد أَشَارَ إِلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنى أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه «الأحوذي فِي شرح التِّرْمِذِيّ» وَذكر الخطَّابي أَن هَذَا الحَدِيث مؤل عَلَى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه شَبَّهها بخدم الْبَيْت وَمن يطوف عَلَى أَهله (للْخدمَة) . وَالثَّانِي: شبهها بِمن يطوف للْحَاجة وَالْمَسْأَلَة، وَمَعْنَاهُ: الْأجر فِي مواساتها (كالأجر) فِي مواساة من يطوف للْحَاجة (وَالْمَسْأَلَة) . (و) قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا الثَّانِي قد يأباه سِيَاق قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 وَالسَّلَام: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس» . وَهُوَ كَمَا قَالَ، بل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : إِنَّه غَرِيب بعيد. فإنْ قُلْتَ: فالخدم وَالْعَبِيد لَا يُعفى عَن نَجَاسَة أَفْوَاههم؟ فَالْجَوَاب: أَن نَجَاسَة (أَفْوَاههم) تندر، وَلَا يشق الِاحْتِرَاز، وَفِي هَذَا (بِخِلَافِهِ) . وَقَوْلها: «فسكبتُ لَهُ وَضوءًا» هُوَ بِفَتْح الْوَاو، وَهُوَ اسْم للْمَاء الَّذِي يُتَوضأ بِهِ، و «الوُضُوء» بِالضَّمِّ: اسْم للْفِعْل. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذِه اللُّغَة هِيَ قَول الْأَكْثَرين من أهل اللُّغَة. وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِنَّهَا لَيست بِنَجَس» هُوَ بِفَتْح الْجِيم، كَذَا قَيَّده غير وَاحِد، مِنْهُم: الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» ، وَالنَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» وَغَيرهم. قَالَ الله - تَعَالَى -: (إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس) . وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد المستنبطة مَا لَا يُستغنى (عَنهُ) ، [ذكرت] بعضه هُنَا، لِئَلَّا يطول الْكتاب، وَيخرج عَن مَوْضُوعه، وَهَذَا الْقدر كَاف. (وَبَقِي أَمر مُهِمّ) ، وَرَاء (هَذَا) كُله، وَهُوَ أَن الإِمام الرَّافِعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 وَقع لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث نُكْتَة غَرِيبَة، (وَهِي) : أَنه جعل (المُصْغِي الإِناء) للهرة هُوَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وتَبِعَ فِي ذَلِك الْمُتَوَلِي من أَصْحَابنَا فإنَّه ذكر ذَلِك فِي «تتمته» وَالْمَعْرُوف أَنه أَبُو قَتَادَة - فَقَالَ مَا نَصه: سُؤْر الْهِرَّة طَاهِر؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَة الْعين، وَمَا هُوَ طَاهِر الْعين، فَهُوَ طَاهِر السؤر، وَلذَلِك (لَمَّا تعجبوا) من إصغاء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الإِناء للهرة قَالَ: «إِنَّهَا لَيست بنجسة، إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم» جعل طَهَارَة الْعين عِلّة طَهَارَة السؤر. (انْتَهَى) ، فَذكرت (أَنا) الحَدِيث بِاللَّفْظِ الْمَعْرُوف فَافْهَم ذَلِك. نعم، فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة قَالَ: «كَانَ أَبُو قَتَادَة يُصْغِي الإِناء (للهرة فَتَشرب) ، ثمَّ يتَوَضَّأ بِهِ، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: مَا صنعت إلاَّ مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصنع» . فقد يَقْتَضِي ظَاهر هَذَا مُوَافقَة مَا أوردهُ المُصَنّف. الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصْغِي للهرة الإِناء) . هَذَا الحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ، (أَحدهمَا) : من طَرِيق جَابر، وَالثَّانِي: من طَرِيق عَائِشَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 أما الأول: فَرَوَاهُ ابْن شاهين فِي « (تَارِيخه» و) «ناسخه ومنسوخه» ، من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن صَالح، عَن جَابر، قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يضع) الإِناء للسنور، فيلغ فِيهِ، ثمَّ يتَوَضَّأ من فَضْلِه» . وَابْن إِسْحَاق عَقَدتُ لَهُ فصلا فِي «كتاب الصَّلَاة» فليُنْظَر مِنْهُ. وَأما الطَّرِيق الثَّانِي: فلهَا أَربع طرق: أَجودهَا: رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» ، من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، عَن عبد ربه بن سعيد، عَن أَبِيه، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يمر بالهرة، فيصغي لَهَا الإِناء، فَتَشرب ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: يَعْقُوب هَذَا هُوَ أَبُو يُوسُف القَاضِي، وَعبد ربه هُوَ عبد الله بن سعيد المَقْبُري، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم بِمرَّة. وَمَعْنى «يُصْغِي» : يمِيل تسهيلًا للشُّرْب عَلَيْهَا، وَمِنْه (فقد صغت قُلُوبكُمَا) ، أَي: مالتا عَن الْحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 الطَّرِيق الثَّانِي: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن عمر، عَن عبد الحميد (بن) عمرَان بن أبي أنس، عَن أَبِيه، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة: «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يصغي إِلَى الْهِرَّة الإِناء، حتَّى تشرب مِنْهُ، ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها» . مُحَمَّد بن (عمر) هُوَ الْوَاقِدِيّ، وَقد أَكثر القَوْل فِيهِ، وأفظع فِيهِ النَّسَائِيّ، فنسبه إِلَى وضع الحَدِيث. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الله بن سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة، قَالَت: «رُبمَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُكْفِىءُ الإِناء للسِنَّور حتَّى يشرب، ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ» . ذكره الشَّيْخ فِي «الإِمام» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الشّعبِيّ، عَن عَائِشَة: «أنَّ رَسُول الله توضَّأ ذَات يَوْم، فَجَاءَت الْهِرَّة فَشَرِبت من المَاء، فتوضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مِنْهُ) (وَشرب) (مِنْهُ) مَا بَقِي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 وَقد رُوي عَن عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا من طَرِيقين آخَرين: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتَوَضَّأ بِفضل الْهِرَّة» . أَحدهمَا: عَن (دَاوُد بن صَالح) التَمَار، عَن أمه « (أَن) مولاتها أرسلتها (بهريسة) إِلَى عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، فَوَجَدتهَا تصلِّي، فَأَشَارَتْ إليَّ أَن ضعيها، فَجَاءَت هرة فَأكلت مِنْهَا، فَلَمَّا انصرفت أكلت من حَيْثُ أكلت الْهِرَّة، فَقَالَت: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إنَّها لَيست بِنَجس، (إنَّما هِيَ) من الطوافين عَلَيْكُم. وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتوضَّأ بفضلها» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: تَفرَّد بِهِ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن دَاوُد بن صَالح، عَن أمه بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ. قُلْتُ: قَالَ أَحْمد فِي دَاوُد: لَا أعلم بِهِ بَأْسا. فَإِذا لَا يضر تفرُّده، لَكِن أمه مَجْهُولَة لَا يُعلَم لَهَا حَال، وَلِهَذَا قَالَ الْبَزَّار: لَا يثبت من جِهَة النَّقْل. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث، فرفعه قوم، وَوَقفه آخَرُونَ. وَاقْتَضَى كَلَامه أَن وَقفه هُوَ الصَّحِيح. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجم شُيُوخه» بِحَذْف أم دَاوُد، والإِتيان بِأَبِيهِ بدلهَا، من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، عَن [دَاوُد بن صَالح] ، عَن أَبِيه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 عَن عَائِشَة مَرْفُوعا فِي الْهِرَّة: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس» . (وَصَالح بن دِينَار) ، ذكره ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن حَارِثَة - بِالْحَاء الْمُهْملَة، (بعْدهَا ألف) ، ثمَّ رَاء مُهْملَة، ثمَّ ثاء مُثَلّثَة، ثمَّ هَاء - بن مُحَمَّد، (عَن عمْرَة) ، عَن عَائِشَة، قَالَت: «كنت أتوضأ أَنا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من إِنَاء وَاحِد، وَقد أَصَابَت مِنْهُ الْهِرَّة قبل ذَلِك» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: لَا بَأْس بحارثة. قُلْتُ: وضَعَّفه يَحْيَى، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَله طَرِيق ثَالِث: رَوَاهُ الْخَطِيب فِي «تَارِيخه» من حَدِيث (سلم بن) الْمُغيرَة الْأَزْدِيّ، نَا مُصعب بن ماهان، نَا سُفْيَان، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَت: «توضَّأت أَنا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من إِنَاء وَاحِد، وَقد أصَابَتْه الْهِرَّة قبل ذَلِك» ، ثمَّ قَالَ: تَفَرَّد بِهِ عَن سُفْيَان: مُصعب بن ماهان، وَلم أَرَه إلاَّ من حَدِيث سلم [عَنهُ] . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (سلم) لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 وَله طَرِيق رَابِع: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ، من حَدِيث جَعْفَر بن (عَنْبَسَة) الْكُوفِي، نَا عمر بن حَفْص (الْمَكِّيّ) ، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن (أنس) رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أَرض بِالْمَدِينَةِ - يُقَال لَهَا: (بطحان) - فَقَالَ: يَا أنس، اسكب لي وضُوءًا. فَسَكَبت لَهُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَاجته، أقبل إِلَى الإِناء، وَقد أَتَى هِرٌّ فولغ فِي الإِناء، فَوقف لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقْفَة حتَّى شرب الهر، ثمَّ توضَّأ، فَذكرت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر الهر، فَقَالَ: يَا أنس، إِن الهِرَّ من متاعِ البيتِ، لن يُقَذِّرَ شَيْئا، وَلنْ يُنجسهُ» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه عَن جَعْفَر بن (عَنْبَسَة) الْكُوفِي إلاَّ عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ، وَلَا رَوَى (عَن) عَلّي بن الْحُسَيْن عَن أنس [حَدِيثا] غير هَذَا. فإنْ قيل: قد ورد حَدِيث يُخَالف هَذِه الْأَحَادِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «يُغسل من ولوغ الْكَلْب سبعا، وَمن ولوغ الْهِرَّة مرّة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: - عَلَى تَقْدِير صِحَّته - أنَّ هَذِه اللَّفْظَة - وَهِي قَوْله: «وَمن ولوغٍ الْهِرَّة مرّة» - مدرجة فِي الحَدِيث من كَلَام أبي هُرَيْرَة، مَوْقُوفا عَلَيْهِ، (لَيست) من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَغَيره من الْحفاظ. الثَّانِي: - وَبِه أجَاب (الإِمام) الشَّافِعِي - أَن هَذَا الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر بالِاتِّفَاقِ؛ لِأَن ظَاهره (يَقْتَضِي) وجوب غسل الإِناء من ولوغ الْهِرَّة، وَلَا يجب ذَلِك بالإِجماع. خاتمتان: إِحْدَاهمَا: لَمَّا ذَكَر الإِمَام الرَّافِعِيّ الدَّلِيل عَلَى نَجَاسَة الْخمر قَالَ: أَلا ترَى أَن الشَّرْع حكم بِنَجَاسَة الْكلاب لَمَّا نهَى عَن مخالطتها، مُبَالغَة فِي الْمَنْع. انْتَهَى. فَأَما حكمه بنجاستها؛ فقد عَلمته مِمَّا تقدَّم، وَأما نَهْيه عَن مخالطتها؛ فَهُوَ ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث سَالم، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَن اقتنى كَلْبا، إلاَّ كلب صيد أَو مَاشِيَة، (فإنَّه) ينقص من أجره كل يَوْم قيراطان» . قَالَ سَالم: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: «أَو كلب حرث» وَكَانَ صَاحب حرث. وَفِي رِوَايَة: «كل يَوْم (قِيرَاط) » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : وَهِي من أَفْرَاد مُسلم. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَمن حَدِيث [سُفْيَان بن أبي زُهَيْر] ، وَقد صَحَّ الْأَمر (بقتلهن) ، وكل ذَلِك يدل عَلَى النَّهْي عَن (مخالطتهن) . الخاتمة الثَّانِيَة: (لَمَّا) ذَكَر الإِمام الرَّافِعِيّ أَن بَوْل الْمَأْكُول نجس، قَالَ: وَفِيه وَجه: أَنه طَاهِر، وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ. قَالَ: وَأَحَادِيثه مَشْهُورَة فِي الْبَاب مَعَ تَأْوِيلهَا ومعارضاتها. فلنذكر طرفا مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ فَنَقُول: بَوْل الْحَيَوَان الْمَأْكُول (وروثه) نجس عندنَا، وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَغَيرهمَا. وَقَالَ عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَالزهْرِيّ وَمَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ (وَزفر) وَأحمد: بَوْله وروثه طاهران. وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل من أَصْحَابنَا: ابْن خُزَيْمَة، وَالرُّويَانِيّ، كَمَا ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ، وَهُوَ قَول أبي سعيد الأصطخري. وَعَن اللَّيْث وَمُحَمّد بن الْحسن: أَن بَوْل الْمَأْكُول طَاهِر دون روثه. (و) قَالَ أَبُو حنيفَة: ذَرْقُ الحَمَام طَاهِر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 احتجَّ من قَالَ بِالطَّهَارَةِ بِأَحَادِيث: الأول: حَدِيث أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته، قَالَ: (قدم نَاس من عُكْل أَو عرينة، (فاجتووا) الْمَدِينَة، فَأمر لَهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بلِقاح، وَأمرهمْ أَن يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا» . الثَّانِي: عَن جَابر رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا أُكِل لَحْمه، فَلَا بَأْس ببوله» . الثَّالِث: عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا بَأْس ببول مَا أكل لَحْمه» (رَوَاهُمَا) الدَّارَقُطْنِيّ. واحتجَّ من قَالَ بِالنَّجَاسَةِ: بقول الله - تَعَالَى -: (وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث) ، وَالْعرب تستخبث هَذَا، وبإطلاق الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْوَارِدَة فِي تَعْذِيب من لَا (يستنز) مِنْهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانه، حَيْثُ ذكره المُصَنّف فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء إِن شَاءَ الله - تَعَالَى. وبالقياس عَلَى مَا لَا يُؤكل، وَعَلَى دم الْمَأْكُول. (وَالْجَوَاب) عَن حَدِيث أنس: أَنه كَانَ للتداوي، وَهُوَ جَائِز بِجَمِيعِ النَّجَاسَات، سُوَى الْخمر والمسكرات، وَقَالَ الشَّافِعِي وَغَيره: إِنَّه مَنْسُوخ، إِذْ فِيهِ الْمثلَة، وَقد نهي بعد عَنْهَا. لَكِن لَعَلَّ مُرَادهم الْعقُوبَة خَاصَّة، لَا جملَة مَا (دلّ) عَلَيْهِ من الْأَحْكَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 (وَعَن) حَدِيث جَابر: أَنه ضَعِيف (جدًّا) ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ، فإنَّ فِي إِسْنَاده: عَمْرو بن الْحصين الْعقيلِيّ، وَهُوَ واهٍ جدًّا. (و) قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ذَاهِب الحَدِيث، لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: ضَعِيف جدًّا، يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. وَقَالَ ابْن عدي: حَدَّث عَن الثِّقَات بِغَيْر حَدِيث (مُنكر) ، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَفِي إِسْنَاده أَيْضا: يَحْيَى بن الْعَلَاء (أَبُو عَمْرو) البَجلِيّ الرَّازِيّ، وَقد ضَعَّفوه (جدًّا) ، كَانَ وَكِيع شَدِيد الْحمل عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: كَذَاب، يضع الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي وَالنَّسَائِيّ والأزدي: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن عدي: الضعْف عَلَى حَدِيثه بَيِّن، وَأَحَادِيثه مَوْضُوعَات. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالمقلوبات، لايجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَالْجَوَاب عَن حَدِيث الْبَراء بن عَازِب: أَنه ضَعِيف - أَيْضا - جدًّا، (بل قَالَ) ابْن حزم فِي كِتَابه «المحلَّى» : هُوَ خبر بَاطِل مَوْضُوع؛ لِأَن فِي إِسْنَاده سَوَّار بن مُصعب، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث (عِنْد) جَمِيع أهل النَّقْل، مُتَّفق عَلَى ترك الرِّوَايَة عَنهُ، يروي الموضوعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 وَمِمَّنْ ضعف هذَيْن الْحَدِيثين من الْحَنَابِلَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب «التَّحْقِيق» . قُلْتُ: وَقد اختُلف عَلَى سَوَّار فِي إِسْنَاده، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ عَن مطرف، عَن (أبي) الجهم، عَن الْبَراء مَرْفُوعا: «مَا أُكل لَحْمه، فَلَا بَأْس بسؤره» . وَهَذَا تَعْلِيل ثَان للْحَدِيث أَفَادَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. (آخر الْجُزْء الثَّالِث بِحَمْد الله ومَنِّه، يتلوه فِي الرَّابِع بَاب الِاجْتِهَاد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَاب الِاجْتِهَاد ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثا وَاحِدًا. وَهُوَ: مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، من رِوَايَة أبي قَتَادَة رَضِي اللهُ عَنْهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي، وَهُوَ حَامِل أُمَامَة بنت زَيْنَب (بنت) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[وَلأبي الْعَاصِ بن الرّبيع] ، فَإِذا قَامَ حملهَا، وَإِذا سجد وَضعهَا» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصلِّي بِالنَّاسِ، وأمامة عَلَى عُنُقه - وَفِي رِوَايَة: عَلَى عَاتِقه - فَإِذا ركع وَضعهَا، وَإِذا (قَامَ) من السُّجُود أَعَادَهَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يؤم النَّاس» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ فِي الْمَسْجِد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 وَاسم أبي الْعَاصِ: (مهشم) ، كَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ (فِي «شرح الْمُهَذّب» ) . وَقَالَ صَاحب «الْمُغنِي فِي غَرِيب الْمُهَذّب» : مِقْسم - بِكَسْر الْمِيم، وَسُكُون الْقَاف - كَذَا ضَبطه. وَقيل: لَقِيط. وَقيل: يَاسر. وَقيل: الْقَاسِم. وَهَذَا الْفِعْل مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - كَانَ قَلِيلا، فَلَا يقْدَح فِي صِحَة الصَّلَاة. وادَّعى بَعضهم أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ. وَفِي ذَلِك نظر؛ (لِأَنَّهُ) لَا بُد فِي ذَلِك من معرفَة المتقدِّم من المتأخِّر، وَلَا قدرَة لَهُ عَلَى ذَلِك. وادَّعى بَعضهم أَن ذَلِك كَانَ فِي النَّافِلَة. وَذَلِكَ مَرْدُود، لِأَن ظَاهر قَوْله: «رَأَيْته - عَلَيْهِ السَّلَام - يَؤُم النَّاس» فِي «الصَّحِيح» صَرِيح، (أَو) كَالصَّرِيحِ فِي الْفَرِيضَة. قَالَه النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» . قُلْتُ: بل ورد (ذَلِك) صَرِيحًا، فروَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» أَن ذَلِك كَانَ فِي الظّهْر أَو الْعَصْر. وَرَوَى الزبير بن بكار فِي كتاب «النَّسب» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، عَن عَمْرو بن سليم: «أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 ذَلِك كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح» ، فاستفده. وادَّعى بَعضهم (خُصُوصِيَّة) ذَلِك برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، إِذْ لَا يُؤْمَن من الطِّفْل الْبَوْل، وَغير ذَلِك عَلَى حامله، وَقد يُعْصَم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ويَعْلم بسلامته. وَفِي ذَلِك نظر، فَأَي دَلِيل عَلَى الخصوصية؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 بَاب الْأَوَانِي ذكر رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ ثَلَاث عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَرَّ بشَاة (ميتَة) لميمونة، فَقَالَ: هَلاَّ أَخَذْتُم إهَابَها، فَدَبَغْتُموه، (فانتفعتم) بِهِ. فَقيل: إِنَّهَا ميتَة! فَقَالَ: أَيُّما إهَاب دُبغَ فقد طَهُر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، بِدُونِ اللَّفْظَة الْأَخِيرَة فِيهِ، وَبِدُون أَن الشَّاة لميمونة، وإنَّما (هِيَ) لمولاتها، من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُما قَالَ: «تُصُدِّق عَلَى مولاة لميمونة بِشَاة، فَمَاتَتْ، فمرَّ بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: هَلاَّ أَخَذْتُم إهابها، (فدبغتموه) ، فانتفعتم بِهِ؟ فَقَالُوا: إِنَّهَا ميتَة! فَقَالَ: إِنَّمَا حَرُم أكلهَا» . (هَذَا لفظ مُسلم) . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : « (هلاَّ) انتفعتم بجلدها؟» . (وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَلا أَخَذْتُم إهابها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 (فاستمتعتم) بِهِ؟» . وَفِي رِوَايَة: «أَلا انتفعتم بإهابها؟» . وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة أَنَّهَا أخْبرته: «أنَّ (داجنة) كَانَت (لبَعض) نسَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (فَمَاتَتْ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : أَلا أَخَذْتُم إهابها، فاستمتعتم بِهِ» . وَلَفظ رِوَايَة البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس: «وَجَدَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَاة ميتَة، (أُعطيتها مولاة لميمونة من الصَّدَقَة) ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَام -: هَلاَّ (انتفعتم بجلدها) ؟ قَالُوا: إِنَّهَا ميتَة! قَالَ: إِنَّمَا حرم أكلهَا» . (وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَرَّ بِشَاة ميتَة، فَقَالَ: هَلاَّ استمتعتم بإهابها؟ قَالُوا: إِنَّهَا ميتَة! قَالَ: إِنَّمَا حرم أكلهَا» ) . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ: «مرَّ - عَلَيْهِ السَّلَام - بِعَنْزٍ ميتَة، فَقَالَ: مَا عَلَى أَهلهَا لَو انتفعوا بإهابها» . وَلم يقل البُخَارِيّ فِي شَيْء من طرقه: «فدبغتموه» ، كَمَا نَبَّه عَلَيْهِ عبد الْحق أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 وَقد خَفِيَ عَلَى بعض الحفَّاظ - كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ - فَجعل هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع من «صَحِيحه» مِنْهَا: «كتاب الزَّكَاة» ، فِي الصَّدَقَة عَلَى موَالِي أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، بِاللَّفْظِ الأول، وَفِي كتاب «الصَّيْد والذبائح» ، و «الْبيُوع» بِاللَّفْظِ الثَّانِي. وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ، من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَيْضا، قَالَ: «مرَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِشَاة لميمونة ميتَة، فَقَالَ: أَلا أَخَذْتُم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم بِهِ» . وَإِسْنَاده صَحِيح، وَهَذِه الرِّوَايَة موافِقة لِمَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، من كَون الشَّاة كَانَت لميمونة. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَهَذَا لَفظه عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه - عَلَيْهِ السَّلَام - مَرَّ بِشَاة ميتَة لميمونة، فَقَالَ: أَلا أخذُوا إهابها، فدبغوه، فانتفعوا بِهِ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّهَا ميتَة! فَقَالَ:) إِنَّمَا حرم أكلهَا» . وَرَوَى البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ، فِي بَاب: من حلف لَا يشرب نبيذًا، من [كتاب] «الْأَيْمَان وَالنُّذُور» ، لَكِن عَن ابْن عَبَّاس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 عَن سَوْدَة، قَالَت: «مَاتَت لنا شَاة، فدبغنا مَسْكَها، ثمَّ (مَا زلنا) (نَنْبِذُ) فِيهِ حتَّى (صَار) شَنًّا» . نعم فِي بعض نسخ البُخَارِيّ: عَن مَيْمُونَة، (بدل) سَوْدَة. وَفِي رِوَايَة للبزار: «مَاتَت شَاة لميمونة، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَلا استمتعتم بإهابها، فإنَّ دباغ الْأَدِيم طهوره» . وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّادِس من هَذَا الْبَاب، فِي الطَّرِيق الرَّابِع مِنْهُ، وَهِي أقرب الطّرق إِلَى مَا فِي الْكتاب. وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن مَيْمُونَة، أَنَّهَا قَالَت لِابْنِ عَبَّاس: «إنَّ دَاجِنًا كَانَت لبَعض نسَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَمَاتَتْ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَلا أَخَذْتُم إهابها فاستمتعتم بِهِ» . وَقد تقدّمت، وَالظَّاهِر أَن الْمُبْهم فِي هَذِه الرِّوَايَة مَا هُوَ مُفَسّر فِي رِوَايَة أَحْمد، وَالنَّسَائِيّ، وَالْبَزَّار. نعم سَيَأْتِي قَرِيبا أنَّ سَوْدَة رَضِي اللهُ عَنْهُا وَقع لَهَا (مثل هَذَا) ، فتوقفتُ فِي هَذَا الظَّاهِر. (ويتلخص من هَذَا كُله: أَن الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف) : أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 الشَّاة لميمونة، صَحِيحَة مَوْجُودَة، وَقد غَلِطَ (من) غَلَّطَه فِي ذَلِك، وَأنكر عَلَيْهِ وَعَلَى غَيره (من الْفُقَهَاء) . وَجَمَع الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَحْسَن جمع، فَقَالَ: «يُمكن أَن تكون الْقِصَّة وَاحِدَة، لكَون مولاتها كَانَت عِنْدهَا، وَمن خدمها، فَتَارَة نُسبت الشَّاة إِلَيْهَا، وَتارَة إِلَى مَيْمُونَة» . وَهَذَا جمع متين. وَمن الْفَوَائِد الْمُهِمَّات: أَنه قد جَاءَ فِي رِوَايَة صَحِيحَة، لَا شكّ وَلَا ارتياب فِي صِحَة سندها، وثقة رواتها: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ هُوَ الْمُعْطِي الشَّاة لمولاة مَيْمُونَة - وَتَكون هَذِه الرِّوَايَة مفسرة لرِوَايَة «الصَّحِيحَيْنِ» الْمُتَقَدّمَة، فَإِنَّهَا (وَردت) مَبْنِيَّة للْمَفْعُول، حَيْثُ قَالَ: «تُصدق» - وَهِي مَا رَوَاهَا النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «مَرَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، بِشَاة (ميتَة) ، كَانَ (هُوَ) أَعْطَاهَا مولاة لميمونة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: هلا انتفعتم بجلدها؟ . فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إنَّها (ميتَة) ! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّمَا حرم أكلهَا» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي (بِسَنَدِهِ) كَذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وَقد (رُوِيَ) نَحْو هَذَا فِي شَاة لسودة، فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» مَا تقدم، وَفِي «مُسْند أَحْمد» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «مَاتَت شَاة لسودة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله مَاتَت فُلَانَة - يَعْنِي الشَّاة - قَالَ: فَهَلا أَخَذْتُم مسكها؟ قَالَت: أنأخذ مسك شَاة قد مَاتَ؟ ! فَقَالَ لَهَا: إِنَّمَا قَالَ الله: (قل لَا أجد فِي مَا أُوحِي إِلَيّ محرما عَلَى طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحًا أَو لحم خِنْزِير) ، فَإِنَّكُم لَا تطعمونه إِن (تدبغوه) (فتنتفعوا) بِهِ. قَالَت: (فَأَرْسَلنَا) إِلَيْهَا (فسلخت) مسكها، (فدبغته) ، فاتخذت مِنْهُ قربَة، حتَّى تَخَرَّقت عِنْدهَا» . وَأخرجه ابْن حبَان أَيْضا فِي «صَحِيحه» بِمثلِهِ. و «الإِهاب» : بِكَسْر الْهمزَة، جمعه: «أُهُب» : بِضَم الْهمزَة، وَالْهَاء، و «أَهَب» : بِفَتْحِهَا، لُغَتَانِ مشهورتان. (وَلم) يُجِزْ ابْن دُرَيْد سُوَى الْفَتْح. وَاخْتلف أهل اللُّغَة فِيهِ، فَقَالَ إِمَام اللُّغَة والعربية أَبُو عبد الرَّحْمَن الْخَلِيل بن أَحْمد رَحِمَهُ اللَّهُ: الإِهاب هُوَ الْجلد قبل أَن يُدبغ، وَكَذَا ذكر أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَحَكَاهُ عَن النَّضر بن شُمَيْل، وَلم (يذكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 غَيره، وَكَذَا (حَكَاهُ) الْجَوْهَرِي، وَآخَرُونَ من أهل اللُّغَة. وَذكر الْأَزْهَرِي فِي «شرح أَلْفَاظ الْمُخْتَصر» ، والخطابي، وَغَيرهمَا: أَنه الْجلد، وَلم يقيدوه بِمَا لم يدبغ. وَقَالَ (القَزَّاز) فِي كِتَابه «جَامع اللُّغَة» : «هُوَ الْجلد، سُمِّي بذلك مدبوغًا وَغير مدبوغ» . وَقَالَ ابْن فَارس: «هُوَ كل جلد» ، وَقَالَ قوم: هُوَ الْجلد قبل أَن يدبغ. وَقَوله: «طهر» ، هُوَ بِفَتْح الْهَاء، وَضمّهَا، وَكسرهَا، ثَلَاث لُغَات حكاهن ابْن مَالك فِي «مثلثه» . الحَدِيث الثَّانِي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: «أَيُّما إهَاب دبغ فقد طَهر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، يُروى من طرق: أَحدهَا: رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، وَفِي «مُسْنده» ، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الرَّحْمَن بن (وَعلة) ، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول ... » فَذكره بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف سَوَاء. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، عَن قُتَيْبَة، عَن سُفْيَان بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 سَوَاء، ثمَّ قَالَ: «هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح» . وصحَّحه ابْن حبَان أَيْضا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَرَوَاهُ مُسلم، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَمْرو النَّاقِد، عَن سُفْيَان بِهِ، وَلَفظه: «إِذا دُبِغ الإِهاب فقد طهر» . وَلم يخرج البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» هَذَا (الحَدِيث) . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : لَيْسَ تظهر لنا الْعلَّة فِي تَركه إلاَّ التوهُّم (فِي) أَن يكون ابْن وَعلة عِنْد البُخَارِيّ لم يبلغ الرُّتْبَة الَّتِي يَعْتَبِرهَا، وَلَيْسَ يُعلم فِي ابْن وَعلة مطْعن، وَهُوَ: عبد الرَّحْمَن بن (السميفع) بن وَعلة (السبائي) ، وَقد رَوَى عَنهُ: أَبُو الْخَيْر مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي، وَيَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَزيد بن أسلم، فقد ارْتَفَعت الْجَهَالَة عَنهُ عَلَى مَا عُرِف من مَذَاهِب الْمُحدثين. هَذَا وَقد ذكر الْحَافِظ أَبُو سعيد بن يُونُس فِي «تَارِيخ مصر» : أَنه كَانَ شريفًا بِمصْر فِي أَيَّامه، وَله وفادة عَلَى مُعَاوِيَة، وَصَارَ إِلَى أفريقية، وَبهَا مَسْجده، ومواليه. وَهَذِه شهرة شهيرة، عَلَى رِوَايَة الْجَمَاعَة عَنهُ، مَعَ تَخْرِيج مَالك لحديثه فِي الْمُوَطَّأ. قُلْتُ: وَمَعَ تَوْثِيق أبي حَاتِم ابْن حبَان لَهُ، وَقَبله ابْن معِين، وَالْعجلِي، وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. وَنقل عَن الإِمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 (أَحْمد) : أَنه ذكر (لَهُ) هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: وَمن ابْن وَعلة؟ . وَهَذِه (الطَّرِيقَة) أولَى من (الطَّرِيقَة) الَّتِي سلكها الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، (أَعنِي) : ذكر من (وَثَّقَهُ) ، دون سرد تَارِيخه. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: إِسْنَاده حسن. قُلْتُ: فِي سَنَده (مُحَمَّد) بن عَقِيْل الْخُزَاعِيّ، وَلَا بَأْس بِهِ، وثَّقه النَّسَائِيّ. وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: ثِقَة، حَدّث بحديثين، لم يُتابع عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» : رُبمَا أَخطَأ، حدَّث بالعراق بِمِقْدَار عشرَة أَحَادِيث مَقْلُوبَة. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : وتَفَرَّد بِهَذَا الحَدِيث. قُلْتُ: قد سَرقه (مِنْهُ) قطن بن إِبْرَاهِيم الْقشيرِي، (النَّيْسَابُورِي) ، كَمَا قيل. فطالبوه (بِأَصْلِهِ) ، فَأخْرج جُزْءا، وَقد كتبوه عَلَى حَاشِيَته، وَلِهَذَا ترك مُسلم الِاحْتِجَاج بحَديثه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 الطَّرِيق (الثَّالِث) : عَن جَابر بن عبد الله رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي «تلخيصه» . الحَدِيث الثَّالِث قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عَصَب» . هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَهُوَ (عَن) عبد الله بن عكيم قَالَ: «أَتَانَا كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل مَوته بِشَهْر: ألآَّ تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي فِي «سنَن حَرْمَلَة)) ، وَأحمد فِي «مُسْنده» ، وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي (سُنَنهمْ) وَلم يذكر مِنْهُم الْمدَّة غير الشَّافِعِي، وَأحمد، وَأبي دَاوُد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 وَفِي رِوَايَة أَحْمد: «بِشَهْر أَو بشهرين» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن (الْحسن) يَقُول: كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يذهب إِلَى حَدِيث ابْن عكيم (هَذَا) ، لقَوْله: «قبل وَفَاته بشهرين» . وَكَانَ يَقُول: هَذَا آخر الْأَمر. قَالَ: ثمَّ ترك أَحْمد بن حَنْبَل هَذَا الحَدِيث لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَاده، حَيْثُ رَوَى بَعضهم، فَقَالَ: عَن عبد الله بن عكيم، عَن أَشْيَاخ من جُهَيْنَة. (وَرَوَاهُ) أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، من طَرِيقين، من رِوَايَة: عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن (ابْن) عكيم، وَفِي إِحْدَاهمَا: «كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » (وذَكَر الْمدَّة، وَفِي الْأُخْرَى: قُرىء علينا كتاب رَسُول الله) ، من غير ذكرهَا. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق ثَالِث عَن (ابْن) أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ: حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب إِلَيْهِم: أَن لَا تستمتعوا من الْميتَة بِشَيْء» . قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة» أوهمت عَالما من النَّاس أَن الْخَبَر لَيْسَ بِمُتَّصِل. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا نقُول فِي (كتَابنَا) : أنَّ الصَّحَابِيّ قد يشْهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَيسمع مِنْهُ شَيْئا، ثمَّ يسمع ذَلِك الشَّيْء مِمَّن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 هُوَ أعظم خطرًا (مِنْهُ) ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَمرَّة يخبر عمَّا شَاهده، وَمرَّة يروي عَمَّن سمع. أَلا ترَى أَن ابْن عمر شهد سُؤال جِبْرِيل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الإِيمان، وسَمعه من عمر بن الْخطاب، فَمرَّة أخبر بِمَا شَاهد، وَمرَّة رَوَى عَن أَبِيه مَا سمع، فَكَذَلِك عبد الله بن عكيم، شهد كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَيْثُ قُرىء عَلَيْهِم فِي جُهَيْنَة، وَسمع مَشَايِخ جُهَيْنَة يَقُولُونَ ذَلِك، فأدّى مرّة مَا شهد، وَأُخْرَى مَا سمع، من غير أَن يكون فِي الْخَبَر انْقِطَاع. هَذَا آخر كَلَامه فِي «صَحِيحه» . (وَقَالَ) فِي كتاب «الثِّقَات» : عبد الله بن عكيم، الْجُهَنِيّ أَبُو معبد أدْرك (زمن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا «كتب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[إِلَى جُهَيْنَة] قبل مَوته بِشَهْر: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابه) «معرفَة السّنَن والْآثَار» ، وَغَيره من الْحفاظ: (هَذَا الحَدِيث مُرْسل، وَابْن عكيم لَيْسَ بصحابي. وَقَالَ الخَطَّابي) : مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء جَوَاز الدّباغ، وَوَهَّنُوا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 الحَدِيث، لِأَن ابْن عكيم (لم يَلْقَ) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَن (كتاب) . وعَلَّلوه أَيْضا: بِأَنَّهُ مُضْطَرب، وَعَن مشيخة مجهولين، لم تثبتْ صحبتهم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَى دَاوُد بن عَلّي: أَن ابْن معِين ضَعَّفه، وَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. وَابْن عكيم لَيست لَهُ صُحْبَة، (قَالَه) الرازيان. و (عَدَّه) أَبُو نعيم مِنْهُم، وَذكر لَهُ حَدِيثا آخر. وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «كِتَابه» ، وَقَالَ: لَا يُعْرف لَهُ سَماع (صَحِيح) من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: اخْتُلف فِي سَمَاعه من رَسُول الله من حَدِيثه «من عَلَّق شَيْئا وُكِلَ إِلَيْهِ» . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا، عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ قولة غَرِيبَة: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَاتَ ولعَبْد الله بن عكيم سنة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي « (علله» ) : سَأَلت أبي عَن هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 الحَدِيث، فَقَالَ: لم يسمع عبد الله بن (عكيم) من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَإِنَّمَا هُوَ كِتَابه. وَقَالَ ابْن شاهين: هَذَا (الحَدِيث) مَشْهُور بِعَبْد الله بن عكيم، وَلَيْسَ لَهُ لِقَاء لهَذَا الحَدِيث، وَكَذَا جزم الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» بذلك فَقَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث إرْسَال. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن، عَلّي بن الْفضل (الْمَقْدِسِي) : قد اعْتمد الْأَصْحَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث وَهُوَ ضَعِيف فِي إِسْنَاده، (قَابل التَّأْوِيل فِي مُرَاده) . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : قَوْله: (ضَعِيف) (فِي) إِسْنَاده. لَا يُحمل عَلَى (الطعْن) فِي الرِّجَال، فإنَّهم ثِقَات إِلَى عبد الله بن عكيم، وإنَّما يَنْبَغِي أَن يُحمل عَلَى الضعْف بِسَبَب الِاضْطِرَاب، كَمَا نُقل عَن الإِمام أَحْمد. وَكَذَا قَالَ فِي (كِتَابه «الإِمام» ) : الَّذِي يعتل بِهِ (فِي) هَذَا الحَدِيث الِاخْتِلَاف، فروَى (عَن الحكم) عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 الله بن عكيم، قَالَ: «قُرىء علينا كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي عمر الضَّرِير، نَا أَبُو شيبَة، وَإِبْرَاهِيم بن (عُثْمَان) ، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ: «أَتَانَا كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى (أَرض) جُهَيْنَة، قبل وَفَاته بشهرين: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» . ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه عَن أبي شيبَة إلاَّ: أَبُو عمر الضَّرِير، وَأَبُو شيبَة تكلمُوا فِيهِ، وَقيل: مَتْرُوك. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من جِهَة (خَالِد) ، عَن الحكم، (عَن عبد الرَّحْمَن) : «أَنه انْطلق هُوَ وأناس إِلَى عبد الله بن عكيم، فَدَخَلُوا، وَقَعَدت عَلَى الْبَاب، فَخَرجُوا إليَّ، فَأَخْبرُونِي أَن عبد الله بن عكيم أخْبرهُم ... » الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 فَفِي هَذِه الرِّوَايَة: أَنه سَمعه من النَّاس الداخلين (عَلَيْهِ) (عَنهُ) ، وهم مَجْهُولُونَ. (و) رَوَاهُ ابْن عدي، من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن أبي سعيد (الْبَصْرِيّ) - وَهُوَ شبيب بن سعيد - عَن (شُعْبَة) ، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن ابْن عكيم، قَالَ: «جَاءَنَا كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَنحن بجهينة ... » الحَدِيث. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: «شبيب ثِقَة» ، وتَكَلَّم فِيهِ ابْن عدي. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ - أَيْضا - فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» : من حَدِيث فضَالة بن الْمفضل (بن فضَالة) ، عَن أَبِيه، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، كَمَا تَقَدَّم، ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِه عَن أبي سعيد إلاَّ يَحْيَى، تفرَّد بِهِ فضَالة عَن أَبِيه. قُلْتُ: قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يكن فضَالة بِأَهْل أَن يُكْتَبَ عَنهُ الْعلم. وَاعْلَم: أَن متن (حَدِيث) عبد الله بن عكيم قد رُوي من غير طَرِيقه، ذكره (الْحفاظ) : ابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 (كِتَابَيْهِمَا) « (نَاسخ) الحَدِيث ومنسوخه» ، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» بأسانيدهم، من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: (نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُنْتَفَع من الْميتَة بعصبٍ أَو إهَاب» . (وَفِيه) - خَلا رِوَايَة ابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ - عَدِي بن الْفضل، وَكَأَنَّهُ أَبُو حَاتِم الْبَصْرِيّ، مولَّى بني (تيم) ابْن مرّة، وَهُوَ ضَعِيف جدا، وَلم يعقها الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بِشَيْء، (وَكَأَنَّهُ) ترك التَّنْصِيص عَلَى ذَلِك لوضوحه. وَرَوَاهُ الْأَوَّلَانِ - أَيْضا - فِي (كِتَابَيْهِمَا) الْمَذْكُورين من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يُنْتفع (من الْميتَة) بِشَيْء» . لَا أعلم بِإِسْنَادِهِ بَأْسا، وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، بعد أَن عزاهُ إِلَى رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظه: «لَا تنتفعوا» بدل: «لَا ينْتَفع» ، وَفِي نُسْخَة مِنْهُ: رَوَاهُ أَصْحَابنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 وَقَالَ صَاحب «الْمُغنِي» : رَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي، بِإِسْنَادِهِ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَإِسْنَاده حسن. وَقد رَوَاهُ ابْن وهب فِي «مُسْنده» ، عَن زَمعَة بن صَالح، عَن أبي الزبير بِهِ. وَزَمعَة مُخْتَلف فِيهِ. فَتَلخَّص مِمَّا ذَكرْنَاهُ: أَن للحفَّاظ فِي حَدِيث ابْن عكيم هَذَا مقالتان - بعد تَسْلِيم الإِرسال -: إِحْدَاهمَا: الِاضْطِرَاب، (وَلَهُم فِي ذَلِك مقامان: أَحدهمَا: أَنه قَادِح، كَمَا تقدم عَن الإِمام أَحْمد) ؛ وَالثَّانِي: أَنه لَيْسَ بقادح، بل يُمكن الْجمع، (وَلَا اضْطِرَاب) ، كَمَا تقدم عَن الْحَافِظ أبي حَاتِم بن حبَان، وَهَذَا فِي رِوَايَة (صَحِيحه) كَمَا قَرَّره، وَأما فِي (ضعيفه) كَمَا تقدم فَلَا. وَالثَّانيَِة: الضعْف، كَمَا تَقَدَّم (عَن ابْن معِين) ، وَأبي الْحسن الْمَقْدِسِي، وفيهَا النّظر الْمُتَقَدّم. ثمَّ لَهُم بعد ذَلِك نظران: أَحدهمَا: أَنه عَلَى تَقْدِير صِحَّته، مَحْمُول عَلَى مَا قبل الدّباغ، قَالَه أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم فِي كِتَابه «الْمُحَلَّى» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَهَذَا لَفظه: «مَعْنَى خبر عبد الله بن عكيم: أَن لَا تنتفعوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب، يُرِيد قبل الدّباغ، (قَالَ) وَالدَّلِيل عَلَى صِحَة ذَلِك، قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُر» . أه. الثَّانِي: أَنه نَاسخ، أَو مَنْسُوخ، قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: هَذَا الحَدِيث نَاسخ لما قبله، أَلا ترَاهُ يَقُول: «قبل مَوته بِشَهْر» . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث مَيْمُونَة. وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدَّين ابْن تَيْمِية فِي «الْأَحْكَام» : أَكثر أهل الْعلم عَلَى أَن الدّباغ مُطَهِّر فِي الْجُمْلَة، لصِحَّة النُّصُوص بِهِ، وَخبر ابْن عكيم (لَا يقاربها) فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة لينسخها. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي (كِتَابيه) : «النَّاسِخ والمنسوخ» ، [و] «الْإِعْلَام» [مَا] مُخْتَصره: حَدِيث ابْن عكيم مُضْطَرب جدا، لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ. زَاد فِي «الْإِعْلَام» : وَقَالَ قوم: يجوز أَن تكون أَحَادِيث الْإِبَاحَة قبل مَوته بِيَوْم أَو بيومين. قَالَ: وَأجَاب آخَرُونَ عَنهُ: (بِأَنَّهُ) قد رَوَى فِي بعض أَلْفَاظه: «كنت رَخَّصت لكم فِي جُلُود الْميتَة» ، فَدَلَّ عَلَى تَقْدِيم أَحَادِيث الإِباحة، وصحَّ النّسخ. قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة بعيدَة الثُّبُوت. قَالَ: ثمَّ يحْتَمل أَن يكون رخص فِي ذَلِك، ثمَّ نهَى، ثمَّ رخص. وَلَقَد أَجَاد الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي، فِي كِتَابه «النَّاسِخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 والمنسوخ» - وَهُوَ كتاب لَا نَظِير لَهُ فِي بَابه، فِي غَايَة التَّحْقِيق والنفاسة - فِي كَلَامه عَلَى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدِيث ابْن عكيم هَذَا حسن، عَلَى شَرط أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، أَخْرجَاهُ فِي كِتَابَيْهِمَا من عدَّة طرق، وَقد رُوِيَ عَن الحكم من غير وَجه، (وفيهَا) اخْتِلَاف أَلْفَاظ. قَالَ: وَمن ذهب إِلَى هَذَا الحَدِيث قَالَ: الْمصير إِلَى هَذَا الحَدِيث أَوْلَى، لِأَن فِيهِ دلَالَة النّسخ، أَلا ترَى أَن حَدِيث سَلمَة بن المحبق - يَعْنِي الْآتِي قَرِيبا - يدل (عَلَى) أَن الرُّخْصَة كَانَت يَوْم تَبُوك، وَهَذَا قبل مَوته بِشَهْر، فَهُوَ بعد الأول بِمدَّة. وَلِأَن فِي حَدِيث سَوْدَة: حَتَّى تخرقت، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «كُنَّا (ننبذ) فِيهِ حتَّى صَار شَنًّا) . وَلَا تتخرق الْقرْبَة وَلَا تصير شَنًّا فِي شهر. قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَات، عَن الحكم بن (عتيبة) ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى: أَنه انْطلق وناس مَعَه إِلَى عبد الله بن عكيم ... نَحوا (مِمَّا) ذكرنَا. قَالَ خَالِد: أما أَنه قد حَدَّثَنَي: أَنه كتب إِلَيْهِم قبل هَذَا الْكتاب بِكِتَاب آخر. قُلْتُ: فِي تَحْلِيله؟ [قَالَ] : مَا تصنع بِهِ؟ هَذَا بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 كَذَا رَوَاهُ الدَّارمِيّ، وَقَالَ: فِي قَول (خَالِد) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَيْهِم فِي ذَلِك تَحْلِيل قبل التَّشْدِيد، وأنَّ التَّشْدِيد كَانَ بعد. قَالَ الْحَازِمِي: وَلَو اشْتهر حَدِيث ابْن عكيم، بِلَا مقَال فِيهِ - كَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الرُّخْصَة - لَكَانَ حَدِيثا أَوْلَى أَن يُؤخذ بِهِ، وَلَكِن فِي إِسْنَاده اخْتِلَاف: رَوَاهُ الحكم مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن ابْن عكيم. وَرَوَاهُ عَنهُ الْقَاسِم بن مخيمرة، عَن خَالِد، عَن الحكم. وَقَالَ: إِنَّه لم يسمعهُ من ابْن عكيم، وَلَكِن من أنَاس دخلُوا عَلَيْهِ، ثمَّ خَرجُوا فأخبروه بِهِ. قَالَ: وَلَوْلَا هَذِه الْعِلَل، لَكَانَ أولَى (الْحَدِيثين) أَن يُؤْخَذ بِهِ: حَدِيث ابْن عكيم؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤْخَذ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالآخِر فالآخِر، والأحدث فالأحدث. عَلَى أَن جمَاعَة أخذُوا بِهِ، وَذهب إِلَيْهِ من الصَّحَابَة: عمر بن الْخطاب، وَابْنه عبد الله، وَعَائِشَة. ثمَّ رَوَى الْحَازِمِي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الشَّيْخ الْحَافِظ، أَنه (قَالَ) : حُكِي أنَّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه نَاظر الشَّافِعِي - وَأحمد بن حَنْبَل حَاضر - فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت، فَقَالَ الشَّافِعِي: دباغها طهورها. فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: مَا الدَّلِيل؟ فَقَالَ: حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، [عَن] ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : « (هلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 انتفعتم بإهابها؟» . فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: حَدِيث ابْن عكيم: «كتب إِلَيْنَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل مَوته بِشَهْر: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب» ، فَهَذَا يشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة، لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر. فَقَالَ الشَّافِعِي: فَهَذَا كتاب، وَذَاكَ سَماع. فَقَالَ إِسْحَاق: فإنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر، (فَكَانَت) حجَّة بَينهم عِنْد الله. فَسكت الشَّافِعِي. فَلَمَّا سمع (ذَلِك) أَحْمد ذهب إِلَى حَدِيث (ابْن) عكيم، وأَفتى بِهِ، وَرجع إِسْحَاق إِلَى حَدِيث الشَّافِعِي. قَالَ الْحَازِمِي: وَقد حَكَى الخلاَّل فِي «كِتَابه» عَن أَحْمد، أَنه توقف فِي حَدِيث ابْن عكيم، لَمَّا رَأَى تزلزل (الروَاة) فِيهِ، وَقَالَ بَعضهم: رَجَعَ عَنهُ. قَالَ الْحَازِمِي: وَطَرِيق الإِنصاف فِيهِ أَن يُقال: إِن حَدِيث ابْن عكيم ظَاهر الدّلَالَة فِي النّسخ لَو صَحَّ، وَلكنه كثير الِاضْطِرَاب، ثمَّ لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة فِي الصِّحَّة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: أصحّ مَا فِي هَذَا الْبَاب، فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت: حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن [عبيد الله بن عبد الله، عَن] ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة. وَقَالَ الْحَازِمِي: وروينا عَن الدوري أَنه قَالَ: قيل ليحيى بن معِين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 أيُّما أعجب إِلَيْك من هذَيْن الْحَدِيثين: «لَا ينْتَفع من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب» أَو: «دباغها طهورها» ؟ (فَقَالَ: «دباغها طهورها» ) أعجب إليَّ. قَالَ الْحَازِمِي: فَإِذا تَعَذّر ذَلِك، فالمصير إِلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس أَوْلَى، لوجوه من الترجيحات، ويُحمل حَدِيث ابْن عكيم عَلَى منع الِانْتِفَاع (بِهِ) قبل الدّباغ، وحينئذٍ يُسمَّى: (إهابًا) . وَبعد الدّباغ يُسمَّى جلدا، وَلَا يُسمى إهابًا، وَهَذَا مَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة ليَكُون جمعا بَين (الْحكمَيْنِ) . وَهَذَا هُوَ الطَّرِيق فِي نفي التضاد عَن الْأَخْبَار. هَذَا آخر كَلَامه - رَحْمَة الله عَلَيْهِ -، مَا أَشد تَحْقِيقه. وتَلَخَّص (لَك مِنْهُ) وَمِمَّا تقدم، أَن للحفاظ فِيهِ سِتّ مقالات - بعد تَسْلِيم الإِرسال -: أَولهَا: أَنه مُضْطَرب قَادِح. ثَانِيهَا: أَنه مُضْطَرب غير قَادِح. ثَالِثهَا: أَنه ضَعِيف. رَابِعهَا: أَنه مؤول. خَامِسهَا: أَنه نَاسخ. سادسها: أَنه مَنْسُوخ. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ من ذَلِك، وَالَّذِي يظْهر - وَالْحَالة هَذِه - مَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي (أخيرًا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 فَائِدَة: ذكر أَحْمد لعبد الله بن عكيم حَدِيثا آخر، وَهُوَ: «من (تعلق) شَيْئا وُكِلَ إِلَيْهِ» . الحَدِيث الرَّابِع أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إنَّما حرم من الْميتَة أكلهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُما، وَقد تَقَدَّم بِطُولِهِ أول الْبَاب. وَيجوز أَن تقْرَأ: «حُرِّم» ، بِضَم الْحَاء، وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة، و «حَرُم» ، بِفَتْح الْحَاء، وَضم الرَّاء المخففة، وهما (رِوَايَتَانِ) . الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلَيْسَ فِي (الشَّبِّ) ، والقرظ، وَالْمَاء مَا يُطَهِّره؟» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِذكر الشَّبِّ فِيهِ، لَا أعلم من خَرَّجه بِهِ، وَلَعَلَّ الإِمام الرَّافِعِيّ قَلَّد فِيهِ الإِمام، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «نهايته» : إِنَّه جَاءَ فِي رِوَايَة: «أَلَيْسَ فِي الشَّبِّ والقرظ مَا يطهره؟» ؛ وَالْمَاوَرْدِيّ فإنَّه قَالَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 «حاويه» : جَاءَ فِي الحَدِيث النَّص عَلَى الشث (والقرظ) . وَالْمَاوَرْدِيّ والإِمام (قلَّدا) الْأَصْحَاب (فِي ذَلِك) ، فقد قَالَ الشَّيْخ (أَبُو حَامِد) فِي «تَعْلِيقه» : رُوي أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلَيْسَ فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟» . قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أعرفهُ مرويًّا. قَالَ: وأصحابنا يَرْوُونَهُ (الشب والقرظ) ، وَلَيْسَ بِشَيْء. فَهَذَا شيخ الْأَصْحَاب، قد نَصَّ عَلَى (أَن) هَذِه الرِّوَايَة لَيست بِشَيْء. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «الْخُلَاصَة» : هُوَ بِهَذَا اللَّفْظ بَاطِل، لَا أصل لَهُ. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : «لَيْسَ للشَّبِّ ذِكْر فِي هَذَا الحَدِيث، وإنَّما هُوَ من كَلَام الشَّافِعِي، فإنَّه قَالَ: والدباغ بِمَا كَانَت الْعَرَب تدبغ بِهِ، وَهُوَ الشب والقرظ. وَاخْتلف فِي الشب فِي كَلَام الشَّافِعِي، هَل هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة، (أم بالثاء الْمُثَلَّثَة، فَقَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة) ، وَهُوَ من الْجَوَاهِر الَّتِي جعلهَا الله فِي الأَرْض، يُدْبَغ بِهِ يشبه الزاج. قَالَ: وَالسَّمَاع فِيهِ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَقد صَحَّفَه بَعضهم، فَقَالَ بِالْمُثَلثَةِ، (وَهُوَ شجر مُرّ الطّعْم، لَا أَدْرِي أَيُدبغ بِهِ أَمْ لَا؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 وَفِي «الصِّحَاح» : الشث - بِالْمُثَلثَةِ) -: نبت طيب الرَّائِحَة، (مر) الطّعْم، يدبغ بِهِ. ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك ابْن الْأَثِير فِي «النِّهَايَة» ، فِي أول بَاب الشين مَعَ (الثَّاء) : (أَنه مَرَّ بِشَاة [ميتَة] ، فَقَالَ [عَن جلدهَا] : أَلَيْسَ فِي الشث والقرظ مَا يطهره؟) . فَإِذا عرفت ذَلِك، فَاعْلَم: أَن الْمَعْرُوف من متن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي كتب الحَدِيث «أَلَيْسَ فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟» ، كَمَا أوردهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد، كَذَلِك ورد من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُما قَالَ: «مَرَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِشَاة ميتَة، فَقَالَ: هلا انتفعتهم بإهابها؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّهَا ميتَة! قَالَ: إنَّما حَرُم أكلهَا، أَوَلَيْس فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أوليس فِي الدّباغ وَالْمَاء مَا يطهرها؟» . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ - أَيْضا فِي «سنَنه» . وإسنادهما حسن. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث حسن، وَرِجَاله ثِقَات، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، ثمَّ ذكر بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 أَحَادِيث من مَعْنَاهُ، وَقَالَ: هَذِه أَسَانِيد صِحَاح، قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فإنَّه رَوَاهُ عَن الإِمام أبي بكر النَّيْسَابُورِي - وشهرته تغني عَن ذكره - عَن إِبْرَاهِيم بن هَانِئ - وَقد كتب عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم، وَكَانَ ثِقَة (صَدُوقًا) - عَن عَمْرو بن الرّبيع - وَهُوَ ابْن طَارق، كتب عَنهُ أَبُو حَاتِم (الرَّازِيّ) وَالِد عبد الرَّحْمَن الْمُتَقَدّم وسُئِل عَنهُ، فَقَالَ: «صَدُوق» عَن يَحْيَى بن أَيُّوب - وَهُوَ: (أَبُو) الْعَبَّاس الْمصْرِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مستشهدًا بِهِ، وَمُسلم محتجًا (بِهِ) - عَن عقيل - وَهُوَ: ابْن خَالِد الْأَيْلِي - عَن الزُّهْرِيّ - وَهُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ - عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة - وكل مِنْهُم ثِقَة ثَبت، مخرج (حَدِيثه) فِي «الصَّحِيحَيْنِ» - عَن (عبد الله) بن عَبَّاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 الطَّرِيق الثَّانِي: عَن الْعَالِيَة بنت سُبيع، عَن مَيْمُونَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، حدثتها: «أَنه مَرَّ برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (رجالٌ) يَجُرُّون شَاة لَهُم مثل الْحمار، فَقَالَ (لَهُم) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو أَخَذْتُم إهابها؟ فَقَالُوا: إنَّها ميتَة! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (فَإِنَّهَا) يُطَهِّرُها المَاء والقرظ» . رَوَاهُ: أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَكَذَا ابْن السكن فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 «صحاحه» ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن. وَاعْلَم: أَن الْوَاقِع فِي (رِوَايَة) هذَيْن الْحَدِيثين: «يطهرها» بهاء التَّأْنِيث، وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق - وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ عَلَى ذَلِك -: «يطهره» وَهُوَ تَحْرِيف لَفْظِي، وَإِن كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا. وَأما الحَدِيث الْوَارِد عَن عَائِشَة (مَرْفُوعا) : «اسْتَمْتعُوا بجلود الْميتَة إِذا هِيَ دُبغت، بِتُرَاب، أَو ملح، أَو رماد، أَو مَا كَانَ بعد أَن يرد صَلَاحه» : فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيره، (و) ضَعَّفه ابْن عدي، وَآخَرُونَ، وإنْ ذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُتنبه لَهُ: أَن «الْقرظ» يكْتب بالظاء، لَا بالضاد، (وَهُوَ) وَإِن كَانَ وَاضحا، فَلَا يضر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فقد صُحِّف. والقرظ: ورق شجر السَّلَم - بِفَتْح السِّين وَاللَّام - وَمِنْه: «أَدِيم مقروظ» : أَي مدبوغ (بالقرظ) ، والقرظ: نبت بنواحي تهَامَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 الحَدِيث السَّادِس أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دِبَاغُ الأديمِ ذَكَاتُه» . هَذَا الحَدِيث حسن، (مرويّ) من طُرُق، الَّذِي يحضرنا مِنْهَا تِسْعَة: أَحدهَا: عَن عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، قَالَت: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن جُلُود الْميتَة، فَقَالَ: دباغها طهورها» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: « [دباغها] ذكاتها» . وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَلَفْظهمَا: «طهُور كل أَدِيم دباغه» . وَالطَّبَرَانِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ، وَلَفْظهمَا: «دباغ الْأَدِيم (طهوره» . وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَلَفظه: «دباغ جُلُود الْميتَة) طهورها» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن، وَرِجَاله كلهم ثِقَات. (وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا: رُوَاته كلهم ثِقَات) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 قُلْتُ: فِيهِ إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم الْبَلَدِي، وثَّقه الدَّارَقُطْنِيّ، والخطيب، وَذكره ابْن عدي فِي «الْكَامِل» ، وَقَالَ: حَدَّث بِبَغْدَاد، (فكذَّبه) النَّاس، وَأَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة، سُوَى الحَدِيث الَّذِي رَدُّوه عَلَيْهِ - وَهُوَ حَدِيث الْغَار - فإنَّه كَذَّبه فِيهِ النَّاس وواجهوه، أَوَّلهمْ البرديجي، وَأَحَادِيثه جَيِّدَة، قد فَتَّشت حَدِيثه الْكثير، فَلم أَجِد لَهُ حَدِيثا مُنْكرا يكون من جِهَته. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : وَقد تَابعه عَلَى حَدِيث الْغَار ثقتان، وَكتب الذَّهَبِيّ قبالة تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم هَذَا: صحّ، وَهُوَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَن الْعَمَل عَلَى تَوْثِيق ذَلِك الرجل. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» : تَفَرَّد بِهَذَا الحَدِيث الْهَيْثَم بن جميل. قُلْتُ: لَا يضرّه ذَلِك، فإنَّه ثِقَة ثَبت. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جَوْن - بِفَتْح الْجِيم، وَإِسْكَان الْوَاو، ثمَّ نون - ابْن قَتَادَة، عَن سَلمَة بن المُحَبِّق - بميم مَضْمُومَة، ثمَّ حاء مُهْملَة مَفْتُوحَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة، ثمَّ قَاف - رَضِي اللهُ عَنْهُ - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَزْوَة تَبُوك، دَعَا بِمَاء من عِنْد امْرَأَة، (فَقَالَت) : مَا عِنْدِي مَاء إلاَّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 قربَة لي ميتَة. قَالَ: أَلَيْسَ قد (دبغتيها) ؟ قَالَت: بلَى. قَالَ: دباغها ذكاتها. (وَفِي لفظ: «دباغها طهورها» . وَفِي لفظ: «ذكاتها دباغها» ) . وَفِي لفظ: «دباغ الْأَدِيم ذَكَاته» . رَوَاهُ (أَحْمد، و) أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَالْحَاكِم، وَقَالَ: (حَدِيث) صَحِيح الإِسناد، وصحَّحه أَبُو حَاتِم ابْن حبَان أَيْضا، فإنَّه أخرجه فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «ذَكَاة الْأَدِيم دباغه» . وَهُوَ كَمَا (قَالَا) . وأعلَّه أَبُو بكر الْأَثْرَم، فَقَالَ فِي «ناسخه ومنسوخه» : سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: لَا أَدْرِي من هُوَ الجون بن قَتَادَة. وَقَالَ أَبُو طَالب: سَأَلته - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل - عَن جون بن قَتَادَة، فَقَالَ: لَا نعرفه. قُلْتُ: يروي غير هَذَا الحَدِيث؟ قَالَ: لَا. يَعْنِي حَدِيث الدّباغ. قُلْتُ: هُوَ جون بن قَتَادَة بن (الْأَعْوَر) بن (سَاعِدَة التَّمِيمِي) ، بَصرِي، قَالَ فِيهِ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إنَّه مَعْرُوف، لَمْ يَرْوِ عَنهُ غير الْحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 واخْتُلف فِي صحبته أَيْضا، فَقَالَ ابْن سعد: صحب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَكتب لَهُ كتابا (بالشَّبَكَة» مَوضِع) بالدهناء. وَقَالَ ابْن حزم فِي «المحلَّى» أَيْضا إنَّ لَهُ صُحْبَة. وَذكره ابْن الْأَثِير فِي (كتاب) «الصَّحَابَة» لَهُ، فَقَالَ: (قيل) : لَهُ صُحْبَة، وَقيل: لَا صُحْبَة لَهُ وَلَا رِوَايَة. وَقَالَ أَبُو نعيم: (جون) لَا تثبت لَهُ صُحْبَة، وَلَا رِوَايَة. (وَقَالَ) الْحَافِظ، أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصره» : رَوَى عَنهُ الْحسن فِي دباغ الْميتَة، رَوَاهُ بَعضهم: عَن الْحسن، [عَن جون، وَرَوَاهُ بَعضهم: عَن الْحسن،] (عَنهُ) ، عَن سَلمَة بن المحبق، وَهُوَ أصح. وَقَالَ فِي كِتَابه «مُخْتَصر التَّهْذِيب» : لم تصحّ صحبته، لَهُ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 الزبير، وَسَلَمَة بن المحبق، وَعنهُ: الْحسن، وَقَتَادَة - إِن كَانَ مَحْفُوظًا - وقرة بن الْحَارِث، وعَدَّه بَعضهم صحابيًا، بِحَدِيث وَهِمَ فِيهِ هشيم عَن مَنْصُور (بن زَاذَان، عَن الْحسن، عَن جون بن قَتَادَة: «كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر ... » . وَقد سقط (مِنْهُ) سَلمَة بن المحبق، وَرَوَاهُ أَيْضا هشيم هَكَذَا. وَذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» ، (فِي) التَّابِعين. فَإِذا عرفت ذَلِك: فإنْ كَانَ صحابيًا - كَمَا قَالَه (ابْن سعد) و (ابْن حزم) (وَغَيرهمَا) : فَلَا يضرّهُ مَا قَالَه الإِمام أَحْمد من جهالته. وَإِن كَانَ تابعيًا: يُعارض قَوْله بقول عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إنَّه مَعْرُوف، وتوثيق ابْن حبَان لَهُ، وَرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، وَذَلِكَ رَافع للْجَهَالَة العينية، والحالية. قَالَ ابْن عدي: لم يعرف لَهُ أَحْمد غير حَدِيث الدّباغ، وَقد ذكرت لَهُ حَدِيثا آخر، وَمَا أَظن لَهُ (غَيرهمَا) . وَسَلَمَة بن المحبق لَهُ صُحْبَة، وَهُوَ هذلي، سكن الْبَصْرَة، وكنيته: أَبُو سِنَان. قَالَ الْحَازِمِي: رَوَى عَن (سَلمَة) (من) وَجه آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 (نَحْو) هَذَا الحَدِيث، إلاَّ أَنه قَالَ: يَوْم خَيْبَر. وَاسم المحبق: صَخْر بن عبيد، وَقد تقدم أَن بَاء المحبِق مَكْسُورَة. قَالَ ابْن نَاصِر: وَهُوَ الصَّوَاب، لِأَنَّهُ حَبَقَ، فلقب بذلك. وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» : بعض أهل الْعلم يكسر الْبَاء،، وَأَصْحَاب الحَدِيث يفتحونها. وَاقْتصر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الإِمام» (عَلَى) الْفَتْح. لَكِن قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب «كشف النقاب (عَن) الْأَسْمَاء والألقاب» : أَصْحَاب الحَدِيث (يفتحون) الْبَاء، وَهُوَ غلط، إنَّما هِيَ مَكْسُورَة. قَالَ: وَقَالَ الْجَوْهَرِي: إِنَّمَا سَمَّاه (أَبوهُ) المحبق تفاؤلًا بالشجاعة، أَنه (يضرط) الْأَعْدَاء، وَلم يرد ذَلِك فِي «الصِّحَاح» . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي أُمَامَة رَضِي اللهُ عَنْهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج فِي بعض مغازيه، فمرَّ بِأَهْل أَبْيَات من الْعَرَب، فَأرْسل إِلَيْهِم: هَل من مَاء لوضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَقَالُوا: مَا عندنَا مَاء إلاَّ فِي إهَاب ميتَة، دبغناه بِلَبَنٍ، فَأرْسل إِلَيْهِم: إنَّ دِبَاغَه طهوره، فَأُتِي بِهِ، فتوضَّأ، ثمَّ صَلَّى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» ، وَقَالَ: لم يَرْوِه عَن (سليم) بن عَامر، إلاَّ عُفير بن معدان. وَأخرجه كَذَلِك فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا. قُلْتُ: وعفير هَذَا: ضَعِيف، قَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ أَحْمد: ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا يُشْتَغل بروايته. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من (حَدِيث) الشاميين. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ، وَله طرق: أَحدهَا: عَن أبي الْخَيْر، (مرْثَد) بن عبد الله الْيَزنِي، قَالَ: «رَأَيْت عَلَى ابْن وَعلة السبئي فَرْوًا، فمسسته، فَقَالَ: مَالك تمسه؟ قد سَأَلت عبد الله بن عَبَّاس، قُلْتُ: إنَّا نَكُون (بالمغرب) ، ومعنا البربر، وَالْمَجُوس، نُؤتى بالكبش قد ذبحوه، وَنحن لَا نَأْكُل ذَبَائِحهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 (ونُؤتى) بالسقاء يجْعَلُونَ فِيهِ الوَدَك. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قد سَأَلنَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: دباغه طهوره» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إنَّا نَكُون بالمغرب، فَيَأْتِينَا الْمَجُوس بالأسقية فِيهَا (المَاء و) الودك؟ فَقَالَ: اشرب. فَقلت: رَأْي ترَاهُ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: دباغه طهوره» . انْفَرد مُسلم بِهَذَا الحَدِيث من طريقيه. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن يَعْقُوب (بن) عَطاء، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ (قَالَ) : «مَاتَت شَاة لميمونة، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أَلا) (استمتعتم) بإهابها؛ فإنَّ دباغ الْأَدِيم طهوره» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَالْبَزَّار فِي «مُسْنده» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» . قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ (عَن) يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ إلاَّ شُعْبَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 قُلْتُ: لَا يضرّهُ ذَلِك، فإنَّ شُعْبَة إِمَام، وتَفَرُّد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يضرّه، نعم الشَّأْن فِي يَعْقُوب بن عَطاء، وَهُوَ: ابْن أبي رَبَاح، فقد قَالَ أَحْمد فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة: ضَعِيف، وَأما ابْن حبَان: (فَذكره فِي «الثِّقَات» ) . الثَّالِث: عَن فُليح بن سُلَيْمَان، عَن زيد بن أسلم، عَن (ابْن) وَعلة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «دِبَاغُ كلِّ إهَابٍ طَهُورُهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَقَالَ فِي «علله» : إنَّه الْمَحْفُوظ. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن الْحَارِث، قَالَ: «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاس: الفِراء تُصنع من جُلُود الْميتَة؟ فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: ذَكَاة كل مسك دباغه» . وَفِي لفظ: « (دباغ كل أَدِيم ذَكَاته» ) . رَوَاهُ الحافظان: أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق» باللفظين الْمَذْكُورين، والدولابي فِي كِتَابه «الْأَسْمَاء والكنى» ، وَهَذَا لَفظه: عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن الْحَارِث، قَالَ: «دخلت عَلَى ابْن عَبَّاس فِي حَدِيث ذكره، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يَقُول) : ذَكَاة كل مَسْكٍ دباغه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 المَسْك: بِفَتْح الْمِيم، وَسُكُون السِّين: الْجلد. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن جون بن قَتَادَة التَّمِيمِي، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بعض أَسْفَاره، فمرَّ بعض أَصْحَابه بسقاء مُعَلّق، فَأَرَادَ أَن يشرب، فَقَالَ (لَهُ) صَاحب السقاء: إنَّه جلد ميتَة، فَأمْسك، حتَّى لحقهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَذكرُوا لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: اشربوا، فإنَّ دِبَاغ الْميتَة طهورها» . ذكره أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كِتَابه «المحلَّى» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: جون لَهُ صُحْبَة. وَقد تقدم قَرِيبا الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك. الطَّرِيق السَّادِس: عَن هزيل - بالزاي الْمُعْجَمَة - بن شُرَحْبِيل، عَن (أم سَلمَة) أَو زَيْنَب، أَو غَيرهمَا من (أَزوَاج) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَلا استمتعتم بإهابها؟ . فَقَالَت: يَا رَسُول الله، (كَيفَ) (نستمتع) بهَا وَهِي ميتَة؟ ! فَقَالَ: طهُور الْأَدِيم دباغه» . رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) هَكَذَا. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا هزيل، عَن بعض أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «كَانَت لنا شَاة فَمَاتَتْ. .» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من هَذِه الطَّرِيق، وَفِيه: « (لتستمتعي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 بإهابها» ، ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة، إلاَّ عباد بن عباد، تفرَّد بِهِ يَحْيَى بن أَيُّوب. قُلْتُ: وَلَا يضر تفرده بذلك، لِأَنَّهُ ثِقَة ثَبت مخرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح. الطَّرِيق السَّابِع: عَن زيد بن ثَابت رَضِي اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «دباغ جُلُود الْميتَة طهورها» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ مَكْشُوف الْحَال. الطَّرِيق الثَّامِن: عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ (فِي) جُلُود الْميتَة: «دباغه طهوره» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، عَنهُ بِهِ. وَعلي وَالقَاسِم: ضعيفان، كَمَا سَيَأْتِي. الطَّرِيق التَّاسِع: عَن عبد الله بن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَرَّ عَلَى شَاة، فَقَالَ: مَا هَذِه؟ قَالُوا: ميتَة. قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ادبغوا إهابها، فإنَّ دِبَاغَه طهوره» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الله، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر، ثمَّ قَالَ: (الْقَاسِم) ضَعِيف. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» ، من حَدِيث حَفْص [أَبُو] سهل الْخُرَاسَانِي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «جُلُود الْميتَة دباغها - يَعْنِي: طهورها) ثمَّ قَالَ: أَبُو سهل هَذَا فِي حَدِيثه بعض الْمَنَاكِير. قَالَ: وَلَا أعرف لعبد الله (بن) عمر (بن الْخطاب) فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا وَلَا رِوَايَة من مخرج يُعتمد عَلَيْهِ، بل كل مَا رُوي عَنهُ فِيهِ واهٍ غير مَحْفُوظ. وعَدَّد ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» طرق هَذَا الحَدِيث، وَزَاد: أَن أنسا، وَابْن مَسْعُود، وَجَابِر بن عبد الله رَوَوْهُ أَيْضا، وأهمل بعض مَا ذَكرْنَاهُ. فَهَذِهِ طرق هَذَا الحَدِيث مُوضحَة، وَلَا يضر الضعْف الْمَوْجُود فِي بَعْضهَا الآخر الْخَالِي مِنْهُ. وَيقرب من هَذَا الحَدِيث حديثان آخرَانِ: أَحدهمَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرَادَ أَن يتَوَضَّأ من سِقاء، فَقِيل لَهُ: إنَّه ميتَة. فَقَالَ: دِباغه يزِيل خبثه - أَو نجسه، أَو رجسه» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» . وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح، وَلَا أعرف لَهُ (عِلّة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح. قُلْتُ: وصحَّحه ابْن خُزَيْمَة أَيْضا، لذكره إِيَّاه فِي « (صَحِيحه» ) . (الحَدِيث) الثَّانِي: عَن أم سَلمَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، أَنَّهَا قَالَت: «كَانَ (لنا) شَاة نَحْلُبهَا، ففقدها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: مَا فعلتِ الشَّاة؟ قَالُوا: مَاتَت. قَالَ: أَفلا انتفعتم بإهابها؟ فَقلت: إنّها ميتَة! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن دباغها يحل (كَمَا يحل خل) الْخمر» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: تفرَّد بِهِ فرج بن فضَالة، وَهُوَ ضَعِيف. الحَدِيث السَّابِع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، لَمَّا حَلَق شعره، نَاوَلَهُ أَبَا طَلْحَة، ليُفَرِّقَه عَلَى أَصْحَابه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، من رِوَايَة أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا رَمَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (الْجَمْرَة) ، وَنحر نُسكه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 [وَحلق] ، ناول الحالق شقَّه الْأَيْمن، [فحلقه] ، فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة، ثمَّ نَاوَلَهُ شقَّه الْأَيْسَر، فحلقه، [فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة] ، فَقَالَ: إقسمه بَين النَّاس» . وَأَبُو طَلْحَة هَذَا: اسْمه زيد (بن سهل) بن الْأسود الْأنْصَارِيّ، عَمّ أنس بن مَالك، زوج أمه، وَكَانَ عقبيًا بَدْرِيًّا، شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة، وَأحد الصَّحَابَة الَّذين سردوا الصَّوْم بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي الْحَافِظ: عَاشَ أَبُو طَلْحَة بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (أَرْبَعِينَ) سنة فسرد الصَّوْم. وَخَالفهُ غَيره، فَقَالَ: توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة. وَقيل: اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. الحَدِيث الثَّامِن عَن حُذَيْفَة رَضِي اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (أَنه) قَالَ: «لَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب، وَالْفِضَّة، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، متَّفق عَلَى صِحَّته، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ، وَزَادا: «فإنَّها لَهُم فِي الدُّنْيَا، وَلكم فِي الْآخِرَة» . وَله أَلْفَاظ أُخَر، قَالَ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ: وَإِسْنَاده مجمع عَلَى صِحَّته. والصِّحَاف: جمع صَحْفَة، كقصعة، وقصاع، والصحفة دون الْقَصعَة. قَالَ الْكسَائي: الْقَصعَة: مَا تسع (مَا يشْبع) عشرَة، والصحفة مَا (يشْبع) خَمْسَة. الحَدِيث التَّاسِع أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الَّذِي يشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، إنَّما يُجَرْجِرُ فِي جَوْفه نَار جَهَنَّم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، (مرويّ) من طرق: أَحدهَا: عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الَّذِي يشرب فِي آنِية الْفضة، إنَّما يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم» . رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالْبُخَارِيّ، وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . قَالَ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ: وَإِسْنَاده مجمع عَلَى صِحَّته. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إنَّ الَّذِي يأكلُ، (أَو) يشربُ فِي آنِية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 الْفضة، وَالذَّهَب» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من شرب فِي إِنَاء من ذهب أَو فضَّة، فإنَّما يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم» . وَفِي رِوَايَة للطبراني: «إلاَّ أَن يَتُوب» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن (أبي) وَائِل، قَالَ: «غزوتُ مَعَ عمر الشَّام، فَنزل منزلا، فجَاء دُِهْقَانٌ يسْتَدلّ عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ حتَّى أَتَاهُ، فَلَمَّا رَأَى الدهْقَان عمر سَجَد، فَقَالَ عمر: مَا هَذَا السُّجُود؟ فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعل بالملوك. فَقَالَ عمر: اسجد لِرَبِّك الَّذِي خلقك. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي قد صنعت لَك طَعَاما فأتني. (قَالَ) : فَقَالَ عمر: هَل فِي بَيْتك من تصاوير الْعَجم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: لَا حَاجَة لي فِي بَيْتك، وَلَكِن انْطلق، فَابْعَثْ لنا بلون (من الطَّعَام) ، وَلَا (تزدنا) عَلَيْهِ. قَالَ: فَانْطَلق، فَبعث إِلَيْهِ بِطَعَام، فَأكل مِنْهُ، ثمَّ قَالَ عمر لغلامه: هَل فِي إداوتك شَيْء من ذَلِك النَّبِيذ؟ قَالَ: نعم. فَأَتَاهُ [فَصَبَّهُ فِي إِنَاء، ثمَّ شَمَّه، فَوَجَدَهُ مُنكر الرّيح، فصب عَلَيْهِ مَاء، ثمَّ شمه، فَوَجَدَهُ مُنكر الرّيح] ، فصب عَلَيْهِ المَاء ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ شربه، ثمَّ قَالَ: إِذا رَابَكُم من شرابكم (شَيْء) فافعلوا بِهِ هَكَذَا. ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا تلبسوا الديباج وَالْحَرِير، وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، (فإنَّها) لَهُم فِي الدُّنْيَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 وَلكم فِي الْآخِرَة» . رَوَاهُ الْحَاكِم، أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي تَرْجَمَة عمر بن الْخطاب، عَن أبي بكر، عَن ابْن الْمثنى، عَن مُسَدّد، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن مُسلم الْأَعْوَر، عَن أبي وَائِل، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد، وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» - وَذكر الِاخْتِلَاف فِيهِ، حَيْثُ رُوِيَ عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن (أبي) وَائِل، وَعَن مُسلم الْأَعْوَر، عَن أبي وَائِل، وَعَن مُسلم الْأَعْوَر، عَن رجل من قومه، عَن عمر، قَالَ: وَمُسلم ضَعِيف -: هَذَا الحَدِيث يرويهِ الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا، وَهُوَ أولَى بِالصَّوَابِ. وَهَذَا الحَدِيث هُوَ بِنَحْوِ من لفظ الرَّافِعِيّ، وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، لَكِن من طَرِيق حُذَيْفَة، فَقَالَ: بَاب الْأكل فِي إِنَاء مفضض. نَا أَبُو نعيم، حَدَّثَنَا سيف بن (أبي) سُلَيْمَان، سَمِعت مُجَاهدًا يَقُول: حَدَّثَنَي عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى: «أَنهم كَانُوا عِنْد حُذَيْفَة، فَاسْتَسْقَى، فَسَقَاهُ مَجُوسِيّ، فلمَّا وضع الْقدح فِي يَده، (رَمَاه) بِهِ، وَقَالَ: (لَوْلَا) أَنِّي (نهيته) غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ - كَأَنَّهُ يَقُول: لم أفعل هَذَا - وَلَكِنِّي سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا تلبسوا الْحَرِير، و (لَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 الديباج، وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، (وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها) ، فإنَّها لَهُم فِي الدُّنْيَا، (وَلكم) فِي الْآخِرَة» . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن شُعْبَة، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن نَافِع، عَن امْرَأَة ابْن عمر، عَن عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: «الَّذِي يشرب فِي إِنَاء الْفضة - أَو إِنَاء من فضَّة - إِنَّمَا (يجرجر فِي) بَطْنه نَارا» . رَوَاهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي «التَّمْهِيد» ، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ خصيف، وَهِشَام بن (الغازِ) - وَهُوَ بالغين وَالزَّاي المعجمتين - عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «من شرب فِي آنِية الْفضة، فإنَّما يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم» . قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي خطأ لَا شكّ فِيهِ، لم يَرْوِ (ابْن) عمر هَذَا الحَدِيث قطّ، وَلَا رَوَاهُ نَافِع عَن ابْن عمر، وَلَو رَوَاهُ عَن ابْن عمر، مَا احْتَاجَ أَن يُحَدِّث بِهِ عَن [ثَلَاثَة] ، وَأما إِسْنَاد شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث، فَيحْتَمل أَن يكون إِسْنَادًا (آخر) ، وَيحْتَمل أَن يكون خطأ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 الْأَغْلَب. هَذَا آخر كَلَامه. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر من طَرِيق آخر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ، من حَدِيث: برد بن سِنَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، مَرْفُوعا: «من شرب فِي إِنَاء من ذهب، أَو إِنَاء من فضَّة، فإنَّما يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه (عَن) برد إلاَّ ابْنه الْعَلَاء. وَطَرِيق (آخر) سَيَأْتِي فِي آخر هَذَا الْبَاب بِزِيَادَة فِيهِ. لَكِن وَافق الْحَافِظ أَبَا عمر بن عبد الْبر عَلَى كَون رِوَايَة ابْن عمر خطأ: أَبُو حَاتِم، وَأَبُو زرْعَة. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: حَدِيث ابْن عمر هَذَا (خطأ) ، إنَّما هُوَ عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة (عَنهُ) ، فَقَالَا مثل ذَلِك، قَالَا: وَالوهم فِيهِ من حَمَّاد. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ شُعْبَة عَن امْرَأَة ابْن عمر، وَقَالَ (الثَّوْريّ) : عَن صَفِيَّة - وَهِي امْرَأَة ابْن عمر - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 مَرْفُوعا، و (خالفهما) مسعر، فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، من حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، (وَوهم) فِي قَوْله: ابْن عمر. وَإِنَّمَا هُوَ عَن امْرَأَة ابْن عمر. قَالَ: وَرُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى عَائِشَة أَيْضا، من حَدِيث نَافِع عَنْهَا. (قَالَ: وَرُوِيَ) عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة، عَن عَائِشَة، وَرُوِيَ عَن سَالم، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا وَالصَّحِيح مَا قَالَ شُعْبَة، وَالثَّوْري. (قَالَ) : وَرُوِيَ عَن نَافِع، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، عَن عَائِشَة - أَو أم سَلمَة، أَو أم حَبِيبَة - وَهُوَ وهم. وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن [عبيد] الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَوهم فِيهِ. وَالصَّحِيح عَن [عبيد] الله بن عمر عَن زيد بن عبد الله بن عمر، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، عَن أم سَلمَة. وَقَالَ جرير بن حَازِم: عَن نَافِع (قَالَ) : قَالَت أم سَلمَة. وَقَالَ عبد الْعَزِيز بن أبي رواد: عَن نَافِع، عَن أبي هُرَيْرَة، (وَوهم) فِي ذكر أبي هُرَيْرَة. هَذَا ملخص مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» ، وَفِيه رد عَلَى قَول أبي عمر بن عبد الْبر: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون إِسْنَاد شُعْبَة خطأ، وَأَنه الْأَغْلَب. فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه الصَّحِيح. الطَّرِيق الرَّابِع: (عَن عِكْرِمَة) ، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ، أَن رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 (، قَالَ: «إِن الَّذِي يشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، إِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم» . رَوَاهُ الحافظان: الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ، والخطيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابيه: «من وَافَقت كنيته اسْم أَبِيه» ، و «تَلْخِيص الْمُتَشَابه» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوه عَن (النَّضر) بن عَرَبِيّ، إلاَّ سَلِيم بن مُسلم الخَشَّاب، تَفَرَّد بِهِ مُحَمَّد بن بَحر (الهُجَيْمِي) الْبَصْرِيّ. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي بردة، قَالَ: انْطَلَقت أَنا وَأبي (إِلَى) عَلّي بن أبي طَالب - كَرَّم الله وَجهه - فَقَالَ لنا: «إنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، نَهَى عَن آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة (أَن يُشْرَبَ (فِيهَا)) ، أَو أَن يُؤْكَل فِيهَا، وَنَهَى عَن القسي والمِيثرة، وَعَن ثِيَاب الْحَرِير، وَخَاتم الذَّهَب» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَاد جيد. الطَّرِيق السَّادِس: عَن أنس بن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، عَن الْأكل وَالشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، من جِهَة قطن بن نُسَيْر - بِضَم النُّون، ثمَّ سين مُهْملَة مَفْتُوحَة -، عَن حَفْص بن عبد الله، عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن الْحجَّاج (بن الْحجَّاج) عَن أنس بِهِ. وَلِهَذَا الحَدِيث طَريقَة صَحِيحَة بالِاتِّفَاقِ، كَانَت (جديرة) بالتقدم، وَهِي: مَا رَوَى الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَمَرَنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِسبع، ونهانا عَن (سبع) : أمرنَا بعيادة الْمَرِيض، وَاتِّبَاع الْجِنَازَة، وتشميت الْعَاطِس، وَإجَابَة الدَّاعِي، وإفشاء السَّلَام، ونصرة الْمَظْلُوم، وإبرار الْقسم. ونهانا: عَن خَوَاتِيم الذَّهَب، وَعَن الشّرْب فِي الْفضة - أَو قَالَ: آنِية الْفضة - وَعَن المياثر، والقسي، وَعَن لبس الْحَرِير والديباج، والإِستبرق» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «وإنشاد الضَّالة» بدل: «وإبرار الْقسم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَعَن الشّرْب فِي الْفضة، فإنَّه من شرب فِيهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 الدُّنْيَا لم (يشرب فِيهَا) فِي الْآخِرَة» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «رد السَّلَام» بدل: «وإفشاء السَّلَام» . وَحين فَرغْنَا من إِيرَاد طرق هَذَا الحَدِيث، فلنذكر مَا يتَعَلَّق بهَا: من الْغَرِيب، وتوضيح الْمُشكل، فَنَقُول: «الْآنِية» : جمع إِنَاء، والعامة (يرَوْنَ) أَنَّهَا وَاحِدَة، وَهُوَ خطأ، كَمَا يُقَال: إِزَار وآزرة، وحمار وأحمرة ويوضحه قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - فِي صفة الْحَوْض: «آنيته مثل نُجُوم السَّمَاء» . قَالَ ذَلِك عبد الْحق. وَقَوله (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ) : «يجر فِي جَوْفه نَار جَهَنَّم» . فِي «نَار» رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: نصب الرَّاء، حَكَاهُ الْخطابِيّ عَن بعض أهل الْعلم باللغة. قَالَ ابْن بري: و (هَذَا) هُوَ الْمَشْهُور. كَذَا قَالَه النَّوَوِيّ وَزَاد: وَأَن بِهِ جزم الْمُحَقِّقُونَ، وَاخْتَارَهُ الزجَّاج، والخطابي، وَالْأَكْثَرُونَ، وَلم يذكر الْأَزْهَرِي، وَآخَرُونَ غَيره، وَهُوَ الصَّحِيح. الرِّوَايَة الثَّانِيَة: رَفعهَا. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي «الاقتضاب» : من رفع الرَّاء فعلَى خبر إِن، وَيجْعَل «مَا» بِمَعْنى «الَّذِي» ، كَأَنَّهُ قَالَ: «الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم وَمن نصب النَّار، جعل «مَا» صلَة ل «إِن» وَهِي الَّتِي تكف «إِن» عَن الْعَمَل، وَنصب «النَّار» ب «يجرجر» ، وَنَظِيره قَوْله - تَعَالَى -: (إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر) ، فقرئ بِرَفْع «الكيد» ونصبه علىالوجهين. وَيجب إِذا جعلت (مَا) بِمَعْنى «الَّذِي» أَن تُكتب (مُنْفَصِلَة) من «إِن» . وَكَذَا قَالَه ابْن بري أَيْضا. وَقَالَ غَيرهمَا: من نصب، جعل الجرجرة (بِمَعْنى الصبِّ) ، أَي: إِنَّمَا يصب فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم، وَمن رَفعهَا، جعلهَا بِمَعْنى الصَّوْت، أَي: إِنَّمَا يُصَوِّت (فِي) بَطْنه نَار جَهَنَّم. والجرجرة: الصَّوْت المتردد فِي الْحلق. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : وَقد يَصح النصب عَلَى هَذَا أَيْضا، إِذا تَعَدَّى الْفِعْل، قَالَ: وَمِمَّا يرجح النصب، رِوَايَة مُسلم: «نَارا من جَهَنَّم» . وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» . قَالَ: ورويناه فِي «مُسْند أبي عوَانَة» و «الجعديات» (من) رِوَايَة عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: «الَّذِي يشرب فِي الْفضة إنَّما يجرجر فِي جَوْفه نَارا» ، هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول: (نَارا) (بِالْألف) ، من غير ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 جَهَنَّم. قَالَ: وَأما مَعْنَاهُ: فعلَى رِوَايَة النصب، الْفَاعِل هُوَ الشَّارِب مُضْمر فِي يجرجر: أَي يلقيها فِي بَطْنه بجرع متتابع يُسمع (لَهُ صَوت) ، لتردده فِي حلقه، وَعَلَى رِوَايَة الرّفْع: تكون النَّار فاعلة، مَعْنَاهُ: أَن النَّار تُصَوِّت فِي جَوْفه، وسُمِّي المشروب نَارا: لِأَنَّهُ (يؤول إِلَيْهَا) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا) . وَقَالَ الشَّيْخ تَاج الدَّين (ابْن) الفركاح (فِي) «الإقليد» : يرْوَى: يجرجر مبنيًّا للْفَاعِل، ومبنيًّا للْمَفْعُول، وَعَلَى الأول: يُروى النَّار بِالنّصب، علىأن الْفَاعِل: الشَّارِب، وبالرفع عَلَى أَنَّهَا الْفَاعِل. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : اتّفق الْعلمَاء، من أهل الحَدِيث، واللغة، و (الْغَرِيب) ، وَغَيرهم عَلَى كسر الْجِيم الثَّانِيَة من يجرجر، وَاخْتلفُوا فِي الرَّاء من قَوْله: «نَار جَهَنَّم» فَذكر مَا تقدم. وجهنم - عافنا الله مِنْهَا، وَمن كل بلَاء - قَالَ الواحدي: قَالَ يُونُس، وَأكْثر النَّحْوِيين: هِيَ عجمية لَا تَنْصَرِف للعجمة والتعريف، وَقَالَ آخَرُونَ: (عَرَبِيَّة) لَا تَنْصَرِف للتأنيث والتعريف. وسُمِّيَت بذلك لبعد قعرها، يُقَال: بِئْر جهنام، إِذا كَانَت عميقة القعر. وَقَالَ بعض اللغويين: مُشْتَقَّة من (الجهومة) ، وَهِي: الغلظ، سميت بذلك لغلظ أمرهَا فِي الْعَذَاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 و «المِيثرة» : بِكَسْر الْمِيم، أَصْلهَا: موثرة، من الشَّيْء الوثير: أَي اللِّين، وَلَكِن (لَمَّا) كَانَ قبل الْوَاو الساكنة كسرة، قُلبت يَاء. قَالَ ابْن سَيّده: هِيَ كهنة المرفقة تتَّخذ للسرج كالصفة وَهِي المياثر (والمواثر) عَلَى (المعاقبة) . و «القَسِّي» : بِفَتْح الْقَاف، و (كسر) السِّين الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة. وَذكر أَبُو عبيد: أَن أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: القِسي بِكَسْر الْقَاف. وعَدَّه جمَاعَة من تصحيفاتهم. (وَهِي) ثِيَاب يُؤْتَى بهَا من بلدنا مصر، فِيهَا حَرِير. الحَدِيث الْعَاشِر «أَن حَلقَة قَصْعَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، كَانَت من فضَّة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِنَحْوِهِ، من حَدِيث عَاصِم الْأَحول، قَالَ: «رَأَيْت قدح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، عِنْد أنس بن مَالك، وَكَانَ قد (انصدعَ) ، فَسَلْسَلَه بِفِضَّة» . قَالَ: وَهُوَ قدح جيد عريض، من نُضَار. قَالَ: قَالَ أنس: «لقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 سقيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِي هَذَا الْقدح) أَكثر من كَذَا وَكَذَا» . قَالَ: وَقَالَ: ابْن سِيرِين: «إنَّه كَانَ فِيهِ حَلقَة من حَدِيد، فَأَرَادَ أنس أَن يَجْعَل مَكَانهَا حَلقَة من ذهب أَو فضَّة، فَقَالَ (لَهُ) أَبُو طَلْحَة: لَا تُغَيِّرن شَيْئا صَنَعَه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَركه» . وَفِي رِوَايَة لأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، عَن أنس: «أَن قدح النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، انصدع، فَجعل مَكَان (الشَّعْبِ) سلسلة من فضَّة» . قَالَ عَاصِم: «وَرَأَيْت الْقدح، وشربت فِيهِ» . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَقَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ كَمَا تقدم، وَهُوَ يُوهِم أَن يكون النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، اتخذ مَكَان الشَّعْبِ سلسلة من فضَّة، وَقد أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ ... فَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن سِيرِين، عَن أنس: «أَن قدح النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، انصدع، فَجعل مَكَان الشَّعْبِ سلسلة» ، (يَعْنِي أنَّ أنسا جعل مَكَان الشّعب سلسلة) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَلَا أَدْرِي (من) قَالَه - يَعْنِي أَن أنسا جعل مَكَان الشّعب سلسلة - مُوسَى بن هَارُون، أَو من فَوْقه؟ . يَعْنِي الْمَذْكُورين فِي إِسْنَاده. قُلْتُ: سَاق الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ فِي كتاب «الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل» مَا ظَاهره: أَن ذَلِك من قَول مُوسَى بن هَارُون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: قَوْله: «فَاتخذ» . يُوهم أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هُوَ الْمُتَّخذ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْمُتَّخذ هُوَ أنس، فَفِي رِوَايَة أنس: «فجعلتُ مَكَان الشَّعْبِ سلسلة» . هَذَا كَلَامه. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» : أَنه سُئِلَ عَن هَذَا (الحَدِيث) ، فَقَالَ: يرويهِ عَاصِم الْأَحول. واختُلف عَنهُ، فَرَوَاهُ أَبُو حَمْزَة السكرِي، عَن عَاصِم، عَن ابْن سِيرِين، عَن أنس. وَخَالفهُ شريك، فَرَوَاهُ عَن عَاصِم [عَن أنس] ، وَالصَّحِيح قَول أبي حَمْزَة. والشَّعْب: بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة، وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة، وَبعدهَا (بَاء) مُوَحدَة. وَالْمرَاد بِهِ: الشق والصدع. وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: فَاتخذ مَكَان الشِّفة، وَهُوَ تَصْحِيف، وَالصَّوَاب مَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وَغَيره كَمَا تقدم. وَوَقع فِيهِ أَيْضا: «أَن الْقدح انْكَسَرَ» ، وَيحمل عَلَى أَنه انْشَقَّ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة «انصدع» . وَالْمرَاد: أَنه (شَدَّ الشق) بخيط فضَّة، فَصَارَت صورته صُورَة سلسلة، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ السالفة: «فَسَلْسَلَه بِفِضَّة» . قَالَ ذَلِك النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» . قُلْتُ: قد يُعَارض هَذَا التَّفْسِير مَا جَاءَ فِي رِوَايَة الإِمام أَحْمد، قَالَ: رَأَيْت عِنْد أنس قدح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فِيهِ ضَبّة من فضَّة» . فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 الْمَعْرُوف: أَن الضبة هِيَ الَّتِي تَأْخُذ قدرا من الإِناء. وَقد لَا يُعَارضهُ، بِأَن يلْتَزم تَسْمِيَة ذَلِك ضبة. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَن قَبِيْعَةَ سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، كَانَت من فضَّة» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة أنس. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْجِهَاد، وَالنَّسَائِيّ فِي الزِّينَة، من حَدِيث قَتَادَة عَنهُ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ حَدِيث حسن غَرِيب، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن همام، عَن قَتَادَة، عَن أنس. وَقد رَوَى بَعضهم عَن قَتَادَة، (عَن سعيد بن أبي الْحسن، قَالَ: «كَانَت قبيعة سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) من فضَّة» . قُلْتُ: هَكَذَا (أخرجه) أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، فِي (إِحْدَى) روايتيهما، (ونصَّ) الحفَّاظ عَلَى أَن الصَّوَاب هَذِه الرِّوَايَة - أَعنِي رِوَايَة الإِرسال - فَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَالصَّوَاب: (قَتَادَة عَن سعيد مُرْسلا. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 إرْسَاله هُوَ الصَّوَاب) . وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد: إنَّ أَقْوَى الْأَحَادِيث، حَدِيث سعيد بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ، (والباقية) ضِعَاف. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: الْمَحْفُوظ أَنه مُرْسل. وَكَذَا قَالَ الْبَزَّار: إِنَّمَا يُرو عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي الْحسن مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب. وَكَذَا قَالَ الدَّارمِيّ لمَّا أخرجه فِي «مُسْنده» (مُسْندًا) : هِشَام الدستوَائي (خَالفه) - يَعْنِي جَرِيرًا - قَالَ: قَتَادَة عَن سعيد بن أبي الْحسن، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَزعم النَّاس أَنه الْمَحْفُوظ. وَكَذَا (قَالَ) الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: إِن الْمُرْسل هُوَ الصَّوَاب. وَفِي «علل أَحْمد» قَالَ عبد الله: حَدَّثَنَي أبي، عَن عَفَّان، قَالَ: جَاءَ أَبُو جزي - واسْمه: نصر بن طريف - إِلَى جرير بن حَازِم، يشفع لإِنسان فِي حَدِيث، فَقَالَ جرير: نَا قَتَادَة، عَن أنس، قَالَ: «كَانَت (قبيعة) سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من فضَّة» . قَالَ أَبُو جزي: كذب وَالله، مَا حَدَّثَنَاه قَتَادَة إلاَّ عَن سعيد بن أبي الْحسن. قَالَ أبي: وَهُوَ قَول أبي جزي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 يَعْنِي: أصَاب وَأَخْطَأ جرير. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ جرير، عَن قَتَادَة، عَن أنس. وَرَوَاهُ قَتَادَة عَن سعيد بن أبي الْحسن مُرْسلا. ثمَّ قَالَ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ. قُلْتُ: رِوَايَة جرير، أخرجهَا التِّرْمِذِيّ، وحَسَّن الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَى همام عَن قَتَادَة عَن أنس. وَأخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة: همام وَجَرِير عَن قَتَادَة. فَظهر بِهَذَا أَن جَرِيرًا لم يتفرد بِهِ، وَلَفظه فِي هَذِه الرِّوَايَة، عَن أنس، قَالَ: «كَانَت نعل سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من فضَّة، وقبيعة (سَيْفه) فضَّة، وَمَا بَين ذَلِك حلق الْفضة» . الطَّرِيق الثَّانِي: رِوَايَة (مزيدة) (بن) جَابر الْعَبْدي العصري. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الْجِهَاد، من حَدِيث: طَالب بن حُجَيْر، نَا هود بن عبد الله [بن] سعد، عَن جده (مزيدة) رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «دخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، يَوْم الْفَتْح، وَعَلَى سَيْفه ذهب وَفِضة. قَالَ طَالب: فَسَأَلته عَن الْفضة، (فَقَالَ) : كَانَت قبيعة سَيْفه فضَّة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ ابْن القَطَّان: هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 عِنْدِي ضَعِيف لَا حسن؛ لِأَن طَالبا وهودًا مَجْهُولا الْحَال، وَسُئِلَ الرازيان عَن طَالب فَقَالَا: شيخ. قَالَ الذَّهَبِيّ (فِي «الْمِيزَان» ) : صَدَقَ أَبُو الْحسن. قُلْتُ: لَا، طَالب رَوَى عَنهُ (جمَاعَة) ، وَذكره ابْن (حبَان) فِي «ثقاته» وَفِي «التذهيب» : (هود) بن عبد الله بن سعد، الْعَبْدي، عَن جده لأمه: (مزيدة) ، ومعبد بن وهب، وَلَهُمَا صُحْبَة، وَعنهُ: طَالب بن (حُجَيْر) . وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : تفرَّد (بِهِ) طَالب، وَهُوَ صَالح الْأَمر - إِن شَاءَ الله - وَهَذَا مُنكر، فَمَا (علمنَا) فِي (حلية) سَيْفه (عَلَيْهِ السَّلَام) ذَهَبا. الطَّرِيق الثَّالِث: من رِوَايَة أبي أُمَامَة. أخرجه النَّسَائِيّ: فِي أَوَاخِر الزِّينَة واللباس، عَن عمرَان بن (يزِيد) ، ثَنَا عِيسَى ين يُونُس، ثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 عُثْمَان بن حَكِيم، عَن أبي أُمَامَة بن سهل قَالَ: (كَانَت قبيعة سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، من فضَّة) . وَهَذَا إِسْنَاد لَا ريب فِي صِحَّته، (عمرَان) : قَالَ النَّسَائِيّ فِي حَقه: لَا بَأْس بِهِ وَعِيسَى: هُوَ (السبيعِي) ، أخرج لَهُ السِّتَّة، ووثَّقه أَبُو حَاتِم، وَجمع. وَعُثْمَان: أخرج لَهُ مُسلم، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا، وَقَالَ أَحْمد، (و) ابْن معِين: ثِقَة، وَقَالَ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر: هُوَ أوثق أهل الْمَدِينَة وأعبدهم. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن هِشَام بن عَمَّار، نَا مُحَمَّد بن حمير، حَدَّثَنَي أَبُو الحكم (الصيقل) ، قَالَ: حَدَّثَنَي مَرْزُوق (الصيقل) : «أَنه صقل سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (ذَا) الفقار، وَكَانَت لَهُ قبيعة من فضَّة ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك، وَلَا أعلم بِهَذَا السَّنَد بَأْسا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 «القَبِيعة» : بِفَتْح الْقَاف، وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة، هِيَ الَّتِي تكون عَلَى رَأس قَائِم السَّيْف، وطرف مقبضه، من (فضَّة) ، أَو حَدِيد. قَالَ الشَّيْخ (زكي الدَّين) : «وَقيل: مَا تَحت شاربَيْ السَّيْف، (مِمَّا) يكون فَوق الغمد. وَقيل: هِيَ التومة الَّتِي (تكون) فَوق المقبض» . قَالَ: «وَجَاز ذَلِك فِي السَّيْف لِأَنَّهُ من زِينَة الرجل وآلته، فيقاس عَلَيْهِ المنطقة، وَنَحْوهَا من أَدَاة الْفَارِس، دون أَدَاة الْفرس. الحَدِيث الثَّانِي عشر أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الذَّهَب وَالْحَرِير: «هَذَانِ حرامان عَلَى ذُكُور أمتِي» . هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، وَله طرق: أَحدهَا: عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حُرِّم لِبَاس الذَّهَب وَالْحَرِير عَلَى ذُكُور أمتِي، وَأحل لإِناثهم» . رَوَاهُ أَحْمد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَهَذَا لَفظه، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَلَفظ أَحْمد: « (أحل) الذَّهَب وَالْحَرِير للإِناث من أمتِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 وَحرم عَلَى ذكورها» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَلَفظه: «إنَّ الله - تَعَالَى - أَحَلَّ لإِنَاثِ أمتِي الْحَرِير وَالذَّهَب، وحَرَّمه عَلَى ذكورها» . وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَلَفظه: «أُحِلَّ الذَّهَب وَالْحَرِير لإِناث أمتِي، وحُرِّم عَلَى ذكورها» . وَله أَلْفَاظ أخر بِنَحْوِ هَذَا. (وَرَوَاهُ) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» ، وَهَذَا لَفظه: «أحل الذَّهَب وَالْحَرِير لإِناث أمتِي» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عبد الله بن (سعيد) بن أبي هِنْد، (عَن أَبِيه، وَيَرْوِيه نَافِع مولَى ابْن عمر، عَن (سعيد) بن أبي هِنْد) ، وَاخْتلف عَن نَافِع: فَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَعبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مُوسَى. وَرَوَاهُ سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز، عَن (عبيد الله) ، عَن سعيد بن أبي [سعيد] المَقْبُري، عَن أبي مُوسَى. وَوَهِمَ فِي موضِعين: فِي قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 سعيد المَقْبُري، وَإِنَّمَا هُوَ سعيد بن أبي هِنْد. وَفِي تَركه نَافِعًا فِي الإِسناد. وَرَوَاهُ (عبد الله) بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن رجل، عَن أبي مُوسَى. وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ؛ لِأَن سعيد بن أبي هِنْد لم يسمع من أبي مُوسَى شَيْئا، وَقَالَ أُسَامَة بن زيد: عَن (سعيد) بن أبي هِنْد، عَن أبي مرّة - مولَى عقيل - عَن أبي مُوسَى، فِي حَدِيث «النَّهْي عَن اللّعب بالنرد» ، وَهُوَ الصَّحِيح. قَالَ: و (هَذَا) يُقَوي قَول الْعمريّ: عَن نَافِع، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن رجل. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ من لَا يحْتَج بِهِ، عَن (عبد الله) ، عَن نَافِع، عَن سعيد، عَن (رجل) من أهل الْعرَاق، عَن أبي مُوسَى. وَذكره عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن سعيد، عَن رجل، عَن أبي مُوسَى. واختُلف فِيهِ عَلَى أَيُّوب» . ثمَّ ذكر قولة الدَّارَقُطْنِيّ المتقدِّمة: أنَّ سعيد بن أبي هِنْد لم يسمع من أبي مُوسَى. وَقد أخرجه التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ من هَذِه الطَّرِيق - أَعنِي طَرِيق: عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مُوسَى - مَرْفُوعا. وَقد صحَّحه التِّرْمِذِيّ، فَالظَّاهِر سَماع سعيد مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 لَكِن قد قَالَ كمقالة الدَّارَقُطْنِيّ: أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، فَقَالَ: سعيد بن أبي هِنْد لم يَلْقَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : حَدِيث سعيد بن أبي هِنْد عَن أبي مُوسَى فِي هَذَا الْبَاب مَعْلُول لَا يَصح. وَلَعَلَّه يُشِير إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي حَاتِم، (بل) لَا شكّ فِي ذَلِك. لكنه أخرج فِي «صَحِيحه» حَدِيث: «من لعب بالنرد، فقد عَصَى الله وَرَسُوله» ، وَهُوَ من رِوَايَة سعيد عَن أبي مُوسَى. الطَّرِيق الثَّانِي: وَهُوَ أشهرها، عَن عَلّي بن أبي طَالب - كَرَّم الله وَجهه -: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ حَرِيرًا فَجعله فِي يَمِينه، وَأخذ ذَهَبا فَجعله فِي شِمَاله، ثمَّ قَالَ: إنَّ هذَيْن حرَام عَلَى ذُكُور أمتِي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَلابْن مَاجَه زِيَادَة فِيهِ، وَهِي: «حل لإناثهم» . وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «أَخذ [حَرِيرًا] فَجعله فِي يَمِينه، وَأخذ ذَهَبا فَجعله فِي شِمَاله، ثمَّ قَالَ: إنَّ هذَيْن حرامٌ عَلَى ذُكُور أمتِي» . قَالَ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: حَدِيث حسن، وَرِجَاله معروفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : هَذَا حَدِيث مُخْتَلَف فِي إِسْنَاده، يرجع إِلَى يزِيد بن أبي حبيب، فَقيل: عَنهُ عَن أبي أَفْلح الْهَمدَانِي، عَن عبد الله بن زُرَيْر، عَن عَلّي. هَذِه رِوَايَة لَيْث عِنْد أبي دَاوُد. وَقيل فِيهِ: عَن يزِيد، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي الصعبة، عَن أبي أَفْلح. وَهَذِه رِوَايَة ابْن إِسْحَاق (عِنْد) ابْن مَاجَه. قُلْتُ: وَرِوَايَة اللَّيْث بن سعد، وَعبد الحميد بن جَعْفَر. كَمَا قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» . قَالَ الشَّيْخ: وَقيل: عَن (ابْن) الصعبة - وَلم يسم - عَن رجل من هَمدَان، يُقَال لَهُ: أَفْلح. هَذِه رِوَايَة ابْن الْمُبَارك، عَن اللَّيْث، عَن (يزِيد) . قُلْتُ: وَرِوَايَة حجاج، عَن (اللَّيْث) أَيْضا، كَمَا أخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» . وَقيل: عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبد الله بن زرير. أسقط من الإِسناد رجلَيْنِ: ابْن أبي الصعبة، وَأَبا أَفْلح. قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» . قَالَ: [وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن] يزِيد بن أبي حبيب، عَن رجل، عَن آخر - لم يسمهما - عَن عَلّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 قَالَ: وَقيل: عَن (ابْن) إِسْحَاق، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن عبد الله بن شَدَّاد، عَن عبد الله بن مرّة، عَن عَلّي. رَوَاهُ عَن ابْن إِسْحَاق عمر بن حبيب. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهِمَ فِي الإِسناد عمر هَذَا، وَكَانَ سيِّئ الْحِفْظ. انْتَهَى. وَقيل: عَن (ابْن) أبي الصعبة، عَن أبي عَلّي الْهَمدَانِي، عَن عبد الله بن زرير. وَهَذِه رِوَايَة النَّسَائِيّ فِي مُسْند عَلّي، أفادها الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» . قَالَ النَّسَائِيّ: حَدِيث ابْن الْمُبَارك أولَى بِالصَّوَابِ، إلاَّ قَوْله: «أَفْلح» ، فإنَّ «أَبَا أَفْلح» أولَى بِالصَّوَابِ. وَقد علل هَذَا الحَدِيث بعلَّة أُخْرَى، وَهِي: جَهَالَة حَال (أبي أَفْلح) ، بِالْفَاءِ، لَا بِالْقَافِ. ذكر ابْن القَطَّان ذَلِك، وَقَالَ: عبيد الله بن زرير مَجْهُول الْحَال أَيْضا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: أما أَبُو أَفْلح فَلَا يبعد مَا قَالَ فِيهِ، وإنْ كَانَ قد ذكر عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: حسن. وَأما عبد الله بن زرير: فقد ذكر أَن الْعجلِيّ، وَمُحَمّد بن سعد وَثقَّاه. قَالَ الشَّيْخ: وَفِي الحَدِيث شَيْء آخر، وَهُوَ: أَن رِوَايَة من رَوَاهُ عَن يزِيد، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي الصعبة، عَن أبي أَفْلح، إِذا (عَملنَا) بهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 وسلكنا طريقهم، فِي أَن نحكم بأنَّ يزِيد لم يَسمع من أبي أَفْلح، تَصَدَّى لنا (النّظر) فِي حَال عبد الْعَزِيز أَيْضا. قُلْتُ: حَالَته جَيِّدَة، رَوَى لَهُ النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَرَوَى عَن: أَبِيه، وَأبي عَلّي الْهَمدَانِي، وَعنهُ: يزِيد بن أبي حبيب، وَغَيره، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أُحِلَّ الذَّهَب وَالْحَرِير لإِناث أمتِي، وحُرِّم عَلَى ذكورها» . ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» فِيمَا سُئِلَ عَنهُ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيث يرويهِ (عبيد الله) ، وَاخْتلف عَنهُ: فَرَوَاهُ يَحْيَى بن سليم الطَّائِفِي، عَن عبد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. وَتَابعه بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَلَى مَعْنَى هَذَا القَوْل فِي الْحَرِير و (الْخَزّ) ، وَلم يذكر الذَّهَب، وَكِلَاهُمَا وهمٌ، وَالصَّحِيح: عَن (عبد الله) ، عَن نَافِع، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مُوسَى. وَسَعِيد لم يسمعهُ (من أبي مُوسَى) . وَرَوَى طلق بن حبيب، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عمر: سَمِعت من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْحَرِير شَيْئا؟ قَالَ: لَا. وَهَذَا يدل عَلَى وهم يَحْيَى بن سليم، وَبَقِيَّة فِي حكايتهما عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عقبَة بن عَامر رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الذَّهَب وَالْحَرِير: « (إِن هذَيْن) حرامٌ عَلَى ذُكُور أمتِي، حِلٌّ لإِناثها» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَغَيره، وَلَا أعلم بِسَنَدِهِ (بَأْسا) . وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق خَامِس: رَوَاهُ قيس بن أبي حَازِم، عَن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «خرج علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَفِي يَده صُرَّتان، (إِحْدَاهمَا) من ذهب، وَالْأُخْرَى من حَرِير، فَقَالَ: هَذَانِ (حرَام) عَلَى الذُّكُور من أمتِي، حَلَال لإِناثهم» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ، ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، إلاَّ عَمْرو بن جرير البَجلِيّ الْكُوفِي، تفرد بِهِ دَاوُد بن سُلَيْمَان. وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل، عَن قيس، عَن (عمر) ، (إلاَّ عَمْرو) بن جرير، (وَعَمْرو) لَيِّن الحَدِيث، وَقد احتُمل حَدِيثه، وَرُوِيَ عَنهُ، و (قد) رُوِيَ هَذَا الْكَلَام عَن غير عمر. قَالَ: وَلَا نعلم فِيمَا يرْوَى فِي ذَلِك حَدِيثا ثَابتا عِنْد أهل النَّقْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 وَله طَرِيق سادس - أَيْضا -: رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن رَافع، عَن عبد الله بن (عَمْرو) ، (قَالَ) : «خرج إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَفِي إِحْدَى يَدَيْهِ ثوب من حَرِير، وَفِي الْأُخْرَى ذهب، فَقَالَ: إنَّ هذَيْن محرم عَلَى ذُكُور أمتِي، حل لإِناثهم» . ذكره فِي «اللبَاس» فِي «سنَنه» ، وَفِي إِسْنَاده: الأفريقي، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أَنْعُم، وَهُوَ ضَعِيف. وَقَالَ (التِّرْمِذِيّ) : رَأَيْت البُخَارِيّ يُقَوِّي أمره. وَيُقَال: هُوَ مقارب الحَدِيث. وَله أَيْضا طَرِيق سَابِع: عَن زيد بن أَرقم، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الذَّهَب وَالْحَرِير حَلَال لإناث أمتِي، حرَام عَلَى ذكورها» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، والعقيلي فِي «تَارِيخه» من حَدِيث: ثَابت بن زيد (بن ثَابت بن زيد) بن أَرقم، (قَالَ: حدَّثتني) عَمَّتي أُنيسة بنت زيد بن أَرقم، عَن أَبِيهَا زيد بن أَرقم بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 قَالَ أَحْمد: ثَابت هَذَا لَهُ مَنَاكِير. وَقَالَ ابْن حبَان: الْغَالِب عَلَى حَدِيثه الْوَهم، لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد. قَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا يرْوَى بِغَيْر هَذَا الإِسناد، بأسانيد صَالِحَة. وَله أَيْضا طَرِيق ثامن: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، عَن إِسْمَاعِيل بن (قِيرَاط) ، نَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، نَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدَّثتنِي أَسمَاء بنت وَاثِلَة، عَن أَبِيهَا، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، يَقُول: «الذَّهَب وَالْحَرِير حل لإِناث أمتِي، حرَام عَلَى ذُكُور أمتِي» . وَهَذَا سَنَد لَا أعلم بِهِ بَأْسا، وَشَيخ الطَّبَرَانِيّ لَا أعرفهُ، وَسليمَان: ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَأَخُوهُ: وثَقَّه أَبُو زرْعَة، وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ من التَّابِعين، لَا يُسأل عَن مثله. وَأَسْمَاء: تابعية، لَا أعلم حَالهَا الْآن. وَله أَيْضا طَرِيق تَاسِع: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا. عَن ابْن عَبَّاس: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (أخرج) من يَده قِطْعَة من ذهب، وَقطعَة من حَرِير، فَقَالَ: إنَّ هذَيْن حرامان عَلَى ذُكُور أمتِي حلالان لإِناثهم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 وَفِي سَنَده: إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، وَهُوَ مُتَّفق عَلَى ضعفه. ثمَّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث: مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة، عَن أَبِيه، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَبَضَ عَلَى الذَّهَب وَالْحَرِير، وَهُوَ يحرِّكه، وَيَقُول: هَذَا (يحرم) عَلَى (الذُّكُور من أمتِي) » . وَمُحَمّد هَذَا: مَتْرُوك بالِاتِّفَاقِ، بل قَالَ صَالح بن مُحَمَّد: كَانَ يضع الحَدِيث. ووالده الْفضل: وَثَّقه ابْن رَاهَوَيْه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ، وضَعَّفه الفلاس، وَابْن عدي. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، أَو إِنَاء فِيهِ شَيْء من ذَلِك، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي (جَوْفه) نَار جَهَنَّم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور: الْأُسْتَاذ أَبُو الْوَلِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 النَّيْسَابُورِي، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ؛ وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله، فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» وَغَيرهم، من رِوَايَة: يَحْيَى بن [مُحَمَّد] الْجَارِي، ثَنَا زَكَرِيَّا بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مُطِيع، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عمر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وأخبرناه أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِي «فَوَائده» ، عَن الطوسي، والفاكهي مَعًا، فَزَاد فِي الإِسناد بعد أَبِيه: عَن جده، عَن (ابْن) عمر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَظنهُ وهما، وَقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ، والفقيه أَبُو الْوَلِيد (النَّيْسَابُورِي) ، (بِدُونِ) ذكر جده. قَالَ: وَالْمَشْهُور عَن ابْن عمر فِي (المضبب) مَوْقُوفا عَلَيْهِ. ثمَّ أخرجه بِإِسْنَاد صَحِيح، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه كَانَ لَا يشرب فِي قدح فِيهِ حَلقَة فضَّة، وَلَا ضبة فضَّة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 ثمَّ رُوِيَ من جِهَة خصيف، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه أُتِيَ بقدح (مضبب) ليشْرب مِنْهُ، فَأَبَى أَن يشرب، (فَسَأَلته) ، فَقَالَ: «إِن ابْن عمر، مُنْذُ سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الشّرْب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، لم يشرب فِي الْقدح المفضض» . انْتَهَى. وخصيف هَذَا سكت (عَنهُ) الْبَيْهَقِيّ هُنَا، وَقَالَ فِي بَاب (كَفَّارَة) من أَتَى الْحَائِض: خصيف غير مُحْتَج بِهِ. وَقد شهد للْحَدِيث الْمُتَقَدّم غير وَاحِد بضعفه، قَالَ أَبُو الْحسن بن القَطَّان: هَذَا حَدِيث لَا يصحّ، وزَكَرِيا، وَأَبوهُ لَا يعرف لَهما حَال. قُلْتُ: و (الْجَارِي) ، قَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَابْن حبَان، (وَقَالَ: يغرب) . وَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ بحَديثه بَأْس. وَقَالَ أَبُو عوَانَة الإِسفراييني فِي «صَحِيحه» فِي بَاب تَحْسِين الصَّوْت بِالْقُرْآنِ: نَا عَبَّاس الدوري، ثَنَا (يَحْيَى الزِّمِّي) ، نَا يَحْيَى بن مُحَمَّد (الْجَارِي) بساحل الْمَدِينَة، ثِقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب «عُلُوم الحَدِيث» : لم (تكْتب) هَذِه اللَّفْظَة - وَهِي: «أَو إِنَاء فِيهِ شَيْء من ذَلِك» - إلاَّ بِهَذَا الإِسناد. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : هَذَا حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: (هَذَا حَدِيث) فِي إِسْنَاده نظر. وَقَالَ النَّوَوِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين: الْأَشْهر رِوَايَة الْوَقْف عَلَى ابْن عمر. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : حَدِيث مُنكر. قُلْتُ: وَأما الإِمام أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، فَقَالَ عقب تَخْرِيجه لَهُ: إِسْنَاده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 بَاب الْوضُوء ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الْأَحَادِيث (وَاحِدًا) وَسِتِّينَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى» . وَفِي رِوَايَة: «وَلكُل امْرِئ مَا نَوى» . هَذَا الحَدِيث أحد أَرْكَان الإِسلام وقواعد الإِيمان. وَهُوَ صَحِيح جليل مُتَّفق عَلَى صِحَّته، مجمع عَلَى عظم موقعه وجلالته وثبوته من حَدِيث الإِمام أبي سعيد يَحْيَى بن سعيد بن قيس الْأنْصَارِيّ، رَوَاهُ عَنهُ حفاظ الإِسلام وأعلام الْأَئِمَّة: إِمَام دَار الْهِجْرَة، أَبُو عبد الله مَالك بن أنس، وَشعْبَة بن الْحجَّاج، والحمادان: حَمَّاد بن زيد وَحَمَّاد بن سَلمَة، والسفيانان: (سُفْيَان) الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَاللَّيْث بن سعد، وَيَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَعبد الله بن الْمُبَارك، وَيزِيد بن هَارُون، وَأَبُو (عمر) حَفْص بن غياث، وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر، وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وخلائق لَا يُحصونَ كَثِيرَة. قَالَ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن عَلّي الخشاب الْحَافِظ: رَوَى هَذَا (الحَدِيث) عَن يَحْيَى بن سعيد نَحْو من مِائَتَيْنِ وَخمسين رجلا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: سَمِعت الْحَافِظ أَبَا مَسْعُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 عبد الْجَلِيل بن أَحْمد يَقُول فِي المذاكرة: قَالَ الإِمام عبد الله الْأنْصَارِيّ: كتبت هَذَا الحَدِيث عَن سَبْعمِائة نفر من أَصْحَاب يَحْيَى بن سعيد. أخرجه الْأَئِمَّة: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس فِي «مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ» ، وَأحمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو عبد الله البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي سَبْعَة مَوَاضِع مِنْهُ، فَرَوَاهُ فِي أول كِتَابه، ثمَّ فِي الْإِيمَان، ثمَّ فِي الْعتْق، ثمَّ فِي الْهِجْرَة، ثمَّ فِي النِّكَاح، ثمَّ فِي النذور، ثمَّ فِي ترك الْحِيَل. وَرَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْجِهَاد من طرق (عدَّة) . وَأخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي الطَّلَاق، وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي الْحُدُود، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 الْإِيمَان وَالطَّهَارَة وَالرَّقَائِق وَالطَّلَاق، وَأَبُو عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي فِي «سنَنه» فِي الزّهْد، ثمَّ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنَيْهِمَا) ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَلم يبْق من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمد عَلَيْهَا من لم يُخرجهُ سُوَى مَالك فَإِنَّهُ لم يُخرجهُ فِي «الْمُوَطَّأ» ، نعم رَوَاهُ (خَارِجهَا) كَمَا سَيَأْتِي بَيَان طَرِيقه. وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك. وَلَفظ روايتهم: عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات وَإنِّمَا (لكل اِمْرِئٍ) مَا نَوى. فَمن كَانَت هجرتهُ إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله، وَمن كَانَت هجرته لدُنْيَا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة ينْكِحهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ» . وَلَفظ مُسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة وَإنِّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى» ، الحَدِيث. وللبخاري: «العَمَلُ بِالنِّيَّةِ» . وَله: «إِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، كَمَا سبق. وَله: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة» . وَله: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة» ، كَلَفْظِ مُسلم. وَله: «يَا أَيُّهَا النَّاسِ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة» . وَأما الَّذِي وَقع فِي أول كتاب «الشهَاب» للقضاعي: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات» ، فَجمع الْأَعْمَال والنيات، وَحذف «إِنَّمَا» . فَنقل النَّوَوِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمَّى «ببستان العارفين» وإملائه عَلَى هَذَا الحَدِيث وَلم يكملهما، عَن الْحَافِظ أبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ أَنه قَالَ: لَا يَصح إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَأقرهُ عَلَيْهِ. وَفِيمَا قَالَه نظر، فقد أخرجه كَذَلِك حَافِظَانِ وَحكما بِصِحَّتِهِ. أَحدهمَا: أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أوردهُ فِي «صَحِيحه» عَن عَلّي بن مُحَمَّد (القبابي) ، ثَنَا عبد الله بن هَاشم الطوسي، [حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان] ، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن عَلْقَمَة بن وَقاص، عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات» ، الحَدِيث بِطُولِهِ. الثَّانِي: الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَإِنَّهُ أوردهُ فِي كتاب «الْأَرْبَعين فِي شعار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 أهل الحَدِيث» ، عَن أبي بكر بن خُزَيْمَة، ثَنَا أَبُو مُسلم، ثَنَا القعْنبِي، ثَنَا مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، كَمَا ذكره ابْن حبَان سَوَاء ثمَّ حكم بِصِحَّتِهِ. وَرَوَاهُ ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» ، بِلَفْظ آخر وَهُوَ: «إِنَّ الأَعْمَال بِالنِّيَّة وَإنَّ لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهجرَته إِلَى (مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ اِمْرَأةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلىَ مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» . تَنْبِيهَات مهمة: أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير عمر بن الْخطاب من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم نَحْو عشْرين صحابيًا، وَإِن كَانَ الْبَزَّار قَالَ: لَا نعلم يروي هَذَا الْكَلَام إلاَّ عَن عمر بن الْخطاب عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهَذَا الإِسناد. وَكَذَا ابْن السكن فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب «السّنَن الصِّحَاح» ، حَيْثُ قَالَ: وَلم (يروه) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْنَاد غير عمر بن الْخطاب. ذكر الْحَافِظ أَبُو يعْلى الْقزْوِينِي فِي كِتَابه «الإِرشاد» من رِوَايَة مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ عَن زيد بن أسلم (بِوَجْه) ، فَهَذَا مِمَّا أَخطَأ فِيهِ الثِّقَة عَن الثِّقَة. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «أَحَادِيث مَالك الَّتِي لَيست فِي الْمُوَطَّأ» وَلَفظه: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى» ، إِلَى آخِره. ثمَّ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 تفرد بِهِ (عبد الْمجِيد عَن) مَالك وَلَا نعلم حدَّث بِهِ عَن عبد الْمجِيد غير نوح بن حبيب وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد العتيقي. وَقَالَ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ فِي جمعه لطرق هَذَا الحَدِيث: رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير عمر: سعد بن أبي وَقاص، وَعلي بن أبي طَالب، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَعبد الله بن عمر، وَأنس، وَابْن عَبَّاس، وَمُعَاوِيَة، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعبادَة بن الصَّامِت، وَعتبَة بن عبد السّلمِيّ، وهلال بن سُوَيْد، وَعقبَة بن عَامر، وَجَابِر بن عبد الله، وَأَبُو ذَر، وَعتبَة بن النُّدَّر، وَعقبَة بن مُسلم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. قُلْتُ: وَله شَاهِدَانِ (أَيْضا) صَحِيحَانِ: حَدِيث: «وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنَيِةٌ» ؛ وَحَدِيث: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيِّاتِهِم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث فَرد غَرِيب باعتبارٍ، مَشْهُور باعتبارٍ آخر وَلَيْسَ بمتواتر، بِخِلَاف مَا يَظُنّهُ بعض النَّاس، فإنَّ مَدَاره عَلَى يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ كَمَا سلف. قَالَ الْحفاظ: لَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إلاَّ من جِهَة عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَلَا عَن عمر إلاَّ من جِهَة عَلْقَمَة، وَلَا عَن عَلْقَمَة إلاَّ من جِهَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، وَلَا عَن مُحَمَّد إِلَّا من جِهَة يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَعَن يَحْيَى اشْتهر، فَرَوَاهُ جماعات لَا يُحصونَ فَوق الْمِائَتَيْنِ كَمَا أسلفته، وَأَكْثَرهم أَئِمَّة معروفون. نَبَّه عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَنَّهُ قد يخْفَى عَلَى بعض من لَا يعاني الحَدِيث، فيتوهم أَنه متواتر لشدَّة شهرته وَعدم مَعْرفَته بفقد شَرط التَّوَاتُر (فِي أَوله) . قُلْتُ: وَقد توبع عَلْقَمَة والتيمي وَيَحْيَى بن سعيد عَلَى روايتهم. قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن عمر غير عَلْقَمَة: ابْنه عبد الله، وَجَابِر، وَأَبُو جُحَيْفَة، وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة، وَذُو الكلاع، وَعَطَاء بن يسَار، و (نَاشِرَة بن سمي) ، وواصل بن (عَمْرو) الجذامي، وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر. وَرَوَاهُ عَن عَلْقَمَة غير التَّيْمِيّ: سعيد بن الْمسيب، وَنَافِع مولَى ابْن عمر. وتابع يَحْيَى بن سعيد عَلَى رِوَايَته (عَن التَّيْمِيّ) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلْقَمَة أَبُو الْحسن اللَّيْثِيّ، وَدَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 بن أبي الْفُرَات، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار، وحجاج بن أَرْطَاة وَغَيرهم. الثَّالِث: هَذَا الحَدِيث اسْتحبَّ الْعلمَاء أَن تستفتح بِهِ المصنفات وَمِمَّنْ ابْتَدَأَ بِهِ: إِمَام الحَدِيث بِلَا مدافعة أَبُو عبد الله البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَنقل جماعات من السّلف (أَنهم) كَانُوا يستحبون افْتِتَاح الْكتب بِهَذَا الحَدِيث تَنْبِيها للطَّالِب عَلَى تَصْحِيح النِّيَّة. وَقَالَ الإِمام أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: من أَرَادَ أَن يصنف كتابا فليبدأ بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: لَو صنفت كتابا لبدأت فِي كل بَاب مِنْهُ بِهَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَ المتقدمون من شُيُوخنَا يستحبون تَقْدِيم هَذَا الحَدِيث أَمَام كل شَيْء (يُنشأ ويُبتدأ) من أُمُور الدَّين لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ فِي جَمِيع أَنْوَاعهَا. الرَّابِع: هَذَا الحَدِيث أحد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الإِسلام، وَقد اخْتلف فِي عَدِّها. فَقيل ثَلَاثَة: هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يعْنِيهِ» ، وَحَدِيث «الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» . قَالَ الْحَافِظ حَمْزَة بن مُحَمَّد الْكِنَانِي: سَمِعت أهل الْعلم يَقُولُونَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 هَذِه الثَّلَاثَة أَحَادِيث هِيَ الإِسلام. وكل حَدِيث مِنْهَا ثلث الإِسلام، وَقيل أَرْبَعَة قَالَه أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا، بِزِيَادَة (حَدِيث) : «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبكَ اللهُ» . وَقيل اثْنَان، وَقيل وَاحِد. وَقَالَ أَبُو بكر الْخفاف من قدماء أَصْحَابنَا: رُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: مدَار الإِسلام عَلَى أَرْبَعمِائَة حَدِيث. ثمَّ نقل عَن ابْن الْمَدِينِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَن مَدَاره عَلَى أَرْبَعَة أَحَادِيث «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، و «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَث» ، و «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ» ، و «البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . ثمَّ نقل عَن إِسْحَاق أَنه قَالَ: مَدَاره عَلَى ثَلَاثَة: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات» ، وَحَدِيث عَائِشَة: «مَنْ أَدْخَلَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهْوَ رَدٌّ» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 وَحَدِيث النُّعْمَان: «الحَلاَل بَيِّنٌ» . نقلت ذَلِكَ كُله من كتاب: الْأَقْسَام والخصال، وَلم أرَ لغيره تعرضًا لذَلِك، فاستفده. قَالَ الشَّافِعِي: يدْخل هَذَا الحَدِيث - (أَعنِي حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بالنيَّات) - فِي سبعين بَابا من الْفِقْه. وَقَالَ أَيْضا: هُوَ ثلث الْعلم. وَكَذَا قَالَه الإِمام أَحْمد وَغَيره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: سَببه أَن كسب العَبْد بِقَلْبِه وَلسَانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثَّلَاثَة وأرجحها لِأَنَّهَا تكون عبَادَة بانفرادها بِخِلَاف الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ. وَلِهَذَا كَانَ نِيَّة الْمُؤمن خير من عمله، وَلِأَن القَوْل وَالْعَمَل يدخلهما الْفساد بالرياء، بِخِلَاف النِّيَّة. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي ثَلَاثِينَ بَابا من (الإِرادات والنيات) . وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: أُمَّهَات الحَدِيث أَرْبَعَة، هَذَا أَحدهَا. وَقَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ من أَخْبَار النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَدِيث أجمع وَأكْثر فَائِدَة وأبلغ من هَذَا الحَدِيث. الْخَامِس: لَفْظَة «إِنَّمَا» مَوْضُوعَة للحصر تثبت الْمَذْكُور وتنفي مَا سواهُ، هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور من أهل اللُّغَة وَالْأُصُول وَغَيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 قَالَ الْعلمَاء: وَالْمرَاد بِالْحَدِيثِ أَنه لَا يكون الْعَمَل (شَرْعِيًّا) يتَعَلَّق بِهِ عِقَاب، وَلَا ثَوَاب إلاَّ بِالنِّيَّةِ. قَالَ الْخطابِيّ: وَأفَاد قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «وإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى» ، فَائِدَة لم تحصل بقوله: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَهِي) : أَن تعْيين الْعِبَادَة المنوية شرطٌ لصحتها» . وَقَالَ غَيره: مَعْنَى الحَدِيث: لَا يَصح عمل من غير نِيَّة، فَإِن صورته تُوجد من غير نِيَّة. فنفى الحكم وأكده بقوله: «وَإنِّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى» . السَّادِس: أصل الْهِجْرَة التّرْك. وَالْمرَاد بهَا ترك الوطن والانتقال إِلَى غَيره. وَهَذَا الحَدِيث ورد عَلَى سَبَب. وَهُوَ أَن امْرَأَة كَانَت بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهَا أم قيس. وَيُقَال أَن اسْمهَا قيلة، فَهَاجَرَ بَعضهم إِلَى الْمَدِينَة بنية (التَّزَوُّج) بهَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (ذَلِكَ) ، فَسُمي مهَاجر أم قيس. السَّابِع: قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ -: «إِلَى دُنْيَا» هُوَ مَقْصُور غير منون عَلَى الْمَشْهُور، وَيجوز فِي لُغَة غَرِيبَة تنوينها. (وَفِي) حَقِيقَة الدُّنْيَا قَولَانِ لِأَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمين: أَحدهمَا: مَا عَلَى الأَرْض مَعَ الْهَوَاء والجو. وَالثَّانِي: كل الْمَخْلُوقَات من الْجَوَاهِر والأعراض الْمَوْجُودَة قبل الدَّار الْآخِرَة. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر. هَاهُنَا سُؤال مَشْهُور، وَهُوَ: كَيفَ ذكرت الْمَرْأَة مَعَ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 دَاخِلَة (فِيهَا) ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من أوجه: أَحدهَا: أَنه لَا يلْزم دُخُولهَا فِي هَذِه الصِّيغَة؛ لِأَن لَفْظَة دنيا نكرَة وَهِي لَا تعم فِي الْإِثْبَات، فَلَا يلْزم دُخُول الْمَرْأَة فِيهَا. الثَّانِي: أَن هَذَا الحَدِيث قد ورد عَلَى سَبَب كَمَا مر فَذكرت الْمَرْأَة لأجل تَبْيِين السَّبَب. الثَّالِث: أَنه للتّنْبِيه عَلَى زِيَادَة التحذير من الْمَرْأَة، وَقد جَاءَ ذكر الْخَاص بعد الْعَام تَنْبِيها عَلَى مزيته فِي عدَّة آيَات من الْقُرْآن. مِنْهَا قَوْله - تَعَالَى -: (حَافظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى) . وَمِنْهَا قَوْله - تَعَالَى -: (وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح) الْآيَة. وَمِنْهَا قَوْله - تَعَالَى -: (من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله) . وَلَيْسَ من هَذَا قَوْله - تَعَالَى -: (فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان) وَإِن كَانَ بعض النَّاس يغلط فيعده مِنْهُ، لِأَنَّهُ نكرَة فِي سِيَاق الإِثبات، فَلَا عُمُوم فِيهَا، فَلَا يلْزم أَن يكون النّخل وَالرُّمَّان (داخلين) فِي الْفَاكِهَة. لَكِن قد يُقَال إِنَّهَا ذكرت فِي معرض الْمِنَّة (فَيعم) . وَقد جَاءَ أَيْضا فِي الْقُرْآن عكس هَذَا، وَهُوَ ذكر الْعَام بعد الْخَاص. كَقَوْلِه تَعَالَى إِخْبَارًا عَن إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ -: (رَبنَا اغْفِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 لي ولوالدي وَلِلْمُؤْمنِينَ) . وَقَوله - تَعَالَى - إِخْبَارًا عَن نوح: (رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ) . فَهَذِهِ أحرف مختصرة من الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث وَقد نبهنا بِمَا ذكرنَا عَلَى مَا أهملنا، وَلَوْلَا خوف الإِطالة وَخُرُوج الْكتاب عَن مَوْضُوعه لذكرنا هُنَا نفائس، وَهَذَا الْقدر فِي هَذَا (التصنيف) كافٍ - إِن شَاءَ الله - وَقد أوضحته أحسن إِيضَاح فِي كتابي الْمُسَمَّى ب «الإِعلام (بفوائد) عُمْدَة الْأَحْكَام» ، (وَهُوَ كتاب جليل أعَان الله عَلَى إكماله وَقد فعل) ، وَكَذَا فِي «شرح البُخَارِيّ» أعَان الله عَلَى إكماله وَقد فعل. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى رَجُلًا غَطَّى لِحْيَتَهُ وَهْوَ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: اِكْشِفْ لِحْيَتَكَ فَإِنَّها مِنْ الْوَجْهِ» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب جدا لَا أعلم من خرَّجه. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين: قَالَ الْحَازِمِي: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَله إِسْنَاد مظلم، وَلَا يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي هَذَا الْبَاب شَيْء، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : ذكر الْحَازِمِي - وَكَانَ ثِقَة من حفاظ عصرنا - أَن هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَأَنه لَا يثبت فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث وجد فِي أَكثر النّسخ من الْمُهَذّب، وَلم يُوجد فِي بَعْضهَا. وَكَذَا لم يَقع فِي نُسْخَة قيل إِنَّهَا مقروءة عَلَى المُصَنّف قَالَ: وَهُوَ مَنْقُول عَن رِوَايَة ابْن عمر، ثمَّ نقل كَلَام الْحَازِمِي الْمُتَقَدّم. وصرَّح فِي «الْخُلَاصَة» بضعفه أَيْضا، فَإِنَّهُ ذكره فِي فصل الضَّعِيف. الحَدِيث الثَّالِث «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأَ فَغَرَفَ غُرْفَةً غَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه تَوَضَّأ فَأخذ غرفَة من مَاء فَتَمَضْمَض بهَا واستنشق، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَجعل بهَا هَكَذَا، أضافها إِلَى يَده الْأُخْرَى فَغسل بهَا وَجهه، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا يَده الْيُمْنَى، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا يَده الْيُسْرَى، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فرش بهَا عَلَى رجله الْيُمْنَى حَتَّى غسلهَا، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا رجله - يَعْنِي الْيُسْرَى - ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يتَوَضَّأ» . هَذَا لفظ رِوَايَة البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» . وَأما أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ كث اللِّحْيَة: فَصَحِيح مَعْرُوف. قَالَ القَاضِي عِيَاض: ورد ذَلِكَ (فِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة بأسانيد صَحِيحَة. انْتَهَى. وَمن ذَلِكَ مَا أخرجه مُسلم فِي أَفْرَاده من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَثِيرُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ» . وَفِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» للبيهقي، من حَدِيث عَلّي - كرَّم الله وَجهه - قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (ضَخْمُ) الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ» . وَفِي رِوَايَة: « (كَثُّ) اللِّحْيَةِ» ، وَفِي رِوَايَة: «عَظِيمُ اللِّحْيَةِ» . وفيهَا أَيْضا من حَدِيث أم معبد الْخُزَاعِيَّة لما وَصفته (كُله: و) فِي لحيته كَثَافَة. وفيهَا أَيْضا من حَدِيث هِنْد بن أبي هَالة أَنه ذكر فِي صفته (، «أَنَّهُ كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ» . وفيهَا أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا وَصفته (بذلك (أَيْضا) . وَفِيه: «والكث الْكثير النَّابِت الشّعْر، المُلْتَفُّهَا» . وَفِي إِسْنَاد هَذَا الطَّرِيق رجل لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ. وفيهَا أَيْضا فِي بَاب صفته (فِي التَّوْرَاة وَغَيرهَا عَن مقَاتل بن حَيَّان، قَالَ: «أَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَم: صَدِّقُوا النَّبِيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 الأُمِّيَّ الْعَرَبِيَّ» ، ثُمَّ ذَكَرَ صِفَتَهُ، وَفِيهِ: «الْكَثّ اللِّحْيَةِ» . وعزى هَذَا الحَدِيث - أَعنِي الَّذِي ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ - الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب إِلَى النَّسَائِيّ وَحده، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، فعزوه إِلَى البُخَارِيّ أولَى. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ «أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذَا تَوَضّأَ (أَدَارَ) المَاءَ عَلَى مرْفَقَيْهِ» ، وَيُروَى «أَنَّهُ (أَدَارَ) المَاءَ عَلَى مرْفَقَيْهِ، ثَمَّ (قَالَ) : هَذَا وضُوءٌ لاَ يَقْبَلُ اللهُ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأوَّل: الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من رِوَايَة عباد بن يَعْقُوب، ثَنَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد (بن عبد الله بن مُحَمَّد) بن عقيل، عَن جدِّه، عَن جَابر بن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَن سُوَيْد بن سعيد، عَن الْقَاسِم بالسند الْمَذْكُور عَن جَابر، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُدِيرُ المَاءَ عَلَى المرْفَقِ» . وَسكت الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، وَلم يعقباه بتصحيح وَلَا بِتَضْعِيف. وَذكره الشَّيخ زكي الدَّين فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ بَيَّضَ لَهُ بَيَاضًا. وكأنَّه - وَالله أعلم - إنَّما فعل ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 (لضَعْفه) ، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا صرح بِهِ الشَّيخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» وَلم يبَيِّن سَبَب ضعفه. وَأَقُول: سَببه أَن فِي إِسْنَاده (ثَلَاثَة) رجال مُتَكَلم فيهم. أحدهم: عباد بن يَعْقُوب الروَاجِنِي، رَوَى لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بآخر، قَالَ فِي حقِّه ابْن حبَان: إِنَّه رَافِضِي دَاعِيَة، يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير، فاستحقَّ التَّرك. الثَّانِي: الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عقيل، قَالَ ابْن عدي: قَالَ الإِمام أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ الْعقيلِيّ: قَالَ عبد الله بن أَحْمد: سَأَلت يَحْيَى بن معِين عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: أَحَادِيثه مُنكرَة، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. وَخَالف أَبُو حَاتِم (بن حبَان) ، فَذكره فِي «ثقاته» فِي أَتبَاع التَّابعين. وَهَذِه قولة مِنْهُ تفرد بهَا. وَقد نصَّ غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث بِسَبَب الْقَاسِم هَذَا. فَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» بعد استدلاله بِهِ: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، ثمَّ ذكر مقَالَة أَحْمد وَأبي حَاتِم فِي الْقَاسِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 وَقَالَ الشَّيخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» - بعد رِوَايَته لَهُ من طَرِيق الدَّارقطني وَالْبَيْهَقِيّ -: سكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ، وَلم يتعرَّض لَهُ بِشَيْء. ثمَّ نقل مَا قدمْنَاهُ عَن الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيف الْقَاسِم. وَقَالَ ابْن الصّلاح، ثمَّ النَّووي فِي كَلَامهمَا عَلَى «الْمُهَذّب» : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف. وَالثَّالِث: جده عبد الله بن مُحَمَّد (بن عقيل) . وَفِيه مقَال قريب سَنذكرُهُ وَاضحا - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي أخريات هَذَا الْبَاب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : فِي بَاب لَا يتَطَهَّر بِالْمُسْتَعْملِ لم يكن بِالْحَافِظِ وَأهل الْعلم (مُخْتَلفُونَ) فِي الِاحْتِجَاج بِرِوَايَاتِهِ. وسُويد (بن سعيد) ، (فِي الراوية الْأُخْرَى) وَإِن أخرج لَهُ مُسلم، فقد قَالَ ابْن معِين: هُوَ حَلَال الدَّم. (وَقَالَ) : كَذَّاب سَاقِط، لَو كَانَ (فِي يَدي) فرس ورمح (كنت) أغزوه. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق وَكَانَ كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 التَّدليس. وَقيل: إِنَّه عمي فِي آخر عمره، فَرُبمَا لقن مَا لَيْسَ فِي حَدِيثه، فَمن سمع مِنْهُ وَهُوَ بَصِير فَحَدِيثه عَنهُ حسن. وَقَالَ أَحْمد: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ قد عمي فتلقن مَا (لَيْسَ) من حَدِيثه. وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي بالمعضلات عَن الثِّقَات، يجب مجانبة مَا رَوَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ ثِقَة، (غير أَنه لما كبر) قُرئ عَلَيْهِ حَدِيث فِيهِ بعض (النكارة) فيجيزه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب من قَالَ لَا يقْرَأ: تغيَّر بِأخرَة، فَكثر الْخَطَأ فِي رِوَايَته. قُلْتُ: ويغني عَن هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة عَلَى دُخُول الْمرْفقين فِي غسل الْيَد حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» : «أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغََسَلَ يَدَيهِ حتَّى أَشْرَعَ فِي العَضدَيْنِ، وَغَسَلَ رِجْلَيهِ حتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَتَوَضَّأ» . وَسَيَأْتِي بِطرقِهِ عقب هَذَا الحَدِيث. فَثَبت بِهَذَا أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غسل مرفقيه، وَفعله بَيَان للْوُضُوء الْمَأْمُور بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق) ، وَلم ينْقل تَركه ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 الحَدِيث الْخَامِس قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَلَفظ البُخَارِيّ: عَن نعيم بن عبد الله المجمر، قَالَ: «رقيت مَعَ أبي هُرَيْرَة عَلَى ظهر الْمَسْجِد، فتوضَّأ ثمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِين مِنْ آثَارِ الوضُوءِ. فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ (وَتَحْجِيلَهُ) فَلْيَفْعَلْ» . وَلَفظ مُسلم: عَن نعيم المجمر، قَالَ: «رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة يتوضَّأ فَغسل وَجهه فأسبغ الْوضُوء، ثمَّ غسل يَده الْيُمْنَى حتَّى أشرع فِي الْعَضُد، ثمَّ (غسل) يَده الْيُسْرَى حتَّى أشرع فِي الْعَضُد، ثمَّ مسح رَأسه، ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى حتَّى أشرع فِي السَّاق، ثمَّ غسل رجله الْيُسْرَى حتَّى أشرع فِي السَّاق ثمَّ قَالَ: (هَكَذَا رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتوضَّأ، وَقَالَ) قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُون يَوْمَ الْقِيَامَةِ [من إسباغ الْوضُوء] ، فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وتَحْجِيلِهِ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن نعيم: «رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة يتوضَّأ، فَغسل وَجهه وَيَديه حتَّى كَاد يبلغ الْمَنْكِبَيْنِ، ثمَّ غسل رجلَيْهِ حتَّى رفع إِلَى السَّاقين، ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِين مِنْ أَثَرِ الوضُوءِ، فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» . قَوْله: «أشرع» هُوَ بالشين الْمُعْجَمَة. قَالَ بَعضهم: الْمَعْرُوف شرع. وَقد حُكيَ فِيهِ شرع وأشرع. وَهَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي «الْمُسْتَخْرج» لأبي نعيم عَلَى كتاب مُسلم: (أَسْبغ) فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة، بدل «أشرع» . أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» . قَالَ أهل اللُّغَة: الغرَّة بَيَاض فِي (جبهة) الْفرس، والتَّحجيل بَيَاض فِي يَديهَا ورجليها. قَالَ الْعلمَاء: يُسمى النُّور الَّذِي يكون عَلَى مَوَاضِع الْوضُوء يَوْم الْقِيَامَة غرَّة وتحجيلًا تَشْبِيها بغرَّة الْفرس وتحجيلها. ونعيم المُجْمِر الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة: بِضَم الْمِيم الأولَى وَإِسْكَان الْجِيم وَكسر الْمِيم الثَّانِيَة. وَيُقَال لَهُ المُجَمِّر، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم الثَّانِيَة الْمَكْسُورَة. وَقيل لَهُ المجمر؛ لأنَّه كَانَ يجمر مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَي يبخره. كَذَا قَالَه النَّووي فِي «شَرحه لمُسلم» . وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان: وَإِنَّمَا قيل المجمر؛ لِأَن أَبَاهُ كَانَ أَخذ المجمرة قُدَّام عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِذا خرج إِلَى الصَّلَاة فِي (شهر) رَمَضَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 و (اعْلَم) : أنَّ المجمر وصف لعبد الله، كَمَا قَرّرته، (وَيُطلق) عَلَى ابْنه نعيم مجَازًا. الحَدِيث السّادس «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَسَحَ فِي وضُوئِهِ (بِنَاصِيَتِهِ) وَعَلَى عمَامَتِهِ (وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة حَمْزَة بن الْمُغيرَة بن شُعْبَة، عَن أَبِيه «أَنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّين وَمقدمِ رَأْسِهِ وَعَلَى عمَامَتِهِ» . وَرَوَاهُ مُسلم، أَيْضا من رِوَايَة عُرْوَة بن الْمُغيرَة عَن أَبِيه قَالَ: «تخلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَتَخَلَّفت مَعَه، فَلَمَّا قَضَى حَاجته قَالَ: (أَمَعَكَ) مَاء؟ ، فَأَتَيْته بمطهرة فَغسل كفيه [وَوَجهه، ثمَّ ذهب يحسر عَن ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كم الْجُبَّة] ، فَأخْرج يَده من تَحت الْجُبَّة فَألْقَى الْجُبَّة عَلَى مَنْكِبَيْه، وَغسل ذِرَاعَيْهِ وَمسح بناصيته وَعَلَى الْعِمَامَة، وَعَلَى خفيه، ثمَّ ركب، وَركبت ... » الحَدِيث. وممّا يَنْبَغِي لَك أَن تتنبَّه لَهُ أَيهَا الْفَقِيه الْمُحدث أنَّ الشَّيْخ زكي الدَّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب، قَالَ بعد أَن أخرج هَذَا الحَدِيث: اتَّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه، وَهَذَا وهم مِنْهُ، فَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ أصلا، فاستفد ذَلِكَ وَإِيَّاك والتَّقليد فِي شَيْء من النُّقول فإنَّه مَذْمُوم، ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِكَ مَا لَعَلَّه سَبَب وهمه، وَهُوَ أَن الشَّيْخ جمال الدَّين ابْن الْجَوْزِيّ وَقع لَهُ ذَلِكَ فِي «تَحْقِيقه» ، فَقَالَ عقبه: أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَكَثِيرًا مَا يقلده الشَّيْخ زكي الدَّين فِي الْكتاب الْمَذْكُور. الناصية: مقدم الرَّأْس. وَجَاء عَنهُ (مَا ظَاهره إِفْرَاد الناصية بِالْمَسْحِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن صَالح، (ثَنَا) ابْن وهب، حَدَّثَنَي مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن عبد الْعَزِيز بن مُسلم، عَن أبي معقل، عَن أنس قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ وَعَلِيهِ عِمَامَة قطرية فَأدْخل يَده من تَحت الْعِمَامَة، فَمسح مقدم رَأسه وَلم ينْقض الْعِمَامَة» . كل رِجَاله فِي الصَّحِيح إلاَّ عبد الْعَزِيز بن مُسلم وَأَبا معقل، وهما مستوران لَا أعلم من جرحهما وَلَا من وثقهما. وَإِن وثق الأوَّل ابْن حبَان وَحده. والأصحَّ أنَّه لَا يجوز الِاحْتِجَاج بهما وَالْحَالة هَذِه. لَا جرم، قَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح، قَالَ ابْن السكن: لم يثبت إِسْنَاده. قَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ كَمَا قَالَ، أَبُو معقل: مَجْهُول الِاسْم وَالْحَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 وَعبد الْعَزِيز ذكره البُخَارِيّ بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ [ابْن أبي حَاتِم] : رَوَى عَنهُ ابْن إِسْحَاق وَمُعَاوِيَة بن صَالح، وَلم يزدْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : ولعلَّه عبد الْعَزِيز بن مُسلم الْقَسْمَلِي الْبَصْرِيّ الثِّقَة العابد الْمخْرج حَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ. القِطريَّة: بِكَسْر الْقَاف نوع من البرود. قَالَ الْخطابِيّ: فِيهَا حمرَة. الحَدِيث السّابع أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة يعْلى بن أُميَّة، قَالَ: «قُلْتُ لعمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إِنَّمَا قَالَ الله: (لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ) ، فقد أَمن النَّاس؟ فَقَالَ: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ، فَسَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[عَن ذَلِكَ] فَقَالَ: صَدَقَة تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» . وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» : «فَاقْبَلُوا رُخْصَتَهُ» ، وَترْجم عَلَيْهِ أنَّه أَرَادَ بِالصَّدَقَةِ الرُّخْصَة. وَفِي «صَحِيحه» عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 وَأخرجه من حَدِيث ابْن عمر أَيْضا. الحَدِيث الثّامن رَوَى النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِقَامَة الصُّفُوف. فَرَأَيْت الرجل منا يلزق مَنْكِبه بمنكب أَخِيه وكعبه بكعبه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة أبي الْقَاسِم الجدلي، قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: «أقبل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى النَّاس بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ - ثَلاَثًا - وَاللهِ (لَتُسَوُّنَّ) صُفُوَفكُمْ اَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» . قَالَ: فَرَأَيْت الرجل يلزق كَعبه بكعب صَاحبه (وركبته بركبة صَاحبه) ومنكبه بمنكبه» . وَذكره ابْن السكن أَيْضا (فِي صحاحه) . وَأخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه) تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، فَقَالَ فِي (أَبْوَاب) تَسْوِيَة الصّفوف: وَقَالَ النُّعْمَان بن بشير: رَأَيْت الرجل منا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 يلصق كَعبه بكعب صَاحبه) . وتعليقات البُخَارِيّ إِذا كَانَت بِصِيغَة الْجَزْم تكون صَحِيحَة يحتجّ بهَا. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَلَفظه: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بِيْنَ (قُلُوبِكُمْ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَقَد رَأَيْت الرجل منا يلْتَمس منْكب أَخِيه بمنكبه وركبته بركبته وَقدمه بقدمه» . قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» : أَبُو الْقَاسِم (الجدلي) هَذَا هُوَ (حُسَيْن) بن الْحَارِث من جديلة قيس، رَوَى عَنهُ زَكَرِيَّا وَأَبُو مَالك - يَعْنِي الْأَشْجَعِيّ - وحجاج بن أَرْطَاة، وَعَطَاء بن السَّائب، عداده فِي الْكُوفِيّين. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَبُو الْقَاسِم هَذَا اسْمه (حُسَيْن) بن قيس من جديلة قيس، من (كبار التَّابِعين) . وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين: (اسْم) أبي الْقَاسِم (حُسَيْن) بن الْحَارِث، وَقد سمع من النُّعْمَان بن بشير، يعد فِي الكوفيِّين. قَالَ: وَقَالَ الْحَازِمِي: لَا أعرف لَهُ عَن النُّعْمَان حَدِيثا مُسْندًا سُوَى هَذَا الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 وَاعْلَم: أَن الإِمام الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أورد هَذَا الحَدِيث محتجًا بِهِ عَلَى أَن الكعب هُوَ الْعظم الناتىء عِنْد مفصل السَّاق والقدم، رادًا عَلَى من يَقُول: إنَّه مجمع (عِنْد مفصل السّاق والقدم) ، وَكَذَلِكَ ترْجم لَهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» . وممَّا يستدلّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضا - وَهُوَ غَرِيب عَزِيز - الحَدِيث الصَّحِيح، حَدِيث طَارق الْمحَاربي قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مر) فِي سوق ذِي الْمجَاز وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء، وَهُوَ يَقُول: أَيُّهَا النَّاسُ: قُولُوا لاَ إِلهَ إِلاَّ الله تُفْلِحُوا، وَرجل يتبعهُ ويرميه بِالْحِجَارَةِ، وَقد أدْمَى (كَعبه وعرقوبه) وَهُوَ يَقُول: يَا أيّها النَّاس: لَا تطيعوه، فإنَّه كَذَّاب. فَقلت: من هَذَا؟ فَقَالُوا: إنَّه غُلَام بني عبد الْمطلب. فَقلت: من هَذَا الَّذِي يتبعهُ ويرميه بِالْحِجَارَةِ؟ فَقَالُوا: عبد الْعُزَّى أَبُو لَهب» . اسْتدلَّ بذلك إِمَام الأئمَّة أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» . عَلَى أَن الكعب مَا قدمْنَاهُ، من حَيْثُ أَن الرَّمية إِذا (جَاءَت) من وَرَاء (المرمى) لَا تصيب ظهر الْقدَم، إِذا السَّاق مَانع أَن تصيب الرَّمية ظهر الْقدَم. وَاسْتدلَّ لذَلِك ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي «صَحِيحه» - وَتَبعهُ عَلَى ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا - بِحَدِيث حمْرَان «أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دَعَا يَوْمًا بِوضُوء ... » ، فَذكر الحَدِيث فِي صفة وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاث مَرَّات، واليسرى مثل ذَلِكَ» . قَالَ ابْن خُزَيْمَة: فِيهِ دلَالَة عَلَى أَن الْكَعْبَيْنِ هما العظمان الناتئان فِي جَانِبي الْقدَم. إِذْ لَو كَانَ الْعظم الناتئ عَلَى ظهر الْقدَم لَكَانَ للرجل الْيُمْنَى كَعْب لَا كعبان. الحَدِيث التَّاسِع أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَأُحِثْي عَلَى رَأْسِي ثَلاَثَ حثْيَاتٍ ثُمَّ أُفِيضُ، فَإِذَا أَنَا قَدْ طَهُرْتُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مَرْوِيّ بِدُونِ هَذِه اللَّفْظَة الْأَخِيرَة، وَهُوَ قَوْله: «فَإِذَا أَنَا قَدْ طَهُرْتُ» . رَوَى البُخَارِيّ وَمُسلم فِي « (صَحِيحَيْهِمَا» ) من رِوَايَة جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنَّه ذكر عِنْده الْغسْل من الْجَنَابَة، فَقَالَ: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاثَ أَكُفٍّ» . وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا» وَأَشَارَ بيدَيْهِ كلتيهما. وَفِي رِوَايَة للإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» بِإِسْنَاد صَحِيح: «أَمَّا أَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 فَآخُذُ مِلْءَ كَفِّي ثَلاَثًا فَأَصُبّ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أُفِيضُ بَعْدَهُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه من حَدِيث جَابر «قُلْتُ: يَا رَسُول الله إنّا فِي أَرض بَارِدَة، فَكيف الْغسْل من الْجَنَابَة؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَحْثُوا عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «فَأَمَّا أَنَا (فَأَحْفِنُ) عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا» . وأمَّا اللَّفْظَة الَّتِي ذكرهَا الإِمام الرَّافِعِيّ فِي آخر الحَدِيث وَهِي: «فَإِذَا أَنَا قَدْ طَهُرْتُ» (فمروي) مَعْنَاهَا من حَدِيث أمّ سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها الثَّابِت فِي (صَحِيح) مُسلم، «قُلْتُ: يَا رَسُول الله: إنّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي، أفأنقضه لغسل الْجَنَابَة؟ قَالَ: (لَا) إِنَّمَا يِكْفِيكِ أَنْ تُحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حثيَاتٍ ثُمَّ (تُفِيضِين) عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِين» . وَجبير بن مُطْعِم، وَالِده بِضَم الْمِيم وَكسر الْعين. قَالَ النَّووي فِي «شرح المهذَّب» : لَا خلاف فِي ذَلِكَ، قَالَ: وإنَّما نبهت عَلَى (كسر الْعين) مَعَ أنَّه ظَاهر؛ لِأَنِّي رَأَيْت بعض من جمع (فِي) أَلْفَاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 الْفِقْه، قَالَ: يُقَال بِفَتْح الْعين، قَالَ: وَهَذَا غلط لَا شكَّ فِيهِ وَلَا اخْتِلَاف. الحَدِيث الْعَاشِر رُوِيَ أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلَاة اِمْرِئٍ حتَّى يَضَعَ الطهورَ مَوَاضِعَهُ فَيَغْسِل وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيهِ ثُمَّ يَمْسَح رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِل رِجْلَيهِ» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ، لَا أعلم من خرَّجه كَذَلِك. وَقَالَ النَّووي فِي «شرح الْمُهَذّب» : إنَّه ضَعِيف غير مَعْرُوف. قُلْتُ: لَكِن رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والنَّسائي عَن رِفَاعَة بن رَافع، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْمَسْجِد، فَدخل رجل فَصَلى فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فَجعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرمقه، ثمَّ جَاءَ فَسلم فَرد عَلَيْهِ، وَقَالَ: اِرْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرجع فَصَلى ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: اِرْجِعْ (فَصَلِّ) فَإِنَّكَ لَمْ (تُصَلِّ) مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابعة: وَالَّذِي بَعثك بالحقِّ لقد اجتهدت فِي نَفسِي، فعلمني وَأَرِنِي فَقَالَ: إِذَا أَردتَ أَنْ تُصَلِّي فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللهُ ... » الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن (صَحِيح) . وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «لَا تتمَّ صَلَاة أحدكُم حتَّى يسبغ الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 كَمَا أمره الله - تَعَالَى - فَيغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» . وَأورد هَذَا الحَدِيث أَبُو محمّد بن حزم فِي كِتَابه «المحلَّى» بِلَفْظ: «ثمَّ يغسل وَجهه» ، وَلَا يعرف ذَلِكَ. وَالْمَعْرُوف: «فَيغسل» ، بِالْفَاءِ، كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَهُوَ أحد الْمَوَاضِع الَّتِي انتقدها عَلَيْهِ ابْن مفوز الْحَافِظ. الحَدِيث الْحَادِي عشر أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «السِّوَاكُ مَطُهَرِةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . هَذَا الحَدِيث مَشْهُور (وَارِد) من طرق، الَّذِي يحضرنا مِنْهَا سَبْعَة: أَحدهَا، وَلَعَلَّه أشهرها: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «السِّوَاكُ مطهرةٌ لِلْفَمِّ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي عَتيق، قَالَ: سَمِعت أبي، قَالَ: سَمِعت عَائِشَة، فَذَكرته. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : الصَّحِيح أَن ابْن أبي عَتيق سَمعه من عَائِشَة وَذكر الْقَاسِم فِيهِ غير مَحْفُوظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَبدة بن سُلَيْمَان الْكلابِي، ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن مُحَمَّد، قَالَ: سَمِعت عَائِشَة تَقول: فَذَكرته. وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَبُو عَتيق هَذَا اسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن أبي قُحَافَة، لَهُ من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رُؤْيَة. قَالَ: وَهَؤُلَاء (أَرْبَعَة) فِي نسق وَاحِد لَهُ كلهم رُؤْيَة من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَبُو قُحَافَة وَابْنه أَبُو بكر الصّديق (وَابْنه عبد الرَّحْمَن) وَابْنه أَبُو عَتيق. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا لأحد فِي هَذِه الأمَّة (غَيرهم) . قُلْتُ: لَيْسَ كَذَلِك، فعبد الله بن الزبير أمه أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق وأبوها وجدهَا، فهم أَرْبَعَة متوالدون من الصَّحابة، وَلم أرَ لأبي عَتيق رُؤْيَة وَلَا صُحْبَة، وكأنَّه كَانَ صَغِيرا جدًّا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. لَا جرم لم يذكرهُ ابْن مَنْدَه. (أمَّا) من رَوَى عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (هُوَ) وَولده، وَولد وَلَده فهم أَرْبَعَة أخر، ذكرهم الْحَافِظ ابْن مَنْدَه أَبُو زَكَرِيَّا فِي جُزْء مُفْرد وهم: أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة، وحَنْظَلَة بن حذيم بن حنيفَة الْمَالِكِي، ومعن بن يزِيد بن الْأَخْنَس السّلمِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن عَلّي بن شَيبَان (الْحَنَفِيّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لَا نعلم خَليفَة وَرثهُ أَبوهُ غير أبي بكر الصّديق، لأنَّه توفّي وَأَبُو قُحَافَة حَيّ فورثه. وَرَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن ابْن أبي عَتيق، عَن عَائِشَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن أبي عمر، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن مسعر، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي عَتيق، عَن عَائِشَة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : (ورأيته) فِي مُسْند ابْن أبي عمر، كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة. ورويناه من «مُسْند الْحميدِي» ، نَا سُفْيَان، نَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، فَصرحَ ابْن عُيَيْنَة بالسمَّاع من ابْن إِسْحَاق، فَزَالَتْ الْوَاسِطَة. (وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من حَدِيث دَاوُد بن الْحصين، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ) . وَعَزاهُ غير وَاحِد إِلَى صَحِيح الإِمام أبي بكر ابْن خُزَيْمَة مِنْهُم ابْن الْأَثِير، (والمصنِّف) - أَعنِي الإِمام الرَّافِعِيّ - فِي (شرحي) الْمسند، وَابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» ، وَالنَّوَوِيّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 كتبه، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابيه «الإِمام» و «الإِلمام» وَغَيرهم، قَالُوا: رَوَاهُ من حَدِيث (ابْن) عُمَيْر، عَن عَائِشَة. وَهُوَ كَمَا قَالُوا، فقد رَأَيْته كَذَلِك فِيهِ بالقدس الشريف فِي رحلتي إِلَيْهَا. فَأخْرجهُ من حَدِيث سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان، عَن عبيد بن عُمَيْر عَنْهَا، مَرْفُوعا بِهِ. وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي كتاب الصّيام تَعْلِيقا، فَقَالَ: وَقَالَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «السِّوَاكُ مطهرةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . وَهَذَا التَّعليق صَحِيح لأنَّه بِصِيغَة جزم، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، وَلَا يضرّهُ كَونه فِي بعض أسانيده ابْن إِسْحَاق كَرِوَايَة ابْن عُيَيْنَة ومسعر، فإنَّ إِسْنَاد البَاقِينَ ثَابت صَحِيح لَا مطْعن لأحد فِي رِجَاله، وَقد شهد لَهُ بذلك غير وَاحِد. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي «شرح السّنة» : هُوَ حَدِيث حسن. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: هَذَا حَدِيث (ثَابت) . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَيْهِ أَيْضا: رجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : إِسْنَاده (جيد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 قَالَ: وَلِهَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِيمَا بَلغنِي. وَكَلَام البُخَارِيّ يشْعر بِصِحَّتِهِ فإنَّه أوردهُ بِصِيغَة الْجَزْم. قُلْتُ: وَهَذَا الحَدِيث لم أره فِي الْمُسْتَدْرك فِيمَا وقفت عَلَيْهِ من النُّسخ الشاميَّة والمصرية، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يجْزم بعزوه إِلَيْهِ، وإنَّما تردد فِيهِ، لكنه جزم بذلك فِي «الإِلمام» . وَقد عثر بعض شُيُوخنَا الْحفاظ، فَجزم بأنَّه فِي الْمُسْتَدْرك تقليدًا مِنْهُ، فتنبَّه لذَلِك. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ عزَّ وجلَّ» . أخرجه أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» والدّارقطني فِي «علله» وَأَبُو نعيم من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن أبي عَتيق، عَن أَبِيه، عَن أبي (بكر) بِهِ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، (فَقَالَا) : هُوَ خطأ، إنَّما هُوَ ابْن أبي عَتيق، عَن أَبِيه، عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 عَائِشَة. قَالَ أَبُو زرْعَة: أَخطَأ فِيهِ حَمَّاد (وَقَالَ أبي: الْخَطَأ من حَمَّاد) أَو ابْن أبي عَتيق. وَقَالَ الدّارقطني فِي «علله» : [يرويهِ] حَمَّاد بن سَلمَة (هَكَذَا) - يَعْنِي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي بكر مَرْفُوعا - وَخَالفهُ جمَاعَة من أهل الْحجاز وَغَيرهم، فَرَوَوْه عَن ابْن أبي عَتيق، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا وَهُوَ الصّواب. قُلْتُ: وأمّا ابْن السَّكن فإنَّه ذكره فِي «صحاحه» . الطَّرِيق الرّابع: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مَطْيَبَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» . رَوَاهُ الإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» . وَفِيه ابْن لَهِيعَة، وَسَيَأْتِي بَيَان حَاله فِي الْبَاب. وَذكره ابْن عدي فِي «كَامِله» فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة النَّيْسَابُورِي: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يستاك وَهُوَ صَائِم وَيَقُول: هُوَ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث هِشَام بن سُلَيْمَان، ثَنَا يزِيد الرقاشِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 عَن أنس بِهِ. وَيزِيد هَذَا قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك. الطَّرِيق السَّادس: عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ، وَمَا جَاءنِي جِبْرِيلُ إِلاَّ أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ؛ حتَّى لَقَدْ خَشيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي، وَلَوْلا أَنِّي أَخَافُ أَنْ (أَشُقَّ) عَلَى أُمَّتِي لَفْرَضته لَهُم، وَإِنِّي لأَسْتَاكُ حتَّى لَقَدْ خَشيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقَادمَ فَمِي» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن ابْن هِشَام بن عمار - وَهُوَ حَافظ أخرج لَهُ البُخَارِيّ محتجًا بِهِ - عَن مُحَمَّد بن (شُعَيْب) - وَهُوَ ابْن شَابُور الدِّمَشْقِي، أخرج لَهُ الْأَرْبَعَة وَوَثَّقَهُ ابْن الْمُبَارك ودحيم. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ أثبت من بَقِيَّة وَابْن حمير - عَن عُثْمَان بن أبي العاتكة وَهُوَ الدِّمَشْقِي (الْقَاص) ، ضعفه النَّسَائِيّ وَوَثَّقَهُ غَيره - عَن عَلّي بن يزِيد - وَهُوَ الْأَلْهَانِي، ضعفه جمَاعَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : صَالح - عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبد الرَّحْمَن لَقِي جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَمِنْهُم أَبُو أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، كَذَلِك من حَدِيث الْوَلِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 بن مُسلم عَن عُثْمَان (بِهِ) مثله إلاَّ أنَّه (قَالَ) «مطيبة» ، بدل «مطهرة» . ثمَّ أخرجه من حَدِيث سعيد بن أبي مَرْيَم، نَا يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن (عبيد الله) بن زحر، عَن عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . وَهَذَا سَنَد واه. ثمَّ أخرجه من حَدِيث بَقِيَّة عَن إِسْحَاق بن مَالك الْحَضْرَمِيّ، عَن يَحْيَى بن الْحَارِث، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «السَّوَاكُ مَطْيَبَةً لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . الطَّرِيق السّابع: عَن عَطاء، (عَن) ابْن عَبَّاس من قَوْله: «السَّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» ، ثمَّ قَالَ: لَا نعلم حدَّث (بِهِ) عَن ابْن جريج إلاَّ الرّبيع بن بدر، وَلم يَك بِالْحَافِظِ. (و) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن حنين، عَن أَبِيه، عَن جدِّه، عَن ابْن عَبَّاس أنَّه سمع النَّبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 (يَقُول: «السَّوَاكُ يُطَيِّبُ الْفَمْ وَيُرْضِي الرَّبَ» . (و) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجم شُيُوخه» من حَدِيث (بَحر بن كنيز) السقاء الْمَتْرُوك، عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «السَّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَمَجْلاَةٌ لِلْبَصَرِ» . وَسَيَأْتِي من طَرِيق آخر مَرْفُوعا من حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي فصل مَنَافِع جَاءَت فِي السِّواك - إِن شَاءَ الله - والاعتماد فِي (هَذِه الطّرق) عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين والبواقي متابعات وشواهد لَهَا. والمطهرة: بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا، لُغَتَانِ: حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي وَابْن السّكيت. وَغَيرهمَا. وَالْفَتْح أفْصح. وَهِي كل مَا يتَطَهَّر بِهِ. قَالَ ابْن السّكيت: من كسر جعلهَا آلَة، وَمن فتحهَا جعلهَا موضعا يفعل فِيهِ. شبَّه السِّوَاك (بهَا) لأنَّه ينظف الْفَم. وَالطَّهَارَة: النَّظَافَة. الحَدِيث الثَّانِي عشر أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سعيد بن الْمسيب أنَّه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 «قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ (الصَّوْم) فُهوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَ (لَخَلُوفُ) فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عَنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَخلْفَةُ» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: فَذكر حَدِيثا فِيهِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» . وروياه جَمِيعًا من حَدِيث أبي صَالح الزيات أنَّه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «قَالَ الله عزَّ وجلَّ: الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ، يدع شَهْوَته وَأكله وشربه من أَجلي، وَالصَّوْم جنَّة، وللصائم فرحتان، فرحة حِين يفْطر وفرحة حِين يلقى الله عزَّ وجلَّ. ولخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك» . زَاد مُسلم: يَوْم الْقِيَامَة. (وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَيْضا مُنْفَردا بِهِ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 قَالَ عبد الْحق: انْفَرد بهَا (م) . وأمَّا الْحميدِي فعزاها إِلَيْهِمَا. وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من رِوَايَة عَلّي - كرَّم الله وَجهه - مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ، ثمَّ قَالَ: لَا (نعلمهُ) يرْوَى عَن عَلّي إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد. وَأخرجه أَحْمد من رِوَايَة الْحَارِث بن مَالك الْأَشْعَرِيّ، وَلَفظه: «وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رَائِحَةِ المِسْكِ» . وَهُوَ حَدِيث طَوِيل. وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا بِطُولِهِ. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا بِلَفْظ: «وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» . فَائِدَة: الخُلوف - مضموم الْخَاء لَا غير -: التَّغَيُّر فِي الْفَم، يُقَال: خَلَفَ يَخْلُفُ - بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي وَالضَّم فِي الْمُسْتَقْبل - خلوفًا، كقعد يقْعد قعُودا. وَعَن بعض الْمُحدثين أَنه فتح (الْخَاء) فخطأ فِيهِ، قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي «الْمَشَارِق» : قيدناه عَن (المتقنين) بِضَم الْخَاء، وَأكْثر الْمُحدثين يَرْوُونَهُ بِفَتْح الْخَاء، وَهُوَ خطأ عِنْد أهل الْعَرَبيَّة، وبالوجهين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 ضبطناه عَن الْقَابِسِيّ. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح: كثير من الْمُحدثين يفتحون الْخَاء، وَهُوَ خطأ، وَالْمعْنَى يُفْسِدهُ؛ فَإِن الخلوف بِفَتْح الْخَاء: هُوَ الشَّخْص الَّذِي يكثر خَلفه فِي وعده. ذكر ذَلِكَ الْخطابِيّ عادًا لَهُ فِي غلطاتهم. فَائِدَة أُخْرَى لَهَا تعلق بِهَذَا الحَدِيث، وَهِي: اخْتلف الْعلمَاء فِي مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «كُلُّ عَمَلِ اِبْنِ آدَمَ لَهُ إلاَّ الصَّوم، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة. ذكر أَبُو الْخَيْر الطَّالقَانِي فِيهِ خَمْسَة وَخمسين قولا. وَمن أحْسنهَا قَولَانِ: (أَحدهمَا) : - وَهُوَ الْمَشْهُور - أَن الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف إلاَّ الصَّوم. الثَّانِي: أنَّه يَوْم الْقِيَامَة (يتَعَلَّق) خصماؤه بِجَمِيعِ أَعماله، إلاَّ الصَّوْم، فَلَا سَبِيل لَهُم عَلَيْهِ، فإنَّه لله، (فَإِذا) لم يبْق إلاَّ الصَّوْم (فيتحمل) الله مَا بَقِي من الْمَظَالِم، ويدخله الجنَّة بالصَّوم. قَالَه سُفْيَان بن عُيَيْنَة. قَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ: أحسن مَا أول الحَدِيث بِهِ أنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 الصَّوْم لم يُعْبَد (بِهِ) غير الله - تَعَالَى - وَمَا عداهُ من الْعِبَادَات تقربُوا بهَا إِلَى آلِهَتهم. وَالصَّوْم صَبر. قَالَ - تَعَالَى -: (إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب) . (فَائِدَة ثَالِثَة) : وَقع نزاع بَين الشَّيْخَيْنِ الإِمامين العالِمين، تَقِيّ الدَّين أبي عَمْرو بن الصّلاح وَعز الدَّين أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلام فِي أنَّ هَذَا الطّيب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أم فِي الْآخِرَة خَاصَّة؟ فَقَالَ الشَّيْخ عز الدَّين: فِي الْآخِرَة خَاصَّة، مستدلًا بِرِوَايَة مُسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ يَوْم الْقِيَامَة» . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: عَام فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. مستدلًا بأنَّ الإِمام أَبَا حَاتِم ابْن حبَان قَالَ فِي «صَحِيحه» بَاب فِي كَون ذَلِكَ (فِي) يَوْم الْقِيَامَة. ثمَّ رُوِيَ (بِسَنَدِهِ) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ منْ رِيحِ المِسْكِ» . (ثمَّ قَالَ) : بَاب فِي كَونه فِي الدُّنيا. ثمَّ رَوَى فِي هَذَا الْبَاب بِإِسْنَادِهِ الثَّابِت من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ من الطّعَامِ أَطْيَبُ عِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» . وَرَوَى الإِمام الْحسن بن سُفْيَان فِي «مُسْنده» عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أنَّ) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أُعْطِيتْ أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَان خَمْسًا. وَأَمَّا الثَّانِيَة فَإِنَّهُم يُمْسُون وُخُلوفُ أَفْواهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» . قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : هَذَا حَدِيث حسن. وكلّ وَاحِد من الْحَدِيثين مُصَرِّح بأنَّه فِي وَقت وجود الخلوف فِي الدُّنْيَا يتحقّق وَصفه بِكَوْنِهِ أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك. قَالَ: وَقد (قَالَ) الْعلمَاء شرقًا وغربًا مَعْنَى مَا ذكرته فِي تَفْسِيره، ثمَّ عدد أَقْوَالهم. ثمَّ قَالَ: لم يذكر أحد مِنْهُم تَخْصِيصًا. وإنَّما جزموا بأنَّه عبارَة عَن الرِّضَى وَالْقَبُول وَنَحْوهمَا مِمَّا هُوَ ثَابت فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. قَالَ: وأمَّا ذكر يَوْم الْقِيَامَة (فِي تِلْكَ الرِّوَايَة) فلأنَّه يَوْم الْجَزَاء. وَفِيه يظْهر رُجْحَان الخلوف فِي الْمِيزَان عَلَى الْمسك الْمُسْتَعْمل لدفع الرَّائِحَة الكريهة طلبا لرضى الله - تَعَالَى - حَيْثُ يُؤمر باجتنابها (وَاخْتِلَاف) الرَّائِحَة الطّيبَة كَمَا فِي (الْمَسَاجِد) والصلوات وَغَيرهَا من الْعِبَادَات، فخصَّ يَوْم الْقِيَامَة بالذِّكر فِي رِوَايَة كَذَلِك كَمَا خصَّ فِي قَوْله تَعَالَى: (إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير) ، وَأطلق فِي بَاقِي الرِّوَايَات نظرا إِلَى أنَّ أصل أفضليته ثَابت فِي الدَّارين. فَائِدَة رَابِعَة: لما اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى كَرَاهَة السِّواك للصَّائِم بعد الزَّوال، قَالَ: وَجه الدّلَالَة أنَّه أثر عبَادَة مشهود لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 بالطيب، فكره إِزَالَته كَدم الشَّهيد. وَأَشَارَ بِطيب دم الشَّهِيد إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنَّه قَالَ: «لَا (يُكْلَمُ) أحدٌ فِي سَبِيل الله عزَّ وجلَّ، وَالله أعلم بِمن يكلم فِي سَبيله، إلاَّ جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وجرحه يثعب، اللَّوْن لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك» ، متَّفق عَلَيْهِ. وَلَو عبر الإِمام الرَّافِعِيّ بدل قَوْله: «فكره إِزَالَته» بقوله: «فَكَانَ إبقاؤه راجحًا عَلَى إِزَالَته» ، لَكَانَ أولَى لِأَن إِزَالَة دم الشَّهِيد حرَام لَا مَكْرُوهَة، فَلم يستو الْمَقِيس (و) الْمَقِيس عَلَيْهِ فِي الحكم. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق، وَالَّذِي يحضرنا (مِنْهَا) أحد عشر طَرِيقا: أَحدهَا: عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ... » ، الحَدِيث بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المصنِّف سَوَاء. رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الصَّلَاة عَن عبد الله بن يُوسُف، عَن مَالك بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد بِإِسْنَادِهِ وَلَفظه، ذكره فِي الطَّهَارَة. قَالَ ابْن مَنْدَه: وَإِسْنَاده مجمع عَلَى صِحَّته. قَالَ النَّوَوِيّ: وَقد غلط بعض الْأَئِمَّة الْكِبَار، فَزعم أنَّ البُخَارِيّ لم يروه وَجعله من أَفْرَاد مُسلم، وَهُوَ خطأ مِنْهُ. وَفِي رِوَايَة للنسائي، وَابْن خُزَيْمَة، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا: «عِنْد كلِّ وضوء» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد - بِإِسْنَاد صَحِيح -: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ بِوضُوءٍ وَمَعَ كُلِّ وضوءٍ بِسواكٍ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعا من حَدِيث مَالك فِي كِتَابه «أَحَادِيث مَالك الَّتِي لَيست فِي الْمُوَطَّأ» ، (وَأخرجه مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ) ، عَن ابْن شهَاب، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة أنَّه قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ يشقَّ عَلَى أمَّتِهِ لأَمَرَهُم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وضوءٍ» . وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهَذَا يدْخل فِي الْمسند لاتصاله من غير مَا وَجه وَلما يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك مَرْفُوعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «شعب الإِيمان» : رَوَى مَالك خَارج موطئِهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفرضتُ عَلَيهِم السِّوَاكَ معَ الوضوءِ» . وَرَوَاهُ فِي «الْمُوَطَّأ» مَوْقُوفا، والْحَدِيث فِي الأَصْل مَرْفُوع (من غير هَذَا الْوَجْه) . وَهُوَ فِي حَدِيث سعيد بن أبي هِلَال، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الوضوءِ» . قَالَ ابْن خُزَيْمَة: يشبه أَن يكون (مَالك) قد (كَانَ) حَدَّث بِهِ مَرْفُوعا، ثمَّ شكَّ فِي رَفعه فَوَقفهُ. كَمَا قَالَ الشَّافِعِي: كَانَ مَالك إِذا شكّ فِي الشَّيْء (انخفض) وَالنَّاس إِذا شكّوا ارتفعوا. وَفِي البُخَارِيّ، فِي كتاب الصَّوم، بَاب سواك الرطب واليابس (للصَّائِم) : وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وضوءٍ» . قَالَ: وَيروَى نَحوه عَن جَابر وَزيد بن خَالِد عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يخص الصَّائِم من غَيره. وَأغْرب عبد الحقِّ، فَقَالَ فِي كِتَابه «الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ» : حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا أسْندهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَحَدِيث عَائِشَة - يَعْنِي الَّذِي (قيد السِّوَاك بطهرة الْفَم) - أسْندهُ البُخَارِيّ خاصَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 قُلْتُ: الأوَّل لم يخرجَاهُ البتَّة بِهَذَا اللَّفْظ الْمَذْكُور، وَهُوَ: «عندَ كُلِّ وضوءٍ» . وَالثَّانِي لم يسْندهُ البُخَارِيّ أصلا، وإنَّما ذكره (مُعَلّقا) كَمَا ذكره عَنهُ. فَمَا أَدْرِي مَا هَذَا القَوْل من عبد الحقّ - سامحنا الله وإياه. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . (رَوَاهُ) أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث عَمْرو بن (خليف) ، ثَنَا يَعْقُوب بن دَاوُد بن مطرف، حَدَّثَنَي أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف، عَن أبي حَازِم، عَن سهل بِهِ. الثَّالِث: عَن عبد الله بن عَمْرو أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ... » ، بِمثل الَّذِي قبله. رَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، حَدَّثَنَي عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بِهِ. الرَّابع: عَن أمِّ حَبِيبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ... » ، بِمثلِهِ. رَوَاهُ (أَحْمد) من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أبي الْجراح مولَى أمّ حَبِيبَة، عَنْهَا بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 رَوَاهُ الإِمام أَحْمد مرّة بِهَذَا السَّنَد وَزَاد بعد (أبي الْجراح) : عَن زَيْنَب بنت جحش فَجعله من مسندها، وَزَاد بعد قَوْله: «كل صَلَاة» : « [كَمَا] يَتَوَضَّئُونَ» . الْخَامِس: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ (عَلَى أمتِي) » مثله. رَوَاهُ أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ. وَفِيه إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي. وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان وَتكلم فِيهِ غَيرهمَا. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظ وَهُوَ مُرْسل أشبه. السَّادِس: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا لَكُم تدخلُون عَلَيَّ قلحًا؟ ! لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم، وَفِي إِسْنَاده (إِبْرَاهِيم) بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة، وَقد تقدم أَقْوَال الأئمَّة (فِيهِ) فِي بَاب المَاء النَّجس. السَّابِع: عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 قَالَ: وَقَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه أصح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. الثَّامِن: عَن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَفِي إِسْنَاده مَجْهُول. التَّاسِع: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أنْ تضعفوا لأمرتُكم بالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ» . رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ بِنَحْوِ كَلَامه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من غير وَجه بِهَذَا اللَّفْظ، وَلَا يحفظ عَن ابْن عَبَّاس بِهَذَا اللَّفْظ إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَمُسلم الْملَائي فِي إِسْنَاده، وَلَيْسَ بِهِ بَأْس، رَوَى عَنهُ جماعات وَاحْتَملُوا حَدِيثه. (وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من هَذَا الطَّرِيق بلفظين: أَحدهمَا: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لجعلت عَلَيْهِم السِّوَاك عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . وَالثَّانِي: «لَوْلاَ أَنْ تَضْعف أُمتي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 الْعَاشِر: عَن عَلّي - كرَّم الله وَجهه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . رَوَاهُ الإِمام أَحْمد. الْحَادِي عشر: عَن جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «استاكوا، لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَذكر اخْتِلَافا فِي إِسْنَاده. وظفرت بطرِيق ثَانِي عشر، وَهُوَ: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أَرْطَاة أبي حَاتِم، ثَنَا عبيد الله بن (عمر) (عَن نَافِع عَن بن عمر) قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ» . وأرطأة هَذَا قَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث [فِي] بَعْضهَا خطأ وَغلط. ثمَّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سعيد بن رَاشد، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر مثله مَرْفُوعا، وَسَعِيد هَذَا تَركه النَّسَائِيّ. وَسَيَأْتِي لَهُ طَرِيق ثَالِث عشر (فِي) الْفُصُول الَّتِي (سأعقدها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 فِي السِّواك فِي فصل: فِي السِّواك عِنْد (اللَّازِم وَتغَير) الْفَم. الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا اسْتَيْقَظَ (بِاللَّيْلِ) استاك» . وَفِي رِوَايَة: «إِذا قَامَ من (النَّوم) يشوص فَاه بالسِّواك» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق، الَّذِي يحضرني مِنْهَا ستَّة: أَحدهَا: عَن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا قَامَ من (اللَّيْل) يشوص فَاه بالسِّواك) . رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَامَ ليتهجد يشوص فَاه بالسِّواك» . واستغرب ابْن مَنْدَه هَذِه الزِّيَادَة وَهِي قَوْله: «ليتهجد» وصححها ابْن خُزَيْمَة فإنَّه أوردهَا كَذَلِك فِي «صَحِيحه» . وَفِي رِوَايَة للطبراني لَيْسَ فِيهَا ذكر الْقيام من اللَّيْل، وَهَذَا لَفظه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 عَن حُذَيْفَة (قَالَ: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يشوص فَاه بالسِّواك) . وَفِي رِوَايَة للنسائي عَن حُذَيْفَة) : «كنّا نؤمر بالسِّواك إِذا قمنا من اللَّيْل» . «الشوص» بالشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَالصَّاد الْمُهْملَة: دلك الْأَسْنَان بِالسِّوَاكِ عرضا. قَالَه غير وَاحِد وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الْغسْل. وَقَالَ أَبُو عبيد: التنقية. وَقَالَ أَبُو (عمر) : الحك. وَقيل هُوَ الاستياك من سفل إِلَى علو. نَقله القَاضِي عِيَاض، وَلما حَكَى قَول الحك قَالَ: وتأوله بَعضهم أنَّه بإصبعه، وَأَنه يُغني ذَلِكَ عَن السِّواك. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أنَّه) بَات عِنْد نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات لَيْلَة. (فَقَامَ) نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من آخر اللَّيْل، فَخرج ينظر فِي السَّمَاء، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة فِي آل عمرَان: (إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتلف اللَّيْل وَالنَّهَار ( [حتَّى بلغ] ، (فقنا عَذَاب النَّار) ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْت [فَتَسَوَّكَ] وتوضَّأ ثمَّ قَامَ فَصَلى، ثمَّ اضْطجع، ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 قَامَ فَخرج فَنظر إِلَى السَّمَاء، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة، ثمَّ رَجَعَ (فَتَسَوَّكَ) وَتَوَضَّأ، ثمَّ قَامَ فصلَّى) . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «بِتُّ [لَيْلَة] عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه أَتَى طهوره، فَأخذ سواكه فاستاك ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَات: (إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَة لأولي الْأَلْبَاب) حتَّى قَارب أَن يخْتم السّورة أَو خَتمهَا، ثمَّ تَوَضَّأ فَأَتَى مُصَلَّاهُ فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى فرَاشه فَنَامَ مَا شَاءَ الله، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَفعل مثل ذَلِكَ كلّ ذَلِكَ يستاك وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أوتر» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصلِّي بِاللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ (ينْصَرف) فيستاك» . وَأخرج هَذِه الرِّوَايَة (الْحَاكِم) فِي «الْمُسْتَدْرك» ، ثمَّ قَالَ: صَحِيحَة عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 وَفِي رِوَايَة لأبي (نعيم) : «بت عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَامَ من اللَّيْل، ثمَّ عمد إِلَى مَاء مُعَلّق فتسوَّك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رُبمَا استاك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي اللَّيْلَة أَربع مَرَّات» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك من اللَّيْل مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ: «لم يكن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقوم إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ إلاَّ (اسْتنَّ) » . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن (سعد) بن هِشَام، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُوضع لَهُ وَضُوءه وسواكه، فَإِذا قَامَ من اللَّيْل تخلى ثمَّ استاك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد جيِّد. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَنْدَه عَنْهَا: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرقد، فنضع لَهُ سواكه وَطهُوره، فيبعثه الله إِذا شَاءَ أَن يَبْعَثهُ فَيقوم فيتسوَّك ثمَّ يتَوَضَّأ» . قَالَ ابْن مَنْدَه: «وإسنادها مجمع عَلَى صِحَّته» . وَعَن الحَرِيش - بحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ شين مُعْجمَة - ابْن الخِرِّيت - بخاء مُعْجمَة مَكْسُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت، ثمَّ تَاء مثناة فَوق - أَخُو الزبير بن الخريت، حَدَّثَنَي ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة (قَالَت) : «كُنَّا نضع لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثَة آنِية مخمرة: وَاحِد لوضوئه، وَوَاحِد لسواكه، وَوَاحِد لشرابه» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» . ثمَّ قَالَ: «لم يروِ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي ملكية إلاَّ الْحَرِيش، تفرد بِهِ حرمي بن عمَارَة» . قُلْتُ: حرمي بن عمَارَة ثِقَة احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ (وَغَيرهمَا) لَكِن الشَّأْن فِي حريش بن الخريت. قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. لَكِن الْحَاكِم أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيقه وَقَالَ: صَحِيح الإِسناد. وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» (أَيْضا) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث همام، (عَن) عَلّي بن زيد، عَن أمِّ مُحَمَّد، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا يرقد من ليل وَلَا نَهَار فيستيقظ إلاّ تسوَّك قبل أَن يتوضَّأ» . أمّ مُحَمَّد هَذِه امْرَأَة عَلّي بن زيد بن عبد الله بن جدعَان. وَعلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 بن زيد صُوَيْلِح الحَدِيث، وَقَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَوَّاه غَيرهمَا. وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث همام، عَن عَلّي بن زيد، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن عَلّي بن زيد إلاَّ همام. وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرقد، فَإِذا اسْتَيْقَظَ تسوَّك ثمَّ تَوَضَّأ وصلَّى ثَمَان رَكْعَات» . وَاعْلَم: أَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - أورد فِي «مهذبه» حَدِيث عَائِشَة: «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا قَامَ من (النَّوم) يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ» . فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ: قيل: إِن ذكر عَائِشَة وهم (من) المُصَنّف وعدوه من غلطاته، وَهُوَ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) من رِوَايَة حُذَيْفَة (وَقَالَ فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْأَسْمَاء» : كَذَا هَذَا الحَدِيث فِي الْمُهَذّب عَن عَائِشَة، وإنَّما هُوَ من رِوَايَة حُذَيْفَة) ، كَذَا هُوَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 (الصَّحِيحَيْنِ) وَغَيرهمَا من كتب الحَدِيث. فَإِن أَرَادَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإِنكار عَلَى الشَّيْخ أَن هَذَا اللَّفْظ لَا يعرف إلاَّ (فِي) حَدِيث حُذَيْفَة فَمُسَلَّم، وَإِن أَرَادَ (رِوَايَتهَا) فقد ذَكرْنَاهُ من (رِوَايَتهَا) من طرق. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا ينَام إلاَّ والسواك عِنْده، فَإِذا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ» . رَوَاهُ الإِمام أَحْمد. (وَفِي رِوَايَة: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا ينَام إلاَّ والسواك عِنْده» . رَوَاهُ ابْن عدي) . وَفِي رِوَايَة: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لايستيقظ من اللَّيْل إلاَّ استاك» ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» . وَفِي إِسْنَاده فرات بن السَّائِب الْجَزرِي وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ أَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث حسام بن مصك، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لَا يتعار) من اللَّيْل إلاَّ أَجْرَى السِّوَاك عَلَى فِيهِ» . زَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 الطَّبَرَانِيّ بعد قَوْله: من اللَّيْل: سَاعَة. وَهَذِه الرِّوَايَة ضَعِيفَة جدًّا؛ لأنَّ (حسام) بن مصك بن ظَالِم بن شَيْطَان أَبُو سهل الْبَصْرِيّ ضَعِيف جدًّا، قَالَ أَحْمد: مطروح الحَدِيث. وَقَالَ غنْدر: أسقطنا حَدِيثه. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ الفلاس وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: كثير الْخَطَأ فَاحش الْوَهم (خرج) عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «كَانَ لَا يقْعد سَاعَة من اللَّيْل إلاَّ (أمرَّ) السِّواك عَلَى فِيهِ» . وَفِي سَنَده سعيد بن رَاشد الْمَازِني السماك، وَقد تَركه النَّسَائِيّ، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رُبمَا استاك (فِي اللَّيْل أَربع مرَّات ... » . وَفِي إسنادها: مُوسَى بن (مطير) ، قَالَ غير وَاحِد: مَتْرُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 الحَدِيث، مِنْهُم (س) ، وَقَالَ يَحْيَى: كذَّاب. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي أَيُّوب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يستاك فِي اللَّيْلَة مرَارًا» . رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد، عَن وَاصل بن السَّائِب الرقاشِي، عَن أبي (سُورَة) ، عَن أبي أَيُّوب (بِهِ) . وواصل مَتْرُوك، كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره. وَأَبُو (سُورَة) مَجْهُول. الطَّرِيق السَّادِس: عَن أنس بن مَالك، وَله طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: عَن قُرَّة بن حبيب [القنوي] بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا قَامَ من اللَّيْل استاك» . قَالَ أنس: وَهُوَ من السّنة. رَوَاهُ أَبُو نعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 وقرة بن حبيب [القنوي] ، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي « (الإِمام» ) : مُتَكَلم فِيهِ. قُلْتُ: قد أخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه محتجًّا بِهِ. قَالَ: وَعبد الحكم الرَّاوِي عَن أنس تكلمُوا فِيهِ. قُلْتُ: هُوَ الْقَسْمَلِي الْبَصْرِيّ، يروي عَن أنس مَا لَيْسَ من حَدِيثه. قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الرَّازِيّ: كَذَلِك، (وَزَاد) : ضَعِيف. (وَقَالَ ابْن حبَان) : لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إلاَّ عَلَى التَّعَجُّب. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ثَابت، [عَن] أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ إِنَاء يعرض عَلَيْهِ سواكه، فَإِذا (قَامَ) من اللَّيْل تخلى واستنجى وَاسْتَاك وَتَوَضَّأ ثمَّ بعث يطْلب الطّيب فِي رباع نِسَائِهِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث أبي بشر صَاحب الْبَصْرِيّ، عَن ثَابت بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 وَله طَرِيق ثَالِث: عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَخذ مضجعه من اللَّيْل وضع طهوره وسواكه ومشطه، فَإِذا أهبه الله من اللَّيْل استاك وَتَوَضَّأ وامتشط. قَالَ: وَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يمتشط بِمشْط عاج» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، و «الخلافيات» وَضَعفه فيهمَا. وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَفِي «مُسْند أَحْمد» طَرِيق سَابِع من رِوَايَة ابْنه عبد الله أَنا القواريري، ثَنَا عبد الله بن جَعْفَر، أَخْبرنِي مُحَمَّد بن يُوسُف عَن عبد الله بن الْفضل، عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ قَالَ: «كنت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر، (فرمقت) صلَاته لَيْلَة فَصَلى الْعشَاء الْآخِرَة، ثمَّ نَام فَلَمَّا كَانَ نصف اللَّيْل اسْتَيْقَظَ فَتلا الْآيَات الْعشْر آخر سُورَة آل عمرَان ثمَّ تسوك ثمَّ تَوَضَّأ فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، فَلَا أَدْرِي أقيامه أم رُكُوعه أم سُجُوده أطول، ثمَّ انْصَرف فَنَامَ ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَتلا الْآيَات ثمَّ تسوك ثمَّ تَوَضَّأ ثمَّ قَامَ، يَعْنِي وَصَلى، ثمَّ اسْتَيْقَظَ، فَفعل ذَلِكَ (ثمَّ) لم يزل يفعل كَمَا فعل أوَّل مرَّة حتَّى صلَّى إِحْدَى عشرَة رَكْعَة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ والسِّوَاكِ عندَ كُلِّ وضوءٍ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» ، عَن عَلّي بن حمشاد، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي، ثَنَا عَارِم بن الْفضل، ح قَالَ (وحَدَّثَني) مُحَمَّد بن صَالح بن (هَانِئ) ، نَا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن يَحْيَى، نَا عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي قَالَا: ثَنَا حَمَّاد بن زيد، نَا عبد الرَّحْمَن بن السراج، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لفرضتُ عَلَيهِمْ السِّوَاكَ معَ الوضوءِ، ولأخرتُ صَلاَةَ العشاءِ إِلَى نصفِ الليلِ» . وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ عِلّة، وَقد خرجا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الْبَاب وَلم يخرجَا لفظ الْفَرْض فِيهِ. قَالَ: وَله شَاهد بِهَذَا اللَّفْظ فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لفرضت عَلَيهِم السِّوَاكَ عندَ كُلِّ صلاةِ كَمَا فرضت عَلَيْهِم الوضُوء» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 شَيْخه الْحَاكِم وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن يَحْيَى، أَنا [عبيد الله] ، حَدَّثَنَي سعيد بن (أبي) سعيد بِهِ بِلَفْظ: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بالسِّوَاكِ مَعَ (كُلِّ) وضوءٍ، ولأخرتُ العشاءَ إِلَى ثُلثِ الليلِ أَوْ إِلى شطرِ الليلِ» . وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» من حَدِيث عبيد الله بن [عمر] ، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ وضوءٍ ولأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل» . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ من حَدِيث أبي معشر، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأمرتُهم عِنْد كلِّ صلاةِ وضُوءًا، وَمَعَ كلِّ صلاةِ سِوَاكًا، ولأخرت صلاةَ العشاءِ إِلَى نصفِ الليلِ» . وَفِي رِوَايَة: «لأمرتُهم بالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : وَهُوَ من جَمِيع طرقه أسانيده جيِّدة. والقطعة الأولَى الَّتِي أوردهَا الإِمام الرَّافِعِيّ مَوْجُودَة فِي حديثين صَحِيحَيْنِ. (أَحدهمَا من) حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ إِلى ثُلثِ اللّيلِ أَو نصفِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن [صَحِيح] ، وَابْن مَاجَه وَلَفظه: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأخرتُ صلاةَ العشاءِ إِلَى ثلثِ الليلِ أَو نصف اللّيلِ» . والإِمام أَحْمد، وَلَفظه: «لأخرتُ العِشاءَ إِلى ثلثِ اللَّيلِ» . وَأَبُو دَاوُد، وَلَفظه: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى الْمُؤمنِينَ لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ، وبالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ» . وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ، وَابْن حبَان بِلَفْظ أَحْمد. الحَدِيث الثَّانِي: عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 ولأخرتُ العشاءَ إِلَى ثلثِ اللَّيلِ» . (رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح. وموجودة أَيْضا فِي حَدِيث ثَالِث مُتَكَلم فِيهِ وَهُوَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أنْ يثقلَ عَلَى أُمَّتي لفرضتُ السِّوَاكَ ولأخرتُ العشاءَ إِلى ثلثِ اللَّيلِ» ) . قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : «سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث وَقد رَوَاهُ مَرْوَان الْفَزارِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مهْرَان، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، فَقَالَ أبي: هُوَ خطأ، رَوَاهُ الثِّقَات عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَبَعْضهمْ يَقُول عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ الصَّحِيح. وموجودة أَيْضا فِي حَدِيث رَابِع أخرجه البزَّار من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدَّثَنَي عبد الرَّحْمَن بن يسَار، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن أَبِيه، عَن عَلّي بن أبي طَالب مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ، ولأخرتُ العِشَاءَ إِلَى ثلثِ اللَّيلِ، فإِنَّه إِذا مضَى ثلثُ اللَّيلِ الأوَّلُ هبطَ الربُّ تَبَاركَ وتَعَالَى إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا فلمْ يزلْ هُنَالِكَ حتَّى يطلعَ الفجرُ فَيَقُول: أَلا سائِلٌ فَيُعْطَى، أَلا داعٍ (يُجَاب) ، أَلاَ مُسْتشفعٌ فَيشفع، أَلا تَائبٌ مُسْتغفرٌ فَيغْفر (لَهُ) » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 قَالَ الْبَزَّار: «قد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من وُجُوه، وَلَا نعلمهُ رُوِيَ عَن عَلّي مَرْفُوعا إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد» . وَأخرجه أَحْمد بِنَحْوِهِ. والقطعة الْأَخِيرَة من الحَدِيث مَوْجُودَة أَيْضا فِي حديثين صَحِيحَيْنِ: أَحدهمَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وضوءٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» وَابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» مُسْندًا وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : أسانيده (صَحِيحَة) ، وَقد تقدَّم الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث وَاضحا فِي أثْنَاء الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الثَّالِث عشر من هَذَا الْبَاب. الحَدِيث الثَّانِي: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوضُوء عندَ كُلِّ صلاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . وممَّا يَنْبَغِي أَن تتنبه لَهُ - رحمنا الله وإيّاك - مَا وَقع لِلشَّيْخَيْنِ الإِمامين: تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح ومحيي الدَّين النَّوَوِيّ - رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا - فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم الَّذِي ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ، فَإِنَّهُ وَقع لَهما شَيْء عَجِيب فِيهِ يجب التّنبيه عَلَيْهِ، وَهُوَ أَن الإِمام الْغَزالِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 قَالَ فِي «الْوَسِيط» فِي كتاب الصَّلَاة، مستدلًا لأحد قولي الشَّافِعِي فِي أنَّ تَأْخِير الْعشَاء أفضل، قَالَ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صلاةٍ، ولأخرتُ العِشَاءَ إِلَى نصفِ اللَّيلِ» . فَاعْترضَ عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «مشكلات الْوَسِيط» . (فَقَالَ) : وأمّا قَول المصنِّف: «لقَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ، ولأخرتُ العِشاءَ إِلى نصفِ اللَّيلِ» ، إنَّما هُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِتَأْخيرِ العشاءِ، والسِّوَاكِ عندَ كُلِّ صلاةٍ» ، قَالَ: وَلم أجد مَا ذكره مَعَ شدَّة الْبَحْث فِي كتب الحَدِيث، فليحتج لَهُ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وقتُ العِشاءِ إِلى نِصْفِ اللَّيلِ» ، أخرجه مُسلم وَهُوَ مُتَأَخّر نَاسخ. انْتَهَى. وَاعْترض عَلَى الْغَزالِيّ أَيْضا النَّوَوِيّ - وَلَعَلَّه أَخذه من الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح، فإنَّه يتبعهُ فِي غَالب مقولاته ومنقولاته - فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وأمّا الحَدِيث الْمَذْكُور فِي «النِّهَايَة والوسيط» : «لَوْلاَ أنْ أشقَّ علَى أُمَّتي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صلاةٍ، ولأَخَّرتُ العِشاءَ إلَى نصفِ اللَّيلِ» ، فَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظ حَدِيث مُنكر لَا يعرف، وَقَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِنَّه حَدِيث صَحِيح لَيْسَ بمقبول مِنْهُ. فَلَا يغترّ بِهِ. هَذَا لَفظه برمَّته ... وَالْعجب مِنْهُمَا - رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا - إِنْكَار هَذِه الرِّوَايَة، وَهِي صَحِيحَة لَا مطْعن لأحد فِيهَا، كَمَا (قدمْنَاهُ) بالإِسناد. وموجودة فِي عدَّة كتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 مِنْهَا: «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم، لكنهما قَلِيلا النَّقل مِنْهُ، لَكِن سنَن الْبَيْهَقِيّ نصب أعينهما سِيمَا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فإنَّه عَلَى مَا يُقَال كَانَ يُقَارب أَن يحفظها لِكَثْرَة مَا ينْقل مِنْهَا واعتنائه بهَا. فصحَّ حينئذٍ قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إنَّه حَدِيث صَحِيح. وإيراد الْغَزالِيّ لَهُ، لأنَّه متابع لإِمامه، وإيراد الإِمام الرَّافِعِيّ (لَهُ) لأنَّه متابع لَهُ. فَافْهَم مَا قَرَّرْنَاهُ لَك فإنَّه مَوضِع مُهِمّ يُرحل إِلَيْهِ يسر الله بإيضاحه وَله الْحَمد والمنَّة عَلَى ذَلِكَ. الحَدِيث السَّادِس عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قَالَ: «اِسْتَاكُوا عَرْضًا» . هَذَا الحَدِيث أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ تبعا لصَاحب «الْمُهَذّب» وَغَيره من الْأَصْحَاب. زَاد فِي «الْمُهَذّب» : «وادَّهِنوا (غبًّا) واكْتَحِلُوا وِتْرًا» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث بحثت عَنهُ فَلم أجد لَهُ أصلا وَلَا ذكرا فِي كتب الحَدِيث. وَجَمَاعَة عنوا بتخريج أَحَادِيث «الْمُهَذّب» فَلم أجدهم ذَكرُوهُ أصلا. وَعقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن الْكَبِير» بَابا فِي الاستياك عرضا فَلم يُورد فِيهِ حَدِيثا يحتجّ بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث ضَعِيف غير مَعْرُوف وَلَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ وَلَا يحْتَج بِهِ. قُلْتُ: وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا مَا عدا لَفْظَة (استاكوا عرضا) . فَإِن أَبَا دَاوُد رَوَاهَا فِي «مراسيله» ، عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، عَن هشيم، عَن مُحَمَّد بن خَالِد الْقرشِي، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذَا شربتُمْ فَاشْرَبُوا مَصًا، وَإِذا استكتم فاسْتَاكُوا عَرْضًا» . وَمُحَمّد بن خَالِد هَذَا لَا يعرف حَاله وَلَا يعرف رَوَى عَنهُ (غير) هشيم، قَالَه ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم والإِيهام» . قَالَ: وَبِذَلِك ذكر فِي كتب الرِّجَال من غير مزِيد. انْتَهَى. قُلْتُ: وَقد رَوَى عَن مُحَمَّد بن خَالِد: عبد الله بن الْأسود (أَيْضا) وَهَذَا الْمُرْسل قد يعتضد بِأَحَادِيث وَارِدَة فِي ذَلِك وَإِن كَانَت كلهَا (ضَعِيفَة) . أَحدهَا: عَن بهز بن حَكِيم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك عرضا وَيشْرب مصًّا ويتنفس (ثَلَاثًا) وَيَقُول: «هُوَ أَهْنأ، وأَمْرَأ، (وأَبْرَأ) » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 رَوَاهُ الْحفاظ: ابْن عدي، وَابْن مَنْدَه وَالطَّبَرَانِيّ، وَالْبَغوِيّ، وَأَبُو نعيم، وَابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَابْن عبد الْبر. قَالَ الْبَغَوِيّ: لَا أعلم رَوَى بهز غير هَذَا وَهُوَ مُنكر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا أحتج بِمثلِهِ. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يرو عَن بهز غير سعيد - وَلم ينْسبهُ - وَإسْنَاد حَدِيثه لَيْسَ بالقائم. قُلْتُ: وَسبب هَذِه المقالات أَن فِي إِسْنَاده ثُبَيْت - بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة - وَقيل: نبيت بالنّون فِي أوَّله، حَكَاهُ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» - ثمَّ بَاء موحَّدة مَفْتُوحَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت سَاكِنة، ثمَّ تَاء مثناة فَوق - ابْن كثير الضَّبِّيّ الْبَصْرِيّ. قَالَ ابْن عدي: ضعفه الإِمام أَحْمد. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذا انْفَرد. وَقَالَ ابْن طَاهِر: مُنكر الحَدِيث عَلَى قلته. وَفِيه أَيْضا: الْيَمَان بن عدي أَبُو عدي الْحَضْرَمِيّ الْحِمصِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 قَالَ أَحْمد: هُوَ ضَعِيف رفع حَدِيث التَّفليس. قَالَ فِيهِ: عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا: ضَعِيف. وَضَعفه بَعضهم من وَجه ثَالِث. فإنَّ فِيهِ يَحْيَى بن عُثْمَان الْحِمصِي، وَقد (كتبه) أَبُو زرْعَة. قُلْتُ: أخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن خلا التِّرْمِذِيّ وَهُوَ ثِقَة عَابِد يُعَد من الأبدال. وَأعله أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ فِي «الْمعرفَة» من وَجه رَابِع. فَقَالَ: رَوَاهُ (ثبيت) بن كثير، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن ابْن الْمسيب، عَن بهز - غير مَنْسُوب - كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بن عُثْمَان، عَن الْيَمَان بن عدي، عَن (ثبيت) ، وَرَوَاهُ عباد بن يُوسُف، عَن ثبيت، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن (ابْن) الْمسيب، عَن الْقشيرِي، وَرَوَاهُ (سُلَيْمَان) بن سَلمَة، عَن الْيَمَان بن عدي، فَقَالَ: عَن مُعَاوِيَة الْقشيرِي. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «معرفَة الصَّحَابَة» : بهز وَقيل الْبَهْزِي، ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ مخيس بن تَمِيم، عَن بهز بن حَكِيم، عَن جده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَن يحفظ وَرَاء هَذَا كُله أنَّه لَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه بهز غير هَذَا. الحَدِيث الثَّانِي: عَن ربيعَة بن أَكْثَم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك عَرْضًا وَيشْرب مَصًّا وَيَقُول: هُوَ أَهْنَأ وَأَمْرأ وَأَبْرَأ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، والعقيلي، وَأَبُو نعيم، وَابْن عبد الْبر. قَالَ الْعقيلِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : فِي إِسْنَاده عَلّي بن ربيعَة الْقرشِي وَهُوَ مَجْهُول، وَحَدِيثه غير مَحْفُوظ، وَهَذَا حَدِيث لَا يصحّ. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: «ربيعَة بن أَكْثَم رَوَى عَنهُ سعيد بن الْمسيب، وَلَا يحتجّ بحَديثه هَذَا لِأَن من دون سعيد لَا يوثق بهم لضعفهم. وَلم يره سعيد وَلَا أدْرك زَمَانه، لأنَّه ولد زمن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . وَمن دون سعيد لَا يوثق بهم لضعفهم. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : «إنَّما قَالَ أَبُو عمر: وَلم يدْرك زَمَانه لأنَّ ربيعَة الْمَذْكُور اسْتشْهد بِخَيْبَر» . وأجمل الْحَافِظ أَبُو عبد الله (الْمَقْدِسِي) القَوْل فِي ضعفه. فَقَالَ فِي «الْأَحْكَام» : «إِسْنَاده ضَعِيف» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 الحَدِيث الثَّالِث: عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - (قَالَت) : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك عَرْضًا وَلَا يستاك طولا» . رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث عبد الله بن حَكِيم، عَن هِشَام (بن) عُرْوَة، عَن أَبِيه عَنْهَا. وَعبد الله هَذَا ضَعِيف. قَالَ أَحْمد: يروي أَحَادِيث مُنكرَة، لَيْسَ (هُوَ) بِشَيْء. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ. وَقَالَ عَلّي: لَيْسَ بِشَيْء، لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ السَّعْدِيّ: كذَّاب مُصَرح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات. فَإِذا عُلمَ ضعف الحَدِيث تعين الِاسْتِدْلَال فِي الْمَسْأَلَة بِالْمَعْنَى، وَهُوَ (أنَّه) يخْشَى من الاستياك طولا إدماء اللثة، وإفساد عُمُور الْأَسْنَان، وَهُوَ (اللَّحْم) النَّابِت (بَينهَا) . قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ نقلا عَن صَاحب «التَّتِمَّة» وَغَيره: أنَّهم رووا الْخَبَر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اسْتَاكُوا عَرْضًا لَا طُولًا» . وَهَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة لَا أعلم من خَرَّجَها بهذااللفظ مَعَ الْبَحْث وَالسُّؤَال عَنْهَا من الْحفاظ الأكابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 فصل: اعْلَم أَن الإِمام الرَّافِعِيّ - قَدَّس الله روحه ونَوَّر ضريحه - لما ذكر أوَّل حَدِيث فِي هَذَا الْفَصْل - أَعنِي فصل السِّوَاك - قَالَ: وَالْأَخْبَار (فِيهِ) كَثِيرَة. فلنذكر نبذة مهمة من تِلْكَ الْأَخْبَار الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا، فَلَا تسأم أَيهَا النَّاظر مِنْهَا، وأسرد ذَلِكَ فِي فُصُول ليَكُون أجمع لضبطها وَأقرب لتناولها. فصل: فِي أنَّ السِّوَاك (من) سنَن من قبلنَا عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَرْبَعِ منْ سُنَنِ المُرْسَلِين، الخِتَان والسِّوَاك والتَّعَطّر والنِّكَاح» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن مَكْحُول، عَن أبي الشِمَال - بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم - ابْن ضِباب - بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة - عَن أبي أَيُّوب. وَقَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ: وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن مَكْحُول، عَن أبي أَيُّوب من غير ذكر أبي الشمَال. والأوَّل أصحّ. قُلْتُ: أخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» كالثاني، فَقَالَ: ثَنَا يزِيد، ثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن مَكْحُول، قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوب: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكره سَوَاء إلاَّ أنَّه (قَالَ) : «العِطْر» بدل «التَّعَطّر» و «الحَيَاء» بدل «الخِتَان» . قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» : وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن (عبيد الله) (الْعَرْزَمِي) ، عَن مَكْحُول، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» - فِيمَا رَأَيْت -: هَذَا الِاخْتِلَاف هُوَ من حجاج بن أَرْطَاة فإنَّه كثير الْوَهم. قُلْتُ: وينكر عَلَى (التِّرْمِذِيّ) تحسينه لهَذَا الحَدِيث، فَإِن الْحجَّاج بن أَرْطَاة ضَعِيف جدًّا، وَأَبُو الشمَال مَجْهُول، سُئِلَ عَنهُ أَبُو زرْعَة فَقَالَ: لَا أعرفهُ إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث وَلَا أعرف اسْمه. فَلَعَلَّهُ اعتضد عِنْده بطرِيق آخر فَصَارَ حسنا. والطريقة الَّتِي أفادها الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي لَا تقويه؛ لأنَّ الْعَرْزَمِي أَضْعَف من الْحجَّاج بِكَثِير. وَقد سبق بالاعتراض عَلَى التِّرْمِذِيّ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شرح الْمُهَذّب» . وَاعْلَم: أَن الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي نُسْخَة من التِّرْمِذِيّ مُعْتَمدَة: (الحَيَاء) بياء مثناة تَحت بعد الْحَاء. فإيَّاك أَن تصحفه «بِالْحِنَّاءِ» كَمَا سُبِقْتَ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 (ثمَّ) رَأَيْته فِي التِّرْمِذِيّ الْخِتَان بالنُّون فِي الآخر. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : «الحَيَاء» بِالْيَاءِ لَا بالنُّون. قَالَ: وإنَّما ضبطته لأنِّي رَأَيْت من صَحَّفَه فِي عصرنا. وَقد سبق بتصحيفه. وَقَالَ: وَقد ذكر الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه الِاسْتِغْنَاء فِي اسْتِعْمَال الْحِنَّاء وأوضحه، وَقَالَ: هُوَ مُخْتَلف فِي إِسْنَاده وَمَتنه، يرْوَى عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَأنس وجد مَلِيح كلهم عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى لفظ «الحَيَاء» ، قَالَ: وَكَذَا أوردهُ الطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه، وَأَبُو نعيم وَغَيرهم من الْحفاظ والأئمَّة، وَكَذَا هُوَ فِي «مُسْند الإِمام أَحْمد» وَغَيره من الْكتب. وَهُوَ كَمَا قَالَ: فقد رَأَيْته كَذَلِك فِي التَّأْلِيف الْمَذْكُور، وأنَّ بعض المصنِّفين صَحَّف «الْحيَاء» ب «الْحِنَّاء» . وأنَّ بعض هَؤُلَاءِ الروَاة ذكر «الْحلم» ، وَبَعْضهمْ ذكر «الْخِتَان» و «الْحجامَة» . وَقد وَقع فِي هَذَا التَّصْحِيف، الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه الْكَبِير» . فَقَالَ بعد أَن أخرج الحَدِيث من طَرِيق التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «الْحِنَّاء» قَالَ: المُرَاد بِالْحِنَّاءِ، - وَالله أعلم - الخضاب فِي الرَّأْس واللحية لَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ تَوْفِيقًا بَينه وَبَين غَيره من الأدلَّة. وَهُوَ غَرِيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 (وَحَدِيث جد) مليح الَّذِي ذكره أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ رَوَاهُ أَبُو بكر بن (أبي) خَيْثَمَة، أَي فِي «تَارِيخه» ، وَأَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» من حَدِيث مَلِيح - بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللاّم - بن عبد الله الخطمي، عَن أَبِيه، عَن جدِّه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خَمْس مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِين: الحَيَاء، والحلم، والحجَامَة، والسِّوَاك، والتَّعَطّر» . وَرَوَاهُ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي الأَصْل السَّادس وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَة من «نَوَادِر الْأُصُول» . وَرَأَيْت بِخَط الصريفيني الْحَافِظ فِي كِتَابه: «أَسمَاء (رُوَاة) الْكتب الْأَحَد عشر» : «المجمر» بدل «الْحلم» . قَالَ: (وَعَن مليح بن عبد الله) . (و) حَدِيث بن عَبَّاس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِمثل حَدِيث مليح. وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ أَيْضا بِمثلِهِ وَزَاد «وكَثْرة الأَزْوَاجِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 فصل: فِي أنَّ السِّوَاك من الْفطْرَة عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «عَشرٌ مِنَ الفِطْرةِ: قَصُّ الشَّارِب، (وإعْفَاءُ) اللّحْيَة، والسِّوَاك، واِسْتِنْشَاقُ المَاءِ، وقَصُّ الأَظفارِ، وغَسْلُ البراجم، ونتفُ الإِبطِ، وحَلْقُ العَانَة، وانتقاص المَاءِ» . قَالَ مُصعب بن شيبَة: «ونسيت الْعَاشِرَة إلاَّ أَن تكون الْمَضْمَضَة» . وَقَالَ وَكِيع: انتقاص المَاء: الِاسْتِنْجَاء. رَوَاهُ مُسلم. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من رِوَايَة عمار، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الْكَلَام عَلَيْهِ حَيْثُ ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ. وَعَن عبد الله (بن جَراد) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «السِّوَاكُ مِنَ الْفِطْرَةِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كِتَابه الَّذِي جمعه فِي «فضل الاستياك وآدابه وَمَا رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهِ وَأَحْكَامه» . وَجَمِيع مَا نعزيه فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَمَا سبق فَهُوَ مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 فصل: فِي أنَّه طَهَارَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الطَّهَارَاتُ أَرْبع: قَصُّ الشَّارِبِ، وحَلْقُ العَانةِ، وتَقْلِيمُ الأَظفِارِ، والسِّوَاكُ» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي كتاب الطَّهَارَة من «سنَنه» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن أبي سَلمَة عَنهُ. وَعَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الطَّهَارَاتُ أَرْبَع» . فَذَكرهنَّ مثل الَّذِي قبله. رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث مُعَاوِيَة بن يَحْيَى، عَن يُونُس بن ميسرَة، عَن أبي إِدْرِيس عَنهُ. وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» . فصل: فِي وَصِيَّة جِبْرِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام سيد الْأمة - أعطَاهُ الله الْوَسِيلَة والفضيلة - باستدامة السِّوَاك عَن أمِّ سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا زَالَ جِبريل يُوصِينِي بالسِّوَاكِ حتَّى خشيتُ أَنْ (يدردني) » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي كتاب النِّكَاح. وَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، (و) هَذَا لَفظه: «حتَّى خفتُ عَلَى (أَضْرَاسِي) » . وَعَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تَسَوَّكُوا فإنَّ السِّواكَ مَطهرةٌ للفمِ، مرضاةٌ للربِّ. مَا جَاءني جبريلُ إِلاَّ أَوْصَانِي بالسِّواكِ؛ حتَّى (لقدْ) خشيتُ أَنْ يُفْرَضَ عليَّ وعَلَى أمَّتي. ولَوْلا أنِّي أَخَافُ أَنْ أشقَّ عَلَى أمَّتي لفرضته عَلَيْهِم، وإِنِّي لأَستاكُ حتَّى لقد خشيتُ أنْ (يدرد) مقادم فَمِي» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَقد سبق الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الحَدِيث الْحَادِي عشر من هَذَا الْبَاب. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عبيد الله بن زحر، عَن عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 أُمَامَة مَرْفُوعا: «مَا جَاءنِي جبريلُ قَطّ إِلاَّ أمَرني بالسِّوَاكِ حتَّى (لقدْ) خشيتُ أنْ أحفي (مقادمَ) فَمِي» . وَهَذَا سَنَد واهٍ. وَعَن نَافِع بن جُبَير، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَقْدَ أُمِرْتُ بالسِّوَاكِ حتَّى خشيتُ أَنْ (يدردني) » . رَوَاهُ أَبُو نعيم مَرْفُوعا هَكَذَا بعد أَن رَوَاهُ مُرْسلا. وَفِي إِسْنَاده اثْنَان قد ضُعِّفا، أَحدهمَا: أَبُو الْحُوَيْرِث؛ الثَّانِي: أَبُو معشر نُجيح. وَعَن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَمَرِني جبريلُ بالسِّوَاكِ حتَّى ظننتُ أّنِّي (سَأدرد) » . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» . وَفِي سَنَده عبيد بن وَاقد الْقَيْسِي، (ضعفه أَبُو حَاتِم. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَعَن ابْن عَبَّاس) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا زَالَ جِبْريلُ يُوصِينِي بالسِّوَاكِ حتَّى خشيتُ أَنْ يحفى فمي» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 رَوَاهُ أَبُو نعيم كَذَلِك وَالطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «أُمِرْتُ بالسِّوَاكِ حتَّى خفتُ عَلَى أَسْنَانِي» وَفِي هَذَا عَطاء بن السَّائِب. وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «لَقدْ أُمْرْتُ بالسِّوَاكِ حتَّى ظننتُ أَنَّه سَيَنْزِل [بِهِ] عَلَيَّ قرآنٌ أَوْ وَحْيٌ» . وَعَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا زَالَ جبريلُ يُوصِينِي بالسِّواكِ [ويأمرني بِهِ] حتَّى كَادَ أنْ (يدردني) » . وَعَن سعيد وعامر بن وَاثِلَة يرفعانه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَقَدْ أُمِرْتُ بالسِّواكِ حتَّى خشيتُ عَلَّى فَمِي» . وَعَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَقَدْ أُمِرْتُ بالسِّوَاكِ حتَّى خشيتُ عَلى لثتِي وَأَسْنَانِي» . وَعَن الْمطلب بن عبد الله أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «لَقَدْ (لزمتُ) السَّواكَ حتَّى لَقَدْ خشيتُ أَنْ (يدردني) » . وَعَن عَائِشَة أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَقَدْ لزمتُ السِّوَاكَ حتَّى تَخَوَّفْتُ أنْ (يدردني) » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 رَوَاهَا كلهَا أَبُو نعيم بأسانيده، والأخير ابْن السكن فِي «صحاحه» . قَالَ السَّرقسْطِي فِي كتاب «الدَّلَائِل» : «الدرد أَن تسْقط الْأَسْنَان، ومغارس الْأَسْنَان يُقَال لَهَا الدرد» . وَيُقَال للشَّيْخ: مَا بَقِي إلاَّ درده. وَيُقَال للصَّبِيّ قبل أَن تطلع أَسْنَانه: هُوَ يمضغ عَلَى دردره. فصل: فِي الْمُحَافظَة عَلَيْهِ حضرا وسفرًا عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سَافر حمل الْمشْط والسواك والقارورة والمرآة والمكحلة» . رَوَاهُ أَبُو نعيم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «خمس لم يكن يُفَارِقهُنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر وَلَا حضر: الْمرْآة، والمشط، والمكحلة، والسواك، و (المدرى) » . وَرَوَى هَذِه الرِّوَايَة الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» ، والعقيلي فِي «الضُّعَفَاء» ، وَقَالَ: لَا يحفظ هَذَا الْمَتْن بِإِسْنَاد جيِّد. وَابْن الْجَوْزِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وَقَالَ: لَا يصحّ. وعَلَّلها بِأَيُّوب بن وَاقد، وَسليمَان الشَّاذكُونِي. وَفِي رِوَايَة: «سبع لم يكن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتركهنَّ فِي سفر وَلَا حضر: القارورة، والمشط، والمرآة، والمكحلة، والسواك، و (المقصّ) ، والمدرى» . قيل لهشام: المدرى مَا باله؟ قَالَ: حَدَّثَنَي أبي عَن عَائِشَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ وفرة إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ وَكَانَ يحركها بالمدرى» . وَفِي رِوَايَة: «سبع لم يفتن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر وَلَا حضر: الْمرْآة، والقارورة، والمشط، والمكحلة، والمقراضان، والسواك» . رَوَاهُمَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» ، وَضعفهمَا بِحُسَيْن بن علوان فِي الأول (و) بِيَعْقُوب بن (الْوَلِيد) فِي الثَّانِي، (و) قَالَ: لَا يصحان. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث عَائِشَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 (هَذَا) ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيث مَوْضُوع وَفِي إِسْنَاده رجل كَذَّاب. (وَعَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت أَضَع للنَّبِي (ثَلَاثَة آنِية مخمرة: إِنَاء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشرابه» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث حريش بن الخريت الْبَصْرِيّ، وَقد انْفَرد بالإِخراج عَنهُ، وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ خَ: فِيهِ نظر. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث) . وَعَن سُلَيْمَان بن صرد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اسْتَاكُوا وتَنَظَّفُوا، وأَوْتِرُوا فَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» ، وَقَالَ: «لَا يرْوَى عَن سُلَيْمَان إلاَّ بِهَذَا الإِسناد» . وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما (أنَّ جِبْرِيل أَبْطَأَ عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فذُكر ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: وَكَيفَ لاَ يُبْطِئُ عَنْكُمْ وأَنْتُمْ حَوْلِي لاَ تَسْتَنُون، وَلاَ تُقْلِّمُون أَظْفَارَكُم، وَلَا (تشفون) شَوَارِبَكُمْ وَلَا تحفون حواجبكم» . رَوَاهُ أَبُو نعيم وَفِيه إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش. وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ثَعْلَبَة بن مُسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 (الْخَثْعَمِي) ، عَن أبي كَعْب مولَى ابْن عَبَّاس عَنهُ بِهِ، (بِلَفْظ) : «وَلَا تَقُصُّون شَوَارِبَكُمْ وَلَا تُنَقُّون رواجبكم» . الرَّواجب: مَا بَين عقد الْأَصَابِع. وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يُفَارق مُصَلَّاهُ سواكه ومشطه وَكَانَ يكثر تَسْرِيح لحيته» . رَوَاهُ ابْن طَاهِر فِي «صفوة التصوف» (وَفِيه خَارِجَة بن مُصعب وَقد ضَعَّفُوهُ) . فصل: فِيمَا جَاءَ فِي فضل الصَّلَاة الَّتِي يُتَسوك لَهَا (عَلَى الصَّلَاة الَّتِي لَا يُتَسوك لَهَا) فِيهِ أَحَادِيث: (أَحدهَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَقد رُوِيَ عَنهُ من طرق) : أَحدهَا: عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي، قَالَ: ذكر مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فَضْلُ الصَّلاَةِ الَّتِي يُسْتَاكُ لَهَا عَلَى (الصَّلاَةِ) التِي لاَ يُسْتَاكُ لَهَا (سبعين) ضعفا» . أخرجه (الْأَئِمَّة) : أَحْمد فِي «مُسْنده» وَابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَقَالَ: فِي (الْقلب) من هَذَا الْخَبَر شَيْء فإنِّي أَخَاف أنَّ مُحَمَّد بن إِسْحَاق لم يسمع من الزُّهْرِيّ. وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث أحد مَا يُخاف أَن يكون من تدليسات مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار وأنَّه لم يسمعهُ (من الزُّهْرِيّ. وَذكر عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، عَن أَبِيه أنَّه قَالَ: إِذا قَالَ ابْن إِسْحَاق: وذكرَ [فلَان] فإنَّه لم يسمعهُ) . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُعَاوِيَة بن يَحْيَى (الصَّدَفِي) ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة. وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ الزُّهْرِيّ: عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَيُقَال إِن مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَخذه من مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الصَّدَفِي لأنَّه كَانَ (رسيله) إِلَى الرّيّ فِي صحابة الْمهْدي، وَمُعَاوِيَة ضَعِيف. قُلْتُ: وَمِنْهُم من يوثقه كَمَا سَيَأْتِي، لَا جرم. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (بن) الصّلاح: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَا يقوى. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين، فَحِينَئِذٍ (يُنْكَر) عَلَى الْحَاكِم أبي عبد الله فِي تَصْحِيحه لَهُ؛ لِأَن ابْن إِسْحَاق أحد مَا (يُنبز) بِهِ التَّدْلِيس وَلَا خلاف أَن المدلس إِذا لم يذكر (سَمَاعا) لَا يحْتَج بروايته. وَقد قَالَ فِيهِ: ذكر الزُّهْرِيّ - أَو قَالَ الزُّهْرِيّ - وَفِي كَونه - عَلَى تَقْدِير صِحَّته - عَلَى شَرط مُسلم نظر؛ لِأَن ابْن إِسْحَاق لم يرو لَهُ مُسلم شَيْئا محتجًا بِهِ، وإنَّما رَوَى (لَهُ) مُتَابعَة. وَقد عُلِمَ من عَادَة مُسلم وَغَيره من أهل الحَدِيث أنَّهم يذكرُونَ فِي المتابعات من لَا يحْتَج بِهِ للتقوية لَا للاحتجاج، وَيكون اعتمادهم عَلَى الإِسناد الأوَّل، وَهَذَا مَشْهُور مَعْرُوف عِنْدهم. نعم: هَذِه عَادَة أبي عبد الله الْحَاكِم، يُطلق عَلَى من أخرج لَهُ فِي الصَّحِيح اسْتِشْهَادًا وَنَحْوه أنَّه عَلَى شَرطه، كَذَا استقرأته من «مُسْتَدْركه» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الصَّدَفِي، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «تَفْضُل الصَّلاَةُ التِي يُسْتَاكُ لَهَا عَلَى الصَّلاَةِ التِي لاَ يُسْتَاكُ لَهَا سبعين ضعفا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن عدي، وَأَبُو نعيم، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «شعب الإِيمان» ، وَمُعَاوِيَة بن يَحْيَى هَذَا ضَعِيف، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: هَالك. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ السَّعْدِيّ: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يَشْتَرِي الْكتب وَيحدث بهَا، ثمَّ تغير حفظه وَكَانَ يحدث بالوهم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. قُلْتُ: لَكِن قَالَ البُخَارِيّ: (أَحَادِيثه) عَن الزُّهْرِيّ مُسْتَقِيمَة كأنَّها من كتاب. وَهَذَا من حَدِيثه عَنهُ، كَمَا تقدم، وَأخرج لَهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك (أَيْضا) . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور (عَن الزُّهْرِيّ) ، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رَكْعَتِين بِالسِّوَاكِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعين رَكْعَة (بِلاَ) سِوَاك» . رَوَاهُ أَبُو نعيم عَن أبي بكر الطلحي، ثَنَا سهل بن الْمَرْزُبَان، عَن مُحَمَّد التَّمِيمِي الْفَارِسِي، ثَنَا عبد الله بن الزبير الْحميدِي، ثَنَا سُفْيَان. وَهَذِه الطَّرِيق أَجود الطّرق، فَمن الْحميدِي إِلَى عَائِشَة (أَئِمَّة) ثِقَات. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن ابْن لَهِيعَة عَن (أبي) الْأسود، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رَكْعَتَان عَلَى أَثَرِ السِّوَاكِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِين رَكْعَة بِغَيرِ سِوَاك» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْمُتَّفق والمفترق» من جِهَة (سعيد بن عفير) عَن ابْن لَهِيعَة. وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة، وَقَالَ: إنَّها ضَعِيفَة، وَلَا شكّ فِي ذَلِكَ لما لَا يخْفَى. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عبد الله بن أبي يَحْيَى، عَن أبي الْأسود، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رَكْعَتَان بَعدَ السِّوَاكِ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 سبعين رَكْعَة قَبْلَ السِّوَاك» . رَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي «مُسْنده» ، والخطيب فِي كِتَابه «غنية الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس» ، وَهُوَ فِي بعض نسخ الْبَيْهَقِيّ، وَفِيه مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَهُوَ مَشْهُور الْحَال، وَقد وثق وَكذب. الطَّرِيق السَّادِس: عَن فرج بن فضَالة، عَن عُرْوَة بن رُوَيْم، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّها قَالَت: «صَلاَةٌ عَلَى سِواكٍ أَفْضَلُ مِن صَلاةٍ عَلَى غَيرِ سِوَاكٍ بِسَبْعين دَرَجَة» . رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث هَاشم بن الْقَاسِم (الحَرَّاني) ، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس عَن فرج بِهِ. وَفرج ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وقَوَّاه أَحْمد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي بعض نسخ «السّنَن» بِهَذَا السَّنَد، وَلَفظه: «صَلاَةٌ بِسِوَاكٍ خَيرٌ من سَبْعين صَلاَة بِغَيرِ سِوَاكٍ» . قَالَ: وَهَذَا إِسْنَاد غير قوي. الطَّرِيق السَّابِع: عَن مسلمة بن عَلّي الْخُشَنِي، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «رَكْعَتَان بِسِوَاكٍ أفضلُ مِنْ سَبْعين رَكْعَة بِغَيرِ سِوَاكٍ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 قَالَ ابْن طَاهِر فِي كِتَابه «التَّذْكِرَة فِي الْأَحَادِيث المعلولة» : إنَّما هُوَ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة، أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ مُرْسل، وَصله هَذَا وَلَيْسَ هُوَ بِشَيْء فِي الحَدِيث. و (أجمل) يَحْيَى بن معِين إِمَام هَذَا الْفَنّ القَوْل فِي هَذَا الحَدِيث، (فَقَالَ) : لَا يَصح حَدِيث «الصَّلَاة بإثر سواك أفضل من الصَّلَاة بِغَيْر سواك» . وَهُوَ بَاطِل. الحَدِيث الثَّانِي: عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «صَلاَةٌ بِسِوَاكٍ أفضلُ مِنْ (خَمْسٍ) وسَبْعِين صَلاَة بِغَيرِ سِوَاكِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ وَفِيه سعيد بن سِنَان (أَبُو مهْدي الْحِمصِي، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا قَالَ أَحْمد، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء) لَيْسَ بِثِقَة أَحَادِيثه بَوَاطِيلُ. وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي: مُنكر الحَدِيث. (وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ يتهم بِوَضْع الحَدِيث. الحَدِيث الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أنَّ رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 (قَالَ: «لِأَن أُصَلِّي (رَكْعَتَين) بِسِوَاكٍ أَحَبُّ إَلَيَّ مِنْ أنْ أُصَلِّي (سَبْعِين) رَكْعَة بِغَيرِ سِوَاكٍ» . وَفِي رِوَايَة بعد ذَلِكَ: «إِنَّ العبدَ إِذَا تَسَوَّك ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ أَتَاهُ الْملك حتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ» . أخرجهُمَا أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن حبَان، عَن أبي بكر بن [أبي] عَاصِم، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، عَن يزِيد بن عبد الله، ثَنَا عبد الله بن أبي الْحَوْرَاء أنَّه سمع سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، الحَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «رَكْعَتَان بِالسِّوَاكِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِين رَكْعَةٍ بِغَيرِ سِوَاكٍ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا عَن أَحْمد بن بنْدَار، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا، عَن جَعْفَر بن أَحْمد، عَن أَحْمد بن صَالح، عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر. وَمُحَمّد بن عجلَان صَدُوق، قَالَ الْحَاكِم وَغَيره: سيِّئ الْحِفْظ، وَأخرج لَهُ مُسلم ثَلَاثَة عشر حَدِيثا. وَرَوَى أَبُو نعيم أَيْضا فِي ذَلِكَ عَن جُبَير بن نفير مَرْفُوعا مُرْسلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 الحَدِيث الْخَامِس: وَهُوَ غَرِيب جدًّا، عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَلاةٌ بِسِوَاكٍ تَعْدِلُ أَرْبَعمِائَة صَلَاة بِغَيرِ سِوَاكٍ، وخَرَجَ أَهْلُهَا مِنَ الذّنُوبِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، وإِنْ خَرَجَ الدَّجَّالُ فَلَيسَ لَهُ عَلَيهِمْ سَبِيلٌ» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي، فِيمَا خرجه لأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الْخطاب الرَّازِيّ المشتهر ب «سداسيات الرَّازِيّ» ، وَقد وَقع لنا هَذَا (الْخَبَر) بعلو. أخبرنيه الْمسند أَحْمد بن كشتغدي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، أَنا أَبُو البركات أَحْمد بن عبد الصَّمد بن النّحاس قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع سنة سبعين وسِتمِائَة أَنا ابْن موفا، أَنا (أَبُو) عبد الله الرَّازِيّ، أَنا مُحَمَّد بن أَحْمد الْبَغْدَادِيّ، أَنا ابْن (عَرَفَة) السمسار بِبَغْدَاد، ثَنَا أَبُو عَمْرو أَحْمد بن الْفضل النفري بِنَفر، نَا عمار بن يزِيد، ثَنَا مُوسَى بن هِلَال (الطَّوِيل عَن أنس فَذكره، كَمَا قَدَّمناه، وَآفَة هَذَا السَّنَد من مُوسَى بن هِلَال) هَذَا. قَالَ ابْن حبَان: هُوَ شيخ كَانَ يزْعم أنَّه سمع من أنس بن مَالك، رَوَى عَنهُ أَشْيَاء مَوْضُوعَة كَانَ يَضَعهَا أَو وُضِعت لَهُ فَحَدَّثَ بهَا، لَا يحل كَتْبُ حَدِيثه إلاَّ عَلَى جِهَة التَّعَجُّب، رَوَى عَنهُ نُسْخَة مَوْضُوعَة أكره ذكرهَا لشهرتها عِنْد من هَذَا الشَّأْن صناعته. (وَقَالَ الْحَافِظ رشيد الدَّين الْعَطَّار فِي «الثمانيات» تَخْرِيجه: هَذَا حَدِيث غَرِيب جدا وَفِي إِسْنَاده نظر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 الحَدِيث السَّادِس: عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أنَّه أَمر بِالسِّوَاكِ وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّ العبدَ إِذَا تَسَوَّكَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَامَ المَلَكُ خَلْفه يَسْمَعُ القُرآنَ، فَلاَ يَزَالُ عَجَبه بالقرآنِ يُدْنِيهِ حتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَمَا يَخْرُجُ منْ فِيهِ شيءٌ مِنَ القُرآنِ إِلاَّ صَارَ فِي جَوْفِ ذَلِكَ المَلَكِ، فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ لِلْقُرْآنِ» . (وَفِي رِوَايَة مَوْقُوفَة عَلَيْهِ - كرَّم الله وَجهه - أَيْضا: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيلِ فَلْيتَسَوَّك، فَإِنَّه إِذَا قَرَأ القرآنَ دَنَى مِنهُ المَلَكُ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْنُو حتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ» ) . وَفِي رِوَايَة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيلِ يُصَلِّي فَلْيَسْتَاك فَإِنَّه إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ مَلَكٌ (فَيَضَع) فَاهُ عَلَى فِيهِ فَلاَ يَخْرُجُ شَيءٌ مِنْ فِيهِ إلاَّ وَقَعَ فِي (فِيِّ) المَلَكِ» . (رَوَاهَا) أَبُو نعيم، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : وَإسْنَاد رِوَايَة جَابر كلهم موثقون. فصل: فِي مَنَافِع جَاءَت فِي السِّوَاك وخصال أُخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 السِّوَاكِ عَشْر خِصَالٍ: يُطَيِّبُ الْفَمَ، ويشد اللّثَةَ، ويَجْلُو البَصَر، ويُذهِبُ البَلْغَم، ويُذْهِبُ (الْحفر) ، وَيُوَافَقُ السُّنَّة، ويُفْرِحُ المَلاَئِكة، ويُرْضِي الرَّبَ، وَيزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ، وَيُصَحِّحُ المَعِدة» . رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث الْخَلِيل بن مرّة، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك فِي «شعب الإِيمان» ، إلاَّ أنَّه قَالَ بدل: «وَيُوَافِقُ السُّنَّةَ» : «وَهوَ مِنَ السُّنَّةِ» ، وَبدل: «يُطَهِّرُ الفَم ويُرْضِي الرَّبَّ» : «مَطْهَرة لِلْفَمِ، مَرْضَاة لِلرَّبِّ» ، وَبدل «يُفْرِحُ المَلائِكَة» : «مَفْرَحَة للمَلائِكةِ» ، وَالْمعْنَى وَاحِد ثمّ (قَالَ) : تفرد بِهِ الْخَلِيل بن مرّة وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث. (قُلْتُ: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد ضعفه يَحْيَى بن معِين وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث) . وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث عَن الْمَشَاهِير، كثير الرِّوَايَة عَن المجاهيل. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ صَالح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ بمتروك. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَهَذَا لَفظه: «فِي السِّواكِ عَشر خِصَال: مَرْضَاةٌ للرَّبِّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 مَسْخَطَةٌ للشَيْطان، مَفْرَحَةٌ للمَلائِكَةِ، (جَيِّد) (للثة) ، و (يُذْهبُ الْحفر) ، ويَجْلو الْبَصَرَ، ويُطَيّبُ الْفَم و (يُقِلُّ) البلغمَ، وَهُوَ مِنَ السُّنةِ، ويَزِيدُ فِي الحَسَنَاتِ» . وَهُوَ من رِوَايَة (مُعلى) بن مَيْمُون، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه مَنَاكِير، غير (مَحْفُوظَة) . وَذكر هَذِه الرِّوَايَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث (لَا يصحّ) ، وَعلله بِمَا قدمْنَاهُ وَالَّذِي رَأَيْته فِي «سنَنه» مَا قَدمته. وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (السِّوَاكُ يَزِيدُ الرَّجلُ فَصَاحَةً» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» ، وَأَبُو يعْلى فِي «مُعْجَمه» ، والخطيب فِي «تلخيصه» من رِوَايَة (مُعلى) بن مَيْمُون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَهُوَ واهٍ كَمَا تقدم، عَن [عمر] بن دَاوُد، عَن سِنَان بن أبي سِنَان، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ الْعقيلِيّ: (عمر) وَسنَان مَجْهُولَانِ، والْحَدِيث مُنكر غير مَحْفُوظ، ومُعَلَّى ضَعِيف، وَلَا يعرف الحَدِيث إلاَّ [بعمر] . وَقَالَ الْخَطِيب: (عمر) بن دَاوُد مَجْهُول، والْحَدِيث مَعْلُول. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث (لَا أصل) لَهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. و (أمّا) الصغاني فَقَالَ: إنَّه مَوْضُوع. وَرَوَى أَبُو نعيم عَن سُلَيْمَان بن أَحْمد (عَن أَحْمد) بن عبد الْوَهَّاب بن نجدة، ثَنَا عبد الْوَهَّاب بن نجدة، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن خَالِد بن معدان أنَّ أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ: «عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ فَلَا تغفلوه [وأديموا بِهِ] . (فإنَّ فِي السِّوَاك أَرْبعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وَعشْرين) خصْلَة، أفضلهَا خصْلَة، وأعلاها دَرَجَة (أنَّه) يُرضي الرَّحْمَن، وَمن أَرْضَى الرَّحْمَن فإنَّه يحل الْجنان، وَالثَّانيَِة أنَّه يُصِيب السنَّة، وَالثَّالِثَة أنَّه تضَاعف صلَاته سبعا وَسبعين ضعفا، وَالرَّابِعَة يورثه إدمان السِّوَاك السعَة والغنى، وَالْخَامِسَة يطيب نكهته، وَالسَّادِسَة (يشد) لثته حتَّى لَا تسترخي مَعَ إدمان السِّوَاك، وَالسَّابِعَة يذهب عَنهُ الصداع، ويسكن عروق رَأسه فَلَا يضْرب عَلَيْهِ عرق سَاكن، ولايسكن عَلَيْهِ عرق ضَارب، وَالثَّامِنَة يذهب عَنهُ وجع الضرس حتَّى لَا يجده، والتاسعة تصافحه الْمَلَائِكَة لما يُرى من النُّور عَلَى وَجهه، والعاشرة ينقي (أَسْنَانه) حتَّى تبرق، والحادية (عشرَة) تشيعه الْمَلَائِكَة إِذا خرج إِلَى مَسْجده لصلاته فِي الْجمع، وَالثَّانيَِة (عشرَة) تستغفر لَهُ (حَملَة) الْعَرْش عِنْد رفع أَعماله فِي الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس، وَالثَّالِثَة (عشرَة) تفتح لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة، وَالرَّابِعَة (عشرَة) يُقَال لَهُ: هَذَا مقتد بالأنبياء يقفو آثَارهم ويلتمس هديهم، و (الْخَامِسَة) (عشرَة) يكْتب لَهُ أجر من تسوَّك فِي يَوْمه ذَلِكَ فِي كلِّ يَوْم، و (السَّادِسَة) عشرَة تغلق عَنهُ أَبْوَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 الْجَحِيم، و (السَّابِعَة) (عشرَة) تستغفر لَهُ الْأَنْبِيَاء وَالرسل، وَالثَّامِنَة (عشرَة) لَا يخرج من الدُّنْيَا إلاَّ (طَاهِرا) مطهّرًا، والتاسعة (عشرَة) أَنه لَا يعاين ملك الْمَوْت عِنْد قبض روحه إلاَّ فِي الصُّورَة الَّتِي تقبض فِيهَا روح الْأَنْبِيَاء، وَالْعشْرُونَ أَن لَا يخرج من الدُّنْيَا حتَّى يُسْقَى شربة من حَوْض النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ الرَّحِيق الْمَخْتُوم، والحادية وَالْعشْرُونَ أَن (قَبره) يُوسع عَلَيْهِ وتكلمه الأَرْض من تَحْتَهُ وَتقول: كنت أحب (نِعْمَتك) عَلَى ظَهْري فلأتسعن عَلَيْك الْيَوْم وَأَنت فِي بَطْني (بِمَا) يقصر عَنهُ مناك، وَالثَّانيَِة وَالْعشْرُونَ أَن قَبره يصير عَلَيْهِ أوسع من مد الْبَصَر، وَالثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ أَن الله عزَّ وجلَّ يقطع عَنهُ كل دَاء ويعقبه كل صِحَة عرفهَا فِي نَفسه من صغره إِلَى كبره، وَالرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ أنَّه يكسى إِذا كسي الْأَنْبِيَاء، وَيكرم إِذا أكْرمُوا، وَيدخل الجنَّة مَعَهم بِغَيْر حِسَاب» . وَذكر هَذَا الْأَثر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الإِمام» ، ثمَّ قَالَ: «فِي مَتنه نَكَارَة وَهُوَ مَوْقُوف غير مَرْفُوع» . وَفِي «الْحَاوِي» للماوردي: رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إنَّه مثراةٌ للمَالِ مَنماةٌ للعدد» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَذكر الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي الزَّاهِد فِي «تهذيبه» : إِن فِي السِّوَاك عشر خِصَال. فعدَّ مِنْهَا: أنَّه (يفتح) الْمعدة، ويصفي الذِّهْن، وَيُطلق عقدَة اللِّسَان، وَيزِيد فِي الْحِفْظ. رَوَى أَخْبَارًا فِي ذَلِكَ. و (ذكر) التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أنَّه ينْبت الشّعْر ويصفي اللَّوْن. وَذكر الْخفاف من قدماء أَصْحَابنَا فِي كتاب «الْخِصَال» : يزِيد فِي الْعقل أَيْضا، وَذكر غَيره: أنَّه يهون النزع ويبطئ الشيب و (يُسَوِّي الظّهْر) . وَذكر بَعضهم من فَوَائده: إِجَابَة الدُّعَاء وَقَضَاء الْحَوَائِج. فصل: فِيمَا اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أنَّ السِّوَاك كَانَ وَاجِبا عَلَى سيِّدنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر، (ابْن) الغسيل (أنَّ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانَ يُؤْمَر بِالْوضُوءِ لكلّ صَلَاة طَاهِرا كَانَ أَو غير طَاهِر، فلمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) أُمِر بالسِّواك عِنْد كلّ صَلَاة، (وَوضع عَنهُ الْوضُوء إلاَّ من حدث) » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 رَوَاهُ (أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ) وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى (شَرط مُسلم) وَلم يخرجَاهُ. وَفِي (رِوَايَة) أبي دَاوُد وَكَذَا أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم: وَكَانَ عبد الله بن عمر (يرَى) أنَّ (بِهِ قُوَّة) عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ يَفْعَله حتَّى مَاتَ. وَعَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا: « (ثَلاثٌ) هُنَّ عَلَيَّ فَرَيضَةٌ وهُنَّ لَكُمْ سُنَّةٌ: السِّواكُ، والوِتْرُ، وقِيَامُ اللَّيلِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ حَدِيث لَا يَنْبَغِي الِاحْتِجَاج بِهِ أوردته للتّنْبِيه عَلَى ضعفه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي إِسْنَاده مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي الصَّنْعَانِيّ - وَهُوَ ضَعِيف جدا. قَالَ: وَلم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد. وسنوضح الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب النِّكَاح حَيْثُ ذكره المُصَنّف - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 فصل: فِيمَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى أنَّه لَيْسَ وَاجِبا عَلَيْهِ ( (عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : «أُمِرتُ بالسِّواكِ حتَّى خَشيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك من طَرِيقين مدارهما عَلَى لَيْث. وَقد تَقَدَّم حَدِيث أبي أُمَامَة فِي فصل وَصِيَّة جِبْرِيل نبيّنا عَلَيْهِمَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالسِّوَاكِ، وَفِيه: «وَمَا جَاءنِي جِبْرِيلُ إِلاَّ أَوْصَانِي بالسِّواكِ حتَّى لَقَدْ خَشيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي» . وَقد تقدّم الْكَلَام عَلَى إِسْنَاده. وَعَلَى تَقْدِير صِحَة هذَيْن الْحَدِيثين فليسا يقاومان حَدِيث عبد الله بن حَنْظَلَة الْمُتَقَدّم. فصل: فِي (حجَّة) من قَالَ بِوُجُوبِهِ فِي حقّنا عَن عبد الله بن عَمْرو بن حلحلة وَرَافِع بن خديج رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما (قَالَا) : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «السِّوَاك وَاجِب (السِّوَاكُ وَاجِبٌ) ، وَغسلُ الجُمْعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 رَوَاهُ أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْقَاسِم بن مَالك الْمُزنِيّ، نَا (مُحَمَّد بن مسلمة بن عبد الْعَزِيز) عَنْهُمَا بِهِ. فصل: فِي (حجَّة) من قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبه فِي حقّنا عَن أبي أُمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أشقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفْرَضتُ عَلَيهم السِّوَاكَ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث عُثْمَان بن أبي العاتكة، عَن عَلّي بن (يزِيد) ، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة. والأوّلان تُكلِّمَ فيهمَا. وتقدَّم قَرِيبا من رِوَايَة ابْن مَاجَه أَيْضا. وَقد تقدَّم فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أشقَّ علَى أمتِي لَفرضتُ عَلَيهِم السِّوَاكَ مَعَ الوضُوءِ ... » الحَدِيث. وَعَن جرير، (عَن) الْأَعْمَش، عَن عبد الله بن يسَار الْجُهَنِيّ، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَصْحَاب مُحَمَّد «قَالَ) : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أشقَّ علَى أمتِي لَفرضتُ عَلَيهِم السِّوَاكَ كَمَا فرضَ عَلَيهِم الوضُوءِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم وَإِسْنَاده جيّد. فصل: فِي السِّوَاك للصَّائِم عَن عَامر بن ربيعَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا لاَ أُحْصِي يَتَسَّوَكُ وَهوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ (أَحْمد و) التِّرْمِذِيّ، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَلَفظه: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يستاك) وَهُوَ صَائِم مَا لَا أعد وَلَا أحصي» . وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بلفظين: أَحدهمَا: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك وَهُوَ صَائِم مَا لَا أحصي» . (وَالثَّانِي: «مَا أحصي» ) ، وَقَالَ: «أَكثر مَا رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك وَهُوَ صَائِم» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. قُلْتُ: إنَّما لم يُصَحِّحهُ؛ لأنَّ فِي إِسْنَاده عَاصِم بن عبيد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب ضَعَّفَه (النَّاس) ، قَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ يَحْيَى: ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ سيِّء الْحِفْظ كثير الْوَهم فَاحش الْخَطَأ مَتْرُوك. وَقَالَ س: لَا نعلم مَالِكًا رَوَى عَن إِنْسَان ضَعِيف مَشْهُور بالضعف إلاَّ عَاصِم بن (عبيد الله) هَذَا، وَجَمَاعَة أخر فَذكرهمْ، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَن مَالك: أنَّه ضعفه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: عَاصِم غير قوي. وَخَالف الْعجلِيّ، فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ. وَالتِّرْمِذِيّ فصحح حَدِيث الْأَذَان فِي أذن الْحُسَيْن. وَأخرجه - (أَعنِي) ابْن خُزَيْمَة - فِي «صَحِيحه» ، وَقَالَ: (أَنا بَرِيء) من عُهْدَة عَاصِم، سَمِعت مُحَمَّد بن يَحْيَى يَقُول: عَاصِم هَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ قِيَاس، وَسمعت مُسلم بن الْحجَّاج يَقُول: سَأَلنَا يَحْيَى بن معِين فَقُلْنَا عبد الله بن عقيل أحب إِلَيْك أم عَاصِم هَذَا؟ قَالَ: لست أحب وَاحِدًا مِنْهُمَا. قَالَ ابْن خُزَيْمَة: كنت لَا أخرج حَدِيث عَاصِم هَذَا فِي هَذَا الْكتاب - يَعْنِي «صَحِيحه» - ثمَّ نظرت فَإِذا شُعْبَة وَالثَّوْري قد رويا عَنهُ، وَيَحْيَى بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي - وهما إِمَامًا أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 [زمانهما]- رويا عَن الثَّوْريّ عَنهُ. وَقد رَوَى عَنهُ [مَالك] خَبرا فِي غير «الْمُوَطَّأ» . انْتَهَى كَلَام ابْن خُزَيْمَة. وَقَالَ عَفَّان: كَانَ شُعْبَة يَقُول: عَاصِم بن (عبيد الله) (لَو) قُلْتُ لَهُ: من بنى مَسْجِد الْبَصْرَة؟ فَقَالَ: ثَنَا فلَان عَن فلَان أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بناه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ مغفَّل. وَأخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا، فَقَالَ: ويُذْكَر (عَن) عَامر بن ربيعَة، قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك وَهُوَ صَائِم مَا لَا أعد وَلَا أحصي» . وَعَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من خير خِصَال الصَّائِم السِّوَاك» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، وَفِي إِسْنَاده مجَالد، وَفِيه مقَال، وَأخرج (لَهُ) مُسلم، (و) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: غَيره أثبت مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 كَذَا قَالَ فِي الصَّوْم من «سنَنه» . وَقَالَ فِي بَاب الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة: ضعف. قُلْتُ: وَيروَى بِدُونِهِ من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا، «قُلْتُ: يَا رَسُول الله، السِّوَاك للصَّائِم؟ قَالَ: إِنَّه مِنْ أَحَبِّ خِصَالِهِ إِلَيَّ» . لَكِن فِي إِسْنَاده السّري بن إِسْمَاعِيل قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ أَحْمد: ترك الناسُ حَدِيثه. وَفِي رِوَايَة لأبي (نعيم) عَن عَائِشَة قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إنَّك تديم السِّوَاك. قَالَ: «يَا عَائِشَة، لَو اِسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْتَاكَ مَعَ كُلِّ شَفْعٍ لَفَعَلْت، وإِنَّ خَيرَ خِصَالِ الصائِمِ السِّواكَ» . وَعَن إِبْرَاهِيم بن بيطار الْخَوَارِزْمِيّ، عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك: أيستاك الصَّائِم؟ قَالَ: نعم. قُلْتُ: برطب السِّوَاك ويابسه؟ قَالَ: نعم. قُلْتُ: فِي أوَّل النَّهَار وَآخره؟ قَالَ: نعم. قُلْتُ لَهُ: عمَّن؟ قَالَ: عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «الكنى» ، وَقَالَ: إِبْرَاهِيم هَذَا مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «الضُّعَفَاء» - بعد أَن (أوردهُ) -: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ وَإِبْرَاهِيم هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُور بِالنَّقْلِ. وَقَالَ ابْن عدي: إِبْرَاهِيم هَذَا لَهُ أَحَادِيث غير مَحْفُوظَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ إِبْرَاهِيم بن بيطار وَيُقَال: إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن - قَاضِي خوارزم - حَدَّث ببلخ عَن عَاصِم الْأَحول بِالْمَنَاكِيرِ، لَا يحْتَج بِهِ، قَالَ: وَرُوِيَ من طَرِيق آخر عَنهُ فَذكرهَا وضَعَّفَها. قُلْتُ: جَعلهمَا رجلا وَاحِدًا، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» جَعلهمَا رجلَيْنِ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبِيّ فِي «الضُّعَفَاء» ، و «الْمِيزَان» ، لكنَّه فِي الْمِيزَان قَالَ فِي تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن: إنَّه (هُوَ) الأوَّل. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «التَّحْقِيق» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ غلا فَذكره فِي «الموضوعات» ، وكأنَّه تبع ابْن حبَان فإنَّه قَالَ: لَا أصل لهَذَا من حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا من حَدِيث أنس، وَإِبْرَاهِيم بن بيطار يروي عَن عَاصِم الْمَنَاكِير الَّتِي لَا يجوز الِاحْتِجَاج بهَا، وَجزم بمقالة ابْن حبَان، ابْن طَاهِر فِي «التَّذْكِرَة» كعادته. وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تسوك وَهُوَ صَائِم» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن مَنْدَه الْحَافِظ فِي بعض «أَمَالِيهِ» ، عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن سعيد، ثَنَا (عبيد الله) بن يَعْقُوب، حَدَّثَنَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 جدي، حَدَّثَنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا الْهَيْثَم بن خَارِجَة، ثَنَا يَحْيَى بن حَمْزَة، عَن النُّعْمَان بن الْمُنْذر، عَن عَطاء، وَطَاوُس وَمُجاهد عَن ابْن عَبَّاس (بِهِ) . وَعَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «لَك السِّوَاك إِلَى الْعَصْر، فَإِذا صليت الْعَصْر فألقه فإنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ الله أَطيبُ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» » . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَفِي سَنَده عمر بن قيس سندل الْمَكِّيّ وَهُوَ واه. قَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا: مَتْرُوك. زَاد أَحْمد: أَحَادِيثه بَوَاطِيلُ لَا تَسَاوِي شَيْئا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب: من بنى أَو غرس فِي غير أرضه: ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. وَسكت عَنهُ هُنَا وَلَعَلَّه لأجل أنَّه من فَضَائِل الْأَعْمَال. وَقد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة خلاف هَذَا، قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي «المُصَنّف» : ثَنَا وَكِيع، عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن أبي هُرَيْرَة (سُئِلَ عَن السِّوَاك للصَّائِم، فَقَالَ: أدميت فمي الْيَوْم مرَّتَيْنِ) . وَهَذَا سَنَد حسن إلاَّ أنَّه مُرْسل. وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن قَتَادَة. وَتقدم فِي طرق حَدِيث «السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب) من حَدِيث أنس: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يستاك وَهُوَ صَائِم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَسَيَأْتِي فِي كتاب الصّيام - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - حَدِيث خباب وَابْن عمر فِي الْبَاب حَيْثُ ذكرهمَا المصنِّف وهما جَمِيعًا ضعيفان. وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني، عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، قَالَ: «سَأَلت معَاذ بن جبل أتسوك وَأَنت صَائِم؟ قَالَ: نعم، قُلْتُ: أَي النَّهَار أتسوك؟ قَالَ: أَي النَّهَار شِئْت [إِن شِئْت] غدْوَة وَإِن شِئْت عَشِيَّة. قُلْتُ: فَإِن النَّاس يكرهونه عَشِيَّة. قَالَ: ولِمَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ الله أَطيبُ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. فَقَالَ: سُبْحَانَ الله لقد أَمرهم [رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] بِالسِّوَاكِ [حِين أَمرهم] وَهُوَ يعلم أنَّه لابد أَن يكون بفي الصَّائِم خلوف وإنْ استاك، وَمَا كَانَ بِالَّذِي يَأْمُرهُم أَن ينتنوا أَفْوَاههم عمدا. مَا فِي ذَلِكَ من الْخَيْر شَيْء. بل فِيهِ شَرّ إلاَّ من ابْتُلِيَ ببلاء لَا يجد مِنْهُ بُدًّا) . وَفِي سَنَده بكر بن خُنَيْس، وَهُوَ واهٍ. قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَسُئِلَ ابْن الْمَدِينِيّ عَنهُ فَقَالَ: للْحَدِيث رجال. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. فصل: فِي الاستياك قبل النَّوم عَن مُحرز رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا نَام لَيْلَة حتَّى يسْتَنَّ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وَرُوِيَ أَيْضا عَن (حرَام) - بِالْحَاء و (الرَّاء) الْمُهْمَلَتَيْنِ - بن عُثْمَان - وَهُوَ مَتْرُوك - عَن (ابْن) عَتيق، عَن جَابر «أنَّه كَانَ يستاك إِذا أَخذ مضجعه وَإِذا قَامَ من اللَّيْل وَإِذا خرج إِلَى الصُّبْح. فَقلت لَهُ: قد شققت عَلَى نَفسك بِهَذَا السِّوَاك، فَقَالَ: إنَّ أُسَامَة أَخْبرنِي أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يستاك هَذَا) السِّوَاك» . وَرُوِيَ أَيْضا عَن عَائِشَة قَالَت: «مَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصنع شَيْئا بعد الْوتر إلاَّ أَن يستاك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَوْلاَ أَنْ أشقَّ عَلَى أمَّتِي لأمرتُهم بِالسِّوَاكِ» . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عِنْد ذَلِكَ يخبر عَن نَفسه: (وَالله لقد استكت قبل أَن آكل وَبعد أَن آكل وَقبل أَن أرقد وَحين (أستيقظ)) . فصل: فِي السِّوَاك بالأسحار عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أشقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُم أَنْ يَسْتَاكُوا بِالأَسْحَارِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة، وَسَيَأْتِي بَيَان حَاله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فصل: فِي السِّوَاك عِنْد الأزم (و) تغيّر الْفَم عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «أَتَى رجلَانِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حاجتهما وَاحِدَة، فَتكلم أَحدهمَا فَوجدَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي فِيه أخلافًا. فَقَالَ لَهُ: أَمَا تَسْتَاكُ؟ فَقَالَ: بلَى. وَلَكِنِّي لم أطْعم مُنْذُ ثَلَاث، فَأمر رجلا من أَصْحَابه فآواه وَقَضَى حَاجته» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَفِي إِسْنَاده قَابُوس بن أبي ظبْيَان. قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَعَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانُوا يدْخلُونَ عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يستاكوا، فَقَالَ: تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قلحًا، اِسْتَاكُوا، فَلَوْلاَ أَنْ أشقَّ عَلَى (أمَّتِي) لفرضتُ عَلَيهِم السِّوَاكَ عَنْدَ كُلِّ صلاةٍ (كَمَا) فرضت عَلَيْهِم الوضُوء» . (و) رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَابْن أبي خَيْثَمَة فِي «تَارِيخه» وَالْبَزَّار. وَاللَّفْظ الَّذِي قدمْنَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 هُوَ لَفظه. وَلَفظ البَاقِينَ بِنَحْوِهِ. قَالَ ابْن السكن: هَذَا حَدِيث مُضْطَرب، وَفِيه نظر. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم يرْوَى هَذَا الْفظ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إلاَّ عَن الْعَبَّاس عَنهُ بِهَذَا الإِسناد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُخْتَلف فِي إِسْنَاده. وَقَالَ ابْن الصّلاح مثله (قَالَ) : إلاَّ أنَّه - وَالله أعلم - حَدِيث حسن. قُلْتُ: فِيهِ وَقْفَة، (فَفِيهِ) - مَعَ الِاخْتِلَاف - أَبُو عَلّي (الصيقل) ، وَلَا يُعرف لَهُ حَال وَلَا اسْم كَمَا ذكر ابْن السكن، (وَتَبعهُ) ابْن الْقطَّان. وَقَالَ عبد الحقّ فِي «الْأَحْكَام» : فِي إِسْنَاده ابْن كَرَان - بالراء الْخَفِيفَة وبالنّون - وَهُوَ بَصرِي لَا بَأْس بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا الضَّبْط خطأ، بل هُوَ بتَشْديد الرَّاء كَمَا قَالَه ابْن مَاكُولَا، وَفِي آخِره زَاي. قَالَ الْعقيلِيّ: الْغَالِب عَلَى حَدِيثه الْوَهم. وَقَالَ الفلاس: بَصرِي لَيْسَ بِهِ بَأْس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 (وَوَقع لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» أَن أَبَا حَاتِم قَالَ فِيهِ: إنَّه ضَعِيف. وَهُوَ من أغلاطه فإنَّ هَذِه التَّرْجَمَة - أَعنِي سُلَيْمَان بن كران - لم يذكرهَا ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه أصلا. نعم قَالَه فِي سُلَيْمَان بن أبي كَرِيمَة فَلَعَلَّهُ الْتبس عَلَيْهِ) . قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : وَقد رَوَاهُ فُضَيْل بن عِيَاض عَن مَنْصُور، عَن أبي (عَلّي) (الصيقل) فخلص مِنْهُ سُلَيْمَان. وَرَوَاهُ الإِمام أَحْمد من حَدِيث تَمام بن الْعَبَّاس قَالَ: (أَتَوا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَو أَتَى - فَقَالَ: مَا (لِي) أَرَاكُم تَأْتُوني قلحًا؟ اِسْتَاكُوا، لَوْلاَ أَنْ أشقَّ عَلَى أُمَّتِي لفرضتُ عَلَيْهِم السِّوَاكَ كَمَا فرضت عَلَيْهِم الوضُوء» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيثه أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: عَن جَعْفَر (بن) تَمام بن عَبَّاس، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «مَا لَكُمْ تَدْخُلُون عَلَيَّ قلحًا، اِسْتَاكُوا فَلَوْلا أنْ أشقَّ عَلَى أمَّتِي لأَمَرْتُهُم بالسِّوَاكِ عندَ كُلِّ طهورٍ» . (وَفِي رِوَايَة: «صَلَاة» ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة جَعْفَر بن تَمِيم أَو تَمام. لكنَّه قَالَ: «كَمَا فرضت عَلَيْهِم الصَّلاة» . وَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» أَيْضا وَلَفظه: عَن جَعْفَر بن تَمام، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا لَكُمْ تَدْخُلُون عَلَيَّ قلحًا؟ اِسْتَاكُوا، لَولاَ أنْ أشقَّ عَلَى أمَّتِي لفرضتُ عَلَيْهِم السِّوَاكِ كَمَا فُرِضَ الوضوءُ» . وَحَكَى ابْن الْقطَّان عَن ابْن السكن: أَن تَمَّامًا كَانَ أَصْغَر ولد الْعَبَّاس. وَلَيْسَ يُحفظ لَهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَماع من وَجه ثَابت. وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» : تَمام بن الْعَبَّاس، وَقيل: ابْن قثم، تفرد بالرواية عَنهُ ابْنه جَعْفَر، مُخْتَلف فِي صحبته. ثمَّ ذكر لَهُ الحَدِيث الْمَذْكُور وَبَين الِاخْتِلَاف فِيهِ. القَلَح - بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام - صفرَة تعلو الْأَسْنَان، قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره. وَادَّعَى ابْن الرّفْعَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «الْكِفَايَة» أنَّ هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ، فَقَالَ: ويتأكد (السِّوَاك) فِي حَال اصفرار الْأَسْنَان. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيشْهد لَهُ قَوْله « (مَا لَكُمْ تَدْخُلُون عَلَيَّ قلحًا، اِسْتَاكُوا» ، انْتَهَى. وَهَذَا لم يُرَ فِي شَيْء من نسخ الرَّافِعِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 فصل: فِي السِّوَاك عَلَى اللِّسَان عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: «دخلت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وطرف السِّوَاك عَلَى لِسَانه» . رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «رَأَيْته يستن بسواك بِيَدِهِ يَقُول: أع أع والسواك فِي فِيهِ كأنَّه يتهوع) . وَفِي رِوَايَة للنسائي وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان: «عأ عأ» . وَفِي رِوَايَة للجوزقي (فِي) «صَحِيحه» : «أَخ أَخ أَخ» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «أُه أُه» بِهَمْزَة مَضْمُومَة، وَقيل: مَفْتُوحَة وَالْهَاء سَاكِنة. وَفِي رِوَايَة للإِمام أَحْمد: «دخلت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يستاك، وَهُوَ وَاضع طرف السِّوَاك عَلَى لِسَانه يستن إِلَى فَوق. فوصف حَمَّاد كأنَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 يرفع سواكه. قَالَ حَمَّاد: وَوَصفه لنا غيلَان قَالَ: كأنَّه (يستن) طولا» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» عَن أبي مُوسَى، قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (نستحمله) فرأيته يستاك عَلَى لِسَانه» . فصل: فِي غسل السِّوَاك وتطييبه عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك فيعطيني السِّوَاك لأغسله فأبدأُ بِهِ فأستاك ثمَّ أغسله فأدفعه [إِلَيْهِ] » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد جيِّد. وعنها قَالَت: «دخل عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَمَعَهُ سواك يستن بِهِ، فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاك فأعطانيه فقضمته، ثمَّ (مضغته فأعطيته) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاستن (بِهِ) وَهُوَ مُسْتَند إِلَى صَدْرِي» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَلمُسلم (نَحوه) . واستدركه الْحَاكِم عَلَيْهِمَا، وَقَالَ: إنَّه صَحِيح عَلَى شَرطهمَا (وإنَّهما لم يخرجَاهُ. وَهَذَا عَجِيب) . وَفِي رِوَايَة للعقيلي عَن عَائِشَة قَالَت: «لما مرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: «يَا عَائِشَة، آتِيني بِسِوَاكٍ رطبٍ، (امضغِيهِ) ثُمَّ آتيني بِهِ أمضغه؛ لِكَي يَخْتَلِطُ رِيقي بِرِيقِكِ لكَي يُهَوَّن بِهِ عَليّ عندَ الْمَوْتِ» » . ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا سُهَيْل بن إِبْرَاهِيم (الجارودي) ، وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. قُلْتُ: الشَّأْن فِي الَّذِي رَوَى عَنهُ (سُهَيْل) بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ عبد الله بن دَاوُد الوَاسِطِيّ التمار، قَالَ خَ: فِيهِ نظر. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي، فِي أَحَادِيثه مَنَاكِير. وَتكلم فِيهِ (ابْن) حبَان وَابْن عدي. فصل: فِيمَا جَاءَ فِي إِعْطَاء السِّوَاك لغيره عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَرَاني فِي المَنَامِ أتسوكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءنِي رَجُلاَن أَحَدُهُمَا أَكْبِرُ مِنْ الآخرِ، فناولتُ السِّواكَ للأصغرِ مِنْهُما. (فَقِيلَ) لِي: كَبِّر. فَدَفَعْتُه إِلَى الأكبرِ» . رَوَاهُ مُسلم مُسْندًا وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا. وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عمر أَيْضا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي السِّوَاك: «نَاوله أَكْبَرَ الْقَوْمِ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَنْهَا. فَقَالَ: حَدِيث حسن. وَعَن حَمْزَة بن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل غيضة فاجتنى سواكين، أَحدهمَا مُسْتَقِيم وَالْآخر معوج، وَمَعَهُ إِنْسَان، فَأعْطَاهُ الْمُسْتَقيم وَحبس المعوج فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَنْت أحقّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 بالمستقيم منّي. فَقَالَ: إِنَّه ليسَ (مِنْ صَاحِبٍ يُصَاحِبُ) صَاحِبًا وَلَو سَاعَةً إِلاَّ سَأَلَهُ اللهُ عَنْ (مُصَاحَبتِهِ) إِيَّاهُ» . حَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» . وَعَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستن وَعِنْده رجلَانِ أَحدهمَا أكبر من الآخر، فأُوِحيَ إِلَيْهِ فِي فضل السِّوَاك أَن كَبِّر، أعْط السِّوَاك أكبرهما» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (بِإِسْنَاد حسن) . وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» ، «سُئِلَ أبي عَن حَدِيث (عبد الله بن مُحَمَّد) بن زَاذَان الْمَدِينِيّ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يستن وَعِنْده رجلَانِ، فأُوحي إِلَيْهِ أَن كَبِّر، وَأعْطَى السِّوَاك حِين فرغ للرجلين» . فَقَالَ أبي: هَذَا خطأ إنَّما هُوَ عَن عُرْوَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسل، وَعبد الله ضَعِيف الحَدِيث. أه. فصل: فِي السِّوَاك يَوْم الْجُمُعَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الغُسْلُ يومَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 الجُمْعَةِ وَاجِبٌ [عَلَى كل محتلم] ، وأَنْ يَسْتَنَّ، وأَنْ يمسَّ طِيبًا إِنْ قَدر عَلَيه» . رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَهَذَا (لَفظه، وَمُسلم) وَلَفظه: «غُسْلُ [يَوْم] الجمعةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وسواكٌ، ويمس مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَر عَلَيه» . وَفِي رِوَايَة لمَالِك عَن ابْن شهَاب، عَن (ابْن) السّبَّاق (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي جُمُعَة من الْجمع: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِين إِنَّ هَذَا يَوم جَعَله اللهُ عِيدًا، فاغْتَسِلُوا، ومَنْ كَانَ عِندَه طيبٌ فَلاَ (يضرّهُ أَنْ) يمسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُم بالسِّواكِ» . قَالَ عبد الْحق: ابْن السباق، اسْمه عبيد وَهُوَ من بني عبد الدَّار وَحَدِيثه هَذَا مُرْسل، إنَّما يروي عَن أُسَامَة بن زيد وَابْن عَبَّاس (ومَيْمُونَة) وَغَيرهم. وَقد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَوَهَّم رَاوِيه الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : الصَّحِيح أنَّه مُرْسل، وَقد رُوِيَ مَوْصُولا وَلَا يَصح وَصله. (و) رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «إِنَّ هَذَا يَوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 عيدٍ جَعَلَه اللهُ للنَّاسِ، فَمَن جَاءَ الجمعةَ فَلْيغْتَسِل، فَإِنْ كَانَ طِيبًا فليمس مِنْهُ، وعَلَيكَ بالسِّوَاكِ» . وَسَيَأْتِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد فِي ذَلِكَ فِي كتاب الْجُمُعَة حَيْثُ ذكره المصنِّف إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَلَا عَلَيْك أَن تتمهل. فصل: فِي السِّوَاك عِنْد إِرَادَة (قِرَاءَة) الْقُرْآن عَن أبي رَجَاء عَن وضين قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «طَيبُوا أَفْوَاهَكُم، فَإِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُق القُرآنِ» . رَوَاهُ مُسلم (الْكشِّي) فِي «سنَنه» وَأَبُو نعيم وَفِي إِسْنَاده منْدَل وَهُوَ ضَعِيف. وَعَن سعيد بن جُبَير عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ (للقُرآنِ) ، فَطَهورها بالسِّوَاكِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» ، وَفِي إِسْنَاده بَحر بن كَنِيز - بِفَتْح الْكَاف وَكسر النُّون ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ زَاي مُعْجمَة - وَهُوَ ضَعِيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: (هَذَا حَدِيث مُنكر جدًّا) ، لم يدْرك سعيد بن جُبَير عليا وَلم يره. (وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» مَوْقُوفا عَن عَلّي كرَّم الله وَجهه من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة) . و (فِي) رِوَايَة لأبي نعيم وَالْبَزَّار، عَن عَلّي «أنَّه أَمر بِالسِّوَاكِ وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّ العبدَ إِذَا تَسَوَّكَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَامَ المَلَكُ خلفَهُ (يَسْمَع) القرآنَ، فَلَا يزالُ (عجبه) بِالقُرآنِ يُدنِيهِ، حتَّى يضعَ فَاهُ عَلى فِيهِ، فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيءٌ مِنْ القُرآنِ (إِلاَّ) صَارَ فِي جَوفِ ذَلِكَ المَلَكِ، فَطَهرُوا (أَفْوَاهُكُمْ لِلْقُرآنِ) » . قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يُروى عَن عَلّي بِأَحْسَن من هَذَا الإِسناد. وَرُوِيَ عَنهُ مَوْقُوفا (عَلَيْهِ) أَيْضا. قُلْتُ: رجال الْمَرْفُوع رجال الصَّحِيح، مِنْهُم: (فُضَيْل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 بن سُلَيْمَان، أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَضَعفه الْحفاظ. وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي فضل الصَّلَاة الَّتِي (يتَسَوَّك) لَهَا. وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم، عَن الزُّهْرِيّ (قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : «إِذَا تَسَوَّكَ أَحَدُكُمْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ طَافَ بِهِ مَلَكٌ (يستمع) القُرآنَ، حتَّى يَجْعَلَ فَاهُ عَلَى فِيهِ» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : هَذَا صَحِيح مُرْسل. فصل: فِي اسْتِحْبَاب السِّوَاك عِنْد دُخُول الإِنسان منزله عَن شُرَيْح بن هَانِئ (قَالَ: «سَأَلت عَائِشَة) قُلْتُ: بِأَيّ شَيْء كَانَ يبْدَأ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا دخل بَيته؟ قَالَت: بِالسِّوَاكِ» . رَوَاهُ مُسلم. وَفِي رِوَايَة عَنْهَا: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا دخل بَيته يبْدَأ بِالسِّوَاكِ» . (رَوَاهَا) ابْن حبَان فِي صَحِيحه. وَالله عزَّ وجلَّ أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 فصل: فِي اسْتِحْبَابه مُطلقًا فِي كلِّ وَقت وَحَال عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَكْثَرْتُ عَلَيكُمْ (فِي) السِّوَاكِ» . رَوَاهُ البُخَارِيّ. وَعَن سُلَيْمَان (بن صرد) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اسْتَاكُوا وَتَنَظَّفُوا وأَوتِرُوا، فإنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ» . رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» (وَغَيره) ، كَمَا تقدم فِي فصل فِي الْمُحَافظَة عَلَيْهِ سفرا وحضرًا. وَعَن أبي أَيُّوب خَالِد بن زيد الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «عَلَيكُمْ بِالسِّوَاكِ» . ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» وَقَالَ: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: الصَّوَاب إرْسَاله. وَعَن ابْن السباق أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَلَيكُمْ بِالسِّوَاكِ» . رَوَاهُ مَالك كَمَا تقدَّم قَرِيبا فِي فضل السِّوَاك يَوْم الْجُمُعَة. (وَعَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ، حَدَّثَنَا عبد الله بن مَيْمُون القداح، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اغسلوا ثيابكم، وخذوا شعوركم، واستاكوا وتزينوا، فَإِن بني إِسْرَائِيل لم يَكُونُوا يَفْعَلُونَ فزنت نِسَاؤُهُم» حَدِيث لَا يَصح) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 فصل: فِي أَن السنَّة كالفرض فِي اسْتِحْبَاب السِّوَاك عِنْدهَا عَن مُعَاوِيَة قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن لَا آتِي أَهلِي فِي غرَّة الْهلَال وَأَن لَا أتوضأ فِي [طهرة] النّحاس وَأَن أستن كلما قُمْت من سِنتِي» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، عَن الْحُسَيْن بن إِسْحَاق التسترِي، ثَنَا أَبُو كريب، ثَنَا (عُثْمَان) بن عبد الرَّحْمَن، عَن عُبَيْدَة بن حسان، عَن عَطاء عَنهُ بِهِ. وَهَذَا سَنَد ضَعِيف، عُبَيْدَة بن حسان مُنكر الحَدِيث، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات. وَعُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن هُوَ الطرائفي، فِيهِ خلف، قَالَ ابْن معِين: صَدُوق. وَقَالَ أَبُو عرُوبَة: لَا بَأْس بِهِ يَأْتِي عَن قوم مجهولين بِالْمَنَاكِيرِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: أنكر أبي (عَلَى) البُخَارِيّ إِدْخَاله فِي الضُّعَفَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَقَالَ: هُوَ صَدُوق. قُلْتُ: مَا قَالَه البُخَارِيّ فِيهِ أَكثر من هَذَا: كَانَ يحدث عَن قوم ضِعَاف. وأسرف ابْن نمير فِيهِ فَقَالَ: كَذَّاب، والأزدي فَقَالَ: مَتْرُوك. وأمَّا ابْن حبَان فإنَّه تقَعْقع فِيهِ كعادته، كَمَا قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» فَقَالَ فِيهِ: يروي عَن قوم ضِعَاف (أَشْيَاء يدلسها) عَن الثِّقَات حتَّى إِذا سَمعهَا المستمع لم يشك فِي وَضعهَا، فلماكثر ذَلِكَ فِي أخباره (التزقت) بِهِ تِلْكَ الموضوعات، وَحمل عَلَيْهِ النَّاس فِي الْجرْح، فَلَا يجوز عِنْدِي الِاحْتِجَاج بروايته كلهَا (بِحَال) . فصل: فِيمَا جَاءَ فِي الاستياك بِفضل الْوضُوء عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يستاك بِفضل وَضُوئِه» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيه عِلَّتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَن فِي إِسْنَاده يُوسُف بن خَالِد (السَّمْتِي) ، قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 ابْن معِين: كذَّاب، (زنديق) . وَالثَّانيَِة: أنَّه من رِوَايَة الْأَعْمَش عَن أنس، وَقد رَآهُ وَلم يسمع مِنْهُ. وسُئل الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ، فَقَالَ فِي «علله» : رَوَاهُ (يُوسُف) بن خَالِد، عَن الْأَعْمَش، عَن أنس. وَخَالفهُ سعيد بن الصَّلْت، فَرَوَاهُ عَن الْأَعْمَش، عَن مُسلم الْأَعْوَر، عَن أنس وَهُوَ أصحّ. وَأخرجه من هَذِه الطَّرِيق أَيْضا فِي «سنَنه» وَالله أعلم. فصل: فِي الاستياك بالأصبع عَن عَلّي بن أبي طَالب - كَرَّم الله وَجهه - «أنَّه دَعَا بكوز من مَاء فَغسل وَجهه وكَفَّيه ثَلَاثًا، وتمضمض فَأدْخل بعض أَصَابِعه فِي فِيه، واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه مرّة وَاحِدَة ... » وَذكر بَاقِي الحَدِيث وَقَالَ: «هَذَا وضوء نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ الإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» . وَعَن (عبد الرَّحْمَن) الْقَسْمَلِي، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يُجْزِئُ مِنَ السِّوَاكِ الأَصَابِعُ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 رَوَاهُ ابْن عدي (من حَدِيث عِيسَى بن شُعَيْب، عَن (القَسْملي) ، - وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف - قَالَ البُخَارِيّ: إنَّه مُنكر الحَدِيث) . وَرَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) من حَدِيث عِيسَى الْمَذْكُور عَن ابْن الْمثنى، عَن النَّضر بن أنس، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «يُجْزِئُ مِنَ السِّوَاكِ الأصابِعُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد عِيسَى بالإِسنادين جَمِيعًا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ من حَدِيث ابْن الْمثنى قَالَ: حَدَّثَنَي بعض أهل بَيْتِي عَن أنس بن مَالك «أنَّ (رجلا) من الْأَنْصَار من بني عَمْرو بن عَوْف قَالَ: يَا رَسُول الله، إنَّك (رغبت) فِي السِّوَاك فَهَل دون ذَلِكَ من شَيْء؟ قَالَ: أصبعُك سِوَاكٌ عندَ وضُوءِكَ (تَمرّ بِهَا) عَلَى أَسْنانِكَ، إِنَّه لَا عَمَل لِمَن لَا نِيَّة لَهُ، وَلاَ أَجْر لِمَن لاَ حَسَنَة لَهُ» . ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن الْمثنى عَن ثُمَامَة، عَن أنس مَرْفُوعا: «الأصبعُ يُجْزِئُ (مِنَ) السِّوَاكِ» . قَالَ (الشَّيْخ تَقِيّ) الدَّين فِي «الإِمام» : وَله طَرِيق آخر عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 أنس من جِهَة (الحكم بن عِيسَى) ، عَن (أبي) هُرْمُز الحَمَّال، قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا يجزئُ من السِّوَاك؟ قَالَ: الأصَابِعُ» . وَذكرهَا هُنَا عَن أَحْمد أنَّه (قَالَ) : لَيْسَ بِصَحِيح. أَبُو هُرْمُز لَيْسَ بِثِقَة. وَرَوَى أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ عَن عَائِشَة (أنَّها سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الرجل ينفض فَاه فَلَا يَسْتَطِيع أَن يمر السِّوَاك عَلَى أَسْنَانه؟ قَالَ: يُجْزِئُهُ الأصَابِعُ» . فِي إِسْنَاده الْمثنى بن الصَّباح، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ (الطَّبَرَانِيّ) فِي «أَوسط معاجمه» من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا عِيسَى بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن عَائِشَة قَالَت: «قُلْتُ: يَا رَسُول الله الرجل [يذهب] فوه، يستاك؟ قَالَ: نَعَم. قُلْتُ: كَيفَ يصنع؟ قَالَ: يُدْخِل أصبعَهُ (فِي) فِيهِ (فَيُدلكه) » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 (وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي من هَذِه الطَّرِيقَة «قُلْتُ: بِأَيّ شَيْء يصنع؟ قَالَ: يُدْخِل أصبعَهُ فِي فِيهِ) فَيدلكهُ هَكَذَا وَأَشَارَ بإصبعه إِلَى فِيهِ) . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن عَطاء إلاَّ عِيسَى بن عبد الله، تَفَرَّد بِهِ الْوَلِيد، ولايروى عَن عَائِشَة إلاَّ بِهَذَا الإِسناد. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ عِيسَى لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَعَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جدِّه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الأَصَابِعُ تَجْرِي مَجْرَى السِّوَاكِ إِذَا لمْ يكنْ سِوَاك» . رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث هَارُون بن مُوسَى الْفَروِي، ثَنَا أَبُو غزيَّة مُحَمَّد بن مُوسَى، ثَنَا كثير. ثمَّ قَالَ: تَفَرَّد بِهِ هَارُون عَن أبي (غزيَّة) . قُلْتُ: وَكثير ضَعِيف بِمرَّة حتَّى قَالَ الشَّافِعِي فِيهِ: إنَّه أحد أَرْكَان الْكَذِب، وَذكر الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه «الْأَحْكَام» حَدِيث أنس الْمُتَقَدّم بِسَنَد لَهُ وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد لَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَمَا وَقع فِي «الْهِدَايَة» عَلَى مَذْهَب الإِمام أبي حنيفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 استاك بِأُصْبُعِهِ» ، فقد يشْهد لَهُ (مَا قَدَّمناه) من حَدِيث عليّ، وَكَذَا الحَدِيث الرَّابِع عشر من أَحَادِيث الْبَاب الْمَذْكُور فِيهِ (أنَّه كَانَ يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ) عَلَى قَول من تأوَّل الشوص بالأصبع. وَفِي كتاب «الطّهُور» لأبي عبيد عَن رهيمة خَادِم عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَت: «كَانَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِذا تَوَضَّأ (يشوص) فَاه بِأُصْبُعِهِ» . فصل: فِي الإِباحة للإِمام أَن يستاك بِحَضْرَة رَعيته إِذا لم يكن (يحتشمهم) فِيهِ كَذَا ترْجم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من طَرِيق ابْن خُزَيْمَة بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: «أَقبلت إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ومعيَ رجلَانِ من الْأَشْعَرِيين، (أَحدهمَا) عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستاك فكلاهما (سَأَلَا) الْعَمَل، قُلْتُ: وَالَّذِي بَعثك بالحقّ، مَا أطلعاني عَلَى مَا فِي أَنفسهمَا، وَمَا شَعرت أَنَّهُمَا يطلبان الْعَمَل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 فكأنّي أنظر إِلَى سواكه تَحت شفته قلصت، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّا (لَا - أَو لن - نستعينُ) عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَه، لَكِن اِذْهَبْ أَنْتَ، فَبَعثه عَلَى الْيمن، ثمَّ أردفه معَاذ بن جبل) . فصل: فِي أولَى مَا يُستاك بِهِ وَمَا لَا يَنْبَغِي أَن يُستاك بِهِ فِيهِ أَحَادِيث: الأول: عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «نِعْم السواكُ الزَّيتونُ، مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ، يُطَيِّبُ الفْمَ، ويُذْهِبُ بالحفرِ، وَهُوَ سِواكِي وسِوَاكُ الأنبياءِ قَبْلِي» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» عَن [أَحْمد بن] عَلّي الأَبَّار، عَن مُعَلَّل بن نفَيْل، عَن (مُحَمَّد بن مُحصن) ، عَن إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة، (عَن عبد الرَّحْمَن بن الديلمي) ، عَن عبد الرَّحْمَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 بن غنم، عَن معَاذ. وَقَالَ: لم يروه عَن إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة إلاَّ ابْن (مُحصن) . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم مثله وَقَالَ فِي أوَّله عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، قَالَ: «رُبمَا سَافَرت مَعَ معَاذ بن جبل فيمر بشجرة الزَّيْتُون فَيَأْخُذ مِنْهَا الْقَضِيب فيستاك بِهِ وَيَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » ، فَذكر الحَدِيث. الحَدِيث الثَّانِي عَن زر عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنْتُ أَجْتَنِي لِرسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سِوَاكًا مِنْ أرَاك» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي وَصَححهُ ابْن حبَان، لأنَّه أخرجه فِي «صَحِيحه» . لَا جرم، قَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» : «رِجَاله عَلَى شَرط الصَّحِيح» . وَرَوَاهُ الإِمام أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ «أنَّه كَانَ يجتني سواكًا من أَرَاك» . الحَدِيث الثَّالِث عَن أبي خيرة - بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 الْمُثَنَّاة تَحت - الصُباحي - بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة - قَالَ: « (كنت) فِي الْوَفْد (الَّذِي) أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عبد الْقَيْس فزودنا الْأَرَاك وَقَالَ: اِسْتَاكُوا بِهَذَا» . وَفِي رِوَايَة: «يستاك بِهِ» . رَوَاهُمَا البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» . وَقَالَ خَليفَة بن خياط عَلَى مَا نَقله الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» : أَبُو خيرة الصباحي وَكَانَ فِي وَفد عبد الْقَيْس رَوَى: «اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِعَبْدِ قَيس» ، وَقَالَ: «زودنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْأَرَاك نستاك بِهِ» . قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - يَعْنِي البُخَارِيّ -: قَالَ خَليفَة: ثَنَا عون بن كهمس، ثَنَا دَاوُد بن الْمسَاوِر، عَن مقَاتل (بن) همام، عَن أبي خيرة قَالَ: «كنت فِي الْوَفْد الَّذين أَتَيْنَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عبد الْقَيْس فزودنا بالأراك» . (وَذكره أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» فِي تَرْجَمَة أبي خيرة وَلَفظه: «فزودنا بالأراك) نستاك بِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله عندنَا الجريد وَلَكِن نقبل كرامتك وعطيتك، ثمَّ دَعَا لَهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَكُنَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 أَرْبَعِينَ رجلا، وَقُلْنَا: إِن عندنَا العُسُب وَنحن نجتزئ بِهِ» ، وَهَذِه أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَفِيه: «ثمَّ أَمر لنا بأراك فَقَالَ: اِسْتَاكُوا بِهَذَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِن عندنَا (العسب) وَنحن نجتزئ بِهِ فَرفع يَدَيْهِ ودعا لَهُم» . ثمَّ أخرج الأولَى أَيْضا مثلهَا سَوَاء. وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» : رَأَيْت بِخَط أبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي الْحَافِظ عَن أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ: «أنَّه كَانَ فِي الْوَفْد - وَفد عبد الْقَيْس - الَّذين أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: فَأمر لنا بأراك فَقَالَ: اِسْتَاكُوا بِهَذَا» . قَالَ ابْن مَاكُولَا: لَيْسَ يرْوَى لأبي خيرة هَذَا سُوَى حَدِيث وَاحِد. وَلَا رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من قَبيلَة صباح غَيره. قَالَ ابْن الصّلاح: وَهَذَا الحَدِيث هُوَ مُسْتَند قَول أَصْحَاب «التَّنْبِيه» و «الإِيضاح» و «الْحَاوِي» حَيْثُ استحبوه. قَالَ: وَلم أجد فِيهِ فِي كتب الحَدِيث سُوَى هَذَا الحَدِيث. قُلْتُ: وَقد (ذكرت) لَك أيُّها النَّاظر حَدِيثا أصح مِنْهُ وَهُوَ حَدِيث ابْن مَسْعُود الْمُتَقَدّم. وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» حَدِيث أبي خيرة هَذَا بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يستاك بالأراك فإنْ تَعَذَّر عَلَيْهِ استاك بعراجين النّخل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 فإنْ تعذر استاك بِمَا وجده» . الحَدِيث الرَّابِع: عَن أبي زيد الغافقي، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: « (الأسوكةُ) ثلاثةٌ: أرَاك، فَإِنْ لمْ يكنْ أَرَاكَ فعَنَم أَبُو بطم» . قَالَ (أَبُو) وهب: العنم الزَّيْتُون. رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة أبي زيد الغافقي من حَدِيث سعيد بن عفير، ثَنَا (أَبُو) وهب الغافقي (عَن عَمْرو بن شرَاحِيل الْمعَافِرِي عَنهُ بِهِ) . الحَدِيث الْخَامِس عَن ضَمرَة بن حبيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن السِّوَاك بِعُود الريحان وَقَالَ: إنَّه يُحَرك عرق الجذام» . رَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي «مُسْنده» ، عَن الحكم بن مُوسَى، عَن عِيسَى بن يُونُس، عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم الغساني، عَن ضَمرَة بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 (رَوَاهُ) أَبُو نعيم فِي كتاب «الطِّبّ» أَيْضا. فَائِدَة: قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن دحْيَة فِي (كتاب «مرج الْبَحْرين» ) : كَأَن السِّوَاك الْمَذْكُور فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فِي فضل غسل السِّوَاك وتطييبه من عسيب النّخل كَمَا رَوَاهُ الإِمام أَبُو الْقَاسِم بن الْحسن. قَالَ: وَالْعرب تستاك بالعسيب. قَالَ: وَكَانَ أحب السِّوَاك إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صُرُع الْأَرَاك، وواحدها صَرِيع وَهُوَ قضيب ينطوي من الْأَرَاك حتَّى يبلغ التُّرَاب فَيَبْقَى فِي ظلها وَهُوَ أَلين من (فروعها) . قُلْتُ: وَوَقع فِي البُخَارِيّ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَن هَذَا السِّوَاك كَانَ جَرِيدَة رطبَة. وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» أنَّه كَانَ من أَرَاك رطب. ثمَّ قَالَ: صَحِيح الإِسناد وَلم يخرجَاهُ. فصل: فِي أَيْن يوضع السِّواك عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن أبي جَعْفَر، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: «كَانَ السِّوَاك من أذن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَوضِع الْقَلَم من أذن الْكَاتِب» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَفعه مُحَمَّد بن إِسْحَاق. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن سُفْيَان إلاَّ يَحْيَى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيَحْيَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 بن الْيَمَان لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إنَّه وهم من يَحْيَى بن يمَان. وَقد رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ذَلِكَ عَن أبي سَلمَة، عَن زيد، كَمَا رويا عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ عَلَى أُمَّتي لأمرتُهم بالسِّوَاكِ عندَ كل صَلاةٍ» . قَالَ أَبُو سَلمَة: فَرَأَيْت زيدا يجلس فِي الْمَسْجِد وإنَّ السِّوَاك (فِي) أُذُنه مَوضِع القلمِ من أُذنِ الْكَاتِب. وَكلما قَامَ إِلَى الصَّلَاة استاك» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قُلْتُ: وَفِيه ابْن إِسْحَاق وَقد عنعن. وَعَن أبي هُرَيْرَة: «كَانَ) أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أسوكتهم خلف آذانهم يَسْتَنُّون بهَا لكلِّ صَلَاة) . رَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب «من رَوَى عَن مَالك» من حَدِيث يَحْيَى بن ثَابت، عَن مَالك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج عَنهُ بِهِ. وَرَوَى ابْن (شعْبَان) الْفَقِيه الْمَالِكِي بِسَنَدِهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَجْعَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 السِّوَاك مَوضِع الْقَلَم من أذن الْكَاتِب» . هَذَا آخر مَا قصدته (وإبراز مَا أردته) فِيمَا يتَعَلَّق بِالسِّوَاكِ، وَهُوَ مُهِمّ جدًّا، وَقد اجْتمع بِحَمْد الله وعونه من الْأَحَادِيث من حِين شرع المصنّف فِي ذكر السِّوَاك إِلَى هَذَا الْمَكَان زِيَادَة عَلَى مائَة حَدِيث كلّها فِي السِّوَاك ومتعلقاته، وَهَذَا عَظِيم جسيم، (فواعجبًا) سنة وَاحِدَة تَأتي فِيهَا هَذِه الْأَحَادِيث (ويهملها) كثير من النَّاس بل كثير من الْفُقَهَاء المشتغلين. (وَهِي) خيبة عَظِيمَة نسْأَل الله المعافاة مِنْهَا، وَإِيَّاك أيُّها النَّاظر أَن تسأم مِمَّا أوردناه لَك، وإنْ رَأَيْت أحدا من أهل الغباوة والجهالة قَالَ: طولت أيُّها المصنّف وَعَابَ (فَذَلِك) ممَّا يزيدك فِي النفرة مِنْهُ وَقلة الاكتراث بِهِ، وَكنت أود لَو كَانَ هَذَا الْكتاب كُله (هَكَذَا) نذْكر مَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ موضحين لَهُ ثمَّ نتبعه بِمَا أغفله فِي كل بَاب وَمَسْأَلَة، وَلَكِن يُخاف من السَّآمَة، ومنهاجنا هَذَا الَّذِي نمشي عَلَيْهِ متوسط بَين الطَّرِيقَيْنِ، وَخير الْأُمُور أوسطها، أعَاد الله علينا ثَوَاب ذَلِكَ، وَلَا يَجعله حجَّة علينا، بل لنا بمنِّه وَكَرمه. وَنَرْجِع الْآن إِلَى كلامنا عَلَى الْكتاب متوكلين عَلَى الْملك الْوَهَّاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الحَدِيث (السَّابِع) عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لاَ وضوءَ لِمْنَ لمْ (يسم) الله عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، وَله طرق مُتَكَلَّمٌ فِي كلّها، وَالَّذِي يحضرنا الْآن (مِنْهَا) ستَّة: أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَله طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن مُوسَى، عَن يَعْقُوب بن سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لاَ صَلاَةَ لِمْنَ لاَ وضوءَ لَهُ وَلاَ وضوءَ لِمْن لمْ يَذْكر اسْمَ الله عَلَيْهِ» . أخرجه الإِمام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد هَكَذَا عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه، عَن أبي كريب و [عبد الرَّحْمَن] بن إِبْرَاهِيم، قَالَا: ثَنَا ابْن أبي فديك، (عَن مُحَمَّد بن مُوسَى (بِإِسْنَادِهِ) وَلَفظه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وَأخرجه التِّرْمِذِيّ) فِي «علله» ، عَن قُتَيْبَة بِمثلِهِ. وَأخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من طريقي قُتَيْبَة وَابْن أبي فديك، لكنَّه قَالَ: فيهمَا يَعْقُوب بن أبي سَلمَة بِزِيَادَة «أبي» وَالْمَوْجُود فِي سَائِر رِوَايَات هَذَا الحَدِيث غَيره «ابْن سَلمَة» بِحَذْف «أبي» . وَحَاصِل مَا يُعلل بِهِ هَذَا الحَدِيث: الضعْف والانقطاع، أمّا الضعْف فيعقوب بن سَلمَة لَا أعرف حَاله، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : شيخ لَيْسَ (بعمدة) . وأمّا (أَبوهُ) سَلمَة فَلم يعرف حَاله الْمزي وَلَا الذَّهَبِيّ، وإنَّما قَالَ فِي «الْمِيزَان» : لم يرو عَنهُ غير وَلَده. وَقد ذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: ربَّما أَخطَأ. وأمَّا الِانْقِطَاع فَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : «سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: مُحَمَّد بن مُوسَى المَخْزُومِي لَا بَأْس بِهِ مقارب الحَدِيث، وَيَعْقُوب بن سَلمَة الْمدنِي لَا يُعرف لَهُ سَماع من أَبِيه وَلَا يعرف لِأَبِيهِ سَماع من أبي هُرَيْرَة. وَخَالف الْحَاكِم، فَقَالَ فِي «الْمُسْتَدْرك» : «هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد. قَالَ: وَقد احْتج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 مُسلم بِيَعْقُوب بن أبي سَلمَة الْمَاجشون وَاسم أبي سَلمَة دِينَار وَلم يخرجَاهُ قَالَ: (وَله) شَاهد. فَذكر حَدِيث أبي سعيد الَّذِي سَيَأْتِي. وَاعْترض النَّاس عَلَى الْحَاكِم فِي تَصْحِيحه لهَذَا الحَدِيث (وأنَّه عَلَى) شَرط مُسلم؛ فَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: وَلَا يستشهد عَلَى ثُبُوت هَذَا الحَدِيث بِكَوْن الْحَاكِم حكم بِصِحَّة إِسْنَاده؛ لأنَّا نَظرنَا فِيهِ فَوَجَدنَا إِسْنَاده قد انْقَلب عَلَيْهِ. قَالَ الصريفيني - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابه « (رُوَاة) الْكتب الْأَحَد عشر» عقب قَول الْحَاكِم: وَاسم أبي سَلمَة دِينَار. كَذَا ذكره، وَالصَّوَاب الَّذِي عِنْد (الْجَمَاعَة) يَعْقُوب بن سَلمَة اللَّيْثِيّ إِن شَاءَ الله. وَقَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَول الْحَاكِم: «هَذَا حَدِيث صَحِيح» لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَنَّهُ انْقَلب عَلَيْهِ إِسْنَاده واشتبه، كَذَا قَالَه الْحَافِظ. وَلم يبين ابْن الصّلاح وَجه الانقلاب وَلَا النَّوَوِيّ وَجه الِاشْتِبَاه، وَبَينه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» فَقَالَ بعد أَن ذكر مقَالَة الْحَاكِم الْمُتَقَدّمَة: وليعلم أَن مُسلما لم يحْتَج بِيَعْقُوب بن سَلمَة اللَّيْثِيّ، عَن أَبِيه وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث، كَذَلِك رَوَاهُ عَنهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ - يَعْنِي وَغَيرهمَا كَمَا قدمْنَاهُ - وَيَعْقُوب بن سَلمَة لم يحْتَج بِهِ مُسلم. قَالَ: وَالَّذِي نرَاهُ أَن الحَدِيث ليعقوب بن سَلمَة وأنَّه وَقع انْتِقَال ذهني من يَعْقُوب بن سَلمَة إِلَى يَعْقُوب بن أبي سَلمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 قَالَ: وَلَو سُلِّم أنَّه يَعْقُوب بن أبي سَلمَة فَيحْتَاج إِلَى معرفَة حَال أَبِيه أبي سَلمَة واسْمه دِينَار ثمَّ ذكر مقَالَة البُخَارِيّ الْمُتَقَدّمَة فِي تَعْلِيل هَذَا الحَدِيث. قُلْتُ: وَهَذَا متين، فقد كَشَفْتُ كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا فَلم أرَ (دِينَارا) هَذَا، بل لم أرَ أحدا قَالَ: إِن الْمَاجشون (يروي) عَن أَبِيه. فتعيَّن غلط الْحَاكِم، وَلَو صَحَّ لتوجه الِاعْتِرَاض عَلَى الْحَافِظ (عبد الْغَنِيّ والصريفيني) وجمال الدَّين الْمزي وتلميذه الذَّهَبِيّ حَيْثُ لم يذكرُوا (لوالد) أبي سَلمَة فِي كتبهمْ تَرْجَمَة، وَأغْرب أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» : هَذَا حَدِيث جيِّد. والْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث أَجود أَحَادِيث الْبَاب. قَالَ: وَقد رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنى أَحَادِيث لَيست بمستقيمة. قَالَ شَيخنَا أَبُو (الْفَتْح) الْيَعْمرِي: وَفِيمَا قَالَه الْمُنْذِرِيّ نظر، لانْقِطَاع حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا (من وَجْهَيْن) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 قُلْتُ: لَا شكّ فِيهِ بل هُوَ ضَعِيف لوَجْهَيْنِ كَمَا قَرّرته (لَك) وأمَّا ابْن السكن فإنَّه ذكره فِي «صحاحه» ، وَهُوَ تساهل مِنْهُ كَمَا يعرف ذَلِكَ من نظر فِي كِتَابه هَذَا. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن (مَحْمُود) بن مُحَمَّد الظفري، عَن أَيُّوب [بن] النجار، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: (قَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا تَوَضَّأَ مَن لمْ يَذْكرْ اسْمَ اللهِ عَلَيهِ، وَمَا صَلَّى مَن لمْ يَتَوَضَّأْ» . أخرجه هَكَذَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، ومحمود هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، فِيهِ نظر. وَأعله الْبَيْهَقِيّ بِأَن قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا يعرف من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة إلاَّ من هَذَا الْوَجْه، وَكَانَ أَيُّوب [بن] النجار يَقُول: لم أسمع من يَحْيَى بن أبي كثير إلاَّ حَدِيثا وَاحِدًا: «التقَى آدم ومُوسَى عَلَيْهِمَا (وَعَلَى نَبينَا) الصَّلَاة وَالسَّلَام ... ) ذكره يَحْيَى بن معِين فِيمَا رَوَاهُ (عَنهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 ابْن أبي مَرْيَم، فَكَانَ حَدِيثه هَذَا مُنْقَطِعًا، وَالله أعلم» . الطَّرِيق (الثَّالِث) من أصل طرق هَذَا الحَدِيث: عَن كَثير - بِفَتْح الْكَاف، ثمَّ ثاء مُثَلّثَة - بن زيد، عَن رُبَيْح - بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَفْتُوحَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت (سَاكِنة) ، ثمَّ حاء مُهْملَة - بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد (الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لاَ وضوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ» . أخرجه الإِمام أَحْمد، والدارمي فِي «مسنديهما» ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «علله» ، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَعبد بن حميد فِي «مُسْنده» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» (مستشهدًا) بِهِ، وَأخرجه ابْن عدي فِي «كَامِله» وَقَالَ: لَا (أعلم) يروي هَذَا الحَدِيث عَن ربيح غير كثير، وَلَا عَن كثير غير زيد بن الْحباب. كَذَا قَالَ، وَقد رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي عَامر الْعَقدي عَن كثير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي أَحْمد الزبيري، عَن كثير، فاستفد ذَلِكَ. وللحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث مقالتان: إِحْدَاهمَا: أنَّه حَدِيث حسن، قَالَ شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ أَجود من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي ثفال الْآتِي، وذَلِكَ أنَّ كثير بن زيد ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة، عَن يَحْيَى بن معِين أنَّه قَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ مُعَاوِيَة بن صَالح عَنهُ: صَالح. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار عَنهُ: هُوَ ثِقَة. وَحَكَى ابْن الْجَوْزِيّ، عَن ابْن معِين توثيقه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق وَفِيه لين. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح لَيْسَ بِالْقَوِيّ يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ كثير الحَدِيث. وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات. قُلْتُ: وَقَالَ أَحْمد: مَا أرَى بحَديثه بَأْسا. وَربيح وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: شيخ. وَابْن حبَان وَالْحَاكِم يخرجَانِ حَدِيثه فِي (الصَّحِيح) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أنَّه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّد بن عمار: ثِقَة. وَقَالَ ت: قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَهَذَا (قد) يُعَارض مَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: أنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب، كَمَا سَيَأْتِي، (و) يُورث عنْدك شُبْهَة احْتِمَال غلطه فِي النَّقْل عَنهُ، وَقَول الإِمام أَحْمد فِيهِ أنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف لَيْسَ بقادح؛ فقد عرفه غَيره وَرَوَى عَنهُ جمَاعَة كَثِيرَة. (وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» : فِيهِ مقَال قريب، وَكثير بن زيد، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ليِّن. وَقَالَ الإِمام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ: إنَّه أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب) . قُلْتُ: هَذَا مُخَالف لما نَقله التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث زيد. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد قَالُوا فِي ربيح: إنَّه لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِي هَذَا - يَعْنِي فِي وجوب التَّسْمِيَة -: لَيْسَ فِيهِ حَدِيث يثبت، وأحسنها هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَإِنَّا لَا نأمره بالإِعادة، وَأَرْجُو أَن يُجزئهُ الْوضُوء؛ لأنَّه لَيْسَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 حَدِيث نحكم بِهِ. وَكَذَا نقل الإِمام الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ، عَن الإِمام أَحْمد أنَّه قَالَ: لَا أعلم فِي التَّسْمِيَة حَدِيثا أَقْوَى من حَدِيث كثير هَذَا. وَكَذَا نقل الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» أنَّه لما سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث قَالَ: إنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب. وَقَالَ (أَحْمد) بن حَفْص السَّعْدِيّ: سُئِلَ أَحْمد عَن التَّسْمِيَة فِي الْوضُوء. فَقَالَ: لَا أعلم فِيهِ حَدِيثا (يثبت) . أَقْوَى شَيْء فِيهِ حَدِيث كثير بن زيد، عَن ربيح. وَقَالَ الْحَافِظ مجد الدَّين ابْن تَيْمِية فِي «أَحْكَامه» : سُئِلَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: أَي حَدِيث أصح فِي التِّسمية؟ فَذكر هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْحَافِظ: وَفِيه مقَال قريب. و (ذكره) ابْن السكن فِي صحاحه. الْمقَالة الثَّانِيَة: أنَّه حَدِيث لَا يصحّ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي « (الْعِلَل) المتناهية فِي الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة» : هَذَا حَدِيث لَا يثبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ المرّوزي: لم يُصَحِّحهُ أَحْمد. وَقَالَ: ربيح لَيْسَ بِمَعْرُوف وَلَيْسَ الْخَبَر بِصَحِيح، (وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء يثبت) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : الْأَسَانِيد فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين. وَرَوَى الْبَزَّار هَذَا الحَدِيث فِي «سنَنه» ، وَقَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي سعيد إلاَّ بالإِسناد الْمَذْكُور. وَكثير بن زيد قد رَوَى عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعلم وَاحْتَملُوا حَدِيثه، وَربيح بن عبد الرَّحْمَن رَوَى عَنهُ فليح بن سُلَيْمَان، وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، وَكثير بن عبد الله بن عَمْرو. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي ثِفَال - بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَيُقَال بضَمهَا وَبعدهَا فَاء - المري - بالراء الْمُهْملَة - عَن رَبَاح - بِفَتْح الرَّاء (الْمُهْملَة) بعْدهَا بَاء مُوَحدَة - ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان بن حويطب، عَن جدته، عَن أَبِيهَا، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لاَ وضوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» هَكَذَا. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث يزِيد بن عِيَاض، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان أنَّه سمع جدته بنت سعيد بن زيد تذكر أنَّها سَمِعت أَبَاهَا سعيد بن زيد يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وضوءَ لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيه» . وَأخرجه الإِمام أَحْمد من هَذَا الطَّرِيق بِهَذَا الإِسناد والأوَّل أَيْضا. وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بالإِسناد الأوَّل وَاللَّفْظ إلاَّ أنَّه زَاد: «وَلاَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 صَلاَة لِمَن لَا وضُوءَ لَهُ» . وَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجَمه» بِإِسْنَاد التِّرْمِذِيّ، ولفظُهُ: «مَا آمنَ بِاللهِ مَن لمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلاَ آمنَ بِي مَنْ لمْ يحبّ الأنْصَارَ، وَلاَ صَلاةَ إِلاَّ (بوضوءٍ، وَلاَ) وضُوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكرْ اسْمَ اللهِ عَلَيه» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» والعقيلي فِي «تَارِيخه» ، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة أنَّه سمع أَبَا ثِفال يَقُول: سَمِعت رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان يَقُول: حَدَّثتنِي جدَّتي أنَّها سَمِعت أَبَاهَا يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لاَ صَلاَةَ لِمَن لَا وضُوءَ لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيه، وَلاَ يُؤْمِن بِاللهِ مَن لَا (يُؤْمِن) بِي، وَلاَ يُؤْمِن بِي مَن لَا يُحِبُّ الأَنْصَارَ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن أبي ثِفال قَالَ: سَمِعت رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن يَقُول: حَدَّثتنِي جدَّتي أَسمَاء بنت سعيد بن زيد بن عَمْرو أنَّها سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول، فَذكره بِلَفْظ الْعقيلِيّ، (كَذَا) ذكره فِي ترجمتها بِإِسْقَاط اسْمهَا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: أحسن شَيْء (فِي) هَذَا الْبَاب هَذَا الحَدِيث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 قَالَ التِّرْمِذِيّ: ورباح بن عبد الرَّحْمَن (هُوَ) أَبُو بكر بن حويطب، وَمِنْهُم من رَوَى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: عَن أبي بكر بن حويطب فنسبه إِلَى جدِّه، وَأَبُو جدَّته هُوَ سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل. وَأَبُو ثفال اسْمه ثُمَامَة بن حُصَيْن. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث (فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث) يرويهِ أَبُو ثِفال المري وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة الْأَسْلَمِيّ عَن أبي ثفال وَاخْتلف عَنهُ وَقَالَ وهيب وَبشر بن الْمفضل وَابْن أبي فديك، وَسليمَان بن بِلَال: عَن (ابْن) حَرْمَلَة، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان بن حويطب، عَن جدته، عَن أَبِيهَا، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وأبوها هُوَ سعيد بن زيد. وَخَالفهُم حَفْص بن ميسرَة وَأَبُو معشر نجيح وَإِسْحَاق بن حَازِم. فَرَوَوْه عَن (ابْن) حَرْمَلَة، عَن أبي ثفال، عَن [رَبَاح] ، عَن جدته أنَّها سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يذكرُوا أَبَاهَا فِي الإِسناد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وَرَوَاهُ يزِيد بن عِيَاض وَالْحسن بن [أبي] جَعْفَر وَعبد الله بن جَعْفَر بن نجيح الْمَدِينِيّ، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح، عَن جدته (عَن أَبِيهَا سعيد كَقَوْل وهيب وَمن تَابعه عَن (ابْن) حَرْمَلَة) . وَرَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح، عَن ابْن ثَوْبَان مُرْسلا، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن صَدَقَة مولَى آل الزبير، عَن أبي ثفال، عَن أبي بكر بن حويطب مُرْسلا، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَالصَّحِيح قَول وهيب وَبشر بن الْمفضل وَمن تابعهما. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أبي: الصَّحِيح حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن حويطب، عَن جدته، عَن أَبِيهَا سعيد بن زيد مَرْفُوعا قَالَ: وَمن قَالَ عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة الْأَسْلَمِيّ، عَن ثفال، عَن رَبَاح، عَن أمِّه بنت زيد بن نفَيْل مَرْفُوعا فقد أَخطَأ فِي مَوَاضِع. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَنهُ فَقَالَا: لَيْسَ عندنَا بذلك الصَّحِيح، أَبُو ثفال ورباح مَجْهُولَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 و (ذكره) أَبُو الْحسن بن الْقطَّان، وَقَالَ عَن عبد الحقّ حِين أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيق التِّرْمِذِيّ وَذكر كَلَامه عَلَيْهِ كَمَا سقناه: فإنْ كَانَ اعْتمد قَول البُخَارِيّ فقد يُوهم أنَّه حسن، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا هُوَ إلاَّ ضَعِيف جدًّا، وإنَّما مَعْنَى كَلَام البُخَارِيّ أنَّه أحسن مَا فِي الْبَاب عَلَى علاته. قُلْتُ: وَمِمَّا يُقَوي هَذَا أنَّ الْعقيلِيّ رَوَى عَن البُخَارِيّ أنَّه قَالَ: (فِي) حَدِيث أبي ثفال نظر. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِن اعْتمد قَول الإِمام أَحْمد حَيْثُ قَالَ: لَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا لَهُ إِسْنَاد جيِّد فقد بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين علته. وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي قصدت بَيَانه لتكمل الْفَائِدَة، وَفِي إِسْنَاده ثَلَاثَة مَجَاهِيل الْأَحْوَال: أوَّلهم: جدة رَبَاح فإنَّها لَا تعرف (بِغَيْر هَذَا) وَلَا يُعرف (لَهَا لَا) اسْم وَلَا حَال، وَغَايَة مَا يعرفنا بِهَذَا أنَّها ابْنة لسَعِيد بن زيد. قُلْتُ: وَلِهَذَا الْوَجْه ذكره أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كِتَابه «الطّهُور» . فَقَالَ: وَقد كَانَ بعض أهل الحَدِيث يطعن فِيهِ لمَكَان الْمَرْأَة المجهولة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الثَّانِي: رَبَاح الْمَذْكُور فإنَّه مَجْهُول الْحَال كَذَلِك، وَلم يَعْرِفْ ابْن أبي حَاتِم من حَاله بِأَكْثَرَ ممَّا أَخذ من هَذَا الإِسناد من رِوَايَته عَن جدته، وَرِوَايَة أبي ثفال عَنهُ. الثَّالِث: (أَبُو) ثفال الْمَذْكُور فإنَّه أَيْضا مَجْهُول الْحَال كَذَلِك وَهُوَ أشهرهم لرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ مِنْهُم: عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، وَسليمَان بن بِلَال، وَصدقَة مولَى الزبير [والدراوردي] وَالْحسن بن أبي جَعْفَر، وَعبد الله بن عبد الْعَزِيز. انْتَهَى مَا ذكره ابْن الْقطَّان. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : أَبُو ثِفال اسْمه: ثُمَامَة بن الْحصين قَالَه التِّرْمِذِيّ، وَقيل: ثُمَامَة بن وَائِل. قُلْتُ: وَكَذَا سَمَّاه أَبُو عبيد فِي رِوَايَته فِي (كتاب) «الطّهُور» لَهُ. قَالَ: وَمَا ذكره ابْن الْقطَّان من جَهَالَة حَاله مَعَ رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ هِيَ طَرِيقَته. وَرَأَيْت فِي «علل ابْن أبي حَاتِم» مَا يُوَافقهُ، فإنَّه سَأَلَ أَبَاهُ وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث أبي ثفال هَذَا. فَقَالَا: لَيْسَ عندنَا بِذَاكَ الصَّحِيح، أَبُو ثفال مَجْهُول ورباح مَجْهُول. وَقد تقدم هَذَا عَنهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَبُو ثفال لَيْسَ بِمَعْرُوف. قُلْتُ: قد ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: لست (بالمعتمد) عَلَى مَا تفرد بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 قَالَ الشَّيْخ: وأمَّا مَا ذكره ابْن الْقطَّان فِي أَمر رَبَاح وَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامه من أنَّه لم يرو إلاَّ عَن جدته وَلَا رَوَى عَنهُ (إلاَّ) أَبُو ثفال، فقد قَالَ صَاحب «الْكَمَال» : (إنَّه) رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا، و (أَن) الحكم (بن) الْقَاسِم الأويسي وَصدقَة - غير مَنْسُوب - رويا عَنهُ. قُلْتُ: (فترتفع عَنهُ) الْجَهَالَة العينية وَتَبقى الْجَهَالَة الحالية، وَقد صرح برفعها (عَنهُ) ابْن حبَان فإنَّه ذكره فِي «ثقاته» . لَكِن ذكره فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَكَانَ يَنْبَغِي ذكره فِي الثَّانِيَة فِي التَّابِعين لروايته عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي: «وَقَول ابْن الْقطَّان (إِن) جدة رَبَاح لَا يعرف لَهَا اسْم، لَيْسَ كَذَلِك. فقد ذكر الْبَيْهَقِيّ أنَّ اسْمهَا: أَسمَاء. وقَالَ: «وَيُؤَيّد تَفْسِير (ابْن) الْقطَّان؛ لقَوْل البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث مَا نَقله أَيْضا الْعقيلِيّ. فَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: أَبُو ثفال المري عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن فِي حَدِيثه نظر. قُلْتُ: وَجدّة رَبَاح ذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» أَيْضا. وَذكر هَذَا الحَدِيث ابْن السكن فِي «صحاحه» من هَذَا الْوَجْه أَيْضا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَابْن تَيْمِية، الأوَّل فِي «التَّحْقِيق» وَالثَّانِي فِي «الْمُنْتَقَى» : فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مقَال قريب. وإنَّما قَالَا ذَلِكَ تَقْوِيَة لمذهبهما - فِي إِحْدَى الراويتين عَن الإِمام أَحْمد - (فِي) أنَّ التَّسْمِيَة وَاجِبَة فِي الْوضُوء، وَسَيَأْتِي عَن أَحْمد قَرِيبا أنَّه قَالَ (فِيهِ) : إنَّه حَدِيث لَا يثبت. وَلَقَد وُفِّق ابْن الْجَوْزِيّ للصَّوَاب فِي كِتَابه «الْعِلَل المتناهية» فَقَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الإِمام أَحْمد: من أَبُو ثفال؟ قَالَ: وَيروَى مُرْسلا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: والأوَّل أصحّ، وَفِي إِسْنَاد الْمُرْسل صَدَقَة مولَى آل الزبير، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ مَجْهُول. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» : قَالَ الإِمام أَحْمد: هَذَا حَدِيث لَا يثبت. قُلْتُ: وَله قولة أُخْرَى فِيهِ. قَالَ الْأَثْرَم: قُلْتُ لأبي عبد الله: التَّسْمِيَة فِي الْوضُوء. قَالَ: أحسن ذَلِكَ حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ. قُلْتُ: فَمَا رَوَى عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة؟ قَالَ: لَا يثبت. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَتيق بن نجيح، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي ثِفال كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث حَرْمَلَة هَذَا رَوَاهُ جمَاعَة (ثِقَات) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 عَن (ابْن) حَرْمَلَة. وَأَبُو ثفال مَشْهُور، ورباح بن عبد الرَّحْمَن وجدته لَا نعلمهما رويا إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَلَا حَدَّث عَن رَبَاح إلاَّ أَبُو ثفال. فَالْخَبَر من جِهَة النَّقْل لَا يثبت لِلْعِلَّةِ الَّتِي وَصفنَا، وَقد رُوِيَ عَن كثير بن زيد (عَن الْوَلِيد) عَن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا بَدَأَ بِالْوضُوءِ سمَّى» . قَالَ الْبَزَّار: فِي إِسْنَاده حَارِثَة بن مُحَمَّد، وَقد حَدَّث عَنهُ جمَاعَة. وَعِنْده أَحَادِيث لم يُتَابع عَلَيْهَا. قَالَ عبد الحقّ: وثَّقَه الدَّارَقُطْنِيّ (وَحده) فِيمَا أعلم وَضَعفه النَّاس. قَالَ الْبَزَّار: كل مَا رُوي فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ بِقَوي الإِسناد وَإِن تأيدت هَذِه الْأَسَانِيد. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل (السَّاعِدِيّ) عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَن لاَ وضُوَء لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمن لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ (عَلَيْهِ) وَلاَ صَلاَةَ لِمَن (لمْ يصلِّ) عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 نَبِي الله «وَ) لاَ صَلاَةَ لِمَن (لمْ يصلِّ عَلَى) الأَنْصَارِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك وَابْن مَاجَه أَيْضا، وَلَكِن لَفظه: «وَلاَ صَلاَةَ لِمَن لمْ يُحبّ الأَنْصَار» . وَعبد الْمُهَيْمِن هَذَا واه، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: ضَعِيف، وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَالدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَابْن حبَان: لما فحش الْوَهم فِي رِوَايَته بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. قُلْتُ: لَكِن رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة أَخِيه أُبيّ بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جدَّه أَيْضا. وأُبيّ أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وتكلَّم فِيهِ أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين، وَسَيَأْتِي فِي آخر كتاب صفة الصَّلَاة مزِيد إِيضَاح لهَذَا الحَدِيث. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عِيسَى بن سُبْرَة، عَن أَبِيه، عَن جدّه، قَالَ: «صعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمِنْبَر ذَات يَوْم، فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ (ثمَّ) قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاس، لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بوضُوءٍ، وَلاَ وضُوءَ لِمَن لمْ يَذكُر اسْمَ اللهِ عَليه) وَلم يُؤمن بِاللَّه من لم يُؤمن بِي، وَلم يُؤمن بِي من لم يعرف حقّ الْأَنْصَار» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 رَوَاهُ الدولابي فِي «الْأَسْمَاء والكنى» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» وَقَالَ: لم يُرو هَذَا الحَدِيث عَن (أبي) سُبْرَة إلاَّ بِهَذَا الإِسناد. وَأخرجه فِي «أكبر معاجمه» بِدُونِ الْخطْبَة. الطَّرِيق السَّادِس: عَن عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي بن أبي طَالب، عَن أَبِيه، عَن جدَّه، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لاَ صَلاَةَ لِمَن لاَ وضُوءَ لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمْن لمْ يَذْكُر (اللهَ) عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو أَحْمد بن عدي وَقَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِمُسْتَقِيم. وَلِلْحَدِيثِ طَريقَة سابعة ذكرهَا الْحَافِظ عبد الحقّ فِي «الْأَحْكَام» عَن أَسد بن مُوسَى، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا إِيمْانَ لِمَن لمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ بوضُوءٍ، وَلاَ وضُوءَ لِمَن لمْ يُسَم اللهَ» . قَالَ الْحَافِظ عبد الْحق: ذكر هَذِه الطَّرِيق عبد الْملك بن حبيب. قُلْتُ: وَهَذِه الطَّرِيق حَسَنَة، فأسد بن مُوسَى هُوَ الملقب بأسد السّنة حَافظ صَنَّف وَجمع، قَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مَشْهُور الحَدِيث. وَاسْتشْهدَ بِهِ أَيْضا، وَاحْتج بِهِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، قَالَ ابْن يُونُس: هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 ثِقَة، وَحدث بِأَحَادِيث مُنكرَة، فالآفة من غَيره وَمَا علمت بِهِ بَأْسا. إلاَّ (أَن) ابْن حزم طعن فِيهِ، فَقَالَ: مُنكر الحَدِيث. وَفِي مَوضِع آخر: (ضَعِيف) وَهَذَا تَضْعِيف مَرْدُود، وَبَاقِي السَّنَد كَالشَّمْسِ لَا يُسأل عَنهُ. وَله أَيْضا طَريقَة ثامنة ذكرهَا الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة أم سُبْرَة أنَّها سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَا وضُوءَ لَهُ وَلاَ [وضُوءَ] لمن لم يذكر الله - عزَّ وجلَّ - وَلَا يُؤمن بِي من لَا يحبّ الْأَنْصَار» ثمَّ قَالَ: فِي (إِسْنَاد) حَدِيث أمّ سُبْرَة هَذَا نظر. فَإِذا علمتَ - وفقك الله - هَذِه الْأَحَادِيث وعللها وأنَّها من جَمِيع طرقها مُتَكَلم فِيهَا، وَأَن بعض الْأَئِمَّة (ضعف بَعْضهَا) وَحسن بَعْضهَا، بَقِيْتَ متطلعًا لما يسْتَدلّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة. ولتعلم أَن النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: «لَيْسَ فِي أَحَادِيث التَّسْمِيَة (عَلَى) الْوضُوء حَدِيث صَحِيح صَرِيح» . وكأنَّه تبع فِي هَذِه القولة قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 الإِمام أَحْمد فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ: «لَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا لَهُ إِسْنَاد جيِّد» . وَقد ذكرنَا من الْأَحَادِيث (مَا) يسْتَدلّ الْفُقَهَاء بِمثلِهِ و (يسْتَند) الْعلمَاء فِي الْأَحْكَام إِلَيْهِ، فَلَيْسَ من شَأْنهمْ أَن لَا يحتجوا إلاَّ بِالصَّحِيحِ بل أَكثر احتجاجهم بالْحسنِ، وَلَا يَخْلُو هَذَا الْبَاب (فِي) ذَلِكَ من حسن صَرِيح، كَمَا قَدمته لَك. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي «مُشكل الْوَسِيط» : رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وُجُوه فِي كلِّ مِنْهَا نظر، لكنَّها غير مطرحة، وَهِي من قبيل مَا يثبت باجتماعه الحَدِيث ثُبُوت الحَدِيث الموسوم بالْحسنِ. قُلْتُ: بل وجد فِي (التَّسْمِيَة) حَدِيث صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، لَكِن لَيْسَ بِصَرِيح؛ بل يسْتَدلّ بِعُمُومِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة وَاحْتَجُّوا بِهِ: النَّسَائِيّ، وَابْن مَنْدَه، وَابْن خُزَيْمَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث معمر، عَن ثَابت وَقَتَادَة عَن أنس، قَالَ: «طلب بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وضُوءًا فَلم يَجدوا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُم مَاءٌ؟ فَوضع يَده فِي الإِناء وَقَالَ: تَوَضَّئوا بِاسْمِ اللهِ. فَرَأَيْت المَاء يخرج من بَين أَصَابِعه حتَّى توضئوا من عِنْد آخِرهم. قَالَ [ثَابت] : قُلْتُ لأنس: كم تراهم؟ قَالَ: نَحوا من سبعين» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا أصح مَا فِي التَّسْمِيَة. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» : إِسْنَاده جيِّد. وَكَذَا قَالَ النَّووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «الْمَجْمُوع» و «الْخُلَاصَة» وَاحْتج بِهِ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «معرفَة السّنَن والْآثَار» . وأصل هَذَا الحَدِيث عَن أنس متَّفق عَلَيْهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وإنَّما الْمَقْصُود بِرِوَايَة معمر هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي ذكر فِيهَا التَّسْمِيَة. وَأخرج أَحْمد فِي «مُسْنده» مثله من حَدِيث الْأسود بن قيس عَن نُبيح الْعَنزي، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «غزونا مَعَ رَسُول الله وَنحن يَوْمئِذٍ (بضعَة عشر) و [مِائَتَان] [فَحَضَرت الصَّلَاة فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل فِي الْقَوْم من مَاء؟ فجَاء رجل يسْعَى بإداوة فِيهَا شَيْء من مَاء، قَالَ: فَصَبَّهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قدح، قَالَ: فَتَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ انْصَرف وَترك الْقدح، فَركب النَّاس الْقدح: تَمسحُوا تَمسحُوا! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عَلَى رسلكُمْ حِين سمعهم يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ] فَوضع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَفه فِي المَاء والقدح، ثمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ. ثمَّ قَالَ: أَسْبِغُوا الْوضُوءَ. فوالذي ابتلاني (ببصري) لقد رَأَيْت المَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 يَوْمئِذٍ يخرج من بَين أَصَابِع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَمَا رَفعهَا حتَّى توضئوا أَجْمَعُونَ» . ونبيح هَذَا قَالَ (عَلّي) بن الْمَدِينِيّ: مَجْهُول. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: كُوفِي ثِقَة، لم يرو عَنهُ غير الْأسود بن قيس، وَقد رَوَى عَنهُ [أَبُو خَالِد] الدالاني [أَيْضا] . وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان. قَالَ النَّووي فِي «شرح الْمُهَذّب» : يُمكن أَن يحْتَج فِي الْمَسْأَلَة بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ فَهوَ أَجْذَم» ، وَهَذَا الحَدِيث ذكر أَصله الإِمام الرَّافِعِيّ فِي كتاب النِّكَاح، وسنتكلم عَلَيْهِ هُنَاكَ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: وَيروَى فِي بعض الرِّوَايَات: «لاَ وضُوءَ كَامِل لِمَن لمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَيهِ» . وَهَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة جدًّا لَا أعلم من خرجها بِهَذَا اللَّفْظ مَعَ الْبَحْث عَنْهَا. لَكِن الحَدِيث الْآتِي بعد هَذَا هُوَ بمعناها. وَحَكَى أَبُو دَاوُد عَن ربيعَة أَن تَفْسِير الحَدِيث الَّذِي مر: «لاَ وضُوءَ لِمَن لمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَيه» أنَّه الَّذِي يتَوَضَّأ ويغتسل وَلَا يَنْوِي وضُوءًا للصَّلَاة وَلَا (غسلا للجنابة) . وَادَّعَى الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «اختصاره للسنن» ظُهُور هَذَا التَّأْوِيل، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 الحَدِيث الثَّامِن عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَيه كَانَ طهُورًا لِجَميعِ بَدَنِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَيه كَانَ طهُورًا لأَعْضَاء وضُوئِهِ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق كلهَا ضَعِيفَة. أَحدهَا: عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِذَا تَطَهَّرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُر اسْمَ اللهِ فَإِنَّه يطهرُ جَسَده كُلّه، وإْنَ لمْ يَذْكُرْ أَحَدُكُمْ اسْمَ اللهِ عَلَى طهورِهِ لمْ يطهرْ مِنْه إِلاَّ مَا مَرَّ عَلَيهِ المَاءُ؛ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طهورِهِ فَلْيَشْهَد أَن لَا إلهَ إِلاَّ الله وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فِإذَا قَالَ (ذَلِكَ) فُتحتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَهَذَا لَفظه، وَالْبَيْهَقِيّ بِمثلِهِ وَزَاد بعد وَرَسُوله: «ثُمَّ ليصَلِّ عَلَيَّ، فَإِذَا قَالَ (ذَلِكَ) فُتحتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا أعلم رَوَاهُ (عَن) الْأَعْمَش إلاَّ يَحْيَى بن هَاشم وَيَحْيَى مَتْرُوك الحَدِيث. قُلْتُ: يَحْيَى بن هَاشم (هَذَا) هُوَ ابْن كثير بن قيس أَبُو زَكَرِيَّا السمسار الغساني الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ ضَعِيف بِمرَّة، قَالَ يَحْيَى: هُوَ دجال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 هَذِه الأمَّة. وَنسبه ابْن عدي وَابْن حبَان إِلَى وضع الحَدِيث. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَّكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَى وضُوئِهِ كَانَ طهُورًا لِجَسَدِهِ، وَمَن تَوضَّأَ وَلمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَى وضُوئِهِ كَانَ طهُورًا لأَعْضَائِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن (حَكِيم) - بِفَتْح الْحَاء - عَن عَاصِم بن مُحَمَّد، عَن نَافِع عَنهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعبد لله بن (حَكِيم) هُوَ أَبُو بكر الداهري وَهُوَ غير ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث. قُلْتُ: بل هُوَ ضَعِيف جدًّا، مَنْسُوب إِلَى (الْوَضع) . قَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ هُوَ بِشَيْء. زَاد أَحْمد: يروي أَحَادِيث (مَنَاكِير. وَقَالَ السَّعْدِيّ: كَذَّاب مُصَرح. وَقَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث) عَلَى الثِّقَات. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللهِ يطهرُ جَسَده كُلَّه وَمَن تَوَضَّأَ، وَلمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللهِ لمْ يطهرْ إِلا مَوضِعَ الوضُوءِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مرداس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن [أبي بردة] عَن مُحَمَّد بن أبان، عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي، عَن مُجَاهِد، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : هُوَ حَدِيث ضَعِيف. وَقَالَ عبد الحقّ فِي «الْأَحْكَام» : «مُحَمَّد بن أبان لَا أعرفهُ الْآن، وأمّا أَيُّوب فمعروف ثِقَة. قَالَ (ابْن) الْقطَّان فِي «علله» : وَلَقَد جَهِلَ من قَالَ أَن مُحَمَّد بن أبان (مَجْهُول) وإنْ كَانَ يغلب عَلَى الظَّن أنَّه مُحَمَّد بن أبان الْجعْفِيّ، جد مشكدانة (الْحَافِظ) ، وَهُوَ كُوفِي ضَعِيف كَانَ رَأْسا فِي المرجئة، فَترك لأجل ذَلِكَ حَدِيثه. ثمَّ نقل عَن البُخَارِيّ أنَّه قَالَ فِي أَيُّوب بن عَائِذ كُوفِي مرجئ. قَالَ: ووراء هَذَا كُله أنَّ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من لَا يُعرف البتَّة، وَهُوَ مرداس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بردة. وَلِهَذَا الحَدِيث طَريقَة رَابِعَة: أَشَارَ إِلَيْهَا الْحَافِظ عبد الحقّ فِي «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» فَقَالَ: ذكر عبد الْملك (بن) حبيب من حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن أبان، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي: بِمثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَهَذَا ضَعِيف جدًّا. وخامسة: ذكرهَا أَبُو عبيد فِي كتاب «الطّهُور» فَقَالَ: روينَا عَن أبي بكر الصّديق حَدِيثا قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَذَكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَى وضُوئِهِ طهر جَسده كُلّه، وإنْ لمْ يذكرُ اسْمَ اللهِ عَلَيه لمْ يطهرْ مِنْه إِلاَّ مَوَاضِعَ الوضُوءِ» . قَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت خلف بن خَليفَة (يحدث) بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي بكر؛ فَلَا أجدني أحفظه. قَالَ النَّووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَى هَذَا الحَدِيث: كَانَ طهُورا لجَمِيع بدنه أَو لما مر عَلَيْهِ (المَاء أَي) [مطهرًا] من الذُّنُوب الصَّغَائِر. الحَدِيث التَّاسِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يغسل يَدَيْهِ إِلَى كوعيه قبل الْوضُوء» . هَذَا (حَدِيث) صَحِيح ثَابت مَشْهُور، مستفيض من حَدِيث جماعات من الصَّحَابَة كَحَدِيث عُثْمَان الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَغَيرهمَا: «أنَّه دَعَا بِمَاء فأفرغ عَلَى كفيه ثَلَاث مرَّاتٍ فغسلهما» وَقَالَ فِي آخِره: «هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتوضَّأ» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: « (فأفرغ) بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، ثمَّ غسلهمَا إِلَى الكوعين» . وَقَالَ فِي آخِره: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ مثل مَا رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأت» . وَحَدِيث عبد الله بن زيد الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» (أَيْضا) : أنَّه قيل لَهُ: (تَوَضَّأ لنا وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَدَعَا بِإِنَاء فأكفأ عَلَى يَدَيْهِ فغسلهما ثَلَاثًا ... » الحَدِيث. وَقَالَ فِي آخِره: «هَكَذَا كَانَ وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَغير ذَلِكَ من الْأَحَادِيث الَّتِي ستأتي فِي الْبَاب. الحَدِيث الْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحدُكُم مِن نومِهِ فَلاَ يَغْمِس يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حتَّى (يَغْسِلهَا) ثَلاثًا؛ فإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا بِطرقِهِ فِي بَاب النَّجَاسَات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتمضمض ويستنشق فِي وضوئِهِ» . هَذَا صَحِيح مَشْهُور مستفيض من فعله عَلَيْهِ الصَّلَاة والسَّلام من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة، كعلي وَعُثْمَان وَعبد الله بن زيد وَغَيرهم. وَسَيَأْتِي قَرِيبا رواياتهم مستوفاة. الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَشْر مِنَ (الْفِطْرَةِ) وعَدَّ مِنْهَا الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق» . هَذَا الحَدِيث وَارِد من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ، وإِعْفَاءُ اللحيةِ، والسِّواكُ، واسْتِنْشَاقُ المَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وغسلُ البراجم، ونتفُ الإِبِطِ، وحلقُ العَانَةِ، وانتقَاصُ الماءِ قَالَ مُصعب بن شيبَة - أحد رُوَاته -: ونسيت الْعَاشِرَة إلاَّ أَن تكون الْمَضْمَضَة» وَقَالَ وَكِيع - وَهُوَ أحد رُوَاته -: «انتقاص (المَاء) : الِاسْتِنْجَاء» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَمَا تقدَّم فِي الْفُصُول (الْمُتَقَدّمَة) فِي السِّواك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 والانتقاص: بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة. وَنقل الْعقيلِيّ عَن الإِمام أَحْمد أنَّه قَالَ: مُصعب بن شيبَة أَحَادِيثه مَنَاكِير، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحمدونه، وَلَيْسَ بِقَوي. ولعلَّ البُخَارِيّ إنَّما ترك (إِخْرَاجه) فِي «صَحِيحه» لأَجله، أَو لأجل رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ لَهُ عَن طلق مُرْسلَة، كَمَا قَالَه ابْن مَنْدَه. والتيمي أجلُّ من مُصعب بِلَا شكّ، فقد اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ شُعْبَة: مَا رَأَيْت أحدا أصدق مِنْهُ. الطَّرِيق الثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَدَاوُد بن (شبيب) قَالَا: ثَنَا حَمَّاد، عَن عَلّي بن زيد، عَن سَلمَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر - قَالَ مُوسَى: عَن أَبِيه. وَقَالَ دَاوُد: عَن عمار بن يَاسر - أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ: المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاقُ ... » فَذكر نَحوه - يَعْنِي: حَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم - قَالَ: وَلم يذكر «إعفاء اللِّحْيَة» زَاد «والختان» وَقَالَ: «والانتضاح» وَلم يذكر «انتقاص المَاء - يَعْنِي: الِاسْتِنْجَاء» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن سهل بن أبي سهل وَمُحَمّد بن يَحْيَى، نَا أَبُو الْوَلِيد، نَا حَمَّاد، عَن عَلّي بن زيد، عَن سَلمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر، عَن عمار بن يَاسر، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ: المَضْمَضَةُ والاسْتِنْشَاقُ، والسِّوَاكُ، وقَصُّ الشَّارِبِ، وتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، ونَتْفُ الإِبِطِ، والاستحدادُ، وغَسْلُ البراجم، والانتضاحُ، والاخْتِتَانُ» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد بِهِ إلاَّ أنَّه قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ ... ) أَو (الْفطْرَة ... » (فَذكرهَا) . وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يصلح للاحتجاج بِهِ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن عَلّي بن زيد بن جدعَان ضَعِيف، وإنْ كَانَ بَعضهم قَوَّاه. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : عَلّي بن زيد تَركه قوم وَضَعفه آخَرُونَ، وَوَثَّقَهُ جمَاعَة ومدحوه، و (جملوا) أمره، أَنه كَانَ يرفع الْكثير مِمَّا يقفه غَيره، وَاخْتَلَطَ (آخرا) وَلَا يتهم بِالْكَذِبِ وَكَانَ من الْأَشْرَاف. الْوَجْه الثَّانِي: أَنه مُنْقَطع؛ لِأَن سَلمَة لمن يسمع عمارًا. قَالَ ابْن الْقطَّان: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُعرف أنَّه سمع من عمار أم لَا. و (قَالَ) الشَّيْخ (زكي) الدَّين وَغَيره: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف أَن سَلمَة بن مُحَمَّد سمع عمارًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْحفاظ: لم يسمع سَلمَة عمارًا. وَوجه ثَالِث: من التَّعْلِيل أَن سَلمَة هَذَا لَا يُعرف حَاله، كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان فِي «علله» . لَكِنَّهَا عرفت. قَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : صَدُوق (فِي نَفسه) ، [رِوَايَته عَن جده مُرْسلَة] وَعنهُ ابْن جدعَان وَحده ثمَّ ذكر كَلَام ابْن حبَان. وَوجه رَابِع: أنَّ رِوَايَة أبي دَاوُد عَن سَلمَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلَة. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «مُخْتَصر السّنَن» : حَدِيث سَلمَة بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه مُرْسل؛ لأنَّ أَبَاهُ لَيست لَهُ صُحْبَة. لَا جرم أنَّ عبد الحقّ فِي «الْأَحْكَام» قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا يقطع بِهِ حكم. وَخَالف الشَّيْخ زكي الدَّين (فَقَالَ) فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : هَذَا حسن غَرِيب. قَالَ: وَقد اخْتلف فِيهِ عَلَى حَمَّاد. قَالَ: وَقَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف أَن سَلمَة بن مُحَمَّد سمع عمارًا. (ثمَّ) قَالَ فِي «مُخْتَصر السّنَن» - كَمَا تقدم عَنهُ -: «حَدِيث سَلمَة عَن أَبِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 مُرْسل؛ لِأَن أَبَاهُ لَيست لَهُ صُحْبَة، وَحَدِيثه عَن جده عمار قَالَ ابْن معِين: مُرْسل. وَقَالَ غَيره: لم يره. وَخَالف الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فَقَالَ فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : إِن هَذَا الحَدِيث قريب من الصِّحَّة. قَالَ: وَأَصَح مِنْهُ حَدِيث عَائِشَة. قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. قُلْتُ: وأمَّا ابْن السكن فِي «صحاحه» (فَذكره) . الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ وَهُوَ يجمع سِتَّة أَحَادِيث، وَكَلَام الإِمام الرَّافِعِيّ فِيهِ مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض، وَفِيه تكْرَار فِي الْأَحَادِيث، فَالْوَجْه أَن نذْكر عبارَة الرَّافِعِيّ برمتها ثمَّ نشفعها بِمَا وَقع فِيهَا من الْأَحَادِيث فَنَقُول: قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: أصل اسْتِحْبَاب الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق يتَأَدَّى بإيصال المَاء إِلَى الْفَم وَالْأنف، سَوَاء كَانَ بغرفة وَاحِدَة أَو بِأَكْثَرَ، لَكِن اخْتلفُوا فِي الْكَيْفِيَّة الَّتِي هِيَ أفضل عَلَى طَرِيقين: أصَحهمَا: أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ: أصَحهمَا: أَن الْفَصْل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أفضل؛ لما رُوِيَ (عَن) طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفصل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق» وَيُقَال: إِن عُثْمَان وعليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَذَلِك روياه، ولأنَّه أقرب إِلَى النَّظافة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وَالثَّانِي: الْجمع بَينهمَا أفضل؛ لما رُوِيَ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي وصف وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أنَّه تمضمض مَعَ الِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد» . وَنقل مثله عَن وصف عبد الله بن زيد، وَالرِّوَايَة عَنهُ وَعَن عَلّي وَعُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي الْبَاب مُخْتَلفَة. وَالطَّرِيق الثَّانِي: أَن الْفَصْل أفضل بِلَا خلاف، وَحَيْثُ ذكر الْجمع أَرَادَ بَيَان الْجَوَاز، فَإِن قُلْنَا بِالْفَصْلِ فَفِي كيفيته وَجْهَان: أصَحهمَا: أنَّه يَأْخُذ غرفَة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا، وغرفة أُخْرَى يستنشق مِنْهَا ثَلَاثًا؛ لأنَّ عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك رَوَاهُ. وَالثَّانِي: أنَّه يَأْخُذ ثَلَاث غرفات للمضمضة وَثَلَاثًا للاستنشاق؛ لأنَّه أقرب إِلَى النَّظافة وأيسر، وَعَلَى هَذَا القَوْل تقدم الْمَضْمَضَة عَلَى الِاسْتِنْشَاق، وَهَذَا التَّقْدِيم مُسْتَحقّ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ؛ لأنَّهما عضوان فيتعيَّن التَّرْتِيب بَينهمَا كَسَائِر الْأَعْضَاء. وَالثَّانِي: أنَّه مُسْتَحبّ؛ لأنَّهما لتقاربهما بِمَنْزِلَة الْعُضْو الْوَاحِد كاليمين مَعَ الْيَسَار. وَإِن قُلْنَا بِالْجمعِ فَفِي كيفيته وَجْهَان أَيْضا: أظهرهمَا: أنَّه يَأْخُذ غرفَة يتمضمض مِنْهَا، ثمَّ يستنشق، ثمَّ يَأْخُذ غرفَة أُخْرَى يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق، ثمَّ يَأْخُذ غرفَة ثَالِثَة يفعل بهَا مثل ذَلِكَ، كَذَلِك رُوِيَ عَن وصف عبد الله بن زيد. وَالثَّانِي: أنَّه يَأْخُذ غرفَة وَاحِدَة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا، ويستنشق ثَلَاثًا، رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أَيْضا. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ برمّته، وَقد اشْتَمَل عَلَى سِتَّة أَحَادِيث (كَمَا أسلفناها) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 أَحدهَا: حَدِيث طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده. وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن شَيْخه حميد بن مسْعدَة، نَا مُعْتَمر، قَالَ: سَمِعت ليثًا يذكر (عَن طَلْحَة) عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «دخلت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يتوضَّأ وَالْمَاء يسيل من وَجهه ولحيته عَلَى صَدره، فرأيته يفصل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق» . و (هُوَ) حَدِيث ضَعِيف؛ لأنَّ لَيْث بن أبي سليم ضَعِيف عِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هُوَ مُضْطَرب الحَدِيث، وَلَكِن قد حدث عَنهُ النَّاس. وَضَعفه أَيْضا ابْن عُيَيْنَة وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ السَّعْدِيّ: يضعف حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان: لَا يشْتَغل بِهِ هُوَ مُضْطَرب الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط فِي آخر عمره، وَكَانَ يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع الْمَرَاسِيل، وَيَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَيْسَ من حَدِيثهمْ، تَركه يَحْيَى الْقطَّان وَيَحْيَى بن معِين وَابْن مهْدي وَأحمد. وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا. وَقَالَ صَاحب «الْكَمَال» : (أخرج) لَهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي «معرفَة الرِّجَال» (للبلخي) قَالَ صَدَقَة بن الْفضل: هُوَ (أَضْعَف) الْعَالمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وسُئل وَكِيع عَنهُ، فَقَالَ: لَيْث لَيْث. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: صَدُوق ضَعِيف الحَدِيث. وَفِي «الموضوعات» لِابْنِ الْجَوْزِيّ: هُوَ عِنْدهم فِي غَايَة الضعْف. وَنقل النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي « (التَّهْذِيب» ) وَكَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد اتِّفَاق الْعلمَاء عَلَى ضعفه واضطراب حَدِيثه واختلال ضَبطه. قُلْتُ: قد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه: كَانَ صَاحب سنة يخرج حَدِيثه (إنَّما أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الْجمع بَين عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد حسب) . وَقَالَ الْعجلِيّ: «جَائِز الحَدِيث» (وَقَالَ الذَّهَبِيّ) فِي «الضُّعَفَاء» : هُوَ حسن الحَدِيث (وإنَّما ضعفه الِاخْتِلَاط بِأخرَة) . وَقَالَ الْبَزَّار: هُوَ أحد الْعباد إلاَّ أنَّه كَانَ (قد) أَصَابَهُ اخْتِلَاط فاضطرب فِي حَدِيثه، وإنَّما تكلم فِيهِ أهل الْعلم بِهَذَا، وَإِلَّا فَلَا نعلم أحدا ترك حَدِيثه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله الْكَبِير» : قَالَ مُحَمَّد - يَعْنِي: البُخَارِيّ -: هُوَ عِنْدِي صَدُوق ذكره بعد نَقله أنَّ أَحْمد قَالَ فِيهِ: لَا يفرح بحَديثه. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ أعلم أهل (الْمَدِينَة) بالمناسك. قَالَ: وَسَأَلت يَحْيَى عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ السَّاجِي: صَدُوق (فِيهِ) ضعف، كَانَ سيئ الْحِفْظ كثير الْغَلَط. وَقَالَ ابْن شاهين: (قَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة) : هُوَ ثِقَة صَدُوق، وَلَيْسَ بحجَّة. وَقد ضعفه بَعضهم من وَجه آخر) وَهُوَ أَن جدّ طَلْحَة لم ير النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وليعلم أَن هَذَا (الْأَمر) قد اخْتلف فِيهِ. (فَقَالَ) أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث آخر لليث بن أبي سليم عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فِي الْوضُوء، قَالَ مُسَدّد: فَحدثت [بِهِ] يَحْيَى - يَعْنِي: الْقطَّان - فَأنكرهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسمعت أَحْمد يَقُول: ابْن عُيَيْنَة (زَعَمُوا) كَانَ يُنكره، وَيَقُول: أيش هَذَا طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جدِّه؟ . وَقَالَ عَبَّاس الدوري - فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم عَنهُ -: قُلْتُ ليحيى بن معِين: طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده رَأَى جده النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَقَالَ يَحْيَى: المحدثون يَقُولُونَ هَذَا وَأهل بَيت (طَلْحَة) يَقُولُونَ: لَيست لَهُ صُحْبَة. وَهَذَا يُخَالِفهُ مَا ذكره الْخلال، عَن أبي دَاوُد: سَمِعت رجلا من ولد طَلْحَة بن مصرف يذكر أنَّ جده لَهُ صُحْبَة، وَقَالَ: رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَرَوَى الْحَاكِم أَيْضا عَن الطرائفي، قَالَ: سَمِعت الدَّارمِيّ يَقُول: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول: قُلْتُ لِسُفْيَان: إِن ليثًا رَوَى عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده (أنَّه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ... ) فَأنْكر ذَلِكَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَسَأَلت عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي: ابْن مهْدي - عَن نسب جد طَلْحَة؟ فَقَالَ: عَمْرو بن كَعْب - أَو كَعْب بن عَمْرو - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ غَيره: عَمْرو بن كَعْب. لم يشك فِيهِ، ذكر ذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَلم يُثبتهُ، وَقَالَ: طَلْحَة هَذَا يُقَال إنَّه رجل من الْأَنْصَار، وَمِنْهُم من يَقُول: هُوَ طَلْحَة بن مصرف. قَالَ: وَلَو كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 طَلْحَة بن مصرف لم يخْتَلف فِيهِ. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الحقّ فِي «الْأَحْكَام» : طَلْحَة هَذَا يُقَال: هُوَ رجل من الْأَنْصَار؛ وَيُقَال: هُوَ طَلْحَة بن مصرف، وَلَا (نَعْرِف) لجده صُحْبَة. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا التَّرَدُّد من عبد الحقِّ فِيهِ نظر؛ فإنَّه الثَّانِي بِلَا شكّ، وَهُوَ قد تَابع ابْن أبي حَاتِم فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعلة الْخَبَر عِنْدِي: الْجَهْل بِحَال مصرف بن عَمْرو وَالِد طَلْحَة بن مصرف. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا إِسْنَاد لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا يحتجّ بِهِ. وَقَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : ضَعِيف. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» : إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَخَالف فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» فَقَالَ: هُوَ حَدِيث حسن، عَلَى أنَّ بعض الأئمَّة أنكرهُ. وَفِي «تَهْذِيب الْمزي» : طَلْحَة عَن أَبِيه عَن جده فِي مسح الرَّأْس، وَعنهُ لَيْث بن أبي سليم، قيل: (إِنَّه) ابْن مصرف. وَقيل: غَيره، وَهُوَ الْأَشْبَه بالصَّواب. هَذَا لَفظه، وَهُوَ مُخَالف لما سلف إِنَّه ابْن مصرف بِلَا شكّ. وَلما ذكر الْبَغَوِيّ تَرْجَمَة عَمْرو بن كَعْب جد طَلْحَة بن مصرف سَاقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَقَالَ أَبُو زرْعَة: سمَّاه بَعضهم طَلْحَة بن مصرف. وَكَذَا صرح بِهِ أنَّه ابْن مصرف: ابْن السكن فِي كِتَابه «الْحُرُوف» وَابْن مرْدَوَيْه فِي «أَوْلَاد الْمُحدثين» (والعسكري) وَيَعْقُوب بن سُفْيَان، وَأحمد فِي «مُسْنده» وَابْن أبي خَيْثَمَة فِي «تَارِيخه» ، وَابْن (الْمُقْرِئ) فِي «مُعْجَمه» وَالْبَزَّار فِي «أَمَالِيهِ» وَأَبُو نعيم الْحَافِظ من رِوَايَة عبد الْوَارِث. زَاد (رَوَاهُ) الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان [وَحَفْص بن غياث] وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا، عَن لَيْث، عَن طَلْحَة بن مصرف بِنَحْوِهِ. وَفِي كتاب «الزّهْد» لِأَحْمَد: أخْبرت عَن ابْن (عُيَيْنَة أنَّه) قيل لَهُ: إنَّ ليثًا يحدث عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جدّه أنَّه رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأنْكر سُفْيَان أَن يكون لَهُ صُحْبَة. وأمَّا الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّالِث: وهما حَدِيث عَلّي وَعُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أنَّهما رويا الْفَصْل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أَيْضا، فَذكره الإِمام الرَّافِعِيّ تبعا (وَهُوَ تَابع للإِمام؛ فإنَّه ذكره كَذَلِك فِي «النّهاية» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَأنْكرهُ) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» فَقَالَ: هَذَا الْمَنْقُول عَن عَلّي وَعُثْمَان لَا يعرف وَلَا يثبت (بل) رَوَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن عَلّي ضد ذَلِكَ «أنَّه وصف وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَمَضْمَض مَعَ الِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد» . قُلْتُ: لَكِن قد رَوَى ابْن مَاجَه عَن عَلّي - كرَّم الله وَجهه - «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا من كف وَاحِدَة» . وَظَاهر ذَلِكَ (الْفَصْل) بل فِي «مُسْند الإِمام أَحْمد» مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ «أنَّه دَعَا (بكوز من) مَاء فَغسل وَجهه وكفيه ثَلَاثًا وتمضمض (ثَلَاثًا) فَادْخُلْ بعض (أَصَابِعه فِي) فِيه واستنشق ثَلَاثًا وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا وَمسح رَأسه وَاحِدَة» وَذكر بَاقِي الحَدِيث، وَقَالَ: «هَذَا وضوء نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ، قَالَ: «سُئِلَ ابْن أبي مليكَة عَن الْوضُوء فَقَالَ: رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان يُسأل عَن الْوضُوء، فَدَعَا بِمَاء (فَأتي) بميضأة فأصغاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 (عَلَى) يَده الْيُمْنَى، ثمَّ أدخلها فِي المَاء فَتَمَضْمَض ثَلَاثًا، واستنثر ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا ... » إِلَى أَن قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتوضَّأ» . وَظَاهر هَذِه الرِّوَايَة أَخذ مَاء للمضمضة بمفردها ثمَّ مَاء آخر للاستنشاق بمفرده إِذْ الِاسْتِنْشَاق هُوَ الاستنثار، كَمَا هُوَ مَفْهُوم فِي غسل الْوَجْه (وَغَيره) . لَا جرم اسْتدلَّ الْمَاوَرْدِيّ لقَوْل الْفَصْل بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ ابْن دَاوُد: إنَّه مَذْهَب عُثْمَان فاستفد ذَلِكَ. ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِكَ فِي «سنَن ابْن السكن» الْمُسَمَّاة ب «الصِّحَاح المأثورة» مَا نَصه: رَوَى شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: شهِدت (عَلّي) بن أبي طَالب وَعُثْمَان بن عَفَّان توضئا ثَلَاثًا (ثَلَاثًا) وأفردا الْمَضْمَضَة من الِاسْتِنْشَاق. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» ثمَّ قَالَ: «رُوِيَ عَنْهُمَا من وُجُوه» . وأمَّا الحَدِيث الرَّابِع: وَهُوَ حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَلهُ طرق وَاخْتِلَاف أَلْفَاظ فلنذكره مُسْتَوفى؛ لأنَّه أحد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مدَار بَاب الْوضُوء، فَنَقُول: لَهُ طرق: أَحدهَا: عَن أبي حَيَّة - بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت المفتوحتين - قَالَ: «رَأَيْت عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تَوَضَّأ فَغسل كفيه حتَّى أنقاهما، ثمَّ تمضمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا وذراعيه ثَلَاثًا، وَمسح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 بِرَأْسِهِ مرّة، ثمَّ غسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ قَامَ فَأخذ [فضل] طهوره فشربه وَهُوَ قَائِم، ثمَّ قَالَ: أَحْبَبْت أَن أريكم كَيفَ كَانَ طهُور رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي إِسْحَاق، عَن عبد خير، أنَّه ذكر عَن عَلّي مثل حَدِيث أبي حَيَّة إِلَّا أنَّ عبد خير (قَالَ) : « (كَانَ) إِذا فرغ من (طهوره) أَخذ من فضل طهوره بكفه فشربه» ثمَّ قَالَ: «هَذَا حَدِيث رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن أبي حيَّة وَعبد خير والْحَارث عَن عَلّي. وَقد رَوَاهُ (زَائِدَة بن قدامَة) وَغير وَاحِد، عَن خَالِد بن عَلْقَمَة، عَن عبد خير، عَن عَلّي حَدِيث الْوضُوء بِطُولِهِ، وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. ثمَّ رَوَى عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي حَيَّة، عَن عَلّي «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا أحسن شَيْء فِي الْبَاب وأصحّ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي حيَّة قَالَ: «رَأَيْت عليًّا تَوَضَّأ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 فَذكر وضوءه كُله ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ: ثمَّ مسح (رَأسه) ثمَّ غسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ قَالَ: إنَّما (أَحْبَبْت) أَن أُريكم طهُور رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من طرق عَن عَلّي، فِي بَعْضهَا: «ثمَّ أَدخل يَده الْيُمْنَى فِي الإِناء فَمَلَأ فَمه فَمَضْمض، ثمَّ استنشق ونثر بِيَدِهِ الْيُسْرَى ثَلَاث مَرَّات» (ثمَّ) قَالَ فِي آخِره: «هَذَا طهُور نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» (وَفِي بَعْضهَا: «وَمسح رَأسه ثَلَاثًا» . وَاعْترض أَبُو الْحسن بن الْقطَّان عَلَى تَصْحِيح أبي حَيَّة هَذَا بِأَن قَالَ: «أَبُو حَيَّة الوادعي قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: شيخ. قَالَ: وَمَعْنى ذَلِكَ عِنْدهم أنَّه لَيْسَ من أهل الْعلم، وإنَّما وَقعت لَهُ رِوَايَة لحَدِيث أَو أَحَادِيث فَأخذت عَنهُ، وهم يَقُولُونَ: لَا تقبل رِوَايَة الشُّيُوخ فِي الْأَحْكَام. وَقد رَأَيْت من قَالَ فِي هَذَا الرجل أنَّه مَجْهُول، وَأَبُو الْوَلِيد الفرضي مِمَّن قَالَ ذَلِكَ، وَلَا يروي عَنهُ - فِيمَا أعلم - غير أبي إِسْحَاق، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يُسمى. وَوَثَّقَهُ بَعضهم. قَالَ: وَصحح من حَدِيثه «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 ثَلَاثًا» : ابْن السكن. قَالَ: وَأتبعهُ التِّرْمِذِيّ بأنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب، وَهُوَ بِاعْتِبَار حَال أبي حَيَّة، وَبِاعْتِبَار حَال أبي إِسْحَاق واختلاطه حسن، فإنَّ أَبَا الْأَحْوَص وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة سمعا مِنْهُ [بعد] الِاخْتِلَاط، قَالَه ابْن معِين. وَاعْترض شَيخنَا فتح الدَّين ابْن سيد النَّاس - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ابْن الْقطَّان، فَقَالَ: «أما تحسينه إِيَّاه فَلَيْسَ بِمُسْتَقِيم؛ لأنَّ ابْن السكن وَابْن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي صَحَّحَاهُ. وأمَّا قَول التِّرْمِذِيّ: أحسن شَيْء فِي الْبَاب. فَلَا يدل ذَلِكَ عَلَى أنَّه حسن عِنْده وإنْ كَانَ قد يُفِيد التحسين فَلم يقْتَصر عَلَى هَذِه اللَّفْظَة؛ بل قَالَ: أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وأصحَّ. فَإِن كَانَ اسْتَفَادَ التحسين من قَوْله: «أحسن» فليستفد التَّصْحِيح من قَوْله: «وأصحّ» وَلَا فرق، بل قد صَححهُ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب وضوء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كَيفَ كَانَ» . قَالَ: وأمَّا الْكَلَام فِي أبي حَيَّة فقد وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان، وَلَيْسَ فِي الْجَهَالَة الَّتِي حَكَاهَا عَن ابْن الفرضي وَلَا فِي قَول الإِمام أَحْمد عَنهُ: «شيخ» مَا يُعَارض التَّوثيق الْمَذْكُور، وأمَّا قَوْله «إنَّه لم يروِ عَنهُ غير أبي إِسْحَاق» فقد رَوَى أَبُو أَحْمد الْحَاكِم هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة الْمنْهَال بن عَمْرو عَن أبي حَيَّة (فَهَذَا راوٍ ثانٍ) عَن أبي حَيَّة، لَكِن الْحَاكِم أَبُو أَحْمد قَالَ فِي تَرْجَمته: إِن كَانَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا ... ثمَّ سَاقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 بِسَنَدِهِ. وسُئل أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن زر بن حُبَيْش (قَالَ) : «جَاءَ رجل إِلَى عَلّي يسْأَله عَن وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إنَّما يرْوَى عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن أبي حَيَّة عَن عَلّي، وَهُوَ أشبه. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، نَا أَبُو (نعيم) نَا ربيعَة الْكِنَانِي، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن زر بن حُبَيْش (أَنه سمع عليًّا - وَسُئِلَ عَن وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... ) وَذكر الحَدِيث. وأمَّا (التَّضْعِيف) بِرِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق وأنَّه سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط، فَلَا (تشأ) أَن ترَى فِي «الصَّحِيحَيْنِ» حَدِيثا من رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق إِلَّا رَأَيْته. وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِمَّا انْفَرد بِهِ زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق. فقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَن مُحَمَّد بن بشار، عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق. وَذكر الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب «الْعِلَل» وُجُوهًا عديدة من الِاخْتِلَاف عَلَى أبي إِسْحَاق فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وأصحها كلهَا قَول من قَالَ عَن أبي حيَّة عَن عَلّي «أنَّه تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 فَائِدَة: أَبُو حَيَّة اسْمه: عَمْرو (بن) عبد الله. قَالَه ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَقَالَ الْأَمِير: أَبُو حَيَّة الوادعي الْهَمدَانِي مُخْتَلف فِي اسْمه، فَيُقَال: عَمْرو بن نصر، وَقيل: عَامر بن الْحَارِث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد: لَا يعرف اسْمه. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن خَالِد بن عَلْقَمَة عَن عبد خير قَالَ: «أَتَانَا عَلّي وَقد صَلَّى فَدَعَا بِطهُور (فَقُلْنَا) مَا يصنع (بِهِ) وَقد صَلَّى؟ مَا يُرِيد إِلَّا ليعلمنا، فَأتي بِإِنَاء فِيهِ مَاء و (طست) فأفرغ من الإِناء عَلَى يَمِينه فَغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا (ثمَّ) تمضمض واستنشق - وَفِي لفظ: واستنثر ثَلَاثًا، فَمَضْمض ونثر من الْكَفّ الَّذِي يَأْخُذ فِيهِ - ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، وَغسل يَده الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغسل يَده الشمَال ثَلَاثًا، ثمَّ جعل يَده فِي الإِناء فَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة، ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَرجله الشمَال ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: من سره أَن يعلم وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَهُوَ هَذَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: « [فَتَمَضْمَض] ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «تمضمض مَعَ الِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد» . قَالَ الْخَطِيب فِي «المدرج» : قَالَ ابْن أبي دَاوُد (هَذِه سنة تفرد بهَا أهل الْكُوفَة) فِي الْجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بكفّ وَاحِد. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا من كف وَاحِد» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «فَمَضْمض واستنشق ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة للبزار: «ثمَّ أَدخل يَده فِي الإِناء فَمَلَأ فَمه فَمَضْمض واستنشق ونثر بِيَدِهِ الْيُسْرَى ثَلَاث مَرَّات» وَفِي آخِره: «غسل قَدَمَيْهِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى» . وَفِي رِوَايَة لأبي عبيد فِي (كِتَابه) «الطّهُور» : «ثمَّ أَدخل يَده الْيُمْنَى فِي الإِناء فَمَضْمض واستنشق ونثر بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَفعل ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات» . وَعبد خير كنيته: أَبُو عمَارَة [الخَيْواني]- بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقبل يَاء النِّسْبَة نون - وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وَأحمد بن عبد الله الْكُوفِي، وَهُوَ مخضرم، وَسَيَأْتِي تَفْسِير المخضرم فِي آخر بَاب الآذان - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وخَالِد بن عَلْقَمَة وَثَّقَهُ (يَحْيَى) بن معِين. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. لَا جرم أَن ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان أخرجَا الحَدِيث فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طريقهما. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: «اتّفق رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَلَى مسح الرَّأْس مرّة وَاحِدَة. إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَته عَن خَالِد بن عَلْقَمَة، عَن عبد خير «أنَّه مسح رَأسه ثَلَاثًا» . وَخَالف فِي هَذَا؛ فَزعم أَن السّنة مرّة وَاحِدَة. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن زر بن حُبَيْش «أنَّه سمع عليًّا - وَسُئِلَ عَن وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكر الحَدِيث، قَالَ: «وَمسح عَلَى رَأسه حتَّى لما يقطر، وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: (هَكَذَا) وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقد تقدَّم الْكَلَام قَرِيبا عَلَى هَذِه الطَّرِيق. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: «رَأَيْت عليًّا تَوَضَّأ فَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ وَاحِدَة، وَقَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن زِيَاد بن أَيُّوب الطوسي - وَهُوَ الْحَافِظ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 احْتج بِهِ البُخَارِيّ - نَا عبيد الله بن مُوسَى - وَهُوَ الْعَبْسِي، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ - نَا فطر بن خَليفَة - وَهُوَ صَدُوق، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأحمد، واحتجَّ بِهِ البُخَارِيّ - عَن أبي فَرْوَة - وَهُوَ عُرْوَة بن الْحَارِث الْهَمدَانِي - احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين - عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة، عَن (عبيد الله) الْخَولَانِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (دخل عليَّ عليّ - يَعْنِي: ابْن أبي طَالب - وَقد أهراق المَاء، فَدَعَا بِوضُوء فأتيناه بتور فِيهِ مَاء حتَّى وضعناه بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ: ابْن عَبَّاس، أَلا أريك كَيفَ كَانَ يتوضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قُلْتُ: بلَى. قَالَ: فأصغي الإِناء عَلَى (يَدَيْهِ فغسلهما) ثمَّ أَدخل يَده الْيُمْنَى فأفرغ بهَا عَلَى الْأُخْرَى، ثمَّ غسل كفيه، ثمَّ تمضمض واستنثر، ثمَّ أَدخل يَدَيْهِ فِي الإِناء جَمِيعًا فَأخذ بهما حفْنَة من مَاء فَضرب بهَا عَلَى وَجهه، ثمَّ (ألقم) إبهاميه مَا أقبل من أُذُنَيْهِ، ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة مثل ذَلِكَ، ثمَّ أَخذ بكفه الْيُمْنَى قَبْضَة من مَاء فصبها عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 ناصيته فَتَركهَا (تستن) عَلَى وَجهه، ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمرْفقين ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ وَظُهُور أُذُنَيْهِ، ثمَّ أَدخل يَدَيْهِ جَمِيعًا، ثمَّ أَخذ حفْنَة من مَاء فَضرب بهَا عَلَى رجله وفيهَا النَّعْل (فغسلها) بهَا، ثمَّ الْأُخْرَى مثل ذَلِكَ. قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: و (فِي) النَّعْلَيْنِ. قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. (قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا» . وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار وَقَالَ: لَا نعلم أحدا رَوَى هَذَا الْكَلَام فِي صفة وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا من حَدِيث عبيد الله الْخَولَانِيّ، وَلَا نعلم أنَّ أحدا رَوَاهُ عَن عبيد الله الْخَولَانِيّ إلاَّ [مُحَمَّد بن طَلْحَة] . قُلْتُ: عبيد الله مُتَّفق عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، و [مُحَمَّد بن طَلْحَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 بن يزِيد] وَثَّقَهُ يَحْيَى وَجَمَاعَة. وَمُحَمّد بن إِسْحَاق (فسنعقد لَهُ فصلا مُسْتقِلّا) فِي أَقْوَال الأئمَّة فِيهِ فِي بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقد صرَّح ابْن إِسْحَاق بِالتَّحْدِيثِ، كَمَا قَالَ صَاحب «الإِمام» فَسلم الحَدِيث من احْتِمَال التَّدْلِيس، لَا جرم أَن ابْن حبَان أخرجه فِي «صَحِيحه» لَكِن مُخْتَصرا، وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «دخل عليٌّ (بَيْتِي) وَقد بَال، فَدَعَا بِوضُوء فجئناه بِقَعْبٍ (يَأْخُذ المُدَّ) حتَّى وضع بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَلا أتوضأ لَك وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَقلت: فدَاك أبي وأمّي. قَالَ: فَغسل يَدَيْهِ، ثمَّ مضمض واستنشق واستنثر، ثمَّ أَخذ بِيَمِينِهِ المَاء فصك بِهِ وَجهه حتَّى فرغ من وضوئِهِ» . لَكِن قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَنهُ - يَعْنِي: هَذَا الحَدِيث - فضعفه، وَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا. الطَّرِيق السَّادِس: عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ: «صليت مَعَ عَلّي بن أبي طَالب الظّهْر، ثمَّ انْطلق إِلَى مجْلِس لَهُ كَانَ يجلسه فِي الرحبة، فَقعدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وقعدنا حوله حتَّى حضرت الْعَصْر، فَأتي بِإِنَاء فِيهِ مَاء فَأخذ (مِنْهُ) كفًّا فَتَمَضْمَض واستنشق، وَمسح وَجهه وذراعيه وَمسح بِرَأْسِهِ وَمسح رجلَيْهِ، ثمَّ قَامَ فَشرب فضل إنائه، ثمَّ قَالَ: إنِّي حدثت أَن رجَالًا يكْرهُونَ أَن يشرب أحدهم وَهُوَ قَائِم. وَإِنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل كَمَا فعلت، وَهَذَا وضوء من لم يحدث» . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . (وَأخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ) فِي كتاب الْأَشْرِبَة، وَهَذَا لَفظه: عَن النزال بن سُبْرَة «أنَّ عليا صلَّى الظّهْر ثمَّ قعد فِي حوائج النَّاس فِي رحبة الْكُوفَة حتَّى حضرت صَلَاة الْعَصْر، ثمَّ أَتَى بِمَاء فَشرب وَغسل وَجهه وَيَديه - ثمَّ (ذكر) رَأسه وَرجلَيْهِ - ثمَّ قَامَ فَشرب فَضله وَهُوَ قَائِم، ثمَّ قَالَ: إنَّ نَاسا يكْرهُونَ الشّرْب قَائِما (و) إنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صنع مِثْلَمَا صنعت» . وأمّا الحَدِيث الْخَامِس، وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن زيد، فَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن عبد الله بن زيد بن عَاصِم «أنَّه قيل لَهُ: تَوَضَّأ لنا وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَدَعَا بِإِنَاء فأكفأ [مِنْهَا] عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 يَدَيْهِ فغسلهما ثَلَاثًا، ثمَّ (أَدخل) يَده فاستخرجها فَمَضْمض واستنشق من كف وَاحِدَة [فَفعل] ذَلِكَ ثَلَاثًا ثمَّ أَدخل (يَده) فاستخرجها فَغسل وَجهه ثَلَاثًا، ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَغسل (يَدَيْهِ) إِلَى الْمرْفقين مرَّتَيْنِ (مرَّتَيْنِ) ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَمسح بِرَأْسِهِ فَأقبل بيدَيْهِ وَأدبر، ثمَّ غسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «ثمَّ أَدخل يَمِينه فِي الإِناء فَمَضْمض واستنشق [واستنثر] ثَلَاثًا بِثَلَاث غرفات من مَاء» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَمَضْمض و (استنشق) ثَلَاث مَرَّات (من) غرفَة وَاحِدَة، ثمَّ أَدخل يَده فاغترف بهَا، فَغسل وَجهه ثَلَاث مَرَّات» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم فِي مسح الرَّأْس: «بَدَأَ بِمقدم رَأسه، ثمَّ ذهب بهما إِلَى قَفاهُ، ثمَّ ردهما حتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَأقبل (بيدَيْهِ) وَأدبر مرّة وَاحِدَة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَفِي رِوَايَة لَهُ وللبخاري: «فَمَضْمض واستنشق واستنثر من ثَلَاث غرفات» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَمَضْمض، ثمَّ استنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، وَيَده الْيُمْنَى ثَلَاث، وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه بِمَاء غير فضل يَده» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «ثمَّ أَدخل يَده فِي الإِناء فَتَمَضْمَض واستنشق ثَلَاث مَرَّات من ثَلَاث حفنات» . وأمَّا الحَدِيث السَّادِس: وَهُوَ حَدِيث عُثْمَان فَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة حمْرَان مولَى عُثْمَان بن عَفَّان، (عَنهُ) «أنَّه دَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَغسل كفيه ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ (مضمض) واستنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ غسل يَده الْيُمْنَى إِلَى الْمرْفق ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ غسل يَده الْيُسْرَى، ثمَّ مسح رَأسه، ثمَّ غسل رجله الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ غسل رجله الْيُسْرَى مثل ذَلِكَ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَنْ تَوَضَّأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 نَحْو وضُوئِي هَذَا (ثُمَّ قَامَ) فَرَكَعَ رَكْعَتَين لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسه غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي سقناه هُوَ لمُسلم، وَأخرجه ابْن حبَان مُخْتَصرا، وَهَذَا (لَفظه) : عَن حمْرَان «رَأَيْت عُثْمَان قَاعِدا فِي المقاعد فَدَعَا، بِوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ فِي مقعدي هَذَا مثل وضوئي (هَذَا) ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (مَنْ تَوَضَّأَ مِثْل وضُوئِي هَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مَنْ ذَنْبِهِ، ثمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام) : وَلاَ تَغْتَرُّوا» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم وَالْبُخَارِيّ، عَن حمْرَان «أنّه رَأَى عُثْمَان دَعَا بِإِنَاء، فأفرغ عَلَى كفيه ثَلَاث مَرَّات فغسلهما، ثمَّ أَدخل يَمِينه فِي الإِناء فَمَضْمض و (استنشق) (وَغسل وَجهه» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «ثمَّ تمضمض واستنشق) واستنثر» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَتَمَضْمَض ثَلَاثًا واستنثر ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ثمَّ تمضمض واستنثر ثَلَاثًا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «ثمَّ تمضمض واستنثر ثَلَاث مَرَّات» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة: «فَمَضْمض، ثمَّ استنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَده الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه بِمَاء غير فضل يَدَيْهِ، وَغسل رجلَيْهِ حتَّى أنقاهما» . انْقَضَى الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا الإِمام الرَّافِعِيّ - بِحَمْد الله وعونه - وَالرِّوَايَات الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا كلهَا دَاخِلَة فِي ضمن مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَحَادِيث؛ فتفطن لأخذها. الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ عَن لَقِيط بن صبرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي عَن الْوضُوء، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَسْبِغ الوضُوءَ، وخَلل بينَ الأَصَابِعِ، وبَالغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أنْ تكونَ صَائِمًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي وَأحمد، والدارمي (فِي «مسانيدهم» ) وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» وَأَبُو دَاوُد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن الْكُبْرَى» و «الْمعرفَة» وَغَيرهمَا، وَبَعْضهمْ يزِيد عَلَى بعض، وَصَححهُ الْأَئِمَّة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَابْن الْقطَّان: «هُوَ حَدِيث صَحِيح» وَأخرجه أَيْضا الإِمام أَبُو عبد الله الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» . ثمَّ قَالَ: «هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ فِي جملَة مَا قُلْنَا أنَّهما أعرضا عَن الصَّحَابِيّ الَّذِي لَا يروي عَنهُ غير الْوَاحِد، فقد احتجّا جَمِيعًا بِبَعْض هَذَا النَّوع. قَالَ: وَأَبُو هَاشم إِسْمَاعِيل بن كثير الْقَارِي - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - من كبار المكيين، رَوَى عَنهُ هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه جمَاعَة غير الثَّوْريّ، مِنْهُم ابْن جريج، وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار، وَيَحْيَى بن سليم وَغَيرهم. ثمَّ سَاق ذَلِكَ (بأسانيده) إِلَيْهِم. ثمَّ قَالَ: وَله أَيْضا شَاهد عَن ابْن عَبَّاس. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي غطفان المري، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اسْتَنْثِرُوا مَرتين بالغتين أَوْ ثَلاَثًا» . ثمَّ أخرجه الْحَاكِم بعد ذَلِكَ بِنَحْوِ من (كراسين) ، عَن لَقِيط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 بن صبرَة مَرْفُوعا مُخْتَصرا: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِلْ (بَينَ) الأَصَابِع» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد احتجا بِأَكْثَرَ (رُوَاته) ثمَّ لم يخرجَاهُ؛ لِتَفَرُّد عَاصِم بن لَقِيط بن عَامر بن صبرَة عَن أَبِيه بالرواية) . ثمَّ قَالَ: وَله شَاهد. فَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى صَالح، عَن ابْن عَبَّاس أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِلْ بَينَ أَصَابِع يَدَيك وَرِجْلَيْك» . قَالَ الْحَاكِم: صَالح هَذَا أَظُنهُ مولَى التوءمة؛ فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من شَرط هَذَا الْكتاب، وإنَّما أخرجته شَاهدا. قُلْتُ: وَإسْنَاد لَقِيط بن صبرَة هَذَا رِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا إِسْمَاعِيل بن كثير الْمَكِّيّ، وَقد رَوَى عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَعَاصِم بن لَقِيط بن صبرَة، وَرَوَى عَنهُ ابْن جريج وَالثَّوْري وَيَحْيَى بن سليم الطَّائِفِي وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار. قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح. وَقَالَ ابْن سعد: ثِقَة كثير الحَدِيث. وَإِلَّا عَاصِم بن لَقِيط بن صبرَة، وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان، وَأخرج حَدِيثه فِي «صَحِيحه» . وَكَذَلِكَ شَيْخه ابْن خُزَيْمَة وَلَا نعلم جرحا فِيهِ. لَا جرم أَن ابْن الْقطَّان قَالَ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَأفَاد أَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ذكر عَن الثَّوْريّ زِيَادَة فِيهِ وَهِي الْأَمر بالمبالغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 فِي الْمَضْمَضَة أَيْضا، وَابْن مهْدي أحفظ من وَكِيع - الَّذِي لم يذكرهَا - قَالَ أَبُو بشر الدولابي - فِيمَا (جمع) من حَدِيث الثَّوْريّ -: ثَنَا مُحَمَّد بن بشار، نَا ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن أبي هَاشم، عَن عَاصِم بن لَقِيط، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ (فَأَبلغْ) المَضْمَضَةَ والاسْتِنْشَاقَ مَا لَمْ تَكُنْ (صَائِمًا) » قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا صَحِيح. وممَّا يَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لَهُ - رحمنا الله وَإِيَّاك - أَن صَاحب «الْمُهَذّب» قَالَ فِي آخر هَذَا الحَدِيث: «وَلَا يُستقصى فِي الْمُبَالغَة فَيصير سَعُوطًا» وَهَذَا من كَلَامه - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ من الحَدِيث، وَهُوَ بِالْوَاو فِي أوَّل يستقصى لَا بِالْفَاءِ، ويستقصى بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت أوَّله لَا بِالتَّاءِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوق، كَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وإنَّما (ضبطته) هَكَذَا لأنَّ القلعي وَغَيره غلطوا فِيهِ، فجعلوه بِالْفَاءِ وَالتَّاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وجعلوه من الحَدِيث، وَهَذَا خطأ فَاحش. وَكَذَا نبه عَلَى ذَلِكَ قبله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى المهذّب» . و «صَبِرة» بِفَتْح الصَّاد وَكسر الْبَاء، وَيجوز إسكان الْبَاء مَعَ فتح الصَّاد وَكسرهَا، أَفَادَهُ النَّوَوِيّ فِي « (التَّهْذِيب» ) وَهُوَ لَقِيط بن عَامر بن صبرَة بن عبد الله بن المنتفق الْعقيلِيّ أَبُو رزين، وَقيل: لَقِيط بن عَامر غير لَقِيط بن صبرَة. قَالَ ابْن عبد الْبر وَغَيره: وَهَذَا غلط؛ بل هما وَاحِد. و (ذكره) ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «جَامع المسانيد» وَقَالَ: لَقِيط بن عَامر بن المنتفق الْعقيلِيّ، وَذكر لَهُ عدَّة أَحَادِيث، وَهُوَ أَبُو زرين. ثمَّ قَالَ: مُسْند لَقِيط بن صبرَة بن المنتفق (بن) عَاصِم. وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث وَحده من طَرِيق (آخر) . ثمَّ قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ أَبُو رزين الْعقيلِيّ؛ فَمَا يعرف لَقِيط غير أبي رزين. قَالَ: وَإِلَى نَحْو هَذَا ذهب البُخَارِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَقِيط بن عَامر، وَيُقَال: ابْن صبرَة. وَخَالَفَهُمَا عَلّي بن الْمَدِينِيّ، وَخَلِيفَة بن خياط، وَمُحَمّد بن سعد، وَأَبُو بكر البرقي، فجعلوهما اثْنَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 قُلْتُ: وَقَالَ عبد الْغَنِيّ الْمصْرِيّ: أَبُو رزين الْعقيلِيّ هُوَ لَقِيط بن عَامر بن المنتفق، وَهُوَ لَقِيط بن صبرَة. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوئِي وَوضُوءُ الأنبِيَاءِ قَبلِي وَوضُوءُ خَلِيلِي إِبرَاهِيمَ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، عَن أبي بكر بن خَلاد الْبَاهِلِيّ، حَدَّثَنِي مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز الْعَطَّار، حَدَّثَنِي عبد الرَّحِيم (بن) زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاحِدَة وَاحِدَة، فَقَالَ: هَذَا وضُوءُ مَن لَا يقبلُ اللهُ (مِنْه) صَلَاة إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ (اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ) فَقَالَ: هَذَا وضُوءُ القَدْرِ من الوضُوءِ. وَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا أَسْبَغ الوضُوء، ووضُوء خَلِيل اللهِ إِبْرَاهِيم، وَمن تَوَضَّأ هَكَذَا ثمَّ قَالَ عِنْد فَرَاغه: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أنَّ مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فُتِحَ لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من رِوَايَة مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز، عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 عَن أَبِيه، عَن جده. قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاحِدَة وَاحِدَة فَقَالَ: هَذَا وضوءُ من لَا يقبلُ اللهُ (مِنْهُ صَلَاة) إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَقَالَ: مَن تَوضَّأ هَكَذَا ضاعفَ اللهُ لهُ أَجْرَه مَرَّتَيْن. ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا إسباغُ الوضُوءِ وهَذَا وُضُوئِي ووُضُوءُ خَلِيلِ اللهِ إِبرَاهِيمَ ... » وَذكر بَاقِي الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» إِلَى قَوْله: «ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْفضل، عَن زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر (أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دَعَا) بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة، ثمَّ قَالَ: (هَذَا) وَظِيفَةُ الوُضُوءِ الَّذِي لَا يقبلُ اللهُ صَلاةً إِلاَّ بِهِ. ثمَّ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ سكت سَاعَة ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ من تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ لَه أَجْرُهُ مَرَّتَينِ. ثمَّ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: (هَذَا) وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ مِن قَبْلِي» . وَرَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) من حَدِيث الْأسود بن عَامر، عَن أبي إِسْرَائِيل عَن زيد الْعمي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من تَوَضَّأ (مرّة مرّة) [فَتلك] وَظِيفَة الْوضُوء الَّتِي لَا بُد مِنْهَا، وَمن تَوَضَّأ ثِنْتَيْنِ فَلهُ كفلان، وَمن تَوَضَّأ ثَلَاثًا فَذَلِك وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي» . وَرَوَاهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي كتاب «إِيضَاح الإِشكال» من حَدِيث عباد بن صُهَيْب، عَن مسعر بن كدام، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبد الله بن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أنَّه تَوضَّأَ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذِهِ فَرَيضَةُ الوُضُوءِ وهوَ وضُوئِي، وهُوَ الذِي لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ إلاَّ بِهِ، ثمَّ تَوَضَّأ مَرَّتَينِ مَرَّتينِ فَقَالَ: هَذَا وضُوء مَرتَين، وَمَنْ تَوضَّأَ هَكَذَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، ثُمَّ تَوضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا وَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأَنبياءِ قَبْلي، ووضُوءُ (أبِي) إِبْرَاهيمَ خَليلِ الرَّحْمَن» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة لَا يَصح من جَمِيع هَذِه الطّرق. أمَّا (عبد الرَّحِيم) بن زيد الْعمي فَهُوَ مَتْرُوك واه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: كَذَّاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ترك حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: (جدًّا) . وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ السَّعْدِيّ: غير ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعِيف. وَأما وَالِده زيد فالأكثر عَلَى تَضْعِيفه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن أنس أَشْيَاء مَوْضُوعَة لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَحَكَى ابْن أبي حَاتِم أَنه إِنَّمَا قيل (لَهُ) (زيد) الْعمي؛ لِأَنَّهُ كَانَ كلما سُئِلَ عَن شَيْء قَالَ: (حتَّى) أسأَل عمي. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ شُعْبَة لم يروِ عَن أَضْعَف مِنْهُ. وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هُوَ صَالح. وَقَالَ الْحسن بن سُفْيَان: ثِقَة. وَلَا أعلم من وَثَّقَهُ غَيرهمَا. وَأما مُحَمَّد بن الْفضل الْمُتَقَدّم فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فضعيف جدًّا، كَانَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة شَدِيد الْحمل عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ حَدِيثه حَدِيث أهل الْكَذِب. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ مرّة: كَانَ كذابا. وَكَذَلِكَ قَالَ السَّعْدِيّ وَعَمْرو بن عَلّي وَيَحْيَى بن الضريس، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، لَا يحل كَتْب حَدِيثه إلاَّ عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر. وَأَبُو إِسْرَائِيل الْملَائي، عَن زيد الْعمي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر وَوهم فِيهِ، وَالصَّوَاب قَول من قَالَ: عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي بن كَعْب وَلم يُتَابع عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وَأما عباد بن صُهَيْب الْمَذْكُور فِي رِوَايَة عبد الْغَنِيّ فمتروك، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ذهب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير حتَّى إِذا سَمعهَا الْمُبْتَدِئ شهد لَهَا بِالْوَضْعِ. قُلْتُ: ووراء هَذَا كُله عِلّة أُخْرَى وَهِي الِانْقِطَاع، فَإِن مُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يدْرك ابْن عمر. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: (عبد الرَّحِيم) بن زيد مَتْرُوك الحَدِيث، وَزيد الْعمي ضَعِيف الحَدِيث، وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: وسُئل أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث أَيْضا فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي حَدِيث واهٍ، وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يلْحق ابْن عمر. قُلْتُ لأبي: فإنَّ الرّبيع بن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن أَسد بن مُوسَى، عَن سَلام بن سليم، عَن زيد بن أسلم، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. فَقَالَ: هُوَ سَلام الطَّوِيل وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَهُوَ زيد الْعمي وَهُوَ (مَتْرُوك) الحَدِيث. وَذكر هَذَا الحَدِيث الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» مستشهدًا بِهِ وسَمَّاه مُرْسلا، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْصُولا من رِوَايَة أبي إِسْرَائِيل، عَن زيد الْعمي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَمن حَدِيث الْمسيب بن وَاضح، عَن حَفْص بن ميسرَة، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِنَحْوِ الَّذِي قبله. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ الْمسيب عَن حَفْص، وَالْمُسَيب ضَعِيف. (قُلْتُ: وَقد وثق أَيْضا، قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. وَقَالَ (ابْن) عدي: كَانَ النَّسَائِيّ حسن الرَّأْي فِيهِ، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه. لَا جرم) قَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : هَذِه الطَّرِيق أحسن طرق الحَدِيث. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث نظر. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «مرج الْبَحْرين» : انْفَرد بِهِ زيد بن الْحوَاري، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح أصلا. قُلْتُ: لم ينْفَرد (بِهِ) ، بل تَابعه مسعر بن كدام كَمَا تقدم. قُلْتُ: وَلِلْحَدِيثِ طَريقَة أُخْرَى، رَوَاهَا ابْن مَاجَه عَن جَعْفَر بن مُسَافر، نَا إِسْمَاعِيل بن قعنب (أَبُو) بشر، نَا عبد الله بن عَرَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 الشَّيْبَانِيّ، عَن زيد بن الْحوَاري، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن عبيد (بن) عُمَيْر، عَن أبي بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا وظيفةُ الوضُوءِ - أَو قَالَ: وضُوءٌ مَنْ لمْ يَتَوَضَّأه لمْ يقبل اللهُ لَهُ صَلاَةً - ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءٌ مَنْ (تَوَضَّأه) أَعْطَاه اللهُ كِفْلَينِ مِنَ الأَجْرِ، ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ المُرْسَلِين قَبْلي» . وَهَذِه الطَّرِيقَة لَا شكّ فِي اتصالها لَكِنَّهَا ضَعِيفَة لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: زيد بن الْحوَاري وَقد تقدم. وَالثَّانِي: عبد الله بن عَرَادَة وَهُوَ واه، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ (يقلب) الْأَخْبَار، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» بعد أَن سَاق هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ: هَذَا الحَدِيث فِيهِ نظر، وَعبد الله بن عَرَادَة يُخَالف فِي حَدِيثه (ويهم كثيرا) . فتلخص أَن هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَا يَصح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «معرفَة السّنَن والْآثَار» : هَذَا الحَدِيث رُوِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 من أوجه كلهَا ضَعِيفَة. وَقَالَ فِي «السّنَن الْكَبِير» : هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي الأول - رَوَاهُ عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي [عَن أَبِيه] وَخَالَفَهُمَا غَيرهمَا، وَلَيْسوا فِي الرِّوَايَة بأقوياء. وَقَالَ فِي «خلافياته» : هَذَا حَدِيث غير ثَابت فَإِن زيد الْعمي لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الإِسناد لايعرف إلاَّ من جِهَة ابْن الْحوَاري وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ: وَقد رُوِيَ من أوجه عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَكلهَا ضَعِيفَة، قَالَ: وَحَدِيث ابْن عمر فِي الْبَاب نَحْو حَدِيث أبي وَلَيْسَ فِي حَدِيثهمَا: «ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم» . وَاعْترض النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَلَى الْحَازِمِي فِي قَوْله: لَيْسَ فِي حَدِيثهمَا «ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم» . فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيح، بل ذَلِكَ مَوْجُود فِي حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» . كَذَلِك رَأَيْته فِيهِ قُلْتُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «معرفَة السّنَن والْآثَار» : قَالَ الشَّافِعِي فِي (رِوَايَة) حَرْمَلَة، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه تَوَضَّأ مرّة مرّة ثمَّ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 هَذَا وضُوءٌ لَا يقبل اللهُ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: مَنْ تَوضَّأَ مَرَّتَين آتاهُ اللهُ أَجْرَهُ مَرَّتين ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ قَبْلي، ووضُوءُ خلِيلِي إِبْرَاهيمَ» . هَذَا لفظ رِوَايَة الشَّافِعِي. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب (فِي «تلخيصه» ) لَكِن قَالَ: «خَلِيل الله إِبْرَاهِيم» . وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عمر، قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا الوضُوءُ (الذِي) لاَ يقبل الله الصَّلاَة إِلاَّ بِهِ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ فَقَالَ: هَذَا القصدُ مِنَ الوضُوءِ. ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ (خليلِ اللهِ) إبراهيمَ، ووضُوءُ الْأَنْبِيَاء قَبْلِي، وهوَ وَظِيفَة الوضُوءِ، فَمَنْ تَوَضَّأَ وضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إلاَّ الله وأَشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يَدْخُل مِنْ أَيها شَاءَ» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «ووضُوءُ خَلِيلِ اللهِ إِبْرَاهِيمَ» ، كَمَا تقدم فِي الطَّرِيق الأول. فصحَّ حينئذٍ رِوَايَة المُصَنّف لهَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ اللَّفْظَة. وَلِلْحَدِيثِ أَيْضا طَريقَة ثَالِثَة: قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث يَحْيَى بن مَيْمُون، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي صفة الْوضُوء مرّة مرّة، فَقَالَ: (هَذَا الذِي افْتَرَضَ اللهُ عَلَيكُمْ. ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: مَنْ ضَعَّفَ ضَعَّفَ اللهُ لَهُ. ثمَّ أَعَادَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 هَذَا وضُوءنَا مَعْشَر الأَنْبَيَاء» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر واهٍ ضَعِيف. ورابعة: عَن عَلّي بن الْحسن السَّامِي، ثَنَا مَالك، عَن ربيعَة، عَن ابْن الْمسيب، عَن زيد بن ثَابت وَأبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ: هَذَا الذِي لاَ يَقْبِل اللهُ العَمَلَ إِلاَّ بِهِ. وَتَوَضَّأ مرَّتَيْنِ فَقَالَ: هَذَا يُضَاعِفُ الأَجْرَ. وَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا وضُوئِي ووضُوءُ الأنبياءِ قَبْلي» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب «أَسمَاء الروَاة عَن مَالك» بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عَن مَالك عَلّي بن الْحسن السَّامِي وَغَيره أوثق مِنْهُ. وَله طَريقَة خَامِسَة: ذكرهَا الْحَافِظ أَبُو عَلّي بن السكن فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب «السّنَن الصِّحَاح المأثورة» ، عَن أنس قَالَ: «دَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِوضُوء فَغسل وَجهه (مرّة) وَيَديه مرّة وَرجلَيْهِ مرّة مرّة وَقَالَ: هَذَا وضُوء من لَا يَقْبَل اللهُ منهُ غَيره. ثمَّ مكث سَاعَة ودعا بِوضُوء فَغسل وَجهه وَيَديه (وَرجلَيْهِ) مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللهُ لَهُ الأَجْرَ. ثمَّ مكث سَاعَة ثمَّ دَعَا بِوضُوء فَغسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَديه ثَلَاثًا وَرجلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: هَذَا وضُوءُ نَبِيكُمْ ووضُوءُ النَّبيين (قَبْلنا) - أَو قَالَ: هَذَا وضُوءُ النَّبِيين قَبْلي» . وَكَذَا ذكره بِإِسْقَاط مسح الرَّأْس فِي الْكل. وَاعْلَم أَنه يُغني عَن (كل) هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة أَحَادِيث صَحِيحَة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 أَحدهَا: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . رَوَاهُ مُسلم. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «أَن عُثْمَان تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ لأَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل رَأَيْتُمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل هَذَا؟ قَالُوا: نعم» . الثَّانِي: عَن عَلّي - كرَّم الله وَجهه - قَالَ: «تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب وَأَصَح. وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان وعليًّا يتوضآن ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ويقولان: هَكَذَا وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الثَّالِث: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَنه تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَرفع ذَلِكَ (إِلَى) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِسَنَد صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن، وَفِيه الْوَلِيد بن مُسلم وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 مُدَلّس لكنه صرح بِالتَّحْدِيثِ. الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة بِأَحْسَن من هَذَا الإِسناد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : إِسْنَاده جيد. قُلْتُ: وَصَححهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي «تهذيبه» . وَفِي الْبَاب غير ذَلِكَ من الْأَحَادِيث، كَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب الْآتِي بعد هَذَا. فَائِدَة (مهمة) : وَهِي: هَل فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذَا الْوضُوء فِي مجْلِس وَاحِد أَو مجَالِس؟ وليعلم أَن النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ نقل فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن القَاضِي حُسَيْن أَنه حَكَى فِي تَعْلِيقه فِي ذَلِكَ خلافًا لِأَصْحَابِنَا، فَمنهمْ من قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي مجَالِس؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ ذَلِكَ فِي مجْلِس لصار غسل كل عُضْو سِتّ مَرَّات، وَذَلِكَ مَكْرُوه. وَمِنْهُم من قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي مجْلِس وَاحِد، واغتفر ذَلِكَ لأجل التَّعْلِيم. وَرجح الرَّوْيَانِيّ من أَصْحَابنَا فِي «الْبَحْر» كَونه فِي (مجْلِس) . قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الظَّاهِر أَن هَذَا الْخلاف لم (ينقلوه) عَن رِوَايَة، بل قَالُوهُ بِالِاجْتِهَادِ. وَظَاهر رِوَايَة ابْن مَاجَه وَغَيره أَنه كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 قَالَ: وَهَذَا كالمتعين؛ لِأَن التَّعْلِيم لَا يكَاد يحصل إِلَّا فِي مجْلِس. قُلْتُ: وَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ الَّتِي قدمناها صَرِيحَة فِي كَونهَا فِي مجْلِس وَاحِد. وَلم يظفر بهَا النَّوَوِيّ فَهِيَ رَافِعَة لهَذَا الْخلاف، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - توضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ: من زَاد عَلَى هَذَا فقد أَسَاءَ وظلم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، عَن مُسَدّد، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ الطّهُور؟ فَدَعَا بِمَاء فِي إِنَاء فَغسل كفيه ثَلَاثًا، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ وَأدْخل أصبعيه السباحتين فِي أُذُنَيْهِ، وَمسح بإبهاميه عَلَى ظَاهر أُذُنَيْهِ، وبالسباحتين بَاطِن أُذُنَيْهِ، ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوضُوء، فَمن زَاد عَلَى هَذَا (أَو نقص) فقد أَسَاءَ وظلم - أَو ظلم وأساء» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مُوسَى (بن) أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 «جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْأَله عَن الْوضُوء فَأرَاهُ [الْوضُوء] ثَلَاثًا (ثَلَاثًا) ثمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوضُوء فَمن زَاد عَلَى هَذَا فقد أَسَاءَ وتعدَّى وظلم» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، عَن عَلّي بن مُحَمَّد، نَا خَالِي يعْلى، عَن سُفْيَان، عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: « (جَاءَ) أَعْرَابِي ... » الحَدِيث بِلَفْظ النَّسَائِيّ إلاَّ أَنه قَالَ: «فقد أَسَاءَ أَو تعدى، أَو ظلم» ، بِلَفْظ «أَو» . وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» بِسَنَد النَّسَائِيّ وَلَفظه، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِلمام» : إِسْنَاده صَحِيح إِلَى عَمْرو. فَمن احْتج بنسخة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، فَهُوَ عِنْده صَحِيح. قلت: احْتج بهَا الْأَكْثَرُونَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا، لَا جرم أَن ابْن خُزَيْمَة أخرجه فِي «صَحِيحه» من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة بِلَفْظ «أَن أعرابيًّا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَسَأَلَهُ عَن الْوضُوء فَتَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَقَالَ: من زَاد فقد أَسَاءَ وظلم - أَو اعْتَدَى وظلم» ، ثمَّ قَالَ: لم يوصله غير الْأَشْجَعِيّ ويعلى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» ، عَن الحكم بن بشير بن سُلَيْمَان، عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «الْوضُوء ثَلَاث، فَمن زَاد أَو نقص، فقد أَسَاءَ وظلم - وَقَالَ الحكم: أَو قَالَ: ظلم وأساء» . وَزعم أَبُو دَاوُد فِي كتاب (التفرد) أَنه من مُفْرَدَات أهل الطَّائِف، وَأما صَاحب «القبس» فَقَالَ: صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تَوَضَّأ مرّة مرّة، ومرتين مرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا وَثَلَاثًا (قَالَ) : وَرُوِيَ: «فَمن زَاد أَو اسْتَزَادَ فقد تعدى وظلم» . قَالَ: وَهَذَا لم يَصح. وَالظَّاهِر أَن مُرَاده رِوَايَة ذَلِكَ إِثْر الحَدِيث السالف قبل هَذَا الحَدِيث. فَائِدَة: (اخْتلف) أَصْحَابنَا فِي مَعْنَى قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ -: «أَسَاءَ وظلم» عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الإِساءة فِي النَّقْص، وَالظُّلم فِي الزِّيَادَة، فَإِن الظُّلم مُجَاوزَة الْحَد وَوضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، وَهَذَا يدل لَهُ صَرِيحًا رِوَايَة أبي عبيد. الثَّانِي: عَكسه؛ لِأَن الظُّلم يسْتَعْمل بِمَعْنى النَّقْص كَقَوْلِه تَعَالَى: (آتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا) . الثَّالِث: أَسَاءَ وظلم فِي النَّقْص، وأساء وظلم فِي الزِّيَادَة. حَكَى هَذِه الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» . قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وَاخْتَارَ ابْن الصّلاح الثَّالِث؛ لِأَنَّهُ ظَاهر الْكَلَام، قَالَ: وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة الْأَكْثَرين: «فَمن زَاد فقد أَسَاءَ وظلم» وَلم يذكرُوا النَّقْص، وَهَذِه الإِساءة وَالظُّلم مَعْنَاهُمَا أَنه مَكْرُوه (كَرَاهِيَة) تَنْزِيه، هَذَا قَول الْجُمْهُور. وَقيل: تحرم الزِّيَادَة عَلَى الثَّلَاث. وَقيل: لَا تحرم وَلَا تكره لَكِنَّهَا خلاف الأولَى. وَالصَّوَاب الأول، فَلَو زَاد أَو نقص لم يبطل وضوءه عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء. وَحَكَى الدَّارمِيّ عَن قوم أَنه يبطل كَمَا لَو زَاد فِي الصَّلَاة رَكْعَة أَو نقص مِنْهَا، هَذَا غلط فَاحش. قَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمَشْهُور فِي كتب الْفِقْه وشروح الحَدِيث وَغَيرهَا لِأَصْحَابِنَا وَغَيرهم أَن قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فَمن زَاد أَو نقص» مَعْنَاهُ زَاد عَلَى الثَّلَاث أَو نقص مِنْهَا، وَلم يذكر أَصْحَابنَا وَغَيرهم غير هَذَا الْمَعْنى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن الْكَبِير» : يحْتَمل أَن المُرَاد بِالنَّقْصِ نقص الْعُضْو. وَجزم بِهَذِهِ الْمقَالة الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب. قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا تَأْوِيل غَرِيب ضَعِيف مَرْدُود. قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَن تكون الزِّيَادَة فِي الْعُضْو وَهِي غسل مَا فَوق الْمرْفق والكعب إساءة وظلمًا وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِكَ، بل (هُوَ) مُسْتَحبّ، وَالْبَيْهَقِيّ مِمَّن نَص عَلَى اسْتِحْبَابه وَعقد فِيهِ بَابَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 أَحدهمَا: بَاب اسْتِحْبَاب إمرار المَاء عَلَى الْعَضُد. وَالثَّانِي: بَاب الإشراع فِي السَّاق. وَذكر (فِيهَا) حَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق. قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن قيل كَيفَ يكون النَّقْص عَن الثَّلَاث إساءة وظلمًا ومكروهًا وَقد ثَبت أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فعله كَمَا (جَاءَ) فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة؟ قُلْنَا: ذَلِكَ الِاقْتِصَار كَانَ لبَيَان الْجَوَاز فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْحَال أفضل؛ لِأَن الْبَيَان وَاجِب. فصل هَذَا أول حَدِيث أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده وَهِي تَرْجَمَة اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بهَا ولنلخص الْكَلَام فِيهَا فِي مقامين: أَحدهمَا: هَل يحْتَج بِهِ هُوَ نَفسه وَفِي ذَلِكَ مقَال. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الضُّعَفَاء» : قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: كنت إِذا [أَتَيْته] غطيت رَأْسِي حَيَاء من النَّاس. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: هُوَ عندنَا واهٍ. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: رُبمَا احتججنا بِهِ، وَرُبمَا وَحش فِي الْقلب مِنْهُ شَيْء، وَله مَنَاكِير. وَقَالَ فِي رِوَايَة: لَيْسَ بِحجَّة. وَقَالَ فِي رِوَايَة: هُوَ ثِقَة فِي نَفسه إِنَّمَا بلي بِكِتَاب عَن أَبِيه عَن جده. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَنه رَوَى صحيفَة كَانَت عِنْده. انْتَهَى مَا نَقله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 ابْن الْجَوْزِيّ. وَقَالَ سُفْيَان: كَانَ مُغيرَة لَا يعبأ بِصَحِيفَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: حَدِيثه عَن أَبِيه عَن جده (عِنْد) النَّاس فِيهِ شَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَحْمد: أَصْحَاب الحَدِيث إِذا شَاءُوا احْتَجُّوا بحَديثه عَن أَبِيه عَن جده، وَإِذا شَاءُوا تَرَكُوهُ. هَذَا كَلَام من طعن فِيهِ. وَلَكِن الْجُمْهُور وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، كَمَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ البُخَارِيّ: رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يحتجون بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده. قَالَ البُخَارِيّ: مَن النَّاس بعدهمْ؟ . قلت: وَمَعَ هَذَا (القَوْل) فَمَا احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، نعم احْتج بِهِ فِي كتاب «الْقِرَاءَة خلف الإِمَام» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سُئِلَ يَحْيَى بن معِين عَنهُ فَغَضب وَقَالَ: مَا شَأْنه؟ ! رَوَى عَنهُ الْأَئِمَّة، وَرَوَى مَالك عَن رجل عَنهُ. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن معِين قَالَ: إِذا حَدَّث عَن أَبِيه عَن جده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 فَهُوَ كتاب. قَالَ: فَمن هَذَا جَاءَ ضعفه. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: مَا رَأَيْت أحدا من أَصْحَابنَا مِمَّن ينظر فِي الحَدِيث وينتقي الرِّجَال، يَقُول فِي عَمْرو بن شُعَيْب شَيْئا، وَحَدِيثه صَحِيح وَهُوَ ثِقَة ثَبت (و) الْأَحَادِيث الَّتِي أَنْكَرُوا من حَدِيثه إنَّما هِيَ لقوم ضعفاء رووها عَنهُ، وَمَا رَوَى عَنهُ الثِّقَات فَصَحِيح. وَسُئِلَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: أَيّمَا أحب إِلَيْك عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده (وبهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه عَن جده؟) فَقَالَ: عَمْرو أحب إِلَيّ. (وَقَالَ أَبُو زرْعَة: رَوَى عَنهُ الثِّقَات وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ كَثْرَة رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده. وَإِنَّمَا سمع أَحَادِيث [يسيرَة] وَأخذ صحيفَة كَانَت عِنْده فرواها) . وَقَالَ أَبُو زرْعَة أَيْضا: هُوَ مكي ثِقَة فِي نَفسه. وَقَالَ أَحْمد الْعجلِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: هُوَ ثِقَة يحْتَج بِهِ. وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ: هُوَ واهي الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارمي: هُوَ ثِقَة، رَوَى عَنهُ الَّذين نظرُوا فِي أَحْوَال الرِّجَال كأيوب وَالزهْرِيّ وَالْحكم، وَاحْتج أَصْحَابنَا بحَديثه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح: وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: (عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده) (إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن عَمْرو ثِقَة فَهُوَ) كأيوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَهَذَا فِي التَّشْبِيه نِهَايَة الْجَلالَة من مثل هَذَا الإِمام. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى عَنهُ أَئِمَّة النَّاس وثقاتهم [وَجَمَاعَة من الضُّعَفَاء] وَلَكِن أَحَادِيثه عَن أَبِيه عَن جده - مَعَ احتمالهم إِيَّاه - لم يدخلوها فِي الصِّحَاح. قلت: بل أدخلوها فِي الحسان المحتج بهَا. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: سَمِعت عدَّة من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يذكرُونَ (أَن) عَمْرو بن شُعَيْب فِيمَا رَوَاهُ عَن سعيد بن الْمسيب وَغَيره فَهُوَ صَدُوق، وَمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن جده يجب التَّوَقُّف فِيهِ. وَقَالَ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : عَمْرو بن شُعَيْب ثِقَة، وَإِنَّمَا تكلم فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يحدث عَن صحيفَة جده. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي كتاب الْهِبَة: لَا أعلم خلافًا فِي عَدَالَة عَمْرو بن شُعَيْب؛ إِنَّمَا اخْتلفُوا فِي سَماع أَبِيه من جده. وَقَالَ الْحَافِظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي جُزْء «فِيمَن تكلم فِيهِ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 موثق» عَمْرو بن شُعَيْب صَدُوق فِي نَفسه لَا يظْهر لي تَضْعِيفه بِحَال وَحَدِيثه قوي. الْمقَالة الثَّانِيَة: أنَّ هَذِه التَّرْجَمَة نسبت إِلَى الإِرسال والانقطاع. قَالَ أَبُو حَاتِم (بن حبَان) : لَا يجوز الِاحْتِجَاج عِنْدِي بِمَا رَوَاهُ عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده؛ لِأَن هَذَا الإِسناد لَا يَخْلُو من أَن يكون مُرْسلا أَو مُنْقَطِعًا (لِأَنَّهُ) عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. فَإِذا رَوَى عَن أَبِيه عَن جده، (فَأَرَادَ بجده مُحَمَّدًا) فمحمد لَا صُحْبَة لَهُ. وَإِن أَرَادَ عبد الله فأبوه شُعَيْب لم يلق عبد الله، والمنقطع والمرسل لَا تقوم بهما حجَّة؛ لِأَن الله - تَعَالَى - لم يُكَلف عباده أَخذ الدَّين (عَمَّن) لَا يعرف. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: جده الْأَدْنَى مُحَمَّد وَلم يدْرك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وجده الْأَعْلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وَلم (يُدْرِكهُ) شُعَيْب. وجده الْأَوْسَط عبد الله وَقد أدْركهُ. فَإِذا لم يسم جدّه احْتمل أَن يكون مُحَمَّدًا، وَاحْتمل أَن يكون عمرا فَيكون فِي الْحَالين مُرْسلا، وَاحْتمل أَن يكون عبد الله الَّذِي أدْركهُ فَلَا يَصح الحَدِيث وَيسلم من الإِرسال إلاَّ أَن يَقُول عَن جدِّه عبد الله بن عَمْرو. وَقَالَ الإِمام الشَّافِعِي فِيمَا نَقله ابْن معن الدِّمَشْقِي فِي كِتَابه الْمُسَمَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 ب «التنقيب» والقلعي فِي كَلَامه كِلَاهُمَا عَلَى الْمُهَذّب: «لَا أحتج بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب حَتَّى أعلم عَن أَي جديه يروي، فإنْ رَوَاهُ عَن جده مُحَمَّد بن عبد الله فَهُوَ مُرْسل لَا أحتج بِهِ، وإنْ رَوَاهُ عَن جد أَبِيه فجد أَبِيه عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَهُوَ صَحِيح يجب الْعَمَل (بِهِ) . وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي نَحْو هَذَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَنقل أَبُو عبد الله الْقطَّان فِي «مَنَاقِب الشَّافِعِي» (أَن الشَّافِعِي) غمض عَلَى عَمْرو بن شُعَيْب. وَالْجَوَاب: أَنه قد صَحَّ وَثَبت أَن شعيبًا سمع من جده عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، فروَى الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن الْكَبِير» فِي الْحَج وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي الْبيُوع عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه «أَن رجلا أَتَى عبد الله بن عَمْرو (يسْأَله) عَن محرم وَقع (بامرأته) فَأَشَارَ إِلَى عبد الله بن عمر، فَقَالَ: (اذْهَبْ) إِلَى ذَلِكَ فَاسْأَلْهُ. قَالَ شُعَيْب: فَلم يعرفهُ الرجل فَذَهَبت مَعَه فَسَأَلَ ابْن عمر، فَقَالَ: بَطل حجك. قَالَ الرجل: فَمَا أصنع؟ قَالَ: (اخْرُج) مَعَ النَّاس واصنع مَا يصنعون، فَإِذا أدْركْت [قَابلا فحج] واهد، فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه فَأخْبرهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى عبد الله بن عَبَّاس فَاسْأَلْهُ. [قَالَ شُعَيْب: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 فَذَهَبت مَعَه إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ] فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْن عمر، فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه فَأخْبرهُ بِمَا قَالَ ابْن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ: مَا تَقول أَنْت؟ قَالَ: قولي مثل مَا قَالَا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته ثِقَات حفاظ وَهُوَ كالأخذ بِالْيَدِ فِي صِحَة سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد من جده عبد الله بن عَمْرو. قَالَ: وَقد كنت أطلب الْحجَّة الظَّاهِرَة فِي سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد (عَن) عبد الله بن عَمْرو (فظفرت بهَا الْآن) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. قَالَ: وَفِيه دَلِيل عَلَى صِحَة سَماع (شُعَيْب) بن مُحَمَّد بن عبد الله من جده عبد الله بن عَمْرو. وَهَذِه الْمقَالة الْمُتَقَدّمَة من الْحَاكِم تكون رُجُوعا عَمَّا قَالَه فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي كتاب الصَّلَاة حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا قَالُوا فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده للإِرسال فَإِنَّهُ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَشُعَيْب لم يسمع من جده عبد الله. وَقَالَ فِيهِ فِي الْهِبَة: أَنا عَلّي بن عمر الْحَافِظ سَمَاعا سَمِعت أَبَا بكر بن زِيَاد الْفَقِيه النَّيْسَابُورِي يَقُول: (سَمِعت) مُحَمَّد بن عَلّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 بن حمدَان الْوراق يَقُول: قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: عَمْرو بن شُعَيْب سمع من أَبِيه شَيْئا؟ فَقَالَ: هُوَ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو، وَقد صَحَّ سَماع عَمْرو بن شُعَيْب من أَبِيه شُعَيْب، وَصَحَّ سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمْرو (بن الْعَاصِ) . وَنقل نَحْو ذَلِكَ عَن الإِمام أَحْمد ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب «التَّحْقِيق» ، فَإِنَّهُ قَالَ: أثبت أَحْمد سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمْرو. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» : سمع شُعَيْب من عبد الله بن عَمْرو، وَقَالَ لنا (أَبُو) حَيْوَة عَن زِيَاد بن عَمْرو: سَمِعت شُعَيْب بن مُحَمَّد أَنه سمع عبد الله بن عَمْرو. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول: قد سمع أَبوهُ شُعَيْب من جده عبد الله. (قَالَ) عَلّي: وَعَمْرو عندنَا ثِقَة، وَكتابه صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن حبَان من أَنه لم يَصح سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمْرو خطأ، فقد رَوَى عبيد الله بن عمر الْعمريّ - وَهُوَ من الْأَئِمَّة الْعُدُول - عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عبد الله بن (عمر) فجَاء رجل فاستفتاه فِي مَسْأَلَة فَقَالَ (لي) : يَا شُعَيْب امْضِ مَعَه إِلَى ابْن عَبَّاس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 فَهَذَا صَرِيح فِي سَماع شُعَيْب من جده عبد الله. وَقَالَ (الْبَيْهَقِيّ) فِي بَاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح: (مَضَى) فِي بَاب وَطْء الْمحرم، وَبَاب الْخِيَار مَا دلّ عَلَى سَماع شُعَيْب (من) جده إِلَّا أَنه (إِذا) قيل: عَن أَبِيه عَن جده. يشبه أَن يُرَاد بالجد مُحَمَّد بن عبد الله وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة، فَيكون الْخَبَر مُرْسلا، وَإِذا قيل: عَن جده عبد الله. زَالَ الإِشكال واتصل الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي «عُلُوم الحَدِيث» : احْتج بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَكثر الْمُحدثين (حملا لجده عَلَى عبد الله دون التَّابِعِيّ) لما ظهر لَهُم من إِطْلَاقه ذَلِكَ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «التَّهْذِيب» : أنكر بَعضهم سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن (عَمْرو) ، وَقَالَ: إِنَّمَا سمع أَبَاهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو فَتكون رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلَة، وَهَذَا إِنْكَار ضَعِيف، وَأثبت الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة سَماع شُعَيْب من عبد الله، وَقَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي (عَلَى مَا نقل الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح) : صَحَّ سَماع عَمْرو من أَبِيه شُعَيْب وَسَمَاع شُعَيْب من جده عبد الله. قلت: وَقد ظَفرت بِحَدِيث آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» يدل صَرِيحًا عَلَى أَن المعني بجد شُعَيْب عبد الله بن عَمْرو، وَأَن عمرا سمع من أَبِيه، وَأَن أَبَاهُ سمع من جده، وَلَعَلَّه الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِيمَا تقدم. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: نَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي [نَا عبد الله بن مُحَمَّد بن زِيَاد] نَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب، حَدَّثَني عمي، حَدَّثَني مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن شُعَيْب يَقُول: سَمِعت شعيبًا يَقُول: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «أَيّمَا رجل ابْتَاعَ من رجل بيعا فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى (يَتَفَرَّقَا من مكانهما) إِلَّا أَن تكون صَفْقَة خِيَار، وَلَا يحل لأحد أَن يُفَارق صَاحبه مَخَافَة أَن يقيله» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله «يقيله» أَرَادَ بِهِ - وَالله أعلم - يفسخه، فَعبر بالإِقالة عَن الْفَسْخ. قلت: وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى عَمْرو بن شُعَيْب عَلَى شَرط مُسلم. وَأخرجه أَيْضا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن عَمْرو بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وَرَوَى أَيْضا أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه التَّصْرِيح بِسَمَاع شُعَيْب من جده من غير طَرِيق ابْنه، روياه من حَدِيث ثَابت يَعْنِي الْبنانِيّ، عَن (شُعَيْب) بن عبد الله، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول: «مَا رُئي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْكُل مُتكئا، وَلَا يطَأ عقبه رجلَانِ» . فقد ثَبت بأقاويل (هَؤُلَاءِ) الْأَئِمَّة وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ أَن عَمْرو بن شُعَيْب ثِقَة وَأَن رِوَايَة شُعَيْب عَن جده عبد الله بن (عَمْرو) صَحِيحَة لَا إرْسَال فِيهَا، وَأَن عمرا سمع من أَبِيه، وَأَن أَبَاهُ سمع من جده، فاضبط مَا حققناه لَك. وَمن رِوَايَات عَمْرو بن شُعَيْب المستغربة مَا رَوَاهَا أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي كتاب الْبيُوع فِي بَاب الرجل يَبِيع مَا لَيْسَ عِنْده، عَن زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا إِسْمَاعِيل، (عَن) أَيُّوب، حَدَّثَني عَمْرو بن شُعَيْب، حَدَّثَني أبي، عَن أَبِيه حَتَّى ذكر عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يحل سلف وَبيع، وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع، وَلَا ربح مَا لم يضمن، وَلَا بيع مَا لَيْسَ عنْدك» . قَالَ (السُّهيْلي) فِي «الرَّوْض الْأنف» : هَكَذَا وَقع فِي «سنَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 أبي دَاوُد» عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه شُعَيْب، عَن أَبِيه مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو، عَن أَبِيه عبد الله بن عَمْرو، وَهِي رِوَايَة مستغربة جدًّا؛ لِأَن الْمَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث أَن شعيبًا إِنَّمَا يروي عَن جده عبد الله لَا عَن أَبِيه مُحَمَّد؛ لِأَن مُحَمَّدًا أَبَاهُ مَاتَ قبل جده عبد الله، وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: لم يقل أحد إِن شعيبًا يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد، وقلَّ من عمل لمُحَمد تَرْجَمَة، (قَالَ: فَدلَّ) عَلَى أَن عَمْرو بن شُعَيْب، (عَن أَبِيه) ، عَن جده عبد الله صَحِيح مُتَّصِل. قلت: وَحَدِيثه هَذَا: «لَا يحل سلف وَبيع» ، رَوَاهُ مَعَ أبي دَاوُد التِّرْمِذِيّ عَن أَحْمد بن منيع، عَن إِسْمَاعِيل بِهِ، (ثمَّ) قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع وَمعمر كِلَاهُمَا عَن أَيُّوب، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده كالروايات الْمَعْرُوفَة. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب، وَمن حَدِيث أبي كريب، عَن إِسْمَاعِيل بن علية، عَن أَيُّوب. فَلم يتَّفق فِيهِ عَلَى إِسْمَاعِيل بِزِيَادَة ذكر مُحَمَّد بن عبد الله. وَرَوَى النَّسَائِيّ من حَدِيث وهيب، عَن عبد الله بن طَاوس، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن أَبِيه مُحَمَّد بن عبد الله، وَقَالَ مرّة: عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 أَبِيه، وَقَالَ مرّة: عَن جده فِي النَّهْي عَن لُحُوم الْحمر والجلال. كَذَا رَوَاهُ أَبُو عَلّي الأسيوطي عَن النَّسَائِيّ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث يَعْقُوب بن عَطاء - وَقد ضَعَّفُوهُ، وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ - عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه دخل عَلَى (عَمْرو بن الْعَاصِ) وَهُوَ يتغدى يَوْم عَرَفَة فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء فَقَالَ: إِنِّي صَائِم. فَقَالَ: أما علمت أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن صِيَام هَذَا الْيَوْم؟ يَعْنِي بِعَرَفَة» . وكل هَذِه (الرِّوَايَات) خلاف الجادة عَنهُ. هَذَا آخر مَا أردته من ذكر هَذِه التَّرْجَمَة وإيضاحها، وَإِنَّمَا طولت الْكَلَام فِيهَا (لِأَنَّهَا) متكررة فِي كتَابنَا هَذَا وَغَيره كثيرا، فَأَرَدْت إيضاحها وتقريرها فِي أول مَوضِع ليحال مَا (يَقع) بعد ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة» . اعْلَم: أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي عدد تكْرَار مسح الرَّأْس عَلَى قمسين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 أَحدهمَا: (مَا) لم يُصَرح فِيهِ بِعَدَمِ التّكْرَار؛ بل أطلق ذكر الْمسْح إطلاقًا مَعَ ذكر الْعدَد فِي غَيره، وَذَلِكَ فِي أَحَادِيث: أَحدهَا: عَن الْمِقْدَام - بِالْمِيم فِي آخِره - بن معدي كرب - رَضي اللهُ عَنهُ - قَالَ: «أُتِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَغسل كفيه ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا (ثَلَاثًا) ثمَّ تمضمض واستنشق (ثَلَاثًا) ، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما و (باطنهما) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْمِقْدَام، قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (تَوَضَّأ) فَلَمَّا (بلغ) مسح رَأسه وضع كفيه عَلَى مقدم رَأسه، فأمرَّهما حَتَّى بلغ الْقَفَا، ثمَّ ردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَمسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما وَأدْخل (أَصَابِعه) فِي صماخ أُذُنَيْهِ» . وَأخرجه ابْن مَاجَه مُخْتَصرا وَلَفظه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ، فَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما» . روياه من حَدِيث الْوَلِيد، نَا حرِيز - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، وَكسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 الرَّاء الْمُهْملَة، وَفِي آخرهَا زَاي (مُعْجمَة) - (بن عُثْمَان) بن [جبر] (الرَّحبِي) بتحريك الْحَاء (بِالْفَتْح) عَن عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة، عَن الْمِقْدَام. وَعَلَى هَذَا السَّنَد اعْتِرَاض وَجَوَاب، سنذكرهما فِي مسح الْأُذُنَيْنِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحَدِيث الثَّانِي: حَدِيث عُثْمَان - رَضي اللهُ عَنهُ - الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَنه وصف وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَغسل أعضاءه ثَلَاثًا ثَلَاثًا» وَقَالَ فِي مسح الرَّأْس: «وَمسح بِرَأْسِهِ» من غير ذكر عدد. وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث بِطُولِهِ فِي الْبَاب، لَكِن رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ «أَنه خرج (فِي) نفر من أَصْحَابه حَتَّى جلس عَلَى المقاعد فَدَعَا بِوضُوء فَغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا وتمضمض إِلَى أَن قَالَ: وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ» . وَسَيَأْتِي قَرِيبا من رِوَايَة أبي دَاوُد «أَنه مسح رَأسه ثَلَاثًا» . الحَدِيث الثَّالِث: حَدِيث عَلّي - رَضي اللهُ عَنهُ - لَكِن قد جَاءَت عَنهُ رِوَايَات فِي أَحدهَا: «أَنه مسح رَأسه مرّة» وَفِي بَعْضهَا: و «مسح رَأسه» من غير ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 عدد، وَفِي بَعْضهَا: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . وكل هَذِه الرِّوَايَات قد قدمناها قَرِيبا. الحَدِيث الرَّابِع: حَدِيث عبد الله بن زيد أَيْضا كَذَلِك. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم بِذكر التّكْرَار فِي سَائِر الْأَعْضَاء إِلَّا مسح الرَّأْس، فَلم يذكرَا (فِيهَا) عددا. نعم فِي رِوَايَة لمُسلم: «وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة» . قَالَ ابْن عبد الْبر: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، فَذكر فِيهِ مسح الرَّأْس مرَّتَيْنِ، وَهُوَ وهم (مِنْهُ) . الْقسم الثَّانِي: مَا صرح (فِيهِ) بِعَدَمِ التّكْرَار، وَهُوَ عَلَى قسمَيْنِ: أَحدهمَا: مَا ذكر مَعَ التّكْرَار فِي غير الرَّأْس من الْأَعْضَاء (وَذَلِكَ) فِي أَحَادِيث: (أَحدهَا) : حَدِيث عبد الله بن زيد، عَلَى إِحْدَى روايتي مُسلم الْمُتَقَدّمَة. الثَّانِي: حَدِيث عُثْمَان، عَلَى رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ الْمُتَقَدّمَة. الثَّالِث: حَدِيث أنس - رَضي اللهُ عَنهُ - «أَنه تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا، واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، ثمَّ أخرج يَده الْيُمْنَى فغسلها ثَلَاثًا، ثمَّ غسل الْيُسْرَى ثَلَاثًا، ثمَّ مسح (بِرَأْسِهِ) مرّة وَاحِدَة، غير أَنه أمرّهما عَلَى أُذُنَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 فَمسح عَلَيْهِمَا، ثمَّ أَدخل [كفيه جَمِيعًا] فِي المَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث أبي مُحَمَّد الحِمَّاني - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم - وَبعد الْألف نون. قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ صَالح الحَدِيث. الرَّابِع: حَدِيث عبد الله بن أبي أَوْفَى - رَضي اللهُ عَنهُ - قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه مرّة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث فائد بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ. وفائد مَتْرُوك الحَدِيث. الْخَامِس: عَن رُزَيْق بن حَكِيم عَن رجل من الْأَنْصَار، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه كَانَ يتَوَضَّأ ثَلَاث مَرَّات ويستنشق (ويستنثر) وَيمْسَح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة» . رَوَاهُ ابْن السكن، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» وَسَيَأْتِي قَرِيبا فِي إِحْدَى رِوَايَات الرّبيع بنت معوذ «وَيمْسَح رَأسه (مرّة» مَعَ) ذكر الْغسْل ثَلَاثًا ثَلَاثًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 الْقسم الثَّانِي: مَا ذكر فِيهِ مسح الرَّأْس مرّة من غير ذكر التّكْرَار فِي غَيره من الْأَعْضَاء، وَمن ذَلِكَ حديثان: أَحدهمَا: حَدِيث أبي حَيَّة، عَن عَلّي - كرَّم الله وَجهه -: «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح رَأسه مرّة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه مُخْتَصرا، وَقد سبق خِلَافه فِي الْقسم الأول. الثَّانِي: حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ، فَمسح رَأسه مرّة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه، هَذَا كُله مَعَ أَحَادِيث صَحِيحَة وَارِدَة فِي الْبَاب «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ مرّة مرّة» فَيدْخل (مسح الرَّأْس) فِي إِطْلَاقهَا، من ذَلِكَ حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ مرّة مرّة» . رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب، وَأَصَح. وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «أَنا أعلمكُم بِوضُوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَوَضَّأ مرّة مرّة» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَرَوَاهُ الْبَزَّار من رِوَايَة جَابر وَأبي رَافع وَسليمَان بن (بُرَيْدَة) عَن أَبِيه، وَعبد الله بن عمر. وَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ من حَدِيث ابْن الْفَاكِه. وَرَوَاهُ الْخَطِيب (من حَدِيث) عكراش بن ذُؤَيْب، كلهم عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أنَّه تَوَضَّأ مرّة مرّة» . الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ عَن عُثْمَان - رَضي اللهُ عَنهُ - «أنَّه لما وصف وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة» . (هَذَا الحَدِيث صَحِيح، تقدم بَيَانه فِي الحَدِيث الَّذِي قبله وَاضحا) . الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن عَلّي - كرم الله وَجهه - «أنَّه لما وصف (وضوء) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بِرَأْسِهِ (مرّة) وَاحِدَة» . هَذَا الحَدِيث تقدَّم بَيَانه قَرِيبا فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ عَن الرُّبَيِّع بنت معوذ بن عفراء - رَضي اللهُ عَنها - قَالَت: «مسح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأسه مرَّتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَنْهَا من طرق، باخْتلَاف أَلْفَاظ. فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد، نَا بشر بن الْمفضل، نَا عبد الله بن مُحَمَّد (بن) عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء، قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يأتينا (فحدثتنا) أنَّه قَالَ: «اسكبي لي وضُوءًا ... » فَذكرت وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت فِيهِ: «فَغسل كفيه ثَلَاثًا، ووضَّأ وَجهه ثَلَاثًا، ومضمض واستنشق مرّة، ووضَّأ (يَدَيْهِ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمسح (بِرَأْسِهِ) مرَّتَيْنِ يبْدَأ بمؤخر رَأسه ثمَّ بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما، ووضَّأ رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (تمضمض واستنثر) ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة: «فَمسح الرَّأس كُله من قرن الشَّعر كل نَاحيَة لِمُنْصَبِّ الشّعْر لَا يُحَرك الشّعْر عَن هَيئته» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة، ثَنَا بشر بن الْمفضل، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرُّبيع بنت معوذ بن عفراء «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد قَالَا: ثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت: «تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَمسح رَأسه مرَّتَيْنِ» . وَرَوَاهُ الإِمام أَحْمد من هَذَا الْوَجْه مطولا، وَفِيه: «وَمسح رَأسه بِمَا بَقِي من وضوئِهِ فِي يَدَيْهِ مرَّتَيْنِ، بَدَأَ بمؤخره ثمَّ (رَدَّ) يَده عَلَى ناصيته» هَذِه الرِّوَايَات كلهَا عَن الرّبيع بنت معوذ مُوَافقَة لما أوردهُ المُصَنّف. وَقد رُوِيَ عَنْهَا «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح رَأسه مرّة وَاحِدَة» فروَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن بكر بن مُضر، عَن ابْن عجلَان، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَنْهَا أنَّها أخْبرته قَالَت: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ قَالَت: فَمسح رَأسه وَمسح مَا أقبل مِنْهُ وَمَا أدبر وصدغيه وَأُذُنَيْهِ مرّة وَاحِدَة» . قَالَ ابْن عَسَاكِر: وجدت فِي نُسْخَة من طَرِيق اللؤْلُؤِي: عَن ابْن عقيل، عَن أَبِيه، عَن ربيع وَهُوَ وهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَأخرجه الإِمام أَحْمد أَيْضا. وَرُوِيَ عَنْهَا مَا إِطْلَاقه يَقْتَضِي مسح الرَّأْس ثَلَاثًا. فروَى ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء: «أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . والرُبَيِّع: بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء وَكسر الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت، ومُعَوِّذ: بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَكسر الْوَاو الْمُشَدّدَة بعْدهَا ذال مُعْجمَة، وَحَكَى صَاحب «الْمطَالع» فتح الْوَاو وَكسرهَا، وَعَن بَعضهم أنَّه لَا يُجِيز الْكسر، وعفراء: بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْفَاء، وَهِي الرّبيع بنت معوذ بن الْحَارِث الْأَنْصَارِيَّة، من المبايعات تَحت الشَّجَرَة بيعَة الرضْوَان. فصل اعْلَم أنَّ مدَار هَذَا الحَدِيث بِطرقِهِ عَلَى عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل - وَقد أَثْنَى عَلَيْهِ قوم وَتكلم فِيهِ آخَرُونَ - فلنذكر فِي هَذَا الْموضع مقالات الْحفاظ فِيهِ ليحال مَا يَقع بعده عَلَيْهِ، فَنَقُول: هُوَ (عبد الله بن مُحَمَّد) بن عقيل بن أبي طَالب أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي الْهَاشِمِي التَّابِعِيّ، رَوَى عَن جماعات من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَرَوَى عَنهُ الْأَئِمَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 قَالَ الْحَاكِم: كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق يحتجان بحَديثه، وَلَيْسَ بالمتين عِنْدهم. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ كثير الْعلم، وَكَانَ مُنكر الحَدِيث لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هُوَ ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: ضَعِيف. وَضَعفه أَيْضا: ابْن عُيَيْنَة وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة وَابْن خُزَيْمَة. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ رَدِيء الْحِفْظ، يحدث عَلَى التَّوَهُّم فَيَجِيء بالْخبر عَلَى غير سنَنه، فلمَّا كثر ذَلِكَ فِي أخباره وَجب مجانبتها والاحتجاج بغَيْرهَا. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «التَّذْكِرَة» : هُوَ ضَعِيف جدًّا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ صَدُوق، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه. قَالَ: وَسمعت البُخَارِيّ يَقُول: كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم والْحميدِي يحتجون بحَديثه. قَالَ البُخَارِيّ: وَهُوَ مقارب الحَدِيث - يَعْنِي: بِكَسْر الرَّاء، وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ (مَحْمُول) عِنْدهم عَلَى مقاربة الصِّحَّة. قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» : رُوِيَ مقارب - بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا - وَبِفَتْحِهَا قرأته؛ فَمن فتح أَرَادَ أَن غَيره يُقَارِبه فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الْحِفْظ، وَمن كسر أَرَادَ (أَنه) يُقَارب غَيره، فَهُوَ فِي الأوَّل مفعول، وَفِي الثَّانِي فَاعل، وَالْمعْنَى وَاحِد. قلت: فكلاهما تَوْثِيق لَهُ لَكِن (الْفَتْح) أشدّ توثيقًا. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هُوَ مُسْتَقِيم فِي الحَدِيث مقدم فِي الشّرف. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب لَا يتَطَهَّر بِالْمُسْتَعْملِ: أهل الْعلم (مُخْتَلفُونَ) فِي (جَوَاز) الِاحْتِجَاج بِرِوَايَاتِهِ. وَقَالَ فِي بَاب الدَّلِيل عَلَى أنَّه يَأْخُذ لكلّ عُضْو مَاء جَدِيدا: لم يكن بِالْحَافِظِ. وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: شرِيف عَالم لَا يطعن عَلَيْهِ إِلَّا مُتَحَامِل، وَهُوَ أَقْوَى من كلِّ من ضعفه وَأفضل. قلت: وَالتِّرْمِذِيّ - كَمَا نرَى - تَارَة يحسن حَدِيثه وَتارَة يُصَحِّحهُ، كَمَا تقدم. وَقد ذكر لَهُ أَيْضا حَدِيثا فِي (أَبْوَاب) الْفَرَائِض و (حكم) عَلَيْهِ بالْحسنِ وَالصِّحَّة. وَذكر لَهُ حَدِيث حمْنَة فِي الِاسْتِحَاضَة وَفعل فِيهِ كَمَا فعل فِي هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وَحَكَى (عَن البُخَارِيّ) أنَّه حسنه، وَعَن أَحْمد أنَّه صَححهُ. وَقَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شرح الْمُهَذّب» : اخْتلف الْعلمَاء فِي الِاحْتِجَاج بِمُحَمد بن عقيل. قَالَ: واحتجَّ بِهِ الْأَكْثَرُونَ، وَحسن التِّرْمِذِيّ أَحَادِيث من رِوَايَته. الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ عَن عُثْمَان - ذِي النّورين رَضي اللهُ عَنهُ لقب بذلك لأنَّه تزوج بِنْتي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رقية، وأمّ كُلْثُوم، وَلم يتَّفق لأحد من لدن آدم عَلَيْهِ السَّلَام نِكَاح بِنْتي نَبِي إِلَّا لَهُ، وَمِمَّنْ أَفَادَهُ: الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» - «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فَمسح رَأسه ثَلَاثًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَالْبَزَّار فِي «مُسْنده» كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا الضَّحَّاك بن مخلد، نَا عبد الرَّحْمَن بن وردان، حَدَّثَني أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، حَدَّثَني حمْرَان قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان تَوَضَّأ ... » فَذكر نَحوه - يَعْنِي حَدِيثا قبله - لم يذكر الْمَضْمَضَة و (الاستنثار) قَالَ فِيهِ: «وَمسح رَأسه ثَلَاثًا ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ هَكَذَا وَقَالَ: من تَوَضَّأ دون هَذَا كَفاهُ» هَذَا لفظ أبي دَاوُد. وَلَفظ الْبَزَّار: «رَأَيْت عُثْمَان تَوَضَّأ فَغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 ثَلَاثًا، وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه ثَلَاثًا، وَغسل رجلَيْهِ ... » وَالْبَاقِي مثله. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك وَرُوَاته عَن آخِرهم ثِقَات. أمَّا مُحَمَّد بن الْمثنى؛ فَهُوَ الْحَافِظ الثِّقَة الْوَرع، وَكَذَلِكَ الضَّحَّاك بن مخلد، بَصرِي حَافظ احتجّ (بِهِ) البُخَارِيّ وَمُسلم وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وأمَّا عبد الرَّحْمَن بن وردان؛ فَهُوَ أَبُو بكر (الْمعَافِرِي) الْمُؤَذّن، صَدُوق، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: صَالح. وأمَّا أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن؛ فَهُوَ أحد الْأَعْلَام أخرج لَهُ السِّتَّة، و (كَذَا) حمْرَان، فإسناد هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرط «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَبَاقِي «الْكتب السِّتَّة» إِلَّا ابْن وردان، فَلم يخرج لَهُ إِلَّا أَبُو دَاوُد وَحده. وَقد وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين والإِمام أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ كَمَا تقدم، وهما إِمَامًا هَذَا الْفَنّ وَسكت عَنهُ أَبُو دَاوُد؛ فَهُوَ حسن عِنْده أَو صَحِيح، وَأقرهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي «اختصاره للسنن» وَلم يعقبه بِشَيْء. وَقَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد» : إِسْنَاد هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 الحَدِيث حسن، كل رِجَاله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» إِلَّا ابْن وردان، وَقد وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَأَبُو حَاتِم قَالَ: فَالْحَدِيث حسن بِهَذِهِ الزِّيَادَة. وَقَالَ شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الحَدِيث فِي إِسْنَاده: عبد الرَّحْمَن بن وردان وَقد قَالَ يَحْيَى: صَالح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا بِهِ بَأْس. وَغَيره من رجال هَذَا الإِسناد مَشْهُور، فلولا مُخَالفَة عبد الرَّحْمَن الثِّقَات فِي انْفِرَاده بالتثليث لَكَانَ صَحِيحا أَو حسنا. قلت: لم ينْفَرد بهَا عبد الرَّحْمَن. فقد رَوَاهَا جماعات كروايته: فروَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن هَارُون بن عبد الله، ثَنَا يَحْيَى بن آدم، نَا إِسْرَائِيل، عَن عَامر بن شَقِيق بن جَمْرَة - بِالْجِيم، وَالرَّاء الْمُهْملَة - عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان - رَضي اللهُ عَنهُ - غسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل هَذَا» . وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادًا ومتنًا، وَهَذَا إِسْنَاد كلّ رِجَاله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» إِلَّا هَارُون، فَفِي مُسلم، وَإِلَّا عَامر بن شَقِيق؛ فَهُوَ صَدُوق، وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان، وَإِن كَانَ أَبُو حَاتِم قَالَ: لَيْسَ بقويّ. وَابْن معِين قَالَ: ضَعِيف. فَلم يبيِّن سَبَب ضعفه، وَلَا يقبل (إِلَّا) مُفَسرًا، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بعد ذكر هَذِه الطَّرِيق: قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: لَا أعلم فِي عَامر طَعنا بِوَجْه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 الْوُجُوه (ثمَّ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِسْنَاده قد احتجا - يَعْنِي: البُخَارِيّ وَمُسلم - بِجَمِيعِ رُوَاته غير عَامر بن شَقِيق. وَعَلَى الْبَيْهَقِيّ اعْتِرَاض فِي قَوْله أنَّهما احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته. فهارون بن عبد الله لم يخرج لَهُ البُخَارِيّ رَأْسا، لكنَّه حَافظ، وَهُوَ الْمَعْرُوف بالحَمَّال - بِالْحَاء الْمُهْملَة. وَأخرج هَذَا الحَدِيث إِمَام الْأَئِمَّة أَبُو بكر بن خُزَيْمَة (فِي «صَحِيحه» ) من طَرِيق أبي دَاوُد بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا (سِيَاق) مَتنه: عَن إِسْرَائِيل، عَن عَامر بن شَقِيق (عَن شَقِيق) بن سَلمَة، عَن عُثْمَان «أنَّه تَوَضَّأ فَغسل وَجهه ثَلَاثًا، واستنشق ثَلَاثًا، ومضمض ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما وَرجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وخلل لحيته وأصابع الرجلَيْن، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ) ثمَّ قَالَ: عَامر هَذَا هُوَ عَامر بن شَقِيق بن جَمْرَة الْأَسدي، لَيْسَ شَقِيق بن سَلمَة. انْتَهَى. وَهَذَانِ الطريقان هما أَجود طرق هَذَا الحَدِيث، وَله طرق أُخْرَى: أَحدهَا: عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي مَرْيَم، قَالَ: «دخلت عَلَى ابْن دارة فَقَالَ: رَأَيْت عُثْمَان دَعَا بِوضُوء فَمَضْمض ثَلَاثًا، واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وذراعيه ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا، وَغسل قَدَمَيْهِ ثمَّ قَالَ: من أحب أَن ينظر إِلَى وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَهَذَا وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن صَفْوَان بن عِيسَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي مَرْيَم (بِهِ) . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن [الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل] عَن مُحَمَّد بن عبد الله المخرمي، عَن صَفْوَان بِهِ. وَأخرج هَذِه الطَّرِيقَة، ابْن السكن فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب «السّنَن الصِّحَاح المأثورة» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن إِسْحَاق بن يَحْيَى، عَن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب، عَن أَبِيه عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب، عَن عُثْمَان بن عَفَّان «أنَّه تَوَضَّأ فَغسل (يَدَيْهِ) ثَلَاثًا كلّ (وَاحِدَة) مِنْهُمَا، واستنثر ثَلَاثًا، ومضمض ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وَغسل ذِرَاعَيْهِ كلّ (وَاحِدَة) مِنْهُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا، وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتوضَّأ هَكَذَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف السّلمِيّ، نَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 حَدَّثَني أَبُو بكر، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن إِسْحَاق بن يَحْيَى بِهِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد لم يخْتَلف فِيهِ، إِلَّا أنَّ إِسْحَاق بن يَحْيَى لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: إِسْحَاق هَذَا أخرج لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: يحْتَج بِهِ فِيمَا وَافق الثِّقَات. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن (صَالح) بن عبد الْجَبَّار، نَا (ابْن) الْبَيْلَمَانِي - بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت سَاكِنة، ثمَّ لَام ثمَّ مِيم، ثمَّ ألف، ثمَّ نون، ثمَّ يَاء مثناة تَحت - عَن أَبِيه، عَن عُثْمَان بن عَفَّان «أنَّه تَوَضَّأ بالمقاعد - والمقاعد بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ يصلى عَلَى الْجَنَائِز عِنْد الْمَسْجِد - فَغسل كفيه ثَلَاثًا ثَلَاثًا، واستنثر ثَلَاثًا، وتمضمض ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وَيَديه إِلَى الْمرْفقين ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا، وَغسل قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا، وسلَّم عَلَيْهِ رجل وَهُوَ يتَوَضَّأ فَلم يرد عَلَيْهِ حَتَّى فرغ، فَلَمَّا فرغ كَلَّمه يعْتَذر إِلَيْهِ، وَقَالَ: لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إِلَّا أنّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من تَوَضَّأ هَكَذَا وَلم يتَكَلَّم ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، غفر لَهُ مَا بَين الوضوئين» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، نَا شُعَيْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 بن مُحَمَّد (الْحَضْرَمِيّ) نَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الْحَضْرَمِيّ، ثَنَا صَالح بِهِ. وَابْن الْبَيْلَمَانِي هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، أخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ (التِّرْمِذِيّ) : قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي كِتَابه الْأَوْسَط: كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث، لَا يحل الرِّوَايَة عَنهُ. وَأَبوهُ عبد الرَّحْمَن أخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، قَالَ أَبُو حَاتِم: لين. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ ابْن الْقطَّان: صَالح مَجْهُول الْحَال، لَا أعرفهُ إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث «أنكحوا الْأَيَامَى» . الطَّرِيق الرَّابِع: عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن حمْرَان، عَن عُثْمَان «أنَّه أُتِي بِمَاء فَمَضْمض واستنشق، وَغسل وَجهه (ثَلَاثًا وَيَديه) ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا حَتَّى أَتَى عَلَى الْوضُوء وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ» . رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» هَكَذَا عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل الْهَبَّاري، نَا أَبُو أُسَامَة، عَن هِشَام بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 الطَّرِيق الْخَامِس: عَن اللَّيْث بن سعد، عَن خَالِد، عَن (سعيد بن أبي) هِلَال، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح «أَن عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ أُتِي بِوضُوء ... » (فَذكر) الحَدِيث، (قَالَ) : «ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا حَتَّى قَفاهُ، وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما» وَفِي آخِره النِّسْبَة إِلَى وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» وخرجه فِي «الخلافيات» وَهُوَ مُنْقَطع فِيمَا بَين عَطاء بن أبي رَبَاح وَعُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ. وكشفت أَنا «الخلافيات» للبيهقي فَلم أرَ لهَذِهِ الطَّرِيقَة فِيهِ ذكرا، فَلَعَلَّهُ فِي غير المظنة، نعم هُوَ فِي السّنَن. الطَّرِيق السَّادِس: عَن عُثْمَان «أنَّه تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (تَوَضَّأ) » . رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَمْرو بن عَلّي، قَالَا: ثَنَا عُثْمَان بن عمر، ثَنَا فليح بن سُلَيْمَان، عَن سعيد بن الْحَارِث، عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، عَن أَبِيه، عَن عُثْمَان (بِهِ) ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث حسن الإِسناد، وَلَا نعلم رَوَى (زيد بن ثَابت، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 عُثْمَان حَدِيثا مُسْندًا إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَلَا لَهُ إِسْنَاد، عَن زيد بن) ثَابت إِلَّا هَذَا الإِسناد. قلت: وَقد تقدم فِي الحَدِيث (الثَّلَاثِينَ) أنَّ مُسلما وَالْبَيْهَقِيّ روياه أَيْضا. الطَّرِيق السَّابِع: عَن عبد الْكَرِيم، عَن حمْرَان، قَالَ: «تَوَضَّأ عُثْمَان فَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وَيَديه ثَلَاثًا، وَمسح بِرَأْسِهِ، وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: تَوَضَّأت كَمَا توضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» أَيْضا، عَن مُحَمَّد بن (مَرْزُوق) نَا عبد الله بن رَجَاء، ثَنَا عبد الْعَزِيز الْمَاجشون، عَن عبد الْكَرِيم بِهِ. الطَّرِيق الثَّامِن: عَن [عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر] عَن أبي عَلْقَمَة مولَى ابْن عَبَّاس، عَن عُثْمَان «أنَّه دَعَا بِوضُوء وَعِنْده نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأفرغ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وغسلهما ثَلَاثًا، ومضمض ثَلَاثًا، واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وَيَديه إِلَى الْمرْفقين ثَلَاثًا، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ وَغسل رجلَيْهِ فأنقاهما، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ مثل هَذَا الْوضُوء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا، عَن مُحَمَّد بن مَرْزُوق، ثَنَا مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، ثَنَا (عبيد الله) بن أبي (زِيَاد) القداح، أَخْبرنِي [عبد الله] (بِهِ) . فتلخص من هَذَا كُله أنَّ حَدِيث عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ الَّذِي أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ لَهُ طرق (عشر) وَفِي بَعْضهَا ضعف يسير، فَلَا تقدح فِيمَا حسناه مِنْهَا؛ بل تِلْكَ جابرة لَهَا، كَيفَ وأئمة هَذَا الْفَنّ يَقُولُونَ أَن الحَدِيث الضَّعِيف إِذا رُوِيَ من طرق يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا. قَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شرح الْمُهَذّب» : حَدِيث عُثْمَان هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد حسن. قَالَ: وَذكر أَيْضا الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح أَنه حَدِيث حسن، وَرُبمَا ارْتَفع من الْحسن إِلَى الصِّحَّة بشواهده وَكَثْرَة طرقه. قَالَ: [فَإِن] الْبَيْهَقِيّ وَغَيره رَوَوْهُ من طرق كَثِيرَة غير طَرِيق أبي دَاوُد. انْتَهَى مَا نَقله النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 فَإِن قلت: يقْدَح فِيمَا قَرّرته أَيهَا المُصَنّف من حسن هَذَا الحَدِيث قَول أبي دَاوُد فِي «سنَنه» : أَحَادِيث عُثْمَان الصِّحَاح كلهَا تدل عَلَى مسح الرَّأْس أنَّه مرّة؛ فَإِنَّهُم ذكرُوا الْوضُوء ثَلَاثًا قَالُوا فِيهَا «وَمسح رَأسه» لم يذكرُوا عددا كَمَا ذكرُوا فِي غَيره. وَقَول الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن الْكَبِير» : وَرُوِيَ من أوجه غَرِيبَة، عَن عُثْمَان (وفيهَا مسح الرَّأْس ثَلَاثًا) إِلَّا أَنَّهَا مَعَ خلاف الْحفاظ الثِّقَات لَيست بِحجَّة عِنْد أهل الْمعرفَة، وَإِن كَانَ بعض أَصْحَابنَا يحْتَج بهَا. قلت: لَا تنَافِي بَين قَوْلنَا وَقَول أبي دَاوُد؛ لأَنا قَررنَا حسن الحَدِيث، وَأَبُو دَاوُد قَالَ: أَحَادِيث عُثْمَان الصِّحَاح، فَأَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم ينفِ حسنه؛ وإنَّما نَفَى صِحَّته. (بل لَو ادعيت) صِحَّته من طريقيه الْأَوَّلين لم أبعد؛ بل هُوَ - إِن شَاءَ الله - كَمَا قَرّرته، عَلَى أَن أَحَادِيث الصِّحَاح لَيْسَ فِيهَا نفي الْعدَد، وَحَدِيثه هَذَا من جَمِيع طرقه فِيهَا إثْبَاته؛ فَقدم عَلَى الأوَّل، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : مَا رُوِيَ فِي حَدِيث عُثْمَان وَغَيره من الْمسْح مرّة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهِ نفي عدد، وَفِيمَا رَوَيْنَاهُ إثْبَاته سنة، وَالْأولَى بِنَا الْجمع بَين الْخَبَرَيْنِ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» : وأمّا من رَوَى عَن عُثْمَان أنَّه لم يذكر فِي الْمسْح عددا فَلَا حجَّة فِي ذَلِكَ، من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 (ذكر) الْعدَد مقدم القَوْل. وأمَّا قولة الْبَيْهَقِيّ فيعارضها بِأَنَّهُ ذكر من تِلْكَ الْأَحَادِيث فِي «خلافياته» حديثين محتجًا بهما، وهما: حَدِيث عَامر [عَن] شَقِيق بن سَلمَة، وَقَالَ: إِسْنَاده قد احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته غير عَامر بن شَقِيق. ثمَّ ذكر قولة الْحَاكِم الْمُتَقَدّمَة فِي عَامر. والْحَدِيث الثَّانِي: حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن (عَن حمْرَان الْمُتَقَدّم) فَلَعَلَّهُ يكون قَالَ ذَلِكَ قبل تصنيفه «الخلافيات» جمعا بَين كلاميه. عَلَى أَن ذكر مسح الرَّأْس ثَلَاثًا قد ورد فِي غير مَا حَدِيث (غير حَدِيث) عُثْمَان مِنْهَا: حَدِيث عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ وَقد تقدم ذكر اخْتِلَاف طرقه فِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين من هَذَا الْبَاب، وَأَن الإِمام أَبَا حنيفَة رَوَى التَّثْلِيث فِي مسح الرَّأْس وَرَوَاهُ غَيره أَيْضا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: خَالفه جمَاعَة من الْحفاظ الثِّقَات فَقَالُوا فِيهِ: «وَمسح رَأسه مرّة» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَكثر الروَاة رَوَوْهُ عَن عَلّي دون ذكر التّكْرَار. قَالَ: وَأحسن مَا رُوِيَ عَن عَلّي فِيهِ مَا رَوَاهُ (عَنهُ) ابْنه (الْحسن) بن عَلّي ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ عَنهُ، وَذكر مسح الرَّأْس ثَلَاثًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ. وَإِسْنَاده حسن، وَمِنْهَا: حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن (بن) الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه عَن ابْن عمر - رَضي اللهُ عَنهما - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من تَوَضَّأ فَغسل كفيه ثَلَاثًا (واستنثر ثَلَاثًا) وَغسل وَجهه وَيَديه ثَلَاثًا [ثَلَاثًا] وَمسح رَأسه ثَلَاثًا وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا [ثَلَاثًا] ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وأنَّ مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قبل أَن يتكلَّم غفر لَهُ مَا بَين الوضوءين» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَتقدم الْكَلَام فِي ابْن الْبَيْلَمَانِي وَأَبِيهِ. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس «أنَّه وصف وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَمسح رَأسه ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ سَائِر أَعْضَائِهِ» . رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن ركَانَة، عَن عبيد الله الْخَولَانِيّ (عَن ابْن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى هَكَذَا إِلَّا بِهَذَا الإِسناد. والخولاني) لَا نعلم أنَّ أحدا يروي عَنهُ غير مُحَمَّد بن طَلْحَة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَمِنْهَا حَدِيث أبي رَافع وَابْن أبي أَوْفَى «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ، فَمسح رَأسه ثَلَاثًا» . قَالَ: وَاعْتمد الإِمام الشَّافِعِي فِي اسْتِحْبَاب التَّثْلِيث فِي الْمسْح: حَدِيث عُثْمَان الثَّابِت فِي مُسلم وَغَيره من الْأَحَادِيث الْمُتَقَدّمَة «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - توضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» ، وَوجه الدّلَالَة مِنْهُ أنَّ قَوْله: تَوَضَّأ يَشْمَل الْغسْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَالْمسح. وَمنع الْبَيْهَقِيّ وَغَيره الدّلَالَة من هَذَا؛ لأنَّها رِوَايَة مُطلقَة، وَجَاءَت الرِّوَايَات الثَّابِتَة فِي الصَّحِيح مصرحة بأنَّه غسل الْأَعْضَاء ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمسح الرَّأْس مرّة. وَاعْترض ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَلَى الْقَائِل بِهَذَا فَقَالَ: قَول من ذكر الْعدَد مقدم عَلَى من لم يذكرهُ (قَالَ) . وَعَلَى تَقْدِير التَّصْرِيح بالمرة، فَيحمل عَلَى بَيَان الْجَوَاز. ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: التَّثْلِيث يُصَيِّر الْمسْح غسلا، وَالْمسح مَبْنِيّ عَلَى التَّخْفِيف فَيخرج عَن مَوْضُوعه. قلت: (هَذِه) عبَادَة لَا يعقل مَعْنَاهَا. وَقد رَوَى أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ، ثَنَا ربيعَة بن عتبَة الْكِنَانِي، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن زر بن حُبَيْش قَالَ: «مسح عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ رَأسه فِي الْوضُوء حَتَّى أَرَادَ أَن يقطر، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَكَذَا يتَوَضَّأ» . قَالَ أَحْمد: وثنا عَلّي بن بَحر، نَا الْوَلِيد بن مُسلم (عَن) عبد الله بن الْعَلَاء، عَن أبي الْأَزْهَر، عَن مُعَاوِيَة «أنَّه ذكر لَهُم وضوء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأنَّه مسح بغرفة من مَاء حَتَّى يقطر المَاء عَن رَأسه أَو كَاد يقطر» . قلت: وَفِي رِوَايَة (للبزار) «ثمَّ مسح (بِرَأْسِهِ) حَتَّى كَاد يقطر» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَإسْنَاد الأوَّل صَحِيح، وَالثَّانِي فِي حسنه وَقْفَة؛ لعنعنة الْوَلِيد، وَقد عرف تدليسه وتسويته. قَالَ النَّووي فِي «كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد» فِي الأوَّل: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح كلّ رِجَاله فِي الصَّحِيح مَشْهُور إِلَّا ربيعَة بن عتبَة الْكِنَانِي وَقد وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَلم يجرحه غَيره. فَالْحَدِيث صَحِيح. كَذَا قَالَ النَّووي، وادَّعى ابْن الْقطَّان أَن البُخَارِيّ أخرج لِرَبِيعَة هَذَا، وَهُوَ غلط مِنْهُ؛ بل لم يخرج لَهُ أحد من «الْكتب السِّتَّة» غير أبي دَاوُد. قَالَ: وَلَا أعلم لَهُ عِلّة إِلَّا الْمنْهَال؛ فَإِن ابْن حزم قد قَالَ فِيهِ: لَا يقبل فِي باقة بقل. قَالَ: وَالرجل قد وَثَّقَهُ جماعات: ابْن معِين وَغَيره. فَافْهَم مَا قَرَّرْنَاهُ لَك أيَّها النَّاظر فِي هَذَا الْموضع؛ فَإِنَّهُ مُهِمّ يرحل إِلَيْهِ، جعل الله ذَلِكَ خَالِصا لوجهه بِمُحَمد وَآله. الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخلّل لحيته» . هَذَا الحَدِيث حسن. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث إِسْرَائِيل، عَن عَامر بن شَقِيق، عَن أبي وَائِل، عَن عُثْمَان. وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذِه الطَّرِيق، وَلَفظه: عَن أبي وَائِل قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ تَوَضَّأ فخلل لحيته ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 «فعله) » . وَرَوَاهُ (الدَّارمِيّ) فِي «مُسْنده» وَلَفظه: عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان تَوَضَّأ (فخلل لحيته، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ) . وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار والدَّارقطني، وَصَححهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من رِوَايَة إِسْرَائِيل، عَن عَامر بن شَقِيق [عَن شَقِيق] بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان تَوَضَّأ فَغسل وَجهه واستنشق ومضمض ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما، وخلل لحيته ثَلَاثًا حِين غسل وَجهه قبل أَن يغسل قَدَمَيْهِ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفعل الَّذِي رَأَيْتُمُونِي» . (وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي «صَحِيحه» وَلَفظه كَمَا تقدم) فِي طرق الحَدِيث الَّذِي قبله، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 حسن صَحِيح. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - يَعْنِي: البُخَارِيّ -: أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ أنَّه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هُوَ حسن. وَقَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ (يرْوَى) عَن عُثْمَان إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : قد اتّفق الشَّيْخَانِ - يَعْنِي: البُخَارِيّ و (مُسلما) - عَلَى إِخْرَاج طرق حَدِيث عُثْمَان فِي ذكر وضوئِهِ، وَلم يذكرَا فِي روايتهما تَخْلِيل اللِّحْيَة [ثَلَاثًا] وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح قد احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته غير عَامر بن شَقِيق، وَلَا أعلم فِي عَامر بن شَقِيق طَعنا بِوَجْه من الْوُجُوه. قَالَ: وَله فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة شَاهد صَحِيح عَن عمار بن يَاسر وَأنس بن مَالك وَعَائِشَة. أمَّا حَدِيث عمار، فَرَوَاهُ عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن حسان بن (بِلَال) «أنَّه رَأَى عمار بن يَاسر يتَوَضَّأ فخلل (لحيته، وَقَالَ) : وَمَا يَمْنعنِي وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخلل لحيته» . قلت: عبد الْكَرِيم هَذَا هُوَ أَبُو أُميَّة بن أبي الْمخَارِق، كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ، وَهُوَ أحد الضُّعَفَاء، وَلم يسمعهُ من حسان. قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 ابْن عُيَيْنَة وَالْبُخَارِيّ، فَأَيْنَ الصِّحَّة؟ نعم أخرجه ابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن حسان. وَادَّعَى ابْن حزم جَهَالَة حسان هَذَا، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ثِقَة. ثمَّ قَالَ ابْن حزم: لَا يعرف لحسان لِقَاء لعمَّار. قلت: هَذَا عَجِيب؛ فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن حسان قَالَ: «رَأَيْت عمار بن يَاسر ... » فَذكر الحَدِيث، وَفِي الطَّبَرَانِيّ نَحوه فاستفده. وأمَّا حَدِيث أنس فَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنهُ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ وخلل لحيته بأصابعه من تحتهَا» وَإِسْنَاده صَحِيح كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان فِي «علله» . وَرَوَاهُ [مُوسَى بن أبي] عَائِشَة، عَن أنس قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ وخلل لحيته وَقَالَ: بِهَذَا أَمرنِي ربّي» . وأمَّا حَدِيث عَائِشَة؛ فَرَوَاهُ طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز عَنْهَا قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا تَوَضَّأ خلل [لحيته] » . قلت: وَله أَيْضا شَاهد من حَدِيث أمّ سَلمَة وَأبي أَيُّوب وَأبي أُمَامَة وَابْن عمر وَجَابِر وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَجَرِير وَابْن أبي أَوْفَى وَغَيرهم رَضي اللهُ عَنهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أمَّا حَدِيث أمِّ سَلمَة، فَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَلم يذكرَا لَفظه. وأمَّا حَدِيث أبي أَيُّوب؛ فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه والعقيلي من حَدِيث أبي سُورَة عَنهُ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فخلل لحيته» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «علله» وَلَفْظهمَا: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا تَوَضَّأ، تمضمض ومسَّ لحيته بِالْمَاءِ من تحتهَا» ، ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا شَيْء. فَقلت: أَبُو سُورَة مَا اسْمه؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا يصنع بِهِ، عِنْده مَنَاكِير، لَا يعرف لَهُ سَماع من أبي أَيُّوب. انْتَهَى. وَأَبُو سُورَة هَذَا هُوَ ابْن أخي أبي أَيُّوب. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَجْهُول. وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان. وأمَّا حَدِيث أبي أُمَامَة؛ فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» نَا زيد بن الْحباب، عَن عمر بن سليم الْبَاهِلِيّ، قَالَ: حَدَّثَني أَبُو غَالب قَالَ: «قلت لأبي أُمَامَة: أخبرنَا عَن وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَوَضَّأ ثَلَاثًا وخلل لحيته، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفعل» . زيد بن الْحباب احْتج بِهِ مُسلم ووثق، وَعمر بن سليم الْبَاهِلِيّ سُئِلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. وَأَبُو غَالب اخْتلف فِي اسْمه؛ فَقيل: حَزَوَّر - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة مَعًا، وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة وَآخره رَاء مُهْملَة - وَقيل: سعيد. وَهُوَ صَالح الحَدِيث. وَقد صحّح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه. فإسناد هَذَا الطَّرِيق حسن. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أكبر معاجمه» عَن عبيد بن غَنَّام، نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة. و (عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الْمروزِي) نَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْهَرَوِيّ، قَالَا: نَا زيد بن الْحباب فَذكره. وأمَّا حَدِيث ابْن عمر؛ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث مؤمَّل بن إِسْمَاعِيل، نَا عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع عَنهُ «أنَّه كَانَ إِذا تَوَضَّأ خلل لحيته وأصابع رجلَيْهِ، وَيَزْعُم أنَّه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفعل ذَلِكَ» ثمَّ قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر إِلَّا مُؤَمل. قلت: قَالَ أَبُو حَاتِم فِي مُؤَمل: إنَّه صَدُوق، شَدِيد فِي السّنة، كثير الْخَطَأ. وَرَوَاهُ الْخلال مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر «أنَّه كَانَ إِذا تَوَضَّأ خلل لحيته» قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد المخرمي: قَالَ أَحْمد: لَيْسَ فِي التَّخْلِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 أصحّ من هَذَا. وَسَيَأْتِي لحَدِيث ابْن عمر طَريقَة أُخْرَى بعد هَذَا - إِن شَاءَ الله. وأمَّا حَدِيث جَابر؛ فَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» من رِوَايَة الْحسن عَنهُ، وَمن طَرِيق لَا يعول عَلَيْهَا: قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ فخلل لحيته كأنَّها أَنْيَاب مشط» . وأمَّا حَدِيث عَلّي؛ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ - فِيمَا انتقاه أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه عَلَيْهِ، فِيمَا انتقاه هُوَ عَن أهل الْبَصْرَة - من حَدِيث أبي البخْترِي الطَّائِي قَالَ: «رَأَيْت عليًّا يخلل لحيته إِذا تَوَضَّأ وَيَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفعل» . وأمَّا حَدِيث ابْن عَبَّاس؛ فَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَرْجَمَة نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ قَالَ: رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَطَهَّر ثمَّ يخلل لحيته وَيَقُول: بِهَذَا أَمرنِي ربّي» . قَالَ: وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ بِهَذَا الإِسناد. وَالرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا (لين) . قَالَ البُخَارِيّ: وَنَافِع مُنكر الحَدِيث. وأمَّا حَدِيث جرير؛ فَرَوَاهُ ابْن عدي فِي «كَامِله» من طَرِيق ياسين الزيات عَن ربعي بن حِراش عَنهُ مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: ياسين مَتْرُوك. وَأما حَدِيث ابْن أبي أَوْفَى؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ مَوْجُود فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 نُسْخَة أبي أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ، عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ، نَا فائد عَنهُ «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ» وَفِيه: «فَمسح رَأسه وَاحِدَة، ويخلل لحيته بأصابعه ثَلَاثًا» . وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كتاب «الطّهُور» عَن مَرْوَان أَيْضا عَن أبي الورقاء الْعَبْدي، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى «أَنه تَوَضَّأ (فخلل) لحيته فِي غسل وَجهه ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفعل هَكَذَا» . فَهَذَا اثْنَا عشر شَاهدا لحَدِيث عُثْمَان رَضِي اللهُ عَنْهُ فَكيف لَا يكون صَحِيحا وَالْأَئِمَّة قد صححوه: التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه» وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة و (أَبُو حَاتِم) بن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالدَّارَقُطْنِيّ كَمَا تقدم عَنهُ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح، وَشهد لَهُ إِمَام هَذَا الْفَنّ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ بأنَّه حَدِيث حسن وبأنَّه أصحّ (حَدِيث) فِي الْبَاب، فلعلَّ مَا نَقله ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه من قَوْله: إنَّه لَا يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة حَدِيث. وَمن قَول الإِمام أَحْمد حَيْثُ سَأَلَهُ ابْنه: لَا يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة شَيْء (أَن يكون) المُرَاد بذلك غير حَدِيث عُثْمَان. وَقد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : ذكر عَن أبي دَاوُد أنَّه قَالَ: قَالَ أَحْمد: تَخْلِيل اللِّحْيَة قد رُوِيَ فِيهِ أَحَادِيث لَيْسَ يثبت فِيهِ حَدِيث وَأحسن شَيْء فِيهِ حَدِيث شَقِيق عَن عُثْمَان «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فخلل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 لحيته» وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان - وَهُوَ الإِمام المدقق فِي النّظر فِي علل الحَدِيث -: إِسْنَاد حَدِيث أنس عِنْدِي صَحِيح. ثمَّ أوضح ذَلِكَ، وَفِي كل هَذَا رد عَلَى مَا قَالَه ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» : أنَّ حَدِيث عُثْمَان هَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيل، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن عَامر بن شَقِيق، وَلَيْسَ مَشْهُورا بِقُوَّة النَّقْل. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: عَامر (بن شَقِيق) ضَعِيف. قَالَ ابْن عبد الحقّ فِي الرَّد عَلَى المحلَّى: هَذَا من أعجب مَا يسمع؛ يُقَال فِي إِسْرَائِيل بن يُونُس: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقد خرج عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: شيخ ثِقَة. وَعجب من حفظه، وفَضَّله عَلَى شريك وَعَلَى يُونُس فِي أبي إِسْحَاق، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة متقن من أتقن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل أَيْضا: مَا أثبت حَدِيث إِسْرَائِيل وأصحَّه. وَوَثَّقَهُ ابْن نمير وَغَيره، قَالَ: وَلَا يحفظ عَن أحد فِيهِ تجريح إِلَّا مَا ذكر عَن يَحْيَى بن سعيد، وَلم يعرج عَلَيْهِ أحد! قلت: وعامر بن شَقِيق وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَمَا تقدم قَرِيبا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَعَن ابْن معِين تَضْعِيفه. الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخلل لحيته ويدلك عارضيه بعض الدَّلك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث عبد الحميد بن حبيب، نَا الْأَوْزَاعِيّ، نَا عبد الْوَاحِد بن قيس، حَدَّثَني نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا تَوَضَّأ عَرك عارضيه بعض العرك، ثمَّ شَبكَ لحيته بأصابعه من تحتهَا» . (وأعل) بِثَلَاث علل: أَحدهَا: عبد الحميد بن حبيب هَذَا هُوَ ابْن أبي الْعشْرين، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يكن صَاحب حَدِيث، وَضَعفه دُحَيْم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: (لَيْسَ) بِالْقَوِيّ. وَعَن أَحْمد توثيقه. الثَّانِيَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: اخْتلفُوا فِي عَدَالَة عبد الْوَاحِد بن قيس؛ فوثقه يَحْيَى بن معِين. و (أَبَاهُ) يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ. انْتَهَى كَلَامه. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحتجّ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ، عَن يَحْيَى بن معِين أنَّه مرّة ضعفه وَمرَّة وَثَّقَهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أنَّه لَا بَأْس بِهِ. وَتَركه البرقاني. وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: مُنكر الحَدِيث. الْعلَّة الثَّالِثَة: التَّعْلِيل بالإِرسال وَالْوَقْف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: - ورأيته أَنا بعد ذَلِكَ فِي «علله» - قَالَ (أبي) : رَوَى هَذَا الحَدِيث الْوَلِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن [عبد الْوَاحِد] (عَن) يزِيد الرقاشِي وَقَتَادَة قَالَا: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » مُرْسلا [وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ] . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ مَوْقُوفا. ثمَّ أسْندهُ عَن ابْن عمر من [غير] طَرِيق ابْن أبي الْعشْرين. وصَوَّب الدَّارَقُطْنِيّ الْمَوْقُوف، وَأخرج هَذَا الحَدِيث عبد الحقّ فِي «أَحْكَامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الصُّغْرَى» . قَالَ: وَالصَّحِيح أنَّه فعل ابْن عمر غير مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا نَص كَمَا ذكر وَلم يبين علته، وَقد يظنّ أنَّ تَعْلِيله إِيَّاه هُوَ مَا ذكر من وَقفه وَرَفعه، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيح، فإنَّه إنَّما يَصح أَن يكون هَذَا عِلّة لَو كَانَ رافعه ضَعِيفا وواقفه ثِقَة، فَفِي مثل هَذَا الْحَال كَانَ يصدق قَوْله: «الصَّحِيح مَوْقُوف من (فعل) ابْن عمر» أمَّا إِذا كَانَ رافعه ثِقَة وواقفه ثِقَة فَهَذَا لَا يضرّهُ، وَلَا هُوَ عِلّة فِيهِ، وَهَذَا حَال هَذَا الحَدِيث، فإنَّ رافعه عَن الْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الحميد بن حبيب بن أبي الْعشْرين كَاتبه، وواقفه عَنهُ هُوَ أَبُو الْمُغيرَة، وَكِلَاهُمَا ثِقَة، فالقضاء للْوَاقِف عَلَى الرافع يكون خطأ، وَبعد هَذَا فعلة الْخَبَر هِيَ غير ذَلِكَ، وَهِي: ضعف عبد الْوَاحِد بن قيس رَاوِيه عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَعنهُ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْوَجْهَيْنِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: عبد الْوَاحِد بن قيس الَّذِي (رَوَى) عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ: شبه لَا شَيْء. وَإِذا الْمَوْقُوف الَّذِي صحّح لابدَّ فِيهِ من عبد الْوَاحِد (بن قيس) فَلَيْسَ إِذا بِصَحِيح، وَالدَّارَقُطْنِيّ لم يقل فِي الْمَوْقُوف: صَحِيح وَلَا أصحّ، إنَّما قَالَ: إنَّ رِوَايَة (أبي) الْمُغيرَة بوقفه هُوَ الصَّوَاب؛ فَاعْلَم ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : عبد الحقّ تبع الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 قَالَ. وَقَول ابْن الْقطَّان: «إنَّما كَانَ يَصح أَن يكون هَذَا عِلّة، لَو كَانَ رافعه ضَعِيفا وَوَافَقَهُ ثِقَة» فِي هَذَا الْحصْر نظر، فقد يَأْخُذُونَ ذَلِكَ من كَثْرَة الواقفين، أَو تَقْدِيم مرتبَة الْوَاقِف عَلَى الرافع، ولعلَّ هَذَا مِنْهُ عِنْد من قَالَ ذَلِكَ، فإنَّ أَبَا الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَعبد الحميد رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَوَثَّقَهُ الرَّازِيّ، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ قَرِيبا مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: شَامي رُبمَا يُخَالف فِي حَدِيثه. وقَدَّمه هِشَام بن (عمار) عَلَى أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ فِي حِكَايَة: «أوثق أَصْحَابه كَاتبه عبد الحميد» قَالَ الشَّيْخ: وَلَعَلَّ أَبَا الْحسن بن الْقطَّان أَرَادَ إنَّما يَصح ذَلِكَ فِي النّظر الصَّحِيح عِنْده. (وَقَالَ) شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي: أمَّا مَا ذكره ابْن الْقطَّان فَلَيْسَ بَعيدا من حَيْثُ النّظر، إِذا اسْتَويَا فِي مرتبَة الثِّقَة وَالْعَدَالَة أَو تقاربا، كَمَا هُوَ هَا هُنَا؛ لأنَّ الرّفْع زِيَادَة عَلَى الْوَقْف، وَقد جَاءَ عَن ثِقَة فسبيله الْقبُول، وَهَذَا هُوَ الَّذِي زَعمه ابْن الصّلاح، فَإِن كَانَ نظرا مِنْهُ فَهُوَ نظر صَحِيح، وَإِن كَانَ نقلا عَمَّن تقدمه فَلَيْسَ للنَّاس فِي ذَلِكَ عمل مطرد، وَأَبُو الْمُغيرَة احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَابْن أبي الْعشْرين رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ قَرِيبا من ذَلِكَ. وَذكر مقَالَة النَّسَائِيّ وَالْبُخَارِيّ الْمُتَقَدّمَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن كَانَ عبد القدوس مرجحًا عَلَى عبد الحميد فإنَّ لعبد الحميد اختصاصًا بالأوزاعي يُوجب لَهُ مزية فِيمَا يروي عَنهُ - كَانَ كَاتبه - وقَدَّمه هِشَام بن عمار عَلَى أَصْحَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 الْأَوْزَاعِيّ، [فَقَالَ فِي حِكَايَة: أوثق أَصْحَابه كَاتبه عبد الحميد] وَعرف عَن يَحْيَى بن معِين أنَّ قَوْله: «لَيْسَ بِهِ بَأْس» يَعْنِي بِهِ الثِّقَة، فَلَيْسَ (يقصر) فِي الْأَوْزَاعِيّ عَن دَرَجَة (أبي) الْمُغيرَة وَإِن احْتمل أَن يقصر عَنهُ فِي غَيره. قَالَ: وأمَّا رد ابْن الْقطَّان الْخَبَر بِعَبْد الْوَاحِد بن قيس فَلَيْسَ فِي عبد الْوَاحِد كَبِير أَمر، عبد الْوَاحِد مُخْتَلف فِي حَاله، وَثَّقَهُ ابْن معِين وأباه البُخَارِيّ وَيَحْيَى الْقطَّان، وَقَالَ ابْن عدي: ضَعِيف، وَإِذا رَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ فَهُوَ صَالح. وَهَذَا من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ، وأمَّا أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق فإنَّه قد صحّح ذَلِكَ عَن ابْن عمر من فعله، وَلَيْسَ إِلَّا الِاعْتِمَاد عَلَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَرْجِيح مَوْقُوف هَذَا الْخَبَر عَلَى مرفوعه، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَصْحِيح الْمَوْقُوف مُطلقًا. فتلخص أَن للحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث اضْطِرَاب تَرْجِيح، وَأَرْجُو أَن يكون حسنا، وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» وتنبه لأمر آخر (يتعلَّق) بِالْكِتَابَةِ، وَهُوَ أَن الحَدِيث الَّذِي أوردته مَوْجُود كَذَلِك فِي عدَّة نسخ من الرَّافِعِيّ وَفِي بَعْضهَا ضرب عَلَى قَوْله: «كَانَ يخلل لحيته» وَوصل (الثَّانِي) بِحَدِيث عُثْمَان الْمُتَقَدّم. وَهُوَ هَكَذَا فِي هَذِه النُّسْخَة، وَعَن عُثْمَان: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخلل لحيته ويدلك (عارضيه) » وَهَذِه النُّسْخَة معتنى بهَا؛ فَإِن صَحَّ ذَلِكَ فَلم أر هَذِه الْجُمْلَة فى حَدِيث عُثْمَان، فَاعْلَم ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يحب التَّيَامُن فِي كلّ شَيْء حَتَّى فِي وضوئِهِ وانتعاله» . هَذَا صَحِيح. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَنْدَه، وَابْن حبَان من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يحب التَّيَمُّن فِي شَأْنه كلّه: فِي تنعله وَترَجله وَطهُوره» . هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَفِي رِوَايَة لَهما: «إنْ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ليحبّ التَّيَمُّن فِي طهوره إِذا تطهر، وَفِي ترجله إِذا ترجل، وَفِي انتعاله إِذا تنعل» . (وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «يُعجبهُ التَّيَمُّن» . وَفِي رِوَايَة: «يحب التَّيَمُّن مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنه كُله ... » الحَدِيث، ذكره فِي بَاب التَّيَمُّن فِي دُخُول الْمَسْجِد) وَفِي لفظ ابْن مَنْدَه: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يحب التَّيَمُّن فِي الْوضُوء والانتعال» وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء حَتَّى فِي التَّرَجُّل والانتعال» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وَهَذِه الرِّوَايَة أقرب إِلَى مَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «يحب (التَّيَمُّن) مَا اسْتَطَاعَ فِي طهوره وتنعله وَترَجله» وَفِي لفظ لَهُ: «وشأنه كلّه» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد زِيَادَة: «وسواكه» . (زَادهَا) مُسلم بن إِبْرَاهِيم أحد رُوَاته عَن شُعْبَة، ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَن شُعْبَة معَاذ وَلم يذكر «سواكه» . الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا توضأتم فابدءوا بميامنكم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الْأَسْمَاء والكنى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَهُوَ حقيق بِأَن يصحح. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح - ثمَّ النَّووي -: وَهُوَ حَدِيث حسن وَإِسْنَاده جيِّد. وَلَفظه فِي أَكثر هَذِه الْأُصُول: «إِذا لبستم وَإِذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم» وَفِي بَعْضهَا «بميامنكم» وَكِلَاهُمَا صَحِيح، فالأوَّل: جمع «أَيمن» وَالثَّانِي: جمع «ميمنة» وَكَذَا حسنه الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» قَالَا - أَعنِي النَّوَوِيّ والزكي -: وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي اللبَاس. قلت: لم يروه التِّرْمِذِيّ بِالْكُلِّيَّةِ. ذَاك حَدِيث آخر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الْموضع الْمشَار إِلَيْهِ من حَدِيث عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا لبس قَمِيصًا بَدَأَ بميامنه» . وَرَوَاهُ كَذَلِك النَّسَائِيّ فِي «الزِّينَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: قد رَوَى هَذَا الحَدِيث غير وَاحِد عَن شُعْبَة بِهَذَا الإِسناد لم يرفعهُ، وإنَّما رَفعه عبد الصَّمد. انْتَهَى. وَعبد الصَّمد هَذَا من الثِّقَات (الَّذين) اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى الِاحْتِجَاج بهم، لَا جرم أَن ابْن حبَان أخرجه فِي «صَحِيحه» من طَرِيقه مَرْفُوعا حَاكما عَلَيْهَا بِالصِّحَّةِ؛ فتنبَّه لذَلِك كلّه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن أمتَّى يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة غرًّا محجلين من آثَار الْوضُوء - قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فكنّا نغسل بعد ذَلِكَ أَيْدِينَا إِلَى الآباط) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة أبي حَازِم، قَالَ: «كنت خلف أبي هُرَيْرَة وَهُوَ يتَوَضَّأ للصَّلَاة فَكَانَ [يمد] يَده حَتَّى يبلغ إبطَيْهِ، فَقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَة مَا هَذَا الْوضُوء؟ فَقَالَ: يَا بني فرّوخ أَنْتُم هَا هُنَا لَو علمت أَنكُمْ هَا هُنَا مَا تَوَضَّأت هَذَا الْوضُوء. فَقَالَ: سَمِعت خليلي (يَقُول: تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ الْوضُوء» . قَالَ النَّووي: وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ فِي أَوَاخِر الْكتاب فِي (بَاب نقض [الصُّور] من) «صَحِيحه» ، وَفِيه التَّصْرِيح ببلوغ أبي هُرَيْرَة بِالْمَاءِ إبطَيْهِ (عَن أبي زرْعَة «أنَّ أَبَا هُرَيْرَة دَعَا بتور من مَاء فَغسل يَدَيْهِ حَتَّى بلغ إبطه، فَقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَشَيْء سمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: مُنْتَهى الْحِلْية» ) . وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «تبلغ حلية أهل الْجنَّة مبلغ الْوضُوء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَفِي رِوَايَة (لَهُ) من حَدِيث ابْن مَسْعُود: «يَا رَسُول الله، كَيفَ تعرف من لم تَرَ من أمَّتك؟ قَالَ: غر محجلون (بلق) من (آثَار الْوضُوء) » . فَرُّوخ: بِفَتْح الْفَاء وَضم الرَّاء الْمُشَدّدَة، وَآخره خاء مُعْجمَة. وَقد قدمنَا أَيْضا فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب طرفا من طَرِيق حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَمن أَوْهَام ابْن بطال الْمَالِكِي: إِنْكَاره عَلَى أبي هُرَيْرَة بُلُوغ المَاء إبطَيْهِ، وَأَن أحدا لم يُتَابِعه عَلَيْهِ، وَقد قَالَ بِهِ جمَاعَة من أَصْحَابنَا أَيْضا. الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن عبد الله بن زيد «فِي صفة وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أنَّه مسح بيدَيْهِ فَأقبل بهما وَأدبر، بَدَأَ بِمقدم رَأسه ثمَّ ذهب بهما إِلَى قَفاهُ ثمَّ ردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. وَقد تقدم بَيَانه فِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين من هَذَا الْبَاب. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ أصح شَيْء فِي الْبَاب وَأحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهمَا: جَاءَ فِي كَيْفيَّة مسح الرَّأْس أَحَادِيث: أَحدهَا: حَدِيث عبد الله بن زيد الْمَذْكُور. ثَانِيهَا: حَدِيث الرّبيع بنت معوذ «أنَّه عَلَيْهِ السَّلَام مسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ، بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ بمقدمه» . (رَوَاهُ) أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عقيل عَنْهَا. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مسح الرَّأْس كُله من قرن الشّعْر كل نَاحيَة (لمنصب) الشّعْر، لَا يُحَرك الشّعْر عَن هَيئته» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مسح رَأسه مَا أقبل مِنْهُ وَمَا أدبر» . (وَفِي رِوَايَة للطبراني: «بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ جَرّه إِلَى (مقدمه) ثمَّ جَرّه إِلَى مؤخره» ) . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي شيبَة: «بَدَأَ بمؤخره ثمَّ رد بيدَيْهِ عَلَى ناصيته» . الثَّالِث: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أنَّه عَلَيْهِ السَّلَام وضع يَدَيْهِ (فِي) النّصْف من رَأسه ثمَّ جَرَّهما إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ أعادهما إِلَى (ذَلِكَ) الْمَكَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 (وجرهما) إِلَى صدغيه» . رَوَاهُ عبد الْبَاقِي بن قَانِع الْحَافِظ فِي الْجُزْء الأوَّل من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة (بِهِ. الثَّانِيَة) : اعْلَم أَن عبد الله بن زيد هَذَا هُوَ رَاوِي حَدِيث صَلَاة الاسْتِسْقَاء الْآتِي (فِي بَابه) وَهُوَ غير عبد الله بن زيد رَاوِي حَدِيث الْأَذَان، فهما مشتركان فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْمه: عبد الله بن زيد، وَهُوَ أَنْصَارِي، لَكِن يفترقان فِي الْجد والقبيلة؛ فَإِن الْمَذْكُور هُنَا هُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني الْمدنِي، وَذَاكَ عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأوسي - وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي بَاب الْأَذَان حَيْثُ ذكر المُصَنّف حَدِيثه - إِن شَاءَ الله ذَلِكَ وَقدره - فَافْهَم مَا قَرَّرْنَاهُ لَك؛ فإنَّه قد غلط فِي ذَلِكَ كبار. قَالَ ابْن عبد الْبر: وهم ابْن عُيَيْنَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وَهَذَا خطأ؛ وإنَّما هُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم؛ وَذَاكَ هُوَ الَّذِي أرِي الْأَذَان فِي النَّوم، وَهُوَ أقلّ رِوَايَة من الأوَّل. قَالَ: وَقد كَانَ أَحْمد بن زُهَيْر يزْعم أَن إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق وهم فيهمَا فجعلهما وَاحِدًا فِيمَا حَكَى قَاسم بن أصبغ عَنهُ، والغلط لَا يسلم مِنْهُ أحد. قَالَ: فَإِذا كَانَ ابْن عُيَيْنَة مَعَ جلالته يغلط فِي ذَلِكَ فإسماعيل بن إِسْحَاق أَيْن يَقع من (سُفْيَان) بن عُيَيْنَة، إِلَّا أَن الْمُتَأَخِّرين أوسع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 علما وَأَقل عذرا. قلت: وَمن ذَلِكَ جعل أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ أَنهم ثَلَاثَة؛ فإنَّه ذكر عبد الله بن زيد بن عبد ربه، صَاحب حَدِيث الْأَذَان، ثمَّ ذكر بعده عبد الله بن زيد بن عَمْرو الْمَازِني، وَذكر لَهُ حَدِيثا وَاحِدًا فِي الْأَذَان وَقَالَ: لَيْسَ (لَهُ) غَيره، وَعقد لعبد الله بن زيد بن عَاصِم تَرْجَمَة ثَالِثَة وَذكر من حَدِيثه وَحَكَى وَفَاته. الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح فِي وضوئِهِ بناصيته وَعَلَى عمَامَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضي اللهُ عَنهُ وَقد تقدَّم فِي الحَدِيث السَّادِس من هَذَا الْبَاب بِلَفْظِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْمسْح عَلَى الْعِمَامَة، عَن عَمْرو بن أُميَّة وسلمان وثوبان وَأبي أُمَامَة، وبلال رَضي اللهُ عَنهم وَوَقع فِي كَلَام ابْن حزم (أنَّ) هَذَا الْفِعْل كَانَ فِي (مَرَّات) مُخْتَلفَة، لَا أنَّه مسح عَلَى الناصية والعمامة مَعًا؛ بل مسح عَلَى الْعِمَامَة مرّة وَعَلَى الناصية (مرّة) أُخْرَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح فِي وضوئِهِ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما، وَأدْخل أصبعيه فِي صماخي أُذُنَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث حسن، مَرْوِيّ من طرق. أَحدهَا: عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب - رَضي اللهُ عَنهُ - قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ، فَلَمَّا بلغ مسح رَأسه وضع كفيه عَلَى مقدم رَأسه فأمَرَّهُما حَتَّى بلغ الْقَفَا، ثمَّ ردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، وَمسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وَأدْخل أَصَابِعه فِي صماخ أُذُنَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مَحْمُود بن خَالِد، وَيَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي قَالَا: ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن حَريز - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي فِي آخِره - بن عُثْمَان، عَن عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة، عَن الْمِقْدَام بِهِ. وَلابْن مَاجَه من هَذَا الحَدِيث «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، ظاهرهما وباطنهما» رَوَاهُ عَن هِشَام بن عمار، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، نَا حريز بالسند الَّذِي قبله. وَهَذَا حَدِيث سكت (عَلَيْهِ) أَبُو دَاوُد وَعبد الحقّ فَيكون محتجًا بِهِ عِنْدهمَا، إِمَّا صَحِيحا أَو حسنا عِنْد أبي دَاوُد، وإمَّا صَحِيحا عِنْد عبد الحقّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق حَيْثُ سكت عَلَى هَذَا الحَدِيث بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة الرَّاوِي عَن الْمِقْدَام مَجْهُول الْحَال لَا يعرف رَوَى عَنهُ إِلَّا حريز بن عُثْمَان، وَإِلَى ذَلِكَ؛ فَإِن حريز بن عُثْمَان كَانَ لَهُ - فِيمَا زَعَمُوا - رَأْي سوء فِي الصَّحَابَة. الثَّانِي: أَن فِيهِ الْوَلِيد بن مُسلم، وَكَانَ يُدَلس وَيُسَوِّي، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث «أَنا» وَلَا «ثَنَا» وَلَا «سَمِعت» وَلَا ذكر عَن حريز أنَّه قَالَ ذَلِكَ، فَمن حَيْثُ هُوَ مُدَلّس يُمكن أَن يكون قد أسقط بَينه وَبَين حريز وَاسِطَة، وَمن حَيْثُ هُوَ مسوٍّ يُمكن أَن يكون قد اسقط بَين حريز وَبَين عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة وَاسِطَة، وَلَقَد زعم الدَّارَقُطْنِيّ أنَّه كَانَ يفعل هَذَا فِي أَحَادِيث الْأَوْزَاعِيّ، يعمد إِلَى أَحَادِيث رَوَاهَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن أَشْيَاخ لَهُ ضعفاء، عَن أشيخ لَهُ ثِقَات، فَيسْقط الضُّعَفَاء من الْوسط ويرويها عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن أشياخه الثِّقَات كَأَنَّهُ سَمعهَا مِنْهُم. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَيُمكن أَن يُقَال بِسُقُوط وصمة التَّدْلِيس والتسوية جَمِيعًا. فقد قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد: من رِوَايَة مَحْمُود بن خَالِد، نَا الْوَلِيد، أَخْبرنِي حريز - ثمَّ أحَال أَبُو دَاوُد فِيمَا بعد عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد بن مَيْمُون الْبَغْدَادِيّ، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا حريز بن عُثْمَان - وَرَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة، عَن حريز، حَدَّثَني عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: سَمِعت الْمِقْدَام ... فَذكره، فَالْحَدِيث إِسْنَاده وَاحِد اخْتلف فِي بعض أَلْفَاظه وَفِي اختصاره وإكماله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 فَإِذا كَانَ كَذَلِك فبرواية مَحْمُود عَن الْوَلِيد - وَكَذَلِكَ رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ (عَنهُ) - يَزُول التَّدْلِيس، وبرواية أبي الْمُغيرَة عَن حريز تَزُول التَّسْوِيَة. قلت: وَكَذَلِكَ رِوَايَة هِشَام بن عمار عَن الْوَلِيد الْمُتَقَدّمَة عَن ابْن مَاجَه مِمَّا يزِيل التَّدْلِيس، وَلم يجب الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِلَّا عَن الْوَجْه الثَّانِي من اعْتِرَاض ابْن الْقطَّان، وأمَّا الْوَجْه الأوَّل: فَالْجَوَاب عَنهُ أنَّ عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة لَيْسَ بِمَجْهُول؛ بل هُوَ مَعْرُوف ثِقَة، ذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» وَقَوله: «إنَّه لَا يعرف رَوَى عَنهُ إِلَّا حريز» لَيْسَ كَذَلِك؛ فقد رَوَى عَنهُ ثَوْر بن يزِيد، ذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» فقد ارْتَفَعت عَنهُ جَهَالَة عينه وحاله، فَإِذا الحَدِيث حسن. لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح قَالَ فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : إنَّه حَدِيث حسن (وَتَبعهُ عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» ) . وَقَالَ (النَّوَوِيّ) فِي «الْخُلَاصَة» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح، لَكِن وَقع لَهما - رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا - سَهْو فِي هَذَا الحَدِيث؛ فعزياه إِلَى «سنَن النَّسَائِيّ» وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَتنبه لذَلِك واحفظه؛ فإنِّي مَا جزمت بذلك إلاَّ بعد تتبع الْأُصُول، وَلم يعزه أَيْضا أحد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 أَصْحَاب الْأَطْرَاف إِلَيْهِ. والمقدام: بِالْمِيم فِي آخِره، وإنَّما قيدته؛ لِئَلَّا يتصحف عَلَى من لَا أنس لَهُ بِهَذَا الْفَنّ بالمقداد - بِالدَّال فِي آخِره. وكَرِب: بِفَتْح الْكَاف وَكسر الرَّاء، وَيجوز صرفه وَترك صرفه، وَجْهَان لأهل الْعَرَبيَّة، وَفِيه وَجه ثَالِث، أَن الْبَاء مَضْمُومَة بكلّ حَال، وياء «معدي» سَاكِنة بِكُل حَال. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ رَضي اللهُ عَنهُا: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ وَأدْخل أصبعيه فِي حجري أُذُنَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ، وَالتِّرْمِذِيّ وَلَفظه: «مسح رَأسه مَا أقبل وَمَا أدبر وصدغيه وَأُذُنَيْهِ مرّة وَاحِدَة» وَالْبَيْهَقِيّ وَلَفظه: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فَأدْخل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ» وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَلَفظه: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: لم يحْتَجَّا - يَعْنِي: البُخَارِيّ وَمُسلمًا - بِابْن عقيل وَهُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث مقدم فِي الشّرف. وَقد تقدم قَرِيبا كَلَام الْأَئِمَّة فِي ابْن عقيل (هَذَا) وعقدنا لَهُ فصلا فِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 (وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاده صَحِيح إِلَى ابْن عقيل) . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ: «أنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فَمسح بَاطِن أُذُنَيْهِ وظاهرهما» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث زَائِدَة، عَن سُفْيَان بن سعيد، عَن حميد الطَّوِيل، عَن أنس بِهِ. قَالَ: وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَأْمر بذلك. قَالَ الْحَاكِم: وزائدة بن قدامَة ثِقَة مَأْمُون، قد أسْندهُ عَن الثَّوْريّ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث (ابْن) صاعد، عَن بنْدَار، عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، نَا حميد، عَن أنس «أنَّه كَانَ يتَوَضَّأ، فَمسح أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما ثمَّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل ذَلِكَ» قَالَ ابْن صاعد: هَكَذَا يَقُول الثَّقَفِيّ، وَغَيره يرويهِ عَن أنس عَن ابْن مَسْعُود من فعله. ثمَّ خرجه من طَرِيق هشيم عَن حميد الطَّوِيل قَالَ: «رَأَيْت أنس بن مَالك يتَوَضَّأ فَمسح أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما، ثمَّ قَالَ: إِن ابْن مَسْعُود كَانَ يَأْمر بالأذنين» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من فعل أنس من طَرِيقين، وَلم يذكر رِوَايَة الرّفْع، وَهِي صَحِيحَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : رجال رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ كلهم ثِقَات، وَبُنْدَار فَمن فَوْقه من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» قَالَ: وَكَأن الْحَاكِم لم يعلله بِرِوَايَة من وَقفه. وَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تؤيّدها. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن إِسْرَائِيل عَن عَامر بن شَقِيق، عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: «رَأَيْت عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ تَوَضَّأ فَمسح رَأسه وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما، وَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صنع كَمَا صنعت» رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» بِهَذَا اللَّفْظ، وَأحمد وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَسبق بلفظهم فِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أنَّ رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: كَيفَ الطّهُور؟ فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَاء فَتَوَضَّأ فَأدْخل أصبعيه السبابتين فِي أُذُنَيْهِ، فَمسح بإبهاميه ظَاهر أُذُنَيْهِ وبالسبابتين باطنهما» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وَبَقِي من طرق هَذَا الحَدِيث طَريقَة صَحِيحَة، سنذكرها بعد هَذَا الحَدِيث حَيْثُ ذكرهَا المُصَنّف - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ عَن عبد الله بن زيد فِي صفة وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أنَّه تَوَضَّأ، فَمسح أُذُنَيْهِ بِمَاء غير الَّذِي مسح بِهِ الرَّأْس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» عَن أبي الْوَلِيد الْفَقِيه، ثَنَا الْحسن بن سُفْيَان، ثَنَا حَرْمَلَة بن يَحْيَى، ثَنَا ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن حبَان بن وَاسع، أنَّ اباه حَدثهُ، أنَّه سمع عبد الله - رَضي اللهُ عَنهُ - يَقُول: «إنَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح أُذُنَيْهِ (بِغَيْر) المَاء الَّذِي مسح بِهِ رَأسه» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح مثل الَّذِي قبله. وَكَانَ ذكر قبله حَدِيثا من حَدِيث ابْن وهب بِمثلِهِ، وَقَالَ فِيهِ: إنَّه صَحِيح عَلَى شَرط [الشَّيْخَيْنِ] إِن سلم من مُحَمَّد بن أَحْمد بن (أبي) عبيد الله، وَقد احتجا جَمِيعًا بِجَمِيعِ رُوَاته. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» عَن أبي (عَلّي) الْحُسَيْن بن عَلّي الْحَافِظ، ثَنَا أَبُو الطَّاهِر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمدنِي، نَا حَرْمَلَة ... فَذكره كَمَا تقدم إِلَّا أنَّ لَفظه: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ وَأخذ مَاء لأذنيه خلاف الَّذِي مسح بِهِ رَأسه» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذِه سنة غَرِيبَة تفرد بهَا أهل مصر وَلم يشركهم فِيهَا أحد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن شَيْخه الْحَاكِم، عَن أبي الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس، عَن الدَّارمِيّ، عَن الْهَيْثَم بن خَارِجَة، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 عبد الله بن وهب قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، عَن حبَان بن وَاسع الْأنْصَارِيّ أنَّ أَبَاهُ حَدثهُ أنَّه سمع عبد الله بن زيد يذكر: «أنَّه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ؛ فَأخذ لأذنيه مَاء خلاف الَّذِي أَخذ لرأسه» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَكَذَلِكَ يرْوَى عَن عبد الْعَزِيز بن عمرَان بن مِقْلَاص وحرملة بن يَحْيَى، عَن ابْن وهب. وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» أنَّه رَآهُ فِي رِوَايَة ابْن الْمُقْرِئ، عَن حَرْمَلَة، عَن ابْن وهب بِهَذَا الإِسناد، وَفِيه: «وَمسح رَأسه بِمَاء غير فضل يَدَيْهِ» لم يذكر الْأُذُنَيْنِ. قلت: وَكَذَا رَأَيْته فِي صَحِيح ابْن حبَان فَقَالَ: أخبرنَا ابْن سلم، عَن حَرْمَلَة (بِهِ) وَهَذَا حَدِيث آخر لَا يقْدَح فِي (صِحَة الأول) فقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن الْحَاكِم وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن أبي (عَلّي) الْحُسَيْن بن عَلّي الْحَافِظ، عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي (عبيد الله) عَن عبد الْعَزِيز وحرملة، ثمَّ ذكره كَمَا سَاقه فِي «سنَنه» ثمَّ سَاقه عَن الْحَاكِم بالطريقة الْمُتَقَدّمَة الَّتِي نقلناها عَن «الْمُسْتَدْرك» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي السَّادِس عشر من «الأمالي الْقَدِيمَة» من حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 الْهَيْثَم بن خَارِجَة كَمَا ذَكرْنَاهُ، فَثَبت بذلك صِحَة طَرِيقه إِلَى عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ. تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: قَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : وَقد ورد أَيْضا الْأَمر بتجديد المَاء للأذنين من حَدِيث نمران بن جَارِيَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ إِسْنَاد ضَعِيف. وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَالَه لَا يُوجد أصلا. قَالَ: وَلم يعزه إِلَى مَوضِع فنتحاكم إِلَيْهِ، وَأَحَادِيث نمران بن جَارِيَة، عَن أَبِيه جَارِيَة بن ظفر محصورة [مَعْرُوفَة] يَرْوِيهَا عَنهُ ابْن قُرَّان - يَعْنِي: بِضَم الْقَاف، وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة، وَآخره نون وَهُوَ ضَعِيف، وَهِي أَرْبَعَة أَو نَحْوهَا، وَقد ذكر مِنْهَا حَدِيث «الْقَضَاء للَّذي يَلِيهِ معاقد القُمُط» وَحَدِيث «العَبْد الَّذِي قطع يَد رجل، ثمَّ شج آخر» وَأرَاهُ اخْتَلَط عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي أنكرناه عَلَيْهِ، بِمَا رَوَى عَنهُ دهثم بن قرَان، عَن أَبِيه، عَن جَارِيَة بن ظفر، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خُذ للرأس مَاء جَدِيدا» وَهُوَ حَدِيث مَعْرُوف من جملَة مَا رَوَى عَنهُ، ذكره الْبَزَّار، وأمَّا الْأَمر بتجديد المَاء للأذنين فَلَا وجود لَهُ فِي علمي؛ فابحث عَنهُ. انْتَهَى مَا ذكره ابْن الْقطَّان وَحَدِيث عبد الله بن زيد الَّذِي قدمْنَاهُ بأسانيده، لَا شكَّ فِي صِحَّته واتصاله وَهُوَ مغنٍ عَنهُ. الثَّانِي: قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 بعد أَن أخرج حَدِيث عبد الله بن زيد الْمُتَقَدّم وَنقل عَن الْبَيْهَقِيّ تَصْحِيحه: وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الطَّهَارَة، عَن ابْن (خشرم) عَن ابْن وهب، وَقَالَ: حسن صَحِيح. قلت: ذَاك حَدِيث آخر فِيهِ أنَّه أَخذ لرأسه مَاء جَدِيدا، وَالَّذِي أوردهُ عَن الْبَيْهَقِيّ إنَّما هُوَ فِي أَخذ المَاء للأذن، فَكيف يحسن ذَلِكَ مِنْهُ؟ ! وَهَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ: ثَنَا عَلّي بن خشرم، نَا عبد الله بن وهب، نَا عَمْرو بن الْحَارِث، عَن حبَان بن وَاسع، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن زيد «أنَّه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ وأنَّه مسح رَأسه بِمَاء غير فضل يَدَيْهِ» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ ذَلِكَ بعد أَن بوب: بَاب مَا جَاءَ أنَّه يَأْخُذ لرأسه مَاء جَدِيدا، فَتنبه لذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 بِسم [1] الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا ( الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمسك سبابتيه وإبهاميه عَن الرَّأْس لمسح الْأُذُنَيْنِ، فَمسح بسبابتيه باطنهما وبإبهاميه ظاهرهما» . هَذَا الحَدِيث هَكَذَا ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي «الْمُهَذّب» وَلَفظه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بِرَأْسِهِ وَأمْسك بمسبحتيه لأذنيه» . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : إِن هَذَا الحَدِيث لَا يُعرف وَلَا يثبت. قَالَ: (وتوهم) أَبُو بكر الْحَازِمِي - من حفاظ الْعَصْر - فِيمَا خرجه من أَحَادِيث «الْمُهَذّب» أَن مَعْنَاهُ مَوْجُود فِي حَدِيث الرّبيع بنت معوذ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ (عَنْهَا قَالَت) : « (رَأَيْت) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فَمسح مقدم رَأسه ومؤخره وصدغيه، ثمَّ أَدخل أصبعيه السبابتين، فَمسح أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما» . قَالَ: وَهَذَا وهم من الْحَازِمِي؛ فَإِنَّهُ لَا دلَالَة فِي هَذَا عَلَى مَا أوردهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق من أَنه مسح الْأُذُنَيْنِ بِغَيْر المَاء الَّذِي مسح بِهِ رَأسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 قَالَ: وَهَاهُنَا نُكْتَة خفيت عَلَى أهل الْعِنَايَة بالمهذب، وَهِي أَن مُصَنفه رَجَعَ عَن الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث وأسقطه من الْمُهَذّب فَلم يفد ذَلِك (بعد انتشار) الْكتاب. قَالَ: وَوجدت بِخَط بعض (تلامذته) فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من تَعْلِيقه عَلَى الْحَاشِيَة عِنْد استدلاله بِهَذَا الحَدِيث قَالَ الشَّيْخ: لَيْسَ لَهُ أصل فِي السّنَن، فَيجب أَن تضربوا عَلَيْهِ فِي «الْمُهَذّب» فَإِنِّي صنفته من (عشر سِنِين) ، وَمَا عَرفته. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَبَلغنِي أَن هَذَا الحَدِيث مَضْرُوب عَلَيْهِ فِي أصل المُصَنّف الَّذِي هُوَ بِخَطِّهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث مَوْجُود فِي بعض نسخ الْمُهَذّب (الْمَشْهُورَة) وَلَيْسَ مَوْجُودا فِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة. قَالَ: وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَو بَاطِل لَا يعرف. وَجزم فِي «الْخُلَاصَة» بضعفه. قلت: ورد (من) حَدِيث ابْن عَبَّاس من طرق عَنهُ (مَا) ظَاهرهَا لما رده هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة، رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن عَلّي بن أَحْمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 بن عَبْدَانِ الْأَهْوَازِي، أَنا أَحْمد بن [عبيد الصفار] ، نَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق، ثَنَا عَلّي بن الْمَدِينِيّ، نَا عبد الله بن إِدْرِيس، نَا مُحَمَّد بن عجلَان، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فغرف غرفَة؛ فَمَضْمض واستنشق ... » وَذكر الحَدِيث (وَقَالَ) : «ثمَّ أَخذ (شَيْئا من مَاء فَمسح بِهِ رَأسه، وَقَالَ: بالوسطيين من أَصَابِعه فِي بَاطِن) أُذُنَيْهِ والإبهامين من وَرَاء أُذُنَيْهِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا: فَكَأَنَّهُ كَانَ يعْزل من كل يَد أصبعين؛ فَإِذا فرغ من مسح الرَّأْس مسح [بهما] أُذُنَيْهِ (قَالَ: وَقد رُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث «مسح أُذُنَيْهِ) داخلهما بالسبابتين وَخَالف بإبهاميه فَمسح باطنهما وظاهرهما» . قلت: وَهَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة (فِي «مُصَنفه» ) وَمن جِهَته أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فَإِنَّهُ أخرجه عَن أَحْمد بن عَلّي بن الْمثنى، نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، نَا ابْن إِدْرِيس، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 ابْن عجلَان، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فغرف غرفَة (فَغسل) وَجهه، ثمَّ غرف غرفَة فَغسل يَده الْيُمْنَى [ثمَّ غرف غرفَة فَغسل يَده الْيُسْرَى] ثمَّ غرف غرفَة فَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ داخلهما بالسبابتين، وَخَالف بإبهاميه إِلَى ظَاهر أُذُنَيْهِ فَمسح ظاهرهما وباطنهما، ثمَّ غرف غرفَة فَغسل رجله الْيُمْنَى، ثمَّ غرف غرفَة فَغسل رجله الْيُسْرَى» . وَرَوَاهُ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ أَيْضا من حَدِيث ابْن إِدْرِيس أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ فَمسح رَأسه وَأُذُنَيْهِ ... » فَقَالَ: «بالوسطى من أَصَابِعه فأبطن بأذنيه» . وَقَالَ: «بالإبهامين من وَرَاء أُذُنَيْهِ» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة، وَلَفظه: «ثمَّ مسح رَأسه وَأُذُنَيْهِ باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : ابْن عجلَان أخرج لَهُ مُسلم، وَبَاقِي إِسْنَاده لَا يسْأَل عَنهُ. وَقد أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة، وَلَفظه عَن ابْن عَبَّاس «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ ... » فَذكر الحَدِيث وَفِيه «وغرف غرفَة فَمسح رَأسه وباطن أُذُنَيْهِ وظاهرهما، وَأدْخل أصبعيه فيهمَا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: قَالَ ابْن مَنْدَه: لَا يعرف مسح الْأُذُنَيْنِ من وَجه يثبت إِلَّا من هَذِه الطَّرِيق. قلت: فَهَذِهِ الطّرق الصَّحِيحَة (ظَاهِرَة) فِيمَا قصدناه، وَقَالَ ابْن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» عقب كَلَام ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ: وَأَنا أَقُول الْخَبَر إِن لم يكن بِهَذَا اللَّفْظ مَذْكُورا فِي كتب الحَدِيث فَفِيهَا مَا ينطبق ظَاهره عَلَى مَعْنَاهُ. ثمَّ سَاق حَدِيث الْمِقْدَام (بن معدي كرب) وَهُوَ الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ الْمُتَقَدّم، وَقد قدمْنَاهُ أَيْضا فِي الحَدِيث الَّذِي قبله أَنه صَحَّ عَنهُ « (أَنه أَخذ لأذنيه مَاء جَدِيدا» . الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ رُوِيَ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مسح الرَّقَبَة أَمَان من الغل» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب جدًّا لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَأوردهُ المُصَنّف تبعا للغزالي فِي «وسيطه» فَإِنَّهُ كَذَلِك أوردهُ، وَالْغَزالِيّ تبع فِي إِيرَاده القَاضِي (حُسَيْنًا) ، فَإِنَّهُ كَذَا أوردهُ بعد أَن قَالَ: إِن مسح الْعُنُق لم يرد فِيهِ سنة. وَكَذَا قَالَ (الفوراني) من أَصْحَابنَا: إِنَّه لم يرد فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 خبر بعد أَن قَالَ: إِنَّه يسْتَحبّ بِمَاء جَدِيد. وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ حَكَى عَن شَيْخه أَنه كَانَ يَحْكِي وَجْهَيْن فِي أَنه سنة أَو أدب، وَأَنه كَانَ يروي أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مسح الرَّقَبَة أَمَان من الغل» لكنه كَانَ يَقُول: لم (ترتض) أَئِمَّة الحَدِيث إِسْنَاده، وَإِن سَبَب التَّرَدُّد هَذَا. قَالَ الإِمَام: لست (أرَى) لهَذَا التَّرَدُّد حَاصِلا وَلم يجر مثله فِي غير هَذَا - يَعْنِي: لم يجر للأصحاب تردد فِي حكم مَعَ تَضْعِيف الحَدِيث الَّذِي يدل عَلَيْهِ - فَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا. وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: لم ترد فِيهِ سنة ثَابِتَة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث هُوَ غير مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهُوَ من قَول بعض السّلف. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» : هَذَا حَدِيث (بَاطِل) مَوْضُوع، إِنَّمَا هُوَ من كَلَام بعض السّلف. قَالَ: وَلم يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مسح الرَّقَبَة شَيْء، وَلَيْسَ هُوَ سنة؛ بل هُوَ بِدعَة، وَلم يذكرهُ الشَّافِعِي وَلَا جُمْهُور الْأَصْحَاب، وَإِنَّمَا قَالَه ابْن الْقَاص وَطَائِفَة يسيرَة، وَهُوَ غلط لقَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فَمن زَاد عَلَى هَذَا فقد أَسَاءَ وظلم» . قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» : الْبَغَوِيّ من أَئِمَّة الحَدِيث، وَقد قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 باستحبابه وَلَا مَأْخَذ لاستحبابه إِلَّا خبر أَو أثر؛ لِأَن هَذَا لَا مجَال للْقِيَاس فِيهِ، وَإِن كَانَ مَا أوردهُ الْغَزالِيّ من الْخَبَر مَوْضُوع، فَهُوَ أثر عَن بعض السّلف كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح، وَهَذَا الحَدِيث وَصفه المتقدمون بإنهم ارتضوا إِسْنَاده دون الْوَضع. قَالَ: وَالْأَشْبَه عِنْدِي إِن لم يكن سنة فَهُوَ مُسْتَحبّ، وَصَاحب «التَّتِمَّة» و «التَّهْذِيب» عَلَّلَاهُ بتطويل الْغرَّة. قَالَ: فيقوي الْخَبَر الْمَذْكُور؛ إِذْ الْحِلْية الْمَطْلُوبَة وَالْغسْل لَا يَجْتَمِعَانِ فِي غسل وَاحِد فِي الْقيمَة. الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من تَوَضَّأ وَمسح عُنُقه وُقِي الغل يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث أَيْضا غَرِيب، وَهُوَ مثل الَّذِي قبله، وَعَزاهُ الرَّوْيَانِيّ - من أَصْحَابنَا - إِلَى تصنيف أَحْمد بن فَارس، فَقَالَ: رَأَيْت فِي تصنيف أَحْمد بن فَارس بِإِسْنَادِهِ عَن فليح بن سُلَيْمَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من تَوَضَّأ وَمسح بيدَيْهِ عَلَى عُنُقه وقِي الغل يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ الرَّوْيَانِيّ: وَهَذَا صَحِيح - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قلت: وفليح هَذَا أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ، وَتكلم فِيهِ النَّسَائِيّ وَغَيره، وليت الرَّوْيَانِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر لنا بَاقِي إِسْنَاده لنَنْظُر (فِي) حَاله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وَرَوَاهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كِتَابه «الطّهُور» من كَلَام مُوسَى بن طَلْحَة فَقَالَ: وَأما مسح الْقَفَا فَإِن عَلّي بن ثَابت وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي حدثانا عَن المَسْعُودِيّ، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ: «من مسح قَفاهُ مَعَ رَأسه وقِي الغل يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ: وثنا الْحجَّاج عَن المَسْعُودِيّ عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن أَنه قَالَ مثل ذَلِك، قَالَ حجاج: وَلَا أحفظ عَنهُ مُوسَى بن طَلْحَة. قلت: وَالظَّاهِر أَن هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا عَن تَوْقِيف، وروينا فِي «مُسْند الإِمَام أَحْمد» و «سنَن أبي دَاوُد» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» عَن حَدِيث طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يمسح رَأسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 حَتَّى بلغ القذال وَمَا يَلِيهِ من مقدم الْعُنُق» . (وَهُوَ) حَدِيث ضَعِيف، فِي إِسْنَاده: لَيْث بن أبي سليم، وَقد صرح الْبَيْهَقِيّ بِضعْف هَذَا الحَدِيث، وَنقل النَّوَوِيّ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب فِي أثْنَاء (الخاتمة) الأولَى فِي الطَّرِيق الثَّالِث من حَدِيث عَلّي رفع مسح الْعُنُق إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِسَنَد ضَعِيف. الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للقيط بن صبرَة: إِذا تَوَضَّأت، فخلل الْأَصَابِع» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث (التَّاسِع و) الْعشْرُونَ (مِنْهُ) . الحَدِيث الْخَمْسُونَ قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: الأحب فِي كَيْفيَّة تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن أَن يخلل بخنصر الْيَد الْيُسْرَى من أَسْفَل الْأَصَابِع، مبتدئًا بخنصر أَصَابِع الرجل الْيُمْنَى، مختتمًا بخنصر الْيُسْرَى، (ورد) الْخَبَر بذلك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا كَلَام الرَّافِعِيّ وَهَذِه الْكَيْفِيَّة لَا أعلم من رَوَاهُ فِي حَدِيث وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 أثر، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ قَالَ فِي «نهايته» : صَحَّ فِي السّنة من كَيْفيَّة التَّخْلِيل مَا سنصفه؛ فليقع التَّخْلِيل من أَسْفَل الْأَصَابِع والبداية بالخنصر من الْيَد، وَلم يثبت عِنْدهم فِي تعْيين إِحْدَى الْيَدَيْنِ شَيْء. انْتَهَى. وَالْمَعْرُوف عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أَحَادِيث لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهَا هَذِه الْكَيْفِيَّة. أَحدهَا: عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا تَوَضَّأ يدلك أَصَابِع رجلَيْهِ بِخِنْصرِهِ» . رَوَاهُ (أَبُو دَاوُد) من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن عَمْرو الْمعَافِرِي، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَنهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا، وَكَذَلِكَ أَيْضا ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَفِي رِوَايَة لَهُ «يخلل أَصَابِع رجلَيْهِ بِخِنْصرِهِ» . وَأخرجه أَحْمد بِهَذَا اللَّفْظ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : أَنا أَبُو حَازِم [عمر] بن أَحْمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الْحَافِظ (أَنا أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن [مُحَمَّد بن أَحْمد] الْحَافِظ) ، أَنا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْحَنْظَلِي بِالريِّ، نَا أَحْمد - يَعْنِي: ابْن عبد الرَّحْمَن بن وهب - قَالَ: سَمِعت عمي يَقُول: سَمِعت مَالِكًا سُئِلَ عَن تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن فِي الْوضُوء، فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِك عَلَى النَّاس. فتركته حَتَّى خف النَّاس، وَقلت: يَا أَبَا عبد الله سَمِعتك تُفْتِي فِي مَسْأَلَة فِي تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن زعمت أَن لَيْسَ ذَلِك عَلَى النَّاس، وَعِنْدنَا فِي ذَلِك سنة! فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقلت: حَدَّثَنَا اللَّيْث بن سعد وَابْن لَهِيعَة وَعَمْرو بن الْحَارِث عَن يزِيد بن [عَمْرو] الْمعَافِرِي، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد الْقرشِي قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يدلك بِخِنْصرِهِ مَا بَين أَصَابِع رجلَيْهِ» . فَقَالَ: إِن هَذَا الحَدِيث حسن، وَمَا سَمِعت بِهِ قطّ إِلَّا السَّاعَة. ثمَّ سمعته سُئِلَ بعد ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 فَأمر بتخليل الْأَصَابِع. قَالَ عمي: مَا أقل من يتَوَضَّأ (إِلَّا) ويخطئه الْخط الَّذِي تَحت الْإِبْهَام فِي الرجل، فَإِن النَّاس يثنون إبهامهم عِنْد الْوضُوء، فَمن تفقد ذَلِك فقد سلم. قلت: فَالْحَدِيث حسن صَحِيح، حَيْثُ لم ينْفَرد ابْن لَهِيعَة (بِهِ) ، وحاول ابْن الْقطَّان تَصْحِيحه، فَوقف (عَن ذَلِك) لفصل أشكل عَلَيْهِ (وَهُوَ سَماع ابْن أبي حَاتِم من أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب؛ فَإِنَّهُ أشكل عَلَيْهِ) هَل سمع أَو رَوَى عَنهُ إجَازَة، فَإِن ابْن الْقطَّان ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، نَا قُتَيْبَة، عَن ابْن لَهِيعَة - كَمَا تقدم - وَضَعفه من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، ثمَّ قَالَ: فَأَما الْإِسْنَاد الصَّحِيح، فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: أَنا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أخي ابْن وهب ... فَذكر نَحْو مَا ذَكرْنَاهُ. ثمَّ قَالَ: أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن قد وَثَّقَهُ أهل زَمَانه، وَإِنَّمَا يجب أَن يتفقد من أَمر هَذَا الحَدِيث قَول أبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: «أَنا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن» فَإِنِّي أَظُنهُ - يَعْنِي: بِالْإِجَازَةِ - فَإِنَّهُ (لما) ذكره فِي بَابه قَالَ: إِن أَبَا زرْعَة أدْركهُ وَلم يكْتب عَنهُ، وَأَن أَبَاهُ قَالَ: أَدْرَكته وكتبت عَنهُ. فَظَاهر هَذَا أَنه لم يسمع (مِنْهُ) ، فَإِنَّهُ لم يقل: كتبت عَنهُ مَعَ أبي - كَمَا هِيَ عَادَته. وَقد استغنينا عَن هَذَا التفقد الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الْقطَّان بِرِوَايَة الْبَيْهَقِيّ الْمُتَقَدّمَة حَيْثُ قَالَ: «حَدثنِي أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 بن وهب» . وَكَذَا أَيْضا رَوَاهُ عَن ابْن أخي ابْن وهب أَبُو بشر أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَمَّاد الدولابي، حدث بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب مَالك» عَن أبي جَعْفَر الأسواني عَن الدولابي، نَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب، ثَنَا عمي ... فَذكر مَعْنَى الْخَبَر والقصة عَن ابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث بن سعد، لم يذكر عَمْرو بن الْحَارِث، فَهَذَا أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم وَأَبُو بشر الدولابي كل مِنْهُمَا يَقُول: حَدَّثَنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن. نبَّه عَلَى ذَلِك شَيخنَا (أَبُو الْفَتْح) الْيَعْمرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» وَأَخذه من شَيْخه تَقِيّ الدَّين ابْن دَقِيق الْعِيد فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي كتاب «الإِمَام» . الحَدِيث الثَّانِي: عَن عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه خلل أَصَابِع قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا وَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل كَمَا فعلت» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيدٍ، وَقد تقدم فِي الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من هَذَا الْبَاب من رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة فِي حَدِيث عُثْمَان تَخْلِيل الرجلَيْن. الحَدِيث الثَّالِث: عَن الرّبيع بنت معوذ رَضي اللهُ عَنه قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يأتينا ويغشانا فَإِذا حضرت الصَّلَاة وَضعنَا لَهُ إِنَاء، حزرناه يَأْخُذ مدًّا أَو مدًّا وَنصفا، فَيغسل كفيه ثَلَاثًا، (ويتمضمض) ثَلَاثًا، ويستنشق ثَلَاثًا، وَيغسل وَجهه ثَلَاثًا [ثمَّ يغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا] وَيمْسَح رَأسه مرّة، وَيغسل أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما وغضونهما، وَيغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا يخلل [بَين] أَصَابِعه» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن النُّعْمَان بن سَالم إِلَّا لَيْث بن أبي سليم، وَلَا عَن لَيْث إِلَّا يزِيد بن إِبْرَاهِيم التسترِي، وَلَا عَن يزِيد إِلَّا الْحجَّاج بن الْمنْهَال الْأنمَاطِي، تفرد بِهِ ابْنه. الحَدِيث الرَّابِع: عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَوَضَّأ ويخلل بَين أَصَابِعه ويدلك عَقِبَيْهِ وَيَقُول: خللوا أصابعكم لَا يخلل الله (بَينهَا) بالنَّار ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي إِسْنَاده عمر بن قيس، قَالَ البُخَارِيّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. الحَدِيث الْخَامِس: عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ واستنثر وخلل أَصَابِعه بأصابعه» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن مَنْدَه الْأَصْبَهَانِيّ، ثَنَا أَبُو كريب، ثَنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن شَيبَان، عَن جَابر، (عَن) عبد الْجَبَّار بِهِ. فصل: وَقع فِي الحَدِيث الأول من هَذِه الْأَحَادِيث ذكر ابْن لَهِيعَة فلنذكر مقالات أهل الْفَنّ فِيهِ مَجْمُوعَة، هَذَا (ليحال) مَا يَقع بعده عَلَيْهِ فَنَقُول: هُوَ عبد الله بن لَهِيعَة بن عقبَة أَبُو عبد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ - وَيُقَال: الغافقي - قَاضِي مصر وعالمها، قَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: قَالَ لي بشر بن السّري: لَو رَأَيْت ابْن لَهِيعَة لم تحمل عَنهُ حرفا. وَكَانَ يَحْيَى بن سعيد لَا يرَاهُ شَيْئا. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: أنكر أهل مصر احتراق كتبه وَالسَّمَاع مِنْهُ وَاحِد: الْقَدِيم والْحَدِيث، هُوَ ضَعِيف. قَالَ الفلاس: احترقت كتبه، وَمن كتب عَنهُ قبل ذَلِك كَابْن الْمُبَارك والمقرئ أصح مِمَّن كتب بعد احتراقها، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 زرْعَة: سَماع الْأَوَائِل (و) الْأَوَاخِر مِنْهُ سَوَاء إِلَّا ابْن الْمُبَارك وَابْن وهب، كَانَا يتبعان أُصُوله وَلَيْسَ [مِمَّن] يحْتَج بِهِ. وَقَالَ (ابْن) بكير: احْتَرَقَ منزل ابْن لَهِيعَة وَكتبه سنة سبعين وَمِائَة. وَقَالَ البُخَارِيّ نَحوه، وَقَالَ السَّعْدِيّ: لَا يَنْبَغِي أَن يحْتَج بروايته وَلَا يعْتد بهَا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ضَعِيفا، وَعِنْده حَدِيث كثير، وَمن سمع مِنْهُ فِي أول أمره أحسن (حَالا) مِمَّن سمع مِنْهُ بِآخِرهِ. وَأما أهل مصر فَيذكرُونَ أَنه لم يخْتَلط وَلم يزل أول أمره وَآخره وَاحِدًا، وَإِنَّمَا كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ من حَدِيثه [فيسكت عَلَيْهِ] فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: وَمَا ذَنبي إِنَّمَا يجيئوني بِكِتَاب يقرءونه ويقومون، وَلَو سَأَلُونِي لأخبرتهم أَنه لَيْسَ من حَدِيثي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: سبرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 أخباره فرأيته يُدَلس عَن أَقوام ضعفاء عَلَى أَقوام ثِقَات قد رَآهُمْ، ثمَّ كَانَ لَا يُبَالِي مَا دفع إِلَيْهِ قَرَأَهُ سَوَاء كَانَ من حَدِيثه أَو لم يكن من حَدِيثه، فَوَجَبَ التنكب عَن رِوَايَة الْمُتَقَدِّمين عَنهُ قبل احتراق كتبه، لما فِيهَا من الْأَخْبَار المدلسة عَن المتروكين، وَوَجَب ترك الِاحْتِجَاج بِرِوَايَة الْمُتَأَخِّرين بعد احتراق كتبه؛ لما فِيهَا مِمَّا لَيْسَ من حَدِيثه. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : هُوَ سَاقِط. وَقَالَ مرّة: لَا شَيْء. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أجمع أَصْحَاب الحَدِيث عَلَى ضعفه وَترك الِاحْتِجَاج بِمَا ينْفَرد بِهِ. وَوَقع ذكره فِي «صَحِيح مُسلم» فِي الْمُتَابَعَة مَقْرُونا بِعَمْرو بن الْحَارِث، وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَلم يسمه، فَقَالَ مرّة: عَن حَيْوَة بن شُرَيْح وَفُلَان، وَمرَّة عَن عَمْرو بن الْحَارِث وَرجل آخر (وَقَالَ ابْن وهب: كَانَ صَادِقا) وَقَالَ ابْن عدي: حدث عَنهُ الثِّقَات: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 الثَّوْريّ وَشعْبَة وَمَالك وَعَمْرو بن الْحَارِث وَاللَّيْث بن سعد قَالَ: وَأَحَادِيثه حسان، وَمَا قد ضعفه السّلف، وَهُوَ حسن الحَدِيث يكْتب حَدِيثه، وَقد حدث عَنهُ الثِّقَات كَمَا مر، وَحَدِيثه حسن كَأَنَّهُ يستأن عَمَّن رَوَى عَنهُ، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه. قَالَ السُّهيْلي: وَكَانَ مَالك يحسن القَوْل فِيهِ، وَيُقَال: إِنَّه الَّذِي رَوَى عَنهُ حَدِيث العربان فِي «الْمُوَطَّأ» عَن الثِّقَة عِنْده عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: أنكر ابْن أبي مَرْيَم احتراق كتبه، وَقَالَ: لم يَحْتَرِق لَهُ وَلَا كتاب، إِنَّمَا أَرَادوا أَن (يرفقوا) عَلَيْهِ أَمِير مصر فَأرْسل إِلَيْهِ (خَمْسمِائَة) دِينَار. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسمعت (أَحْمد) يَقُول: من كَانَ مثل ابْن لَهِيعَة بِمصْر فِي كَثْرَة حَدِيثه وَضَبطه وإتقانه؟ ! وَحدث عَنهُ أَحْمد بِحَدِيث كثير. وَرَوَى الْفضل بن زِيَاد عَن أَحْمد قَالَ: من سمع مِنْهُ قَدِيما فسماعه صَحِيح. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: عِنْد ابْن لَهِيعَة الْأُصُول وَعِنْدنَا الْفُرُوع. وَقَالَ: حججْت حجًّا لألقى ابْن لَهِيعَة. وَقَالَ روح بن صَلَاح: لَقِي ابْن لَهِيعَة اثْنَيْنِ وَسبعين تابعيًّا. قلت: فتحصلنا فِي أمره عَلَى ثَلَاثَة مَذَاهِب: الْقبُول، وَالرَّدّ، وَالتَّفْصِيل بَين أول أمره وَآخره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا تَوَضَّأت فخلل أَصَابِع يَديك ورجليك» . قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» . وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن (سعيد) ، نَا (سعد) بن عبد الحميد بن جَعْفَر، نَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا. وَأخرجه أَيْضا الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن [سُلَيْمَان بن دَاوُد الْهَاشِمِي] ، نَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن مُوسَى بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن غَرِيب. (وَقَالَ فِي «علله» : سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث حسن) ومُوسَى بن عقبَة سمع من صَالح مولَى التوءمة قَدِيما، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَكَانَ (أَحْمد) يَقُول: من سمع من صَالح مولَى التوءمة قَدِيما فسماعه حسن، وَمن سمع مِنْهُ أخيرًا - فَكَأَنَّهُ يضعف سَمَاعه - وَابْن أبي ذِئْب سمع مِنْهُ أخيرًا، ويروي عَنهُ مَنَاكِير. هَذَا آخر كَلَام البُخَارِيّ، وَسَنذكر فِي آخر كتاب الْجَنَائِز أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي صَالح هَذَا - إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقدره. ابْن أبي الزِّنَاد وَثَّقَهُ مَالك، وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: لَا يحْتَج بِهِ. وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَيْضا الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» مستشهدًا بِهِ، وَقَالَ: صَالح هَذَا أَظُنهُ مولَى التوءمة - قلت: هُوَ قطعا كَمَا تقدم فِي رِوَايَة الْأَوَّلين - فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من شَرط الْكتاب، وَإِنَّمَا أخرجته شَاهدا. الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ عَلَى سَبِيل الْمُوَالَاة، وَقَالَ: هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ» . أما كَونه (تَوَضَّأ عَلَى سَبِيل الْمُوَالَاة فَصَحِيح ثَابت فِي غير مَا حَدِيث مستفيض، فَكل من وصف وضوءه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام (لم) يصفه إِلَّا متواليًا مُرَتبا. وَأما أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ» فَتقدم بَيَانه فِي حَدِيث ابْن عمر وَأبي بن كَعْب السَّابِقين حَيْثُ «تَوَضَّأ مرّة مرّة وَقَالَ: هَذَا وضوء لَا يقبل (الله) الصَّلَاة إِلَّا بِهِ» وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَاضحا فِي الْبَاب، وهما الحَدِيث الثَّلَاثُونَ مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ «أَن رجلا تَوَضَّأ وَترك لمْعَة فِي عقبه، فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك أمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِغسْل ذَلِك الْموضع وَلم يَأْمُرهُ بالاستئناف» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رجلا تَوَضَّأ فَترك مَوضِع ظفر عَلَى قدمه فَأَبْصَرَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ارْجع فَأحْسن وضوءك. فَرجع ثمَّ صَلَّى» رَوَاهُ مُسلم. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالْبَزَّار فِي «مسنديهما» «فَرجع فَتَوَضَّأ ثمَّ صَلَّى» . قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا أسْندهُ عَن عمر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن عمر مَوْقُوفا. قلت: فِي الأول ابْن لَهِيعَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن عمر قَالَ: «رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا يتَوَضَّأ فَترك مَوضِع الظفر عَلَى قدمه فَأمره أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة» . وَفِي رِوَايَة للدارقطني «أَن عمر بن الْخطاب رَأَى رجلا وبظهر قدمه لمْعَة لم يصبهَا المَاء قَالَ: فَقَالَ لَهُ عمر: أَبِهَذَا الْوضُوء تحضر الصَّلَاة؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، الْبرد شَدِيد وَمَا معي مَا يدفئني. فرق لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 عمر بَعْدَمَا هم بِهِ، قَالَ: فَقَالَ (لَهُ) : اغسل مَا قد تركت من قدمك وَأعد الصَّلَاة. وَأمر لَهُ بخميصة» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد تَوَضَّأ وَترك عَلَى (ظهر) قدمه مثل الظفر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ارْجع فَأحْسن وضوءك» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة (أَحْمد) وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَابْن خُزَيْمَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: تفرد بِهِ جرير بن حَازِم، عَن قَتَادَة، عَن أنس وَهُوَ ثِقَة. وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَقَالَ: رُوَاته كلهم ثِقَات مجمع عَلَى عدالتهم. قَالَ: وَشَاهده مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن بَقِيَّة، عَن بحير - يَعْنِي: بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَآخره رَاء مُهْملَة، وَهُوَ ابْن سعد - (عَن) خَالِد بن معدان، عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 رَأَى رجلا يُصَلِّي وَفِي ظهر قدمه لمْعَة قدر الدِّرْهَم لم يصبهَا المَاء، فَأمره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة» . (قَالَ) : وَهَذَا مُنْقَطع. وَقَالَ فِي «سنَنه» : مُرْسل. قَالَ: وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «ارْجع فَأحْسن وضوءك» يُرِيد بِهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - غسل مَا لم يصبهُ المَاء. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : يُرِيد الْبَيْهَقِيّ بقوله: «هُوَ مُرْسل» لعدم ذكر (الصَّحَابِيّ) الرَّاوِي، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجْعَل الحَدِيث فِي حكم الْمُرْسل الْمَرْدُود عِنْد أهل الحَدِيث؛ فَإِن سَمَّاهُ مُرْسلا مَعَ أَن حكمه حكم الْمَوْصُول فَلَا يضر الْمُسْتَدلّ بِهِ. وَكَذَا حكم عَلَيْهِ بِالْإِرْسَال ابْن الْقطَّان وَعَابَ عَلَى عبد الْحق حَيْثُ عقبه بِبَقِيَّة دونه. وَقَالَ الْأَثْرَم: قلت لَهُ - يَعْنِي: أَحْمد - هَذَا إِسْنَاد جيد؟ قَالَ: نعم. قلت لأبي عبد الله: إِذا قَالَ رجل من التَّابِعين: حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يسمه؛ فَالْحَدِيث صَحِيح؟ قَالَ: نعم. وَفِي هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا الْأَثْرَم عَن أبي عبد الله تَعْلِيقا «أَن رجلا تَوَضَّأ وَترك موضعا من جسده ... » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَقَالَ شَيخنَا - يَعْنِي: الشَّيْخ زكي الدَّين -: فِي إِسْنَاده بَقِيَّة، وَفِيه مقَال. قَالَ الشَّيْخ: قلت: فِي «الْمُسْتَدْرك» من طَرِيق بَقِيَّة «نَا بحير» فعلَى هَذَا سلم من تُهْمَة التَّدْلِيس من بَقِيَّة فِي رِوَايَته عَن بحير. انْتَهَى كَلَام الشَّيْخ. وَقَوله: قلت فِي «الْمُسْتَدْرك» . لَعَلَّه وهم من النَّاسِخ، فَإِن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ لَهُ ذكر فِيهِ وَإِنَّمَا صَوَابه فِي «الْمسند» - يَعْنِي لِأَحْمَد بن حَنْبَل - فَإِنَّهُ أخرجه كَذَلِك فِيهِ، وَفِيه: «عَن بعض أَزوَاج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» بدل: «أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَقد وَقع عَلَى الصَّوَاب فِي «الْإِلْمَام» للشَّيْخ، فَتبين أَن الْمَذْكُور غلط من النَّاسِخ، وَقد تبع الشَّيْخ فِي هَذَا الْغَلَط إمامان من جلة شُيُوخنَا الْحفاظ، فإياك والتقليد. وأعل ابْن حزم حَدِيث بَقِيَّة هَذَا، فَقَالَ فِي «محلاه» : خبر لَا يَصح؛ لِأَن رَاوِيه بَقِيَّة، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَفِي السَّنَد من لَا يُدرى من هُوَ. وَقد تقدم لَك الْجَواب عَن ذَلِك، وَأَن جَهَالَة الصَّحَابِيّ لَا تضر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 (كَيفَ) وَهُوَ يَقُول فِي «محلاه» فِي كتاب الصَّلَاة فِي مَسْأَلَة وَمَا (عمله) الْمَرْء فِي صلَاته: كل نسَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثِقَات فواضل عِنْد الله مقدسات بِيَقِين. وَقد علمت أَن أَحْمد رَوَاهُ عَن بعض أَزوَاج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وأجمل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد. وَقد علمت حَاله، وَلِلْحَدِيثِ الَّذِي ذكره المُصَنّف - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَرِيقَانِ آخرَانِ: أَحدهمَا: عَن الْمُغيرَة بن سِقلاب - بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة - عَن الْوَازِع بن نَافِع، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن أبي بكر وَعمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَا: «جَاءَ رجل وَقد تَوَضَّأ وَبَقِي عَلَى ظهر قَدَمَيْهِ مثل ظفر إبهامه فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ارْجع فَأَتمَّ وضوءك فَفعل» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ: الْوَازِع ضَعِيف. وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أَوسط معاجمه» لَكِن من رِوَايَة أبي بكر وَحده، ثمَّ قَالَ: لَا يرْوَى عَن أبي بكر إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد (وَإِن ابْن السقلاب تفرد بِهِ) . وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ إِلَّا من هُوَ مثله. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد، والوازع بن نَافِع ضَعِيف الحَدِيث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 الطَّرِيق (الثَّانِي) : عَن أبي المتَوَكل عَلّي بن دَاوُد - وَيُقَال: ابْن دؤاد - قَالَ: «تَوَضَّأ عمر وَبَقِي عَلَى ظهر رجله لمْعَة لم يصبهَا المَاء فَأمره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُعِيد الْوضُوء» . رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَن أَبِيه، عَن قراد (أبي) نوح، عَن شُعْبَة، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن أبي المتَوَكل ثمَّ قَالَ: قَالَ أبي: أَبُو المتَوَكل لم يسمع من عمر، وَإِسْمَاعِيل هَذَا لَيْسَ بِهِ بَأْس. فَائِدَة: «اللمْعَة» المتكررة فِي هَذِه الْأَحَادِيث هِيَ - بِضَم اللَّام - وَهِي الْجُزْء. الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ (رَوَى) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَنا لَا أستعين فِي وضوئي بِأحد. قَالَه لعمر رَضي اللهُ عَنهُ وَقد بَادر ليصب المَاء عَلَى يَدَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث لم يُخرجهُ (أحد من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة، وَذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب «الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» فَقَالَ فِي الْمجْلس السَّادِس: قَرَأت عَلَى عَلّي بن عبيد الله، أَنا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الزَّعْفَرَانِي - إجَازَة - أَنا القَاضِي أَبُو عَلّي الْحسن بن عَلّي الصفار، ثَنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن جَعْفَر الْجِرْجَانِيّ، ثَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 الجلاد بتنيس، وَمُسلم بن الْفضل الْآدَمِيّ بِمصْر قَالَا: نَا مُحَمَّد بن عُثْمَان، ثَنَا عبد الله بن عمر بن أبان، ثَنَا النَّضر بن مَنْصُور الْفَزارِيّ، نَا عقبَة بن عَلْقَمَة - وَهُوَ أَبُو الْجنُوب - قَالَ: «رَأَيْت عليًّا رَضي اللهُ عَنهُ يَسْتَقِي مَاء لوضوئه، فبادرت أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه! إِنِّي رَأَيْت عمر بن الْخطاب يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فبادرت أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا أَبَا الْحُسَيْن! إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَسْتَقِي مَاء لوضوئه من مَاء زَمْزَم فِي ركوة فبادرت أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا عمر! فَإِنِّي أُرِيد أَلا يُعِيننِي عَلَى صَلَاتي أحد ... » وَذكره أَيْضا بِهَذِهِ السِّيَاقَة من حَدِيث النَّضر بن مَنْصُور الشيخُ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ أَبُو عَلّي الْحسن بن [عَلّي بن شبيب] المعمري وَاللَّفْظ لروايته فِي كتاب الطَّهَارَة من «السّنَن» قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث النَّضر بن مَنْصُور - أَيْضا - عَن أبي الْجنُوب قَالَ: «رَأَيْت عليًّا رَضي اللهُ عَنهُ يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فَأَرَدْت أَن أعينه عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن عمر بن الْخطاب رَضي اللهُ عَنهُ استقى مَاء لوضوئه فَقلت: أَلا أعينك عَلَيْهِ؟ قَالَ لَهُ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَسْتَقِي مَاء لوضوئه، فَأَرَدْت أَن أعينه عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي لَا أحب أَن يُعِيننِي عَلَى وضوئي أحد» رَوَاهُ عبد الله بن سعيد الْكِنْدِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى النَّضر، وقَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَأَبُو الْجنُوب لَا نعلم حدث عَنهُ إِلَّا النَّضر بن مَنْصُور، وَالنضْر قد حدث عَنهُ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة. وَرَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 ابْن عدي أَيْضا من حَدِيث أبي هِشَام الرِّفَاعِي، عَن النَّضر، عَن أبي الْجنُوب عقبَة بن عَلْقَمَة قَالَ: «رَأَيْت عليًّا يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فبادرته استقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا أَبَا الْجنُوب! فَإِنِّي سَمِعت عمر يَقُول: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فبادرته أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا عمر! فَإِنِّي أكره أَن يشركني فِي (طهوري) أحد» ثمَّ رَوَى ابْن عدي، عَن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن عُثْمَان بن سعيد قلت ليحيى بن معِين: النَّضر بن مَنْصُور تعرفه، رَوَى عَنهُ ابْن أبي معشر، عَن أبي الْجنُوب، عَن عَلّي من هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ حمالَة الْحَطب. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَن رُوَاته النَّضر بن مَنْصُور عَن أبي الْجنُوب عَن عَلّي، وهما غير حجَّة فِي الدَّين، وَلَا يعْتد بنقلهما. قلت: وَالنضْر بن مَنْصُور ضَعِيف جدًّا، قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ فِيهِ الرَّازِيّ: مَجْهُول يروي أَحَادِيث مُنكرَة. وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ وَلَا يعْتَبر بحَديثه. وَأَنا أتعجب من الشَّيْخ زكي الدَّين - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيفَ سَاق هَذَا الحَدِيث فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» ساكتًا عَنهُ وحاله مَا ذكرت، وَقد خرج غير وَاحِد من الْأَئِمَّة تَضْعِيفه! قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي «التَّذْكِرَة فِي الْأَحَادِيث المعلولة» : النَّضر بن مَنْصُور هَذَا الَّذِي لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْإِعْلَام فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه» : هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : هَذَا لم أجد لَهُ أصلا وَلَا وجدت لَهُ ذكرا فِي شَيْء من كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة قَالَ: وَلَو ثَبت فَهُوَ غير مُنَاقض للأحاديث الصَّحِيحَة المثبتة لاستعانته (فِي وضوئِهِ، وسبيل الْجمع بَينهمَا أَن يحمل تِلْكَ عَلَى بَيَان الْجَوَاز وَيحْتَمل هَذَا عَلَى سَبِيل الِاسْتِحْبَاب. قَالَ) الشَّيْخ أَبُو حَامِد مَعْنَى «أَنا لَا أستعين» لَا أستحب. وَقَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شرح الْمُهَذّب» : فَهَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ. فَإِن قلت: قد ورد فِي (هَذَا) الْبَاب حَدِيث قريب من هَذَا، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي جَمْرَة - بِالْجِيم وَالرَّاء الْمُهْملَة - عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يكل طهوره إِلَى أحد، وَلَا صدقته الَّتِي يتَصَدَّق بهَا حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يتولاها بِنَفسِهِ» . قلت: هُوَ أَيْضا حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده: مطهر - بِضَم الْمِيم وبالطاء (الْمُهْملَة) وَالْهَاء - بن الْهَيْثَم، قَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 عَن مُوسَى بن عَلّي بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَعَن غَيره من الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات. وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس: هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث نقلهما ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الضُّعَفَاء» ثمَّ الشَّيْخ فِي «الإِمَام» . وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي «الْحَاوِي الْكَبِير» للماوردي عَلَى نمط آخر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: «رُوِيَ أَن أَبَا بكر الصّديق رَضي اللهُ عَنهُ هم بصب المَاء عَلَى يَد رَسُول الله فَقَالَ: لَا أحب أَن يشاركني فِي وضوئي أحد» وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره كَمَا سلف أَنه وَقع ذَلِك لعمر؛ فلتطلب هَذِه الرِّوَايَة. الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتَعَانَ بأسامة فِي صب المَاء عَلَى يَدَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنهُ «أَنه صب عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي وضوئِهِ فِي حجَّة الْوَدَاع بعد دَفعه من عَرَفَة بَينهَا وَبَين الْمزْدَلِفَة» . وَهَذَا لفظ مُسلم: عَن أُسَامَة بن زيد «أَنه كَانَ رَدِيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين أَفَاضَ من عَرَفَة، فَلَمَّا جَاءَ الشّعب أَنَاخَ رَاحِلَته ثمَّ (ذهب) إِلَى الْغَائِط، فَلَمَّا رَجَعَ صببت عَلَيْهِ من الْإِدَاوَة (فَتَوَضَّأ) ثمَّ ركب حَتَّى أَتَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 الْمزْدَلِفَة فَجمع بهَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء» . وَلَفظ البُخَارِيّ: عَن أُسَامَة بن زيد: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما أَفَاضَ من عَرَفَة عدل إِلَى الشّعب فَقَضَى حَاجته، قَالَ أُسَامَة: فَجعلت أصب عَلَيْهِ وَيتَوَضَّأ فَقلت: يَا رَسُول الله، أَتُصَلِّي؟ قَالَ: المصلىأمامك» . الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتَعَانَ بِالربيعِ بنت معوذ فِي صب المَاء عَلَى يَدَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» عَن زَكَرِيَّا بن عدي، ثَنَا عبيد الله بن [عَمْرو] ، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يأتينا فِي منزلنا، فآخذ ميضأة لنا تكون مدًّا وَثلث مد - (أَو ربع) - فأسكب عَلَيْهِ فيتوضأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا الْهَيْثَم بن جميل، نَا شريك، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ قَالَت: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بميضأة، فَقَالَ: اسكبي. فَسَكَبت فَغسل وَجهه وذراعيه، وَأخذ مَاء جَدِيدا فَمسح (بِهِ) رَأسه، مقدمه ومؤخره، وَغسل قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 قد تقدم الْكَلَام فِي ابْن عقيل قَرِيبا فِي الْبَاب. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَرَوَاهُ أَبُو مُسلم الْكشِّي عَن [أبي] عمر، عَن بشر بن الْمفضل، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت: «صببت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَوَضَّأ وَقَالَ لي: اسكبي عليّ» . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح وَالشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامهمَا عَلَى الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ. قلت: أما أَبُو دَاوُد فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهَا أحضرت لَهُ المَاء، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا صبَّتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ أبي دَاوُد عَن الرّبيع قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يأتينا ... » فحدثتنا أَنه قَالَ: اسكبي لي وضُوءًا ... .» فَذكر وضوء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِيهِ: «فَغسل كفيه ثَلَاثًا ... » إِلَى آخِره، فَلَا يحسن مِنْهُ أَن يُورِدهُ عقب قَول صَاحب «الْمُهَذّب» : إِن الرّبيع صبته عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَأما (التِّرْمِذِيّ) فَلم يُخرجهُ بِالْكُلِّيَّةِ، ذَاك حَدِيث آخر أخرجه التِّرْمِذِيّ عَنْهَا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ بمقدمه، وبأذنيه (كلتاهما) ظهورهما وبطونهما» . وَالْعجب من الشَّيْخ زكي الدَّين - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَمر آخر وَرَاء هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وَهُوَ أَنه لما أخرج هَذَا الحَدِيث فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» قَالَ فِي أول كَلَامه: هَذَا حَدِيث حسن. ثمَّ قَالَ فِي آخِره: وَعبد الله بن عقيل ضَعِيف. فَكيف يكون الحَدِيث حسنا ومداره عَلَى ضَعِيف كَمَا يزْعم! وَقد قدمنَا فِي الْبَاب اخْتِلَاف أهل (هَذَا) الْفَنّ فِي تَضْعِيفه وتوثيقه، وَأَن التِّرْمِذِيّ تَارَة يحسن حَدِيثه وَتارَة يُصَحِّحهُ، فَهَذَا الحَدِيث عَلَى رَأْيه إِمَّا حسن وَإِمَّا صَحِيح، وَقد (صرح) بِأَنَّهُ حسن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» . الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتَعَانَ بالمغيرة بن شُعْبَة لمَكَان جُبَّة ضيقَة الكمين كَانَ قد لبسهَا، فعسر عَلَيْهِ الإسباغ مُنْفَردا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طرق عَن الْمُغيرَة مِنْهَا رِوَايَة مَسْرُوق بن الأجدع الْهَمدَانِي، عَن الْمُغيرَة قَالَ: «كنت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر فَقَالَ يَا مُغيرَة: خُذ الْإِدَاوَة. فأخذتها ثمَّ خرجت مَعَه فَانْطَلق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى توارى عني حَتَّى قَضَى حَاجته، ثمَّ جَاءَ وَعَلِيهِ جُبَّة شامية ضيقَة الكمين، فَذهب يخرج يَده من كمها [فضاقت] فَأخْرج يَده من أَسْفَلهَا، فَصَبَبْت عَلَيْهِ فَتَوَضَّأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 (وضوءه للصَّلَاة) ثمَّ مسح عَلَى خفيه ثمَّ صَلَّى» اللَّفْظ لمُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ نَحوه. وَفِي رِوَايَة لَهما: «جُبَّة من صوف» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» «جُبَّة رُومِية» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «شامية أَو رُومِية» . وَاعْلَم أَن السَّبَب الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ فِي الِاسْتِعَانَة تبع فِيهِ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَهُوَ تبع إِمَامه. قَالَ ابْن الصّلاح: فِي بعض طرق حَدِيث الْمُغيرَة. وَذكر السَّبَب الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ فِي الِاسْتِعَانَة (مشْعر بوجودها) مِنْهُ (لَا لضيق الكمين نَفسه فَحسب؛ فَإِنَّهُ اسْتَعَانَ فِي غسل وَجهه بِهِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى غسل يَدَيْهِ (ضَاقَتْ كماه) فَلم يسْتَطع أَن يخرج يَدَيْهِ مِنْهُمَا فأخرجهما من أَسْفَل الْجُبَّة (وغسلهما) . فَائِدَة: الْمُغيرَة - بِضَم الْمِيم وَكسرهَا - (حَكَاهُمَا) ابْن السّكيت وَغَيره، وَالضَّم أشهر، كنيته أَبُو عِيسَى، أحد دهاة الْعَرَب الْأَرْبَعَة، أسلم عَام الخَنْدَق، وَتُوفِّي سنة خمسين، وَمن طرف أخباره (أَنه حَكَى) أَنه أحصن فِي الْإِسْلَام ثَلَاثمِائَة امْرَأَة، وَقيل: ألف امْرَأَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 فَائِدَة أُخْرَى: أَشَارَ الإِمَام الرَّافِعِيّ إِلَى أَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد اسْتَعَانَ أَحْيَانًا أخر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَعَانَ أَحْيَانًا مِنْهَا عَن أُسَامَة وَالربيع والمغيرة. وَقد رُوِيَ أَنه اسْتَعَانَ فِي مَرَّات أخر، فَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث (حُذَيْفَة) ابْن أبي حُذَيْفَة عَن صَفْوَان بن عَسَّال رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «صببت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[المَاء] فِي الْحَضَر وَالسّفر فِي الْوضُوء» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» فِي تَرْجَمَة (حُذَيْفَة) بن أبي حُذَيْفَة وَأَشَارَ إِلَى تَضْعِيفه فَقَالَ: وَلم يذكر حُذَيْفَة سَمَاعا [من صَفْوَان] . وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» أَيْضا عَن أم عَيَّاش - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت وبالشين الْمُعْجَمَة - رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كنت أوضئ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا قَائِمَة وَهُوَ قَاعد» . فِي إِسْنَاده عبد الْكَرِيم بن روح الْبَصْرِيّ قَالَ الرَّازِيّ: مَجْهُول. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَعَن عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت، عَن رجل من قيس قَالَ: «صببت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَوَضَّأ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَعَن أُمَيْمَة مولاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: «كنت أوضئ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أفرغ عَلَى يَده المَاء» . وَعَن عُلَي - بِضَم الْعين وَفتح اللَّام عَلَى الْمَشْهُور - بن رَبَاح - بِالْبَاء الْمُوَحدَة - عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «صببت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: يَا عَمْرو، لعَلي أَبْعَثك عَلَى جَيش فيسلمك الله وأزعب لَك فِيهِ زعبة من المَال. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي لم أسلم رَغْبَة فِي المَال. قَالَ: نعما بِالْمَالِ الصَّالح للرجل الصَّالح» . ذكر هَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاث الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» قَالَ: وأزعب - بالزاي الْمُعْجَمَة الساكنة وَبعدهَا عين مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ بَاء - قَالَ الْفَارِسِي: قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ أُعْطِيك دفْعَة من المَال. الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ يجمع ثَلَاثَة أَحَادِيث؛ فَإِن الإِمَام الرَّافِعِيّ قَالَ: هَل يسْتَحبّ ترك تنشيف الْأَعْضَاء؟ (فِيهِ) وَجْهَان. أظهرهمَا: نعم؛ لما رُوي عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا ينشف أعضاءه» . وَعَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصبح جنبا، فيغتسل ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة وَرَأسه يقطر مَاء» . وَالثَّانِي: لَا يسْتَحبّ ذَاك، وَعَلَى هَذَا اخْتلفُوا؛ فَمنهمْ من قَالَ: لَا يسْتَحبّ التنشيف أَيْضا، وَقد رُوِيَ من فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التنشيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 (وَتَركه، وكل) حسن وَلَا تَرْجِيح. وَمِنْهُم من قَالَ: يسْتَحبّ التنشيف؛ لما فِيهِ من الِاحْتِرَاز عَن التصاق الْغُبَار، فَإِذا فرعنا عَلَى الْأَظْهر - وَهُوَ اسْتِحْبَاب التّرْك - فَهَل نقُول التنشيف مَكْرُوه أم لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أظهرها: لَا؛ لِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «اغْتسل فَأتي بملحفة ورسية فالتحف بهَا حَتَّى رئي أثر الورس عَلَى عكنه» وَلَو كَانَ مَكْرُوها مَا فعل. وَالثَّانِي: نعم؛ لِأَنَّهُ إِزَالَة لأثر الْعِبَادَة فَأشبه إِزَالَة الخلوف للصَّائِم. وَالثَّالِث: حُكِيَ عَن القَاضِي حُسَيْن: أَنه إِن كَانَ فِي الصَّيف كره، وَإِن كَانَ فِي الشتَاء لم يكره لعذر الْبرد. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ، وَهُوَ يشْتَمل عَلَى ثَلَاثَة أَحَادِيث. الأول: حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ وَهُوَ حَدِيث غير مَشْهُور فِي كتب الْأُصُول حَتَّى إِن بَعضهم أَشَارَ إِلَى الْإِنْكَار عَلَى الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي رِوَايَته لَهُ، وَقد رَوَاهُ (الْحَافِظ) أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْإِعْلَام بناسخ الحَدِيث ومنسوخه» عَن مُحَمَّد بن نَاصِر، نَا أَبُو مَنْصُور بن عبد الرَّزَّاق، ثَنَا أَبُو بكر بن الْأَخْضَر، أَنا ابْن شاهين، نَا أَحْمد بن (سُلَيْمَان) ، نَا مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيْمَان، نَا عقبَة بن مكرم، نَا يُونُس بن بكير، عَن سعيد بن ميسرَة، عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يكن يمسح وَجهه بالمنديل بعد الْوضُوء، وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر وَلَا عَلّي و [لَا] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 ابْن مَسْعُود» . وَرَأَيْت بعد ذَلِك فِي «النَّاسِخ والمنسوخ» لِابْنِ شاهين بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَهُوَ قد أَخذه مِنْهُ. قلت: (قد) رُوِيَ عَن أنس بن مَالك مَا يُخَالف هَذَا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَمِعت أبي ذكر حَدِيثا رَوَاهُ عبد الْوَارِث، عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَت لَهُ خرقَة (يمسح) بهَا» فَقَالَ: رَأَيْت فِي بعض الرِّوَايَات عَن عبد الْعَزِيز «أَنه كَانَ لأنس بن مَالك خرقَة» وَالْمَوْقُوف أشبه، وَلَا يحْتَمل أَن يكون مُسْندًا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : عبد الْوَارِث وَعبد الْعَزِيز من الثِّقَات عِنْدهم، فَإِذا صَحَّ الطَّرِيق إِلَى عبد الْوَارِث فلقائل أَن يحكم بِصِحَّتِهِ وَلَا يعلله (بِتِلْكَ) الرِّوَايَة الْمَوْقُوفَة. وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» فَإِنَّهُ لما ذكر حَدِيث عَائِشَة الضَّعِيف «كَانَت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرقَة ينشف بهَا بعد الْوضُوء» قَالَ: فِي إِسْنَاده أَبُو معَاذ الْفضل بن ميسرَة رَوَى عَنهُ يَحْيَى بن سعيد وَأَثْنَى عَلَيْهِ، قَالَ: وَقد رُوي عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 أنس بن مَالك وَغَيره، وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ. قلت: لَكِن قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : لَا يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء فِي هَذَا الْبَاب - يَعْنِي أَنه تنشف بعد وضوء - قَالَ: وَرخّص قوم من أهل الْعلم من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن (بعدهمْ) فِي التمندل بعد الْوضُوء، وَمن كرهه إِنَّمَا كرهه من قبل أَن الْوضُوء يُوزن. قَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّمَا كره المنديل بعد الْوضُوء؛ لِأَن الْوضُوء يُوزن. وَأما الحَدِيث الثَّانِي: وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة فَغَرِيب (جدًّا) لَا أعلم من رَوَاهُ عَنْهَا بعد الْبَحْث التَّام عَنهُ. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث مَيْمُونَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «ناولت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد اغتساله ثوبا فَلم يَأْخُذهُ وَانْطَلق وَهُوَ ينفض يَدَيْهِ» هَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم «أتيت بالمنديل فَلم يمسهُ وَجعل يَقُول بِالْمَاءِ هَكَذَا - يَعْنِي ينفضه» . وَأما الحَدِيث الثَّالِث: فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي هَذَا الْبَاب عَن عَلّي بن مُحَمَّد، ثَنَا وَكِيع، ثَنَا ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن (أسعد) بن زُرَارَة، عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل، عَن قيس بن سعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 قَالَ: «أَتَانَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوَضَعْنَا لَهُ مَاء فاغتسل، ثمَّ أتيناه بملحفة ورسية فَاشْتَمَلَ بهَا، فَكَأَنِّي أنظر إِلَى أثر الورث عَلَى عكنه» . (رَوَاهُ) ابْن مَاجَه أَيْضا فِي اللبَاس بالسند الْمَذْكُور وَاللَّفْظ، إِلَّا أَنه قَالَ: «فَوَضَعْنَا لَهُ مَاء يتبرد بِهِ فاغتسل، ثمَّ أَتَيْته بملحفة صفراء فَرَأَيْت أثر الورس عَلَى عكنه» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى و (هِشَام بن عمار) الْمَعْنى، قَالَ مُحَمَّد: نَا الْوَلِيد بن مُسلم، أَنا الْأَوْزَاعِيّ، سَمِعت يَحْيَى بن أبي كثير يَقُول: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة، عَن قيس بن سعد قَالَ: «زارنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي منزلنا فقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. قَالَ: فَرد سعد ردًّا خفيًّا. قَالَ قيس: فَقلت: أَلا تَأذن لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَقَالَ: ذره يكثر علينا من السَّلَام. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. فَرد سعد ردًّا خفيًّا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. ثمَّ رَجَعَ رَسُول الله، وَأتبعهُ سعد فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت أسمع تسليمك وأرد عَلَيْك ردًّا خفيًّا لتكثر علينا من السَّلَام. قَالَ: فَانْصَرف مَعَه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَأمر لَهُ سعد بِغسْل فاغتسل، ثمَّ نَاوَلَهُ ملحفة مصبوغة بزعفران أَو ورس فَاشْتَمَلَ بهَا، ثمَّ رفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ (اجْعَل) صلواتك ورحمتك عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 آل سعد بن عبَادَة قَالَ: ثمَّ أصَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الطَّعَام، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف قرب لَهُ سعد حمارا قد وطأ عَلَيْهِ بقطيفة، فَركب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ سعد: يَا قيس، اصحب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ قيس: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اركب. فأبيت، ثمَّ قَالَ: إِمَّا أَن تركب وَإِمَّا أَن تَنْصَرِف. (فَانْصَرَفت) » . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ: «ثمَّ نَاوَلَهُ - أَو ناولته الْمَرْأَة - ملحفة مصبوغة بورس وزعفران» من غير تردد وَلَا شكّ، وَكَذَا هُوَ فِي «مُسْند الإِمَام أَحْمد» . قَالَ أَبُو دَاوُد: (رَوَاهُ) عمر بن عبد الْوَاحِد وَابْن سَمَّاعَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ [مُرْسلا] لم (يذكرَا) قيس بن سعد. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابه «عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة» مُتَّصِلا ومرسلاً. قَالَ الْحَازِمِي: هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِي سَنَده: رَوَاهُ وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة، عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل، عَن قيس بن سعد. وَرَوَاهُ عَلّي بن هَاشم بن الْبَرِيد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن قيس بن سعد لم يذكر ابْن شُرَحْبِيل بَينهمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وَسَيَأْتِي اخْتِلَاف آخر أَيْضا فِي إِسْنَاده، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الصّلاح: إِن إِسْنَاده مُخْتَلف وَتَابعه النَّوَوِيّ عَلَى ذَلِك وَزَاد: وَأَنه ضَعِيف. وَجزم فِي «الْخُلَاصَة» (بضعفه) وحاشاه من ضعف الْإِسْنَاد؛ فأسانيده إِمَّا حَسَنَة وَإِمَّا صَحِيحَة، أما إِسْنَاد ابْن مَاجَه فَحسن لَيْسَ فِيهِ من تكلم فِيهِ إِلَّا ابْن أبي لَيْلَى، وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: مَحَله الصدْق. وَأما إِسْنَاد أبي دَاوُد فَصَحِيح كل رِجَاله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» إِلَّا هِشَام بن عمار فَانْفَرد بِالْإِخْرَاجِ لَهُ البُخَارِيّ، وَهُوَ حَافظ ثِقَة وَكلهمْ ثِقَات لَا نعلم فيهم طَعنا بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم فَإِنَّهُ قد رمي بالتدليس، وَقد صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَته فارتفعت وصمة التَّدْلِيس. وَأما إِسْنَاد النَّسَائِيّ: فَرَوَاهُ (أَولا) عَن أبي يُوسُف مُحَمَّد بن أَحْمد الصيدلاني الرقي، عَن عِيسَى بن يُونُس، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد (بن) زُرَارَة، عَن (عَمْرو) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 بن شُرَحْبِيل، عَن قيس بن سعد بن عبَادَة «جَاءَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى سعد ... » الحَدِيث. والصيدلاني هَذَا كَانَ حَافِظًا، رَوَى عَنهُ أَبُو حَاتِم وصدَّقه، وَأخرج لَهُ مَعَ النَّسَائِيّ ابْن مَاجَه. وَعِيسَى بن يُونُس هُوَ ابْن أبي إِسْحَاق أحد الْإِعْلَام (فِي الْحِفْظ) وَالْعِبَادَة، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا. وَعَمْرو بن شُرَحْبِيل احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَمُحَمّد كَذَلِك، وَابْن أبي لَيْلَى تقدم تَوْثِيق أبي حَاتِم لَهُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى كَرِوَايَة أبي دَاوُد سَوَاء. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن شُعَيْب بن شُعَيْب - وَهُوَ ثِقَة - عَن عبد الْوَهَّاب بن سعيد - وَهُوَ ثِقَة (أخرج لَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا - عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق - وَهُوَ ثِقَة) احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ - عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة قَالَ: «زار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سعد بن عبَادَة ... » فَذكره مُرْسلا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن (مُحَمَّد بن حَاتِم - وَهُوَ الْمروزِي، لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 أعلم فِيهِ جرحا وَلَا تعديلاً - عَن ابْن الْمُبَارك) عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى (سَعْدا) زَائِرًا. .» مُرْسل. قلت: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَيْسَ فيهم من طعن فِيهِ إِلَّا ابْن أبي لَيْلَى، وَغَيرهَا من الطّرق جَائِزَة لَهَا، فَالصَّوَاب إعلال هَذَا الحَدِيث باخْتلَاف إِسْنَاده كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ الحافظان الْحَازِمِي وَابْن الصّلاح، وَعَلَى أَن الِاخْتِلَاف إِذا كَانَ من ثِقَة غير قَادِح، وَقد أخرج الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» هَذَا الحَدِيث من طَرِيق ابْن مَاجَه، وَلم يعقبها بِشَيْء وَلم يذكر سواهَا. فَإِذا وضح لَك ذَلِك فلنعد إِلَى تَفْسِير غَرِيب مَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث. فَنَقُول: الملحفة - بِكَسْر الْمِيم - مُشْتَقَّة من الالتحاف وَهُوَ الاشتمال. والورس ثَمَر أصفر - وَيُقَال: أَحْمَر - بشجر يكون بِالْيمن يصْبغ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوف، يُقَال إِنَّه إِذا زرع فِي الأَرْض سنة أَقَامَ عشر سِنِين ينْبت ويثمر. وَوَقع فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم من طَرِيق ابْن مَاجَه (وَرسِيّة) : - بواو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 مَفْتُوحَة، ثمَّ رَاء سَاكِنة، ثمَّ سين مَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مُشَدّدَة - وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . قَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة ملحفة وريسة - بِكَسْر الرَّاء وَبعدهَا يَاء سَاكِنة، ثمَّ سين مَفْتُوحَة، ثمَّ هَاء - وَمَعْنَاهُ مصبوغة بالورس. وَقَوله: «عَلَى عُكَنه» هُوَ - بِضَم الْعين وَفتح الْكَاف - جمع عُكْنة - بِضَم الْعين وَإِسْكَان الْكَاف - قَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: العكنة (الانطواء) فِي (بطن) الْجَارِيَة من السّمن، وَوَاحِدَة العكن: عكنة. وَيُقَال: تعكن الشَّيْء تعكنًا إِذا (ركم) بعضه عَلَى بعض فانثنى. قَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقد رَأَيْت لبَعض مصنفي أَلْفَاظ (الْمُهَذّب) إنكارًا عَلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي هَذِه اللَّفْظَة فَقَالَ: هَذِه زِيَادَة لَيست فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَهَذَا الْإِنْكَار غلط مِنْهُ؛ بل هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي الحَدِيث مُصَرح بهَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ. قلت: و «سنَن ابْن مَاجَه» كَمَا تقدم. وَقَوله: «وَأمر لَهُ سعد بغُسل» هُوَ بِضَم الْغَيْن؛ أَي: مَا يغْتَسل بِهِ، وَلَفْظَة الْغسْل مُثَلّثَة؛ فَهِيَ بِكَسْر الْغَيْن: اسْم لما يغسل بِهِ الرَّأْس من سدر أَو خطمي وَنَحْوهَا، وَبِفَتْحِهَا: مصدر، وَهُوَ اسْم للْفِعْل بِمَعْنى الِاغْتِسَال، وَبِضَمِّهَا: مُشْتَرك بَين الْفِعْل وَالْمَاء، وَالثَّانِي هُوَ المُرَاد بِهِ فِي حَدِيث قيس هَذَا قَالَ ذَلِك كُله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» ثمَّ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» لَهُ قَالَ: فَحصل فِي الْفِعْل لُغَتَانِ: الْفَتْح وَالضَّم. قَالَ: وَزعم جمَاعَة مِمَّن صنف فِي أَلْفَاظ الْفِقْه أَن الْفِعْل لَا يُقَال إِلَّا بِالْفَتْح، وغلطوا الْفُقَهَاء فِي قَوْلهم بَاب غُسل الْجَنَابَة وَالْجُمُعَة وَنَحْوه - بِالضَّمِّ - وَهَذَا الْإِنْكَار غلط؛ بل هما لُغَتَانِ كَمَا ذكرنَا. الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا توضأتم فَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم؛ فَإِنَّهَا مراوح الشَّيْطَان» . هَذَا الحَدِيث أنكر بَعضهم وجوده، وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا فلنذكر أَولا مقالاتهم ثمَّ نبين مَا يسر الله بِهِ علينا فَنَقُول: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي (كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : حَدِيث «إِذا توضأتم فَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم» لم أجد لَهُ أصلا، وَهَكَذَا جمَاعَة اعتنوا بِالْحَدِيثِ. وَقَالَ: قد ذكر بعض الْفُقَهَاء فِي آخِره «فَإِنَّهَا مراوح الشَّيْطَان» وَقَالَ فِي (كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» : حَدِيث «لَا تنفضوا أَيْدِيكُم» لَا صِحَة لَهُ، وَلم أجد لَهُ أَنا فِي جمَاعَة اعتنوا بالبحث عَن أَمْثَاله أصلا، وَزَاد بعض الْفُقَهَاء فِي آخِره «فَإِنَّهَا مراوح الشَّيْطَان» . قَالَ بعض المصنفين: هَذَا شَيْء يُوجد فِي كتب الْفِقْه، وَلم أظفر لَهُ بِأَصْل من كتب الحَدِيث. قلت: واعجباه من هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة حَيْثُ لم يَجدوا لَهُ أصلا، وَمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 ابْن الصّلاح كَيفَ يَقُول: وَزَاد بعض الْفُقَهَاء فِي آخِره «فَإِنَّهُ مراوح الشَّيْطَان» ! وَقد رَوَى الحَدِيث بِطُولِهِ إمامان جليلان مشهوران بِزِيَادَة فِيهِ. أَحدهمَا: الإِمَام عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي كتاب «الْعِلَل» - وَمَا أَكثر فَوَائده - من حَدِيث هِشَام بن عمار، عَن البخْترِي بن عبيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا توضأتم فأشربوا أعينكُم من المَاء وَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم من المَاء؛ فَإِنَّهَا مراوح الشَّيْطَان» . الثَّانِي: الإِمَام أَبُو حَاتِم بن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرج فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» فِي تَرْجَمَة البخْترِي بن عبيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا توضأتم فَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم فَإِنَّهَا مرواح الشَّيْطَان» . وَذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كِتَابه «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» بِإِسْنَادِهِ إِلَى هِشَام بن عمار كَمَا أخرجه ابْن حبَان سَوَاء وَسكت عَلَيْهِ، وَهُوَ عَجِيب؛ فَإِنَّهُ ضَعِيف بِمرَّة، كَمَا صرح بِهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر، والبختري ضَعِيف الحَدِيث، وَأَبوهُ مَجْهُول. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: البخْترِي بن عبيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 بن سلمَان ضَعِيف الحَدِيث ذَاهِب، لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ، إِذا انْفَرد فَلَيْسَ (بعدلٍ) فقد رَوَى عَن (أَبِيه) عَن أبي هُرَيْرَة نُسْخَة فِيهَا عجائب. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى عَن أَبِيه قدر عشْرين حَدِيثا (عامتها) مَنَاكِير مِنْهَا هَذَا الحَدِيث، وَمِنْهَا «الأذنان من الرَّأْس» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: البخْترِي ضَعِيف، وَأَبوهُ مَجْهُول. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: كَذَّاب سَاقِط. وَقَالَ أَبُو نعيم الْحَافِظ: رَوَى عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْضُوعَات. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي كِتَابه «التَّذْكِرَة فِي الْأَحَادِيث المعلولة» بعد ذكره: لَا يحل الِاحْتِجَاج بالبختري إِذا انْفَرد. وَقَالَ الْحَافِظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ: أنكر مَا رَوَى عَن أَبِيه هَذَا الحَدِيث. وَذكر هَذَا الحَدِيث الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْعِلَل المتناهية فِي الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة» وَنقل فِيهِ مقَالَة ابْن حبَان الْمُتَقَدّمَة وَحدهَا، وَقد أخرج ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» للبختري بن عبيد الْمَذْكُور. قلت: وَلم ينْفَرد بِهِ البخْترِي؛ بل تَابعه عبيد الله بن مُحَمَّد (الطَّائِي) وَإِن كَانَ مَجْهُولا عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ ابْن طَاهِر فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 كِتَابه «صفوة التصوف» وَترْجم عَلَيْهِ: السّنة فِي مسحهم أَعينهم من بَلل الْيَد وكراهيتهم نفض الْيَد. ثمَّ سَاق من حَدِيث أبي الْحسن بن حجر الْعَسْقَلَانِي قَالَ: «كنت مَعَ جدي لأمي فِي وَلِيمَة فِيهَا مُحَمَّد بن المتَوَكل بن أبي السّري، فَقدم الْغسْل (يَعْنِي) ليغسل النَّاس أَيْديهم للطعام، فقدمه الْخَادِم بَين يَدي ابْن أبي السّري، فَقَالَ لَهُ ابْن أبي السّري: قدم بَين يَدي الشَّيْخ - يَعْنِي جدي - فقدمه وَغسل يَدَيْهِ (ونفضهما) فَقَالَ لَهُ ابْن أبي السّري: لَا (تنفض) يَا أَبَا فلَان! حَدَّثَنَا عبيد الله بن مُحَمَّد (الطَّائِي) عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا توضأتم فأشربوا أعينكُم المَاء وَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم؛ فَإِنَّهَا مرواح الشَّيْطَان» . فَقَالَ لَهُ (جدي) : فِي الضَّوْء وَغَيره؟ قَالَ: أعده عَلّي ابْن ابْنَتي لنحفظه. فَأَعَادَهُ (عَلّي) فَحفِظت» فَعلم بِهَذَا كُله أَن الحَدِيث مَوْجُود فِي كتب الحَدِيث مَعْرُوف وَإِن كَانَ ضَعِيفا، وَالْإِنْكَار إِنَّمَا وَقع فِي وجوده وَفِي زِيَادَة بعض الْفُقَهَاء فِيهِ، وَقد تقرر أَن هَذِه الزِّيَادَة من نَفْس الحَدِيث، وَمن الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى ضعفه أَيْضا حَدِيث مَيْمُونَة الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» الَّذِي تقدم فِي الْبَاب قَرِيبا حَيْثُ «أُتِي بِخرقَة فَلم يردهَا وَجعل ينفض المَاء (بِيَدِهِ) » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرين: أَحدهمَا: عَن عَلّي - كرم الله وَجهه - أَنه قَالَ: «مَا أُبَالِي بيميني بدأت أم بشمالي إِذا أكملت الْوضُوء» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ، نَا مُوسَى بن إِسْحَاق، نَا أَبُو بكر، نَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن عَوْف، عَن عبد الله بن عَمْرو بن هِنْد قَالَ: قَالَ عَلّي: «مَا أُبَالِي إِذا أتممت وضوئي بِأَيّ أعضائي بدأت» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» و «سنَنه» : هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَرَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل عَن [الْأنْصَارِيّ عَن] عَوْف (عَن) عبد الله بن عَمْرو بن هِنْد قَالَ: قَالَ عَلّي «مَا أُبَالِي بِأَيّ أعضائي بدأت إِذا أتممت الْوضُوء» . قَالَ عَوْف: وَلم يسمعهُ من عَلّي - يَعْنِي: عبد الله بن عَمْرو بن هِنْد - قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ثمَّ إِن هَذَا (مُطلق) وَأَظنهُ أَرَادَ مَا رُوِيَ عَن زِيَاد مولَى بني مَخْزُوم قَالَ: «قيل لعَلي رَضي اللهُ عَنهُ: إِن أَبَا هُرَيْرَة يبْدَأ بميامنه فِي الْوضُوء! فَدَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ بمياسره» . قلت: وَزِيَاد هَذَا فِيهِ مقَال، قَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: لَا شَيْء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن (زِيَاد) قَالَ: قَالَ عَلّي: «مَا أُبَالِي لَو بدأت بالشمال قبل الْيَمين إِذا تَوَضَّأت» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «جَاءَ رجل إِلَى عَلّي بن أبي طَالب فَسَأَلَهُ عَن الْوضُوء، فَقَالَ: ابدأ بِالْيَمِينِ (قبل) الشمَال فأضرط عَلّي بِهِ ثمَّ دَعَا بِمَاء فَبَدَأَ بالشمال قبل الْيَمين» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «سَأَلَ رجل عليًّا: أبدأ بشمالي قبل يَمِيني فِي الْوضُوء؟ فأضرط بِهِ عَلّي، ثمَّ دَعَا بِمَاء فَبَدَأَ بِشمَالِهِ قبل يَمِينه» . قلت: وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي العبيدين - عَلّي صِيغَة تَصْغِير عَبْدَيْنِ - عَن عبد الله بن مَسْعُود «أَنه سُئِلَ عَن رجل تَوَضَّأ فَبَدَأَ بمياسره فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ» . قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سَأَلت يَحْيَى بن معِين عَن أبي العبيدين، فَقَالَ: اسْمه: مُعَاوِيَة بن سُبْرَة، وَهُوَ ثِقَة. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن مُجَاهِد عَنهُ أَنه قَالَ: «لَا بَأْس أَن تبدأ بِرِجْلَيْك قبل يَديك» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مُرْسل. الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما «أَنه كَانَ يتَوَضَّأ فِي سوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 الْمَدِينَة فدعي إِلَى جَنَازَة وَقد بَقِي من وضوءه فرض الرجلَيْن، فَذهب مَعهَا إِلَى الْمُصَلى ثمَّ مسح عَلَى خفيه، وَكَانَ لابسًا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث مَالك بن أنس رَضي اللهُ عَنهُ وعنى بِهِ فِي «موطئِهِ» - الَّذِي قَالَ فِيهِ إمامنا الشَّافِعِي: أَنه أصح كتاب بعد كتاب الله تَعَالَى - عَن نَافِع «أَن عبد الله بن عمر بَال بِالسوقِ، ثمَّ تَوَضَّأ فَغسل وَجهه وَيَديه، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ، ثمَّ دَعَا بِجنَازَة ليُصَلِّي عَلَيْهَا حِين دخل الْمَسْجِد، فَمسح عَلَى خفيه ثمَّ صَلَّى عَلَيْهَا» . وَهَذَا الْإِسْنَاد لَا يشْتَبه عَلَى أحد صِحَّته، وَيُسمى هَذَا الْإِسْنَاد: سلسلة الذَّهَب مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر؛ بل هُوَ أصح الْأَسَانِيد (مُطلقًا عَلَى قَول إِمَام هَذَا الْفَنّ البُخَارِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا أصح الْأَسَانِيد) : الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقد أخرجه عَنهُ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ، وَفِي «الْأُم» (أَيْضا) فِي كتاب اخْتِلَاف مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي بَاب نوم الْجَالِس، وَذكر فِي «الْأُم» فِي كتاب اخْتِلَاف أبي حنيفَة وَابْن أبي لَيْلَى فِي بَاب صَلَاة الْخَوْف أَنه رُوِيَ عَن ابْن عمر «أَنه تَوَضَّأ وَخرج إِلَى السُّوق ثمَّ دعِي بِجنَازَة، فَمسح (عَلَى خفيه و) صَلَّى» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الْأَثر صَحِيح عَن ابْن عمر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 مَشْهُور بِهَذَا اللَّفْظ، قَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ دَلِيل حسن لمن لم يُوجب الْمُوَالَاة؛ فَإِن ابْن عمر فعله بِحَضْرَة حاضري الْجِنَازَة وَلم يُنكر عَلَيْهِ، وَرَأَيْت فِي الْبَيَان للعمراني - من أَصْحَابنَا - أَن ابْن عمر رَوَى ذَلِك (من) فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَوَاء، وَعَزاهُ بَعضهم إِلَى الْبَغَوِيّ، وَلم أر هَذَا فِي كتاب حَدِيث، وَإِنَّمَا (نعرفه) من فعل ابْن عمر فَليتبعْ. وَأما البُخَارِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ علق أثر ابْن عمر هَذَا بِصِيغَة التمريض (ذكره) بِلَفْظ آخر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: بَاب تَفْرِيق الْوضُوء وَالْغسْل. وَيذكر عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه غسل قَدَمَيْهِ بَعْدَمَا جف وضوءه» كَذَا ذكره بِلَفْظ «غسل» بدل «مسح» وَالدّلَالَة حَاصِلَة أَيْضا بِهِ. وَتبع ابنُ الرّفْعَة صاحبَ الْبَيَان فَذكره مَرْفُوعا (ثمَّ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وَبَين ذَهَابه من السُّوق إِلَى الْمَسْجِد تَفْرِيق (كثير) قَالَ: وَقد رُوِيَ ذَلِك (مَوْقُوفا) عَلَى ابْن عمر، وَهَذَا قد يُؤذن بِأَن الشَّافِعِي (رَوَاهُ) مَرْفُوعا، وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ مَوْقُوفا كَمَا سلف. ولنختم الْبَاب بخاتمتين مهمتين: أَحدهمَا: قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: من السّنَن أَن يحافظ عَلَى الدَّعْوَات الْوَارِدَة فِي الْوضُوء فَيَقُول فِي غسل الْوَجْه: اللَّهُمَّ بيض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 (وَجْهي) يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه. وَعند غسل الْيَد الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كتابي بيميني وحاسبني حسابا يَسِيرا. وَعند غسل الْيَد الْيُسْرَى: اللَّهُمَّ لَا تعطني كتابي بشمالي وَلَا من وَرَاء ظَهْري. وَعند مسح الرَّأْس: اللَّهُمَّ حرم شعري وبشري من النَّار - وَرُوِيَ: اللَّهُمَّ احفظ رَأْسِي وَمَا حوى وبطني وَمَا وعى. وَفِي «الْإِحْيَاء» يَقُول: اللَّهُمَّ غشني بِرَحْمَتك وَأنزل عليَّ من بركاتك، وأظلني تَحت عرشك يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظلك - وَعند مسح الْأُذُنَيْنِ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه. وَعند غسل الرجلَيْن: اللَّهُمَّ ثَبت قدمي عَلَى الصِّرَاط يَوْم تزل فِيهِ الْأَقْدَام. قَالَ الرَّافِعِيّ: ورد (بهَا) الْأَثر عَن السّلف الصَّالِحين. انْتَهَى مَا أوردهُ الرَّافِعِيّ. وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ: يَقُول عِنْد غسل الْيَدَيْنِ: اللَّهُمَّ احفظ يَدي من مَعَاصِيك كلهَا. وَيَقُول عِنْد الْمَضْمَضَة: اللَّهُمَّ أجر عَلَى لساني الصدْق وَالصَّوَاب وَمَا ينفع النَّاس - وَقَالَ صَاحب «الْإِحْيَاء» : يَقُول: اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَى تِلَاوَة كتابك وَكَثْرَة الذّكر لَك. وَقَالَ (غَيرهمَا) : يَقُول: اللَّهُمَّ اسْقِنِي من حَوْض نبيك (كأسًا لَا أظمأ بعده أبدا وَيَقُول عِنْد الِاسْتِنْشَاق: اللَّهُمَّ لَا تحرمني رَائِحَة نعيمك وجناتك، اللَّهُمَّ أوجدني رَائِحَة الْجنَّة وَأَنت عني رَاض. وَعند الاستنثار: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من رَوَائِح النَّار وَسُوء الدَّار. وَيَقُول عِنْد مسح الْعُنُق: اللَّهُمَّ فك رقبتي من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 النَّار وَأَعُوذ بك من السلَاسِل والأغلال. إِذا تقرر ذَلِك قَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «الرَّوْضَة» : وَهَذَا الدُّعَاء لَا أصل لَهُ، وَلم يذكرهُ الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الدُّعَاء لَا أصل لَهُ، وَذكره كَثِيرُونَ من الْأَصْحَاب وَلم يذكرهُ المتقدمون، وَزَاد فِيهِ الْمَاوَرْدِيّ فَقَالَ: «يَقُول عِنْد الْمَضْمَضَة: اللَّهُمَّ اسْقِنِي من حَوْض نبيك كأسًا لَا أظمأ بعده. وَعند الِاسْتِنْشَاق: اللَّهُمَّ لَا تحرمني رَائِحَة نعيمك وجناتك» وَكَذَا (قَالَ) فِي غَيرهمَا من كتبه أَن هَذَا الدُّعَاء لَا أصل لَهُ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب» : الدُّعَاء عَلَى أَعْضَاء الْوضُوء لم يَصح فِيهِ حَدِيث. وَقَالَ فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» بعد قَول الْغَزالِيّ: «أَنه ورد فِي ذَلِك أَخْبَار دَالَّة عَلَى كَثْرَة فَضِيلَة الْأَدْعِيَة عَلَى الْأَعْضَاء» : لَا يَصح فِيهَا حَدِيث. وَاعْلَم - رحمنا الله وَإِيَّاك وهدانا لطاعته - أَنه ورد فِي الدُّعَاء عَلَى أَعْضَاء الْوضُوء (عدَّة) أَحَادِيث: أَحدهَا: (عَن عَلّي بن أبي طَالب - كرم الله وَجهه - وَله طرق أَحدهَا: عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي رَفعه إِلَى عَلّي بن أبي طَالب - كرم الله وَجهه - قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَلِمَات أقولهن عِنْد الْوضُوء فَلم أنسهن، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أُتِي بِمَاء فَغسل كفيه ثمَّ قَالَ: بِسم الله الْعَظِيم، وَالْحَمْد لله عَلَى الْإِسْلَام، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين، واجعلني من الَّذين إِذا أَعطيتهم شكروا، وَإِذا ابتليتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 صَبَرُوا. فَإِذا غسل فرجه قَالَ: اللَّهُمَّ حصن فَرجي (ثَلَاثًا) وَإِذا (تمضمض) قَالَ: اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَى تِلَاوَة (كتابك و) ذكرك. وَإِذا استنشق قَالَ: اللَّهُمَّ أرحني رَائِحَة الْجنَّة. وَإِذا غسل وَجهه قَالَ: اللَّهُمَّ بيض وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه. وَإِذا غسل يَمِينه قَالَ: اللَّهُمَّ آتني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يَسِيرا. وَإِذا غسل شِمَاله قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تعطني كتابي بشمالي وَلَا من وَرَاء ظَهْري. وَإِذا مسح رَأسه قَالَ: اللَّهُمَّ غشني بِرَحْمَتك. وَإِذا مسح أُذُنَيْهِ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه. وَإِذا غسل رجلَيْهِ قَالَ: اللَّهُمَّ (اجْعَلْهُ) سعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا وتجارة لن تبور. ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي رَفعهَا بِغَيْر عمد. قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَالْملك قَائِم عَلَى رَأسه يكْتب مَا يَقُول فِي ورقة ثمَّ يختمه، فيرفعه فيضعه تَحت الْعَرْش فَلَا يفك خَاتمه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . ذكر هَذِه الطَّرِيق الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» فَقَالَ: عَن أبي الْفضل مُحَمَّد بن نعيم بن عَلّي البُخَارِيّ، نَا أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن (حم) الصفار اللَّخْمِيّ، ثَنَا أَبُو مقَاتل سُلَيْمَان بن الْفضل، ثَنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 أَحْمد بن مُصعب الْمروزِي، ثَنَا حبيب بن أبي حبيب الشَّيْبَانِيّ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاق السبيعِي فَذكره. قَالَ (الشَّيْخ) : وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَن عَلّي مُنْقَطع، وَفِي إِسْنَاده غير وَاحِد يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته والكشف عَن حَاله. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عَلّي بن أبي طَالب - كرم الله وَجهه - قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَوَاب الْوضُوء فَقَالَ: يَا عَلّي، إِذا قربت وضوءك فَقل: بِسم الله الْعَظِيم ... » مثل الطَّرِيق الَّتِي قبله إِلَّا أَنه لم يقل فِيهَا «واجعلني من التوابين» وَقَالَ: «إِذا غسلت رجليك فَقل: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ سعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا وَعَملا متقبلاً، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين المتطهرين، وَالْملك قَائِم عَلَى رَأسه يكْتب مَا يَقُول، ثمَّ يختمه بِخَاتم، ثمَّ يعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء، فيضعه تَحت عرش الرَّحْمَن، فَلَا يفك ذَلِك الْخَاتم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . ذكره أَبُو الْعَبَّاس الْحَافِظ جَعْفَر بن مُحَمَّد المستغفري فِي كِتَابه «الدَّعْوَات» - كَمَا أَفَادَهُ صَاحب «الإِمَام» ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِيهِ - من حَدِيث القَاضِي أبي سعيد الْخَلِيل بن أَحْمد، أبنا أَبُو (عَمْرو) التمار مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، ثَنَا (الْحُسَيْن بن حميد، ثَنَا) الْحُسَيْن بن الْحسن (الْمروزِي) نَا المغيث بن بديل، عَن خَارِجَة، عَن يُونُس، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 عَن الْحسن الْبَصْرِيّ (عَن) عَلّي. وَرَوَاهُ المستغفري أَيْضا عَن الْحسن بن (عبد الله) بن عمر، عَن أَحْمد بن أحيد، عَن صَالح بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، عَن عُثْمَان بن غياث، عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس، عَن المغيث، عَن خَارِجَة بِإِسْنَادِهِ نَحوه. قلت: وَهَذَا مُرْسل أَيْضا؛ لِأَن عليًّا رَضي اللهُ عَنهُ خرج إِلَى الْعرَاق عقب بيعَته، وَأقَام الْحسن الْبَصْرِيّ بِالْمَدِينَةِ فَلم يلقه بعد ذَلِك. قَالَه أَبُو زرْعَة وَغَيره. (الطَّرِيق الثَّالِث) : عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ: «دخلت عَلَى وَالِدي عَلّي بن أبي طَالب وَإِذا عَن يَمِينه إِنَاء من مَاء، فَسَمَّى ثمَّ سكب عَلَى يَمِينه، ثمَّ استنجى (و) قَالَ: (اللَّهُمَّ) حصن فَرجي، واستر عورتي، وَلَا تشمت بِي الْأَعْدَاء. ثمَّ تمضمض واستنشق وَقَالَ: اللَّهُمَّ لقني حجتي وَلَا تحرمني رَائِحَة الْجنَّة. ثمَّ غسل وَجهه وَقَالَ: اللَّهُمَّ بيض وَجْهي يَوْم تسود الْوُجُوه وَلَا تسود وَجْهي يَوْم تبيض الْوُجُوه. ثمَّ سكب عَلَى يَمِينه وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كتابي بيميني والخلد بشمالي (ثمَّ سكب عَلَى شِمَاله وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تعطني كتابي بشمالي) وَلَا تجعلها مغلولة إِلَى عنقِي. ثمَّ مسح رَأسه وَقَالَ: اللَّهُمَّ (غَشنَا) بِرَحْمَتك؛ فَإنَّا نخشى عذابك، اللَّهُمَّ لَا تجمع بَين نواصينا وأقدامنا. ثمَّ مسح عُنُقه وَقَالَ: اللَّهُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 نجنا من مفظعات النيرَان وأغلالها. ثمَّ غسل قَدَمَيْهِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ثَبت قدمي عَلَى الصِّرَاط يَوْم تزل فِيهِ الْأَقْدَام. ثمَّ اسْتَوَى قَائِما ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا طهرتنا بِالْمَاءِ فطهرنا من الذُّنُوب. ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا يقطر المَاء من أنامله، ثمَّ قَالَ: يَا بني، افْعَل كفعلي هَذَا؛ فَإِنَّهُ مَا من قَطْرَة تقطر من أناملك إِلَّا خلق الله مِنْهَا ملكا يسْتَغْفر الله لَك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة (وَيكون تَسْبِيح ذَلِك الْملك لَك يَوْم الْقِيَامَة) يَا بني، من فعل كفعلي هَذَا تساقطت عَنهُ الذُّنُوب كَمَا يتساقط الْوَرق (من) الشّجر يَوْم الرّيح العاصف» . رَوَاهُ حَافظ الشَّام ومؤرخها أَبُو الْقَاسِم عَلّي بن الْحسن بن هبة الله الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن عَسَاكِر فِي «أَمَالِيهِ» من حَدِيث أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن مَنْصُور بن يزِيد الْمُقْرِئ، نَا دَاوُد بن سُلَيْمَان، عَن شيخ من أهل الْبَصْرَة يكنى أَبَا الْحسن، عَن أَصْرَم بن حَوْشَب الهمذاني، عَن أبي عَمْرو بن قُرَّة، عَن أبي جَعْفَر الْمرَادِي، عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة ... فَذكره (عَنهُ) . وَذكره عَنهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَسكت عَلَيْهِ، وَذكره أَيْضا الْحَافِظ قطب الدَّين بن الْقُسْطَلَانِيّ فِي كِتَابه الموسوم «بالأدوية الشافية فِي الْأَدْعِيَة الكافية» . قلت: لَكِن أَصْرَم بن حَوْشَب الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ قَاضِي همذان وَهُوَ هَالك. قَالَ يَحْيَى: كَذَّاب خَبِيث. وَقَالَ خَ، م، س: مَتْرُوك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ السَّعْدِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات. وَقَالَ الفلاس: مَتْرُوك يُرْمَى بالإرجاء. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: يَا عَلّي، إِذا تَوَضَّأت فَقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك تَمام الْوضُوء وَتَمام مغفرتك ورضوانك» . ذكره الْحَافِظ قطب الدَّين بن الْقُسْطَلَانِيّ فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهُ «يَا عَلّي إِذا تَوَضَّأت فَقل: بِسم الله وَالصَّلَاة عَلَى رَسُول الله» . ورأيته بعد من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن الْحسن بن عَلّي، عَن عَلّي قَالَ: «أَوْصَانِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِوَصِيَّة ... .» فَذكرهَا بِطُولِهَا، وَذكر هَذَا فِي آخرهَا. الحَدِيث الثَّانِي: عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «دخلت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَبَين يَدَيْهِ إِنَاء من مَاء فَقَالَ لي: يَا أنس، ادن مني أعلمك مقادير الْوضُوء. فدنوت من رَسُول الله، فَلَمَّا أَن غسل يَدَيْهِ قَالَ: بِسم الله وَالْحَمْد لله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه (الْعلي الْعَظِيم) فَلَمَّا استنجى قَالَ: اللَّهُمَّ (حصن فَرجي وَيسر لي أَمْرِي. فَلَمَّا أَن تمضمض واستنشق قَالَ: اللَّهُمَّ) لقني حجتي وَلَا تحرمني (رَائِحَة الْجنَّة. فَلَمَّا أَن غسل وَجهه قَالَ: اللَّهُمَّ بيض) وَجْهي يَوْم تبيض الْوُجُوه. فَلَمَّا أَن غسل ذِرَاعَيْهِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كتابي بيميني. فَلَمَّا أَن مسح يَدَيْهِ عَلَى رَأسه قَالَ: اللَّهُمَّ غَشنَا بِرَحْمَتك وجنبنا عذابك. (فَلَمَّا أَن غسل قَدَمَيْهِ) قَالَ: اللَّهُمَّ ثَبت قدمي يَوْم (تَزُول) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 فِيهِ الْأَقْدَام. ثمَّ قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نبيًّا مَا من عبد قَالَهَا عِنْد وضوئِهِ لم يقطر من خلل أَصَابِعه قَطْرَة إِلَّا خلق الله مِنْهَا ملكا يسبح الله - عَزَّ وجَلَّ - بسبعين لِسَانا، يكون ثَوَاب ذَلِك التَّسْبِيح لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» عَن يَعْقُوب بن إِسْحَاق، ثَنَا أَحْمد بن هَاشم الْخَوَارِزْمِيّ، ثَنَا عباد بن صُهَيْب، عَن حميد الطَّوِيل، عَن أنس ... فَذكره. وَذكره أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْعِلَل المتناهية فِي الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة» عَن ابْن خيرون، عَن الْجَوْهَرِي، عَن الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن حبَان بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح وَقد اتهمَ بِهِ أَبُو حَاتِم بن حبَان عباد بن صُهَيْب، واتهم بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ أَحْمد بن (هَاشم) . فَأَما عباد بن صُهَيْب، فَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ذهب حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير حَتَّى إِذا سَمعهَا الْمُبْتَدِئ شهد لَهَا بِالْوَضْعِ. (قلت) : لَكِن قَالَ أَبُو دَاوُد: صَدُوق قدري. وَقَالَ أَحْمد: مَا كَانَ (بِصَاحِب) كذب. وَأما أَحْمد بن هَاشم: فَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يَكْفِيهِ اتهام الدَّارَقُطْنِيّ. قلت: وَثَّقَهُ الْحَاكِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 الحَدِيث الثَّالِث: عَن الْبَراء بن عَازِب رَضي اللهُ عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «مَا من عبد يَقُول حِين يتَوَضَّأ: بِسم الله، ثمَّ يَقُول لكل عُضْو: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. ثمَّ يَقُول حِين يفرغ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين. إِلَّا فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب (من) الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ؛ فَإِن قَامَ من فوره ذَلِك فَصَلى رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا وَيعلم مَا يَقُول انْفَتَلَ من صلَاته كَيَوْم وَلدته أمه، ثمَّ يُقَال لَهُ: اسْتَأْنف الْعَمَل» . أخرجه المستغفري - كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» ثمَّ رَأَيْته بعد فِيهِ - عَن أبي الْعَبَّاس جَعْفَر بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ، عَن أبي بكر مُحَمَّد بن حَامِد بن حَفْص البيكندي، عَن أبي مُحَمَّد إِسْحَاق بن حَمْزَة بن يُوسُف بن فروخ، عَن عِيسَى بن مُوسَى غُنْجَار، عَن أبي حَمْزَة عبد الله بن مُسلم، عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن الْبَراء. ثمَّ قَالَ المستغفري: حَدِيث حسن غَرِيب. الحَدِيث الرَّابِع: عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَسَمعته يَدْعُو يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي، ووسع لي فِي دَاري، وَبَارك لي فِي رِزْقِي. فَقلت: يَا نَبِي الله، لقد سَمِعتك تَدْعُو بِكَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: وَهل تراهن تركن من شَيْء» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَصَاحبه ابْن السّني فِي كِتَابَيْهِمَا «عمل الْيَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وَاللَّيْلَة» قَالَ النَّوَوِيّ فِي «الْأَذْكَار» : وَإِسْنَاده صَحِيح. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن رِجَاله رجال الصَّحِيح خلا عباد بن عباد بن عَلْقَمَة، وَهُوَ ثِقَة كَمَا قَالَه أَبُو دَاوُد وَيَحْيَى بن معِين، وَذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» . وَهَذَا الذّكر يحْتَمل أَن يكون قَالَه (بَين) ظهراني وضوئِهِ أَو بعده، وَقد بوّب الْحفاظ (لَهُ) عَلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا. وَفِي «المعجم الصَّغِير للطبراني» من حَدِيث عَلّي بن ثَابت، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا أَبَا هُرَيْرَة، إِذا تَوَضَّأت فَقل: بِسم الله وَالْحَمْد لله؛ فَإِن حفظتك لَا تستريح، تكْتب لَك الْحَسَنَات حَتَّى تحدث من ذَلِك الْوضُوء» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن عَلّي بن ثَابت أخي [عزْرَة] بن ثَابت إِلَّا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ تفرد بِهِ عَمْرو بن أبي سَلمَة. وَفِي «التَّلْخِيص» لِلْحَافِظِ أبي بكر الْخَطِيب، عَن أنس بن مَالك قَالَ: «من قَرَأَ «قل هُوَ الله أحد» مِائَتي مرّة عَلَى وضوئِهِ فِيمَا بَينه وَبَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 نَفسه، يعلم قلبه أَن الَّذِي يَقُوله حق، وَيبدأ بِفَاتِحَة الْكتاب يغْفر لَهُ ذَنْب خمسين سنة، إِلَّا الدِّمَاء وَالْأَمْوَال، وَيرْفَع لَهُ من عمله يَوْمئِذٍ عمل الصّديق، وَله بِكُل مرّة مِنْهَا بَيت فِي الْجنَّة (عرضه) فَرسَخ وَطوله فِي السَّمَاء ميل» . فَهَذِهِ أَحَادِيث وَارِدَة عَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَعْضهَا ضَعِيف، وَبَعضهَا شهد لَهُ بالْحسنِ المستغفري، وَبَعضهَا لَا أعلم بِهِ بَأْسا، فَكيف يَقُول الشَّيْخ محيي الدَّين - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أصل لَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَقد أَتَى بِعِبَارَة فِي كتاب «الْأَذْكَار» يزِيد فِي الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فَقَالَ: الدُّعَاء الْوَارِد عَلَى أَعْضَاء الْوضُوء لم يَجِيء فِيهِ شَيْء عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد قَالَ الْفُقَهَاء: (يسْتَحبّ) فِيهِ دعوات جَاءَت عَن السّلف. هَذَا لَفظه بِحُرُوفِهِ - سامحنا الله وإياه - وَقد نَص الْعلمَاء رَضي اللهُ عَنهم عَلَى أَنه يتَسَامَح فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي فَضَائِل الْأَعْمَال. ذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي كِتَابه «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» فِي أول كتاب الدُّعَاء بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ: إِذا روينَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شددنا فِي الْأَسَانِيد وانتقدنا الرِّجَال، وَإِذا روينَا فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب والمباحات والدعوات تساهلنا فِي الْأَسَانِيد. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: نقاد أهل الحَدِيث يتسامحون فِي أَسَانِيد الرغائب والفضائل. وَالْعجب أَن النَّوَوِيّ مِمَّن نقل ذَلِك عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 الْعلمَاء؛ فَقَالَ فِي كتاب «الْأَذْكَار» - وَغَيره من كتبه -: قَالَ الْعلمَاء من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وَغَيرهم: يجوز وَيسْتَحب الْعَمَل فِي الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف مَا لم يكن مَوْضُوعا، وَأما الْأَحْكَام كالحلال وَالْحرَام وَالْبيع وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَغير ذَلِك؛ فَلَا يعْمل فِيهَا إِلَّا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح أَو الْحسن إِلَّا أَن يكون فِي الِاحْتِيَاط شَيْء من ذَلِك، كَمَا إِذا ورد حَدِيث ضَعِيف بِكَرَاهَة بعض الْبيُوع أَو الْأَنْكِحَة؛ فَإِن الْمُسْتَحبّ أَن يتنزه عَنهُ و (لَكِن) لَا يجب. هَذَا لَفظه برمتِهِ فِي كِتَابه الْأَذْكَار، وَيُمكن أَن يُجَاب عَن كَلَامه الْمُتَقَدّم بِأَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي أوردناها غَرِيبَة عزيزة فِي خبايا وزوايا، وَلَيْسَت فِي كتب السّنَن وَالْمَسَانِيد الْمَشْهُورَة؛ فلأجل ذَلِك قَالَ مَا قَالَ، رحمنا الله وإياه. (الخاتمة) الثَّانِيَة: قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمن المندوبات أَن يَقُول بعد الْوضُوء مُسْتَقْبل الْقبْلَة أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. انْتَهَى كَلَام الرَّافِعِيّ. وَهَذَا الدُّعَاء وَارِد فِي عدَّة أَحَادِيث مَعَ زِيَادَة: (أَحدهَا) : رَوَى مُسلم عَن مُحَمَّد بن حَاتِم بن مَيْمُون، ثَنَا عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 الرَّحْمَن بن مهْدي، نَا (مُعَاوِيَة) بن صَالح، عَن ربيعَة (يَعْنِي) بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: وحدَّثَني أَبُو عُثْمَان عَن جُبَير بن نفير، عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: «كَانَت علينا رِعَايَة الْإِبِل، فَجَاءَت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَائِما يحدث النَّاس، فأدركت من قَوْله: مَا من مُسلم يتَوَضَّأ فَيحسن وضوءه ثمَّ يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ مُقبلا عَلَيْهِمَا (بِقَلْبِه وَوَجهه) إِلَّا وَجَبت لَهُ الْجنَّة. قَالَ: فَقلت: مَا أَجود هَذِه؛ فَإِذا قَائِل بَين يَدي يَقُول: الَّتِي قبلهَا أَجود. فَإِذا عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنِّي قد رَأَيْتُك جِئْت آنِفا، قَالَ: مَا مِنْكُم من أحد يتَوَضَّأ فَيبلغ أَو يسبغ الْوضُوء ثمَّ يَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ» . (قَالَ) : وحدثناه أَبُو بكر بن أبي شيبَة، نَا زيد بن الْحباب، نَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وَأبي عُثْمَان، عَن جُبَير بن نفير بن مَالك الْحَضْرَمِيّ، عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: ... فَذكر مثله، غير أَنه قَالَ: «من تَوَضَّأ فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من الطَّرِيق الأولَى الَّتِي لمُسلم إِلَّا أَن لَفظه «قلت: مَا هُوَ [يَا] أَبَا حَفْص؟ قَالَ: إِنَّه قَالَ آنِفا قبل أَن تَجِيء: مَا من أحد يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء ثمَّ يَقُول حِين يفرغ ... » فَذكره بِمثلِهِ، ثمَّ قَالَ: أَبُو عُثْمَان هَذَا يشبه أَن يكون حريز بن عُثْمَان الرَّحبِي وَإِنَّمَا الِاعْتِمَاد عَلَى الْإِسْنَاد الأول - يَعْنِي: الَّذِي أخرجه مُسلم - لِأَن حريز بن عُثْمَان لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ رفع نظره إِلَى السَّمَاء فَقَالَ ... » وسَاق الحَدِيث. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَقَبله الْمُنْذِرِيّ فِي «اختصاره للسنن» : فِي إِسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة رجل مَجْهُول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 قلت: هَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا أَبُو دَاوُد عَن الْحُسَيْن بن عِيسَى البسطامي - وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ - عَن أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ - وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ الشَّيْخ - عَن حَيْوَة بن شُرَيْح - وَهُوَ فَقِيه مصر وزاهدها ومحدثها، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ أَيْضا - عَن أبي عقيل - واسْمه: زهرَة بن معبد التَّيْمِيّ، كَانَ من الْأَوْلِيَاء، احْتج بِهِ البُخَارِيّ - عَن ابْن عَمه - (وَهُوَ) مَجْهُول كَمَا اعتقداه، لَكِن هُوَ أَبُو بكر الصّديق رَضي اللهُ عَنهُ كَمَا أَفَادَهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي - عَن عقبَة بن عَامر، فَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وأخرجها أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا. وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة غَرِيبَة، وَهِي: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. صَادِقا من قلبه ... » الحَدِيث، هَذِه الزِّيَادَة لم أرها فِي شَيْء من رِوَايَات هَذَا (الحَدِيث) فِي الْكتب الْمَشْهُورَة، وَذكرهَا فِيهِ الْحَافِظ قطب الدَّين ابْن الْقُسْطَلَانِيّ فِي كِتَابه الموسوم «بالأدوية الشافية فِي الدَّعْوَات الكافية» وَلم يذكرهَا بِإِسْنَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 حَتَّى نَنْظُر فِيهِ فَإِن الْكتاب الْمَذْكُور جَمِيعه بِغَيْر إِسْنَاد، وَأفَاد الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي بِأَن هَذِه الزِّيَادَة مَوْجُودَة لَكِنَّهَا ضَعِيفَة، فَقَالَ مَا نَصه: هَذِه الزِّيَادَة غير مَحْفُوظَة من طَرِيق الثِّقَات الْمُعْتَمد عَلَى حَدِيثهمْ. وَخَالف النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذِه اللَّفْظَة لَيست مَوْجُودَة فِي كتب الحَدِيث وَلكنهَا شَرط بِلَا شكّ. الحَدِيث الثَّانِي: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين. فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عمرَان الثَّعْلَبِيّ الْكُوفِي، نَا زيد بن (حبَان) عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن (يزِيد) الدِّمَشْقِي، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وَأبي عُثْمَان، عَن عمر. . فَذكره. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده اضْطِرَاب، وَلَا يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي هَذَا الْبَاب كَبِير شَيْء [قَالَ مُحَمَّد] : وَأَبُو إِدْرِيس لم يسمع من عمر شَيْئا. قلت: وَطَرِيق حَدِيث مُسلم الْمُتَقَدّمَة سَالِمَة من هَذَا الِاعْتِرَاض؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 فَإِنَّهُ ذكرهَا عَن ربيعَة، عَن [أبي] إِدْرِيس وَأبي عُثْمَان، عَن جُبَير بن نفير، عَن عقبَة. وَطَرِيق التِّرْمِذِيّ هَذِه معللة (بالانقطاع) بَين (أبي) إِدْرِيس وَعمر، وَذكر الْحَافِظ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» هَذَا الحَدِيث وَسكت (عَنهُ) وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان وَقَالَ: سكت عَنهُ مصححًا لَهُ وَهُوَ مُنْقَطع. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: هُوَ خطأ، إِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس، عَن عقبَة، عَن عمر وَمُعَاوِيَة، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي عُثْمَان، عَن جُبَير بن نفير، عَن عمر. قَالَ: وَلَيْسَ لأبي إِدْرِيس سَماع من عمر. قلت: من أَبُو عُثْمَان هَذَا؟ قَالَ: شيخ لم أعرفهُ. وَقد نَص التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» (عَلَى) أَن أَبَا إِدْرِيس لم يسمع من عمر، وَالْقَوْل بِأَن أَبَا عُثْمَان لم يسمعهُ من عمر هُوَ لأجل (إِدْخَال) جُبَير بن نفير بَينهمَا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : لمن صَححهُ أَن يَجْعَل رِوَايَة أبي إِدْرِيس وَأبي عُثْمَان عَن عمر مُرْسلَة، وَيَأْخُذ بِالزِّيَادَةِ فِي إِثْبَات عقبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 بن عَامر بَين (أبي) إِدْرِيس وَعمر، وَإِثْبَات جُبَير بن نفير بَين أبي عُثْمَان وَعمر، فَإِن الْأَخْذ بِالزَّائِدِ أولَى. قَالَ: وَلما أخرجه ابْن مَنْدَه قَالَ: هَذَا حَدِيث مَشْهُور من طرق عَن عقبَة بن عَامر وَعَن عمر بن الْخطاب، أخرجه مُسلم، وَهُوَ صَحِيح عَلَى رسم أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ، وَفِيه زيادات. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَرويت الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة غير عمر. الحَدِيث الثَّالِث: عَن ثَوْبَان رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ» . رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «سنَنه» - كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» - قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن ثَوْبَان إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قلت: (ورأيته) فِي أَوَائِل الْجُزْء الثَّانِي انتقاء الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ قَالَ عقبه: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث (أبي) سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، تفرد بِهِ أَبُو سعد الْبَقَّال سعيد بن الْمَرْزُبَان. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (من) الطَّرِيق الْمَذْكُورَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَلَفظه: «من تَوَضَّأ فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فتحت لَهُ (أَبْوَاب) الثَّمَانِية من الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ» . وَرَوَاهُ المستغفري فِي الدَّعْوَات بِلَفْظ: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين ... » الحَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع: عَن أنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ ثَلَاث مَرَّات: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله (وَحده لَا شريك لَهُ) وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة من أَيهَا شَاءَ دخل» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن السّني فِي «عمل يَوْم وَلَيْلَة» وَفِي إِسْنَاده: زيد الْعمي، وَقد تقدم أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي الْبَاب. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَأخرجه المستغفري فِي الدَّعْوَات وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. قلت: رَأَيْته فِيهِ، وَأخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» بالسند الْمَذْكُور وَأسْقط «أشهد» من الثَّانِيَة، وَقَالَ: «فتح لَهُ من الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب من أَيهَا شَاءَ دخل» . الحَدِيث الْخَامِس: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من تَوَضَّأ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. كتب فِي (رق) ثمَّ طبع بِطَابع فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «الْيَوْم وَاللَّيْلَة» هَكَذَا من حَدِيث يَحْيَى بن كثير أبي غَسَّان عَن (شُعْبَة) عَن أبي هَاشم، عَن أبي مجلز، عَن قيس بن عباد، عَن أبي سعيد. ثمَّ رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن (بشار) عَن [مُحَمَّد عَن] شُعْبَة عَن أبي هَاشم قَالَ: سَمِعت أَبَا مجلز يحدث عَن قيس بن عباد، عَن أبي سعيد قَالَ: «مَا من (مُسلم) يتَوَضَّأ وَيَقُول: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك ... » ذكره مَوْقُوفا. وَإسْنَاد هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ - أَعنِي المرفوعة والموقوفة - صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم لَا نعلم طَعنا فِي وَاحِد من رِجَاله، بل هم أَئِمَّة أَعْلَام ثِقَات. (وَرَوَاهُ) المستغفري فِي «دعواته» «من قَالَ إِذا تَوَضَّأ: بِسم الله. وَإِذا فرغ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أستغفرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَأَتُوب إِلَيْك. طبع عَلَيْهَا بِطَابع، وَوضعت تَحت الْعَرْش، فَلَا تكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي سعيد مَوْقُوفَة «من تَوَضَّأ ففرغ من وضوئِهِ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. ختم عَلَيْهَا بِخَاتم ثمَّ وضعت تَحت الْعَرْش فَلَا يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث رَفعه قيس وَوَقفه سُفْيَان الثَّوْريّ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» بعد أَن رَوَاهُ: لم يروه مَرْفُوعا عَن شُعْبَة إِلَّا يَحْيَى بن كثير. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْخَبَر الأول) من فَوَائِد أبي إِسْحَاق الْمُزَكي من حَدِيث عِيسَى بن شُعَيْب، عَن روح بن الْقَاسِم، عَن (أبي هَاشم) مَرْفُوعا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ غَرِيب عَن روح بن الْقَاسِم، تفرد بِهِ عِيسَى بن شُعَيْب. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَازِمِي: إِسْنَاده حسن ثَابت وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا، وَرَفعه ضَعِيف. قلت: حكمه عَلَى رِوَايَة الرّفْع بالضعف خطأ، وَكَذَلِكَ قَول ابْن الصّلاح فِيهِ: «رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد لَيْسَ بِالْقَوِيّ» لَيْسَ بجيد مِنْهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وَكَذَلِكَ حكم النَّوَوِيّ فِي «الْأَذْكَار» و «الْخُلَاصَة» عَلَيْهِ بالضعف لَا يقبل، وَأغْرب من ذَلِك قَوْله فِي «شرح الْمُهَذّب» : رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة» بِإِسْنَاد غَرِيب ضَعِيف، رَوَاهُ مَرْفُوعا وموقوفًا (عَلَى) أبي سعيد، وَكِلَاهُمَا ضَعِيف الْإِسْنَاد. هَذَا لَفظه، وواعجباه؛ كَيفَ يكون إِسْنَاده غَرِيبا أَو ضَعِيفا؟ ! فرجاله أَئِمَّة أَعْلَام ثِقَات، وهاك سبر أَحْوَالهم لنقضي الْعجب من هَذِه المقالات ونثلج إِلَى قَلْبك الْيَقِين. أما يَحْيَى بن كثير أَبُو غَسَّان فَأخْرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة وَهُوَ ثِقَة. وَأما شُعْبَة فَهُوَ ابْن الْحجَّاج الْعَتكِي الْحَافِظ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث أخرج لَهُ السِّتَّة أَيْضا. وَأما أَبُو هَاشم فَهُوَ (الرماني) الوَاسِطِيّ اسْمه: يَحْيَى، وَقيل: نَافِع، ثِقَة أخرج لَهُ السِّتَّة أَيْضا. و (أما أَبُو مجلز فاسمه) لَاحق بن حميد السدُوسِي (ثِقَة) أخرج لَهُ السِّتَّة أَيْضا. وَأما قيس بن عباد فَهُوَ الْقَيْسِي أَبُو عبد الله ثِقَة مُتَألِّه، أخرجُوا لَهُ ماعدا التِّرْمِذِيّ. هَذَا حَال رِوَايَة الرّفْع، وَأما رِوَايَة الْوَقْف فمحمد بن بشار هُوَ الْحَافِظ، أخرج لَهُ السِّتَّة وَبَاقِي الْإِسْنَاد مثل الأول فَهَذَا الْإِسْنَاد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 طريقيه كَالشَّمْسِ لَا جرم أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي ذكر فَضَائِل سور وآي مُتَفَرِّقَة عَن أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن [عُثْمَان] الْمُقْرِئ، نَا أَبُو قلَابَة عبد الْملك بن مُحَمَّد، ثَنَا يَحْيَى بن كثير، نَا شُعْبَة، عَن أبي هَاشم، [عَن أبي مجلز] عَن (قيس) بن عباد، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف كَمَا أنزلت كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة من مقَامه إِلَى مَكَّة، وَمن قَرَأَ عشر آيَات من آخرهَا ثمَّ خرج الدَّجَّال لم يُسَلط عَلَيْهِ، وَمن تَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. كتب برق ثمَّ طبع بِطَابع فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: سُفْيَان الثَّوْريّ رَوَاهُ عَن أبي هَاشم فَوَقفهُ. ثمَّ أخرجه عَن الْقطيعِي، عَن عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن أبي هَاشم، عَن أبي مجلز، عَن قيس بن عباد، عَن أبي سعيد قَالَ: «من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف ... » فَذكر نَحوه. وَرَأَيْت فِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَن وقف هَذَا الحَدِيث هُوَ الصَّوَاب. وَعَن (النَّسَائِيّ) أَن رَفعه خطأ وَأَن الصَّوَاب وَقفه، وَلَك أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 تَقول: أَي دَلِيل عَلَى صَوَاب رِوَايَة الْوَقْف وَخطأ رِوَايَة الرّفْع، ورواة هَذِه هم رُوَاة هَذِه؟ وَالْحق - إِن شَاءَ الله - الَّذِي لَا يَتَّضِح غَيره أَن رِوَايَة الرّفْع (صَرِيحَة) صَحِيحَة كَمَا قَرَّرْنَاهُ. «الطابع» الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا لُغَتَانِ فصيحتان، وَهُوَ الْخَاتم، وَمَعْنى طبع: ختم. و «الرَق» الْمَذْكُور فِيهِ مَفْتُوح الرَّاء. وَقَوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» مَعْنَاهُ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ إبِْطَال وإحباط. الحَدِيث السَّادِس: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من تَوَضَّأ وَغسل كفيه ثَلَاثًا، واستنثر ثَلَاثًا [ومضمض ثَلَاثًا] وَغسل وَجهه وَيَديه ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه ثَلَاثًا، وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. قبل أَن يتَكَلَّم غفر لَهُ مَا بَين الوضوءين» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَقد تقدم فِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من هَذَا الْبَاب مثل (هَذَا الحَدِيث، من) حَدِيث عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ وتكلمنا هُنَاكَ عَلَى ابْن الْبَيْلَمَانِي وَأَبِيهِ. الحَدِيث السَّابِع: عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 «إِذا فرغ أحدكُم من طهوره فَلْيقل: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. ثمَّ ليصل عليَّ؛ فَإِذا قَالَ ذَلِك فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة» . رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «جمعه» لحَدِيث الْأَعْمَش - كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ فِي «الإِمَام» - وَفِي إِسْنَاده عَمْرو بن شمر، وَهُوَ مَتْرُوك عِنْدهم. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن هَاشم الغساني، نَا سُلَيْمَان (الْأَعْمَش، عَن شَقِيق) ، عَن عبد الله قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِذا تطهر أحدكُم فليذكر الله فَإِنَّهُ يطهر جسده كُله، فَإِن لم يذكر أحدكُم اسْم الله عَلَى طهوره لم يطهر إِلَّا مَا مر عَلَيْهِ المَاء، فَإِذا فرغ أحدكُم من طهوره فليشهد. .» بِمثل الَّذِي قبله. وَيَحْيَى بن هَاشم قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ (عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر) من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر - وَهُوَ (اليمامي) مُتَكَلم فِيهِ - عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله مَرْفُوعا مثل الأول. قَالَ: وَأخرجه أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ من جِهَة أبي الشَّيْخ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث مَشْهُور لَهُ طرق عَن عمر بن الْخطاب وَعقبَة بن (عَامر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وثوبان وَأنس، لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا ذكر الصَّلَاة إِلَّا فِي هَذِه الرِّوَايَة. الحَدِيث الثَّامِن: عَن عَلّي - كرم الله وَجهه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا عَلّي، إِذا فرغت من وضوئك فَقل: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين. تخرج من ذنوبك كَيَوْم وَلدتك أمك، وَيفتح لَك ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يُقَال لَك: ادخل من أَيهَا شِئْت» رَوَاهُ الْحَافِظ قطب الدَّين بن الْقُسْطَلَانِيّ فِي كِتَابه الموسوم «بالأدوية الشافية فِي الْأَدْعِيَة الكافية» . هَذَا آخر مَا (أردناه) من إِيرَاد هَاتين الخاتمتين، ختم الله لنا وللناظر فيهمَا بخاتمة الْخَيْر، وبوأنا بهما جنَّة عدن، إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب أعن) بَاب الِاسْتِنْجَاء ذكر فِيهِ - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - من الْأَحَادِيث تِسْعَة وَعشْرين حَدِيثا. الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وليستنج أحدكُم بِثَلَاثَة أَحْجَار» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح بعض من حَدِيث طَوِيل رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» ، وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد، فَإِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها، وَلَا يستطب بِيَمِينِهِ. وَكَانَ يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار وَينْهَى عَن الروث والرمة» . هَذَا لفظ ابْن حبَان، وَلَفظ الشَّافِعِي: «إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد - وَفِي رِوَايَة: مثل الْوَالِد - فَإِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها بغائط وَلَا بَوْل، وليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار: وَنَهَى عَن الروثة والرمة، وَأَن يستنجي الرجل بِيَمِينِهِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 كَذَا هُوَ فِي «الْمسند» و «الْأُم» وَكَذَا هُوَ فِي «الْمُخْتَصر» إِلَّا أَن لَفظه: «ويستنجي بِثَلَاثَة أَحْجَار» . وَلَفظ ابْن خُزَيْمَة: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد لوَلَده؛ فَلَا يسْتَقْبل أحدكُم (الْقبْلَة) وَلَا يستدبرها - يَعْنِي: فِي الْغَائِط - وَلَا يسْتَنْج بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَار، لَيْسَ فِيهَا رَوْث وَلَا رمة» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان «إِنِّي أَنا لكم مثل الْوَالِد أعلمكُم، إِذا أتيتم الْغَائِط؛ فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها، وَلَا يستنجي أحدكُم بِيَمِينِهِ وَكَانَ يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَينْهَى عَن الروث والرمة» . وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» وَهَذَا لَفظه: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد [للْوَلَد] أعلمكُم؛ فَلَا تستقبلوا (الْقبْلَة) وَلَا تستدبروها، وَإِذا استطبت فَلَا تستطب بيمينك. وَكَانَ (يَأْمُرنَا) بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَينْهَى عَن الروث والرمة» . وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ الأول الَّذِي ذكره ابْن حبَان إِلَّا أَنه قَالَ فِي أَوله: «إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد أعلمكُم؛ فَإِذا أَتَى أحدكُم الْغَائِط ... » بِمثلِهِ سَوَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَهَذَا لَفظه: «إِنَّمَا أَنا لكم (بِمَنْزِلَة) الْوَالِد (لوَلَده) أعلمكُم، إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها. وَأمر بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَنَهَى عَن الروث والرمة، وَنَهَى أَن يَسْتَطِيب الرجل بِيَمِينِهِ» . وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» وَهَذَا لَفظه: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد أعلمكُم، فَإِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْخَلَاء فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها، وَلَا يستنجي بِيَمِينِهِ. وَكَانَ يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَكَانَ ينْهَى عَن الروث والرمة» . وَأَسَانِيده كلهَا صَحِيحَة، وَأَصله فِي «صَحِيح مُسلم» وَلَفظه فِيهِ: «إِذا جلس أحدكُم (لِحَاجَتِهِ) فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها» . وَقد شهد لَهُ بِالصِّحَّةِ إمامنا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «معرفَة السّنَن والْآثَار» : قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: هَذَا حَدِيث ثَابت. «الرِّمَّةِ» - بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم - الْعظم الْبَالِي. قَالَه جماعات، قَالَ الْخطابِيّ: وَيُقَال: إِنَّمَا سميت رمة؛ لِأَن الْإِبِل ترمها أَي: تأكلها. قَالَ: وَقَوله: «إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد» كَلَام بسط وتأنيس للمخاطبين (لِئَلَّا) يحتشموه وَلَا يستحيوا عَن مَسْأَلته فِيمَا يعرض لَهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 من أَمر (دينهم كَمَا لَا يستحي الْوَلَد عَن مَسْأَلَة الْوَالِد فِيمَا عَنَّ وَعرض لَهُ) من أَمر. وَذكر صَاحب الْحَاوِي مَعَ هَذَا تَأْوِيلا آخر أَن يكون مَعْنَاهُ يلْزَمنِي تأديبكم وتعليمكم أَمر دينكُمْ كَمَا يلْزم الْوَالِد ذَلِك. قَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيجوز أَن يكون كالوالد فِي الْأَمريْنِ، وَفِي ثَالِث أَيْضا، وَهُوَ الْحِرْص عَلَى مصلحتكم والشفقة عَلَيْكُم. الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَتَى الْغَائِط (فليستتر) فَإِن لم يجد إِلَّا أَن يجمع كثيبًا من رمل فَلْيفْعَل» . هَذَا الحَدِيث بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد فرقه الإِمَام الرَّافِعِيّ فَذكر بعضه هُنَا وَبَعضه فِي آخر الْبَاب وَترك بعضه؛ فلنذكره هُنَا بِكَمَالِهِ فَنَقُول: رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» مطولا ومختصرًا، وَهَذَا لفظ أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن أكل (فَمَا تخلَّل) (فليلفظ) وَمَا لاك بِلِسَانِهِ فليبتلع، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن أَتَى الْغَائِط فليستتر؛ فَإِن لم يجد إِلَّا أَن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره؛ فَإِن الشَّيْطَان يلْعَب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج» . هَذَا أكمل رِوَايَات هَذَا الحَدِيث، وَلَفظ البَاقِينَ مُخْتَصرا، وَبَعْضهمْ يزِيد عَلَى بعض، وَالْحَاكِم ذكر قصَّة الْأكل مِنْهُ (لَيْسَ إِلَّا) ومداره عَلَى أبي سعيد الحبراني الْحِمصِي وَيُقَال: أَبُو سعد الْخَيْر الْأَنمَارِي، واسْمه: زِيَاد. قَالَه الْمزي، وَقيل: عَامر بن (سعد) ، وَقيل: عمر بن سعد - رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: أَبُو سعيد الحبراني سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ. فَقلت: ألقِي أَبَا هُرَيْرَة؟ فَقَالَ: عَلَى هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 يوضع. وَذكر أَبُو حَاتِم بن حبَان أَبَا سعيد هَذَا فِي «ثقاته» فِي التَّابِعين، وَذكره فِي «الصَّحَابَة» أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَابْن عبد الْبر وَقَالَ ابْن قَانِع: أَبُو سعد الْخَيْر الْأَنمَارِي اسْمه بحير، وَسَماهُ مُعَاوِيَة بن سَلام: بحيرًا. قَالَ أَبُو دَاوُد - عَلَى مَا نَقله الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تَهْذِيب الْكَمَال» -: أَبُو (سعد) الْخَيْر من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. (ثمَّ) ذكر الشَّيْخ جمال الدَّين الْمزي عَن أبي (سعد) الْخَيْر حديثين فِي أَحدهمَا: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَزعم العسكري أَن الصَّحَابِيّ المكنى أَبَا سعيد الْأَنمَارِي و (الْمُسَمَّى) عَامِرًا أَو عمرا هُوَ المكنى أَيْضا أَبَا كَبْشَة. وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث وتضعيفه بِحَسب تَوْثِيق بعض الْأَئِمَّة لأبي (سعد) الْخَيْر وجهالة بَعضهم إِيَّاه. فَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَيْسَ إِسْنَاده بالقائم فِيهِ مَجْهُولَانِ. كَأَنَّهُ عَنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 بِالْمَجْهُولِ الآخر (حُصَيْن) الْحِمْيَرِي (الحبراني) الرَّاوِي عَن أبي (سعد) الْخَيْر، وَلَيْسَ هُوَ مَجْهُولا؛ فقد ذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه «الثِّقَات» فِي أَتبَاع التَّابِعين فَقَالَ: كنيته أَبُو سعيد، رَوَى عَنهُ ثَوْر بن يزِيد، وَرَوَى عَن أبي (سعد) الْخَيْر. وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِي حَقه: شيخ مَعْرُوف. وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي فِي «تَارِيخه» : لَا أعلم إِلَّا خيرا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: شيخ. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث الْحصين الحبراني وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : (الْحصين) مَجْهُول وَأَبُو سعيد - (أَو) أَبُو سعد - (الْخَيْر) كَذَلِك. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : لم يحْتَج بِإِسْنَاد هَذَا الحَدِيث (وَاحِد من الشَّيْخَيْنِ) وَأَبُو (سعد) لَيْسَ بِمَشْهُور. هَذِه أَقْوَال من ضعفه، وَالْحق أَنه حَدِيث صَحِيح لاسيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 عَلَى قَول أبي دَاوُد أَن أَبَا سعيد صَحَابِيّ، وَلَا يلْزم من عدم احتجاجهما بِسَنَدِهِ ضعفه، وَقد صَححهُ جماعات مِنْهُم الإِمَام أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» فِي آخر كتاب الْأَطْعِمَة، وَقَالَ بعد إِخْرَاجه: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ فِي «شرح مُسلم» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : هُوَ حَدِيث حسن. هَذَا كُله مَعَ سكُوت أبي دَاوُد (عَنهُ) . وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ فِي «علله» : يرويهِ ثَوْر بن يزِيد، وَاخْتلف عَنهُ: فَرَوَاهُ عبد الْملك بن الصَّباح وَالْحسن بن عَلّي بن عَاصِم، عَن ثَوْر، عَن حُصَيْن الحبراني، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس، عَن ثَوْر، عَن حُصَيْن، عَن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وَالصَّحِيح عَن أبي سعيد. «الْكَثِيب» الْمَذْكُور فِي الحَدِيث - بالثاء الْمُثَلَّثَة - قِطْعَة من الرمل مستطيلة مَحْدُود بِهِ تشبه الربوة. الحَدِيث الثَّالِث «ورد النَّهْي عَن اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر بالفرج» . هَذَا غَرِيب لم أَقف عَلَى من خرجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَفِي «النِّهَايَة» لإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَن الْعِرَاقِيّين رووا هَذَا الْخَبَر (وَكَذَا قَالَ الْمحَامِلِي فِي «الْمَجْمُوع» أَنه فِيهِ خَبرا. وَكَذَا قَالَ الْغَزالِيّ) فِي «وسيطه» وتبعهم الرَّافِعِيّ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : إِنَّه ضَعِيف لَا يعرف، رُوِيَ فِي كتاب فِي «المناهي» مَرْفُوعا: «نهي أَن يَبُول الرجل وفرجه باد للشمس، وَنهي أَن يَبُول وفرجه باد للقمر» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا يعرف. قلت: وَقَول الإِمَام الرَّافِعِيّ: إِن فِي الْخَبَر مَا يدل عَلَى أَن النَّهْي عَام فِي الِاسْتِقْبَال والاستدبار فِيهِ نظر فَتَأمل ذَلِك. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها بغائط وَلَا بَوْل» . هَذ (الحَدِيث) صَحِيح، رَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «مُسْنده» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء بِإِسْنَاد صَحِيح. وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِمَعْنَاهُ دون قَوْله: «بغائط وَلَا بَوْل» . وَرَوَى هَذَا الحَدِيث لغابط - بِاللَّامِ وبالباء - وَكِلَاهُمَا صَحِيح. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تستقبلوا الْقبْلَة بغائط وَلَا بَوْل وَلَكِن شرقوا أَو غربوا» . (هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 الْقبْلَة وَلَا تستدبروها ببول وَلَا غَائِط، وَلَكِن شرقوا أَو غربوا) قَالَ أَبُو أَيُّوب: فقدمنا الشَّام فَوَجَدنَا مراحيض قد بنيت قبل (الْقبْلَة) فننحرف عَنْهَا، ونستغفر الله - عَزَّ وجَلَّ» . الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «رقيت السَّطْح مرّة فَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَالِسا عَلَى لبنتين مُسْتَقْبلا بَيت الْمُقَدّس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة وَفِي رِوَايَة لَهُم «مُسْتَقْبل الشَّام مستدبر الْكَعْبَة» . وَوَقع فِي «صَحِيح ابْن حبَان» « (مُسْتَقْبل) الْقبْلَة مستدبر الشَّام» فاعلمه. ورقيت (بِكَسْر الْقَاف) عَلَى أشهر اللُّغَات، وَثَانِيا بِفَتْحِهَا بِغَيْر همز، وَثَالِثهَا مثلهَا إِلَّا أَنَّهَا بِالْهَمْز. حَكَاهُمَا صَاحب «مطالع الْأَنْوَار» وَاخْتِيَار ثَعْلَب فِي «فصيحه» كسر الْقَاف، وَالَّذِي فتحهَا من الرّقية. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: حَكَى بَعضهم رَقَيت فِي السّلم - بِفَتْح الْقَاف - وَلَا أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 صِحَّته. وَفِي «الْجَامِع» : رقأت، ورقيت (بِالْفَتْح) أفْصح. وَخَالف ذَلِك كرَاع فَقَالَ: رقأت بِالْهَمْز أَجود. واللبنة مَعْرُوفَة. وَبَيت الْمُقَدّس يشدد ويخفف، وَمَعْنَاهُ (المطهر) . الحَدِيث السَّابِع عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «نَهَانَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نستقبل الْقبْلَة بفروجنا، ثمَّ رَأَيْته قبل مَوته بعام مُسْتَقْبل الْقبْلَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ) و «خلافياته» وَفِي لفظ بَعضهم زِيَادَة: «أَو تستدبر» بعد «وَأَن نستقبل الْقبْلَة» . وَلَفظ ابْن حبَان «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينهانا أَن نستقبل الْقبْلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 ونستدبرها بفروجنا إِذا أهرقنا المَاء، ثمَّ رَأَيْته قبل مَوته بعام يَبُول مُسْتَقْبل الْقبْلَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الخلافيات» : قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي: البُخَارِيّ - عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: حَدِيث صَحِيح. وَكَذَا نقل هَذِه الْمقَالة عَن البُخَارِيّ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» وَقَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم يرْوَى عَن جَابر بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد أحسن من هَذَا الْإِسْنَاد. وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. (وَفِي كَونه عَلَى شَرطه نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده: ابْن إِسْحَاق، وَلم يحْتَج بِهِ مُسلم) إِنَّمَا أخرج لَهُ مُتَابعَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن أبان، وَابْن إِسْحَاق مُدَلّس، والمدلس إِذا قَالَ: «عَن» لَا يحْتَج بِهِ، فَكيف حسنه التِّرْمِذِيّ؟ ! (وَأجَاب عَن هَذَا بِأَن قَالَ: لَعَلَّه اعتضدا وَعلم أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ) بطرِيق آخر أَن ابْن إِسْحَاق سَمعه من أبان. قلت: زَالَ هَذَا الْإِشْكَال و (التَّمَنِّي) بِأَن أَحْمد فِي « (الْمسند» ) وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ قَالُوا كلهم فِي روايتهم لهَذَا الحَدِيث: «عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي أبان» فارتفعت وصمة التَّدْلِيس. وَزعم ابْن عبد الْبر أَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح؛ لضعف أبان بن صَالح، وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 تَعْلِيل سَاقِط؛ فَإِن أبان هَذَا لم يُضعفهُ أحد، وَهُوَ أبان بن صَالح بن عُمَيْر الْقرشِي مَوْلَاهُم أَبُو بكر الْمدنِي، قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «التَّهْذِيب» : أخرج لَهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَثَّقَهُ المزكون يَحْيَى بن معِين وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان. وَقَالَ ابْن عبد الْحق - فِيمَا رده عَلَى ابْن حزم -: لم يجرح (أَبَانَا هَذَا أحد) فِيمَا أعلم. وَفِي هَذَا رد عَلَى قَول (أبي مُحَمَّد بن حزم) أَيْضا حَيْثُ قَالَ: أبان هَذَا لَيْسَ بالمشهور. قلت: فتلخص من هَذَا كُله أَن الحَدِيث صَحِيح مَعْمُول بِهِ، وَأما قَول ابْن عبد الْحق - فِيمَا رده عَلَى ابْن حزم -: إِن الحَدِيث غير صَحِيح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلَيْسَ هُوَ عندنَا مِمَّن يحْتَج بحَديثه. فَلَا يقبل مِنْهُ؛ لِأَن الْمَحْذُور الَّذِي يخَاف (من) ابْن إِسْحَاق (زَالَ) فِي هَذَا الحَدِيث. الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اتَّقوا الْملَاعن» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سنَنَيْهِمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي سعيد الْحِمْيَرِي، عَن معَاذ بن جبل رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «اتَّقوا الْملَاعن الثَّلَاث: البرَاز فِي الْمَوَارِد، والظل، وقارعة الطَّرِيق» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: وَكَذَا صَححهُ ابْن السكن حَيْثُ ذكره فِي «صحاحه المأثورة» وَفِي ذَلِك نظر؛ فَأَبُو سعيد هَذَا قيل: لم يسمع من معَاذ فَيكون مُنْقَطِعًا. قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: أَبُو سعيد هَذَا أرَاهُ لم يدْرك معَاذ بن جبل. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : أَبُو سعيد قيل: لم يسمع من معَاذ. وَبِذَلِك جزم عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» وَعَن كتاب «التفرد» لأبي دَاوُد لما ذكر هَذَا الحَدِيث بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُور قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِمُتَّصِل. وَذكر ابْن الْقطَّان: أَن أَبَا سعيد هَذَا لَا يعرف فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد (وَلم يزدْ ابْن أبي حَاتِم فِي ذكره إِيَّاه عَلَى مَا أَخذ من هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 الْإِسْنَاد) وَذكره أَيْضا كَذَلِك من غير مزِيد ابْن عبد الْبر فِي «الكنى الْمُجَرَّدَة» قَالَ: فَهُوَ مَجْهُول. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة حَدثنِي ابْن هُبَيْرَة، أَخْبرنِي من سمع ابْن عَبَّاس يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: « (اتَّقوا) الْملَاعن الثَّلَاث قيل: وَمَا الْملَاعن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أَن يقْعد أحدكُم فِي ظلّ يستظل بِهِ، أَو فِي طَرِيق، أَو فِي نقع مَاء» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» عَن قيس، عَن سعد بن أبي وَقاص أَظُنهُ رَفعه قَالَ: «إيَّاكُمْ والملاعن: أَن يلقِي أحدكُم أَذَاهُ فِي الأَرْض فَلَا يمر بِهِ أحد إِلَّا قَالَ: من فعل هَذَا لَعنه الله!» ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مَوْقُوفا، وَهُوَ الْمَحْفُوظ. انْتَهَى. وَقد وَردت أَحَادِيث أخر فِي النَّهْي عَن البرَاز فِي أَمَاكِن؛ فَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «اتَّقوا اللعانين. قَالُوا: وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الَّذِي يتخلى فِي طرق النَّاس أَو فِي ظلهم» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ السكن «طَرِيق المسملين» بدل «النَّاس» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «فِي طَرِيق النَّاس وأفنيتهم» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالْحَاكِم: «اتَّقوا اللاعنين. قَالُوا: وَمَا اللاعنان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق النَّاس (أَو) فِي ظلهم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم (قَالَ:) وَقد أخرجه هُوَ عَن قُتَيْبَة. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» : «اجتنبوا اللعانين قَالُوا: وَمَا اللعانان يَا رَسُول الله؟ ! قَالَ: الَّذِي يتبرز عَلَى طَرِيق النَّاس أَو فِي مجْلِس قوم» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَنْدَه: «اتَّقوا اللاعنين. قَالُوا: وَمَا اللاعنان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق الْمُسلمين أَو مجَالِسهمْ» قَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاده صَحِيح. وَفِي «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم و «السّنَن الْكَبِير» للبيهقي عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من سل (سخيمته) عَلَى طَرِيق عَامر من (طرق) الْمُسلمين؛ فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ» . قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح إِسْنَاده. وَفِي «السّنَن الْأَرْبَعَة» - أَعنِي: «سنَن أبي دَاوُد» وَالتِّرْمِذِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه (و «مُسْند أَحْمد» ) و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» عَن عبد الله بن مُغفل مَرْفُوعا: «لَا يبولن أحدكُم فِي مستحمه ثمَّ يتَوَضَّأ فِيهِ؛ فَإِن (عَامَّة) الوسواس مِنْهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث (غَرِيب) وَقَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَأعله عبد الْحق بِمَا بَين ابْن الْقطَّان أَنه غلط من جِهَة النَّقْل. وَفِي «مُسْند أَحْمد بن منيع الْبَغَوِيّ» عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من جلس عَلَى قبر يتغوط أَو يَبُول فَكَأَنَّمَا جلس عَلَى جَمْرَة» . إِسْنَاده ضَعِيف، وَقد صَحَّ النَّهْي عَن فعل ذَلِك عَلَى الْقَبْر، كَمَا سَيَأْتِي فِي كتاب الْجَنَائِز من حَدِيث جَابر: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يجصص الْقَبْر، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَن يقْعد عَلَيْهِ» قَالَ مَالك والهروي: المُرَاد بالقعود الْحَدث. وَقد خولفا فِي ذَلِك، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْموضع الْمَذْكُور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وَفِي «ضعفاء الْعقيلِيّ» عَن ابْن عمر قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتخلى الرجل تَحت شَجَرَة مثمرة أَو ضفة نهر جاري» . فِي إِسْنَاده فرات بن السَّائِب قَالَ البُخَارِيّ: كُوفِي تَرَكُوهُ. وَفِي «كَامِل» بن عدي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتغوط الرجل فِي القرع من الأَرْض، قيل: وَمَا القرع؟ قَالَ: أَن يَأْتِي أحدكُم الأَرْض فِيهَا النَّبَات كَأَنَّمَا قُمْت قمامتها فَتلك مسَاكِن إخْوَانكُمْ من الْجِنّ» . فِي إِسْنَاده سَلام بن مُسلم قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث. وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» عَن جَابر بن عبد الله مَرْفُوعا: «إيَّاكُمْ والتعريس عَلَى جواد الطَّرِيق (وَالصَّلَاة) عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مأوى الْحَيَّات وَالسِّبَاع، وَقَضَاء الْحَاجة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا الْملَاعن» . إِسْنَاده صَحِيح. وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» (بِزِيَادَة فِيهِ) . وفيهَا أَيْضا عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 يصلى عَلَى قَارِعَة الطَّرِيق أَو (يضْرب) الْخَلَاء عَلَيْهَا أَو يبال فِيهَا» . فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة وقرة، وَضعفهمَا مَشْهُور، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رَفعه غير ثَابت. وَفِي «الْمَرَاسِيل» لأبي دَاوُد عَن مَكْحُول «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يبال بِأَبْوَاب الْمَسَاجِد» . وفيهَا أَيْضا عَن أبي مجلز «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر عمر أَن ينْهَى أَن يبال فِي قبْلَة الْمَسْجِد» . وَسَيَأْتِي حَدِيث عبد الله بن سرجس فِي النَّهْي عَن الْبَوْل فِي الْجُحر، حَيْثُ ذكره المُصَنّف، وَحَدِيث الْبَوْل فِي المَاء الراكد بعد هَذَا. ولنذكر مَا وَقع فِي هَذِه الْأَحَادِيث من إِيضَاح غَرِيب وَضبط لفظ؛ فَإِنَّهُ مُهِمّ فَنَقُول: الْملَاعن: مَوضِع اللَّعْن، جمع ملعنة، فَإِذا مر بِهِ النَّاس لعنُوا فَاعله. واللعانان: هما صاحبا اللَّعْن الَّذِي يلعنهما النَّاس كثيرا. وَمَعْنى رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْحَاكِم «اتَّقوا اللاعنين» الْأَمْرَانِ الجالبان للعن؛ لِأَن من فعلهمَا لَعنه النَّاس فِي الْعَادة، فَلَمَّا صَارا سَبَب اللَّعْن أضيف اللَّعْن إِلَيْهِمَا، قَالَ الْخطابِيّ: وَقد يكون اللاعن بِمَعْنى الملعون؛ فالتقدير: اتَّقوا الملعون فاعلهما. وَأما البرَاز؛ قَالَ الْخطابِيّ: هُوَ بِفَتْح الْبَاء هُنَا، وَهُوَ الفضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 الْوَاسِع من الأَرْض كنوا بِهِ عَن قَضَاء الْحَاجة (كَمَا) كنوا عَنهُ بالخلاء، وَيُقَال: تبرز الرجل إِذا تغوط، كَمَا يُقَال: تخلى [إِذا صَار إِلَى الْخَلَاء] . قَالَ: وَأهل الحَدِيث يَرْوُونَهُ: البرَاز - بِكَسْر الْبَاء - وَهُوَ غلط، إِنَّمَا البرَاز - بِالْكَسْرِ - مصدر بارزت برازًا. وَكَذَا قَالَ ابْن بري وتابعهما عَلَى ذَلِك الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : قَالَ غير الْخطابِيّ: (الصَّوَاب) البرَاز - بِكَسْر الْبَاء - وَهُوَ الْغَائِط نَفسه، كَذَا ذكره أهل اللُّغَة. قَالَ: فَإِذا كَانَ البرَاز - بِالْكَسْرِ - فِي اللُّغَة هُوَ الْغَائِط، و (قد) اعْترف الْخطابِيّ بِأَن الروَاة رَوَوْهُ بِالْكَسْرِ، تعين الْمصير إِلَيْهِ. قَالَ: فَحصل أَن الْمُخْتَار كسر الْبَاء. وَقَالَ نَحوا من هَذَا (فِي كِتَابه «تَهْذِيب اللُّغَات» . وَأما الْمَوَارِد) : فَقَالَ الْخطابِيّ: (هِيَ) طرق المَاء (وَاحِدهَا) موردة. وَالْمرَاد بالظل: مستظل النَّاس الَّذين اتخذوه مقيلاً ومناخًا ينزلونه ويقعدون تَحْتَهُ، وَلَيْسَ كل ظلّ يمْنَع قَضَاء الْحَاجة (تَحْتَهُ) فقد قعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لِحَاجَتِهِ) تَحت حائش النّخل ثَبت ذَلِك فِي «صَحِيح مُسلم» والحائش ظلّ بِلَا شكّ. وقارعة الطَّرِيق: أَعْلَاهُ. قَالَه الْأَزْهَرِي والجوهري وَغَيرهمَا، وَقيل: صَدره. وَقيل: مَا برز مِنْهُ. وَكله مُتَقَارب. والسخيمة - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة -: هِيَ الْغَائِط. وضفة النَّهر - بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة -: شاطئه. (قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» ) وَجزم الْجَوْهَرِي بِكَسْر الضَّاد، وَحَكَاهُ مَعَ الْفَتْح ابْن الْأَثِير (فِي «النِّهَايَة» ) . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: والقرع - بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء الْمُهْملَة (الْمَفْتُوحَة) وَالْعين الْمُهْملَة -: الْكلأ الَّذِي فِيهِ قطع لَا نَبَات فِيهِ. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجرى ثمَّ يغْتَسل (فِيهِ) » . وَقَالَ مُسلم: «يغْتَسل مِنْهُ» . وَله: «لَا يغْتَسل (أحدكُم) فِي (المَاء) الدَّائِم وَهُوَ جنب. قَالَ: كَيفَ يفعل يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ قَالَ: يتَنَاوَلهُ تناولاً» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان: «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء (الدَّائِم) وَلَا يغْتَسل فِيهِ من الْجَنَابَة» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ: «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ أَو يشرب» . قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ: «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الراكد» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة، رَوَاهَا ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن ابْن عجلَان، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ سَوَاء. وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة - رَفعه - بِزِيَادَة: «ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ» . وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يبال فِي المَاء الراكد» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من هَذِه الطَّرِيق، وَلَفظه: «زجر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يبال فِي المَاء الراكد» (وَهُوَ) من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة عَن أبي الزبير عَنهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «نهَى - أَو نُهي - أَن يَبُول الرجل فِي المَاء الدَّائِم أَو الراكد، ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ أَو يغْتَسل مِنْهُ» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يجوده عَن ابْن عون (غير) أبي عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَريقَة أُخْرَى رَوَاهَا ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى، نَا مُحَمَّد بن الْمُبَارك، ثَنَا يَحْيَى بن حَمْزَة، ثَنَا ابْن أبي فَرْوَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الناقع» . وَطَرِيقَة أُخْرَى رَوَاهَا الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث الْحَارِث بن يزِيد الْجُهَنِيّ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى أَن يبال فِي المَاء الْمُجْتَمع (و) المستنقع» . فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ «ثمَّ يغْتَسل فِيهِ» قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» : الرِّوَايَة «يغْتَسل» مَرْفُوع؛ أَي: لَا تبل ثمَّ أَنْت تَغْتَسِل مِنْهُ. وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي كِتَابه «الْمُفْهم» أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة: «يغتسلُ» مَرْفُوع اللَّام. قَالَ النَّوَوِيّ: وَذكر شَيخنَا أَبُو عبد الله بن مَالك أَنه يجوز أَيْضا جزمه عطفا عَلَى يبولن، ونصبه بإضمار «أَن» وَإِعْطَاء «ثمَّ» حكم وَاو الْجمع. قَالَ: فَأمر الْجَزْم فَظَاهر، وَأما النصب فَلَا يجوز؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن الْمنْهِي عَنهُ الْجمع بَينهمَا دون إِفْرَاد أَحدهمَا، وَهَذَا لم يقلهُ أحد؛ بل الْبَوْل فِيهِ مَنْهِيّ عَنهُ سَوَاء أَرَادَ الِاغْتِسَال فِيهِ أَو (مِنْهُ أم) لَا. انْتَهَى كَلَام النَّوَوِيّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا يجوز النصب (إِذْ لَا ينْتَصب) بإضمار «أَن» بعد «ثمَّ» . قَالَ: والجزم لَيْسَ بِشَيْء إِذْ لَو أَرَادَ ذَلِك لقَالَ: ثمَّ لَا يغتسلن؛ لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك يكون عطف فعل عَلَى فعل لَا عطف جملَة (عَلَى جملَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وَحِينَئِذٍ يكون الأَصْل مُسَاوَاة الْفِعْلَيْنِ فِي النَّهْي عَنْهُمَا، وتأكيدهما بالنُّون الشَّدِيدَة، فَإِن الْمحل الَّذِي توارد عَلَيْهِ شَيْء وَاحِد وَهُوَ المَاء فعدوله عَن «ثمَّ لَا يغتسلن» دَلِيل عَلَى أَنه لم يرد الْعَطف، وَإِنَّمَا جَاءَ «ثمَّ يغْتَسل» عَلَى التَّنْبِيه عَلَى حَال الْحَال، وَمَعْنَاهُ: أَنه إِذا بَال فِيهِ قد يحْتَاج إِلَيْهِ فَيمْتَنع عَلَيْهِ اسْتِعْمَاله لما أوقع فِيهِ من الْبَوْل، انْتَهَى كَلَام الْقُرْطُبِيّ. قَالَ شَيخنَا فتح الدَّين: وَالتَّعْلِيل الَّذِي علل بِهِ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ امْتنَاع النصب ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكثر من كَون (هَذَا) الحَدِيث لَا يتَنَاوَل النَّهْي عَن الْبَوْل فِي المَاء الراكد مفرده، وَلَيْسَ يلْزم أَن يدل عَلَى الْأَحْكَام المتعددة بِلَفْظ وَاحِد فَيُؤْخَذ النَّهْي عَن الْجمع من هَذَا الحَدِيث وَالنَّهْي عَن الْإِفْرَاد من حَدِيث آخر. الحَدِيث الْعَاشِر عَن قَتَادَة عَن عبد الله بن سرجس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يبال فِي الْجُحر؟ ! قَالُوا لِقَتَادَة: مَا يكره من الْبَوْل فِي الْجُحر (قَالَ: يُقَال) : إِنَّهَا مسَاكِن الْجِنّ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد (وَالنَّسَائِيّ) فِي «سنَنَيْهِمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بأسانيد صَحِيحَة، وكل رجالها ثِقَات. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم؛ فقد احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : رجال الْإِسْنَاد فِيهِ إِلَى ابْن سرجس ثِقَات إِلَّا (أَن) ابْن (أبي) حَاتِم قَالَ: أَنا حَرْب بن إِسْمَاعِيل - فِيمَا كتب إليَّ - قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: مَا أعلم قَتَادَة رَوَى عَن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا عَن أنس. قيل لَهُ: فَابْن سرجس! فَكَأَنَّهُ لم (يره) سَمَاعا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: لَيْسَ فِيمَا قَالَ أَحْمد جزم بالانقطاع؛ فَإِن (أمكن) اللِّقَاء من قَتَادَة لعبد الله بن سرجس فَهُوَ مَحْمُول عَلَى الِاتِّصَال عَلَى طَريقَة مُسلم. قلت: زَالَ هَذَا الْإِشْكَال؛ فَإِنَّهُ قد ثَبت سَماع قَتَادَة من عبد الله بن سرجس، قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ بعد أَن أخرج هَذَا الحَدِيث فِي أَحَادِيث «الْمُهَذّب» وَقَالَ: إِسْنَاده كلهم ثِقَات. قَالَ الطَّبَرَانِيّ: سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء يَقُول: قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سمع قَتَادَة من عبد الله بن سرجس. وَعَن أبي حَاتِم الرَّازِيّ أَنه قَالَ: لم يلق قَتَادَة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 الصَّحَابَة إِلَّا أنس بن مَالك وَعبد الله بن سرجس، وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» : لَعَلَّ مُتَوَهمًا (يتَوَهَّم) أَن قَتَادَة لم يذكر سَمَاعه من عبد الله بن سرجس وَلَيْسَ هَذَا بمستبدع؛ فقد سمع قَتَادَة جمَاعَة من الصَّحَابَة لم يسمع مِنْهُم عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول، وَقد احْتج مُسلم بِحَدِيث عَاصِم عَن عبد الله بن سرجس، وَهُوَ من سَاكِني الْبَصْرَة. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَري يَحْيَى بن مُحَمَّد يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة يَقُول: أنهَى عَن الْبَوْل فِي الأجحرة؛ لخَبر عبد الله بن سرجس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يبولن أحدكُم فِي الْجُحر» وَقَالَ قَتَادَة: «إِنَّهَا مسَاكِن الْجِنّ» وَلست (أثبت) القَوْل أَنَّهَا مسَاكِن الْجِنّ؛ فَإِن هَذَا من قَول قَتَادَة. وَذكر هَذَا الحَدِيث ابْن السكن فِي «صحاحه المأثورة» ثمَّ قَالَ: يَعْنِي أَنه مقْعد الْجِنّ، وَيَأْخُذ مِنْهُ الوساوس. الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «استنزهوا من الْبَوْل؛ فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق كثيرات بِأَلْفَاظ مختلفات، وَفِي الْمَعْنى متفقات. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن عبد الْبَاقِي بن قَانِع، نَا عبد الله بن مُحَمَّد بن صَالح السَّمرقَنْدِي، نَا مُحَمَّد بن الصَّباح السمان الْبَصْرِيّ، ثَنَا أَزْهَر بن سعد السمان، عَن ابْن عون، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ سَوَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» عَن الْأَصَم، نَا حمدَان، نَا عَفَّان، نَا أَبُو عوَانَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة - رَفعه -: «أَكثر عَذَاب الْقَبْر من الْبَوْل» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي «سنَنه» عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا عَفَّان، ثَنَا أَبُو عوَانَة ... بِمثلِهِ إِسْنَادًا ومتنًا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» عَن أبي عَلّي الصفار، عَن حمدَان بِهِ سَوَاء. وَكَذَا أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن يَحْيَى بن حَمَّاد، عَن أبي عوَانَة. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَلَا أعلم لَهُ عِلّة، وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي: إِسْنَاده حسن. قَالَ الْحَاكِم: وَله شَاهد من حَدِيث أبي يَحْيَى القَتَّات، أخبرنَا عَلّي بن عِيسَى، نَا أَبُو إِبْرَاهِيم بن أبي طَالب، نَا مُحَمَّد بن رَافع، نَا إِسْحَاق بن مَنْصُور (نَا إِسْرَائِيل) عَن أبي يَحْيَى، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَامَّة عَذَاب الْقَبْر من الْبَوْل» . وَرَوَى هَذَا أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن عَمْرو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 بن عُثْمَان، نَا مُحَمَّد بن عِيسَى الْعَطَّار، نَا إِسْحَاق بن مَنْصُور ... فَذكره، وَزَاد فِي آخِره: «فتنزهوا من الْبَوْل» . وَخَالف أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ ابْنه فِي «علله» : سَأَلته عَن حَدِيث رَوَاهُ (عَفَّان) عَن أبي عوَانَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «أَكثر عَذَاب الْقَبْر فِي الْبَوْل» فَقَالَ أبي: هَذَا حَدِيث بَاطِل. قَالَ ابْنه: يَعْنِي: مَرْفُوعا. وَالْحق مَا قَالَه الْحَاكِم والضياء الْمَقْدِسِي، فَإِن إِسْنَاده حسن؛ بل صَحِيح كَمَا ذَكرْنَاهُ بِطرقِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عقب إِيرَاد الشَّيْخ أبي إِسْحَاق لهَذَا الحَدِيث بِلَفْظ «تنزهوا من الْبَوْل؛ فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ» : رَوَاهُ عبد بن حميد - شيخ البُخَارِيّ وَمُسلم - فِي «مُسْنده» من رِوَايَة ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد كلهم عدُول ضابطون بِشَرْط «الصَّحِيحَيْنِ» إِلَّا رجلا وَاحِدًا، وَهُوَ أَبُو يَحْيَى القَتَّات فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فجرحه الْأَكْثَرُونَ، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين فِي رِوَايَة عَنهُ، وَرَوَى لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَله متابع عَلَى حَدِيثه وشواهد تَقْتَضِي مجموعها حسنه وَجَوَاز الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ، لكنه أبعد النجعة فِي (عزو) هَذَا الحَدِيث (إِلَى) مُسْند عبد بن حميد، وَهُوَ فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» و «مُسْتَدْرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الْحَاكِم» كَمَا تقدم، وَترك لَهُ إِسْنَادًا أصح مِنْهُ كَمَا تقدم من طريقهما أَيْضا (وعقب) مَا ذكره بِأَن قَالَ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة أنس وَقَالَ فِيهَا: الْمَحْفُوظ أَنه مُرْسل. فَرُبمَا أوهم هَذَا أَنه لَيْسَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، نعم حَدِيث أنس هَذَا الْأَصَح إرْسَاله، كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَن أَبِيه أَنه الْأَشْبَه، لكنه نقل عَن أبي زرْعَة أَن الْمَحْفُوظ رَفعه. قلت: وَيروَى أَيْضا من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت أخرجه الْبَزَّار (فِي «مُسْنده» ) . الحَدِيث الثَّانِي عشر رَوَى «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتمخر الرّيح - أَي: ينظر أَيْن مجْراهَا - لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ الْبَوْل» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ مَرْفُوعا من فعل سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَإِنَّمَا ورد من أمره، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن ثَابت فرخويه، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 عَن سماك بن الْمفضل، عَن أبي رشدين الجندي، عَن سراقَة بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا أَتَى أحدكُم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة، وَاتَّقوا مجَالِس اللَّعْن: الظل وَالْمَاء وقارعة الطَّرِيق، واستمخروا الرّيح، واستشبوا عَلَى سوقكم، وَأَعدُّوا النبل» فَقَالَ أبي: إِنَّمَا يرويهِ مَوْقُوفا وأسنده عبد الرَّزَّاق بِأخرَة. وَذكره الْخطابِيّ فِي «غَرِيبه» وَقَالَ: قَوْله: «استمخروا الرّيح» أَي: استقبلوها. وَقَالَ: قَوْله: «واستشبوا عَلَى سوقكم» أَي: انتصبوا عَلَى سوقكم، يُرِيد الاتكاء عَلَيْهَا فِي قَضَاء الْحَاجة، وَمِنْه شبوب الْفرس، وَهُوَ أَن يرفع يَدَيْهِ ويعتمد عَلَى رجلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو عبيد فِي كِتَابه «غَرِيب الحَدِيث» عَن عباد بن عباد، عَن وَاصل مولَى أبي عُيَيْنَة قَالَ: «كَانَ يُقَال: إِذا أَرَادَ أحدكُم الْبَوْل فليتمخر الرّيح» قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي أَن ينظر من أَيْن مجْراهَا فَلَا يستقبلها وَلَكِن يستدبرها كي لَا ترد عَلَيْهِ الرّيح الْبَوْل. قلت: وَقَوله: «استمخروا» هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، كَذَا ضَبطه الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» ، فَإِنَّهُ ذكره فِي بَاب الْمِيم مَعَ الْخَاء (والمخر) أَصله الشق قَالَ تَعَالَى: (وَترَى الْفلك مواخر فِيهِ) أَي شاقات. وَقد جَاءَت أَحَادِيث فِي كَرَاهِيَة الْبَوْل فِي الْهَوَاء لَكِنَّهَا ضَعِيفَة: أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يكره الْبَوْل فِي الْهَوَاء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 رَوَاهُ ابْن عدي والعقيلي وَالْبَيْهَقِيّ، وَفِي إِسْنَاده يُوسُف بن السّفر - بِفَتْح السِّين وَإِسْكَان الْفَاء - أَبُو الْفَيْض الشَّامي، قَالَ أَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ دُحَيْم: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مرّة أُخْرَى: مَتْرُوك يكذب. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. (وَقَالَ الْعقيلِيّ: يحدث بمناكير) قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَهُوَ لَا يُقيم من الحَدِيث (شَيْئا) . وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَافِظ أبي أَحْمد بن عدي أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع. الحَدِيث الثَّانِي: عَن مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة، عَن الْحَضْرَمِيّ - وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا بَال أحدكُم فَلَا يسْتَقْبل الرّيح ببوله فَيردهُ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ (فَقلت) : مَا حَال مَحْفُوظ؟ فَقَالَ: لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 بَأْس بِهِ وَلَكِن الشَّأْن فِي يُوسُف بن خَالِد - يَعْنِي: ابْن عمر السَّمْتِي الْبَصْرِيّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده الَّذِي رَوَاهُ عَن عَمْرو بن سُفْيَان بن أبي البكرات، عَن مَحْفُوظ - كَانَ يَحْيَى بن معِين يَقُول: يكذب. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُ هَالك، وَلَفظ أَحْمد فِيهِ: كَذَّاب خَبِيث عَدو الله رجل سوء، لَا يحدث عَنهُ أحد فِيهِ خير. وَقَالَ مرّة: زنديق لَا يكْتب حَدِيثه. وَرَوَى عَنهُ الشَّافِعِي وَقَالَ: كَانَ ضَعِيفا. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: كَانَ يكذب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: كَذَّاب مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يضع الْأَحَادِيث عَلَى الشُّيُوخ وَيقْرَأ عَلَيْهِم ثمَّ يَرْوِيهَا عَنْهُم (لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ) . الحَدِيث الثَّالِث: عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «مر سراقَة بن مَالك المدلجي عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَهُ عَن التغوط فَأمره أَن يتنكب الْقبْلَة وَلَا يستقبلها وَلَا يستدبرها، وَلَا يسْتَقْبل الرّيح، وَأَن يستنجي بِثَلَاثَة أَحْجَار لَيْسَ فِيهَا رجيع، أَو ثَلَاثَة أَعْوَاد أَو ثَلَاث حثيات من تُرَاب» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 النعماني، نَا أبوعتبة أَحْمد بن الْفرج، ثَنَا بَقِيَّة، حَدثنِي مُبشر بن عبيد، حَدثنِي الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن هِشَام بِهِ. ثمَّ قَالَ: لم يروه غير مُبشر بن عبيد وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. زَاد ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الضُّعَفَاء» عَنهُ: يضع الْأَحَادِيث ويكذب. الحَدِيث الرَّابِع: عَن يزِيد (بن) يَحْيَى بن أبي كثير، عَن خَلاد أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول: إِذا خرج أحدكُم يتغوط أَو يَبُول فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها، وَلَا يسْتَقْبل الرّيح، وليمسح ثَلَاث مَرَّات، وَإِذا خرج الرّجلَانِ جَمِيعًا فليتفرقا، وَلَا يجلس أَحدهمَا قَرِيبا من صَاحبه وَلَا يتحدثان؛ فَالله يمقت عَلَى ذَلِك» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بشر الدولابي فِي «الْأَسْمَاء والكنى» عَن إِبْرَاهِيم بن هَانِئ النَّيْسَابُورِي، نَا مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان، نَا يزِيد (بن) يَحْيَى بن أبي كثير قَالَ: أَخْبرنِي خَلاد فَذكره. وَعَزاهُ صَاحب «الإِمَام» إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي جمعه لحَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير قَالَ: وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن سِنَان الرهاوي وَفِيه ضعف. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي كِتَابه «التَّذْكِرَة فِي الْأَحَادِيث المعلولة» بعد أَن ذكر هَذَا الحَدِيث: يزِيد هَذَا لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث. وَجَاء عَن حسان بن عَطِيَّة التَّابِعِيّ أَنه قَالَ: «يكره للرجل أَن يَبُول فِي هَوَاء، وَأَن يتغوط عَلَى رَأس جبل كَأَنَّهُ طير وَاقع» رَوَاهُ ابْن عدي. فَإِذا علم ضعف هَذِه الْأَحَادِيث تعين (الِاحْتِجَاج) بِالْمَعْنَى الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ الإِمَام الرَّافِعِيّ أَولا، وَهُوَ لِئَلَّا ترد الرشاش عَلَيْهِ فيتنجس، ويستأنس بِهَذِهِ الْأَحَادِيث. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن سراقَة بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «علمنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَتَيْنَا الْخَلَاء أَن نتوكأ عَلَى الْيُسْرَى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي عَاصِم، نَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 (مُعَاوِيَة بن صَالح) عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المدلجي، عَن رجل من بني مُدْلِج، عَن أَبِيه قَالَ: «قدم علينا سراقَة بن جعْشم، (فَقَالَ: «علمنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَرَادَ أَحَدنَا الْخَلَاء أَن يعْتَمد الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى» ) ترْجم عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ: بَاب الِاعْتِمَاد عَلَى الرجل الْيُسْرَى إِذا قعد إِن صَحَّ الْخَبَر فِيهِ. وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ مُحَمَّد بن أبي عبد الرَّحْمَن وَلَفظه «لقد أمرنَا أَن نتوكأ عَلَى الْيُسْرَى، وَأَن ننصب الْيُمْنَى» . قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: لَا نعلم فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث غَرِيب جدًّا، لَا يرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَمُعَاوِيَة بن صَالح الْمَكِّيّ: لين ضَعِيف، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن: مَجْهُول لَا يعرف؛ فَالْحَدِيث مُنْقَطع. قَالَ الْحَازِمِي: وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : هَذَا الحَدِيث فِي حكم الْمُنْقَطع؛ لجَهَالَة الرجل من بني مُدْلِج. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : ضَعِيف. وَلما ذكر ابْن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 حَدِيث سراقَة هَذَا وَلم يعزه؛ بل قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يثبت. قَالَ: ورُوي عَن أنس نَحوه. انْتَهَى. فَليُحرر هَذَا مَعَ قَول الْحَازِمِي: «لَا نعلم فِي الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث» . الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اتَّقوا الْملَاعن وَأَعدُّوا النبل» . هَذَا الحَدِيث تبع الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي إِيرَاده إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ غَرِيب، وَلم يُخرجهُ أحد من أَصْحَاب السّنَن (وَلَا) المسانيد، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» كَمَا تقدم قَرِيبا فِي الحَدِيث الثَّانِي عشر، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أبعدوا الْآبَار إِذا ذهبتم الْغَائِط، وَأَعدُّوا النبل - يَعْنِي: الْحِجَارَة الَّتِي يتمسح بهَا - وَاتَّقوا الْملَاعن: لَا يتغوط أحدكُم تَحت شَجَرَة ينزل تحتهَا أحد، وَلَا عِنْد مَاء يُشرب مِنْهُ، فَيدعونَ الله عَلَيْكُم» . وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي «غَرِيب الحَدِيث» عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن عِيسَى بن أبي عِيسَى الْخياط، عَن الشّعبِيّ، عَمَّن سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «اتَّقوا الْملَاعن وأعدو النبل» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة؛ فَإِن عِيسَى بن أبي عِيسَى الْمَذْكُور ضَعِيف وَيُقَال فِيهِ: الْخياط والحناط والخباط، كَانَ فِي أول أمره خياطًا، ثمَّ صَار حناطًا يَبِيع الْحِنْطَة، ثمَّ صَار خباطًا يَبِيع الْخبط. قَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ مَتْرُوك. وَقَالَ أَحْمد: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ سيء الْحِفْظ والفهم؛ فَاسْتحقَّ التّرْك. وَقد صرح غير وَاحِد من الْأَئِمَّة بِأَن هَذَا حَدِيث ضَعِيف. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: رَوَاهُ بعض أَصْحَاب الْغَرِيب وَلم أَجِدهُ ثَابتا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت، وَلَا يحْتَج بِهِ. قلت: وَلم يظفرا - رحمهمَا الله - بِالطَّرِيقِ الَّتِي قدمناها عَن «علل ابْن أبي حَاتِم» وَلَا شكّ وَلَا مرية فِي كَونهَا أَجود من هَذِه الطَّرِيق الَّتِي ذكرهَا أَبُو عبيد، وَلم يعللها ابْن أبي حَاتِم إِلَّا بِأَن عبد الرَّزَّاق أسْندهُ، وَإِنَّمَا يَرْوُونَهُ مَوْقُوفا، وَلَك أَن تَقول الرّفْع زِيَادَة من ثِقَة، وَهِي مَقْبُولَة عَلَى مَا تقرر غير مرّة. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أرَى النُّبَل - بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء - يُقَال: نبلني أحجارًا للاستنجاء، أَي: أعطنيها. (قَالَ أَبُو عبيد: وَسمعت مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول: النبل هِيَ حِجَارَة الِاسْتِنْجَاء) قَالَ أَبُو عبيد: والمحدثون يَقُولُونَ: النَّبل بِالْفَتْح - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 يَعْنِي: بِفَتْح النُّون - أَيْضا ونراها إِنَّمَا سميت نبْلًا لصغرها وَهَذَا من الأضداد. فِي كَلَام الْعَرَب أَن يُقَال للعظام: نبل، وللصغار: نبل. وَقَالَ الْخطابِيّ فِي «إصْلَاح الْأَلْفَاظ الَّتِي (يصحفها) الروَاة» : يرْوَى «النبل» بِضَم النُّون وَفتحهَا، وَأكْثر الْمُحدثين يروونها بِالْفَتْح، والأجود الضَّم. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : النبل - بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة - الْأَحْجَار الصغار. وَلم يذكر غير هَذَا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «نهايته» فِي هَذَا الحَدِيث: النبل هِيَ الْحِجَارَة الصغار الَّتِي يُستَنْجَى بهَا، وَاحِدهَا نبلة، كغرفة وغرف، والمحدثون يفتحون النُّون وَالْبَاء كَأَنَّهُ (جمع) نبيل فِي التَّقْدِير، والنبل بِالْفَتْح فِي غير هَذَا (الْكِبَار) من الْإِبِل وَالصغَار. وَهُوَ من الأضداد. وَفِي «شرح التَّعْجِيز» لمصنفه: النبل - بِضَم الْبَاء - جمع نبيل كسرير (وسرر) . وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المحدثون يَقُولُونَهُ بِفَتْح الْبَاء جمع (نبيل) كسورة وسور. قلت: ويغني عَن هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 والدرامي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا (ذهب) أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه بِثَلَاثَة أَحْجَار يَسْتَطِيب بِهن؛ فَإِنَّهَا تُجزئه» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : إِسْنَاده (حسن) ، وَقَالَ فِي «علله» : إِسْنَاد مُتَّصِل صَحِيح. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه الأول والأخير فِي هَذَا الْبَاب و (الثَّانِي فِي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 اللبَاس وَالثَّالِث فِي الزِّينَة، من رِوَايَة أنس رَضي اللهُ عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيحه (وتضعيفه) فضعفه جمَاعَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَإِنَّمَا يُعرف عَن ابْن جريج، عَن زِيَاد بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اتخذ خَاتمًا من وَرِقٍ ثمَّ أَلْقَاهُ» وَالوهم فِيهِ من همام، وَلم يروه إِلَّا همام. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث يروه هَكَذَا همام عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس مَرْفُوعا، رَوَاهُ عَنهُ كَذَلِك سعيد بن عَامر وهدبة بن خَالِد، وَخَالَفَهُمَا عَمْرو بن عَاصِم؛ فَرَوَاهُ عَن همام، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس (مَرْفُوعا) ، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَرَوَاهُ جماعات عَن ابْن جريج، عَن زِيَاد بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَنه رَأَى فِي يَد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَاتمًا من ذهب فَرَمَى بِهِ وَقَالَ: وَالله لَا ألبسهُ أبدا» قَالَ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ وَهُوَ الصَّحِيح عَن ابْن جريج. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن جريج دون حَدِيث همام. وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» (وَقَالَ: هُوَ وهم) وَقَالَ الْحَازِمِي: لم يرو هَذَا الحَدِيث بِهَذَا السِّيَاق إِلَّا همام. وَوهم فِي ذَلِك. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث ضعفه أَبُو دَاوُد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَخَالفهُم التِّرْمِذِيّ فصححه. (و) قَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : وَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ. انْتَهَى من ضعفه. وَالصَّوَاب أَنه حَدِيث صَحِيح بِلَا شكّ وَلَا مرية، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي؛ فَإِن رُوَاته كلهم ثِقَات أثبات. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى «مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد» : همام هَذَا هُوَ (أَبُو) عبد الله همام بن يَحْيَى بن دِينَار الْأَزْدِيّ العوذي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ، وَإِن كَانَ قد تكلم فِيهِ بَعضهم فقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى الِاحْتِجَاج بحَديثه، وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: همام قوي فِي الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: (ثِقَة) صَالح. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: ثَبت فِي كل الْمَشَايِخ. وَقَالَ ابْن عدي الْجِرْجَانِيّ: همام أشهر وأصدق من أَن يذكر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، أَو لَهُ حَدِيث مُنكر؟ ! وَأَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة عَن قَتَادَة، وَهُوَ مقدم أَيْضا فِي يَحْيَى بن أبي كثير، وَعَامة مَا يرويهِ مُسْتَقِيم. قَالَ (الْحَافِظ) أَبُو مُحَمَّد (وَهُوَ) الْمُنْذِرِيّ: فَإِذا كَانَ حَال همام كَذَلِك فيترجح مَا قَالَه (التِّرْمِذِيّ) (وتفرده بِهِ لَا يوهن الحَدِيث، وَإِنَّمَا يكون غَرِيبا كَمَا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 التِّرْمِذِيّ) . قلت: لم يتفرد همام بِهِ، وَكَأن الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ تبع فِي ذَلِك مقَالَة أبي دَاوُد الَّتِي قدمناها عَنهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : تَابعه عَلَيْهِ يَحْيَى بن الضريس، عَن ابْن جريج. وَيَحْيَى بن الضريس ثِقَة، وَتَابعه أَيْضا يَحْيَى بن المتَوَكل وَهُوَ ثِقَة - كَمَا سَيَأْتِي - فعلَى هَذَا انْتَفَى دَعْوَى التِّرْمِذِيّ غرابته. ويرجح مَا جنح إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ من تَصْحِيحه أَيْضا مَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَهُوَ ضعف الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَى وهم همام؛ فَإِن انْتِقَال الذِّهْن من قَوْلنَا: «اتخذ خَاتمًا من ورق ثمَّ أَلْقَاهُ» إِلَى قَوْله: «كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» لَا يكون إِلَّا عَن غَفلَة شَدِيدَة لَا يحْتَمل (مثل) همام مثلهَا، نعم فِي رِوَايَة هدبة [بن] خَالِد، عَن همام: وَلَا أعلمهُ إِلَّا عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، وَهَذِه عبارَة تشعر بِعَدَمِ تَيَقّن، فَإِن كَانَ قَائِل هَذَا الْكَلَام (هُوَ) هدبة فَلَا يضر، وَإِن كَانَ هُوَ همام فقد يضم إِلَى مُخَالفَة الْجُمْهُور لَهُ ويوقع شَيْئا فِي الْوَهم، وَعَلَى الْجُمْلَة فالجاري عَلَى قَوَاعِد الْفِقْه وَالْأُصُول قبُول رِوَايَة الثِّقَة فِي مثل هَذَا، مَعَ أَن لَهُ شَاهدا من رِوَايَة يَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي، عَن يَحْيَى بن المتَوَكل الْبَصْرِيّ، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لبس خَاتمًا نقشه: مُحَمَّد رَسُول الله. فَكَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وَضعه» . أخرجه الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: هَذَا شَاهد ضَعِيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 قلت: (فِيهِ) نظر إِذْ لَيْسَ فِي إِسْنَاده من تكلم فِيهِ، وَيَحْيَى بن المتَوَكل لَا أعلم فِيهِ إِلَّا قَول ابْن حبَان: إِنَّه يُخطئ. وَصَححهُ الْحَاكِم من طَرِيقه - كَمَا سَيَأْتِي - وَلَيْسَ هَذَا بِيَحْيَى بن المتَوَكل الَّذِي (يُقَال) لَهُ أَبُو عقيل، ذَاك ضَعِيف كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَأحمد [و] ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَغَيرهم، وَقد فرق بَينهمَا الْمزي وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ. وَله شَاهد ثَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء نزع خَاتمه» رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الجوزقاني فِي كتاب «الموضوعات» رادًّا بِهِ عَلَى حَدِيث عَلّي الَّذِي سأذكره آخر الْبَاب من حَدِيث (أبي) مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن الْمنْهَال (بن عَمْرو) ، عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ. وَقد صحّح الحَدِيث الْمَذْكُور مَعَ التِّرْمِذِيّ إمامان جليلان، أَحدهمَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فَإِنَّهُ أخرجه بعد أَن ترْجم «الْخَبَر الدَّال عَلَى نفي إجَازَة دُخُول الْخَلَاء بِشَيْء فِيهِ ذكر الله» عَن عمرَان بن مُوسَى بن مجاشع، ثَنَا هدبة بن خَالِد، ثَنَا همام بن يَحْيَى، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا دخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 الْخَلَاء وضع خَاتمه» . ثمَّ قَالَ: ذكر السَّبَب الَّذِي (من أَجله) كَانَ يضع (خَاتمه عِنْد دُخُول الْخَلَاء، أَنا مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي [عون] ثَنَا أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، ثَنَا أبي، عَن ثُمَامَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ نقش خَاتم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاث أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وَالله سطر» . (وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ فِي «أَخْلَاق سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» من حَدِيث أنس أَيْضا، وَلَفظه «كَانَ فص خَاتم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حبشِي وَكَانَ مَكْتُوب عَلَيْهِ: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. لَا إِلَه إِلَّا الله سطر، وَمُحَمّد رَسُول الله سطر» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ثُمَامَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ نقش خَاتم رَسُول الله ثَلَاثَة أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وسطر الله» .) . وَالثَّانِي: الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَإِنَّهُ أخرجه فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» عَن عَلّي بن حمشاذ الْعدْل، ثَنَا عبد الله بن أَيُّوب بن زَاذَان ح. قَالَ: وَأخْبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن بَالَوَيْهِ، نَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَا: ثَنَا هدبة بن خَالِد، نَا همام (نَا) ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ - قَالَ: وَلَا أعلمهُ إِلَّا عَن الزُّهْرِيّ - عَن أنس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وضع خَاتمه» . قَالَ الْحَاكِم: وثنا عَلّي بن حمشاذ، ثَنَا عبيد بن عبد الْوَاحِد، ثَنَا يَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي، ثَنَا يَحْيَى بن المتَوَكل الْبَصْرِيّ، عَن ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لبس (خَاتمًا) نقشه: مُحَمَّد رَسُول الله. فَكَانَ إِذا دخل الْخَلَاء وَضعه» . قَالَ الْحَاكِم فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَإِنَّمَا أخرجَا حَدِيث نقش الْخَاتم فَقَط. فتلخص من كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة أَنه حَدِيث صَحِيح مُحْتَج بِهِ، وَهُوَ الْحق - إِن شَاءَ الله - لَا جرم ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد فِي آخر كِتَابه «الاقتراح» فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث رَوَاهَا من أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث. (قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: وَإِنَّمَا نزع خَاتمه لِأَنَّهُ (كَانَ) عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله) . قلت: هُوَ كَمَا قَالَ فقد أخرجه بِهَذِهِ الزِّيَادَة الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ كَمَا مر، وَأما النَّوَوِيّ فَقَالَ كَمَا قَالَ صَاحب الْمُهَذّب: وَإِنَّمَا نَزعه؛ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 كَانَ عَلَيْهِ: مُحَمَّد رَسُول الله. قَالَ: هَذَا هُوَ من كَلَام المُصَنّف لَا من الحَدِيث. قَالَ: لكنه صَحِيح؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَن نقش خَاتمه كَانَ: مُحَمَّد رَسُول الله» هَذَا لَفظه برمتِهِ، وَكَذَلِكَ فصل الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» (فجعلهما) حديثين، وَقد مر فِي رِوَايَة الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَن ذَلِك كُله ورد فِي حَدِيث وَاحِد. وَمن الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة فِي هَذَا الْبَاب مَا ذكره ابْن الجوزقاني فِي «مَوْضُوعَاته» وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» - وَضَعفه - عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء حول خَاتمه فِي يَمِينه؛ فَإِذا خرج وَتَوَضَّأ حوله فِي يسَاره» . وَفِي «كَامِل ابْن عدي» من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتختم فِي خِنْصره الْأَيْمن؛ فَإِذا دخل الْخَلَاء جعل الْكِتَابَة مِمَّا يَلِي كَفه» ذكره فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن (عبيد الله) الْعَرْزَمِي، وَهُوَ مَتْرُوك. فَائِدَة: فِي الْخَاتم لُغَات شهيرة، مِنْهَا أَربع لُغَات: فتح التَّاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وَكسرهَا، وخاتام (وخيتام) وَفِي «الْمدْخل» لِابْنِ هِشَام لُغَتَانِ أخرتان: ختام وَختم. وَقَوله: (إِذا دخل) : إِذا أَرَادَ (الدُّخُول) . والخلاء - بِالْمدِّ -: الْموضع الْخَالِي. الحَدِيث السَّادِس عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فلينتر ذكره» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «الْمسند» وَأَبُو دَاوُد فِي «الْمَرَاسِيل» وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» وَابْن قَانِع فِي «مُعْجَمه» والعقيلي فِي «تَارِيخه» من رِوَايَة يزْدَاد - وَيُقَال: أزداد - بن فساءة الْفَارِسِي مولَى بحير بن ريسان الْيَمَانِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا بَال أحدكُم فلينتر ذكره ثَلَاثًا» . هَذَا لَفظهمْ، وَفِي إِحْدَى روايتي ابْن قَانِع وَأبي نعيم وَلَفظ الْعقيلِيّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا بَال نتر ذكره ثَلَاثًا» . قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» : قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: هَذَا الحَدِيث مُرْسل. وَقَالَ فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْكَمَال» : اخْتلف فِي صُحْبَة يزْدَاد. قلت: ذكره فِي الصَّحَابَة: ابْن مَنْدَه، وَأَبُو نعيم، وَابْن عبد الْبر وَقَالَ: قَالَ ابْن معِين: لَا يعرف عِيسَى وَلَا أَبوهُ. وَهُوَ تحامل مِنْهُ، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: عِيسَى بن يزْدَاد الْيَمَانِيّ، عَن أَبِيه لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ. قَالَ البُخَارِيّ: عِيسَى بن يزْدَاد، عَن أَبِيه، رَوَى عَنهُ زَمعَة، وَلَا يَصح. ثمَّ ذكر الْعقيلِيّ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» : [يزْدَاد] بن فساءة يُقَال أَن لَهُ صُحْبَة، إِلَّا أَنِّي لست أحتج بِخَبَر زَمعَة بن صَالح. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد [فِي الْمَرَاسِيل] وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنه ضَعِيف (وَقَالَ) الْأَكْثَرُونَ: هُوَ مُرْسل وَلَا صُحْبَة لِيَزْدَادَ. قَالَ: وَمِمَّنْ نَص عَلَى أَنه لَا صُحْبَة لَهُ: البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَابْنه عبد الرَّحْمَن وَأَبُو دَاوُد وَابْن عدي الْحَافِظ وَغَيرهم. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين وَغَيره: لَا نَعْرِف يزْدَاد. قَالَ النَّوَوِيّ: ويزداذ - بزاي ثمَّ دَال مُهْملَة ثمَّ ألف ثمَّ ذال مُعْجمَة - وفساءة - بِالْفَاءِ وَالسِّين الْمُهْملَة المخففة (و) بِالْمدِّ - وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِي حَدِيث عِيسَى بن يزْدَاد عَن أَبِيه: إِن يزْدَاد لَيست لَهُ صُحْبَة، وَمن النَّاس من يدْخلهُ فِي الْمسند، وَهُوَ وَأَبوهُ مَجْهُولَانِ. وَقَالَ عبد الْحق. هَذَا حَدِيث لَا يَصح. قَالَ ابْن الْقطَّان: لِأَن عِيسَى وأباه لَا يُعرفان، وَلَا يُعلم لَهما غير هَذَا الحَدِيث. قلت: ويغني عَن هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة عَلَى أصل الِاسْتِبْرَاء الحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته وثبوته من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «مر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بحائط من حيطان مَكَّة - أَو الْمَدِينَة - فَسمع صَوت إنسانين (يعذبان) فِي قبورهما، فَقَالَ: يعذبان، وَمَا يعذبان فِي كَبِير؛ بلَى كَانَ أَحدهمَا لَا يستبرئ من بَوْله، وَكَانَ الآخر يمشي بالنميمة. ثمَّ دَعَا بجريدة فَكَسرهَا كسرتين، ثمَّ وضع عَلَى كل قبر مِنْهَا كسرة، فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله، لم فعلت هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّه يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا - أَو إِلَى أَن ييبسا» . رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من طرق، وَفِي رِوَايَة لَهما: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 «لَا يسْتَتر من بَوْله» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَا يستنزه عَن الْبَوْل - أَو من الْبَوْل» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «لَا يستبرئ» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيث أبي بكرَة عَلَى شَرط الصَّحِيح: «إِن عذابهما كَانَ من الْغَيْبَة وَالْبَوْل» . وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «عذَابا شَدِيدا فِي ذَنْب هَين ... » الحَدِيث بسياقة الصَّحِيح. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة «إِن القبرين بِالبَقِيعِ» . وَهُوَ فِي بعض طرق البُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج من بعض حيطان (الْمَدِينَة) فَسمع صَوت (إنسانين) يعذبان فِي قبورهما ... » الحَدِيث. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه بِثَلَاثَة أَحْجَار يَسْتَطِيب بِهن؛ فَإِنَّهَا تُجزئ عَنهُ» . هَذَا الحَدِيث حسن، وَتقدم بَيَانه فِي آخر الحَدِيث الرَّابِع عشر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 الحَدِيث الثَّامِن عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الِاسْتِنْجَاء (بالروث) والرمة» . (هَذَا حَدِيث) صَحِيح رَوَاهُ جماعات من الْأَئِمَّة، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي أول هَذَا الْبَاب. الحَدِيث التَّاسِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم، وَقَالَ: إِنَّه زَاد إخْوَانكُمْ من الْجِنّ» . أما النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم فَصَحِيح، رَوَاهُ جماعات من الصَّحَابَة، مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» (فِي هَذَا الْبَاب) من رِوَايَة (يَحْيَى بن سعيد) عَنهُ قَالَ: «اتبعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَخرج لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لَا يلْتَفت، فدنوت مِنْهُ فَقَالَ: أبغني أحجارًا أستنفض بهَا أَو نَحوه، وَلَا تأتني بِعظم وَلَا رَوْث. فَأَتَيْته بأحجار بِطرف ثِيَابِي (فَوَضَعتهَا) إِلَى جنبه وأعرضت عَنهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجته اتبعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 بِهن» . (زَاد فِي بَاب ذكر الْجِنّ) : «فَقلت: مَا بَال الْعظم والروثة؟ فَقَالَ: هما من طَعَام الْجِنّ، وَإنَّهُ أَتَانِي وَفد (جن) نَصِيبين - وَنعم الْجِنّ - فسألوني الزَّاد، فدعوت الله - عَزَّ وجَلَّ - أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا بروثة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا طَعَاما» . قَالَ أَبُو عبد الله (الْقَزاز) فِي «تَفْسِير غَرِيب البُخَارِيّ» : هَكَذَا رُوِيَ « (استنفض) » كَأَنَّهُ أستفعل من (النفض) وَهُوَ أَن يهز الشَّيْء ليطرد غباره أَو يَزُول مَا عَلَيْهِ وَهَذَا مَوضِع أستنظف بهَا، أَي: أنظف نَفسِي بهَا من الْحَدث، وَلَكِن هَكَذَا رُوِيَ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «جَامع المسانيد» : انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ البُخَارِيّ، وَمَعْنى (أستنفض) بهَا أزيل بهَا عني الْأَذَى. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : ورأيته: أستنظف فِي غير «كتاب البُخَارِيّ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 الله (نهَى أَن يستنجى بروث (أَو) عظم، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا تطهران» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. قلت: فِي سَنَده سَلمَة بن رَجَاء، قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: حدث بِأَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. (و) ذكره ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» وَرَوَى لَهُ البُخَارِيّ فِي «الصَّحِيح» (وَفِيه) أَيْضا يَعْقُوب بن كاسب، قيل: رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» أَيْضا وَلم ينْسبهُ. وَقَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِشَيْء. وَوَثَّقَهُ يَحْيَى مرّة. وَمِنْهُم: عبد الله بن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» عَنهُ من حَدِيث طَوِيل، وَفِيه: «وسألوه - يَعْنِي الْجِنّ - الزَّاد، فَقَالَ: لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا، وكل بَعرَة علف لدوابكم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَلَا تستنجوا بهما (فَإِنَّهُمَا) طَعَام إخْوَانكُمْ» . وَوَقع فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بدل «وَذكر اسْم الله» : «لم يذكر اسْم الله» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَنهُ قَالَ: «قدم وَفد الْجِنّ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، اِنْهَ أمتك أَن يستنجوا بِعظم أَو رَوْثَة أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 حُممة؛ فَإِن الله جعل لنا فِيهَا رزقا. فَنَهَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ذَلِك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا وَقَالا: إِسْنَاده شَامي لَيْسَ بِثَابِت. وَقَالَ الْحَازِمِي: لَا يعرف مُتَّصِلا (إِلَّا) من حَدِيث الشاميين، وَهُوَ عَلَى شَرط أبي دَاوُد. الحُمَمَة - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الميمين مَعَ التَّخْفِيف - (الفحم) . وَيُقَال (إِنَّه) الرخو الَّذِي (لَا) يقْلع النَّجَاسَة. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح، عَن ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي عُثْمَان بن سنّة الْخُزَاعِيّ الدِّمَشْقِي، عَن ابْن مَسْعُود «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يَسْتَطِيب أحدكُم بِعظم أَو (رَوْث) » . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي أَوَاخِر كتاب التَّفْسِير بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَإِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) من حَدِيث مُوسَى بن عُلَي - بِضَم الْعين وَفتح اللَّام عَلَى الْمَعْرُوف - عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن مَسْعُود «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يستنجى بِعظم حَائِل أَو رَوْثَة أَو حممة» ثمَّ قَالَ: عَلّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 بن رَبَاح لَا يثبت سَمَاعه من ابْن مَسْعُود. وَأخرجه أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث حَرْمَلَة، ثَنَا ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن سنة الْخُزَاعِيّ أَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لأَصْحَابه وَهُوَ بِمَكَّة: من أحب مِنْكُم أَن يحضر اللَّيْلَة أَمر الْجِنّ فَلْيفْعَل ... » ثمَّ ذكر الحَدِيث قَالَ: «فَأَعْطَاهُمْ عظما وَرَوْثًا زادًا، ثمَّ نهَى رَسُول (أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم أَو رَوْث» . ثمَّ قَالَ ابْن مَنْدَه: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَرُوِيَ بِإِسْقَاط ابْن مَسْعُود، ذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمَة أبي عُثْمَان بن سنة الْخُزَاعِيّ الصَّحَابِيّ. وَمِنْهُم: سلمَان رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ مُسلم، وَسَيَأْتِي قَرِيبا حَيْثُ ذكره المُصَنّف. وَمِنْهُم: جَابر بن عبد الله - رَضي اللهُ عَنهُ - رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، نَا أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نتمسح بِعظم أَو ببعر» . وَمِنْهُم: رويفع بن ثَابت رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد عَنهُ قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا رويفع، لَعَلَّ الْحَيَاة ستطول بك بعدِي، فَأخْبر النَّاس أَن من عقد لحيته أَو تقلد وترا أَو استنجى برجيع دَابَّة أَو عظم؛ فَإِن مُحَمَّدًا بَرِيء مِنْهُ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 قَالَ صَاحب «الدَّلَائِل فِي غَرِيب الحَدِيث» بعد رِوَايَته لَهُ: هَكَذَا فِي الحَدِيث «من عقد لحيته» وَصَوَابه - وَالله أعلم -: «من عقد لحاء» من قَوْلك لحيت الشّجر إِذا قشرته، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يعقدون لحاء الْحرم فيقلدونه (فِي) أَعْنَاقهم فيأمنون بذلك، وَهُوَ قَول الله - تَعَالَى -: (لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد) فَلَمَّا أظهر الله الْإِسْلَام نهَى عَن ذَلِك. قَالَ السّديّ: شَعَائِر الله: حرم الله. وَأما الْهَدْي والقلائد؛ فَإِن الْعَرَب كَانُوا يقلدون من لحاء الشّجر - شجر مَكَّة - فيقيم الرجل بِمَكَّة حَتَّى إِذا انفضت الْأَشْهر الْحرم وَأَرَادَ أَن يرجع إِلَى أَهله قلد نَفسه وناقته من لحاء الشّجر، فَيَأْمَن حَتَّى يَأْتِي أَهله. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَمَا أشبه مَا قَالَه بِالصَّوَابِ، لَكِن لم نره فِيمَا وقفنا عَلَيْهِ فِي رِوَايَة. وَمِنْهُم: سهل بن حنيف رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» عَن أبي عَاصِم، عَن ابْن جريج، عَن عبد الْكَرِيم - وَهُوَ ابْن أبي الْمخَارِق - عَن الْوَلِيد بن مَالك، عَن عبد الْقَيْس، عَن مُحَمَّد بن قيس مولَى سهل بن حنيف، عَن سهل بن حنيف أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: «أَنْت رَسُولي إِلَى أهل مَكَّة، فَقل: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام، ويأمركم أَن لَا تستنجوا بِعظم وَلَا ببعر» . قَالَ أَبُو عَاصِم مرّة: و «يَنْهَاكُم» أَو «يَأْمُركُمْ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَأخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» عَن عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن جريج، نَا عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق أَن الْوَلِيد بن مَالك أخبرهُ أَن مُحَمَّد بن قيس ... . فَذكر الحَدِيث إِلَّا أَنه قَالَ: «يَأْمُركُمْ بِثَلَاث: لَا تحلفُوا بِغَيْر الله، وَإِذا تخليتم فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة [وَلَا تستدبروها] وَلَا تستنجوا بِعظم وَلَا ببعرة» . وَمِنْهُم رجل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن مُوسَى بن أبي إِسْحَاق الْأنْصَارِيّ، عَن (عبد الله بن) عبد الرَّحْمَن، عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْأَنْصَار أخبرهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - « (أَنه) نهَى أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم أَو رَوْث أَو جلد» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده غير ثَابت. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَسَببه جَهَالَة مُوسَى وَعبد الله. وَأما قَول الإِمَام الرَّافِعِيّ وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن الْعظم زَاد إخْوَانكُمْ من الْجِنّ» فَصَحِيح أَيْضا رَوَى مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الشّعبِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 طَوِيل قَالَ فِي آخِره: وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تستنجوا بالعظم والبعر؛ فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ - يَعْنِي: من الْجِنّ» كَمَا تقدم. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر، وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة فِيهِ، وَرَوَاهُ من طَرِيق ثَالِث عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ: قَالَ الشّعبِيّ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تستنجوا بالعظم والبعر» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: كَأَن هَذِه الرِّوَايَة أصح - يَعْنِي: فَيكون مُرْسلا - قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : لَا نوافق التِّرْمِذِيّ عَلَى ذَلِك؛ بل الْمُخْتَار أَن هَذِه الزِّيَادَة مُتَّصِلَة. قلت: وَقد حكم أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان للطريقة الموصولة بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُ أخرجهَا فِي «صَحِيحه» بالطريقة الأولَى الَّتِي ذكرهَا مُسلم، ولفظها إِلَّا أَنه قَالَ: «زَاد» بدل «طَعَام» وَالْمعْنَى وَاحِد. وَفِي «تَلْخِيص الْخَطِيب» من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الله بن بكير، أَنا ابْن لَهِيعَة (عَن أَحْمد بن خازم) - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة - عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه جعل زَاد الْجِنّ الروث وَالْعِظَام، لَا يَمرونَ عَلَى شَيْء مِنْهُ إِلَّا وجدوه لَحْمًا طريًّا» . وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث بَقِيَّة، نَا نمير بن يزِيد، نَا أبي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 ثَنَا (قُحَافَة) بن ربيعَة، ثَنَا الزبير بن الْعَوام مَرْفُوعا - فِي حَدِيث طَوِيل فِيهِ -: «أُولَئِكَ - يَعْنِي: الْجِنّ - من وَفد نَصِيبين سَأَلُونِي الزَّاد، فَجعلت لَهُم كل عظم وروثة. قَالَ الزبير: فَلَا يحل لأحد أَن يستنجي بِعظم (وَلَا) رَوْثَة أبدا» . وَفِيه أَيْضا من حَدِيث مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي عَن (سعيد) بن الْحَارِث، عَن أبي الْمُعَلَّى، عَن (عبد الله) بن مَسْعُود «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لجن نَصِيبين: لكم الرجيع وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من عظم فلكم عَلَيْهِ (لَحْمًا) وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من رَوْث فَهُوَ لكم تَمرا» . الحَدِيث الْعشْرُونَ (رُوِيَ أَنه) «قَالَ) : «إِذا جلس أحدكُم لِحَاجَتِهِ فليمسح ثَلَاث مسحات» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» عَن حسن بن الأشيب، عَن ابْن لَهِيعَة، نَا أَبُو الزبير، عَن جَابر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِذا تغوط أحدكُم فليمسح ثَلَاث مَرَّات، وَنَهَى أَن يستنجى ببعرة أَو عظم» ابْن لَهِيعَة قد علمت حَالَته. وَرَوَاهُ جماعات بِمَعْنَاهُ كَحَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم: «إِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليذهب مَعَه (بِثَلَاث أَحْجَار يَسْتَطِيب بِهن» وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي أول الْبَاب: «وليمسح) بِثَلَاثَة أَحْجَار» وَحَدِيثه السَّابِق أَيْضا: «كَانَ يَأْمُرنَا بِثَلَاثَة أَحْجَار» وَحَدِيث سلمَان وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ الآتيين قَرِيبا، وَحَدِيث خُزَيْمَة الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الاستطابة فَقَالَ: بِثَلَاثَة أَحْجَار» . وَحَدِيث خَلاد أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِذا تغوط أحدكُم فليستجمر ثَلَاثًا» رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» وَقَالَ: خَلاد هَذَا أَحْسبهُ ابْن رَافع بن مَالك أَخُو رِفَاعَة بن رَافع الْأنْصَارِيّ. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث الْخَطِيب فِي كِتَابه «موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق» بِخَطِّهِ، لَكِن من حَدِيث خَلاد الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه السَّائِب أَن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا دخل أحدكُم الْخَلَاء فليتمسح بِثَلَاثَة أَحْجَار» وَهُوَ فِي «جمع من رَوَى عَنهُ ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَمن رَوَى عَن الزُّهْرِيّ» للنسائي من حَدِيث أبي غَسَّان مُحَمَّد بن يَحْيَى، أَخْبرنِي أبي، عَن ابْن أخي ابْن شهَاب (عَن ابْن شهَاب) قَالَ: أَخْبرنِي خَلاد بن السَّائِب أَن أَبَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ:) «إِذا تغوط أحدكُم فليتمسح ثَلَاث مَرَّات» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَابْن عبد الْبر كَذَلِك بِلَفْظ: «فليتمسح بِثَلَاثَة أَحْجَار» . وَفِي «الْمُحَلَّى» لِابْنِ حزم مَا نَصه: فَإِن ذكرُوا حَدِيثا (رَوَاهُ) ابْن أخي الزُّهْرِيّ مُسْندًا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِذا تغوط أحدكُم فليمسح ثَلَاث مَرَّات» قيل: ابْن أخي الزُّهْرِيّ ضَعِيف، وَالَّذِي رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى الْكِنَانِي: مَجْهُول. قلت: ابْن أخي الزُّهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم، احْتج بِهِ أَصْحَاب «الْكتب السِّتَّة» وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة. وَمَا ذكره ابْن حزم هُوَ إِحْدَى رِوَايَات أَرْبَعَة عَن ابْن معِين، رَوَاهُ الدَّارمِيّ عَنهُ. وَقَوله: وَالَّذِي رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى مَجْهُول. فَفِيهِ نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مُحَمَّدًا يرويهِ عَن أَبِيه، عَن ابْن أخي (الزُّهْرِيّ) كَذَا رَأَيْته وَلم أر أحدا سَاقه من حَدِيث مُحَمَّد هَذَا عَن ابْن أخي الزُّهْرِيّ (كَمَا) هُوَ ظَاهر كَلَام ابْن حزم. الثَّانِي: قَوْله فِي مُحَمَّد بن يَحْيَى: أَنه مَجْهُول. وَلَا أعلم لَهُ مُوَافقا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 مُحَمَّد هَذَا احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، فَأخْرج عَنهُ حَدِيثا فِي «صَحِيحه» وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَرَوَى عَنهُ خلق وَهُوَ أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عَلّي. الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ عَن سلمَان رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن (لَا) نجتزئ بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا (بِهِ) من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: «قيل لسلمان الْفَارِسِي رَضي اللهُ عَنهُ: قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة! فَقَالَ: أجل؛ لقد نَهَانَا أَن نستقبل الْقبل بغائط أَو بَوْل، أَو أَن نستنجي بِالْيَمِينِ، أَو أَن نستنجي بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار، أَو أَن نستنجي برجيع أَو عظم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ قَالَ: «قَالَ لنا الْمُشْركُونَ: إنى أرَى صَاحبكُم يعلمكم حَتَّى يعلمكم الخراءة! فَقَالَ: أجل، إِنَّه نَهَانَا أَن يستنجي أَحَدنَا بِيَمِينِهِ، أَو يسْتَقْبل الْقبْلَة، وَنَهَى عَن الروث وَالْعِظَام، وَقَالَ: لَا يستنجي أحدكُم بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَار» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 وَمن الغلطات الْمَعْرُوفَة لِابْنِ حزم الظَّاهِرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَنه عزاهُ إِلَى مُسلم بِلَفْظ: «لقد نَهَانَا أَن يستنجي أَحَدنَا بِيَمِينِهِ، أَو مُسْتَقْبل الْقبْلَة» كَذَا فِي كِتَابه «مُسْتَقْبل الْقبْلَة» بِالْمِيم، وَهَذَا لَا يُوجد فِي مُسلم، وَالَّذِي فِيهِ مَا سلف وَوَقع فِي «شرح التَّنْبِيه» للمحب الطَّبَرِيّ عزو حَدِيث سلمَان (هَذَا) إِلَى البُخَارِيّ، وَهُوَ وهم مِنْهُ. فَائِدَة: الرجيع: الروث، والخراءة بِالْمدِّ، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي «الْمَشَارِق» : هِيَ (لَهُنَّ جلْسَة التخلي) لقَضَاء الْحَاجة أَو (هُوَ صفة) التَّنْظِيف مِنْهُ. قَالَ الْخطابِيّ فِي «إصْلَاح الْأَلْفَاظ المصحفة» : عوام الروَاة يفتحون الْخَاء؛ فيفحش مَعْنَاهُ» ، وَإِنَّمَا هُوَ الخِراءة - مكسور الْخَاء مَمْدُود الْألف - يُرِيد: الجلسة للتخلي، والتنظف مِنْهُ. وَقَالَ ابْن بري ردًّا عَلَى الْخطابِيّ: يُقَال: خرئ خِراءة وخُراءة وخروءًا وخرءًا. وأَجَلْ - بِفَتْح الْهمزَة وَالْجِيم وَتَخْفِيف اللَّام مَعَ السّكُون - مَعْنَاهَا: نعم. وسلمان رَضي اللهُ عَنهُ من فضلاء الصَّحَابَة، وعمّر عمرا طَويلا جدًّا، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «التَّهْذِيب» : ونقلوا اتِّفَاق الْعلمَاء عَلَى أَنه عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة، وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا فَقيل: ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وَقيل: أَنه أدْرك (وَحي) عِيسَى ابْن مَرْيَم، وَهُوَ أول مكَاتب فِي الْإِسْلَام، قَالَه ابْن شعْبَان. وَقيل: (ابْن) مُؤَمل، حَكَاهُمَا ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» : وإسلامه بِالْمَدِينَةِ أثبت من (قَول من) قَالَ إِنَّه بِمَكَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أَوَائِل الْبَاب، وَهُوَ (الحَدِيث) الثَّانِي مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار، لَيْسَ فِيهَا رجيع وَلَا عظم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات (بِمَعْنَاهُ) وَقد تقدم بِطرقِهِ فِي الحَدِيث التَّاسِع عشر فِي أول الْبَاب، وَمِمَّا لم نقدمه - وَهُوَ بِمَعْنى هَذَا الحَدِيث - حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى الْغَائِط فَأمرنِي أَن آتيه بِثَلَاثَة أَحْجَار، فَوجدت حجرين والتمست الثَّالِث فَلم أَجِدهُ، فَأخذت رَوْثَة [فَأَتَيْته] بهَا فَأخذ الحجرين وَألقَى الروثة وَقَالَ: إِنَّهَا ركس» . وَفِي رِوَايَة للدارقطني (وَغَيره) «إِنَّهَا ركس، ائْتِنِي بِحجر» يَعْنِي: ثَالِثا. وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا: «ائْتِنِي بغَيْرهَا» . وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ من طَرِيق أبي إِسْحَاق، عَن عَلْقَمَة وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 (سكت) عَنْهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَهِي مُنْقَطِعَة فِيمَا بَين أبي إِسْحَاق وعلقمة؛ فَإِنَّهُ لم يسمع مِنْهُ شَيْئا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفسه بذلك. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» : قَالَ أبي وَأَبُو زرْعَة: لم يسمع من عَلْقَمَة شَيْئا (قَالَ:) وثنا أبي، نَا مُحَمَّد بن بشار، نَا أُميَّة بن خَالِد، نَا شُعْبَة: قَالَ رجل لأبي إِسْحَاق الهمذاني: (شُعْبَة) يَقُول: (إِنَّك) لم تسمع (من) عَلْقَمَة قَالَ: صدق. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب الدِّيَة أَخْمَاس: أَبُو إِسْحَاق عَن عَلْقَمَة مُنْقَطع؛ لِأَنَّهُ (رَآهُ) وَلم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمد بن عبد الله الْعجلِيّ: لم يسمع (أَبُو) إِسْحَاق من عَلْقَمَة شَيْئا. قلت: لَكِن قَالَ الْكَرَابِيسِي فِي كتاب «المدلسين» : أَبُو إِسْحَاق يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث: حَدثنِي عَلْقَمَة عَن عبد الله. فَهَذَا تَصْرِيح بِسَمَاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 أبي إِسْحَاق من عَلْقَمَة، وَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيم عدم السماع فَلَا حجَّة (للخصم) فِي الرِّوَايَة الأولَى؛ إِذْ يجوز أَن يكون أحد الحجرين لَهُ أحرف؛ فاستوفى بهَا الْعدَد، يدل عَلَى ذَلِك حَدِيث سلمَان (الثَّانِي) فِي النَّهْي عَن الِاكْتِفَاء بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَار، وَقد ذكر ذَلِك الإِمَام الْخطابِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ. الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا استجمر أحدكُم فليستجمر وترا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «من استجمر فليوتر» وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة جَابر رَضي اللهُ عَنهُ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: «ثَلَاثًا» بدل «وترا» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة (فِي «صَحِيحه» ) بِهَذَا اللَّفْظ. ورأيته أَنا بعد ذَلِك فِيهِ، وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا فِي «صَحِيحه» عَنهُ مَرْفُوعا، لَكِن لَفظه: «من استجمر فليوتر» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الرِّوَايَة الأولَى تبين أَن المُرَاد بالإيتار فِي هَذِه الرِّوَايَة مَا زَاد عَلَى الْوَاحِد. وَهُوَ فِي «مُسلم» أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 (و) رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد فِي حَدِيث وَاحِد، وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «سنَن النَّسَائِيّ» وَابْن مَاجَه عَن سَلمَة بن قيس مَرْفُوعا: «إِذا تَوَضَّأت فانثر، وَإِذا استجمرت فأوتر» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : رجال إِسْنَاده ثِقَات. قلت: لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَفِي «صحيحي ابْن حبَان وَالْحَاكِم» عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا استجمر أحدكُم فليوتر؛ فَإِن الله وتر يحب الْوتر، أما ترَى السَّمَوَات سبعا وَالْأَرضين سبعا وَالطّواف سبعا ... » وَذكر أَشْيَاء. قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: لم يخرجَاهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى: «من استجمر فليوتر» فَقَط. قلت: فِي طَرِيق الْحَاكِم: الْحَارِث بن أبي أُسَامَة - وَلَيْسَ بعمدة - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَطَرِيق ابْن حبَان صَحِيحَة، و (أخرجه) كَذَلِك (شَيْخه) ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» . وَفِي «أَفْرَاد مُسلم» مثل هَذَا من حَدِيث جَابر رَفعه «الِاسْتِجْمَار تو، وَرمي الْجمار تو، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة تو، وَالطّواف تو؛ وَإِذا استجمر أحدكُم فليستجمر بتو» . يَعْنِي: الْوتر، زَاد البرقاني: «والكحل تو» يَعْنِي: ثَلَاثًا ثَلَاثًا. الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار يقبل بِوَاحِد وَيُدبر بِوَاحِد ويحلق بالثالث» . هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ تبعا للغزالي فِي «وسيطه» وَهُوَ تبع الإِمَام إِذْ قَالَ: إِن الصيدلاني ذكره، وَلَا أعلم من خرجه من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة وَلَا غَيرهَا. وَذكره الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» وَلم يعزه، وَقَالَ: لم يذكرهُ الْحَازِمِي. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث لَا يُعرف، وَلَا يثبت فِي كتب الحَدِيث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَقَالَ (الشَّيْخ) تَاج الدَّين ابْن الفركاح فِي «الإقليد» : لَا أصل لَهُ، وَلَا يُعرف فِي كتب الحَدِيث. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : (هَذَا الحَدِيث ضَعِيف لَا أصل لَهُ. قَالَ: وينكر عَلَى صَاحب «الْمُهَذّب» ) حَيْثُ قَالَ: «لقَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» فَعبر عَنهُ بِصِيغَة الْجَزْم مَعَ أَنه حَدِيث مُنكر. وَقَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : (إِنَّه) (حَدِيث) ضَعِيف لَا يُعرف. وَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي «الْكتاب» و «الشَّرْح الصَّغِير» أَيْضا: هَذَا الحَدِيث ثَابت. وَهُوَ عجب مِنْهُ كَيفَ يُطلق هَذِه الْعبارَة فِي حَدِيث لَا يعرف؟ ! وَقد سبق بالإنكار عَلَيْهِ النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَقَالَ) فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا غلط من الرَّافِعِيّ. قَالَ: وَقَوله: «يُحلِّق» - بِضَم الْيَاء وَكسر اللَّام الْمُشَدّدَة - أَي: يديره كالحلقة. قَالَ ابْن الرّفْعَة (فِي «الْمطلب» عقب مقَالَة الرَّافِعِيّ الْمَذْكُورَة: النَّوَوِيّ أقعد مِنْهُ بِالْحَدِيثِ. وَكَأن [ابْن] الرّفْعَة) لم يرَى كَلَام الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» وَلَا كَلَامه فِي «أَمَالِيهِ الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» فَمن رَأَى كَلَامه فيهمَا توقف فِي هَذِه القولة توقفًا قويًّا، وَمَشى الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كِتَابه عَلَى عَادَة الْفُقَهَاء فِي إِيرَاد الْأَحَادِيث دون عزوها (و) لَا يُوجب فِيهِ هَذِه القولة. وَاعْلَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث (عَلَى) أصح الْأَوْجه فِي كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء، وَفِيه وَقْفَة؛ لِأَن من تتمته أَنه يمسح بالثالث الصفحتين والمسربة وَقَوله: «ويحلق بالثالث» قد يكون المُرَاد بِهِ حَلقَة الدبر فَقَط، وَهِي المسربة كَمَا حَكَاهُ صَاحب «الْمُهَذّب» . وَأما الْمَاوَرْدِيّ فَإِنَّهُ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث للْوَجْه الثَّانِي، وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق: أَن حجرا للصفحة الْيُمْنَى وحجرًا (للصفحة الْيُسْرَى) وحجرًا للوسط. فقد وَقع نزاع فِي مَعْنَى الحَدِيث عَلَى تَقْدِير مَعْرفَته. الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حجرا للصفحة الْيُمْنَى، وحجرًا للصفحة الْيُسْرَى، وحجرًا للوسط» . هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» و «الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء» من رِوَايَة أُبي (بن) الْعَبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الاستطابة فَقَالَ: أَو لَا يجد أحدكُم ثَلَاثَة أَحْجَار حجرين للصفحتين وحجرًا للمسربة؟» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده حسن. وَقَالَ الْحَازِمِي: لَا يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «الْكتاب» و «الشَّرْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 الصَّغِير» : إِنَّه حَدِيث ثَابت. وَخَالف الْعقيلِيّ؛ فَقَالَ: رَوَى الِاسْتِنْجَاء بِثَلَاثَة أَحْجَار عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمَاعَة: مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة، وسلمان، وَخُزَيْمَة بن ثَابت، وَعَائِشَة، والسائب بن خَلاد الْجُهَنِيّ، وَأَبُو أَيُّوب، لم يَأْتِ أحد مِنْهُم بِهَذَا، ولأُبي أَحَادِيث لَا يُتَابع مِنْهَا عَلَى شَيْء، قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ضَعِيف. قلت: وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ والدولابي: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ الْحَافِظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه «الْمِيزَان» : وأُبي هَذَا وَإِن لم يكن بالثبت فَهُوَ حسن بِالْحَدِيثِ. وَاعْلَم أَنه وَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ (وَالْبَيْهَقِيّ) «أَولا يجد أحدكُم حجرين وحجرًا» بِالنّصب كَمَا قدمْنَاهُ وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق «حجران وَحجر» بِالرَّفْع. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» لَهُ: وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَالْأول عَلَى الْبَدَل من ثَلَاثَة، وَالثَّانِي عَلَى الِابْتِدَاء. قلت: وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مرّة أَيْضا كَمَا ذكره الشَّيْخ وَهَذَا لَفظه «حجران للصفحتين وَحجر للمسربة» . وَقَالَ فِي الأول: كَذَا قَالَ فِي كِتَابه. رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» (أَيْضا كَمَا) أوردهُ الشَّيْخ فِي «الْمُهَذّب» وَهَذَا لَفظه «أَولا يَكْتَفِي أحدكُم بِثَلَاثَة أَحْجَار حجران (للصفحتين) وَحجر للمسربة» وَقد جَاءَ الْقُرْآن (أَيْضا) بِالْوَجْهَيْنِ فالبدل فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: (إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى) والابتداء فِي قَوْله تَعَالَى: (قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل) . والمسربة هُنَا: مجْرى الْغَائِط (وَهُوَ) مَأْخُوذ من سرب المَاء، قَالَه ابْن الْأَثِير وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا (قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ بِضَم الرَّاء وَفتحهَا) . تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث احْتج بِهِ الإِمَام الرَّافِعِيّ؛ لقَوْل (أبي) إِسْحَاق: «أَن حجرا للصفحة الْيُمْنَى، وحجرًا لليسرى، وحجرًا للوسط» وَالْمَاوَرْدِيّ (من أَصْحَابنَا) احْتج بِهِ للراجح، وَهُوَ الْوَجْه الأول الَّذِي احْتج لَهُ الرَّافِعِيّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي قبل هَذَا، وَكِلَاهُمَا مُحْتَمل؛ فَإِنَّهُ لما قَالَ: حجران للصفحتين. (احْتمل) أَن يكون الْمَعْنى (حجرا للصفحة وحجرًا لِلْأُخْرَى، وَاحْتمل أَن يكون الْمَعْنى) كل (وَاحِد) مِنْهُمَا للصفحتين. وَابْن الصّلاح (وَافق المارودي) حَيْثُ قَالَ فِي «مُشكل الْوَسِيط» : قَوْله: حجران للصفحتين. مَعْنَاهُ: كل وَاحِد مِنْهُمَا للصفحتين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: « [كَانَت] يَد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْيُمْنَى لطهوره وَطَعَامه، وَكَانَت الْيُسْرَى لخلائه وَمَا كَانَ من أَذَى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي « (مُسْنده» ) وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور (و) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «كَانَ يفرغ (يَمِينه) لطعامه وَحَاجته، ويفرغ شِمَاله للاستنجاء وَمَا هُنَالك» . قَالَ الدوري: قَالَ ابْن معِين: لم يسمع إِبْرَاهِيم من عَائِشَة، ومراسيله صَحِيحَة إِلَّا حَدِيث «تَاجر الْبَحْرين» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» : ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء قَالَ: قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لم يلق أحدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت لَهُ: فعائشة؟ قَالَ: هَذَا لم يروه غير سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن أبي معشر، عَن إِبْرَاهِيم، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَقُرِئَ عَلَى الْعَبَّاس (بن) مُحَمَّد الدوري، قَالَ: سَمِعت يَحْيَى بن معِين يَقُول: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أُدخل عَلَى عَائِشَة - أَظن يَحْيَى قَالَ وَهُوَ صبي - قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَسمعت أبي يَقُول: لم يلق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا عَائِشَة، وَلم يسمع مِنْهَا شَيْئا؛ فَإِنَّهُ دخل عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِير. وَكَذَا نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى انْقِطَاع هَذَا الحَدِيث، مِنْهُم: الْحَازِمِي، وَالشَّيْخ زكي الدَّين وَالنَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد، وَإِن كَانَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» لم يذكرهُ؛ بل قَالَ: رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح. وَلما أخرج أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن حَاتِم بن بزيع، نَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، عَن سعيد، عَن أبي معشر، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَعْنَاهُ. فاتصل الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه وَظهر الْوَاسِطَة بَين إِبْرَاهِيم وَعَائِشَة، وَقَالَ الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث مُتَّصِل عَلَى شَرط أبي دَاوُد، حسن من هَذَا الْوَجْه. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس من حَدِيث مَسْرُوق، عَن عَائِشَة، وَمن هَذِه الطَّرِيقَة أخرجه الشَّيْخَانِ وَبَاقِي السّنَن، وَقد تقدم فِي بَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 الْوضُوء، وَهُوَ الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ (مِنْهُ) وَمِمَّا يعضد حَدِيث عَائِشَة الَّذِي فِيهِ الِانْقِطَاع حَدِيث حَفْصَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَجْعَل يَمِينه لطعامه وَشَرَابه وثيابه، وَيجْعَل شِمَاله لما سُوَى ذَلِك» . أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم. الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ عَن أبي قَتَادَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا بَال أحدكُم فَلَا يمس ذكره بِيَمِينِهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، فَلفظ البُخَارِيّ: «إِذا شرب أحدكُم فَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء، وَإِذا أَتَى الْخَلَاء فَلَا يمس ذكره بِيَمِينِهِ، وَلَا (يستنجي بِيَمِينِهِ) » . وَلَفظ مُسلم: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يتنفس فِي الْإِنَاء، وَأَن يمس ذكره بِيَمِينِهِ، وَأَن يَسْتَطِيب بِيَمِينِهِ» . (وَفِي رِوَايَة: «لَا (يمس) أحدكُم ذكره بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُول، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 يتمسح من الْخَلَاء بِيَمِينِهِ، وَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء» ) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا دخل أحدكُم الْخَلَاء فَلَا يمس ذكره بِيَمِينِهِ» . قَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مجمع عَلَى صِحَّته. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ «إِن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَثْنَى عَلَى أهل قبَاء - وَكَانُوا يجمعُونَ بَين المَاء و (الْأَحْجَار) - فَقَالَ تَعَالَى: (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين» ) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» فَقَالَ: نَا عبد الله بن شبيب، ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: وجدت فِي كتاب أبي عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، (عَن) ابْن عَبَّاس قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين) فَسَأَلَهُمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: إِنَّا نُتبع الْحِجَارَة المَاء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ إِلَّا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، وَلَا نعلم أحدا رَوَى عَنهُ إِلَّا ابْنه. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» بعد ذكر مَا تقدم: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أبي: ثَلَاثَة إخْوَة ضعفاء: مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز هَذَا، وَعبد الله بن عبد الْعَزِيز، وَعمْرَان بن عبد الْعَزِيز، وَلَيْسَ لَهُم حَدِيث مُسْتَقِيم. قَالَ الشَّيْخ: وَرَوَى أَبُو الْحسن الصفار فِي «مُسْنده» من حَدِيث زَائِدَة، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: قَالَ عَلّي بن أبي طَالب: «إِنَّهُم كَانُوا يبعرون بعرًا وَأَنْتُم تثلطون ثلطًا، فأتبعوا الْحِجَارَة بِالْمَاءِ» . قَالَ: وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا فِي «جمعه» لحَدِيث مسعر. قلت: وَأخرج هَذَا الْبَيْهَقِيّ من جِهَة الصفار ثمَّ قَالَ: تَابعه مسعر عَن عبد الْملك، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث الثَّوْريّ، عَن عبد الْملك. وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ، فَقيل كَمَا مر، وَقيل: عَن زَائِدَة، عَن عبد الْملك، عَن كرْدُوس، عَن عَلّي. وَقيل: عَن جرير، عَن عبد الْملك، عَن رجل عَن عَلّي. وَقيل: عَن السّديّ، عَن عبد خير. وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 يثبت فِي هَذَا عبد خير. ثمَّ سَاقه من حَدِيث سُفْيَان، عَن عبد الْملك، عَن عَلّي. قَالَ الشَّيْخ: وَيُقَال: بعَر الْبَعِير يبعَر - بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي والمستقبل - وثَلَط - بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام أَيْضا - يثلِط - بِكَسْر اللَّام فِي الْمُسْتَقْبل - إِذا ألْقَى بعره رَقِيقا. انْتَهَى. فرواية الْبَزَّار هَذِه مُوَافقَة لما أوردهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ وَغَيره من الْفُقَهَاء، وَقد ورد قَرِيبا من ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث: أَحدهَا: عَن يُونُس بن الْحَارِث، عَن إِبْرَاهِيم بن أبي مَيْمُونَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا) الْآيَة، وَكَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ، فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي إِسْنَاده رجلَانِ مُتَكَلم فيهمَا: أَحدهمَا: يُونُس بن الْحَارِث الطَّائِفِي، قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مضطربة (وَضَعفه) وَقَالَ النَّسَائِيّ: (ضَعِيف) وَقَالَ يَحْيَى: لَا شَيْء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وَقَالَ فِي رِوَايَة: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَيكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: عِنْدِي أَنه لم تثبت عَدَالَته، وَلَيْسَ لَهُ من الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير. قَالَه ابْن عدي، وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن الْأَكْثَرين تَضْعِيفه. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن أبي مَيْمُونَة قَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ مَجْهُول لَا [يعرف] رَوَى عَنهُ غير يُونُس بن الْحَارِث (قَالَ:) وَالْجهل بِحَالهِ كَاف فِي تَعْلِيل الْخَبَر الْمَذْكُور. قلت: إِبْرَاهِيم هَذَا ذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي كتاب «التَّهْذِيب» وَقَالَ: رَوَى عَن أبي صَالح السمان رَوَى عَنهُ يُونُس بن الْحَارِث الطَّائِفِي، وَلم يعقبه بِجرح ولاتعديل (وَمَشى) عَلَى ذَلِك تِلْمِيذه الْحَافِظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي كِتَابيه «التذهيب» و «الكاشف» وَقَالَ فِي «الكاشف» و «الْمِيزَان» : مَا نعلم رَوَى عَنهُ سُوَى يُونُس هَذَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : فِيهِ جَهَالَة. وَاعْترض (صَاحب) «الإِمَام» عَلَى ابْن الْقطَّان فِي دَعْوَاهُ جهالته بِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 قَالَ: إِبْرَاهِيم هَذَا ذكره أَبُو حَاتِم (بن حبَان) فِي «ثقاته» فِي أَتبَاع التَّابِعين، وَقَالَ: يروي عَن أبي صَالح عَن ابْن عمر، رَوَى عَنهُ يُونُس بن الْحَارِث الطَّائِفِي، وَهُوَ الَّذِي يروي عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة: (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا) كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ، فَنزلت هَذِه الْآيَة» . وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ، وَقد رَأَيْته بعد ذَلِك فِيهِ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِي «علله» : يرويهِ شهر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مُتَّصِلا مرّة، وَأُخْرَى مُرْسلا (وَمرَّة) عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام عَن أَبِيه مَرْفُوعا، وأرسله غَيره. الحَدِيث الثَّانِي: عَن عُويم - بِضَم الْعين الْمُهْملَة ثمَّ وَاو ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ مِيم - ابْن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ العقبي البدري رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَاهُم فِي مَسْجِد قبَاء فَقَالَ: إِن الله قد أحسن عَلَيْكُم الثَّنَاء فِي الطّهُور، فَمَا هَذَا الطّهُور الَّذِي تطهرون بِهِ؟ قَالُوا: وَالله يَا رَسُول الله مَا نعلم شَيْئا إِلَّا أَنه كَانَ لنا جيران من الْيَهُود و [كَانُوا] يغسلون أدبارهم [من الْغَائِط] فغسلنا كَمَا يغسلوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَعَزاهُ أَيْضا الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَغَيرهمَا إِلَى «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» أَيْضا، ورأيته بعد ذَلِك فِيهِ، وَفِي صِحَّته عِنْدِي وَقْفَة؛ لِأَن فِي سَنَده: شُرَحْبِيل بن سعد الرَّاوِي عَن عويم، قَالَ ابْن أبي ذِئْب: كَانَ مُتَّهمًا. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ ذكره فِي «الثِّقَات» . الحَدِيث الثَّالِث: عَن (عتبَة) بن أبي حَكِيم حَدثنِي طَلْحَة بن نَافِع، أَخْبرنِي (أَبُو) أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَجَابِر بن عبد الله وَأنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهم «أَن هَذِه الْآيَة نزلت (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين) قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا معشر الْأَنْصَار، قد أَثْنَى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 عَلَيْكُم فِي الطّهُور، فَمَا طهوركم؟» قَالُوا: نَتَوَضَّأ للصَّلَاة، ونغتسل من الْجَنَابَة، ونستنجي بِالْمَاءِ. قَالَ: فَهُوَ ذَاك، فعليكموه» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» بالسند الْمَذْكُور، وَلَفظه: «يَا معشر الْأَنْصَار، إِن الله قد أَثْنَى عَلَيْكُم خيرا فِي الطّهُور؛ فَمَا طهوركم هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - 1242) ، نَتَوَضَّأ للصَّلَاة، ونغتسل من الْجَنَابَة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل مَعَ ذَلِك غَيره؟ قَالُوا: لَا، غير أَن أَحَدنَا إِذا خرج من الْغَائِط أحب أَن يستنجي بِالْمَاءِ. قَالَ: هُوَ ذَاك» . وَعتبَة بن أبي حَكِيم مُخْتَلف فِي توثيقه، ضعفه ابْن معِين (فِي أحد قوليه، وَلينه أَحْمد وَضَعفه) النَّسَائِيّ فَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَفِي «الْمُغنِي» للذهبي عَنهُ أَنه قَالَ فِي حَقه: لَا بَأْس بِهِ. وَلم ينْقل هَذَا فِي «مِيزَانه» وَإِنَّمَا نقل عَنهُ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمين، وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 السَّعْدِيّ: غير مَحْمُود فِي الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْوتر: غير قوي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَلم يبين من ضعفه سَبَب ضعفه، وَالْجرْح لَا يُقبل إِلَّا مُفَسرًا. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن الْجُمْهُور توثيقه، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا حَدِيث كَبِير صَحِيح فِي كتاب الطَّهَارَة؛ فَإِن مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شَابُور - يَعْنِي: الَّذِي رَوَاهُ عَن عتبَة (وَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة - وَعتبَة) بن أبي حَكِيم من أَئِمَّة الشَّام، والشيخان إِنَّمَا أخذا (مخ) الرِّوَايَات، وَمثل هَذَا الحَدِيث لَا يتْرك لَهُ، قَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب: مُحَمَّد بن شُعَيْب أعرف النَّاس بِحَدِيث الشاميين. قَالَ الْحَاكِم: وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح. فَذكر حَدِيث عويم الَّذِي قدمْنَاهُ، وَذكره ابْن السكن أَيْضا فِي «صحاحه» . الحَدِيث الرَّابِع: عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما نزلت (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين) بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى عويم بن سَاعِدَة فَقَالَ: مَا هَذَا (الطُّهْر) الَّذِي أَثْنَى الله عَلَيْكُم بِهِ؟ فَقَالَ: يَا نَبِي الله، مَا خرج منا رجل وَلَا امْرَأَة من الْغَائِط إِلَّا غسل دبره - أَو قَالَ: مقعدته - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَفِي هَذَا» . رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» بِهَذَا اللَّفْظ ثمَّ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قلت: فِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق وعنعنه، لَكِن قَالَ الْحَاكِم: لَهُ شَاهد من حَدِيث أبي أَيُّوب. فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ قَالَ: «قَالُوا: يَا رَسُول الله، من هَؤُلَاءِ الَّذين قيل فيهم: (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين (؟ قَالَ: كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ وَكَانُوا لَا ينامون اللَّيْل كُله» . الحَدِيث الْخَامِس: عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام قَالَ: «لما قدم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - علينا - يَعْنِي: قبَاء - قَالَ: إِن الله قد أَثْنَى عَلَيْكُم فِي الطّهُور خيرا؛ أَفلا تخبروني؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّا نجد مَكْتُوبًا علينا فِي التَّوْرَاة: الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ» . رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأحمد فِي (مسنديهما) عَن يَحْيَى بن آدم، ثَنَا مَالك بن مغول، سَمِعت سيارًا أَبَا الحكم غير مرّة يحدث عَن شهر بن حَوْشَب، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» بِهِ عَن سعيد بن عبدويه الصفار، نَا أَبُو همام، نَا عَنْبَسَة بن عبد الْوَاحِد، عَن مَالك بن مغول، عَن سيار أبي الحكم، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام قَالَ: «لما قدم علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَدِينَة قَالَ: إِن الله - عَزَّ وجَلَّ - قد أَثْنَى عَلَيْكُم فِي الطّهُور، أَفلا تخبروني؟ قَالُوا: نجده مَكْتُوبًا عندنَا فِي التَّوْرَاة: الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَرَوَاهُ بَعضهم عَن عبد الله بن سَلام،، عَن أَبِيه، وَذكر أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك وَاضحا، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَهُوَ مُخْتَلف فِي إِسْنَاده، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول: الصَّحِيح عندنَا: مُحَمَّد بن [عبد الله بن] سَلام فَقَط، لَيْسَ فِيهِ: عَن أَبِيه. قلت: وَكَذَا أخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» وَقَالَ أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» : وهم فِي هَذَا الحَدِيث جَعْفَر بن عبد الله السالمي؛ فَرَوَاهُ عَن الرّبيع بن بدر، عَن رَاشد الْحمانِي عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بن سلول قَالَ: «أَتَانَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار، إِن الله قد أحسن عَلَيْكُم الثَّنَاء فِي الطّهُور فَكيف تَصْنَعُونَ؟ ... » فَذكر الحَدِيث وَصَوَابه مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف لعبد الله بن أبي بن سلول ابْن اسْمه مُحَمَّد. قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث شهر بن حَوْشَب، عَن أبي أُمَامَة، فَهَذَا طَرِيق سادس، وإمامنا الشَّافِعِي ذكره فِي (الْأُم) بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَيُقَال: إِن قوما من الْأَنْصَار استنجوا بِالْمَاءِ، فَنزلت فيهم (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 تَنْبِيه: اعْلَم أَن الشَّيْخ محيى الدَّين النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» عِنْد قَول الشَّيْخ أبي إِسْحَاق «وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر؛ لِأَن الله - تَعَالَى - أَثْنَى عَلَى أهل قبَاء، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين) فَسَأَلَهُمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا طهوركم؟ فَقَالُوا: نتبع الْحِجَارَة المَاء» : هَكَذَا يَقُوله أَصْحَابنَا وَغَيرهم فِي كتب الْفِقْه وَالتَّفْسِير. قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ أصل فِي كتب الحَدِيث. قَالَ: وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي «التَّعْلِيق» : إِن أَصْحَابنَا رَوَوْهُ. قَالَ: و (لَا) أعرفهُ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمَعْرُوف من طرق الحَدِيث أَنهم كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنهم كَانُوا يجمعُونَ بَين المَاء والأحجار، ثمَّ ذكر من الْأَحَادِيث الَّتِي قدمناها حَدِيث أبي هُرَيْرَة وعويم وَأبي أَيُّوب، ثمَّ قَالَ: فَإِذا علم أَنه لَيْسَ (لَهُ أصل) من جِهَة الرِّوَايَة فَيمكن تَصْحِيحه من جِهَة الاستنباط؛ لِأَن الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم وَأما الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ فَهُوَ الَّذِي انفردوا بِهِ وَلِهَذَا ذكر، وَلم يذكر الْحجر؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرك بَينهم وَبَين غَيرهم، ولكونه مَعْلُوما؛ فَإِن الْمَقْصُود بَيَان فَضلهمْ الَّذِي أَثْنَى الله عَلَيْهِم بِسَبَبِهِ. قَالَ: يُؤَيّد هَذَا قَوْلهم: «إِذا خرج أَحَدنَا من الْغَائِط (أحب) أَن يستنجي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 بِالْمَاءِ» فَهَذَا يدل عَلَى أَن استنجاءهم بالماءكان بعد خُرُوجهمْ من الْخَلَاء، وَالْعَادَة جَارِيَة بِأَنَّهُ لَا يخرج من الْخَلَاء إِلَّا بعد (الْمسْح) بِمَاء أَو حجر، وَهَكَذَا يسْتَحبّ أَن يستنجى بِالْحجرِ فِي مَوضِع قَضَاء الْحَاجة وَيُؤَخر المَاء إِلَى أَن ينْتَقل إِلَى مَوضِع آخر. هَذَا آخر كَلَام النَّوَوِيّ. وَكَذَا قَالَ فِي غَيره من كتبه أَن الَّذِي اشْتهر فِي كتب الْفِقْه وَالتَّفْسِير من جمع أهل قبَاء بَين المَاء والأحجار بَاطِل لَا يُعرف. (وَتَبعهُ) الشَّيْخ نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» فَقَالَ: لَا يُوجد هَذَا فِي كتب الحَدِيث. وَقد تيَسّر - بِحَمْد الله وَمِنْه - إِخْرَاج الطَّرِيقَة الَّتِي أنكرها، وَادَّعَى عدم أصالتها فِي كتب الحَدِيث وَأَنَّهَا لَا (تلقى) فِي كتب الْفِقْه وَالتَّفْسِير، وَلَعَلَّه قلد فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبَا حَامِد فِي قولته الْمُتَقَدّمَة، لَكِن أَبُو حَامِد لم ينف وجوده، وَإِنَّمَا نَفَى مَعْرفَته، وَلَا يلْزم من نفي الْمعرفَة نفي الْوُجُود، وَقَرِيب مِمَّا ذكره النَّوَوِيّ قَول الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي «شَرحه للتّنْبِيه» : كَذَا رَوَاهُ الْفُقَهَاء، وَالْمَشْهُور فِي كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة خِلَافه. و (قد) قدمناها (نَحن لَك) فِي أول مَا ذكر الرَّافِعِيّ ذَلِك عَن «مُسْند الْبَزَّار» تَصْرِيحًا لَا يحْتَمل تأولاً، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 هُوَ أول مُفِيد لذَلِك (فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي كتاب «الإِمَام» الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي بَابه، وَالنَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْذُور فِي ذَلِك) فَإِنَّهَا طَريقَة غَرِيبَة عزيزة فِي خبايا وزوايا، فَافْهَم مَا أوضحناه لَك؛ فَإِنَّهُ مُهِمّ عَظِيم، لَو طعنت فِيهِ أكباد الْإِبِل لَكَانَ قَلِيلا. فَائِدَة: قبَاء الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث فِيهَا سِتّ لُغَات: التَّذْكِير والتأنيث، وَالْمدّ وَالْقصر، وَالصرْف وَعَدَمه، وَالأَصَح الْأَشْهر: مده وَصَرفه وتذكيره، وَمِمَّنْ حَكَى هَذِه اللُّغَات وأرجحيتها الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» (وَالنَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» ) وَهِي قَرْيَة عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة، وَقيل: أَصْلهَا اسْم بِئْر هُنَاكَ يُسمى: بِئْر (أريس) وَهِي (الَّتِي) وَقع فِيهَا خَاتم سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (من يَد عُثْمَان، وَثَبت فِي «الصَّحِيح» «أَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كَانَ يزور قبَاء كل سبت رَاكِبًا وماشيًا» هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب؛ فَالله الْمُوفق للصَّوَاب. وَأما آثاره فَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: سَبَب الْمَنْع فِي تَحْرِيم الِاسْتِقْبَال والاستدبار فِي الصَّحرَاء مَا ذكره الْأَصْحَاب: أَن الصَّحرَاء لَا تَخْلُو من مصلٍ من ملك أَو جني أَو إنسي؛ فَرُبمَا يَقع بَصَره عَلَى عَوْرَته، فَأَما فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 الْأَبْنِيَة والحشوش فَلَا يحضرها إِلَّا الشَّيَاطِين، وَمن يُصَلِّي يكون خَارِجا مِنْهَا فيحول الْبناء بَينه وَبَين الْمُصَلِّي، وَلَيْسَ السَّبَب مُجَرّد احترام الْكَعْبَة. وَقد نقل مَا (ذَكرُوهُ) عَن الشّعبِيّ. قلت: هُوَ كَذَلِك، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار، ثَنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، نَا مُوسَى بن دَاوُد، نَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن عِيسَى بن أبي عِيسَى قَالَ: قلت لِلشَّعْبِيِّ: «عجبت لقَوْل أبي هُرَيْرَة وَنَافِع عَن ابْن عمر. قَالَ: وَمَا قَالَا؟ قلت: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «لَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها» وَقَالَ نَافِع عَن ابْن عمر: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذهب مذهبا مواجه الْقبْلَة» فَقَالَ: أما قَول أبي هُرَيْرَة فَفِي الصَّحرَاء، إِن لله خلقا من عباده يصلونَ فِي الصَّحرَاء؛ فَلَا تستقبلوهم وَلَا تستدبروهم، وَأما بُيُوتكُمْ هَذِه الَّتِي تتخذونها للنتن؛ فَإِنَّهُ لَا قبْلَة لَهَا» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عِيسَى بن أبي عِيسَى الحناط، [وَهُوَ عِيسَى بن ميسرَة] وَهُوَ ضَعِيف. وَقد تقدم أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي عِيسَى فِي هَذَا الْبَاب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل مَا ذَكرُوهُ عَن ابْن عمر أَيْضا. قلت: لَا أعلم من (خرجه) عَنهُ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا التَّعْلِيل الَّذِي قَالُوهُ ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ لَو قعد قَرِيبا من حَائِط واستقبله ووراءه فضاء وَاسع جَازَ بِلَا شكّ، كَمَا صرح بِهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر «أَنه أَنَاخَ رَاحِلَته مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ جلس يتبول إِلَيْهَا، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّمَا نهي عَن ذَلِك فِي الفضاء، فَإِذا كَانَ بَيْنك وَبَين الْقبْلَة شَيْء يسترك فَلَا بَأْس بِهِ» . وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَفعل ابْن عمر هَذَا يبطل التَّعْلِيل الْمَذْكُور؛ فَإِنَّهُ لَو كَانَ صَحِيحا لم يجز فِي هَذِه الصُّورَة، فَإِنَّهُ مستدبر الفضاء الَّذِي فِيهِ المصلون. قَالَ: وَالتَّعْلِيل الصَّحِيح الَّذِي اعْتمد القَاضِي حُسَيْن وَالْبَغوِيّ (وَغَيرهمَا) أَن جِهَة الْقبْلَة معظمة؛ فَوَجَبَ صيانتها فِي الصَّحرَاء (وَرخّص فِيهَا فِي الْبناء) للْمَشَقَّة. وَمِمَّا بَقِي من هَذَا الْبَاب مَا قد يُقَال: يجب علينا عزوه. وَهُوَ مَا نَقله الإِمَام الرَّافِعِيّ فِيمَا إِذا انْتَشَر الْخَارِج أَكثر من الْقدر الْمُعْتَاد وَلم يُجَاوز الأليتين، فَفِي جَوَاز الِاقْتِصَار فِيهِ عَلَى الْأَحْجَار قَولَانِ: أظهرهمَا الْجَوَاز، وَاحْتج الشَّافِعِي لَهُ بِأَن قَالَ: لم يزل فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِلَى الْيَوْم رقة الْبُطُون، وَكَانَ أَكثر أقواتهم التَّمْر، وَهُوَ مِمَّا يرقق الْبَطن، وَمن رق بَطْنه انْتَشَر الْخَارِج مِنْهُ عَن الْموضع وَمَا حواليه، وَمَعَ ذَلِك أمروا بالاستجمار. انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَقَالَ فِيهِ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِنَّه صَحِيح مَشْهُور. وَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ أَيْضا عقب الْكَلَام عَلَى النَّهْي عَن الْبَوْل فِي المَاء الراكد وإيراده الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِيهِ: وَقيل: إِنَّه لِئَلَّا (يجن) فَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب حِينَئِذٍ تَحَرُّزًا مِنْهُم. وَهَذَا الْمَذْكُور لَا أعلم من رَوَاهُ حَدِيثا وَلَا أثرا وَلَا خَبرا، نعم فِي «كَامِل ابْن عدي» من حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا: «لَا يدْخل أحدكُم المَاء إِلَّا بمئزر؛ فَإِن للْمَاء عَامِرًا» . قَالَ ابْن عدي: فِيهِ يَحْيَى بن سعيد التَّمِيمِي الْمدنِي، مُنكر الحَدِيث ضَعِيف، وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ ذَلِك ثِقَة جليل. وَفِي «الْمُسْتَدْرك» (عَن أبي الْعَبَّاس - هُوَ الْأَصَم -) ، ثَنَا الدوري، نَا الْهَمدَانِي، نَا زُهَيْر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يدْخل المَاء إِلَّا بمئزر» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم (وَلم يخرجَاهُ) . وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث عَلّي بن زيد، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن مُوسَى بن عمرَان كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يدْخل المَاء لم يلق ثَوْبه حَتَّى يواري عَوْرَته فِي المَاء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 وَحَكَى أَحْمد عَن الْحسن وَالْحُسَيْن: «وَقد قيل لَهما، وَقد دخلا المَاء وَعَلَيْهِمَا بردَان، فَقَالَا: إِن للْمَاء سكانًا» . خَاتِمَة لَا يَنْبَغِي إهمالها وَهِي: مَا يُقَال عِنْد دُخُول الْخَلَاء وَالْخُرُوج مِنْهُ، وَالْعجب أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ أهمل (ذَلِك) وَذكره الشَّيْخ فِي «التَّنْبِيه» نعم ذكره فِي «الشَّرْح الصَّغِير» و «الْمُحَرر» وَقد ورد فِي ذَلِك عدَّة أَحَادِيث: (أَحدهَا) عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا دخل الْخَلَاء قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث» . رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ تَعْلِيقا: «إِذا أَرَادَ أَن يدْخل ... » وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث» وَفِي رِوَايَة لسَعِيد بن مَنْصُور وَأبي حَاتِم وَابْن السكن فِي «صحاحه» : «بِسم الله، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث» . والخُبُث - بِضَم الْخَاء وَالْبَاء وَيجوز إسكانها - جمع خَبِيث، والخبائث جمع خبيثة، وَكَأَنَّهُ استعاذ من ذكران الشَّيَاطِين وإناثهم، وَغلط الْخطابِيّ من (أجَاز إسكان) الْبَاء فِي الْخبث، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن فُعُلا - بِضَم الْفَاء وَالْعين - يسكن عينه قِيَاسا، فَلَعَلَّ من سكنها جوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 ذَلِك، (لَا جرم أَن) أَبَا الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ قَالَ: رَوَيْنَاهُ بِالضَّمِّ والإسكان. الحَدِيث الثَّانِي: عَن زيد بن أَرقم رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن هَذِه الحشوش محتضرة؛ فَإِذا أَتَى أحدكُم الْخَلَاء فَلْيقل: أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث» . رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فِي إسناه اضْطِرَاب، وَسَأَلَ البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: لَعَلَّ قَتَادَة (سَمعه) من الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ وَالنضْر بن أنس، عَن أنس وَلم يقْض فِي (هَذَا) بِشَيْء. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار: اخْتلفُوا فِي إِسْنَاده. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: (هَذَا الحَدِيث) اخْتلفُوا فِي إِسْنَاده. وَقَالَ عبد الْحق: اخْتلف فِي إِسْنَاده، وَالَّذِي أسْندهُ ثِقَة. قلت: فِي هَذِه الْعبارَة نظر؛ لِأَنَّهُ لم يرم بِالْإِرْسَال حَتَّى يكون الحكم لمن أسْندهُ، إِنَّمَا رمي بِالِاضْطِرَابِ عَن قَتَادَة، وَقد صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم؛ فَإِنَّهُمَا أَخْرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَلَفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 ابْن حبَان كَلَفْظِ أَحْمد: «فَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يدْخل ... » الحَدِيث، وَكَذَا أخرجه أَحْمد، قَالَ ابْن حبَان: وَهَذَا حَدِيث مَشْهُور عَن شُعْبَة وَسَعِيد جَمِيعًا، وَهُوَ مِمَّا تفرد بِهِ قَتَادَة. ثمَّ أخرجه من طَرِيق آخر، وَلَفظه: «فَإِذا دَخلهَا أحدكُم فَلْيقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك ... » الحَدِيث، وَلَفظ الْحَاكِم من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر [بن] أنس: «إِن هَذِه الحشوش محتضرة؛ فَإِذا أحدكُم دخل الْغَائِط فَلْيقل: أعوذ بِاللَّه من الرجس النَّجس من الشَّيْطَان الرَّجِيم» . قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج مُسلم بِحَدِيث لِقَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس [عَن زيد بن أَرقم] وَاحْتج البُخَارِيّ بِعَمْرو بن مَرْزُوق، وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِيهِ (عَلَى) قَتَادَة، رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ، عَن زيد بن أَرقم - رَفعه -: «إِن هَذِه الحشوش محتضرة؛ فَإِذا أحدكُم دَخلهَا فَلْيقل: أعوذ بك من الْخبث والخبائث» ثمَّ قَالَ: كلا الإسنادين من شَرط الصَّحِيح، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ. الحَدِيث الثَّالِث: عَن أبي (أُمَامَة) رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 يعجز أحدكُم إِذا دخل مرفقه (أَن يَقُول) : اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الرجس النَّجس الْخَبيث المخبث الشَّيْطَان الرَّجِيم» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث (عبيد الله) بن زحر الأفريقي - وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ وَله مَنَاكِير، ضعفه أَحْمد، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ - عَن عَلّي بن يزِيد - وَهُوَ الْأَلْهَانِي وَقد ضعفه جمَاعَة - عَن الْقَاسِم (بن) عبد الرَّحْمَن، عَن أبي أُمَامَة. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن الْحسن «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا أَرَادَ دُخُول الْخَلَاء قَالَ: ... » فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : والرجس - بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْجِيم - وَالنَّجس - بِكَسْر النُّون وَإِسْكَان الْجِيم - إتباعًا للرجس. الحَدِيث الرَّابِع: عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ستر مَا بَين أعين الْجِنّ وعورات بني آدم إِذا دخل الكنيف أَن يَقُول: بِسم الله» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الحَدِيث الْخَامِس: عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا خرج من الْغَائِط قَالَ: غفرانك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَالنَّسَائِيّ فِي «الْيَوْم وَاللَّيْلَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن [غَرِيب] . قلت: وصحيح؛ فقد صَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَلَفظ إِحْدَى روايتيه: «كَانَ إِذا قَامَ من الْغَائِط» بدل: «إِذا خرج» (زَاد) ابْن خُزَيْمَة «غفرانك رَبنَا وَإِلَيْك الْمصير» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه [الزِّيَادَة] لم أَجدهَا إِلَّا فِي رِوَايَته وَهُوَ إِمَام [وَقد رَأَيْته] فِي نُسْخَة قديمَة من كِتَابه وَلم أجد هَذِه الزِّيَادَة، ثمَّ ألحقت فِي الْحَاشِيَة بِخَط آخر، فالأشبه أَن تكون مُلْحقَة بكتابه من غير علمه. قَالَ: وَقد أخبرنَا الصَّابُونِي، عَن مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 بن خُزَيْمَة، نَا جدي ... فَذكره بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة. وَقَالَ: فصح بذلك بطلَان هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث. قلت: وَلم أرها أَنا أَيْضا فِي نُسْخَة أَصْلِيَّة مِنْهُ، فتأيد مَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيّ - بعد إِخْرَاجه هَذَا الحَدِيث وَحكمه عَلَيْهِ بالْحسنِ والغرابة -: لَا نَعْرِف فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا حَدِيث عَائِشَة. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «مُخْتَصر السّنَن» : وَفِي الْبَاب حَدِيث أبي ذَر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا خرج من الْخَلَاء قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي (أذهب) عني الْأَذَى وعافاني» . قلت: أخرجه النَّسَائِيّ فِي «عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة» من حَدِيث أبي الْفَيْض عَنهُ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقد قيل إِن أَبَا الْفَيْض لم يدْرك أَبَا ذَر. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَقَالَ: (وَقفه) عَلَى أبي ذَر أصح. كَمَا سَيَأْتِي، وَحَدِيث أنس بن مَالك عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله، وَفِي لفظ: «الْحَمد لله الَّذِي أحسن (إليَّ فِي) أَوله وَآخره» - وَفِي اللَّفْظ (الأول) : أخرجه ابْن مَاجَه - وَحَدِيث عبد الله بن عمر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي: كَانَ إِذا خرج - قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أذاقني لذته وَأَبْقَى مِنْهُ قوته، وأذهب عني أَذَاهُ» قَالَ: غير أَن هَذِه الْأَحَادِيث أسانيدها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 ضَعِيفَة، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: أصح مَا فِيهِ حَدِيث عَائِشَة. قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا مِمَّا لم (يذكر) حديثان: أَحدهمَا: حَدِيث طَاوس، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث زَمعَة بن صَالح، عَن سَلمَة بن (وهرام) قَالَ: سَمِعت طاوسًا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أَتَى أحدكُم البرَاز فَليُكرم قبْلَة الله؛ فَلَا تستقبلوها وَلَا تستدبروها، ثمَّ ليستطب بِثَلَاثَة أَحْجَار، أَو ثَلَاثَة أَعْوَاد، أَو ثَلَاثَة حثيات من تُرَاب، ثمَّ ليقل: الْحَمد لله الَّذِي أخرج عني مَا يُؤْذِينِي، وَأمْسك عَلّي مَا يَنْفَعنِي» ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر بِذكر ابْن عَبَّاس فِيهِ (فَقَالَ: ثَنَا عبد الْبَاقِي) بن قَانِع، نَا أَحْمد بن الْحسن المضري، [أَنا أَبُو عَاصِم] أَنا زَمعَة بن صَالح، عَن سَلمَة بن وهرام، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «إِذا قَضَى أحدكُم حَاجته فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار، أَو ثَلَاثَة أَعُود، أَو ثَلَاث حثيات من تُرَاب» . قَالَ زَمعَة: فَحدثت بِهِ ابْن طَاوس فَقَالَ: أَخْبرنِي [أبي] عَن ابْن عَبَّاس بِهَذَا سَوَاء. زَمعَة أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا، وَضَعفه أَحْمد وَابْن معِين وَقَالَ مرّة: صُوَيْلِح الحَدِيث. وَسَلَمَة بن وهرام أَكْثَرهم يوثقه، قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 ابْن الْقطَّان: وَثَّقَهُ ابْن معِين وَضَعفه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير المضري، وَهُوَ كَذَّاب، وَغَيره يرويهِ عَن طَاوس مُرْسلا لَيْسَ فِيهِ ابْن عَبَّاس، وَقد رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن سَلمَة، عَن طَاوس قَوْله. الحَدِيث الثَّانِي: عَن سُهَيْل بن أبي حثْمَة وَأبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه كَانَ إِذا خرج من الْغَائِط يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني» . ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هُوَ مَحْفُوظ. قَالَ: وَرَوَاهُ مَنْصُور عَن رجل - يُقَال لَهُ: الْفَيْض - عَن أبي حثْمَة، عَن أبي ذَر مَوْقُوفا، وَهُوَ أصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 بِسم [1] الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة، وهيئ لنا من أمرنَا رشدا (. بَاب الْأَحْدَاث ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث، فَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن أنس - رَضي اللهُ عَنهُ -: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - احْتجم وَصَلى وَلم يتَوَضَّأ، وَلم يزدْ عَلَى غسل محاجمه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدارقطني فِي «سنَنه» : عَن أبي سهل بن زِيَاد، ثَنَا صَالح بن مقَاتل (ثَنَا أبي) ثَنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد أَبُو أَيُّوب، عَن حميد، عَن أنس مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: فَصَلى - «بِالْفَاءِ» ، بدل «الْوَاو» . وَلم يعقبه بتصحيح وَلَا تَضْعِيف. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : لما عقد الْخلاف بَيْننَا وَبَين أبي حنيفَة فِي نقض الْخَارِج بذلك؛ رَوَى عَن أنس بن مَالك صَرِيحًا - إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 صَحَّ الطَّرِيق فِيهِ إِلَى حميد. ثمَّ سَاقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ الْمَذْكُورَة وَلَفظه. ثمَّ قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو عبد الله الْحَاكِم قَالَ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَن صَالح بن مقَاتل بن صَالح، فَقَالَ: يحدث عَن أَبِيه، لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وأجمل فِي «سنَنه» القَوْل بتضعيفه، فَقَالَ: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضعف. وَلم يبين سَببه. وَقَالَ فِي بَاب الْغسْل من غسل الْمَيِّت من «سنَنه» : صَالح بن مقَاتل بن صَالح، يروي الْمَنَاكِير. قلت: وَسليمَان بن دَاوُد مَجْهُول، ووالد صَالح لَا يعرف. وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» بعد أَن أخرجه من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة: إِسْنَاده حسن. وَأغْرب من هَذَا قَول ابْن الْعَرَبِيّ فِي «خلافياته» أَن الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ بِإِسْنَاد صَحِيح. وَمِمَّنْ ضعفه من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وضعفوه. وَلَعَلَّه أَرَادَ تَضْعِيف الدَّارَقُطْنِيّ فِي غير «سنَنه» . (أَو) أَرَادَ كَلَامه فِي صَالح، كَمَا نَقله الْحَاكِم فِيمَا أسلفناه عَنهُ، وَذكره فِي «خلاصته» فِي فصل (الضَّعِيف) ثمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ فِي نقض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 الْوضُوء بالقيء وَالدَّم والضحك فِي الصَّلَاة، وَلَا عدم ذَلِك حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن (الحصَّار) فِي كِتَابه «تقريب المدارك» : لَا يَصح فِي الْوضُوء من الدَّم شَيْء إِلَّا وضوء الْمُسْتَحَاضَة. وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى (أَن) الْحجامَة لَا تنقض الطَّهَارَة، وَقد عرفت حَاله، ثمَّ قَالَ: وَرَوَى مثل مَذْهَبنَا؛ أَي: فِي أَن الفصد والحجامة وكل خَارج من غير السَّبِيلَيْنِ لَا ينْقض الطَّهَارَة عَن: (عبد الله بن عمر) وَابْن عَبَّاس، وَابْن أبي أَوْفَى، وَأبي هُرَيْرَة (وَجَابِر بن عبد الله) وَعَائِشَة رَضي اللهُ عَنهم، وَزَاد النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : سعيد بن الْمسيب، وَسَالم بن عبد الله بن عمر، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وطاوسًا، وَعَطَاء، ومكحولاً، وَرَبِيعَة، ومالكًا، و (أَبَا) ثَوْر، وَدَاوُد. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: وَهُوَ قَول أَكثر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَبسط الْبَيْهَقِيّ دَلَائِل الْمَسْأَلَة فِي «خلافياته» فِي عدَّة أوراق بأسانيده عَلَى عَادَته، وَرَوَى فِيهَا وَفِي «سنَنه» من حَدِيث عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 كَانَ إِذا احْتجم غسل محاجمه» . (وَفِي البُخَارِيّ: وَقَالَ ابْن عمر وَالْحسن فِيمَن يحتجم: «لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غسل محاجمه» ) . وأسنده ابْن أبي شيبَة عَن (عمر) بِلَفْظ: «كَانَ إِذا احْتجم (غسل أثر) محاجمه» . وَكَذَا أسْندهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم عَن بعض أَصْحَابهم، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه كَانَ إِذا احْتجم غسل أثر المحاجم» . وَفِي (الْمُحَلَّى) لِابْنِ حزم: مَسحه بحصاة فَقَط. وَاحْتج الشَّافِعِي رَضي اللهُ عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة؛ بِأَن ابْن عمر عصر بثرة بِوَجْهِهِ فَخرج مِنْهَا دم فدلكه بَين أصبعيه، ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يغسل يَده. وَلقَوْل ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ: «اغسل أثر المحاجم عَنْك وحسبك» . و (بِأَن ابْن) الْمسيب: «رعف فَمسح أَنفه بِخرقَة ثمَّ صَلَّى» . وَبِأَن الْقَاسِم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى المحتجم وضوء» . وسَاق الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ذَلِك خلا قَول أبي الْقَاسِم بأسانيده؛ ثمَّ رَوَى عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 ابْن مَسْعُود، وَسَالم بن عبد الله، وَطَاوُس «ترك الْوضُوء من الدَّم» . زَاد فِي «سنَنه» : الْحسن؛ وَذكر قَول الْقَاسِم أَيْضا ثمَّ قَالَ: وَاسْتدلَّ أَصْحَابهم بِأَحَادِيث سقيمة رُويَتْ بأسانيد واهية فَذكرهَا وبيَّن عللها. وَذكر فِي «سنَنه» عَن معَاذ أَنه قَالَ: «لَيْسَ الْوضُوء من الرعاف والقيء ... » إِلَى آخِره. ثمَّ قَالَ: فِيهِ مطرِّف بن (مَازِن) وَقد تكلمُوا فِيهِ. الحَدِيث الثَّانِي عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الضحك ينْقض الصَّلَاة وَلَا ينْقض الْوضُوء» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي شيبَة، عَن يزِيد أبي خَالِد، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء. ثمَّ قَالَ: خَالفه إِسْحَاق بن بهْلُول، عَن أَبِيه فِي لَفظه؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 فَرَوَاهُ عَن أبي شيبَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور (لَكِن) بِلَفْظ: «الْكَلَام ينْقض الصَّلَاة وَلَا ينْقض الْوضُوء» . وَرُوِيَ مثل ذَلِك من حَدِيث مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان، عَن أَبِيه، عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر رَفعه: «من ضحك مِنْكُم فِي صلَاته فَليَتَوَضَّأ ثمَّ ليعد الصَّلَاة» . ثمَّ قَالَ: (قَالَ) لنا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: هَذَا مُنكر، وَالصَّحِيح عَن جَابر خِلَافه. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَيزِيد بن سِنَان ضَعِيف جدًّا وَابْنه ضَعِيف أَيْضا، وَقد وهم فِي هَذَا الحَدِيث فِي موضِعين فِي رَفعه، وَلَفظه وَالصَّحِيح عَن الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر، من قَوْله: «من ضحك فِي الصَّلَاة أعَاد الصَّلَاة، وَلم يعد الْوضُوء» . كَذَلِك رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش جمَاعَة من الرفعاء الثِّقَات، مِنْهُم: سُفْيَان الثَّوْريّ، ووكيع، وجماعات عَددهمْ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَة، وَابْن جريج، عَن يزِيد أبي خَالِد، عَن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 سُفْيَان، عَن جَابر، ثمَّ بسط ذَلِك. وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من طَرِيق الْأَعْمَش قَالَ، عَن الْحَاكِم: تفرد بِهِ يزِيد بن سِنَان أَبُو فَرْوَة الْكَبِير عَنهُ وَغَيره أوثق عندنَا مِنْهُ، وَكلهمْ ثِقَات إِلَّا هَذَا الْوَاحِد من بَينهم. (قَالَ) : وَقد خُولِفَ يزِيد فِي مَتنه. قَالَ: وَله شَاهد عَن يزِيد أبي خَالِد، عَن أبي سُفْيَان مُسْندًا إِن سلم الطَّرِيق إِلَيْهِ، ثمَّ أسْندهُ عَن جَابر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَاضِي: «الْكَلَام ينْقض الصَّلَاة وَلَا ينْقض الْوضُوء» . قَالَ: وَرُوِيَ «الضحك» بدل «الْكَلَام» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِبْرَاهِيم بن عُثْمَان فِي هَذَا الطَّرِيق (وَالَّذِي قبله) هُوَ (أَبُو شيبَة الْعَبْسِي) جد (أبي بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة) غمزه شُعْبَة، وَيَحْيَى بن معِين. قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن يزِيد أبي خَالِد من قَول جَابر (مَوْقُوفا) بِلَفْظ: «فِي الضحك وضوء» . قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ ابْن جريج. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر صَحِيح عَن جَابر ... فَذكره من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حبيب الْمعلم، عَن عَطاء، عَن جَابر قَالَ: «كَانَ لَا يرَى عَلَى الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 يضْحك فِي الصَّلَاة وضُوءًا» . قلت: وَأخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» (عَنهُ) مُعَلّقا بِصِيغَة جزم، وَلَفظه: وَقَالَ جَابر: «إِذا ضحك فِي الصَّلَاة أعَاد الصَّلَاة وَلم يعد الْوضُوء» وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» : إِن رفع هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَوَقفه هُوَ الصَّحِيح. وَمَا (نَقَلْنَاهُ) فِيمَا سلف من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَضْعِيف يزِيد بن سِنَان، نَقله الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «خلافياته» عَنهُ، وَنقل قبله بأسطر عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِي مدخله: إِنَّه ثِقَة. قَالَ: وَكَذَا ابْنه يزِيد بن مُحَمَّد، وَإِنَّمَا جده يزِيد بن سِنَان، يروي الْمَنَاكِير الْكثير. فتلخص من كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة ضعف رفع هَذَا الحَدِيث (و) صِحَة وَقفه. وَكَذَا نَص عَلَى ذَلِك من الْمُتَأَخِّرين الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي (تَحْقِيقه) هَذَا الحَدِيث: احْتج بِهِ أَصْحَابنَا. وَقد اخْتلف بِهِ عَن (أبي شيبَة) ، لكنه غلط فِي اسْم أبي شيبَة فِيمَا يظْهر فَقَالَ: إِن اسْمه عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَهُوَ ضَعِيف، كَمَا قَالَه يَحْيَى، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء، فَذكر الحَدِيث. انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وَأَبُو شيبَة هَذَا إِنَّمَا هُوَ إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان، كَمَا نَص عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِيمَا مَضَى. وَقد غمزه غير وَاحِد كَمَا سلف، وَذَاكَ آخر، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْكتاب الْمَذْكُور عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي الضحك حَدِيث صَحِيح. قَالَ ذَلِك عَنهُ بعد أَن قَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا من سَبْعَة أوجه ومرسلاً من وُجُوه «الضحك فِي الصَّلَاة ينْقض الْوضُوء وَالصَّلَاة» ثمَّ ذكرهَا يعللها. وَقَالَ ابْن عدي: كل رُوَاة هَذَا الحَدِيث يرجع إِلَى أبي الْعَالِيَة الريَاحي، وَمن أَجله تكلم فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِي: حَدِيث أبي الْعَالِيَة الريَاحي ريَاح. وقَالَ الذهلي: لم يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الضحك فِي الصَّلَاة خبر (كَمَا) نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» . وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن القهقهة لَا تنقض الْوضُوء، إِذا وجدت فِي الصَّلَاة، وَقد علمت حَاله. وَقد أسلفنا (أَيْضا) عَن الذهلي أَنه قَالَ: لَا يثبت فِي الضحك فِي الصَّلَاة خبر؛ وَهُوَ كَاف فِي الرَّد عَلَى الْمُخَالف. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «توضئوا من لُحُوم الْإِبِل، وَلَا توضئوا من لُحُوم الْغنم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة الْبَراء بن عَازِب رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن عبد الله بن عبد الله الرَّازِيّ، الثِّقَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَنهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْوضُوء من لُحُوم الْإِبِل فَقَالَ: توضئوا مِنْهَا. وَسُئِلَ عَن الْوضُوء من لُحُوم الْغنم فَقَالَ: لَا تتوضئوا مِنْهَا» . هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ وَأبي دَاوُد، (وَزَاد) «وَسُئِلَ عَن الصَّلَاة فِي مبارك الْإِبِل فَقَالَ: لَا تصلوا فِي مبارك الْإِبِل؛ فَإِنَّهَا من الشَّيَاطِين. وسُئِل عَن الصَّلَاة فِي مرابض الْغنم فَقَالَ: صلوا فِيهَا؛ فَإِنَّهَا بركَة» . وَأخرج ابْن مَاجَه الْقطعَة الأولَى من (روايتي) التِّرْمِذِيّ وَأبي دَاوُد، وَلَفظ ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» : «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ (أأصلي) فِي مبارك الْإِبِل؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (أفأتوضأ) من (لحومها) ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أُصَلِّي فِي مرابض الْغنم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أفأتوضأ من لحومها؟ قَالَ: لَا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَلَفظ ابْن حبَان: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره بِمثلِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «أعطان» بدل «مبارك» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «سُئِلَ عَن الْوضُوء من لُحُوم الْإِبِل فَأمر بِهِ، وَسُئِلَ عَن الصَّلَاة فِي مبارك الْإِبِل فَنَهَى عَنْهَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «سُئِلَ عَن الْوضُوء من لُحُوم الْغنم فرخّص فِي الْوضُوء مِنْهَا، وَسُئِلَ عَن الصَّلَاة فِي مرابضها فَرخص فِيهَا» . وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْوضُوء من لُحُوم الْإِبِل فَقَالَ: توضئوا مِنْهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَلغنِي عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، أَنَّهُمَا قَالَا: قد صَحَّ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، وَحَدِيث جَابر بن سَمُرَة. قَالَ: وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لم أر خلافًا بَين عُلَمَاء الحَدِيث أَن هَذَا الْخَبَر صَحِيح، من جِهَة النَّقْل (لعدالة) ناقليه، يَعْنِي: حَدِيث الْبَراء. قلت: وَهَذِه الْمقَالة رَأَيْتهَا فِي «صَحِيحه» أَعنِي: «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا: الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عبد الله بن عبد الله، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أسيد بن حضير. وَالصَّحِيح: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق قَالَ: وَرَوَى عُبَيْدَة الضَّبِّيّ، عَن عبد الله الرَّازِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن ذِي الْغرَّة - يَعْنِي: (عَن) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: وَرَوَى حَمَّاد بن سَلمَة هَذَا الحَدِيث، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة فَأَخْطَأَ فِيهِ، فَقَالَ: عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أَبِيه، عَن أسيد بن حضير. قَالَ: وَالصَّحِيح عَن عبد الله بن عبد الله، (عَن) عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء. يَعْنِي (السالف) وَكَذَا قَالَ فِي «علله» وَزَاد بِأَن ذَا الْغرَّة لَا يُدْرَى من هُوَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْحجَّاج ضَعِيف، وَذُو الْغرَّة لَا يُدْرَى من هُوَ، وَعبيدَة الضَّبِّيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَذكر ابْن أبي حَاتِم أَنه سَأَلَ أَبَاهُ عَنهُ بعد ذكر هَؤُلَاءِ الرِّوَايَات الثَّلَاث أَعنِي رِوَايَة الْبَراء، وَأسيد، وَذي الْغرَّة فَقَالَ: مَا رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن عبد الله بن (عبد الله) عَن عبد الرَّحْمَن، عَن الْبَراء مَرْفُوعا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 وَالْأَعْمَش أحفظ. وَهُوَ مُوَافق لمقالة التِّرْمِذِيّ (السَّابِقَة) . الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث جَعْفَر بن أبي ثَوْر عَنهُ «أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أأتوضأ) من لُحُوم الْغنم؟ قَالَ: إِن شِئْت فَتَوَضَّأ، وَإِن شِئْت فَلَا تتوضأ. قَالَ: أتوضأ من لُحُوم الْإِبِل؟ قَالَ: نعم؛ فَتَوَضَّأ من لُحُوم الْإِبِل. قَالَ: أأصلي فِي مرابض الْغنم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أأصلي فِي مبارك الْإِبِل؟ قَالَ: لَا» . قَالَ ابْن حبَان: جَعْفَر هَذَا هُوَ أَبُو ثَوْر بن عِكْرِمَة؛ فَمن لم يحكم صناعَة الحَدِيث توهم أَنَّهُمَا رجلَانِ مَجْهُولَانِ. وأمّا عَلّي بن الْمَدِينِيّ فَقَالَ: جَعْفَر هَذَا رجل مَجْهُول، وَقد شَفَى فِي ذَلِك الْبَيْهَقِيّ. وَصحح الحَدِيث أَيْضا مَعَ مُسلم: أَحْمد، وَإِسْحَاق - كَمَا أسلفناه عَنْهُمَا - وَابْن مَنْدَه أَيْضا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ (فِي «علله» ) : أَخطَأ شُعْبَة، فِي حَدِيث سماك، عَن جَعْفَر بن أبي ثَوْر، عَن جَابر «فِي الْوضُوء من لُحُوم الْإِبِل» فَقَالَ: (عَن) سماك عَن أبي ثَوْر. قَالَ: وجعفر بن أبي ثَوْر رجل مَشْهُور، رَوَى عَنهُ سماك وَغَيره، وَهُوَ من ولد جَابر بن سَمُرَة. الطَّرِيق الثَّالِث: من رِوَايَة ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما رَوَاهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 ابْن مَاجَه من حَدِيث بَقِيَّة، عَن خَالِد بن يزِيد بن [عمر] (بن) هُبَيْرَة الْفَزارِيّ، عَن عَطاء بن السَّائِب، قَالَ: سَمِعت محَارب بن دثار قَالَ: سَمِعت (ابْن عمر) يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «توضئوا من لُحُوم الْإِبِل، وَلَا تتوضئوا من لُحُوم الْغنم. وَتَوَضَّئُوا من ألبان الْإِبِل، ولاتتوضئوا من ألبان الْغنم. وصلوا فِي مُراح الْغنم، وَلَا تصلوا فِي معاطن الْإِبِل» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: كنت أنكر هَذَا الحَدِيث؛ لِتَفَرُّدِهِ، فَوجدت لَهُ أصلا: نَا ابْن الْمُصَفَّى، عَن بَقِيَّة، حَدثنِي فلَان - سَمَّاهُ - عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن محَارب بن دثار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، بِنَحْوِهِ. وحَدثني (عبيد الله بن سعد) الزُّهْرِيّ، حَدثنِي عمي يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي عَطاء بن السَّائِب الثَّقَفِيّ، أَنه سمع محَارب بن دثار يذكر، عَن ابْن عمر، بِنَحْوِ هَذَا وَلم (يرفعوه) . قَالَ أبي: حَدِيث ابْن إِسْحَاق أشبه مَوْقُوف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 الحَدِيث الرَّابِع عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة من حَدِيث (عَلّي) بن عَيَّاش - بالشين الْمُعْجَمَة - ثَنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ. (رَوَاهُ) كَذَلِك أَبُو دَاوُد (عَن) مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ، عَن عَلّي بِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: «غيرت» بدل «مست» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكَبِير وَالصَّغِير» عَن عَمْرو بن مَنْصُور، عَن عَلّي بِهِ بِاللَّفْظِ الأول الَّذِي ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن ابْن خُزَيْمَة إِمَام الْأَئِمَّة، عَن مُوسَى بن سهل الْمَذْكُور أَولا. وبلفظ النَّسَائِيّ، ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان عَنهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا اخْتِصَار من الحَدِيث الأول؛ يَعْنِي من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر حَيْثُ «قَرَّب للنَّبِي (خبْزًا وَلَحْمًا فَأكل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 ثمَّ دَعَا بِوضُوء فتوضَّأ (ثمَّ صَلَّى) الظّهْر، ثمَّ دَعَا بِفضل طَعَامه فَأكل ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي: حَدِيث «ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الْمَتْن؛ إِنَّمَا هُوَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أكل كَتفًا وَلم يتَوَضَّأ» كَذَا رَوَاهُ الثِّقَات، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر؛ وَيُمكن أَن يكون شُعَيْب حدث بِهِ من حفظه فَوَهم فِيهِ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِنَّمَا هُوَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه «الإِمَام» : الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد أقرب مِمَّا قَالَه أَبُو حَاتِم؛ فَإِن المتنين متباعدي اللَّفْظ (أَعنِي) قَوْله: «آخر الْأَمريْنِ» وَقَوله: «أكل كَتفًا ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ» وَلَا يجوز التَّعْبِير بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر (والانتقال) من أَحدهمَا إِلَى الآخر؛ إِنَّمَا يكون عَن غَفلَة شَدِيدَة، وَأما مَا ذكره أَبُو دَاوُد من (أَنه) اخْتِصَار من حَدِيثه الأول (فأقرب) لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون (قد) عبَّر بِهَذِهِ الْعبارَة عَن مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 قلت: وَفِي التَّعْبِير أَيْضا بذلك نظر، إِلَّا أَن تكون تِلْكَ الْحَالة آخر الْأَمر عِنْده؛ فَعبر بهَا. (ونحا) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» إِلَى مقَالَة أبي دَاوُد السالفة، فَقَالَ: هَذَا (خبر) مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل، اخْتَصَرَهُ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة مُتَوَهمًا نسخ إِيجَاب الْوضُوء (مِمَّا مسته النَّار مُطلقًا، وَإِنَّمَا هُوَ نسخ لإِيجَاب الْوضُوء) مِمَّا مست النَّار خلا لحم الْجَزُور. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه بناسخ الحَدِيث ومنسوخه» : حَدِيث جَابر هَذَا وَمَا رُوِيَ مثله كَحَدِيث مُحَمَّد بن (مسلمة) كَانَ آخر الْأَمريْنِ من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. (وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِفِعْلِهِ، وَلم يتَوَضَّأ مفصحة بالنسخ ودالة عَلَى أَن مَا عارضها مَنْسُوخ، كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: «توضئوا مِمَّا مسته النَّار» ) . وَحَدِيث عَائِشَة: «مَا ترك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْوضُوء مِمَّا مست النَّار حَتَّى قبض» . وَقَالَ (الْجوزجَاني) فِي «مَوْضُوعَاته» : حَدِيث عَائِشَة هَذَا بَاطِل، وَحَدِيث جَابر يُخَالِفهُ وَهُوَ صَحِيح. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد رُوِيَ لنا حَدِيث يدل عَلَى أَن المُرَاد (بِالْوضُوءِ) : غسل الْيَد؛ فَحِينَئِذٍ لَا يتَوَجَّه نسخ، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث النَّضر بن طَاهِر، عَن عبيد الله بن عكراش، عَن أَبِيه «أَنه أكل مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قَصْعَة من ثريد، ثمَّ أُتِي بِمَاء فَغسل يَده وفمه، وَمسح بِوَجْهِهِ وَقَالَ: يَا عِكْراش، هَذَا الْوضُوء مِمَّا مست النَّار» . رَوَاهُ ابْن شاهين، عَن هَارُون بن أَحْمد النجراني، عَن النَّضر بِهِ. قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْعَلَاء بن الْفضل، عَن عبيد الله بِهِ، وَفِيه: «فَغسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يَده) ثمَّ مسح ببلل كفيه وَجهه وذراعيه وَرَأسه، ثمَّ قَالَ: يَا عِكْراش، هَكَذَا الْوضُوء مِمَّا غيرت النَّار» . وَعبيد الله هَذَا ضَعِيف. قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر، وَقَالَ (أَبُو) حَاتِم: مَجْهُول. وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث. وَأخرج التِّرْمِذِيّ طرفا مِنْهُ وَهُوَ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ فِي الثَّرِيد: «كل من مَوضِع واحدٍ» . ثمَّ قَالَ: غَرِيب تفرد بِهِ الْعَلَاء. قلت: هُوَ صَدُوق؛ لَكِن قَالَ ابْن حبَان: كَانَ (مِمَّن) ينْفَرد بأَشْيَاء مَنَاكِير عَن أَقوام مشاهير، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بأخباره الَّتِي انْفَرد بهَا، فَأَما مَا وَافق الثِّقَات فَإِن اعْتبر بهَا مُعْتَبر لم (أر) بذلك بَأْسا. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا دَلِيلا لمن قَالَ بِالْوضُوءِ من أكل لحم الْجَزُور. ثمَّ ذكر حَدِيث جَابر هَذَا فِي أَنه لَا يتَوَضَّأ (مِنْهُ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 وَقد أسلفت لَك من كَلَام أبي حَاتِم بن حبَان أَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة اخْتَصَرَهُ مُتَوَهمًا نسخ إِيجَاب الْوضُوء مِمَّا مست النَّار مُطلقًا (وَإِنَّمَا هُوَ نسخ لإِيجَاب الْوضُوء مِمَّا مست النَّار) خلا لحم الْجَزُور. وَحِينَئِذٍ فَلَا يحسن من الرَّافِعِيّ الرَّد بِهِ (عَلَى) الْمُخَالف؛ لِأَن جِهَة كَونه ممسوسًا بالنَّار غير جِهَة كَونه لحم جزور، وَمن أوجب الْوضُوء (مِنْهُ) لَا يَجْعَل سَببه (ممسوسًا) بالنَّار؛ بل كَونه لحم جزور (مُطلقًا) فمنتقض مُطلقًا. الحَدِيث الْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الرجل يُصِيبهُ الْمَذْي: ينضح فرجه وَيتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كنت رجلا مذاء؛ فَاسْتَحْيَيْت أَن أسأَل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمَكَان ابْنَته، فَأمرت الْمِقْدَاد بن الْأسود. فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «تَوَضَّأ (واغسل) ذكرك» وفيهَا: «فَأمرت رجلا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «تَوَضَّأ وانضح فرجك» وَهِي مُنْقَطِعَة كَمَا نبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 عَلَيْهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد بيّنت ذَلِك فِي كتَابنَا «الْإِعْلَام بفوائد عُمْدَة الْأَحْكَام» وَذكرت فِيهِ الْجمع بَين رِوَايَة «الصَّحِيحَيْنِ» : «فَأمرت الْمِقْدَاد» (وَرِوَايَة) أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان: «فَأمر عمار بن يَاسر» (وَرِوَايَة) ابْن خُزَيْمَة: «أَن عليًّا سَأَلَ بِنَفسِهِ» وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد، فَبلغ الْكَلَام عَلَيْهِ نَحْو كراسة؛ فسارع إِلَى اقتناص (ذَلِك مِنْهُ، وَذكرت فِيهِ أَيْضا أَن فِي «أبي دَاوُد» الْأَمر بِغسْل الْأُنْثَيَيْنِ مَعَ الذّكر، وَأَنَّهَا مُنْقَطِعَة؛ لِأَنَّهَا من حَدِيث عُرْوَة عَن عليّ، وَعُرْوَة لم يسمع مِنْهُ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» : سَمِعت أبي يَقُول: عُرْوَة عَن عليّ مَرَاسِيل. وَقَالَ عبد الْحق أَيْضا: لم يسمع مِنْهُ، قَالَ: وَالْمَحْفُوظ من رِوَايَة الثِّقَات أَنه قَول عُرْوَة. قَالَ: وَلَا يَصح أَيْضا عَن غَيره. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن الْعَلَاء، عَن الْحَارِث، عَن (حرَام) بن حَكِيم، عَن عَمه عبد الله بن سعد قَالَ: «سَأَلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن المَاء يكون بعد المَاء قَالَ: ذَاك الْمَذْي، وكل فَحل يمذي؛ فتغسل من ذَلِك فرجك (وأنثييك) وَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة» ثمَّ قَالَ: لَيْسَ يَصح غسل الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَيْسَ يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي ذَلِك. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «كِتَابه» : كَذَا قَالَ عبد الْحق، وَهُوَ كَذَلِك، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين مِنْهُ مَوضِع الْعلَّة، وَهُوَ الْجَهْل بِحَال حرَام بن حَكِيم الدِّمَشْقِي، وَهُوَ حرَام - بالراء بعد الْحَاء - وَقد يصحف بحزام بن حَكِيم - بالزاي بعد الْحَاء الْمَكْسُورَة - وَكِلَاهُمَا فِي طبقَة وَاحِدَة. وَقَالَ: عَلَيْهِ مُؤَاخذَة فِي ذَلِك؛ فَإِنَّهُ يقبل رِوَايَة المستور، وَحرَام هَذَا رَوَى عَنهُ الْعَلَاء بن الْحَارِث وَزيد بن وَاقد وَعبد الله بن الْعَلَاء، وَرَوَى أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة. قلت: كَذَا نسب ابْن الْقطَّان حرَام بن حَكِيم إِلَى الْجَهَالَة، وَأقرهُ عَلَى ذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فقد وَثَّقَهُ دُحَيْم كَمَا أَفَادَهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» ، وَابْن حزم؛ فَإِنَّهُ ضعفه، ثمَّ ظَفرت بعد ذَلِك بطريقة خَالِيَة من الِانْقِطَاع الْمَذْكُور وَعَن حرَام هَذَا فِي «صَحِيح أبي عوَانَة» رَوَاهَا من حَدِيث سُلَيْمَان بن (حَيَّان) ، عَن هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي، عَن عَلّي قَالَ: «كنت رجلا مذاء، فَاسْتَحْيَيْت أَن أسأَل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم، فَأرْسلت الْمِقْدَاد فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يغسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 أنثييه وَذكره وَيتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» وَذكرت هَذِه الْفَائِدَة أَيْضا فِي الشَّرْح الْمَذْكُور، وَللَّه الْحَمد. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور بِزِيَادَة وَلَفظه: «لَا وضوء إِلَّا من حدث أَو صَوت أَو ريح» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا حَدِيث ثَابت قد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاج مَعْنَاهُ من حَدِيث عبد الله بن زيد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: إِسْنَاد حسن ثَابت. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «الإِمَام» : إِسْنَاده عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَهُوَ - وَالله أعلم - مُخْتَصر بِالْمَعْنَى من حَدِيث أطول مِنْهُ أخرجه مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ أخرج مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 شَيْء أم لَا؛ فَلَا يخْرجن من الْمَسْجِد حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» . قلت: قد سبق إِلَى هَذَا، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت [أبي]- وَذكر حَدِيث شُعْبَة، عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه [عَن أبي هُرَيْرَة] مَرْفُوعا: «لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح» قَالَ أبي: هَذَا وهم، اختصر شُعْبَة متن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: «لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح» وَرَوَاهُ أَصْحَاب سُهَيْل، عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَوجدَ ريحًا من نَفسه؛ فَلَا يخرج حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» هَذَا حَدِيث مُخْتَصر، وَتَمَامه، فِيمَا أخبرنَا أَبُو عبد الله، وَذكر الحَدِيث. وَفِي كَونه مُخْتَصرا مِنْهُ نظر؛ إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لوجد فِي الثَّانِي مَعَ زِيَادَة، وَعُمُوم الْحصْر الْمَذْكُور فِي الأول لَيْسَ فِي الثَّانِي؛ فَالظَّاهِر اخْتِلَافهمَا. قلت: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من غير طَرِيق أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن مَالك، أَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء حَدثهمْ قَالَ: رَأَيْت السَّائِب يشم ثَوْبه، فَقلت لَهُ فَلم ذَلِك؟ قَالَ: لِأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم يَقُول: «لَا وضوء إِلَّا من ريح أَو سَماع» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» ، وَأَبُو أَحْمد فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 «كِتَابه» من حَدِيث هِشَام - يَعْنِي ابْن عمار - ثَنَا إِسْمَاعِيل - يَعْنِي ابْن عَيَّاش -، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن عبيد الله، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو قَالَ: «رَأَيْت السَّائِب بن خباب وَهُوَ يشم ثِيَابه، فَقلت لَهُ: مِم ذَاك أصلحك الله؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم يَقُول: لَا وضوء إِلَّا من ريح أَو سَماع» . الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ: «الْوضُوء مِمَّا خرج» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ) دَلِيلا عَلَى (أَن) النَّادِر ينْقض، فَقَالَ: لنا ظَاهر مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الْوضُوء مِمَّا خرج» وَنَحْو ذَلِك. وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث الْفضل بن الْمُخْتَار، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن شُعْبَة مولَى ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما مَرْفُوعا: «الْوضُوء مِمَّا يخرج وَلَيْسَ مِمَّا يدْخل» وَسبب ضعفه: الْفضل بن مُخْتَار وَشعْبَة هَذَا. أما الأول: قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مَجْهُول، وَأَحَادِيثه مُنكرَة يحدث بالأباطيل. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ الْبلَاء فِي هَذَا الحَدِيث مِنْهُ لَا من شُعْبَة؛ لِأَن لَهُ أَحَادِيث (مُنكرَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 وعامتها لَا يُتَابع عَلَيْهَا. قَالَ: وَالْأَصْل فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مَوْقُوف. وَأما الثَّانِي: فَقَالَ مَالك فِيهِ: لَيْسَ بِثِقَة. كَذَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَنهُ، وَكَذَا عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» ، وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا قلَّة إنصاف من عبد الْحق؛ فَإِن مَالِكًا لم يُضعفهُ، وَإِنَّمَا شح عَلَيْهِ بِلَفْظ «ثِقَة» وَقد كَانُوا بهَا أشحاء. وَقَالَ البُخَارِيّ: إِن مَالِكًا تكلم فِي شُعْبَة هَذَا، وَيحْتَمل مِنْهُ - يَعْنِي من شُعْبَة - وَنِهَايَة مَا يُوجد لمَالِك فِيهِ أَنه قَالَ: لم يكن يشبه الْقُرَّاء. وَقَالَ يَحْيَى فِيهِ: لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ (مرّة) : لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَكَذَا قَالَ أَحْمد: (و) مُرَاد يَحْيَى بقوله: لَيْسَ بِهِ بَأْس أَنه ثِقَة، كَمَا نَقله عَنهُ ابْن أبي خَيْثَمَة. وَقَالَ السَّعْدِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا جدًّا فأحكم عَلَيْهِ بالضعف، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ (وَلم أجد) لَهُ أنكر من هَذَا الحَدِيث، وَلَعَلَّ الْبلَاء فِيهِ من الْفضل. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يثبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 عَلَيْهِ وَآله وَسلم. قَالَ: وَرَوَاهُ وَكِيع، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه ذكر عِنْده الْوضُوء من الطَّعَام - قَالَ الْأَعْمَش (مرّة) : والحجامة للصَّائِم - فَقَالَ: إِنَّمَا الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، وَإِنَّمَا الْفطر مِمَّا دخل وَلَيْسَ مِمَّا خرج» . قلت: و (أخرجه) شُعْبَة فِي «مُسْنده» ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن يَحْيَى بن وثاب قَالَ: «سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْوضُوء مِمَّا غيرت النَّار، قَالَ: لَا؛ إِنَّمَا الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، إِنَّمَا يدْخل طيبا وَيخرج خبيثًا» . وَقد ضعف طَريقَة الرّفْع من الْمُتَأَخِّرين: عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» ، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه وَعلله» فَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» بعد أَن ضعفه (بشعبة) وَالْفضل: (و) كَلَام ابْن عدي السالف إِنَّمَا يحفظ هَذَا الْكَلَام عَن ابْن عَبَّاس. كَذَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، وَنقل فِيهِ عَن النَّسَائِيّ أَنه قَالَ فِي شُعْبَة السالف: لَيْسَ بِثِقَة، وَهُوَ خلاف مَا نَقله عَنهُ فِي «ضُعَفَائِهِ» من قَوْله: «إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ» كَمَا أسلفناه. وَقَالَ فِي «علله» : (هَذَا حَدِيث لَا يَصح ثمَّ ضعفه بِمَا سلف قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ أَيْضا عَن عَلّي) بن أبي طَالب من قَوْله قَالَ: (مُرَاده وَمُرَاد) ابْن عَبَّاس ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. قلت: وَرُوِيَ أَيْضا عَن عبد الله بن مَسْعُود من قَوْله، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الثَّوْريّ عَن وَائِل بن دَاوُد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «إِنَّمَا الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، وَالصَّوْم مِمَّا دخل وَلَيْسَ مِمَّا خرج» ثمَّ ظَفرت بعد ذَلِك (للْحَدِيث) بطرِيق أُخْرَى مَرْفُوعَة لَكِنَّهَا واهية جدًّا رَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث (عبيد الله) بن زحر، عَن عَلّي بن [يزِيد] ، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أكل الْعرق وَأَتَاهُ الْمُؤَذّن (فَقَالَ) : الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ علينا فِيمَا (دخل) » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عبيد الله لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَعلي مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: [عبيد الله] يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَإِذا رَوَى عَن عَلّي أَتَى بالطامات. قَالَ: وَإِذا اجْتمع فِي إِسْنَاد خبر عبيد الله بن زحر، وَعلي بن يزِيد، وَالقَاسِم أَبُو عبد الرَّحْمَن لم يكن (متن) ذَلِك الْخَبَر إِلَّا مِمَّا عملته أَيْديهم. قلت: قد اجْتَمعُوا هُنَا؛ فنسأل الله السَّلامَة. وَقَول الإِمَام الرَّافِعِيّ بعد إِيرَاد هَذَا الحَدِيث: وَنَحْو ذَلِك. أَرَادَ وَنَحْوه من الْأَدِلَّة، فيستدل لَهُ بِالْحَدِيثِ الْخَامِس «أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم أوجب من الْمَذْي الْوضُوء» وَقد تقدم وَاضحا، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يقْتَصر عَلَى هَذَا عوضا عَمَّا ذكره؛ فَإِنَّهُ حَدِيث ثَابت دون مَا اسْتدلَّ بِهِ لكنه تبع فِي ذَلِك بعض الْأَصْحَاب. الحَدِيث الثَّامِن أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ: «العينان وكاء السه؛ فَإِذا نَامَتْ العينان اسْتطْلقَ الوكاء [فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ] » . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 هَذَا الحَدِيث ذكره الْمُزنِيّ فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد، وَهُوَ مَرْوِيّ من حَدِيث (عَلّي بن) أبي طَالب وَمُعَاوِيَة رَضي اللهُ عَنهما أما حَدِيث عَلّي فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث بَقِيَّة، عَن الْوَضِين بن عَطاء، عَن مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن عايذ - بِعَين مُهْملَة ثمَّ ألف ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ ذال مُعْجمَة - عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْعين وكاء السه؛ فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ» (هَذَا لفظ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظ أبي دَاوُد «وكاء السه العينان؛ فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ» وَلَفظ أَحْمد: «إِن السه وكاء الْعين؛ فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ) » كَذَا هُوَ فِي «مُسْنده» وَكَأَنَّهُ مقلوب. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَيْضا فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» . والعقيلي فِي «تَارِيخه» كَمَا رَوَاهُ أَحْمد. وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد، والدارمي فِي «مسنديهما» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن أبي بكر (بن عبد الله) بن أبي مَرْيَم، عَن عَطِيَّة بن قيس قَالَ: سَمِعت مُعَاوِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِنَّمَا الْعين وكاء السَّه؛ فَإِذا نَامَتْ الْعين انْطلق الوكاء (فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ) » . هَذَا لفظ الطَّبَرَانِيّ، وَلَفظ البَاقِينَ: «الْعين وكاء السه؛ فَإِذا نَامَتْ الْعين (اسْتطْلقَ) الوكاء» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق بَقِيَّة، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم (بِهِ) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ مَرْوَان بن (جنَاح) عَن عَطِيَّة بن قيس، عَن مُعَاوِيَة «الْعين وكاء السه ... » مَوْقُوفا، قَالَ: الْوَلِيد بن مُسلم، ومروان أثبت من أبي بكر بن أبي مَرْيَم. وَالَّذِي يعل بِهِ حَدِيث عليّ أَمْرَانِ: الأول: أَن فِي إِسْنَاده جمَاعَة تكلم فيهم؛ أَوَّلهمْ بَقِيَّة، وَهُوَ ثِقَة فِي نَفسه، لكنه (يُدَلس عَن الْكَذَّابين) وَقد أسلفنا كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ فِي بَاب النَّجَاسَات فِي الحَدِيث الرَّابِع مِنْهُ وَاضحا. ثانيهم: الْوَضِين بن عَطاء بن كنَانَة أَبُو كنَانَة الشَّامي، وَفِيه لين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 قَالَ ابْن (حزم) : ضَعِيف. وَقَالَ السَّعْدِيّ: واهي الحَدِيث. وَقد أنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث نَفسه، وَوَثَّقَهُ جماعات. قَالَ الدَّارمِيّ، عَن دُحَيْم: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: صَالح. وَقَالَ أَحْمد: مَا كَانَ بِهِ من بَأْس. وَفِي رِوَايَة: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: سَأَلت عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: مَا أرَى بحَديثه بَأْسا. وثالثهم: عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ الْأَزْدِيّ الْحِمصِي، نسبه ابْن الْقطَّان إِلَى جَهَالَة الْحَال، وَهُوَ من الْعَجَائِب؛ فقد أرسل عَن معَاذ وَغَيره، وَرَوَى عَن أبي أُمَامَة وَكثير بن مرّة، وَرَوَى عَنهُ مَحْفُوظ وَنصر ابْنا عَلْقَمَة، وثور بن يزِيد، وَصَفوَان بن عَمْرو، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، كَمَا أَفَادَهُ (الْمزي) ، وَذكره ابْن حبَان أَيْضا فِي «ثقاته» وَقَالَ: يُقَال إِن لَهُ صُحْبَة. وَذكره أَبُو الْحسن بن سميع فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة من تَابِعِيّ أهل الشَّام، وَقَالَ ابْن مَنْدَه: ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحَابَة (و) لَا يَصح. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: كَذَا حَكَى ابْن مَنْدَه عَن البُخَارِيّ؛ وَلم يذكرهُ فِي الصَّحَابَة فِي «التَّارِيخ» . وَقَالَ أَبُو نعيم: يُقَال إِنَّه أدْرك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحَابَة مُخْتَلف فِيهِ. قلت: فَمن هَذِه حَالَته كَيفَ يكون مَجْهُولا، وَلابْن الْقطَّان من هَذَا الْقَبِيل نَظَائِر جمعتها فِي جُزْء مُفْرد، وَالله الْمعِين عَلَى إكماله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 الْأَمر الثَّانِي: الِانْقِطَاع بَين عبد الرَّحْمَن وَعلي. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله وَعلله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ الْأَزْدِيّ عَن عَلّي مُرْسل. وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِل. قَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ كَمَا قَالَ لَيْسَ بِمُتَّصِل، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد؛ وَهُوَ ضَعِيف، وَهُوَ دَائِما يضعف (بِهِ الْأَحَادِيث) ، عَن الْوَضِين وَهُوَ واهي الحَدِيث؛ قَالَه السَّعْدِيّ. وَمِنْهُم من يوثقه عَن مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة وَهُوَ ثِقَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، عَن عَلّي وَلم يسمع مِنْهُ. قَالَ: فَهَذِهِ ثَلَاث علل سُوَى الْإِرْسَال؛ كل [وَاحِدَة] تمنع (من) تَصْحِيحه مُسْندًا كَانَ أَو مُرْسلا. وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة رَضي اللهُ عَنهُ فَالَّذِي يعل بِهِ أَيْضا أَمْرَانِ: الأول: حَال أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم، وَقد اخْتلف فِي اسْمه؛ فَقيل: بكر (وَقيل: بكير) وَقيل: عبد السَّلَام، وَقيل: عمر. وَهِي حَاله واهية، وَهُوَ كثير الْغَلَط؛ ضعفه أَحْمد، وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَكَذَا يَحْيَى بن معِين. وَقَالَ مرّة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 صَدُوق، نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَجزم بِأَن اسْمه (بكيرًا) وَقَالَ السَّعْدِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من خِيَار أهل الشَّام؛ وَلكنه كَانَ رَدِيء الْحِفْظ (فَيحدث) بالشَّيْء ويهم، وَكثر ذَلِك حَتَّى اسْتحق التّرْك. وَأورد لَهُ ابْن عدي جملَة مَنَاكِير، وَأما ابْن حزم فنسبه إِلَى الْكَذِب كَمَا سَيَأْتِي، وَلم أر أحدا نسبه إِلَى ذَلِك إِلَّا مَا رُوِيَ عَن عِيسَى بن يُونُس أَنه قَالَ: لَو أردْت أَبَا بكر بن أبي مَرْيَم أَن يجمع لي فلَانا وَفُلَانًا لفعل - يَعْنِي يَقُول: عَن رَاشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وحبِيب بن عبيد، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة قد رَوَى أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم (عَنْهُم) - فَانْتَفَى أَن يكون يقبل التَّلْقِين إِن كَانَ أَرَادَ ذَلِك - يَعْنِي أَنه يقبل التَّلْقِين - وَإِن كَانَ أَرَادَ بِهِ (أَنه) يروي عَن (هَؤُلَاءِ) الثَّلَاثَة فَهَذَا نوع مدح. الثَّانِي: أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا، وَقد أسلفنا أَن الْوَلِيد بن مُسلم رجحها عَلَى رِوَايَة الرّفْع؛ وَأعله ابْن حزم بِأَمْر ثَالِث فَقَالَ فِي «محلاه» : هَذَا حَدِيث سَاقِط؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة بَقِيَّة - وَهُوَ ضَعِيف - عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ مَذْكُور بِالْكَذِبِ، عَن عَطِيَّة بن قيس وَهُوَ مَجْهُول. انْتَهَى كَلَامه. ونسبته عَطِيَّة بن قيس إِلَى الْجَهَالَة من الغرائب؛ فَهُوَ تَابِعِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 مَشْهُور، أرسل عَن أبي بن كَعْب وَنَحْوه، وغزا مَعَ أبي أَيُّوب، وَرَوَى عَن مُعَاوِيَة وَطَائِفَة، وَقَرَأَ الْقُرْآن عَلَى أم الدَّرْدَاء، وَرَوَى عَنهُ سعيد بن عبد الْعَزِيز وَطَائِفَة، وَكَانُوا يصلحون مصاحفهم عَلَى قِرَاءَته، وَعمر دهرًا جَاوز الْمِائَة، وَرَوَى لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» وَعلم (لَهُ الصريفيني) فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ عَلامَة البُخَارِيّ أَيْضا، وَهُوَ كَمَا علم لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتشْهد (بِهِ) . وَنقل عَن أبي مسْهر أَنه ولد فِي حَيَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقد تعقب ابْن عبد الْحق ابْن حزم فِي رده عَلَى «محلاه» ، وَنقل عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ فِي حَقه: صَالح الحَدِيث. قلت: وَوَثَّقَهُ ابْن الْقطَّان أَيْضا؛ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة وثقوه: مُسلم، وَأَبُو حَاتِم، وَابْن الْقطَّان، وحالته كَمَا عرفتها؛ فَكيف يكون مَجْهُولا؟ ! وَله فِي «محلاه» أَيْضا من هَذَا النَّحْو عدَّة مَوَاضِع تعقبها عَلَيْهِ (غير وَاحِد مِنْهُم) شَيخنَا: قطب الدَّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَغَيره من شُيُوخنَا، وَللَّه الْحَمد. وَقد نَص عَلَى ضعف هذَيْن الْحَدِيثين أَيْضا غير من سلف: قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنْهُمَا؛ فَقَالَ: ليسَا بقويين. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «استذكاره» : وهما ضعيفان لَا حجَّة فيهمَا من جِهَة النَّقْل. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ أَحْمد - فِيمَا بَلغنِي عَنهُ -: حَدِيث عَلّي الَّذِي يرويهِ الْوَضِين بن عَطاء أثبت من حَدِيث مُعَاوِيَة فِي هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الْبَاب، وَنَقله عَنهُ الْمجد فِي «أَحْكَامه» أَيْضا بِلَفْظ: أثبت وَأَقْوَى، وَمرَاده أَنه أثبت عَلَى علاته، وَنقل غَيرهمَا عَن عبد الله بن أَحْمد أَنه (رَوَى) حَدِيث مُعَاوِيَة وجادة فِي كتاب أَبِيه بِخَط يَده، وَقَالَ: أَظُنهُ كَانَ فِي المحنة قد ضرب عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» : هَذَا حَدِيث مَرْوِيّ من غير وَجه، لم يذكر فِيهِ: «فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ» غير إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ، وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون (عَن) بَقِيَّة. قلت: لَا؛ فقد (تَابعه) ابْن الْمُصَفَّى؛ كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه وحيوة بن شُرَيْح فِي آخَرين؛ كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد، وَسليمَان بن (عمر) الأقطع (كَمَا رَوَاهُ) الدَّارَقُطْنِيّ كلهم عَن بَقِيَّة، (وخفف) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» القَوْل فِي أَمر حَدِيث عَلّي وَمُعَاوِيَة فَقَالَ: فيهمَا مقَال. ونحا نَحوه الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ؛ فَقَالَ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : حَدِيث عَلّي حَدِيث حسن. وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (جمَاعَة) وَفِي إِسْنَاده شَيْء، وَهُوَ - إِن شَاءَ الله - حسن، وَحسنه النَّوَوِيّ أَيْضا، وَلَا يخْفَى مَا فِيهِ. فَائِدَة: السّه الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وَكسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 الْهَاء المخففة -: الدبر، وَمَعْنَاهُ: الْيَقَظَة. وكاء الدبر أَي: (حافظة) مَا فِيهِ من الْخُرُوج؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مستيقظًا (أحس) بِمَا يخرج مِنْهُ؛ فَإِذا نَام زَالَ (ذَلِك) الضَّبْط (وَأَصله: سته، وَهُوَ العَجُزُ، وَقد يُرَاد بِهِ حَلقَة الدبر، كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي، وَجعل مِنْهُ هَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ «وكاء السِّت» بِحَذْف الْهَاء وبالتاء. والوكاء - بِكَسْر الْوَاو -: الْخَيط الَّذِي يرْبط بِهِ الشَّيْء) . الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من استجمع نومًا فَعَلَيهِ الْوضُوء» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ. وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ: الْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من اسْتحق النّوم وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء» ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح رَفعه. وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَإِسْنَاده صَحِيح، وَكَذَا قَالَ فِي «خلافياته» فِي الْمَرْفُوع أَنه لَا يَصح. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ... فَذكره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ: «إِذا (استحد) أحدكُم وَاسْتحق نومًا؛ وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء» ثمَّ نقل عَن ابْن عدي أَنه قَالَ: لَا يرويهِ عَن عَوْف، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة غير الرّبيع بن بدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 قلت: وَقد تَركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، ونصَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَيْضا أَن وقف رِوَايَة الأول هُوَ الصَّوَاب، وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن الْجريرِي أَنه سَأَلَ خَالِد بن غلاق الرَّاوِي، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن اسْتِحْقَاق النّوم؛ فَقَالَ: هُوَ أَن يضع جنبه. وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله عَلَى أَن النّوم من نواقض الْوضُوء، وَقد علمت حَالهمَا. ويغني فِي الدّلَالَة عَنْهُمَا حَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال الْآتِي فِي مسح الْخُف - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - (فَإِنَّهُ) حَدِيث صَحِيح. الحَدِيث الْعَاشِر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا وضوء عَلَى من نَام قَاعِدا، إِنَّمَا الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِن من نَام مُضْطَجعا استرخت مفاصله» وَرُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا وضوء عَلَى من نَام قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْأَئِمَّة، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي «مُسْند أَبِيه» عَن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني - نزل فيهم فنسب إِلَيْهِم - عَن قَتَادَة، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى من نَام سَاجِدا وضوء حَتَّى يضطجع؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن عبد السَّلَام. وَالَّذِي رَأَيْته فِي «الْمسند» من رِوَايَة ابْنه (عَن) غير أَبِيه. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بالسند االمذكور بِلَفْظ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر، ونام حَتَّى غط وَنفخ وَهُوَ ساجد - أَو جَالس - ثمَّ قَامَ فَصَلى؛ فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد (نمت) ! قَالَ: إِنَّمَا يجب الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِذا اضْطجع استرخت مفاصله» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يسْجد وينام وينفخ، ثمَّ يقوم فَيصَلي وَلَا يتَوَضَّأ، فَقلت لَهُ: صليت وَلم تتوضأ [وَقد نمت!] فَقَالَ: إِنَّمَا الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا -[زَاد عُثْمَان وهناد]- فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بالسند الْمَذْكُور أَيْضا بِلَفْظ: «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَام وَهُوَ ساجد حَتَّى غط أَو نفخ، ثمَّ قَامَ يُصَلِّي؛ فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد نمت! قَالَ: إِن الْوضُوء لَا يجب إِلَّا عَلَى من نَام مُضْطَجعا؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك وَالْبَيْهَقِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 بِلَفْظ: «لَا يجب الْوضُوء عَلَى من نَام جَالِسا أَو قَائِما أَو سَاجِدا حَتَّى يضع جنبه؛ فَإِذا وضع جنبه استرخت مفاصله» . قَالَ الرَّافِعِيّ عقب الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أسلفناها عَنهُ: ضعفه أَئِمَّة الحَدِيث. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك إِمَام الْحَرَمَيْنِ؛ فَإِنَّهُ نقل فِي «أساليبه» إِجْمَاع أهل الحَدِيث عَلَى ضعفه، وَنقل أَيْضا الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه: النَّوَوِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا وَمِمَّنْ صرح بضعفه من الْمُتَقَدِّمين: أَحْمد، وَالْبُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَرْبِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهم. قَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : قَوْله: «الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا» هُوَ حَدِيث مُنكر، لم يروه إِلَّا يزِيد الدالاني عَن قَتَادَة. وَرَوَى أَوله جمَاعَة عَن ابْن عَبَّاس لم يذكرُوا شَيْئا من هَذَا؛ وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَحْفُوظًا. وَقَالَت عَائِشَة: قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «تنام عينايَ وَلَا ينَام قلبِي» قَالَ شُعْبَة: إِنَّمَا سمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث يُونُس بن مَتى، وَحَدِيث ابْن عمر فِي الصَّلَاة، وَحَدِيث الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث [ابْن عَبَّاس] حَدثنِي رجال مرضيون. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسمع أَيْضا حَدِيث ابْن عَبَّاس فِيمَا يَقُول عِنْد الكرب، وَحَدِيثه فِي رُؤْيَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة أسرِي بِهِ مُوسَى وَغَيره. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «كتاب الْعِلَل» - وَهُوَ مُجَلد مُفْرد - بعد أَن ذكره بِلَفْظِهِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 «جَامعه» إِلَّا أَنه ذكره بِلَفْظ « (نَام» ) بدل «اضْطجع» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِنَّه لَا شَيْء، رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله، وَلم يذكر فِيهِ أَبَا الْعَالِيَة، وَلَا أعرف لأبي خَالِد الدالاني سَمَاعا من قَتَادَة. قلت: أَبُو خَالِد كَيفَ هُوَ؟ قَالَ: صَدُوق، وَإِنَّمَا يهم فِي الشَّيْء. قَالَ مُحَمَّد: وَعبد السَّلَام (بن حَرْب) صَدُوق. وَقَالَ فِي «جَامعه» : رَوَاهُ (سعيد) ، عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله، وَلم يذكر فِيهِ أَبَا الْعَالِيَة وَلم يرفعهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ (أَبُو) خَالِد الدالاني، وَلَا يَصح. قلت: لَهُ متابع لكنه ضَعِيف كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِره. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني. ثمَّ ذكر عَن التِّرْمِذِيّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ من «علله» ثمَّ ذكر. عَن أبي دَاوُد السجسْتانِي أَن قَوْله: «الْوضُوء عَلَى من نَام مُضْطَجعا» : حَدِيث مُنكر. لم يروه إِلَّا الدالاني، عَن قَتَادَة، وَإنَّهُ ذكر هَذَا الحَدِيث لِأَحْمَد بن حَنْبَل فَقَالَ: مَا ليزِيد الدالاني يدْخل عَلَى أَصْحَاب قَتَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يَعْنِي أَحْمد بِهَذَا: مَا ذكره البُخَارِيّ من أَنه لَا يعرف لأبي خَالِد سَماع من قَتَادَة، وَسَيَأْتِي مثل هَذَا، عَن أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ مَعَ مَا فِيهِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : لَعَلَّ هَذِه إِشَارَة إِلَى المحكي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 عَن البُخَارِيّ (و) غَيره من اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِي السماع وَلَو مرّة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: لَا يُتَابع الدالاني فِي بعض أَحَادِيثه. قَالَ: وَلَا أعلم أحدا رَوَى هَذَا الحَدِيث غير عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن أبي خَالِد، عَن قَتَادَة. وَلما (ذكره) الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نَام وَهُوَ ساجد حَتَّى غط أَو نفخ، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك قد نمت! قَالَ: إِن الْوضُوء لَا يُوجب حَتَّى تنام مُضْطَجعا؛ فَإِنَّهُ إِذا اضْطجع استرخت مفاصله» . تفرد بآخر هَذَا الحَدِيث: أَبُو خَالِد الدالاني، عَن قَتَادَة؛ وَأنْكرهُ عَلَيْهِ جَمِيع (أَئِمَّة) أهل الحَدِيث، ثمَّ ذكر كَلَام أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ السالفين. وَنقل عَن شُعْبَة أَنه قَالَ: لم يسمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: هِيَ قَول عَلّي فِي الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث لَا صَلَاة بعد الْعَصْر، وَحَدِيث يُونُس بن مَتى (ثمَّ) نقل كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي أسلفناه عَنهُ وَأقرهُ، وَقد علمت مَا فِيهِ من المناقشة. ثمَّ نقل عَن أبي حَاتِم بن حبَان أَنه قَالَ: فِي «كتاب الْمَجْرُوحين» (و) رَأَيْته فِيهِ أَيْضا: يزِيد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو خَالِد الدالاني، من أهل وَاسِط، كَانَ كثير الْخَطَأ، فَاحش الْوَهم، يُخَالف الثِّقَات فِي الرِّوَايَات، حَتَّى إِذا سَمعهَا الْمُبْتَدِئ فِي هَذِه الصِّنَاعَة علم أَنَّهَا (معمولة) أَو مَقْلُوبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 لَا يجوز الِاحْتِجَاج (بِهِ) إِذا وَافق الثِّقَات؛ فَكيف إِذا انْفَرد عَنْهُم بالمعضلات؟ ! وَقد غلظ أَبُو حَاتِم بن حبَان القَوْل فِيهِ وخطئ فِي ذَلِك. وَمُقَابل (هَذِه الْمقَالة) قَول الْحَاكِم أبي عبد الله فِي آخر «مُسْتَدْركه» فِي آخر كتاب الْأَهْوَال: أَبُو خَالِد الدالاني الْأَئِمَّة المتقدمون كلهم يشْهدُونَ لَهُ بِالصّدقِ والإتقان. وَتبع فِي ذَلِك أَبَا حَاتِم؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يجمع حَدِيثه فِي أَئِمَّة الْكُوفَة، لم (يخرجَا) لَهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» لما ذكر من انحرافه عَن السّنة فِي ذكر الصَّحَابَة. فَأَما الْأَئِمَّة المتقدمون؛ فَإِنَّهُم شهدُوا لَهُ بِالصّدقِ والإتقان. وَالْحق التَّوَسُّط فِي أمره؛ قَالَ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَكَذَا (قَالَه) أَحْمد، وَاقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» فِي تَرْجَمته عَلَى قَول أَحْمد هَذَا (وَقَول) ابْن حبَان السالف مُخْتَصرا، وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» ، وَذكره ابْن شاهين فِي «ثقاته» ، وَاقْتصر عَلَى (قولة) يَحْيَى بن معِين (السالفة) فِيهِ، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عَنهُ فَقَالَ: صَدُوق ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث صَالِحَة، وَفِي حَدِيثه لين، إِلَّا أَنه مَعَ لينه يكْتب حَدِيثه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : فَأَما هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ قد أنكرهُ عَلَى أبي خَالِد الدالاني جَمِيع الْحفاظ. وَهَذَا قد أسلفناه عَنهُ من «خلافياته» . قَالَ: وَأنكر سَمَاعه من قَتَادَة: أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا. قَالَ: وَلَعَلَّ الشَّافِعِي وقف عَلَى عِلّة هَذَا الحَدِيث حَتَّى رَجَعَ عَنهُ فِي الْجَدِيد. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَلَو فرض استقامة حَال الدالاني (جَمِيع الْحفاظ كَانَ) فِيمَا علم من انْقِطَاع (سَنَده) واضطرابه، ومخالفته الثِّقَات (مَا) يعضد قَول من ضعفه من الْأَئِمَّة. قلت: وَمِمَّنْ ضعفه من الْمُتَأَخِّرين: ابْن حزم فِي «محلاه» فَقَالَ: هَذَا (حَدِيث) سَاقِط جملَة؛ وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا حَدِيث مُنكر، وَلَيْسَ بِمُتَّصِل الْإِسْنَاد (وَقَالَ) أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فَقَالَ: إِن قَتَادَة لم يسمع هَذَا الحَدِيث من أبي الْعَالِيَة، وَجزم بِهَذَا من الْفُقَهَاء القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي «شرح الرسَالَة» لَكِن ذكر صَاحب «الْكَمَال» أَنه سمع مِنْهُ، وَقَالَ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» تفرد بِهَذَا الحَدِيث: عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن أبي خَالِد الدالاني، لَا أعلم لَهُ غَيره. وَخَالف الْحفاظ كلهم: ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فرجح صِحَّته؛ فَقَالَ بعد أَن أخرجه من طَرِيق أَحْمد: وَفِيه مَا ناقشناه بِهِ مِمَّا سبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 (مستدلاً) عَلَى أحد قولي إِمَامه؛ أَنه إِذا نَام عَلَى حَالَة من أَحْوَال الصَّلَاة نومًا يَسِيرا لم يبطل وضوءه، وَنقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه تفرد بِهِ يزِيد، عَن قَتَادَة، وَلَا يَصح (و) عَن ابْن حبَان: أَنه كَانَ كثير الْخَطَأ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ، و (أَن) ابْن أبي عرُوبَة رَوَاهُ، عَن قَتَادَة مَوْقُوفا -: قد ذكرنَا أَن مَذْهَب الْمُحدثين إِيثَار من وقف الحَدِيث احْتِيَاطًا، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء. قَالَ: وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ: لَا تصح: دَعْوَى بِلَا دَلِيل، وَقد قَالَ أَحْمد: يزِيد لَا بَأْس بِهِ (وَرِوَايَة) من وَقفه لَا يمْنَع كَونه مَرْفُوعا، فَإِن الرَّاوِي قد يسند وَقد يُفْتِي بِالْحَدِيثِ هَذَا كَلَامه، وَفِيه من التعسف مَا لَا يخْفَى، وَقد ذكر (هُوَ) فِي «ضُعَفَائِهِ» يزِيد بن خَالِد، وَنقل فِيهِ مقَالَة ابْن حبَان وَأحمد فَقَط، وَقَالَ فِي خطْبَة كِتَابه هَذَا - أَعنِي: الضُّعَفَاء -: إِنَّه قد يَقع خلاف فِي بعض الْمَجْرُوحين، فيعده بَعضهم من الثِّقَات، وترجيح أحد الْأَمريْنِ إِلَى الْمُجْتَهدين من عُلَمَاء النَّقْل، عَلَى أَن تَقْدِيم الْجرْح عَلَى التَّعْدِيل مُتَعَيّن. فقد نَاقض قَوْله بقوله، وَقَالَ أَيْضا فِي خطْبَة «تَحْقِيقه» : (ألوم) عِنْدِي (مِمَّن) (قد لمته) من الْفُقَهَاء جمَاعَة من كبار الْمُحدثين عرفُوا صَحِيح النَّقْل وسقيمه وصنفوا فِي ذَلِك، فَإِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 جَاءَ حَدِيث ضَعِيف يُخَالف مَذْهَبهم بينوا وَجه الطعْن فِيهِ، وَإِن كَانَ مُوَافقا لمذهبهم سكتوا عَنهُ، وَهَذَا يُنبئ (عَن) قلَّة دين وَغَلَبَة هوى. هَذَا لَفظه، وَقد وَقع هُوَ فِيمَا عابه عَلَى غَيره، فضعف جمَاعَة (فِي مَوضِع) لما كَانَ الحَدِيث يُخَالف مذْهبه، ثمَّ احْتج بهم فِي مَوضِع آخر لما كَانَ يُوَافق مذْهبه، وَهَذَا الحَدِيث نَفسه قد ضعفه هُوَ فِي كتاب «الْإِعْلَام بناسخ الحَدِيث ومنسوخه» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَالله الْمُوفق. قلت: وَلَا ينفع مُتَابعَة جماعات ضعفاء يزِيد بن خَالِد هَذَا؛ فَإِنَّهُ قد تَابعه مهْدي بن هِلَال الْمُتَّهم بِالْوَضْعِ فَقَالَ: ثَنَا يَعْقُوب بن عَطاء، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَيْسَ عَلَى من نَام قَاعِدا أَو قَائِما وضوء حَتَّى يُضجع جنبه عَلَى الأَرْض» . قَالَ ابْن عدي بعد أَن رَوَاهُ من طَرِيق مهْدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى حَدِيثه ضوء وَلَا نور! (وَعمر) بن هَارُون الْمَتْرُوك؛ فَرَوَاهُ عَن يَعْقُوب (بن) عَطاء، عَن عَمْرو بِهِ: «من نَام جَالِسا فَلَا وضوء عَلَيْهِ، وَمن وضع جنبه فَعَلَيهِ الْوضُوء» . وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان الْمُفَسّر الْكذَّاب؛ فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بِهِ إِلَى قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 «عَلَيْهِ» ، وقرّب ابْن عدي أَمر مقَاتل وَقَالَ: هُوَ مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. وَرَوَى ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ: «كنت أخفق برأسي، فَقلت: يَا رَسُول الله، وَجب عليّ وضوء؟ فَقَالَ: لَا؛ حَتَّى تضع جَنْبك» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ بَحر بن كنيز - أَي: بنُون مَكْسُورَة بعد الْكَاف ثمَّ مثناة ثمَّ رَاء - السقاء وَهُوَ ضَعِيف، لَا يحْتَج بروايته. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : لَا يحل رِوَايَة هَذَا الحَدِيث إِلَّا عَلَى بَيَان سُقُوطه؛ لِأَن (رَاوِيه) بَحر بن كنيز السقاء - وَهُوَ لَا خير فِيهِ - مُتَّفق عَلَى (إطراحه) . وَمن المقالات الغريبة العجيبة جَوَاب ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» : أَنه إِن صَحَّ حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فَمَعْنَاه - وَالله أعلم - لَيْسَ عَلَى من نَام سَاجِدا وضوء حَتَّى يضطجع - يَعْنِي: فِي النَّوَافِل - قَالَ: وَيصدق هَذَا (حَدِيث) الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة، وسنذكره عَلَى الإثر فِي الحَدِيث إِثْر هَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: فَهَذَا يَعْنِي فِي النَّوَافِل وَصَلَاة اللَّيْل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 الحَدِيث الْحَادِي عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا نَام العَبْد فِي صلَاته باهى الله بِهِ مَلَائكَته، يَقُول: انْظُرُوا لعبدي، روحه عِنْدِي، وَجَسَده ساجد بَين يَدي» . هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام فِي «النِّهَايَة» ، فَإِنَّهُ قَالَ: حُكيَ عَن نَص الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم أَن النّوم قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا لَا ينْقض؛ وَإِن نَام فِي غير الصَّلَاة كَذَلِك ينْقض وضوءه، وَإنَّهُ اعْتمد فِي هَذَا القَوْل هَذَا الحَدِيث. قلت: وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ يرْوَى من طرق: أَحدهَا: عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ مَرْفُوعا: «إِذا نَام العَبْد فِي سُجُوده باهى الله بِهِ مَلَائكَته، يَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي؛ روحه عِنْدِي، وَجَسَده فِي طَاعَتي» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث دَاوُد بن الزبْرِقَان، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أنس، ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِالْقَوِيّ؛ ثمَّ لَيْسَ فِيهِ أَنه لَا يخرج بِهِ من صلَاته، وَالْقَصْد مِنْهُ - إِن صَحَّ - الثَّنَاء عَلَى العَبْد (المواظب) عَلَى الصَّلَاة حَتَّى يغلبه النّوم، وَقد أَمر فِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَن أنس بالانصراف إِذا نعس، رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيثه بِلَفْظ «إِذا نعس وَهُوَ يُصَلِّي فلينصرف فلينم؛ حَتَّى يعلم مَا يَقُول» . (رَوَاهُ مُسلم أَيْضا) وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها محتجًّا فِي إِيجَاب الْوضُوء من النّوم، فَأمر (النَّبِي) (الناعس (فِي الصَّلَاة) بالانصراف، وَلَو بَقِي فِيهَا (تبقى) الطَّهَارَة، كَمَا زعم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 الْمُخَالف لما أَمر بالانصراف. وَكَذَا أجَاب بِهَذَا الْجَواب: ابْن حزم فِي «محلاه» أَعنِي: أَنه لَو صَحَّ لم يكن فِيهِ دلَالَة؛ بل الْقَصْد مِنْهُ الثَّنَاء كَمَا سلف. وَلِحَدِيث أنس هَذَا طَرِيق ثَان من حَدِيث حَمَّاد عَن أبان عَنهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِ: «أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد؛ إِن الله - عَزَّ وجَلَّ - ليباهي بِهِ مَلَائكَته إِذا كَانَ نَائِما فِي سُجُوده، يَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي؛ روحه عِنْدِي، وَجَسَده فِي طَاعَتي» . أسْندهُ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى «أَحَادِيث الْمُهَذّب» ثمَّ علله بِأَبَان، وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث يرْوَى من رِوَايَة أنس وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، وَقَالَ بعد ذَلِك بأوراق: اتَّفقُوا عَلَى ضعفه، وَسَبقه (إِلَى) ذَلِك ابْن الصّلاح فَقَالَ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى الْمُهَذّب: إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ (رَفعه) : «إِذا نَام العَبْد وَهُوَ ساجد؛ يَقُول الله - عَزَّ وجَلَّ -: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي؛ روحه عِنْدِي، وبدنه ساجد لي وَجَسَده» . رَوَاهُ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث حجاج بن نصر، ثَنَا الْمُبَارك بن فضَالة، عَن الْحسن عَنهُ، وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة، كَمَا قَالَه الْجُمْهُور، وَقَالَ يُونُس بن عبيد: مَا رَآهُ قطّ، وَذكر أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم أَن من قَالَ عَن الْحسن، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 ثَنَا أَبُو هُرَيْرَة؛ فقد أَخطَأ، وَخَالف فِي ذَلِك قَتَادَة فَقَالَ: إِنَّمَا أَخذ الْحسن عَنهُ. وَلما ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» بِلَفْظ: «إِن الله - تَعَالَى - يَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي نَام سَاجِدا وروحه عِنْدِي» . قَالَ: هَذَا حَدِيث يرويهِ عباد بن رَاشد، عَن الْحسن، عَن أبي هُرَيْرَة، وَقيل عَن الْحسن، بلغنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: ... » فَذكر الحَدِيث؛ وَلَا يثبت سَماع الْحسن من أبي هُرَيْرَة. قيل للدارقطني: قد قَالَ مُوسَى بن هَارُون، إِنَّه سمع مِنْهُ، فَقَالَ: (سَمعه الحكم) وَلم يسمع الْحسن من أبي هُرَيْرَة، وَحكي لنا عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: لم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : هَذَا حَدِيث لَا شَيْء؛ لِأَنَّهُ مُرْسل، لم يخبر الْحسن مِمَّن سَمعه. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَفعه -: «إِن الله (ليضحك) إِلَى ثَلَاثَة نفر: رجل قَامَ فِي جَوف اللَّيْل فَأحْسن الطّهُور ثمَّ صَلَّى، وَرجل نَام وَهُوَ ساجد؛ وَرجل يحمي كَتِيبَة منهزمة؛ فَهُوَ عَلَى (فرس) جواد، لَو شَاءَ أَن يذهب لذهب» . رَوَاهُ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث عِيسَى بن الْمُخْتَار، عَن مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد بِهِ. وعلته: عَطِيَّة هَذَا؛ وَهُوَ ضَعِيف بِالْإِجْمَاع، وَانْفَرَدَ ابْن معِين فِي قَوْله فِيهِ: هُوَ صَالح (الحَدِيث) وَقد ظهر - بِحَمْد الله وَمِنْه - ضعف الحَدِيث من طرقه؛ فَلَا يحْتَج بِهِ إِذا، وَقد أسلفنا الْجَواب عَنهُ عَلَى تَسْلِيم صِحَّته. فَائِدَة: المباهاة: الْمُفَاخَرَة، وَفِي حق الله - تَعَالَى -: إِظْهَار رِضَاهُ، قَالَه صَاحب «مجمع الغرائب» . الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «أَصَابَت يَدي أَخْمص قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قَالَ: أَتَاك شَيْطَانك!» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم (فِي «صَحِيحه» ) من طَرِيقين بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، وهما من أَفْرَاده. الأول: من رِوَايَة ابْن أبي مليكَة عَنْهَا قَالَت: «افتقدت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات لَيْلَة، فَظَنَنْت أَنه ذهب إِلَى بعض نِسَائِهِ، فتحسست ثمَّ رجعت، فَإِذا هُوَ رَاكِع - أَو ساجد - يَقُول: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت. فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي، إِنِّي لفي شَأْن، وَإنَّك لفي آخر!» . الثَّانِي: عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَنْهَا قَالَت: «فقدت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة من الْفراش، فالتمسته فَوَقَعت يَدي عَلَى بطن قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 الْمَسْجِد وهما منصوبتان، يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عُقُوبَتك، وَأَعُوذ بك مِنْك، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك، أَنْت كَمَا أثنيت عَلَى نَفسك» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «فَوَقَعت يَدي عَلَى بطن قَدَمَيْهِ وهما منصوبتان، وَهُوَ ساجد يَقُول ... » فَذكره. وَأما لَفْظَة: «أَتَاك شَيْطَانك» فرواها الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب: ضم (العقبين) فِي السُّجُود، وَكَذَا الْحَاكِم فِي «صَحِيحه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَذكرهَا مُسلم فِي أَوَاخِر «صَحِيحه» قبيل كتاب الْجنَّة عَنْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج من عِنْدهَا لَيْلًا، قَالَت: فغرت عَلَيْهِ، فجَاء فَرَأَى مَا أصنع، فَقَالَ: مَا لَك يَا عَائِشَة أغرت؟ فَقلت: وَمَا لي لَا يغار مثلي عَلَى مثلك؟ ! فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (لقد) جَاءَك شَيْطَانك. قَالَت: يَا رَسُول الله، أومعي شَيْطَان؟ ! قَالَ: نعم. قلت: وَمَعَ كل إِنْسَان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم. قلت: ومعك يَا رَسُول الله؟ ! قَالَ: نعم، وَلَكِن رَبِّي أعانني عَلَيْهِ حَتَّى أسلم» . (وَأَبْدَى) الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بطرِيق مُسلم الثَّانِيَة السالفة عِلّة فِيهَا نظر فَقَالَ بعد أَن أخرجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَعَزاهُ إِلَى مُسلم دون قَوْله «وَهُوَ ساجد» : رَوَاهُ وهيب، ومعتمر، وَابْن نمير بِدُونِ ذكر أبي هُرَيْرَة فِي إِسْنَاده. وَوجه النّظر الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ أَن من ذكر أَبَا هُرَيْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 فِيهِ لين دون من أسْقطه، وَقد قَالَ البرقاني - فِيمَا نَقله الْحميدِي فِي «جمعه» عَنهُ -: وَافق عَبدة بن سُلَيْمَان أَبَا أُسَامَة فِي رِوَايَته الحَدِيث من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَمِنْهُم من قَالَ: عَن الْأَعْرَج عَنْهَا؛ قَالَ: وَرِوَايَة من رَوَى عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَنْهَا أولَى؛ لِأَنَّهُ زَاد، وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة، وَهِي (الَّتِي) عوّل مُسلم عَلَيْهَا؛ أَي: وخرجها من طَرِيق أبي أُسَامَة السالفة، وَلم يخرج الرِّوَايَة الْأُخْرَى. وَرُوِيَ أَيْضا من غير طَرِيق الْأَعْرَج وَأبي هُرَيْرَة عَنْهَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، قَالَ: قَالَت عَائِشَة: وَفِيه: «فَوَجَدته سَاجِدا فَوضعت يَدي عَلَى قَدَمَيْهِ - يَعْنِي: أَصَابِع قَدَمَيْهِ ... » الحَدِيث. وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لم يدْرك عَائِشَة، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَسَماهُ مُرْسلا، وَصرح (بِهِ) أَبُو حَاتِم بِأَنَّهُ لم يسمع مِنْهَا، وَرِوَايَة عمْرَة عَنْهَا؛ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : خالفهم الْفرج بن فضَالة؛ فَرَوَاهُ عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَنْهَا، وَفِيه: «فَإِذا هُوَ ساجد، فَوضعت يَدي عَلَى صُدُور قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده ... » الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ، (وَرِوَايَة) الْجَمَاعَة أولَى بِالصِّحَّةِ. قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من (هَذَا) الْوَجْه وَلَفظه: «فقدت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات لَيْلَة فَقلت: إِنَّه قَامَ إِلَى جَارِيَته مَارِيَة! فَقُمْت ألتمس الْجِدَار، فَوَجَدته قَائِما يُصَلِّي، فأدخلت يَدي فِي شعره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 لأنظر اغْتسل أم لَا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: أخذك شَيْطَانك يَا عَائِشَة؟ قلت: ولي شَيْطَان؟ فَقَالَ: نعم وَلِجَمِيعِ بني آدم. قلت: وَلَك؟ قَالَ: نعم، وَلَكِن الله - عَزَّ وجَلَّ - أعانني عَلَيْهِ فَأسلم» . ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن يَحْيَى بن سعيد إِلَّا فرج بن فضَالة. قلت: وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ ابْن معِين: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ أَحْمد: إِذا حدث عَن الشاميين فَلَيْسَ بِهِ بَأْس، لَكِن إِذا حدث عَن يَحْيَى بن سعيد أَتَى (بِالْمَنَاكِيرِ) . قلت: وَهَذَا من حَدِيثه عَنهُ، وَقَول الطَّبَرَانِيّ: لم يروه، عَن يَحْيَى إِلَّا فرج بن فضَالة لَعَلَّه أَرَادَ بِهَذِهِ السِّيَاقَة - أَعنِي: عَن عمْرَة عَن عَائِشَة - وَإِلَّا فقد رَوَاهُ، عَن يَحْيَى جَعْفَر بن عون فِي الطَّرِيق السالفة المنقطعة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَكَذَا رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون ووهيب وَغَيرهمَا [عَن يَحْيَى عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم] عَن عَائِشَة مُرْسلا. قلت: وَرَوَاهُ يُونُس بن خباب، عَن عِيسَى بن عمر، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا افتقدت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَإِذا هُوَ فِي الْمَسْجِد، فَوضعت يَدهَا عَلَى أَخْمص قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُول: أعوذ برضاك من سخطك» . قَالَ أَبُو حَاتِم: عِيسَى هَذَا شيخ لَا أَدْرِي أدْرك عَائِشَة أم لَا! فَائِدَة: الأخمص - فِي الرِّوَايَة السالفة -: مَا دخل من بَاطِن الْقدَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 فَلم يصب الأَرْض فِي الْوَطْء، وأصل الخمص: الظُّهُور (وَهَذَا يُوَافق رِوَايَة هِنْد بن أبي هَالة فِي وَصفه عَلَيْهِ السَّلَام «أَنه كَانَ خمصان الأخمصين» لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» عقيبها: إِنَّه خلاف مَا روينَا عَن أبي هُرَيْرَة فِي وَصفه عَلَيْهِ السَّلَام: «أَنه كَانَ يطَأ بقدميه جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ أَخْمص» ) . وَقَوله: «فأدخلت يَدي فِي شعره لأنظر اغْتسل أم لَا» هُوَ المُرَاد بِرِوَايَة النَّسَائِيّ: «فأدخلت يَدي فِي شعره، فَقَالَ: (قد) جَاءَك شَيْطَانك؟ !» وَإِن كَانَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» (فِي) ذكر الْغيرَة، قَالَ: كَذَا ضَبطه فِي الأَصْل المسموع «شعره» وَلَعَلَّه «شعاره» وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي ينَام فِيهِ، قَالَ: (وَلَعَلَّ التَّغْيِير من النَّاسِخ أَو الرَّاوِي. ثمَّ قَالَ:) وَإِن صَحَّ كَمَا ضبط. فيريد - وَالله أعلم - شعر رَأسه من غير قصد، ثمَّ قَالَ: وَالْأول أظهر (فقد) علمت أَنه لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا كُله، وَأَن رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ مثبتة (لَهَا) . الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن بسرة بنت صَفْوَان رَضي اللهُ عَنها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 هَذَا حَدِيث صَحِيح. أخرجه الْأَئِمَّة الْأَعْلَام أهل الْحل وَالْعقد وَالنَّقْل والنقد: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ فِي (الْأُم) ، و (الإِمَام) أَحْمد فِي «الْمسند» ، وَكَذَا الدَّارمِيّ، وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» : أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة: «السّنَن الْكَبِير» و «الْمعرفَة» و «الخلافيات» ، وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وتلميذه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة الْمُتَّصِلَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ مُحَمَّد - يَعْنِي: البُخَارِيّ -: إِنَّه أصح شَيْء فِي الْبَاب. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثَنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 (ابْن مخلد) ، ثَنَا أَبُو دَاوُد السجسْتانِي (ح) . وَقَالَ الْخلال فِي «علله» : أَنا أَبُو دَاوُد، قَالَ: قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: حَدِيث بسرة فِي (مس) الذّكر لَيْسَ بِصَحِيح؟ قَالَ: بل هُوَ صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا: هُوَ صَحِيح ثَابت. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : هَذَا الحَدِيث وَإِن لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ فِي «كِتَابَيْهِمَا» لاخْتِلَاف وَقع فِي سَماع عُرْوَة مِنْهَا، أَو هُوَ عَن مَرْوَان، فقد احتجا بِسَائِر رُوَاة حَدِيثهمَا، وَاحْتج البُخَارِيّ بِرِوَايَة مَرْوَان بن الحكم فِي عدَّة أَحَادِيث ثمَّ سردها؛ فَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ (بِكُل حَال) وَإِذا ثَبت سُؤال عُرْوَة بسرة عَن هَذَا الحَدِيث كَانَ صَحِيحا عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ جَمِيعًا. قَالَ: وَقد (اسْتَقَرَّتْ) الدّلَالَة عَلَى سُؤَاله إِيَّاهَا عَن هَذَا الحَدِيث وتصديقها مَرْوَان فِيمَا رَوَى عَنْهَا، وَذكر هَذِه الْمقَالة بِعَينهَا ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث لَا يخْتَلف فِي عَدَالَة رُوَاته. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِسْنَاده لَا مطْعن فِيهِ. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هُوَ حَدِيث حسن ثَابت، أخرجه أَصْحَاب السّنَن بأسانيد عديدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 قلت: فَهَذِهِ أَقْوَال الْحفاظ قَدِيما وحديثًا تشهد لما قدمْنَاهُ من صِحَّته، وَعَلِيهِ اعتراضات عَنْهَا أجوبة ظَاهِرَة فنخوض فِيهَا ليظْهر وهنها. الأول: أَن عُرْوَة لم يسمع هَذَا الحَدِيث من بسرة؛ إِنَّمَا سَمعه من مَرْوَان، يدل عَلَى ذَلِك أَن الشَّافِعِي رَوَاهُ عَن مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر (بن مُحَمَّد) بن عَمْرو بن حزم أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يَقُول: «دخلت عَلَى مَرْوَان بن الحكم فتذاكرنا مَا يكون مِنْهُ الْوضُوء، فَقَالَ مَرْوَان: وَمن مس الذّكر الْوضُوء. فَقَالَ عُرْوَة: مَا علمت ذَلِك. فَقَالَ مَرْوَان: حَدَّثتنِي بسرة بنت صَفْوَان أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: إِذا مس أحدكُم ذكره فَليَتَوَضَّأ» . الثَّانِي: الطعْن فِي مَرْوَان بن الحكم الرَّاوِي عَنْهَا؛ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: طعن أهل الْعلم فِيهِ. وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم: طعن فِي مَرْوَان أَئِمَّة الحَدِيث. الثَّالِث: جَهَالَة بسرة. الرَّابِع: أَنه يرويهِ عَنْهَا شرطي عَن شرطي. قَالَ الْحَرْبِيّ: هَذَا حَدِيث يرويهِ شرطي عَن شرطي عَن امْرَأَة. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ قَالَ: «أرسل مَرْوَان شرطيًّا إِلَى بسرة حَتَّى ردّ إِلَيّ جوابها» . الْخَامِس: عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: ثَلَاثَة أَحَادِيث لَا تصح: حَدِيث «مس الذّكر» ، و «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» ، و «كل مُسكر حرَام» . السَّادِس: قَالَ الطَّحَاوِيّ: إِن قَالُوا: فقد رَوَى هَذَا الحَدِيث: هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قيل لَهُم إِن هِشَام بن عُرْوَة لم يسمع هَذَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 أَبِيه، إِنَّمَا (أَخذه) من أبي بكر - يَعْنِي ابْن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم - (وَنسبه) فِي ذَلِك إِلَى التَّدْلِيس. وَعَن النَّسَائِيّ أَيْضا أَن هَذَا الحَدِيث لم يسمعهُ هِشَام (من) أَبِيه. وَالْجَوَاب عَن هَذِه الاعتراضات بِفضل الله ومنته: أما الأول: فقد صَحَّ، وَثَبت من غير شكّ وَلَا مرية سَماع عُرْوَة هَذَا الحَدِيث من بسرة أَيْضا، قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَنا أَحْمد بن خَالِد الْحَرَّانِي، نَا أبي، نَا شُعَيْب بن إِسْحَاق، حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، أَن مَرْوَان بن الحكم حَدثهُ، عَن بسرة بنت صَفْوَان أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا مسّ أحدكُم ذكره فَليَتَوَضَّأ» . قَالَ: فَأنْكر ذَلِك عُرْوَة فَسَأَلَ بسرة فصدقته. قَالَ ابْن حبَان: وَأَنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، نَا مُحَمَّد بن رَافع، نَا ابْن أبي فديك، أَخْبرنِي ربيعَة بن عُثْمَان، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة بنت صَفْوَان مَرْفُوعا: «من مسّ فرجه فَليَتَوَضَّأ» قَالَ عُرْوَة: فَسَأَلت بسرة فصدقته. ثمَّ رَوَى ابْن حبَان - أَيْضا - من حَدِيث هِشَام، عَن أَبِيه، عَن بسرة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من مس فرجه فليعد الْوضُوء» . وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: (وَمن صَحِيحه نقلت) أوجب الشَّافِعِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 الْوضُوء من مس الذّكر لحَدِيث بسرة، لَا رَأيا، وَبقول الشَّافِعِي أَقُول؛ لِأَن عُرْوَة سمع حَدِيث بسرة مِنْهَا لَا كَمَا يتوهمه بعض النَّاس أَن الْخَبَر واه؛ لطعنه فِي مَرْوَان (بن الحكم) . و (قَالَ) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : سَاق حَمَّاد بن سَلمَة هَذَا الحَدِيث، وَذكر فِيهِ سَماع عُرْوَة (من) بسرة. قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى صِحَة ذَلِك أَن الْجُمْهُور من أَصْحَاب هِشَام بن عُرْوَة رَوَوْهُ عَنهُ (عَن أَبِيه) ، عَن بسرة، ثمَّ ذكر ذَلِكَ عَن نَيف وَعشْرين رجلا. قَالَ: وَقد خالفهم فِيهِ جمَاعَة فَرَوَوْه عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، ثمَّ ذكر ذَلِك عَن عشرَة أنفس، ثمَّ قَالَ: وَقد ظهر الْخلاف فِيهِ عَلَى هِشَام بن عُرْوَة من بَين أَصْحَابه، فَنَظَرْنَا فَإِذا الْقَوْم الَّذين أثبتوا سَماع عُرْوَة من بسرة أَكثر وَبَعْضهمْ أحفظ من الَّذين جَعَلُوهُ عَن مَرْوَان، إِلَّا أَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة الْحفاظ أَيْضا ذكرُوا فِيهِ مَرْوَان، مِنْهُم مَالك بن أنس وَالثَّوْري ونظراؤهما، فَظن جمَاعَة مِمَّن لم ينعم النّظر فِي هَذَا الِاخْتِلَاف أَن الْخَبَر واه لطعن أَئِمَّة الحَدِيث عَلَى مَرْوَان، ثمَّ نَظرنَا فَوَجَدنَا جمَاعَة من الثِّقَات الْحفاظ رووا هَذَا، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، ثمَّ ذكرُوا فِي رواياتهم أَن عُرْوَة قَالَ: ثمَّ لقِيت بعد ذَلِك بسرة فحدثتني بِالْحَدِيثِ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا حَدثنِي مَرْوَان عَنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 قَالَ: فدلنا ذَلِك عَلَى صِحَة الحَدِيث (وثبوته) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَزَالَ عَنهُ الْخلاف والشبهة، وَثَبت سَماع عُرْوَة من بسرة. ثمَّ سَاق (بأسانيده) شَوَاهِد لما ذكره، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا مثل هَذِه الْمقَالة فَقَالَ: كَمَا اخْتلف عَلَى هِشَام بن عُرْوَة فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، فَرَوَاهُ جمَاعَة من الرفعاء الثِّقَات، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن بسرة (وَخَالفهُم جمَاعَة من الرفعاء الثِّقَات أَيْضا فَرَوَوْه، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة) فَلَمَّا ورد هَذَا الِاخْتِلَاف عَن هِشَام أشكل أَمر هَذَا الحَدِيث، وَظن كثير من النَّاس مِمَّن لم ينعم النّظر فِي الِاخْتِلَاف أَن هَذَا الحَدِيث غير ثَابت (لاختلافهم) فِيهِ؛ وَلِأَن الْوَاجِب فِي الحكم أَن نقُول: القَوْل قَول من (زَاد) فِي الْإِسْنَاد؛ لأَنهم ثِقَات فزيادتهم مَقْبُولَة، فَحكم قوم من أهل الْعلم بِضعْف الحَدِيث لطعنهم عَلَى مَرْوَان، فَلَمَّا نَظرنَا فِي ذَلِك (و) بحثنا عَنهُ، وجدنَا جمَاعَة من الثِّقَات الْحفاظ رووا هَذَا الحَدِيث، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة (فَذكرُوا) فِي روايتهم فِي آخر الحَدِيث أَن عُرْوَة قَالَ: ثمَّ لقِيت بسرة بعد فسألتها عَن الحَدِيث فحدثتني بِهِ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا حَدثنِي مَرْوَان عَنْهَا، فَدلَّ ذَلِك من رِوَايَة هَؤُلَاءِ النَّفر عَلَى صِحَة الرِّوَايَتَيْنِ الأولتين جَمِيعًا، وَزَالَ الِاخْتِلَاف، وَالْحَمْد لله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 (فصح) الْخَبَر وَثَبت أَن عُرْوَة سَمعه من بسرة (مشافهة) بِهِ بعد أَن أخبرهُ مَرْوَان عَنْهَا، وَبعد إرْسَاله الشرطي إِلَيْهَا، وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك وَيدل عَلَى صِحَّته أَن هشامًا كَانَ يحدث بِهِ مرّة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، وَمرَّة، عَن أَبِيه، عَن بسرة؛ ثمَّ أوضح طرقه فِي «علله» فِي نَحْو (من) عشْرين قَائِمَة. وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي: فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : مَرْوَان بن الحكم قد احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي «الصَّحِيح» وَقَالَ الْحَازِمِي: إِن الشَّيْخَيْنِ احتجا بِهِ. وناقشه (فِي ذَلِك) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» فَقَالَ: هُوَ مَعْدُود من مُفْرَدَات البُخَارِيّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «الْمُحَلَّى» : مَرْوَان مَا يعلم لَهُ جرحة قبل خُرُوجه عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الله بن الزبير، وَلم يلقه عُرْوَة قطّ إِلَّا قبل خُرُوجه عَلَى أَخِيه لَا بعد خُرُوجه، هَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بعد أَن أخرج حَدِيث بسرة من طَرِيق مَالك السالف: عَائِذ بِاللَّه أَن نحتج بِخَبَر رَوَاهُ مَرْوَان بن الحكم وذووه فِي شَيْء من كتبنَا؛ لأَنا لَا نستحل الِاحْتِجَاج بِغَيْر الصَّحِيح من سَائِر الْأَخْبَار وَإِن وَافق ذَلِك مَذْهَبنَا، وَلَا نعتمد من الْمذَاهب إِلَّا عَلَى المنتزع من الْآثَار، وَإِن خَالف (فِي) ذَلِك قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 أَئِمَّتنَا. وَأما خبر بسرة هَذَا، فَإِن عُرْوَة بن الزبير سَمعه من مَرْوَان بن الحكم عَن بسرة، فَلم يقنعه ذَلِك حَتَّى بعث مَرْوَان شرطيًّا لَهُ إِلَى بسرة فَسَأَلَهَا، ثمَّ أَتَاهُم فَأخْبرهُم بِمثل مَا قَالَت بسرة، فَسَمعهُ ثَانِيًا عَن الشرطي، ثمَّ لم يقنعه ذَلِك حَتَّى ذهب إِلَى بسرة فَسمع مِنْهَا، فَالْخَبَر عَن عُرْوَة عَن بسرة مُتَّصِل لَيْسَ بمنقطع، وَصَارَ مَرْوَان والشرطي كَأَنَّهُمَا عاريتان يُسقطان من الْإِسْنَاد، ثمَّ سَاق شَوَاهِد لما ذكره. وَأما الْجَواب عَن الثَّالِث: فكذب وافترى من ادَّعَى جَهَالَة بسرة؛ فَإِنَّهَا بسرة بنت صَفْوَان بن نَوْفَل بن أَسد بن عبد الْعُزَّى. قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هِيَ من سَادَات قُرَيْش. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن مَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ أَنه قَالَ: قَالَ لنا مَالك بن أنس: أَتَدْرُونَ من بسرة بنت صَفْوَان؟ هِيَ جدة عبد الْملك بن مَرْوَان أم أمه؛ فاعرفوها. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن مُصعب بن عبد الله الزبيري قَالَ: بسرة هِيَ بنت صَفْوَان بن نَوْفَل بن أَسد، من (المبايعات) ، وورقة بن نَوْفَل عَمها، وَلَيْسَ لِصَفْوَان عقب إِلَّا من قبلهَا، وَهِي زَوْجَة مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة بن أبي الْعَاصِ. قَالَ الْحَاكِم: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ عَن بسرة، مِنْهُم ابْن عمر، وَابْن عَمْرو، وَسَعِيد بن الْمسيب، (وَعمرَة) بنت عبد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيَّة، وَعبد الله بن أبي مليكَة، ومروان بن الحكم، وَسليمَان بن مُوسَى. قَالَ: وَقد روينَا عَن بسرة بنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 صَفْوَان عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَمْسَة أَحَادِيث غير هَذَا الحَدِيث، (قَالَ) : فَثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ اشتهار بسرة بنت صَفْوَان وارتفع عَنْهَا اسْم الْجَهَالَة بِهَذِهِ الرِّوَايَات. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : بسرة هَذِه قرشية أسدية، خَالَة مَرْوَان بن الحكم، وَتبع (فِي) ذَلِك صَاحب «الْكَمَال» وَإِنَّمَا هِيَ جدته كَمَا سلف. قَالَ: وَهِي جدة عبد الْملك بن مَرْوَان، وَبنت أخي ورقة بن نَوْفَل، وَأُخْت عقبَة بن أبي معيط. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : قيل: لَا يُنكر اشتهار بسرة بنت صَفْوَان بِصُحْبَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ومتانة حَدِيثهَا إِلَّا من جهل مَذَاهِب التحديث وَلم يحط علما بأحوال الروَاة. قَالَ: وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: قد روينَا قَوْلنَا عَن غير بسرة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالَّذِي يعيب علينا الرِّوَايَة عَن بسرة؛ يروي عَن عَائِشَة بنت عجرد، وَأم خِدَاش، وعدة من النِّسَاء لَيْسَ بمعروفات فِي الْعَامَّة ويحتج بروايتهن، ويضعف بسرة مَعَ سابقتها وقديم هجرتهَا وصحبتها النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقد حدثت بِهَذَا فِي دَار الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وهم متوافرون، وَلم يَدْفَعهُ أحد مِنْهُم؛ بل علمنَا بَعضهم صَار إِلَيْهِ عَن رِوَايَتهَا، مِنْهُم: عُرْوَة بن الزبير، وَقد دفع وَأنكر الْوضُوء من مس الذّكر قبل أَن يسمع الْخَبَر، فَلَمَّا علم أَن بسرة روته قَالَ بِهِ، وَترك قَوْله؛ وسمعها ابْن عمر تحدث بِهِ، فَلم يزل يتَوَضَّأ من مس الذّكر حَتَّى مَاتَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وَهَذِه طَريقَة الْعلم وَالْفِقْه. هَذَا آخر كَلَام الإِمَام الشَّافِعِي رَضي اللهُ عَنهُ وَهِي من النفائس الجليلة. وَأما الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض الرَّابِع: فقد كفَى فِيهِ وشفى الْحَافِظ أَبُو حَاتِم بن حبَان كَمَا أسلفناه عَنهُ فِي آخر الْجَواب (عَن) الثَّانِي، وَقَول إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ السالف عَلَى تَقْدِير ثُبُوته عَنهُ لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ لِأَن قَوْله: عَن امْرَأَة يدل عَلَى وَهن؛ وَلَيْسَ فِي الصحابيات مغمز، وَللَّه الْحَمد. وَأما الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض الْخَامِس: (وَهِي) الْحِكَايَة عَن يَحْيَى بن معِين: أَنه حَدِيث لَا يَصح، فحكاية لَا تثبت عَنهُ الْبَتَّةَ كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَتَبعهُ الْمُنْذِرِيّ قَالَا: و (قد) كَانَ مذْهبه انْتِقَاض الْوضُوء بِمَسّ الذّكر، وَقد كَانَ يحْتَج بِحَدِيث بسرة كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ، وَرَوَى عَنهُ عبد الْملك الْمَيْمُونِيّ أَنه قَالَ: إِنَّمَا يطعن فِي حَدِيث بسرة من لَا يذهب إِلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : رَوَى مُضَر بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت يَحْيَى بن معِين عَن مس الذّكر، أَي شَيْء أصح فِيهِ من الحَدِيث؟ قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَوْلَا حَدِيث مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عُرْوَة، عَن مَرْوَان، عَن بسرة؛ فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: سَمِعت؛ قَالَ: سَمِعت، لَقلت: لَا يَصح شَيْء. قلت: وَعَلَى (تَقْدِير) صِحَة الْحِكَايَة السَّالفة عَنهُ، فَأهل الْعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 قاطبة عَلَى خلَافهَا، فقد صَححهُ الجماهير من الْأَئِمَّة والحفاظ كَمَا أسلفناه، وَاحْتج بِهِ نُجُوم الحَدِيث، وَلَو كَانَ كَمَا ذكر لم يحتجوا (بِهِ) . وَأما الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض السَّادِس: وَهُوَ أَن هشامًا لم يسمعهُ من أَبِيه، إِنَّمَا أَخذ عَن أبي بكر بن مُحَمَّد (بن عَمْرو) بن حزم، وَنسبه فِي ذَلِك إِلَى التَّدْلِيس فَهُوَ أَن الطَّبَرَانِيّ رَوَى عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: قَالَ شُعْبَة: لم يسمع هِشَام حَدِيث أَبِيه فِي مس الذّكر - يَعْنِي: مِنْهُ - قَالَ يَحْيَى: فَسَأَلت هشامًا فَقَالَ: أَخْبرنِي أبي، فقد صَحَّ سَماع هِشَام من أَبِيه؛ كَمَا صَحَّ سَماع عُرْوَة (من) بسرة، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث، عَمْرو بن عَلّي، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن هِشَام قَالَ: حَدثنِي أبي. ثمَّ اعْلَم أَن الْحَاكِم طعن فِيمَا أَشَارَ الطَّحَاوِيّ إِلَى أَنه الصَّوَاب؛ فَقَالَ: رِوَايَة هِشَام عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم لم اأت من وَجه مُعْتَمد. قلت: لَكِن أَتَى بهَا الطَّبَرَانِيّ من وَجه مُعْتَمد؛ فَقَالَ: حَدثنَا عَلّي بن عبد الْعَزِيز، عَن حجاج بن منهال، عَن همام بن يَحْيَى، عَن هِشَام (بن) عُرْوَة، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن عُرْوَة، وكل هَؤُلَاءِ ثِقَات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 نعم؛ هَذِه الطَّرِيقَة مرجوحة (لمُخَالفَة) الجم الْغَفِير إِيَّاهَا عَن هِشَام، وَذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم (فِي «محلاه» اعتراضًا آخر، فَقَالَ: إِن قيل: خبر بسرة هَذَا [رَوَاهُ] الزُّهْرِيّ، عَن عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم) عَن عُرْوَة. ثمَّ أجَاب عَنهُ فَقَالَ: قُلْنَا: مرْحَبًا بِهَذَا، وَعبد الله ثِقَة، وَالزهْرِيّ لَا خلاف أَنه سمع من عُرْوَة وجالسه؛ فَرَوَاهُ عَن عُرْوَة، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي بكر، عَن عُرْوَة فَهَذَا قُوَّة للْخَبَر. قلت: فقد اتَّضَح صِحَة حَدِيث بسرة هَذَا - بِحَمْد الله وَمِنْه - وَزَالَ عَنهُ مَا طعن فِيهِ، وَلَقَد أحسن الْحَافِظ أَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الشَّرْقِي تلميذ مُسلم؛ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْحَاكِم: هُوَ صَاحب الصِّحَاح - فِيمَا حَكَى عَنهُ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد النصراباذي الْفَقِيه - قَالَ: استقبلني أَبُو حَامِد (بن) الشَّرْقِي وَأَنا مُتَوَجّه إِلَى منزلي، فَقلت: أَيهَا الشَّيْخ، مَا تَقول فِي مس الذّكر؛ أيصح من جِهَة الْإِسْنَاد؟ فَقَالَ: بلَى هُوَ حَدِيث صَحِيح. فَقلت: إِن مَشَايِخ أَصْحَابك يَقُولُونَ: لَا يَصح! قَالَ: من يَقُول هَذَا؟ قلت: أَبُو بكر بن إِسْحَاق، وَأَبُو عَلّي الْحَافِظ، فَقَالَ: أما أَبُو بكر بن إِسْحَاق فقد سبق مني أَنِّي لَا أَقُول فِي (حَدِيثه) شَيْئا؛ وَأما أَبُو عَلّي فلقيط (لَا) يدْرِي مَا الحَدِيث، وَأما أَنْت فحائك، والْحَدِيث صَحِيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 قلت: وَلم تنفرد بسرة أَيْضا بِهَذِهِ السّنة؛ بل رَوَاهَا جماعات من الصَّحَابَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَيرهَا: أَبُو هُرَيْرَة، وَزيد بن خَالِد، ذكرهمَا التِّرْمِذِيّ، وَجَابِر ذكره أَيْضا، وَقَالَ الضياء فِي «أَحْكَامه» : لَا أرَى بِإِسْنَادِهِ بَأْسا. وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن عبد الْبر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِسْنَاده صَالح؛ كل مَذْكُور فِيهِ ثِقَة. وَأم حَبِيبَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَذكره التِّرْمِذِيّ أَيْضا (وَقَالَ) : قَالَ أَبُو زرْعَة: (هُوَ) حَدِيث صَحِيح، وَأعله مُحَمَّد - يَعْنِي: البُخَارِيّ - بِأَن مَكْحُولًا لم يسمع من عَنْبَسَة الرَّاوِي عَن أم حَبِيبَة. قلت: وَبِهَذَا أعله أَبُو زرْعَة - فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي (مراسيله) عَنهُ - وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَيَحْيَى بن معِين فِي (رِوَايَة) وَقَالَ ابْن عبد الْبر: صَحَّ عِنْد أهل الْعلم سَماع مَكْحُول مِنْهُ، ذكره دُحَيْم وَغَيره، وَذكر الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث (صَحِيح) حدّث بِهِ الإِمَام أَحْمد، وَيَحْيَى بن معِين، وأئمة الحَدِيث عَن أبي مسْهر، وَكَانَ يَحْيَى بن معِين يثبت سَماع مَكْحُول من عَنْبَسَة، فَإِذا ثَبت سَمَاعه فَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب. وَنقل الْخلال فِي «علله» عَن أَحْمد أَنه صَححهُ، وَأَبُو أَيُّوب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وأرْوَى بنت أنيس، وَعَائِشَة، ذكرهم التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وأعل أَبُو حَاتِم حَدِيث عَائِشَة كَمَا ذكره عَنهُ ابْنه فِي «علله» وَعبد الله بن عَمْرو، ذكره أَيْضا، وَقَالَ فِي «علله» قَالَ لي مُحَمَّد - يَعْنِي البُخَارِيّ -: إِنَّه عِنْدِي صَحِيح. وَكَذَا قَالَ الْحَازِمِي فِي (ناسخه ومنسوخه) ، وَسعد بن أبي وَقاص، وَأم سَلمَة (ذكرهمَا) الْحَاكِم، وَجَمِيع مَا (قبله) أَيْضا، وَابْن عَبَّاس (رَوَاهُ) ابْن عدي، وَابْن (عمر) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، والنعمان بن بشير، وَأبي بن كَعْب، وَأنس بن مَالك، وَمُعَاوِيَة بن حيدة، وَقبيصَة (ذكرهم) ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة عشر من الصَّحَابَة رووا مثل رِوَايَة بسرة، وَذكر التِّرْمِذِيّ مِنْهُم ثَمَانِيَة وأهمل (تِسْعَة) وَذكر الْحَاكِم مِنْهُم عشرَة وأهمل سَبْعَة؛ فاستفدهم. وَأما الحَدِيث الْمَشْهُور فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي يضاد حَدِيث بسرة هَذَا فَهُوَ حَدِيث قيس بن طلق بن عَلّي، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن مس الذّكر فِي الصَّلَاة، فَقَالَ: (هَل) هُوَ إِلَّا بضعَة مِنْك - أَو مُضْغَة مِنْك» رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فانقسم النَّاس فِيهِ إِلَى مضعف لَهُ ومصحح مؤول. فَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» و «تَحْقِيقه» من طرق وضعفها كلهَا، قَالَ: وَقيس بن طلق ضعفه أَحْمد وَيَحْيَى، وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» فأوضح علته، وَنقل هُوَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن أبي حَاتِم أَنه سَأَلَ أَبَاهُ وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَا: قيس بن طلق لَيْسَ مِمَّن تقوم بِهِ حجَّة. ووهناه وَلم يثبتاه. قَالَ الشَّافِعِي: قد سَأَلنَا عَن قيس فَلم نجد من يعرفهُ بِمَا يكون لنا فِيهِ قبُول خَبره، وَقد عَارضه من وَصفنَا ثقته ورجاحته فِي الحَدِيث وثبته - يَعْنِي: حَدِيث بسرة. وَأما ابْن حزم؛ فَإِنَّهُ صَححهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : إِنَّه أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب - يَعْنِي (فِي) ترك الْوضُوء مِنْهُ. وَقَالَ ابْن مَنْدَه عَن عَمْرو بن عَلّي الفلاس أَنه قَالَ: حَدِيث قيس عندنَا أثبت من حَدِيث بسرة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا حَدِيث مُسْتَقِيم الْإِسْنَاد غير مُضْطَرب فِي إِسْنَاده وَلَا مَتنه، فَهُوَ أولَى عندنَا مِمَّا رَوَيْنَاهُ أَولا من الْآثَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 المضطربة فِي أسانيدها، ثمَّ رَوَى عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: إِنَّه أحسن من حَدِيث بسرة، وخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق عبد الله بن بدر عَن قيس، وَمن طَرِيق عِكْرِمَة بن عمار، عَن قيس بِهِ (ثمَّ) قَالَ: إِنَّه خبر مَنْسُوخ؛ لِأَن طلق بن عَلّي كَانَ قدومه عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أول سنة من سني الْهِجْرَة، حَيْثُ كَانَ الْمُسلمُونَ يبنون مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْمَدِينَةِ [2] . ثمَّ سَاق كَذَلِك بِإِسْنَادِهِ، و (قد) رَوَى أَبُو هُرَيْرَة إِيجَاب الْوضُوء من مس الذّكر، وَأَبُو هُرَيْرَة أسلم سنة سبع من الْهِجْرَة، (فَدلَّ) ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 عَلَى أَن خبر أبي هُرَيْرَة كَانَ بعد خبر طلق بن عَلّي بِسبع سِنِين، ثمَّ ذكر حَدِيثا بِإِسْنَادِهِ يدل عَلَى أَن طلق بن عَلّي رَجَعَ إِلَى بِلَاده بعد قَدمته. ثمَّ قَالَ ابْن حبَان: وَلَا نعلم لَهُ رُجُوعا إِلَى الْمَدِينَة بعد ذَلِك، فَمن ادَّعَى رُجُوعه بعد ذَلِك فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بِسنة مصرحة، وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى ذَلِك. وَهَذَا الْجَواب الَّذِي ذكره أَبُو حَاتِم مَشْهُور (ذكره الْخطابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ) وأصحابنا فِي كتب الْمَذْهَب؛ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» : وَهُوَ مُحْتَمل. وَقَالَ الْحَازِمِي: (و) إِذا ثَبت أَن حَدِيث طلق مُتَقَدم، وَأَحَادِيث الْمَنْع مُتَأَخِّرَة وَجب الْمصير إِلَيْهَا، وَصَحَّ ادِّعَاء النّسخ فِي ذَلِك. قَالَ: ثمَّ نَظرنَا هَل نجد أمرا يُؤَكد مَا صرنا إِلَيْهِ، فَوَجَدنَا طلقًا رَوَى حَدِيثا فِي الْمَنْع، فدلنا ذَلِك عَلَى صِحَة النَّقْل فِي إِثْبَات النّسخ، وَأَن طلقًا شَاهد الْحَالَتَيْنِ، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث الطَّبَرَانِيّ، نَا الْحسن بن عَلّي الْفَسَوِي، نَا حَمَّاد بن مُحَمَّد الْحَنَفِيّ، نَا أَيُّوب بن عتبَة، عَن قيس بن طلق، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» : لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن أَيُّوب بن عتبَة إِلَّا حَمَّاد بن مُحَمَّد، وهما عِنْدِي صَحِيحَانِ - يَعْنِي: حَدِيث طلق هَذَا، وَحَدِيثه الَّذِي قبله - وَيُشبه أَن يكون سمع الحَدِيث الأول من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل هَذَا، ثمَّ سمع هَذَا بعد، فَسمع النَّاسِخ والمنسوخ، فَوَافَقَ حَدِيث بسرة (وموافقتها) . قلت: بل قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ: إِن بسرة أسلمت عَام الْفَتْح فَيكون نَاسِخا مَعَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَقد اجْتمع - بِحَمْد الله وَمِنْه - فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فَوَائِد جمة لَا تُوجد مَجْمُوعَة هَكَذَا فِي تصنيف، وَللَّه الْحَمد عَلَى ذَلِك. الحَدِيث الرَّابِع عشر قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أَفْضَى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه، لَيْسَ دونهَا حجاب وَلَا (ستر) فقد وَجب (عَلَيْهِ) الْوضُوء» . هَذَا (الحَدِيث) (يرْوَى) من طَرِيقين: الأولَى: من حَدِيث يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهَا الشَّافِعِي، وَالْبَزَّار، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَاللَّفْظ لَهُ، وَالْبَيْهَقِيّ، وأعلت بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 أَحدهمَا: بالضعف بِسَبَب يزِيد بن عبد الْملك وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تكلمُوا فِيهِ. قَالَ: وَسُئِلَ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: شيخ من أهل الْمَدِينَة، لَيْسَ بِهِ بَأْس. قلت: وَكَذَا نَقله الْحَازِمِي عَنهُ، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَنهُ أَنه قَالَ: عِنْده مَنَاكِير (و) قَالَ يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى: مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ البُخَارِيّ: أَحَادِيثه شبه لَا شَيْء. وَضَعفه جدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث (جدًّا. وَقَالَ السَّاجِي: ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث) وَاخْتَلَطَ بِآخِرهِ. وَقَالَ الْبَزَّار: لين الحَدِيث. قَالَ: وَلَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة (بِهَذَا) اللَّفْظ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. كَذَا قَالَ، وستعلم مَا (يُخَالِفهُ) . الْوَجْه الثَّانِي: الِانْقِطَاع بَين النَّوْفَلِي وَسَعِيد المَقْبُري؛ فَإِنَّهُ ذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: سقط بَينهمَا رجل، وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عبد الله بن نَافِع، عَن النَّوْفَلِي، عَن أبي مُوسَى الحنَّاط، عَن سعيد، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من جِهَة عبد الْعَزِيز بن مِقْلَاص عَن الشَّافِعِي بِهِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: أَبُو مُوسَى هَذَا رجل مَجْهُول، وَعبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 بن نَافِع هُوَ الصَّائِغ صَاحب مَالك، أَثْنَى عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْعلمَاء، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَالْأَرْبَعَة، وَقَالَ أَحْمد: لم يكن يحفظ الحَدِيث، كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الرَّأْي. قلت: فَظهر (مِمَّا) قَرَّرْنَاهُ (رد) هَذِه الطَّرِيقَة بالضعف والانقطاع، وَمَعَ تَقْدِير الِاتِّصَال فِيهَا جَهَالَة أَيْضا، لَكِن نقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة: إِن يزِيد بن عبد الْملك سمع من سعيد المَقْبُري، فتقوى بعض الْقُوَّة (مَعَ) تليين الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ يزِيد بن عبد الْملك، (وشهرة) الحَدِيث من طَرِيق عَن سعيد (المَقْبُري) بِغَيْر وَاسِطَة. لَا جرم قَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن جمَاعَة، فِي إِسْنَاده بعض الشَّيْء، لَكِن ذكر الْبَيْهَقِيّ لَهُ طرقًا فالتحق بِمَجْمُوع ذَلِك بِنَوْع الْحسن الَّذِي يحْتَج بِهِ. الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: وَعَلَيْهَا الِاعْتِمَاد، وَكَانَ يجب تَقْدِيمهَا، وَقد صححها غير وَاحِد من الْحفاظ مِنْهُم: أَبُو حَاتِم بن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أصبغ بن الْفرج، نَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن يزِيد بن عبد الْملك وَنَافِع بن أبي نعيم الْقَارئ، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أَفْضَى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه، وَلَيْسَ بَينهمَا ستر وَلَا حجاب فَليَتَوَضَّأ» . ثمَّ قَالَ: احتجاجنا فِي هَذَا الْخَبَر بِنَافِع بن أبي نعيم دون يزِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 بن عبد الْملك النَّوْفَلِي؛ لِأَن يزِيد بن عبد الْملك تبرأنا من عهدته فِي «كتاب الضُّعَفَاء» ، وَقَالَ فِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث صَحِيح سَنَده، عدُول نقلته. وَمِنْهُم الْحَاكِم أَبُو عبد الله؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أصبغ - أَيْضا - نَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، نَا نَافِع بن أبي نعيم، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَشَاهده الحَدِيث الْمَشْهُور، عَن يزِيد بن عبد الْملك، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة - يَعْنِي الطَّرِيقَة الأولَى - وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ كَمَا أخرجه ابْن حبَان، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن نَافِع إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم الْفَقِيه الْمصْرِيّ، وَلَا عَن عبد الرَّحْمَن إِلَّا أصبغ؛ تفرد بِهِ أَحْمد بن سعيد. وَأخرجه الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر من هَذِه الطَّرِيقَة ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَالح صَحِيح - إِن شَاءَ الله. قَالَ: وَقَالَ ابْن السكن: هَذَا الحَدِيث من أَجود مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب؛ لرِوَايَة ابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك لَهُ، عَن نَافِع بن أبي نعيم. قَالَ: وَأما يزِيد بن عبد الْملك فضعيف. قَالَ أَبُو عمر: (و) حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا لَا يعرف إِلَّا بِيَزِيد بن عبد الْملك هَذَا، حَتَّى رَوَاهُ أصبغ بن الْفرج، عَن ابْن الْقَاسِم، عَن نَافِع بن أبي نعيم، وَيزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي جَمِيعًا، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة. وَأصبغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 وَابْن الْقَاسِم ثقتان فقيهان، فصح الحَدِيث بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل - عَلَى مَا ذكر ابْن السكن - إِلَّا أَن أَحْمد بن حَنْبَل لَا يرْضَى بِنَافِع بن أبي نعيم، أَي فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: يُؤْخَذ عَنهُ الْقُرْآن وَلَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث، وَخَالفهُ ابْن معِين فَقَالَ: هُوَ ثِقَة. قلت: هُوَ أحد السَّبْعَة، وَوَثَّقَهُ مَعَ يَحْيَى أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: مُسْتَقِيم الحَدِيث. وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَأخرج لَهُ فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف؛ فَهَذِهِ الطَّرِيقَة مُحْتَج بهَا، وَإِن (كَانَ) فِيهَا بعض لين، وَقد شهد لَهَا هَؤُلَاءِ بِالصِّحَّةِ، وَإِن نَافِعًا تَابع النَّوْفَلِي وأسقطه الْحَاكِم - أَعنِي: النَّوْفَلِي - من (رِوَايَته) كَمَا سقته لَك، وَاقْتصر عَلَى رِوَايَة نَافِع، وَاسْتشْهدَ بِرِوَايَة النَّوْفَلِي. ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ لم يفصح بإيراد الحَدِيث كَمَا ذكرته لَك، وَإِنَّمَا قَالَ: وَإِنَّمَا ينْتَقض الْوضُوء إِذا مس بِبَطن الْكَفّ، وَالْمرَاد بالكف: الرَّاحَة وبطون الْأَصَابِع. وَقَالَ أَحْمد: تنْتَقض الطَّهَارَة سَوَاء مس بِظهْر الْكَفّ أَو بِبَطْنِهَا. لنا الْأَخْبَار الْوَارِدَة، جَرَى فِي بَعْضهَا لفظ (الْمس) وَفِي بَعْضهَا لفظ «الْإِفْضَاء» ، وَمَعْلُوم أَن المُرَاد مِنْهُمَا وَاحِد، والإفضاء فِي اللُّغَة: الْمس بِبَطن الْكَفّ هَذَا كَلَامه، فَذكرت حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْإِفْضَاء لإشارته إِلَيْهِ، وَأَشَارَ بِمَا ذكره أَيْضا، إِلَّا أَن الْإِفْضَاء (مُبين مُقَيّد؛ فَيحمل الْمُطلق عَلَيْهِ. لَكِن فِيمَا نَقله عَن أهل اللُّغَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 أَن الْإِفْضَاء:) الْمس بِبَطن الْكَفّ فَقَط (نظرا) فقد قَالَ ابْن سَيّده: أَفْضَى فلَان إِلَى فلَان: وصل. والوصول أَعم (من) أَن يكون بِظَاهِر الْكَفّ أَو بَاطِنه تركنَا وَسلمنَا أَنه بِبَطن الْكَفّ؛ فالمسّ شَامِل للإفضاء وَغَيره، والإفضاء فردٌ من أَفْرَاده، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص عَلَى الْمَشْهُور فِي الْأُصُول، نعم؛ طَرِيق الِاسْتِدْلَال أَن يُقَال: مَفْهُوم الشَّرْط يدل عَلَى أَن غير الْإِفْضَاء لَا ينْقض؛ فَيكون تَخْصِيصًا لعُمُوم الْمَنْطُوق، وَتَخْصِيص الْعُمُوم بِالْمَفْهُومِ جَائِز. وَادَّعَى ابْن حزم فِي «محلاه» : أَن قَول الشَّافِعِي إِن الْإِفْضَاء لَا يكون إِلَّا بِبَطن الْكَفّ؛ لَا دَلِيل عَلَيْهِ من قُرْآن وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع، وَلَا قَول صَاحب وَلَا قِيَاس ورأي صَحِيح، وَأَنه لَا يَصح فِي الْآثَار «من أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فرجه» وَلَو صَحَّ؛ فالإفضاء يكون بِظهْر (الْكَفّ) كَمَا يكون بِبَطْنِهَا. قلت: قد صَحَّ لفظ الْإِفْضَاء - كَمَا قَرَّرْنَاهُ - وَعرفت طَرِيق الِاسْتِدْلَال، فقوي قَول الشَّافِعِي، وَللَّه الْحَمد. (و) وَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ أَنه جَرَى فى بعض الْأَخْبَار لفظ اللَّمْس وَهَذَا لم أره بعد الْبَحْث عَنهُ، والنسخ الْمُعْتَمدَة من الرَّافِعِيّ لَيْسَ فِيهَا هَذِه الزِّيَادَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ويل للَّذين يمسون فروجهم ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ! قَالَت عَائِشَة: بِأبي وَأمي؛ هَذَا للرِّجَال، أَفَرَأَيْت النِّسَاء؟ ! قَالَ: إِذا مست إحداكن فرجهَا فلتتوضأ للصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر بن حَفْص الْعمريّ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء، ثمَّ قَالَ: عبد الرَّحْمَن الْعمريّ: ضَعِيف. قلت: وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ فِي «الضُّعَفَاء» أَنه قَالَ إِنَّه مَتْرُوك. وَكَذَا قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ وَأَبُو زرْعَة. قلت: وَقد صَحَّ هَذَا من قَوْلهَا، قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : صحت الرِّوَايَة عَن عَائِشَة بنت الصّديق أَنَّهَا قَالَت: «إِذا مست الْمَرْأَة فرجهَا تَوَضَّأت» ثمَّ سَاق: من حَدِيث (إِسْحَاق) بن مُحَمَّد الْفَروِي، عَن عبيد الله بن عمر، وَمن حَدِيث الشَّافِعِي، عَن الْقَاسِم بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن عبيد الله بن عمر، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة: «إِذا مست الْمَرْأَة فرجهَا بِيَدِهَا فعلَيْهَا الْوضُوء» وَمن حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن عبيد الله بن (عمر) بِاللَّفْظِ الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث أوردهُ الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن حكم فرج الْمَرْأَة فِي الْمس حكم الذّكر، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث بسرة السالف؛ فَإِنَّهُ فِي بعض (رواياته) «من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ» كَمَا أسلفناه عَن رِوَايَة ابْن حبَان، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «فليعد الْوضُوء» كَمَا سلف أَيْضا. ثمَّ قَالَ: لَو كَانَ المُرَاد مِنْهُ غسل الْيَدَيْنِ كَمَا قَالَ بعض النَّاس؛ لما قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «فليعد الْوضُوء» إِذْ الْإِعَادَة لَا تكون إِلَّا للْوُضُوء الَّذِي هُوَ للصَّلَاة، ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَن بسرة أَيْضا مَرْفُوعا: «من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» وَفِي لفظ (لَهُ) : «إِذا مس أحدكُم فرجه فَليَتَوَضَّأ» وَفِي رِوَايَة (للْحَاكِم) : «من مس فرجه (فَلَا) يُصَلِّي حَتَّى يتَوَضَّأ» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» عَن الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن بسرة، (و) عَن مَرْوَان، عَن بسرة «أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْمر بِالْوضُوءِ من مس الْفرج» . (و) هَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح. وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «إِذا مس الرجل ذكره فَليَتَوَضَّأ، وَإِذا مست الْمَرْأَة قبلهَا فلتتوضأ» رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن (هِشَام) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، وَرِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن الْحِجَازِيِّينَ مستضعفة، كَمَا ستعلمه فِي بَاب الْغسْل - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَفِي «مُسْند أَحْمد (بن حَنْبَل) » و «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا رجل مسّ فرجه فَليَتَوَضَّأ، وَأَيّمَا امْرَأَة مست فرجهَا فلتتوضأ» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث بسرة، عَن البُخَارِيّ وَغَيره. الحَدِيث السَّادِس عشر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «من مس الْفرج الْوضُوء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بسرة بِنَحْوِهِ كَمَا سلف (آنِفا) بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح، والرافعي (ذكره) دَلِيلا لِلْقَوْلِ الْقَدِيم فِي النَّقْض (بِمَسّ) فرج الْبَهِيمَة فَقَالَ: لظَاهِر قَوْله: «من مس الْفرج الْوضُوء» وَقد (سلفت) لَك طرق حَدِيث بسرة وَأَنه فِي مس الذّكر أَو (فِي) مس فرجه، فَلَعَلَّ من رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَهَذَا سِيَاق (رِوَايَة) الطَّبَرَانِيّ (بِتَمَامِهَا) عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 «تَذَاكر هُوَ ومروان الْوضُوء من مس الْفرج، فَقَالَ مَرْوَان: حَدِيث بسرة بنت صَفْوَان أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْمر بِالْوضُوءِ من مس الْفرج. فَكَأَن عُرْوَة لم يرجع لحديثه فَأرْسل مَرْوَان إِلَيْهَا شرطيًّا، فَرجع (فَأخْبرهُم) أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْمر بِالْوضُوءِ من مس الْفرج» . الحَدِيث السَّابِع عشر رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مسّ زبيبة الْحسن أَو الْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام وَصَلى وَلم (يُرو أَنه تَوَضَّأ) » . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي لَيْلَى الْأنْصَارِيّ قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فجَاء الْحسن فَأقبل يتمرغ (عَلَيْهِ) فَرفع عَن قَمِيصه (و) قبل زبيبته» . ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ أَنه مسّه بِيَدِهِ ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي (أَحْكَام النّظر) : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَيْنَاهُ فِي «السّنَن الْكَبِير» (يَعْنِي) للبيهقي عَن أبي لَيْلَى الْأنْصَارِيّ يتداوله بطُون من وَلَده، مِنْهُم من لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تنقيحه» إِنَّه ضَعِيف مُتَّفق عَلَى ضعفه. وَضَعفه أَيْضا فِي «شَرحه» و «خلاصته» . ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن الرَّافِعِيّ تبع فِي رِوَايَة الحَدِيث الْحسن أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 الْحُسَيْن عَلَى التَّرَدُّد الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي «وسيطه» وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه، فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي «نهايته» ، وَأَشَارَ ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» إِلَى الْإِنْكَار عَلَى الْغَزالِيّ، فَقَالَ بعد أَن عزا الحَدِيث للبيهقي: وَالصَّغِير فِيهِ هُوَ الْحسن المكبر. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي «تنقيحه» فَقَالَ: إِنَّه شكّ من الْغَزالِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحسن - بِفَتْح الْحَاء - مكبر، وَقد علمت أَن هَذَا الشَّك سبقه إِلَيْهِ إِمَامه؛ فَلَا إِنْكَار عَلَيْهِ. ثمَّ مكثت دهرًا أبحث عَن رِوَايَة الْحُسَيْن - مُصَغرًا - فظفرت بهَا - بِحَمْد الله (وَمِنْه) - فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» صَرِيحًا، فصح حِينَئِذٍ مَا وَقع فِي هَذِه الْكتب؛ فَإِنَّهُ إِشَارَة إِلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الطَّبَرَانِيّ: حَدثنَا الْحسن بن عَلّي الْفَسَوِي، ثَنَا خَالِد بن يزِيد، نَا جرير، عَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرّج مَا بَين فَخذي الْحُسَيْن وَقبل زبيبته» وقابوس هَذَا قَالَ النَّسَائِيّ (وَغَيره:) لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث الْبَيْهَقِيّ دلَالَة عَلَى أَنه صَلَّى عقب ذَلِك؛ فَكيف يحسن استدلالهم بِهِ عَلَى عدم النَّقْض بِمَسّ (فرج) الصَّغِير؟ ! نعم؛ هُوَ دَلِيل عَلَى جَوَاز مسّه، وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ من وَرَاء حَائِل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 قَالَ الإِمَام فِي «نهايته» : مَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من تَقْبِيل زبيبة الْحسن أَو الْحُسَيْن (عَلَيْهِمَا السَّلَام مَحْمُول) عَلَى جَرَيَان ذَلِك (من) وَرَاء ثوب، وَتَبعهُ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فَتنبه لذَلِك. (فَائِدَة: الزبيبة - بِضَم الزَّاي، وَفتح الْبَاء تَصْغِير -: الزب، وَهُوَ الذّكر. وألحقت الْيَاء فِيهِ كَمَا ألحقت فِي عسيلة ودهينة (قَالَه) النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» وَذكر فِي (الصِّحَاح) لهَذِهِ اللَّفْظَة مَعَاني مِنْهَا اللِّحْيَة، وَلم يذكر فِيهَا الذّكر أصلا) . الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ؛ أخرج مِنْهُ شَيْء أم لَا؟ فَلَا يخرجنَّ من الْمَسْجِد حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده. (و) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَوجدَ حَرَكَة فِي دبره، أحدث أَو لم يحدث فأشكل عَلَيْهِ، فَلَا ينْصَرف (حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 يسمع) صَوتا أَو يجد ريحًا» (زَاد أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» : «أَو يرَى بللاً» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «إِذا كَانَ أحدكُم فِي الْمَسْجِد فَوجدَ ريحًا بَين أليتيه، فَلَا يخرج حَتَّى يسمع صَوتا، أَو يجد ريحًا» ) ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح. قلت: وَمثله فِي الدّلَالَة حَدِيث عبد الله بن زيد «شكي إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الرجل يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة، قَالَ: لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» . وَهُوَ مِمَّا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى إِخْرَاجه، وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ أَن عبد الله بن زيد هُوَ الشاكي، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) (لَا يَنْفَتِل (أَو) لَا ينْصَرف) . الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم فينفخ بَين أليتيه وَيَقُول: أحدثت أحدثت؛ فَلَا ينصرفن حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه؛ فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك بِقصَّة، وَقَالَ: إِن الشَّافِعِي اسْتدلَّ بِهِ. وَذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» فِي الصَّلَاة وَفِي الشَّك فِي الطَّلَاق (و) قَالَ الْفَقِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «مطلبه» : لم أظفر بِهِ. قلت: قد ذكره نَاصِر مذْهبه عَنهُ (أَعنِي) الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) (بِغَيْر) إِسْنَاد، فَقَالَ فِي بَاب الشَّك فِي الطَّلَاق: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن الشَّيْطَان (يَأْتِي) أحدكُم فينفخ بَين أليتيه، فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» وَكَذَا هُوَ فِي «مُخْتَصر الْمُزنِيّ» فِي بَاب الشَّك فِي الطَّلَاق، وَقَالَ: «يشم» بدل «يجد» ، وَقَالَ فِي بَاب عدَّة زَوْجَة الْمَفْقُود: وَقَالَ الشَّافِعِي: وَحَدِيث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن الشَّيْطَان تفل عِنْد عجيزة أحدكُم حَتَّى يخيل إِلَيْهِ أَنه قد أحدث؛ فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا» ثمَّ ذكر من حَدِيث عبد الله بن زيد السالف فِي الحَدِيث قبله بِلَفْظ: «إِن الشَّيْطَان ينفر عِنْد عجيزة أحدكُم حَتَّى يخيل إِلَيْهِ أَنه قد أحدث، فَلَا يتَوَضَّأ حَتَّى يجد ريحًا يعرفهُ أَو صَوتا يسمعهُ» قَالَ: وَقد مَضَى هَذَا (فِي) الحَدِيث الثَّابِت عَن عبد الله بن زيد دون ذكر الشَّيْطَان؛ أَي: فَإِن هَذِه الزِّيَادَة فِي سندها: ابْن لَهِيعَة. قلت: وَنَحْوه حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَأنس، وَقد ذكرتهما فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط» الْمُسَمَّى ب «تذكرة الأخيار بِمَا فِي الْوَسِيط من الْأَخْبَار» فَرَاجعهَا مِنْهُ. تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الرَّد عَلَى مَالك فِي تفرقته بَين الشَّك فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 الصَّلَاة وخارجها مَا رَوَيْنَاهُ فِي الْخَبَر حجَّة عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُطلق. قلت: لَكِن رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة (توافقه) فَإِنَّهَا مُقَيّدَة بِالصَّلَاةِ، فَاعْلَم ذَلِك. الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ «فِي الَّذِي لَهُ مَا للرِّجَال، وَمَا للنِّسَاء: يُورث من حَيْثُ يَبُول» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْكَلْبِيّ، عَن أبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن مولودٍ ولد لَهُ قبل وَذكر؛ من أَيْن يُورث؟ (فَقَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يُورث من حَيْثُ يَبُول» . وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف. أما الْكَلْبِيّ، وَهُوَ مُحَمَّد بن السَّائِب بن (بشر) الْكُوفِي (فواه) ، وَقد نسبه إِلَى الْكَذِب: زَائِدَة، وَلَيْث، وَابْن معِين، وَجَمَاعَة. قَالَ ابْن حبَان: وضوح الْكَذِب فِيهِ أظهر من أَن يحْتَاج إِلَى الإغراق فِي وَصفه. (وَرَوَى) عَن أبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس التَّفْسِير، وَأَبُو صَالح لم ير ابْن عَبَّاس (وَلَا سمع) مِنْهُ، لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأَبُو صَالح هَذَا فَلَيْسَ بِأبي صَالح ذكْوَان السمان، الْمخْرج لَهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن أبي هُرَيْرَة؛ إِنَّمَا هُوَ: باذام - بباء مُوَحدَة ثمَّ ألف ثمَّ ذال مُعْجمَة ثمَّ ألف ثمَّ مِيم، وَيُقَال: بنُون بدلهَا - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 مولَى أم هَانِئ بنت أبي طَالب الْكُوفِي، تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَترك ابْن مهْدي الرِّوَايَة عَنهُ، وَضَعفه البُخَارِيّ وَقَالَ س: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ فِي «سنَنه الْكَبِير» : (ضَعِيف) الحَدِيث. قَالَ: وَقد رُوِيَ أَنه قَالَ فِي مَرضه: كل شَيْء حدثتكم بِهِ فَهُوَ كذب! وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: إِذا رَوَى عَنهُ الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِشَيْء. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : قد أخبر ابْن معِين عَن نَفسه بِأَنَّهُ مَتى قَالَ فِي رجل: لَيْسَ بِهِ بَأْس فَهُوَ عِنْده ثِقَة، وَضعف الْكَلْبِيّ لَا يَنْبَغِي أَن يُعْدي أَبَا صَالح، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يمس أَبُو صَالح بكذبة الْكَلْبِيّ عَلَيْهِ (حَيْثُ) حُكيَ عَنهُ أَنه قَالَ - (أَعنِي أَن أَبَا صَالح قَالَ) للكلبي -: كل مَا حدثتك عَن ابْن عَبَّاس كذب. فَهَذَا (من) كذب الْكَلْبِيّ عَلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدهم كَذَّاب. وَقَالَ ابْن عدي: عامّة مَا يرويهِ تَفْسِير. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: لم أر أحدا من أَصْحَابنَا تَركه. وَمَا سَمِعت أحدا من النَّاس يَقُول فِيهِ شَيْئا، وَقَالَ حبيب بن أبي ثَابت: كُنَّا نُسَمِّيه دُرُوغرن كَذَا نَقله عَنهُ الْمُنْذِرِيّ فِي «موافقاته» وَقَالَ: مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: الْكذَّاب. وَنقل غَيره عَنهُ: الدُروزن، وَفِي فاصل الرامَهُرْمُزِي: الدَّروزن - بلغَة فَارس -: الْكذَّاب. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : إِنَّه ضَعِيف جدًّا. فَأنْكر عَلَيْهِ هَذِه الْعبارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 ابْن الْقطَّان وَقَالَ: إِنَّمَا يُقَال مثلهَا فِي الْوَاقِدِيّ وَنَحْوه من المتروكين، فَأَما أَبُو صَالح هَذَا فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَد وَلَا من هَذَا النمط، وَلَا أَقُول: إِنَّه ثِقَة، وَلَكِنِّي أَقُول: إِنَّه لَيْسَ كَمَا توهمه هَذِه الْعبارَة؛ بل قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سَمِعت يَحْيَى بن (سعيد) الْقطَّان يَقُول: لم أر أحدا من أَصْحَابنَا تَركه، وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ. قلت: وَقد حسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثا من رِوَايَته عَن ابْن عَبَّاس فِي لعن زائرات الْقُبُور، لكنه غير جيد، كَمَا سَيَأْتِي - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي آخر الْجَنَائِز. (عَلَى أَن) عبد الْحق لم ينْفَرد بِهَذِهِ الْعبارَة الَّتِي قَالَهَا فِي أبي صَالح، فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب الْكسر بِالْمَاءِ: ضَعِيف؛ لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ فِي بَاب أصل الْقسَامَة: أَبُو صَالح، عَن ابْن عَبَّاس: ضَعِيف. وَفِي (هَذَا) الحَدِيث وَرَاء هَذَا كُله عِلّة ثَالِثَة، وَهِي الِانْقِطَاع فِيمَا بَين أبي صَالح، وَابْن عَبَّاس كَمَا أسلفناه عَن [ابْن حبَان] وَلم يجْزم بِهِ الْمُنْذِرِيّ فِي «اختصاره للسنن» بل قَالَ قيل: إِنَّه لم يسمع مِنْهُ، ذكره فِي حَدِيث: لعن زائرات الْقُبُور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 فتلخص أَنه حَدِيث لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ، وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه (قَالَ:) وَرُوِيَ عَن عَلّي وَسَعِيد بن الْمسيب مثله، وَمَا أقصر ابْن الْجَوْزِيّ؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي «مَوْضُوعَاته» بِلَفْظ: «الْخُنْثَى يُورث من قبل مباله» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَقد اجْتمع فِيهِ كذابون: أَبُو صَالح، والكلبي، وَسليمَان بن عَمْرو النَّخعِيّ، قَالَ ابْن عدي: وَالْبَلَاء فِيهِ من الْكَلْبِيّ. قلت: لَكِن نقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الحَدِيث، وَأَنه يُورث من حَيْثُ مباله؛ فيستغنى بِالْإِجْمَاع عَنهُ، وَللَّه الْحَمد. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صَلَاة إِلَّا بِطَهَارَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر بلفظين: أَحدهمَا: «لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور، وَلَا صَدَقَة من غُلُول» . ثَانِيهَا: بِلَفْظ: «إِلَّا بِطهُور» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث أصح شَيْء فِي الْبَاب وَأحسن. وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الأول، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَوَقع فِي «شرح التَّنْبِيه» للمحب الطَّبَرِيّ أَنه من الْمُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ وهم، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شمر، عَن جَابر قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 قَالَ الشّعبِيّ: سَمِعت مَسْرُوق بن الأجدع يَقُول: قَالَت عَائِشَة: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا تقبل صَلَاة إِلَّا بِطهُور وبالصلاة عَلّي» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (عَمْرو) بن شمر وَجَابِر ضعيفان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف. (وَرَوَاهُ) أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أُسَامَة بن (عُمَيْر) بن عَامر الْهُذلِيّ وَالِد أبي الْمليح بِلَفْظ: «لَا يقبل الله صَدَقَة من غلُول، وَلَا صَلَاة بِغَيْر طهُور» وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ أَيْضا. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة؛ إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَام» . هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ ابْن الصّلاح: إِنَّه رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس بِمَعْنَاهُ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرُوِيَ مَوْقُوفا من قَوْله، وَالْمَوْقُوف أصح. وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَالنَّوَوِيّ: الصَّوَاب رِوَايَة الْوَقْف؛ زَاد النَّوَوِيّ: وَرِوَايَة الرّفْع ضَعِيفَة. هَذَا كَلَامهم، وَكَأَنَّهُم تبعوا الْبَيْهَقِيّ فِي ذَلِك؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «الْمعرفَة» بعد أَن أخرجه بِلَفْظ ابْن حبَان الْآتِي، وَسَنَده: رَفعه عَطاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 فِي رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، وَرَوَى (عَنهُ) مَوْقُوفا، وَالْمَوْقُوف أصح. انْتَهَى. وتفطن أَيهَا النَّاظر لما أوردهُ لَك؛ فَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا، فرفعه من أوجه: أَحدهَا: من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الطّواف حول الْبَيْت مثل الصَّلَاة، إِلَّا (أَنكُمْ) تتكلمون فِيهِ؛ فَمن تكلم فَلَا (يتكلمن) إِلَّا بِخَير» . رَوَاهُ كَذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي أَوَاخِر الْحَج من حَدِيث قُتَيْبَة، ثَنَا جرير، عَن عَطاء بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» فِي الْحَج، فِي بَاب الْكَلَام فِي الطّواف من حَدِيث مُوسَى بن عُثْمَان - وَلَعَلَّه ابْن أعين - عَن عَطاء (بِهِ) ، لَكِن بِنَحْوِ لفظ حَدِيث فُضَيْل بن عِيَاض الْآتِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الْحَج من حَدِيث عبد الصَّمد بن حسان، ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَطاء بِهِ. إِلَّا أَن لَفظه: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله قد أحل (لكم) فِيهِ الْكَلَام؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير» . وَبِهَذَا اللَّفْظ أخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِيهِ من حَدِيث الْحميدِي، نَا سُفْيَان، عَن عَطاء بِهِ؛ إِلَّا أَن لَفظه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 «إِن الطّواف بِالْبَيْتِ مثل الصَّلَاة، إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير» . وسُفْيَان الْمَذْكُور فِي هَذَا السَّنَد هُوَ ابْن عُيَيْنَة كَمَا نبّه (عَلَيْهِ) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه» ، ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة فِي «مُسْتَدْركه» من وَجه آخر عَن عَطاء، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْه الْخَامِس، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث مُوسَى بن أعين (عَن) عَطاء بِهِ، وَلَفظه: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة، وَلَكِن الله أحلَّ لكم فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» . وَهَذِه الطَّرِيقَة أعلت بعطاء بن السَّائِب، وَهُوَ من الثِّقَات كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره وَإِن لُيِّنَ، لكنه اخْتَلَط؛ فَمن رَوَى عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط كَانَ صَحِيحا، وَمن رَوَى عَنهُ (بعده) فَلَا، كَمَا نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَغَيره من الْحفاظ. قَالَ أَحْمد: سمع مِنْهُ قَدِيما: شُعْبَة، وَالثَّوْري، وَسمع مِنْهُ جرير، وخَالِد بن عبد الله، وَإِسْمَاعِيل، وَعلي بن عَاصِم، وَكَانَ يرفع عَن سعيد بن جُبَير أَشْيَاء لم يكن يرفعها. وَقَالَ ابْن معِين: جَمِيع من رَوَى عَنهُ (رَوَى) فِي الِاخْتِلَاط إِلَّا شُعْبَة وسُفْيَان، وَقَالَ مرّة: اخْتَلَط؛ فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح، وَمَا سمع مِنْهُ جرير وَذَوِيهِ فَلَيْسَ من صَحِيح حَدِيث عَطاء، وَقد سمع مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 أَبُو عوَانَة فِي الْحَالين، وَلَا يحْتَج بِهِ. وَذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيثا «فِي الْمَشْي فِي السَّعْي» من حَدِيث ابْن فُضَيْل (عَن عَطاء) ، وَصَححهُ، وَقَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: اسمعوا مِنْهُ حَدِيث (أَبِيه) فِي التَّسْبِيح. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: مَا سَمِعت أحدا يَقُول فِي عَطاء شَيْئا قطّ فِي حَدِيثه الْقَدِيم، وَمَا حدث عَنهُ شُعْبَة وسُفْيَان فَصَحِيح إِلَّا حديثين؛ كَانَ شُعْبَة يَقُول: سمعتهما بِآخِرهِ عَن زَاذَان، وَقَالَ شُعْبَة: نَا عَطاء، وَكَانَ (نسيًّا) وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة قديم، وَمن سمع مِنْهُ بِآخِرهِ فَهُوَ مُضْطَرب الحَدِيث مِنْهُم: هشيم، وخَالِد بن عبد الله. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: سمع مِنْهُ حَمَّاد بن زيد قبل أَن يتَغَيَّر. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم عَن حَمَّاد أَيْضا، وَخَالف الْعقيلِيّ فَقَالَ - عَلَى مَا نَقله ابْن الْقطَّان -: إِنَّه سمع مِنْهُ بعده. قلت: وَقد حصلت الْفَائِدَة هُنَا بِرِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ الَّتِي رَوَاهَا الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ (قبل) الِاخْتِلَاط كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» فِي كتاب الْأَقْضِيَة: سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط شُعْبَة وسُفْيَان وَحَمَّاد بن زيد والأكابر المعروفون. وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ: أَنه لَا يحْتَج من حَدِيثه إِلَّا بِمَا رَوَاهُ عَنهُ الأكابر: شُعْبَة، وَالثَّوْري، ووهيب، ونظراؤهم. لَا جرم قَالَ الْحَاكِم إِثْر رِوَايَته السالفة: هَذَا حَدِيث صَحِيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وَقد (أوقفهُ) جمَاعَة. وَقَالَ ابْن عبد الْحق - فِيمَا (رده) عَلَى ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» -: هَذَا حَدِيث ثَابت. وَأخرجه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (إلمامه) وَقَالَ: أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث سُفْيَان، عَن عَطاء مَرْفُوعا هَكَذَا، وَقد رُوِيَ عَنهُ غير مَرْفُوع، وَعَطَاء (هَذَا) من الثِّقَات الَّذين تغير حفظهم أخيرًا واختلطوا. ثمَّ ذكر مقَالَة يَحْيَى بن معِين السالفة، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا من رِوَايَة سُفْيَان (أَي) : فصح الحَدِيث. وَكَذَا ذكر مثل ذَلِك فِي «إِمَامه» ، وَقد أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق آخر عَن عَطاء، وَهُوَ طَرِيق فُضَيْل بن عِيَاض (عَن عَطاء) بِلَفْظ: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة، إِلَّا أَن الله أحل فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» وَقَالَ فِي «ثقاته» : عَطاء بن السَّائِب كَانَ قد اخْتَلَط بِآخِرهِ، وَلم يفحش خَطؤُهُ حَتَّى يسْتَحق أَن يسْلك بِهِ (عَن) مَسْلَك الْعُدُول؛ بعد تقدم صِحَة ثباته فِي الرِّوَايَات، رَوَى عَنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة وَأهل الْعرَاق. وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» (أَيْضا) بِلَفْظ: «الطّواف صَلَاة (إِلَّا) أَن الله أحل (لكم) الْمنطق، فَمن نطق فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 ينْطق إِلَّا بِخَير» . الْوَجْه الثَّانِي: (من) طَرِيق مُوسَى بن أعين، عَن لَيْث، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة، وَلَكِن الله أحل فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» رَوَاهُ كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وأعلت (بليث) بن أبي سليم الْكُوفِي، وَقد اخْتَلَط أَيْضا بِآخِرهِ، وَقد (بسطنا) تَرْجَمته فِيمَا مَضَى فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين من بَاب الْوضُوء، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : رجل صَالح صَدُوق استضعف، وَقد أخرج لَهُ مُسلم (فِي المتابعات) فَلَعَلَّ (اجتماعه) مَعَ عَطاء يُقَوي رفع الحَدِيث. الْوَجْه الثَّالِث: من طَرِيق الباغندي، عَن عبد الله بن عمرَان، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ و (قَالَ) : لم يصنع شَيْئا - يُرِيد الباغندي فِي رَفعه بِهَذِهِ الرِّوَايَة - فقد رَوَاهُ ابْن جريج وَأَبُو عوَانَة عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة مَوْقُوفا. (قلت: رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن ميسرَة) رَوَاهَا النَّسَائِيّ من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد، نَا أَبُو عوَانَة، عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 ابْن عَبَّاس قَالَ: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة؛ فأقلوا فِي الْكَلَام» لَكِن قد أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن ميسرَة مَرْفُوعا، رَوَاهَا من حَدِيث (أَحْمد بن حَنْبَل) ، نَا مُحَمَّد بن (عبد الْوَهَّاب) الْحَارِثِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «الطّواف (بِالْبَيْتِ) صَلَاة؛ فأقلوا فِيهِ الْكَلَام» . وَهَذَا وَجه رَابِع: فَإِن ابْن ميسرَة سمع من طَاوس، وَهُوَ ثِقَة كَمَا شهد لَهُ بذلك أَحْمد وَجَمَاعَة، وَذكر الْبَيْهَقِيّ بعد هَذَا فِي بَاب الطّواف عَلَى الطَّهَارَة أَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة وَقفه فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة. (الْوَجْه الْخَامِس) : وَهُوَ عَزِيز مُهِمّ يرحل إِلَيْهِ، لَيْسَ فِيهِ عَطاء بن السَّائِب وَلَا لَيْث، وَلم يظفر صَاحب «الإِمَام» و «الْإِلْمَام» بِهِ وَلَو ظفر بِهِ لما عدل عَنهُ؛ بل لم يظفر بِهِ أحد مِمَّن صنف فِي الْأَحْكَام فِيمَا علمت، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَائِل تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، عَن أبي عمر وَعُثْمَان بن أَحْمد السماك، ثَنَا الْحسن بن مكرم الْبَزَّاز، نَا يزِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 بن هَارُون، نَا (الْقَاسِم) بن أبي أَيُّوب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «قَالَ الله لنَبيه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (طهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود) فالطواف (قبل الصَّلَاة) ، وَقد قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الطّواف بِمَنْزِلَة الصَّلَاة، إِلَّا أَن الله قد أحل فِيهِ الْمنطق؛ فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا يعرف هَذَا الحَدِيث بعطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير. ثمَّ سَاقه من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَطاء، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره كَمَا تقدم إِلَى قَوْله: «فالطواف قبل الصَّلَاة» ثمَّ قَالَ: هَذَا متابع لنصف الْمَتْن، وَالنّصف الثَّانِي من حَدِيث الْقَاسِم بن أبي أَيُّوب، أخبرناه ... فَذكره من حَدِيث فُضَيْل، عَن عَطاء، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا كَلَفْظِ ابْن حبَان السَّابِق. وَذكر الْحَاكِم فِي المناقب (من) «مُسْتَدْركه» حَدِيثا فِي مَنَاقِب إِبْرَاهِيم من حَدِيث عَطاء عَن سعيد بن جُبَير، ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: وَحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَطاء فِي المتابع الَّذِي ذكره الْحَاكِم إِسْنَاده جيد؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط كَمَا نَقله الْبَغَوِيّ فِي «الجعديات» عَن يَحْيَى بن معِين لَكِن رَأَيْت فِي آخر سُؤَالَات أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ لأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: دخل عَطاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 بن السَّائِب الْبَصْرَة وَجلسَ (فسماع) أَيُّوب، وَحَمَّاد بن سَلمَة فِي الرحلة الأولَى صَحِيح، والرحلة الثَّانِيَة فِيهِ اخْتِلَاط (فَيتَوَقَّف) إِذا فِي ذَلِك. وَأما الْمَوْقُوف فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمَا تقدم، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمر بن أَحْمد بن يزِيد عَن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَلما خرجه الْبَيْهَقِيّ (فِي «خلافياته» ) من حَدِيث مُوسَى بن أعين عَن عَطاء مَرْفُوعا، قَالَ: تَابعه سُفْيَان الثَّوْريّ، وَجَرِير (بن) عبد الحميد، وفضيل بن عِيَاض وَغَيرهم، عَن عَطاء مُسْندًا مُتَّصِلا، وَرَوَاهُ عبد الله بن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جرير، عَن عَطاء، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن طَاوس وَغَيره، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا، وَلَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عَطاء. قلت: قد رَفعه غَيره كَمَا (أسلفنا) لَك. فتلخص مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَن جمَاعَة رَفَعُوهُ عَن عَطاء: (جرير) كَمَا رَوَاهُ (التِّرْمِذِيّ) والسفيانان (كَمَا) رَوَاهُ الْحَاكِم عَنْهُمَا، وفضيل كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، وَكَذَا الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» ، وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 وَلَيْث بن أبي سليم (كَمَا رَوَاهُ) الطَّبَرَانِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ. ومُوسَى بن أعين، كَمَا (ذكره) الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ومُوسَى بن عُثْمَان كَمَا سلف عَن الدَّارمِيّ (إِن) ثَبت أَنه غير ابْن أعين فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة اتَّفقُوا عَلَى رَفعه، وَوَقفه طَاوس، وَابْنه (وَإِبْرَاهِيم) فِي إِحْدَى روايتيه، فَحِينَئِذٍ يتَوَقَّف فِي إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْأَصَح وَقفه. وَأما دَعْوَى النَّوَوِيّ ضعف رِوَايَة الرّفْع؛ فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاقه، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ رِوَايَة عَطاء المروية عَنهُ بعد الِاخْتِلَاط، وَقد قَالَ فِي «شَرحه لمُسلم» فِي الْكَلَام عَلَى الْخطْبَة: عَطاء بن السَّائِب تَابِعِيّ ثِقَة، اخْتَلَط فِي آخر عمره، قَالَ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ: فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح السماع، وَمن سمع مِنْهُ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ مُضْطَرب الحَدِيث؛ فَمن السامعين أَولا: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَشعْبَة، وَمن السامعين آخرا: جرير، وخَالِد بن عبد الله، وَإِسْمَاعِيل، وَعلي بن عَاصِم، كَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: سمع مِنْهُ أَبُو عوَانَة فِي الْحَالين، فَلَا يحْتَج بحَديثه. قلت: فَيلْزمهُ عَلَى هَذَا تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَطاء، كَمَا صَححهُ الْحَاكِم وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين. قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق أُخْرَى فِي «سنَن النَّسَائِيّ» صَحِيحَة، أخرجهَا من حَدِيث طَاوس، عَن رجل أدْرك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 «الطّواف صَلَاة؛ فَإِذا طفتم فأقلوا الْكَلَام» وَجَمِيع رُوَاته ثِقَات؛ فَإِنَّهُ أخرجه عَن يُوسُف بن سعيد - وَهُوَ ثِقَة حَافظ كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ - عَن حجاج - وَهُوَ (ابْن مُحَمَّد) المصِّيصِي، كَمَا بَينه ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» وَهُوَ أحد الْحفاظ لَا يسْأَل عَنهُ، أخرج لَهُ السِّتَّة - عَن ابْن جريج - وَهُوَ أحد الْأَعْلَام. ثمَّ أخرجه عَن الْحَارِث بن مِسْكين، عَن ابْن وهب، عَن ابْن جريج، عَن الْحسن بن مُسلم - وَهُوَ ابْن ينَّاق - عَن طَاوس بِهِ. وَلَا يضر جَهَالَة الرجل الْمدْرك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والناقل عَنهُ؛ فَإِن الظَّاهِر صحبته، وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق وروح قَالَا: ثَنَا ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي الْحسن بن مُسلم، عَن طَاوس ... فَذكره ثمَّ قَالَ: وَلم يرفعهُ مُحَمَّد بن بكر. كَذَا وجدته. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من طَرِيق آخر مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر، وَهِي الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» كَمَا أسلفناه عَنهُ رَوَاهُ من حَدِيث حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان، عَن طَاوس قَالَ: قَالَ عبد الله بن عمر: «أقلوا الْكَلَام فِي الطّواف؛ فَإِنَّمَا أَنْتُم فِي الصَّلَاة» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث طَاوس، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة؛ فأقلوا فِيهِ من الْكَلَام» فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ عَلَى طَاوس؛ فَروِيَ عَنهُ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفًا، وَعَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وموقوفًا، قَالَ: وَقَول من قَالَ: عَن ابْن عمر أشبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 وَهَذَا نمط آخر. وَقد اجْتمع - بِحَمْد الله وَمِنْه - فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث مهمات ونفائس لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره، ونسأل الله زِيَادَة فِي التَّوْفِيق. قلت: وَمِمَّا يسْتَدلّ (بِهِ) من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي لَا شكّ فِيهَا وَلَا ريب عَلَى اشْتِرَاط الطَّهَارَة للطَّواف حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم كَمَا أسلفناه، وَحَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا وَقد حَاضَت: افعلي مَا يفعل الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ» وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (وحديثها) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أول شَيْء بَدَأَ بِهِ حِين قدم مَكَّة أَنه تَوَضَّأ ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ» أودعاه أَيْضا فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لحكيم بن حزَام: لَا يمس الْمُصحف إِلَّا طَاهِر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث سُوَيْد (أبي) حَاتِم، ثَنَا مطر الْوراق، عَن حسان بن بِلَال، عَن حَكِيم بن حزَام أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا وَأَنت عَلَى طهر» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (وَأَنا) ابْن مخلد، سَمِعت جعفرًا يَقُول: سمع حسان بن بِلَال من عَائِشَة وعمار، قيل لَهُ: سمع (مطر) من حسان؟ فَقَالَ: (نعم) . قلت: وسُويد هَذَا هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْعَطَّار صَاحب الطَّعَام، ضعفه النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، حَدِيثه حَدِيث أهل الصدْق. وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس، (وَقَالَ) مرّة: لين. وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: هَذَا الحَدِيث رُوَاته كلهم ثِقَات، وأسرف فِيهِ ابْن حبَان فَقَالَ: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَهُوَ صَاحب «حَدِيث البرغوث» وَرَوَاهُ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» (عَن الْحَاكِم) ، عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْفَقِيه، عَن جَعْفَر بن أبي عُثْمَان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْمقري، عَن أَبِيه، عَن سُوَيْد أبي حَاتِم، وَقَالَ فِيهِ: صَاحب الطَّعَام كَمَا قدمنَا التَّصْرِيح بِهِ، وَذكره بلفظين؛ أَحدهمَا: كَلَفْظِ الدَّارَقُطْنِيّ (وَالثَّانِي) : «لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا وَأَنت طَاهِر» وَرِوَايَة الْبَيْهَقِيّ هَذِه (أَعنِي رِوَايَته) عَن الْحَاكِم، رَأَيْتهَا فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة حَكِيم بن حزَام، عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْفَقِيه (بِهِ) إِلَى حَكِيم بن حزَام «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما بَعثه واليًا إِلَى الْيمن فَقَالَ: لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا وَأَنت طَاهِر» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، عَن بكر بن مقبل الْبَصْرِيّ، عَن إِسْمَاعِيل بِهِ سَوَاء وَلم يقل (واليًا) وَإِنَّمَا قَالَ: «لما بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن قَالَ: لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا وَأَنت طَاهِر» وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا الحَدِيث حسن غَرِيب لَا (نعرفه) مُجَوَّدًا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قلت: وَإِذا تقرر لَك حَال هَذَا الحَدِيث، وَمن أخرجه من الْأَئِمَّة تعجبت من قَول النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شَرحه للمهذب» وَقد أورد الشَّيْخ هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه -: كَذَا رَوَاهُ المُصَنّف وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن حَكِيم بن حزَام، وَالْمَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث وَالْفِقْه أَنه عَن عَمْرو بن حزم عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْكتاب الَّذِي كتبه لما وَجهه إِلَى الْيمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 قَالَ: وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَجزم أَيْضا فِي «خلاصته» بضعفه وبضعف حَدِيث حَكِيم أَيْضا، وَحكمه عَلَيْهِ بالضعف قَاض بمعرفته، وَهُوَ خلاف مَا ذكره فِي «شَرحه» وَقد علمت أَنه حَدِيث مَعْرُوف فِي كتب الْمُحدثين، وَأَن الْحَاكِم صحّح إِسْنَاده، وَأَن (الْحَازِمِي) حَسَّنَه، وَأَن الدَّارَقُطْنِيّ وثق رُوَاته؛ فَلَا يَنْبَغِي الحكم عَلَيْهِ بالضعف أَيْضا. (ثمَّ جزمه بِضعْف حَدِيث عَمْرو بن حزم لَيْسَ بجيد أَيْضا) فقد أخرجه الْحَاكِم وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الدِّيات - إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقدره - وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْحَافِظ: لَا أعلم فِي جَمِيع الْكتب المنقولة أصح من كتاب عَمْرو بن حزم، وَصَححهُ أَيْضا أَبُو عمر بن عبد الْبر، وَرَوَاهُ مَالك فِي «موطئِهِ» عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن فِي الْكتاب الَّذِي (كتبه) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعَمْرو بن حزم: «أَلا تمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِرا» . وَهَذَا مُرْسل. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب مَالك» عَن عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ فِي الْكتاب الَّذِي (كتبه) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لجدي عَمْرو بن حزم: أَن لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا وَأَنت طَاهِر» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ فِيهِ عَن جده؛ وَهُوَ الصَّوَاب عَن مَالك، ثمَّ سَاقه عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 مَالك بِزِيَادَة: عَن جده، وَقَالَ: (تفرد) بِهِ أَبُو ثَوْر عَن مُبشر. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» (بِزِيَادَة) عَن جده أَيْضا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَنه قَالَ: «لَا تحمل الْمُصحف وَلَا تمسه إِلَّا طَاهِرا» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة؛ لَا أعلم من رَوَاهَا عَلَى هَذَا الْوَجْه بجملته؛ ولابلفظ الْحمل مَعَ أَنه ورد فِي الْبَاب أَحَادِيث غير حَدِيث حَكِيم بن حزَام، وَحَدِيث عَمْرو بن حزم السالفين أَحدهمَا: عَن (ابْن) عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي، ثَنَا سعيد بن مُحَمَّد بن (ثَوَاب) ، نَا أَبُو عَاصِم - هُوَ النَّبِيل - أَنا ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى قَالَ: سَمِعت سالما يحدث عَن أَبِيه ... فَذكره. قَالَ (الجوزقاني) فِي «كِتَابه» : هَذَا حَدِيث حسن مَشْهُور. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» : لم يروه عَن سُلَيْمَان إِلَّا ابْن جريج؛ وَلَا عَنهُ إِلَّا أَبُو عَاصِم، تفرد بِهِ سعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 قلت: وَحَدِيثه صَححهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي مَوضِع - كَمَا ستعلمه - وَقَالَ ابْن عبد الْحق فِي كِتَابه الَّذِي وَضعه فِي الرَّد عَلَى أبي مُحَمَّد بن حزم - عقب قَوْله: (إِن) الْآثَار الَّتِي احْتج بهَا مس لم يجز للْجنب من الْمُصحف، لَا يَصح مِنْهَا شَيْء؛ لِأَنَّهَا إِمَّا مُرْسلَة وَإِمَّا صحيفَة لَا تسند -: قد صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذَا الحَدِيث، ثمَّ سَاقه، وَقَالَ إثره: هَذَا حَدِيث صَحِيح، رِجَاله ثِقَات: الْمحَامِلِي ثِقَة إِمَام، وَسَعِيد بن مُحَمَّد بن ثَوَاب قد خرج الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ حَدِيث عَائِشَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقصر فِي السّفر وَيتم وَيفْطر ويصوم» ثمَّ قَالَ: (هَذَا) (إِسْنَاد صَحِيح) . فَإِن اعْترض معترض بِمَا قيل فِي سُلَيْمَان بن مُوسَى قيل لَهُ: ابْن حزم يصحح حَدِيثه ويحتج بِهِ، وَقد احْتج بحَديثه فِي كتاب النِّكَاح، حَدِيث عَائِشَة: «أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا وشاهدي عدل ... » . ثمَّ قَالَ ابْن حزم فِيهِ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا السَّنَد، وَفِي هَذَا كِفَايَة لصِحَّته، وَبَاقِي السَّنَد أشهر من أَن يحْتَاج إِلَى تَبْيِين أَمرهم. قَالَ: فَبَطل قَول ابْن حزم أَنه لَا يَصح فِي ذَلِك حَدِيث، وألان الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِيهِ؛ فَقَالَ بعد أَن رَوَاهُ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الحَدِيث الثَّانِي: عَن ثَوْبَان رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر، وَالْعمْرَة الْحَج الْأَصْغَر، وَعمرَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَحجَّة أفضل من عمْرَة» رَوَاهُ عَلّي بن عبد الْعَزِيز فِي «منتخبه» كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ عبد الْحق. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاده فِي غَايَة الضعْف، ثمَّ بَين ذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث: عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة، عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ: «كَانَ فِيمَا عهد إليّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تمسّ الْمُصحف وَأَنت غير طَاهِر» رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي «كتاب الْمَصَاحِف» وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن الْقَاسِم لم يدْرك عُثْمَان. وَضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده: إِسْمَاعِيل بن مُسلم المكِّي، وَقد ضَعَّفُوهُ وَتَركه جمَاعَة. وَفِيه (أثر رَابِع) عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، قَالَ: «كُنَّا مَعَ سلمَان، فَانْطَلق إِلَى حَاجته فتوارى عَنَّا، ثمَّ خرج إِلَيْنَا وَلَيْسَ بَيْننَا وَبَينه مَاء قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عبد الله، لَو تَوَضَّأت فسألناك عَن أَشْيَاء من الْقُرْآن. قَالَ: فَقَالَ: سلوا فَإِنِّي لست أمسه، (إِنَّمَا يمسهُ) الْمُطهرُونَ، ثمَّ تَلا (إِنَّه لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ هُنَا، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. فَهَذِهِ أَحَادِيث و (أثر) كلهَا بِلَفْظ الْمس، مَعَ أَن تَحْرِيم الْحمل مستنبط من بَاب أولَى. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب كتابا إِلَى هِرقل، وَكَانَ فِيهِ: (تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم (الْآيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» : من حَدِيث أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كتب إِلَيْهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم، سَلام عَلَى من اتبع الْهدى، أما بعد؛ فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام، أسلم تسلم، وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ؛ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين و (يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ» . فساقا الحَدِيث بِطُولِهِ وَلَيْسَ لأبي سُفْيَان فِي «الصَّحِيحَيْنِ» غَيره، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَنهُ. فَائِدَة: هِرَقْل، بِكَسْر الْهَاء، وَفتح الرَّاء، وَإِسْكَان الْقَاف هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَيُقَال: بِكَسْر الْهَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَكسر الْقَاف، حَكَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» (وَلم يذكر الْقَزاز غَيره) . وَهُوَ أول من ضرب الدَّنَانِير، وَأول من أحدث الْبيعَة (قَالَه) الجواليقي، وَهُوَ عجمي مُعرب، وَهُوَ اسْم علم لَهُ، ولقبه: قَيْصر، وَكَذَلِكَ كل من ملك الرّوم يُقَال لَهُ: قَيْصر. فَائِدَة ثَانِيَة: الدِّعاية بِكَسْر الدَّال، أَي: يَدعُونَهُ، وَهِي كلمة التَّوْحِيد، وَلَفظ مُسلم: «بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام» أَي: بِالْكَلِمَةِ الداعية إِلَى الْإِسْلَام. قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَيجوز أَن يكون دَاعِيَة بِمَعْنى دَعْوَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفة) أَي: كشف. وَقَوله: «وَعَلَيْك إِثْم الأريسيين» كَذَا هُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» ؛ بِهَمْزَة مَفْتُوحَة ثمَّ رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ سين مُهْملَة ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ أُخْرَى مثلهَا - وَفِي رِوَايَة حذف هَذِه - ثمَّ نون. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «غَرِيب الحَدِيث» وَمن خطه نقلت: (هَكَذَا) يرويهِ أهل اللُّغَة، وَوَقع فِيهِ (و) فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» اليريسيين بياء فِي أَوله، وبيائين بعد السِّين وَالأَصَح أَنهم الأكارون؛ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» أَي: الفلاحون والزراعون، وَفِي رِوَايَة البرقاني يَعْنِي: الحراثين، وَمَعْنَاهُ: أَن عَلَيْك إِثْم رعاياك الَّذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، وَنبهَ بهؤلاء عَلَى جَمِيع الرعايا؛ لأَنهم الْأَغْلَب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 وَلِأَنَّهُم أسْرع انقيادًا؛ فَإِذا (أسلم) أَسْلمُوا، وَإِذا امْتنع امْتَنعُوا. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَذكر فِيهِ (أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانُوا ينتظرون الْعشَاء فينامون قعُودا ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ) وَهَذَا أثر صَحِيح، رَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن الثِّقَة، عَن حميد عَن أنس قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينتظرون الصَّلَاة - أَحْسبهُ قَالَ: قعُودا - حَتَّى تخفق رُءُوسهم، ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» - بعد أَن رَوَاهُ -: قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: إِذا قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا الثِّقَة، حَدثنَا حميد الطَّوِيل؛ فَإِنَّهُ يكني بالثقة عَن إِسْمَاعِيل ابْن علية، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم؛ فَقَالَ: أَنا بعض أَصْحَابنَا، عَن الدستوَائي، عَن قَتَادَة، عَن أنس «أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانُوا ينتظرون الْعشَاء حَتَّى تخفق رُءُوسهم، ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث خَالِد بن الْحَارِث، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . (وَرَوَاهُ) أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث هِشَام الدستوَائي، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينتظرون الْعشَاء الْآخِرَة حَتَّى تخفق رُءُوسهم، ثمَّ يصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» زَاد فِيهِ شُعْبَة، عَن قَتَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 قَالَ: «كَانَ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس (قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينامون ثمَّ يقومُونَ وَيصلونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، ثَنَا معمر، عَن قَتَادَة، عَن أنس) قَالَ: «لقد رَأَيْت أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يوقظون للصَّلَاة حَتَّى إِنِّي لأسْمع لأَحَدهم غطيطًا، ثمَّ يقومُونَ فيصلون وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . قَالَ ابْن الْمُبَارك: هَذَا عندنَا وهم جُلُوس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَلَى هَذَا حمله عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، وَالشَّافِعِيّ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «الإِمَام» : (هَكَذَا أَوله) كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ؛ لِأَن اللَّفْظ مُحْتَمل، وَالْحَاجة إِلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي هَذِه الرِّوَايَة أَشد لذكر الغطيط. وَأما رِوَايَة مُسلم الْمُتَقَدّمَة فمحتملة لذَلِك أَيْضا، لَكِن وَردت زِيَادَة تمنع هَذَا التَّأْوِيل، قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا الحَدِيث بسياقته فِي مُسلم يحْتَمل أَن ينزل عَلَى نوم الْجَالِس، وَعَلَى ذَلِك (ينزله) أَكثر النَّاس، وَفِيه زِيَادَة تمنع من ذَلِك، رَوَاهَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينتظرون الصَّلَاة فيضعون جنُوبهم، فَمنهمْ من ينَام ثمَّ يقوم إِلَى الصَّلَاة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 قَالَ قَاسم بن أصبغ: نَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي، ثَنَا مُحَمَّد بن بشار، نَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، (نَا شُعْبَة ... فَذكره. قَالَ: وَهَذَا كَمَا ترَى صَحِيح من رِوَايَة الإِمَام عَن شُعْبَة) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَمن اعْتبر حَالَة النّوم فَلهُ أَن يحمل هَذَا عَلَى النّوم الْخَفِيف (أَو الْقصير) ويعارضه رِوَايَة (الغطيط) الْمُتَقَدّمَة. قَالَ: وَرَوَى أَحْمد بن عبيد هَذَا الحَدِيث من جِهَة يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينامون ثمَّ يقومُونَ فيصلون وَلَا يَتَوَضَّئُونَ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» ، وَهَذِه هِيَ الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا ابْن الْقطَّان، وَلَيْسَ فِيهَا «فيضعون جنُوبهم» . قَالَ الشَّيْخ: وَقَرِيب مِمَّا (ذكره) ابْن الْقطَّان رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس «أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانُوا يشبعون جنُوبهم؛ فَمنهمْ من يتَوَضَّأ، وَمِنْهُم من لَا يتَوَضَّأ» وَرَوَى ابْن عدي من حَدِيث (أبي هِلَال مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي) ، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: «كُنَّا ننام فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَلَا نُحدث لذَلِك وضُوءًا» . وَمُحَمّد هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَضَعفه أَحْمد، وَأخرج لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: فِي بعض رواياته مَا لَا يُوَافقهُ الثِّقَات عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه. وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِيهِ عِنْد قَوْله تَعَالَى: (أَو لامستم النِّسَاء) أَن اللَّمْس المُرَاد بِهِ الجس بِالْيَدِ (كَذَلِك. و) رُوِيَ عَن ابْن عمر وَغَيره. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَى مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه، وَهُوَ ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «قبْلَة الرجل امْرَأَته وجسها (بِيَدِهِ) من الْمُلَامسَة؛ فَمن قبل امْرَأَته (أَو) جسها بِيَدِهِ فَعَلَيهِ الْوضُوء» وَفِي رِوَايَة ابْن بكير عَن مَالك: «فقد وَجب عَلَيْهِ الْوضُوء» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» عَن ابْن عمر، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 عمر أَنه قَالَ: «إِن الْقبْلَة من (اللَّمْس) فَتَوضئُوا مِنْهَا» وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا عِنْدهم خطأ؛ لِأَن حفاظ أَصْحَاب ابْن شهَاب يجعلونه عَن (ابْن) عمر لَا عَن عمر، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» و «خلافياته» عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله - يَعْنِي: ابْن مَسْعُود - قَالَ: «الْقبْلَة من اللَّمْس، وفيهَا الْوضُوء، واللمس مَا دون الْجِمَاع» ثمَّ قَالَ: وَفِيه إرْسَال؛ أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه، قَالَ: وَقد رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَاد آخر صَحِيح مَوْصُول، ثمَّ أخرجه من طَرِيق طَارق بن شهَاب «أَن عبد الله قَالَ فِي قَوْله: (أَو لامستم النِّسَاء) قولا مَعْنَاهُ مَا دون الْجِمَاع» . وَلما ذكر الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» قَول عمر السالف قَالَ: قد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى إِخْرَاج أَحَادِيث فِي «صَحِيحَيْهِمَا» يسْتَدلّ بهَا عَلَى أَن اللَّمْس مَا دون الْجِمَاع، مِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة «فاليد زنَاهَا اللَّمْس» وَحَدِيث (ابْن عَبَّاس) : «لَعَلَّك لمست» وَحَدِيث ابْن مَسْعُود (وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار) وَبَقِي عَلَيْهِمَا أَحَادِيث صَحِيحَة فِي التَّفْسِير وَغَيره، مِنْهَا حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «مَا كَانَ - أَو قل - يَوْم إِلَّا وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يأتينا) فَيقبل ويلمس ... » الحَدِيث. وَمِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله «فِي قَوْله تَعَالَى: (أَو لامستم النِّسَاء) قَالَ: هُوَ مَا دون الوقاع؛ وَمِنْه الْوضُوء» وَمِنْهَا عَن عمر، وَقد قدمْنَاهُ، وَمِنْهَا حَدِيث معَاذ بِنَحْوِ حَدِيث ابْن مَسْعُود، وأسندها كلهَا. ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرتها أَن الشَّيْخَيْنِ اتفقَا عَلَيْهَا، غير أَنَّهَا مخرجة فِي الْكِتَابَيْنِ بالتفاريق، وَكلهَا صَحِيحَة دَالَّة عَلَى أَن اللَّمْس الَّذِي يُوجب الْوضُوء دون الْجِمَاع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 بَاب الْغسْل ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسَة وَعشْرين حَدِيثا. الحَدِيث الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: إِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن عَائِشَة قَالَت: «جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض وَلَا أطهر؛ أفأدع الصَّلَاة؟ فَقَالَ: لَا؛ إِنَّمَا ذَلِك عرق (وَلَيْسَ بالحيضة) ، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «إِن ذَلِك عرق، وَلَكِن دعِي الصَّلَاة قدر الْأَيَّام الَّتِي كنت تحيضين فِيهَا ثمَّ اغْتَسِلِي وَصلي» (وَفِي رِوَايَة لَهُ) : «فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فاتركي الصَّلَاة؛ فَإِذا ذهب قدرهَا فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ السراج فِي «مُسْنده» ، والإسماعيلي فِي «صَحِيحه» : «فلتغتسل ولتصل» وَكَذَا رَوَاهُ ابْن مَنْدَه، وَرَوَاهُ بعض الروَاة عَن ابْن عُيَيْنَة، وَفِي الشَّك فِي الْغسْل. فَائِدَة: (أَبُو) حُبَيْش: بحاء مُهْملَة (مَضْمُومَة) ثمَّ بَاء مُوَحدَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ شين مُعْجمَة، وَاسم أبي حُبَيْش هَذَا قيس بن الْمطلب، وَوَقع فِي أَكثر نسخ مُسلم: عبد الْمطلب - وَهُوَ غلط - بن أَسد بن عبد الْعُزَّى. والحَيْضَةُ - بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا فِي قَوْله: «فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة» وَالْفَتْح مُتَعَيّن فِي قَوْله: «وَلَيْسَت بالحيضة» أَي: الْحيض. فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ إِثْبَات الْحيض وَنفي الِاسْتِحَاضَة، وَاخْتَارَ الْخطابِيّ الْكسر، أَي: الْحَالة، بعد أَن نقل عَن أَكثر الْمُحدثين أَو كلهم الْفَتْح. وفاطمةُ هَذِه قرشية أسدية، وَوَقع فِي (مبهمات) الْخَطِيب أَنَّهَا أنصارية، وَهل كَانَت مُمَيزَة أَو مُعْتَادَة، الَّذِي فهمه الْبَيْهَقِيّ: الأول، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «دعِي الصَّلَاة قدر الْأَيَّام الَّتِي كنت تحيضين فِيهَا» قد يسْتَدلّ بِهِ (عَلَى) من يرَى الرَّد (إِلَى) أَيَّام الْعَادة سَوَاء كَانَت مُمَيزَة (أَو غير مُمَيزَة) لِأَن ترك الاستفصال فِي قضايا الْأَحْوَال مَعَ قيام (الِاحْتِمَال) (يتنزل) منزلَة الْعُمُوم فِي الْمقَال؛ فَلَمَّا لم يستفصلها عَلَيْهِ السَّلَام عَن كَونهَا مُمَيزَة أَو لَا، كَانَ ذَلِك دَلِيلا عَلَى أَن الحكم عَام فيهمَا. وَيحمل عَلَى هَذَا: إقبال الْحَيْضَة عَلَى وجود الدَّم فِي (أول) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 أَيَّام الْعَادة (وإدبارها عَلَى انْقِضَاء أَيَّام الْعَادة) وَفِي قَوْله: «إِذا ذهب قدرهَا» إِشَارَة إِلَى ذَلِك؛ إِذْ الْأَشْبَه أَنه يُرِيد قدر أَيَّامهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيحْتَمل أَنه كَانَ لَهَا حالتان: حَالَة تَمْيِيز، وَحَالَة لَا تميز، فَأمرهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الْعَادة. الحَدِيث الثَّانِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِنَّمَا المَاء من المَاء» . هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح ثَابت من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «إِنَّمَا (المَاء) من المَاء» وَذكره مطولا أَيْضا، وَأَن (سَببه) قصَّة (عتْبَان) فِي إعجاله، وَاقْتصر البُخَارِيّ عَلَيْهَا دون اللَّفْظ الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِلَفْظ الرَّافِعِيّ (وَفِي رِوَايَة لِابْنِ) خُزَيْمَة: «إِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 المَاء من الإمناء» . ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي أَيُّوب (الْأنْصَارِيّ) رَضي اللهُ عَنهُ بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سنَنَيْهِمَا» بِإِسْنَاد جيد. ثَالِثهَا: من حَدِيث رَافع بن خديج قَالَ: «ناداني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا عَلَى بطن امْرَأَتي، فَقُمْت وَلم أنزل، فاغتسلت وَخرجت، فَأخْبرت فَقَالَ: لَا عَلَيْك؛ المَاء من المَاء» . قَالَ رَافع: «ثمَّ أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد ذَلِك بِالْغسْلِ» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَقَالَ الْحَازِمِي: حَدِيث حسن. وَله طَرِيق رَابِع: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِقصَّة وَلَفظه: «المَاء من المَاء، وَالْغسْل عَلَى من أنزل» . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ، وَعَزاهُ إِلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَسكت عَنهُ. وَطَرِيق خَامِس: من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: «المَاء من المَاء» رَوَاهُ ابْن شاهين من حَدِيث أَحْمد بن عَمْرو بن جَابر، ثَنَا عبد الله بن أُسَامَة الْحلَبِي، نَا يَعْقُوب بن كَعْب، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أنس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 طَرِيق سادس: من حَدِيث عتْبَان - أَو ابْن عتْبَان - الْأنْصَارِيّ قَالَ: «قلت: أَي نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنِّي) كنت مَعَ أَهلِي، فَلَمَّا سَمِعت صَوْتك أقلعت فاغتسلت! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: المَاء من المَاء» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك من حَدِيث كثير بن زيد، عَن الْمطلب بن عبد الله (عَن) عتْبَان (بِهِ) . وَحَدِيث رَافع (بن خديج لم يَصح) وَذكر فِيهِ النَّاسِخ وَكَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام، وَقد أوضح نسخه: (ابْن) شاهين وَابْن الْجَوْزِيّ والحازمي فِي تواليفهم فِي ذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث قَالَت عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها: «إِذا التقَى الختانان (فقد) وَجب الْغسْل؛ فعلته أَنا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاغتسلنا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الثِّقَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه - أَو عَن يَحْيَى بن سعيد - عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة ... فَذَكرته بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : كَذَا رَوَاهُ الرّبيع عَن الشَّافِعِي عَلَى الشَّك، وَرَوَاهُ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي عَن الثِّقَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 الرَّحْمَن (بن) الْقَاسِم من غير شكّ، والثقة فِي كَلَام الشَّافِعِي هَذَا قد بَينه (فِي) حَرْمَلَة فَقَالَ: أَنا الشَّافِعِي، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن ... فَذكره بِلَا شكّ؛ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيره عَن الْوَلِيد بن مُسلم (والوليد بن يزِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الرَّحْمَن. قلت: رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد أَيْضا عَن الْوَلِيد بن مُسلم) ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل؛ فعلته أَنا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاغتسلنا» . (وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، نَا الْأَوْزَاعِيّ، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، حَدثنِي الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة قَالَت: «إِذا التقَى الختانان فقد وَجب الْغسْل؛ فعلته أَنا وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فاغتسلنا) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» فِي عشرَة النِّسَاء، عَن (عبيد الله بن سعيد) نَا الْوَلِيد ... فَذكره، لكنه قَالَ: «إِذا جَاوز الْخِتَان (الْخِتَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 فقد) وَجب الْغسْل؛ فعلته أَنا وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فاغتسلنا» . وَرَوَاهُ أَيْضا التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان وَجب الْغسْل؛ فعلته أَنا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاغتسلنا» ثمَّ أورد حَدِيثا آخر (عَنْهَا) . ثمَّ قَالَ: حَدِيث عَائِشَة حَدِيث حسن صَحِيح. اه. وَاعْترض عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عَلَيْهِ بِأَن قَالَ: قد قَالَ (هُوَ) فِي «علله» : قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا خطأ؛ إِنَّمَا يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم مُرْسلا. وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد: (سَأَلت) الْقَاسِم بن مُحَمَّد: سَمِعت فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا؟ قَالَ: لَا. وَأجَاب ابْن الْقطَّان عَن هَذَا فَقَالَ فِي كِتَابه «الْوَهم وَالْإِيهَام» : لم يصب فِيمَا اعْترض بِهِ؛ لِأَن اعتلال البُخَارِيّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يروي مُرْسلا لَيْسَ بعلة فِيهِ، وَلَا أَيْضا قَول الْقَاسِم أَنه لم يسمع فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ شَيْئا يُنَاقض هَذَا الَّذِي رويت. لَا بُد من حمله عَلَى هَذَا التَّأْوِيل؛ لصِحَّة الحَدِيث الْمَذْكُور كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ. قلت: هَذَا الْجَواب لَا يَخْلُو من نظر، وَقد صَححهُ مَعَ التِّرْمِذِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» (بِلَفْظِهِ) . تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره أَيْضا الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَلم يظفر بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «مشكله» وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ ثَابت فِي «الصَّحِيح» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة، وَأما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور فَغير مَذْكُور فيهمَا. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ، فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى مَوَاضِع مِنْهُ: هَذَا الحَدِيث مَشْهُور مخرج (فِي) «الصَّحِيحَيْنِ» بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ. (قَالَ: وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف لَا دلَالَة فِيهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يحْتَج بغَيْرهَا) وَقَالَ فِي «تنقيحه» : هَذَا الحَدِيث أَصله صَحِيح، وَلَكِن فِيهِ تَغْيِير. (قلت) قد علمت (أَنه) لَا تَغْيِير فِيهِ، وَأَنه صَحِيح بِلَفْظِهِ، وَللَّه الْحَمد. الحَدِيث الرَّابِع عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا التقَى الختانان وَجب الْغسْل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ (مَالك كَمَا سَيَأْتِي، وَرَوَاهُ) الشَّافِعِي كَمَا سلف (وَرَوَاهُ) ابْن حبَان أَيْضا فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 من طَرِيقين آخَرين بِلَفْظ: «إِذا جَاوز» (بدل) «التقَى» وَكَذَا أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ثمَّ قَالَ: (حَدِيث عَائِشَة) حَدِيث حسن صَحِيح. وَأَصله فِي «صَحِيح مُسلم» بِلَفْظ: قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان؛ فقد وَجب الْغسْل» . وَله شَاهد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيهِ أَيْضا: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع ثمَّ جهدها؛ فقد وَجب (عَلَيْهِ) الْغسْل» وَفِي رِوَايَة لَهُ «وَإِن لم ينزل» وَفِي رِوَايَة (للنسائي) : «وألزق الْخِتَان الْخِتَان؛ فقد وَجب الْغسْل» . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «أنزل أَو لم ينزل» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «إِذا التقَى الختانان، وَجب الْغسْل أنزل أَو لم ينزل» . وَلِحَدِيث عَائِشَة طَرِيق آخر، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب «غرائب مَالك» من حَدِيث أبي قُرَّة مُوسَى بن طَارق الزبِيدِي - بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء - وَهُوَ ثِقَة، عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي مُوسَى، عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان وَجب الْغسْل» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (لم يروه) عَن مَالك (غير) أبي قُرَّة. الحَدِيث الْخَامِس «أَن أم سليم جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِن الله لَا يستحيي من الْحق! هَل عَلَى الْمَرْأَة من غسل إِذا هِيَ احْتَلَمت؟ قَالَ: نعم، إِذا رَأَتْ المَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أم سَلمَة قَالَت: «جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن الله لَا يستحيي من الْحق! فَهَل عَلَى الْمَرْأَة من غسل إِذا (هِيَ) احْتَلَمت؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: نعم، إِذا رَأَتْ المَاء. فَقَالَت أم (سَلمَة) : يَا رَسُول الله، وتحتلم الْمَرْأَة؟ ! فَقَالَ: تربت يداك، فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا؟ ! هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي لفظ لَهُ: «قلت: فضحت النِّسَاء» وَلَفظ البُخَارِيّ مثله، وَقَالَ: «إِذا رَأَتْ المَاء» وَلم يذكر لَفْظَة: «نعم» وَزَاد: «فغطت أم سَلمَة - يَعْنِي: وَجههَا - وَقَالَت: يَا رَسُول الله، وتحتلم الْمَرْأَة؟ ! قَالَ: نعم تربت يَمِينك؛ فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا؟ !» . خرجه فِي كتاب الْعلم، فِي بَاب الْحيَاء (فِيهِ) (وَذكره) فِي الطَّهَارَة بِلَفْظ الرَّافِعِيّ (سَوَاء) وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي بَاب التبسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 والضحك: «فَضَحكت أم سَلمَة (فَقَالَت: أتحتلم) الْمَرْأَة؟ ! فَقَالَ: «فَبِمَ يشبه الْوَلَد؟ !» . وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث أنس، عَن أم سليم بِنَحْوِهِ، وَمن حَدِيث عَائِشَة «أَن امْرَأَة سَأَلت ... » فَذكره. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» حَدِيث أم سَلمَة، وَذكر الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة وَلَا يَصح. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة (أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْمَرْأَة تحتلم، فَقَالَ: تَجِد شَهْوَة؟ قَالَت: نعم. قَالَ: فلتغتسل» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: (عَن) عبد الله بن (طرفَة) عَن أم سَلمَة قَالَ: «قَالَت أم سليم: يَا رَسُول الله، الْمَرْأَة تحتلم؟ قَالَ: إِذا رَأَتْ المَاء الْأَصْفَر فلتغتسل» . فَائِدَة: أم سليم اسْمهَا: سهلة (عَلَى) أحد الْأَقْوَال، وَهِي أم أنس، وَوَقع فِي كَلَام الصيدلاني، ثمَّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (ثمَّ) الْغَزالِيّ، ثمَّ الرَّوْيَانِيّ، ثمَّ مُحَمَّد بن يَحْيَى أَنَّهَا جدته، وغلطهم ابْن الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ فِي ذَلِك، وَقد أبديت وَجهه فِي كتابي «تذكرة الأخيار بِمَا فِي الْوَسِيط من الْأَخْبَار» فسارع إِلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من غسل مَيتا فليغتسل» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق كَثِيرَة، يَدُور - فِيمَا حصرنا مِنْهَا - عَلَى سِتَّة من الصَّحَابَة أبي هُرَيْرَة، وَعَائِشَة، وَعلي، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان، والمغيرة رَضي اللهُ عَنهم. أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فيحضرنا من (طرقه) ثَلَاثَة عشر طَرِيقا: الأول: عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه عَنهُ مَرْفُوعا: «من غسله الْغسْل، وَمن حمله الْوضُوء - يَعْنِي: الْمَيِّت» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ، وَابْن مَاجَه وَلَفظه كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء؛ روياه من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار، عَن سُهَيْل (بِهِ) . الثَّانِي: (عَن سُهَيْل) أَيْضا عَن أَبِيه، عَن إِسْحَاق مولَى زَائِدَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمَعْنَاهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن حَامِد بن يَحْيَى، عَن سُفْيَان، عَن سُهَيْل بِهِ. الثَّالِث: عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل مَيتا فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 الرَّابِع: عَن عَمْرو بن عُمَيْر، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل الْمَيِّت (فليغتسل) وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، عَن الْقَاسِم بن عَبَّاس، عَن عَمْرو بِهِ. الْخَامِس: عَن زُهَيْر، عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثل الَّذِي قبله. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . السَّادِس: عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «من غسل جَنَازَة - يَعْنِي: مَيتا - فليغتسل، وَمن حملهَا فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» . السَّابِع: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل مَيتا فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» . رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا. الثَّامِن: عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن رجل يُقَال لَهُ: أَبُو إِسْحَاق، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل مَيتا فليغتسل» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» . التَّاسِع: عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مثل الَّذِي قبله. رَوَاهُ ابْن حزم فِي «محلاه» هَكَذَا، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث مُحَمَّد بن شُجَاع، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل مَيتا فليغتسل» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 الْعَاشِر: عَن أبي بَحر البكراوي، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة (مَرْفُوعا) بِنَحْوِ مِمَّا قبله. رَوَاهُ الْبَزَّار عَن يَحْيَى بن حَكِيم (بِهِ) . الْحَادِي عشر: عَن صَفْوَان بن سليم عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل الْمَيِّت الْغسْل، وَمن حمله الْوضُوء» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من غسل مَيتا فليغتسل» لم يزدْ. الثَّانِي عشر: عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل مَيتا فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» . الثَّالِث عشر: عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، ذكر هَذَا الطَّرِيق وَالَّذِي قبله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «كتاب الإِمَام» . هَذَا مَجْمُوع مَا حصرنا من طَرِيق حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ولنذكر أَولا مقالات الْحفاظ فِيهِ، ثمَّ نبين بعد ذَلِك مَا يَقْتَضِيهِ النّظر والبحث عَلَى وَجه الْإِنْصَاف؛ فَنَقُول: ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (جَمِيع) مَا عزيناه مِمَّا قدمْنَاهُ عَنهُ وَضَعفه، ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح فِيهِ أَنه مَوْقُوف عَلَى أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: الْأَشْبَه أَنه مَوْقُوف. (قَالَ:) وَقَالَ أَحْمد وَعلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 بن الْمَدِينِيّ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء قَالَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول - وَقد سُئِلَ عَن الْغسْل من غسل الْمَيِّت، فَقَالَ -: يُجزئهُ الْوضُوء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إِن أَحْمد وَعلي بن الْمَدِينِيّ قَالَا: لم يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء، لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِنَّمَا مَنَعَنِي من إِيجَاب الْغسْل من غسل الْمَيِّت (أَن) فِي إِسْنَاده رجلا لم أَقف عَلَى معرفَة ثَبت حَدِيثه إِلَى يومي هَذَا عَلَى مَا يَقْتَضِي؛ فَإِن وجدت مَا يقنعني أوجبته وأوجبت الْوضُوء من مس الْمَيِّت مفضيًا إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُمَا فِي حَدِيث وَاحِد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى - يَعْنِي: الذهلي - شيخ البُخَارِيّ: لَا أعلم فِيمَن غسل مَيتا فليغتسل حَدِيثا ثَابتا (وَلَو ثَبت) لزمنا اسْتِعْمَاله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالرِّوَايَات المرفوعة فِي هَذَا الْبَاب غير قَوِيَّة؛ لجَهَالَة بعض رواتها وَضعف بَعضهم، وَالصَّحِيح من قَوْله مَوْقُوفا غير مَرْفُوع. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن رَفعه فَقَالَ: خطأ؛ لَا يرفعهُ الثِّقَات؛ إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَسَأَلته عَن الرجل - يَعْنِي: الَّذِي فِي الطَّرِيق الثَّامِن - من هُوَ، وَهل يُسمى؟ فَقَالَ: لَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَنقل أَصْحَابنَا عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ: إِن صَحَّ الحَدِيث قلت بِوُجُوبِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ ابْن أبي ذِئْب، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ حبَان بن عَلّي، عَن ابْن أبي ذِئْب بِهِ. وَخَالفهُ يَحْيَى الْقطَّان وَيَحْيَى بن أَيُّوب والدراوردي وحجاج بن مُحَمَّد وَعبد الصَّمد بن النُّعْمَان وَابْن أبي فديك، رَوَوْهُ عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: وَأغْرب ابْن أبي فديك فِيهِ بِإِسْنَادَيْنِ آخَرين: أَحدهمَا: عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة. وَالْآخر: عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الْقَاسِم بن عَبَّاس، عَن عَمْرو بن عُمَيْر، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَحَدِيث المَقْبُري أصح. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي آخر الْجَنَائِز: هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى مُحَمَّد بن (عَمْرو) وَهُوَ مرفوض. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَن الْمَحْفُوظ فِي الطَّرِيق الأول وَقفه عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَفِي الطَّرِيق الثَّانِي صَالح مولَى التوءمة، قَالَ مَالك: لَيْسَ بِثِقَة. وَكَانَ شُعْبَة ينْهَى أَن يُؤْخَذ عَنهُ، وَلَا يروي (عَنهُ) وَفِي الثَّالِث - وَهُوَ فِيمَا قدمْنَاهُ التَّاسِع - مُحَمَّد بن عَمْرو، قَالَ يَحْيَى: مَا زَالَ النَّاس يَتَّقُونَ حَدِيثه. وَفِي الرَّابِع - وَهُوَ فِيمَا قدمْنَاهُ الثَّامِن - رجل مَجْهُول، قَالَ: (وَقد) رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 حَدِيث صَفْوَان عَن أبي سَلمَة، وَابْن لَهِيعَة لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح مُسْند الشَّافِعِي» : عُلَمَاء الحَدِيث لم يصححوا فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا مَرْفُوعا (وصححوه) عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا، وَقَالَ فِي هَذَا الْكتاب - أَعنِي «شرح الْوَجِيز» -: والْحَدِيث إِن ثَبت مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب. وَنقل النَّوَوِيّ عَن الْجُمْهُور تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، وَأنكر عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه. هَذَا مَا حَضَرنَا من كَلَام الْحفاظ قَدِيما وحديثًا عَلَيْهِ، وَحَاصِله تَضْعِيف رَفعه وَتَصْحِيح وَقفه، وَلَا بُد من النّظر فِي ذَلِك عَلَى سَبِيل التَّفْصِيل دون الِاكْتِفَاء بالتقليد، وَقد قَامَ بذلك صَاحب «الإِمَام» وَحَاصِل مَا يعتل بِهِ فِي ذَلِك وَجْهَان: أَحدهمَا: من جِهَة رجال الْإِسْنَاد، فَأَما رِوَايَة صَالح مولَى التوءمة - وَهِي الطَّرِيق الثَّالِث - (فقد) سلف قَول مَالك وَشعْبَة فِيهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : اخْتَلَط فِي آخر عمره، فَخرج عَن (حد) الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأما رِوَايَة عَمْرو بن عُمَيْر - وَهِي الطَّرِيق الرَّابِع - فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (فِيهِ) : إِنَّمَا (يعرف) بِهَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ بالمشهور. وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 ابْن الْقطَّان: إِنَّه مَجْهُول الْحَال لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، (وَهَذَا) الحَدِيث من غير مزِيد ذكره (ابْن أبي حَاتِم) . قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا عِلّة الْخَبَر. وَأما زُهَيْر الْمَذْكُور فِي الطَّرِيق الْخَامِس فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: رَوَى عَنهُ أهل الشَّام أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأما حَدِيث الْعَلَاء - وَهُوَ السَّادِس - فَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَيْسَ بِمَعْرُوف. وَأما السَّابِع: فَفِي إِسْنَاده أَبُو (وَاقد) واسْمه: صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة. قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ حَدِيثه بِذَاكَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَجَمَاعَة: ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَأما الثَّامِن: فَفِيهِ أَبُو إِسْحَاق، وَهُوَ مَجْهُول، كَمَا سلف عَن أبي حَاتِم الرَّازِيّ. وَأما التَّاسِع: فمحمد بن (عَمْرو) قَالَ يَحْيَى: مَا زَالَ النَّاس يَتَّقُونَ حَدِيثه. وَأما الْعَاشِر: فالبكراوي، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان، طرح النَّاس حَدِيثه، كَمَا قَالَه أَحْمد، وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: ذهب حَدِيثه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي، يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي المقلوبات عَن الْأَثْبَات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأما الْحَادِي عشر: فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة (وحنين) بن أبي حَكِيم، وَلَا يحْتَج بهما. الْوَجْه الثَّانِي: التَّعْلِيل؛ فَأَما رِوَايَة سُهَيْل فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه رُوِيَ مَوْقُوفا. وَأَيْضًا؛ فقد رَوَاهُ سُفْيَان، عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن إِسْحَاق مولَى زَائِدَة، عَن أبي هُرَيْرَة - كَمَا سلف - فَأدْخل (رجلا) بَين أبي صَالح وَأبي هُرَيْرَة، وَهَذَا اخْتِلَاف. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَإِنَّمَا لم يقو عِنْدِي أَنه يرْوَى عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، وَيدخل بعض الْحفاظ بَين أبي صَالح وَأبي هُرَيْرَة «إِسْحَاق مولَى زَائِدَة» . قَالَ: فَيدل عَلَى (أَن) أَبَا صَالح لم يسمعهُ من أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَت معرفتي [بِإسْحَاق] مولَى زَائِدَة مثل معرفتي بِأبي صَالح، وَلَعَلَّه أَن يكون ثِقَة. (وَأما) رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب؛ فقد أسلفنا (روايتنا) لَهُ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن الْقَاسِم بن عَبَّاس، عَن عَمْرو بن عُمَيْر، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب (رِوَايَة) ابْن أبي ذِئْب: وَصَالح مولَى التوءمة لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأما رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو فقد رَوَاهَا عبد الْوَهَّاب عَنهُ مَوْقُوفَة عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَرجحه بَعضهم عَلَى الرّفْع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ مُعْتَمر (أَيْضا) عَن مُحَمَّد فَوَقفهُ، وَقد أسلفنا عَن أبي حَاتِم أَن الرّفْع خطأ. ثمَّ شرع الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين يُجيب عَن ذَلِك فَقَالَ: لقَائِل أَن يَقُول: أما الْكَلَام عَلَى صَالح مولَى التوءمة فَهُوَ وَإِن كَانَ مَالك قَالَ فِيهِ: إِنَّه لَيْسَ بِثِقَة - كَمَا قدمْنَاهُ - واستضعفه غَيره (فقد قَالَ) يَحْيَى فِيهِ: إِنَّه ثِقَة حجَّة. قيل لَهُ: إِن مَالِكًا (ترك) السماع مِنْهُ! فَقَالَ: (إِن) مَالِكًا إِنَّمَا أدْركهُ بعد أَن خرف، وَلَكِن ابْن أبي ذِئْب سمع مِنْهُ قبل أَن يخرف. وَقَالَ السَّعْدِيّ: تغير جدًّا، وَحَدِيث ابْن أبي ذِئْب (مَقْبُول) مِنْهُ لقدم سَمَاعه. قَالَ الشَّيْخ: فَهَذَا يَقْتَضِي أَن كَلَام مَالك فِيهِ بعد تغيره وَأَن رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب قديمَة مَقْبُولَة، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب عَنهُ. قَالَ: وَبِهَذَا يحصل الْجَواب عَن قَول الْبَيْهَقِيّ فِيهِ «إِنَّه اخْتَلَط فِي آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 عمره؛ فَخرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ» لِأَنَّهُ قد تبين بِشَهَادَة من تقدم بقدم سَماع ابْن أبي ذِئْب وَأَنه مَقْبُول. قلت: وَبِه يُجَاب (أَيْضا) عَن إعلال ابْن الْجَوْزِيّ الحَدِيث بِهِ كَمَا أسلفناه عَنهُ. قَالَ الشَّيْخ: وَأما رِوَايَة سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة فسندها عِنْد التِّرْمِذِيّ من شَرط الصَّحِيح، وَقَالَ فِيهَا التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن، وَعبد الْعَزِيز (بن) الْمُخْتَار وَأَبُو صَالح مُتَّفق عَلَيْهِمَا، وَمُحَمّد بن عبد الْملك و (سُهَيْل) أخرج لَهما مُسلم. وَقَالَ الشَّيْخ فِي (الْإِلْمَام) أَيْضا: رِجَاله رجال مُسلم. وَقد أخرجهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج الشَّامي، حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غسل مَيتا فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» وَفِي هَذِه الرِّوَايَة فَائِدَة أُخْرَى؛ وَهِي مُتَابعَة حمادٍ عبدَ الْعَزِيز. وَأما رِوَايَة سُفْيَان وَإِدْخَال إِسْحَاق بَين أبي صَالح وَأبي هُرَيْرَة، فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِي يدل عَلَى أَن أَبَا صَالح لم يسمعهُ من أبي هُرَيْرَة، وَلَكِن إِسْحَاق مولَى زَائِدَة موثق أخرج لَهُ مُسلم، وَقَالَ يَحْيَى: ثِقَة. وَإِذا كَانَ ثِقَة، فكيفما كَانَ الحَدِيث عَنهُ أَو عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، لم يخرج عَن ثِقَة. قلت: وَقَول الشَّافِعِي السالف إِن فِي إِسْنَاده رجلا لم أَقف (عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 معرفَة) ثَبت حَدِيثه إِلَى يومي عَلَى مَا يقنعني. الظَّاهِر أَنه أَرَادَ إِسْحَاق هَذَا وَقد وضح لَك ثقته، وَقد قَالَ فِيهِ مرّة أُخْرَى: لَعَلَّه أَن يكون ثِقَة. كَمَا أسلفناه عَنهُ. وَأما طَرِيق أبي دَاوُد الَّذِي زيد فِيهِ «إِسْحَاق» فَلَا أرَى لَهُ عِلّة لصِحَّة إِسْنَاده واتصاله. حَامِد بن يَحْيَى الْمَذْكُور فِي أول إِسْنَاده مَشْهُور، قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. وَذكر جَعْفَر الْفرْيَابِيّ أَنه سَأَلَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ عَنهُ فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ الله، أُبْقِي حَامِد إلىأن يحْتَاج يسْأَل عَنهُ؟ ! وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: كَانَ أعلم زَمَانه وَمن بعده مخرج لَهُ فِي «الصَّحِيح» . وَقد جنح ابْن حزم الظَّاهِرِيّ (إِلَى تَصْحِيحه) فَإِنَّهُ احْتج بِهِ فِي الْمَسْأَلَة وَقَالَ: إِسْحَاق مولَى زَائِدَة ثِقَة مدنِي، وَثَّقَهُ أَحْمد بن صَالح الْكُوفِي وَغَيره. وَأما زُهَيْر فقد أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة. وَقَالَ يَحْيَى: ثِقَة. وَقَالَ أَحْمد: مقارب الحَدِيث. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق، فِي حفظه سوء (وَقَالَ: حَدِيثه) بِالشَّام، أنكر من حَدِيثه بالعراق لسوء حفظه، وَمَا (حدث) بِهِ من حفظه فَهُوَ أغاليط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 قلت: وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أهل الشَّام عَنهُ (الَّتِي) قَالَ البُخَارِيّ فِيهَا مَا سلف، لَكِن رَوَى البُخَارِيّ (أَيْضا) عَن أَحْمد أَنه قَالَ: كأنَّ (زهيرًا) الَّذِي رَوَى عَنهُ أهل الشَّام (زُهَيْر) آخر. وَأما رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو (فقد) احْتج بهَا ابْن حزم حَيْثُ رَوَاهَا من جِهَة حَمَّاد بن سَلمَة، وَمُحَمّد بن عَمْرو رَوَى عَنهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ وتابع (بِهِ) مُسلم، وَقد رفع هَذَا الحَدِيث حَمَّاد، وَتَابعه أَبُو (بَحر) وَفِي قَول أبي حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. مَا يَقْتَضِي أَن يَجْعَل تَأْكِيدًا فِي رَفعه، وَرِوَايَة الْوَقْف لم يَعْتَبِرهَا ابْن حزم تَقْدِيمًا للرفع عَلَيْهَا، وَقَالَ (عَلّي) بن الْمَدِينِيّ: كَانَ يَحْيَى بن سعيد حسن الرَّأْي فِي أبي بَحر. وَأما ابْن لَهِيعَة فقد (سلفت) تَرْجَمته فِيمَا مَضَى، وَأما حنين بن أبي حَكِيم فقد وَثَّقَهُ ابْن حبَان. وَأما الِاخْتِلَاف عَلَى ابْن أبي ذِئْب فقد يُقَال: إنَّهُمَا إسنادان مُخْتَلِفَانِ لِابْنِ أبي ذِئْب لَا يُعلل أَحدهمَا بِالْآخرِ؛ لاخْتِلَاف رجالهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 وَأما قَول ابْن الْقطَّان فِي حَدِيث الْعَلَاء: إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف. إِن أَرَادَ أَنه لَا يعرف مخرجه فَلَيْسَ كَذَلِك، فقد خرجه الْبَزَّار كَمَا أسلفناه، وَإِن أَرَادَ (مَعَ) (معرفَة طَرِيقه) أَنه غير مَشْهُور؛ فَلَا (يُنَاسِبه) ذَلِك، وَإِنَّمَا (يُنَاسِبه) النّظر فِي رجال إِسْنَاده. وَأما أَبُو وَاقد فقد قَالَ أَحْمد فِيهِ: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. فَلَعَلَّ ذَلِك يَقْتَضِي أَن يُتَابع بروايته، وَأما (جَهَالَة) بعض رُوَاته فَلَا يقْدَح فِيمَا صَحَّ مِنْهُمَا؛ فقد ظهر صِحَة بعض طرقه وَحسن بَعْضهَا ومتابعة الْبَاقِي لَهَا، فَلَا يخْفَى إِذا مَا فِي إِطْلَاق الضعْف عَلَيْهَا، وَإِن الْأَصَح الْوَقْف، وَقد علم أَيْضا مَا يعْمل عِنْد اجْتِمَاع الرّفْع وَالْوَقْف وشهرة الْخلاف (فِيهِ) ، وَقد نقل الإِمَام أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ من أَئِمَّة أَصْحَابنَا فِي «حاويه» عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَنه خرج لصِحَّة هَذَا الحَدِيث مائَة وَعشْرين طَرِيقا، فَأَقل أَحْوَاله (إِذا) أَن يكون حسنا. تَنْبِيه: اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ أورد هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ «الْمس» دون «الْحمل» فَقَالَ: رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من غسل مَيتا فليغتسل، وَمن مَسّه فَليَتَوَضَّأ» . وَلم أَقف عَلَى لفظ «الْمس» فِي رِوَايَة بعد الفحص عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِلَفْظ «الْحمل» بدله، وَكَذَا أوردهُ هُوَ - أَعنِي: الرَّافِعِيّ - فِي كِتَابه «الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» نعم كَلَام الشَّافِعِي السالف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 (دَال) عَلَى وُرُوده فِيهِ؛ إِذْ قَالَ: فَإِن وجدت مَا يقنعني (أوجبته) وأوجبت الْوضُوء من مس الْمَيِّت؛ فَإِنَّهُمَا فِي حَدِيث وَاحِد. وَكَذَا قَول الْمُزنِيّ أَيْضا: الْغسْل من غسل الْمَيِّت غير مَشْرُوع، وَكَذَا الْوضُوء من مس الْمَيِّت وَحمله؛ لِأَنَّهُ لم يَصح فِيهَا شَيْء دَال عَلَى ذَلِك. وَقد آن لنا أَن نعود إِلَى الْكَلَام عَلَى بَقِيَّة الْأَحَادِيث؛ فَنَقُول: وَأما حَدِيث عَائِشَة فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مُصعب بن شيبَة، عَن طلق بن حبيب، عَن عبد الله بن الزبير، عَن عَائِشَة (رَضي اللهُ عَنها أَنَّهَا حدثته) «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يغْتَسل من أَربع: من الْجَنَابَة، وَيَوْم الْجُمُعَة (وَمن) الْحجامَة، وَمن غسل الْمَيِّت» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ: «الْغسْل من أَرْبَعَة (من) الْجَنَابَة، وَالْجُمُعَة، والحجامة، وَغسل الْمَيِّت» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْغسْل من خَمْسَة: من الْجَنَابَة، والحجامة، وَغسل يَوْم الْجُمُعَة، وَالْمَيِّت، وَمن مَاء الْحمام» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» (بِثَلَاثَة أَلْفَاظ) «كَانَ يغْتَسل» ، «يُغتَسل» «الغُسل» وَأعله الْأَثْرَم بعلل: أَحدهَا: أَنه سمع أَبَا (عبد الله) - يَعْنِي: أَحْمد بن حَنْبَل - يتَكَلَّم فِي مُصعب بن شيبَة، وَذكر (أَن) لَهُ أَحَادِيث (مَنَاكِير قَالَ: وسمعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 يتَكَلَّم عَلَى هَذَا الحَدِيث) بِعَيْنِه. ثَانِيهَا: أَن عَائِشَة كَانَت ترخص فِي غسل الْجُمُعَة؛ فَكيف تذكر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِهِ؟ ! ثَالِثهَا: أَنه صَحَّ عَنْهَا إِنْكَار الْغسْل من غسل الْمَيِّت، فَكيف ترويه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وتنكر (عَلَى من) فعله. رَابِعهَا: أَن فِيهِ الْغسْل من الْحجامَة، وَهُوَ مُنكر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لإِجْمَاع الْأمة عَلَى أَنه لَا يجب، زَاد ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ناسخه ومنسوخه» : وَلَا يسْتَحبّ إِجْمَاعًا. وَقَالَ فِي «علله» - أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ -: هَذَا حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ ذكر عَن أَحْمد أَنه قَالَ فِي مُصعب بن شيبَة: أَحَادِيثه مَنَاكِير. قَالَ: وَلَا يثبت فِي هَذَا حَدِيث. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِي إِسْنَاده مقَال. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن الْغسْل من الْحجامَة فَقلت: يرْوَى مَرْفُوعا «الْغسْل من أَربع ... » فَقَالَ: لَا يَصح هَذَا، رَوَاهُ مُصعب بن شيبَة، وَلَيْسَ بِقَوي. فَقلت لَهُ: لم (يرو عَن) عَائِشَة من غير حَدِيث مُصعب؟ قَالَ: لَا. وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» تَضْعِيفه عَن أَحْمد أَيْضا، وَعَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 التِّرْمِذِيّ أَنه نقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ فِي «سنَنه» : مَا أرَى مُسلما تَركه إِلَّا لطعن بعض الْحفاظ فِيهِ. وَجزم بضعفه من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف. وَالْجَوَاب عَن الْعلَّة الأولَى أَن مُصعب بن شيبَة أخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» محتجًّا بِهِ، وَكَذَا بَاقِي السّنَن الْأَرْبَعَة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات؛ فَإِن طلق بن حبيب وَمصْعَب بن شيبَة قد أخرج مُسلم بن الْحجَّاج وَجَمَاعَة حَدِيثهمَا فِي الصَّحِيح، وَرُوِيَ عَن (أبي كريب، عَن يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة) عَن أَبِيه بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه حَدِيث «عشر من الْفطْرَة» وَسَائِر رُوَاته مُتَّفق عَلَيْهِم. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث أبي هُرَيْرَة ... فَذكره من حَدِيث إِسْحَاق مولَى زَائِدَة، وَعَمْرو بن عُمَيْر (عَنهُ) . وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَجزم الْمجد فِي «أَحْكَامه» بِأَنَّهُ عَلَى شَرط مُسلم، وَكَذَا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «اقتراحه» أَي: لِأَن مصعبًا وطلقًا انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنْهُمَا مُسلم، وَرَوَاهُ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» (عَن عَبدة) عَن عبد الله الْخُزَاعِيّ، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 مُحَمَّد بن بشر، عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن مُصعب بِهِ. وَأما مَا ذكره بعد ذَلِك من «الْعِلَل» فَفِيهِ مَا لَيْسَ من صناعَة الْإِسْنَاد، كَمَا نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، وَنَقله الْإِجْمَاع عَلَى عدم (الْوُجُوب) لَا يَقْتَضِي تَضْعِيف الحَدِيث (لجَوَاز أَن) يحمل عَلَى الِاسْتِحْبَاب، وَأما نقل ابْن الْجَوْزِيّ الْإِجْمَاع عَلَى أَنه لَا يسْتَحبّ الْغسْل من الْحجامَة فَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ فَإِن الشَّافِعِي (نَص) عَلَى اسْتِحْبَابه؛ كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (عَن) نَصه فِي الْقَدِيم، وَعَن حِكَايَة الْقفال عَن النَّص وَهَذَا نَص قديم لَا معَارض لَهُ فِي الْجَدِيد؛ فَيكون مذْهبه. وَأما حَدِيث عَلّي فَسَيَأْتِي فِي الْجَنَائِز حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ. وَأما حَدِيث أبي سعيد فَرَوَاهُ حَرْمَلَة بن يَحْيَى، عَن ابْن وهب، عَن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْغسْل من الْغسْل، وَالْوُضُوء من الْحمل» . وَأُسَامَة هَذَا صَدُوق فِيهِ (لين يسير) وَقد أخرج لَهُ م 4. وَأما حَدِيث حُذَيْفَة فَرَوَاهُ معمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أَبِيه عَنهُ مَرْفُوعا: «من غسل مَيتا فليغتسل» (ذكره) ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث غلط. وَلم يبين غلطه، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه لَا يثبت. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : إِسْنَاده سَاقِط. (وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» و «ناسخه ومنسوخه» ) وَقَالَ فِي «علله» : لَا يَصح. قَالَ: وَأَبُو إِسْحَاق تغير بِأخرَة، وَأَبوهُ لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي النَّقْل. وَأما حَدِيث الْمُغيرَة، فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» فَقَالَ: ثَنَا يَعْقُوب، ثَنَا أبي، عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: (وَقد) كنت حفظت (من) كثير من عُلَمَائِنَا بِالْمَدِينَةِ أَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم كَانَ يروي عَن (ابْن) الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَحَادِيث مِنْهَا أَنه حَدثهُ (أَبوهُ) أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من غسل مَيتا فليغتسل» . خَاتِمَة: لما ذكر أَبُو دَاوُد حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِنَّه مَنْسُوخ. وَقَالَ مثله أَبُو حَفْص بن شاهين قَالَ: وناسخه حَدِيث ابْن عَبَّاس: «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي ميتكم غسل إِذا غسلتموه، وحسبكم أَن تغسلوا أَيْدِيكُم» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْجُمُعَة حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ - إِن شَاءَ الله - وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ناسخه ومنسوخه» الْمُسَمَّى ب «الْإِعْلَام» فَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف، وَكَذَا حَدِيث عَائِشَة وَحَدِيثه، ثمَّ ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي ميتكم غسل إِذا غسلتموه إِن ميتكم لَيْسَ بِنَجس» وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي أرَاهُ أَن أَحَادِيث الْغسْل من غسل الْمَيِّت لَا تثبت، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: «وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» وَذَلِكَ مَتْرُوك بِالْإِجْمَاع؛ فَكَذَلِك الْغسْل. قَالَ: وَكَذَلِكَ من الْحجامَة مُنكر؛ فَإِنَّهُ لَا يجب وَلَا يسْتَحبّ إِجْمَاعًا، وَقد (أسلفت) لَك مَا فِي هَذَا، وَأول غَيره قَوْله: «وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ» عَلَى: من أَرَادَ حمله ومتابعته فَليَتَوَضَّأ من أجل الصَّلَاة عَلَيْهِ. ذكره الْحَاكِم فِي «تَارِيخه» عَن أبي بكر الضبعِي حَيْثُ قَالَ: سمعته. وَقد سُئِلَ عَنهُ، فَقَالَ: إِن صَحَّ هَذَا الْخَبَر فَمَعْنَاه أَن يتَوَضَّأ قبل حمله شَفَقَة أَن تفوته الصَّلَاة بعد الْحمل، كَمَا (قَالَ) عَلَيْهِ السَّلَام: «من رَاح إِلَى الْجُمُعَة فليغتسل» أَي: قبل الرواح. وَلما ذكر أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف قَالَ: أُضمر فِي الْخَبَر قَوْله: إِذا لم يكن بَينهمَا حَائِل. فَائِدَة: ذكر الشَّيْخ أَبُو عَلّي السنجي فِي «شرح التَّلْخِيص» فِي بَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 الْجُمُعَة أَن أَصْحَابنَا اخْتلفُوا فِي قَوْله: «وَمن مَسّه فَليَتَوَضَّأ» عَلَى وُجُوه مِنْهَا أَنه عَلَى ظَاهره وَيجْعَل الْوضُوء وَاجِبا عَلَيْهِ، قَالُوا: لِأَن بدنه بِالْمَوْتِ صَار عَورَة (وَقيل) : إِن النّظر إِلَى بدنه حرَام إِلَّا لضَرُورَة فَصَارَ كبدن الْمَرْأَة كَذَا ذكره، وَهُوَ غَرِيب، وَجزم ابْن يُونُس أَيْضا فِي «شرح التَّعْجِيز» بِأَن بدنه عَورَة، وَيحرم النّظر إِلَى جَمِيع بدنه، وَلَا أعلم من ذكر ذَلِك غَيرهمَا. الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن» . هَذَا الحَدِيث فِيهِ مقَال رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت، ثمَّ شين مُعْجمَة - الْعَنسِي - بالنُّون - (الْحِمصِي، عَالم أهل الشَّام) عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ. وَقد وَقع لنا بعلو كَمَا ذكرته بإسنادي فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نَعْرِف هَذَا الحَدِيث إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن مُوسَى بن عقبَة. قَالَ: وَسمعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 يَعْنِي: البُخَارِيّ - يَقُول: إِن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش يروي عَن أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق أَحَادِيث مَنَاكِير. كَأَنَّهُ ضعف رِوَايَته عَنْهُم فِيمَا ينْفَرد بِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا (حَدِيثه) عَن أهل الشَّام - أَي وَحَدِيثه هَذَا عَن أهل الْحجاز، كَمَا صرح بِهِ عبد الْحق (فِي «أَحْكَامه» ) - وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: إِسْمَاعِيل أصلح من بَقِيَّة. قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَّا إِسْمَاعِيل، وَلَا نعلم يرْوَى عَن ابْن عمر من وَجه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْحَائِض إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» : لَيْسَ هَذَا بِالْقَوِيّ، وَاسْتشْهدَ بِهِ فِي «الْمعرفَة» وَقَالَ: إِن سلم (من) إِسْمَاعِيل وَمن تَابعه. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه، نَا عبد الله بن حَمَّاد الآملي، عَن عبد الْملك بن (مسلمة) عَن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُوسَى بن عقبَة، وَلم يذكر الْحَائِض، وَمن حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الحساني، عَن رجل، عَن أبي معشر، عَن مُوسَى بِهِ بِذكر الْحَائِض، وَمن حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن مُوسَى بن عقبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 و (عبيد الله) بن (عمر) ، عَن نَافِع بِهِ، و (فيهمَا) رد عَلَى قَول الْبَزَّار أَنه (لَا نعلم رَوَاهُ عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَّا إِسْمَاعِيل؛ فقد تَابعه الْمُغيرَة وَأَبُو معشر) وَصحح شَيخنَا الْحَافِظ فتح الدَّين الْيَعْمرِي فِي «شَرحه لِلتِّرْمِذِي» طَرِيق الْمُغيرَة، وَنقل تَوْثِيق رواتها مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه، ذكره الْخَطِيب فِي «تَارِيخه» وَقَالَ: ثِقَة. والآملي أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، والمغيرة هُوَ الْحزَامِي مُتَّفق عَلَيْهِ، قَالَ: فَالْحَدِيث إِذا صَحِيح الْإِسْنَاد؛ لِأَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لم ينْفَرد بِهِ عَن مُوسَى بن عقبَة. قلت: لَكِن فَاتَ شَيخنَا ذكر حَال عبد الْملك بن مسلمة الَّذِي يرويهِ عَن الْمُغيرَة، وَهُوَ ضَعِيف؛ فقد قَالَ ابْن حبَان: يروي مَنَاكِير كَثِيرَة. وَقَالَ ابْن يُونُس: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: (مُضْطَرب) لَيْسَ بِقَوي، حَدثنِي بِحَدِيث فِي الْكَرم عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن جِبْرِيل مَوْضُوع. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عبد الْملك هَذَا كَانَ بِمصْر، وَهَذَا غَرِيب عَن مُغيرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ ثِقَة. وَضَعفه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» أَيْضا. قلت: فَلَو سلم الْإِسْنَاد من هَذَا الرجل لصَحَّ. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فأعل هَذِه الطَّرِيقَة فِي «تَحْقِيقه» بمغيرة بن عبد الرَّحْمَن وَقَالَ: إِنَّه مَجْرُوح ضَعِيف. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ؛ فمغيرة هَذَا أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَة، وَهُوَ ثِقَة، قَالَ أَحْمد: مَا بحَديثه بَأْس. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رجل صَالح. نعم؛ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ عَبَّاس (الدوري) عَن ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَأوردهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» لأجل هَذِه (المقولة) فِيهِ، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فقد قَالَ أَبُو دَاوُد: غلط عَبَّاس (عَلَى) ابْن معِين. وَأما الطَّرِيقَة الثَّالِثَة الَّتِي أخرجناها عَن الدَّارَقُطْنِيّ، فَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ للْحَدِيث أصل من حَدِيث عبيد الله - يَعْنِي: الْعمريّ - وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِيهِ أَيْضا: إِنَّه حَدِيث ينْفَرد بِهِ إِسْمَاعِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَإِسْمَاعِيل فِيمَا يروي (عَن) أهل (الْحجاز وَأهل) الْعرَاق غَيره أوثق مِنْهُ. ثمَّ نقل عَن يَحْيَى بن معِين أَن إِسْمَاعِيل كَانَ ثِقَة فِيمَا يروي عَن أَصْحَابه أهل الشَّام، وَمَا رَوَى عَن غَيرهم فخلط فِيهَا. وَقَالَ: (وَبَلغنِي) عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ أَنه قَالَ: إِنَّمَا يروي هَذَا: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن مُوسَى بن عقبَة، وَلَا أعرفهُ من حَدِيث غَيره، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 وَإِسْمَاعِيل مُنكر الحَدِيث عَن أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق. قلت: وَفِي كَلَام البُخَارِيّ هَذَا مَا أسفلناه (عَلَى) كَلَام الْبَزَّار. وَأما الطَّرِيقَة الثَّانِيَة فَهِيَ معلولة من وَجْهَيْن: جَهَالَة الرجل وَضعف أبي معشر - وَهُوَ نجيح السندي - قَالَ ابْن نمير: كَانَ لَا يحفظ الْأَسَانِيد. وأجمل عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» القَوْل فِي ضعف (هَذَا الطَّرِيق) فَقَالَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من غير طَرِيق إِسْمَاعِيل وَلَا يَصح أَيْضا. ثمَّ قَالَ: وَأحسن مَا (فِيهِ) حَدِيث سُلَيْمَان (بن مُوسَى) الْآتِي. (قلت:) (ذَاك) فِي مس الْمُصحف لَا فِي قِرَاءَة الْجنب، كَمَا ذكره هُوَ بعد، وَقد أسلفناه (فِي الْبَاب) قبله فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي وَذكر حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ... فَذكره من طَرِيق التِّرْمِذِيّ وَمن تَابعه، فَقَالَ أبي: هَذَا خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عمر قَوْله. وَفِي كتاب «الْخلال» و «ضعفاء الْعقيلِيّ» عَن عبد الله - يَعْنِي: ابْن أَحْمد بن حَنْبَل - وَذكر هَذَا الحَدِيث؛ قَالَ (أبي) : هَذَا بَاطِل أنكر عَلَى إِسْمَاعِيل. يَعْنِي: أَنه وهم مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَن فِيهِ (نظرا) وَرَوَى عَن البُخَارِيّ نَحوا مِمَّا سلف. وَقَالَ الضياء الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» : إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش تكلم فِيهِ غير وَاحِد من أهل الْعلم، غير أَن بعض الْحفاظ قَالَ: قد رُوِيَ من غير طَرِيقه بِإِسْنَاد لَا بَأْس (بِهِ) وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى الطَّرِيقَة الَّتِي صححت (وَبينا وهنها) (و) أَشَارَ إِلَى قَول ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» : قد رَوَاهُ عبد الله بن حَمَّاد الآملي، عَن القعْنبِي، عَن الْمُغيرَة، عَن مُوسَى بن عقبَة. لَكِن قَوْله عَن القعْنبِي الظَّاهِر وهمه فِيهِ؛ فَإِن عبد الله بن حَمَّاد إِنَّمَا رَوَاهُ عَن عبد الْملك بن مسلمة عَن الْمُغيرَة كَمَا تقدم، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا سلف أَيْضا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بعد (ذكر) رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: وَرُوِيَ أَيْضا عَن غَيره، عَن مُوسَى بن عقبَة - وَهُوَ ضَعِيف - ثمَّ سَاق مُتَابعَة الْمُغيرَة وَأبي معشر السالفتين. وَأما الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ حسن الحَدِيث، فَقَالَ فِي (الْقطعَة) الَّتِي خرجها من أَحَادِيث (الْمُهَذّب) بِالْإِسْنَادِ: هَذَا حَدِيث حسن، وَإِسْمَاعِيل تكلم فِيهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة. قلت: وَحَاصِل مقالات الْحفاظ فِي إِسْمَاعِيل ثَلَاث: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 أَحدهَا: ضعفه مُطلقًا. ثَانِيهَا: ثقته مُطلقًا. ثَالِثهَا: أَنه ضَعِيف فِي غير الشاميين، و (عَلَيْهِ) الْأَكْثَرُونَ. قَالَ الْفَسَوِي: تكلم قوم فِيهِ، وَهُوَ ثِقَة عدل أعلم النَّاس بِحَدِيث الشَّام، أَكثر مَا تكلمُوا فِيهِ قَالُوا: يغرب عَن ثِقَات الْحجاز. وَقَالَ عَبَّاس عَن يَحْيَى: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْس فِي أهل الشَّام. وَقَالَ دُحَيْم: هُوَ فِي الشاميين غَايَة وخلط عَن الْمَدَنِيين. وَقد أسلفنا قَول البُخَارِيّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لين، مَا أعلم (أحدا) كف عَنهُ إِلَّا أَبُو إِسْحَاق (الْفَزارِيّ) . أَي: فَإِنَّهُ قَالَ: ذَا رجل لَا يدْرِي مَا يخرج من رَأسه! وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: كثير الْخَطَأ فِي حَدِيثه؛ فَخرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مَا كَانَ أحد أعلم بِحَدِيث أهل الشَّام مِنْهُ لَو ثَبت عَلَى حَدِيث أهل الشَّام، وَلكنه خلط فِي حَدِيثه عَن أهل الْعرَاق. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» فِي حَدِيث «إِذا قاء أحدكُم» : هُوَ سَاقِط؛ لَا سِيمَا عَن الْحِجَازِيِّينَ. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بِهِ. وَعبارَة الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِيهِ: وَثَّقَهُ أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين مُطلقًا. وَأَثْنَى يزِيد بن هَارُون عَلَى حفظه ثَنَاء بليغًا (أَي) فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ، مَا أَدْرِي (مَا) الثَّوْريّ؟ ! قلت: وَصحح لَهُ التِّرْمِذِيّ غير مَا (حَدِيث) من رِوَايَته عَن أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 بَلَده خَاصَّة، مِنْهَا حَدِيث: «لَا وَصِيَّة لوَارث» وَحَدِيث « (بِحَسب) ابْن آدم أكلات يقمن صلبه» وَحَدِيثه هَذَا - أَعنِي: الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ - قد علمت أَنه لم ينْفَرد بِهِ، وتوبع عَلَيْهِ، وَله شَاهد أَيْضا من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «لَا تقْرَأ الْحَائِض وَلَا النُّفَسَاء شَيْئا من الْقُرْآن» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قبل الزَّكَاة فِي «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل، عَن أَبِيه، عَن طَاوس، عَن جَابر بِهِ، وَمُحَمّد هَذَا مَتْرُوك وَنسب إِلَى الْوَضع، ووالده ثِقَة. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفا عَلَيْهِ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَقَالَ: «لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض وَلَا النُّفَسَاء شَيْئا من الْقُرْآن» وَيَحْيَى هَذَا مَتْرُوك؛ كَمَا (قَالَه) أَحْمد وَغَيره، وَأَبُو الزبير يحْتَاج إِلَى دعامة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْأَثر لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَصَحَّ عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه كَانَ يكره أَن يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ جنب» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بعد أَن سَاقه بِإِسْنَادِهِ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 فَائِدَة: يجوز لَك فِي قِرَاءَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا « (يقْرَأ» ) (كسر) الْهمزَة عَلَى النَّهْي، وَضمّهَا (عَلَى) الْخَبَر الَّذِي يُرَاد بِهِ النَّهْي، وهما صَحِيحَانِ. الحَدِيث الثَّامِن عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضي اللهُ عَنهُ (أَنه) قَالَ: «لم يكن يحجب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْقُرْآن شَيْء سُوَى الْجَنَابَة» وَرُوِيَ «يحجزه» . هَذَا الحَدِيث جيد رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي «مسنديهما» ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» و (ابْن) الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالدَّارَقُطْنِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من رِوَايَة شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة - بِكَسْر اللَّام - قَالَ: «دَخَلنَا عَلَى عَلّي أَنا ورجلان: رجل منا، وَرجل من بني أَسد، أَحسب قَالَ: فبعثهما لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: إنَّكُمَا عِلْجَانِ، فعالجا عَن دينكما. ثمَّ دخل الْمخْرج، ثمَّ خرج فَدَعَا بِمَاء فَأخذ مِنْهُ حفْنَة فتمسح بهَا، ثمَّ جعل يقْرَأ الْقُرْآن فأنكروا ذَلِك، فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخرج من الْخَلَاء (فيقرئنا) الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا (اللَّحْم) وَلم يكن يَحْجُبهُ - أَو قَالَ: يحجزه - عَن الْقُرْآن شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ ابْن مَاجَه: «كَانَ يَأْتِي الْخَلَاء فَيَقْضِي (الْحَاجة) ثمَّ يخرج فيأكل مَعنا الْخبز وَاللَّحم، وَيقْرَأ الْقُرْآن لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 يَحْجُبهُ - وَرُبمَا قَالَ: لَا يحجزه - عَن الْقُرْآن شَيْء إِلَّا الْجَنَابَة» وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كَانَ يخرج من الْخَلَاء فَيقْرَأ الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم، وَلم يكن يَحْجُبهُ من الْقُرْآن شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ الْقُرْآن عَلَى كل حَال، إِلَّا الْجَنَابَة» وَلَفظ الْبَزَّار كهذين اللَّفْظَيْنِ، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «كَانَ يقرئنا الْقُرْآن عَلَى كل حَال مَا لم يكن جنبا» وَلَفظ أَحْمد: «أتيت (عَلَى) عَلّي أَنا ورجلان، فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْضِي حَاجته ثمَّ يخرج فَيقْرَأ الْقُرْآن وَيَأْكُل (مَعنا) اللَّحْم وَلَا يحجزه - وَرُبمَا قَالَ: يَحْجُبهُ - من الْقُرْآن شَيْء، لَيْسَ الْجَنَابَة» وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ لَا يَحْجُبهُ عَن قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء مَا خلا الْجَنَابَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «لم يكن يَحْجُبهُ من قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء إِلَّا أَن يكون جنبا» وَلَفظ الْحَاكِم: «سُوَى الْجَنَابَة - أَو إِلَّا الْجَنَابَة» وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «كَانَ لَا يَحْجُبهُ عَن قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء إِلَّا أَن يكون جنبا» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ، وَذكره فِي «خلافياته» من طَرِيق أبي دَاوُد وَالْحَاكِم. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَبِه قَالَ غير وَاحِد من الصَّحَابَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 وَالتَّابِعِينَ، قَالُوا: يقْرَأ الرجل الْقُرْآن عَلَى غير وضوء، وَلَا يقْرَأ فِي الْمُصحف إِلَّا وَهُوَ طَاهِر. وَبِه يَقُول سُفْيَان الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق. قلت: وَصَححهُ أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» كَمَا أسلفناه، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: والشيخان لم يحْتَجَّا بِعَبْد الله بن سَلمَة، ومدار الحَدِيث عَلَيْهِ. قَالَ: وَعبد الله بن سَلمَة غير مطعون فِيهِ. و (أقره) الْبَيْهَقِيّ عَلَى ذَلِك فِي «خلافياته» وَذكره ابْن السكن (أَيْضا) فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَأخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَقَالَ: سَمِعت أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ يَقُول: ثَنَا (سعيد) بن الرّبيع، عَن شُعْبَة (بِهَذَا الحَدِيث) قَالَ شُعْبَة: هَذَا ثلث رَأس مَالِي. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (قَالَ سُفْيَان) : مَا أحدث بِحَدِيث أحسن مِنْهُ. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح. ثمَّ نقل عَن ابْن صَخْر أَنه قَالَ فِي «فَوَائده» : إِنَّه حَدِيث مَشْهُور. وَقَالَ الْبَزَّار: إِنَّه لَا يرْوَى عَن عَلّي إِلَّا من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة. قلت: قد رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن مرّة، عَن أبي البخْترِي، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 عَلّي، وَقيل: عَن عَمْرو بن مرّة عَن عَلّي مَوْقُوفا مُرْسلا، ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» (ثمَّ) قَالَ: القَوْل قَول من قَالَ: عَن عَمْرو بن (مرّة) عَن (عبد الله) بن سَلمَة، عَن عَلّي. وَحَكَى البُخَارِيّ عَن عَمْرو بن مرّة (قَالَ) : كَانَ عبد الله بن سَلمَة يحدثنا فنعرف وننكر، وَكَانَ قد كبر لَا يُتَابع فِي حَدِيثه. وَقَالَ ابْن الْجَارُود - بَعْدَمَا أخرجه -: قَالَ يَحْيَى بن سعيد: وَكَانَ شُعْبَة يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث: نَعْرِف وننكر - يَعْنِي: عبد الله بن سَلمَة - كَانَ (كبر حَيْثُ) أدْركهُ عَمْرو. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث الإِمَام الشَّافِعِي فِي «سنَن حَرْمَلَة» ، ثمَّ قَالَ: إِن كَانَ ثَابتا فَفِيهِ دلَالَة عَلَى تَحْرِيم الْقُرْآن عَلَى الْجنب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي جماع كتاب الطّهُور وَقَالَ: وَإِن لم يكن أهل الحَدِيث يثبتونه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : إِنَّمَا توقف الشَّافِعِي فِي ثُبُوته؛ لِأَن مَدَاره عَلَى عبد الله بن سَلمَة، وَكَانَ قد كبر وَأنكر من (عقله وَفِي حَدِيثه) بعض (النكرَة) وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيث بَعْدَمَا كبر، قَالَه شُعْبَة. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَصَحَّ عَن عمر أَنه كره الْقُرْآن للْجنب. ثمَّ سَاقه كَمَا أسلفناه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 وَذكر الْخطابِيّ أَن أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يوهن حَدِيث عَلّي هَذَا، ويضعف أَمر عبد الله بن سَلمَة. وَذكر شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي فِي «شَرحه لِلتِّرْمِذِي» عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث (أحد) عَن عَمْرو غير شُعْبَة. ثمَّ ناقشه فِي ذَلِك فَقَالَ: ذكر ابْن عدي أَنه رَوَاهُ عَن عَمْرو: الْأَعْمَش، وَشعْبَة، ومسعر، وَابْن أبي لَيْلَى، وَيَحْيَى بن سعيد، ورقبة أَو بَقِيَّة؛ لست (أَدْرِي) (أَيهمَا) هُوَ. قلت: وَأَبَان بن تغلب أَيْضا فِيمَا ذكره الْخَطِيب فِي (كِتَابه) «موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق» وَمن خطه نقلت، ثمَّ قَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أبان بن تغلب، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي، تفرد بِهِ أَبُو عبد الله (الْجعْفِيّ) وَهُوَ مُعلى بن هِلَال عَنهُ. قلت: وَأَبَان صَدُوق (و) شيعي غال، وَمعلى وَضاع هَالك. وَاعْترض من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَلَى التِّرْمِذِيّ؛ فَقَالَ: إِن غَيره من الْحفاظ الْمُحَقِّقين قَالُوا: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف. وَقَالَ فِي «خلاصته» : خَالف التِّرْمِذِيّ (الْأَكْثَرُونَ) فضعفوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 قلت: لَا قدح فِي إِسْنَاده إِلَّا من جِهَة عبد الله بن سَلمَة (فَإِن) مَا عداهُ من رجال إِسْنَاده مُتَّفق عَلَى الِاحْتِجَاج (بِهِ) وَقد أسلفنا مَا حَكَاهُ البُخَارِيّ فِيهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ أَيْضا: يُعرف ويُنكر. وَلَكِن قدمنَا عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِيهِ إِنَّه غير مطعون فِيهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأخرج لَهُ مُسلم 4 فَهُوَ عَلَى شرطهم، وَقَول من قَالَ فِيهِ: يعرف وينكر، لَيْسَ فِيهِ كَبِير جرح، وَإِن أوردهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» بِسَبَب هَذِه المقولة فِيهِ، وَلم ينْفَرد التِّرْمِذِيّ بِتَصْحِيحِهِ؛ بل تَابعه عَلَيْهِ جماعات كَمَا (أسلفناه) وَحَدِيث ابْن عمر السالف قبل هَذَا يشْهد لَهُ، وَكَذَا أثر عمر أَيْضا السالف، وَكَذَا أثر عَلّي «اقْرَءُوا الْقُرْآن مالم يصب أحدكُم جَنَابَة، فَإِن أَصَابَته فَلَا وَلَا حرفا وَاحِدًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: صَحِيح عَنهُ. وَرَوَاهُ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا يقْرَأ الْجنب من الْقُرْآن وَلَا حرفا» ثمَّ قَالَ: أَبُو إِسْحَاق رَأَى عليًّا. وَلم يزدْ عَلَى ذَلِك، وَكَذَا قصَّة عبد الله بن رَوَاحَة فِي «الدَّارَقُطْنِيّ» وَغَيره (من) حَدِيث زَمعَة عَن سَلمَة بن وهرام، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : وَوَصله لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، نَا أفلت بن خَليفَة قَالَ: حَدَّثتنِي جسرة بنت دجَاجَة قَالَت: سَمِعت عَائِشَة تَقول: «جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ووجوه بيُوت أَصْحَابه شارعة فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: وجهوا هَذِه الْبيُوت عَن الْمَسْجِد، ثمَّ دخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يصنع الْقَوْم شَيْئا رَجَاء أَن ينزل فيهم رخصَة، فَخرج إِلَيْهِم بعد فَقَالَ: وجهوا (هَذِه) الْبيُوت عَن الْمَسْجِد فَإِنِّي لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب» قَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ فليت العامري. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن أبي غنية، عَن أبي الْخطاب الهجري، عَن محدوج الذهلي، عَن جسرة (قَالَت) : أَخْبَرتنِي أم سَلمَة، قَالَت: «دخل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صرحة هَذَا الْمَسْجِد فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: إِن الْمَسْجِد لَا يحل لجنب وَلَا لحائض» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» وَفِيه زِيَادَة، وَذكر بعده حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها: «سدوا هَذِه الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب أبي بكر» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أصح. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح حَدِيث جسرة عَن عَائِشَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفظه عَن جسرة، عَن أم سَلمَة قَالَت: «خرج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (إِلَى) الْمَسْجِد فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: أَلا إِن هَذَا الْمَسْجِد لَا يحل لجنب وَلَا لحائض، إِلَّا للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأزواجه وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَعلي، أَلا بيّنت [لكم] أَن تضلوا» . وأعلت الطَّرِيقَة الأولَى بأفلت وَنسب إِلَى الْجَهَالَة، قَالَ الْخطابِيّ: ضعف جمَاعَة هَذَا الحَدِيث وَقَالُوا: إِن أفلت مَجْهُول لَا يصلح الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وأفلت غير مَشْهُور وَلَا مَعْرُوف بالثقة. قلت: هَذَا عَجِيب مِنْهُ فَهُوَ مَشْهُور ثِقَة؛ فَإِنَّهُ أفلت - بِالْفَاءِ، وَيُقَال: فليت. كَمَا قدمْنَاهُ، وَوهم من قَالَ: هما اثْنَان كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن خلفون - ابْن خَليفَة عامري كُوفِي كنيته أَبُو حسان، رَوَى عَن: جسرة بنت دجَاجَة ودهيمة، وَعنهُ: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَأَبُو بكر بن عَيَّاش. كَمَا أَفَادَ ذَلِك الْمزي فِي «تهذيبه» . وَأخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: صَالح. وَسُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: شيخ. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وتعجبت من قَول الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 فِي آخر شُرُوط الصَّلَاة من «مطلبه» : أفلت - كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره - ضَعِيف مَتْرُوك. فَإِنِّي لم أر هَذِه الْعبارَة فِيهِ لأحد من أهل هَذَا الشَّأْن وَعبارَة الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وأعلت هَذِه الطَّرِيقَة أَيْضا بجسرة - بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان السِّين الْمُهْملَة - بنت دجَاجَة - بِكَسْر الدَّال - لَا كواحدة الدَّجَاج، كَمَا أَفَادَهُ ابْن الْقطَّان فِي حَاشِيَة كِتَابه «الْوَهم وَالْإِيهَام» ، وَفِي «المؤتلف والمختلف» للدارقطني عَن ابْن حبيب أَنه قَالَ: كل اسْم فِي الْعَرَب دجَاجَة مكسور الدَّال. (قلت) : لَكِن فِي «الْعباب» للصغاني وَمن خطه نقلت: (و) قد سموا دَجاجة. كَذَا هُوَ بِخَطِّهِ بِفَتْح الدَّال، وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِي وَصَاحب «الْمُحكم» : دَجاجة - يَعْنِي بِالْفَتْح - اسْم امْرَأَة فاستفده. قَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» : عِنْدهَا عجائب. وَقد خالفها غَيرهَا فِي سد الْأَبْوَاب، وَقَالَ الْعجلِيّ: هِيَ تابعية ثِقَة. قلت: وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم نقلا عَن ابْن مَنْدَه أَن جسرة بنت دجَاجَة أدْركْت وَفَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَا ذَلِك بعد أَن ذكرهَا فِي الصَّحَابَة. وَفِي النَّسَائِيّ عَنْهَا حَدِيث ترديد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك) من رِوَايَة قدامَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 بن عبد الله بن عَبدة، كَذَا رَأَيْته مضبوطًا بِخَط الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي: العامري الْهُذلِيّ الْكُوفِي. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم حدث عَن جسرة غير قدامَة. قلت: (قد حدث عَنْهَا أفلت) ومحدوج الذهلي (كَمَا ستعلمه) و (عَمْرو) بن عُمَيْر بن محدوج. وَذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي التَّابِعين وَقَالَ: تروي عَن عَائِشَة، وعنها أفلت بن خَليفَة وَقُدَامَة العامري، وَنقل أَبُو الْعَبَّاس الْبنانِيّ، عَن ابْن حبَان أَنه قَالَ فِي حَقّهَا: عِنْدهَا عجائب. وَلم أره فِي «ثقاته» نعم هُوَ قَول البُخَارِيّ - كَمَا سلف - وأجمل عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» القَوْل فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ بعد أَن عزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وأبرز إِسْنَاده: لَا يثبت من قبل إِسْنَاده. وَضَعفه من الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» وَكَأَنَّهُ تبعه، وَأما ابْن الْقطَّان فَإِنَّهُ حسنه، وَقَالَ: قَول البُخَارِيّ فِي جسرة «أَن عِنْدهَا عجائب» لَا يَكْفِي فِي رد أَخْبَارهَا. قلت: وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّوَاب فَالْحَدِيث من هَذَا (الْوَجْه) حسن لثقة رُوَاته، وَحَدِيث أم سَلمَة شَاهد لَهُ، وَقَول ابْن حزم فِيهِ «أَنه بَاطِل» جسارة مِنْهُ، (وَهُوَ أعل) حَدِيث أم سَلمَة بِأَمْر لَا ننازعه فِيهِ، فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 قَالَ: فِيهِ محدوج الذهلي وَهُوَ سَاقِط يروي المعضلات عَن جسرة، وَأَبُو الْخطاب الهجري مَجْهُول. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِن رَوَى عَن أبي الْخطاب جمَاعَة، وَفِي «الْمُغنِي» للذهبي: محدوج الذهلي عَن جسرة قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وأعل ابْن حزم رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ (السالفة) الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الزِّيَادَة الغريبة، فَقَالَ بعد أَن رَوَاهَا من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف، عَن ابْن أبي غنية، عَن إِسْمَاعِيل، عَن جسرة، عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «هَذَا الْمَسْجِد حرَام عَلَى كل جنب من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِلَّا مُحَمَّد وأزواجه (و) عَلّي (وَفَاطِمَة) : أما عبد الْوَهَّاب فَهُوَ ابْن عَطاء بن مُسلم مُنكر الحَدِيث، وَأما إِسْمَاعِيل فمجهول. هَذَا كَلَامه، فَأَما عبد الْوَهَّاب فوثقه ابْن معِين من طرق عَنهُ، وَقَالَ أَحْمد: كَانَ يَحْيَى بن سعيد حسن الرَّأْي فِيهِ، وَكَانَ يعرفهُ معرفَة (قديمَة) . نعم أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيثا فِي فضل الْعَبَّاس فَكَانَ يَحْيَى يَقُول: (هُوَ) مَوْضُوع وَلَعَلَّه دلّس، وَكَانَ ثِقَة، وَوَثَّقَهُ أَيْضا ابْن حبَان وَالْعجلِي والذهلي، وَاحْتج بِهِ مُسلم، وَأخرج (لَهُ) الْأَرْبَعَة أَيْضا - أَعنِي أَصْحَاب السّنَن - نعم قَالَ أَحْمد: ضَعِيف الحَدِيث مُضْطَرب. وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 (الرَّازِيّ) : لَيْسَ بِقَوي الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِقَوي. وَأما إِسْمَاعِيل فَذكر فِي تَرْجَمَة عبد الْملك بن أبي غنية أَنه رَوَى عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء بن سعد الْكُوفِي وَلم يذكر غَيره مِمَّن اسْمه إِسْمَاعِيل. وَإِسْمَاعِيل هَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ، وَأخرج لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : وَقَالَ الْأَزْدِيّ وَحده: مُنكر الحَدِيث. قلت: قد قَالَ ابْن حبَان أَيْضا: مُنكر الحَدِيث، يَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» : وَجُمْلَة من يَأْتِي فِي الحَدِيث إِسْمَاعِيل بن رَجَاء ثَلَاثَة لم يطعن إِلَّا فِي هَذَا. قلت: قد طعن فِي إِسْمَاعِيل بن رَجَاء الْجَزرِي الرَّاوِي عَن مُوسَى بن أعين الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه، والغريب أَن الذَّهَبِيّ لم يذكر فِي كِتَابه «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء» سواهُ، وَحذف الأول، عَلَى أَنِّي لَا أحسن هَذِه الزِّيَادَة بِمَا ذكرت وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك عَلَى سَبِيل الْبَحْث مَعَه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 فَائِدَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : إِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي حَدِيث جسرة - فَهُوَ مَحْمُول فِي الْجنب عَلَى الْمكْث فِيهِ دون العبور. قلت: وَكَذَا فِي الْحَائِض إِلَّا أَن العبور إِنَّمَا يحرم عَلَيْهَا إِذا خَافت التلويث. ووجوه الْبيُوت الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث المُرَاد بِهِ أَبْوَابهَا (قَالَه) الْخطابِيّ (قَالَ) : وَمَعْنى وجهوها عَن الْمَسْجِد: اصرفوا وجوهها عَنهُ. الحَدِيث الْعَاشِر عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كنت أَغْتَسِل أَنا وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من إِنَاء وَاحِد، تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ من الْجَنَابَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من هَذَا الْوَجْه (بِاللَّفْظِ) الْمَذْكُور، واتفقا عَلَى مثله أَيْضا من حَدِيث أم سَلمَة ومَيْمُونَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يغْتَسل مَعَ كل مِنْهُمَا من إِنَاء وَاحِد» . وَأما حَدِيث (النَّهْي) عَن غسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة وَعَكسه فَعَنْهُ أجوبة ذكرتها فِي «شرح الْعُمْدَة» فَليُرَاجع مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 تَنْبِيه: نقل الرَّافِعِيّ عقب إِيرَاده هَذَا الحَدِيث عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه قَالَ: لَو فسر فضل مَاء الْجنب وَالْحَائِض بِمَا لم يمساه من المَاء فَلَا يتخيل امْتنَاع اسْتِعْمَاله، وَالَّذِي يتَوَهَّم فِيهِ الْخلاف - أَي بَيْننَا وَبَين الإِمَام أَحْمد - مَا مَسّه بدن الْجنب أَو الْحَائِض عَلَى وَجه لَا يصير المَاء بِهِ مُسْتَعْملا، وَلِهَذَا اسْتدلَّ الشَّافِعِي بأخبار تدل عَلَى طَهَارَة بدنهما. هَذَا آخر كَلَامه، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقد ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَلَى ذَلِك حَيْثُ قَالَ: بَاب الدَّلِيل عَلَى طَهَارَة عرق الْجنب وَالْحَائِض. ثمَّ سَاق حَدِيث عَائِشَة الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» «كنت أرجله (وَأَنا حَائِض» . ثمَّ قَالَ: وَاحْتج الشَّافِعِي فِي ذَلِك أَيْضا بِمَا ثَبت من أَمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْحَائِض أَن تغسل دم الْحيض من ثوبها وَلم يأمرها بِغسْل الثَّوْب كُله، وَلَا شكّ فِي كَثْرَة الْعرق فِيهِ، ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة «ناوليني الْخمْرَة. قَالَت: إِنِّي حَائِض. قَالَ: إِن حيضتك لَيست فِي يدك. فناولتها إِيَّاه» . وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وَإِن فِي رِوَايَة لمُسلم «ناوليني الْخمْرَة من الْمَسْجِد» ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة السالف فِي غسلهَا مَعَه من إِنَاء وَاحِد تخْتَلف أَيْدِيهِمَا فِيهِ من الْجَنَابَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ وهب «وتلتقي» ثمَّ ذكر حَدِيثهَا أَيْضا «أَنَّهَا سُئِلت عَن رجل يدْخل يَده الْإِنَاء وَهُوَ جنب قبل أَن يغْتَسل، فَقَالَت: إِن المَاء لَا (يُنجسهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 شَيْء وَلَكِن ليبدأ فَيغسل يَده، قد كنت أَنا وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نغتسل من إِنَاء وَاحِد» ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عمر أَنه كَانَ يعرق فِي الثَّوْب وَهُوَ جنب ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ» . وَإِلَى ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «لَا بَأْس بعرق الْجنب وَالْحَائِض فِي الثَّوْب» . وَإِلَى عَائِشَة «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يغْتَسل من الْجَنَابَة ثمَّ يأتيني وَأَنا جنب فيستدفئ بِي» ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ حُرَيْث بن أبي مطر وَفِيه نظر. قلت: هُوَ قَول البُخَارِيّ فِيهِ مرّة، وَقَالَ أُخْرَى: لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك (الحَدِيث) . ثمَّ ترْجم الْبَيْهَقِيّ تَرْجَمَة أُخْرَى فَقَالَ: لَيست الْحَيْضَة فِي الْيَد وَلَا الْمُؤمن ينجس. ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة السالف وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة «سُبْحَانَ الله إِن الْمُؤمن لَا ينجس» . وَحَدِيث حُذَيْفَة مثله. الحَدِيث (الْحَادِي عشر) عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل أَو ينَام وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَلَفظ البُخَارِيّ عَنْهَا «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب غسل فرجه وَتَوَضَّأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 للصَّلَاة» . وَلَفظ مُسلم: «كَانَ إِذا كَانَ جنبا فَأَرَادَ أَن يَأْكُل أَو ينَام (تَوَضَّأ وضوءه [للصَّلَاة] » . وَفِي لفظ «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام) وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة قبل أَن ينَام» . فَزَاد عَلَى البُخَارِيّ الْأكل. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: « (كَانَ) إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل أَو ينَام تَوَضَّأ - تَعْنِي وَهُوَ جنب» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ المُصَنّف إِلَى قَوْله: «تَوَضَّأ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلابْن حبَان فِي «صَحِيحه» «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب لم ينم حَتَّى يتَوَضَّأ، وَإِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل غسل يَدَيْهِ» وَفِي رِوَايَة (للنسائي) أَيْضا «وَإِذا أرد أَن يَأْكُل أَو يشرب» . (وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة: «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يطعم وَهُوَ جنب) غسل يَدَيْهِ ثمَّ طعم» . وَهَذِه الرِّوَايَات (ترد) عَلَى قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي النِّكَاح فِي بَاب غسل الْيَد قبل الطَّعَام و (بعده) : لم يثبت فِي غسل الْيَد قبل الطَّعَام حَدِيث. فَإِن قلت: مَا الْجَواب عَن حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة - عَن الْأسود، عَن عَائِشَة «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ ينَام وَهُوَ جنب وَلَا يمس مَاء» رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة؟ قلت: عَنهُ جوابان أَحدهمَا: الطعْن فِيهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد عَن يزِيد بن هَارُون: وهم السبيعِي فِي هَذَا - يَعْنِي فِي قَوْله: «وَلَا يمس مَاء» - وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: يرَوْنَ أَن هَذَا غلط مِنْهُ. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: ذكرت هَذَا الحَدِيث يَوْمًا فَقَالَ لي إِسْمَاعِيل: يَا فَتى، سَنَد (هَذَا الحَدِيث سيئ. وَقَالَ أَحْمد) : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. ثَانِيهمَا: تَصْحِيحه مَعَ تَأْوِيله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: طعن الْحفاظ فِي هَذِه اللَّفْظَة وتوهموها مَأْخُوذَة عَن غير الْأسود، وَأَن السبيعِي دلّس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث السبيعِي بِهَذِهِ الزِّيَادَة صَحِيح من جِهَة الرِّوَايَة؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَمَاعه من الْأسود، والمدلس إِذا بَيَّنَ سَمَاعه مِمَّن رَوَى عَنهُ وَكَانَ ثِقَة فَلَا وَجه لرده. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : إِن قيل أَخطَأ فِيهِ سُفْيَان؛ لِأَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة خَالف. قُلْنَا: بل أَخطَأ بِلَا شكّ من خطأ سُفْيَان بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيل. وسُفْيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 أحفظ من زُهَيْر بِلَا شكّ، وَتَبعهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (الْإِلْمَام) فَقَالَ: رِجَاله ثِقَات. وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد لَا يمس مَاء للْغسْل؛ ليجمع بَينه وَبَين حَدِيثهَا الآخر، وَهَذَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شُرَيْح وَاسْتَحْسنهُ. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ يتْرك الْوضُوء فِي بعض الأحيان (لبَيَان) الْجَوَاز إِذْ (لَو واظب) عَلَيْهِ لاعتقد وُجُوبه، وَهُوَ حسن أَيْضا، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن ابْن عمر «أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ فَقَالَ: نعم، وَيتَوَضَّأ إِن شَاءَ» . وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: «لَا أحب أَن يبيت الْمُسلم وَهُوَ جنب؛ أَخَاف أَن يَمُوت فَلَا تحضره الْمَلَائِكَة» فَفِي إِسْنَاده يزِيد بن عِيَاض وَلَيْسَ هُوَ بِشَيْء كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» وَسُئِلَ مَالك عَن ابْن سمْعَان، فَقَالَ: (كَذَّاب) . قيل: (فيزيد) بن عِيَاض؟ قَالَ: أكذب وأكذب. الحَدِيث الثَّانِي عشر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِذا أَتَى أحدكُم أَهله ثمَّ بدا لَهُ أَن يعاود فَليَتَوَضَّأ بَينهمَا وضُوءًا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 هَذَا الحَدِيث ضعفه الشَّافِعِي رَضي اللهُ عَنهُ فَقَالَ - عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي كتاب النِّكَاح -: قد رُوِيَ فِيهِ حَدِيث وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يثبت مثله. وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جمَاعَة عَن عَاصِم، عَن أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أَتَى أحدكُم أَهله ثمَّ أَرَادَ أَن يعود فَليَتَوَضَّأ» . وَفِي لفظ «بَينهمَا وضُوءًا. وَقَالَ ثمَّ أَرَادَ أَن يعاود» . وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده دون البُخَارِيّ. (و) رَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «إِذا غشي أحدكُم أَهله ثمَّ أَرَادَ أَن يعود فَليَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» زَاد أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد رِوَايَة مُسلم (السالفة) : « (بَينهمَا) وضُوءًا» : «فَإِنَّهُ أنشط للعود» . (و) قَالَ ابْن حبَان: تفرد بِهَذِهِ الزِّيَادَة مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَترْجم عَلَيْهِ فَقَالَ: ذكر الْعلَّة الَّتِي من أجلهَا أَمر بِهَذَا الْوضُوء. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 اللَّفْظ، إِنَّمَا أَخْرجَاهُ إِلَى قَوْله «فَليَتَوَضَّأ» فَقَط، وَلم يذكرَا فِيهِ «فَإِنَّهُ أنشط للعود» . قلت: قَوْله: «إِنَّمَا أَخْرجَاهُ» إِلَى قَوْله: «فَليَتَوَضَّأ» وهم مِنْهُ؛ فَالْحَدِيث من أَصله من أَفْرَاد مُسلم كَمَا قدمْنَاهُ، ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْحَاكِم -: وَهَذِه (لَفْظَة) تفرد بهَا شُعْبَة عَن عَاصِم، والتفرد من مثله مَقْبُول عِنْدهمَا. وَأخرجه أَيْضا ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَترْجم عَلَيْهِ مَا يدل عَلَى النشاط الْمَذْكُور للعود. (تَنْبِيهَات) : (أَحدهَا) : ثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث (أنس) «أَنه صَلَّى كَانَ يطوف عَلَى نِسَائِهِ بِغسْل وَاحِد» . وَفِي رِوَايَة (البُخَارِيّ) عَن قَتَادَة، عَن أنس «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَدُور عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة. قلت لأنس: أوكان يطيقه؟ قَالَ: كُنَّا (نتحدث) أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ يطوف عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَة الْوَاحِدَة وَله يَوْمئِذٍ تسع نسْوَة» . وَقَالَ مُجَاهِد - فِيمَا (أسْندهُ) أَبُو نعيم -: «أعطي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا كل رجل من أهل الْجنَّة» . وَثَبت فِي الصَّحِيح «أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 طول كل رجل من أهل الْجنَّة سِتُّونَ ذِرَاعا عَلَى قدر آدم» «وَأَن أحدهم يُعطى قُوَّة مائَة رجل فِي الْمطعم وَالْمشْرَب والشهوة وَالْجِمَاع» فَيحْتَمل أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بَينهمَا وَيحْتَمل أَنه تَركه لبَيَان الْجَوَاز. وَأما حَدِيث أبي رَافع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف عَلَى نِسَائِهِ ذَات لَيْلَة يغْتَسل عِنْد هَذِه وَعند هَذِه، فَقيل: يَا رَسُول الله، أَلا تَجْعَلهُ غسلا وَاحِدًا؟ فَقَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأطيب وأطهر» . رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فَفِيهِ جوابان: أَحدهمَا: أَنه حَدِيث لَا يَصح. قَالَه ابْن الْقطَّان، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيث أنس أصح مِنْهُ. ثَانِيهمَا: أَنه عَلَى (تَقْدِير) صِحَّته مَحْمُول عَلَى أَنه كَانَ فِي وَقت وَذَاكَ فِي آخر، كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» قَالَ: وَالْحَدِيثَانِ محمولان عَلَى أَنه كَانَ برضاهن إِن قُلْنَا بالأصح، وَقَول الْأَكْثَرين أَن الْقسم كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ فِي الدَّوَام فَإِن الْقسم لَا يجوز (أَن يكون) أقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 من لَيْلَة لَيْلَة إِلَّا برضاهن. فَائِدَة: اخْتلف فِي عدد النسْوَة، فَقيل: تسع. كَمَا سلف، وَقيل: إِحْدَى عشرَة. (كَمَا) سلف أَيْضا، وَجمع بَينهمَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِأَن هَذَا كَانَ فِي آخر قدومه الْمَدِينَة، وَالْأول كَانَ فِي (أول) قدومه. قَالَ: وَهَذَا الْفِعْل وَقع مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مرَارًا كَثِيرَة لَا مرّة وَاحِدَة. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي كتاب الْقسم من «أَحْكَامه» : الْمَشْهُور عشر نسْوَة معروفات فِي الْقسم: عَائِشَة، وَحَفْصَة، وَأم سَلمَة و (أم) حَبِيبَة، وَسَوْدَة، وَزَيْنَب بنت جحش، وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة، ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث، وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث، وَصفِيَّة بنت حييّ. والحادية عشرَة: يجوز أَن تكون إِحْدَى ثَلَاث نسْوَة ثَبت أَنه دخل بِهن: فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك، وعالية بنت ظبْيَان - الكلابيتان - وَرَيْحَانَة بنت شَمْعُون. التَّنْبِيه الثَّانِي: قد علمت الْحِكْمَة فِي اسْتِحْبَاب الْوضُوء بَينهمَا وَأَنَّهَا (للنشاط) إِلَى الْعود (وَمثله الْغسْل) ، وَنقل ابْن الصّلاح، عَن أبي (عبد الله) الفراوي خلافًا فِي الْحِكْمَة، فَقَالَ: (قيل) للتقذر. وَقيل: لِأَن تَركه يُورث الْعَدَاوَة. وَجزم الرَّافِعِيّ بِالْأولِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَقْصُود مِنْهُ التنظف وَدفع الْأَذَى. الثَّالِث: عِنْد ابْن حزم مصححًا «فَلَا يعود حَتَّى يتَوَضَّأ» . ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 قَالَ: لم نجد لهَذَا الْخَبَر مَا يخصصه وَلَا مَا يُخرجهُ إِلَى النّدب إِلَّا خَبرا ضَعِيفا رَوَاهُ يَحْيَى بن أَيُّوب عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُجَامع، ثمَّ (لَا) يعود وَلَا يتَوَضَّأ، وينام وَلَا يغْتَسل» . قَالَ: وبإيجاب الْوضُوء يَقُول عَطاء وَإِبْرَاهِيم وَعِكْرِمَة وَابْن سِيرِين وَالْحسن. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «يَا رَسُول الله، أيرقد أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: نعم، إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليرقد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث وَلَده عبد الله (عَنهُ) كَذَلِك، والسياق للْبُخَارِيّ وَزَاد «وَهُوَ جنب» . وَفِي لفظ لمُسلم: « (نعم، ليتوضأ) ثمَّ لينم حَتَّى يغْتَسل إِذا شَاءَ» بعد قَوْله «فليرقد» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» «قَالَ: نعم، وَيتَوَضَّأ إِن شَاءَ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقد يرْوَى أَنه قَالَ: «اغسل فرجك وَتَوَضَّأ ثمَّ نم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 قلت: مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «ذكر عمر لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه (تصيبه) الْجَنَابَة من اللَّيْل، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: تَوَضَّأ واغسل ذكرك ثمَّ نم» فيستغرب إِذن من الرَّافِعِيّ فِي قَوْله: قد يرْوَى فِي حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته. الحَدِيث الرَّابِع عشر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة، فبلوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي (سُنَنهمَا) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة «السّنَن» ، و «الْمعرفَة» ، و «الخلافيات» ، والعقيلي فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ، (كاللفظ الْمَذْكُور) وَلَفظ د، ت: «فَاغْسِلُوا» (بدل «بلوا» ) ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، وَسبب ضعفه أَن مَدَاره عَلَى الْحَارِث بن وجيه، وَيُقَال: ابْن وجيه الرَّاسِبِي الْبَصْرِيّ وَهُوَ لَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 بِشَيْء كَمَا قَالَه ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ البُخَارِيّ: فِي حَدِيثه بعض الْمَنَاكِير. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: (حَدِيثه) مُنكر وَهُوَ ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ عَن الْمَشَاهِير. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» ، عَن أَبِيه: هَذَا حَدِيث مُنكر، والْحَارث ضَعِيف (الحَدِيث) . وَقَالَ الْعقيلِيّ: الْحَارِث هَذَا لَهُ غير حَدِيث مُنكر وَلَا يُتَابع عَلَى هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَله إِسْنَاد آخر فِيهِ لين أَيْضا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِنَّمَا (رُوِيَ) عَن الْحسن مُرْسلا، وَلَا يَصح مُسْندًا والْحَارث ضَعِيف. قلت: وَكَذَا أخرجه مُرْسلا أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن فِي كتاب الصَّلَاة، وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت. و (ذكره) بِلَفْظ «بلوا» بدل «اغسلوا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : هُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ مَوْصُولا الْحَارِث بن وجيه، وَقد تكلمُوا فِيهِ. قَالَ: وَسُئِلَ يَحْيَى بن معِين عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. قَالَ: وَأنْكرهُ غَيره من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ: البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي، وَغَيرهمَا. قَالَ: وَإِنَّمَا يرْوَى عَن الْحسن عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُرْسلا، وَعَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا. قَالَ فِي «الْمعرفَة» و «الخلافيات» : وَلَا يثبت سَماع الْحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 من أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث الْحَارِث بن وجيه وَهُوَ شيخ لَيْسَ بِذَاكَ، وَقد رَوَى عَنهُ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَقد تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن مَالك بن دِينَار. وَكَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : تفرد بِهِ الْحَارِث عَن مَالك مَرْفُوعا، وَإِنَّمَا يرْوَى هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : وروينا هَذَا الحَدِيث أَيْضا عَن عَائِشَة وَأنس مَرْفُوعا بِإِسْنَادَيْنِ لَا يتساويان ذكرهمَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن [عَلّي و] أنس أَيْضا. قلت: و (فِيهِ) عَن أبي أَيُّوب أَيْضا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عتبَة بن أبي حَكِيم، حَدثنِي طَلْحَة بن نَافِع، حَدثنِي أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَأَدَاء الْأَمَانَة كَفَّارَة لما بَينهمَا. قلت: وَمَا أَدَاء الْأَمَانَة؟ قَالَ: غسل الْجَنَابَة فَإِن تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة» . عزاهُ إِلَى ابْن مَاجَه ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» وَكَذَا صَاحب «الإِمَام» ورأيته أَنا فِي نُسْخَة من «سنَنه» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَعتبَة فِيهِ لين، وَكَذَا طَلْحَة وَإِن أخرج لَهُ مُسلم وَالْبُخَارِيّ مَقْرُونا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 الحَدِيث الْخَامِس عشر قَالَ الرَّافِعِيّ فسروا قَول الشَّافِعِي «ثمَّ يغسل مَا بِهِ من الْأَذَى» بِموضع الِاسْتِنْجَاء إِذا كَانَ قد استنجى بِالْحجرِ، وَكَذَا فسروا لفظ الْأَذَى فِي الْخَبَر. ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: وَمِنْهُم من فسَّرهُ (فِي كَلَام الشَّافِعِي) وَنَحْوه (مِمَّا) يستقذر. وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ ثَابت فِي حَدِيث عَائِشَة الْآتِي عَلَى الإثر، وَفِي حَدِيث مَيْمُونَة أخرجه البُخَارِيّ عَنْهَا قَالَت: «تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ، وَغسل فرجه وَمَا أَصَابَهُ من الْأَذَى، ثمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ (المَاء) ثمَّ (ينحي) رجلَيْهِ فغسلهما، هَذَا غسله من الْجَنَابَة» . الحَدِيث السَّادِس عشر عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (إِذا اغْتسل) من الْجَنَابَة بَدَأَ فَغسل يَدَيْهِ، ثمَّ يتَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة، ثمَّ يدْخل أَصَابِعه فِي المَاء فيخلل بهَا أصُول شعره، ثمَّ يفِيض المَاء عَلَى جلده كُله» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن هِشَام بن عُرْوَة (عَن أَبِيه) عَن عَائِشَة بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «أصُول الشّعْر» بدل «أصُول شعره» . وَزَاد «ثمَّ يصب عَلَى رَأسه ثَلَاث غرف بِيَدِهِ» (ثمَّ ذكر الْإِفَاضَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور (فِيهِ) ، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا. وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه) ، عَنْهَا قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة يبْدَأ فَيغسل يَدَيْهِ، ثمَّ يفرغ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله فَيغسل فرجه، ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ يَأْخُذ المَاء فَيدْخل أَصَابِعه فِي أصُول الشّعْر حَتَّى إِذا رَأَى أَن (قد) اسْتَبْرَأَ، حفن عَلَى رَأسه ثَلَاث حفنات، ثمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِر جسده، ثمَّ غسل رجلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث وَكِيع عَن هِشَام بِهِ « (فَبَدَأَ) فَغسل كفيه ثَلَاثًا» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ من غير حَدِيث مَالك «حَتَّى إِذا ظن (أَنه) قد أروى بَشرته أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء ثَلَاث مَرَّات» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا: « (كَانَ إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 اغْتسل) بَدَأَ بِيَمِينِهِ فصب عَلَيْهَا (من) المَاء فغسلها ثمَّ صب المَاء (عَلَى الْأَذَى) الَّذِي (بِهِ) بِيَمِينِهِ وَغسل عَنهُ بِشمَالِهِ حَتَّى إِذا فرغ من ذَلِك صب عَلَى رَأسه» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بعد قَوْله «ثَلَاث حثيات» : «وَأفضل فِي الْإِنَاء فضلا فَصَبَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا فرغ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَوله فِي آخر الحَدِيث الْمُتَقَدّم «ثمَّ غسل رجلَيْهِ» غَرِيب صَحِيح، حفظه أَبُو مُعَاوِيَة دون غَيره من أَصْحَاب هِشَام من الثِّقَات وَذَلِكَ للتنظيف - إِن شَاءَ الله. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن مَيْمُونَة رَضي اللهُ عَنها «أَنَّهَا (وصفت) غسل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: ثمَّ تمضمض واستنشق وَغسل وَجهه وذراعيه، ثمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِر جسده، ثمَّ تنحى فَغسل رجلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيثهَا قَالَت: «أدنيت لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غسله من الْجَنَابَة فَغسل كفيه مرَّتَيْنِ أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 ثَلَاثًا، ثمَّ أَدخل يَده فِي الْإِنَاء، ثمَّ أفرغ بِهِ عَلَى (فرجه) وغسله بِشمَالِهِ، ثمَّ ضرب بِشمَالِهِ الأَرْض فدلكهما دلكا شَدِيدا، ثمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ أفرغ عَلَى رَأسه ثَلَاث حفنات ملْء كَفه، ثمَّ غسل سَائِر جسده، ثمَّ تنحى عَن مقَامه ذَلِك فَغسل رجلَيْهِ، ثمَّ أَتَيْته بالمنديل فَرده» . (قَالَ مُسلم: وَفِي حَدِيث وَكِيع وصف الْوضُوء، فَذكر الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ» وَقد أسلفناها فِي الحَدِيث الْخَامِس بِطُولِهَا، وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي صفة (وضوئِهِ) «غسل راسه ثَلَاثًا» . فَائِدَة: (قَوْلهَا) : «غسله» ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» - بِضَم الْغَيْن - قَالَ: (وَهُوَ) المَاء الَّذِي يغسل بِهِ، وَضَبطه ابْن باطيش - بِكَسْرِهَا. الحَدِيث الثَّامِن عشر قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَمَال الْغسْل يحصل بِأُمُور ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 فَذكرهَا إِلَى أَن قَالَ: وَالرَّابِع يفِيض المَاء عَلَى رَأسه، ثمَّ عَلَى الشق الْأَيْمن، ثمَّ عَلَى الشق الْأَيْسَر (ورد) كَذَلِك فِي غسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. انْتَهَى. الَّذِي ألفيته فِي (ذَلِك) حَدِيث عَائِشَة (الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ) «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ كَانَ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة دَعَا بِشَيْء نَحْو الحِلابِ، فَأخذ بكفه بَدَأَ بشق رَأسه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر، ثمَّ أَخذ (بكفيه) فَقَالَ بهما عَلَى رَأسه» . هَذَا لفظ مُسلم وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَبَدَأَ» بدل «بَدَأَ» وَقَالَ: «عَلَى وسط رَأسه» بدل «رَأسه» . وَفِي رِوَايَة لأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «مستخرجه عَلَى صَحِيح البُخَارِيّ» : «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يغْتَسل من الْجَنَابَة دَعَا بِشَيْء دون الحلاب فَأخذ بكفه فَبَدَأَ بشقه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر، ثمَّ أَخذ (بكفيه) مَاء فأفرغ عَلَى رَأسه» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ يغْتَسل من حلاب، ثمَّ يصب عَلَى شقّ رَأسه الْأَيْمن، ثمَّ يصب عَلَى شقّ رَأسه الْأَيْسَر، ثمَّ يَأْخُذ بكفيه فَيصب وسط رَأسه» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة (من) حَدِيث الْقَاسِم أَنه سمع عَائِشَة تَقول: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يغْتَسل من حلاب فَيَأْخُذ بكفيه فَيَجْعَلهُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 شقَّه الْأَيْمن (و) يَأْخُذ بكفيه فَيَجْعَلهُ عَلَى (شقَّه) الْأَيْسَر، ثمَّ يَأْخُذ بكفيه فَيَجْعَلهُ عَلَى وسط رَأسه» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «كَانَ يغْتَسل من حلاب مثل (هَذَا) - وَأَشَارَ أَبُو عَاصِم بكفيه - يصب عَلَى (شقّ) الْأَيْمن، ثمَّ يَأْخُذ (بكفيه فَيصب) عَلَى (شقَّه) الْأَيْسَر، ثمَّ يَأْخُذ (بكفيه) فَيصب عَلَى سَائِر جسده» ترْجم لَهُ: ذكر وصف الغرفات الثَّلَاث الَّتِي وصفناها للمغتسل من [جنابته] . وَرَوَى قبل ذَلِك فِي حَدِيث عَائِشَة (بعد قَوْلهَا «ثمَّ يتَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة) ، ثمَّ يدْخل أَصَابِعه فِي المَاء فيخلل بهَا أصُول شعره، ثمَّ يصب عَلَى رَأسه ثَلَاث غرفات بِيَدِهِ، ثمَّ يفِيض المَاء عَلَى سَائِر جسده» . وَفِي رِوَايَة للإسماعيلي عَن حَنْظَلَة، عَن الْقَاسِم «أَنه سُئِلَ: كم يَكْفِي من غسل الْجَنَابَة؟ قَالَ: سَمِعت عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها تَقول: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يغْتَسل بقدح مثل هَذَا - وَأَشَارَ حَنْظَلَة بِيَدِهِ - كَانَ يغسل (يَدَيْهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 ثمَّ يغسل) وَجهه، ثمَّ يَقُول بِيَدِهِ ثَلَاث غرفات مرّة عَن يَمِينه، وَمرَّة عَن شقَّه الْأَيْسَر، وَمرَّة بَينهمَا، وَكَانَ كثير الشّعْر» . هَذَا مَا رَأَيْته فِي الْبَاب، وَأقرب الرِّوَايَات إِلَى مَا سَاقه الرَّافِعِيّ رِوَايَة أبي حَاتِم بن حبَان. وَفِي البُخَارِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كُنَّا إِذا أصَاب إحدانا جَنَابَة أخذت (بِيَدِهَا) ثَلَاثًا فَوق رَأسهَا، ثمَّ تَأْخُذ بِيَدِهَا عَلَى شقها الْأَيْمن، وبيدها الْأُخْرَى عَلَى شقها الْأَيْسَر» . فَائِدَة: الحلاب الْمَذْكُور هُوَ - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف (اللَّام) وَآخره بَاء مُوَحدَة -: الْإِنَاء الَّذِي يحلب فِيهِ. قَالَ القَاضِي: هُوَ إِنَاء يملؤه حلب النَّاقة، وَيُقَال لَهُ: المحلب أَيْضا. وَكَذَا قَالَه الْخطابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَنه إِنَاء يسع قدر حلبة نَاقَة. قَالَ - أَعنِي: الْبَيْهَقِيّ -: وَقد جَاءَ (عَن) أبي عَاصِم الضَّحَّاك أَنه قدر كوز يسع ثَمَانِيَة أَرْطَال. ثمَّ سَاقه عَنهُ بِإِسْنَادِهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة، وَأما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ ترْجم عَلَى هَذَا الحَدِيث: بَاب من بدأَ بالحلاب وَالطّيب قبل الْغسْل، وَهَذَا يدل عَلَى أَنه عِنْده ضرب من الطّيب، وَهُوَ غير مَعْرُوف كَمَا قَالَه القَاضِي؛ إِنَّمَا الْمَعْرُوف حب المحلب - بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام - نوع من العقاقير الْهِنْدِيَّة تُوضَع فِي الطّيب، وَقد رَوَاهُ بَعضهم فِي غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 «الصَّحِيحَيْنِ» بِشَيْء نَحْو الجُلاَّب - بِالْجِيم المضمومة وَتَشْديد اللَّام - وَنَقله الْهَرَوِيّ عَن الْأَزْهَرِي قَالَ: فَأَرَادَ بِهِ مَاء الْورْد، فَارسي مُعرب، وَأنكر الْهَرَوِيّ (هَذَا) وَقَالَ: (أرَاهُ) الحلاب. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: مَا توهمه البُخَارِيّ غلط، وَمَا ذكره الْأَزْهَرِي وَغَيره تَصْحِيف. وَكَذَا (قَالَ) صَاحب «الْمطَالع» : إِن مَا دلّ عَلَيْهِ إِيرَاد البُخَارِيّ عَلَى أَنه ضرب من الطّيب لَا يعرف. وَادَّعَى ابْن الْأَثِير أَنه رُوِيَ بِالْجِيم، ثمَّ قَالَ: وَيحْتَمل أَن البُخَارِيّ مَا أَرَادَ إِلَّا هُوَ، لَكِن الَّذِي يرْوَى فِي كِتَابه، إِنَّمَا هُوَ بِالْحَاء وَهُوَ بهَا أشبه؛ لِأَن الطّيب لمن يغْتَسل بعد الْغسْل أليق بِهِ من قبله وَأولَى؛ لِأَنَّهُ إِذا بَدَأَ بِهِ ثمَّ اغْتسل أذهبه المَاء. الحَدِيث التَّاسِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: هَل يسْتَحبّ تَجْدِيد الْغسْل؟ فِيهِ وَجْهَان. أَحدهمَا: نعم كَالْوضُوءِ. وأظهرهما: لَا؛ لِأَن التَّرْغِيب فِي التَّجْدِيد إِنَّمَا ورد فِي الْوضُوء وَالْغسْل لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. انْتَهَى. وَأَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث أبي غطيف (الْهُذلِيّ) قَالَ: «كنت عِنْد عبد الله بن عمر فَلَمَّا نُودي بِالظّهْرِ تَوَضَّأ وَصَلى، فَلَمَّا نُودي بالعصر تَوَضَّأ فَقلت لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: من تَوَضَّأ عَلَى طهر كتب لَهُ عشر حَسَنَات» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: ذكر لهشام بن عُرْوَة هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد مشرقي. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الأفريقي وَهُوَ غير قوي، وَقد أسلفنا فِي فُصُول السِّوَاك حَدِيث عبد الله بن حَنْظَلَة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي ذَلِك. وَفِي الْإِحْيَاء للغزالي: «وضوء عَلَى وضوء نور عَلَى نور» وَلَا يحضرني. الحَدِيث الْعشْرُونَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «أما أَنا فأحثي عَلَى رَأْسِي ثَلَاث حثيات، فَإِذا أَنا قد طهرت» . هَذَا الحَدِيث قدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب الْوضُوء. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تسأله عَن الْغسْل من الْحيض فَقَالَ: خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا. فَلم تعرف مَا أَرَادَ، فاجتذبتها وَقلت: تتبعي بهَا أثر الدَّم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن الحَجبي، عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن عَائِشَة قَالَت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تسأله عَن الْغسْل من (الْمَحِيض) فَقَالَ: خذي فرْصَة من مسك (فتطهري) بهَا. قَالَت: كَيفَ أتطهر بهَا؟ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله! - واستتر بِثَوْبِهِ - (تطهري) بهَا. فاجتذبتها - وَعرفت الَّذِي أَرَادَ - فَقلت لَهَا: تتبعي بهَا أثر الدَّم - يَعْنِي الْفرج» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ (من) حَدِيث ابْن عُيَيْنَة أَيْضا عَن مَنْصُور [بن] صَفِيَّة، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ [عَن] غسلهَا [من] الْحيض فَأمرهَا كَيفَ تَغْتَسِل قَالَ: خذي فرْصَة من مسك فتطهرين بهَا. قَالَت: كَيفَ أتطهر بهَا؟ قَالَ: تطهري بهَا. قَالَت: كَيفَ؟ قَالَ: سُبْحَانَ الله! تطهري بهَا. فاجتذبتها إِلَيّ فَقلت: تتبعي بهَا أثر الدَّم» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث وهيب عَن مَنْصُور، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار قَالَت للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: كَيفَ أَغْتَسِل من الْمَحِيض؟ قَالَ: خذي فرْصَة ممسكة فتوضئي ثَلَاثًا. ثمَّ إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام استحيى فَأَعْرض بِوَجْهِهِ وَقَالَ: توضئي بهَا. فأخذتها فجذبتها فَأَخْبَرتهَا بِمَا يُرِيد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 تراجمه عَلَى هَذَا الحَدِيث بَاب الْأَحْكَام الَّتِي تعرف بالدلائل. وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة أَيْضا، عَن مَنْصُور، عَن أمه، عَن عَائِشَة قَالَت: «سَأَلت امْرَأَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كَيفَ تَغْتَسِل من حَيْضَتهَا؟ قَالَت: فَذكرت أَنه علمهَا كَيفَ تَغْتَسِل ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة من مسك فَتطهر بهَا فَقَالَت: كَيفَ أتطهر (بهَا) ؟ قَالَ: تطهري (بهَا) سُبْحَانَ الله. واستتر - وَأَشَارَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِيَدِهِ عَلَى وَجهه - قَالَت عَائِشَة: فاجتذبتها إِلَيّ وَعرفت مَا أَرَادَ، فَقلت: تتبعي أثر الدَّم بهَا» . وَفِي لفظ: «تتبعي بهَا (آثَار) الدَّم» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث وهيب، عَن مَنْصُور، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَيفَ أَغْتَسِل عِنْد الطّهُور؟ فَقَالَ: خذي فرْصَة ممسكة فتوضئي بهَا ... » ثمَّ ذكر نَحْو حَدِيث سُفْيَان (ثمَّ) رَوَاهُ مطولا (مُنْفَردا بِهِ) من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، عَن صَفِيَّة، عَن عَائِشَة «أَن أَسمَاء - وَهِي بنت شكل - سَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن غسل الْمَحِيض فَقَالَ: تَأْخُذ إحداكن ماءها وسدرتها فَتطهر فتحسن الطّهُور، ثمَّ تصب عَلَى رَأسهَا فتدلكه دلكا شَدِيدا حَتَّى تبلغ شئون رَأسهَا - يَعْنِي: أصل الشّعْر - ثمَّ تصب عَلَيْهَا المَاء، ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة ممسكة فَتطهر بهَا. فَقَالَت أَسمَاء: وَكَيف أتطهر بهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله! تطهرين بهَا. فَقَالَت عَائِشَة - كَأَنَّهَا تخفي ذَلِك -: تتبعين بهَا أثر الدَّم. وَسَأَلته عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 غسل الْجَنَابَة فَقَالَ: تَأْخُذ مَاء فَتطهر فتحسن الطّهُور (أَو تبلغ الطّهُور) (ثمَّ) تصب عَلَى رَأسهَا فتدلكه حَتَّى تبلغ شئون رَأسهَا، ثمَّ تفيض عَلَيْهَا المَاء. قَالَت عَائِشَة: نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار؛ لم يكن يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي الدَّين» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «خذي فرْصَة ممسكة» . قلت: قد أخرجهَا الشَّيْخَانِ كَمَا عَلمته. فَوَائِد: الأولَى: أبعد ابْن حزم فطعن فِي «محلاه» فِي رِوَايَة «فتطهري (بهَا) » وَفِي رِوَايَة: «فتوضئي (بهَا) » بِأَن قَالَ: لم تسند هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، وَهُوَ ضَعِيف، وَمن طَرِيق مَنْصُور ابْن صَفِيَّة، وَقد ضعف وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج بروايته. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب من (وُجُوه) : (أَولهَا قَوْله: لم تسند هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن مهَاجر جهل مِنْهُ؛ فقد أسندها ابْن عُيَيْنَة كَمَا أخرجهَا الشَّافِعِي والشيخان، ووهيب كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 ثَانِيهَا:) جرمه بتضعيفه (إِبْرَاهِيم) وَقد احْتج بِهِ مُسلم، وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقه، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْعجلِي، وَتكلم فِيهِ ابْن معِين بِحَضْرَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. فَغَضب عبد الرَّحْمَن فكره مَا قَالَه، وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: لم يكن بِالْقَوِيّ. وَلَعَلَّه الْتبس عَلَى ابْن حزم بإبراهيم بن مهَاجر بن مِسْمَار فَإِنَّهُ مُنكر الحَدِيث، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ، وَضَعِيف كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ، وَإِن كَانَ يَحْيَى قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد عَنهُ. (ثَالِثهَا:) تَضْعِيفه مَنْصُور ابْن صَفِيَّة من أَفْرَاده، وَلَا يحضرني سلفه فِي ذَلِك، وَقد أخرج الشَّيْخَانِ (لَهُ) هَذَا الحَدِيث من طَرِيقه، وَوَثَّقَهُ النَّاس: أَحْمد وَابْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا. الْفَائِدَة الثَّانِيَة: السائلة فِي رِوَايَة الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم هِيَ أَسمَاء، كَمَا صرح بِهِ مُسلم فِي رِوَايَته الْأُخْرَى، وَهِي أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن خطيبة النِّسَاء، كَمَا ذكره الْخَطِيب فِي «مبهماته» وَرَوَى حَدِيثا فِيهِ تَسْمِيَتهَا بذلك، وَتَبعهُ الْمُنْذِرِيّ فِي الْقطعَة (الَّتِي) لَهُ عَلَى «أَحَادِيث الْمُهَذّب» وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم أَنَّهَا أَسمَاء بنت شكل، كَمَا أسلفناها - بالشين الْمُعْجَمَة وَالْكَاف المفتوحتين - وَحَكَى صَاحب «الْمطَالع» إسكان الْكَاف أَيْضا، قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» : فَيجوز أَن تكون الْقِصَّة جرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 فِي مجْلِس أَو مجلسين. وَأما الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فَقَالَ: هَذِه الرِّوَايَة تَصْحِيف. وَجزم ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» بِمَا أسلفناه عَن الْخَطِيب ثمَّ قَالَ: وَهِي أنصارية أحد نسَاء بني عبد الْأَشْهَل، تكنى أم عَامر، وَقيل: أم سَلمَة. (قَالَ:) وَقيل: اسْمهَا: فكيهة، وَهِي مَدَنِيَّة من (المبايعات) وَيُقَال إِنَّهَا بنت عَم معَاذ بن جبل، أَو بنت عمته، وَكَانَت من ذَوَات الْعقل وَالدّين، شهِدت اليرموك، وَقتلت تِسْعَة من الْكفَّار بعمود فسطاط. الْفَائِدَة الثَّالِثَة: فِي ضبط مَا وَقع فِي الحَدِيث من الْأَلْفَاظ: الفرصة - بِكَسْر الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة - الْقطعَة من كل شَيْء، ذكره ثَعْلَب وَغَيره، وَاقْتصر الرَّافِعِيّ عَلَى حكايته عَن ثَعْلَب، وَحَكَى عَن الغريبين أَنَّهَا الْقطعَة من الصُّوف (أَو) الْقطن، وَقَالَ ابْن سَيّده: الفرصة: الْقطعَة من الْقطن أَو الصُّوف مُثَلّثَة الْفَاء. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي «غَرِيبه» : هِيَ الْقطعَة من الصُّوف أَو الْقطن، يُقَال: فرصت الشَّيْء إِذا قطعته بالمقراض؛ أَي: شَيْئا يَسِيرا، مثل الْقَرْض بِطرف الأصبعين. (وَفِي أبي دَاوُد، عَن أبي الْأَحْوَص أَنه كَانَ يَقُول: قرصة - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 أَي: بِالْقَافِ - كَمَا ضَبطه الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» ) وَقَالَ أَبُو عبيد وَابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا هُوَ قرضة - بِالْقَافِ المضمومة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة - وَيدل عَلَيْهِ الرِّوَايَة السالفة «قرضة ممسكة» - بِضَم الْمِيم الأولَى وَفتح الثَّانِيَة وَفتح السِّين الْمُشَدّدَة وَكسرهَا (أَيْضا) - أَي: قِطْعَة من قطن أَو صوف أَو خرقَة مطيبة بالمسك. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلم يكن للْقَوْم وسع فِي المَال بِحَيْثُ يستعملون الطّيب فِي مثل هَذَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ممسكة أَي: خلقا، فَإِنَّهُ أصلح لذَلِك (فَلَا) يسْتَعْمل جَدِيد الْقطن وَالصُّوف للارتفاق بِهِ فِي المغزل وَغَيره، وَالْمَشْهُور الأول. والمسك - بِكَسْر الْمِيم - قَالَ النَّوَوِيّ: وَعَلِيهِ الْفُقَهَاء وَغَيرهم من (أهل) الْعلم، وَادَّعَى القَاضِي عِيَاض أَن الْفَتْح فِيهِ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَهُوَ الْجلد أَي: قِطْعَة من جلد فِيهِ شعر، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ إِنَّه الْمَشْهُور، وَبِه جزم ابْن قُتَيْبَة قَالَ: وَمَعْنَاهُ الْإِمْسَاك. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لقد أحسن من قَالَ فِي ابْن قُتَيْبَة هجوم ولاح عَلَى مَا لَا يحسن. هَا هُوَ قد أنكر مَا صَحَّ فِي الرِّوَايَة من «فرْصَة» وَجَهل مَا صحّح (لَفظه) أَئِمَّة اللُّغَة وَاخْتَارَ (مَا لَا يلتئم) الْكَلَام مَعَه؛ فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال: حد قِطْعَة من أمساك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 وَسوى بَين الصَّحَابَة كلهم فِي الْفقر، والمعلوم من حَالَة أهل الْحجاز كَثْرَة الْمسك عِنْدهم؛ فَلَا الْتِفَات إِلَى قَوْله. والمسك يذكر وَيُؤَنث (كَالْعَيْنِ) ذكره صَاحب «الواعي» ، وَقيل: من ذَكَّر أَرَادَ الْمسك، وَمن أَنَّث أَرَادَ الرَّائِحَة. وَفِي الفصيح: الْمسك (ضرب من) الطّيب (وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن طَلْحَة وَقَالَ: صَوَابه: المسَك) أَي (كَمَا) قَالَه ابْن السّكيت، قَالَ ابْن سَيّده: وَحَكَى ابْن الْأَعرَابِي: مسك إدفر - بِالدَّال الْمُهْملَة - وَلم يحكها أحد سواهُ، إِنَّمَا هِيَ الْمُعْجَمَة. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمدِّ ويغتسل بالصاع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق: أَحدهَا: من حَدِيث سفينة - بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه - رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يُغَسِّلُهُ (الصَّاع) من المَاء (من) الْجَنَابَة ويوضئه الْمَدّ» وَفِي لفظ: «يغْتَسل بالصاع ويتطهر بِالْمدِّ» (أَو قَالَ: « [يطهره] الْمَدّ» ) . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، بل لم يخرج البُخَارِيّ فِي كِتَابه عَن سفينة شَيْئا كَمَا نبه عَلَيْهِ عبد الْحق فِي «جَامعه» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 ثَانِيهَا: من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمدِّ ويغتسل بالصاع إِلَى خَمْسَة أَمْدَاد» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَفِي رِوَايَة (لَهما) «كَانَ يغْتَسل بِخمْس مكاكيك وَيتَوَضَّأ بمكوك» وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ بدل «مكاكيك» : «مكاكي» . قَالَ ابْن خُزَيْمَة: المكوك هُوَ الْمَدّ نَفسه. وَسَبقه إِلَى ذَلِك أَبُو خَيْثَمَة وَوَقع فِي «جَامع المسانيد» لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَن المكوك مكيال لَهُ مَعْرُوف، وَأَنه لَيْسَ (بالمعلوم) الْقدر عندنَا. وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ؛ فقد قَالَ هُوَ نَفسه فِي كِتَابه «غَرِيب الحَدِيث» - وَمن خطه نقلت - قَوْله: (كَانَ يغْتَسل (بِخَمْسَة) مكاكيك) لَا زلت أستهول هَذَا؛ لِأَن المكوك الْمَعْرُوف صَاع وَنصف، وَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يغْتَسل بالصاع الْوَاحِد، إِلَى أَن رَأَيْت الْأَزْهَرِي قد حَكَى عَن اللَّيْث أَنه قَالَ: المكوك طاس يشرب بِهِ. فَزَالَ (الْإِشْكَال) قَالَ: وَقَالَ غَيره: (المكوك) إِنَاء يسع (نَحْو الْمَدّ مَعْرُوف عِنْدهم. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «كَانَ يتَوَضَّأ بِإِنَاء يسع) رطلين ويغتسل بالصاع» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «يَكْفِي أحدكُم مد (فِي) الْوضُوء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 ثَالِثهَا: من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يغْتَسل بالصاع وَيتَوَضَّأ بِالْمدِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى (الْمُهَذّب» : حَدِيث حسن وَرِجَاله كلهم ثِقَات، وَهُوَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْهَا «أَنَّهَا لما سُئِلت عَن غسله من الْجَنَابَة دعت بِإِنَاء قدر الصَّاع فأفرغته عَلَى رَأسهَا» . رَابِعهَا: من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن السكن، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان عَلَى رَأْي عبد الْحق، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «يُجزئ من الْوضُوء الْمَدّ، وَمن الْجَنَابَة الصَّاع» . وَفِي البُخَارِيّ عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَكْفِيهِ الصَّاع فِي الْغسْل» ذكره بِقِصَّتِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَأَبُو أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر، وَفِيهِمَا ضعف، وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد - وَهُوَ (صَدُوق) سَاءَ حفظه - عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل بن أبي طَالب - وَفِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 لين - عَن أَبِيه، عَن جده - رَفعه -: «يُجزئ من الْوضُوء مد وَمن الْغسْل صَاع. فَقَالَ رجل: لَا يكفينا. فَقَالَ: كَانَ يَكْفِي من هُوَ خير مِنْك وَأكْثر شعرًا - يَعْنِي: النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» و «تَارِيخ الْعقيلِيّ» نَحوه وَضَعفه من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عَائِشَة «كنت أَغْتَسِل أَنا وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من إِنَاء وَاحِد من قدح يُقَال لَهُ: الْفرق» . هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَلَفظ مُسلم: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يغْتَسل (فِي) الْقدح وَهُوَ الْفرق، وَكنت أَغْتَسِل أَنا وَهُوَ فِي الْإِنَاء الْوَاحِد. قَالَ سُفْيَان: وَالْفرق ثَلَاثَة آصَع» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يغْتَسل فِي إِنَاء - هُوَ الْفرق - من الْجَنَابَة» وَيجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث بِأَنَّهَا كَانَت (أحوالاً) لَهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وحد فِيهَا أَكثر مَا اسْتَعْملهُ وَأقله، وَهُوَ دَال عَلَى أَنه لَا حد فِي قدر مَاء الطَّهَارَة يجب اسْتِيفَاؤهُ، وَهُوَ مَا جمع بِهِ إمامنا الشَّافِعِي وَغَيره من الْعلمَاء. فَائِدَة: لَا خلاف عِنْد أهل الْحجاز - والمرجع إِلَيْهِم - أَن الْمَدّ (رَطْل) وَثلث، وَأَن الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، وَأَن الْمَدّ ربع الصَّاع، وَخَالف الْعِرَاقِيُّونَ فَجعلُوا الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال وَالْمدّ رطلين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 وَاحْتَجُّوا لذَلِك بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يتَوَضَّأ برطلين، ويغتسل بالصاع ثَمَانِيَة أَرْطَال» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يتَوَضَّأ بِمد - رطلين - ويغتسل بالصاع - ثَمَانِيَة أَرْطَال» وَعَن عَائِشَة (قَالَت) : «جرت السّنة من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْغسْل من الْجَنَابَة صَاع، وَالْوُضُوء رطلين، والصاع ثَمَانِيَة أَرْطَال» وَأجَاب الْحفاظ بضعفها، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (إِسْنَاده) ضَعِيف. ثمَّ أوضحه، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا: لَا يصحان. ثمَّ بَين ذَلِك، لَكِن فِي «سنَن النَّسَائِيّ» بِإِسْنَاد حسن عَن مُوسَى الْجُهَنِيّ قَالَ: «أُتِي مُجَاهِد بقدح حزرته ثَمَانِيَة أَرْطَال، فَقَالَ: حَدَّثتنِي عَائِشَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يغْتَسل بِمثل هَذَا» وَأوردهُ ابْن حزم بِلَفْظ «يسع ثَمَانِيَة أَرْطَال، تِسْعَة أَرْطَال، عشرَة» ثمَّ رده بِهَذَا الشَّك، وَرَوَى ابْن حزم عَن أنس - رَفعه -: «يُجزئ فِي الْوضُوء رطلان» ثمَّ قَالَ: لَا حجَّة فِيهِ؛ لِأَن فِيهِ شريك بن عبد الله القَاضِي، وَهُوَ مَعْرُوف بتدليس الْمُنْكَرَات عَن الثِّقَات، وَقد أسقط حَدِيثه الإمامان يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَابْن الْمُبَارك، وتالله لَا أَفْلح من شهد عَلَيْهِ بالجرحة. انْتَهَى. حَدِيث أنس هَذَا عزاهُ ابْن عَسَاكِر والضياء الْمَقْدِسِي و (الْمزي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 إِلَى التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ وَإِن لم أره (فِي) «جَامعه» وَشريك هَذَا قد رَوَى النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَنهُ، وَقد رَوَى عَنهُ يَحْيَى الْقطَّان أَيْضا. وَمن الْأَقَاوِيل العجيبة فِي الْمَدّ أَنه الصَّاع. حَكَاهُ صَاحب «مجمع الغرائب» حَيْثُ قَالَ: الْمَدّ (ربع) وَيُقَال: هُوَ الصَّاع. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «سَيَأْتِي أَقوام يستقلون هَذَا؛ فَمن رغب فِي سنتي وَتمسك بهَا بعث معي فِي حَظِيرَة الْقُدس» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه من أَصْحَاب الْكتب (الْمُعْتَمدَة) وَلَا غَيرهَا (ورأيته) فِي كتاب «الِانْتِصَار لأَصْحَاب الحَدِيث» لِلْحَافِظِ أبي المظفر مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السَّمْعَانِيّ فِي أثْنَاء الْجُزْء الثَّانِي مِنْهُ من حَدِيث عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، عَن مُحَمَّد بن (زَاذَان) عَن أم سعد - رفعته -: «الْوضُوء وَالْغسْل صَاع، وَسَيَأْتِي أَقوام من بعدِي يستقلون ذَلِك، أُولَئِكَ خلاف أهل سنتي، والآخذ بِسنتي معي فِي حَظِيرَة الْقُدس» وَهُوَ فِي بعض الْأَجْزَاء الحديثية بِلَفْظ: «الْوضُوء مد وَالْغسْل صَاع» وَفِي آخِره: «فِي حَظِيرَة الْقُدس، وَهُوَ مصير أهل الْجنَّة» وعنبسة هَذَا مُتَّهم مَتْرُوك، وَمُحَمّد قَالَ البُخَارِيّ: لَا يكْتب حَدِيثه. ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ (من) حَدِيث عبد الله بن مُغفل «أَنه سمع ابْنه يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْقصر الْأَبْيَض عَن يَمِين الْجنَّة إِذْ دَخَلتهَا. فَقَالَ: يَا بني، سل الله الْجنَّة وتعوذ بِهِ من النَّار؛ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: إِنَّه سَيكون فِي هَذِه الْأمة قوم يعتدون فِي (الطّهُور) وَالدُّعَاء» قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: مَحْفُوظ من طريقيه. وَجَاء فِي كَرَاهَة الْإِسْرَاف فِي الْوضُوء أَحَادِيث (صَحِيحه) : إِحْدَاهَا: عَن أبي بن كَعْب رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِن للْوُضُوء (شَيْطَانا) يُقَال لَهُ الولهان فَاتَّقُوا وسواس المَاء» رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: فِي إِسْنَاده خَارِجَة بن مُصعب وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْد أَصْحَابنَا، وَضَعفه ابْن الْمُبَارك، وَهُوَ حَدِيث غَرِيب، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث؛ لأَنا لَا نعلم أحدا أسْندهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 (غير) خَارِجَة. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا (الحَدِيث عَن) الْحسن من غير وَجه قَوْله، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شَيْء. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث مَعْلُول بِرِوَايَة الثَّوْريّ عَن، بَيَان، عَن الْحسن، بعضه من قَوْله غير مَرْفُوع، وَبَاقِيه عَن يُونُس بن عبيد من قَوْله غير مَرْفُوع، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أبي: كَذَا رَوَاهُ خَارِجَة، وَأَخْطَأ (فِيهِ) وَإِنَّمَا يرْوَى عَن الْحسن قَوْله، وَعَن الْحسن، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (مُرْسل) قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُنكر. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي «علله» وَضَعفه، وَخَالف ابْن خُزَيْمَة فَأوردهُ فِي «صَحِيحه» من جِهَة خَارِجَة، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، فكلهم ضعف خَارِجَة، وَنسبه إِلَى الْكَذِب يَحْيَى، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده وَلَا أعلم فِيهِ أحسن من قَول ابْن عدي: إِنَّه يكْتب حَدِيثه. الحَدِيث الثَّانِي: عَن عبد الله بن (عَمْرو) : «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِسَعْد وَهُوَ يتَوَضَّأ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرف؟ قَالَ: أَفِي الْوضُوء إِسْرَاف؟ ! قَالَ: نعم؛ وَإِن كنت عَلَى نهر جَار» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده: ابْن لَهِيعَة، وحالته مَعْلُومَة سلفت لَك فِيمَا مر. الحَدِيث الثَّالِث: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ (قَالَ: «رَأَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رجلا يتَوَضَّأ، فَقَالَ: لَا تسرف» رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده) مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة وَهُوَ مَتْرُوك، وَرَوَاهُ ابْن عدي من جِهَة مُحَمَّد هَذَا، عَن أَبِيه، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه كَانَ يتَعَوَّذ بِاللَّه من وَسْوَسَة الْوضُوء» فَخَالف فِي هَذِه الرِّوَايَة فِي الْإِسْنَاد وَاللَّفْظ. الحَدِيث (الرَّابِع) بعد الْعشْرين رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تَوَضَّأ بِنصْف مد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة أبي أُمَامَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي إِسْنَاده الصَّلْت بن دِينَار، وَهُوَ مَتْرُوك. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «بقسط من مَاء» . فِي رِوَايَة لَهُ: «بِأَقَلّ من مد» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 الحَدِيث (الْخَامِس) بعد الْعشْرين رُوِيَ «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بِثلث مد» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه (مَعَ) شدَّة الْبَحْث عَنهُ من كتب السّنَن وَالْمَسَانِيد وَالْأَحْكَام، وَلَعَلَّه كَانَ «بِثُلثي مد» فأسقط الْكَاتِب الْيَاء، فَإِنَّهُ كَذَلِك مَشْهُور (فِي) كتب الحَدِيث، رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث أم عمَارَة نسيبة بنت كَعْب الْأَنْصَارِيَّة «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بِإِنَاء فِيهِ مَاء قدر ثُلثي الْمَدّ» . وَرَوَاهُ أَيْضا الْأَئِمَّة: ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة عبد الله بن زيد رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بِنَحْوِ من ثُلثي الْمَدّ» هَذَا لفظ الْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ البَاقِينَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أُتِي بِثُلثي مد مَاء فَتَوَضَّأ، فَجعل يدلك ذِرَاعَيْهِ» قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح عِنْدِي حَدِيث أم عمَارَة - يَعْنِي: الأول. آخر الْجُزْء الثَّالِث عشر (يتلوه فِي الرَّابِع عشر بَاب التَّيَمُّم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا) بَاب التَّيَمُّم ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فثمانية عشر حَدِيثا. (الحَدِيث) الأول «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سُئِلَ: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا» . هَذَا الحَدِيث أَصله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث شُعْبَة عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار، عَن (أبي) عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «قلت: يَا نَبِي الله، أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله - تَعَالَى؟ (قَالَ) : الصَّلَاة عَلَى (وَقتهَا) . قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: بر الْوَالِدين. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله. قَالَ: حَدَّثَني بِهن وَلَو استزدته لزادني» . وَفِي لفظ: «أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: الصَّلَاة (لوَقْتهَا» وَفِي لفظ: «يَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 نَبِي الله، أَي الْأَعْمَال أقرب إِلَى الْجنَّة؟ قَالَ: الصَّلَاة) عَلَى مواقيتها ... » الحَدِيث. وَرَوَاهُ بِلَفْظ المُصَنّف (من هَذَا الْوَجْه) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» و «عُلُوم الحَدِيث» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» (وَغَيرهمَا) بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة الَّتِي لَا مطْعن لأحد فِيهَا، قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: تفرد بِهَذِهِ اللَّفْظَة عُثْمَان بن (عمر) يَعْنِي (رَاوِيه) عَن مَالك (بن مغول، عَن الْوَلِيد) . قلت: قد أخرجهَا الْحَاكِم من طَرِيق عَلّي بن حَفْص الْمَدَائِنِي، عَن شُعْبَة، عَن أبي الْعيزَار، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن أبي مَسْعُود كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : وَرِوَايَة عُثْمَان بن عمر، عَن مَالك بن مغول، عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار مَقْبُولَة، فقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، وَهُوَ مِمَّن لَا يشك حَدَّثَني فِي ثقته. قَالَ: وَقد تَابعه عَلّي بن حَفْص، عَن شُعْبَة (فَذكره) وَلَفظه: «الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 آخر: «الصَّلَاة أول وَقتهَا» ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات؛ فَإِن حجاج بن الشَّاعِر حَافظ ثِقَة. وَاحْتج مُسلم بعلي بن حَفْص، وَالْبَاقُونَ مُتَّفق (عَلَى) ثقتهم، قَالَ: وَرَوَاهُ غنْدر، عَن شُعْبَة، عَن عبيد الْمكتب، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يحدث عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مثله، وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود بِلَا شكّ فِيهِ، ثمَّ سَاقه بِلَفْظ: «الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» وَفِي لفظ: «أَي الْعَمَل أفضل؟» قَالَ شُعْبَة: أَو قَالَ: «أفضل الْعَمَل الصَّلَاة عَلَى وَقتهَا» . قَالَ: وَرَوَاهُ عَن عُثْمَان بن عمر الْحسن بن مكرم الْبَزَّار، وَتَابعه مُحَمَّد بن بشار فِي هَذِه اللَّفْظَة، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم؛ لِأَن رُوَاته مُتَّفق عَلَى عدالتهم، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة عِنْدهمَا وَعند الْفُقَهَاء إِذا انْضَمَّ إِلَى رِوَايَته مَا (يؤكدها) وَإِن كَانَ الَّذِي لم يَأْتِ بِهِ أَكثر عددا. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» : هَذ حَدِيث صَحِيح مَحْفُوظ، رَوَاهُ جمَاعَة من أَئِمَّة الْمُسلمين عَن مَالك بن مغول، وَكَذَلِكَ عَن عُثْمَان (بن عمر) وَلم يذكر أول الْوَقْت فِيهِ غير بنْدَار مُحَمَّد بن بشار وَالْحسن بن مكرم، وهما ثقتان. قلت: قد ذكره غَيرهمَا كَمَا مَضَى و (كَمَا) ستعلمه من كَلَامه، وَقَالَ فِي «الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها فِي شعار أهل الحَدِيث» : هَذِه الزِّيَادَة ذكرهَا عُثْمَان بن عمر، عَن مَالك بن مغول، وَهِي مَقْبُولَة مِنْهُ، وَإِن لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 (يخرجَاهُ) - يَعْنِي: البُخَارِيّ (وَمُسلمًا) - فَإِن مَذْهَبهمَا أَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَقَالَ فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث يعرف (بِهَذَا اللَّفْظ) بِمُحَمد بن بشار بنْدَار عَن عُثْمَان بن عمر، وَبُنْدَار من الْحفاظ المتقنين الْأَثْبَات. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ (عَنْهُمَا) ثمَّ قَالَ: فقد صحت هَذِه اللَّفْظَة بِاتِّفَاق (الثقتين) بنْدَار وَالْحسن بن مكرم عَلَى روايتهما عَن عُثْمَان بن عمر، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد مِنْهَا مَا رَوَاهُ (الْحجَّاج بن الشَّاعِر. ثمَّ سَاقه عَنهُ ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن شُعْبَة [وَلم يذكر هَذِه اللَّفْظَة] غير حجاج. و) حجاج حَافظ ثِقَة، وَقد احْتج مُسلم بعلي بن حَفْص الْمَدَائِنِي. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ... الحَدِيث، وَهَذَا الرجل هُوَ عبد الله بن مَسْعُود لإِجْمَاع الروَاة فِيهِ عَلَى أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ يَعْقُوب بن الْوَلِيد، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «خير الْأَعْمَال الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» (ثمَّ) قَالَ: يَعْقُوب هَذَا شيخ من أهل الْمَدِينَة، سكن بَغْدَاد، وَلَيْسَ من شَرط هَذَا الْكتاب، إِلَّا أَن لَهُ شَاهدا عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 (عبيد الله بن عمر الْعمريّ) عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سُئِلَ: أَي الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ (عبد الله) بن عمر الْعمريّ، عَن الْقَاسِم بن غَنَّام، عَن جدته أم أَبِيه الدُّنْيَا، عَن جدته أم فَرْوَة - وَكَانَت مِمَّن بَايَعت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَمن الْمُهَاجِرَات الأول - «أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَسُئِلَ عَن أفضل (الْأَعْمَال) فَقَالَ: الصَّلَاة لوَقْتهَا» . ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد ومعتمر بن سُلَيْمَان وقزعة بن سُوَيْد وَمُحَمّد بن بشر الْعَبْدي، عَن (عبيد الله) بن عمر، عَن الْقَاسِم بن غَنَّام. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: قد رَوَى عبد الله بن عمر عَن الْقَاسِم بن غَنَّام وَلم يرو عَنهُ أَخُوهُ عبيد الله بن عمر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر. قَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : وَرَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَجَابِر أَيْضا. قلت: فقد صَحَّ الحَدِيث بشواهده وَللَّه الْحَمد، وَسمعت كثيرا من فُقَهَاء زَمَاننَا يُطلق الضعْف عَلَى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُم، وَكَأَنَّهُ اسْتَقر فِي ذهنهم تَضْعِيف التِّرْمِذِيّ لَهُ من حَدِيث أم فَرْوَة الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الْحَاكِم، وَهُوَ عَجِيب؛ فَإِن الضَّعِيف لَا يقْدَح فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 الصَّحِيح، فَإِنَّهُ لما رَوَاهُ قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يرْوَى إِلَّا من حَدِيث عبد الله بن عمر الْعمريّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ (عِنْد) أهل الحَدِيث، واضطربوا فِي هَذَا الحَدِيث، وَقد تكلم فِيهِ يَحْيَى بن سعيد من قبل حفظه. قلت: وَقَوله (إِنَّه) لَا يرْوَى إِلَّا من حَدِيث عبد الله بن عمر الْعمريّ، لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فقد رُوِيَ من حَدِيث أَخِيه عبيد الله أَيْضا كَمَا أسلفناه من رِوَايَة الْحَاكِم. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين فِي «الْأَحَادِيث المختارة» إِن الدَّارَقُطْنِيّ أخرجه من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: إِنَّه مَحْفُوظ عَنْهُمَا. وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم حَدِيث أم فَرْوَة أَيْضا، وَكَذَا أَبُو دَاوُد، وَأغْرب ابْن السكن فَأخْرجهُ فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» وَوَقع لأبي الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» أَن هَذَا الحَدِيث لم يروه عَن عبد الله إِلَّا قزعة بن سُوَيْد، وَقد تقدم من رِوَايَة غَيره؛ عَنهُ فاستفده. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أَمر عليًّا أَن يمسح عَلَى الجبائر» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 فِي (سُنَنهمْ) من رِوَايَة عَمْرو بن (خَالِد) الوَاسِطِيّ، عَن زيد بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «انْكَسَرَ إِحْدَى زندي فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرنِي أَن أَمسَح عَلَى الجبائر» . وَذكره الإِمَام الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» فَقَالَ: رُوِيَ عَن عَلّي «أَنه انْكَسَرَ إِحْدَى زنديه فَأمره النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يمسح عَلَى الجبائر» . فَقَالَ الشَّافِعِي: وَلَو عرفت إِسْنَاده بِالصِّحَّةِ لَقلت بِهِ وَهَذَا مِمَّا أستخير الله فِيهِ. قلت: وَإِنَّمَا ضعفه الشَّافِعِي؛ لِأَن رَاوِيه (عَمْرو) بن خَالِد السالف فِي إِسْنَاده أحد الْكَذَّابين، كذبه أَحْمد وَيَحْيَى وَالنَّاس. وَقَالَ وَكِيع: كَانَ فِي جوارنا يضع الحَدِيث فَلَمَّا فُطن لَهُ تحول إِلَى وَاسِط. وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو زرْعَة: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يروي مَوْضُوعَات. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ، وَعَمْرو بن خَالِد مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد: هَذَا حَدِيث يرويهِ عَمْرو بن خَالِد وَلَا يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا يعرف إِلَّا (بِعَمْرو) بن خَالِد الوَاسِطِيّ. قلت: بل تَابعه عَلَيْهِ شَرّ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : عَمْرو بن خَالِد هَذَا مَعْرُوف بِوَضْع الحَدِيث، كذبه أَحْمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 وَيَحْيَى وَغَيرهمَا من أَئِمَّة الحَدِيث، وَنسبه وَكِيع إِلَى الْوَضع، وَقَالَ: كَانَ فِي جوارنا فَلَمَّا فطن لَهُ تحول إِلَى وَاسِط. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَتَابعه عَلَى ذَلِك (عمر) بن مُوسَى بن وجيه فَرَوَاهُ عَن زيد بن عَلّي مثله. قَالَ: و (عمر) بن مُوسَى مَتْرُوك مَنْسُوب إِلَى الْوَضع، ونعوذ بِاللَّه من الخذلان. وَقَالَ فِي «خلافياته» : إِن (عمر) بن مُوسَى سَرقه فَرَوَاهُ عَن زيد بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده، و (عمر) مَتْرُوك. وَقَالَ فِي «سنَنه» : وَرُوِيَ بِإِسْنَاد آخر مَجْهُول (عَن زيد بن عَلّي) وَلَيْسَ بِشَيْء. وَلم يبين فِي «سنَنه» من هُوَ الْمَجْهُول فِي الْإِسْنَاد، وَبَينه فِي «خلافياته» فَقَالَ: إِنَّه عبد الله بن مُحَمَّد البلوي. قَالَ: وَهُوَ مَجْهُول (رَأينَا) فِي حَدِيثه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 الْمَنَاكِير. قَالَ فِي «سنَنه» و «خلافياته» : وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد خَالِد بن يزِيد الْمَكِّيّ بِإِسْنَاد آخر عَن زيد بن عَلّي، عَن عَلّي مُرْسلا، وَأَبُو الْوَلِيد ضَعِيف، ونقلاه عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَكَذَا هُوَ فِي «سنَنه» . قلت: وَهُوَ مُنْقَطع أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ «صَاحب الإِمَام» وَذكر الْخلال فِي «علله» عَن الْمَرْوذِيّ قَالَ: سَأَلت أَبَا عبد الله عَن حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَنه مسح عَلَى الجبائر» . فَقَالَ: بَاطِل لَيْسَ (فِي) هَذَا شَيْء، من حدث (بِهَذَا) ؟ قلت: ذَكرُوهُ عَن صَاحب الزُّهْرِيّ فَتكلم فِيهِ بِكَلَام غليظ. قَالَ الْخلال: وقُرئ عَلَى عبد الله بن أَحْمد قَالَ: سَمِعت رجلا يَقُول: يَحْيَى يحفظ: عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه مسح عَلَى الجبائر» . فَقَالَ: بَاطِل، مَا حدث (بِهِ) معمر قطّ. فَسمِعت يَحْيَى يَقُول: عليَّ بَدَنَة مُجَللَة مقلدة إِن كَانَ معمر حدث بِهَذَا، هَذَا بَاطِل، وَلَو حدث بِهَذَا عبد الرَّزَّاق كَانَ حَلَال الدَّم، من حدث بِهَذَا عَن عبد الرَّزَّاق؟ (قَالَ) : مُحَمَّد بن يَحْيَى. قَالَ: لَا وَالله مَا حدث بِهِ معمر، وَعَلِيهِ حجَّة من هُنَا - يَعْنِي الْمَشْي إِلَى مَكَّة - إِن كَانَ معمر حدث بِهَذَا قطّ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 يمسح عَلَى الجبائر» . ثمَّ قَالَ: لَا يَصح مَرْفُوعا، وَأَبُو عمَارَة مُحَمَّد بن أَحْمد - يَعْنِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - ضَعِيف جدًّا. قلت: يتلخص من هَذَا كُله ضعف حَدِيث الْمسْح عَلَى الجبائر، وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق (الْحفاظ) عَلَى ضعف حَدِيث (عَلّي) وتضعيف رِوَايَة عَمْرو بن خَالِد، وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فَخفف أمره وَأقر حَدِيث ابْن عمر أَولا فَقَالَ: اسْتدلَّ بهما أَصْحَابنَا وَفِيهِمَا مقَال ثمَّ ضعفهما بعد ذَلِك، وَلَقَد أحسن الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي قَوْله فِي «سنَنه» بعد أَن ذكر مَا أسلفناه عَنهُ: لَا يثبت عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي هَذَا الْبَاب شَيْء. قَالَ: وَأَصَح مَا فِيهِ حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح؛ أَي: الَّذِي سأذكره عَلَى الإثر بعد. قَالَ: وَإِنَّمَا (فِي) الْمسْح عَلَى الْجَبِيرَة قَول الْفُقَهَاء من التَّابِعين فَمن بعدهمْ، مَعَ مَا صَحَّ عَن ابْن عمر «أَنه تَوَضَّأ وكفه معصوبة فَمسح عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِصَابَة وَغسل مَا سُوَى ذَلِك» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا عَن ابْن عمر صَحِيح. ثمَّ رَوَى الْمسْح عَلَى الجبائر وعصائب الْجِرَاحَات بأسانيده عَن أَئِمَّة التَّابِعين. فَائِدَة: قصَّة عَلّي هَذِه (كَانَت) فِي وقْعَة محاربة عَمْرو بن عبد ود، كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب (التنقيب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ فِي المشجوج الَّذِي احْتَلَمَ واغتسل فَدخل المَاء شجته وَمَات أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِنَّمَا يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم ويعصب عَلَى رَأسه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْأَنْطَاكِي، ثَنَا مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن الزبير بن خُريق - بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة، ثمَّ رَاء مُهْملَة، ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ قَاف - عَن عَطاء، عَن جَابر قَالَ: «خرجنَا فِي سفر فَأصَاب رجلا مَعنا حجر فَشَجَّهُ فِي رَأسه فَاحْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابه هَل يَجدونَ لَهُ رخصَة فِي التَّيَمُّم؟ فَقَالُوا: مَا نجد (لَك) رخصَة وَأَنت تقدر عَلَى المَاء. فاغتسل فَمَاتَ، فَلَمَّا قدمنَا عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أخبر بذلك فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! أَلا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا؟ ! فَإِنَّمَا شِفَاء العي السُّؤَال؛ إِنَّمَا يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم (أَو) يعصب - شكّ مُوسَى - عَلَى جرحه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده» . وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، الْأَنْطَاكِي ثِقَة، وَمُحَمّد بن سَلمَة هُوَ الْحَرَّانِي احْتج بِهِ مُسلم، وَقَالَ ابْن سعد: ثِقَة فَاضل عَالم، وَله فضل وَرِوَايَة وفتوى. وَالزبير ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَعَطَاء لَا يسْأَل عَنهُ، لَا جرم أخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 المأثورة» ، وَاحْتج بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ (وَأما الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: (إِنَّه) أصح شَيْء فِي الْبَاب وَإنَّهُ لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ) : قَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد: هَذِه سنة تفرد بهَا أهل مَكَّة، وَحملهَا أهل الجزيرة، لم يروه عَن عَطاء عَن جَابر غير الزبير بن خريق وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَخَالفهُ الْأَوْزَاعِيّ فَرَوَاهُ عَن عَطاء، عَن (ابْن) عَبَّاس، وَهُوَ الصَّوَاب. رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» (وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بعده) من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ أَنه (بلغه) عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «أصَاب رجلا جرح فِي عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ احْتَلَمَ فَأمر بالاغتسال، فاغتسل فَمَاتَ فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! ألم يكن شِفَاء العي السُّؤَال؟ !» . وَهَذَا مُنْقَطع فِيمَا بَين الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء، وَقد وَصله ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الحميد بن أبي الْعشْرين، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء - كَمَا سلف - وَقَالَ فِي آخِره: «قَالَ عَطاء: وبلغنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: لَو غسل جسده وَترك رَأسه حَيْثُ أَصَابَهُ الْجراح!» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَاخْتلف عَن الْأَوْزَاعِيّ فَقيل عَنهُ عَن عَطاء، وَقيل: بَلغنِي عَن عَطاء، وَأرْسل الْأَوْزَاعِيّ (آخِره) عَن عَطاء عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ الصَّوَاب. قلت: وَهَذِه هِيَ طَريقَة ابْن مَاجَه الَّتِي أسلفناها، وَذكر أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة - فِيمَا سَأَلَهُمَا ابْن أبي حَاتِم عَن هَذَا الحَدِيث - فَقَالَا: رَوَاهُ ابْن أبي الْعشْرين، عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وأفسد الحَدِيث. يُرِيد أَنه أَدخل إِسْمَاعِيل فِيهِ، وَتبين أَن الْأَوْزَاعِيّ أَخذه عَن إِسْمَاعِيل. قلت: وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهَا الْأَوْزَاعِيّ رَأْسا، روياها من حَدِيث مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي، ثَنَا عمر بن حَفْص بن غياث، أَنا أبي، أَخْبرنِي الْوَلِيد بن [عبيد الله] بن أبي رَبَاح، أَن عَطاء عَمه حَدثهُ عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا أجنب فِي شتاء، فَسَأَلَ فَأمر بِالْغسْلِ فَمَاتَ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: مَا لَهُم (قَتَلُوهُ) قَتلهمْ الله؟ ! - ثَلَاثًا - قد جعل الله الصَّعِيد - أَو التَّيَمُّم - طهُورا» قَالَ: شكّ ابْن عَبَّاس ثمَّ أَتَيْته بعدُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 قلت: والوليد هَذَا ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ، وَسكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ هُنَا وَضَعفه فِي بَاب النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب (من) «سنَنه» ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث السّري بن خُزَيْمَة، ثَنَا عمر بن حَفْص بن غياث، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: الْوَلِيد بن عبيد الله هَذَا قَلِيل الحَدِيث (جدًّا) قَالَ: وَله شَاهد عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره (و) رَوَاهُ بعد هَذَا الْموضع بأوراق من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ، وَصرح فِيهِ بِسَمَاع الْأَوْزَاعِيّ من عَطاء، فَزَالَ ذَلِك الْمَحْذُور السالف (و) رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم، عَن أبي عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان التنوخي، ثَنَا بشر بن بكر، حَدَّثَني الْأَوْزَاعِيّ، نَا عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع عبد الله بن عَبَّاس يخبر «أَن رجلا أَصَابَهُ جرح عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ أَصَابَهُ احْتِلَام فاغتسل فَمَاتَ، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! ألم يكن شِفَاء العي السُّؤَال؟ !» . قَالَ الْحَاكِم: بشر بن بكر ثِقَة مَأْمُون، وَقد أَقَامَ إِسْنَاده، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن مزِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ: بَلغنِي عَن عَطاء والهقل بن زِيَاد، وَهُوَ من أثبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ، وَلم يذكر سَماع الْأَوْزَاعِيّ من عَطاء، ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ. فَائِدَة: لما ذكر عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» حَدِيث جَابر السالف عقبه بقوله: لم يروه عَن عَطاء غير الزبير بن خريق، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ: وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. وَاخْتلف عَن الْأَوْزَاعِيّ؛ فَقيل: عَنهُ عَن عَطاء، وَقيل عَنهُ: بَلغنِي عَن عَطاء. وَلَا يرْوَى الحَدِيث من وَجه قوي. هَذَا كَلَامه، وَعَلِيهِ فِيهِ اعتراضان: أَحدهمَا: لي، وَهُوَ قَوْله (إِنَّه) لَا يرْوَى الحَدِيث من وَجه قوي، فقد علمت رِوَايَة الْحَاكِم الْأَخِيرَة وَأَنَّهَا جَيِّدَة لَا مطْعن فِيهَا، وَيقرب مِنْهَا رِوَايَته الْأُخْرَى قبلهَا، وَقد صححها مَعَه ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان. الثَّانِي: لِابْنِ الْقطَّان وَوهم فِيهِ (فَإِنَّهُ) قَالَ: قَوْله: وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، يَقْتَضِي أَن التَّيَمُّم فِي حق الْمَرِيض ورد من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَيْضا كَمَا هُوَ من رِوَايَة جَابر. قَالَ: وَذَلِكَ كُله بَاطِل؛ وَإِنَّمَا اعتراه هَذَا من (كتاب) الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي نَقله مِنْهُ، فَإِنَّهُ أجمل القَوْل كَمَا ذكر، ثمَّ فسره بإيراد الْأَحَادِيث (فتخلص) فَكتب أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق الْإِجْمَال وَلم يكْتب التَّفْصِيل فَوَقع فِي الْخَطَأ، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس لَا ذكر فِيهِ للتيمم وَلَا يعرف ذكر التَّيَمُّم فِيهِ إِلَّا من رِوَايَة الزبير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 بن خريق عَن عَطاء عَن جَابر، أَو من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ بِإِسْنَاد بَالغ إِلَى الْغَايَة فِي الضعْف من حَدِيث عَمْرو بن شمر - وَهُوَ أحد الهالكين - عَن عَمْرو بن أنس، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: «أجنب رجل مَرِيض فِي يَوْم بَارِد عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: مَا لَهُم قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله؟ ! إِنَّمَا كَانَ يُجزئ من ذَلِك التَّيَمُّم» ، هَذَا آخر كَلَامه. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ مَعَ جلالته؛ فَذكر التَّيَمُّم فِيهِ ثَابت من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَمَا سلف عَن «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» و «ابْن حبَان» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» وَسبب إِنْكَاره ذَلِك اقْتِصَاره عَلَى «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» الَّذِي نقل عبد الْحق عَنهُ، وَلَو فتش حق التفتيش لوجده فِي هَذِه المؤلفات (الجليلة) . الحَدِيث الرَّابِع عَن حُذَيْفَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «فضلنَا عَلَى النَّاس بِثَلَاث: جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا، وَجعل ترابها طهُورا ... » . هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ دَلِيلا لنا عَلَى اعْتِبَار التُّرَاب فِي التَّيَمُّم، ثمَّ بَين وَجه الدّلَالَة مِنْهُ فَقَالَ: عدل إِلَى ذكر التُّرَاب بعد ذكر الأَرْض فلولا اخْتِصَاص الطّهُور بِهِ بِالتُّرَابِ لقَالَ: جعلت الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب؛ فقد ثَبت ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث صَحِيحَة كَمَا ستعلمه، وَأما الحَدِيث بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن ربعي بن حِرَاش - بحاء مُهْملَة، ثمَّ رَاء، ثمَّ ألف، ثمَّ شين مُعْجمَة - عَن حُذَيْفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا، وَجعلت صُفُوفنَا مثل صُفُوف الْمَلَائِكَة» . ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) من حَدِيث سعيد بن مسلمة، حَدَّثَني أَبُو مَالك الْأَشْجَعِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله، وَقَالَ: «جعلت الأَرْض كلهَا لنا مَسْجِدا وترابها لنا طهُورا (إِن) لم نجد المَاء» . وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي عوَانَة بِهِ بِلَفْظ: «فضلنَا عَلَى النَّاس بِثَلَاث: جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا، وَجعل ترابها لنا طهُورا إِذا لم نجد المَاء، وَجعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة» . قلت: والْحَدِيث فِي «صَحِيح مُسلم» عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن أبي مَالك، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: « (فضلت) عَلَى النَّاس بِثَلَاث: جعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة، وَجعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا إِذا لم نجد المَاء» . وَذكر خصْلَة أُخْرَى (ثمَّ قَالَ مُسلم) وَأَنا أَبُو كريب، عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء (ثَنَا) بن أبي زَائِدَة، عَن (سعد) بن طَارق، حَدَّثَني ربعي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «فضلنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 عَلَى النَّاس بِثَلَاث ... » . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مُسَدّد، عَن أبي عوَانَة، عَن أبي مَالك، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة (بِهِ) وَزَاد: «وَأُوتِيت هَؤُلَاءِ الْآيَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش، لم يُعْطه أحد قبلي وَلَا أحد بعدِي» وَهَذِه هِيَ الْخصْلَة الَّتِي لم يذكرهَا مُسلم. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن فُضَيْل، عَن أبي مَالك بِهِ بِلَفْظ: «فضلنَا عَلَى النَّاس بِثَلَاث جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، و (جعلت) ترابها لنا طهُورا إِذا لم نجد المَاء، وَجعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة، وَأُوتِيت هَذِه الْكَلِمَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة من بَيت تَحت الْعَرْش لم يُعْط مِنْهُ أحد قبلي وَلَا أحد بعدِي» . وَوَقع لِابْنِ حزم فِي كِتَابه «الإيصال» وهم فَاحش فِي سَنَد هَذَا الحَدِيث، فَجمع بَين الإسنادين اللَّذين أخرجهُمَا مُسلم، وَقَالَ: سعد بن طَارق الَّذِي رَوَى عَنهُ ابْن أبي زَائِدَة غير أبي مَالك الَّذِي رَوَى عَنهُ ابْن فُضَيْل. ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ إِلَى مُسلم: نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو كريب، قَالَ ابْن أبي شيبَة: نَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، وَقَالَ أَبُو كريب: نَا ابْن أبي زَائِدَة - وَهُوَ زَكَرِيَّا - عَن سعد بن طَارق (ثمَّ اتّفق أَبُو مَالك وَسعد كِلَاهُمَا عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة. وَهَذَا عَجِيب فَأَبُو مَالك هُوَ سعد بن طَارق) بِعَيْنِه، كناه ابْن فُضَيْل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 الْإِسْنَاد، وَسَماهُ ابْن أبي زَائِدَة، لَا خلاف فِيمَا ذكرته بَين العارفين بأوائل هَذِه الصَّنْعَة، لَا جرم اعْترض عَلَيْهِ فِي ذَلِك ابْن دحْيَة فِي (كِتَابه) «التَّنْوِير» وَقَالَ: ابْن حزم أحفظ أهل زَمَانه (لَكِن) غفل عَن حفظ المولد والوفاة والأسماء والكنى؛ فَفِي تواليفه من الفضائح القبائح مَا لَا غطاء عَلَيْهِ، مِنْهَا هَذَا الْموضع فِي كتاب «الإيصال» وَهُوَ خَمْسَة و (ثَلَاثُونَ) مجلدًا، استوعب أَبْوَاب الشَّرَائِع. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن مفوز الْمعَافِرِي: لم يَأْتِ فِي (إِسْنَاد) هَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ السوءة وَإِلَّا و (هُوَ) قد جهلهم كل الْجَهَالَة ثمَّ حط عَلَيْهِ، ثمَّ (إِن) ابْن حزم أتبع هَذِه الفضيحة بِأُخْرَى فَقَالَ: ابْن أبي زَائِدَة الَّذِي رَوَى عَنهُ أَبُو كريب هُوَ زَكَرِيَّا. وَإِنَّمَا هُوَ ابْنه يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة - نسبه إِلَى جده فَتنبه لذَلِك. وَأما حَدِيث «جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا» فَلهُ طرق: أَحدهَا: من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: «أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي» فعد مِنْهَا «وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا» أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: «فضلت عَلَى الْأَنْبِيَاء بست: أَعْطَيْت جَوَامِع الْكَلم، ونصرت بِالرُّعْبِ، وَأحلت لي الْغَنَائِم، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، وَأرْسلت إِلَى الْخلق كَافَّة، وَختم بِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 النَّبِيُّونَ» فأودعه مُسلم فِي «صَحِيحه» . ثَالِثهَا: من حَدِيث عَوْف بن مَالك بِلَفْظ: «أَعْطَيْت أَرْبعا لم (يُعْطهنَّ) أحد كَانَ قبلنَا، وَسَأَلت رَبِّي الْخَامِسَة فَأَعْطَانِيهَا: كَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه فَلَا يعدوها، و (بعثت) كَافَّة إِلَى النَّاس، وأرهب منا عدونا مسيرَة شهر، وَجعلت لي الأَرْض طهُورا ومساجد، وَأحل لنا الْخمس وَلم يحل (لأحد كَانَ) قبلنَا، وَسَأَلت رَبِّي الْخَامِسَة فَسَأَلته أَن لَا يلقاه عبد من أمتِي يوحده إِلَّا أدخلهُ الْجنَّة فَأَعْطَانِيهَا» أودعهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَهُوَ حَدِيث عَظِيم. وَفِي مُسْند أَحْمد و «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن مُحَمَّد بن عَلّي أَنه سمع عَلّي بن أبي طَالب يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَعْطَيْت مَا لم يُعْط أحد من الْأَنْبِيَاء» فَقُلْنَا: مَا هُوَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نصرت بِالرُّعْبِ، وَأعْطيت مَفَاتِيح الأَرْض، وَسميت: أَحْمد، وَجعل لي التُّرَاب طهُورا، وَجعلت أمتِي خير [الْأُمَم] » وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو بكر الجوزقي من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: «جعلت لي (كل أَرض) طيبَة مَسْجِدا وَطهُورًا» . وَفِي فَوَائِد أبي عبد الله الثَّقَفِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي أُمَامَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِن الله فضلني عَلَى الْأَنْبِيَاء - أَو قَالَ: أمتِي عَلَى الْأُمَم - بِأَرْبَع: أَرْسلنِي إِلَى النَّاس كَافَّة، و (جعل) الأَرْض كلهَا لي ولأمتي طهُورا ومسجدًا؛ فأينما أدْركْت الرجل من أمتِي الصَّلَاة فَعنده مَسْجده وَطهُوره، ونصرت بِالرُّعْبِ - يسير بَين يَدي - مسيرَة شهر (يقذف) فِي قُلُوب أعدائي، وَأحلت لي الْغَنَائِم» . وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إلمامه» (عَنهُ) وَقَالَ: رَوَاهُ عَن قوم مُوثقِينَ (وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث أبي ذَر: «أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبلي) : بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود، وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي، ونصرت بِالرُّعْبِ فيرعب الْعَدو مسيرَة شهر، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، وَقيل لي: سل تعطه، فاختبأت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة، وَهِي نائلة إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - لمن لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا» . وَنقل أَحْمد فِي «مُسْنده» عقب رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يرَى أَن الْأَحْمَر: الْإِنْس، وَالْأسود: الْجِنّ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : (وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ) أَن الْأَحْمَر الْعَجم، وَالْأسود الْعَرَب، وَالْغَالِب عَلَى ألوان الْعَرَب السمرَة، وَعَلَى ألوان الْعَجم الْبيَاض. قَالَ أَبُو عمر: المُرَاد بالأحمر: الْأَبْيَض، وَمِنْه قَوْله لعَائِشَة: «يَا حميراء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 فَائِدَة: رَوَى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «مُعْجَمه» من حَدِيث أنس رَفعه: «فضلت عَلَى النَّاس بِأَرْبَع: (بالسخاء) والشجاعة، وَكَثْرَة الْجِمَاع، وَشدَّة الْبَطْش» وروينا من حَدِيث السَّائِب ابْن أُخْت النمر «فضلت عَلَى الْأَنْبِيَاء بِخمْس ... ) فَذكر مِنْهَا: (ونصرت بِالرُّعْبِ شهرا أَمَامِي وشهرًا خَلْفي» . الحَدِيث الْخَامِس «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم بِتُرَاب الْمَدِينَة وأرضها سبخَة» . هَذَا حَدِيث صَحِيح، فَأَما تيَمّمه بترابها فَلَا شكّ فِيهِ، وَآيَة التَّيَمُّم نزلت بهَا أَيْضا (إِمَّا سنة أَربع أَو سنة سِتّ) وَلَا خلاف أَن أَرض مَدِينَة (سيدنَا) رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سبخَة. وَمن الْأَحَادِيث المصرحة بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم بترابها مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي الْجُهَيْم - بِضَم الْجِيم (وَالْيَاء) ، كَمَا قَالَه أَبُو مَسْعُود وَخلف، وَيُقَال لَهُ (أَيْضا) : أَبُو الجهم. كَمَا حَكَاهُ (غَيرهمَا) ابْن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ قَالَ: «أقبل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من نَحْو بِئْر جمل فَلَقِيَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ، فَلم يرد عَلَيْهِ (النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) حتَّى أقبل عَلَى الْجِدَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 فَمسح بِوَجْهِهِ وَيَديه ثمَّ رد عَلَيْهِ السَّلَام» وَأوردهُ مُسلم تَعْلِيقا، وَهُوَ أحد الْأَحَادِيث المقطوعة فِي كِتَابه، وَقد وجدت كلهَا مَوْصُولَة فِي غَيره، كَمَا قرر الْحَافِظ رشيد الدَّين الْعَطَّار فِي «مُصَنفه» فِي ذَلِك، وبئر جمل مَوضِع بِالْمَدِينَةِ فِيهِ مَال من أموالها فَثَبت بِهَذَا الحَدِيث وَبِغَيْرِهِ من الْأَحَادِيث الْآتِي بَعْضهَا فِي الْبَاب «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم بِتُرَاب الْمَدِينَة» وَلَا يُقَال إِن ذَلِك الْموضع الْمُتَيَمم (مِنْهُ) يحْتَمل أَن يكون غير سبخ؛ فقد قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» : جَمِيع أَرض الْمَدِينَة سبخَة. وَاسْتدلَّ - أَعنِي: ابْن خُزَيْمَة - فِي «صَحِيحه» عَلَى جَوَاز التَّيَمُّم بالسباخ بِحَدِيث عَائِشَة الطَّوِيل الَّذِي فِيهِ: «فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للْمُسلمين: قد أريت دَار هجرتكم؛ أريت سبخَة ذَات النّخل بَين (لابتين) وهما الحرتان» فَجَمِيع الْمَدِينَة سبخَة، وَقد أَمر الله - تَعَالَى - بِالتَّيَمُّمِ بالصعيد الطّيب» وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد أعلم أَن الْمَدِينَة طيبَة أَو (طابة) مَعَ إِعْلَامه (إيَّاهُم) بِأَنَّهَا سبخَة. ثمَّ قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي آخر كَلَامه: وَفِي هَذَا مَا بَان وَثَبت أَن التَّيَمُّم بالسباخ جَائِز: هَذَا لَفظه وَمن «صَحِيحه» فِي رحلتي إِلَى الْقُدس الشريف نقلته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 الحَدِيث السَّادِس أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَيْسَ للمرء من عمله إِلَّا مَا نَوَاه» . هَذَا الحَدِيث أوردهُ هَكَذَا الإِمَام الرَّافِعِيّ بِصِيغَة الْجَزْم وَلم أر من خرجه كَذَلِك عوضا عَن صِحَّته، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مَعْنَاهُ من حَدِيث عبد الله بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ قَالَ: حَدَّثَني بعض أهل بَيْتِي عَن أنس بن مَالك «أَن رجلا من بني عَمْرو بن عَوْف قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّك رغبتنا فِي السِّوَاك فَهَل دون ذَلِك من شَيْء؟ قَالَ: أصبعك سواكك عِنْد وضوئك تمر بهَا عَلَى أسنانك إِنَّه لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ، وَلَا أجر لمن لَا [حسبَة] لَهُ» . وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي الْمجْلس الأول من أَمَالِيهِ، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من حَدِيث بَقِيَّة، عَن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ، عَن أبان، عَن أنس - رَفعه -: «لَا يقبل قَول إِلَّا بِعَمَل، ولايقبل قَول وَعمل إِلَّا بنية، وَلَا يقبل قَول وَعمل وَنِيَّة إِلَّا بِإِصَابَة السّنة» . قَالَ ابْن عَسَاكِر: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: بل هُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ فأبان هَذَا هُوَ ابْن أبي عَيَّاش وَهُوَ مَتْرُوك (واه) وَرَاوِيه عَن بَقِيَّة هُوَ أَبُو عتبَة أَحْمد بن الْفرج الْحِمصِي وَقد ضعفه مُحَمَّد بن عَوْف الطَّائِي وَابْن جوصاء وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 وسيط لَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ أَو يتدين بِهِ إِلَّا أَنه يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: كتبنَا عَنهُ وَمحله عندنَا مَحل الصدْق. وَوَقع فِي «التَّحْقِيق» لِابْنِ الْجَوْزِيّ: «إِيَاس» بدل «أبان» وَهُوَ تَحْرِيف؛ فاحذره، وَبَقِيَّة حَالَته مَعْلُومَة، وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم هبة الله (اللالكائي) فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن أبي طَاهِر الْفَقِيه، أَنا عمر بن أَحْمد، نَا عَلّي بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن (يزِيد) الريَاحي (نَا أبي) نَا يَحْيَى بن سليم، نَا أَبُو حَيَّان الْبَصْرِيّ (قَالَ: سَمِعت الْحسن يَقُول: «لَا يصلح قَول إِلَّا بِعَمَل، وَلَا يصلح قَول وَعمل إِلَّا بنية) وَلَا يصلح قَول وَعمل وَنِيَّة إِلَّا بِالسنةِ» . قلت: وَحَدِيث «إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ... » السالف فِي أول بَاب الْوضُوء كَاف فِي الدّلَالَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَإِن الرَّافِعِيّ (اسْتدلَّ) بِهِ عَلَى إِيجَاب النِّيَّة للتيمم. الحَدِيث السَّابِع أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَا صَلَاة إِلَّا بِطَهَارَة» . (هَذَا) الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الْأَحْدَاث وَاضحا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 الحَدِيث الثَّامِن «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ - وَقد تيَمّم عَن الْجَنَابَة من شدَّة الْبرد -: يَا عَمْرو، صليت بِأَصْحَابِك وَأَنت جنب؟ ! فَقَالَ عَمْرو: إِنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول: (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما) فَضَحِك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يُنكر عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا فَقَالَ: «وَيذكر أَن عَمْرو بن الْعَاصِ أجنب فِي لَيْلَة بَارِدَة (فَتَيَمم) وتلا: (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما) فَذكر ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَلم يعنفه» . وأسنده أَبُو دَاوُد عَن ابْن الْمثنى، نَا وهب بن جرير، نَا أبي، قَالَ: سَمِعت يَحْيَى بن أَيُّوب يحدث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: «احْتَلَمت فِي لَيْلَة بَارِدَة فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل فَأَشْفَقت إِن اغْتَسَلت أَن أهلك، فَتَيَمَّمت ثمَّ صليت بِأَصْحَابِي الصُّبْح، فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: يَا عَمْرو، صليت بِأَصْحَابِك وَأَنت جنب؟ ! فَأَخْبَرته بِالَّذِي مَنَعَنِي من الِاغْتِسَال وَقلت: إِنِّي سَمِعت الله - تَعَالَى - يَقُول: (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما) فَضَحِك نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يقل شَيْئا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 وأسنده أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب بِهِ سَوَاء، قَالَ أَبُو دَاوُد: وثنا مُحَمَّد بن سَلمَة، نَا ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة وَعَمْرو بن الْحَارِث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ «أَن عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيَّة ... » فَذكر الحَدِيث نَحوه قَالَ: «فَغسل مغابنه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ صَلَّى بهم ... » فَذكر نَحوه وَلم يذكر التَّيَمُّم، قَالَ أَبُو دَاوُد - وَرَوَى هَذِه الْقِصَّة عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة -: قَالَ فِيهِ: «فَتَيَمم» . وأسنده الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، أَنا (ابْن) وهب، حَدَّثَني عَمْرو بن الْحَارِث وَرجل آخر، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، عَن أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ « (أَن عَمْرو بن الْعَاصِ) كَانَ عَلَى سَرِيَّة وَأَنَّهُمْ أَصَابَهُم برد شَدِيد لم ير مثله، فَخرج لصَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: وَالله لقد احْتَلَمت البارحة، وَلَكِنِّي وَالله مَا رَأَيْت بردا مثل هَذَا، هَل مر عَلَى وُجُوهكُم مثله؟ قَالُوا: لَا. فَغسل مغابنه وَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ صَلَّى بهم، فَلَمَّا قدم عَلَى رَسُول، سَأَلَ رسولُ الله: كَيفَ وجدْتُم عمرا وصحابته؟ فَأَثْنوا عَلَيْهِ خيرا، وَقَالُوا: يَا رَسُول الله، صَلَّى بِنَا وَهُوَ جنب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 فَأرْسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى عَمْرو فَسَأَلَهُ، فَأخْبرهُ بذلك وَبِالَّذِي لَقِي من الْبرد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن الله قَالَ: (وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم (وَلَو اغْتَسَلت مِنْهُ لهلكت، فَضَحِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى عَمْرو» . وأسنده أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سلم، نَا حَرْمَلَة بن يَحْيَى، نَا ابْن وهب بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه لم يذكر الرجل الآخر فِي سَنَده، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا لم يخرجَاهُ. لحَدِيث جرير بن حَازِم، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن يزِيد بن أبي حبيب. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ الرِّوَايَة الأولَى الَّتِي سقناها من طَرِيق أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: حَدِيث جرير هَذَا لَا يُعلل حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث الَّذِي وَصله بِذكر أبي قيس؛ فَإِن أهل مصر أعرف بِحَدِيثِهِمْ من أهل الْبَصْرَة - يَعْنِي: أَن رِوَايَة الْوضُوء يَرْوِيهَا مصري عَن مصري، وَرِوَايَة التَّيَمُّم يَرْوِيهَا بَصرِي عَن مصري - وَجمع الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِجمع حسن فَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون فعل مَا (نقل) فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، فَغسل مَا أمكنه وَتيَمّم للْبَاقِي. قلت: (لَكِن) رِوَايَة التَّيَمُّم مُنْقَطِعَة؛ لِأَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير لم يسمع الحَدِيث من عَمْرو بن الْعَاصِ، كَمَا نَص عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» لَا جرم جَاءَ فِي الطَّرِيق الثَّانِي مَوْصُولا بِذكر أبي قيس مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ (بَين) عبد الرَّحْمَن وَعَمْرو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 وَصَححهُ الْحَاكِم وَابْن حبَان من هَذَا الْوَجْه كَمَا سلف، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من طرق، مِنْهَا عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن عمرا ... » فَذكره، وَلم يذكر فِيهِ غسلا وَلَا تيممًا، وَكَذَا من طَرِيق (أبي) أُمَامَة عَنهُ، ثمَّ ذكر طَرِيقا آخر فِي غسل المغابن كَمَا سلف، وطريقًا آخر فِي التَّيَمُّم، قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : وَمن مَرَاسِيل اللَّيْث: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ (لَهُ) : يَا عَمْرو، مَا أحب أَنَّك تركت مَا فعلت وَفعلت مَا تركت» . فَوَائِد: الأولَى: فِي ضبط مَا وَقع فِي الحَدِيث من (أَلْفَاظ) وَبَيَان مَعْنَاهَا: مَعْنَى أشفقت: خفت. وَأهْلك - بِكَسْر اللَّام - وقُرئ شاذًّا بِفَتْحِهَا. والمغابن - بغين مُعْجمَة وباء مُوَحدَة قبل النُّون -: الآباط وأصول الفخذين، وكل مَا يتَعَلَّق بِهِ الْوَسخ من الْجَسَد. قَالَه عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» وَهُوَ كَذَلِك فِي «الصِّحَاح» (و) قَالَ فِي (غبن) : المغابن الأرفاغ. وَقَالَ فِي (رفغ) : الأرفاغ: المغابن من الآباط وأصول الفخذين (الْوَاحِد) رَفْغ ورُفْغ. والعاصي - بِإِثْبَات الْيَاء - أفْصح من حذفهَا. الثَّانِيَة: يُؤْخَذ من الحَدِيث جَوَاز التَّيَمُّم لخوف التّلف مَعَ وجود المَاء، وجوازه للْجنب، ولشدة الْبرد فِي السّفر، وَسُقُوط الْإِعَادَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 وَصِحَّة اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم، وَأَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث، واستحباب الْجَمَاعَة للمسافرين، وَأَن صَاحب الْولَايَة أَحَق بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ غَيره أكمل طَهَارَة أَو حَالا مِنْهُ، وَأَن التَّمَسُّك بالعمومات حجَّة صَحِيحَة، وَجَوَاز قَول الإِنسان سَمِعت الله - تَعَالَى - يَقُول، وَالله يَقُول كَذَا (وَقد كرهه بِهَذِهِ) الصِّيغَة مطرف بن عبد الله بن الشخير التَّابِعِيّ قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَال: قَالَ الله - بِصِيغَة الْمَاضِي - وَهَذَا شَاذ؛ فقد قَالَ الله - تَعَالَى -: (وَالله يَقُول الْحق) . الْفَائِدَة الثَّالِثَة: ذَات السلَاسِل الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث: مَوضِع مَعْرُوف بِنَاحِيَة الشَّام فِي أَرض بني عذرة من وَرَاء وَادي الْقرى (بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَيَّام) وَهِي غَزْوَة من غزوات الشَّام، وَهِي بِفَتْح السِّين الأولَى وَكسر الثَّانِيَة، كَمَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» وَهُوَ الْمَشْهُور، كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ وَغَيره، وَاقْتصر ابْن الْأَثِير فِي «نهايته» عَلَى ضم السِّين الأولَى. وَكَانَت هَذِه الْغَزْوَة فِي السّنة (الثَّامِنَة) من سني الْهِجْرَة فِي جُمَادَى الأولَى، وَعَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ أميرها (قَالَ) ابْن هِشَام: سميت بذلك باسم مَاء بِأَرْض جذام يُقَال لَهُ: السلسل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي «تَارِيخ دمشق» : كَانَت غَزْوَة ذَات السلَاسِل بعد مُؤْتَة فِيمَا ذكره أَصْحَاب الْمَغَازِي إِلَّا ابْن إِسْحَاق فَإِنَّهُ (ذكره) قبلهَا. الْفَائِدَة الرَّابِعَة: عَمْرو بن الْعَاصِ أسلم عَلَى يَد النَّجَاشِيّ، كَمَا أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، نَا أبي، عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدَّثَني يزِيد بن أبي حبيب ... فَذكره بِطُولِهِ، وَذكره أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي « (أكبر معاجمه» فِي تَرْجَمته، وتذكر هَذَا فِي المطارحات، فَيُقَال: صَحَابِيّ طَوِيل الصُّحْبَة كثير الرِّوَايَة، أسلم عَلَى يَد تَابِعِيّ لَا صُحْبَة لَهُ، وَذكره الطَّبَرَانِيّ فِي) «مُعْجَمه» الْمَذْكُور أَيْضا عَن (ابْن) إِسْحَاق (أَيْضا) قَالَ: (كَانَ) إِسْلَام عَمْرو بن الْعَاصِ وخَالِد بن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة عِنْد النَّجَاشِيّ، فقدموا الْمَدِينَة فِي صفر سنة ثَمَان من الْهِجْرَة. اه. الحَدِيث التَّاسِع «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تيَمّم، فَمسح وَجهه وَيَديه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس من حَدِيث أبي الْجُهَيْم، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب من حَدِيث عمار بن يَاسر أَيْضا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 الحَدِيث الْعَاشِر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تيَمّم بضربتين؛ مسح (بِإِحْدَاهُمَا) وَجهه» . هَذَا (الحَدِيث) رَوَاهُ ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ كَمَا ستقف عَلَيْهِ وَاضحا فِي الحَدِيث الْآتِي بعده. الحَدِيث الْحَادِي عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: يجب اسْتِيعَاب الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين بِالْمَسْحِ كَمَا فِي الْوضُوء؛ لما رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تيَمّم فَمسح وَجهه وذراعيه» والذراع اسْم للساعد إِلَى الْمرْفق. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي، ثَنَا مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي، نَا نَافِع قَالَ: «انْطَلَقت مَعَ ابْن عمر فِي (حَاجَة) إِلَى ابْن عَبَّاس، فَقَضَى ابْن عمر حَاجته، وَكَانَ من حَدِيثه يَوْمئِذٍ أَن قَالَ: مر رجل عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سكَّة من السكَك وَقد خرج من غَائِط أَو بَوْل، فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ، حتَّى كَاد الرجل يتَوَارَى فِي السكَك ضرب (بيدَيْهِ) عَلَى الْحَائِط وَمسح (بهَا) وَجهه، ثمَّ ضرب ضَرْبَة أُخْرَى فَمسح ذِرَاعَيْهِ، ثمَّ رد عَلَى الرجل السَّلَام، وَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد (عَلَيْك) السَّلَام إِلَّا أَنِّي لم أكن عَلَى طهر» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد بن عبيد الصفار من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة «ثمَّ ضرب بكفه الثَّانِيَة فَمسح ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمرْفقين» . وَمُحَمّد بن ثَابت هَذَا ضعفه ابْن معِين فَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. نعم رَوَى صَالح عَنهُ أَنه قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، يُنكر عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عمر فِي التَّيَمُّم لَا غير، وَالصَّوَاب مَوْقُوف. وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارمِيّ عَنهُ: لَا بَأْس بِهِ. وَسَيَأْتِي ذَلِك عَنهُ، وَفِي «الضُّعَفَاء» لِابْنِ الْجَوْزِيّ عَن لوين أَنه قَالَ فِيهِ: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمتين (أكتب) حَدِيثه، وَهُوَ أحب إليّ من أُميَّة بن يعْلى وَصَالح المري، رَوَى حَدِيثا مُنْكرا. وَقَالَ البُخَارِيّ: خَالف فِي بعض حَدِيثه فَقَالَ: عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا فِي التَّيَمُّم، وَخَالف أَبُو أَيُّوب وَعبيد الله وَالنَّاس فَقَالُوا: عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِعْله. وَقَالَ النَّسَائِيّ: (إِنَّه) لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ غير مَا ذكرت (وَلَيْسَ) بالكثير وَعَامة (حَدِيثه) لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن هَانِئ: (عرضت) هَذَا الحَدِيث عَلَى أَحْمد فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، لَيْسَ هُوَ بِثَابِت مَرْفُوعا. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي كتاب «التفرد» : لم يُتَابع أحد مُحَمَّد بن ثَابت فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 هَذِه الْقِصَّة عَلَى ضربتين عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَرَوَوْهُ عَن فعل ابْن عمر. قَالَ: وَرَوَى أَبُو أَيُّوب وَمَالك وَعبيد الله وَقيس بن سعد وَيُونُس الْأَيْلِي وَابْن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه تيَمّم ضربتين للْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وجعلوه فعل ابْن عمر. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن حَنْبَل (يَقُول) : رَوَى مُحَمَّد بن ثَابت حَدِيثا مُنْكرا فِي التَّيَمُّم. وَنقل هَذَا عَن أبي دَاوُد الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» وَأقرهُ عَلَيْهِ، لَكِن فِي قَوْله: رَوَاهُ ابْن أبي رواد، عَن نَافِع (مَوْقُوفا) فِي كتاب «الألقاب» للشيرازي مَا يُخَالِفهُ؛ فَإِنَّهُ رَفعه عَنهُ بِلَفْظ: «التَّيَمُّم ضربتان: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين» . وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لأجل مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي؛ فَإِنَّهُ ضَعِيف جدًّا لَا يحْتَج بحَديثه. قلت: وَأما الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ ذكر لَهُ أَشْيَاء تقويه فَقَالَ: أنكر بعض (الْحفاظ) رفع هَذَا الحَدِيث عَلَى مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي، فَقَالَ: قد رَوَاهُ جمَاعَة عَن نَافِع من فعل ابْن عمر، وَالَّذِي رَوَاهُ غَيره عَن نَافِع من فعل ابْن عمر إِنَّمَا هُوَ التَّيَمُّم فَقَط، فَأَما هَذِه الْقِصَّة فَهِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَشْهُورَة بِرِوَايَة أبي الْجُهَيْم بن الْحَارِث بن الصمَّة وَغَيره - أَي: بِدُونِ ذِرَاعَيْهِ - وَهَذَا من الْبَيْهَقِيّ دَال عَلَى أَن الْمُنكر من حَدِيثه إِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 هُوَ رفع الْمسْح إِلَى الْمرْفقين لَا أصل الْقِصَّة (وَلَا رِوَايَتهَا من حَدِيث ابْن عمر) وَبِه صرح فِي كتاب «الْمعرفَة» فَقَالَ: وَإِنَّمَا تفرد مُحَمَّد بن ثَابت (فِي) هَذَا الحَدِيث بِذكر الذراعين فِيهِ دون غَيره. وَالظَّاهِر أَن هَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِيمَا أسلفناه من كَلَامه: «رَوَى حَدِيثا مُنْكرا» . قلت: ولروايته شَاهد من حَدِيث أبي (عصمَة) عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن الْأَعْرَج، عَن (أبي) [جهيم] قَالَ: «أقبل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من بِئْر جمل إِمَّا من غَائِط أَو من بَوْل، فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَلّي السَّلَام، فَضرب الْحَائِط بِيَدِهِ ضَرْبَة فَمسح بهَا وَجهه، ثمَّ ضرب أُخْرَى فَمسح بهَا ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمرْفقين، ثمَّ رد عَلّي السَّلَام» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث خَارِجَة عَن عبد الله بن عَطاء، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي جهيم، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِمثلِهِ. وَأَبُو عصمَة السالف هُوَ نوح بن أبي مَرْيَم ضَعِيف جدًّا (وَكَذَا خَارِجَة، والأعرج لم يسمع الحَدِيث من أبي جهيم بَينهمَا عُمَيْر مولَى ابْن عَبَّاس، وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه» هَذَا الحَدِيث وَلم يتبعهُ بِتَضْعِيف، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وثابت عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رجلا مر وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَبُول، فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ السَّلَام» . (إِلَّا أَنه قصر) فِي رِوَايَته، قَالَ: وَرِوَايَة يزِيد بن الْهَاد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أتم من ذَلِك. ثمَّ سَاقهَا بِإِسْنَادِهِ بِنَحْوِ (الَّذِي) قبله وَفِيه «وَمسح وَجهه وَيَديه» . ثمَّ قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة شاهدة لرِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي إِلَّا أَنه حفظ فِيهَا الذراعين. قَالَ: وَفعل ابْن عمر التَّيَمُّم عَلَى الْوَجْه والذراعين إِلَى الْمرْفقين شَاهد لصِحَّة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت غير منافٍ لَهَا. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارمِيّ أَنه سَأَلَ يَحْيَى بن معِين، عَن (مُحَمَّد بن) ثَابت الْعَبْدي فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ فِي رِوَايَة الدَّارمِيّ وَهُوَ فِي (هَذَا) (الحَدِيث) غير مُسْتَحقّ للنكر بالدلائل الَّتِي ذَكرنَاهَا. قَالَ: وَقد رَوَاهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة عَن مُحَمَّد بن ثَابت: يَحْيَى بن يَحْيَى، ويعلى بن مَنْصُور، وَسَعِيد بن مَنْصُور، وَغَيرهم، وَأَثْنَى عَلَيْهِ مُسلم بن إِبْرَاهِيم (وَرَوَاهُ) عَنهُ، وَهُوَ عَن ابْن عمر مَشْهُور. وناقش الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْبَيْهَقِيّ فِيمَا ذكره فَقَالَ فِي كِتَابه «الإِمَام» : ولنذكر مَا يُمكن أَن يَقُوله مخالفه مَعَ الْبَرَاءَة والاستعاذة بِاللَّه من تَقْوِيَة بَاطِل وتضعيف حق فَنَقُول -: مَا أنكرهُ بعض الْحفاظ الَّذِي ذكره الْبَيْهَقِيّ عَنهُ (هَل) هُوَ أصل الْقِصَّة أم رِوَايَتهَا من حَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 ابْن عمر، أَو رفع مُحَمَّد بن ثَابت الْمسْح إِلَى الْمرْفقين؟ قَالَ: وَقد أَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَى أَن جِهَة الْإِنْكَار كَونه رَوَاهُ جمَاعَة عَن نَافِع من فعل ابْن عمر، وَقَالَ بعد ذَلِك: وَالَّذِي رَوَاهُ غَيره عَن نَافِع من فعل ابْن عمر إِنَّمَا هُوَ التَّيَمُّم فَقَط. وَهَذَا يدلك عَلَى أَن الْمُنكر إِنَّمَا أنكر رفع الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين لَا أصل الْقِصَّة، وَلَا رِوَايَتهَا من حَدِيث ابْن عمر، فاضبط هَذَا فَإِنَّهُ (مَبْنِيّ) عَلَيْهِ كثير مِمَّا يَأْتِي، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْمَشْهُور أصل الْقِصَّة من رِوَايَة أبي الْجُهَيْم وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الْمرْفقين، فَلَيْسَ ينفع ذَلِك فِي تَقْوِيَة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت، بل قد عده خصومه (سَببا) للتضعيف، وَأَن الَّذِي فِي الصَّحِيح فِي قصَّة أبي (الْجُهَيْم) (وَيَديه) وَلَيْسَ فِيهِ (وذراعيه) . وَقَالَ فِي قَول الْبَيْهَقِيّ: وثابت عَن الضَّحَّاك ... إِلَى آخِره كَمَا سلف: الضَّحَّاك بن عُثْمَان لم يذكر الْقِصَّة بِتَمَامِهَا، وَإِنَّمَا يثبت بهَا تَقْوِيَة لرِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت إِذا كَانَ الْمُنكر أصل رِوَايَته عَن نَافِع عَن ابْن عمر الْقِصَّة فِي الْجُمْلَة، وَقد يُقَال حِينَئِذٍ إِن رِوَايَة الضَّحَّاك وَإِن قصرت فَهِيَ تدل عَلَى أَن (الْقِصَّة) فِي الْجُمْلَة صَحِيحَة من رِوَايَة ابْن عمر، فَأَما إِذا كَانَ الْمُنكر عَلَى مُحَمَّد بن ثَابت رفع الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين لم تفد رِوَايَة الضَّحَّاك تَقْوِيَة لذَلِك. قَالَ: وَقَوله: وَرِوَايَة يزِيد بن الْهَاد، عَن نَافِع أتم من ذَلِك فِيهِ من الْبَحْث مَا قبله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 قَالَ: وَقَوله: إِلَّا أَنه حفظ فِيهَا الذراعين. هُوَ الَّذِي خَالفه فِيهِ غَيره، وَلَو قَالَ إِلَّا أَنه ذكر الذراعين لَكَانَ أسلم وَأقرب إِلَى الْخَلَاص؛ فَإِن هَذِه الصِّيغَة تذكر كثيرا عِنْد تَصْحِيح مَا رَوَاهُ الرَّاوِي إِذا خُولِفَ. قَالَ: وَقَوله: وَفعل ابْن عمر التَّيَمُّم عَلَى الْوَجْه والذراعين إِلَى الْمرْفقين شَاهد لصِحَّة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت غير منافٍ لَهَا. أما أَنه غير منَاف فَصَحِيح، وَأما أَنه شَاهد لصِحَّة رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت فَفِيهِ نظر؛ لِأَنَّهُ لم يُوَافق مُحَمَّد بن ثَابت فِي رفع الذراعين إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، بل هُوَ الْعلَّة الَّتِي علل بهَا من علل رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت وَهُوَ الْوَقْف عَلَى فعل ابْن عمر، فَكيف يكون الْمُقْتَضِي للتَّعْلِيل مقتضيًا للتصحيح؟ ! قَالَ: وَمَا نَقله عَن يَحْيَى بن معِين من طَرِيق الدَّارمِيّ فِي حق مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي قد خَالف غَيره (عَنهُ) كَمَا سلف. قَالَ: وَقَوله: وَهُوَ فِي هَذَا (الحَدِيث) غير مُسْتَحقّ للنكر بالدلائل الَّتِي ذكرتها. قد أَشَرنَا إِلَيْهَا وَمَا ننبه عَلَيْهِ فِيهِ. قَالَ: وَقصد بِذكر من رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن ثَابت من الْأَئِمَّة تَقْوِيَة أمره، وَقَوله: وَأَثْنَى عَلَيْهِ مُسلم بن إِبْرَاهِيم، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم لما رَوَى عَنهُ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي وَكَانَ صَدُوقًا، وَصدقه لَا يمْنَع أَن يُنكر عَلَيْهِ مُنكر رفع هَذَا الحَدِيث عَلَى حكم الْغَلَط عِنْده لمُخَالفَة غَيره لَهُ عَلَى مَا هُوَ عَادَة كثير من أهل الحَدِيث أَو أَكْثَرهم. قَالَ: وَقَوله: (وَهُوَ) عَن ابْن عمر مَشْهُور. قد توهم من لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 يفهم الصِّنَاعَة أَن الحَدِيث مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن ثَابت عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا مَشْهُور، وَلَيْسَ الْمَشْهُور إِلَّا (رِوَايَته) عَن ابْن عمر فعله، نعم هَا هُنَا شَيْء ننبه عَلَيْهِ وَهُوَ أَنه (إِنَّمَا) يقوى تَعْلِيل رِوَايَة مُحَمَّد بن ثَابت المرفوعة بِرِوَايَة من رَوَى مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر إِذا لم يفترقا إِلَّا فِي الرّفْع وَالْوَقْف، فَأَما إِذا ذكر مَوْقُوفا ثمَّ ذكر الْقِصَّة مَرْفُوعا فَلَا يقوى تِلْكَ الْقُوَّة فِي التَّعْلِيل عِنْدِي، وَإِنَّمَا قد يُمكن أَن يُعلل بِرِوَايَة من رَوَى الْقِصَّة من غير ذكر الْمرْفقين عَلَى مَذْهَب بعض أهل الحَدِيث أَو أَكْثَرهم إِذا كَانَ الْمُخَالف للرواي للقصة أحفظ وَأكْثر. انْتَهَى كَلَامه. وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الإِمَام الشَّافِعِي أَنه قَالَ: إِنَّمَا منعنَا أَن نَأْخُذ بِرِوَايَة عمار فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ ثُبُوت الحَدِيث عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه مسح وَجهه وذراعيه» وَإِن هَذَا أشبه (بِالْقُرْآنِ) وَالْقِيَاس أَن يكون الْبَدَل من الشَّيْء مثله. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث عمار (هَذَا) أثبت من حَدِيث الذراعين إِلَّا أَن حَدِيث الذراعين جيد لشواهده. قَالَ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ: وأخذنا بِحَدِيث مسح الذراعين؛ لِأَنَّهُ مُوَافق لظَاهِر [الْكتاب] . وَالْقِيَاس أحوط. وَقَالَ الْخطابِيّ: الِاقْتِصَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 عَلَى الْكَفَّيْنِ أصح فِي الرِّوَايَة وَوُجُوب الذراعين أشبه فِي الْأُصُول وَأَصَح فِي الْقيَاس. قلت: فَهَذَا مُرَجّح آخر للأخذ بِهِ. الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «التَّيَمُّم ضربتان: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أَحدهَا: رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي عبد الله الْفَارِسِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الله بن الْحُسَيْن بن جَابر، ثَنَا عبد الرَّحِيم بن مطرف، نَا عَلّي بن ظبْيَان، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين» . ثمَّ قَالَ: كَذَا رَوَاهُ عَلّي بن ظبْيَان مَرْفُوعا، وَوَقفه يَحْيَى الْقطَّان وهشيم وَغَيرهمَا، وَهُوَ الصَّوَاب (وَكَذَا قَالَ فِي «علله» : إِن الصَّوَاب وَقفه عَلَيْهِ) . ثمَّ رَوَاهُ (فِي سنَنه) بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِمَا عَن عبيد الله بن عمر وَيُونُس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: «التَّيَمُّم ضربتان: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة للكفين (إِلَى الْمرْفقين) » . ثمَّ رَوَى من طَرِيق مَالك، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر كَانَ يتَيَمَّم إِلَى الْمرْفقين» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «تيممنا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فضربنا بِأَيْدِينَا عَلَى الصَّعِيد الطّيب، ثمَّ نفضنا أَيْدِينَا فمسحنا بهَا وُجُوهنَا، ثمَّ ضربنا ضَرْبَة أُخْرَى الصَّعِيد الطّيب، ثمَّ نفضنا أَيْدِينَا فمسحنا بِأَيْدِينَا من الْمرَافِق إِلَى الأكف عَلَى منابت الشّعْر من ظَاهر وباطنٍ» . ثمَّ رَوَى بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور: «تيممنا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بضربتين: ضَرْبَة للْوَجْه (وَالْكَفَّيْنِ) وضربة للذراعين إِلَى الْمرْفقين» . ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي، عَن سَالم وَنَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «فِي التَّيَمُّم ضربتين: ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى (الْمرْفقين) » . قَالَ: وَسليمَان (بن أَرقم وَسليمَان) بن أبي دَاوُد ضعيفان. قلت: (وَكَذَا) نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعف رِوَايَة الرّفْع، وَسَببه أَن (عبد الله) بن الْحُسَيْن بن جَابر الْمَذْكُور فِيهَا وهاه ابْن حبَان. وَعلي بن ظبْيَان - بِكَسْر الظَّاء - قَالَ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ والأزدي: مَتْرُوك. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واه جدًّا. وَقَالَ ابْن (نمير) : ضَعِيف، يُخطئ فِي حَدِيثه كُله. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد وَابْن معِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 وَأَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: سقط الِاحْتِجَاج بأخباره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : رفع هَذَا الحَدِيث عَلّي بن ظبْيَان وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب وَقفه عَلَى ابْن عمر. قَالَ: وَقد رَوَاهُ سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد وَسليمَان بن أَرقم أَيْضا مَرْفُوعا، وَلَا يحْتَج بروايتهما. قَالَ: وَالصَّحِيح رِوَايَة معمر وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر من فعله. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي « (أَحْكَامه» ) : عَلّي بن ظبْيَان ضَعِيف عِنْدهم، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَات (مَوْقُوفا) عَلَى ابْن عمر. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : رَوَاهُ عَلّي بن ظبْيَان مَرْفُوعا. ثمَّ نقل كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيف عَلّي - كَمَا أسلفناه - ثمَّ ضعف سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد وَسليمَان بن أَرقم، وَخَالف الْحَاكِم فروَى الحَدِيث فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عَلّي بن ظبْيَان مَرْفُوعا - كَمَا سلف - ثمَّ قَالَ: قد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى حَدِيث الحكم، عَن ذَر، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، عَن عمر فِي التَّيَمُّم، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَلَا أعلم أحدا أسْندهُ عَن عبيد الله غير عَلّي بن ظبْيَان، وَهُوَ صَدُوق. قلت: (بل) واه - كَمَا سلف - ثمَّ قَالَ: وَقد أوقفهُ يَحْيَى بن سعيد وهشيم وَغَيرهمَا. قَالَ: وَقد أوقفهُ مَالك عَن نَافِع فِي «الْمُوَطَّأ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، غير أَن شرطي فِي سَنَد الصدوق الحَدِيث إِذا (وَقفه) غَيره ثمَّ رَوَى حَدِيث سُلَيْمَان بن أَرقم الأول. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُفَسّر (وَإِنَّمَا أوردته شَاهدا) لِأَن سُلَيْمَان بن أَرقم لَيْسَ من شَرط هَذَا الْكتاب، وَقد اشترطنا إِخْرَاج مثله فِي الشواهد. ثمَّ رَوَى حَدِيث سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد السالف (ثمَّ) قَالَ: سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد (أَيْضا) لم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ فِي الشواهد. قَالَ: وَقد روينَا مَعْنَى هَذَا الحَدِيث عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْنَاد صَحِيح. ثمَّ (سَاقه عَن أبي) بكر بن بَالَوَيْهِ وَغَيره، عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، ثَنَا (إِبْرَاهِيم) (ثَنَا) عزْرَة بن ثَابت، عَن أبي الزبير (عَن) جَابر قَالَ: «جَاءَ رجل (فَقَالَ) : أصابتني جَنَابَة وَإِنِّي تمعكت فِي التُّرَاب. فَقَالَ: اضْرِب. فَضرب بِيَدِهِ الأَرْض فَمسح وَجهه، ثمَّ ضرب يَدَيْهِ فَمسح بهما يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين» وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن ثَابت عَن نَافِع، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 ابْن عمر مَرْفُوعا «فِي التَّيَمُّم ضربتين» فَقَالَ: هَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف. قَالَ: وَسَأَلته عَن حَدِيث رَوَاهُ قُرَّة بن سُلَيْمَان، عَن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، عَن سَالم (و) نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «فِي التَّيَمُّم ضربتين» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وَسليمَان ضَعِيف (الحَدِيث) . قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَرَوَى الرّبيع بن بدر، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن الأسلع قَالَ: «كنت أخدم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ... » فَذكر التَّيَمُّم ضربتين. قَالَ أبي: الرّبيع هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث. الطَّرِيق الثَّانِي: وَهُوَ عِنْدِي أَجود من الأول عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ: «التَّيَمُّم ضَرْبَة للْوَجْه، وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عُثْمَان بن مُحَمَّد الْأنمَاطِي، عَن حرمي بن عمَارَة، عَن عزْرَة بن ثَابت، عَن أبي الزبير، عَن جَابر بِهِ. وَسكت عَلَيْهِ وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بعثمان بن مُحَمَّد وَقَالَ: إِنَّه مُتَكَلم فِيهِ. وَلم يبين من تكلم فِيهِ وَلَا ذكره فِي «ضُعَفَائِهِ» وَنَقله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَنهُ وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَعُثْمَان الْمَذْكُور لَا أعلم من وَثَّقَهُ وَلَا من جَرحه، وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يذكر فِيهِ جرحا وَلَا تعديلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 قلت: وَقد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، عَن (إِبْرَاهِيم) عَن (عزْرَة) كَمَا أسلفنا ذَلِك عَن رِوَايَة الْحَاكِم وتصحيحه (فَلم) ينْفَرد عُثْمَان بِهِ. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي أُمَامَة، وَقد ذكرته فِي (تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب) من طَرِيق الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَلم يظفر بِهِ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه للمهذب» وَقَالَ: إِنَّه مُنكر لَا أصل لَهُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فراجع ذَلِك مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ لعمَّار: «يَكْفِيك ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للكفين» هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» عَنهُ بِلَفْظ «تمسح وَجهك وكفيك بِالتُّرَابِ ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للكفين» ثمَّ (قَالَ) : لم يروه عَن أبي عُمَيْس - يَعْنِي عَن سَلمَة بن كهيل عَن سعيد بن أَبْزَى (عَنهُ) - إِلَّا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَسْلَمِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 قلت: وحالته مكشوفة قد (علمتها) فِي الطَّهَارَة وَفِي «المعجم الْكَبِير» لَهُ: «وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ ظهرا وبطنًا» وَفِي لفظ «إِلَى المناكب والآباط» قَالَ أَبُو عمر فِي «تمهيده» : كل مَا يرْوَى عَن عمار فِي هَذَا مُضْطَرب مُخْتَلف فِيهِ، وَأكْثر الْآثَار المرفوعة عَنهُ: «ضَرْبَة وَاحِدَة للْوَجْه وَالْيَدَيْنِ» (وَقَالَهُ) أَيْضا أَحْمد بن حَنْبَل فِي سُؤَالَات أَحْمد بن عُبَيْدَة. قلت: وَصرح الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا بِأَن التَّيَمُّم إِلَى الآباط مَنْسُوخ بِرِوَايَاتِهِ الثَّابِتَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِالْأَمر بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. الحَدِيث الرَّابِع عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ (لأبي) ذَر: «إِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك» . هَذَا الحَدِيث فرقه المُصَنّف فَذكر بعضه هُنَا - كَمَا ترَى - وَبَعضه آخر الْبَاب فَقَالَ: وَفِي مثله: «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأبي ذَر، وَكَانَ يُقيم بالربذة ويفقد المَاء أَيَّامًا، فَسَأَلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: التُّرَاب كافيك وَلَو لم تَجِد المَاء عشر حجج» . وَهُوَ حَدِيث جيد رَوَاهُ بِطُولِهِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي قلَابَة عَن عَمْرو بن بجدان - بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، ثمَّ جِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 سَاكِنة، ثمَّ دَال مُهْملَة، ثمَّ نون - عَن أبي ذَر أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِن الصَّعِيد الطّيب طهُور الْمُسلم، وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين، فَإِذا وجد المَاء فليمسه بَشرته، فَإِن ذَلِك خير» . (هَذَا) لفظ التِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الصَّعِيد وضوء» بدل «طهُور» . رَوَاهُ من حَدِيث (أبي) أَحْمد الزبيري، عَن سُفْيَان، عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة بِهِ. وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بن بجدان، عَن أبي ذَر قَالَ: «اجْتمعت غنيمَة - وَفِي لفظ: من الصَّدَقَة - عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر، ابد فِيهَا. فبدوت (فِيهَا) إِلَى الربذَة وَكَانَت تصيبني (الْجَنَابَة) فأمكث الْخمس والست، فَأتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: أَبُو ذَر. فسكنت. فَقَالَ: ثكلتك أمك أَبَا ذَر، لأمك الويل. فَدَعَا لي بِجَارِيَة سَوْدَاء فَجَاءَت بعُسٍّ فِيهِ مَاء، فسترني بِثَوْب، (واستترت) بالراحلة وَاغْتَسَلت، فَكَأَنِّي ألقيت عني جبلا، فَقَالَ: الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر سِنِين، فَإِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك فَإِن ذَلِك خير» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث حَمَّاد عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر قَالَ: «دخلت فِي الْإِسْلَام، فهمني ديني، فَأتيت أَبَا ذَر فَقَالَ أَبُو ذَر: إِنِّي اجتويت الْمَدِينَة، فَأمر لي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بذود وبغنم، فَقَالَ لي: اشرب من أَلْبَانهَا - قَالَ حَمَّاد: و (أَشك) فِي: «أبوالها - فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 أَبُو ذَر: فَكنت أعزب عَن المَاء وَمَعِي أَهلِي فتصيبني الْجَنَابَة فأصلي بِغَيْر طهُور، فَأتيت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِنصْف النَّهَار - وَهُوَ فِي رَهْط من أَصْحَابه وَهُوَ فِي ظلّ الْمَسْجِد - فَقَالَ: أَبُو ذَر. فَقلت: نعم، هلكتُ يَا رَسُول الله. قَالَ: وَمَا أهْلكك؟ قلت: إِنِّي كنت أعزب عَن المَاء وَمَعِي أَهلِي فتصيبني الْجَنَابَة، فأصلي بِغَيْر طهُور. فَأمر لي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِمَاء، فَجَاءَت بِهِ جَارِيَة سَوْدَاء الْعَينَيْنِ يتخضخض مَا هُوَ بملآن، فتسترت إِلَى بعير فاغتسلت، ثمَّ جِئْت فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا أَبَا ذَر، إِن الصَّعِيد الطّيب طهُور وَإِن لم تَجِد المَاء إِلَى عشر سِنِين، فَإِذا وجدت المَاء فأمسه جِلْدك» . قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب لم يذكر «أبوالها» قَالَ: و «أبوالها» لَيْسَ بِصَحِيح فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ فِي أبوالها إِلَّا حَدِيث أنس تفرد بِهِ أهل الْبَصْرَة. وَلَفظ النَّسَائِيّ عَن سُفْيَان عَن أَيُّوب بِهِ: «الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر «بعث إِلَى أبي ذَر ... » فَذكره، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق من حَدِيث أَيُّوب وخَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو مُخْتَصرا كَلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَمن حَدِيث أَيُّوب عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر قَالَ: «بعث إِلَى أبي ذَر (فَذكره) مطولا بِنَحْوِ رِوَايَة أبي دَاوُد الثَّابِتَة، وَمن حَدِيث أَيُّوب عَن أبي قلَابَة، عَن عَمه أبي الْمُهلب، عَن أبي ذَر بِنَحْوِ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 وَمن حَدِيث خَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو (بِهِ) بنحوها (أَيْضا) . وَمن حَدِيث خَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن محجن أَو أبي محجن، عَن أبي ذَر مثله. وَمن حَدِيث قَتَادَة عَن أبي قلَابَة، عَن رَجَاء بن عَامر، عَن أبي ذَر مثله، ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ: رَجَاء بن عَامر. وَالصَّوَاب: رجل من بني عَامر. كَمَا قَالَ ابْن علية عَن أَيُّوب. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ (عقيب) إِخْرَاجه الحَدِيث: هَكَذَا رَوَى غير وَاحِد عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بن بجدان، عَن أبي ذَر. وَرَوَاهُ أَيُّوب عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر، عَن أبي ذَر وَلم يسمه. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن. وَفِي بَعْضهَا: صَحِيح. وَعَلَيْهَا اقْتصر صَاحب «الإِمَام» ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» (من) حَدِيث مُسَدّد، نَا خَالِد، عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بن بجدان، عَن أبي ذَر بِمثل لفظ أبي دَاوُد الأول سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ؛ إِذْ لم نجد لعَمْرو بن بجدان رَاوِيا غير أبي قلَابَة الْجرْمِي. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا شرطت فِيهِ وبينت أَنَّهُمَا قد أخرجَا مثل هَذَا فِي مَوَاضِع من الْكِتَابَيْنِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : عَمْرو بن بجدان لَيْسَ لَهُ راوٍ غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 أبي قلَابَة، وَهُوَ مَقْبُول عِنْد أَكْثَرهم؛ لِأَن أَبَا قلَابَة ثِقَة، وَإِن كَانَ بِخِلَاف شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم فِي خُرُوجه عَن حد الْجَهَالَة بِأَن يروي عَنهُ اثْنَان. قلت: فِي اشْتِرَاط ذَلِك (فِي الْخُرُوج) عَنْهُمَا نظر، وَهُوَ منقوض بمواضع فِي «صَحِيحَيْهِمَا» أخرجَا أَحَادِيث عَن رُوَاة لَيْسَ لَهُم رِوَايَة غير وَاحِد، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث وهب بن بَقِيَّة، أَنا خَالِد، عَن خَالِد، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو، عَن أبي ذَر كَلَفْظِ الْحَاكِم، (ثمَّ) من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع، نَا خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو بِنَحْوِهِ. ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ خَالِد الْحذاء. ثمَّ سَاقه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَيُّوب (السّخْتِيَانِيّ) ، وخَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن عَمْرو، عَن أبي ذَر بِلَفْظ النَّسَائِيّ. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَزعم أَنه لَا يعرف لعَمْرو بن بجدان حَال - وَأَخْطَأ فَإِن الْعجلِيّ قَالَ: إِنَّه بَصرِي تَابِعِيّ ثِقَة - وَإِنَّمَا رَوَى عَنهُ أَبُو قلَابَة - قلت: لَا يضر تفرده عَنهُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 وَاخْتلف عَنهُ فَيَقُول عَنهُ خالدُ الْحذاء، عَن عَمْرو بن بجدان. وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك عَلَى خَالِد. وَأما أَيُّوب فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن أبي قلَابَة، وَاخْتلف عَلَيْهِ فَمنهمْ من يَقُول: عَنهُ عَن رجل من بني عَامر، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن رجل فَقَط، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن رَجَاء بن عَامر، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن عَمْرو بن بجدان كَقَوْل خَالِد، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أبي الْمُهلب. وَمِنْهُم من لَا يَجْعَل بَينهمَا أحدا فَيَجْعَلهُ عَن أبي قلَابَة، عَن أبي ذَر، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أبي قلَابَة «أَن رجلا من بني قُشَيْر قَالَ: يَا نَبِي الله» . هَذَا كُله خلاف عَلَى أَيُّوب فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن أبي قلَابَة وجميعه فِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» وَفِي «سنَنه» ، وَأجَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين عَن هَذَا فَقَالَ فِي «الإِمَام» : يَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَته وَطَرِيقَة الْفِقْه أَن ينظر فِي ذَلِك إِذْ لَا تعَارض بَين قَوْلنَا: عَن رجل من بني عَامر، وَبَين قَوْلنَا: عَن عَمْرو بن بجدان، كَيفَ وَقد قَالَ شَيخنَا - يَعْنِي الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ -: إِن الشَّيْخ من بني عَامر هُوَ عَمْرو بن بجدان سَمَّاهُ خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، وَسَماهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَيُّوب، وَأما من أسقط ذكر هَذَا الرجل فَيُؤْخَذ بِالزِّيَادَةِ وَيحكم بهَا. وَأما من قَالَ: عَن أبي الْمُهلب. فَإِن كَانَ كنية لعَمْرو فَلَا اخْتِلَاف، وَإِلَّا فَهِيَ رِوَايَة وَاحِدَة مُخَالفَة احْتِمَالا لَا يَقِينا، وَأما من قَالَ: «إِن رجلا من بني قُشَيْر قَالَ: يَا نَبِي الله» . فَهِيَ مُخَالفَة فَكَانَ يجب أَن ينظر فِي إسنادها عَلَى طَرِيقَته، فَإِن لم تكن ثَابِتَة فَلَا تعلل بهَا. ثمَّ قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا شكّ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 قلت: عَجِيب! بل هُوَ حَدِيث صَحِيح - إِن شَاءَ الله - لَا شكّ فِيهِ كَمَا عَرفته. قَالَ: وَبِهَذَا الْمَعْنى إِسْنَاد صَحِيح ذكره الْبَزَّار عَن مقدم بن (مُحَمَّد) الْمقدمِي، نَا عمي الْقَاسِم بن يَحْيَى بن عَطاء بن مقدم، نَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الصَّعِيد وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين، فَإِذا وجد المَاء فليتق الله وليمسه بَشرته فَإِن ذَلِك خير» . قَالَ الْبَزَّار: هَذَا (الحَدِيث) لَا نعلمهُ (يرْوَى) عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلم يسمعهُ مقدم إِلَّا من عَمه، وَكَانَ مقدم ثِقَة مَعْرُوف النّسَب. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَأخرج البُخَارِيّ للقاسم بن يَحْيَى مُعْتَمدًا عَلَيْهِ، وَرَوَى عَنهُ أَحْمد وَجَمَاعَة عَددهمْ. قلت: وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» حَدِيث أبي هُرَيْرَة (هَذَا) ثمَّ قَالَ: إرْسَاله هُوَ الصَّوَاب. وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ - أَعنِي الحَدِيث - وَبحث الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين مَعَ ابْن الْقطَّان فِي تَضْعِيفه لحَدِيث أبي ذَر فَقَالَ: (إِن) كَانَ رَوَى من كَلَام التِّرْمِذِيّ (قَوْله: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. فَمن الْعجب كَونه لم يكتف بتصحيح التِّرْمِذِيّ) فِي معرفَة حَال عَمْرو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 بن بجدان مَعَ تفرده بِالْحَدِيثِ، وَأي فرق بَين أَن يَقُول: هُوَ ثِقَة. أَو يصحح لَهُ حَدِيثا تفرد بِهِ. قلت: وَقد صرح بتوثيق عَمْرو الْعجلِيّ كَمَا سلف (وَوَثَّقَهُ أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان وَقد صحّح حَدِيثه أَيْضا الْحَاكِم وَابْن حبَان كَمَا سلف) وَتَصْحِيح الْحَاكِم لَهُ مَعَ قَوْله: إِن البُخَارِيّ و (مُسلما) لم يخرجَاهُ إِذْ لم يجدا لعَمْرو رَاوِيا غير أبي قلَابَة (تَوْثِيق) لَهُ، وَلَوْلَا قيام الْمُقْتَضِي (عِنْده) لتصحيح حَدِيث لما أقدم عَلَيْهِ مَعَ اعترافه بِمَا يشبه الْجَهَالَة من التفرد الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ توقف ابْن الْقطَّان عَن تَصْحِيحه؛ لكَونه لم يرو عَنهُ إِلَّا (أَبُو) قلَابَة فَلَيْسَ هَذَا (لمُقْتَضى) مذْهبه؛ فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَى كَثْرَة الروَاة فِي نفي جَهَالَة الْحَال، فَلذَلِك لَا يُوجب جَهَالَة الْحَال (انْفِرَاد راو) وَاحِد عَنهُ (بعد) وجود مَا يَقْتَضِي تعديله، وَقد ظهر الْحق وَهُوَ أَحَق بالاتباع، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. فَائِدَتَانِ: الأولَى: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر الْأَثْرَم بِلَفْظ غَرِيب وَهُوَ: «يَا أَبَا ذَر، إِن الصَّعِيد طهُور لمن لم يجد المَاء عشْرين سنة، فَإِذا وجدت المَاء فأمسه (بشرتك) » . (الثَّانِيَة) : لما ذكر ابْن السكن فِي (صحاحه) حَدِيث أبي ذَر قَالَ: وَرُوِيَ مثله عَن جَابر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ وَارِد عَلَى قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله بن عَمْرو، وَعمْرَان بن حُصَيْن. (ثَالِثَة: الربذَة - برَاء مُهْملَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مفتوحتين، ثمَّ ذال مُعْجمَة - عَلَى ثَلَاث مراحل من الْمَدِينَة (وبقبر) أبي ذَر الْغِفَارِيّ) . الحَدِيث (الْخَامِس) عشر «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِي الْفَائِتَة: فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن ذَلِك وَقتهَا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته بِدُونِ قَوْله: «فَإِن ذَلِك وَقتهَا» . من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا، لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك. قَالَ قَتَادَة: (أقِم الصَّلَاة لذكري» ) وَفِي لفظ: «من نسي صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فكفارتها أَن يُصليهَا إِذا ذكرهَا (لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك» وَفِي لفظ: «إِذا رقد أحدكُم عَن الصَّلَاة أَو غفل عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا؛ فَإِن الله - تَعَالَى - يَقُول: (أقِم الصَّلَاة لذكري» ) هَذِه رِوَايَات مُسلم، وَرِوَايَة خَ: «من نسي صَلَاة فَليصل إِذا (ذكر) لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك (وأقم الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 لذكري» ) . وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: «من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا (فَإِن الله يَقُول) (أقِم الصَّلَاة لذكري» ) . قَالَ يُونُس: وَكَانَ ابْن شهَاب يقْرؤهَا «للذِّكْرَى» . وَهُوَ حَدِيث طَوِيل هَذِه الْقطعَة فِي آخِره، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف من رِوَايَة حَفْص بن أبي العطاف، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ: «من نسي صَلَاة فوقتها إِذا ذكرهَا» . لَكِن إسنادها ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَفْص لَا يحْتَج بِهِ. ويغني عَن هَذِه الرِّوَايَة مَا أسلفناه من لفظ الصَّحِيح. الحَدِيث السَّادِس عشر «أَن رجلَيْنِ خرجا فِي سفر فَحَضَرت الصَّلَاة وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاء، فتيمما صَعِيدا طيبا، فَصَليَا، ثمَّ وجدا المَاء فِي الْوَقْت، وَأعَاد أَحدهمَا الْوضُوء وَالصَّلَاة وَلم يعد الآخر، ثمَّ أَتَيَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فذكرا ذَلِك لَهُ فَقَالَ للَّذي لم يعد: أصبت السّنة وأجزأتك صَلَاتك. وَقَالَ للَّذي أعَاد: لَك الْأجر مرَّتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمسَيبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 (حَدثنَا) عبد الله بن نَافِع، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «خرج رجلَانِ فِي سفر ... » الحَدِيث - كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء - ثمَّ قَالَ: غير ابْن نَافِع يرويهِ عَن اللَّيْث، عَن [عميرَة] بن أبي نَاجِية، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار. عَن أبي عبد الله مولَى إِسْمَاعِيل بن (عبيد) ، عَن عَطاء بن يسَار «أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ... » بِمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق مُسْندًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مُسْندًا ومرسلاً، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» مُسْندًا، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عبد الله بن نَافِع، عَن اللَّيْث بِهَذَا الْإِسْنَاد مُتَّصِلا، وَخَالفهُ ابْن الْمُبَارك وَغَيره. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن الْمُبَارك عَن اللَّيْث، عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء «أَن رجلَيْنِ أصابتهما جَنَابَة فتيمما» نَحوه، وَلم يذكر أَبَا سعيد. وَكَذَا قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «الْأَوْسَط» : لم يروه مُتَّصِلا إِلَّا ابْن نَافِع، تفرد بِهِ الْمسَيبِي. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن نَافِع مُسْندًا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم؛ فَإِن عبد الله بن نَافِع ثِقَة، وَقد وصل هَذَا (الْإِسْنَاد) عَن اللَّيْث، وَقد أرْسلهُ غَيره. ثمَّ رَوَاهُ مُرْسلا، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : لَعَلَّ الباحث الفطن يَقُول إِن الْحَاكِم صحّح الحَدِيث لاعتماده عَلَى وصل عبد الله بن نَافِع (لحكمه) بِكَوْنِهِ ثِقَة، وَلم يلْتَفت (إِلَى إرْسَال) غَيره، وَلَكِن (بقيت) عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن أَبَا (دَاوُد) قد ذكر أَن غير ابْن نَافِع يرويهِ عَن اللَّيْث، عَن عميرَة بن أبي نَاجِية، عَن بكر، (فَمُقْتَضَى) عَادَة الْمُحدثين [تبين] بِإِدْخَال عميرَة بَين اللَّيْث و (بكر) أَنه مُنْقَطع فِيمَا بَينهمَا وَيحْتَاج إِلَى معرفَة حَال عميرَة هَذَا، وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّه مَجْهُول الْحَال. وَأَيْضًا فَإِن رِوَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 ابْن لَهِيعَة تَقْتَضِي انْقِطَاعًا فِيمَا بَين بكر وَعَطَاء بن يسَار، فَإِنَّهُ أَدخل بَينهمَا أَبَا عبد الله مولَى إِسْمَاعِيل - يَعْنِي السالف - فَهَذَا انْقِطَاع (ثانٍ) . فَنَقُول - وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة -: أما مَا يتَعَلَّق بعميرة بن أبي نَاجِية فَالْجَوَاب عَن التَّعْلِيل بروايته من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن عميرَة غير مَجْهُول، بل هُوَ مَذْكُور بِالْفَضْلِ، والحافظ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان لم يمعن النّظر فِي أمره وَلَعَلَّه وقف عَلَى ذكره فِي «تَارِيخ البُخَارِيّ» و (ابْن أبي خَيْثَمَة) من غير بَيَان حَاله فَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ، فقد قَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن بكر: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ أَحْمد بن صَالح لما سُئِلَ عَنهُ وَعَن (أبي) شُرَيْح: هما متقاربان فِي الْفضل. وَقَالَ ابْن يُونُس فِي «تَارِيخ مصر» : رَوَى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح وَاللَّيْث وَابْن وهب و (رشدين) وَكَانَت لَهُ عبَادَة وَفضل. قلت: وَذكره أَيْضا (ابْن حبَان) فِي «ثقاته» (فِي) أَتبَاع التَّابِعين فَقَالَ: عميرَة بن أبي نَاجِية من أهل مصر يروي عَن يزِيد بن أبي حبيب رَوَى عَنهُ ابْن وهب. الْوَجْه الثَّانِي: أَنه رُوِيَ من طَرِيق أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن عَمْرو بن الْحَارِث وعميرة بن أبي نَاجِية، عَن بكر، (عَن) عَطاء، عَن أبي سعيد «أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ... » الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 الحَدِيث (ذكره) ابْن السكن - فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْقطَّان - فَهَذَا اتِّصَال فِيمَا بَين اللَّيْث وَبكر بِعَمْرو بن الْحَارِث وعميرة بن أبي نَاجِية مَعًا، وَفِيه ذكر أبي سعيد، وَعَمْرو بن الْحَارِث من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» إِمَام فِي بَلَده. وَأما الِانْقِطَاع بِسَبَب ابْن لَهِيعَة فِيمَا بَين بكر وَعَطَاء فَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لضعف رِوَايَة ابْن لَهِيعَة. وَلم يذكر النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «شرح الْمُهَذّب» تَصْحِيح وصل هَذَا الحَدِيث كَمَا نَقَلْنَاهُ وقررناه، وَإِنَّمَا نقل مقَالَة أبي دَاوُد (السالفة) أَن الْمَحْفُوظ إرْسَاله، ثمَّ قَالَ عَقِيبه: وَمثل هَذَا الْمُرْسل يحْتَج بِهِ الشَّافِعِي وَغَيره؛ لِأَنَّهُ يحْتَج بمرسل كبار التَّابِعين إِذا أسْند، أَو أرسل من جِهَة أُخْرَى، أَو قَالَ (بِهِ) بعض الصَّحَابَة، أَو عوام الْعلمَاء. قَالَ: وَقد وجد فِي هَذَا الحَدِيث شَيْئَانِ فَمن ذَلِك (أَحدهمَا) : مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَن نَافِع «أَن ابْن عمر أقبل من الجرف حتَّى إِذا كَانَ بالمربد تيَمّم وَصَلى الْعَصْر، ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد الصَّلَاة» . ثَانِيهمَا: رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: كَانَ من أدْركْت من فقهائنا الَّذين ينتهى إِلَى قَوْلهم مِنْهُم سعيد بن الْمسيب - وَذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 تَمام الْفُقَهَاء السَّبْعَة - يَقُولُونَ: من تيَمّم وَصَلى ثمَّ وجد المَاء (وَهُوَ) فِي الْوَقْت أَو بعده لَا إِعَادَة عَلَيْهِ. الحَدِيث السَّابِع (عشر) رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا ظهران فِي يَوْم» . هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لم أَقف عَلَيْهِ بعد الْبَحْث عَنهُ، نعم رُوِيَ مَعْنَاهُ من حَدِيث حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: حَدَّثَني سُلَيْمَان مولَى مَيْمُونَة (أَنه سمع) ابْن عمر يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: «لَا تصلى صَلَاة فِي يَوْم (وَاحِد) مرَّتَيْنِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (فِي سنَنه) كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن حُسَيْن، عَن عَمْرو أَيْضا، عَن سُلَيْمَان مولَى مَيْمُونَة قَالَ: «أتيت ابْن عمر عَلَى البلاط وهم يصلونَ، فَقلت: أَلا تصلي (مَعَهم) قَالَ: قد صليت، إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: لَا تصلوا صَلَاة فِي يَوْم مرَّتَيْنِ» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ حُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم. قلت: لَا يضرّهُ؛ لِأَنَّهُ ثِقَة مَشْهُور احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فَجَاز القنطرة، وَإِن لينه الْعقيلِيّ بِلَا حجَّة، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة رَوَاهَا أَحْمد فِي «مُسْنده» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَرَوَاهَا أَيْضا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (بِلَفْظ) «إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نَهَانَا أَن نعيد صَلَاة فِي يَوْم مرَّتَيْنِ» . وَعَزاهَا غير وَاحِد إِلَى «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» أَيْضا، ورأيتها فِي صِحَاح (ابْن) السكن (بِلَفْظ) : «لَا تصلى ... » إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْن دَاوُد: هَذِه سنة تفرد بهَا أهل الْمَدِينَة. فَائِدَة: مَعْنَى الحَدِيث: لَا تجب الصَّلَاة فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ، حتَّى لَا يكون مُخَالفا للأحاديث (الْآتِيَة) فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة أَن من صَلَّى مُنْفَردا وَأدْركَ جمَاعَة، (اسْتحبَّ لَهُ إِعَادَتهَا مَعَهم، وَأما ابْن عمر فَلم يعدها لِأَنَّهُ صلاهَا جمَاعَة) ومذهبه إِعَادَة الْمُنْفَرد فَقَط كَمَا هُوَ مَشْهُور عَنهُ، وَترْجم أَبُو دَاوُد عَلَى الحَدِيث: بَاب إِذا صَلَّى ثمَّ أدْرك جمَاعَة يُعِيد. الحَدِيث الثَّامِن عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا (مِنْهُ) مَا اسْتَطَعْتُم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح جليل مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَعظم موقعه وَإنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 قَاعِدَة عَظِيمَة من قَوَاعِد الْإِسْلَام، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ، وَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم» . زَاد أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : «وَمَا أَخْبَرتكُم أَنه من عِنْد الله فَهُوَ الَّذِي لَا شكّ فِيهِ» . هَذَا (آخر) الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فخمسة: الأول: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه أقبل من الجرف حتَّى إِذا كَانَ بالمربد تيَمّم وَصَلى الْعَصْر، فَقيل لَهُ: (أتتيمم) وجدران الْمَدِينَة تنظر إِلَيْك؟ فَقَالَ: أَو أَحْيَا حتَّى أدخلها. ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة وَلم يعد الصَّلَاة» . وَهَذَا الْأَثر تبع فِي (إِيرَاده الْغَزالِيّ هَكَذَا) فِي «وسيطه» ، وَهُوَ تبع إِمَامه فِيهِ (وَهُوَ) أثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع «أَنه أقبل هُوَ وَعبد الله بن عمر من الجرف، حتَّى إِذا كَانَ بالمربد نزل عبد الله فَتَيَمم صَعِيدا طيبا فَمسح وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين ثمَّ صَلَّى» وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن عجلَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه أقبل من الجرف حتَّى إِذا كَانَ بالمربد تيَمّم فَمسح وَجهه وَيَديه وَصَلى الْعَصْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد الصَّلَاة» وَفِي رِوَايَة لَهُ بالسند الْمَذْكُور «أَن ابْن عمر تيَمّم بمربد النعم» وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «الْغنم (وَصَلى) الظّهْر ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد الصَّلَاة» وَرِوَايَة الشَّافِعِي لهَذَا الْأَثر عَن ابْن عُيَيْنَة مخرجة فِي «مُسْنده» أَيْضا، وَرِوَايَة مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مخرجة عَنهُ فِي غير الْمسند، وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: «وَأَقْبل ابْن عمر من أَرض بالجرف، فَحَضَرت الصَّلَاة بمربد النعم فَصَلى، ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد» . ذكره بعد أَن ترْجم بَاب التَّيَمُّم فِي الْحَضَر إِذا لم يجد المَاء وَخَافَ فَوَات الصَّلَاة. (وَرَوَاهُ) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث فُضَيْل بن عِيَاض، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن نَافِع « (أَن) ابْن عمر تيَمّم بمربد النعم وَصَلى وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة، ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد» . ثمَّ رَوَاهُ عَن حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن ابْن عجلَان وَقَالَ بِإِسْنَادِهِ مثله. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن نَافِع قَالَ: «تيَمّم عبد الله بن عمر عَلَى رَأس ميل أَو ميلين من الْمَدِينَة فَصَلى الْعَصْر، فَقدم وَالشَّمْس مُرْتَفعَة فَلم يعد الصَّلَاة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 قلت: وَقد رُوِيَ هَذَا الْفِعْل أَيْضا عَن سيدنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مُحَمَّد بن أبي رزين، عَن هِشَام بن حسان، عَن (عبيد الله بن عمر، عَن) نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يتَيَمَّم (بِموضع) يُقَال لَهُ: مربد النعم وَهُوَ يرَى بيُوت الْمَدِينَة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث تفرد بِرَفْعِهِ عَمْرو بن مُحَمَّد بن أبي رزين وَهُوَ صَدُوق (و) لم يخرجَاهُ. قَالَ: وَقد أوقفهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَغَيره، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر ... فَذكره، وَخَالفهُ فِي ذَلِك تِلْمِيذه الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: رفع هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ. وَصحح فِي «خلافياته» رِوَايَة الشَّافِعِي السالفة فَقَالَ فِيهَا: هَذَا عَن ابْن عمر ثَابت. ذكره بعد أَن رَوَاهُ مَرْفُوعا عَن شَيْخه الْحَاكِم مَوْقُوفا. وَقَالَ ابْن حبَان: رُبمَا أَخطَأ عَمْرو بن مُحَمَّد بن أبي رزين. وَقَالَ ابْن قَانِع: صَالح. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: هَذَا الْأَثر أوردهُ الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي أَوَاخِر الْبَاب دَلِيلا عَلَى أَنه لَا يشْتَرط لعدم الْقَضَاء كَون السّفر طَويلا، وَوَقع فِي بعض نسخه «أَنه تيَمّم دَاخل الْمَدِينَة» وَهُوَ من (الْكَاتِب) وَصَوَابه «تيَمّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 ثمَّ دخل الْمَدِينَة» كَمَا سلف، فَإِن المربد خَارِجهَا - كَمَا سَيَأْتِي. ثَانِيهَا: الجرف - بِضَم الْجِيم وَالرَّاء بعدهمَا فَاء (وتسكن أَيْضا -: مَا أكلت السُّيُول من الأَرْض) . قَالَ الشَّافِعِي بعد رِوَايَته للأثر: وَهُوَ مَوضِع قريب من الْمَدِينَة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : إِنَّه مِنْهَا عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال. وَتبع فِي ذَلِك ابْن قرقول فَإِنَّهُ قَالَ فِي «مطالعه» : إِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال إِلَى (جِهَة) الشَّام. وَزعم الزبير أَنَّهَا عَلَى ميل، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: عَلَى فَرسَخ. قَالَ ابْن قرقول: وَبهَا مَال عمر وأموال أهل الْمَدِينَة، وتعرف ببئر جُشم وبئر جمل. ثَالِثهَا: المربد - بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة ثمَّ بَاء مَفْتُوحَة ثمَّ دَال -: مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة. قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْمَذْكُور: هُوَ كل مَوضِع يحبس فِيهِ الْإِبِل. قَالَ: وَقد يُسمى الْموضع الَّذِي يجفف فِيهِ التَّمْر مربدًا أَيْضا، وَهُوَ من قَوْلهم: ربد بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ. قَالَ: والمربد الْمَذْكُور فِي هَذَا الْأَثر مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة عَلَى ميلين. وَكَذَا ذكره ابْن قرقول أَيْضا فَقَالَ فِي «مطالعه» : إِنَّه بِقرب الْمَدِينَة عَلَى ميلين (وَإنَّهُ) كل مَوضِع يحبس فِيهِ الْإِبِل. قَالَ: وَهُوَ مَوضِع أَيْضا خَارج الْبَصْرَة سوق الْإِبِل. قَالَ: وَاخْتلف هَل هُوَ فِي الأَصْل اسْم (لموْضِع) الْإِبِل أَو للعصا الَّتِي تجْعَل عَلَى بَابه مُعَارضَة. قَالَ: وَأهل الْبَصْرَة يسمون الْموضع الَّذِي يجفف فِيهِ التَّمْر مربدًا، فأصله من ربد بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «الْمُخْتَلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 والمؤتلف» (فِي) أَسمَاء الْأَمَاكِن: المربد - بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالدَّال -: محلّة بِالْبَصْرَةِ من أشهر محالها وأطيبها. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ دَار كَانَ يحبس فِيهِ (إبل) الصَّدَقَة، وَفِي الحَدِيث: «حتَّى إِذا كُنَّا بمربد النعم» وَالْمرَاد كلهَا محابس، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْن التِّين فِي «شرح البُخَارِيّ» : رَوَيْنَاهُ بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ فِي اللُّغَة بِكَسْرِهَا. وَقَالَ صَاحب «الْمُحكم» : المربد: محبس الْإِبِل، وَقيل: هِيَ خَشَبَة أَو عَصا تعترض صُدُور الْإِبِل فتمنعها من الْخُرُوج. والمربد: فضاء وَرَاء الْبيُوت (يرتفق بِهِ) (ومربد الْبَصْرَة من ذَلِك لأَنهم كَانُوا يحبسون فِيهِ الْإِبِل) والمربد كالحجرة فِي الدَّار، ومربد التَّمْر: جرينه الَّذِي يوضع فِيهِ بعد الجداد لييبس. وَقَالَ السُّهيْلي: المربد والجرين و (المسطح) والبيدر والأنْدَر و (الجَوخان) لُغَات بِمَعْنى وَاحِد. الْأَثر الثَّانِي: قَالَ الرَّافِعِيّ: الْمَرَض مُبِيح فِي الْجُمْلَة قَالَ تَعَالَى: (وَإِن كُنْتُم مرضى أَو عَلَى سفر (إِلَى قَوْله: (فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا) نقل عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما أَن الْمَعْنى: وَإِن كُنْتُم مرضى فَتَيَمَّمُوا أَو كُنْتُم عَلَى سفر فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا. وَنقل عَنهُ أَيْضا فِي تَفْسِير الْآيَة: إِذا كَانَت بِالرجلِ جِرَاحَة فِي سَبِيل الله أَو قُرُوح جدري فيجنب وَيخَاف أَن يغْتَسل فَيَمُوت فيتيمم بالصعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 أما الْأَثر الأول: فَرَوَاهُ بِدُونِ السّفر الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث عَاصِم الْأَحول، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رخص للْمَرِيض التَّيَمُّم بالصعيد» . وَأما الثَّانِي: فروياه أَيْضا وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث جرير، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ «فِي قَوْله تَعَالَى: (وَإِن كُنْتُم مرضى أَو عَلَى سفر) قَالَ: إِذا كَانَت بِالرجلِ الْجراحَة فِي سَبِيل الله أَو القروح أَو الجدري فأجنب فخاف أَن يَمُوت إِن اغْتسل فليتيمم هَكَذَا» رَوَوْهُ مَرْفُوعا إِلَّا الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ وَقفه عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جرير بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَرَوَاهُ عَلّي بن عَاصِم، عَن عَطاء وَرَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَوَقفه وَرْقَاء وَأَبُو عوَانَة وَغَيرهمَا وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بعد أَن رَوَاهُ مَرْفُوعا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان وَغَيره (أَيْضا) عَن عَطاء مَوْقُوفا و (كَذَلِك) رَوَاهُ [عزْرَة] عَن سعيد بن جُبَير مَوْقُوفا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 قلت: وَعَطَاء قد أسلفنا فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين (من بَاب الْأَحْدَاث) أَنه من الثِّقَات وَأَنه اخْتَلَط، فَمن رَوَى عَنهُ قبله كَانَ صَحِيحا، وَمن رَوَى عَنهُ بعده فَلَا، وأسلفنا هُنَاكَ أَن جَرِيرًا رَوَى عَنهُ بعد الِاخْتِلَاط. قَالَ يَحْيَى بن معِين - فِيمَا ذكره ابْن عدي -: لم يرو جرير عَن عَطاء إِلَّا بعد اخْتِلَاطه. وَقد رَفعه عَن عَطاء هُنَا وَقد اخْتلف عَلَيْهِ - أَعنِي عَلَى عَطاء - فَرَوَاهُ (إِبْرَاهِيم) بن طهْمَان وَغَيره عَنهُ مَوْقُوفا كَمَا سلف. وَأما عَلّي بن عَاصِم الَّذِي رَفعه أَيْضا فقد أسلفنا هُنَاكَ عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: سمع من عَطاء قَدِيما شُعْبَة وَالثَّوْري، وَسمع مِنْهُ جرير، وخَالِد بن عبد الله، وَإِسْمَاعِيل، وَعلي بن عَاصِم، وَكَانَ يرفع عَن سعيد بن جُبَير أَشْيَاء لم يكن يرفعها. قلت: لَعَلَّ هَذَا مِنْهَا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ عَلّي بن عَاصِم عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «فِي المجدور وَالْمَرِيض إِذا خَافَ عَلَى نَفسه تيَمّم» قَالَ أَبُو زرْعَة: وَرَوَاهُ جرير أَيْضا فَقَالَ: عَن عَطاء، عَن سعيد، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه فِي المجدور، قَالَ: إِن هَذَا خطأ أَخطَأ فِيهِ عَلّي بن عَاصِم، وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة وورقاء وَغَيرهمَا، عَن عَطاء بن السَّائِب [عَن سعيد] عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوف وَهُوَ الصَّحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي كتاب الصَّلَاة عَن سُفْيَان، عَن (عَاصِم) الْأَحول، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 قَالَ: «رخص للْمَرِيض التَّيَمُّم أَرَأَيْت إِن كَانَ مجدورًا كَأَنَّهُ (صمعه) كَيفَ يصنع» . فَائِدَة: القروح: الجروح وَنَحْوهَا، وَاحِدهَا قرح - بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا وَبِفَتْحِهَا مَعَ الرَّاء وَضمّهَا - وَقَالَ الرَّاغِب فِي «مفرداته» : الْقرح: الْأَثر من (الْجراح) من (شَيْء) يُصِيبهُ من خَارج، والقرح: أَثَرهَا من دَاخل كالبثرة وَنَحْوهَا. والجدري بِضَم الْجِيم وَفتحهَا لُغَتَانِ فصيحتان وَالدَّال مَفْتُوحَة فيهمَا. الْأَثر الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا (أَي: تُرَابا طَاهِرا» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين بِنَحْوِهِ أَحدهمَا: من حَدِيث ابْن إِدْرِيس، عَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان - بِكَسْر الظَّاء - عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «الصَّعِيد: الْحَرْث حرث (الأَرْض) » . ثَانِيهمَا: من حَدِيث جرير عَن قَابُوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «أطيب الصَّعِيد حرث الأَرْض» . الْأَثر الرَّابِع: قَالَ الرَّافِعِيّ وَرُوِيَ عَن ابْن عمر مثله. وَهَذَا لم (أر) من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 الْأَثر الْخَامِس: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «من السّنة أَن لَا يصلى بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا مَكْتُوبَة وَاحِدَة ثمَّ يتَيَمَّم لِلْأُخْرَى» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة - بِضَم الْعين - عَن (الحكم) ، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «من السّنة أَن لَا يُصَلِّي الرجل بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا صَلَاة وَاحِدَة ثمَّ يتَيَمَّم للصَّلَاة الْأُخْرَى» . ثمَّ قَالَ: (الْحسن) بن عمَارَة ضَعِيف. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي يَحْيَى الْحمانِي، عَن الْحسن بن عمَارَة أَيْضا، عَن الحكم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لَا يصلى بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا صَلَاة وَاحِدَة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : أَبُو يَحْيَى الْحمانِي، وَالْحسن بن عمَارَة مَتْرُوكَانِ. قلت: أما إِطْلَاق التّرْك عَلَى الْحسن بن عمَارَة فَهُوَ كَمَا قَالَ فِي حَقه، وَأما إِطْلَاقه (عَلَى) أبي يَحْيَى الْحمانِي عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن فَلَا أعلم لَهُ سلفا فِي ذَلِك، وَقد أخرج لَهُ مُسلم فِي مُقَدّمَة (صَحِيحه) وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ دَاعِيَة إِلَى الإرجاء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ وَابْنه مِمَّن يكْتب حَدِيثهمَا. وَأما ذكره هُوَ - أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ - فِي «ضُعَفَائِهِ» قَالَ: ضعفه أَحْمد وَوَثَّقَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 يَحْيَى. وَلم يزدْ عَلَى ذَلِك، نعم أطلق الْكَذِب عَلَى ابْنه أحمدُ وَابْن نمير، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى وَغَيره، وَقَالَ الْجوزجَاني: ترك حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: صنف الْمسند وَلم (أر) فِي مُسْنده وَلَا فِي أَحَادِيثه أَحَادِيث مَنَاكِير وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. قلت: وَرَوَى نَحْو مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس ثَلَاثَة من الصَّحَابَة أَيْضا: عَلّي بن أبي طَالب، و (عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ) ، وَعبد الله بن عمر. أما أثر عَلّي فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حجاج، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي قَالَ: «يتَيَمَّم لكل صَلَاة» . حجاج (هُوَ) ابْن أَرْطَاة النَّخعِيّ الْفَقِيه ضَعِيف. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا أحتج بِهِ إِلَّا فِيمَا قَالَ: أَنا وَسمعت. قلت: وَقد عُدِمَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، والْحَارث هُوَ الْأَعْوَر وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، وَنسبه ابْن الْمَدِينِيّ إِلَى الْكَذِب. وَأما أثر (عبد الله) فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن قَتَادَة (أَن) عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ يتَيَمَّم لكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 صَلَاة» وَبِه كَانَ يُفْتِي قَتَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا مُرْسل. ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث همام عَن (عَامر) الْأَحول «أَن عَمْرو بن الْعَاصِ (كَانَ) يتَيَمَّم لكل صَلَاة» (وَأما أثر عبد الله بن عمر فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الْوَارِث، عَن عَامر بن عبد الْوَاحِد الْأَحول، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر كَانَ يتَيَمَّم لكل صَلَاة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحَاكِم، عَن أبي بكر بن إِسْحَاق - وَهُوَ ابْن خُزَيْمَة - عَن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن الْحسن بن عِيسَى، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن عبد الْوَارِث، عَن عَامر - يَعْنِي الْأَحول - عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «تيَمّم لكل صَلَاة وَإِن لم تحدث» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح (قَالَ: وَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب) . وَقَالَ فِي «خلافياته» وَقد سَاقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ السالف: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب وَبِه تقع الْكِفَايَة إِذْ لَا يعرف لَهُ مُخَالف من الصَّحَابَة فِيهِ. قلت: وعامر الْأَحول وَإِن ضعفه ابْن عُيَيْنَة وَأحمد فقد وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَأخرج لَهُ مُسلم فَجَاز القنطرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 وَقَول ابْن حزم: الرِّوَايَة عَن ابْن عمر لَا تصح. لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ لما علمت إِذْ عرفت هَذِه الْآثَار، فليت الرَّافِعِيّ اقْتصر مِنْهَا عَلَى أثر ابْن عمر دون مَا رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس أَو ذكره أَولا، ثمَّ ذكر مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس بعده، ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ (بعده) : أَن السّنة فِي كَلَام الصَّحَابِيّ ينْصَرف إِلَى سنة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَهُوَ كَمَا قَالَ كَمَا هُوَ مُقَرر فِي عُلُوم الحَدِيث. خاتمتان: الأولَى: قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتلفت الصَّحَابَة فِي تيَمّم الْجنب، وَلم يَخْتَلِفُوا فِي تيَمّم الْحَائِض (انْتَهَى) ، أما اخْتلَافهمْ فِي الأول فمشهور عَن عمر وَابْن مَسْعُود كَمَا ثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْهُمَا، ففيهما عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: « (لَو) أَن جنبا لم يجد المَاء شهرا لَا يتَيَمَّم. قَالَ أبوموسى لَهُ: فَكيف تصنع بِهَذِهِ الْآيَة (فَلم تَجدوا (فَقَالَ عبد الله: لَو رخص لَهُم (لأوشكوا) إِذا بَرد عَلَيْهِم المَاء أَن يتيمموا بالصعيد. فَذكر أَبُو مُوسَى لعبد الله قصَّة عمار، فَقَالَ عبد الله: ألم تَرَ عمر لم (يقنع) بقول عمار» وَفِيهِمَا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى «أَن رجلا أَتَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 عمر فَقَالَ: (إِنِّي) أجنبت فَلم أجد (مَاء) . فَقَالَ عمر: لَا تصل. فَقَالَ عمار: أما تذكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذْ أَنا وَأَنت فِي سَرِيَّة فأجنبنا فَلم نجد مَاء، فَأَما أَنْت فَلم تصل، وَأما أَنا فتمعكت فِي التُّرَاب وَصليت فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تضرب بيديك الأَرْض ثمَّ تمسح بهما وَجهك وكفيك؟ فَقَالَ عمر: اتَّقِ الله يَا عمار. قَالَ: إِن شِئْت لم أحدث بِهِ» . لم يذكر البُخَارِيّ قَول (عمر) للرجل «لَا تصل» قَالَ ابْن الصّباغ وَغَيره: وَقيل: إِن عمر وَابْن مَسْعُود رجعا. (قَالَ) : وَأما اتِّفَاقهم عَلَى تيَمّم الْحَائِض فَظَاهر إِيرَاد النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» يُخَالِفهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: التَّيَمُّم عَن الْحَدث الْأَكْبَر جَائِز، وَبِه قَالَ الْعلمَاء كَافَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ إِلَّا عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَإِنَّهُم منعُوهُ. (الخاتمة) الثَّانِيَة: لما ذكر الرَّافِعِيّ الْكَيْفِيَّة الْمَشْهُورَة فِي التَّيَمُّم قَالَ: زعم بَعضهم أَنَّهَا منقولة عَن فعل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهَذَا الزاعم أَظُنهُ الْمَاوَرْدِيّ (فَإِنَّهُ قَالَ) فِي «حاويه» : إِنَّمَا ذكرهَا الشَّافِعِي لأمرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 أَحدهمَا: أَنه اتبع فِيهِ الرِّوَايَة عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَهَذَا لم أَقف عَلَيْهِ بعد الْبَحْث عَنهُ، ونفاه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فَقَالَ: إِنَّه لم يرد بهَا خبر وَلَا أثر. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى «الْوَسِيط» (الْمُسَمَّاة) «بالتنقيح» لَا يَصح فِي هَذِه الكفية شَيْء، وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الَّذِي قَالَه هَذَا الزاعم لَيْسَ بِشَيْء، فَإِن قلت: قد اسْتدلَّ صَاحب «الْمُهَذّب» لهَذِهِ الْكَيْفِيَّة بِحَدِيث أسلع رَضي اللهُ عَنهُ وَهُوَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ قلتُ: لَا دَلِيل فِيهِ (لَهَا) لعدم الْمُطَابقَة للكيفية الَّتِي فِي الرَّافِعِيّ، فَتَأمل ذَلِك. ثمَّ إِن الحَدِيث ضعفه الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: الرّبيع بن بدر رَاوِيه، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن الأسلع ضَعِيف إِلَّا أَنه غير مُنْفَرد (آخر الْجُزْء الرَّابِع فِي تجزئة المُصَنّف غفر الله لَهُ ويتلوه فِي الْخَامِس عشر بَاب الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا) بَاب الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ ذكر (فِيهِ) رَحِمَهُ اللَّهُ ثَمَانِيَة أَحَادِيث وأثرًا وَاحِدًا. الحَدِيث الأول عَن أبي بكرَة رَضي اللهُ عَنهُ « (أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) أرخص للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة إِذا تطهر فَلبس خفيه أَن يمسح عَلَيْهِمَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة. رَوَاهُ الشَّافِعِي (فِي «الْأُم» ) فَقَالَ: أخبرنَا (عبد الْوَهَّاب) الثَّقَفِيّ، عَن المُهَاجر أبي مخلد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة، عَن أَبِيه بِهِ إِلَى قَوْله «وَلَيْلَة» . قَالَ الشَّافِعِي: إِذا تطهر ... إِلَى آخِره، وَكَذَا هُوَ فِي «الْمُخْتَصر» أَيْضا. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أرخص للْمُسَافِر أَن يمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَة أَيَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 ولياليهن، وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة» وَهِي مخرجة فِي «الْمسند» . وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، عَن زيد بن الْحباب، ثَنَا عبد الْوَهَّاب، ثَنَا المُهَاجر مولَى البكرات، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة، عَن أَبِيه: «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جعل للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث عبد الْوَهَّاب أَيْضا بِلَفْظ: «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رخص للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة إِذا تطهر، وَلبس خفيه أَن يمسح عَلَيْهِمَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يمسح الْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن والمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بالسند الْمَذْكُور، إِلَّا أَنه أبدل المُهَاجر بِخَالِد الْحذاء، وَلَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ: للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، وللمقيم يَوْم وَلَيْلَة. وَكَانَ [أبي] ينْزع خفيه وَيغسل رجلَيْهِ» . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَهَذَا الْإِسْنَاد أجل من الأول - يَعْنِي: إِسْنَاد الدَّارَقُطْنِيّ وموافقته - لمَكَان خَالِد الْحذاء بدل المُهَاجر، فَإِن خَالِدا مُتَّفق عَلَيْهِ، إِلَّا أَن الْبَيْهَقِيّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 جمَاعَة عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن المُهَاجر. وَرَوَاهُ زيد بن الْحباب عَنهُ عَن خَالِد الْحذاء، فإمَّا أَن يكون غَلطا مِنْهُ أَو من الْحسن بن عَفَّان - يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ عَن زيد بن الْحباب - وَإِمَّا أَن يكون رَوَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَرِوَايَة الْجَمَاعَة أولَى أَن تكون مَحْفُوظَة. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لما سُئِلَ عَنهُ أَن الصَّحِيح حَدِيث المُهَاجر، فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَاهُ مهَاجر بن خَالِد مولَى آل أبي بكرَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة، عَن أَبِيه، حدث بِهِ وهيب بن خَالِد (و) عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وَاخْتلف عَن عبد الْوَهَّاب فَرَوَاهُ عَنهُ ابْنه عُثْمَان [بن] عبد الْوَهَّاب، ومسدد، وَبُنْدَار، وَأَبُو الْأَشْعَث فَقَالُوا: عَن مهَاجر، عَن ابْن أبي بكرَة، عَن أَبِيه، وَخَالفهُم زيد بن الْحباب فَرَوَاهُ عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن خَالِد، عَن ابْن أبي بكرَة، عَن أَبِيه، وَالصَّحِيح حَدِيث مهَاجر. قلت: قد رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن زيد بن الْحباب، عَن عبد الْوَهَّاب، عَن المُهَاجر (عَن ابْن أبي بكرَة، عَن أَبِيه) كَمَا أسلفناه، فَكَأَنَّهُ اخْتلف عَنهُ أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 (قلت) : وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، عَن مهَاجر، أخرجه ابْن خُزَيْمَة عَن بنْدَار وَبشر بن معَاذ الْعَقدي وَمُحَمّد بن أبان، عَن عبد الْوَهَّاب، عَن المُهَاجر، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَنه رخص للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة إِذا تطهر فَلبس خفيه أَن يمسح عَلَيْهِمَا» . وَهَذِه الرِّوَايَة مُوَافقَة لرِوَايَة الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب. وَأخرجه ابْن حبَان بلفظين أَحدهمَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أرخص للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة إِذا تطهر وَلبس خفيه فليمسح عَلَيْهِمَا» . ثَانِيهمَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وَقت فِي الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر، وللمقيم (يَوْمًا) وَلَيْلَة» ، وَرَوَاهُ ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» من حَدِيث يَحْيَى بن معِين، عَن عبد الْوَهَّاب، عَن مهَاجر بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جعل للمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة، وللمسافر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن فِي الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ» . وَصحح الحَدِيث أَيْضا إمامنا فِي رِوَايَة حَرْمَلَة، كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» حَيْثُ قَالَ عَنهُ إِنَّه قَالَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة: أَخذنَا فِي التَّوْقِيت بِحَدِيث المُهَاجر وَكَانَ إِسْنَادًا صَحِيحا. قَالَ: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَهَذَا رَأَيْته فِي «علل التِّرْمِذِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 الْكَبِير» وَهُوَ كتاب مُفْرد، وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: ولين بَعضهم المُهَاجر، قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: لين الحَدِيث لَيْسَ بِذَاكَ، وَلَيْسَ بالمتقن، شيخ يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن معِين: صَالح. فَائِدَة: اسْم أبي بكرَة (بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَوله، وهاء التَّأْنِيث فِي آخِره) نفيع بن الْحَارِث، وَقيل: مسروح، كني بذلك لِأَنَّهُ تدلى ببكرة من حصن الطَّائِف إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فكناه بذلك لما أخبرهُ بِفِعْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ عبد الْغَنِيّ فِي كتاب «أَسبَاب الْأَسْمَاء» وَهُوَ أحد الصَّحَابَة (الَّذين لم يموتوا حتَّى رَأَى كل وَاحِد من صلبه مائَة ولد ذكر، وهم ثَلَاثَة ذكرتهم فِي تخريجي) لأحاديث (الْمُهَذّب» فاستفدهم مِنْهُ، (مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة إِحْدَى وَخمسين) . الحَدِيث الثَّانِي عَن صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا كُنَّا مسافرين - أَو سفرا - أَن لَا ننزع خفافنا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن إِلَّا من جَنَابَة لَكِن من غَائِط أَو بَوْل أَو نوم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي، وَأحمد فِي «مسنديهما» ، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، من رِوَايَة عَاصِم بن أبي النجُود - بنُون مَفْتُوحَة، ثمَّ جِيم، (ثمَّ وَاو) ، ثمَّ دَال مُهْملَة، واسْمه بَهْدَلَة - الْمُقْرِئ، عَن زر، عَن صَفْوَان، وَهُوَ بِكَمَالِهِ يتَضَمَّن قصَّة الْمسْح، وَفضل طلب الْعلم، وَأمر التَّوْبَة، وَبَعض هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين طوله، وَبَعْضهمْ اخْتَصَرَهُ، وَذكر أَنه رَوَاهُ عَن عَاصِم أَكثر من ثَلَاثِينَ من الْأَئِمَّة، حَكَاهُ صَاحب «الإِمَام» وَقَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : رَوَاهُ عَن عَاصِم جماعات، وعددهم فَوق الْأَرْبَعين. وَرَوَاهُ جماعات عَن زر مِنْهُم عبد الْوَهَّاب (بن) بخت، وَالْحسن بن عبد الرَّحْمَن الْكَاتِب الْكُوفِي، وَعبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق، وَطَلْحَة بن مصرف، وَبشر بن عَطِيَّة، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، والمنهال بن عَمْرو، وَعِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، وَأَبُو (سعد) سعيد بن الْمَرْزُبَان الْبَقَّال، وَمُحَمّد بن سوقة، وَأَبُو عِيسَى حبيب بن أبي ثَابت. قَالَ: وَرَوَاهُ عَن صَفْوَان جمَاعَة مِنْهُم: أَبُو الغريف عبيد الله بن خَليفَة، وَحُذَيْفَة بن أبي حُذَيْفَة الْأَزْدِيّ، وَأَبُو الجوزاء أَوْس بن عبد الله الربعِي، وَقيل أَبُو الجوزاء الَّذِي رَوَاهُ: ربيعَة بن شَيبَان، وَالْحسن الْبَصْرِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 قَالَ التِّرْمِذِيّ: (هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح) . وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ البُخَارِيّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي «علله» : إِنَّه أصح حَدِيث فِي التَّوْقِيت. وَفِي الْجَامِع (عَنهُ) (أَنه حسن) ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : عَاصِم وَإِن تكلم فِي حفظه فقد خرّج عَنهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) . قلت: أخرجَا لَهُ مَقْرُونا لَا اسْتِقْلَالا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» فِي مَسْأَلَة النّوم: عَاصِم بن بَهْدَلَة قَارِئ أهل الْكُوفَة وَإِن لم يخرج الشَّيْخَانِ حَدِيثه فِي الصَّحِيح لسوء حفظه، فَلَيْسَ (بساقط) إِذا وَافق (فِيمَا) يرويهِ الثِّقَات وَلم يُخَالِفهُ الْأَثْبَات، وَقد رَوَى أول هَذَا الحَدِيث - وَهُوَ (حَدِيث) طلب الْعلم - عبد الْوَهَّاب بن بخت - وَهُوَ من ثِقَات الْبَصرِيين - عَن زر نَحْو حَدِيث عَاصِم بن بَهْدَلَة. وَقَالَ الْحَاكِم فِي أَوَائِل كتاب الْإِيمَان من «مُسْتَدْركه» : لم يذكر الشَّيْخَانِ لِصَفْوَان بن عَسَّال حَدِيثا وَاحِدًا. قَالَ: وَسمعت أَبَا عبد الله الْحَافِظ مُحَمَّد بن يَعْقُوب وَسَأَلَهُ مُحَمَّد بن عبيد فَقَالَ: لم ترك الشَّيْخَانِ حَدِيث صَفْوَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 بن عَسَّال أصلا؟ فَقَالَ: لفساد الطَّرِيق إِلَيْهِ. قَالَ الْحَاكِم: وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو عبد الله بِهَذَا حَدِيث عَاصِم عَن زر، فَإِنَّهُمَا تركاه. قلت: وَلِحَدِيث صَفْوَان هَذَا متابع فِي الْمسْح من جِهَة عبد الْكَرِيم بن (أبي) الْمخَارِق، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن زر، رَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ وَهِي مُتَابعَة غَرِيبَة. قَالَ صَاحب «الإِمَام» : إِلَّا أَن عبد الْكَرِيم ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ الْحسن وَأَبُو عَلّي بن السكن: وَقَالَ الصَّعق بن حزن، عَن عَلّي بن الحكم، عَن الْمنْهَال بن (عَمْرو) ، عَن زر، عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: «جَاءَ رجل من مُرَاد يُقَال لَهُ صَفْوَان» ، وَلم يُتَابع (عَلَيْهِ) ، وَهَذِه مُتَابعَة ثَانِيَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي روق (عَطِيَّة بن الْحَارِث) ، نَا أَبُو الغريف - بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَكسر الرَّاء، وَآخره فَاء - واسْمه (عبيد الله) بن خَليفَة، عَن صَفْوَان بن عَسَّال، قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سَرِيَّة وَقَالَ: ليمسح أحدكُم إِذا كَانَ مُسَافِرًا عَلَى خفيه إِذا أدخلهما طاهرتين ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، وليمسح الْمُقِيم يَوْمًا وَلَيْلَة» . وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى بِنَحْوِهِ، وَهَذِه مُتَابعَة ثَالِثَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 قَالَ أَبُو حَاتِم: (أَبُو) الغريف لَيْسَ بالمشهور. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (من) حَدِيث يَحْيَى بن فُضَيْل، عَن الْحسن بن صَالح، عَن أبي جناب (الْكَلْبِيّ) ، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن زر بن حُبَيْش، عَن صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَمسَح عَلَى الْخُفَّيْنِ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم، ثَلَاثَة أَيَّام للْمُسَافِر لَا ينْزع من غَائِط، وَلَا بَوْل (وَلَا نوم) ، وَيَوْم وَلَيْلَة للمقيم» ثمَّ قَالَ: لم يروه إِلَّا أَبُو جناب، تفرد بِهِ يَحْيَى بن فُضَيْل. قلت: وَهَذِه مُتَابعَة رَابِعَة، وَقد أَشَارَ التِّرْمِذِيّ إِلَى بعض المتابعات فَإِنَّهُ قَالَ فِي «جَامعه» : وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن صَفْوَان من غير حَدِيث عَاصِم. وَأخرج أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (رِوَايَة) عَاصِم من طرق مِنْهَا عَن معمر عَنهُ، فَقَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة بِخَبَر غَرِيب، ثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، وَمُحَمّد بن رَافع، قَالَا: ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن عَاصِم، عَن زر، قَالَ: أتيت صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 فَقَالَ: مَا جَاءَ بك؟ قلت: جِئْت أنبط الْعلم. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: «مَا من خَارج (يخرج) من بَيته يطْلب الْعلم إِلَّا وضعت لَهُ الْمَلَائِكَة أَجْنِحَتهَا رضَا بِمَا يصنع. قَالَ: جِئْت أَسأَلك عَن الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نعم، كُنَّا فِي الْجَيْش الَّذين بَعثهمْ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرنَا أَن نمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذا نَحن (أدخلناهما) عَلَى طهُور ثَلَاثًا إِذا سافرنا، وَلَا نخلعهما من غَائِط وَلَا بَوْل» . وَمِنْهَا: عَن معمر أَيْضا (عَنهُ) : «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن نمسح ثَلَاثًا إِذا سافرنا، وَيَوْما وَلَيْلَة إِذا أَقَمْنَا، وَلَا ننزعهما من غَائِط، وَلَا بَوْل (وَلَا نوم) ، (وَلَكِن) من الْجَنَابَة» . وَمِنْهَا: عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَنهُ «أمرنَا إِذا كُنَّا مسافرين - أَو سفرا - أَن لَا ننزع (أَو نخلع خفافنا) ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن من غَائِط وبَوْل إِلَّا من (الْجَنَابَة) » . وَمِنْهَا: عَن سُفْيَان عَنهُ «كَانَ يَأْمُرنَا إِذا كُنَّا (سفرا أَو) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 مسافرين أَن لَا ننزع خفافنا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن إِلَّا من جَنَابَة، لَكِن من غَائِط وَبَوْل ونوم» . وَلما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر بِلَفْظ: «كنت فِي الْجَيْش الَّذين بَعثهمْ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرنَا أَن نمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذا نَحن أدخلناهما عَلَى طهر ثَلَاثًا إِذا سافرنا، وَيَوْما وَلَيْلَة إِذا أَقَمْنَا، وَلَا نخعلهما من بَوْل وَلَا غَائِط وَلَا نوم إِلَّا من جَنَابَة» . قَالَ: ثَنَا عَلّي بن إِبْرَاهِيم بن عِيسَى قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر بن خُزَيْمَة النَّيْسَابُورِي يَقُول: ذكرت للمزني خبر عبد الرَّزَّاق هَذَا (فَقَالَ) : حدث بِهِ أَصْحَابنَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ للشَّافِعِيّ حجَّة أَقْوَى من هَذَا، يَعْنِي قَوْله: «إِذا نَحن (أدخلناهما) عَلَى طهر» . تَنْبِيهَات: (أَحدهَا) فِي الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ زِيَادَة (فِي) هَذَا الحَدِيث بعد قَوْله: «أَو نوم» وَهِي: «أَو ريح» قَالَا: وَلم يقل هَذِه اللَّفْظَة فِي هَذَا الحَدِيث غير وَكِيع، عَن مسعر. وَفِي رِوَايَة لِلْحَافِظِ المطرزي فِي آخر الحَدِيث: «من الْحَدث إِلَى الْحَدث» ، وَهِي غَرِيبَة جدًّا. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَغير ثَابِتَة أَيْضا (و) فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي آخر الحَدِيث زِيَادَة غَرِيبَة وَهِي: «ثمَّ نُحدث بعد ذَلِك وضُوءًا» . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : وَهَذِه زِيَادَة بَاطِلَة لَا تعرف. ثَانِيهَا: وهم صَاحب «التنقيب عَلَى الْمُهَذّب» وهما (فظيعًا) حَيْثُ عزا حَدِيث صَفْوَان (هَذَا) إِلَى الشَّيْخَيْنِ وَأَصْحَاب السّنَن، وَهَذَا من أقبح أَوْهَامه فِي هَذَا الْكتاب يجب إِصْلَاحه. فالشيخان لم يخرجَاهُ أصلا، وَأَبُو دَاوُد (لم) يُخرجهُ أَيْضا وَهُوَ من أَصْحَاب السّنَن، وَقد أسلفت عَن الْحَاكِم أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَا لِصَفْوَان حَدِيثا. ثَالِثهَا: عَسَّال وَالِد صَفْوَان بِعَين مُهْملَة ثمَّ سين مُهْملَة أَيْضا فاعلمه، فقد يصحفه من لَا أنس لَهُ بالفن (وَهُوَ صفة للرمح يُقَال: عسل الرمْح عسلاً - بِالْفَتْح - إِذا اهتز واضطرب فَهُوَ عَسَّال) ، وَصَفوَان من كبار الصَّحَابَة غزا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثِنْتَيْ (عشرَة) غَزْوَة، سكن الْكُوفَة، وَمن مناقبه أَن عبد الله بن مَسْعُود رَوَى عَنهُ (وَصَفوَان - بالصَّاد الْمُهْملَة - أَصله الْحجر) . رَابِعهَا: قَوْله: «إِلَّا من جَنَابَة» هَكَذَا هُوَ فِي كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة: «إِلَّا» وَهِي الَّتِي للاستثناء، وَقَالَ صَاحب «الْبَحْر» فِي بَاب مَا ينْقض الْوضُوء: (رُوِيَ) أَيْضا «لَا من جَنَابَة» بِحرف «لَا» وَكِلَاهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 صَحِيح الْمَعْنى، (لَكِن) الْمَشْهُور: «إِلَّا» . وَقَوله: «لَكِن من غَائِط أَو بَوْل أَو نوم» كَذَا وَقع فِي الْكتاب و «الْمُهَذّب» أَيْضا بِحرف «أَو» ، وَأفَاد الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «مطلبه» أَن ذَلِك رِوَايَة، وَالْمَشْهُور فِي كتب الحَدِيث وَالْفِقْه بِالْوَاو فَقَط. وَقَوله: «لَكِن من غَائِط ... » إِلَى آخِره، قَالَ أهل اللُّغَة: لَفْظَة «لَكِن» للاستدراك تعطف فِي النَّفْي مُفردا عَلَى مُفْرد، وَتثبت للثَّانِي (مَا) نفته عَن الأول. تَقول: مَا قَامَ زيد لَكِن عَمْرو، فَإِن دخلت مثبتة احْتِيجَ بعْدهَا (إِلَى) جملَة، تَقول: قَامَ زيد لَكِن عَمْرو لم يقم، فَقَوله: «لَا تنزعها إِلَّا من جَنَابَة لَكِن من غَائِط وَبَوْل ونوم» مَعْنَاهُ: أرخص لنا فِي الْمسْح مَعَ هَذِه الثَّلَاثَة، وَلم نؤمر بنزعها (إِلَّا فِي حَال الْجَنَابَة، وَفِيه مَحْذُوف تَقْدِيره: لَكِن لَا ننزع من غَائِط وَبَوْل ونوم) لِأَن التَّقْدِير الأول: أمرنَا (بنزعها) من الْجَنَابَة، وَرِوَايَة عبد الرَّزَّاق السالفة صَرِيحَة فِي ذَلِك، مغنية عَن التَّقْدِير، وَفَائِدَة هَذَا الِاسْتِدْرَاك بَيَان الْأَحْوَال الَّتِي يجوز فِيهَا الْمسْح، وَنبهَ بالغائط وَالْبَوْل وَالنَّوْم عَلَى مَا فِي (مَعْنَاهَا) من بَاقِي أَنْوَاع الْحَدث الْأَصْغَر، وَهِي: زَوَال الْعقل بجنون وَغَيره، واللمس والمس، (و) نبه بالجنابة عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا من (الْحَدث) الْأَكْبَر، فَدخل فِيهِ الْحيض وَالنّفاس، وَقد يُؤْخَذ من الْأَحْوَال الثَّلَاثَة أَنه لَا يجوز الْمسْح عَلَى الْخُف من النَّجَاسَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وَقَوله: «مسافرين أَو سفرا» شكّ من الرَّاوِي، هَل قَالَ الأول أَو الثَّانِي وهما بِمَعْنى، وَلَكِن لما شكّ الرَّاوِي أَيهمَا قَالَ (احتاط) فتردد (و) لم يجْزم بِأَحَدِهِمَا، وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ لَا شكّ فِيهَا وَجزم بقوله: «سفرا» - برَاء منونة وَيكْتب بعْدهَا ألف وَلَا يجوز غير هَذَا. قَالَ ابْن الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ: وَرُبمَا غلط فِيهِ، فَقيل: سَفَرِي - بِالْيَاءِ - وَقَالَ صَاحب «المستعذب عَلَى الْمُهَذّب» : «سفرا» أَي (بِالتَّنْوِينِ) جمع مُسَافر. (وَقد: يرْوَى) بِغَيْر تَنْوِين، وَلَيْسَ بِشَيْء. وَقَوله: إِنَّه جمع مُسَافر. هُوَ مَا (قَالَه) ، كراكِب ورَكْب، وصاحِب وصَحْب، وَقيل: إِنَّه لم ينْطق (بواحده) الَّذِي هُوَ سفر، بل (قدروه) ، وَقيل: نطق بِهِ، وَمِنْه: «يَا أهل مَكَّة أَتموا فَإنَّا قوم سَفْر» . تَنْبِيه: اعْترض ابْن الرّفْعَة فِي «كِفَايَته» عَلَى الرَّافِعِيّ فِي استدلاله بِحَدِيث صَفْوَان هَذَا عَلَى انْقِطَاع الْمدَّة بالجنابة، فَإِنَّهُ يدل عَلَى أَن الْمسْح عَلَى الْخُف لَا يقوم مقَام الْغسْل لَا الِانْقِطَاع، وَلَك أَن تَقول (بل) هُوَ دَال عَلَى وجوب النزع وَيلْزم مِنْهُ انقضاؤها. الحَدِيث الثَّالِث عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «سكبت لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْوضُوء، فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى (رجلَيْهِ) أهويت إِلَى الْخُفَّيْنِ لأنزعهما فَقَالَ: دع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 الْخُفَّيْنِ فَإِنِّي أدخلتهما وهما (طاهرتان) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أصل من أصُول الْبَاب، وَله عَن الْمُغيرَة طرق، ذكره ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» من خَمْسَة وَأَرْبَعين طَرِيقا عَنهُ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (فِي «الإِمَام» ) : بَلغنِي عَن أبي بكر الْبَزَّار أَنه يرْوَى عَنهُ من نَحْو سِتِّينَ طَرِيقا. وَاتفقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث عُرْوَة بن الْمُغيرَة، عَن أَبِيه قَالَ: «كنت مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سفر فَأَهْوَيْت لأنزع خفيه فَقَالَ: دعهما فَإِنِّي أدخلتهما طاهرتين. فَمسح عَلَيْهِمَا» ، هَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَترْجم عَلَيْهِ: إِذا أَدخل رجلَيْهِ وهما طاهرتان، وَلَفظ مُسلم: «أَنه وضأ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَتَوَضَّأ وَمسح عَلَى خفيه فَقَالَ لَهُ: [إِنِّي] أدخلتهما طاهرتين» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كنت مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذَات لَيْلَة فِي مسير فَقَالَ لي: أَمَعَك مَاء ... » الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ أهويت لأنزع خفيه فَقَالَ: دعهما فَإِنِّي أدخلتهما طاهرتين. وَمسح عَلَيْهِمَا» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن (حُسَيْن) وزَكَرِيا، وَيُونُس، عَن الشّعبِيّ، عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة، عَن أَبِيه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، أتمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ ! قَالَ: نعم، إِنِّي أدخلتهما وهما طاهرتان» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «ثمَّ أهويت إِلَى الْخُفَّيْنِ لأنزعهما، فَقَالَ: دع الْخُفَّيْنِ فَإِنِّي أدخلت الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وهما طاهرتان. فَمسح عَلَيْهِمَا» . (فَائِدَة: الْوضُوء بِفَتْح الْوَاو عَلَى أشهر اللُّغَات فِيهِ؛ لِأَن المُرَاد بِهِ المَاء) . الحَدِيث الرَّابِع عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضي اللهُ عَنهُ: «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مسح أَعلَى الْخُف وأسفله» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد (وَالتِّرْمِذِيّ) وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن كَاتب الْمُغيرَة، عَن الْمُغيرَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء، إِلَّا أَن لفظ رِوَايَة أبي دَاوُد: «وضأت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي غَزْوَة تَبُوك فَمسح أَعلَى الْخُف وأسفله» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن ابْن أبي يَحْيَى، عَن ثَوْر بِهِ. وأعل هَذَا الحَدِيث بأوجه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 أَولهَا: أَن ثورًا لم يسمعهُ من رَجَاء بن حَيْوَة، وَقَالَ الْأَثْرَم: سَمِعت أَبَا عبد الله - يَعْنِي: أَحْمد بن حَنْبَل - يُضعف هَذَا الحَدِيث، وَيَقُول: إِنَّه ذكره لعبد الرَّحْمَن بن مهْدي، فَذكره عَن ابْن الْمُبَارك، عَن ثَوْر، قَالَ: حدثت عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن كَاتب الْمُغيرَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ... » وَلَيْسَ فِيهِ (ذكر) الْمُغيرَة؛ فأفسده من وَجْهَيْن حَيْثُ قَالَ: حدثت عَن رَجَاء. وأرسله وَلم يسْندهُ، وَقد كَانَ نعيم بن حَمَّاد حَدَّثَني بِهَذَا عَن ابْن الْمُبَارك كَمَا حدث بِهِ الْوَلِيد فَقَالَ: عَن ثَوْر، عَن رَجَاء، عَن كَاتب الْمُغيرَة، عَن الْمُغيرَة، فَقلت لَهُ: إِنَّمَا (يَقُوله) الْوَلِيد، فَأَما ابْن الْمُبَارك فَيَقُول: «حدثت عَن رَجَاء» وَلَا يذكر الْمُغيرَة. فَقَالَ: هَذَا حَدِيثي الَّذِي أسأَل عَنهُ. فَأخْرج إليَّ كِتَابه الْقَدِيم بِخَط عَتيق، فَإِذا فِيهِ مُلْحق بَين السطرين بِخَط لَيْسَ بالقديم «عَن الْمُغيرَة» فأوقفته عَلَيْهِ، وأخبرته أَن هَذِه زِيَادَة فِي الْإِسْنَاد لَا أصل لَهَا، فَجعل يَقُول للنَّاس بعد وَأَنا أسمع: اضربوا عَلَى هَذَا الحَدِيث. هَذَا مَعْنَاهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا حَدِيث مَعْلُول لم يُسنده عَن ثَوْر غير الْوَلِيد بن مُسلم. قلت: قد أسْندهُ عَنهُ ابْن أبي يَحْيَى - كَمَا سلف - وَمُحَمّد بن عِيسَى بن سميع - كَمَا سَيَأْتِي - عَن الدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ: وَسَأَلت أَبَا زرْعَة ومحمدًا - يَعْنِي: البُخَارِيّ - عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَا: لَيْسَ بِصَحِيح؛ لِأَن ابْن الْمُبَارك رَوَى هَذَا عَن ثَوْر، عَن رَجَاء، قَالَ: حدثت عَن كَاتب الْمُغيرَة، مُرْسل عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَلم يذكر فِيهِ الْمُغيرَة. وَقَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 «علله» (عَنْهُمَا) نَحوه، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : لم يسمع هَذَا الحَدِيث ثَوْر من رَجَاء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ - وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث -: يرويهِ ثَوْر بن يزِيد وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم وَمُحَمّد بن عِيسَى بن سميع، عَن ثَوْر، عَن رَجَاء، عَن كَاتب الْمُغيرَة، عَن الْمُغيرَة، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن بعض أَصْحَابه، عَن ثَوْر، وَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن ثَوْر، قَالَ: حدثت عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن كَاتب الْمُغيرَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُرْسلا. قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث (عَن) عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن (وراد) ، عَن الْمُغيرَة. وَلم يذكر فِيهِ أَسْفَل الْخُف، وَرَوَاهُ الحكم بن هِشَام وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، عَن عبد الْملك قَالَ: وَحَدِيث رَجَاء بن حَيْوَة الَّذِي فِيهِ ذكر أَعلَى الْخُف وأسفله لَا يثبت؛ لِأَن ابْن الْمُبَارك رَوَاهُ عَن ثَوْر مُرْسلا. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم، عَن ثَوْر، عَن رَجَاء، عَن كَاتب الْمُغيرَة (عَن الْمُغيرَة) مَرْفُوعا فَقَالَا: رَوَاهُ الْوَلِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 هَكَذَا، وَرَوَاهُ غَيره بِإِسْقَاط الْمُغيرَة وأفسده، وَحَدِيث الْوَلِيد أشبه. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: سَمِعت أبي، و (ذكر) حَدِيث الْوَلِيد، عَن ثَوْر، عَن رَجَاء، عَن كَاتب الْمُغيرَة، عَن الْمُغيرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مسح أَعلَى الْخُف وأسفله» فَقَالَ: لَيْسَ (بِمَحْفُوظ) ، وَسَائِر الْأَحَادِيث عَن الْمُغيرَة أصح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : الْحفاظ يَقُولُونَ: لم يسمع ثَوْر هَذَا الحَدِيث من رَجَاء، رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك، عَن ثَوْر قَالَ: حدثت عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن كَاتب الْمُغيرَة. وَلم يذكر الْمُغيرَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» - وَقد ذكره من حَدِيث الْوَلِيد، عَن ثَوْر، عَن رَجَاء، عَن كَاتب الْمُغيرَة، عَن الْمُغيرَة -: أَخطَأ فِيهِ الْوَلِيد بن مُسلم فِي موضِعين. ثمَّ أخرجه من حَدِيث أَحْمد، عَن ابْن مهْدي، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن ثَوْر، حدثت عَن رَجَاء عَن كَاتب الْمُغيرَة. قَالَ: فصح أَن ثورًا لم يسمعهُ من رَجَاء، وَأَنه مُرْسل لم يذكر فِيهِ الْمُغيرَة. قَالَ: وَعلة ثَالِثَة: وَهِي أَنه لم يسم فِيهِ كَاتب الْمُغيرَة فَسقط. الْعلَّة (الثَّانِيَة) أَن رَجَاء بن حَيْوَة لم يسمع كَاتب الْمُغيرَة (قَالَه الإِمَام الشَّافِعِي كَمَا أَفَادَ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» . الْعلَّة الثَّالِثَة: أَنه لم يسم فِيهِ كَاتب الْمُغيرَة) بن شُعْبَة أَي فَيكون مَجْهُولا، وَهَذِه أسلفت عَن ابْن حزم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 الْعلَّة الرَّابِعَة: أَن الْوَلِيد بن مُسلم دلّس فِيهِ، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» و «تَحْقِيقه» بعد أَن ذكر الحَدِيث: كَانَ الْوَلِيد يروي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَحَادِيث هِيَ عِنْد الْأَوْزَاعِيّ عَن شُيُوخ ضعفاء، عَن شُيُوخ قد أدركهم الْأَوْزَاعِيّ مثل: نَافِع وَالزهْرِيّ (فَيسْقط) أَسمَاء الضُّعَفَاء ويجعلها عَن الْأَوْزَاعِيّ عَنْهُم. وَنقل مثل هَذِه الْمقَالة فِي الْوَلِيد فِي «ضُعَفَائِهِ» عَن عُلَمَاء النَّقْل. وَشرع الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «إِمَامه» يُجيب عَن الْعِلَل الْمَذْكُورَة خلا الثَّانِيَة (فَإِنَّهُ) لم يذكرهَا، فَقَالَ بعد أَن نقل كَلَام أَحْمد السالف: وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يثبت؛ لِأَن ابْن الْمُبَارك رَوَاهُ عَن ثَوْر مُرْسلا. وَمَعَ هَذَا كُله فقد رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، عَن دَاوُد بن رشيد، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن ثَوْر بن يزِيد قَالَ: ثَنَا رَجَاء بن حَيْوَة، عَن كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة، عَن الْمُغيرَة، فقد صرح فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن ثَوْر بِأَن رَجَاء حَدثهُ، وَقد رَوَاهُ أَحْمد بن عبيد الصفار، عَن أَحْمد بن يَحْيَى بن إِسْحَاق الْحلْوانِي، عَن دَاوُد بن رشيد، فَقَالَ: (عَن) رَجَاء. وَلم يقل: ثَنَا رَجَاء. فقد اخْتلف عَلَى دَاوُد بن رشيد فِي هَذِه اللَّفْظَة. قلت: وَزِيَادَة الوليدِ المغيرةَ لم ينْفَرد بهَا، بل توبع عَلَيْهَا كَمَا عَلمته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 فِيمَا سلف. قَالَ: وَأما الْعلَّة الثَّالِثَة: وَهِي أَنه لم يسم فِيهِ كَاتب الْمُغيرَة، فالمعروف بكاتب الْمُغيرَة هُوَ مَوْلَاهُ وراد، وَهُوَ مخرج لَهُ فِي الصَّحِيح. قَالَ: لم يعرف لَهُ مشارك فِي هَذِه الصّفة، فَالظَّاهِر انصراف الرِّوَايَة إِلَيْهِ، وَقد أدرج بعض الْحفاظ هَذَا الحَدِيث فِي تَرْجَمَة رَجَاء بن حَيْوَة، عَن وراد. قلت: وَذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي تَرْجَمَة وراد، عَن الْمُغيرَة، وَقَالَ: وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن وراد، عَن الْمُغيرَة. وَأَعْلَى من هَذَا وأفصح أَن ابْن مَاجَه خرج الحَدِيث فِي «سنَنه» فَقَالَ: عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن ورَّاد كَاتب الْمُغيرَة (فأفصح باسمه وَكَذَا وَقع فِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث وراد كَاتب الْمُغيرَة) عَن الْمُغيرَة ... الحَدِيث. (قَالَ) : وَأما الْعلَّة الرَّابِعَة: وَهِي تَدْلِيس الْوَلِيد، فَلَيْسَ بِشَيْء (قد أَمن) تدليسه فِي هَذِه الرِّوَايَة (بِمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فَقَالَ: أَخْبرنِي ثَوْر. قلت: وَفِي هَذَا نظر أبداه شَيخنَا الْحَافِظ فتح الدَّين الْيَعْمرِي، فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى التِّرْمِذِيّ: قَوْله فِي رد هَذَا الْوَجْه: لَيْسَ بِشَيْء. (لَيْسَ بِشَيْء) ، بل هُوَ وَجه من التَّعْلِيل صَحِيح لم يَأْتِ عَنهُ بِجَوَاب، وَجَوَابه عَنهُ بِأَنَّهُ قد أَمن تَدْلِيس الْوَلِيد بقوله: «أَخْبرنِي» - فِي رِوَايَة من رَوَى ذَلِك - دَلِيل عَلَى أَنه لم يَأْتِ عَلَى المُرَاد (فِي) هَذَا التَّعْلِيل؛ لِأَن التَّصْرِيح بذلك الْإِخْبَار لَا يسْقطهُ، وَبَيَانه أَن النَّوْع الَّذِي رمي بِهِ الْوَلِيد بن مُسلم من التَّدْلِيس هُوَ نوع يُسمى (عِنْدهم) التَّسْوِيَة، وَهُوَ يخْتَص بالتدليس فِي شيخ شَيْخه لَا فِي شَيْخه، وَذَلِكَ أَنه يعمد لأحاديث - مثلا - رَوَاهَا هُوَ عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَهِي عِنْد الْأَوْزَاعِيّ عَن شُيُوخ لَهُ ضعفاء رووها عَن الثِّقَات فِي شُيُوخ الْأَوْزَاعِيّ نَفسه، كَحَدِيث يكون فِيهِ بَين الْأَوْزَاعِيّ وَالزهْرِيّ، أَو بَين الْأَوْزَاعِيّ وَنَافِع (أَو بَين الْأَوْزَاعِيّ) وَعَطَاء (رجل) ضَعِيف، (فَيسْقط الْوَلِيد الْوَاسِطَة الضَّعِيف، ويروي الحَدِيث عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ أَو عَطاء) أَو نَافِع كَيْفَمَا كَانَ وَكلهمْ شُيُوخ الْأَوْزَاعِيّ (فيروج بذلك الْخَبَر عَنهُ سامعه، لعلمه أَن الْأَوْزَاعِيّ رَوَى عَن أُولَئِكَ الشُّيُوخ) وَكَذَلِكَ مثله ابْن الْجَوْزِيّ (مِثَالا) مُسْتَقِيمًا، والوليد مَوْصُوف عِنْدهم بِهَذَا النَّوْع من التَّدْلِيس، وَمن هَذَا الضَّرْب مَا يخْشَى وُقُوعه هَا هُنَا فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْبرنِي ثَوْر، عَن رَجَاء، فَأَتَى (فِيهِ) بِصِيغَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 العنعنة، وَهِي لَا تدل عَلَى الِاتِّصَال من (مثله) ، فَبَقيَ التَّدْلِيس غير مَأْمُون، وقلما يرتكب التَّدْلِيس وَيسْقط الْوَاسِطَة إِلَّا لمُقْتَضى لإسقاطه، فقد كَانَت مثل هَذِه العنعنة (من) الْوَلِيد فِي مثل هَذَا الْموضع كَافِيَة فِي التَّعْلِيل، لَا سِيمَا وَقد صَحَّ عَن ابْن الْمُبَارك وَهُوَ من عرف مَحَله قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث: عَن ثَوْر، حدثت عَن رَجَاء بن حَيْوَة. فنبه عَلَى ثُبُوت وَاسِطَة مَجْهُول، فَاقْتَضَى مَا هُوَ الْمَعْهُود من تَسْوِيَة الْوَلِيد الضعْف أَو الْجَهَالَة فِي ذَلِك الْوَاسِطَة المطوي الذّكر، وتصريح الْوَلِيد بن مُسلم (بقوله) أبنا ثَوْر، عَن رد هَذَا التَّعْلِيل بمعزل، وَمثل هَذَا من الْوَلِيد إِن كَانَ بعد صِحَة الْخَبَر الْمَرْوِيّ (لذَلِك) عِنْده من خَارج أَو مَعَ حسن ظَنّه (بِمن) طوى ذكره فكلاهما قريب، وَإِن كَانَ مَعَ الْجَهَالَة بِحَالهِ وَقبل ثُبُوت الْخَبَر عِنْده (فقد دخل الْخلَل عَلَيْهِ من حَيْثُ لَا يعلم، وبعيد أَن يكون ذَلِك مِنْهُ مَعَ ضعف الرَّاوِي عِنْده) وَعدم علمه بِصِحَّة الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ من طَرِيقه، فَفِي ذَلِك انحطاط يرْتَفع حَال مثل الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ. فَالْحَدِيث عَلَى هَذَا مُعَلل بالانقطاع بَين ثَوْر ورجاء، وَهُوَ الَّذِي يخْشَى من تَسْوِيَة الْوَلِيد، وَالظَّاهِر تَرْجِيح الْإِرْسَال عَلَى الْإِسْنَاد كَمَا رَجحه ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي. وَنقل الْحَازِمِي عَن الشَّافِعِي أَنه ضعف هَذَا الحَدِيث فِي الْقَدِيم، وَهُوَ مُحْتَمل لِأَن يكون ضعفه لما نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ كَمَا أسلفناه عَنهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وَبِغَيْرِهِ من الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا، وأجمل القَوْل عبد الْحق فِي تَضْعِيف الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا حَدِيث ضَعِيف عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ، ضعفه الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة وَالتِّرْمِذِيّ، وَغَيرهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: واعتماد الشَّافِعِي فِي هَذَا الحكم عَلَى مَا رَوَاهُ فِي الْقَدِيم عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه كَانَ يمسح أَعلَى الْخُف وأسفله» . قلت: وَرَوَاهُ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره أَيْضا وَهُوَ من (الْجَدِيد) . الحَدِيث الْخَامِس قَالَ الرَّافِعِيّ: اسْتِيعَاب الْكل لَيْسَ بِسنة «مسح رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى خفيه خُطُوطًا من المَاء» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» ، فَإِنَّهُ قَالَ: قصد الِاسْتِيعَاب لَيْسَ بِسنة؛ إِذْ لم ينْقل عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَّا «أَنه مسح عَلَى الْخُف خُطُوطًا» (وَتبع فِي ذَلِك إِمَامه، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «نهايته» : فِي الحَدِيث الصَّحِيح «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مسح عَلَى خفيه خُطُوطًا» ) ، والخطوط إِنَّمَا تكون بالأصابع. وَتبع فِي ذَلِك القَاضِي (حُسَيْنًا) ، فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَى حَدِيث عَلّي أَي الَّذِي فِي أبي دَاوُد «كنت أرَى أَن بَاطِن الْقَدَمَيْنِ أَحَق بِالْمَسْحِ من ظاهرهما ... » الحَدِيث، فَحَكَى عَنهُ أَنه قَالَ: وَلَكِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يمسح عَلَى (ظهر) الْخُف خُطُوطًا بالأصابع» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وَاعْترض ابْن الصّلاح (عَلَى الإِمَام) فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : لَيْسَ مَا (ذكره) من الْمسْح خُطُوطًا ثَابتا (فِي الرِّوَايَة) - فِيمَا علمناه - وَلَا وجدنَا لَهُ أصلا فِي كتب الحَدِيث. قَالَ: وَقَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح (غير صَحِيح) . وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رُوِيَ عَن عَلّي مَرْفُوعا، وَعَن الْحسن أَنه قَالَ: «من السّنة أَن يمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ خُطُوطًا بالأصابع» قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِحجَّة؛ لِأَن قَول التَّابِعِيّ: من السّنة (كَذَا) لَا يكون مَرْفُوعا بل (هُوَ) مَوْقُوف عَلَى الصَّحِيح، وَقيل إِنَّه مَرْفُوع مُرْسل. وَقَالَ فِي «تنقيحه» : هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الْغَزالِيّ مَرْوِيّ من حَدِيث عَلّي، وَهُوَ حَدِيث مُنكر لَا يعرف. وَأما قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. فغلط فَاحش. (قلت) : انْتَهَى مَا (ذكره) . وَقد ظَفرت بِالْحَدِيثِ من ثَلَاث طرق - بِفضل الله ومنته - الأولَى: من حَدِيث جَابر بن عبد الله (أَنه) قَالَ: «مر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِرَجُل يتَوَضَّأ فَغسل خفيه فنخسه (بِرجلِهِ) وَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا السّنة، أمرنَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ هَكَذَا. وأمَرَّ بيدَيْهِ عَلَى خفيه» وَفِي لفظ: «مر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِرَجُل يتَوَضَّأ وَهُوَ يغسل خفيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 فنخسه بِيَدِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أمرنَا بِهَذَا. ثمَّ أرَاهُ بِيَدِهِ من مقدم الْخُفَّيْنِ إِلَى أصل السَّاق مرّة وَفرج بَين أَصَابِعه» . رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث بَقِيَّة، عَن جرير بن يزِيد، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، ثمَّ قَالَ: لَا يرْوَى هَذَا الحَدِيث عَن جَابر إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. (قلت: وَجَرِير) هَذَا لَيْسَ بالمشهور، لم يرو عَنهُ غير بَقِيَّة - فِيمَا أعلم. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : لَا يعْتَمد عَلَيْهِ لجهالته. وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (وَعَزاهُ) إِلَى ابْن مَاجَه، وَلم أره فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن (المصفي) ، ثَنَا بَقِيَّة، عَن جرير بن يزِيد، قَالَ: حَدَّثَني مُنْذر، قَالَ: حَدَّثَني مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: «مرّ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِرَجُل يتَوَضَّأ وَيغسل خفيه فَقَالَ بِيَدِهِ - كَأَنَّهُ دَفعه -: إِنَّمَا أمرت بِالْمَسْحِ هَكَذَا (بأطراف) الْأَصَابِع إِلَى أصل السَّاق. وخطط بالأصابع» ، وَلم يعقبه بتصحيح وَلَا تَضْعِيف، وَقَالَ فِي «إِعْلَامه» : إِنَّه حَدِيث الْعَمَل عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 قلت: وَمُنْذِر هَذَا كَأَنَّهُ ابْن زِيَاد الطَّائِي، وَقد كذبه الفلاس، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: بَال، ثمَّ جَاءَ حتَّى تَوَضَّأ وَمسح عَلَى خفيه، وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى خفه الْأَيْمن وَيَده اليُسرى عَلَى خفه الْأَيْسَر، ثمَّ مسح أعلاهما مسحة وَاحِدَة حتَّى (كَأَنِّي) أنظر إِلَى أَصَابِع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى الْخُفَّيْنِ» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه» : رَوَاهُ (أَبُو أُسَامَة) ، عَن الْأَشْعَث، عَن الْحسن، عَن الْمُغيرَة (بِهِ) . قَالَ: وَبَلغنِي (عَن) أبي عَامر الخزاز، عَن الْحسن، عَن الْمُغيرَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مسح مَوضِع يَده الْيُمْنَى عَلَى خفه الْأَيْمن وَيَده الْيُسْرَى عَلَى خفه الْأَيْسَر، ثمَّ مسح أعلاهما مسحة وَاحِدَة» . الطَّرِيقَة الثَّالِثَة: من حَدِيث ابْن عمر، سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن حَدِيث رَوَاهُ زيد بن أسلم، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تَوَضَّأ مرّة وَغسل هَكَذَا - قَالَ عبد الله: كَأَنَّهُ يَعْنِي الْمسْح - (يَأْخُذ) مَاء من قبل (عَقِبَيْهِ فَيردهُ) إِلَى أَطْرَاف رجلَيْهِ مَعَ ظهر قَدَمَيْهِ» فَقَالَ فِي «علله» : اخْتلف فِيهِ عَلَى زيد بن أسلم فَرَوَاهُ مرّة عَن ابْن عمر، وَمرَّة عَن أَبِيه، عَن عمر مَرْفُوعا، وَالصَّوَاب: عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن ابْن عَبَّاس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 قَالَ ابْن الْمُنْذر: وروينا عَن عمر بن الْخطاب «أَنه مسح عَلَى خفيه (حتَّى) (رئي) آثَار أَصَابِعه عَلَى خفيه خُطُوطًا. قَالَ: و (رئي) آثَار أَصَابِع قيس بن سعد عَلَى الْخُف» . فَائِدَة أردْت ذكرهَا هُنَا: (رَأَيْت) فِي «أَسمَاء (رُوَاة) الْكتب السِّتَّة وَغَيرهَا» لِابْنِ نقطة الْحَافِظ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي دَاوُد، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر، قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن كل شَيْء، حتَّى مسح الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: وَاحِدَة» . وَقَالَ سُفْيَان: عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أبي ذَر مَرْفُوعا نَحوه. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: رَاوِيه عَن يُونُس بن أبي حبيب، عَن أبي دَاوُد، سَمِعت ابْن الْجُنَيْد يَقُول: هَذَا أغرب حَدِيث فِي الدُّنْيَا. الحَدِيث السَّادِس عَن خُزَيْمَة بن ثَابت رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «رخص رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للْمُسَافِر أَن يمسح ثَلَاثَة (أَيَّام) ولياليهن، وَلَو استزدناه لزادنا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أبي (عبد الله) الجدلي، عَن خُزَيْمَة بن ثَابت، عَن النَّبِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام وللمقيم يَوْم وَلَيْلَة» . قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ مَنْصُور بن (الْمُعْتَمِر) ، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ بِإِسْنَادِهِ «وَلَو (استزدناه) لزادنا» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ (أَيْضا) عَن عَمْرو بن مَيْمُون، عَن خُزَيْمَة بن ثَابت قَالَ: «جعل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للْمُسَافِر ثَلَاثَة (أَيَّام) وَلَو مَضَى السَّائِل عَلَى مَسْأَلته لجعلها خمْسا» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم أَيْضا، عَن عَمْرو بن مَيْمُون، عَن أبي عبد الله الجدلي، عَن خُزَيْمَة بن ثَابت قَالَ: «جعل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَة أَيَّام للْمُسَافِر وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم، وَلَو مَضَى السَّائِل عَلَى مَسْأَلته لجعلها خمْسا» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: رخص لنا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن نمسح ثَلَاثًا، وَلَو استزدناه لزادنا» . وَرُوِيَ أَيْضا هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن عَمْرو، عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه سُئِلَ عَن الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: للْمُسَافِر (ثَلَاث) وللمقيم يَوْم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 (وَلَيْلَة) » ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، قَالَ: وَذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه صحّح حَدِيث خُزَيْمَة فِي الْمسْح. قَالَ: وَأَبُو عبد الله الجدلي اسْمه عبد بن عبد، وَيُقَال: عبد الرَّحْمَن بن عبد. قَالَ: وَرَوَى الحكم بن عتيبة وَحَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن أبي عبد الله الجدلي، عَن خُزَيْمَة بن ثَابت، وَلَا يَصح. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قَالَ يَحْيَى بن سعيد: قَالَ شُعْبَة: لم يسمع إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ من أبي عبد الله الجدلي حَدِيث الْمسْح، وَقَالَ زَائِدَة، عَن مَنْصُور: كُنَّا فِي حجرَة إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ ومعنا إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، فحدثنا إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن عَمْرو بن مَيْمُون، عَن أبي عبد الله الجدلي، عَن خُزَيْمَة بن ثَابت، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث سَلمَة بن كهيل قَالَ: سَمِعت إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يحدث عَن الْحَارِث بن سُوَيْد، عَن عَمْرو بن مَيْمُون، عَن خُزَيْمَة بن ثَابت، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «ثَلَاثَة أَيَّام - أَحْسبهُ قَالَ: ولياليهن - للْمُسَافِر فِي الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أبي عبد الله الجدلي، عَن خُزَيْمَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه سُئِلَ عَن الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: ثَلَاثًا للْمُسَافِر، وللمقيم يَوْمًا» (ثمَّ) رَوَاهُ بِزِيَادَة «عَمْرو بن مَيْمُون» بَين التَّيْمِيّ والجدلي، عَن خُزَيْمَة: «أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 أعرابيًّا سَأَلَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن الْمسْح، فَقَالَ: للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، وللمقيم يَوْم وَلَيْلَة» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بإسقاطه كَمَا أخرجه ابْن حبَان أَولا. وأعلت هَذِه الطَّرِيقَة وَالَّتِي قبلهَا بعلل: الأولَى: الِاضْطِرَاب إِسْنَادًا ومتنًا - كَمَا عَلمته - قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب) «السّنَن» و «الْمعرفَة» : إِسْنَاده مُضْطَرب. قَالَ: وَمَعَ ذَلِك فَمَا لم يرد لَا يصير سنة. قَالَ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، فَقَالَ: زعم رجل عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي، عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة ... فَذكره، ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم فِي قَوْله: «وَلَو سألناه أَن يزيدنا لزادنا) : عَلَى (مَعْنَى) لَو سألناه أَكثر من ذَلِك لقَالَ نعم، (وَإِنَّمَا) الْجَواب عَلَى الْمَسْأَلَة. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد: قَالَ أبي: هَذَا الحَدِيث خطأ. قَالَ ذَلِك بعد أَن رَوَاهُ عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن حَمَّاد وَمَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة فِي مسح الْمُسَافِر والمقيم. الثَّانِيَة: الِانْقِطَاع، وَذَلِكَ فِي مَوَاضِع: أَحدهَا: بَين إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأبي عبد الله الجدلي، كَمَا أسلفناه عَن شُعْبَة. وَثَانِيها: بَين أبي عبد الله الجدلي وَخُزَيْمَة بن ثَابت، كَمَا سَيَأْتِي عَن البُخَارِيّ. وَثَالِثهَا: بَين إِبْرَاهِيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 التَّيْمِيّ وَأبي عبد الله الجدلي، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن حبَان فَإِنَّهُ سقط بَينهمَا مَا سلف لَك. وَرَابِعهَا: بَين عَمْرو بن مَيْمُون وَخُزَيْمَة، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه فَإِنَّهُ (أسقط بَينهمَا) الجدلي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد أَن نقل عَن شُعْبَة مَا سلف: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف للجدلي سَماع من خُزَيْمَة. (و) قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا يَصح. وَهُوَ كَمَا نَقله عَنهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «علله» - وَمِنْهَا نقلت -: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ، فَقَالَ: لَا يَصح عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سَماع من خُزَيْمَة، وَكَانَ شُعْبَة يَقُول: لم يسمع إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ من أبي عبد الله الجدلي حَدِيث الْمسْح، وَحَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون عَن أبي عبد الله الجدلي هُوَ أصح وَأحسن. وَذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: حَدِيث خُزَيْمَة عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَدِيث صَحِيح. ثمَّ سَاقه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الشّعبِيّ عَنهُ، فَقَالَ: نَا الْقَاسِم بن دِينَار، نَا مَالك بن إِسْمَاعِيل، نَا ذوّاد بن عُلبة - بِالْبَاء الْمُوَحدَة - عَن مطرف، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي عبد الله الجدلي، عَن خُزَيْمَة بن ثَابت، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِي الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ: «ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن (للْمُسَافِر) وَيَوْم للمقيم» ، ثمَّ قَالَ: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ ذوّاد بن عُلبة، عَن مطرف، عَن الشّعبِيّ، وَلَا أرَى هَذَا الحَدِيث مَحْفُوظًا. و (لم) نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وذوّاد بن عُلبة ضَعِيف. قلت: وَضَعفه أَيْضا ابْن معِين، وَقَالَ البُخَارِيّ: يُخَالف فِي بعض حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمتين ذهب حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن نمير: كَانَ شَيخا صَالحا (صَدُوقًا) وَقَالَ مُوسَى بن دَاوُد الضَّبِّيّ: (نَا ذواد) وَأَثْنَى عَلَيْهِ خيرا. قَالَ ابْن عدي: وَهُوَ فِي جملَة الضُّعَفَاء مِمَّن يكْتب حَدِيثه. الْعلَّة الثَّالِثَة: الطعْن فِي أبي عبد الله الجدلي نَفسه، قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ فِي «محلاه» : رُوِيَ عَن مَالك إجَازَة الْمسْح للمقيم، وَلَا (يرَى) التَّوْقِيت لَا للمقيم وَلَا للْمُسَافِر، وَإِنَّمَا يمسحان أبدا مَا لم يجنبا، وَتعلق (مقلدوه) فِي ذَلِك بأخبار سَاقِطَة وَلَا تصح. ثمَّ ذكر هَذَا الحَدِيث مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو عبد الله الجدلي: صَاحب (راية) الْمُخْتَار الْكَافِر، لَا يعْتَمد عَلَى رِوَايَته. وَشرع الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي يُجيب فِي (إِمَامه) عَن هَذِه الْعِلَل فَقَالَ: قد صحّح التِّرْمِذِيّ طَرِيق إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن (عَمْرو) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة، وَنقل عَن يَحْيَى بن معِين أَنه صحّح حَدِيث خُزَيْمَة فِي الْمسْح، قَالَ: وَطَرِيق هَذَا أَن يُعلل طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ بالانقطاع كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: إِن الحكم وَحَمَّاد روياه عَن النَّخعِيّ، عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة ... إِلَى آخر الْحِكَايَة السالفة. (قَالَ:) وَالرِّوَايَات متظافرة (متكاثرة) بِرِوَايَة التَّيْمِيّ (لَهُ) ، عَن عَمْرو بن مَيْمُون، عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة (بِهِ) وَأما من أسقط عمرا من الْإِسْنَاد فَالْحكم لمن زَاده؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة عدل، لَا سِيمَا وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ الْكَثْرَة من (الروَاة) (واتفاقهم) عَلَى هَذَا دون من (أسْقطه) ، وَأما زِيَادَة الْحَارِث بن سُوَيْد، وَإِسْقَاط الجدلي، (فَيُقَال) فِي إِسْقَاطه مَا سلف فِي الَّذِي قبله، وَأما زِيَادَة الْحَارِث، فَمُقْتَضَى الْمَشْهُور من أَفعَال الْمُحدثين، وَالْأَكْثَر أَن يحكم بهَا [وَيجْعَل] مُنْقَطِعًا فِيمَا بَين إِبْرَاهِيم وَعَمْرو بن مَيْمُون؛ لِأَن الظَّاهِر أَن الْإِنْسَان لَا يروي حَدِيثا عَن رجل عَن ثَالِث، وَقد رَوَاهُ هُوَ عَن ذَلِك الثَّالِث لقدرته عَلَى إِسْقَاط الْوَاسِطَة، لَكِن إِذا عَارض هَذَا الظَّاهِر دَلِيل أَقْوَى مِنْهُ عمل بِهِ، كَمَا فعل فِي أَحَادِيث (حكم) فِيهَا بِأَن الرَّاوِي علا وَنزل فِي الحَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 الْوَاحِد، فَرَوَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَلَعَلَّ إِبْرَاهِيم سَمعه من عَمْرو وَمن الْحَارِث - فَإِنَّهُ صرح فِي الْحِكَايَة السالفة أَنه حدث عَن عَمْرو، وَصرح فِي إِسْنَاد ابْن مَاجَه أَنه حدث عَن الْحَارِث - وَوجه آخر عَلَى طَريقَة الْفِقْه: وَهُوَ أَن يُقَال: إِن كَانَ مُتَّصِلا فِيمَا بَين التَّيْمِيّ وَعَمْرو بن مَيْمُون فَذَاك، وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا فقد بَين أَن الْوَاسِطَة بَينهمَا الْحَارِث بن سُوَيْد وَهُوَ من أكَابِر الثِّقَات. وَأما الْجَواب عَن قَول البُخَارِيّ: (إِنَّه) لَا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سَماع من خُزَيْمَة. فَلَعَلَّ هَذَا بِنَاء عَلَى مَا حُكيَ عَن بَعضهم أَنه يشْتَرط فِي الِاتِّصَال أَن يثبت السماع للرواي (من) الْمَرْوِيّ عَنهُ وَلَو مرّة. هَذَا أَو مَعْنَاهُ، وَقيل: إِنَّه مَذْهَب البُخَارِيّ، وَقد أطنب مُسلم فِي الرَّد لهَذِهِ الْمقَالة، وَاكْتَفَى بِإِمْكَان اللِّقَاء، وَذكر فِي ذَلِك شَوَاهِد. وَأما الْجَواب عَن قَول ابْن حزم فِي أبي عبد الله الجدلي فَلم يقْدَح (فِيهِ) أحد من الْمُتَقَدِّمين، وَلَا قَالَ فِيهِ مَا قَالَ ابْن حزم - فِيمَا علمناه - وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَيَحْيَى، وهما هما، وَصحح التِّرْمِذِيّ وَكَذَا ابْن حبَان حَدِيثه. وَمَا اعتل بِهِ من كَونه صَاحب راية الْمُخْتَار الْكَافِر، فقد ذكر مثل ذَلِك فِي أبي الطُّفَيْل، وَقد رَأَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَأجِيب عَنهُ بِأَن الْمُخْتَار أظهر أَولا فِي خُرُوجه الْقيام بثأر الْحُسَيْن فَكَانَ مَعَه من كَانَ، وَمَا كَانَ يَقُوله من غير هَذَا فَلَعَلَّهُ لم يطلع عَلَيْهِ أَبُو الطُّفَيْل وَلَا علمه، وَهَذَا مطرد فِي الجدلي. قلت: وَقد تَابعه عَمْرو بن مَيْمُون كَمَا سلف عَن رِوَايَة ابْن مَاجَه إِن لم يكن سقط بَينهمَا الجدلي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة، عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن مَسْرُوق وَسَلَمَة بن كهيل وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر و (الْحسن بن عبيد الله) ، كلهم يروي عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن عَمْرو بن مَيْمُون، عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة، عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَرَوَاهُ الحكم بن عتيبة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأَبُو معشر وَشُعَيْب بن الحبحاب والْحَارث العكلي، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن أبي عبد الله الجدلي، (عَن خُزَيْمَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لَا يَقُولُونَ عَمْرو بن مَيْمُون. قَالَ أَبُو زرْعَة) : الصَّحِيح من حَدِيث التَّيْمِيّ، عَن عَمْرو الجدلي، عَن خُزَيْمَة مَرْفُوعا، وَالصَّحِيح من حَدِيث النَّخعِيّ، عَن الجدلي بِلَا عَمْرو بن مَيْمُون. قَالَ أبي: عَن مَنْصُور مُخْتَلف (جرير) الضَّبِّيّ وَأَبُو عبد الصَّمد يحدثان بِهِ، يَقُولَانِ: عَن التَّيْمِيّ، عَن عَمْرو، عَن الجدلي، عَن خُزَيْمَة، وَأَبُو الْأَحْوَص يحدث بِهِ، لَا يَقُول فِيهِ: عَمْرو بن مَيْمُون. هَذَا آخر كَلَامه. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : الِاتِّفَاق عَلَى ضعف الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَضَعفه من الِاضْطِرَاب والانقطاع. وَقد عرفت ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وَمَا أُجِيب بِهِ مَعَ تَصْحِيح ابْن حبَان لَهُ وَتَصْحِيح التِّرْمِذِيّ الرِّوَايَة المختصرة، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. الحَدِيث السَّابِع عَن (أبي بن) عمَارَة رَضي اللهُ عَنهُ - وَكَانَ مِمَّن صَلَّى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ - قلت: «يَا رَسُول الله، أَمسَح عَلَى الْخُف؟ قَالَ: نعم. قلت: يَوْمًا. قَالَ: نعم ويومين. قلت: وَثَلَاثَة؟ قَالَ: نعم وَمَا شِئْت» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» . أما أَبُو دَاوُد فَرَوَاهُ من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن رزين، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن أَيُّوب (بن) قطن، عَن أبي بن عمَارَة - وَكَانَ قد صَلَّى مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْقبْلَتَيْنِ - أَنه قَالَ: «يَا رَسُول الله، أَمسَح عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: ويومين. قَالَ: وَثَلَاثَة؟ قَالَ: نعم وَمَا شِئْت» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ ابْن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن (يزِيد) ، عَن مُحَمَّد بن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبَادَة بن نسي، عَن أبي بن (عمَارَة) قَالَ فِيهِ: «حتَّى بلغ سبعا، قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: نعم، وَمَا بدا لَك» . وَأما ابْن مَاجَه فَرَوَاهُ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد ثَانِيًا، وَاللَّفْظ أَيْضا، وَمن هَذَا الْوَجْه (رَوَاهُ) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، بِشَهَادَة غير وَاحِد من الْحفاظ لَهُ بذلك. قَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث اخْتلف فِي إِسْنَاده وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (وَبِمَعْنَاهُ) قَالَ البُخَارِيّ، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: رِجَاله لايعرفون. نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (وَعلله) وَصَاحب «الإِمَام» ، وَنَقله عَنهُ أَيْضا أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي، فَقَالَ: سَأَلت أَحْمد عَنهُ: أَتُحِبُّ الْعَمَل بِهِ؟ فَقَالَ: رِجَاله لَا يعْرفُونَ. وَقَالَ: لست أعْتَمد عَلَى إِسْنَاد خَبره. وَسَيَأْتِي مناظرته مَعَه فِي ذَلِك، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: فِيهِ نظر متْنا وإسنادًا، وَهُوَ حَدِيث لَيْسَ بالقائم. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» : أبي بن عمَارَة الْأنْصَارِيّ لست أعْتَمد عَلَى إِسْنَاد خَبره. ثمَّ سَاقه من حَدِيث يَحْيَى، عَن (عبد الله) بن رزين، عَن مُحَمَّد بن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن أَيُّوب بن قطن، عَن عبَادَة، عَن أبي: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى فِي بَيته قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَمسَح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نعم. قلت: يَوْمًا؟ قَالَ: ويومين. قلت: وَثَلَاثَة؟ قَالَ: نعم، وَمَا بدا لَك» . قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» : فِيهِ يَحْيَى بن أَيُّوب، وَآخر كُوفِي، وأُخر مَجْهُولُونَ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان أَيْضا: علته أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَجْهُولُونَ، (قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ) . قَالَ: وَقَالَ الْموصِلِي أَيْضا: أَيُّوب بن قطن مَجْهُول، وَذكر حَدِيثه هَذَا وَالِاخْتِلَاف فِيهِ، وَقَالَ: كل لَا يَصح. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَمُحَمّد بن يزِيد هُوَ ابْن أبي زِيَاد صَاحب حَدِيث الصُّور، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول. وَعبد الرَّحْمَن بن رزين أَيْضا لَا يعرف لَهُ حَال فَهُوَ مَجْهُول. قَالَ: وَيَحْيَى بن أَيُّوب مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مِمَّن عيب عَلَى مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه. قلت: أما يَحْيَى بن أَيُّوب، فدعوى جهالته لَيست (بجيدة) فقد احْتج بِهِ مُسلم، وقرنه البُخَارِيّ، وَرَوَى عَنهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة: كالليث وَأَشْهَب وَغَيرهمَا، قَالَ ابْن معِين: ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَول ابْن حزم إِنَّه كُوفِي، (وهم) فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ مصري قَاضِي مصر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وَأما عبد الرَّحْمَن بن رزين: فروَى عَن جمَاعَة، وَعنهُ العطاف بن خَالِد، وَيَحْيَى بن أَيُّوب الْبَصْرِيّ، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ خَارج الصَّحِيح فِي الْأَدَب، وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَعَن ابْن حبَان أَنه قَالَ فِي «ثقاته» فِي حَقه: عداده فِي أهل الشَّام. وَأما مُحَمَّد بن يزِيد فروَى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالَ ابْن يُونُس: كُوفِي قدم مصر، وَكَانَ يُجَالس يزِيد بن أبي حبيب، رَوَى لَهُ (د ت ق) . وَأما أَيُّوب بن قطن فَلَا أعلم لَهُ حَالا، وأعل الحَدِيث بِوَجْه آخر، وَهُوَ الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الْإِسْنَاد لَا يثبت، وَقد اخْتلف فِيهِ عَلَى يَحْيَى بن أَيُّوب اخْتِلَافا كثيرا قد (بَينته) فِي مَوضِع آخر، قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد، وَأَيوب بن قطن مَجْهُولُونَ كلهم. قَالَ ابْن الْقطَّان (ثمَّ) صَاحب «الإِمَام» : وَهَذَا الِاخْتِلَاف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ أَنه ورد عَن يَحْيَى بن أَيُّوب عَلَى وُجُوه: مِنْهَا: عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن رزين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن أَيُّوب (بن) قطن، عَن أبي بن عمَارَة. وَمِنْهَا: (عَنهُ) عَن عبد الرَّحْمَن بن رزين، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن عبَادَة بن نسي، عَن أبي بن عمَارَة. وَمِنْهَا: عَن عبد الرَّحْمَن بن (زرين) ، عَن مُحَمَّد (بن) يزِيد، عَن أَيُّوب بن قطن، عَن عبَادَة بن نسي، عَن أبي بن عمَارَة (وَمِنْهَا: عَنهُ هَكَذَا إِلَى عبَادَة بن نُسي من غير ذكر أبي بن عمَارَة) وَلَكِن يُرْسِلهُ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَمِنْهَا: عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن، (عَن) مُحَمَّد، عَن وهب بن قطن، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ذكر ابْن الْقطَّان أَن ابْن السكن أَشَارَ إِلَيْهِ، وَلم يُوصل بِهِ إِسْنَادًا، وَإِنَّمَا قَالَ: وَيُقَال عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن مُحَمَّد (عَن وهب) بن قطن، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَبَين بعضه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْإِعْلَام فِي نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه» : هَذَا حَدِيث مُضْطَرب، اخْتلف فِيهِ عَلَى يَحْيَى بن أَيُّوب، وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن (ابْن) عمَارَة، وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن أبي بن عمَارَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الدِّمَشْقِي النصري - بالنُّون - (فِي «تَارِيخه» ) : سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: حَدِيث أبي بن عمَارَة لَيْسَ بِمَعْرُوف الْإِسْنَاد. ثمَّ قَالَ أَبُو زرْعَة: فناظرت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل فِي حَدِيثه عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعْنِي حَدِيث (أبي بن) عمَارَة - فَلم (يقنع) بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 قلت (لَهُ) : فَحَدِيث عَطاء بن يسَار، عَن مَيْمُونَة حدثت بِهِ أَبَا عبد الله - أَعنِي فِي الْمسْح أَيْضا - قَالَ: ذَلِك من كتاب. قَالَ أَبُو زرْعَة: قلت لأبي عبد الله: (فَإلَى) أَي شَيْء ذهب أهل الْمَدِينَة فِي الْمسْح أَكثر من ثَلَاث وَيَوْم وَلَيْلَة؟ قَالَ: لَهُم فِيهِ أثر. وَقَالَ لي أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل: حَدِيث خُزَيْمَة (مِمَّا لَعَلَّه) يدل عَلَى مَعْنَى حجَّة لَهُم قَوْله: «وَلَو استزدته لزادني» . و (ضعف) هَذَا الحَدِيث من الْمُتَأَخِّرين الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي فَقَالَ: رَوَى مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة التَّمِيمِي عَن البُخَارِيّ قَالَ: يُقَال: لأبي بن عمَارَة صُحْبَة، لَا يَصح حَدِيثه فِي الْمسْح، إِسْنَاده مَجْهُول، وَلَيْسَ يرْوَى عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا (حَدِيث) لَا يَصح. وَقَالَ فِي «الْإِعْلَام» : مُضْطَرب - كَمَا أسلفناه - وَضَعفه أَيْضا فِي «تَحْقِيقه» وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا حَدِيث ضَعِيف. وَأبي بن عمَارَة قيل: لم يثبت لَهُ ذكر فِي الصَّحَابَة، وَلذَلِك لم يذكرهُ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» ، و (نقل) النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَغَيره الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه واضطرابه، وَأَنه لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَخَالف هَؤُلَاءِ كلهم الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَأخْرج الحَدِيث فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 «مُسْتَدْركه» بِسَنَد أبي دَاوُد الثَّانِي وَلَفظه الأول، لكنه قَالَ: «عبد الرَّحْمَن بن رزين» بدل «يزِيد» ثمَّ قَالَ: أبي بن عمَارَة صَحَابِيّ مَعْرُوف، وَهَذَا إِسْنَاد مصري لم ينْسب وَاحِد مِنْهُم إِلَى جرح. قلت: لَكِن نسبوا إِلَى الْجَهَالَة كَمَا مرّ لَك، قَالَ: وَإِلَى هَذَا ذهب مَالك، وَلم يخرجَاهُ. قلت: (عُذْرهمَا) لائح فِي عدم تَخْرِيجه، وَهُوَ الْجَهَالَة السالفة، وغلا ابْن بدر الْموصِلِي فَذكر هَذَا الحَدِيث فِي «مَوْضُوعَاته» وَهَذَا تبَاين عَظِيم بَينه وَبَين الْحَاكِم، ثمَّ رَأَيْت لَهُ فِي ذَلِك سلفا وَهُوَ الجورقاني فَإِنَّهُ ذكره فِي «مَوْضُوعَاته» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مُنكر. ثمَّ أعله بِجَهَالَة من سلف، وَالصَّوَاب (أَن) لَا يذكر هَذَا فِي الموضوعات بل فِي الضُّعَفَاء. وَقَالَ الْحَاكِم: إِن أبي بن عمَارَة صَحَابِيّ مَعْرُوف، قد (أنكرهُ) بعض الْعلمَاء. قَالَ أَبُو عمر: واضطرب حَدِيثه، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» لأَنهم يَقُولُونَ إِنَّه خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو أبي بن أم حرَام و (اسْمه) عبد الله. وَقَالَ (أَبُو) حَاتِم: من قَالَ أبي بن عمَارَة أَخطَأ، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو أبي واسْمه: عبد الله بن عَمْرو بن أم حرَام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 قلت: وَعمارَة (أَيْضا) اخْتلف فِي (صحبته) ، وَالْأَشْهر كسر عينه، وَبِه جزم ابْن مَاكُولَا وَآخَرُونَ، وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : إِنَّه الْمَعْرُوف فِيهِ. وَحَكَى أَبُو عمر، وَالْبَيْهَقِيّ، وَعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي الضَّم أَيْضا، وكل من حَكَاهُ قَالَ: الْكسر أشهر وَأكْثر، إِلَّا أَن أَبَا عمر قَالَ: (الْأَكْثَرُونَ عَلَى الضَّم) ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنه لَيْسَ فِي الْأَسْمَاء (عمَارَة - بِالْكَسْرِ - غَيره) . الحَدِيث الثَّامِن عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضي اللهُ عَنهُ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَنه جعل الْمسْح ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، من حَدِيث شُرَيْح بن هَانِئ، قَالَ: «أتيت عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أسألها عَن الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَت: عَلَيْك بِابْن أبي طَالب فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافر مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: جعل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: عَن شُرَيْح، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ: «للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وللمقيم (يَوْم) وَلَيْلَة» . (ثَانِيهَا بِهِ) : «رخص لنا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَة أَيَّام للْمُسَافِر وَيَوْما وَلَيْلَة (للحاضر) » . ثَالِثهَا: عَن شُرَيْح قَالَ: « (سَأَلت) عليًّا عَن الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: رخص لنا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَر يَوْمًا وَلَيْلَة، وللمسافر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَيْفيَّة الْمسْح: وَالْأولَى أَن يضع كَفه الْيُسْرَى تَحت الْعقب واليمنى عَلَى ظُهُور الْأَصَابِع، و (يُمر) الْيُسْرَى (إِلَى) أَطْرَاف الْأَصَابِع من أَسْفَل واليمنى إِلَى السَّاق، وتروى هَذِه الْكَيْفِيَّة عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ وَلَا يحضرني من رَوَاهُ عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 هَكَذَا، وَالَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ «أَنه كَانَ يمسح أَعلَى الْخُف وأسفله» كَمَا (أسلفته) فِي آخر الحَدِيث الرَّابِع. خَاتِمَة رَأَيْت أَن أختم بهَا الْبَاب: اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ لما صدر الْبَاب بِحَدِيث أبي بكرَة، وَصَفوَان قَالَ: وَالْأَحَادِيث فِي بَاب (الْمسْح) كَثِيرَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَاهُ (الجم) الْغَفِير مِنْهُم. قَالَ الإِمَام أَحْمد: لَيْسَ فِي قلبِي مِنْهُ شَيْء فَفِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثا عَن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (مَا رفعوا) إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَمَا وقفُوا. وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ عَنهُ: فِيهِ سَبْعَة وَثَلَاثُونَ صحابيًّا. وَرَوَى الْحسن بن مُحَمَّد عَنهُ كَالْأولِ، وَكَذَا قَالَ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: فِيهِ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ. وَقَالَ أَبُو عمر: (وَرَوَاهُ) عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نَحْو أَرْبَعِينَ مِنْهُم، وَأَنه استفاض وتواتر. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وروينا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ: حَدَّثَني سَبْعُونَ من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَعبارَة الْمَاوَرْدِيّ: حَدَّثَني سَبْعُونَ بدريًّا. قَالَ: وَأَرَادَ أَنه سمع ذَلِك عَن بَعضهم؛ لِأَنَّهُ لم يدْرك سبعين بدريًّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَذكر (ذَلِك) إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش قَالَ: ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، قَالَ: مسح رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَأَبُو بكر الصّديق، وَعمر بن الْخطاب، وَعُثْمَان بن عَفَّان، وَعلي بن أبي طَالب، وَسعد بن أبي وَقاص، وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، وَأَبُو الدَّرْدَاء، وَزيد بن ثَابت، وَقيس بن سعد بن عبَادَة، وَابْن عَبَّاس، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، وَخُزَيْمَة بن ثَابت، والبراء بن عَازِب، وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، وَأنس بن مَالك، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، والمغيرة بن شُعْبَة، وَصَفوَان بن عَسَّال، وفضالة بن عبيد الْأنْصَارِيّ، وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ. وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: وَمِمَّنْ روينَا عَنهُ الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنه أَمر بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا فِي السّفر والحضر بالطرق الحسان فِي مصنفي بن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق. فَذكر جمَاعَة مِمَّن ذكرنَا (عَن سُفْيَان) ، وَزَاد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف (وَابْن عمر، وسلمان، وبلال، وَعَمْرو بن أُميَّة، وَعبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ) وعمار، وَسَهل بن سعد، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَلم يرو عَن غَيرهم مِنْهُم خلاف إِلَّا الشَّيْء الَّذِي لَا يثبت عَن عَائِشَة، وَابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة. قلت: قَالَ أَحْمد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: إِنَّه بَاطِل لَا يَصح. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فِي الْبَاب (عَن) جماعات، فَذكر جمَاعَة مِمَّن ذكرهم سُفْيَان وَأَبُو عمر، وَزَاد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 وَبُرَيْدَة، ويعلى بن مرّة، وَعبادَة بن الصَّامِت، وَأُسَامَة بن (شريك) وَأَبا أُمَامَة، وجابرًا يَعْنِي ابْن عبد الله، وَأُسَامَة بن زيد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : روينَا جَوَاز الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ عَن جماعات. فعددهم، وتداخل بَعضهم فِيمَا ذَكرْنَاهُ عَن سُفْيَان، وَالتِّرْمِذِيّ، وَأبي عمر، وَزَاد: وَعَمْرو بن الْعَاصِ، وَجَابِر بن سَمُرَة، وَأَبا زيد الْأنْصَارِيّ. قلت: وَرَوَاهُ أَيْضا أبي بن عمَارَة كَمَا سلف قَرِيبا، وثوبان رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَعبد الله بن رَوَاحَة رَوَاهُ تَمام الرَّازِيّ فِي «فَوَائده» وَمُسلم [أَبُو] عَوْسَجَة رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» ، وَعَائِشَة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَأم سعد الْأَنْصَارِيَّة، رَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي «معرفَة الصَّحَابَة» ، وَبُدَيْل بن وَرْقَاء، رَوَاهُ العسكري فِي «الصَّحَابَة» و [أَبُو] طَلْحَة رَوَاهُ الخرائطي فِي «مَكَارِم الْأَخْلَاق» ، وَمَالك بن سعد رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» أَيْضا، وَقَالَ: مَجْهُول. وَأَوْس بن أَوْس رَوَاهُ أَحْمد، وَطَلْحَة بن عبيد الله، وَالزبير بن الْعَوام، وَسَعِيد بن زيد، وَعبد الله بن (مُغفل) ، وعامر بن ربيعَة، وعَوْف بن مَالك، وَعَمْرو بن حزم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وعصمة بن مَالك، و (أَبُو) ذَر الْغِفَارِيّ، (و) ربيعَة بن كَعْب، وَرَافِع بن خديج، وخَالِد بن عرفطة، و (أَبُو) سعيد الْخُدْرِيّ، وَأبي بن كَعْب، وَسمرَة بن جُنْدُب، وَالْعَبِيد، وشبيب بن غَالب (الْكِنْدِيّ) ، وفروة بن مسيك، وَمَالك بن قهطم، وَمَالك بن ربيعَة، وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، ومعاذ بن جبل، وَبشر بن سعيد، و (أَبُو) بكرَة، و (أَبُو) ثَوْر، و (أَبُو) جُحَيْفَة، ويسار، ومَيْمُونَة، أَفَادَ ذَلِك ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» ، فَاجْتمع من كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة (وَمِمَّا زِدْته) أَنه رَوَاهُ ثَمَانُون صحابيًّا، وَللَّه الْحَمد عَلَى ذَلِك وَعَلَى جَمِيع نعمه فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات. وَيُسْتَفَاد مِمَّا ذكرنَا فَائِدَة جليلة: وَهِي أَن الْمسْح رَوَاهُ من جملَة الصَّحَابَة الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، وَقد اجْتمع ذَلِك أَيْضا فِي رفع الْيَدَيْنِ كَمَا ستعلمه فِي بَابه، وَنقل النَّوَوِيّ فِي أَوَائِل «شَرحه لمُسلم» فِي كَلَامه عَلَى حَدِيث: «من كذب عَلّي مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» أَن بَعضهم ذكر أَنه رُوِيَ عَن اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ صحابيًّا وَمِنْهُم الْعشْرَة، وَأَنه لَا يعرف حَدِيث اجْتمع عَلَى رِوَايَته إِلَّا هَذَا، (وَلَا حَدِيث رَوَاهُ أَكثر من سِتِّينَ صحابيًّا إِلَّا هَذَا) ، وَقد علمت أَن حَدِيث الْمسْح رَوَاهُ أَكثر من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 هَذَا الْعدَد مَعَ الْعشْرَة، وستعلم مَا فِي (حَدِيث) رفع الْيَدَيْنِ (فِي بَابه) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (آخر الْجُزْء الْخَامِس عشر يتلوه: بَاب الْحيض، والجزء السَّادِس عشر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا) بَاب الْحيض ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فستة (وَعِشْرُونَ) حَدِيثا. الحَدِيث الأول رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «تمكث إحداكن شطر دهرها لَا تصلي» . هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ غَرِيب جدًّا، وَقد نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى أَنه لَا يعرف لَهُ أصل. قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه - فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ صَاحب (الإِمَام) -: ذكر بَعضهم عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قَالَ: «تمكث نصف (دهرها) لَا تصلي» وَلَا يثبت هَذَا بِوَجْه من الْوُجُوه عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : الَّذِي يذكرهُ بعض فقهائنا فِي هَذِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 الرِّوَايَة: «شطر عمرها - أَو شطر دهرها - لَا تصلي» فقد طلبته كثيرا فَلم أَجِدهُ فِي شَيْء من كتب أَصْحَاب الحَدِيث، (وَلم) أجد لَهُ إِسْنَادًا بِحَال. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا لفظ ذكره أَصْحَابنَا وَلَا أعرفهُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لم يُوجد لَهُ إِسْنَاد بِحَال. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي «مهذبه» : لم أَجِدهُ بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا فِي كتب الْفُقَهَاء. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» لَهُ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا يعرف. وَقَالَ فِي «خلاصته» : إِنَّه بَاطِل لَا أصل لَهُ. قلت: وَأما مَا ذكره ابْن تَيْمِية فِي «شرح الْهِدَايَة» لأبي الْخطاب عَن القَاضِي أبي يعْلى: ذكر عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم البستي فِي «سنَنه» أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «تمكث إِحْدَاهُنَّ شطر دهرها لَا تصلي» . (و) عبد الرَّحْمَن لَيْسَ (لَهُ سنَن) وسننه الَّتِي عزاهُ إِلَيْهَا لم نقف عَلَيْهَا بل وَلَا سمعنَا بهَا، فَالله أعلم. وَلَفظ الحَدِيث فِي الصَّحِيح: «أَلَيْسَ إِذا حَاضَت لم تصلِّ وَلم تصم فَذَلِك من نُقْصَان دينهَا» رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد، وَرَوَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 مُسلم من (حَدِيثه وَحَدِيث ابْن عمر وَلَفظه فِي) حَدِيث ابْن عمر: «وتمكث اللَّيَالِي مَا تصلي وتفطر فِي (شهر) رَمَضَان فَهَذَا نُقْصَان الدَّين» . رَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِمثلِهِ، وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ من طَرِيقه وَمن طَرِيق ابْن عمر. وَوَقع فِي «جَامع المسانيد» لِلْحَافِظِ أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ أَن البُخَارِيّ انْفَرد بِإِخْرَاج حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَهُوَ من طغيان الْقَلَم، وَصَوَابه: أَن مُسلما انْفَرد بِهِ، وَمِمَّا يُؤَكد هَذَا أَنه سَاقه بِسَنَد مُسلم. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «تحيضي فِي علم الله سِتا أَو سبعا كَمَا تحيض النِّسَاء ويطهرن» . هَذَا الحَدِيث أصل عَظِيم فِي الْبَاب، وَعَلِيهِ مَدَاره، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد ذكر مِنْهُ قِطْعَة الرَّافِعِيّ بعد هَذَا، فنذكره بِتَمَامِهِ، فَنَقُول: رَوَى الْأَئِمَّة الشَّافِعِي وَأحمد فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابيه) «الْمعرفَة» و «السّنَن» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عَقيل - بِفَتْح الْعين - عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عَمه عمرَان بن طَلْحَة، عَن أمه حمْنَة بنت جحش رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كنت أسْتَحَاض حَيْضَة كَبِيرَة شَدِيدَة، فَأتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أستفتيه وَأخْبرهُ، فَوَجَدته فِي بَيت أُخْتِي زَيْنَب بنت جحش، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض حَيْضَة كَثِيرَة (شَدِيدَة) فَمَا تَأْمُرنِي فِيهَا؟ قد منعتني الصَّوْم وَالصَّلَاة. قَالَ: أَنعَت لَك الكرسف، فَإِنَّهُ يذهب الدَّم. قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك؟ (قَالَ: فتلجمي. قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك؟ قَالَ: فاتخذي خرقًا. قَالَت: هُوَ أَكثر من ذَلِك) إِنَّمَا أثج ثجًّا. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: سآمرك بأمرين، أَيهمَا صنعت أَجْزَأَ عَنْك، فَإِن قويت عَلَيْهِمَا فَأَنت أعلم، فَقَالَ: إِنَّمَا (هِيَ) ركضة من الشَّيْطَان فتحيضي سِتَّة أَيَّام أَو سَبْعَة أَيَّام فِي علم الله، ثمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذا رَأَيْت أَنَّك قد طهرت واستنقأت فَصلي (أَرْبعا) وَعشْرين لَيْلَة أَو ثَلَاثًا وَعشْرين لَيْلَة وأيامها فصومي وَصلي فَإِن ذَلِك يجزئك، وَكَذَلِكَ فافعلي كَمَا تحيض النِّسَاء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 قويت عَلَى أَن تؤخري الظّهْر و (تعجلِي) الْعَصْر ثمَّ تغتسلين حتَّى تطهرين، وتصلين الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، ثمَّ تؤخرين الْمغرب وتعجلين الْعشَاء، ثمَّ تغتسلين وتجمعين بَين الصَّلَاتَيْنِ فافعلي، ثمَّ تغتسلين مَعَ الصُّبْح وتصلين، وَكَذَلِكَ فافعلي وصومي إِن قويت عَلَى ذَلِك، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: « (هُوَ) أعجب الْأَمريْنِ إليّ» هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ. وَلَفظ البَاقِينَ بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث (حسن) . قَالَ: وَرَوَاهُ عبيد الله بن (عَمْرو) الرقي وَابْن جريج وَشريك، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عَمه عمرَان، عَن أمه حمْنَة إِلَّا أَن ابْن جريج يَقُول: عمر بن طَلْحَة. وَالصَّحِيح: عمرَان بن طَلْحَة. قَالَ: وسالت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَنهُ فَقَالَ: (هُوَ) حَدِيث (حسن) . قَالَ: وَهَكَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : قد اتّفق الشَّيْخَانِ - يَعْنِي البُخَارِيّ وَمُسلمًا - عَلَى إِخْرَاج حَدِيث الْمُسْتَحَاضَة من حَدِيث الزُّهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة عَن عَائِشَة «أَن فَاطِمَة بنت جحش سَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» وَلَيْسَ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 هَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِي فِي حَدِيث حمْنَة بنت جحش. قَالَ: وَرِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَهُوَ من أَشْرَاف قُرَيْش وَأَكْثَرهم رِوَايَة، غير أَن الشَّيْخَيْنِ لم يحْتَجَّا بِهِ، قَالَ: وَله شَوَاهِد فَذكرهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف عَلَى عبد الله بن عقيل فِيهِ، فَرَوَاهُ أَبُو أَيُّوب الأفريقي عبد الله بن [عَلّي] عَنهُ عَن جَابر وَوهم فِيهِ، وَخَالفهُ (عبيد الله) بن عمر، وَابْن جُرَيْج وعَمرو بن أبي ثَابت وزُهير بن مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى فَرَوَوْه عَن ابْن (عَقيل) ، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عمرَان بن طَلْحَة، عَن أمه حمْنَة (قَالَ) وَهُوَ الصَّحِيح. قلت: وَخَالف هَؤُلَاءِ (جمَاعَة) فضعفوه، قَالَ الْخطابِيّ: ترك بعض الْعلمَاء الِاحْتِجَاج بِهِ؛ لِأَن (رَاوِيه) ابْن عقيل لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» : تفرد بِهِ ابْن عقيل وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَمْرو بن ثَابت، عَن ابْن عقيل فَقَالَ: «قَالَت حمْنَة: و (هُوَ) أعجب الْأَمريْنِ» وَلم يَجعله قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ عَمْرو بن ثَابت رَافِضِيًّا. وَذكره عَن يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» وَمِنْهَا نقلت: سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هُوَ حَدِيث حسن إِلَّا أَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة هُوَ (قديم) لَا أَدْرِي سمع مِنْهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل أم لَا، وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح عِنْدهم بِوَجْه من الْوُجُوه؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن عقيل وَقد أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ، فوهنه وَلم يقو إِسْنَاده. (ورده) أَبُو مُحَمَّد بن حزم بِوُجُوه: أَحدهَا: الِانْقِطَاع بَين ابْن جريج وَابْن عقيل، وَزعم أَن ابْن جريج لم (يسمعهُ) من ابْن عقيل، بَينهمَا فِيهِ النُّعْمَان بن رَاشد، وَذكره بِسَنَدِهِ وَضعف النُّعْمَان هَذَا. ثَانِيهَا: (أَنه رَوَاهُ) عَن ابْن عقيل: شريك وَزُهَيْر بن مُحَمَّد، وَكِلَاهُمَا ضَعِيف. ثَالِثهَا: أَن عمر بن طَلْحَة غير مَخْلُوق وَلَا يعرف لطلْحَة (ابْن اسْمه) عمر، قَالَ: وَرُوِيَ من طَرِيق ابْن أبي أُسَامَة، وَقد ترك حَدِيثه فَسقط الْخَبَر جملَة، وَعَن أبي دَاوُد عَن أَحْمد أَنه قَالَ: فِي هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 الْبَاب حديثان وثالث فِي النَّفس مِنْهُ شَيْء. وَفسّر أَبُو دَاوُد الثَّالِث بِأَنَّهُ حَدِيث حمْنَة هَذَا. قلت: وَلَك أَن تجيب عَمَّا طعنوا فِيهِ، وَأما ترك بعض الْعلمَاء الِاحْتِجَاج بِهِ فمعارض بتصحيح غَيره لَهُ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل لَا يقبل؛ فَإِن أَئِمَّة الحَدِيث صححوه، وَهَذَا الرَّاوِي وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِي توثيقه وجرحه فقد صحّح الْحفاظ حَدِيثه هَذَا، وهم أهل هَذَا الْفَنّ، وَقد علم من قاعدتهم فِي حد الحَدِيث الصَّحِيح وَالْحسن أَنه إِذا كَانَ فِي الرَّاوِي بعض الضعْف يجْبر حَدِيثه بشواهد (لَهُ) أَو متابعات وَهَذَا من (ذَلِك) . وَأما مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ من تفرد ابْن عقيل بِهِ فَجَوَابه أَنه إِذا كَانَ الرَّاجِح توثيقه فَلَا يضر تفرده بِهِ؛ لِأَن تفرد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يضر، وَقد عرفت حَاله فِي بَاب الْوضُوء، وَقد ذكرنَا آنِفا تَحْسِين أَحْمد وَالْبُخَارِيّ حَدِيثه هَذَا، وَزَاد أَحْمد تَصْحِيحه. وَأما مَا ذكره أَبُو دَاوُد من أَن عَمْرو بن ثَابت رَوَاهُ عَن ابْن عقيل فَقَالَ: «قَالَت حمْنَة: هَذَا أعجب الْأَمريْنِ (إليَّ) » فَجعله من قَوْلهَا وَلم يَجعله قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فَلَا يقْدَح فِيمَا تقدم؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنَّهَا قَالَت ذَلِك بعد قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى أَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَأحمد وَغَيرهمَا من جِهَة زُهَيْر عَن ابْن عقيل، لَا من جِهَة عَمْرو بن ثَابت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وَأما قَول يَحْيَى بن معِين أَن عَمْرو بن ثَابت كَانَ رَافِضِيًّا، فمسلّم، لَكِن لم ينْقل أحد أَنه كَانَ دَاعِيَة، نعم هُوَ مَتْرُوك. وَأما مَا ذكره التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ من توقفه فِي سَماع ابْن عقيل من إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة لقدم إِبْرَاهِيم؛ فَجَوَابه أَن إِبْرَاهِيم هَذَا مَاتَ سنة عشر وَمِائَة فِي قَول أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَخَلِيفَة بن خياط، وَهُوَ تَابِعِيّ سمع عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأَبا أسيد السَّاعِدِيّ، و (أَبَا) هُرَيْرَة، وَعَائِشَة. وَابْن عقيل سمع: عبد الله بن عمر، وَجَابِر بن عبد الله، و (أنسا) وَالربيع بنت معوذ فَلَا يُنكر (إِذا) سَمَاعه من إِبْرَاهِيم لقدمه، وَابْن أبي طَلْحَة من هَؤُلَاءِ فِي الْقدَم، وهم نظراء، وَلَو توقف البُخَارِيّ عَن ذَلِك غير مُعَلل بعلة أَو بعلة أُخْرَى لما توجه الْإِنْكَار عَلَيْهِ عَلَى أَنِّي رَأَيْت بعض (مَشَايِخنَا) يَقُول: إِن فِي صِحَة هَذَا عَن البُخَارِيّ نظرا، لَكِن قد نَقله عَنهُ مثل هَذَا الإِمَام. وَجَوَابه مَا سلف. وَأما قَول ابْن مَنْدَه فِي ابْن عقيل، فقولة (عَجِيبَة) مِنْهُ، وَقد أنكرها عَلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» وَقَالَ: لَيْسَ الْأَمر (كَمَا) ذكره وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 كَانَ بحرًا من بحور هَذِه (الصِّنَاعَة) ، فقد ذكر التِّرْمِذِيّ أَن الْحميدِي وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق كَانُوا يحتجون بِحَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَقَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: أَنه مقارب الحَدِيث. قلت: وَحسن حَدِيثه هَذَا وَصَححهُ كَمَا سلف. وَأما مَا ذكره ابْن أبي حَاتِم فَلم يبين سَبَب وهنه حتَّى يبْحَث مَعَه (عَنهُ) ، وَلَعَلَّه أَرَادَ (بعض) مَا مَضَى أَو مَا يَأْتِي، وَقد أجبنا عَنهُ. وَأما رد ابْن حزم بالانقطاع بَين ابْن جريج وَابْن عقيل وَضعف الْوَاسِطَة بَينهمَا، فَجَوَابه أَن التِّرْمِذِيّ وَأَبا دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم رَوَوْهُ من غير طَرِيق ابْن جرير، (فليتصل) طَرِيق ابْن جريج أَو لينقطع، ولتكن الْوَاسِطَة بَينه وَبَين ابْن عقيل ضَعِيفا إِن شَاءَ أَو قويًّا، وَعَلَى تَقْدِير الْوَاسِطَة وَهُوَ النُّعْمَان بن رَاشد، فقد أخرج لَهُ مُسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ وَقَالَ: فِي حَدِيثه وهمٌ كثير وَهُوَ صَدُوق فِي الأَصْل. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: أدخلهُ البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء، فَسمِعت أبي يَقُول: يحول اسْمه مِنْهُ. وَأما (تَضْعِيفه) لِشَرِيك فَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، لِأَنَّهُ مخرج لَهُ فِي الصَّحِيح، وَقد انْفَرد بِهَذَا الطَّرِيق ابْن مَاجَه فأخرجها فِي «سنَنه» عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن شريك، عَن ابْن عقيل بِهِ كَمَا تقدم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 وَأما (تَضْعِيفه زهيرًا) وَهُوَ الَّذِي سَاقه من قدمْنَاهُ من طَرِيقه خلا ابْن مَاجَه، فقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» محتجًا بِهِ، وَمُسلم فِي الشواهد، وَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق وَفِي حفظه شَيْء، وَحَدِيثه بِالشَّام أنكر من حَدِيثه بالعراق. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الصَّغِير» : مَا رَوَى عَنهُ أهل الشَّام فَإِنَّهُ مَنَاكِير، وَمَا (رَوَى) عَنهُ أهل الْبَصْرَة فَإِنَّهُ صَحِيح الحَدِيث. قَالَ الإِمَام أَحْمد: كَأَن الَّذِي رَوَى عَنهُ أهل الشَّام زهيرًا آخر؛ فَقلب اسْمه. وَقَالَ الدَّارمِيّ: ثِقَة صَدُوق وَله أغاليط. وَقَالَ يَحْيَى: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ أهل الشَّام حَيْثُ رووا عَنهُ أخطأوا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إِذا حدّث عَنهُ أهل الْعرَاق فروايتهم عَنهُ شَبيهَة بالمستقيمة، وَأَرْجُو (أَنه) لَا بَأْس بِهِ. قلت: وَحَدِيثه هَذَا من رِوَايَة أبي عَامر الْعَقدي عَنهُ، وَهُوَ بَصرِي، فَهَذَا من حَدِيث أهل الْعرَاق وَلَيْسَ من حَدِيث أهل الشَّام. وَأما إِنْكَاره عمر بن طَلْحَة فقد أسلفنا عَن التِّرْمِذِيّ أَنه لَا يَقُوله فِي هَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا ابْن جريج، وَغَيره يَقُول: عمرَان. وَهُوَ مَا سَاقه التِّرْمِذِيّ وَغَيره مِمَّن (أسلفنا) . وَأما تَضْعِيفه لِلْحَارِثِ بن أبي أُسَامَة الْحَافِظ صَاحب «الْمسند» فَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَقد تكلم فِيهِ الْأَزْدِيّ (بِلَا) حجَّة، والأزدي مُتَكَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 فِيهِ، وَلينه بعض البغاددة لكَونه يَأْخُذ عَلَى الرِّوَايَة (أَي أجرا) ، قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قد اخْتلف فِيهِ وَهُوَ عِنْدِي صَدُوق. وَقَالَ البرقاني: أَمرنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَن أخرج عَنهُ فِي الصَّحِيح. وَخرج عَنهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» . وَأما تَفْسِير أبي دَاوُد الحَدِيث الثَّالِث - الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمد مَا أسلفناه عَنهُ - بِأَنَّهُ حَدِيث حمْنَة، فَهُوَ معَارض بِنَقْل التِّرْمِذِيّ عَنهُ أَنه صَححهُ. فَائِدَة: فِي ضبط أَلْفَاظه ومعانيه، مَعْنَى «أَنعَت (لَك) الكرسف» : أصف (لَك) قيل: النَّعْت وصف الشَّيْء بِمَا فِيهِ من حسن، وَلَا يُقَال فِي الْقبْح إِلَّا أَن يتَكَلَّف متكلف فَيَقُول: نعت سوء. والكرسف - بِضَم الْكَاف وَالسِّين - الْقطن، وَقد جعل وَصفا فِي حَدِيث «كفن فِي (ثَلَاثَة) أَثوَاب يَمَانِية كُرْسُف» و (هُوَ) من بَاب إبل مائَة (وجبة) ذِرَاع، مِمَّا جعل وَصفا وَإِن لم يكن مشتقًّا. وَقَوله: «تلجمي» اللجام مَا تشده الْحَائِض. قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قَالَ (الْخَلِيل) : اللجام مَعْرُوف، فَإِن أخذناه من هَذَا كَانَ مَعْنَاهُ افعلي فعلا يمْنَع سيلان الدَّم واسترساله كَمَا يمْنَع اللجام استرسال الدَّابَّة. ثمَّ نقل عَن بَعضهم أَن اللجمة فِيمَا يُقَال فوهة النَّهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 (قَالَ) : فَإِن صَحَّ هَذَا فَيكون مَعْنَاهُ شدّ اللجمة وَهِي الفوهة الَّتِي ينهر مِنْهَا الدَّم. (قَالَ) وَهَذَا بديع غَرِيب. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: وَورد فِي هَذَا الحَدِيث «تلجمي واستثفري» - قلت: لم أَقف عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الثَّانِي - ثمَّ ذكر عَن الْهَرَوِيّ احْتِمَالَيْنِ فِي الاستثفار، ثمَّ قَالَ: وَالْمرَاد بالتلجم والاستثفار شَيْء وَاحِد. قَالَ: (وَسَماهُ) الشَّافِعِي التَّعْصِيب أَيْضا. والثج: السيلان، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (ثجاجًا) أَي سيّالاً، وَمِنْه الحَدِيث « (أفضل) الْحَج العج والثج» . والركض: أَصله الضَّرْب بِالرجلِ والإصابة بهَا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بقوله: «ركضة الشَّيْطَان» الْإِضْرَار بِالْمَرْأَةِ والأذى (لَهَا) بِمَعْنى أَن الشَّيْطَان وجد بذلك سَبِيلا إِلَى (التلبيس) عَلَيْهَا فِي أَمر دينهَا وطهرها وصلاتها حتَّى أَنْسَاهَا بذلك عَادَتهَا، فَصَارَ فِي التَّقْدِير كَأَنَّهُ ركضة (يَا لَهُ) من ركضاته، وَإِضَافَة ذَلِك إِلَى الشَّيْطَان كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (فأنساه الشَّيْطَان ذكر ربه) وَقيل: هُوَ حَقِيقَة وَأَن الشَّيْطَان ضربهَا حتَّى انْقَطع عرقها. وَقَوْلها: «تحيضي فِي علم الله» أَي: الزمي الْحيض وَأَحْكَامه فِيمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 أعلمك الله من عَادَة النِّسَاء، كَذَا (قَالَ) أَصْحَابنَا فِي كتبهمْ، وَالْعلم هُنَا بِمَعْنى (الْمَعْلُوم) . وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: فِيمَا (علم) الله من أَمرك من سِتَّة أَو سَبْعَة. وَقَوله: «كَمَا تحيض النِّسَاء» المُرَاد غَالب النِّسَاء، لِاسْتِحَالَة إِرَادَة النِّسَاء (كُلهنَّ) لاختلافهم. وَقَوله: «مِيقَات حيضهن» هُوَ (بِنصب التَّاء) عَلَى الظّرْف أَي فِي وَقت حيضهن. فَائِدَة ثَانِيَة: حمْنَة هَذِه (هِيَ) بنت جحش أُخْت زَيْنَب بنت جحش أم الْمُؤمنِينَ كَمَا تقدم فِي الحَدِيث، كَانَت تَحت مُصعب بن عُمَيْر، فاستشهد عَنْهَا يَوْم أحد فَتَزَوجهَا طَلْحَة بن عبيد الله فَولدت لَهُ مُحَمَّدًا وَعمْرَان، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ فِيمَا حَكَاهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» : بَعضهم يغلط فيروي أَن الْمُسْتَحَاضَة حمْنَة بنت جحش، ويظن أَن كنيتها أم حَبِيبَة وَهُوَ يَعْنِي الْمُسْتَحَاضَة حَبِيبَة أم حبيب. وَكَذَا نقل الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْحَرْبِيّ أَن الصَّوَاب أم حبيب بِغَيْر هَاء وَأَن اسْمهَا حَبِيبَة، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهَذَا صَحِيح، وَكَانَ من أعلم النَّاس بِهَذَا الْبَاب. وَذكر (الزبير) بن بكار وشباب الْعُصْفُرِي أَنَّهَا حمْنَة، وكناها ابْن الْكَلْبِيّ وَابْن حزم فِي «جمهرتهما» وَابْن عَسَاكِر والمزي: أم حَبِيبَة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَذكر الْمزي أَن أَبَا دَاوُد أخرجه من أحد الْوَجْهَيْنِ عَن حَبِيبَة وَهِي حمْنَة، وَأَن ابْن مَاجَه أخرجه من وَجْهَيْن أَحدهمَا عَن حمْنَة، وَالْأُخْرَى عَن أم حَبِيبَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : حمْنَة بنت جحش، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هِيَ أم حَبِيبَة. وَخَالفهُ يَحْيَى بن معِين فَزعم أَن الْمُسْتَحَاضَة أم حَبِيبَة بنت جحش تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لَيست بحمنة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث ابْن عقيل يدل عَلَى أَنَّهَا غَيرهَا كَمَا قَالَ يَحْيَى، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: أم حَبِيبَة بنت جحش كَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَكَانَت تستحاض، وَقيل: إِن الْمُسْتَحَاضَة (كَانَت حمْنَة) أُخْتهَا، وَالصَّحِيح عِنْد أهل الحَدِيث أَنَّهُمَا كِلَاهُمَا مستحاضتان، قَالَ: وَبَنَات جحش الثَّلَاث استحضن، زَيْنَب وَأم حَبِيبَة وَحمْنَة. فَائِدَة ثَالِثَة: اخْتلف الْعلمَاء فِي حمْنَة هَذِه؛ هَل كَانَت مُسْتَحَاضَة مُبتَدأَة أَو مُعْتَادَة؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاخْتَارَ الْخطابِيّ وجماعات من أَصْحَابنَا أَنَّهَا كَانَت مُبتَدأَة فَردَّتْ إِلَى غَالب عَادَة النِّسَاء، قَالَ الْخطابِيّ: وَيدل لَهُ قَوْله: «كَمَا تحيض النِّسَاء و (يطهرن) » ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِي (فِي «الْأُم» أَنَّهَا كَانَت مُعْتَادَة وأوضح دَلِيله، وَقَالَ: هَذَا أشبه مَعَانِيه وَرجحه الْبَيْهَقِيّ) فِي «الْمعرفَة» وَقَالَ فِي «خلافياته» : إِنَّه الظَّاهِر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وَلم يرجح فِي «سنَنه» شَيْئا. قَالَ صَاحب «التَّتِمَّة» : من قَالَ: كَانَت مُعْتَادَة، ذكرُوا فِي ردهَا إِلَى السِّتَّة (أَو) السَّبْعَة ثَلَاث تأويلات، أَحدهَا: مَعْنَاهُ سِتَّة إِن كَانَت عادتك سِتا، أَو سبعا إِن كَانَت عادتك سبعا. ثَانِيهَا: (لَعَلَّهَا) شكت؛ هَل عَادَتهَا سِتَّة أَو سَبْعَة، فَقَالَ: تحيضي سِتَّة إِن لم تذكري عادتك أَو سبعا إِن ذكرت أَنَّهَا عادتك. ثَالِثهَا: لَعَلَّ عَادَتهَا كَانَت تخْتَلف، فَفِي بعض الشُّهُور سِتَّة وَفِي بَعْضهَا سَبْعَة، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام سِتَّة فِي شهر (السِّتَّة) وَسَبْعَة فِي شهر السَّبْعَة، فَتكون لَفْظَة «أَو» للتقسيم. الحَدِيث الثَّالِث قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْغسْل. الحَدِيث الرَّابِع أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لعَائِشَة - وَقد حَاضَت وَهِي مُحرمَة -: «أصنعي مَا يصنع الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» مطولا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 الحَدِيث الْخَامِس رَوَى أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب الْغسْل. الحَدِيث السَّادِس رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الْغسْل أَيْضا. الحَدِيث السَّابِع قَالَت عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها: «كُنَّا نؤمر بِقَضَاء (الصَّوْم) وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث معَاذَة «أَن امْرَأَة قَالَت لعَائِشَة: أتجزئ إحدانا صلَاتهَا إِذا طهرت؟ فَقَالَت: أحرورية أَنْت؟ ! (قد كُنَّا نحيض مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَلَا يَأْمُرنَا بِهِ - أَو قَالَت: فَلَا نفعله» . هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَلَفظ مُسلم عَن معَاذَة قَالَت: «سَأَلت عَائِشَة: مَا بَال الْحَائِض تقضي الصَّوْم وَلَا تقضي الصَّلَاة؟ فَقَالَت: أحرورية أَنْت) فَقلت: لست بحرورية وَلَكِنِّي أسأَل. فَقَالَت: كَانَ يصيبنا ذَلِك فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة» . وَفِي رِوَايَة: «قد (كَانَت إحدانا تحيض عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 لَا نؤمر بِقَضَاء» . وَفِي رِوَايَة) : «كن نسَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحضن أفأمرهن أَن (يجزين) » . وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «قد حضن (نسَاء) رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأمرهن (يجزين) قَالَ عبد الله (مَعْنَاهُ: أَن لَا يقضين. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَكَانَت إحدانا تحيض وتطهر فَلَا يَأْمُرنَا بِقَضَاء وَلَا نقضيه» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد «بِلَفْظ لقد كُنَّا نحيض عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَلَا نقضي وَلَا نؤمر بِالْقضَاءِ» وَفِي لفظ زِيَادَة: «فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «قد كَانَت إحدانا تحيض فَلَا تُؤمر بِقَضَاء» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح) وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «كُنَّا نحيض عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَلَا نقضي وَلَا نؤمر بِقَضَاء» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «فيأمرنا. .» إِلَى آخِره كَلَفْظِ أبي دَاوُد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَالتِّرْمِذِيّ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِلَفْظ: « (قد) كُنَّا نحيض عِنْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ نطهر وَلم يَأْمُرنَا بِقَضَاء الصَّلَاة» . وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» كَمَا مَضَى (وبلفظ) النَّسَائِيّ الأول دون قَوْله: «فَلَا تقضي» وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (كُنَّا نقضي» دون قَوْله: «فَلَا تقضي» وَفِي رِوَايَة لَهُ) : «كُنَّا نحيض عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَمَا يَأْمر امْرَأَة منا بِقَضَاء الصَّلَاة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَلَا نؤمر بِقَضَاء» . (وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَكَانَت إحدانا تحيض فَلَا يَأْمُرنَا بِالْقضَاءِ» ) هَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ من أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث، وَلم أره بِلَفْظ «كُنَّا نؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة» كَمَا أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَقد أوردهُ هُوَ بعد ذَلِك بسياقة أُخْرَى فَقَالَ: رُوِيَ أَن معَاذَة العدوية قَالَت لعَائِشَة: «مَا بَال الْحَائِض تقضي الصَّوْم وَلَا تقضي الصَّلَاة؟ فَقَالَت: أحرورية أَنْت؟ ! كُنَّا نَدع الصَّلَاة وَالصَّوْم عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنقضي الصَّوْم وَلَا نقضي الصَّلَاة» ، وَلم أَقف عَلَى (هَذِه السِّيَاقَة) أَيْضا. (والحرورية: الْخَوَارِج، نسبوا إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا: حروراء. بِالْمدِّ وَالْقصر، كَانَ أول اجْتِمَاعهم بهَا حِين طعنهم عَلَى عَلّي فِي التَّحْكِيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وخروجهم عَلَيْهِ، وَكَانُوا يبالغون فِي التَّشْدِيد فِيمَا لَا أصل لَهُ) . الحَدِيث الثَّامِن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِذا حَاضَت الْمَرْأَة لم تصل وَلم تصم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا أسلفته فِي الحَدِيث الأول من هَذَا الْبَاب. الحَدِيث التَّاسِع عَن معَاذَة العدوية قَالَت لعَائِشَة: «مَا بَال الْحَائِض ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الحَدِيث السَّابِع كَمَا ترَاهُ. الحَدِيث الْعَاشِر قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي تَفْسِيره قَوْله تَعَالَى: (فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض) : «افعلوا كل شَيْء إِلَّا الْجِمَاع» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) كَرَّرَه المُصَنّف فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل من حَدِيث أنس: «أَن الْيَهُود كَانُوا إِذا حَاضَت الْمَرْأَة لم يؤاكلوها وَلم يجامعوها فِي الْبيُوت (فَسَأَلَ) أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) : فَأنْزل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 الله - تَعَالَى -: (ويسألونك عَن الْمَحِيض) إِلَى آخر الْآيَة، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «غير» بدل «إِلَّا» . وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «فَأَمرهمْ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يؤاكلوهن ويشاربوهن و (أَن) يكن مَعَهم فِي الْبيُوت، وَأَن يصنعوا كل شَيْء مَا خلا النِّكَاح» . وَرَوَاهَا النَّسَائِيّ (أَيْضا) بِلَفْظ: «ويجامعوهن فِي الْبيُوت وَأَن يصنعوا كل شَيْء مَا خلا النِّكَاح» . فَائِدَة: مَعْنَى المجامعة هُنَا: المخالطة. وروينا عَن الْوَاقِدِيّ أَن السَّائِل هُوَ أَبُو الدحداح. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من أَتَى امْرَأَته حَائِضًا فليتصدق بِدِينَار وَمن أَتَاهَا وَقد أدبر الدَّم فليتصدق بِنصْف دِينَار» وَفِي رِوَايَة: «إِذا وَطئهَا فِي إقبال الدَّم فدينار، وَإِن وَطئهَا فِي إدبار الدَّم بعد انْقِطَاعه وَقبل الغسيل فَعَلَيهِ نصف دِينَار» وَفِي رِوَايَة: «إِذا وَقع بأَهْله وَهِي حَائِض (إِن) كَانَ دَمًا أَحْمَر فليتصدق بِدِينَار، وَإِن كَانَ أصفر فليتصدق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 بِنصْف دِينَار» وَفِي رِوَايَة: «من أَتَى حَائِضًا تصدق بدينارٍ أَو نصف دِينَار» . هَذَا الحَدِيث مدون بِكُل هَذِه الرِّوَايَات. أما الرِّوَايَة الأولَى فرواها الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (ابْن) جريج عَن أبي أُميَّة الْبَصْرِيّ، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «إِذا أَتَى أحدكُم امْرَأَته فِي الدَّم فليتصدق بِدِينَار، وَإِذا وَطئهَا وَقد رَأَتْ الطُّهْر وَلم تَغْتَسِل فليتصدق بِنصْف دِينَار» . (وَرَوَاهَا) أَيْضا من حَدِيث ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا: «فِي الرجل يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض، قَالَ: إِن أَتَاهَا فِي الدَّم تصدق بِدِينَار، وَإِذا أَتَاهَا فِي غير الدَّم تصدق بِنصْف دِينَار» . وَأما الرِّوَايَة الثَّانِيَة: فرواها الْبَيْهَقِيّ أَيْضا لَكِن (من) تَفْسِير مقسم الرَّاوِي، عَن ابْن عَبَّاس رَوَاهَا (من حَدِيث) روح بن عبَادَة، عَن (سعيد بن) أبي عرُوبَة، عَن عبد الْكَرِيم بن (أبي) أُميَّة، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (أمره أَن يتَصَدَّق) بِدِينَار أَو نصف دِينَار» وَفسّر ذَلِك مقسم فَقَالَ: «إِن غشيها فِي الدَّم فدينار، وَإِن غشيها بعد انْقِطَاع الدَّم قبل أَن تَغْتَسِل فَنصف دِينَار» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وَرَوَاهُ (الدَّارمِيّ) من حَدِيث سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عبد الْكَرِيم، عَن رجل، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا أَتَاهَا فِي دم فدينار، وَإِذا أَتَاهَا وَقد انْقَطع الدَّم فَنصف دِينَار» . وَأما الرِّوَايَة الثَّالِثَة: فرواها التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الْكَرِيم عَن مقسم أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِذا كَانَ دَمًا أَحْمَر فدينار و (إِذا) كَانَ دَمًا أصفر فَنصف دِينَار» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «إِن كَانَ الدَّم عبيطًا فليتصدق بِدِينَار، وَإِن كَانَ الدَّم أصفر فليتصدق بِنصْف دِينَار» . وَرَوَاهُ ابْن (الْجَارُود) فِي «الْمُنْتَقَى» مُخْتَصرا بِلَفْظ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «فليتصدق بِدِينَار أَو نصف دِينَار» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «من أَتَى امْرَأَته وَهِي حَائِض فَعَلَيهِ دِينَار، وَمن أَتَاهَا فِي الصُّفْرَة فَنصف دِينَار» . رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الْكَرِيم وَعلي بن بذيمة وخصيف، عَن مقسم بِهِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «من أَتَى امْرَأَته فِي الدَّم فَعَلَيهِ دِينَار، وَفِي الصُّفْرَة نصف دِينَار» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 و (رَوَاهُ) أَبُو يعْلى فِي «مُسْنده» عَن عَلّي بن الْجَعْد، عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه «فِي رجل جَامع امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَقَالَ: إِن كَانَ دَمًا عبيطًا فليتصدق بِدِينَار، وَإِن كَانَ فِيهِ صفرَة فَنصف دِينَار» . رَوَاهُ (الدَّارمِيّ) فِي «مُسْنده» عَن عبيد الله بن مُوسَى، عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن عبد الْكَرِيم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِذا أَتَى الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَإِن كَانَ الدَّم عبيطًا فليتصدق بِدِينَار، وَإِن (كَانَ) صفرَة فليتصدق بِنصْف دِينَار» . وَأما الرِّوَايَة الرَّابِعَة فقد اسلفناها عَن رِوَايَة ابْن الْجَارُود وَلها طرق أُخْرَى: إِحْدَاهَا - وَهِي أَقْوَى طرق الحَدِيث -: عَن شُعْبَة، عَن الحكم، عَن عبد الحميد (بن عبد الرَّحْمَن) ، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «فِي الَّذِي (أَتَى) امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» وَرَوَاهُ (الدَّارمِيّ) مَوْقُوفا، ثمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَة: أما حفظي فَهُوَ مَرْفُوع، وَأما فلَان وَفُلَان [فَقَالَا] غير مَرْفُوع، فَقَالَ بعض الْقَوْم: حَدثنَا بحفظك و [دع] مَا قَالَ فلَان وَفُلَان) قَالَ: وَالله مَا أحب أَنِّي عمرت فِي الدُّنْيَا عمر نوح وَأَنِّي حدثت بِهَذَا أَو سكت عَن هَذَا. ثَانِيهَا: عَن المكفوف، عَن أَيُّوب بن خوط - بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة - عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس، رَفعه: «فليتصدق بِدِينَار (أَو بِنصْف دِينَار) » . رَوَاهُ عبد الْملك بن حبيب الْمَالِكِي فِيمَا حَكَاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي (الإِمَام) عَنهُ. ثَالِثهَا: عَن يَعْقُوب بن عَطاء، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «فِي الَّذِي يَقع عَلَى امْرَأَته وَهِي حَائِض يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 رَابِعهَا: عَن شريك، عَن خصيف، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «فِي الرجل يَقع عَلَى امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، عَن عَلّي بن حُجر، عَن شريك بِهِ، وَفِي بعض نسخه: «دِينَار أَو نصف دِينَار» ، وَعَلَيْهَا اعْتمد صَاحب الإِمَام. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، عَن شريك بِهِ بِلَفْظ: «إِذا وَقع الرجل بأَهْله وَهِي حَائِض فليتصدق بِنصْف دِينَار» . (و) رَوَاهُ الدَّارمِيّ عَن أبي الْوَلِيد وَغَيره عَن شريك بِهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث شريك، عَن خصيف، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، وَمن حَدِيث شريك، عَن خصيف، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، وَمن حَدِيث الْحجَّاج عَن خصيف، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس. قلت: وَرُوِيَ أَيْضا (عَلَى) نمط آخر رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَطاء الْعَطَّار، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض: يتَصَدَّق بِدِينَار، فَإِن لم يجد فبنصف دِينَار» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كتاب «الصَّلَاة» عَن سُفْيَان، عَن عَلّي بن بذيمة بِهِ، عَن مقسم، عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «فِي الَّذِي يَقع عَلَى امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: نصف دِينَار» ثمَّ قَالَ: وحَدَّثَنَا سُفْيَان، عَن خصيف، عَن مقسم، عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مثله. إِذا عرفت هَذِه الطّرق فقد أعلت الرِّوَايَة الأولَى بمقسم. (قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ: مقسم) لَيْسَ بِالْقَوِيّ فَسقط الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: وَأَبُو أُميَّة الْبَصْرِيّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ عبد الْكَرِيم الْمَذْكُور فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وستعلم مَا فِيهِ، وأعلت أَيْضا بالاختلاف كَمَا سَيَأْتِي، وَأما الرِّوَايَة الثَّانِيَة (وَالثَّالِثَة) فقد (أعلتا) بِعَبْد الْكَرِيم، رَوَاهُ عَن مقسم وَاخْتلف فِيهِ، فَقيل: إِنَّه ابْن أبي الْمخَارِق. وَبِه صرح أَبُو يعْلى فِي «مُسْنده» كَمَا سلف، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ صرح بِأَنَّهُ أَبُو أُميَّة، و (نَقله) عَن الْحَاكِم عَن الْفَقِيه أبي بكر بن إِسْحَاق كَمَا سَيَأْتِي، وَجزم (بِهِ أَيْضا) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» و «جَامع المسانيد» وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا فِي بَاب التَّهَجُّد من «صَحِيحه» فَقَالَ: قَالَ سُفْيَان. وَزَاد: عبد الْكَرِيم أَبُو أُميَّة. وَأخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة، وَقَالَ صَاحب «الْكَمَال» : اسْتِقْلَالا. وَأما (أَبُو) أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فَإِنَّهُ كذبه، وَضرب أَحْمد عَلَى حَدِيثه، وَقَالَ: إِنَّه شَبيه بالمتروك. وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ السَّعْدِيّ: غير ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 كثير الْوَهم فَاحش الْخَطَأ، فَلَمَّا كثر ذَلِك مِنْهُ (بَطل) الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقيل: (إِنَّه) ابْن مَالك الْجَزرِي. قَالَ صَاحب «الإِمَام» : بَلغنِي عَن الوقشي أَنه قَالَ: عبد الْكَرِيم هَذَا هُوَ ابْن مَالك أَبُو سعيد الْجَزرِي. قَالَ: وَرِوَايَة الْبَيْهَقِيّ (يَعْنِي الَّتِي قدمناها تضعف قَول الوقشي فَإِن فِيهَا التَّصْرِيح بِأَنَّهُ أَبُو أُميَّة، قلت: لَا) وَرِوَايَة أبي يعْلى الَّتِي أسلفناها أصرح مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهَا عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق، وَلَو صحت هَذِه الْمقَالة لَكَانَ الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه صَحِيحا؛ لِأَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي من الثِّقَات الْحفاظ المكثرين، خرج حَدِيثه فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَلَا يضر توقف ابْن حبَان فِيهِ، وَإِن كَانَ لَهُ مَا يُنكر، فقد احْتج بِمن هُوَ دونه، ثمَّ رَأَيْت الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي جزم بِهَذِهِ الْمقَالة فَذكر هَذَا الحَدِيث فِي «أَطْرَافه» فِي تَرْجَمَة عبد الْكَرِيم الْجَزرِي، فَقَوِيت هَذِه الْمقَالة، فَلَعَلَّ الحَدِيث عَنْهَا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وَالْقلب إِلَى الأول أميل، وأعلتا أَيْضا بالاختلاف حَيْثُ رَوَاهُ هِشَام الدستوَائي عَن عبد الْكَرِيم فَوَقفهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: يتَصَدَّق بِدِينَار أَو بِنصْف دِينَار» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا أشبه بِالصَّوَابِ، وَعبد الْكَرِيم غير مُحْتَج بِهِ. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن أبي عرُوبَة عَن عبد الْكَرِيم. فَجعل التَّفْسِير من قَول مقسم، قَالَ: وَقيل: عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن عبد الْكَرِيم، (عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 عِكْرِمَة) ، عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن عبد الْكَرِيم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس. وَفِي «علل» أَحْمد، عَن عبد الله قَالَ: حَدَّثَني أبي، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبد الْكَرِيم [أبي] أُميَّة، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس: «إِذا أَتَى امْرَأَته وَهِي حَائِض» قيل لِسُفْيَان: يَا أَبَا مُحَمَّد، هَذَا مَرْفُوع. فَأَبَى أَن يرفعهُ، وَقَالَ: أَنا أعلم بِهِ (يَعْنِي أَبَا أُميَّة) . وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : لَيْسَ لَهُم مَا يعتلون بِهِ عَلَى رِوَايَة عبد الْكَرِيم، غير أَن مِنْهُم من يرفعهُ كَمَا (نقل) الثَّوْريّ عَنهُ، وَمِنْهُم من يقفه كَمَا فعل ابْن جريج عَنهُ، وَعِنْدِي أَنه غير قَادِح. وَأما الرِّوَايَة الرَّابِعَة فَفِيهَا مَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة. الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: فأعلت بالمكفوف، وَقيل: لَا يعرف من هُوَ. كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» . وَأَيوب بن خوط أَبُو أُميَّة الْبَصْرِيّ تَرَكُوهُ، قَالَ يَحْيَى: ضَعِيف لَا يكْتب حَدِيثه. وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيّ بِزِيَادَة: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ الفلاس: لم يكن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 من أهل الحَدِيث، كَانَ كثير الْغَلَط كثير الْوَهم، يَقُول بِالْقدرِ، مَتْرُوك الحَدِيث. وَأما الطَّرِيقَة الثَّالِثَة مِنْهَا؛ فأعلها الْبَيْهَقِيّ بِيَعْقُوب بن عَطاء فَقَالَ عقب إِخْرَاجه لَهُ: يَعْقُوب هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه. قَالَ الشَّيْخ (تَقِيّ) الدَّين فِي «الإِمَام» : قد قَالَ ابْن عدي: ليعقوب هَذَا أَحَادِيث صَالِحَة، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه، وَعِنْده غرائب. قلت: وَأخرج لَهُ ابْن حبَان (وَالْحَاكِم) فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَأما الطَّرِيقَة الرَّابِعَة: فأعلت بِأُمُور: أَحدهَا بِشريك، وَهُوَ القَاضِي، قَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : شريك رَوَاهُ عَن خصيف، وَكِلَاهُمَا ضَعِيف، فَسقط الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: شريك هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة حسن الحَدِيث. وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَرَوَى لَهُ مُسلم مُتَابعَة، وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، نعم قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْقطَّان: مَا زَالَ مخلطًا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَهُ (أغاليط) . ثَانِيهَا: خصيف بن عبد الرَّحْمَن الْجَزرِي الَّذِي ضعفه ابْن حزم وَهُوَ مقارب الْأَمر، ضعفه أَحْمد فَقَالَ: لَيْسَ بِقَوي فِي الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: كُنَّا نجتنبه. وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 أَبُو حَاتِم: تكلم فِي سوء حفظه وَهُوَ صَالح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: غير مُحْتَج بِهِ. وَقَالَ فِي كتاب الْحَج: إِنَّه غير قوي. وَقَالَ النَّسَائِيّ مرّة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ مرّة: صَالح. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : ضَعِيف (وَإِن) كَانَ يخلط فِي محفوظه. (وَوَثَّقَهُ) جماعات، قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ مرّة: صَالح. وَقَالَ مرّة: لَا بَأْس (بِهِ) . وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة. وَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة أَيْضا، وَقَالَ ابْن عدي: إِذا حدث عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بحَديثه. وَصحح الْحَاكِم حَدِيثه فِي «الْمُسْتَدْرك» وَلما نقل (النَّوَوِيّ) فِي «شرح الْمُهَذّب» فِي كتاب الْحَج عَن الْبَيْهَقِيّ تَضْعِيفه خصيف قَالَ: قد قَالَه غَيره، وَلَكِن قد خَالفه فِيهِ كَثِيرُونَ من الْحفاظ وَالْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين فِي هَذَا الشَّأْن، ثمَّ نقل توثيقه عَن ابْن معِين وَابْن سعد وَالنَّسَائِيّ. وَالْأَمر الثَّالِث: الِاخْتِلَاف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَاهُ فِي «سنَنه» فِي (هَذِه) الطَّرِيق: رَوَاهُ شريك مرّة فَشك فِي رَفعه، وَرَوَاهُ (الثَّوري) عَن عَلّي بن (بذيمة) (وخصيف) لَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 فِي «علله» : (يُزَاد) إِلَى تَضْعِيف خصيف اضْطِرَاب متن هَذَا الحَدِيث الَّذِي من رِوَايَته، وَبَيَان اضطرابه هُوَ أَن ابْن جريج وَأَبا خَيْثَمَة وَغَيرهمَا روياه عَن خصيف فَقَالَا فِيهِ: «بِنصْف دِينَار» وَرَوَاهُ شريك وَغَيره عَنهُ فَقَالَ فِيهِ «بِدِينَار» وَكَذَا قَالَ عَنهُ الثَّوْريّ إِلَّا أَنه أرْسلهُ فَلم يذكر ابْن عَبَّاس، وَعَن شريك فِيهِ رِوَايَة أُخْرَى قَالَ فِيهِ: عَن خصيف، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِيهِ: «بِنصْف دِينَار» أَيْضا هَكَذَا جعله فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن عِكْرِمَة لَا عَن مقسم، والْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَن مقسم وَحمل فِيهِ النَّسَائِيّ عَلَى شريك وَخطأ قَوْله عَن عِكْرِمَة. قَالَ: وَهَذَا الِاضْطِرَاب عِنْدِي مُمكن أَن يكون من خصيف لَا من أَصْحَابه (لما) عهد من سوء حفظه. وَأما الطَّرِيقَة الَّتِي أوردناها من طَرِيق أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فاحتج بهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» لما أوردهُ من مُسْند الإِمَام أَحْمد (وأعلها) الْبَيْهَقِيّ بعطاء وَقَالَ: هُوَ ابْن عجلَان وَهُوَ ضَعِيف مَتْرُوك (وَقَالَ) وَقد قيل عَنهُ عَن عَطاء وَعِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ بِشَيْء. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَطاء (وَعِكْرِمَة أَنَّهُمَا قَالَا: «لَا شَيْء عَلَيْهِ ويستغفر الله» قَالَ: وَقد قيل: عَن ابْن جريج، عَن عَطاء) ، عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا، فَإِن كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 مَحْفُوظًا (فَهُوَ) من قَول ابْن عَبَّاس يَصح. ثمَّ سَاقهَا - وَقد ذَكرنَاهَا فِي آخر الرِّوَايَة الأولَى - قَالَ: وَرُوِيَ عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء إِلَّا أَن يسْتَغْفر الله» قَالَ (الْبَيْهَقِيّ) : وَالْمَشْهُور عَن ابْن جريج، عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس كَمَا سلف. هَذَا آخر كَلَامه، وَاعْترض الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فَقَالَ فِي «الإِمَام» : قَوْله فِي الْمَوْقُوف عَن ابْن عَبَّاس «إِن كَانَ مَحْفُوظًا» تمريض عَجِيب؛ فَإِن رُوَاته عَن آخِرهم ثِقَات. قَالَ: وَقَوله: رُوِيَ عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يسْتَغْفر الله» . لَعَلَّه يُشِير إِلَى الاستضعاف بمخالفة الرَّاوِي، وَذَلِكَ مفتقر إِلَى تَصْحِيح الرِّوَايَة عَن عبد الرَّزَّاق وَبعد صِحَّته، فقد علم مَا فِي مُخَالفَة الرَّاوِي. قَالَ: وَقَوله: «وَالْمَشْهُور ... » إِلَى آخِره. كَأَنَّهُ يقْصد بِهِ أَيْضا الاستضعاف، وَلَيْسَ تتعارض (تِلْكَ) الرِّوَايَة مَعَ هَذِه. وَأما الطَّرِيقَة الأولَى من طرق الرِّوَايَة الرَّابِعَة وَهِي طَريقَة شُعْبَة عَن الحكم (فإسنادها) صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، وكل رُوَاته مخرج لَهُم فِي «الصَّحِيحَيْنِ» خلا مقسم بن بجرة (بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم كشجرة، وَقيل: ابْن بجوة) وَقيل: ابْن نجدة. فَانْفَرد بِإِخْرَاج حَدِيثه البُخَارِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه: صَالح الحَدِيث لَا بَأْس بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 و (لَا أسلم) لِابْنِ حزم قَوْله فِيهِ فِي «محلاه» إِثْر هَذَا الحَدِيث: (مقسم) لَيْسَ (هُوَ) بِالْقَوِيّ (فَسقط) الِاحْتِجَاج بِهِ. فَإِنَّهُ من أَفْرَاده، فَهَذَا الْإِسْنَاد إِذن عَلَى شَرط «الصَّحِيح» لَا جرم أَن الْحَاكِم لما (خرج) الحَدِيث فِي «مُسْتَدْركه» ) من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. (فَقَالَ) : فقد احتجا بمقسم بن نجدة. قلت: لَا، بل البُخَارِيّ (فَقَط) ، وَقد عده جمَاعَة من أَفْرَاده كَابْن طَاهِر وَصَاحب «الإِمَام» والمزي والذهبي. قَالَ الْحَاكِم: فَأَما عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن فَإِنَّهُ ثِقَة مَأْمُون. قَالَ: وَشَاهده وَدَلِيله مَا حدّثنَاهُ، فَذكر من حَدِيث أبي الْحسن الْجَزرِي، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا أَصَابَهَا فِي الدَّم فدينار، وَإِذا أَصَابَهَا فِي انْقِطَاع الدَّم فَنصف دِينَار» ثمَّ قَالَ: قد أرسل هَذَا الحَدِيث وأوقف أَيْضا. قَالَ: وَنحن عَلَى أصلنَا (الَّذِي أصلناه) وَأَن القَوْل قَول الَّذِي يسند ويصل إِذا كَانَ ثِقَة. قلت: وَهَذَا الشَّاهِد الَّذِي اسْتشْهد بِهِ قد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي موضِعين مِنْهُ، وَصحح الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه أَيْضا الْحَافِظ أَبُو الْحسن ابْن الْقطَّان كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَلِكَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 الْقشيرِي فِي «الإِمَام» فَقَالَ: هَذِه الطَّرِيقَة هِيَ أَقْوَى طرقه. ثمَّ سَاقهَا بِإِسْنَادِهِ (وَعَزاهَا) قَالَ: وَعبد الحميد الْمَذْكُور، قَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ: وكل من فِي الْإِسْنَاد قبله من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» . قلت: وَهُوَ أَيْضا كَمَا تقدم. قَالَ: ومقسم أخرج لَهُ البُخَارِيّ. وَقَالَ: وَمن هَذَا الْوَجْه صحّح الحَدِيث من صَححهُ. قَالَ: وَذكر الْخلال، عَن أبي دَاوُد أَن أَحْمد قَالَ: مَا أحسن حَدِيث عبد الحميد فِيهِ. قيل لَهُ: (أتذهب) إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم إِنَّمَا هُوَ (كَفَّارَة) . قلت: وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن أَحَادِيث الحكم عَن مقسم كتاب إِلَّا خَمْسَة أَحَادِيث، هَذَا أَحدهَا، وَحَدِيث الْوتر والقنوت، وعزمة الطَّلَاق، وَجَزَاء مثل مَا قتل من النعم، كَمَا ذكره الْبَغَوِيّ عَن شُعْبَة. (ثمَّ) من أعل هَذَا الحَدِيث أعله بِوُجُوه (كَمَا نبه عَلَيْهَا صَاحب «الإِمَام» ) أَحدهَا: الِاخْتِلَاف فِي رَفعه وَوَقفه، فرفعه يَحْيَى بن سعيد وَمُحَمّد بن جَعْفَر وَابْن أبي عدي، عَن شُعْبَة، وَمن (جهتهم) أخرجه ابْن مَاجَه (وَرَفعه) أَيْضا وهب بن جرير وَسَعِيد بن عَامر عَن شُعْبَة، وَمن جهتهما أخرجه ابْن الْجَارُود، وَكَذَلِكَ النَّضر بن شُمَيْل، وَمن جِهَته أخرجه الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ عقبه: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الْوَهَّاب بن عَطاء، عَن شُعْبَة، وَلم يرفعهُ عبد الرَّحْمَن وَلَا بهز عَن شُعْبَة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 فِيمَا ذكره الإِمَام أَحْمد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث مقسم هَذَا؟ فَقَالَ: اخْتلفت الروَاة فِيهِ، فَمنهمْ من يرويهِ عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا، وَمِنْهُم من يرويهِ عَن مقسم عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُرْسلا، وَأما من حَدِيث شُعْبَة، فَإِن يَحْيَى بن سعيد أسْندهُ، وَحَكَى أَن شُعْبَة قَالَ: أسْندهُ الحكم لي مرّة وَوَقفه مرّة. وَقَالَ أبي: لم يسمع الحكم من مقسم هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ذكر الِاخْتِلَاف عَلَى شُعْبَة: إِن شُعْبَة رَجَعَ [عَن] رَفعه. قَالَ: وَقد بَين عبد الرَّحْمَن بن مهْدي (رُجُوعه عَنهُ بَعْدَمَا كَانَ يرفعهُ ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك، قَالَ ابْن مهْدي) قيل لشعبة: إِنَّك كنت ترفعه؟ قَالَ: إِنِّي كنت مَجْنُونا فصححت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فقد رَجَعَ شُعْبَة عَن رَفعه وَجعله من قَول ابْن عَبَّاس. الْوَجْه الثَّانِي: الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده فَرَوَاهُ (إِبْرَاهِيم) بن طهْمَان، عَن مطر الْوراق، عَن الحكم بن (عتيبة) عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة، وَفِي رِوَايَة (شُعْبَة: عَن الحكم، عَن عبد الحميد) ، عَن مقسم، دلَالَة عَلَى أَن الحكم لم يسمعهُ من مقسم إِنَّمَا سَمعه من عبد الحميد عَن مقسم. قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الْوَهَّاب (بن) عَطاء، عَن (سعيد) عَن قَتَادَة، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 أمره أَن يتَصَدَّق بِدِينَار (أَو) نصف دِينَار» ففسره قَتَادَة قَالَ: «إِن كَانَ واجدًا فدينار، وَإِن لم يجد فَنصف دِينَار» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم يسمعهُ قَتَادَة من مقسم، وَرَوَاهُ قَتَادَة، عَن عبد الحميد، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رجلا غشي امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَسَأَلَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن ذَلِك؟ فَأمره أَن يتَصَدَّق بِدِينَار أَو (نصف) دِينَار» قَالَ: وَلم يسمعهُ أَيْضا قَتَادَة من عبد الحميد (وَرَوَاهُ حَمَّاد بن الْجَعْد عَن قَتَادَة قَالَ: حَدَّثَني الحكم بن عتيبة أَن عبد الحميد) بن عبد الرَّحْمَن حَدثهُ أَن مقسمًا حَدثهُ، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا أَتَى نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَزعم أَنه أَتَى - يَعْنِي امْرَأَته - وَهِي حَائِض، فَأمره نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يتَصَدَّق بِدِينَار، فَإِن لم يجد فَنصف دِينَار» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ حَمَّاد بن الْجَعْد، عَن قَتَادَة، عَن الحكم مَرْفُوعا، قَالَ: وَفِي رِوَايَة شُعْبَة، عَن الحكم دلَالَة عَلَى أَن ذَلِك مَوْقُوف. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عبد الله الشقري مَوْقُوفا إِلَّا أَنه أسقط عبد الحميد من إِسْنَاده. قَالَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى الْأَوْزَاعِيّ، عَن يزِيد بن أبي مَالك، عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن أَظُنهُ عَن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «أمره أَن يتَصَدَّق بخمسي دِينَار» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا اخْتِلَاف ثَالِث فِي إِسْنَاده وَمَتنه. قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا أَيْضا بِإِسْنَاد مُنْقَطع. (قلت) : (الْوَجْه) الثَّالِث: الطعْن الْمُطلق؛ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 الشَّافِعِي فِي «أَحْكَام الْقُرْآن» فِيمَن أَتَى امْرَأَته حَائِضًا أَو بعد تَوْلِيَة الدَّم وَلم تَغْتَسِل؛ يسْتَغْفر الله - تَعَالَى - وَلَا يعود حتَّى تطهر وَتحل لَهَا الصَّلَاة. قَالَ: وَرُوِيَ فِيهِ شَيْء لَو كَانَ ثَابتا أَخذنَا بِهِ، وَلكنه لَا يثبت مثله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَنا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ: (قَالَ) أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه: جملَة هَذِه الْأَخْبَار مرفوعها وموقوفها يرجع إِلَى عَطاء الْعَطَّار وَعبد الحميد وَعبد الْكَرِيم (ابْن) أبي أُميَّة، وَفِيهِمْ نظر. وَقَالَ الْخطابِيّ: قَالَ أَكثر الْعلمَاء: لَا شَيْء عَلَيْهِ ويستغفر الله، وَزَعَمُوا أَن هَذَا الحَدِيث مُرْسل وَمَوْقُوف عَلَى ابْن عَبَّاس و (لَا يَصح) مُتَّصِلا وَمَرْفُوعًا، والذمم بريئة إِلَّا أَن تقوم الْحجَّة بشغلها. وَقَالَ أَبُو عمر: حجَّة من لم يُوجب الْكَفَّارَة (اضْطِرَاب) هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس وَأَن مثله لَا تقوم بِهِ حجَّة، وَأَن الذِّمَّة عَلَى الْبَرَاءَة، وَلَا يجب أَن يثبت فِيهَا شَيْء لمسكين وَلَا غَيره إِلَّا بِدَلِيل لَا مدفع فِيهِ وَلَا مطْعن عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَعْدُوم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. وَلما ذكر الْحَافِظ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» (رِوَايَة) التِّرْمِذِيّ لَهُ من طريقيه، ثمَّ حَكَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 (عَن) التِّرْمِذِيّ أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا، قَالَ: وَلم يذكر ضعف الْإِسْنَاد. قَالَ: وَلَا يرْوَى بِإِسْنَاد يحْتَج بِهِ، وَقد رُوِيَ فِيهِ: «يتَصَدَّق بخمسي دِينَار» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسلا، وَرَوَى فِيهِ: «يعْتق نسمَة» (قَالَ) وَقِيمَة النَّسمَة يَوْمئِذٍ دِينَار. وَلم (يخص) فِي إتْيَان الْحَائِض دَمًا (من) دم، ذكره النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَلَا يَصح فِي إتْيَان الْحَائِض إِلَّا التَّحْرِيم. وَقد تعقبه الْحَافِظ أَبُو الْحسن ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لَيْسَ لَهُم مَا يعتلون بِهِ عَلَى رِوَايَة عبد الْكَرِيم غير أَنه رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا، وَعِنْدِي أَنه غير قَادِح، وَلَكنهُمْ يَزْعمُونَ أَن متن الحَدِيث بِالْجُمْلَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَة راوٍ بِعَيْنِه مُضْطَرب، وَذَلِكَ عِنْدِي خطأ من الاعتلال، وَالصَّوَاب أَن ينظر رِوَايَة كل راو بحسبها، وَيعلم مَا خرج (عَنهُ) فِيهَا، فَإِن صَحَّ من طَرِيق قُبل وَلَو كَانَت لَهُ طَرِيق آخر ضَعِيفَة، وهم إِذا قَالُوا: هَذَا رُوِيَ فِيهِ «بِدِينَار» ، وَرُوِيَ «نصف دِينَار» وَرَوَى بِاعْتِبَار صِفَات الدَّم (وَرُوِيَ) دون اعْتِبَارهَا، وَرُوِيَ بِاعْتِبَار أول الْحيض وَآخره، وَرُوِيَ غير ذَلِك، وَرُوِيَ «بخمسي دِينَار» وَرُوِيَ بِعِتْق نسمَة، قَامَت من هَذَا (فِي الزهن) صُورَة سوء هُوَ عِنْد التَّبْيِين وَالتَّحْقِيق لَا تضره، وَنحن نذكرهُ الْآن كَيفَ هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 صَحِيح بعد أَن تقدم أَن نقُول يحْتَمل قَوْله: «دِينَار أَو نصف دِينَار» ثَلَاثَة أُمُور، أَحدهَا: أَن يكون (حكمهَا) للتَّخْيِير، وَبَطل هَذَا بِأَن يُقَال (إِنَّمَا يَصح) التَّخْيِير بَين شَيْئَيْنِ أَو أَشْيَاء حكمهَا وَاحِد، فَإِذا (خَيَّر) بَين الشَّيْء وَبَعضه كَانَ بعض أَحدهمَا متروكًا بِغَيْر بدل. ثَانِيهَا: أَن يكون شكا من الرَّاوِي. ثَالِثهَا: أَن يكون بِاعْتِبَار حَالين. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يتَعَيَّن مِنْهَا، ونبينه الْآن فَنَقُول: لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «دِينَار أَو بِنصْف دِينَار» قَالَ: كَذَا الرِّوَايَة الصحيحية « (بِدِينَار) أَو بِنصْف دِينَار» وَرُبمَا لم يرفعهُ شُعْبَة توهين لَهُ، لاحْتِمَال أَن يكون عِنْده فِيهِ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف، وَيكون ابْن عَبَّاس قد رَوَاهُ وَرَآهُ فَحَمله وَأَفْتَى بِهِ، وَكَذَا مَذْهَب التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَة خصيف فَإِنَّهُ لم يعبها بِأَكْثَرَ من أَنَّهَا رويت مَوْقُوفَة، وَطَرِيق خصيف ضَعِيفَة كَمَا بَيناهُ، فَأَما طَرِيق أبي دَاوُد فَصَحِيح، فَإِن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب (الْكُوفِي) ، اعْتَمدهُ أهل الصَّحِيح مِنْهُم البُخَارِيّ وَمُسلم، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ (والكوفي) ، ويحق لَهُ فقد كَانَ مَحْمُود السِّيرَة فِي إمارته عَلَى الْكُوفَة لعمر بن عبد الْعَزِيز ضابطًا لما يرويهِ، وَمن دونه فِي الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنْهُم (وسيتكرر) عَلَى سَمعك من بعض الْمُحدثين أَن هَذَا الحَدِيث فِي كَفَّارَة من أَتَى حَائِضًا لَا يَصح، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 فَليعلم أَنه لَا (عيب) لَهُ عِنْدهم إِلَّا الِاضْطِرَاب - زَعَمُوا - فَمِمَّنْ صرح بذلك: أَبُو عَلّي بن السكن قَالَ: (هَذَا) حَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده وَلَفظه وَلَا يَصح مَرْفُوعا، لم يُصَحِّحهُ البُخَارِيّ، وَهُوَ صَحِيح من كَلَام ابْن عَبَّاس. انْتَهَى كَلَامه. فَنَقُول لَهُ الرِّجَال الَّذين رَوَوْهُ مَرْفُوعا ثِقَات، وَشعْبَة إِمَام أهل الحَدِيث قد تثبت فِي رَفعه إِيَّاه، فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنهُ مَرْفُوعا يَحْيَى الْقطَّان، وناهيك بِهِ، وغندر وَهُوَ أخص النَّاس بشعبة مَعَ ثقته. وَرَوَاهُ سعيد بن عَامر، عَن شُعْبَة فَقَالَ فِيهِ: عَن الحكم، عَن عبد الحميد، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس من قَوْله (وَقفه) عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ شُعْبَة: أما حفظي فمرفوع. وَقَالَ فلَان وَفُلَان أَنه كَانَ لَا يرفعهُ. فَقَالَ لَهُ بعض الْقَوْم: يَا أَبَا بسطَام حَدثنَا حفظك وَدعنَا من فلَان وَفُلَان. فَقَالَ: وَالله مَا أحب أَنِّي حدثت بِهَذَا - وَسكت - أَو أَنِّي عمرت فِي الدُّنْيَا عمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي قومه. فَهَذَا غَايَة التثبت فِيهِ، وهبك أَن أوثق أهل الأَرْض خَالفه فِيهِ، فَوَقفهُ عَلَى ابْن عَبَّاس كَانَ مَاذَا؟ أَلَيْسَ إِذا رَوَى (الصَّحَابِيّ) حَدِيثا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يجوز لَهُ بل يجب عَلَيْهِ أَن ينْقل مُقْتَضَاهُ فيفتي بِهِ، هَذَا قُوَّة للْخَبَر لَا توهين لَهُ، فَإِن قلت فَكيف بِمَا ذكر ابْن السكن، ثَنَا يَحْيَى وَعبد الله بن سُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم قَالُوا: ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، نَا شُعْبَة بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم مثله مَوْقُوفا، فَقَالَ لَهُ رجل: إِنَّك كنت ترفعه؟ فَقَالَ: إِنِّي كنت مَجْنُونا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 فصححت. (قلت: فَظن أَنه لما) أَكثر عَلَيْهِ فِي رَفعه إِيَّاه توقي رَفعه، لَا لِأَنَّهُ مَوْقُوف، لَكِن إبعاد (الظنة) عَن نَفسه، وَأبْعد من هَذَا الِاحْتِمَال أَن يكون شكّ فِي رَفعه فِي ثَانِي حَال فَوَقفهُ، فَإِن كَانَ هَذَا فَلَا يبالى بذلك أَيْضا، بل لَو نسي (الحَدِيث) بعد أَن حدث بِهِ لم يضرّهُ، فَإِن أَبيت إِلَّا أَن يكون شُعْبَة رَجَعَ عَن رَفعه، فَاعْلَم أَن غَيره من أهل (النَّقْد) وَالْأَمَانَة (قد) رَوَاهُ عَن الحكم مَرْفُوعا كَمَا رَوَاهُ شُعْبَة (فِيمَا تقدم، وَهُوَ عَمْرو بن قيس الْملَائي وَهُوَ ثِقَة، قَالَ فِيهِ عَن الحكم مَا قَالَه شُعْبَة) (من رَفعه) إِيَّاه، إِلَّا أَن لَفظه: «فَأمره أَن يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار» وَلم يذكر (دِينَارا) وَذَلِكَ لَا يضرّهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا حَكَى قَضِيَّة مُعينَة، قَالَ فِيهِ: «وَاقع رجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَأمره عَلَيْهِ السَّلَام أَن يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار» ذكره النَّسَائِيّ، فَهَذِهِ حَال يجب فِيهَا نصف دِينَار، وَهُوَ مُؤَكد لما قُلْنَاهُ من أَن دِينَارا و (نصفا) إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار (حالتين) لَا تَخْيِير وَلَا شكّ. ووراه أَيْضا مَرْفُوعا هَكَذَا عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور، قَتَادَة وَهُوَ من (هُوَ) رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيثه بِلَفْظ: «بِدِينَار أَو نصف دِينَار» إِلَّا أَن الْأَظْهر فِي هَذَا أَنه شكّ من الرَّاوِي فِي هَذِه (الْقِصَّة) بِعَينهَا فَهَذَا (شَأْن حَدِيث) مقسم وَإِن تقدم عَنهُ فِيهِ وَقفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وإرسالا وألفاظًا أخر لَا يَصح (مِنْهَا) شَيْء غير مَا ذَكرْنَاهُ، وَأما مَا رُوِيَ فِيهِ من «خمسي دِينَار» أَو «عتق نسمَة» فَمَا مِنْهَا شَيْء يعول عَلَيْهِ، فَلَا يعْتَمد فِي نَفسه، وَلَا يطعن بِهِ عَلَى حَدِيث مقسم فَاعْلَم ذَلِك. هَذَا آخر كَلَامه، وَهُوَ حفيل جليل، وَوَقع فِي أَوَائِل كَلَامه أَن ابْن جريج وَقفه عَن ابْن عَبَّاس، وَقد أسلفت لَك (من رَوَاهُ) عَنهُ، رَفعه من طَرِيق الْبَيْهَقِيّ، وحذا حذوه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فَقَالَ فِي «الإِمَام» : قد حكم الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِصِحَّة حَدِيث مقسم عَن ابْن عَبَّاس، وَأخرجه فِي «مُسْتَدْركه» وَكَذَلِكَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان حكم بِصِحَّتِهِ - أَعنِي من طَرِيق أبي دَاوُد أَي كَمَا (أسلفناه) ثمَّ نقل كَلَامه كَمَا أسلفناه وَبحث مَعَه فِي بعضه، ثمَّ قَالَ: وَإِذا تنبهت لهَذِهِ الدقائق الْمَذْكُورَة ظهر لَك احْتِيَاج هَذَا الْفَنّ إِلَى جودة التفكر (وَالنَّظَر) وَأَن الْأَمر لَيْسَ بالهين (لَا) كَمَا يَظُنّهُ قوم أَنه مُجَرّد [حفظ] وَنقل لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى غَيرهمَا. ثمَّ أجَاب عَن الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ الِاخْتِلَاف فَقَالَ: رِوَايَة مطر عَن الحكم عَن مقسم تُؤْخَذ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فِي رِوَايَة شُعْبَة وَغَيره، وَهِي إِثْبَات عبد الحميد بَينهمَا، وَكَذَلِكَ الرِّوَايَات عَن قَتَادَة يحكم فِيهَا بِالزَّائِدِ، (فَإِنَّهُ) كَانَ يُرْسل وَيقطع ويسند، فَإِذا تبين بِالْأُخْرَى أَن الحكم لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 يسمع من مقسم وسَمعه من عبد الحميد أَخذ بهَا، وَقد أَتَى حَمَّاد بن الْجَعْد بِالْأَمر يَقِينا، وَصرح بِالتَّحْدِيثِ فِيمَا بَين الْقَوْم كَمَا سلف، وَأما مَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي الرِّوَايَة عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه اخْتِلَاف ثَالِث فِي إِسْنَاده وَمَتنه فضعيف لوَجْهَيْنِ، أَحدهمَا: أَنَّهَا رِوَايَة لَو سلم راويها من الْكَلَام لم يجْزم بهَا الرَّاوِي، إِنَّمَا قَالَ: «أَظُنهُ عَن عمر» فَلَا يعْتَرض بهَا عَلَى الْمُتَيَقن. الثَّانِي: مَا (أجَاب بِهِ) ابْن الْقطَّان من أَنَّهَا ضَعِيفَة، وَأَنه لَا يطعن بهَا عَلَى حَدِيث مقسم. ثمَّ أجَاب عَن الْوَجْه الثَّالِث بِأَن مَا قَالَه الشَّافِعِي من كَونه لم يثبت، لَعَلَّه يُشِير بِهِ إِلَى رِوَايَة خصيف وَعبد الْكَرِيم، قَالَ: وَهَذَا كَلَام مُجمل، وَمن صحّح فقد فصل وَبَين مَا عِنْده، وَالْإِثْبَات مقدم عَلَى النَّفْي - قلت: وَقد حَكَى الْمَاوَرْدِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي الْقَدِيم: إِن صَحَّ قلت بِهِ - وَأما قَول أبي بكر بن أبي إِسْحَاق فِي عَطاء الْعَطَّار وَعبد الْكَرِيم وَعبد الحميد أَن فيهم نظرا؛ فَلَا نعترضه فِي عَطاء وَعبد الْكَرِيم، وَلَكِن أَي نظر (لَهُ) فِي عبد الحميد؟ ! وَقد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيح، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ (والكوفي) وَذكره ابْن حبَان فِي [ثِقَات] أَتبَاع التَّابِعين قَالَ: وَأي دَلِيل عَلَى الْعَدَالَة أعظم من (ولَايَة) أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن عبد الْعَزِيز لَهُ، و (تَقْدِيمه) لَهُ عَلَى الحكم فِي أُمُور الْمُسلمين قَالَ: وَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 يبلغنَا (شَيْء) يكدر هَذَا إلاما ذكر الْخلاف بعد مَا تقدم من رِوَايَته عَن الْمَيْمُونِيّ عَنهُ فَقَالَ: وَقَالَ غير الْمَيْمُونِيّ عَنهُ، عَن أَحْمد: لَو صَحَّ الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كُنَّا نرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَة. قيل لَهُ: هَل فِي نَفسك مِنْهُ شي؟ قَالَ: نعم، لِأَنَّهُ من حَدِيث (فلَان) أَظُنهُ عبد الحميد. قَالَ الشَّيْخ: وَهَذَا لَا يلْزم الرُّجُوع إِلَيْهِ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن ذَلِك الْغَيْر مَجْهُول، وَقد رَوَى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد أَنه قَالَ: مَا أحسن حَدِيث عبد الحميد فِيهِ. قيل لَهُ: أنذهب إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، إِنَّمَا هُوَ كَفَّارَة. وَالثَّانِي: أَن ذَلِك الْغَيْر لم يجْزم بِأَن فلَانا هُوَ عبد الحميد، بل قَالَ: أَظُنهُ. و (الظَّن) لَا يقْدَح فِيمَن تَيَقّن تعديله. هَذَا آخر كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه» وَأخرج الحَدِيث فِي «إلمامه» . وَأخرجه أَيْضا ابْن السكن فِي صحاحه بِلَفْظ الْجَزْم «بِنصْف دِينَار» وبلفظ الشَّك قَالَ: وَرِوَايَة قَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس رَفعه عَلَى الشَّك. قلت: بَين قَتَادَة وَابْن عَبَّاس عبد الحميد ومقسم. قَالَ: فَكَانَ قَتَادَة يَقُول: «إِن كَانَ وَاحِدًا فدينار وَإِلَّا (فنصفه» ثمَّ رَوَاهُ كَذَلِك مَرْفُوعا «أَنه أمره أَن يتَصَدَّق بِدِينَار فَإِن لم يجد) فَنصف دِينَار» . وَلما ذكر الطَّحَاوِيّ فِي «مشكله» حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 رُوِيَ عَن عمر «أَنه كَانَت لَهُ امْرَأَة تكرهُ الْجِمَاع، فَوَقع عَلَيْهَا وَهِي حَائِض، فَسَأَلَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن ذَلِك؟ فَأمره أَن يتَصَدَّق بخمسي دِينَار» . قَالَ: وَالْأَحَادِيث الأول أولَى من هَذَا لتثبت رواتها ولتجاوزهم فِي الْمِقْدَار. قلت: وَضعف (هَذَا) الحَدِيث من الْفُقَهَاء بعد الشَّافِعِي: إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي «مشكله» : إِنَّه حَدِيث ضَعِيف من أَصله لَا يَصح رَفعه، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى ابْن عَبَّاس من قَوْله. قَالَ: وَقد حكم الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي بِأَنَّهُ حَدِيث صَحِيح وَلَا الْتِفَات إِلَى ذَلِك مِنْهُ فَإِنَّهُ خلاف (قَول غَيره من أَئِمَّة الحَدِيث) (وَالْحَاكِم) مَعْرُوف بالتساهل فِي مثل ذَلِك. قلت: لم يتساهل فِي ذَلِك بل الْحق مَعَه كَمَا (قَرَّرْنَاهُ) وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك النَّوَوِيّ كعادته فَقَالَ فِي «خلاصته» بعد أَن ذكره فِي فصل الضَّعِيف: لَا يعْتد بقول الْحَاكِم أَنه حَدِيث صَحِيح، فَإِنَّهُ مَعْرُوف بالتساهل فِي التَّصْحِيح. قَالَ: وَاتفقَ الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث واضطرابه وتلونه. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» أَيْضا: اتّفق المحدثون عَلَى ضعفه واضطرابه، وَرُوِيَ مَوْقُوفا ومرسلاً وألوانًا كَثِيرَة، وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَلَا يَجعله ذَلِك صَحِيحا. قَالَ: وَأما قَول الْحَاكِم أَنه صَحِيح فخلاف مَا قَالَه أَئِمَّة الحَدِيث. قَالَ: وَهُوَ عِنْدهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 مَعْرُوف بالتساهل. وَقَالَ فِي «تنقيحه» : هَذَا (حَدِيث) ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ، وأنكروا عَلَى الْحَاكِم تَصْحِيحه، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول ابْن عَبَّاس مَوْقُوف عَلَيْهِ هَذَا آخر كَلَامه. وَالْحق عدم الْإِنْكَار عَلَى الْحَاكِم و (تَصْحِيحه) من (طَرِيقه) كَمَا سبق تَقْرِيره وَاضحا وَالله (الملهم للصَّوَاب) . وأختم الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَلَا يسأم من طوله؛ فقد حصل فِيهِ مهمات يرحل إِلَيْهَا، وجواهر يُعَامل عَلَيْهَا بقولة (غَرِيبَة) حَكَاهَا الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «كِفَايَته» فِي كتاب حد الزِّنَا، وَهِي أَن بَعضهم ادَّعَى نسخ هَذَا الحَدِيث (وَقَالَ إِنَّه ورد فِي أول الْإِسْلَام وَكَانَت الْعقُوبَة بِالْمَالِ، ثمَّ ورد مَا نسخه، وَهُوَ حَدِيث «لَيْسَ فِي المَال حق سُوَى الزَّكَاة» . وَهَذَا الحَدِيث) لَا يصلح أَن يكون نَاسِخا لضَعْفه الشَّديد كَمَا سأبينه فِي كتاب الزَّكَاة، حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ إِن شَاءَ الله (وَبِه التَّوْفِيق) . الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن معَاذ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «سَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَمَّا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَقَالَ: مَا فَوق الْإِزَار» . هَذَا الحَدِيث مَدَاره عَلَى طَرِيقين: إِحْدَاهمَا: عَن هِشَام بن عبد الْملك الْيَزنِي، عَن بَقِيَّة، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 (سعيد) بن عبد الله الْأَغْطَش، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ، عَن معَاذ مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي بَاب الْمَذْي، وَزَاد: «وَالتَّعَفُّف عَن ذَلِك أفضل» ، وَهَذَا الطَّرِيق مَعْلُول بِبَقِيَّة و (بِسَعِيد) الْأَغْطَش. قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: (هَذَا الحَدِيث) لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ عَن بَقِيَّة، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن سعيد الْأَغْطَش وَهُوَ مَجْهُول. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : إِن فِي إِسْنَاده بَقِيَّة و (سعيد) الْأَغْطَش وهما ضعيفان. قلت: وَلم أر من وصف سعيد بن عبد الله (الْأَغْطَش) بالضعف، نعم هُوَ مَجْهُول الْحَال، كَمَا قَالَ ابْن حزم وَإِن كَانَ رَوَى عَنهُ جمَاعَة فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بالضعف الْجَهَالَة، وأجمل أَبُو دَاوُد القَوْل فِي (ضعف) هَذَا الحَدِيث فَقَالَ فِي «سنَنه» عقب رِوَايَته لَهُ: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش قَالَ: حَدَّثَني سعيد بن عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الْخُزَاعِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ «أَن رجلا سَأَلَ معَاذ بن جبل عَمَّا يُوجب الْغسْل من الْجِمَاع، وَعَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد، وَعَما يحل للحائض من زَوجهَا، فَقَالَ معَاذ: سَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: إِذا جَاوَزت الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل، وَأما الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد فتوشح بِهِ، وَأما مَا يحل من الْحَائِض فَيحل مِنْهَا مَا فَوق الْإِزَار و (استعفاف) عَن ذَلِك أفضل» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك، وَإِسْمَاعِيل قد عرفت حَاله فِي الحَدِيث السَّابِع (فِي) بَاب الْغسْل، وَابْن عَائِذ تقدم فِي الحَدِيث الثَّامِن من بَاب الْأَحْدَاث. قلت: وَرُوِيَ مثل حَدِيث (معَاذ من حَدِيث) عمر وَعبد الله بن سعد وَعَائِشَة، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تخريجي لأحاديث (الْمُهَذّب) ، فسارع إِلَيْهِ. الحَدِيث الثَّالِث عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من رتع حول الْحمى يُوشك أَن يواقعه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَعظم موقعه، وَأَنه أحد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الْإِسْلَام. قَالَ جمَاعَة: هُوَ ثلث الْإِسْلَام. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ربعه. أَخْرجَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول - وأهوى النُّعْمَان بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ -: «إِن (الْحَلَال) بَين، و (إِن) الْحَرَام بَين، وَبَينهمَا أُمُور مُشْتَبهَات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس، فَمن اتَّقَى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه، وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام، كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ، أَلا وَإِن لكل ملك حمى، أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه، أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله، أَلا وَهِي الْقلب» . هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ فِي «الْإِيمَان» فِي بَاب فضل من اسْتَبْرَأَ [لدينِهِ] نَحوه، وَقَالَ: «أَلا وَإِن حمى الله فِي أرضه مَحَارمه» ، وَلَفظه فِي الْبيُوع: «الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا أُمُور مشتبهة، فَمن ترك مَا شبه عَلَيْهِ من الْإِثْم (كَانَ لما استبان أترك، وَمن اجترأ عَلَى مَا يشك فِيهِ من الْإِثْم) أوشك أَن يواقع مَا استبان، والمعاصي حمى الله من يرتع حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ» (وَفِي نُسْخَة «يَقع فِيهِ» ) وَعَلَيْهَا اقْتصر عبد الْحق فِي «جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كنت مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الخميلة، فانسللت، فَقَالَ: أنفست؟ فَقلت: نعم. (فَقَالَ) : خذي ثِيَاب حيضتك وعودي إِلَى مضجعك. ونال مني مَا ينَال الرجل من امْرَأَته إِلَّا مَا تَحت الْإِزَار» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» ، وَهُوَ تبع إِمَامه، فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي «نهايته» وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور إِلَّا آخِره، وَهُوَ: «ونال مني ... » إِلَى آخِره، فَلم أعثر عَلَيْهَا وَلم يعثر عَلَيْهَا قبلي ابْن الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ، وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» يُنكر عَلَى الْغَزالِيّ فِي «الْوَسِيط» كَونه رَوَاهَا، قَالَ: وَهِي زِيَادَة غير مَعْرُوفَة فِي كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة. قلت: وَلَفظ حَدِيثهمَا فِي «الصَّحِيح» : «كَانَت إحدانا إِذا كَانَت حَائِضًا أمرهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن تأتزر فِي فَور (حَيْضَتهَا) ثمَّ يُبَاشِرهَا، قَالَت: وَأَيكُمْ يملك إربه كَمَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يملك إربه» . وَفِي لفظ: «كَانَت إحدانا إِذا كَانَت حَائِضًا أمرهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فتأتزر بإزارها ثمَّ يُبَاشِرهَا» . (رَوَاهُمَا) مُسلم فِي «صَحِيحه» وَلَفظ البُخَارِيّ عَن عَائِشَة: «كَانَ يَأْمُرنِي فأتزر فيباشرني وَأَنا حَائِض» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 وَرِوَايَة «الْمُوَطَّأ» قريبَة من رِوَايَة المُصَنّف، وَمن سبقه إِلَى قَوْله: «مضجعك» فَإِنَّهُ رَوَى الحَدِيث عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن «أَن عَائِشَة زوج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَت مُضْطَجِعَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي ثوب وَاحِد وَإِنَّهَا وَثَبت وثبة شَدِيدَة، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: مَا لَك لَعَلَّك نفست؟ - يَعْنِي الْحَيْضَة - قَالَت: نعم. قَالَ: شدي عَلَى نَفسك إزارك، ثمَّ عودي إِلَى مضجعك» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ مَالك مُرْسلا. وَأخرجه قبل ذَلِك - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ - من حَدِيث شريك بن عبد الله - هُوَ ابْن أبي (نمر) - عَن عَطاء بن يسَار، عَن عَائِشَة قَالَت: «كنت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي لِحَاف وَاحِد، فانسللت، فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ فَقلت: حِضْت، فَقَالَ: شدي عَلَيْك إزارك، ثمَّ ادخلي» . فَائِدَة: الخَمِيلة - فِي رِوَايَة المُصَنّف - بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَكسر الْمِيم، قَالَ أهل اللُّغَة: هِيَ القطيفة، وَهِي كل ثوب لَهُ خمل من أَي شَيْء كَانَ. وَقيل: هِيَ الْأسود من الثِّيَاب. (وَعبارَة الْجَوْهَرِي: الخمل: الهُدب والطِّنفسة أَيْضا) . وفور حَيْضَتهَا - بِفَتْح الْحَاء، وَإِسْكَان الْوَاو - وَمَعْنَاهُ: معظمها وَوقت كثرتها. وَالْمرَاد بِالْمُبَاشرَةِ: التقاء البشرتين عَلَى أَي وَجه كَانَ. وحيضتها: بِفَتْح (الْحَاء) أَي الْحيض، (قَالَه) النَّوَوِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 فِي (شَرحه لمُسلم) ، وَفِي (الْمُحكم) : الْحَيْضَة - يَعْنِي بِفَتْح الْحَاء - الْمرة الْوَاحِدَة. والحِيضة - يَعْنِي بِكَسْر الْحَاء (الِاسْم. قَالَ: وَقيل: الْحَيْضَة - يَعْنِي بِالْكَسْرِ) الدَّم (نَفسه) وَفِي «الصِّحَاح» : الحَيضة: الْمرة الْوَاحِدَة. والحِيضة بِالْكَسْرِ: الِاسْم. (إربه) - بِكَسْر الْهمزَة، وَإِسْكَان الرَّاء -: الْحَاجة، وَرُوِيَ (بِفَتْحِهَا) . وَمَعْنى تأتزر: تشد إزَارهَا تستر سرتها وَمَا تحتهَا إِلَى الرّكْبَة فَمَا تحتهَا. الحَدِيث الْخَامِس عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ من حَدِيث أم سَلمَة مثل حَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، لَكِن بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَة (الْمُتَقَدّمَة الْمُنكرَة) فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، عَنْهَا قَالَت: «بَينا أَنا مُضْطَجِعَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الخميصة إِذْ حِضْت، فانسللت، فَأخذت ثِيَاب حيضتي، فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أنفست؟ قلت: نعم. فدعاني (فاضطجعت) مَعَه فِي الخميلة» . فَائِدَة: مَعْنَى انسللت: ذهبت فِي خُفْيَة. وحيضتي - بِكَسْر الْحَاء - وَهِي حَالَة الْحيض (أَي أخذت) الثِّيَاب الْمعدة لَهُ من الْحيض. قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَيحْتَمل فتح الْحَاء: الثِّيَاب الَّتِي ألبسها فِي حَال حيضتي، فَإِن الْحَيْضَة - بِالْفَتْح - هِيَ الْحيض. وأنفست: - بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء - أَي حضتِ. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: يُقَال فِي الْولادَة بِضَم النُّون وَفتحهَا، وَفِي الْحيض بِالْفَتْح لَا غير، وَنقل أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي الْوَجْهَيْنِ فِيهَا. الحَدِيث السَّادِس عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: «توضئي لكل صَلَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: « (جَاءَت) فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض فَلَا أطهر، أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِك عرق، وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، فَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 الدَّم وَصلي» . قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة فِي حَدِيثه: «وتوضئي لكل صَلَاة، حتَّى يَجِيء ذَلِك الْوَقْت» . رَوَاهُ كَذَلِك التِّرْمِذِيّ من حَدِيث وَكِيع وَعَبدَة وَأبي مُعَاوِيَة، عَن هَاشم بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَنْهَا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث وَكِيع، عَن الْأَعْمَش، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: (جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ... » فَذكر خَبَرهَا قَالَ: «ثمَّ اغْتَسِلِي، ثمَّ توضئي لكل صَلَاة وَصلي» . (وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث وَكِيع، عَن الْأَعْمَش (إِلَى عَائِشَة) قَالَت: «جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر، أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَ بالحيضة، اجتنبي الصَّلَاة أَيَّام محيضك، ثمَّ اغْتَسِلِي، وتوضئي لكل صَلَاة، وَإِن قطر الدَّم عَلَى الْحَصِير» ) . (و) رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث حَمَّاد، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَنْهَا قَالَت: «استحيضت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش (فَسَأَلت) النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر، أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة (فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وتوضئي وَصلي، فَإِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت الْحَيْضَة» و) قيل لَهُ: فالغسل، قَالَ: وَذَلِكَ لَا يشك فِيهِ أحد» . وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من هَذَا الْوَجْه بِنَحْوِهِ، وَفِي آخِره: «قَالَ هِشَام: وَكَانَ أبي يَقُول: تَغْتَسِل غسل الأول، ثمَّ مَا يكون بعد ذَلِك (فَإِنَّهَا) تطهر وَتصلي» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو (عَن) ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة « (أَن) فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَانَت تستحاض، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِن دم الْحيض أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي» . وَضعف أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث (بِمَا لَيْسَ) فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِأَن قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف. قَالَ: وَدلّ عَلَى ضعفه أَن حفصًا أوقفهُ وَأنكر رَفعه، وَأَوْقفهُ أَيْضا أَسْبَاط عَن الْأَعْمَش مَوْقُوفا عَلَى عَائِشَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 قَالَ: وَرَوَاهُ (ابْن) دَاوُد عَن الْأَعْمَش مَرْفُوعا أَوله. وَأنكر أَن يكون فِيهِ الْوضُوء عِنْد كل صَلَاة، ثمَّ أوضح ضعفه. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «إِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك أثر الدَّم وتوضئي وَصلي» (قَالَ: رَوَاهُ مُسلم) فِي «الصَّحِيح» عَن خلف بن هِشَام، عَن حَمَّاد دون قَوْله: «وتوضئي» ثمَّ قَالَ مُسلم: وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد حرف تركنَا ذكره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا لِأَن هَذِه الزِّيَادَة غير مَحْفُوظَة، إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة وَغَيره عَن هِشَام بن عُرْوَة هَذَا الحَدِيث وَفِي آخِره: «قَالَ هِشَام: قَالَ أبي: ثمَّ توضئي لكل صَلَاة حتَّى يَجِيء ذَلِك الْوَقْت» . وَكَأَنَّهُ ضعفه بمخالفة سَائِر الروَاة عَن هِشَام، ونازعه صَاحب «الإِمَام» فِي ذَلِك (فَقَالَ: قد) عرف أَكثر مَذْهَب الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء فِي قبُول زِيَادَة الْعدْل، وَحَمَّاد بن زيد من أكابرهم. قلت: وَلم ينْفَرد حَمَّاد بذلك عَن هِشَام، بل رَوَاهُ عَنهُ أَبُو عوَانَة كَمَا أخرجه الطَّحَاوِيّ فِي كتاب «الرَّد عَلَى الْكَرَابِيسِي» من طَرِيقه بِإِسْنَاد جيد، وَرَوَاهُ (عَنهُ) أَيْضا حَمَّاد بن سَلمَة. كَمَا أخرجه الدَّارمِيّ فِيمَا سلف، وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا أَبُو حنيفَة كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ و (الطَّحَاوِيّ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا وَكِيع وَعَبدَة وَمُعَاوِيَة كَمَا سلف من طَرِيق التِّرْمِذِيّ مصححًا لَهُ، وَأَبُو حَمْزَة كَمَا أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيثه عَنهُ، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش أَتَت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسْتَحَاض الشَّهْر والشهرين؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِك بحيض، وَلكنه عرق، فَإِذا أقبل الْحيض فدعي الصَّلَاة عدد أيامك الَّتِي كنت تحيضين فِيهِ، فَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وتوضئي لكل صَلَاة» . ثمَّ قَالَ: (ذكر) الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذِه اللَّفْظَة تفرد بهَا أَبُو حَمْزَة وَأَبُو حنيفَة. ثمَّ رَوَى من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن الْمُسْتَحَاضَة، فَقَالَ: تدع الصَّلَاة أَيَّامهَا، ثمَّ تَغْتَسِل غسلا وَاحِدًا، ثمَّ تتوضأ (عِنْد كل) صَلَاة» . ثمَّ قَالَ صَاحب «الإِمَام» : كَأَن الْبَيْهَقِيّ اسْتدلَّ بِرِوَايَة (أبي) مُعَاوِيَة وَمَا وَقع فِيهَا من انْفِصَال قَول عُرْوَة من الحَدِيث عَلَى أَنه من قَول عُرْوَة لَا مُسْندًا فِي الحَدِيث (وَفِي) ذَلِك نظر. قلت: قد وَصلهَا غَيره كَمَا قَرَّرْنَاهُ. تَنْبِيه: قَول عُرْوَة أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَنقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (عَن) اللالكائي عزوه إِلَى (الصَّحِيحَيْنِ) وَأقرهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ فَقَط. (فَائِدَة) : (فَاطِمَة) هَذِه، هَل كَانَت مُمَيزَة أَو مُعْتَادَة؟ (بحث) قَدمته فِي (أول) بَاب الْغسْل فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث السَّابِع عشر « (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لحمنة بنت جحش: أَنعَت لَك الكرسف؟ قَالَت: هُوَ [أَكثر] من ذَلِك. قَالَ: فاتخذي ثوبا. .» الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث هُوَ طرف من الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث الْبَاب، وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ بِطُولِهِ وفوائده. الحَدِيث الثَّامِن عشر) عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض فَلَا أطهر أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وَصلي» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 قَالَ الرَّافِعِيّ: أَخْرجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا فِي أول بَاب الْغسْل، وَذكر بعضه المُصَنّف فِي أَوَائِل الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث مِنْهُ. وَذكر فِي أثْنَاء الْبَاب أَنه رُوِيَ: «فَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي» وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجهَا البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن عَائِشَة «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَانَت تستحاض فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي» . فَائِدَة: الْعرق بِكَسْر الْعين وَإِسْكَان الرَّاء، هَذَا الْعرق يُقَال لَهُ العاذل - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة - قَالَه الْأَزْهَرِي. وَحَكَى ابْن سَيّده إهمالها وَبدل اللَّام رَاء، وَهَذَا الْعرق (فَمه) فِي أدنَى الرَّحِم، وَمَعْنى «إِنَّمَا ذَلِك عرق» : أَي دم عرق. (الحَدِيث) التَّاسِع عشر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: «إِن دم الْحيض أسود يعرف، وَإِن لَهُ رَائِحَة، فَإِذا كَانَ ذَلِك فدعي الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ الآخر فاغتسلي وَصلي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 حَدِيث عُرْوَة بن الزبير، عَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش «أَنَّهَا كَانَت تستحاض فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِذا كَانَ دم الْحيض فَإِنَّهُ دم أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ بعد «فتوضئي» : «فَإِنَّمَا هُوَ عرق» وَلم يذكر: «وَصلي» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن دم الْحيض أسود يعرف، فَإِذا كَانَ ذَلِك فأمسكي عَن الصَّلَاة، فَإِذا كَانَ الآخر فتوضئي وَصلي» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُوِيَ عَن الْعَلَاء بن الْمسيب وَشعْبَة، عَن الحكم، عَن أبي جَعْفَر، قَالَ الْعَلَاء: عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَأَوْقفهُ شُعْبَة « (تَوَضَّأ) لكل صَلَاة» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ أبي دَاوُد سَوَاء، وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» بِزِيَادَة (بعد) «وَصلي» : «فَإِنَّمَا ذَلِك عرق» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» فِي كتاب النِّكَاح: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث (مُحْتَج) بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إلمامه» بعد أَن عزاهُ إِلَى رِوَايَة النَّسَائِيّ: رِجَاله رجال مُسلم. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» لَهُ: هُوَ فِيمَا أرَى مُنْقَطع، لِأَنَّهُ يرْوَى عَن عُرْوَة، عَن فَاطِمَة. وَعَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن فَاطِمَة. قَالَ: وَلَو صَحَّ أَن عُرْوَة سمع من فَاطِمَة لم (يَقع) ذَلِك فِي الأول لإدخال عُرْوَة (بَينهَا) وَبَينه (فِيهِ) عَائِشَة. قَالَ: وَزعم ابْن حزم أَن عُرْوَة أدْرك فَاطِمَة وَلم يستبعد أَن (يسمعهُ) من خَالَته وَمن ابْنة عَمه. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي غير صَحِيح. قَالَ: وَقد يظنّ السماع مِنْهَا لحَدِيث الْمُنْذر بن الْمُغيرَة عَن عُرْوَة أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش حدثته «أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فشكت إِلَيْهِ الدَّم فَقَالَ لَهَا: إِنَّمَا ذَلِك عرق، فانظري ... » الحَدِيث. وَهَذَا لَا يَصح (مِنْهُ) سَمَاعه مِنْهَا للْجَهْل بِحَال الْمُنْذر بن الْمُغيرَة، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول لَيْسَ بالمشهور. وَفِي حَدِيث آخر سَمَاعه مِنْهَا عَلَى الشَّك. انْتَهَى. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن فَاطِمَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لَهَا: «إِذا رَأَيْت الدَّم الْأسود فأمسكي عَن الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ الْأَحْمَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 فتوضئي» فَقَالَ: لم يُتَابع مُحَمَّد بن عَمْرو عَلَى هَذِه الرِّوَايَة وَهُوَ مُنكر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أغرب مُحَمَّد بن عَمْرو عَن الزُّهْرِيّ بِهَذِهِ اللَّفْظَة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فَاسد الْإِسْنَاد لم يروه إِلَّا ابْن (عَمْرو) ، وَقد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ. وَأما رِوَايَة الإِمَام الرَّافِعِيّ بعد قَوْله «يعرف» : «وَأَن لَهُ رَائِحَة» فَلم أرها فِي شَيْء من كتب الحَدِيث، وَذكرهَا فِي أثْنَاء الْبَاب بِلَفْظ: «لَهُ رَائِحَة (تعرف) » ، وَهَذَا هَكَذَا لَا يعرف. قَالَ: وَورد فِي صفته أَنه أسود محتدم بحراني ذُو دفعات. قلت: (وَتبع) فِي إِيرَاد هَذَا الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي «وسيطه» وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام فِي «نهايته» ، وَفِي «تَارِيخ الْعقيلِيّ» نَحوه من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «دم الْحيض أَحْمَر بحراني، وَدم الِاسْتِحَاضَة كغسالة اللَّحْم» . قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الصّلاح عَن رِوَايَة الْغَزالِيّ وإمامه: إِنَّهَا ضَعِيفَة لَا تعرف. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط أَيْضا قَالَ - وَيَعْنِي حَدِيث فَاطِمَة، ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف عَن رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَعَزاهُ (إِلَى) ابْن مَاجَه أَيْضا، وَإِنَّهُم رَوَوْهُ بأسانيد صَحِيحَة -: وَذكر الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» تبعا للْإِمَام زِيَادَة فِي حَدِيث فَاطِمَة وَهِي: «عرق انْقَطع» وَأنكر وجود هَذِه الزِّيَادَة وَهِي «انْقَطع» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 ابنُ الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» وَهُوَ غَرِيب مِنْهُم، فَهَذِهِ اللَّفْظَة صَحِيحَة مَوْجُودَة فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» وَالْبَيْهَقِيّ وصحيح الْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. و «خلافيات» الْبَيْهَقِيّ أَيْضا لكنه لينه، وَقد أوضحت ذَلِك كُله فِي تخريجي لأحاديث «الْوَسِيط» (فارحل إِلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَورد فِي دم الِاسْتِحَاضَة) أَنه أَحْمَر رَقِيق مشرق. قلت: الَّذِي أعلمهُ فِي صفة دم الِاسْتِحَاضَة مَا أسلفته عَن عَائِشَة، وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث (عبد الْملك) ، عَن الْعَلَاء قَالَ: سَمِعت مَكْحُولًا يَقُول: عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «دم الْحيض أسود خاثر تعلوه حمرَة، وَدم الِاسْتِحَاضَة أصفر رَقِيق» . وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «دم الْحيض لَا يكون إِلَّا دَمًا أسود عبيطًا يعلوه حمرَة، وَدم الِاسْتِحَاضَة رَقِيق يعلوه صفرَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عبد الْملك هَذَا مَجْهُول، والْعَلَاء هُوَ ابْن كثير ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَمَكْحُول لم يسمع من أبي أُمَامَة شَيْئا، أَنا بذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 أَبُو بكر الْفَقِيه عَن الدَّارَقُطْنِيّ (قلت: الْعَلَاء لم ينْسب فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ) «هُوَ ابْن كثير» وَإِقْرَار الْبَيْهَقِيّ لَهُ عَلَى ذَلِك يُعَارضهُ أَن الطَّبَرَانِيّ رَوَى هَذَا الحَدِيث وَفِيه الْعَلَاء بن الْحَارِث. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن الْعَلَاء بن الْحَارِث فَقَالَ: ثِقَة لَا أعلم أحدا من أَصْحَاب مَكْحُول أوثق مِنْهُ. قَالَ: وحَدَّثَني أبي سَمِعت دحيمًا وَذكر الْعَلَاء بن الْحَارِث فقدمه وَعظم شَأْنه. وَقَالَ: رَوَى الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» نعم كَانَ يرَى الْقدر. وَأما ابْن طَاهِر الْحَافِظ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «تَذكرته» عقب هَذَا الحَدِيث: الْعَلَاء هَذَا يروي الموضوعات. قَالَ: وَمن أَصْحَابنَا من زعم أَنه الْعَلَاء بن الْحَارِث، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن الْعَلَاء بن الْحَارِث حضرمي من الْيمن، وَهَذَا مولَى بني أُميَّة، وَذَاكَ صَدُوق، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث. قلت: يُقَوي هَذَا مَا ذكره الحافظان وَالله أعلم. تَنْبِيه: وهم صَاحب (التنقيب عَلَى الْمُهَذّب) فَادَّعَى أَن حَدِيث فَاطِمَة الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ أَولا وَهُوَ «أَن دم الْحيض (أسود) يعرف» أخرجه مُسلم (من) حَدِيث فَاطِمَة (فِيهِ) وَفِي البُخَارِيّ (بِغَيْر) هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 اللَّفْظ كَمَا أسلفناه قبل ذَلِك. فَائِدَة: الْأسود، قد فسره الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب بِأَنَّهُ الَّذِي يعلوه حمرَة متراكبة فَيضْرب من ذَلِك إِلَى السوَاد. والمحتدم - بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ - كَمَا (قَيده) النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (قَالَ) وَهُوَ مَأْخُوذ من احتدام النَّهَار، وَهُوَ اشتداد حره. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ الَّذِي يلْدغ الْبشرَة، ويحرقها لحدته، وَيخْتَص برائحة كريهة. قَالَ: وَقيل: هُوَ الضَّارِب إِلَى السوَاد. قَالَ: وَدم الِاسْتِحَاضَة رَقِيق (لَا احتدام) فِيهِ يضْرب إِلَى الشقرة أَو الصُّفْرَة، وَلذَلِك سمي مشرقًا، (وَالْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة أَن المحدوم هُوَ الَّذِي اشتدت حمرته حتَّى اسود، الْفِعْل مِنْهُ احتدم) . وَقَوله: «ذُو دفعات» هُوَ بِضَم الدَّال وَفتحهَا، وَالضَّم أَجود، وَهُوَ اسْم للمدفوع، وبالفتح اسْم للمرة الْوَاحِدَة. والبحراني: هُوَ (الشَّديد) الْحمرَة، ( [قَالَه] الرَّافِعِيّ ثمَّ حَكَى عَن صَاحب «الغريبين» أَنه يُقَال (بحراني وباحراني) أَي شَدِيد الْحمرَة أَي نِسْبَة إِلَى الْبَحْر لصفاء لَونه، بِخِلَاف دم الْفساد) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 وَقَالَ الإِمَام فِي «نهايته» : إِنَّه الصَّحِيح. وَلم يبين مَا يُقَابله، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه الدَّم الْكثير الغليظ الَّذِي يخرج من قَعْر الرَّحِم، ينْسب إِلَى الْبَحْر لكثرته وسعته. قَالَ أهل اللُّغَة: والبحراني مَنْسُوب إِلَى الْبَحْر، وَهُوَ قَعْر الرَّحِم (كَمَا يخرج المَاء من قَعْر الْبَحْر) ، وزادوه الْألف وَالنُّون فِي النّسَب مُبَالغَة، (وَقيل: لِأَنَّهُ يخرج بسعة تدفق كَمَاء الْبَحْر) . الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنها «أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدَّم عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فاستفتيت لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: لتنظر عدد الْأَيَّام والليالي الَّتِي (كَانَت) تحيضهن من الشَّهْر قبل أَن يُصِيبهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فلتترك الصَّلَاة قدر ذَلِك (من) الشَّهْر، فَإِذا خلفت ذَلِك فلتغتسل، ثمَّ لتستثفر بِثَوْب، ثمَّ لتصل» . هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرط الصَّحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الْأَئِمَّة: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» وَأحمد والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار، عَن أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنها بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَغَيره: إِسْنَاده عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قلت: وَأعله جمَاعَة بالانقطاع، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث مَشْهُور إِلَّا أَن سُلَيْمَان بن يسَار لم يسمعهُ من أم سَلمَة، وَكَذَا (قَالَ) فِي «خلافياته» أَن سُلَيْمَان لم (يسمعهُ) مِنْهَا، إِنَّمَا سَمعه من رجل عَنْهَا، كَذَلِك رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد وَعبيد الله بن (عمر) وصخر بن جوَيْرِية، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن رجل عَنْهَا. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : هَذَا حَدِيث مُرْسل فِيمَا أرَى. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» : إِنَّه مُرْسل. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: لم يسمعهُ سُلَيْمَان مِنْهَا، وَرَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن مرْجَانَة، عَن أم سَلمَة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : (قد) اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، فَرَوَاهُ مَالك، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسد بن مُوسَى، عَن اللَّيْث، عَن نَافِع. وَرَوَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 كَذَلِك أَسد أَيْضا، عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن الْحجَّاج، عَن نَافِع بِهِ. قَالَ: وَقيل بِإِدْخَال رجل بَين سُلَيْمَان، وَأم سَلمَة، فَرَوَاهُ اللَّيْث، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان أَن رجلا أخبرهُ عَن أم سَلمَة ... الحَدِيث. (رَوَاهُ) أَبُو دَاوُد من غير سِيَاقَة أَلْفَاظه كلهَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَخْر بن جوَيْرِية، عَن نَافِع، ذكره أَبُو دَاوُد محيلاً عَلَى رِوَايَة اللَّيْث، وَسَاقه الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن الْجَارُود بِتَمَامِهِ من حَدِيث صَخْر، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان: أَنه حَدثهُ رجل عَن أم سَلمَة، وَكَذَلِكَ ذكر عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن رجل، عَن أم سَلمَة. ورأيته فِي «مُسْند السراج» لَيْسَ بَين سُلَيْمَان وَأم سَلمَة أحد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان، عَن رجل من الْأَنْصَار: «أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدَّم» . وَذكر المُصَنّف - أَعنِي الرَّافِعِيّ - فِي شَرحه للمسند مقَالَة الْبَيْهَقِيّ السالفة، وَأجَاب عَنْهَا فَقَالَ: ذكر الْبَيْهَقِيّ أَن سُلَيْمَان لم يسمع هَذَا الحَدِيث من أم سَلمَة مستدلاً بِأَن اللَّيْث رَوَاهُ عَن نَافِع عَن سُلَيْمَان، عَن رجل (عَنْهَا) ، وَكَذَلِكَ (رَوَاهُ) جوَيْرِية بن أَسمَاء وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، وَعبيد الله بن (عمر) عَن نَافِع، لَكِن يُمكن أَن يكون سَمعه سُلَيْمَان من رجل (عَن) أم سَلمَة ثمَّ سَمعه مِنْهَا، فروَى تَارَة هَكَذَا وَتارَة هَكَذَا. قَالَ: وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي «التَّارِيخ» أَن سُلَيْمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 بن يسَار سمع ابْن عَبَّاس وَأَبا هُرَيْرَة وَأم سَلمَة. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ. وَهُوَ جمع حسن وَبِه يتَّفق الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور وَقد (جزم) صَاحب «الْكَمَال» بِأَن سُلَيْمَان سمع مِنْهَا، وَتَبعهُ (الْمزي) والذهبي. فَائِدَة: يهراق، كَذَا جَاءَ عَلَى مالم يسم فَاعله - بِضَم الْيَاء وَفتح الْهَاء - أَي يصب. وَالدَّم مَنْصُوب عَلَى (التَّشْبِيه) بالمفعول، أَو عَلَى التَّمْيِيز عَلَى مَذْهَب الْكُوفِيّين. قَالَه صَاحب «الْمطَالع» وَيجوز أَن يكون منعوتًا بيهراق، و (قَالَ) الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» : الدَّم مَنْصُوب عَلَى التَّمْيِيز وَإِن كَانَ معرفه وَله نَظَائِر أَو يكون أجري مجْرى: نفست الْمَرْأَة (غُلَاما) . وَيجوز رفع الدَّم عَلَى (تَقْدِير) (إهراق) دماؤها، وَيكون الْألف وَاللَّام بَدَلا من الْإِضَافَة كَقَوْلِه تَعَالَى: (أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح) أَي عقدَة نِكَاحه أَو نِكَاحهَا. وَالدَّم مخفف اللَّام عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة، وَفِي لُغَة شَاذَّة بتشديدها. وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «فلتترك» يجوز فِي هَذِه اللَّام - وَشبههَا فِي لامات الْأَمر الَّتِي يتقدمها فَاء، أَو رَاء أَو ثمَّ - ثَلَاثَة أوجه: كسرهَا، وإسكانها، وَيجوز فتحهَا عَلَى غرابة. وَقد تقدم مَعْنَى الاستثفار فِي حَدِيث حمْنَة الْمُتَقَدّم أول الْبَاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وخلفت - بتَشْديد اللَّام - أَي: جَاوَزت ذَلِك وَجَعَلته خلفهَا. فَائِدَة ثَانِيَة: (هَذِه) الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلت لَهَا أم سَلمَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (هِيَ) فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش، كَذَا صرح بهَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَه أَبُو دَاوُد وَالله أعلم. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ بِهَذَا اللَّفْظ من طرق (أَرْبَعَة) أَولهَا: من حَدِيث أم حَبِيبَة رَضي اللهُ عَنها، رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة «أَن أم حَبِيبَة كَانَت تستحاض، فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا أَن تتْرك الصَّلَاة قدر أقرائها وحيضها» . وَهَذَا من بَاب الْعَطف إِذا تغايرت الْأَلْفَاظ كَقَوْلِه: وَألقَى قَوْلهَا كذبا ومينًا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ - أَيْضا بِسَنَد كل رِجَاله ثِقَات - عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة «أَن أم حَبِيبَة استحيضت، فَذكرت شَأْنهَا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: لتنظر قدر قرئها الَّتِي كَانَت تحيض لَهَا ... » الحَدِيث. ثَانِيهَا: من حَدِيث فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش «أَنَّهَا شكت إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الدَّم فَقَالَ: إِذا أَتَاك قرؤك فَلَا تصلي، فَإِذا مرّ قرؤك فتطهري، ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 صلي مَا بَين الْقُرْء إِلَى الْقُرْء» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد كل رِجَاله ثِقَات. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: ثَبت أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للمستحاضة: «إِذا أَتَاك قرؤك فَلَا تصلي» وَأَنه أمرهَا (أَن) تتْرك الصَّلَاة قدر أقرائها وحيضها، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الحَدِيث الَّذِي قبله. ثَالِثهَا: من حَدِيث أم سَلمَة، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُسْنده» عَن يزِيد بن هَارُون، أَنا حجاج، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن امْرَأَة أَتَت أم سَلمَة تسْأَل لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن الْمُسْتَحَاضَة؟ فَقَالَ: تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها» وَهَذِه الْمَرْأَة هِيَ فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَمَا سبق وَصرح بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» فَإِنَّهُ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار عَنْهَا «أَنَّهَا استفتت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لفاطمة بنت أبي حُبَيْش فَقَالَ: تدع الصَّلَاة قدر أقرائها، ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي» ثمَّ قَالَ: - أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ - و (رَوَاهُ) وهيب، عَن أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة بِهَذَا، وَقَالَ: «تنْتَظر أَيَّام حَيْضهَا وَتَدَع الصَّلَاة» . ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت حتَّى كَانَ (المركن) ينْقل من تحتهَا وَأَعلاهُ الدَّم، قَالَ: فَأمرت أم سَلمَة تسْأَل لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 ثمَّ تَغْتَسِل وتستثفر بِثَوْب وَتصلي» . ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن [يسَار] أَيْضا «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (أَو سُئِلَ لَهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم) فَأمرهَا أَن تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، وَأَن تَغْتَسِل فِيمَا سُوَى ذَلِك وتستذفر (بِثَوْب) وَتصلي، فَقيل لِسُلَيْمَان: أيغشاها زَوجهَا؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نقُول فِيمَا سمعنَا» . وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (فِي) الْعدَد من حَدِيث أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا أَن تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، وَأَن تَغْتَسِل فِيمَا سُوَى ذَلِك وتستذفر بِثَوْب وَتصلي، فَقيل لِسُلَيْمَان ... » إِلَى آخِره، قَالَ: كَذَا رَوَاهُ عبد الْوَارِث وَحَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب، إِلَّا أَنَّهُمَا ذكرا أَن أم سَلمَة استفتت لَهَا، وَاحْتج إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل ابْن علية بِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَزعم أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَوَاهُ عَن أَيُّوب هَكَذَا، قَالَ الشَّافِعِي: مَا حدث سُفْيَان بِهَذَا قطّ إِنَّمَا قَالَ: سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «تدع الصَّلَاة عدد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت (تحيض) » أَو قَالَ: «أَيَّام أقرائها» الشَّك من أَيُّوب لَا يدْرِي قَالَ هَذَا أَو هَذَا، فَجعله (هُوَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 أَحدهمَا عَلَى (نَاحيَة) مِمَّا يُرِيد لَيْسَ هَذَا بِصدق. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة عَن سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت فَسَأَلت لَهَا أم سَلمَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَيست بالحيضة إِنَّمَا هُوَ عرق. فَأمرهَا (رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم) أَن تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها وَأَيَّام حَيْضهَا، ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي، فَإِن غلبها الدَّم استذفرت» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا (وجدت) وَالصَّوَاب «أَيَّام أقرائها أَو أَيَّام حَيْضهَا» بِالشَّكِّ. قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ وهيب، عَن أَيُّوب، و (رَوَاهُ) أَبُو (عبد) الله المَخْزُومِي، عَن سُفْيَان فَقَالَ: «لتنظر عدَّة اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحيضهن وقدرهن من الشَّهْر (فلتترك) الصَّلَاة» كَذَلِك كَمَا رَوَاهُ نَافِع، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، قَالَ الشَّافِعِي: نَافِع أحفظ عَن سُلَيْمَان من أَيُّوب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 رُوِيَ هَذَا اللَّفْظ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِي أَحَادِيث ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْحيض، وَتلك الْأَحَادِيث فِي نَفسهَا مُخْتَلف فِيهَا، فبعض الروَاة قَالَ فِيهَا: «أَيَّام أقرائها» وَبَعْضهمْ قَالَ (فِيهَا) : «أَيَّام حَيْضهَا» أَو فِي مَعْنَاهُ، وكل ذَلِك من جِهَة الروَاة (كل وَاحِد مِنْهُم) يعبر عَنهُ بِمَا يَقع لَهُ. قَالَ: وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح متفقة عَلَى (الْعبارَة) عَنهُ بأيام الْحيض دون لفظ الْأَقْرَاء. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث عدي بن ثَابت، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَة: «تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها الَّتِي كَانَت تحيض فِيهَا، ثمَّ تَغْتَسِل وتتوضأ عِنْد كل صَلَاة وتصوم وَتصلي» . رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من حَدِيث شريك، عَن أبي الْيَقظَان، عَن عدي بِهِ إِلَّا أَن الدَّارمِيّ قَالَ: «أَيَّام حَيْضهَا» بدل «أقرائها» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث قد تفرد بِهِ شريك، عَن أبي الْيَقظَان. قَالَ: وسَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَقلت: عدي بن ثَابت، عَن أَبِيه، عَن جده، جد عدي بن ثَابت مَا اسْمه؟ فَلم يعرف مُحَمَّد اسْمه، وَذكرت لمُحَمد قَول يَحْيَى بن معِين أَن اسْمه: دِينَار، فَلم يعبأ بِهِ. قلت: وَقَالَ أَحْمد بن زُهَيْر: اسْمه: قيس. حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى فِي «معرفَة الصَّحَابَة» قَالَ: وَقَالَ أَكْثَرهم: اسْمه عبد الله بن (يزِيد) الخطمي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 قَالَ: وَقيل: إِن عبد الله بن (يزِيد) اسْم جده من قبل الْأُم. انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح من هَذَا كُله شَيْء. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» : الصَّحِيح القَوْل الْأَخير. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ عدي بن ثَابت بن عبيد بن عَازِب فجده هَذَا هُوَ (أَخُو) الْبَراء بن عَازِب الْأنْصَارِيّ. وَحَكَى الْمزي عَن بَعضهم أَنه عدي بن أبان بن ثَابت بن قيس بن (الخطيم) (الظفري) (الْأنْصَارِيّ) وَصوب هَذَا القَوْل الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فِي كِتَابه «قبائل الْأَوْس والخزرج» . قلت: وَأَبُو الْيَقظَان الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اسْمه عُثْمَان بن (عُمَيْر) الْكُوفِي، وَيُقَال لَهُ ابْن قيس، وَابْن أبي حميد، وَابْن أبي زرْعَة (أَعْمَى) وأعشى ثَقِيف، (وَقد) ضعفه غير وَاحِد، قَالَ أَحْمد: ضَعِيف الحَدِيث، وَقَالَ يَحْيَى: حَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط حتَّى لَا يدْرِي مَا يَقُول لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 ضَعِيف الحَدِيث مُنكر، كَانَ شُعْبَة لَا يرضاه. وَذكر أَنه حَضَره فروَى عَن شيخ فَقَالَ لَهُ شُعْبَة: كم سنك؟ قَالَ: كَذَا، وَإِذا الشَّيْخ قد مَاتَ وَهُوَ ابْن سنتَيْن. وَقَالَ الدولابي فِي «كِتَابه» : حَدَّثَني عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: ترك عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدِيث أبي الْيَقظَان هَذَا. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» : لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. لَا جرم أَن أَبَا دَاوُد قَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يَصح. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» وَمِنْهَا نقلت: سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَن هَذَا الحَدِيث فَلم يعرفهُ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه (وَالله أعلم بِالصَّوَابِ) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كُنَّا نعد الصُّفْرَة والكدرة حيضا» . قَالَ الرَّافِعِيّ: (وَهَذَا) إِخْبَار عَمَّا عهدته فِي زمن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ النَّوَوِيّ أَيْضا فِي «شرح الْمُهَذّب» : لَا أعلم من رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ. وَخَالف فِي «خلاصته» فَذكره فِي فصل الضَّعِيف، وَهُوَ فرع مَعْرفَته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 قلت: لَكِن فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث (مُحَمَّد) بن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن (عمْرَة) عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَنَّهَا كَانَت تنْهَى النِّسَاء أَن ينظرن إِلَى أَنْفسهنَّ لَيْلًا فِي الْحيض، وَتقول: إِنَّهَا قد تكون الصُّفْرَة والكدرة» . وَفِي «موطأ» مَالك، عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة، عَن أمه مولاة عَائِشَة قَالَت: «كَانَ النِّسَاء يبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها بالدرجة فِيهَا الكرسف فِيهِ الصُّفْرَة من دم الْحيض، فيسألنها عَن الصَّلَاة؟ فَتَقول لَهُنَّ: لَا تعجلن حتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء - تُرِيدُ الطُّهْر من الْحَيْضَة» . وَرَوَى (هَذَا) عَن عَائِشَة: البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ: خولفت أم عَلْقَمَة بِمَا هُوَ أَقْوَى من رِوَايَتهَا. قلت: وَأم عَلْقَمَة اسْمهَا مرْجَانَة سَمَّاهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، ووثقها الْعجلِيّ أَيْضا، وَهَذَانِ الأثران عَنْهَا (بِمَعْنى) يقربان مِمَّا أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَأما حَدِيثهَا الآخر: «مَا كُنَّا نعد الصُّفْرَة والكدرة شَيْئا وَنحن مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» فضعيف بِمرَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، لَا (يسوى) ذكره. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : (هُوَ) وهم، وَإِنَّمَا هُوَ عَن أم عَطِيَّة. قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا عَن أم سَلمَة وَهُوَ وهم. فَائِدَة: الدُرْجة فِي رِوَايَة «الْمُوَطَّأ» السالفة - بِضَم الدَّال وَإِسْكَان الرَّاء وبالجيم، وبكسر الدَّال وَفتح الرَّاء، وَمن فتحهَا فقد أبعد عَن الصَّوَاب - وَهِي خرقَة أَو قطنة أَو نَحْو ذَلِك تدخله الْمَرْأَة فرجهَا ثمَّ تخرجه لتنظر هَل بَقِي شَيْء من أثر الْحيض أم لَا. والكرسف: الْقطن. والقَصَّة - بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد (الْمُهْملَة) - وأصل القص الجص، وَمِنْه الحَدِيث: «نهَى عَن تقصيص الْقُبُور» قيل مَعْنَاهُ: أَن تخرج القطنة أَو الْخِرْقَة الَّتِي تحشي بهَا كَأَنَّهَا قصَّة لَا تخالطها صفرَة. وَقيل: إِن الْقِصَّة كالجص الْأَبْيَض يخرج بعد انْقِطَاع الدَّم كُله. وَقيل: هُوَ مَاء أَبيض يخرج فِي آخر الْحيض. حَكَى هَذِه الْأَقْوَال الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» قَالَ: وَشبه ذَلِك بالقص وَهُوَ الجص. وَوَقع فِي «كِفَايَة» الْفَقِيه ابْن الرّفْعَة تَفْسِير الْقِصَّة الْبَيْضَاء بِأَنَّهُ شَيْء كالحيض الْأَبْيَض يخرج عِنْد انْقِطَاع الدَّم، وَصَوَابه كالجص الْأَبْيَض وَالله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن أم عَطِيَّة رَضي اللهُ عَنها (و) كَانَت مِمَّن بَايع النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَت: «كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة (شَيْئا) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح «كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة بعد الطُّهْر شَيْئا» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ) . وَوَقع فِي «الْعُمْدَة الْكُبْرَى» عزوه إِلَى «الصَّحِيحَيْنِ» وَهُوَ غلط مِنْهُ فِي مُسلم، وَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد، وَقد علمت أَن لَفْظَة: «بعد الطُّهْر» لَيست فِي البُخَارِيّ فَاعْلَم ذَلِك. وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ: «كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة (شَيْئا) - يَعْنِي فِي الْحيض» . قَالَ ابْن عَسَاكِر: هَذَا مَوْقُوف. قلت: هُوَ أحد الْمذَاهب فِي الْمَسْأَلَة، وَالْمُخْتَار أَنه مَرْفُوع مُطلقًا إِضَافَة إِلَى زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، أَو لم نضفه كَمَا ذكرته فِي «الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث» وَلذَلِك ذكرت حَدِيث أم عَطِيَّة هَذَا فِي الْأَحَادِيث دون الْآثَار، وَصحح ابْن الصّلاح التَّفْصِيل، فَإِن أَضَافَهُ فمرفوع وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «كُنَّا لَا (نعتد) بالصفرة والكدرة بعد الْغسْل شَيْئا» . وَالدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ: « (كُنَّا لَا نرَى) التريّه بعد الطُّهْر شَيْئا - وَهِي الصُّفْرَة والكدرة» . وَذكرهَا ابْن السكن فِي «صحاحه» . والتَّرِيّه: بِفَتْح الْمُثَنَّاة فَوق، ثمَّ رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة، ثمَّ مثناة تَحت مُشَدّدَة، ثمَّ هَاء، قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الشَّيْء (الْخَفي) الْيَسِير من الصُّفْرَة والكدرة، (ترَاهَا) الْمَرْأَة بعد الِاغْتِسَال من الْحيض، فَأَما مَا كَانَ فِي أَيَّام الْحيض فَهُوَ حيض وَلَيْسَ بترية. ذكره فِي بَاب «رَأَى» فَهُوَ دَلِيل عَلَى أَن الْيَاء زَائِدَة، وَأَن أصل الْكَلِمَة ترية، و (ذكر) الْفَارِسِي فِي «مجمعه» : الْيَاء بدل من الْوَاو وَأَصلهَا من لفظ «وَرى» لِأَنَّهُ يرَى وَرَاء الْحيض أَو من ورت الزند، لِأَنَّهَا تسْقط سُقُوط النَّار من الزند تَنْبِيه: وَقع فِي أَكثر نسخ «الْوَسِيط» للْإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ بدل «أم عَطِيَّة» : «بنت جحش» وَفِي بَعْضهَا: «زَيْنَب بنت جحش» (وَوَقع فِي «نِهَايَة» إِمَام الْحَرَمَيْنِ: حمْنَة بنت جحش) وكل ذَلِك مُنكر لَا يعرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 وَالصَّوَاب لقَوْل أم عَطِيَّة كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّاس، وَوَقع فِيهِ - أَعنِي فِي «الْوَسِيط» تبعا لشيخه فِي «نهايته» - زِيَادَة فِيهِ، وَهِي: «كُنَّا لَا نعتد بالصفرة وَرَاء الْعَادة شَيْئا» وَلَفظه: «وَرَاء الْعَادة» مُنكر لَا يعرف (وَالله أعلم) . الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ « (أَن) سهلة بنت سُهَيْل استحيضت فَأَتَت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا بِالْغسْلِ عِنْد كل صَلَاة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَن سهلة ... » فَذَكرته سَوَاء، وَزَاد: «فَلَمَّا جهدها ذَلِك، أمرهَا أَن تجمع بَين الظّهْر وَالْعصر بِغسْل، وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء بِغسْل، وتغتسل للصبح» قَالَ أَبُو دَاوُد: (وَرَوَاهُ) ابْن عُيَيْنَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه: «أَن امْرَأَة استحيضت فَسَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا» ، بِمَعْنَاهُ، ترْجم عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : من زعم أَن الْأَمر بِالْغسْلِ لكل صَلَاة مَنْسُوخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَورد أَيْضا (الْأَمر) بِالْغسْلِ لكل صَلَاة لأم حَبِيبَة لكنه ضَعِيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَالْبَيْهَقِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمرهَا بِالْغسْلِ لكل صَلَاة» ضَعِيفَة لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِشَيْء مِنْهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمرهَا أَن تَغْتَسِل فَكَانَت تَغْتَسِل عِنْد كل صَلَاة» . قَالَ الشَّافِعِي: إِنَّمَا أمرهَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن تَغْتَسِل وَتصلي، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه أمرهَا أَن تَغْتَسِل لكل صَلَاة، وَلَا أَشك أَن غسلهَا كَانَ تَطَوّعا غير مَا أمرت بِهِ، وَذَلِكَ وَاسع لَهَا ... هَذَا لفظ الشَّافِعِي، وَكَذَا قَالَ شَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَاللَّيْث بن سعد، وَغَيرهمَا. الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عَن أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَت النُّفَسَاء تجْلِس عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» . هَذَا الحَدِيث جيد، رَوَاهُ أَحْمد والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، (وَالْبَيْهَقِيّ) فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 «سُنَنهمْ» من حَدِيث عَلّي بن عبد الْأَعْلَى عَن أبي سهل عَن مُسَّة - بِضَم الْمِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة - الْأَزْدِيَّة، وكنيتها: أم بُسَة - بِضَم الْبَاء وَفتح السِّين - كَمَا قيدها الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وبخط ابْن المهندس فِي «تَهْذِيب الْكَمَال» للمزي بِفَتْحِهَا خطأ عَن أم سَلمَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، إِلَّا أَن لفظ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَإِحْدَى روايتي الإِمَام أَحْمد: «كَانَت النُّفَسَاء عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد بعد نفَاسهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة» وَهُوَ لفظ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» زَاد أَبُو دَاوُد (والدارمي) وَالتِّرْمِذِيّ: «وَكُنَّا نطلي عَلَى وُجُوهنَا بالورس من الكلف» وَهَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا أَيْضا أَحْمد وَابْن مَاجَه. وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «كَانَت النُّفَسَاء عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نطلي وُجُوهنَا بالورس من الكلف» . وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَلَفْظِ التِّرْمِذِيّ وَمن تَابعه، إِلَّا (أَنه) قَالَ فِيهِ: «وَكُنَّا نطلي وُجُوهنَا بالورس والزعفران» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِزِيَادَة عدم قَضَاء الصَّلَاة عَلَيْهَا، وَهَذَا لَفظه: عَن كثير بن زِيَاد قَالَ: حَدَّثتنِي الْأَزْدِيَّة قَالَت: « [حججْت] فَدخلت عَلَى أم سَلمَة فَقلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ، إِن سَمُرَة بن جُنْدُب يَأْمر (النِّسَاء) يقضين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 صَلَاة الْمَحِيض؟ فَقَالَت: لَا يقضين، كَانَت الْمَرْأَة من نسَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد فِي النّفاس أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا يأمرها النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِقَضَاء صَلَاة النّفاس» . (وَرَوَاهُ) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا، وَذكر اللَّفْظ الأول شَاهدا لَهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من وَجه آخر عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْعَرْزَمِي، عَن أَبِيه، عَن الحكم بن عُتيبة، عَن مَسة، عَن أم سَلمَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنَّهَا سَأَلته: كم تجْلِس الْمَرْأَة إِذا ولدت؟ (قَالَ) : تجْلِس أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَن ترَى الطُّهْر قبل ذَلِك» وَهَذِه الرِّوَايَة (مبينَة) للروايات السالفة إِذْ لَا يُمكن أَن تتفق عَادَة (نسَاء) عصر فِي نِفَاس أَو حيض، (وَالْمعْنَى) : كَانَت تُؤمر النُّفَسَاء أَن تجْلِس إِلَى الْأَرْبَعين. وأعل هَذَا الحَدِيث بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: بالطعن فِي أبي سهل (رَاوِيه) عَن مسَّة، واسْمه كثير بن زِيَاد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : كثير بن زِيَاد لَيْسَ لَهُ ذكر فِي «الصَّحِيحَيْنِ» . وَذكره أَبُو حَاتِم فِي «كتاب الْمَجْرُوحين» وَاسْتحبَّ مجانبة مَا انْفَرد بِهِ. قلت: وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وَثَّقَهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة أبي عِيسَى عَنهُ، وَذكر أَنه لَيْسَ لمسة إِلَّا هَذَا الحَدِيث. ثَانِيهَا: أَن مسَّة هَذِه مَجْهُولَة، قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم وَالْإِيهَام» : عِلّة هَذَا الْخَبَر، مَسّه الْمَذْكُورَة، وَهِي تكنى أم بسة، وَلَا يعرف حَالهَا وَلَا عينهَا، وَلَا تعرف فِي غير هَذَا الحَدِيث. (قَالَه) التِّرْمِذِيّ فِي «علله» . (قَالَ) : فخبرها هَذَا ضَعِيف الْإِسْنَاد ومنكر الْمَتْن، فَإِن أَزوَاج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَا مِنْهُنَّ من كَانَت نفسَاء (أَيَّام) كَونهَا مَعَه إِلَّا خَدِيجَة، فَإِن تَزْوِيجهَا كَانَ قبل الْهِجْرَة، فَإِذن لَا مَعْنَى لقولها: «قد كَانَت الْمَرْأَة من نسَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد فِي النّفاس أَرْبَعِينَ لَيْلَة» إلاأن تُرِيدُ بنسائه غير أَزوَاجه من قَرَابَات وَبَنَات وسريته مَارِيَة. وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك أَبَا مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ: مسَّة مَجْهُولَة. وَالْجَوَاب عَن الْعلَّة الأولَى: أَن أَبَا سهل قد وَثَّقَهُ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ: البُخَارِيّ وَيَحْيَى بن معِين وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَوْلهمْ مقدم عَلَى تَضْعِيف ابْن حبَان (لَهُ) . قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث أبي سهل، عَن مسَّة، عَن أم سَلمَة. قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - يَعْنِي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 البُخَارِيّ -: عَلّي بن عبد الْأَعْلَى ثِقَة. وَأَبُو سهل ثِقَة، وَلم يعرف (مُحَمَّد) هَذَا الحَدِيث إِلَّا من حَدِيث أبي سهل. وَقَالَ الْخطابِيّ: حَدِيث مسَّة هَذَا (أَثْنَى) عَلَيْهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، وَقَالَ: مسَّة هَذِه (أزدية) ، وَاسم أبي سهل: كثير بن زِيَاد، وَعلي بن عبد الْأَعْلَى ثِقَة. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَلَا أعرف فِي مَعْنَاهُ غير هَذَا. ثمَّ ذكر الشَّاهِد الَّذِي أسلفناه عَنهُ. قلت: وتوثيق البُخَارِيّ لَهُ لَا يُعَارضهُ عدم ذكره فِي «الصَّحِيحَيْنِ» . وَأما الْجَواب عَن الْعلَّة الثَّانِيَة فَلَا نسلم لِابْنِ حزم وَابْن الْقطَّان دَعْوَى جَهَالَة عين مسَّة، فَإِنَّهُ قد رَوَى عَنْهَا جماعات: (كثير بن) زِيَاد وَالْحكم بن عتيبة - كَمَا أسلفاه - وَزيد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، وَرَوَى (أَيْضا) مُحَمَّد بن كناسَة، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن الْحسن، عَن مسَّة أَيْضا، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَة رووا عَنْهَا فارتفعت جَهَالَة عينهَا. وَأما جَهَالَة حَالهَا، فَهِيَ مُرْتَفعَة بِبِنَاء البُخَارِيّ عَلَى حَدِيثهَا وَتَصْحِيح الْحَاكِم لإسناده، فَأَقل أَحْوَاله أَن يكون حسنا (لَا جرم) قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : قَول جمَاعَة من مصنفي الْفُقَهَاء أَن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ مَرْدُود عَلَيْهِم. قلت: ولعلهم أَرَادوا طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ الَّتِي فِيهَا الْعَرْزَمِي فَإِنَّهُ ضَعِيف جدًّا، بل قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عقب ذكر رِوَايَة أبي دَاوُد الْأَخِيرَة: قد رُوِيَ فِي هَذَا عَن أنس وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (فِي النُّفَسَاء) «أَنَّهَا تقعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة» وَفِي بَعْضهَا: «إِلَّا أَن ترَى الطُّهْر قبل ذَلِك» وَهِي أَحَادِيث معتلة بأسانيد متروكة، وأحسنها حَدِيث أبي دَاوُد الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع، ولاحائل حتَّى تحيض» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع، وَلَا غير ذَات حمل حتَّى تحيض حَيْضَة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ عبد الْحق: فِي إِسْنَاده أَبُو الوداك، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وَهُوَ عِنْد غَيره دون (ذَلِك) . قَالَ ابْن الْقطَّان: ترك عبد الْحق مَا هُوَ أولَى أَن (يعل) بِهِ الْخَبَر وَهُوَ شريك بن عبد الله، فَإِنَّهُ (يرويهِ) عَن قيس بن وهب عَن أبي الوداك، وَشريك مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مُدَلّس. قلت: قد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَأخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة. وَذكر الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث مُعَلّقا وَقَالَ: إِنَّه أصل الِاسْتِبْرَاء. وَقَالَ فِي «الْمُخْتَصر» : «نهَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَام سبي أَوْطَاس أَن تُوطأ حَامِل حتَّى تضع وَلَا حَائِل حتَّى تحيض» وَهَذَا هُوَ عين مَا أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَاعْترض القَاضِي عَلَى الشَّافِعِي، فَقَالَ: ذكر أول الْخَبَر بِالْمَعْنَى وَآخره بِاللَّفْظِ، وَلَو كَانَ أَتَى بِالْمَعْنَى لقَالَ: أَو حَائِل حتَّى تحيض. وَلَو أَتَى بِأول اللَّفْظ لقَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع» . قَالَ: وَكَانَ الأولَى بَعْدَمَا عمد إِلَى الْمَعْنى أَن ينْقل آخر الحَدِيث بِالْمَعْنَى، وَإِن كَانَ مَا فعله سائغًا فِي كَلَامهم، وَيُسمى تلوين الْكَلَام. قلت: قد علمت أَن آخِره لم نجده بِهَذَا اللَّفْظ، فَإِذا هُوَ بِالْمَعْنَى، وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 ابْن صاعد، ثَنَا عبد الله بن عمرَان العائذي، ثَنَا ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن مُسلم (الجندي) ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن تُوطأ حَامِل حتَّى تضع أَو حَائِل حتَّى تحيض» ثمَّ قَالَ: قَالَ لنا ابْن صاعد: مَا قَالُوا لنا فِي هَذَا الْإِسْنَاد أحدا عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا العائذي. وَله شَاهد ثَالِث أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَكِن بِإِسْنَاد ضَعِيف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث بَقِيَّة، عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ: «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى فِي وقْعَة أَوْطَاس أَن يَقع الرجل عَلَى حَامِل حتَّى تضع» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن دَاوُد إِلَّا الْحجَّاج تفرد بِهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَلَا رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل إِلَّا بَقِيَّة. فَائِدَة: أَوْطَاس - بِفَتْح أَوله وبالطاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ - وادٍ فِي بِلَاد هوَازن، وَبِه كَانَت غَزْوَة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هوَازن. قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فِي كَلَامه عَلَى نِكَاح الْمُتْعَة: عَام أَوْطَاس وعام الْفَتْح وَاحِد، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «الْآيَات الْبَينَات» : وَكَانَت بعد فتح مَكَّة بِيَوْم. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَأما آثاره فَثَلَاثَة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 (أَولهَا) عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ: «إِن أقل الْحيض يَوْم وَلَيْلَة» . ثَانِيهَا: عَنهُ (أَيْضا) أَنه قَالَ: «مَا زَاد عَلَى خَمْسَة عشر فَهُوَ اسْتِحَاضَة» وَلَا يحضرني من خرجها. ثَالِثهَا: مَذْهَب عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «من جَامع فِي الْحيض فَعَلَيهِ عتق رَقَبَة» وَهَذَا ورد فِي خبر مَرْفُوع لكنه ضَعِيف، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أصبت امْرَأَتي وَهِي حَائِض. فَأمره رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يعْتق النَّسمَة، وَقِيمَة النَّسمَة يومئذٍ دِينَار» . قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث مُنكر، تفرد بروايته عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم. قَالَ أَحْمد: قلب أَحَادِيث شهر بن حَوْشَب فَجَعلهَا حَدِيث الزُّهْرِيّ وَجعل يُضعفهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. قلت: وَهَذَا عَجِيب إِذْ يروي لَهُ فِي «سنَنه» وَيَقُول: هُوَ مَتْرُوك! وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : عبد الرَّحْمَن هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث. وَضَعفه الإِمَام أَحْمد أَيْضا، وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَلَا يَصح فِي إتْيَان الْحَائِض إِلَّا التَّحْرِيم. وَهَذَا قد أسلفناه عَنهُ فِي أثْنَاء الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الْحَادِي عشر من هَذَا الْبَاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 وأسلفنا هُنَاكَ عَن ابْن الْقطَّان أَنه قَالَ: لَا يعول عَلَى هَذَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر، وَفِي إِسْنَاده مُوسَى بن أَيُّوب وَهُوَ ضَعِيف. قلت: لَا، قد وَثَّقَهُ الْعجلِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. (آخر الْجُزْء السَّادِس عشر من تَحْرِير المُصَنّف غفر الله لَهُ بِحَمْد الله وَمِنْه وَكَرمه. يتلوه: كتاب الصَّلَاة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 كتاب الصَّلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا) كتاب الصَّلَاة بَاب أَوْقَات الصَّلَاة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ خمسين حَدِيثا الحَدِيث الأول عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : «أمَّني جِبْرِيل (عَلَيْهِ السَّلَام) عِنْد بَاب الْبَيْت مرَّتَيْنِ فَصَلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس - وَيروَى: حِين كَانَ الْفَيْء مثل الشَّراك - وَصَلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ كل شَيْء بِقدر ظله، وَصَلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم، وَصَلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، وَصَلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب عَلَى الصَّائِم، فَلَمَّا كَانَ الْغَد صَلَّى بِي الظّهْر (حِين) كَانَ كل شَيْء بِقدر ظله، وَصَلى بِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَصَلى بِي الْمغرب للقدر الأول لم يؤخرها، وَصَلى بِي الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل، وَصَلى بِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 الْفجْر حِين أَسْفر، ثمَّ الْتفت وَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك، وَالْوَقْت فِيمَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث أصلٌ أصيل فِي هَذَا الْبَاب، وَرَوَاهُ الْأَئِمَّة الشَّافِعِي فِي «الْأُم» (وخرجه) فِي «الْمسند» أَيْضا، وَأحمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ربيعَة، عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن (حنيف) ، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن ابْن عَبَّاس، وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة. وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ قريب من رِوَايَة الشَّافِعِي (و) لَيْسَ فِي روايتهم قَوْله: «عِنْد بَاب الْبَيْت» إِنَّمَا فِيهَا «عِنْد الْبَيْت» نعم ذَلِك فِي رِوَايَة الشَّافِعِي كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بِطُولِهِ. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَمَا تقدم. قَالَ: وَاخْتَصَرَهُ سُلَيْمَان بن بِلَال، فَأخْرجهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَمُحَمّد بن عمر، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصَلى بِهِ الصَّلَوَات لوقتين، إِلَّا الْمغرب» وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي من أَشْرَاف قُرَيْش، والمقبولين فِي الراوية، قَالَ: وَحَكِيم بن حَكِيم هُوَ ابْن عباد بن حنيف الْأنْصَارِيّ، وَكِلَاهُمَا مدنيان. قلت: لَكِن عبد الرَّحْمَن قد اختُلف فِيهِ، قَالَ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم: صَالح، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من أهل الْعلم، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَنقل عَن أَحْمد أَنه قَالَ فِي حَقه: مَتْرُوك الحَدِيث (و) عَن ابْن نمير أَنه قَالَ: لَا أقدم عَلَى ترك حَدِيثه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 وَأما حَكِيم فَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وحسَّن لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث: «الْخَال وَارِث» ، وَخَالف ابْن سعد فَقَالَ: قَلِيل الحَدِيث (و) لَا يحتجون بحَديثه (وَأَخُوهُ) عُثْمَان بن حَكِيم كَانَ ثِقَة. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر فِي «تمهيده» : تكلم بعض النَّاس فِي إِسْنَاد (حَدِيث) ابْن عَبَّاس هَذَا بِمَا لَا وَجه لَهُ من الْكَلَام، وَرُوَاته كلهم معروفو النّسَب (مَشْهُورُونَ) فِي الْعلم، وَقد خرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره، وَذكره عبد الرَّزَّاق، (عَن الثَّوْريّ) وَابْن أبي (سُبْرَة) عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث (بِإِسْنَادِهِ) ، مثل رِوَايَة وَكِيع (وَأبي نعيم - يَعْنِي: عَن الثَّوْريّ - وَذكره عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن الْعمريّ، عَن عمر) (بن) نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس نَحوه. قَالَ صَاحب «الإِمَام» : وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بالشهرة فِي حمل الْعلم مَعَ عدم الجرحة الثَّابِتَة وَهُوَ مُقْتَضَى رَأْيه، وَذكر أَيْضا مَا يَقْتَضِي تَأْكِيد الرِّوَايَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 بمتابعة ابْن أبي (سُبْرَة) عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَكَذَلِكَ ذكر أَيْضا مُتَابعَة الْعمريّ، عَن عمر (بن) نَافِع، (وَهَذِه) مُتَابعَة حَسَنَة. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا اجتنبه قدماء النَّاس، وَمَا (حَقه أَن) يجْتَنب؛ فَإِن طَرِيقه صَحِيحَة، وَلَيْسَ ترك الْجعْفِيّ والقشيري (لَهُ) - يَعْنِي: البُخَارِيّ وَمُسلمًا - دَلِيلا عَلَى عدم صِحَّته؛ لِأَنَّهُمَا لم يخرجَا كل صَحِيح. قَالَ: وَقد رَوَى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى البُخَارِيّ، ثَنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان، ثَنَا أَبُو بكر بن أبي أويس، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَمُحَمّد بن عمر، عَن حَكِيم (بن حَكِيم) ، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره. قَالَ: ورواة حَدِيث ابْن عَبَّاس (هَذَا) كلهم ثِقَات مشاهير. قلت: قد علمت مَا فِي عبد الرَّحْمَن وَحَكِيم، وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو بكر بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَمِنْه نقلت من جِهَة مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن ووكيع، عَن سُفْيَان، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث الْمَذْكُور فِيهِ «وَصَلى بِي الظّهْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ» ، وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 آخِره: «وَصَلى بِي الْغَدَاة (عِنْدَمَا) أَسْفر، ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ، هَذَا وقتك وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك» . تَنْبِيهَانِ: الأول: قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر بعد أَن (خرج) حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا من رِوَايَة أبي نعيم عَن سُفْيَان: لَا تُوجد هَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك» إِلَّا فِي هَذَا الْإِسْنَاد قلت: قد رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره. وَقَالَ فِي آخِره: «ثمَّ الْتفت إِلَيّ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك، وَالْوَقْت (فِيمَا بَين هذَيْن) الْوَقْتَيْنِ» وَحسنه كَمَا سلف. الثَّانِي: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : مدَار هَذَا الحَدِيث عَلَى حَكِيم بن حَكِيم - بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ - بن عباد - بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة - بن حنيف - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون. قلت: قد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيقين آخَرين؛ أَحدهمَا: من حَدِيث عبيد الله بن مقسم، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 ثَانِيهمَا: من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أَيْضا، وَقد قَالَ هُوَ بعد هَذَا الْموضع بأسطر: ومتابعة الْعمريّ، عَن عمر بن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه مُتَابعَة حَسَنَة، وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ أَيْضا. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ [عُبَيْس] بن مَرْحُوم، عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن ابْن عجلَان، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: (أمني جِبْرِيل عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ ... ) الحَدِيث، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: وهم [عُبَيْس] فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أبي: أخْشَى أَن يكون وهم فِيهِ [عُبَيْس] ، فَقلت لَهما: فَمَا (علته؟) قَالَا: رَوَاهُ عدَّة من الْحفاظ عَن حَاتِم، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. تَنْبِيه ثَالِث: اعْترض النَّوَوِيّ فِي «تنقيحه عَلَى الْوَسِيط» فِي إِيرَاده فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث «عِنْد بَاب الْكَعْبَة» (فَقَالَ إِنَّه ذكره فِي «الْبَسِيط» ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 تبعا للنِّهَايَة، وَهُوَ مُنكر لَا يعرف فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث؛ إِنَّمَا فِيهِ: «عِنْد الْبَيْت» من غير ذكر الْكَعْبَة. وَهَذَا لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فقد علمت أَن الشَّافِعِي رَوَاهُ كَذَلِك، ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ فِي مَوضِع آخر - سبقه إِلَيْهِ ابْن الصّلاح - وَقد ذكرته فِي تخرج (أَحَادِيثه) الْمُسَمَّى: «تذكرة الأخيار بِمَا فِي الْوَسِيط (من) الْأَخْبَار» . (فَائِدَة: الشرَاك - بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة - هُوَ أحد سيور النَّعْل الَّتِي يكون عَلَى وَجههَا) . الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثل حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عمر. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن عتبَة بن مُسلم، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لمَّا فرضت (الصَّلَاة) نزل جِبْرِيل (عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) فَصَلى بِهِ الظّهْر، (وَذكر) الْمَوَاقِيت، وَقَالَ: «فَصَلى بِهِ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس» وَقَالَ فِي الْيَوْم الثَّانِي: «فَصَلى بِهِ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس» . وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث حميد بن الرّبيع، عَن مَحْبُوب بن الجهم (بن) وَاقد مولَى حُذَيْفَة بن الْيَمَان، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين طلع الْفجْر ... » (وَذكر) الحَدِيث - وَقَالَ فِي وَقت الْمغرب: «ثمَّ أَتَاهُ (جِبْرِيل) حِين سقط القرص فَقَالَ: قُم فصل. فَصليت الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات، (ثمَّ أَتَانِي من الْغَد حِين سقط القرص، فَقَالَ: قُم فصل. فَصليت الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات) » وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ، وَالطَّرِيق (الأولَى) جَيِّدَة، وَلَيْسَ (فِيهَا) إِلَّا عنعنة ابْن إِسْحَاق. وَأما هَذِه فَفِيهَا حميد بن الرّبيع نسبه يَحْيَى بن معِين إِلَى الْكَذِب، وَقَالَ مرّة: أَخْزَاهُ الله وَمن (يسْأَل) عَنهُ؟ ! وَقَالَ النسائى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: يسرق الحَدِيث وَيرْفَع الْمَوْقُوف. وَحسن أَحْمد القَوْل فِيهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تكلمُوا فِيهِ بلاحجة. وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: هُوَ ثِقَة، لكنه (شرة) يُدَلس. وفيهَا أَيْضا مَحْبُوب بن الجهم وَهُوَ لين. وَقَالَ ابْن حبَان: (يروي) عَن عبيد الله بن عمر الْأَشْيَاء الَّتِي لَيست من حَدِيثه، وَلينه ابْن عدي أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 الحَدِيث الثَّالِث قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثله أَيْضا، عَن أبي هُرَيْرَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن الْحُسَيْن بن حُرَيْث، عَن الْفضل بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن [عَمْرو] عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «هَذَا جِبْرِيل جَاءَكُم يعلمكم أَمر دينكُمْ. فَصَلى لَهُ الصُّبْح حِين أَسْفر قَلِيلا، ثمَّ صَلَّى لَهُ الظّهْر (حِين) كَانَ الظل مثله، ثمَّ صَلَّى لَهُ الْعَصْر حِين كَانَ الظل (مثلَيْهِ) ، ثمَّ صَلَّى الْمغرب بِوَقْت وَاحِد حِين غربت الشَّمْس وَحل فطر الصَّائِم، وَصَلى لَهُ الْعشَاء حِين ذهب (سَاعَة من اللَّيْل) ، ثمَّ (جَاءَهُ) الْغَد فَصَلى الصُّبْح حِين طلع الْفجْر، وَصَلى الظّهْر حِين زاغت الشَّمْس، (ثمَّ) صَلَّى الْعَصْر حِين رَأَى الظل مثله، ثمَّ صَلَّى الْمغرب حِين غربت الشَّمْس وَحل فطر الصَّائِم، ثمَّ صَلَّى الْعشَاء حِين ذهب (شفق اللَّيْل) ثمَّ قَالَ: الصَّلَاة مَا بَين صَلَاتك أمس وَصَلَاة الْيَوْم» كَذَا (رَأَيْته) فِي «سنَن النَّسَائِيّ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 و «ذكره» ابْن السكن فِي «صحاحه» (أَيْضا) وَعَزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» إِلَى رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَفِيه تَقْدِيم الْقطعَة الْأَخِيرَة من الحَدِيث عَلَى (الأولَى) - أَعنِي: فعل صلَاته فِي الْيَوْم الثَّانِي - وَهُوَ مُوَافق لبَقيَّة الْأَحَادِيث فِي صفة صَلَاة جِبْرِيل، ثمَّ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين وَرِجَال إِسْنَاده أخرج لَهُم مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سبقه إِلَى ذَلِك الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ لما أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث يُوسُف، عَن الْفضل بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «هَذَا جِبْرِيل يعلمكم دينكُمْ» . ثمَّ ذكر مَوَاقِيت الصَّلَاة، ثمَّ ذكر «أَنه صَلَّى الْمغرب حِين غربت الشَّمْس، ثمَّ لما جَاءَهُ من الْغَد صَلَّى الْمغرب حِين غربت الشَّمْس فِي وَقت وَاحِد» قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، ذكره شَاهدا لحَدِيث أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن، عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن (أسيد) عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر الْمُؤَذّن أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يخبر، أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَدثهمْ: «أَن جِبْرِيل أَتَاهُ فَصَلى بِهِ الصَّلَوَات فِي وَقْتَيْنِ وَقْتَيْنِ إِلَّا الْمغرب، قَالَ: فَجَاءَنِي فَصَلى بِي سَاعَة غَابَتْ الشَّمْس، ثمَّ جَاءَنِي من الْغَد فَصَلى بِي سَاعَة غَابَتْ الشَّمْس لم يُغَيِّرهُ» وَقَالَ فِي حَقه: هَذَا حَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ (فَإِنَّهُمَا لم يخرجَا) عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر. قَالَ: [وَقد قدمت لَهُ شَاهِدين، وَوجدت لَهُ شَاهدا آخر صَحِيحا عَلَى شَرط مُسلم] . وَرَأَيْت فِي «علل التِّرْمِذِيّ» (عَن البُخَارِيّ) أَنه قَالَ: حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة فِي الْمَوَاقِيت حسن. وَرَوَى التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن للصَّلَاة أَولا وآخرًا، وَإِن أول وَقت صَلَاة الظّهْر حِين تَزُول الشَّمْس، وَآخر وَقتهَا حِين يدْخل وَقت الْعَصْر، وَأول وَقت الْعَصْر حِين يدْخل وَقتهَا، وَإِن آخر وَقتهَا حِين تصفر الشَّمْس، وَإِن أول وَقت الْمغرب حِين تغرب الشَّمْس، وَإِن آخر وَقتهَا حِين يغيب الْأُفق، وَإِن أول وَقت الْعشَاء الْآخِرَة حِين يغيب الْأُفق، وَإِن آخر وَقتهَا حِين ينتصف اللَّيْل، وَإِن أول وَقت الْفجْر حِين يطلع الْفجْر، وَإِن آخر وَقتهَا حِين تطلع الشَّمْس» ثمَّ قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - يَقُول: حَدِيث الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد فِي الْمَوَاقِيت أصح من حَدِيث مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن الْأَعْمَش، وَحَدِيث مُحَمَّد بن فُضَيْل خطأ؛ أَخطَأ فِيهِ مُحَمَّد بن فُضَيْل، ثمَّ رَوَى من حَدِيث الْفَزارِيّ، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد قَالَ: «كَانَ يُقَال: إِن للصَّلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 أَولا وآخرًا ... » فَذكر (نَحْو) حَدِيث مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن الْأَعْمَش بِمَعْنَاهُ. قلت: وَحَاصِل هَذَا أَن البُخَارِيّ خطَّأ رِوَايَة الرّفْع، وَصحح رِوَايَة الْإِرْسَال، وَكَذَا قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَابْن أبي حَاتِم، و (أما) ابْن الْقطَّان فصحح فِي كِتَابه «الْوَهم وَالْإِيهَام» رِوَايَة الرّفْع، وَقَالَ: لَا (يبعد) عِنْدِي فِي أَن يكون عِنْد الْأَعْمَش فِي هَذَا عَن مُجَاهِد وَغَيره مثل الحَدِيث الْمَرْفُوع، وَإِنَّمَا الشَّأْن فِي رافعه وَهُوَ مُحَمَّد بن فُضَيْل وَهُوَ صَدُوق من أهل الْعلم، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين. الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيروَى مثله عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا (بِهِ عَنهُ) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه أَتَاهُ سَائل يسْأَله عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا، قَالَ: فَأَقَامَ الْفجْر حِين انْشَقَّ الْفجْر وَالنَّاس لَا يكَاد يعرف بَعضهم بَعْضًا، ثمَّ أمره فَأَقَامَ (الظّهْر) حِين زَالَت الشَّمْس وَالْقَائِل يَقُول: قد انتصف النَّهَار، وَهُوَ كَانَ أعلم مِنْهُم، ثمَّ أمره فَأَقَامَ (الْعَصْر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 وَالشَّمْس مُرْتَفعَة، ثمَّ أمره فَأَقَامَ (الْمغرب) حِين (وَقعت) الشَّمْس، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، ثمَّ أخر الْفجْر من الْغَد حَتَّى انْصَرف مِنْهَا وَالْقَائِل يَقُول: قد طلعت الشَّمْس أَو كَادَت، ثمَّ أخر الظّهْر حَتَّى (كَانَ) قَرِيبا من وَقت الْعَصْر (بالْأَمْس، ثمَّ أخر الْعَصْر) حَتَّى انْصَرف مِنْهَا وَالْقَائِل يَقُول: قد احْمَرَّتْ الشَّمْس، ثمَّ أخر الْمغرب حَتَّى كَانَ عِنْد سُقُوط الشَّفق، ثمَّ أخر الْعشَاء حَتَّى كَانَ قَرِيبا من ثلث اللَّيْل (الأول) ، ثمَّ أصبح فَدَعَا السَّائِل فَقَالَ: الْوَقْت مَا بَين هذَيْن. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَصَلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق فِي الْيَوْم الثَّانِي» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَأقَام الظّهْر فِي وَقت الْعَصْر الَّذِي كَانَ قبله، وَصَلى الْعَصْر وَقد اصْفَرَّتْ الشَّمْس - أَو قَالَ: أَمْسَى - وَصَلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق، وَصَلى الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل» . وَرَأَيْت فِي «علل التِّرْمِذِيّ» عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: حَدِيث أبي مُوسَى هَذَا حَدِيث حسن. وَنَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن «علله» أَيْضا. الحَدِيث الْخَامِس قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثله عَن جَابر أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ، عَن يُوسُف بن وَاضح، حَدثنَا قدامَة - يَعْنِي ابْن شهَاب - عَن برد، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُعلمهُ مَوَاقِيت الصَّلَاة (فَتقدم) جِبْرِيل وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَلفه وَالنَّاس خلف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَصَلى الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس، وَأَتَاهُ حِين كَانَ الظل مثل شخصه فَصنعَ كَمَا صنع، فَتقدم جِبْرِيل وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أَتَاهُ حِين وَجَبت الشَّمْس، فَتقدم جِبْرِيل وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أَتَاهُ حِين غَابَ (الشَّفق) فَتقدم جِبْرِيل وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَصَلى الْعشَاء، ثمَّ أَتَاهُ حِين (أَسْفر) الْفجْر فَتقدم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) فَصَلى الْغَدَاة، ثمَّ أَتَاهُ الْيَوْم الثَّانِي حِين كَانَ ظلّ الرجل مثل شخصه، فَصنعَ مثل مَا صنع بالْأَمْس، فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَتَاهُ حِين (كَانَ) ظلّ الرجل (مثل) (شخصيه) فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس، فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أَتَاهُ حِين وَجَبت الشَّمْس فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس، (فَصَلى الْمغرب فنمنا ثمَّ قمنا ثمَّ نمنا ثمَّ قمنا فَأَتَاهُ فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس) فَصَلى الْعشَاء، ثمَّ أَتَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 حِين امْتَدَّ الْفجْر وَأصْبح والنجوم بادية مشتبكة، فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس، فَصَلى الْغَدَاة، ثمَّ قَالَ: مَا بَين هَاتين الصَّلَاتَيْنِ وَقت» . وَهَذَا الْإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، حَتَّى برد بن سِنَان، وَإِن ضعفه عَلّي بن الْمَدِينِيّ. (و) قَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمتين، و (قَالَ) مرّة: كَانَ صَدُوقًا قدريًّا، فقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن سُوَيْد بن نصر، عَن عبد الله - هُوَ ابْن الْمُبَارك - عَن حُسَيْن بن عَلّي بن حُسَيْن، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين مَالَتْ الشَّمْس (فَقَالَ) : قُم يَا مُحَمَّد فصل الظّهْر حِين مَالَتْ الشَّمْس، ثمَّ مكث حَتَّى إِذا كَانَ فَيْء الرجل مثله جَاءَهُ للعصر فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل الْعَصْر، ثمَّ مكث حَتَّى إِذا (غربت) الشَّمْس جَاءَهُ فَقَالَ: قُم فصل (الْمغرب، فَقَامَ فَصلاهَا حِين غَابَتْ الشَّمْس سَوَاء، ثمَّ مكث حَتَّى إِذا ذهب) الشَّفق جَاءَهُ فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل الْعشَاء، فَقَامَ فَصلاهَا، ثمَّ جَاءَهُ حِين سَطَعَ الْفجْر (فِي الصُّبْح) فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل، فَقَامَ فَصَلى الصُّبْح، ثمَّ جَاءَهُ من الْغَد حِين كَانَ فَيْء الرجل مثله فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصلِ (فَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين كَانَ فَيْء الرجل مثلَيْهِ فَقَالَ: قُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 يَا مُحَمَّد فصل، فَقَامَ) فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ جَاءَهُ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس وقتا وَاحِدًا (لم يزل عَنهُ، فَقَالَ: قُم فصلِ فَصَلى) [الْمغرب، ثمَّ جَاءَهُ للعشاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل الأول فَقَالَ: قُم فصلِ، فَصَلى] الْعشَاء، ثمَّ جَاءَهُ للصبح حِين أَسْفر جدًّا فَقَالَ: قُم فصلِ فَصَلى الصُّبْح (فَقَالَ) مَا بَين هذَيْن وَقت كُله» وَهَذَا إِسْنَاد أَيْضا كل رِجَاله ثِقَات. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مُخْتَصرا عَن أَحْمد بن مُوسَى، عَن عبد الله بن الْمُبَارك بِهِ بِلَفْظ: «أمني جِبْرِيل ... » فَذكر نَحْو حَدِيث ابْن عَبَّاس بِمَعْنَاهُ، وَلم يذكر فِيهِ: «لوقت الْعَصْر بالْأَمْس» ثمَّ قَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: أصح شَيْء فِي الْمَوَاقِيت حَدِيث جَابر هَذَا (قَالَ) وَقد رَوَاهُ عَطاء بن أبي رَبَاح، وَعَمْرو بن دِينَار، وَأَبُو الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنقل ابْن الْعَرَبِيّ، عَن البُخَارِيّ أَنه صحّح هَذَا الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك بِمثل الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أخرجهَا النَّسَائِيّ مَعَ تفَاوت فِي (اللَّفْظ) ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك. قَالَ: والشيخان لم يخرجَاهُ لعِلَّة حَدِيث الْحُسَيْن بن عَلّي الْأَصْغَر، وَقد [رَوَى عَنهُ] عبد الرَّحْمَن بن أبي الموال وَغَيره، قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 [وَقد أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أبي مُحَمَّد بن يَحْيَى] العتيقي [أَخْبرنِي أبي، عَن جدي] ، ثَنَا مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن، حَدثنِي أبي وَغير وَاحِد من أهل بيتنا قَالُوا: كَانَ الْحُسَيْن بن عَلّي بن الْحُسَيْن أشبه ولد عَلّي بن الْحُسَيْن فِي التأله والتعبد، قَالَ: وَله أَيْضا شَاهِدَانِ بِمثل (أَلْفَاظه) عَن جَابر ... . فذكرهما. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن الْحسن بن سُفْيَان، عَن حبَان بن مُوسَى، عَن عبد الله، عَن حُسَيْن ... . الحَدِيث، بِمثل رِوَايَة النَّسَائِيّ الثَّانِيَة. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» مطولا من حَدِيث وهب بن كيسَان، عَن جَابر، ومختصرًا من حَدِيث ثَوْر بن يزِيد، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَطاء، عَنهُ. وَسليمَان هَذَا وَثَّقَهُ دُحَيْم وَابْن معِين، وَقَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير، وَقَالَ (س) : لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وطرقه الدَّارَقُطْنِيّ بِأَلْفَاظ مِنْهَا لفظ النَّسَائِيّ السالف، فتلخص صِحَة حَدِيث جَابر هَذَا بِمَا لَهُ من شَاهد عَلَيْهِ، وَأما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 ابْن الْقطَّان فأعله بِمَا لَيْسَ فِي الْعرف عِلّة وَذَلِكَ أَنه قَالَ: يجب أَن يكون مُرْسلا إِذْ لم يذكر جَابر بن عبد الله من حَدثهُ بذلك، وَهُوَ لم يُشَاهد ذَلِك صَبِيحَة (الْإِسْرَاء) لما علم أَنه أَنْصَارِي إِنَّمَا صحب بِالْمَدِينَةِ. وَأما ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة (اللَّذَان) رويا قصَّة إِمَامَة جِبْرِيل فَلَيْسَ (يلْزم من) حَدِيثهمَا من الْإِرْسَال مَا فِي رِوَايَة جَابر؛ لِأَنَّهُمَا قَالَا: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ ذَلِك، وقصه عَلَيْهِم. انْتَهَى (كَلَامه) . وَحَاصِله أَنه مُرْسل صَحَابِيّ وَذَلِكَ مَقْبُول حكمه حكم الْمسند عِنْد الْجُمْهُور؛ إِلَّا (من) شَذَّ، والجهالة لعين من أرسل عَنهُ غير ضارة، وَمن الْبعيد أَن يكون جَابر سمع ذَلِك من تَابِعِيّ غير صَحَابِيّ، وَقد جَاءَ عَن جَابر أَيْضا بِلَفْظ: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ ذَلِك، كَمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة، فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن جَابر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أمني جِبْرِيل ... » الحَدِيث. وَفِي إِحْدَى رِوَايَات الْحَاكِم، والدراقطني عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أمني جِبْرِيل بِمَكَّة مرَّتَيْنِ» فَزَالَ مَا أعل الحَدِيث بِهِ، وَظهر أَن ذَلِك لَيْسَ مَخْصُوصًا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 الحَدِيث السَّادِس قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثله عَن أنس أَيْضا. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، وَرَوَاهُ الدارقطني فِي «سنَنه» عَن أبي طَالب أَحْمد بن نصر بن طَالب، نَا أَبُو حَمْزَة إِدْرِيس بن يُونُس بن (يناق) الْفراء، ثَنَا مُحَمَّد بن سعيد بن جِدَار، نَا جرير بن حَازِم، عَن قَتَادَة، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَكَّة حِين زَالَت الشَّمْس فَأمره أَن يُؤذن النَّاس بِالصَّلَاةِ حِين فرضت عَلَيْهِم فَقَامَ جِبْرِيل أَمَام النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَامَ النَّاس خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: فَصَلى أَربع رَكْعَات لَا يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ (يأتم) النَّاس برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يأتم بِجِبْرِيل) عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ أمْهل حَتَّى إِذا دخل وَقت الْعَصْر صَلَّى بهم أَربع رَكْعَات لَا يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، يأتم الْمُسلمُونَ برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ويأتم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِجِبْرِيل، ثمَّ أمْهل حَتَّى إِذا وَجَبت الشَّمْس صَلَّى بهم ثَلَاث رَكْعَات يجْهر فِي رَكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَا يجْهر فِي الثَّالِثَة، ثمَّ (أمهله) حَتَّى إِذا ذهب ثلث اللَّيْل صَلَّى بهم أَربع رَكْعَات يجْهر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين (بِالْقِرَاءَةِ) ، وَلَا يجْهر فِي الآخرتين بِالْقِرَاءَةِ، (ثمَّ أمهله حَتَّى إِذا طلع الْفجْر صَلَّى بهم رَكْعَتَيْنِ يجْهر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ) » . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وَأَبُو طَالب ذكره أَبُو أَحْمد فِي «كناه» وَقَالَ: أدركناه وَهُوَ حسن الْمعرفَة بِحَدِيث أهل الْمَدِينَة، وَأَبُو حَمْزَة الْفراء ذكره أَيْضا فِي «كناه» ، سكت عَنهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله. وَمُحَمّد بن سعيد بن جِدَار لَا أعلم حَاله، وَقَالَ ابْن الْقطَّان أَيْضا: إِنَّه مَجْهُول وَبَاقِي (الْإِسْنَاد) لَا يسْأَل عَنهُ. (وَذكره) ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» كَمَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ سَوَاء. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وأبنا ابْن مخلد، نَا أَبُو دَاوُد، نَا ابْن الْمثنى، نَا ابْن أبي عدي، عَن (سعيد) عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِنَحْوِهِ مُرْسلا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «مُعْجَمه» ، ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم - صَدُوق - ثَنَا أَحْمد بن عَلّي بن عمرَان، ثَنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق (الْمصْرِيّ) ، نَا عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، (حَدثنِي) أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 الله (: (لما زَالَت الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء نزل جِبْرِيل فِي صف من الْمَلَائِكَة فَصَلى (بِهِ) وَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَصْحَابه (فصلوا) خَلفه، فَأَتمَّ بِجِبْرِيل، وَأتم أَصْحَابه (بِهِ) فَصَلى بهم أَرْبعا وخافت فِيهِنَّ الْقِرَاءَة، ثمَّ تَركهم حَتَّى إِذا تضويت الشَّمْس وَهِي بَيْضَاء نقية نزل جِبْرِيل، فَصَلى بهم أَرْبعا يُخَافت فِيهِنَّ الْقِرَاءَة، فَأَتمَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِجِبْرِيل، (وَأتم) أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِ، حَتَّى إِذا غَابَتْ الشَّمْس نزل (جِبْرِيل) فَصَلى بهم ثَلَاث رَكْعَات يجْهر فِي رَكْعَتَيْنِ، ويخافت فِي (وَاحِدَة) ، فَأَتمَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِجِبْرِيل، وَأتم (أَصْحَاب) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِ، ثمَّ تَركه حَتَّى إِذا غَابَ الشَّفق نزل فَصَلى بهم أَربع رَكْعَات يجْهر فِي رَكْعَتَيْنِ، ويخافت فِي رَكْعَتَيْنِ، فَأَتمَّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِجِبْرِيل، وَأتم (أَصْحَاب) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِ، فَبَاتُوا (حَتَّى) إِذا أَصْبحُوا نزل جِبْرِيل فَصَلى بهم رَكْعَتَيْنِ يُطِيل فيهمَا الْقِرَاءَة) . (قلت) : وَعِكْرِمَة هَذَا أَظُنهُ الْأَزْدِيّ القَاضِي، وَقد ضَعَّفُوهُ. خاتمتان: الأولَى: رَوَى أَيْضا مثل حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَمن بعده أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ البدري، وَهُوَ مِمَّا اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ (رَوَاهُ) أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَعبد الله بن مَسْعُود رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ. قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «سباعياته» : صَحَّ عَنهُ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: (و) فِي الْبَاب أَيْضا عَن (بُرَيْدَة) (209 وَعَمْرو بن حزم والبراء. الثَّانِيَة: وَهِي من الْمُهِمَّات (الغريبة) قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَيُّوب، نَا إِبْرَاهِيم، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن عتبَة بن مُسلم، عَن نَافِع بن جُبَير - وَكَانَ نَافِع كثير الرِّوَايَة - عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (لما فرضت الصَّلَاة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَاهُ جِبْرِيل فَصَلى بِهِ الصُّبْح حِين طلع (الْفجْر) .) ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَهَذَا (حَدِيث) غَرِيب؛ فَإِن الْمَشْهُور أَن (أول) إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا هِيَ فِي صَلَاة الظّهْر، وَقد سلف أَيْضا، وَكَانَ الْإِسْرَاء وَفرض الصَّلَوَات الْخمس قبل الْهِجْرَة بعام، وَقيل: وَنصف، وَقيل: كَانَ الْإِسْرَاء بعد النُّبُوَّة بِخَمْسَة أَعْوَام. الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (وَقت الظّهْر مَا لم يدْخل وَقت الْعَصْر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من رَوَاهُ عَن ابْن عمر (و) إِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ وَالظَّاهِر أَن الْوَاو مِمَّا أسقطها النساخ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: (وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس، وَكَانَ ظلّ الرجل لطوله مَا لم يحضر الْعَصْر) ، (وَفِي لفظ آخر لَهُ «وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس عَن بطن السَّمَاء مَا لم يحضر الْعَصْر» وَفِي لفظ لَهُ (إِذا صليتم الظّهْر، فَإِنَّهُ وَقت إِلَى أَن يحضر الْعَصْر ... ... ) وَهُوَ حَدِيث طَوِيل (مُشْتَمل) عَلَى بَقِيَّة الْأَوْقَات الْخَمْسَة، وَقد ذكر الرَّافِعِيّ قِطْعَة مِنْهُ مُفْردَة فِي الْبَاب كَمَا ستعمله، وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، وَلم يخرج البُخَارِيّ فِي الْأَوْقَات عَن عبد الله بن عَمْرو شَيْئا، وَذكر مُسلم بعده عَن يَحْيَى بن أبي كثير: «لَا يُسْتَطَاع الْعلم براحة (الْجِسْم) » . الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح، وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «إِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الْعَصْر قبل أَن (تغيب) الشَّمْس فليتم صلَاته، وَإِذا أدْرك سَجْدَة من (صَلَاة الصُّبْح) قبل أَن تطلع الشَّمْس فليتم صلَاته» . وَالْمرَاد بِالسَّجْدَةِ: الرَّكْعَة، كَمَا ستعلم من رِوَايَة عَائِشَة، وَفِي رِوَايَة (النَّسَائِيّ) : (إِذا أدْرك أحدكُم أول السَّجْدَة ... .) إِلَى آخر رِوَايَة البُخَارِيّ. وَفِي رِوَايَة (ابْن) حبَان فِي «صَحِيحه» : «من صَلَّى من الصُّبْح رَكْعَة قبل أَن (تطلع) الشَّمْس لم تفته الصَّلَاة (وَمن صَلَّى من الْعَصْر رَكْعَة قبل أَن تغرب الشَّمْس لم تفته الصَّلَاة) » . وَرَوَاهَا السراج فِي «مُسْنده» بنحوها وَلَفظه: «من صَلَّى سَجْدَة وَاحِدَة من الْعَصْر قبل غرُوب الشَّمْس، (و) صَلَّى مَا بَقِي بعد غرُوب الشَّمْس فَلم يفته الْعَصْر» ، وَذكر مثله فِي الصُّبْح. وَأخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِلَفْظ آخر من حَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وَذَا لَفْظهمَا: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا) وَفِي رِوَايَة لَهُ فردة عَن جَمِيع الرِّوَايَات: (من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة مَعَ الإِمَام) وَلم يُخرجهَا البُخَارِيّ وَلَا الَّتِي قبلهَا؛ وَإِنَّمَا (هما) من أَفْرَاد مُسلم. وَفِي رِوَايَة (للنسائي) : (من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا، إِلَّا أَنه يقْضِي مَا فَاتَهُ) . وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان: «من أدْرك من صلَاته رَكْعَة فقد أدْركهَا، وليتم مَا بَقِي» وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من أدْرك رَكْعَة من الْفجْر قبل أَن تطلع الشَّمْس، وركعة بعد مَا تطلع فقد أدْركهَا» . وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظ: «من أدْرك من الْعَصْر سَجْدَة قبل أَن تغرب الشَّمْس، أَو من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْركهَا، والسجدة إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 فَائِدَة: هَذِه اللَّفْظَة وَهِي: « (و) السَّجْدَة إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَة» الظَّاهِر أَنَّهَا من قَول عَائِشَة أَو من دونهَا، وَقَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : يحْتَمل إدراجها، وَالظَّاهِر خِلَافه، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالسَّجْدَةِ (السَّجْدَة) نَفسهَا تَنْبِيها عَلَى (أَن) الْإِدْرَاك يحصل (بِجُزْء حَتَّى) يكون مدْركا (بتكبيرة) . (الحَدِيث التَّاسِع) قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ (و) عَلَى ظَاهر الْمَذْهَب وَقت الِاخْتِيَار إِلَى مصير الظل مثلَيْهِ، وَبعده وَقت الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى الاصفرار وَمِنْه إِلَى الْغُرُوب. وَقت كَرَاهَة وَمَعْنَاهُ (أَنه) يكره تَأْخِيرهَا إِلَيْهِ رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: (تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِقين يجلس يرقب الشَّمْس حَتَّى إِذا كَانَت بَين قَرْني الشَّيْطَان قَامَ فنقرها أَرْبعا، لَا يذكر الله فِيهَا إِلَّا قَلِيلا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ م مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن «أَنه دخل عَلَى أنس بن مَالك فِي دَاره بِالْبَصْرَةِ حِين انْصَرف من الظّهْر، قَالَ: فصلوا الْعَصْر، فقمنا فصلينا، فَلَمَّا انصرفنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِقين ... » فَذكره بِحُرُوفِهِ سَوَاء. الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِذا أقبل الظلام من هَا هُنَا - وَأَشَارَ إِلَى الْمشرق - وَأدبر النَّهَار من هَا هُنَا - وَأَشَارَ إِلَى الْمغرب - فقد أفطر الصَّائِم) . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده هَكَذَا الْغَزالِيّ وَهُوَ تبع إِمَامه وَقَالَ: إِنَّه صَحَّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طَرِيقين: الأولَى: عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا أقبل اللَّيْل، وَأدبر النَّهَار، وَغَابَتْ الشَّمْس فقد أفطر الصَّائِم) هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ (إِذا أقبل اللَّيْل من هَا هُنَا، وَأدبر النَّهَار من هَا هُنَا، وغربت الشَّمْس، فقد أفطر الصَّائِم) . الثَّانِيَة: عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى فِي قصَّة قَالَ: (قَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا غَابَتْ الشَّمْس من هَا هُنَا، وَجَاء اللَّيْل من هَا هُنَا، فقد أفطر الصَّائِم) هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : (إِذا رَأَيْتُمْ اللَّيْل قد أقبل من هَا هُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْو الْمشرق - فقد أفطر الصَّائِم) . وَلَفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 البُخَارِيّ: (إِذا رَأَيْتُمْ اللَّيْل قد أقبل من هَا هُنَا، فقد أفطر الصَّائِم) . الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن وَقت الصَّلَاة؟ فَقَالَ: (صل) مَعنا (هذَيْن - يَعْنِي) الْيَوْمَيْنِ - ... » إِلَى أَن قَالَ: «وَصَلى) بِي الْمغرب فِي الْيَوْم الثَّانِي قبل أَن يغيب الشَّفق) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ عَن البُخَارِيّ، وَهَذَا [سِيَاقه] عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَن رجلا سَأَلَهُ عَن وَقت الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ: صل مَعنا هذَيْن - (يَعْنِي) الْيَوْمَيْنِ - فَلَمَّا زَالَت الشَّمْس أَمر بِلَالًا فَأذن، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الظّهْر، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة بَيْضَاء نقية، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْمغرب (حِين) غَابَتْ الشَّمْس، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْفجْر حِين طلع الْفجْر، فَلَمَّا أَن كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أمره فأبرد بِالظّهْرِ، فأنعم أَن يبرد بهَا، وَصَلى الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة أَخّرهَا فَوق الَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 كَانَ، وَصَلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق، وَصَلى الْعشَاء بَعْدَمَا ذهب ثلث اللَّيْل، وَصَلى الْفجْر فأسفر بهَا، ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة؟ فَقَالَ السَّائِل: أَنا يَا رَسُول الله. قَالَ: وَقت صَلَاتكُمْ (بَين) مَا رَأَيْتُمْ» وَفِي رِوَايَة لَهُ: (أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَهُ عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَقَالَ: اشْهَدْ مَعنا الصَّلَاة (فَأمر بِلَالًا) فَأذن بِغَلَس فَصَلى الصُّبْح حِين طلع الْفجْر، ثمَّ أمره بِالظّهْرِ حِين زَالَت الشَّمْس عَن بطن السَّمَاء، ثمَّ أمره بالعصر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة، ثمَّ أمره بالمغرب حِين وَجَبت الشَّمْس، ثمَّ أمره بالعشاء حِين وَقع الشَّفق، ثمَّ أمره (بالغد فنور الصُّبْح) ، ثمَّ أمره بِالظّهْرِ فأبرد بهَا، ثمَّ أمره بالعصر وَالشَّمْس بَيْضَاء نقية لم يخالطها (صفرَة) .) . وَذكر الحَدِيث. وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَلْقَمَة، عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه: قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد أَيْضا. قلت: وَرَوَاهُ بنْدَار، عَن حرمي بن عمَارَة، عَن شُعْبَة بِهِ، وَأنْكرهُ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَتَّى محاه بنْدَار من كِتَابه (فَإِن) بنْدَار قَالَ: (ذكرته) لأبي دَاوُد فَقَالَ: صَاحب هَذَا الحَدِيث يَنْبَغِي أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 [يكبر] عَلَيْهِ. قَالَ بنْدَار: فمحوته من كتابي (لَكِن) قَالَ ابْن خُزَيْمَة: يَنْبَغِي أَن [يكبر] عَلَى أبي دَاوُد حَيْثُ غلط، وَأَن يضْرب بنْدَار عشرَة، حَيْثُ محا هَذَا الحَدِيث من كِتَابه؛ (لِأَنَّهُ) حَدِيث صَحِيح عَلَى مَا رَوَاهُ الثَّوْريّ أَيْضا عَن عَلْقَمَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث الثَّوْريّ: حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح. وَقَالَ فِي «علله» : سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث حسن وَلم يعرفهُ إِلَّا من حَدِيث سُفْيَان - يَعْنِي: الثَّوْريّ. الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ فِي الصَّحِيح أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (وَقت صَلَاة الْمغرب مَا لم يغب الشَّفق) . هُوَ كَمَا قَالَ: فقد رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي لفظ آخر لَهُ: (وَوقت صَلَاة الْمغرب إِذا غَابَتْ الشَّمْس، مَا لم يسْقط الشَّفق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَفِي لفظ آخر (لَهُ) : (وَوقت الْمغرب مَا لم يسْقط (ثَوْر) الشَّفق) وَفِي لفظ آخر لَهُ: (فَإِذا صليتم الْمغرب؛ فَإِنَّهُ وَقت إِلَى أَن يسْقط الشَّفق) وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاد مُسلم كَمَا سلف فِي الحَدِيث السَّابِع، وَهُوَ طرف مِنْهُ. و (ثَوْر) الشَّفق - بالثاء الْمُثَلَّثَة - مَعْنَاهُ: ثورانه وانتشار حمرته، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: فَور الشَّفق - بِالْفَاءِ - وَهُوَ مَعْنَى ثَوْر، وصحفه بَعضهم بالنُّون، وَلَو صحت (بِهِ) الرِّوَايَة لَكَانَ لَهُ وَجه. الحَدِيث الثَّالِث عشر (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ سُورَة الْأَعْرَاف فِي الْمغرب) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا (بِهِ) من حَدِيث ابْن جريح، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن مَرْوَان بن الحكم قَالَ: (قَالَ لي زيد بن ثَابت: مَا لَك تقْرَأ فِي الْمغرب بقصار الْمفصل؟ ! وَقد سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِيهَا بطولى الطولتين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 (و) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه (وَفِيه) عَن مَرْوَان قَالَ: (قَالَ زيد بن ثَابت: مَا لَك تقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بقصار الْمفصل؟ ! وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي الْمغرب (بطولى الطولتين) قَالَ: قلت: (فَمَا) طولى الطولتين؟ قَالَ: الْأَعْرَاف) . وَقَالَ ابْن أبي مليكَة من (قِبَلِ) نَفسه: الْمَائِدَة والأعراف. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه أَيْضا وَفِيه: أَن مَرْوَان بن الحكم أخبرهُ أَن زيد بن ثَابت قَالَ: «مَالِي أَرَاك تقْرَأ فِي الْمغرب بقصار السُّور؟ ! وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِيهَا بأطول الطوليين، قلت: يَا أَبَا عبد الله، مَا طول الطوليين؟ قَالَ: الْأَعْرَاف» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن زيدا قَالَ لمروان: أَتَقْرَأُ فِي الْمغرب ب (قل هُوَ الله أحد) و (إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر) ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فمحلوفة؛ لقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِيهَا بأطول الطوليين: (المص) . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن - وَهُوَ أَبُو الْأسود أحد الثِّقَات - سمع عُرْوَة «قَالَ زيد لمروان: أَبَا عبد الله تقْرَأ فِي الْمغرب: ب (قل هُوَ الله أحد (و (إِنَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 اعطيناك الْكَوْثَر (؟ قَالَ زيد: فَحَلَفت بِاللَّه لقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِيهَا بأطول [الطويلتين (المص (] » . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن زيد بن ثَابت: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ فِي الْمغرب بِسُورَة الْأَعْرَاف فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما) ثمَّ (قَالَ) : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم إِن لم يكن فِيهِ إرْسَال، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث ابْن جريج، عَن (ابْن) أبي مليكَة، عَن عُرْوَة، عَن مَرْوَان، عَن زيد بن ثَابت: (كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب (بطولى الطوليين)) قَالَ: وَحَدِيث محَاضِر هَذَا مُفَسّر (ملخص) وَقد اتفقَا عَلَى الِاحْتِجَاج بمحاضر، وَهَذَا آخر كَلَامه. وَقَوله: (إِنَّمَا) اتفقَا عَلَى حَدِيث ابْن جريج ... إِلَى (آخِره) لَيْسَ كَمَا قَالَ من الِاتِّفَاق، وَإِنَّمَا هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ كَمَا (كشفت) لَك أَولا. وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» مُخْتَصرا بِلَفْظ: عَن زيد قَالَ: (رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي الْمغرب بأطول (الطوليين) (المص ( ... ) . ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ البُخَارِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَان من حَدِيث عَائِشَة (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (قَرَأَ فِي) صَلَاة الْمغرب بِسُورَة الْأَعْرَاف، (فرقها) فِي الرَّكْعَتَيْنِ) . رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عُثْمَان، نَا بَقِيَّة (وَأَبُو حَيْوَة) ، عَن (ابْن) أبي حَمْزَة، نَا هِشَام (ابْن) عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَنْهَا. (قلت) : إِسْنَاد حسن، وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» وَقَالَ: هُوَ حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ. (قلت) وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي أَيُّوب قَالَ: (كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رُبمَا قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين من الْمغرب بالأعراف ... » ذكرهَا كَذَلِك ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» . وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَلَى الشَّك؛ فَقَالَ: نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن هِشَام، أَن أَبَا أَيُّوب - أَو زيد بن ثَابت - قَالَ لمروان: « (ألم) أرك قصرت سَجْدَتي الْمغرب! رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِيهَا بالأعراف» . (وَأخرج التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» هَذَا الحَدِيث بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أَنه قَرَأَ فِي الْمغرب بالأعراف فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما)) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وَفِي «علل التِّرْمِذِيّ» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن حَدِيث مُحَمَّد بن (عبد الرَّحْمَن) الطفَاوِي، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن أبي أَيُّوب، وَزيد بن ثَابت قَالَا: (كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (الْأَوليين) من الْمغرب بالأعراف) (فَقَالَ) : الصَّحِيح عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن أبي أَيُّوب أَو زيد، (هِشَام) (يشك) فِي هَذَا الحَدِيث، (قَالَ) : وَصحح هَذَا الحَدِيث عَن زيد بن ثَابت، رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة، عَن عُرْوَة، عَن مَرْوَان، عَن زيد. (وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن الرّبيع (الجيزي) نَا أَبُو زرْعَة، نَا حَيْوَة، نَا أَبُو الْأسود أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يَقُول: أَخْبرنِي زيد بن ثَابت (أَنه قَالَ لمروان بن الحكم (يَا أَبَا عبد الْملك) : مَا يحملك أَن تقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب ب (قل هُوَ الله أحد (سُورَة أُخْرَى صَغِيرَة! قَالَ زيد: فو الله لقد سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بأطول (الطوليين) وَهِي (المص. قَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان: فَفِي هَذَا أَن عُرْوَة سَمعه من زيد بن ثَابت وَوَقع فِي «سنَن أبي دَاوُد» بَينهمَا مَرْوَان أَي، وَكَذَا فِي البُخَارِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وَغَيره كَمَا سلف، وَمَا مثله يَصح؛ لِأَنَّهُ قد علل حَدِيث بسرة بذلك مَعَ أَنه قد زَاد فِيهِ كَمَا زَاد هُنَا فَيكون سَمعه مِنْهُ بعد أَن حَدثهُ مَرْوَان عَنهُ أَو حَدثهُ بِهِ زيدا، وَلَا سَمعه أَيْضا من مَرْوَان، فَصَارَ يحدث بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ) ، وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَمِعت أبي، ونا (عَن) هِشَام بن عمار، عَن الدَّرَاورْدِي، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ فِي [رَكْعَتي] الْمغرب «المص) (قَالَ: هَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسل، وَتعقبه صَاحب الإِمَام فَقَالَ: فِيمَا قَالَه ابْن أبي حَاتِم نظر؛ فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَوْصُولا من غير جِهَة هِشَام، والدراوردي رَوَاهُ من حَدِيث ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن أبي الْأسود أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يحدث عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ لمروان: « [يَا أَبَا عبد الْملك] أَتَقْرَأُ فِي الْمغرب ب (قل هُوَ الله أحد (و (إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر (؟ قَالَ: نعم، قَالَ: (فمحلوفة) لقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِيهَا بأطول (الطوليين) «المص) (قلت: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قِرَاءَة النَّبِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 «فِيهَا) بِالطورِ، وقراءته فِيهَا بالمرسلات. فَائِدَة: الطُّولَى وزن (فعلَى) تَأْنِيث أطول، و (الطولين) تَثْنِيَة: الطُّولَى، وطولى (الطوليين) (بِكَسْر الطَّاء) يُرِيد أطول السورتين. قَالَ الْخطابِيّ: وَبَعض الْمُحدثين يَقُول (بطول الطوليين) - بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْوَاو - وَهُوَ خطأ فَاحش إِنَّمَا: (الطول الْحَبل) وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. وَكَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: أَصْحَاب الحَدِيث يَرْوُونَهُ بطول، وَهُوَ غلط؛ إِنَّمَا هُوَ بطولى عَلَى وزن فعلَى، وَهُوَ تَأْنِيث أطول، وَالْمعْنَى بأطول السورتين، قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا من طَرِيق آخر عَن زيد مُفَسرًا: «رَأَيْته (يقْرَأ بأطول (الطوليين) » . وَوَقع فِي «كِفَايَة» الْفَقِيه ابْن الرّفْعَة: (طولى الطويلتين) فِي (الْمَوْضِعَيْنِ) (وَهُوَ تَحْرِيف غَرِيب) فاحذره. وَكَيف يتَصَوَّر أَن (يكون) فِي السورتين الطويلتين سور طوال (وَقَول ابْن مليكَة طولى الطوليين: الْأَعْرَاف والمائدة، هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ وَفِي الْبَيْهَقِيّ: (أَنه قيل: لَهُ مَا طولى الطوليين؟ قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 الْأَنْعَام والأعراف)) . وَرَأَيْت من ادَّعى أَنه لمشهور، وَفِي أَطْرَاف ابْن عَسَاكِر: قيل لعروة مَا طولى (الطوليين) ؟ قَالَ: الْأَعْرَاف وَيُونُس. فَإِن قلت: لَعَلَّه أَرَادَ الْبَقَرَة؛ لِأَنَّهَا أطول السَّبع (الطوَال) وَأجِيب عَنهُ: بِأَنَّهُ لَو أَرَادَ ذَلِك لقَالَ: بطولى الطول. فَلَمَّا لم يقلها دلّ عَلَى أَنه أَرَادَ الْأَعْرَاف، وَهِي من أطول السُّور، يعضده وُرُودهَا مُعينَة من طرق. الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (الشَّفق: الْحمرَة؛ فَإِذا غَابَ الشَّفق وَجَبت الصَّلَاة) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» غير موصل الْإِسْنَاد إِلَى أَحْمد بن عَمْرو بن جَابر، فَقَالَ: قَرَأت فِي أصل [كتاب] أَحْمد بن عَمْرو بن جَابر، ثَنَا عَلّي بن عبد الصَّمد الطَّيَالِسِيّ، ثَنَا هَارُون بن سُفْيَان، ثَنَا (عَتيق) بن يَعْقُوب، نَا مَالك بن أنس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء. ثمَّ رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن مخلد، (ثَنَا) الحساني، ثَنَا وَكِيع، نَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «الشَّفق (الْأَحْمَر: الْحمرَة) » . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب «الغرائب» (هَكَذَا) عَلَى مَا نَقله صَاحب الإِمَام (عَنهُ وَأَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَرُوَاته كلهم ثِقَات. قَالَ صَاحب الْأَمَام) : وَقد رَوَيْنَاهُ من طَرِيق الْحَافِظ أبي (الْقَاسِم) بن عَسَاكِر مُتَّصِل الْإِسْنَاد، فَرَوَاهُ عَن زَاهِر بن طَاهِر، عَن الْبَيْهَقِيّ، أَنا الْحَاكِم، أَنا أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه، أَنا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، ثَنَا عَلّي بن عبد الصَّمد ... . فَذكره، وَصحح الْبَيْهَقِيّ وَقفه فَقَالَ: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف. قَالَ ابْن عَسَاكِر: رَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر، عبيد الله (بن عمر) بن حَفْص الْعمريّ، وَعبد الله بن نَافِع (مولَى) ابْن عمر، (جَمِيعًا، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر) ، ثمَّ رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر من حَدِيث عَلّي بن جندل، نَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، نَا أَبُو حذافة، ثَنَا مَالك بن أنس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الشَّفق: الْحمرَة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم: تفرد بِهِ عَلّي بن جندل الْوراق، عَن أبي عبد الله الْمحَامِلِي، عَن أبي حذافة أَحْمد بن إِسْمَاعِيل السَّهْمِي قَالَ: وَقد رَوَاهُ عَتيق بن يَعْقُوب، عَن مَالك وَزَاد فِيهِ زِيَادَة: وَكِلَاهُمَا غَرِيب، وَحَدِيث عَتيق (أمثل) إِسْنَادًا. قلت: وَذكر (الْحَافِظ) الْخلال بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: (الشَّفق: الْحمرَة) وَسَأَلَ أَحْمد عَنهُ فضعفه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن عمر وَعلي و [أَبُو هُرَيْرَة أَنهم] قَالُوا: «الشَّفق (الْحمرَة) » وَمَا (أسلفناه) عَن الْبَيْهَقِيّ من تَصْحِيح وَقفه عَلَى ابْن عمر سبقه شَيْخه الْحَاكِم إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «مدخله» و (الطَّبَقَة) الرَّابِعَة: (قوم) من الْمَجْرُوحين: عَمدُوا إِلَى أَحَادِيث صَحِيحَة عَن الصَّحَابَة رفعوها إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، كَأبي حذافة أَحْمد بن إِسْمَاعِيل السَّهْمِي، رَوَى عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (الشَّفق: الْحمرَة) قَالَ: (وَهُوَ) فِي «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. قَوْله: وَاعْلَم أَنه (جَاءَت) زِيَادَة فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ السالف، لَوْلَا غرابتها لأغنت عَن جَمِيع هَذِه الرِّوَايَات مرفوعها وموقوفها، ولكانت نصًّا صَرِيحًا فِي أَن الشَّفق: الْحمرَة، رَوَاهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» عَن عمار بن خَالِد الوَاسِطِيّ، عَن مُحَمَّد بن يزِيد - هُوَ الوَاسِطِيّ - عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي أَيُّوب عَن عبد الله بن (عَمْرو) قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «وَقت الظّهْر إِلَى الْعَصْر، وَوقت الْعَصْر إِلَى اصفرار الشَّمْس، وَوقت (صَلَاة) الْمغرب إِلَى أَن تذْهب حمرَة الشَّفق، وَوقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَوقت صَلَاة الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس» قَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَو صحت هَذِه اللَّفْظَة [فِي هَذَا الْخَبَر، لَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَر بَيَان أَن الشَّفق الْحمرَة، إِلَّا أَن هَذِه اللَّفْظَة] تفرد بهَا مُحَمَّد بن يزِيد إِن كَانَت حفظت عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَاب شُعْبَة فِيهِ: (فَور) الشَّفق (مَكَان) مَا قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: حمرَة الشَّفق. قلت: وَلم يقف الْمُنْذِرِيّ وَلَا النَّوَوِيّ فِي كَلَامهمَا عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب عَلَى من أخرج هَذِه اللَّفْظَة فِي هَذَا الحَدِيث؛ فاستفدها أَنْت (وَالله أعلم) . الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة، ولأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أثْنَاء بَاب الْوضُوء، مَعَ بَيَان مَا وَقع لِابْنِ الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ فِيهِ؛ فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَقت) الْعشَاء مَا بَيْنك وَبَين نصف اللَّيْل) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: «وَوقت) الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل) . (و) ثَانِيهَا: (وَوقت [صَلَاة] الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل الْأَوْسَط) . ثالثهما: (فَإِذا صليتم الْعشَاء فَإِنَّهُ وَقت إِلَى نصف اللَّيْل) . وَهُوَ طرف من الحَدِيث السَّابِع وَمن الثَّانِي عشر. الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى؛ فَإِذا خشِي (أحدكُم) الصُّبْح فليوتر بِوَاحِدَة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للَّذي سَأَلَهُ عَن صَلَاة اللَّيْل؟ صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى؛ فَإِذا خشيت ... » وَفِي لفظ «فَإِذا خفت الصُّبْح فأوتر بِوَاحِدَة» وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح صَلَّى رَكْعَة وَاحِدَة (توتر) لَهُ مَا قد صَلَّى» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فَإِذا) أردْت أَن تَنْصَرِف فاركع رَكْعَة توتر لَك (مَا صليت) » وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عَلَى الْمِنْبَر يخْطب ... » وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «صَلَاة (اللَّيْل والنَّهَار) مثنى مثنى» وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هَذِه الرِّوَايَة وَاضحا فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع - إِن شَاءَ الله ذَلِك وَقدره. الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة أَن تُؤخر صَلَاة حَتَّى يدْخل وَقت أُخْرَى) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «لَا تَفْرِيط فِي النّوم، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة؛ فَإِذا سهى أحدكُم عَن (صَلَاة) فليصلها حِين ذكرهَا وَمن الْغَد للْوَقْت» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (أَيْضا) بِلَفْظ: (لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة، فَإِذا نسي أحدكُم صَلَاة (أَو نَام) عَنْهَا، فليصلها إِذا ذكرهَا ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: (لَا تَفْرِيط فِي النّوم، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة؛ فَإِذا كَانَ ذَلِك فصلوها، وَمن الْغَد وَقتهَا) . وَرَوَاهُ (مُسلم) أَيْضا فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ عَن البُخَارِيّ بِلَفْظ: (أما إِنَّه لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، وَإِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى من لم يصل الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقت الْأُخْرَى؛ فَمن فعل ذَلِك (فليصلها) حِين ينتبه لَهَا، فَإِذا كَانَ الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِلَفْظ «لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 الْيَقَظَة؛ فَإِذا نسي أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا، فليصلها إِذا ذكرهَا ولوقتها من الْغَد» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: (لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، (وَإِنَّمَا) التَّفْرِيط عَلَى من لم يصل الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقت الْأُخْرَى؛ فَإِذا كَانَ ذَلِك فليصلها حِين يَسْتَيْقِظ، فَإِذا كَانَ من الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا) . فَائِدَة: الْيَقَظَة بِفَتْح الْقَاف. فَائِدَة ثَانِيَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «فَإِذا) كَانَ الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا) ظَاهره يشْعر بِإِعَادَة قَضَائهَا فِي الْوَقْت من يَوْم فَوَاتهَا وَاسْتَشْكَلَهُ النَّاس؛ فَمن قَائِل أَنه وهم من (عبد الله) بن رَبَاح رَاوِيه عَن (أبي) قَتَادَة، أَو من أحد الروَاة فِي إِسْنَاد حَدِيثه، وَعَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا (يُتَابع) فِي هَذَا القَوْل، وَمن مُجيب عَنهُ بِأَن المُرَاد - وَالله أعلم - أَن وَقتهَا لم يتَحَوَّل إِلَى مَا بعد طُلُوع الشَّمْس بنومهم عَنْهَا، وقضائهم لَهَا بعد الطُّلُوع [فَإِذا كَانَ الْغَد] فليصلها عِنْد وَقتهَا - يَعْنِي: (صَلَاة الْغَدَاة) - وَهَذَا جَوَاب الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «الْمعرفَة» وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث الْحسن، عَن عمرَان «أَنهم (لما صلوا الْفجْر) قَالُوا: يَا رَسُول الله فرطنا [أَفلا نعيدها] لوَقْتهَا من الْغَد؟ قَالَ: (إِن الله) يَنْهَاكُم عَن الرِّبَا ويقبله مِنْكُم؟ ! إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة» . قَالَ صَاحب (الإِمَام: وَرَوَاهُ) ابْن أبي شيبَة فِي «مُسْنده» والطَّحَاوِي وَالطَّبَرَانِيّ (قَالَ) وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات، وَلَا عِلّة فِيهِ إِلَّا الْكَلَام فِي سَماع الْحسن (من) عمرَان. قلت: وَسَيَأْتِي وَاضحا فِي النّذر - إِن شَاءَ الله. الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا يغرنَّكم الْفجْر المستطيل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يطلع الْفجْر المستطير) . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الإِمَام فِي «تهذيبه» ، وَالْغَزالِيّ فِي و «سيطه» ، وَله طرق أَحدهَا: عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (لَا يغرنَّكم من سحوركم أَذَان بِلَال، وَلَا بَيَاض الْفجْر المستطيل هَكَذَا، حَتَّى يستطير هَكَذَا) وَحَكَاهُ حَمَّاد بن زيد رَاوِيه بيدَيْهِ قَالَ: - يعْنى: مُعْتَرضًا - وَفِي لفظ: (وَلَا هَذَا الْبيَاض لعمود الصُّبْح ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 وَفِي آخر وَلَا هَذَا الْبيَاض حَتَّى يَبْدُو الْفجْر - أَو قَالَ: حَتَّى ينفجر الْفجْر ... ) وَفِي آخر: (لَا يغرنَّ أحدكُم نِدَاء بِلَال من السّحُور، وَلَا هَذَا الْبيَاض حَتَّى يستطير) . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (بِكُل هَذِه الْأَلْفَاظ، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: (لايغرنَّكم من سحوركم أَذَان بِلَال، وَلَا الْفجْر المستطيل، وَلَكِن الْفجْر المستطير فِي الْأُفق) ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك، لكنه قَالَ: «لَا يمنعكم» بدل «يغرنَّكم» وَفِي رِوَايَة: (لَا يغرنَّكم نداءُ فلَان؛ فَإِن فِي بَصَره شَيْئا وَلَا بَيَاض يرُى عَلَى السحر) . ثَانِيهَا: عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يمنعن أحدا مِنْكُم نِدَاء بِلَال من سحوره؛ فَإِنَّهُ يُؤذن - أَو قَالَ: يُنَادي - ليرْجع قائمكم، ويوقظ نائمكم. وَقَالَ: لَيْسَ أَن يَقُول هَكَذَا وَهَكَذَا - وَصوب بِيَدِهِ ورفعها - حَتَّى يَقُول هَكَذَا - وَفرج بَين أَصَابِعه) وَفِي لفظ آخر: (إِن الْفجْر لَيْسَ الَّذِي يَقُول هَكَذَا - وَجمع أَصَابِعه ثمَّ نكسها إِلَى الأَرْض - وَلَكِن الذى يَقُول هَكَذَا - وَوضع المسبحة عَلَى المسبحة وَمد يَده) مُتَّفق عَلَيْهِ، زَاد البُخَارِيّ: (عَن يَمِينه وشماله) وَفِي لفظ: (وَمد يَحْيَى بن سعيد بالسبابتين) وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (وَلَيْسَ أَن يَقُول هَكَذَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وَلَكِن يَقُول هَكَذَا - يعْنى: الْفجْر - هُوَ الْمُعْتَرض وَلَيْسَ بالمستطيل) ثَالِثهَا: عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: الْفجْر فجران: فجر يحرم فِيهِ الصَّلَاة وَيحل فِيهِ الطَّعَام، وفجر يحرم فِيهِ الطَّعَام وَيحل فِيهِ الصَّلَاة) حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» فِي كتاب الصَّوْم ثمَّ قَالَ: لم يرفعهُ غير أبي أَحْمد الزبيري، عَن الثَّوْريّ، وَوَقفه الْفرْيَابِيّ وَغَيره عَن الثَّوْريّ، وَوَقفه أَصْحَاب ابْن جريج عَنهُ أَيْضا، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي هَذَا الْبَاب بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ فِي عَدَالَة الروَاة، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وأظن أَنِّي قد رويته عَن عبد الله بن الْوَلِيد، عَن الثَّوْريّ مَوْقُوفا قَالَ: وَله شَاهد بِلَفْظِهِ وَإِسْنَاده صَحِيح ... فَذكر حَدِيث جَابر الْآتِي، وَرَوَاهُ فِي كتاب الصَّوْم من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: (الْفجْر فجران: فَأَما الأول فَإِنَّهُ لَا يحرم فِيهِ الطَّعَام وَلَا يحل الصَّلَاة، وَأما الثَّانِي فَإِنَّهُ يحرم الطَّعَام وَيحل الصَّلَاة) ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث سَمُرَة مَرْفُوعا «لَا يغرنَّكم أَذَان بِلَال، وَلَا هَذَا الْبيَاض لعمود الصُّبْح حَتَّى يستطير) وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم. رَابِعهَا: عَن قيس بن طلق بن عَلّي، عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 قَالَ: (كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا يهيدنَّكم الساطع المصعد، وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يعْتَرض لكم الْأَحْمَر) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: (وَلَا يغرنَّكم) بدل «وَلَا يهيدنَّكم» ثمَّ قَالَ: قيس بن طلق لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَرِوَايَة أَحْمد بِلَفْظ: (لَيْسَ الْفجْر المستطيل فِي الْأُفق، وَلكنه الْمُعْتَرض الْأَحْمَر) . خَامِسهَا: عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (الْفجْر فجران: فَأَما الْفجْر الَّذِي يكون كذنب السرحان فَلَا يحل الصَّلَاة وَلَا يحرم الطَّعَام، وَأما الَّذِي يذهب مستطيلًا فِي الْأُفق؛ فَإِنَّهُ يحل الصَّلَاة وَيحرم الطَّعَام) . رَوَاهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالا: إِسْنَاده صَحِيح، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: رُوِيَ مَوْصُولا ومرسلًا، والمرسل أصح. سادسها: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان أَنه بلغه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (الْفجْر فجران: فَأَما الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنْب السرحان فَإِنَّهُ لَا يحل شَيْئا وَلَا يحرمه، وَأما المستطيل الَّذِي عَارض الْأُفق فَفِيهِ تحل الصَّلَاة وَيحرم الطَّعَام) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: هَذَا مُرْسل. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 «مراسيله» إِلَّا أَنه قَالَ: «المستطير» بالراء. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُسْندًا وموقوفًا وَقَالَ: الْمَوْقُوف أصح. سابعها: عَن ربيعَة بن يزِيد قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن عائش - هُوَ الْحَضْرَمِيّ - صَاحب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: (الْفجْر فجران: فَأَما المستطيل فِي السَّمَاء فَلَا يمنعنَّ السّحُور وَلَا يحل فِيهِ الصَّلَاة؛ فَإِذا اعْترض) . فقد حرم الطَّعَام [فصل صَلَاة الْغَدَاة] ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. (ثامنها) : عَن أنس مَرْفُوعا: (لَا يغرنَّكم أَذَان بِلَال؛ فَإِن فِي بَصَره شَيْئا) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِسَنَد جيد. فَائِدَة: لما ترْجم التِّرْمِذِيّ (بَاب) مَا جَاءَ فِي بَيَان الْفجْر، ذكر الحَدِيث من حَدِيث طلق بن عَلّي وَسمرَة ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عدي بن حَاتِم وَأبي ذَر وَلم يزدْ عَلَى ذَلِك، وَقد سقناه لَك من طرق أُخْرَى غير مَا ذكر فاستفدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 الحَدِيث الْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي الحَدِيث الثَّامِن من أَحَادِيث الْبَاب. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى (يُنَادي) ابْن أم مَكْتُوم) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ بِزِيَادَة: «وَكَانَ ابْن مَكْتُوم (رجلا) أَعْمَى لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصبَحت أَصبَحت» ، خرجه فِي كتاب الصَّلَاة وَفِي الشَّهَادَات فِي بَاب شَهَادَة الْأَعْمَى. وخرجه مُسلم فِي الصَّوْم بِلَفْظ: (إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا (تأذين) ابْن أم مَكْتُوم) وَفِي لفظ: «حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 يُؤذن» بدل «حَتَّى تسمعوا تأذين» قَالَ: (وَلم يكن بَينهمَا إِلَّا أَن ينزل هَذَا ويرقى هَذَا) . قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل» . قَوْله (وَكَانَ ... ) إِلَى آخِره مدرجة، جعلهَا بَعضهم من قَول ابْن شهَاب، (وَآخره) من قَول سَالم. فَائِدَة: لهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثانٍ مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رضى الله عَنْهَا (أَن بِلَالًا كَانَ يُؤذن بلَيْل، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر) قَالَ الْقَاسِم: «وَلم يكن بَين أذانيهما إِلَّا أَن ينزل (ذَا) ويرقى ذَا، وَهَذَا السِّيَاق للْبُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ من طَرِيق الْحَمَوِيّ «أَن بِلَالًا (يُؤذن) بلَيْل» وَسِيَاق مُسلم كسياق الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أخرجناها عَنهُ من طَرِيق ابْن عمر. فَائِدَة ثَانِيَة: لما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن ابْن مَسْعُود، وَعَائِشَة، وأنيسة، وَأنس، وَأبي ذَر، وَسمرَة. قلت: وَعقبَة بن أنيس كَمَا ذكره ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» وَحَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 أنيسَة بنت خبيب قد رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَابْن حبَان عَلَى عكس حَدِيث عَائِشَة السالف، وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (إِن ابْن (أم) مَكْتُوم يُؤذن بلَيْل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن بِلَال) . وَرَوَى ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عَائِشَة مثلهَا قَالَت: (وَكَانَ بِلَال لَا يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر) . (وعنهما) جوابان: أَحدهمَا: مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ، عَن الْحَاكِم، عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة - يَعْنِي: رِوَايَة عَائِشَة - فَيجوز أَن يكون بَين (ابْن) أم مَكْتُوم وَبَين بِلَال نوب، وَكَانَ بِلَال إِذا كَانَت نوبَته أذن بلَيْل، وَكَانَ ابْن أم مَكْتُوم إِذا كَانَت نوبَته يُؤذن بلَيْل، وَهَذَا [جَائِز] صَحِيح، وَإِن لم يَصح؛ فقد صَحَّ خبر ابْن عمر، وَابْن مَسْعُود، وَسمرَة، وَعَائِشَة، أَن بِلَالًا كَانَ يُؤذن بلَيْل، وَلما رَوَى ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» حَدِيث أنيسَة جمع بَينهمَا بِهَذَا الْجمع. الْجَواب الثَّانِي: قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» عقب حَدِيث أنيسَة: هَكَذَا رَوَوْهُ كَأَنَّهُ مقلوب؛ إِنَّمَا هُوَ « (إِن) بِلَالًا يُنَادي بلَيْل» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَقَالَ ابْن عبد الْبر: اخْتلف فِي حَدِيث أنيسَة عَلَى شُعْبَة، وَالْمَحْفُوظ وَالصَّوَاب - إِن شَاءَ الله - (رِوَايَة) : (إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل) . وَتَبعهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن سعد الْقرظ قَالَ: (كَانَ الْأَذَان عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الشتَاء لسبُع بَقِي من اللَّيْل، وَفِي الصَّيف لنصف سُبع) . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ، وَلَا أعرفهُ عَلَى هَذَا الْوَجْه، نعم فِي «الْمعرفَة» للبيهقي نقلا، عَن الزَّعْفَرَانِي. قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: أبنا (بعض) أَصْحَابنَا، عَن الْأَعْرَج إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عمَارَة، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن سعد الْقرظ قَالَ: «أذنا فِي زمن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بقباء، وَفِي زمن عمر بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ أذاننا للصبح (لوقت) وَاحِد، وَفِي الشتَاء لسبع وَنصف يَبْقَى، وَفِي الصَّيف لسبع يَبْقَى مِنْهُ» . وَكَذَا أوردهُ صَاحب التَّقْرِيب، قَالَ ابْن الصّلاح عقب إِيرَاد لفظ الْغَزالِيّ للْحَدِيث: هَذَا الحَدِيث غَرِيب (و) ضَعِيف، غير مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي بِإِسْنَاد لَا يقوى فِي كِتَابه الْقَدِيم عَن سعد الْقرظ ... فَذكره كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: فَهَذَا الْوَاقِع فِي الْكتاب - يَعْنِي: الْوَسِيط - وَغَيره فِيهِ تَغْيِير، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى علاته «سبع وَنصف سبع» وَكَذَلِكَ ذكره صَاحب التَّقْرِيب، وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ من غير تعرض لما نبهنا عَلَيْهِ، وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «تنقيحه عَلَى الْوَسِيط» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف مُنكر، وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم (بِإِسْنَاد) ضَعِيف عَن سعد الْقرظ. (فَذكره) كَمَا قَدمته. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث بَاطِل غير مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث. (وَقد) رَوَاهُ الشَّافِعِي بِإِسْنَاد ضَعِيف ... فَذكره (وَقَالَ فِي الرَّوْضَة: حَدِيث بَاطِل محرف) وَهَذَا الْمَنْقُول مَعَ ضعفه مُخَالف لما اسْتدلَّ بِهِ (فَإِنَّهُ اسْتدلَّ بِهِ) عَلَى أَنه فِي الشتَاء يُؤذن لسُبع تبقى، وَفِي الصَّيف لنصف سبُع (وَهَذَا هُوَ التحريف) ، والْحَدِيث لَا يطابقه فَظهر ضعف دَلِيل هَذَا الْوَجْه، وَإِن رَجحه الرَّافِعِيّ فِي كتبه. فَائِدَة: سعد الْقرظ، مُضَاف إِلَى الْقرظ - بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وَهُوَ الَّذِي يدبغ بِهِ، وَهُوَ ورق السّلم - كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي: لقب بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذا اتّجر فِي شَيْء خسر فِيهِ؛ فاتجر فِي (الْقرظ) فربح فِيهِ بِأَمْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا رَوَاهُ ابْن قَانِع فَلَزِمَ التِّجَارَة فِيهِ فأضيف إِلَيْهِ، وَيَقَع فِي بعض نسخ الْكتاب وَكثير من نسخ «الْوَسِيط» : الْقرظِيّ بِضَم الْقَاف (وبالراء) وبالياء (آخِره) وَهُوَ تَصْحِيف، قَالَ ابْن الصّلاح: كثير من الْفُقَهَاء صحفوه كَذَلِك اعتقادًا لكَونه (مَنْسُوبا) إِلَى بني قُرَيْظَة، وَهُوَ غلط. فَائِدَة ثَانِيَة: سعد هَذَا جعله (النَّبِي) (مُؤذنًا بقباء، فَلَمَّا ولي الصّديق وَترك بِلَال الْأَذَان نَقله إِلَى مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ليؤذن فِيهِ، وَقيل: إِنَّمَا نَقله الْفَارُوق فَلم يزل يُؤذن فِيهِ حَتَّى مَاتَ فِي أَيَّام الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ، وتوارث بنوه الْأَذَان. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لمسجده مؤذنان، يُؤذن أَحدهمَا قبل الْفجْر وَالْآخر بعده) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: (كَانَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مؤذنان: بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم (قَالَ) : وَلم يكن بَينهمَا إِلَّا أَن ينزل هَذَا، ويرقى هَذَا) . وَعَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله، وَقد أسلفت (لَك) رِوَايَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 البُخَارِيّ لهذين الْحَدِيثين وسياقه وَلَفظه. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الْعَصْر قبل أَن تغيب الشَّمْس فليتم صلَاته، وَإِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فليتم صلَاته) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، كَمَا (أسلفناه) فِي الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الثَّامِن. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: (الصَّلَاة أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْبُوَيْطِيّ» و «الْمُخْتَصر» ، هَكَذَا بِغَيْر إِسْنَاد؛ لَكِن بِصِيغَة جزم وَذكره أَيْضا كَذَلِك ابْن السكن فِي «صحاحه» وَهُوَ مَرْوِيّ من طرق كلهَا ضَعِيفَة. أَحدهَا: من طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (الْوَقْت الأول من الصَّلَاة رضوَان الله، وَالْوَقْت الآخر عَفْو الله) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يَعْقُوب بن الْوَلِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 الْمدنِي، عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَيَعْقُوب هَذَا أحد الهلكى، قَالَ أَحْمد: (كَانَ) من الْكَذَّابين الْكِبَار يضع الحَدِيث، وَقَالَ يَحْيَى: لم يكن بِشَيْء كَذَّاب. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون، وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث ضَعِيف الحَدِيث، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة (و) الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ (مَوْضُوع) . وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَهُوَ بَين الْأَمر فِي الضُّعَفَاء. وَقَالَ ابْن حبَان: مَا رَوَى هَذَا الحَدِيث إِلَّا يَعْقُوب، وَهُوَ يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات، لَا يحل كتب حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب. قلت: وَقد نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: الْحمل فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى يَعْقُوب بن الْوَلِيد؛ فَإِنَّهُ شيخ من أهل الْمَدِينَة قدم عَلَيْهِم بَغْدَاد، فَنزل الرصافة، وَحدث عَن هِشَام بن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة وَمَالك بن أنس وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين بِأَحَادِيث (كَثِيرَة) مَنَاكِير. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث يعرف بِيَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي، وَيَعْقُوب مُنكر الحَدِيث، ضعفه يَحْيَى بن معِين، وَكذبه أَحْمد بن حَنْبَل (وَسَائِر الْحفاظ) ، ونسبوه إِلَى الْوَضع، ونعوذ بِاللَّه من الخذلان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 قَالَ ابْن عدي: وَكَانَ ابْن حميد يَقُول لنا فِي هَذَا الْإِسْنَاد «عبيد الله» بدل «عبد الله» ، وَالصَّوَاب الثَّانِي، قَالَ: عَلَى أَن هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد بَاطِل إِن قيل فِيهِ عبد الله (أَو) عبيد الله. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَأعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِأَن قَالَ: يرويهِ عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَقد تكلمُوا فِيهِ، وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها عبد الْحق بِرِجَال: وفيهَا من هُوَ مثلهم، أَو أَضْعَف مِنْهُم، أَو مَجْهُول لَا يعرف، (إِنَّمَا) الْعجب أَن يكون هَذَا هُوَ عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَهُوَ رجل صَالح قد وَثَّقَهُ قوم وأثنوا عَلَيْهِ، وَضَعفه آخَرُونَ من أجل (حفظه) لَا من أجل صدقه وأمانته، وَيَرْوِيه عَنهُ يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي وَهُوَ كَذَّاب، فَلَعَلَّهُ كذب عَلَيْهِ، ثمَّ شرع بعد ذَلِك فعلله بِهِ - أَعنِي: يَعْقُوب - كَمَا أسلفناه. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جرير بن عبد الله مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء. رَوَاهُ الدارقطني من حَدِيث الْحُسَيْن بن حميد بن الرّبيع، عَن [فرج] بن عبيد المهلبي، عَن عبيد بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 بن أبي خَالِد، (عَن) قيس بن أبي حَازِم، عَن جرير بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : إِسْنَاده لَيْسَ بِشَيْء. قلت: لِأَن إِسْنَاده اشْتَمَل عَلَى مَجْهُول وَضَعِيف، أما الْمَجْهُول: فَفرج بن عبيد، وَأما الضَّعِيف فحسين بن حميد بن الرّبيع، قَالَ ابْن عدي: هُوَ مُتَّهم فِي كل مَا يرويهِ كَمَا قَالَه (مطين) وَقَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد قَالَ: سَمِعت (مطينًا) يَقُول وَمر عَلَيْهِ أَبُو عَلّي الْحُسَيْن بن حميد بن الرّبيع فَقَالَ: (هَذَا) كَذَّاب بن كَذَّاب بن كَذَّاب. وَذكره ابْن عدي أَيْضا واتهمه. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن إِبْرَاهِيم - يَعْنِي ابْن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة من أهل مَكَّة - قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن جدي قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أول الْوَقْت رضوَان الله، ووسط الْوَقْت رَحْمَة الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا، عَن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور (بِهِ) . وَإِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا هُوَ (أَبُو) إِسْحَاق الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ الضَّرِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 الْمعلم العبدسي الوَاسِطِيّ، مُتَّهم. قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول، وَحَدِيثه مُنكر. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: كَأَن حَدِيثه مَوْضُوع لَا يشبه حَدِيث النَّاس. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَن مَالك بِأَحَادِيث مَوْضُوعَة. وَقَالَ ابْن عدي: حدث عَن الثِّقَات بِالْبَوَاطِيل، (وَهُوَ) فِي جملَة الضُّعَفَاء (لَا جرم) (قَالَ) الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث شَاذ لَا تقوم بِمثلِهِ الْحجَّة، وَقَالَ فِي «سنَنه» - بعد أَن نقل كَلَام ابْن عدي السالف -: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أنس رَفعه: (أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) . رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث بَقِيَّة، عَن عبد الله مولَى عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: حَدثنِي عبد الْعَزِيز (قَالَ) : حَدثنِي مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أنس بِهِ، ثمَّ قَالَ: لَا يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا بَقِيَّة، وَهُوَ من الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا بَقِيَّة عَن المجهولين؛ لِأَن عبد الله مولَى عُثْمَان وَعبد الْعَزِيز لَا يعرفان. قلت: لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» : إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَا يَصح. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: (أول الْوَقْت رضوَان الله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 وَآخره عَفْو الله) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ الْبَصْرِيّ، عَن عَطاء، عَنهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ: نَافِع هَذَا أَبُو هُرْمُز، ضعفه يَحْيَى بن معِين وَابْن حَنْبَل وَغَيرهمَا. قلت: أَبُو هُرْمُز هَذَا يروي عَن أنس، وَالْوَاقِع فِي الْإِسْنَاد يروي عَن عَطاء، وَقد فرق ابْن الْجَوْزِيّ بَينهمَا؛ فجعلهما ترجمتين، وَنقل (تَضْعِيف) أَحْمد (وَيَحْيَى) لنافع أبي هُرْمُز الْبَصْرِيّ، وَنقل تَضْعِيفه عَن غَيرهمَا أَيْضا، ثمَّ ذكر نَافِعًا مولَى يُوسُف السّلمِيّ وَقَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي التَّفْرِقَة بَينهمَا فِي كِتَابه «الْمُغنِي» وأجمل الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» القَوْل فِي تَضْعِيفه فَقَالَ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِشَيْء، قَالَ فِيهَا: (وَرُوِيَ) أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَهُوَ مَعْلُول. (قَالَ) : وَله أصل من قَول أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي الباقر كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو أويس، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه قَالَ: (أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله) قَالَ: وَرُوِيَ عَن مُوسَى بن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي مَرْفُوعا قَالَ: وَإِسْنَاده - فِيمَا أَظن - أصح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب، وَنقل فِي «خلافياته» عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: أما الَّذِي رُوِيَ فِي أول الْوَقْت وَآخره؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 فَإِنِّي لَا (أحفظه) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من وَجه يَصح، وَلَا عَن أحد من (أَصْحَابه) ، إِنَّمَا الرِّوَايَة فِيهِ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي الباقر، وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَن الْخلال، أَنا الْمَيْمُونِيّ قَالَ: سَمِعت أَبَا عبد الله - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: لَا أعرف شَيْئا يثبت فِي أَوْقَات الصَّلَاة أَولهَا كَذَا، وأوسطها كَذَا، وَآخِرهَا كَذَا يَعْنِي مغْفرَة ورضوانًا - وَقَالَ لَهُ رجل: مَا (يرْوَى) أول الْوَقْت كَذَا (و) أوسطه كَذَا، (رضوَان) ومغفرة؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عبد الله: من يروي هَذَا؟ لَيْسَ هَذَا يثبت. قلت: ويغني عَن هَذَا كُله فِي الدّلَالَة حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود السالف فِي أول التَّيَمُّم «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (سُئِلَ) أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه (ثمَّ) . وَقد ذكره الرَّافِعِيّ إِثْر هَذَا الحَدِيث، وَكَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ تَقْدِيمه عَلَيْهِ. فَائِدَة: الرضْوَان بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا لُغَتَانِ، قرئَ بهما فِي السَّبع. قَالَ الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «الْمُخْتَصر» : رضوَان الله إِنَّمَا يكون للمحسنين، وَالْعَفو يشبه أَن يكون للمقصرين. قَالَ أَصْحَابنَا: قَوْله «للمقصرين» قد (يسْتَشْكل) من حَيْثُ أَن التَّأْخِير لَا إِثْم فِيهِ، فَكيف يكون فَاعله (مقصرًا) ، وَأَجَابُوا بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 أَحدهمَا: (أَنه مقصر بِالنِّسْبَةِ) إِلَى من صَلَّى أول الْوَقْت (وَإِن) كَانَ لَا إِثْم عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنه مقصر بتفويت الأَصْل كَمَا يُقَال: من ترك صَلَاة الضُّحَى؛ فَهُوَ مقصر. وَإِن لم يَأْثَم. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (أفضل الْأَعْمَال الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا تقدم (الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي أول التَّيَمُّم) وَكَانَ يَنْبَغِي للْإِمَام الرَّافِعِيّ أَن يقدمهُ عَلَى الحَدِيث قبله، كَمَا نبهنا عَلَيْهِ، و (أَن) يرويهِ بِصِيغَة الْجَزْم، وينكر عَلَى النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيفَ أدخلهُ فِي كِتَابه «الْخُلَاصَة» فِي فصل الضَّعِيف، وَلَعَلَّه أَرَادَ حَدِيث أم فَرْوَة كَمَا أسلفناه فِي التَّيَمُّم. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) لَهُ طرق: إِحْدَاهَا: من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول (قَالَ: (إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم، واشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت: أكل بَعْضِي بَعْضًا! فَأذن (لَهَا) بنفسين: نَفْس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف، فَهُوَ (أَشد مَا تجدونه من الْحر) ، وَأَشد مَا تجدونه من الزَّمْهَرِير) مُتَّفق عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح أَيْضا: (إِذا كَانَ الْيَوْم الْحَار فأبردوا بِالصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «أبردوا) عَن الحَر فِي الصَّلَاة ... ) . الحَدِيث ثَانِيهَا: من رِوَايَة أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر، فَأَرَادَ الْمُؤَذّن أَن يُؤذن (لِلظهْرِ) فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أبرد. ثمَّ أَرَادَ أَن يُؤذن، فَقَالَ (لَهُ) : أبرد حَتَّى رَأينَا فَيْء التلول، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم؛ فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ» . مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا. وَفِي لفظ: «أبرد أبرد» أَو قَالَ: «انْتظر انْتظر» وَفِي لفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 للْبُخَارِيّ: ( ... ثمَّ أَرَادَ أَن يُؤذن فَقَالَ لَهُ: أبرد. وَقَالَ: حَتَّى (سَاوَى) الظل التلول - وَقَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: يتفيأ: (يتميل) » . وَفِي رِوَايَة (لأبي) عوَانَة فِي «صَحِيحه» : بعد قَوْله: «رَأينَا فَيْء التلول، ثمَّ أمره فَأذن وَأقَام فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِن شدَّة الْحر ... » الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مَه يَا بِلَال» بدل «أبرد» . ثالثهما: من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: (إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة؛ فَإِن شدَّة الحرَّ من فيح جَهَنَّم) . رَوَاهُ البُخَارِيّ (مُنْفَردا بِهِ) من حَدِيث صَالح بن كيسَان، ثَنَا الْأَعْرَج وَغَيره، عَن أبي هُرَيْرَة. وَنَافِع مولَى عبد الله، عَن ابْن عمر، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: (إِذا اشْتَدَّ الْحر ... ) الحَدِيث، (و) رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عمر بِلَفْظ: (أبردوا بِالظّهْرِ) . رَابِعهَا: من رِوَايَة وَالِده الْفَارُوق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 (يَقُول) : «أبردوا بِالصَّلَاةِ) إِذا اشْتَدَّ الْحر ... ) الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم (يرْوَى) عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَهُوَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْحسن المَخْزُومِي، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، وَقد احْتمل النَّاس حَدِيثه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : رُوِيَ عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فِي هَذَا] وَلَا يَصح. خَامِسهَا: من رِوَايَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (صَلَاة الظّهْر) بالهاجرة، فَقَالَ لنا: أبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) . رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَقَالَ: تفرد بِهِ إِسْحَاق الْأَزْرَق، وَذكر الْخلال عَن الْمَيْمُونِيّ (أَنهم ذاكروا) أَبَا عبد الله - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل - حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ: (أسانيده) جِيَاد، ثمَّ قَالَ: خباب يَقُول: «شَكَوْنَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يشكنا ... » والمغيرة كَمَا ترَى رَوَى الْقصَّتَيْنِ جَمِيعًا، قَالَ: وَفِي غير رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ «كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 (الْإِبْرَاد» ، وَقَالَ (التِّرْمِذِيّ) : سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فعده مَحْفُوظًا، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو عوَانَة، عَن طَارق، عَن قيس قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب قَوْله: (أبردوا بِالصَّلَاةِ) قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن يكون هَذَا الحَدِيث يدْفع ذَلِك [الحَدِيث] . قلت: فَأَيّهمَا (أثبت) ؟ قَالَ: كَأَنَّهُ [هَذَا] يَعْنِي: حَدِيث عمر، قَالَ: وَلَو كَانَ عِنْد قيس، عَن الْمُغيرَة مَرْفُوعا لم (يحْتَج أَن) يفْتَقر إِلَى أَن (يحدث بِهِ) عَن عمر مَوْقُوفا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: سَمِعت أبي [يَقُول] سَأَلت يَحْيَى بن معِين، فَقلت لَهُ: ثَنَا أَحْمد بن حَنْبَل (بِحَدِيث) إِسْحَاق الْأَزْرَق ... فَذكر حَدِيث الْمُغيرَة، وذكرته لِلْحسنِ بن شَاذان فحدثنا بِهِ، وثنا أَيْضا عَن إِسْحَاق، عَن شريك عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة مثله مَرْفُوعا، فَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ لَهُ أصل أَنا نظرت فِي كتاب إِسْحَاق (وَلم) أر فِيهِ هَذَا، قلت لأبي: فَمَا قَوْلك فِي حَدِيث عمَارَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 [بن الْقَعْقَاع، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] الَّذِي أنكرهُ يَحْيَى؟ فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيح (فحدثنا) أَحْمد بن حَنْبَل بِالْحَدِيثين جَمِيعًا عَن [إِسْحَاق] الْأَزْرَق، قلت [لأبي] : فَمَا بَال يَحْيَى نظر فِي كتاب إِسْحَاق فَلم يجده! فَقَالَ: كَيفَ نظر فِي كتبه كلهَا؛ إِنَّمَا نظر فِي بعض، (وَرُبمَا) كَانَ فِي مَوضِع آخر! . سادسها: من رِوَايَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يرفعهُ: (أبردوا (بِالظّهْرِ) فَإِن الَّذِي (تَجِدُونَ) [من الْحر] من فيح جَهَنَّم) . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. سابعها: (من حَدِيث) عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (رفعته) : (أبردوا بِالظّهْرِ فِي الْحر) . رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» . ثامنها: من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: (أبردوا بِالظّهْرِ - وَفِي لفظ: بِالصَّلَاةِ - فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 رَوَاهُ البُخَارِيّ مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عمر بن حَفْص، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح عَنهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ: تَابعه سُفْيَان وَيَحْيَى وَأَبُو عوَانَة، عَن الْأَعْمَش. قلت: أما حَدِيث سُفْيَان فَأخْرجهُ البُخَارِيّ فِي صفة الصَّلَاة، وَأما حَدِيث يَحْيَى فَأخْرجهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَأما حَدِيث أبي عوَانَة فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه. قلت: وَتَابعه أَيْضا أَبُو (خَالِد) كَمَا أخرجه أَبُو نعيم والإسماعيلي. تاسعها: من رِوَايَة عَمْرو بن عبسة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: (أبردوا بِصَلَاة الظّهْر؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ. عَاشرهَا: من رِوَايَة الْقَاسِم بن صَفْوَان، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: (إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ - يَعْنِي: صَلَاة الظّهْر - فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» قَالَ: ولأبيه صُحْبَة، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمته من «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: (أبردوا بِصَلَاة الظّهْر ... ) إِلَى آخِره. وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُسْنده» أَيْضا، وَكَذَا أَبُو نعيم فِي كتاب الصَّلَاة، وَلَفظه: (من فَور جَهَنَّم) . وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن الْقَاسِم بن صَفْوَان، عَن أَبِيه. الْحَادِي عشر: من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عَلْقَمَة الثَّقَفِيّ، رَوَاهُ أَبُو نعيم. الثَّانِي عشر: من رِوَايَة أنس. الثَّالِث عشر: من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، ذكرهمَا التِّرْمِذِيّ. الرَّابِع عشر: من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَارِثَة مَرْفُوعا: (أبردوا بِالظّهْرِ) . الْخَامِس عشر: من حَدِيث صَحَابِيّ يُرى أَنه ابْن مَسْعُود، رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (وأهملهما) التِّرْمِذِيّ، وَكَذَا الطَّرِيق التَّاسِع وَالسَّابِع وَالْحَادِي عشر. وَرَوَاهُ مَالك عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم؛ فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة) . (و) هَذَا مُرْسل يعتضد بِمَا سلف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 فَائِدَة: فيح جَهَنَّم - بِفَتْح الْفَاء، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ حاء مُهْملَة -: غليانها وانتشار لهبها ووهجها، أعاذنا الله (مِنْهَا) . قَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه «تصاحيف الروَاة» : يرْوَى: (من فيح جَهَنَّم) بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا، قَالَ: وَالْمعْنَى لَا يخْتَلف. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفيح بِالْحَاء وَالْخَاء وَالْجِيم لَا يخْتَلف. قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : وَيروَى: (من فوح جَهَنَّم) بِالْوَاو بدل (الْيَاء) وهما بِمَعْنى. قلت: رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد مَرْفُوعا: (أبردوا بِالظّهْرِ فِي الْحر، (فَإِن) شدَّة الْحر من فوح جَهَنَّم) وَذكره الْخلال عَن الْمَيْمُونِيّ، عَن أَحْمد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْأَعْمَش بِهِ بِلَفْظ: (أبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم) قَالَ أَحْمد: لَا أعلم أحدا قَالَ: «فوح» غير الْأَعْمَش. وَقَوله: «أبردوا بِالصَّلَاةِ» قد سلفت رِوَايَة أخري «عَن الصَّلَاة» وَعَن تَأتي بِمَعْنى الْبَاء، وَقيل: إِن عَن هُنَا زَائِدَة؛ أَي: أبردوا (الصَّلَاة) . الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: (لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي لأمرتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 بِتَأْخِير الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل أَو نصفه) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر من بَاب الْوضُوء، و (فِي) الْبَاب أَيْضا. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: (كَانَ النِّسَاء ينصرفن من صَلَاة الصُّبْح مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهن متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من الْغَلَس) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيثهَا قَالَت: (لقد كَانَ نسَاء من الْمُؤْمِنَات (يشهدن) الْفجْر مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - متلفعات بمروطهن، ثمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهنَّ وَمَا يعرفن من تغليس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالصَّلَاةِ) . هَذَا لفظ مُسلم. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن) كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ليُصَلِّي الصُّبْح فتنصرف النِّسَاء متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من الْغَلَس) . وَلَفظ البُخَارِيّ: «كن نسَاء الْمُؤْمِنَات يشهدن مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة الْفجْر متلفعات بمروطهن، ثمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهنَّ (حِين يقضين) الصَّلَاة لَا يعرفهن أحد من الْغَلَس) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي الصُّبْح بِغَلَس [فينصرفن] نسَاء الْمُؤمنِينَ لَا يعرفن من الْغَلَس [أَو] لَا يعرف بَعضهنَّ بَعْضًا) . وَفِي رِوَايَة: متلفعات. فَائِدَة: متلفعات - بِالْعينِ بعد الْفَاء؛ أَي (متلفحات) و (متلففات) بتكرار الْفَاء، وَمَعْنَاهَا مُتَقَارب إِلَّا أَن التلفع لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ تَغْطِيَة الرَّأْس (والمروط وَاحِدهَا: مرط - بِالْكَسْرِ -: أكسية من صوف) . الحَدِيث الثَّلَاثِينَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (المؤذنون أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم) . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق أَحدهَا: من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، عَن أَبِيه، عَن جده أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم وسحورهم المؤذنون) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الحميد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 (هُوَ) الْحمانِي، وَيَحْيَى هَذَا حَافظ شيعي جلد، وَثَّقَهُ ابْن معِين (وَغَيره) . وَقَالَ ابْن عدي: صنف الْمسند وَلم أر فِي «مُسْنده» وَلَا فِي أَحَادِيثه (أَحَادِيث) مَنَاكِير، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَضَعفه الْجُمْهُور، وَمِنْهُم النَّسَائِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَحْمد: (كَانَ) يكذب جهارًا، مازلنا نعرفه يسرق الْأَحَادِيث. وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط. وَقَالَ ابْن نمير: كَذَّاب. الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما رَفعه: (خصلتان معلقتان فِي أَعْنَاق المؤذنين للْمُسلمين: صلَاتهم وصيامهم) . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَفِي إِسْنَاده: مَرْوَان بن سَالم الْجَزرِي ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ أَحْمد وَغَيره: لَيْسَ بِثِقَة. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن الْحسن أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (المؤذنون أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم، وَذكر مَعهَا غَيرهَا) . رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن عبد الْوَهَّاب، عَن يُونُس، عَن الْحسن بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: (المؤذنون أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وحاجتهم - أَو حاجاتهم) . قلت: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ المُرَاد بقوله: وَذكر مَعهَا غَيرهَا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : حَدِيث الْحسن هَذَا هُوَ الصَّحِيح خلاف رِوَايَته لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَقد ذَكرنَاهَا آنِفا من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ. الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ذكره الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ عقب: حَدِيث الْحسن: وَرُوِيَ ذَلِك عَن جَابر وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ، قَالَ: وَرُوِيَ (فِي) ذَلِك عَن أبي أُمَامَة (أَنه) قَالَ: (المؤذنون أُمَنَاء الْمُسلمين، وَالْأَئِمَّة ضمناء» . قَالَ: وَالْأَذَان أحب إِلَيّ من الْإِمَامَة. قلت: فَحَدِيث الْحسن (يحْتَج بِهِ) . وَهُوَ الْعُمْدَة: إِذا؛ فَإِنَّهُ انْضَمَّ إِلَى إرْسَاله (اتِّصَاله) من وُجُوه أخر. الحَدِيث الْحَادِي (بعد الثَّلَاثِينَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (رفع الْقَلَم عَن (ثَلَاثَة) : عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق) . هَذَا الحَدِيث قَاعِدَة من قَوَاعِد الْإِسْلَام يدْخل فِيهَا مَا لَا يُحْصَى من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 الْأَحْكَام، لَهُ طرق أقواها طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها رَوَاهُ إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود عَنْهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمُبْتَلَى حَتَّى يبرأ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يكبر) وَفِي لفظ: «يَحْتَلِم» ، وَفِي لفظ: «يبلغ» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي (الْحُدُود) وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» فِي (الطَّلَاق) وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي الْبيُوع، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِإِسْنَاد حسن، بل (صَحِيح) مُتَّصِل كلهم عُلَمَاء. قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَفِي سؤلات ابْن الْجُنَيْد قَالَ رجل ليحيى بن معِين: هَذَا الحَدِيث عنْدك (واه) ؟ فَقَالَ: لَيْسَ يروي هَذَا إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد - يَعْنِي: ابْن أبي سُلَيْمَان. قلت: هُوَ الْفَقِيه أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَغَيره، وَتكلم فِيهِ الْأَعْمَش وَابْن سعد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : حَدِيث عَائِشَة هَذَا أَقْوَى إِسْنَادًا من حَدِيث عَلّي. قلت: لَا شكّ فِي ذَلِك، وَلَا فرق (وَلَا مرية) لما ستعلمه. الطَّرِيق الثَّانِي: طَرِيق أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من رِوَايَة قَتَادَة، عَن عبد الله بن أبي رَبَاح عَنهُ (أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر ... ) فَذكر قصَّة، وَقَالَ: (فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّه يرفع الْقَلَم عَن ثَلَاث: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمَعْتُوه حَتَّى يَصح، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم) . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي الْحُدُود، عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، نَا هَاشم بن مرْثَد (الطَّبَرَانِيّ) نَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق، نَا عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم، حَدثنِي سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة (بِهِ) ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قلت: وَهَذِه طَريقَة عزيزة الْوُجُود جَيِّدَة لَو سلمت من عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم؛ فَإِنَّهُ ضَعِيف. قَالَ ابْن حبَان: وهَاشِم بن مرْثَد لَيْسَ بِشَيْء، وَابْنه صَدُوق. الطَّرِيق الثَّالِث: طَرِيق عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ مَرْوِيّ عَنهُ من وُجُوه، أَحدهَا: من حَدِيث أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح - بِضَم الصَّاد - عَنهُ مَرْفُوعا: (رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي الْحُدُود هَكَذَا، وَهُوَ مُنْقَطع، أَبُو الضُّحَى لم يدْرك عليًّا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: مُسلم بن صبيح عَن عَلّي مُرْسل. الْوَجْه الثَّانِي: من حَدِيث الْقَاسِم بن يزِيد عَنهُ: (رفع الْقَلَم عَن الصَّغِير، وَعَن الْمَجْنُون، وَعَن النَّائِم) . رَوَاهُ ابْن مَاجَه هَكَذَا فِي كتاب الطَّلَاق، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود تَعْلِيقا من غير ذكر إِسْنَاد إِلَى الْقَاسِم، فَقَالَ: (رَوَاهُ) ابْن جريج، عَن الْقَاسِم بن يزِيد، عَن عَلّي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَاد فِيهِ «والخَرِفِ» . وَهَذَا مُنْقَطع أَيْضا، الْقَاسِم بن يزِيد لم يدْرك عليًّا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: الْقَاسِم بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، عَن عَلّي مُرْسل، وَأغْرب الذَّهَبِيّ فَذكره فِي «ضُعَفَائِهِ» فَقَالَ: الْقَاسِم بن يزِيد، عَن عَلّي، وَمَا أدْركهُ فَهُوَ مُنْقَطع، هَذَا لَفظه. الْوَجْه الثَّالِث: من حَدِيث جرير، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن (أبي) ظبْيَان - وَهُوَ حُصَيْن بن جُنْدُب - الجنبَّي قَالَ: «أُتِي عمر بِامْرَأَة قد فجرت فَأمر برجمها، فَمر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأَخذهَا فخلى سَبِيلهَا، فَأخْبر عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: ادعوا لي عليًّا، فجَاء عَلّي فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لقد علمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (رفع) الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ، وَعَن النَّائِم حَتَّى (يَسْتَيْقِظ) وَعَن (الْمَعْتُوه) حَتَّى يبرأ، وَإِن هَذِه معتوهة بني فلَان لَعَلَّ الَّذِي أَتَاهَا (أَتَاهَا) وَهِي فِي بلائها. قَالَ: فَقَالَ عمر: لَا أَدْرِي! فَقَالَ عَلّي: وَأَنا لَا أَدْرِي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَعَطَاء «هَذَا» قد (أسلفنا) فِي بَاب الْأَحْدَاث أَنه من الثِّقَات الَّذين اختلطوا بِأخرَة؛ فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح، وَمن سمع مِنْهُ حَدِيثا فَلَا، (وَإِن) جَرِيرًا سمع حَدِيثا، كَمَا نَص عَلَيْهِ أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة جرير عَنهُ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: (وَرَوَاهُ) النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي (الْحصين) عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي، عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي قَوْله. قَالَ: وَهَذَا أولَى بِالصَّوَابِ من حَدِيث عَطاء، وَلم يذكر الْمُنْذِرِيّ (مُتَابعًا لجرير) عَن عَطاء، وَقد تَابعه أَبُو الْأَحْوَص وَحَمَّاد بن سَلمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 وَعبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد وَغَيرهم كَمَا ستعلمه من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ، وَأخرج الأول أَبُو دَاوُد، وَالثَّانِي أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالثَّالِث ابْن أبي عمر فِي «مُسْنده» كَمَا أَفَادَهُ صَاحب «الإِمَام» ثمَّ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ جمَاعَة رَوَوْهُ عَن عَطاء مَرْفُوعا، فَينْظر فِي حَال سَماع هَؤُلَاءِ من عَطاء، هَل كَانَ قبل الِاخْتِلَاط أَو بعده. قلت: أما حَمَّاد بن سَلمَة فقد قدمت فِي بَاب الْأَحْدَاث عَن يَحْيَى بن معِين أَنه سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط، ونقلت عَن الدَّارَقُطْنِيّ مَا يتَوَقَّف فِيهِ فَرَاجعه من ثمَّ، وَأما أَبُو الْأَحْوَص وَعبد الْعَزِيز فَلم يتحرر (لي) الْآن حَال (روايتهما) عَنهُ، ثمَّ قَالَ (لَكِن) بعد صِحَّته عَن عَطاء: فِيهِ أَمر آخر، وَهُوَ أَن فِي أَلْفَاظ الحَدِيث من رِوَايَة أبي ظبْيَان مَا يتَوَقَّف اتِّصَاله وَعدم انْقِطَاعه عَلَى لِقَائِه لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَإِنَّهُ حَكَى وَاقعَة مُعينَة بأحوالها، وَأمر عمر ولقاء عَلّي (لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) وَقَوله، وَقَول عمر لَهُ؛ فَإِن لم يكن مشاهدًا للواقعة مُحْتملا للسماع من عمر فَهُوَ مُنْقَطع، وَقد تقع (رِوَايَته) لهَذَا الحَدِيث عَن عَلّي من غير ذكر صُورَة الْوَاقِعَة فَيَسْبق إِلَى (ذهن) السَّامع اتصالها وَلَو لم يكن فِي هَذَا إِلَّا مَا سَيَأْتِي من رِوَايَة الْأَعْمَش لَهُ عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس لكفى. قلت: لَكِن قد ثَبت لقِيه لَهُ فَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» قيل: لَقِي أَبُو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 ظبْيَان عليًّا وَعمر؟ قَالَ: نعم. وَأما أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَا يتَبَيَّن لي سَمَاعه من عَلّي. الْوَجْه الرَّابِع: من حَدِيث جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (أُتي عمر بمجنونة قد زنت، فَاسْتَشَارَ فِيهَا أُنَاسًا، فَأمر بهَا عمر أَن ترْجم، فَمر بهَا عَلّي بن أبي طَالب فَقَالَ: مَا شَأْن هَذِه؟ ! قَالُوا: مَجْنُونَة بني فلَان زنت، فَأمر بهَا أَن ترْجم، قَالَ: فَقَالَ: ارْجعُوا بهَا، ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أما علمت أَن الْقَلَم (رفع) عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون حَتَّى يبرأ، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يعقل؟ قَالَ: (بلَى) قَالَ: فَمَا بَال هَذِه ترْجم؟ ! قَالَ: لَا شَيْء، قَالَ: فأرسلها! [قَالَ: فأرسلها] ! فَجعل عمر يكبر) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي الْحُدُود، هَكَذَا. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث وَكِيع، عَن الْأَعْمَش نَحوه، وَقَالَ أَيْضا: «حَتَّى يعقل» وَقَالَ: «وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق» . (و) رَوَاهُ من حَدِيث جرير، عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان - هُوَ الْأَعْمَش - عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مرّ (عَلّي) بن أبي طَالب ... » بِمَعْنى مَا قبله «وَقَالَ: أَو مَا تذكر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون المغلوب عَلَى عقله، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم؟ قَالَ: صدقت. قَالَ: فخلي عَنْهَا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم من حَدِيث جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، كَمَا مر أَولا. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة بِاللَّفْظِ (الآخر) ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك فِي الْبيُوع وَسكت عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ فِي الْحُدُود فِي أَوَاخِر «مُسْتَدْركه» من حَدِيث جَعْفَر بن عون، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أُتِي عمر بمبتلاة قد فَجَرَتَ، فَأمر برجمها، فَمر بهَا عَلّي بن أبي طَالب وَمَعَهَا الصّبيان يتبعونها، (فَقَالَ) : مَا هَذِه؟ قَالُوا: أَمر بهَا عمر أَن ترْجم، قَالَ: فَردهَا (وَذهب) مَعهَا إِلَى عمر وَقَالَ: [ألم تعلم] أَن الْقَلَم رفع عَن (ثَلَاث) : عَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل، وَعَن الْمُبْتَلَى حَتَّى يفِيق، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم؟ ... » هَكَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش بِزِيَادَة أَلْفَاظ، ثمَّ (ذكره) بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (أُتِي عمر بمجنونة حُبْلَى فَأَرَادَ أَن يرجمها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 فَقَالَ لَهُ عَلّي: أَو مَا علمت أَن الْقَلَم قد (رفع) عَن ثَلَاث: عَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، فخلى عَنْهَا» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة، نَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، أبنا ابْن وهب (أَخْبرنِي» جرير بن حَازِم، عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان، كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد أخيرًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : رُوَاته ثِقَات إِلَّا أَن جَرِيرًا (تفرد) بِرَفْعِهِ عَن سُلَيْمَان. وَرَوَاهُ الْجَمَاعَة عَن الْأَعْمَش مَوْقُوفا عَلَى عَلّي. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي مَرْفُوعا: (رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون، والنائم، وَالصَّبِيّ) فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو ظبْيَان، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَاخْتلف عَنهُ فَقَالَ: جرير بن حَازِم، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي فرفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن عَلّي وَعَن عمر، تفرد بذلك عبد الله بن وهب، عَن جرير بن حَازِم، وَخَالفهُ ابْن فُضَيْل ووكيع؛ فروياه عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي وَعمر مَوْقُوفا، (و) رَوَاهُ عمار بن زُرَيْق، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي وَعمر مَوْقُوفا، وَلم يذكر فِيهِ ابْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ (سعد) بن عُبَيْدَة (عَن أبي ظبْيَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 مَوْقُوفا وَلم يذكر ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَبُو حُصَيْن، عَن أبي ظبْيَان) عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي وَعَن عمر مَوْقُوفا، وَاخْتلف (فِيهِ) فَقيل: عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي مَوْقُوفا. (قَالَه) أَبُو بكر بن عَيَّاش وَشريك، عَن أبي حُصَيْن، وَرَوَاهُ عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي وَعمر (مَرْفُوعا) وَحدث (بِهِ) عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة وَأَبُو الْأَحْوَص وَجَرِير بن عبد الحميد وَعبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد [الْعمي] وَغَيرهم، وَقَول وَكِيع (و) ابْن فُضَيْل أشبه بِالصَّوَابِ، وَالله أعلم، قيل: لَقِي أَبُو ظبْيَان عليًّا وَعمر؟ قَالَ: نعم. الْوَجْه الْخَامِس: من حَدِيث همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي (حَتَّى) يشب، وَعَن الْمَعْتُوه حَتَّى يعقل) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ كَذَلِك فِي الْحُدُود من «جَامعه» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم مَرْفُوعا وموقوفًا عَلَى عَلّي، وَقَالَ: إِن الْوَقْف أولَى بِالصَّوَابِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ) فِي الْحُدُود أَيْضا عَن ابْن خُزَيْمَة، عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، (نَا عَفَّان) ، نَا همام ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 فساقه كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، وَقد رُوِيَ من غير وَجه عَن عَلّي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[و] ذكر بَعضهم «وَعَن الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم» قَالَ: وَلَا يعرف لِلْحسنِ سَمَاعا من عَلّي بن أبي طَالب. وَقد كَانَ فِي زَمَنه وأدركه، وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح مُرْسل. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» : سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ هَل لَقِي أحدا من الْبَدْرِيِّينَ؟ قَالَ: رَآهُمْ وَقد رَأَى عليًّا. قلت: سمع مِنْهُ حَدِيثا؟ قَالَ: لَا. (و) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث أسْندهُ عَلّي بن عَاصِم، عَن حميد الطَّوِيل، وأسنده (غَيره) عَن يُونُس بن عبيد، وَكِلَاهُمَا عَن الْحسن، عَن عَلّي مَرْفُوعا، وَوَقفه غَيرهمَا، وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ. قلت: لَا جرم، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُعَلّقا مَوْقُوفا فِي مَوْضُوعَيْنِ: أَحدهمَا: فِي الطَّلَاق، وَلَفظه: «وَقَالَ عَلّي بن أبي طَالب: ألم تعلم أَن الْقَلَم رفع عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يدْرك، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ» . ثَانِيهمَا: فِي بَاب لَا ترْجم الْمَجْنُونَة وَالْمَجْنُون، وَبَين فِيهِ الْمَقُول لَهُ وَهَذَا لَفظه: «وَقَالَ عَلّي لعمر: أما علمت أَن الْقَلَم رفع عَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يدْرك، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 الطَّرِيق الرَّابِع: (من) طَرِيق ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَالْمَعْتُوه حَتَّى يفِيق، وَالصَّبِيّ حَتَّى يعقل - أَو يَحْتَلِم) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن الْحسن بن جرير الصُّورِي، ثَنَا أَبُو (الْجمَاهِر) ، نَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبد الْعَزِيز بن عبيد الله، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ. (و) عبد الْعَزِيز هَذَا ضعفه ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَابْن الْمَدِينِيّ، وَمَا رَوَى عَنهُ غير إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش. الطَّرِيق الْخَامِس وَالسَّادِس: طَرِيق مَكْحُول، عَن أبي إِدْرِيس قَالَ: أَخْبرنِي غير وَاحِد من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مِنْهُم) شَدَّاد بن أَوْس وثوبان: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (رفع الْقَلَم فِي الْحَد: عَن الصَّغِير حَتَّى يكبر، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق، وَعَن الْمَعْتُوه الْهَالِك) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث برد بن سِنَان، عَن مَكْحُول بِهِ، وَبرد هَذَا دمشقي مَشْهُور أخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 الْأَرْبَعَة. وَضَعفه ابْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو حَاتِم فِي أحد قوليه. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: يرَى الْقدر. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة. وَإِذا فزغنا من الْكَلَام عَلَى إِيضَاح طرقه وتبينها وَللَّه الْحَمد عَلَى ذَلِك وَعَلَى جَمِيع مننه فلنختمه بفوائد: الأولَى: هُوَ بِلَفْظ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة» بِإِثْبَات الْهَاء، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ وَبَعض كتب الْفُقَهَاء بحذفها (وَكَذَا) فِي بعض الرِّوَايَات عَلَى مَا ألفيته فِي حَدِيث أبي قَتَادَة وَغَيره مِمَّا سلف. الثَّانِيَة: الرّفْع لَا يَسْتَدْعِي تَقْدِيم وضع؛ فَإِن الْقَلَم لم يوضع عَلَى الصَّبِي، كَمَا أَن التّرْك لَا يَسْتَدْعِي سبق فعل قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن يُوسُف الصّديق (إِنِّي تركت مِلَّة قوم لَا (يُؤمنُونَ) .) الْآيَة، وَمن الْمَعْلُوم أَنه لم يكن عَلَى تِلْكَ الْملَّة قطّ، وَقَالَ شُعَيْب لما قَالَ لَهُ قومه: (لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمنُوا مَعَك من قريتنا أَو لتعودُن فِي ملتنا قَالَ أَو لَو كُنَّا كارهين. .) الْآيَة، وَمن الْمَعْلُوم أَن شعيبًا لم يكن فِي تِلْكَ الْملَّة. الثَّالِثَة: هَذَا الرّفْع الظَّاهِر أَنه مجَاز عَن عدم التَّكْلِيف لَا حَقِيقَة قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: يُرِيد (أَنه) لَا يكْتب عَلَيْهِم الشَّرّ بل الْخَيْر لحَدِيث: (أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم وَلَك أجر) . الرَّابِعَة: «الخَرِف» فِي رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة المُرَاد بِهِ: الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عقله من الْكبر وَورد فِيهِ حَدِيث مَوْضُوع يَقْتَضِي ارْتِفَاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 التَّكْلِيف عَنهُ، وَهُوَ بَاطِل لَا أصل لَهُ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع سِنِين، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَقد أسلفنا مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة وَأَن الْأَكْثَر عَلَى الِاحْتِجَاج بهَا، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: (مروا الصّبيان بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عشر سِنِين، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع) . وَله طَرِيق آخر من حَدِيث عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين، وَإِذا بلغ عشر سِنِين فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ (قَالَ التِّرْمِذِيّ: صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ) فِي «خلافياته» : احْتج مُسلم بِعَبْد الْملك هَذَا وَأَبِيهِ وجده، رَوَى (لَهُم) فِي الصَّحِيح. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم بِلَفْظ آخر وَهُوَ: (إِذا بلغ أَوْلَادكُم مبلغ سبع سِنِين ففرقوا بَين فرشهن، وَإِذا بلغُوا عشر سِنِين فاضربوهم عَلَى الصَّلَاة) . قَالَ الْحَاكِم أَيْضا: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، فقد احْتج بِعَبْد الْملك عَن آبَائِهِ، ثمَّ اسْتشْهد لَهُ بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب السالف، ذكر هَذَا فِي بَاب فضل الصَّلَوَات الْخمس والموضع الأول (فِي أَوَاخِر) بَاب الْإِمَامَة، وعزى هَذَا الحَدِيث الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» إِلَى «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» ، ثمَّ نقل عَن ابْن أبي خَيْثَمَة أَنه قَالَ: سُئِلَ يَحْيَى بن معِين عَن أَحَادِيث عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة، عَن أَبِيه، عَن جده؟ فَقَالَ: ضِعَاف. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا الحَدِيث أصح مَا فِي الْبَاب، وَقَالَ ابْن عبد الْحق فِيمَا رده عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 الْمُحَلَّى: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، ثمَّ ذكر مقَالَة يَحْيَى هَذِه فِي عبد الْملك. (وَلِهَذَا) الحَدِيث طَرِيق ثَالِث رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» من حَدِيث مُحَمَّد بن الْحسن بن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا بلغ أَوْلَادكُم سبع سِنِين فعلموهم الصَّلَاة، (وَإِذا) بلغُوا عشرا فاضربوهم عَلَيْهَا، وَفرقُوا بَينهمَا فِي الْمضَاجِع) ، ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا مُضْطَرب الْحِفْظ، قَالَ: وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحوه، وَهَذَا أولَى، قَالَ: وَالرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين. قلت: وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق رَابِع رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة عبد الله (أبي مَالك) الْخَثْعَمِي من حَدِيث عَلّي بن غراب، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، ثَنَا أَبُو يَحْيَى، عَن عَمْرو بن عبد الله، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: (مروا صِبْيَانكُمْ بِالصَّلَاةِ إِذا بلغُوا سَبْعَة ... ) الحَدِيث، وَعلي هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأما أَبُو دَاوُد فَقَالَ: كَذَّاب. فَائِدَة: فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: (مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لثلاث عشرَة) ، وَفِي إِسْنَاده دَاوُد بن المحبر - بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مُشَدّدَة - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 صَاحب كتاب «الْعقل» وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، قَالَ أَحْمد: شبه لَا شَيْء. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ذهب حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث شبه لَا شَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث امْرَأَة معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ، عَن رجل، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا عرف يَمِينه (من) شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ) . قَالَ ابْن الْقطَّان: (وَهَذِه الْمَرْأَة) لَا نَعْرِف حَالهَا، وَلَا هَذَا الرجل الَّذِي رَوَت عَنهُ وَلَا صحت لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ صَاحب الإِمَام: الرجل الْمَجْهُول إِن كَانَ صحابيًا فَلَا تضر جهالته عِنْد أهل الحَدِيث وَالْأُصُول. قلت: فِي طَرِيق ابْن داسة عَن أبي دَاوُد، عَن معَاذ: «دَخَلنَا عَلَيْهِ فَقَالَ: لامْرَأَته ... » وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أَبَا زرْعَة (و) ذكر حَدِيث الزُّهْرِيّ [عَن أنس] عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا عرف الْغُلَام يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ) فَقَالَ: الصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ قَوْله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 قلت: وَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث عبد الله بن (نَافِع) ، عَن هِشَام بن سعد، عَن معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِذا عرف الْغُلَام يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ) . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لَا يرْوَى [هَذَا الحَدِيث] عَن عبد الله بن حبيب - وَله صُحْبَة - إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، تفرد بِهِ عبد الله بن نَافِع. قلت: هُوَ ثِقَة وَإِن لينه بَعضهم، أخرج لَهُ (م 4 وَالله الْمُوفق للصَّوَاب) . الحَدِيث الثَّالِث (بعد الثَّلَاثِينَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا نسي أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا) . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْبَاب (فِي الحَدِيث) الثَّامِن عشر مِنْهُ، وَفِي بَاب التَّيَمُّم فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر (مِنْهُ) أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح اتفقَا عَلَيْهِ من طرق. أَحدهَا: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد (صَلَاة) الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس) . وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ (حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس) . ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَعَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس» ، وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «حَتَّى ترْتَفع» ، وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ؛ فَادَّعَى أَن هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم (فاجتنبه) . ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: شهد عِنْدِي رجال مرضيون وأرضاهم عِنْدِي عمر: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تشرق الشَّمْس، وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وَرَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: (بعد صَلَاة الْعَصْر) ، وتشرق - بِفَتْح أَوله -: تطلع، (- وَبِضَمِّهَا) : تضيء مُرْتَفعَة، وَالْأول أشهر وَهَذَا أصح. رَابِعهَا: من حَدِيث ابْن عمر (بِمَعْنَاهُ) وَسَيَأْتِي بِلَفْظِهِ، وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث عقبَة بن عَامر بِزِيَادَة: «وَقت الاسْتوَاء» وَمن حَدِيث عَمْرو بن عبسة ايضًا وَمن حَدِيث عَائِشَة بِدُونِ «وَقت الاسْتوَاء» ، (وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ: عَن مُعَاوِيَة) . الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن (الشَّيْطَان) ، فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا، ثمَّ إِذا اسْتَوَت قارنها، فَإِذا زَالَت (فَارقهَا) ، فَإِذا دنت للغروب قارنها، فَإِذا غربت فَارقهَا، وَنَهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الصَّلَاة فِي تِلْكَ السَّاعَات) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 عَنهُ، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن عبد الله الصنَابحِي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِاللَّفْظِ الَّذِي سقناه. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن مَالك بِهِ سَوَاء، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «الْمسند» ، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن زيد بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: (تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان) ، وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» : كَذَا رَوَاهُ مَالك بن أنس، عَن عبد الله الصنَابحِي، (وَرَوَاهُ معمر بن رَاشد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء، عَن أبي عبد الله الصنَابحِي) . وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالصَّحِيح (رِوَايَة) معمر. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: (وَافق مَالِكًا) من الثِّقَات مُحَمَّد بن مطرف، وَزُهَيْر بن مُحَمَّد، وَحَفْص بن ميسرَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَاهُ يَحْيَى، عَن مَالك هَكَذَا، وَتَابعه فِي قَوْله: عَن عبد الله الصنَابحِي جُمْهُور الروَاة، مِنْهُم القعْنبِي وَغَيره، وَقَالَ: فِيهِ مطرف، عَن مَالك بِسَنَدِهِ عَن أبي عبد الله الصنَابحِي، وَتَابعه إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع وَجَمَاعَة، وَهُوَ الصَّوَاب، واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عسيلة من كبار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 التَّابِعين، وَلَا صُحْبَة لَهُ، قصد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتوفي وَهُوَ فِي الطَّرِيق قبل لِقَائِه (إِيَّاه) بأيام يسيرَة. وَنقل الرَّافِعِيّ فِي «شرح (الْمسند) » عَن البُخَارِيّ وَغَيره أَنَّهَا خَمْسَة أَيَّام. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: نَص حَفْص بن ميسرَة عَلَى سَمَاعه من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَترْجم ابْن السكن باسمه فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ: يُقَال لَهُ صُحْبَة، (مَعْدُود) فِي الْمَدَنِيين، قَالَ: وَأَبُو عبد الله (الصنَابحِي) أَيْضا مَشْهُور (لَيست) لَهُ صُحْبَة. قَالَ: وَيُقَال أَن عبد الله الصنَابحِي غير مَعْرُوف فِي الصَّحَابَة، وَسَأَلَ عَبَّاس الدوري يَحْيَى بن معِين (عَن) هَذَا فَقَالَ: عبد الله الصنَابحِي رَوَى عَنهُ المدنيون (يشبه) أَن يكون لَهُ صُحْبَة. قَالَ ابْن الْقطَّان: والمتحصل من هَذَا أَنَّهُمَا رجلَانِ، أَحدهمَا: أَبُو عبد الله عبد الرَّحْمَن بن عسيلة الصنَابحِي لَيست لَهُ صُحْبَة، والأخر: عبد الله الصنَابحِي وَالظَّاهِر مِنْهُ أَن لَهُ صُحْبَة، قَالَ: وَلَا أثبت ذَلِك، وَلَا أَيْضا أجعله أَبَا عبد الله عبد الرَّحْمَن بن عسيلة، فَإِن توهيم أَرْبَعَة من الثِّقَات فِي ذَلِك لَا يَصح، قَالَ: وَكِلَاهُمَا (يروي) عَن أبي بكر وَعبادَة. وَاعْلَم أَنه يُغني عَن هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة، حَدِيث عَمْرو بن عبسة الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» فَإِنَّهُ صَحِيح مُتَّصِل من غير شكّ وَلَا مرية، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل وَفِيه: «قلت: يَا نَبِي الله أَخْبرنِي عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 الصَّلَاة؟ قَالَ: صلي صَلَاة الصُّبْح، ثمَّ أقصر عَن الصَّلَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع؛ فَإِنَّهَا تطلع حِين تطلع بَين قَرْني شَيْطَان؛ (فَحِينَئِذٍ) يسْجد لَهَا الْكفَّار، ثمَّ صلَّ فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة محضورة حَتَّى يسْتَقلّ الظل بِالرُّمْحِ، ثمَّ أقصر عَن الصَّلَاة (فَإِنَّهُ) حِينَئِذٍ تسجر جَهَنَّم، فَإِذا أقبل الْفَيْء فصلِّ، فَإِن الصَّلَاة حِينَئِذٍ مَشْهُودَة محضورة حَتَّى تصلي الْعَصْر، ثمَّ أقصر عَن الصَّلَاة حَتَّى تغرب الشَّمْس؛ فَإِنَّهَا تغرب بَين قَرْني شَيْطَان، وَحِينَئِذٍ يسْجد لَهَا الْكفَّار» . ويغني عَنهُ أَيْضا حَدِيث أبي هُرَيْرَة (قَالَ) : «سَأَلَ صَفْوَان بن الْمُعَطل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَقَالَ) يَا نَبِي الله إِنِّي سَائِلك عَن أَمر أَنْت بِهِ عَالم وَأَنا بِهِ جَاهِل. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: هَل من سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار سَاعَة يكره فِيهَا الصَّلَاة؟ قَالَ: نعم، إِذا صليت الصُّبْح فدع الصَّلَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس لقرن الشَّيْطَان، ثمَّ (صلِّ) وَالصَّلَاة (مَشْهُودَة) متقبلة حَتَّى تستوي الشَّمْس عَلَى رَأسك كالرمح، فَإِذا كَانَت عَلَى رَأسك كالرمح (فدع الصَّلَاة) فَإِنَّهَا (السَّاعَة) الَّتِي تسجر فِيهَا جَهَنَّم حَتَّى (تزِيغ) ، فَإِذا زاغت؛ فَالصَّلَاة (محضورة متقبلة) حَتَّى تصلي الْعَصْر، ثمَّ دع الصَّلَاة حَتَّى تغرب الشَّمْس» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَأحمد فِي «مُسْنده» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة صَفْوَان رَاوِيه وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: (إِن الشَّمْس إِذا طلعت قارنها الشَّيْطَان، (وَإِذا) انبسطت فَارقهَا، وَإِذا دنت للزوال قارنها، وَإِذا زَالَت فَارقهَا، وَإِذا دنت (للغروب) قارنها فَإِذا (غَابَتْ) فَارقهَا فَنَهَى عَن الصَّلَاة فِي تِلْكَ السَّاعَات) . وَمثل هَذَا الحَدِيث أَيْضا حَدِيث مرّة بن كَعْب بن مرّة (الْبَهْزِي) قَالَ: (قلت: يَا رَسُول الله أَي اللَّيْل أسمع؟ قَالَ: جَوف اللَّيْل الآخر، ثمَّ الصَّلَاة مَقْبُولَة حَتَّى يطلع الْفجْر، ثمَّ لَا صَلَاة حَتَّى تكون الشَّمْس قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ، ثمَّ الصَّلَاة مَقْبُولَة حَتَّى يقوم الظل مقَام الرمْح، ثمَّ لَا صَلَاة حَتَّى تَزُول الشَّمْس، (ثمَّ الصَّلَاة مَقْبُولَة حَتَّى تكون الشَّمْس قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ ثمَّ لَا صَلَاة حَتَّى تغرب الشَّمْس)) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن رجل من أهل الشَّام، عَن مرّة بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 قَالَ ابْن عبد الْبر: لمرة هَذَا أَحَادِيث عَن أهل الْكُوفَة مخرجة عَن شُرَحْبِيل بن السمط، وَهِي بِعَينهَا عِنْد أهل الشَّام مخرجة عَن شُرَحْبِيل، عَن (أبي أُمَامَة) . الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا، فَإِن ذَلِك وَقتهَا، لَا وَقت لَهَا غَيره) . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام (عَلَيْهِ) فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر من بَاب التَّيَمُّم. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «يَا عَلّي لَا تُؤخر أَرْبعا، وَذكر (مِنْهَا) الْجِنَازَة إِذا حضرت) . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه عَلَى هَذَا الْوَجْه بعد الْبَحْث التَّام عَنهُ، وَالْمَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث: (لَا تُؤخر ثَلَاثًا: الصَّلَاة إِذا أَتَت، والجنازة إِذا حضرت، والأيم إِذا وجدت لَهَا كُفؤًا) . وَقد (ذكره كَذَلِك) الرَّافِعِيّ فِي كتاب النِّكَاح فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة (والجنائز) من «جَامعه» من حَدِيث عبد الله بن وهب، عَن سعيد بن عبد الله الْجُهَنِيّ، عَن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن عَلّي مَرْفُوعا (بِهِ) ، وَسكت عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة، وَقَالَ فِي الْجَنَائِز: أَنه غَرِيب، وَمَا أرَى إِسْنَاده (بِمُتَّصِل) وَبَين الْحَافِظ عبد الْحق ذَلِك، فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» : رَاوِيه عمر بن عَلّي بن أبي طَالب عَن أَبِيه، وَيُقَال: أَن عمر بن عَلّي لم يسمع من أَبِيه لصغره، إِلَّا أَن أَبَا حَاتِم قَالَ: عمر بن عَلّي بن أبي طَالب سمع أَبَاهُ، وَسمع مِنْهُ مُحَمَّد. قلت: فاتصل إِسْنَاده عَلَى هَذَا لَكِن (أُعلَّ) بعلة أُخْرَى، وَهِي جَهَالَة سعيد بن عبد الله الْجُهَنِيّ كَمَا نَص عَلَيْهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، أعله بذلك عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» ، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَاقْتصر ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَلَى ذكر الْجِنَازَة فَقَط وَهَذَا لَفظه: (لَا تؤخروا الْجِنَازَة إِذا حضرت) . وَرَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي «مُسْند» أَبِيه، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن وهب أَيْضا لَكِن عَن سعيد بن عبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 الرَّحْمَن الجُمَحِي أَن مُحَمَّد بن عمر بن أبي طَالب حَدثهُ عَن أَبِيه، عَن جده عَلّي بن أبي طَالب أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث يَا عَلّي لَا تؤخرهن: الصَّلَاة إِذا أَتَت، والجنازة إِذا حضرت، والأيم إِذا وجدت كُفؤًا) . وَسَعِيد هَذَا قَاضِي بَغْدَاد، أخرج لَهُ م (د) س ق، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ غرائب حسان، وَأَرْجُو أَنَّهَا مُسْتَقِيمَة، وَإِنَّمَا يهم فيرفع مَوْقُوفا، ويوصل مُرْسلا لَا عَن تعمد. وَقَالَ السَّاجِي: يروي [عَن هِشَام وَسُهيْل] أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ أَيْضا: صَالح. وَلينه الْفَسَوِي. وَأما ابْن حبَان (فينصفه) بِأَن قَالَ: يروي عَن الثِّقَات أَشْيَاء مَوْضُوعَة يتخايل إِلَى من يسْمعهَا أَنه كالمتعمد لَهَا. ثمَّ سَاق لَهُ أَحَادِيث من جُمْلَتهَا هَذَا الحَدِيث، وَتَبعهُ ابْن طَاهِر فَقَالَ فِي «تَذكرته» بعد أَن أورد (لَهُ) هَذَا الحَدِيث: يروي الموضوعات. وَأما الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب، وَكَأَنَّهُ الصَّوَاب. وَقد أنكر الضياء الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 عَلَى ابْن حبَان مقَالَته فِي سعيد فَقَالَ: سعيد (هَذَا) يروي عَنهُ مُسلم. وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين قَالَ: وَلَا يلْتَفت إِلَى كَلَام ابْن حبَان مَعَ تَعْدِيل من هُوَ أعلم مِنْهُ وَأثبت، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي كتاب النِّكَاح فِي بَاب اعْتِبَار الْكَفَاءَة: وَفِي اعْتِبَار الْكَفَاءَة أَحَادِيث لَا تقوم بأكثرها الْحجَّة، مِنْهَا وَهُوَ أمثلها حَدِيث: (يَا عَلّي ثَلَاثَة لَا تؤخرها) ، وَحَدِيث: (تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ) . الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا (يجلس) حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَفِي لفظ: (فليركع (رَكْعَتَيْنِ) قبل أَن يجلس) . قَالَ الْعقيلِيّ: وَهَذَا الحَدِيث ثَابت من حَدِيث أبي قَتَادَة، قَالَ: وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِزِيَادَة: ( [وَإِذا دخل أحدكُم بَيته فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ] فَإِن الله جَاعل (بركعتيه) فِي (بَيته) خيرا) قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وَرَوَاهُ ابْن عدي من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِهَذِهِ الزِّيَادَة، وَأعله بِأَن قَالَ: رَاوِيه عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة وَإِبْرَاهِيم بن [يزِيد] بن قديد [هَذَا] وَلَا (يحضرني) لَهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ بِهَذَا الْإِسْنَاد مُنكر. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَرَاوِيه عَن إِبْرَاهِيم، سعد بن عبد الحميد بن جَعْفَر، مَجْهُول الْحَال. قلت: لَا بل (معلومها) قَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: (ثِقَة) صَدُوق. وَتكلم فِيهِ الثَّوْريّ وَأحمد وَغَيرهمَا. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ (مِمَّن) فحش خَطؤُهُ، فَلَا يحْتَج بِهِ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا يتَحَرَّى أحدكُم بِصَلَاتِهِ طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا يتَحَرَّى أحدكُم فَيصَلي عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَلَا عِنْد غُرُوبهَا) وَفِي لفظ: (لَا تحروا بصلاتكم طُلُوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا؛ فَإِنَّهَا تطلع بقرني الشَّيْطَان) وَفِي لفظ البُخَارِيّ: (بَين قَرْني شَيْطَان - أَو الشَّيْطَان) وَله: (سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى عَن الصَّلَاة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند غُرُوبهَا) وَلمُسلم من حَدِيث عَائِشَة: (لَا تحروا (بصلاتكم طُلُوع) الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا؛ فتصلوا عِنْد ذَلِك) . الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِبلَال: حَدثنِي بأرجى عمل عملته فِي الْإِسْلَام؛ فَإِنِّي سَمِعت دف نعليك بَين يَدي فِي الْجنَّة؟ ! فَقَالَ: مَا عملت عملا أَرْجَى عِنْدِي من أَنِّي لم أتطهر (طهُورا) فِي سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا صليت بذلك الطّهُور مَا كتب لي أَن أُصَلِّي) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم: (خشف نعليك) . وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أصبح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ: (يَا) بِلَال (بِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 سبقتني) إِلَى الْجنَّة، إِنِّي دخلت البارحة الْجنَّة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي؟ ! فَقَالَ (بِلَال) : يَا رَسُول الله، مَا أَذِنت قطّ إِلَّا صليت رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أصابني حدث قطّ إِلَّا تَوَضَّأت عِنْده. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بِهَذَا!) . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا (حَدِيث) صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» مطولا، وَهَذَا لَفظه عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: (قَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا دخلت الْجنَّة إِلَّا وَسمعت خشخشة، فَقلت: من هَذَا؟ ! فَقَالُوا: بِلَال. ثمَّ مَرَرْت بقصر مشيد بديع فَقلت: لمن هَذَا الْقصر؟ ! قَالُوا: لرجل من أمة مُحَمَّد. فَقلت: أَنا مُحَمَّد لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لرجل من الْعَرَب. فَقلت: أَنا عَرَبِيّ لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لعمر بن الْخطاب. فَقَالَ لِبلَال: بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة؟ فَقَالَ: مَا أحدثت إِلَّا تَوَضَّأت، وَمَا تَوَضَّأت إِلَّا صليت. وَقَالَ لعمر: لَوْلَا غيرتك لدخلت الْقصر. فَقَالَ: يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم) أكن أغار عَلَيْك» وَفِي رِوَايَة: (مَا أحدثت إِلَّا تَوَضَّأت، وَلَا تَوَضَّأت إِلَّا رَأَيْت أَن لله عَلّي رَكْعَتَيْنِ أصليهما. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (بهما)) . فَائِدَة: دف نعليك - بِالْفَاءِ - صوتهما وحركتهما عَلَى الأَرْض. قَالَ القَاضِي فِي «مشارقه» : دف نعليك - بِالْفَتْح - أَي: صَوت (مشيتك) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 فيهمَا قَالَ: (وَفِي) رِوَايَة ابْن السكن: «دوِي نعليك» وَهُوَ قريب من مَعْنَاهُ، وَفِي «أَحْكَام الْمُحب الطَّبَرِيّ» فِي بَاب ذكر الصَّلَاة بعد الْوضُوء قبل الْكَلَام عَلَى تَحِيَّة الْمَسْجِد: الذف - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَيروَى بِالْمُهْمَلَةِ - وَمَعْنَاهُ: حَرَكَة (نعليك وسيرهما) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل بَيت أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بعد صَلَاة الْعَصْر (وَصَلى) رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلته عَنْهُمَا فَقَالَ: أَتَانِي نَاس من عبد الْقَيْس فشغلوني عَن الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بعد الظّهْر؛ فهما هَاتَانِ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» هُنَا تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، وَهَذَا لَفظه: وَقَالَ كريب عَن أم سَلمَة: (صَلَّى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: شغلني نَاس من عبد الْقَيْس عَن الرَّكْعَتَيْنِ) . وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُسْندًا مُتَّصِلا عَن حَرْمَلَة بن يَحْيَى، ثَنَا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، عَن بكير، عَن كريب مولَى ابْن عَبَّاس «أَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر والمسور بن مخرمَة (أَرْسلُوهُ) إِلَى عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: اقْرَأ عَلَيْهَا السَّلَام منا جَمِيعًا وسلها عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر [وَقل: إِنَّا أخبرنَا أَنَّك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 تصلينهما] وَقد بلغنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى (عَنْهُمَا) . قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكنت أصرف مَعَ عمر بن الْخطاب النَّاس عَنْهَا. قَالَ كريب: فَدخلت عَلَيْهَا وبلغتها مَا أرسلوني بِهِ، فَقَالَت: سل أم سَلمَة فَخرجت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ بقولِهَا، فردوني إِلَى أم سَلمَة، بِمثل مَا أرسلوني بِهِ إِلَى عَائِشَة. فَقَالَت أم سَلمَة: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى عَنْهَا، ثمَّ رَأَيْته يُصليهَا، أما حِين (صلاهما) فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْر، ثمَّ دخل وَعِنْدِي نسْوَة من بني حرَام من الْأَنْصَار فصلاهما، فَأرْسلت إِلَيْهِ الْجَارِيَة فَقلت: قومِي (بجنبه) فَقولِي لَهُ: تَقول أم سَلمَة: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسمعك تنْهَى عَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ وأراك تصليهما، فَإِن أَشَارَ بِيَدِهِ فاستأخري عَنهُ. قَالَت: فَفعلت الْجَارِيَة فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فاستأخرت عَنهُ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: يَا بنت أبي أُميَّة، سَأَلْتِ عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر؛ إِنَّه أَتَانِي نَاس من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ، فشغلوني عَن الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بعد الظّهْر؛ فهما هَاتَانِ» . وَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ مُسْندًا فِي السَّهْو، وَفِي عبد الْقَيْس، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 عَن يَحْيَى بن سُلَيْمَان، عَن ابْن وهب، عَن عَمْرو بِهِ وَقَالَ: «كنت أضْرب» بِالْبَاء. وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة للطبراني من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة بن نشيط، عَن [ثَابت] مولَى أم سَلمَة (عَنْهَا) : (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام انْصَرف إِلَى بَيتهَا فَصَلى [فِيهِ] رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، فَأرْسلت عَائِشَة إِلَى أم سَلمَة: [مَا هَذِه الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بَيْتك] فَقَالَت: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي بعد الظّهْر رَكْعَتَيْنِ، فَقدم عَلَيْهِ وَفد بني المصطلق فِي شَأْن مَا صنع بهم عاملهم الْوَلِيد بن عقبَة، فَلم يزَالُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذّن يَدعُوهُ إِلَى صَلَاة الْعَصْر فَصَلى الْمَكْتُوبَة، ثمَّ صَلَّى [عِنْدِي] فِي بَيْتِي تِلْكَ الرَّكْعَتَيْنِ مَا صلاهما قبل وَلَا بعد» . ومُوسَى هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ أَحْمد: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا تَركهمَا قطّ عِنْدهَا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَنْهَا: «وَالَّذِي ذهب بِهِ مَا تَركهمَا حَتَّى لَقِي الله، وَمَا لَقِي الله حَتَّى ثقل [عَن] الصَّلَاة، وَكَانَ يُصَلِّي كثيرا من صلَاته قَاعِدا - يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر -، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام (يُصَلِّيهمَا و) لَا يُصَلِّيهمَا فِي الْمَسْجِد مَخَافَة أَن يثقل عَلَى أمته، وَكَانَ يحب مَا يُخَفف عَلَيْهِم» . فَائِدَة: وَقد أسلفنا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام شغله عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر نَاس من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ وَأَن الطَّبَرَانِيّ رَوَى أَنه شغله عَنْهُمَا وَفد بني المصطلق فِي شَأْن عاملهم، وَفِي «مُسْند أَحْمد» أَنه شغله عَنْهُمَا الإ فتاء. قَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» : ثَنَا حسن بن مُوسَى، ثَنَا ابْن لَهِيعَة، ثَنَا عبد الله بن هُبَيْرَة قَالَ: سَمِعت قبيصَة بن ذُؤَيْب يَقُول: (أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخْبرت آل الزبير أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى عِنْدهَا رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَكَانُوا يصلونها، قَالَ قبيصَة: فَقَالَ زيد: يغْفر الله لعَائِشَة، نَحن أعلم برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عَائِشَة، إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَن نَاسا من الْأَعْرَاب أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بهجير، فقعدوا يسألونه ويفتيهم حَتَّى صَلَّى [الظّهْر وَلم يصل رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قعد يفتيهم حَتَّى صَلَّى] الْعَصْر، فَانْصَرف إِلَى بَيته فَذكر أَنه لم (يصل) بعد الظّهْر شَيْئا فصلاهما بعد الْعَصْر، يغْفر الله لعَائِشَة نَحن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 أعلم برَسُول الله مِنْهَا، نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر» . وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أم سَلمَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم عَلَيْهِ وَفد بني تَمِيم، أَو صَدَقَة (شغلوه عَنْهُمَا ... » وَفِي «مُسْند أَحْمد» «قدم عليَّ مَال فشغلني عَنْهُمَا قلت: يَا رَسُول الله أفنقضيهما إِذا فاتتنا؟ قَالَ: لَا» وَأَرَادَ) شغله عَنْهُمَا بقسمته. كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه. وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: « (إِنَّمَا) صَلَّى عَلَيْهِ السَّلَام الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر؛ لِأَنَّهُ أَتَاهُ مَال (شغله) عَن (الرَّكْعَتَيْنِ) بعد الظّهْر فصلاهما بعد الْعَصْر، ثمَّ لم يعد لَهما» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَصَححهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أُتِي بِمَال بعد الظّهْر، فَقَسمهُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْر، ثمَّ دخل منزل عَائِشَة فَصَلى (الرَّكْعَتَيْنِ) بعد الْعَصْر، وَقَالَ: شغلني هَذَا المَال عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر؛ فَلم أَصلهمَا حَتَّى [كَانَ] الْآن» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 قلت: فَلَعَلَّ (مَجْمُوع هَذِه) الْأَشْيَاء كَانَ (عِلّة) فِي التّرْك (وَتَكون الْقِصَّة وَاحِدَة) . وَلَكِن فِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث مَيْمُونَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُجهز بعثًا وَلم يكن عِنْده ظهر، فَجَاءَهُ ظهر من الصَّدَقَة، فَجعل يقسمهُ بَينهم (فحبسوه) حَتَّى أرهق الْعَصْر، وَكَانَ يُصَلِّي قبل الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ أَو مَا شَاءَ الله، (وَصَلى) الْعَصْر ثمَّ رَجَعَ فَصَلى مَا كَانَ يُصَلِّي قبلهَا، وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاة أَو فعل شَيْئا أحب أَن يداوم عَلَيْهِ» وَظَاهر هَذَا تعددها. وَفِي أَفْرَاد مُسلم مثله من حَدِيث (أبي) سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن «أَنه سَأَلَ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عَن السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُول الله يُصَلِّيهمَا بعد الْعَصْر؟ فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّيهمَا قبل الْعَصْر، ثمَّ أَنه شغل عَنْهُمَا أَو نسيهما، فصلاهما بعد الْعَصْر، ثمَّ أثبتهما، وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاة أثبتها» . [قَالَ يَحْيَى بن أَيُّوب] : (قَالَ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر أحد رُوَاته) : «تَعْنِي داوم عَلَيْهَا» . وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهَا بعد الْعَصْر فَصَلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 رَكْعَتَيْنِ فَقلت: يَا رَسُول الله، أحدث بِالنَّاسِ شَيْء؟ ! قَالَ: لَا (إِلَّا) أَن بِلَالًا عجل بِالْإِقَامَةِ فَلم (أصل) الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر، فَأَنا أقضيهما الْآن. قلت: يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنقضيهما) إِذا (فاتتنا) ؟ قَالَ: لَا» . وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس السَّابِق قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَائِشَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة وَأبي مُوسَى قَالَ: وَقد رَوَى غير وَاحِد عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه صَلَّى بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ» وَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ «أَنه نهَى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس» وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أصح حَيْثُ قَالَ: لم يعد لَهما» ، وَقد رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت نَحْو حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة فِي هَذَا الْبَاب رِوَايَات رُوِيَ عَنْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا دخل عَلَيْهَا بعد الْعَصْر إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَرَوَى عَنْهَا عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا «أَنه نهَى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، [وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس] » . والذى أجمع عَلَيْهِ أَكثر أهل الْعلم عَلَى (كَرَاهِيَة) الصَّلَاة حِينَئِذٍ إِلَّا مَا اسْتثْنى من ذَلِك (مثل) الصَّلَاة بِمَكَّة (بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس) بعد الطّواف، فقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رخصَة فِي ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 فَائِدَة (ثَانِيَة) : من غرائب الْأَحَادِيث رِوَايَة أَرْبَعَة من الصَّحَابَة بَعضهم عَن بعض صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَهُوَ رِوَايَة عبد الله بن الزبير «أَنه كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَقَالَ: أَخْبرنِي بهما أَبُو هُرَيْرَة عَن عَائِشَة، وَقَالَت عَائِشَة: أَخْبَرتنِي أم سَلمَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّيهمَا» . قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ الْأَصْبَهَانِيّ فِي جُزْء لَهُ فِي رباعي الصَّحَابَة (وخماستهم) : هَذَا (الحَدِيث) لَهُ عِلّة طَوِيلَة أعيى الْحفاظ الْوُقُوف عَلَى حَقِيقَتهَا من كَثْرَة اخْتِلَاف رُوَاته لَا أعلم ذكر فِي إِسْنَاده رِوَايَة ابْن الزبير، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن عَائِشَة عَن أم سَلمَة، إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى قيس بن قهد يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الصُّبْح فَقَالَ: مَا هَاتَانِ الركعتان؟ ! قَالَ: إِنِّي لم أكن صليت رَكْعَتي الْفجْر، فَسكت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يُنكر عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة الشَّافِعِي، وَأحمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 أما الشَّافِعِي فَرَوَاهُ فِي «الْأُم» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي قيس، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن جده قيس قَالَ: «رَآنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الصُّبْح فَقَالَ: مَا هَاتَانِ الركعتان يَا قيس؟ ! (فَقلت) : إِنِّي لم أكن صليت رَكْعَتي الْفجْر فَسكت عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من جِهَة الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن سعد بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن قيس. وَأما أَبُو دَاوُد فَرَوَاهُ من حَدِيث عبد الله بن نمير، عَن سعد بن سعيد وَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن قيس بن عَمْرو قَالَ: «رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا يُصَلِّي بعد صَلَاة الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: صَلَاة الصُّبْح رَكْعَتَانِ. فَقَالَ الرجل: إِنِّي لم أكن صليت الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهمَا فصليتهما الْآن. فَسكت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَكَذَا أخرجه (أَحْمد) فِي «الْمسند» (إِلَّا) أَنه قَالَ: «أصلاة (الصُّبْح) مرَّتَيْنِ ... » الحَدِيث. قَالَ أَبُو دَاوُد: نَا حَامِد بن يَحْيَى قَالَ: قَالَ سُفْيَان: كَانَ عَطاء بن (أبي) رَبَاح يحدث بِهَذَا الحَدِيث عَن سعد بن سعيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 قَالَ أَبُو دَاوُد: (و) رَوَى عبد ربه وَيَحْيَى (ابْنا) سعيد هَذَا الحَدِيث مُرْسلا «أَن [جدهم] صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... ) بِهَذِهِ الْقِصَّة مُرْسلا. وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن سعد بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن جده قيس قَالَ: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأقيمت الصَّلَاة، فَصليت مَعَه الصُّبْح، ثمَّ انْصَرف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فوجدني أُصَلِّي قَالَ: مهلا يَا قيس، أصلاتان مَعًا؟ ! قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي لم أكن ركعت رَكْعَتي الْفجْر. قَالَ: فَلَا إِذا» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لَا يعرف إِلَّا من حَدِيث سعد بن سعيد. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: سمع عَطاء بن أبي رَبَاح من سعد بن سعيد هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا يرْوَى هَذَا الحَدِيث مُرْسلا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَسعد بن سعيد هُوَ (أَخُو) يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَقيس هُوَ جد يَحْيَى بن سعيد، وَيُقَال: هُوَ قيس بن عَمْرو، وَيُقَال: (قيس) بن قهد. قَالَ: وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِل، (مُحَمَّد) بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ لم يسمع من قيس. وَرَوَى بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَن سعد بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج فَرَأَى قيسا ... » . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 (وَأما) ابْن مَاجَه فَرَوَاهُ من حَدِيث ابْن نمير؛ كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: (أصلاة الصُّبْح مرَّتَيْنِ) بدل: «صَلَاة الصُّبْح رَكْعَتَانِ» . إِذا تقرر لَك طرق الحَدِيث؛ فقد أعل بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: (بالانقطاع) بَين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَقيس (كَمَا) أسلفناه عَن التِّرْمِذِيّ، وَتَبعهُ فِيهِ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» . ثَانِيهمَا: (بالطعن) فِي سعد بن سعيد رَاوِيه، قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : (فَإِن) سعد بن سعيد مُخْتَلف فِيهِ. وَقد قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مؤد. قَالَ: وَقد اخْتلف فِي ضبط هَذِه اللَّفْظَة؛ فَمنهمْ من خففها - أَي: هَالك - وَمِنْهُم من شددها؛ أَي: حسن الْأَدَاء. قَالَ: والْحَدِيث من أَصله مُخْتَلف فِيهِ، لَا يُقَال فِيهِ: صَحِيح؛ بل حسن. هَذَا كَلَامه. وَضَعفه بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ أَيْضا؛ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 وَفِيه انْقِطَاع. وَكَذَا قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي «كِفَايَته» أَنه ضَعِيف مُنْقَطع أَو مُرْسل. وَأَقُول: أما الطعْن فِيهِ من جِهَة سعد بن سعيد (رَاوِيه) فَلَيْسَ بجيد؛ فَإِنَّهُ وَإِن تكلم فِيهِ، فقد أخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» محتجًّا بِهِ، وَأخرج لَهُ حَدِيث «من صَامَ رَمَضَان، ثمَّ أتبعه بِسِتَّة من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر» وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» حَيْثُ نقل عَن ابْن حبَان توهِينه وَأَنه لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ فقد ذكر فِي «ثقاته» وَقَالَ: كَانَ يُخطئ لم يفحش خَطؤُهُ فَلذَلِك (سلكناه) مَسْلَك الْعُدُول، وَاحْتج بِهِ فِي «صَحِيحه» . نعم ذكر ابْن حبَان ذَلِك فِي سعد بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، (وَقد وَقع لَهُ هَذَا الْوَهم فِي «الضُّعَفَاء» أَيْضا، لكنه ذكر كَلَامه فِيهِ وَفِي المَقْبُري) . وَأما الطعْن فِيهِ من جِهَة الِانْقِطَاع فقد ثَبت اتِّصَاله من طَرِيق صَحِيحَة رَوَاهَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن ابْن خُزَيْمَة وَغَيره، نَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، نَا أَسد بن مُوسَى، نَا اللَّيْث بن سعد، نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن أَبِيه، عَن جده قيس بن قهد «أَنه صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الصُّبْح وَلم يكن (ركع) رَكْعَتي الْفجْر، فَلَمَّا سلم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[سلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 مَعَه، ثمَّ] قَامَ يرْكَع رَكْعَتي الْفجْر وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينظر إِلَيْهِ فَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهِ» . وَرَوَاهَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الْأَصَم عَن الرّبيع بِهِ، وَلَفظه: (أَنه جَاءَ وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي صَلَاة الْفجْر فَصَلى مَعَه، فَلَمَّا سلم قَامَ فَصَلى رَكْعَتي الْفجْر، فَقَالَ [لَهُ] النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا هَاتَانِ الركعتان؟ ! فَقَالَ: لم أكن صليتهما قبل الْفجْر. فَسكت وَلم يقل شَيْئا) . قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح ذكره (شَاهدا لحَدِيث عمرَان) بن حُصَيْن فِي قصَّة الْوَادي. قَالَ: وَقيس بن (قهد) الْأنْصَارِيّ صَحَابِيّ وَالطَّرِيق إِلَيْهِ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن قيس بن قهد ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ ابْن مَاجَه السالف. تَنْبِيهَات: الأول: قد ظهر من الرِّوَايَات الَّتِي سقناها الِاخْتِلَاف فِي اسْم وَالِد قيس عَلَى قَوْلَيْنِ؛ وَقد ذكرهمَا التِّرْمِذِيّ كَمَا سلف، أَحدهمَا: قهد، الثَّانِي: عَمْرو، وَعَزاهُ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» إِلَى رِوَايَة الْأَكْثَرين وَأَنه الصَّحِيح عِنْد الْحفاظ، وَعَن العسكري: أَن قهدًا لقب، وَأَن اسْمه عَمْرو. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فصل ابْن السكن بَينهمَا فجعلهما رجلَيْنِ، وَذكر الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» عَن أبي مُوسَى الْحَافِظ: أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 العسكري رَوَاهُ من حَدِيث قيس بن شماس. (وَرَوَاهُ ابْن جريج) عَن عَطاء، عَن قيس بن سهل، وَهُوَ الصَّحِيح. قَالَ الْمُحب: كَذَا وَقع قيس بن سهل، وَلَعَلَّه غلط من نَاسخ؛ بل هُوَ قيس بن عَمْرو أَو ابْن قهد. الثَّانِي: وَقع فِي «أَحْكَام» الْمُحب الطَّبَرِيّ: أَن التِّرْمِذِيّ حَّسن حَدِيث قيس هَذَا. وَلم أر ذَلِك فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَضْعِيفه كَمَا ذكره هُوَ بعد عَنهُ، وَذكر أَن لَفظه: (أصلاتان فِي يَوْم) ، وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ: (أصلاتان مَعًا) كَمَا قَدمته. الثَّالِث: قهد وَالِد قيس بِفَتْح الْقَاف، ثمَّ هَاء سَاكِنة ثمَّ دَال - ضبطته لِئَلَّا يصحفه من لَا أنس لَهُ بِهَذَا الْفَنّ بفهد - بِالْفَاءِ - والقهد فِي اللُّغَة: الْأَبْيَض الأكدر. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين رَوَى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (نهَى عَن الصَّلَاة نصف النَّهَار حَتَّى تَزُول الشَّمْس، إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِهِ، وَهُوَ مخرج فِي «مُسْنده» . وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد عرفت حَاله فِي الطَّهَارَة. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 «تمهيده» : إِبْرَاهِيم هَذَا هُوَ ابْن أبي يَحْيَى الْمدنِي، مَتْرُوك الحَدِيث. وَإِسْحَاق بعده فِي الْإِسْنَاد: هُوَ ابْن أبي فَرْوَة، ضَعِيف أَيْضا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن شيخ من أهل الْمَدِينَة يُقَال لَهُ: عبد الله، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (تحرم - يَعْنِي الصَّلَاة - إِذا انتصف النَّهَار كل يَوْم، إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة) . وَهَذَا الشَّيْخ يحْتَاج إِلَى معرفَة عينه وحاله. وَذكره الْأَثْرَم فِي «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، عَن سعيد بن سَلمَة، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا كَمَا سلف، والواقدي حَالَته مَعْلُومَة. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث بشر بن عون، عَن بكار بن تَمِيم، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة [قَالَ] : «سَأَلَ سَائل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا بَال يَوْم الْجُمُعَة يُؤذن فِيهَا بِالصَّلَاةِ (فِي) نصف النَّهَار، وَقد نهيت عَن سَائِر الْأَيَّام؟ فَقَالَ: إِن الله يسعر جَهَنَّم كل يَوْم فِي نصف النَّهَار (ويحبسها) فِي يَوْم الْجُمُعَة» . وَبشر هَذَا قَالَ (الْأَزْدِيّ) : مَجْهُول. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن (بكار) بن تَمِيم، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة نُسْخَة (فِيهَا) مائَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 حَدِيث كلهَا مَوْضُوعَة، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «الْمعرفَة» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة قَالَا: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى عَن الصَّلَاة وسط النَّهَار إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة) ثمَّ قَالَ: فِي إسنادهما من لَا يحْتَج بِهِ، قَالَ: ولكنهما إِذا ضما إِلَى حَدِيث أبي قَتَادَة - يَعْنِي: الْآتِي بعد هَذَا - اكْتسب بعض الْقُوَّة، وَقَالَ فِي «سنَنه» : رُوِيَ فِي ذَلِك عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعَمْرو بن (عبسة) وَابْن عمر مَرْفُوعا. قلت: وواثلة كَمَا سلف. قَالَ: والاعتماد عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتحبَّ التبكير إِلَى الْجُمُعَة، ثمَّ رغب فِي الصَّلَاة إِلَى خُرُوج الإِمَام من غير تَخْصِيص وَلَا (اسْتثِْنَاء) . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَاحْتج الشَّافِعِي لذَلِك بِمَا رَوَاهُ عَن ثَعْلَبَة عَن عَامَّة أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي دَار الْهِجْرَة «أَنهم كَانُوا يصلونَ نصف النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كره الصَّلَاة نصف النَّهَار، إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة وَقَالَ: إِن جَهَنَّم تسجر إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث حسان بن إِبْرَاهِيم، عَن لَيْث - وَهُوَ ابْن أبي سليم - عَن مُجَاهِد، عَن أبي الْخَلِيل عبد الله بن الْخَلِيل، عَن أبي قَتَادَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه كره الصَّلَاة نصف النَّهَار إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ: [إِن] جَهَنَّم تسجر إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة» . وَذكره الْأَثْرَم فِي «ناسخه (ومنسوخه) » وَقَالَ: (فَإِن جَهَنَّم تسجر كل يَوْم نصف النَّهَار، إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة) . وَهَذَا حَدِيث مَعْلُول من أوجه: أَحدهَا: انْقِطَاعه فِيمَا بَين أبي الْخَلِيل وَأبي قَتَادَة، نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد. قَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ مُرْسل أَبُو الْخَلِيل لم يسمع من أبي قَتَادَة، وَمُجاهد (أكبر) من أبي الْخَلِيل. وَقَالَ الْأَثْرَم فِي «ناسخه ومنسوخه» : إِنَّه مَعْلُول بأوجه؛ مِنْهَا أَن أَبَا الْخَلِيل لم يلق (أَبَا) قَتَادَة (ورده) أَيْضا بِالْإِرْسَال عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» والرافعي فِي «شرح الْمسند» . ثَانِيهَا: الطعْن فِي (رَاوِيه) وَهُوَ لَيْث بن أبي سليم، وَقد أسلفنا كَلَام الْحفاظ فِيهِ فِي بَاب الْوضُوء فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث الْفَصْل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق، وَأعله بِهِ الْأَثْرَم فِي «ناسخه ومنسوخه» وَقَالَ: أخْبرت عَن أبي عبد الله - يَعْنِي: أَحْمد بن حَنْبَل - أَنه قدم جَابر الْجعْفِيّ عَلَيْهِ فِي صِحَة الحَدِيث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 ثَالِثهَا: أَن مِنْهُم من (يوقفه) ذكره ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» حاكيًا (لَهُ) عَن بَعضهم. رَابِعهَا: ذكره الْأَثْرَم أَيْضا حَيْثُ قَالَ: إِنَّه لم يروه غير حسان بن إِبْرَاهِيم. قلت: هُوَ (الْكرْمَانِي) قَاضِي كرمان من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَابْن معِين. (وَقَالَ) ابْن عدي: قد حدث بإفرادات كَثِيرَة، وَهُوَ عِنْدِي من أهل الصدْق، إِلَّا أَنه يغلط فِي الشَّيْء، وَلَيْسَ (مِمَّن) يظنّ بِهِ أَنه يتَعَمَّد فِي بَاب الرِّوَايَة إِسْنَادًا ومتنًا؛ وَإِنَّمَا هُوَ وهم مِنْهُ، وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: رُبمَا أَخطَأ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. (فَائِدَة: تسجر - بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم - توقد، قَالَ الْجَوْهَرِي: سجرت التَّنور أسجره سجرًا إِذا أحميته، وَمِنْه: (وَإِذا الْبحار سجرت) . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس، إِلَّا بِمَكَّة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الله بن المؤمل، عَن حميد مولَى عفراء، عَن قيس بن سعد، عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر «أنَّه (قَامَ) فَأخذ بِحَلقَة بَاب الْكَعْبَة، ثمَّ قَالَ: من عرفني فقد عرفني (وَمن لم يعرفنِي) فَأَنا جُنْدُب صَاحب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس، إِلَّا بِمَكَّة، إِلَّا بِمَكَّة، إِلَّا بِمَكَّة) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن يزِيد، ثَنَا عبد الله بن المؤمل، عَن قيس بن سعد، عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر (أَنه أَخذ بِحَلقَة بَاب الْكَعْبَة فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا بعد الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس، إِلَّا بِمَكَّة إِلَّا بِمَكَّة) . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ السَّابِق إِلَّا أَنه قَالَ: «قدم [أَبُو ذَر] مَكَّة، فَأخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب وَقَالَ: إِلَّا بِمَكَّة - مرَّتَيْنِ» كَرِوَايَة أَحْمد. وأعل هَذَا الحَدِيث بِوُجُوه: أَحدهَا: الطعْن فِي عبد الله بن المؤمل المَخْزُومِي قَاضِي مَكَّة، وَقد ضَعَّفُوهُ. قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَنَاكِير. وَقَالَ يَحْيَى: ضَعِيف الحَدِيث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس يُنكر عَلَيْهِ حَدِيثه. قَالَ ابْن الْقطَّان: إِن كَانَ قد وَثَّقَهُ ابْن معِين فَفِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ (ضعفه وعلته شَيْئَانِ) أَحدهمَا: سوء الْحِفْظ، وَالْآخر: نَكَارَة الحَدِيث. (ونكارة الحَدِيث) كَافِيَة فِي إِسْقَاط الثِّقَة (بِمن) جربت عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: (شبه) الْمَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ قَلِيل الحَدِيث مُنكر الرِّوَايَة لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد، (ثمَّ) ذكر لَهُ مَا يُنكر عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة (حَدِيثه الضعْف) عَلَيْهِ بَين. وَذكر من جملَة مَا يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَبِه يعرف. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : هُوَ سيئ الْحِفْظ فَلذَلِك اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَة عَنهُ، وَمَا علمنَا لَهُ (جرحة) تسْقط عَدَالَته، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة من (جلة) الْعلمَاء، وَفِي ذَلِك مَا (يرفع) من حَاله، (وَالِاضْطِرَاب) عَنهُ لَا يسْقط حَدِيثه، وَلم يقْدَح ذَلِك فِي روايتهم، وَقد اتّفق شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عَلَيْهِ وهما الشَّافِعِي وَأَبُو نعيم وَلَيْسَ من لم يحفظ وَلم يقم، حجَّة عَلَى من أَقَامَ وَحفظ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا كَلَام (أَوله) يُنَاقض آخِره. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث يعد فِي أَفْرَاد عبد الله بن المؤمل، وَعبد الله بن المؤمل ضَعِيف. قَالَ: إِلَّا أَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان قد تَابعه فِي ذَلِك عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 حميد وَأقَام إِسْنَاده ثمَّ ذكر ذَلِك بِإِسْنَادِهِ، وَاقْتصر عَلَى هَذَا الْوَجْه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، ثمَّ نقل قَول أَحْمد وَيَحْيَى فِي عبد الله. ثَانِيهَا: الطعْن فِي حميد مولَى عفراء، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حميد الْأَعْرَج لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: حميد هَذَا هُوَ ابْن قيس الْمَكِّيّ الْمُقْرِئ الْأَعْرَج أَبُو صَفْوَان، أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، رَوَى عَنهُ الْأَئِمَّة: مَالك، والسفيانان، وَغَيرهمَا. قَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث قَارِئ أهل مَكَّة. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بحَديثه؛ إِنَّمَا يَقع الْإِنْكَار (عَلَيْهِ) فِي حَدِيثه من قبل من يروي عَنهُ. وَاخْتلف قَول أَحْمد فِيهِ (فَمرَّة) قَالَ: ثِقَة وَعَلَيْهَا اقْتصر الْمزي فِي «تهذيبه» وَقَالَ مرّة: لَيْسَ (بِالْقَوِيّ) فِي الحَدِيث نقلهَا الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» . وَاعْلَم أَن بعض شُيُوخنَا الْتبس عَلَيْهِ حميد بن قيس الْأَعْرَج هَذَا، (بحميد) بن عمار أَو عَلّي أَو عبيد أَو عَطاء (أَقْوَال) . الْأَعْرَج الْمَتْرُوك انْفَرد بِإِخْرَاج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ؛ فَاعْترضَ (عَلَى) الْبَيْهَقِيّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 قَوْله: حميد الْأَعْرَج لَيْسَ بِالْقَوِيّ، فَقَالَ: تساهل فِي أمره، وَالَّذِي فِي الْكتب أَنه واهي الحَدِيث، وَقيل: ضَعِيف، وَقيل: مُنكر الحَدِيث، وَقيل: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: رَوَى عَن عبد الله بن الْحَارِث (عَن ابْن مَسْعُود) نُسْخَة كَأَنَّهَا مَوْضُوعَة. وَهَذَا عَجِيب من هَذَا الْمُعْتَرض فطبقتهما مُخْتَلفَة؛ فَإِن هَذَا الْمَتْرُوك لم يرو (إِلَّا) عَن عبد الله بن الْحَارِث الْمُؤَذّن، وَحميد الآخر رَوَى عَن قيس بن سعد وَجَمَاعَة. ثَالِثهَا: الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده؛ فَرَوَاهُ سعيد بن سَالم، عَن عبد الله بن المؤمل، عَن حميد مولَى عفراء، عَن مُجَاهِد، عَن أبي ذَر وَلم يذكر قيس بن سعد. أخرجه ابْن عدي فِي «كَامِله» من هَذَا الْوَجْه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد [الشَّافِعِي] عَن عبد الله بن المؤمل، عَن حميد الْأَعْرَج، عَن مُجَاهِد. قلت: وَقد أسلفنا رِوَايَة أَحْمد لَهُ، عَن يزِيد، عَن ابْن المؤمل، عَن قيس، عَن مُجَاهِد وَلم أر فِيهِ حميد [عَن] قيس. رَابِعهَا: الِانْقِطَاع فِيمَا بَين مُجَاهِد وَأبي ذَر، (نَص) عَلَى ذَلِك الْحفاظ. قَالَ أَبُو حَاتِم: مُجَاهِد عَن أبي ذَر مُرْسل. وَقَالَ ابْن عبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 الْبر: مُجَاهِد لم يسمع مِنْهُ، (وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الْخَبَر مُنْقَطع) وَفِي ثُبُوته نظر، وَمُجاهد لَا يثبت لَهُ سَماع من أبي ذَر قَالَ صَاحب «الإِمَام» : مِمَّا يُؤَيّد هَذَا أَن ابْن عدي رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي «كَامِله» من حَدِيث اليسع بن طَلْحَة الْقرشِي قَالَ: سَمِعت مُجَاهدًا يَقُول: بلغنَا أَن أَبَا ذَر قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ بحلقتي (الْكَعْبَة) يَقُول ثَلَاثًا: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر إِلَّا بِمَكَّة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: اليسع بن طَلْحَة قد ضَعَّفُوهُ، والْحَدِيث مُنْقَطع، مُجَاهِد لم يدْرك أَبَا ذَر بِحَال. قَالَ ابْن عبد الْبر (عقب) ذكر حَدِيث حميد السالف: هَذَا حَدِيث وَإِن لم يكن بِالْقَوِيّ؛ لضعف حميد مولَى عفراء، وَلِأَن (مُجَاهدًا) لم يسمع من أبي ذَر فَفِي حَدِيث جُبَير بن مطعم (مِمَّا) يقويه وَهُوَ كَمَا قَالَ، وستعلم طرقه عَلَى الإثر. تَنْبِيه: وَقع فِي «الْمعرفَة» للبيهقي إِطْلَاق دَعْوَى الْإِرْسَال عَلَى حَدِيث أبي ذَر هَذَا، وَهُوَ مُوَافق لقَوْل الْفُقَهَاء، والأصوليين، وَجَمَاعَة من الْمُحدثين، أَن الْمُرْسل مَا انْقَطع إِسْنَاده عَلَى أَي وَجه كَانَ انْقِطَاعه، فَهُوَ عِنْدهم بِمَعْنى الْمُنْقَطع، وَجُمْهُور الْمُحدثين قَالُوا: لَا يُسمى الحَدِيث مُرْسلا إِلَّا إِذا أخبر بِهِ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (يَا بني عبد منَاف، من ولي مِنْكُم من أُمُور (النَّاس) شَيْئا فَلَا يمنعن أحدا طَاف بِالْبَيْتِ، وَصَلى أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي وَأحمد فِي «مسنديهما» وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث جُبَير بن مطعم رضى الله عَنهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة. أما الشَّافِعِي فَأخْرجهُ عَن سُفْيَان، عَن أبي الزبير الْمَكِّيّ، عَن عبد الله بن باباه، عَن جُبَير مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَأما أَحْمد فَأخْرجهُ عَن مُحَمَّد بن بكر، نَا ابْن جريج، أَنا أَبُو الزبير، أَنه سمع عبد الله بن (بابيه) عَن جُبَير بن مطعم بِلَفْظ: (يَا بني عبد منَاف، وَيَا بني عبد الْمطلب، إِن كَانَ (لكم) من الْأَمر شَيْء (فَلَا اعرفن) مَا منعتم أحدا (أَن) يطوف بِهَذَا الْبَيْت (أَيَّة) سَاعَة شَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 من ليل أَو نَهَار» . وَأما أَبُو دَاوُد فَأخْرجهُ فِي الْحَج، عَن ابْن السَّرْح، عَن سُفْيَان إِلَى جُبَير يبلغ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا تمنعوا أحدا يطوف بِهَذَا الْبَيْت، وَيُصلي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . (وَترْجم عَلَيْهِ بَاب الطّواف بعد الْعَصْر) . وَأما التِّرْمِذِيّ فَأخْرجهُ فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي عمار وَعلي بن خشرم، عَن سُفْيَان بِهِ بِلَفْظ: (يَا بني عبد منَاف، لَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت وَصَلى ... ) الحَدِيث. وَأما (النَّسَائِيّ) فَأخْرجهُ فِي الْحَج أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن سُفْيَان (قَالَ) : «لَا يمنعن ... » وَفِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ سَوَاء. وَأما ابْن مَاجَه فَأخْرجهُ فِي الصَّلَاة عَن يَحْيَى بن حَكِيم عَن سُفْيَان بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد رَوَاهُ عبد الله بن أبي نجيح، عَن عبد الله بن باباه أَيْضا. وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 (وَعمر) بن مُحَمَّد بن بجير قَالَا: ثَنَا عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء، ثَنَا سُفْيَان بِهِ بِلَفْظ: (يَا بني عبد الْمطلب، إِن كَانَ إِلَيْكُم من الْأَمر شَيْء فَلَا أَعرفن أحدا (مِنْكُم) أَن يمْنَع من يُصَلِّي عِنْد الْبَيْت أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . قَالَ: وَأَنا عبد الله بن مُحَمَّد بن سلم، ثَنَا حَرْمَلَة بن يَحْيَى، (نَا) ابْن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، أَن أَبَا الزبير حَدثهُ، عَن ابْن باباه (أَنه) سمع جُبَير بن مطعم يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «يَا بني عبد منَاف، لَا تمنعوا أحدا طَاف (بِهَذَا الْبَيْت) وَصَلى (أَيَّة) سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . قَالَ: وَأَنا أَبُو يعْلى، نَا هَارُون بن مَعْرُوف وَأَبُو خَيْثَمَة، نَا سُفْيَان، عَن (أبي) الزبير بِهِ. قَالَ ابْن حبَان: وَهَذَا الحَدِيث بِطرقِهِ دَال عَلَى أَن الزّجر الْمُطلق فِي حَدِيث عقبَة - يَعْنِي: السالف - عَام، وَيُرَاد بِهِ خَاص. وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي الْحَج عَن أبي بكر بن إِسْحَاق (و) هُوَ ابْن خُزَيْمَة، نَا بشر بن مُوسَى، نَا الْحميدِي نَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 سُفْيَان بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «أَيَّة سَاعَة أحب» بدل «أَيَّة سَاعَة شَاءَ» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن عَلّي، عَن سُفْيَان بِهِ بِلَفْظ: «يَا بني عبد منَاف، إِن وليتم من هَذَا الْأَمر شَيْئا فَلَا تمنعن طَائِفًا طَاف بِهَذَا الْبَيْت وَصَلى أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . وَمن حَدِيث الْجراح بن الْمنْهَال، عَن أبي الزبير، عَن نَافِع بن جُبَير، سمع أَبَاهُ جُبَير بن مطعم يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (يَا بني عبد منَاف - أَو يَا بني قصي - لَا تمنعوا أحدا أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَيُصلي أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . وَمن حَدِيث عمر بن قيس، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن نَافِع، عَن أَبِيه رَفعه: «يَا بني عبد منَاف، لَا (تمنعن) أحدا يُصَلِّي عِنْد هَذَا الْبَيْت (أَيَّة) سَاعَة من ليل أَو نَهَار» . وَمن حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد، عَن عَطاء، عَن نَافِع، عَن أَبِيه رَفعه: «يَا بني عبد الْمطلب، لَا تمنعن مُصَليا عِنْد هَذَا الْبَيْت فِي سَاعَة من ليل أَو نَهَار» . وَمن حَدِيث عَمْرو بن دِينَار، عَن نَافِع، عَن أَبِيه رَفعه: (يَا بني عبد منَاف، يَا بني هَاشم، إِن وليتم هَذَا الْأَمر يَوْمًا فَلَا يمنعن طَائِفًا بِهَذَا الْبَيْت أَو مُصَليا أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 (و) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد إِيرَاد حَدِيث سُفْيَان أَقَامَ ابْن عُيَيْنَة إِسْنَاده وَمن خَالفه فِي الْإِسْنَاد لَا يقاومه؛ فرواية ابْن عُيَيْنَة أولَى أَن تكون مَحْفُوظَة، وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة» أَن سُفْيَان رَوَاهُ، وَهُوَ حَافظ ثِقَة، وَالَّذين خالفوه دونه فِي الْحِفْظ والمعرفة. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: رُوِيَ من حَدِيث جَابر بن عبد الله وَابْن عَبَّاس مثل حَدِيث جُبَير بن مطعم، أما حَدِيث جَابر (فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث معقل بن عبيد الله، عَن أبي الزبير، عَن جَابر) قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا بني عبد منَاف، أَلا لَا تمنعوا أحدا صَلَّى عِنْد هَذَا الْبَيْت أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، نَا أَيُّوب، عَن أبي الزبير - أَظُنهُ عَن جَابر - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا بني عبد منَاف، لَا تمنعوا أحدا (يطوف) بِهَذَا الْبَيْت أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث. شُرَيْح بن النُّعْمَان، نَا أَبُو الْوَلِيد الْعَدنِي، نَا رَجَاء أَبُو سعيد، أَنا مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا بني عبد الْمطلب - أَو يَا بني عبد منَاف - لَا تمنعوا أحدا يطوف بِالْبَيْتِ وَيُصلي؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس إِلَّا [بِمَكَّة] عِنْد (هَذَا) الْبَيْت يطوفون وَيصلونَ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 قَالَ الضياء الْمَقْدِسِي: أَبُو الْوَلِيد (الْعَدنِي) لم أر لَهُ (ذكرا) فِي «الكنى» لأبي أَحْمد الْحَاكِم، ورجاء هُوَ ابْن الْحَارِث ضعفه ابْن معِين. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أَصْغَر معاجمه» عَن أَحْمد بن زَكَرِيَّا العابدي، نَا عبد الْوَهَّاب بن فليح (الْمَكِّيّ) ، نَا سليم بن مُسلم الخشاب، نَا ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا بني عبد منَاف، يَا بني عبد الْمطلب، إِن وليتم هَذَا الْأَمر فَلَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت أَن يُصَلِّي أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بعد طواف السَّبع (و) يُصَلِّي بعد الصُّبْح قبل طُلُوع الشَّمْس، وَبعد الْعَصْر قبل غرُوب الشَّمْس، وَفِي كل النَّهَار، قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لم يروه عَن ابْن جريج إِلَّا سليم بن مُسلم. وَرَوَاهُ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم الصَّائِغ، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا بني عبد منَاف، إِن وليتم من هَذَا الْأَمر بعدِي فَلَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت أَو صَلَّى أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . وَفِي «كَامِل ابْن عدي» من حَدِيث سعيد بن أبي رَاشد، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا صَلَاة بعد الْفجْر حَتَّى تطلع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 الشَّمْس، وَلَا (صَلَاة) بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، من طَاف فَليصل أَي حينٍ طَاف» . وَقَالَ ابْن عدي: وَهَذَا يرويهِ عَن عَطاء سعيد، وَزَاد فِي مَتنه: «من طَاف فَليصل أَي حِين طَاف» قَالَ: (وَهُوَ يحدث) عَن عَطاء وغَيره بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكره (البُخَارِيّ فِي «التَّارِيخ» ) وَقَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. التَّنْبِيه الثَّانِي: وهم صَاحب «الْمُنْتَقَى» فعزى هَذَا الحَدِيث إِلَى «صَحِيح مُسلم» فَقَالَ: رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا البُخَارِيّ، وَهُوَ غلط (فَاحش) ، وَتَبعهُ عَلَى هَذَا الْوَهم الْمُحب فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: رَوَاهُ السَّبْعَة إِلَّا البُخَارِيّ فاحذر التَّقْلِيد، وَقد عثر فِي ذَلِك الشَّيْخ نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «مطلبه» فَقَالَ: رَوَاهُ مُسلم وَلَفظه: (لَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت وَصَلى (أَي) سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار) وليت شعري من أَيْن أَخذ هَذَا اللَّفْظ، وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم لما رَأَى صَاحب «الْمُنْتَقَى» وَهُوَ الْمجد ابْن تَيْمِية عزاهُ إِلَى الْجَمَاعَة دون البُخَارِيّ اقتطع مُسلما من بَينهم، وَاكْتَفَى بِهِ عَنْهُم ثمَّ ذكره بِلَفْظِهِ وَفِي جَوَاز فعل مثل ذَلِك نظر. التَّنْبِيه الثَّالِث: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالصَّلَاةِ الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الحَدِيث صَلَاة الطّواف خَاصَّة، قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَه بالآثار، وَيحْتَمل جَمِيع الصَّلَوَات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 قَالَ ابْن الصّلاح فِي «مُشكل الْوَسِيط» : وَالْأول قوي، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أبي دَاوُد: «لَا تمنعوا أحدا يطوف بِهَذَا الْبَيْت، وَيُصلي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار» . قلت: وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، وَالطَّبَرَانِيّ لحَدِيث ابْن عَبَّاس وَغير ذَلِك مِمَّا سلف من رِوَايَات (حَدِيث) جُبَير بن مطعم، وَرِوَايَة ابْن حبَان السالفة تقَوِّي الثَّانِي، (وَأَنَّهَا تشرع وَإِن لم يطف) . التَّنْبِيه الرَّابِع: عبد الله بن باباه يُقَال هَكَذَا، وَيُقَال: ابْن بابيه - وَقد سلفا - وَيُقَال: ابْن بَابي، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة مُخْتَلفُونَ، قَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء: وَالْقَوْل عِنْدِي (مَا قَالَ) البُخَارِيّ وَابْن الْمَدِينِيّ أَن الْكل وَاحِد لَا مَا قَالَ يَحْيَى. الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا رَكعَتَا الْفجْر) . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أشهرها من طَرِيق عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 أما أَحْمد فَأخْرجهُ عَن عَفَّان، نَا وهيب، نَا قدامَة بن مُوسَى، نَا أَيُّوب بن حُصَيْن التَّمِيمِي، عَن أبي عَلْقَمَة مولَى عبد الله بن عَبَّاس، عَن يسَار مولَى عبد الله بن عمر قَالَ: «رَآنِي ابْن عمر وَأَنا أُصَلِّي بعد مَا طلع الْفجْر، فَقَالَ: يَا يسَار (كم صليت) ؟ قلت: لَا أَدْرِي. قَالَ: (لَا دَريت) ! إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج علينا وَنحن نصلي هَذِه الصَّلَاة فَقَالَ: أَلا ليبلغ شاهدكم غائبكم (أَن) لَا صَلَاة بعد (الصُّبْح) إِلَّا سَجْدَتَانِ» . وَأما أَبُو دَاوُد فَأخْرجهُ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا وهيب، ثَنَا قدامَة بِهِ إِلَى قَوْله: (بعد طُلُوع الْفجْر) وَلَفظه فِي (الْبَاقِي) : فَقَالَ: «يَا يسَار، إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج علينا وَنحن نصلي هَذِه الصَّلَاة، فَقَالَ: ليبلغ شاهدكم غائبكم، لَا تصلوا بعد الْفجْر إِلَّا سَجْدَتَيْنِ» . وَأما التِّرْمِذِيّ فَأخْرجهُ عَن أَحْمد بن بن (عَبدة) الضَّبِّيّ، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد (عَن) قدامَة بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن الْحصين، عَن أبي (عَلْقَمَة) عَن يسَار، عَن ابْن عمر رَفعه: (لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا سَجْدَتَيْنِ) . وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَأخْرجهُ عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن مرداس، عَن أبي دَاوُد كَمَا سلف. وَعَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان (الْمَالِكِي) عَن أَحْمد بن عَبدة كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 سلف لَكِن بِلَفْظ: عَن يسَار مولَى ابْن عمر قَالَ: «رَآنِي ابْن عمر أُصَلِّي بعد الْفجْر فحصبني (وَقَالَ) : يَا يسَار كم صليت؟ قلت: لَا أَدْرِي، قَالَ: لَا دَريت! إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج علينا (وَنحن نصلى هَذِه الصَّلَاة فتغيظ علينا) (تغيظًا) شَدِيدا ثمَّ قَالَ: ليبلغ شاهدكم [غائبكم] (أَن لَا) صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا سَجْدَتَيْنِ) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث قدامَة بن مُوسَى، وَرَوَى (عَنهُ) غير وَاحِد وَهُوَ مِمَّا أجمع عَلَيْهِ أهل الْعلم، كَرهُوا أَن (يُصَلِّي الرجل) بعد طُلُوع الْفجْر (إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر، وَمَعْنى هَذَا الحَدِيث: (لَا صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر) هَذَا (آخر) كَلَامه) . وَقد عرفنَا هَذَا الحَدِيث من غير حَدِيث قدامَة (رَوَاهُ) الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع عَن (ابْن) عمر مَرْفُوعا: (لَا صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر) . وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد بن النّيل، عَن أبي بكر بن يزِيد (بن) سرجس، عَن ابْن عمر «رَأَى مولَى لَهُ يُقَال لَهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 يسَار يُصَلِّي بعد طُلُوع (الْفجْر) فَقَالَ: مَا هَذِه الصَّلَاة؟ ! فَقَالَ: شَيْء بَقِي عَلّي من حزبي. فَقَالَ ابْن عمر: خرج علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِذا طلع الْفجْر (فَلَا) صَلَاة إِلَّا رَكْعَتَيْنِ؛ فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب) . وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى فِي «مُسْنده» عَن هَارُون بن مَعْرُوف، نَا ابْن (وهب) نَا يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن زحر، عَن مُحَمَّد بن (أبي) أَيُّوب [عَن] أبي عَلْقَمَة مولَى بني هَاشم، عَن عبد الله بن عمر «أَنه رَأَى مولَى لَهُ يُقَال لَهُ: يسَار يُصَلِّي بعد الْفجْر فَنَهَاهُ، فَقَالَ (إِنَّه) بَقِي من حزبي. فَقَالَ لَهُ عبد الله: أَفلا أخَّرْتَهُ حَتَّى يكون ذَلِك من النَّهَار؟ ثمَّ قَالَ عبد الله: خرج علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالنَّاس يصلونَ بعد طُلُوع الْفجْر، فَقَالَ: إِنَّه لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا رَكْعَتَانِ» . وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن الْحَارِث الْحَارِثِيّ، عَن عمر ان بن مُوسَى بن فضَالة، نَا بنْدَار، نَا مُحَمَّد بن الْحَارِث، حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر رَفعه: (إِذا طلع الْفجْر فَلَا صَلَاة إِلَّا (الرَّكْعَتَيْنِ) قبل الْمَكْتُوبَة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 وَمُحَمّد بن الْحَارِث وَمُحَمّد بن [عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي] ضعيفان. وَأما دَعْوَاهُ الْإِجْمَاع عَلَى كَرَاهِيَة الصَّلَاة بعد طُلُوع الْفجْر غير رَكْعَتي الْفجْر فَغَرِيب؛ فَالْخِلَاف فِيهِ مَشْهُور حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر وَغَيره حتي فِي مَذْهَبنَا؛ بل الرَّاجِح عندنَا أَن الْكَرَاهَة لَا تدخل وَقتهَا إِلَّا بِفعل الْفَرْض فَلهُ أَن يُصَلِّي قبله مَا شَاءَ. قَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلفُوا فِي التَّطَوُّع بعد طُلُوع الْفجْر [سُوَى رَكْعَتي الْفجْر] (فَكرِهت) طَائِفَة ذَلِك، وَمِمَّنْ رَوَى عَنهُ أَنه كره (ذَلِك) عبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَمْرو، وَفِي (إسنادهما) مقَال. وَكره ذَلِك الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَالَ: مَا سَمِعت فِيهَا بِشَيْء. وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ ذَلِك وَكره ذَلِك سعيد بن الْمسيب، والْعَلَاء بن زِيَاد، وَحميد بن عبد الرَّحْمَن. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا بَأْس أَن يتَطَوَّع الرجل بعد الْفجْر: الْحسن الْبَصْرِيّ، وَكَانَ مَالك يرَى أَن يفعل (ذَلِك) من فَاتَتْهُ صَلَاة (بِاللَّيْلِ) : وَفِي «أَحْكَام» الْمُحب الطَّبَرِيّ مَا نَصه: ذكر التَّوسعَة فِي التَّنَفُّل بعد رَكْعَتي الْفجْر، ثمَّ سَاق حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَضَى (صلَاته) من آخر اللَّيْل نظر؛ فَإِن كنت مستيقظة حَدثنِي، وَإِن كنت نَائِمَة أيقظني وَصَلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ اضْطجع حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن، فيؤذنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 (بِالصَّلَاةِ) فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة) . أَخْرجَاهُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ قَالَ: ووَجه الدّلَالَة أَن الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اضْطجع (عقبهما) هما رَكعَتَا الْفجْر كَمَا (دلّ) عَلَيْهِ الْأَحَادِيث المصرحة بذلك. انْتَهَى مَا ذكره. وَأعله ابْن الْقطَّان بِوَجْه آخر؛ فَقَالَ بعد أَن سَاقه من طَرِيق التِّرْمِذِيّ كل من فِي إِسْنَاده مَعْرُوف مَشْهُور إِلَّا مُحَمَّد بن الْحصين؛ (فَإِنَّهُ) مُخْتَلف فِيهِ ومجهول الْحَال، وَمَعَ ذَلِك كَانَ (عمر) بن عَلّي الْمقدمِي وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي يَقُولَانِ: (عَن قدامَة بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن الْحصين وَكَانَ وهيب وَحميد بن الْأسود يَقُولَانِ) : عَن أَيُّوب بن حُصَيْن. وَقَالَ عُثْمَان بن عمر: ثَنَا قدامَة بن مُوسَى قَالَ: أَخْبرنِي رجل من بني حَنْظَلَة ذكر (هَذَا) الْخلاف فِيهِ البُخَارِيّ، وَلم يعرف هُوَ وَلَا ابْن أبي حَاتِم من حَاله بِشَيْء (فَهُوَ) عِنْدهمَا (مَجْهُول) . وَذكر أَبُو دَاوُد رِوَايَة (وهيب) عَن قدامَة عَن أَيُّوب بن حُصَيْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ. قلت: (أما) هَذَا الِاخْتِلَاف فقد رجح أَبُو حَاتِم مِنْهُ قَول من قَالَ مُحَمَّد بن الْحصين (وَكَذَا) وَابْن عَسَاكِر، لَكِن خَالف الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «علله» وَقد سُئِلَ عَنهُ: هَذَا الحَدِيث يرويهِ الدَّرَاورْدِي، عَن قدامَة بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن الْحصين، عَن أبي عَلْقَمَة مولَى ابْن عَبَّاس، عَن يسَار، مولَى ابْن عمر، عَن ابْن عمر، وَتَابعه (عَلَيْهِ) عمر بن عَلّي الْمقدمِي، وَخَالَفَهُمَا سُلَيْمَان بن بِلَال ووهيب (فروياه) عَن قدامَة بن مُوسَى، عَن أَيُّوب بن الْحصين، عَن أبي عَلْقَمَة، عَن يسَار (عَن) ابْن عمر. قَالَ: وَيُشبه أَن يكون القَوْل قَول سُلَيْمَان ووهيب؛ لِأَنَّهُمَا ثقتان. وَأما قَوْله مَجْهُول الْحَال فَكَذَا نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) أَنه مَجْهُول لَكِن ذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» فِي أَتبَاع التَّابِعين فَقَالَ: مُحَمَّد بن حُصَيْن يروي عَن أبي عَلْقَمَة مولَى ابْن عَبَّاس، وَكَانَ (أَبُو) عَلْقَمَة قَاضِيا بإفريقية (رَوَى) عَنهُ قدامَة بن مُوسَى. قلت: وَسليمَان بن بِلَال والدراوردي أَيْضا، وَأعله ابْن حزم بِوَجْه آخر؛ فَقَالَ: يسَار مولَى ابْن عمر مَجْهُول. وَلَيْسَ كَمَا ذكر؛ فقد قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 فِي حَقه أَبُو زرْعَة: ثِقَة. وَقَالَ: النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده حسن، إِلَّا أَن فِي إِسْنَاده رجلا مَسْتُورا وَالظَّاهِر أَنه عَنى بالمستور مُحَمَّد بن الْحصين، وَقد عرفت عينه وحاله، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بعد احتجاجه لمذهبه: أَن النَّوَافِل تحرم بِطُلُوع الْفجْر إِلَّا سنة الصُّبْح؛ إِن قَالُوا قد قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا (يعرف) إِلَّا من حَدِيث قدامَة. قُلْنَا: قدامَة مَعْرُوف، ذكره البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» وَأخرج عَنهُ (مُسلم) فِي «صَحِيحه» . قلت: وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَأَبُو زرْعَة الرَّازِيّ. الطَّرِيق الثَّانِي: من طرق الحَدِيث: عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (لَا صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا رَكْعَتَيْنِ) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث وَكِيع، نَا سُفْيَان، نَا عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن عبد الله بن عَمْرو بِهِ، وَعبد الرَّحْمَن هَذَا (مُخْتَلف فِيهِ) ضعفه ابْن معِين فِي أحد قوليه، وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ أَحْمد: نَحن لَا نروي عَنهُ شَيْئا. وَقَالَ ابْن خراس: هَالك (مُخْتَلف فِيهِ) وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قلت لِأَحْمَد بن صَالح: يحْتَج بِهِ؟ قَالَ: نعم. قلت: صَحِيح الْكتاب؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ أَحْمد بن صَالح: ثِقَة وينكر عَلَى من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 (تكلم) فِيهِ، وَقَالَ: من يتَكَلَّم فِيهِ (فَلَيْسَ بمقبول) ابْن أنعم من الثِّقَات. (وَكَانَ) ابْن وهب يطريه. وَكَانَ الثَّوْريّ يعظمه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: رَأَيْت البُخَارِيّ (يُقَوي أمره وَيَقُول) هُوَ مقارب الحَدِيث. وسنستوفي تَرْجَمته (فى) أَوَاخِر بَاب الْأَذَان - إِن شَاءَ الله - تَعَالَى وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَنقل كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيفه، وَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» بعد استدلاله بِهِ: إِن قيل الأفريقي هَذَا (قَالَ) الدَّارَقُطْنِيّ (فِيهِ) : لَيْسَ بِقَوي. قُلْنَا: قد قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَا يسْقط حَدِيثه. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: فِي إِسْنَاده مقَال. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ جَعْفَر بن عون، عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن عبد الله بن عَمْرو مَوْقُوفا عَلَيْهِ. قَالَ: وَالثَّوْري أحفظ من غَيره إِلَّا أَن عبد الرَّحْمَن الأفريقي غير مُحْتَج بقوله. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث ابْن الْمسيب مُرْسلا وَسَيَأْتِي بعد هَذَا. قلت: وَلِحَدِيث عبد الله بن (عَمْرو) هَذَا طَرِيق آخر بِدُونِ عبد الرَّحْمَن هَذَا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن قُتَيْبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 الْعَسْقَلَانِي، عَن مُحَمَّد بن خلف الْعَسْقَلَانِي، عَن (رواد) بن الْجراح، عَن سعيد بن بشير، عَن مطر الْوراق، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا صَلَاة إِذا طلع الْفجْر إِلَّا رَكْعَتَيْنِ) . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا سَجْدَتَيْنِ) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَنهُ (بِهِ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب مُرْسلا، ثمَّ قَالَ: (وَقد رُوِيَ مَوْصُولا بِذكر أبي هُرَيْرَة فِيهِ، وَلَا يَصح وَصله. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بعد ذكر طَرِيق التِّرْمِذِيّ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من (طرق) فِيهَا جمَاعَة ضعفاء، وَلَا يَصح مِنْهَا كلهَا شَيْء (وأحسنها) حَدِيث التِّرْمِذِيّ، وَكَأَنَّهُ تبع ابْن حزم فِي التَّضْعِيف؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «محلاه» : الرِّوَايَة فِي أَن « (لَا) صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر» سَاقِطَة مطروحة مكذوبة كلهَا لم يروها أحد إِلَّا من طَرِيق (عبد الرَّحْمَن) بن زِيَاد بن أنعم، وَهُوَ هَالك. قلت: قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، قَالَ ابْن حزم: أَو من طَرِيق أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 بكر بن مُحَمَّد، وَهُوَ مَجْهُول لَا يُدْرَى (من) هُوَ، وَلَيْسَ هُوَ ابْن حزم. قلت: الظَّاهِر أَنه ابْن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب أَخُو زيد بن مُحَمَّد رَوَى عَن جمَاعَة، وَعنهُ جمَاعَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة لَا بَأْس بِهِ. قَالَ: أَو من طَرِيق (أبي) هَارُون الْعَبْدي، وَهُوَ سَاقِط، أَو من طَرِيق يسَار مولَى ابْن عمر، وَهُوَ مَجْهُول ومدلس عَن كَعْب بن مَرْوَان، لَا نَدْرِي من هُوَ، وَقد أسلفنا الْجَواب عَن قَوْله فِي يسَار. تَنْبِيه: وَقع فِي كَلَام الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ عزو حَدِيث ابْن عمر السالف إِلَى ابْن مَاجَه، وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ كَذَلِك؛ إِنَّمَا لَفظه: «ليبلغ شاهدكم غائبكم» فَحسب، وَقد قَالَ هُوَ فِي كَلَامه عَلَى «مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد» أخرجه ابْن مَاجَه مُخْتَصرا؛ فَأصَاب، وَوَقع فِي ذَلِك (أَيْضا) شَيخنَا قطب الدَّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي كَلَامه عَلَى بعض أَحَادِيث الْمُحَلَّى وَكَأَنَّهُ قَلّدهُ فِيهِ، وَيُجَاب بِأَنَّهُمَا أَرَادَا أصل الحَدِيث. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين عَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يداوم عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر) . هَذَا الحَدِيث سلف فِي الْبَاب بِنَحْوِهِ فِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ مَعَ مَا يُخَالِفهُ فَرَاجعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: (مَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يأتيني فِي يَوْم بعد الْعَصْر إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْأسود ومسروق قَالَا: (نشْهد عَلَى عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: مَا كَانَ (يكون) يَوْمه الَّذِي كَانَ يكون (فِيهِ) عِنْدِي (إِلَّا) صلاهما رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بَيْتِي - يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر) . وَرَوَى هُوَ وَالْبُخَارِيّ عَنْهَا قَالَت: (مَا ترك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر عِنْدِي قطّ) . وَقد سلف، وعنها: (صلاتان مَا تَركهمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بَيْتِي قطّ سرًّا وَعَلَانِيَة رَكْعَتَانِ (قبل) الْفجْر، وركعتان بعد الْعَصْر) وَقد سلف قَرِيبا حَدِيث أبي سَلمَة عَن عَائِشَة. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» عَنْهَا: «مَا من يَوْم كَانَ يَأْتِي عَلّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا صَلَّى بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ» . الحَدِيث الْخَمْسُونَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي بعد الْعَصْر وَينْهَى عَنْهَا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث (ابْن) إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن (عَمْرو) بن عَطاء، عَن ذكْوَان مولَى عَائِشَة أَنَّهَا حدثته «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي بعد الْعَصْر وَينْهَى عَنْهَا، ويواصل وَينْهَى عَن الْوِصَال» . وَابْن إِسْحَاق هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار (أَبُو) بكر، وَيُقَال: أَبُو عبد الله المطلبي، مَوْلَاهُم الْمدنِي الإِمَام صَاحب الْمَغَازِي، رَأَى أنسا، وَرَوَى عَن عَطاء وطبقته، وَعنهُ الْأَئِمَّة وَكَانَ مِمَّن يحوز (الْعلم) وَله غرائب فِي سَعَة مَا (رَوَى) وَهُوَ صَدُوق، وَحَدِيثه فَوق الْحسن، وَقد صَححهُ جمَاعَة. قَالَ أَحْمد: حسن الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: كثير التَّدْلِيس. وَقَالَ ابْن (الْمَدِينِيّ: حَدِيث) حسن صَحِيح. وَأَثْنَى عَلَيْهِ أَيْضا مُحَمَّد بن (شهَاب) وَشعْبَة وَابْن عُيَيْنَة وَأَبُو زرْعَة وَالْبُخَارِيّ، ووثقة الْعجلِيّ وَابْن سعد. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: حَدِيثه صَحِيح. وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة الدوري والساجي: ثِقَة. وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا وَاسْتشْهدَ بِهِ مُسلم فِي خَمْسَة أَحَادِيث. وأفظع (مَالك القَوْل فِيهِ) فَقَالَ: هُوَ دجال من الدجاجلة، وَقد أنكر ذَلِك عَلَيْهِ غير وَاحِد حَتَّى قَالَ الْخَطِيب: أطلق مَالك لِسَانه فِي قوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 معروفين بالثقة وَالصَّلَاح، وَقَالَ ابْن نمير: لم يعرفهُ مَالك وَلم يجالسه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: ذاكرت دحيمًا قَول مَالك فَرَأَى أَن ذَلِك لَيْسَ للْحَدِيث، إِنَّمَا ذَلِك؛ لِأَنَّهُ اتهمه (بِالْقدرِ) قَالَ ابْن نمير: وَقد كَانَ أبعد النَّاس (مِنْهُ - أَي) من الْقدر - وَذكر ابْن حبَان شبه (مقَالَته) هَذِه فِيهِ فَقَالَ فِي «ثقاته» : فِي أَتبَاع التَّابِعين: تكلم فِيهِ) رجلَانِ، هِشَام بن عُرْوَة وَمَالك بن أنس؛ أما هِشَام فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: إِن ابْن إِسْحَاق حدث عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر؟ قَالَ: وَهل كَانَ يصل إِلَيْهَا؟ ! قَالَ ابْن حبَان: وَهَذَا لَيْسَ (مِمَّا) يجرح بِهِ الْإِنْسَان، وَذَلِكَ أَن التَّابِعين مثل الْأسود وعلقمة من أهل الْعرَاق، وَأبي سَلمَة وَعَطَاء ودونهما من أهل الْحجاز قد سمعُوا من عَائِشَة من غير أَن ينْظرُوا إِلَيْهَا، سمعُوا صَوتهَا، وَقبل النَّاس أخبارهم من غير أَن يصل إِلَيْهَا حَتَّى ينظر إِلَيْهَا عيَانًا، وَكَذَلِكَ ابْن إِسْحَاق كَانَ يسمع من فَاطِمَة والسّتْر من بَينهمَا مُسْبَل أَو بَينهمَا (حَائِل) بِحَيْثُ يسمع كَلَامهَا، فَهَذَا سَماع صَحِيح، والقادح فِيهِ بِهَذَا غير منصف. وَأما مَالك؛ فَإِنَّهُ كَانَ ذَلِك مِنْهُ مرّة، ثمَّ عَاد إِلَى مَا يحب، وَذَلِكَ أَنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الْعَرَب وأيامهم من مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَكَانَ يزْعم أَن مَالِكًا من موَالِي ذِي أصبح وَكَانَ مَالك يزْعم أَنه من أنفسهم، فَوَقع بَينهمَا (لهَذَا) مُعَارضَة، فَلَمَّا صنف مَالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 «الْمُوَطَّأ» قَالَ (ابْن إسحاق) : ائْتُونِي بِهِ فَإِنِّي بيطاره، فَنقل ذَلِك إِلَى مَالك، فَقَالَ: (هُوَ) دجال من الدجاجلة يروي عَن الْيَهُود، وَكَانَ بَينهم مَا يكون بَين النَّاس، حَتَّى عزم مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَلَى الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق فتصالحا حِينَئِذٍ، فَأعْطَاهُ مَالك عِنْد ذَلِك (الْوَدَاع) خمسين دِينَارا نصف ثَمَرَته تِلْكَ السّنة، وَلم يكن يقْدَح فِيهِ مَالك من أجل الحَدِيث، إِنَّمَا كَانَ يُنكر عَلَيْهِ تتبعه غزوات النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أَوْلَاد الْيَهُود الَّذين أَسْلمُوا وحفظوا قصَّة خَيْبَر وَقُرَيْظَة وَالنضير وَمَا أشبههَا من الْغَزَوَات عَن أسلافهم، وَكَانَ ابْن إِسْحَاق يتتبع هَذَا عَنْهُم (ليَعْلَمَ، من غير أَن يحْتَج بهم، وَكَانَ مَالك لَا [يرَى] الرِّوَايَة إِلَّا عَن متقن صَدُوق فَاضل) يحسن مَا يروي، ويروي مَا يحدث. قَالَ عَلّي بن الْحُسَيْن بن وَاقد: دخلت عَلَى ابْن الْمُبَارك وَإِذا هُوَ وَحده، فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، كنت أشتهي أَن أَلْقَاك عَلَى هَذِه الْحَالة. قَالَ: هَات. قلت: مَا تَقول فِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق؟ قَالَ: أما إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَدُوقًا - ثَلَاث مَرَّات. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: كَانَ (مُحَمَّد) بن إِسْحَاق ثبتًا فِي الحَدِيث. قَالَ ابْن حبَان: لم يكن أحد بِالْمَدِينَةِ يُقَارب ابْن إِسْحَاق فِي علمه وَلَا يوازيه فِي جمعه. وَكَانَ شُعْبَة سُفْيَان يَقُولَانِ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث، وَهُوَ من أحسن النَّاس سياقًا للْأَخْبَار، وَأَحْسَنهمْ حفظا لمتونها، وَإِنَّمَا أُذي؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلس عَلَى الضُّعَفَاء؛ فَوَقع الْمَنَاكِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 فِي رِوَايَته من قبل أُولَئِكَ، فَأَما إِذا بَين السماع فِيمَا يرويهِ فَهُوَ ثَبت يحْتَج بروايته. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَدُوق، وَالدَّلِيل عَلَى صدقه أَنه مَا رَوَى عَن أحد من الجلة إِلَّا وَرَوَى عَن رجل عَنهُ؛ فَهَذَا يدل عَلَى صدقه. وَفِي رِوَايَة أَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ سُئِلَ عَنهُ أَيْضا، فَقَالَ: ثِقَة قد أدْرك نَافِعًا (وَرَوَى) عَنهُ وَرَوَى (عَن رجل) عَنهُ، وَعَن رجل (عَن رجل) عَنهُ هَل يدل (ذَلِك) إِلَّا عَلَى الصدْق. قَالَ ابْن حبَان: كَانَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق يكْتب عَن من فَوْقه وَمثله ودونه لرغبته فِي الْعلم وحرصه عَلَيْهِ (فَرُبمَا) يروي عَن رجل قد رَآهُ، ويروي عَن آخر عَنهُ فِي مَوضِع آخر، ويروي عَن رجل، عَن رجل عَنهُ، فَلَو كَانَ مِمَّن يسْتَحل الْكَذِب لم يحْتَج إِلَى الْإِنْزَال؛ بل كَانَ يحدث عَمَّن يرَاهُ ويقتصر عَلَيْهِ، فَهَذَا مِمَّا يدلك عَلَى صدقه وشهرة عَدَالَته فِي الرِّوَايَات. قَالَ يَحْيَى بن يَحْيَى وَذكر (عِنْده) مُحَمَّد بن إِسْحَاق: فوثقه. هَذَا آخر كَلَام ابْن حبَان، وَقد أوضح تَرْجَمته وأجاد. وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان - وَهُوَ المدقق فِي النّظر -: (المتحصل) من أَمر ابْن إِسْحَاق الثِّقَة وَالْحِفْظ، وَلَا سِيمَا السّير (وَلم) يَصح عَلَيْهِ قَادِح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله (ومنته) وَذكر فِيهِ من الْآثَار عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْحَائِض: تطهر قبل (طُلُوع) الْفجْر بِرَكْعَة يلْزمهَا الْمغرب وَالْعشَاء» وَهُوَ أثر مَشْهُور عَنْهُمَا (رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ) . أما الأول (فَرَوَاهُ) من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن يَرْبُوع، عَن جده عبد الرَّحْمَن، عَن مولَى لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: (إِذا طهرت الْحَائِض قبل أَن تغرب الشَّمْس صلت الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَإِذا طهرت (الْحَائِض) قبل أَن يطلع الْفجْر صلت الْمغرب وَالْعشَاء جَمِيعًا. قَالَ الْخلال: (كَانَ) أَبُو عبد الله - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل - (يَقُول) مُحَمَّد بن عُثْمَان (هَذَا) (كَانَ) ثِقَة، فِي إِسْنَاده مولَى لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف - لَعَلَّه - يَعْنِي أَنه مَجْهُول - قَالَ: وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة يهم فِيهِ فَيَقُول: سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع وَإِنَّمَا هُوَ عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن يَرْبُوع، قيل لأبي عبد الله: رَوَاهُ حَاتِم والدراوردي - يَعْنِي عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان - (فَأَيّهمَا) أحب إِلَيْك؟ قَالَ: حَاتِم، وَحمل عَلَى الدَّرَاورْدِي يحدث أَحَادِيث مَنَاكِير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 وَأما أثر ابْن عَبَّاس - وَهُوَ الثَّانِي - فَرَوَاهُ من حَدِيث زَائِدَة، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (إِذا طهرت الْمَرْأَة (فِي) وَقت صَلَاة الْعَصْر فلتبدأ بِالظّهْرِ (فلتصلها) ثمَّ (لتصل) الْعَصْر، وَإِذا طهرت فِي وَقت الْعشَاء الْآخِرَة فلتبدأ (فلتصل) الْمغرب وَالْعشَاء» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ لَيْث بن أبي سليم، عَن طَاوس وَعَطَاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (وَإِذا طهرت قبل الْفجْر صلت الْمغرب وَالْعشَاء) . قَالَ: وَقيل (عَنهُ) عَنْهُمَا من قَوْلهمَا. قَالَ: ورويناه عَن جمَاعَة من التَّابِعين سواهُمَا، وَعَن الْفُقَهَاء السَّبْعَة من الْمَدِينَة، وَقَالَ فِي «خلافياته» قَالَ أَبُو بكر بن إِسْحَاق: وَلَا أعلم أحدا من الصَّحَابَة خالفهما فِي ذَلِك - يَعْنِي ابْن عَوْف وَابْن عَبَّاس. قلت: وَفِي الْكتاب الْمُسَمَّى ب (بالموضح أَوْهَام الْجمع والتفريق) . لِلْحَافِظِ أبي بكر الْخَطِيب من حَدِيث عبَادَة بن نسي، عَن ابْن غنم «أَنه سَأَلَ معَاذ بن جبل عَن الْمَرْأَة تطهر قبل غرُوب الشَّمْس؛ قَالَ: تصلي الْعَصْر. (قَالَ) : قبل ذهَاب الشَّفق؟ قَالَ: تصلي الْمغرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 قَالَ: قبل طُلُوع الشَّمْس؟ قَالَ: تصلي الْفجْر. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا ويأمرنا أَن نعلم نِسَاءَنَا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا) بَاب الْأَذَان ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ وَأسْقط الْأَذَان من الثَّانِيَة) . هَذَا حَدِيث صَحِيح؛ فَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل فِي صفة حجه عَلَيْهِ السَّلَام: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (فَأجَاز حَتَّى أَتَى (عَرَفَة) » وسَاق الحَدِيث إِلَى أَن ذكر خطْبَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثمَّ أذن، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر، وَلم يصل بَينهمَا ... » وسنسوق الحَدِيث بِكَمَالِهِ فِي كتاب الْحَج إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه أَيْضا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى الْمزْدَلِفَة فَصَلى (بهَا) الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ لم (يسبح) بَينهمَا شَيْئا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ واللَّفْظ للْبُخَارِيّ (من حَدِيث ابْن) عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «جمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِإِقَامَة، وَلم يسبح بَينهمَا وَلَا عَلَى إِثْر وَاحِدَة مِنْهُمَا» . مَعْنَى لم يسبح: لم (يصل) نَافِلَة، وَجمع: هِيَ الْمزْدَلِفَة. وَلَفظ مُسلم: «جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، صَلَّى الْمغرب ثَلَاثًا، وَالْعشَاء رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَة وَاحِدَة» . وَفِي رِوَايَة للنسائي (صَلَّى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِإِقَامَة وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: بِإِقَامَة وَاحِدَة) لكل صَلَاة، وَلم يناد فِي الأولَى» وَهِي مفسرة لرِوَايَة مُسلم، وَرِوَايَة البُخَارِيّ توضحها، وَهِي قصَّة وَاحِدَة. وَفِي رِوَايَة (للشَّافِعِيّ: «لم (يناد) فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَّا (بِإِقَامَة) ، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) أُخْرَى نقلهَا ابْن عبد الْبر: «لم يناد بَينهمَا وَلَا عَلَى أثر (وَاحِدَة) مِنْهُمَا إِلَّا بِالْإِقَامَةِ» (وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 أَيْضا من حَدِيث أُسَامَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جمع بَين العشائين بِمُزْدَلِفَة بإقامتين) » . قَالَ الْأَئِمَّة: وَرِوَايَة جَابر فِي إِثْبَات الْأَذَان مُقَدّمَة عَلَى رِوَايَة ابْن عمر؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة (ثِقَة لَا يعارضها شَيْء، وَلِأَنَّهُ أعرفهم بِأَمْر حجَّة الْوَدَاع، وَأَحْسَنهمْ سِيَاقَة لَهُ، وأشدهم مُحَافظَة عَلَى الاعتناء بِهِ، واستيعابه. وَذكر الطَّبَرِيّ فِي «تَهْذِيب الْآثَار» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صلاهما بِإِقَامَة وَاحِدَة» من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَابْن عمر، وَأبي بن كَعْب، وَخُزَيْمَة بن ثَابت، وَأُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، وَمَا قدمْنَاهُ يُخَالِفهُ وَالْأَخْذ بِهِ أولَى (وَالله أعلم) . الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى أَصله من حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن (شببة) متقاربون فَأَقَمْنَا عِنْده عشْرين لَيْلَة، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رحِيما رَقِيقا فَظن أنَّا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عَمَّن تَرَكْنَاهُ من أهالنا فَأَخْبَرنَاهُ فَقَالَ: ارْجعُوا إِلَى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم، وليؤمكم أكبركم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 وَفِي رِوَايَة لَهما: (إِذا حضرت الصَّلَاة فأذنا ثمَّ أقيما، وليؤمكما أكبركما) . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (مُرُوهُمْ فليصلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، (وَصَلَاة) كَذَا فِي حِين كَذَا) . وَفِي رِوَايَة لَهُ وَهِي من أَفْرَاده: (وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) . وَفِي مُسلم قَالَ خَالِد الْحذاء: (وَكُنَّا متقاربين فِي الْقِرَاءَة) . وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان: (وَكَانَا متقاربين) قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة من كَلَام أبي قلَابَة أدرجها خَالِد الطَّحَّان. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، وَفِيه: قَالَ خَالِد: (فَقلت لأبي قلَابَة فَأَيْنَ الْقِرَاءَة؟ قَالَ: إنَّهُمَا كَانَا متقاربين) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: (إِذا خرجتما فليؤذن أَحَدكُمَا وليقم وليؤمكما أكبركما) ، قَالَ: وَفِي هَذَا بَيَان عَلَى أَن قَوْله «فأذنا وأقيما» أَرَادَ بِهِ أَحدهمَا لَا كِلَاهُمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 قلت: وَكَذَا ترْجم البُخَارِيّ عَلَيْهِ بَاب من قَالَ ليؤذن فِي السّفر مُؤذن وَاحِد، وَترْجم عَلَيْهِ بتراجم أخر مِنْهَا: الْأَذَان للْمُسَافِر إِذا كَانُوا جمَاعَة، (وَمِنْهَا رَحْمَة النَّاس والبهائم من كتاب الْأَدَب) وَمِنْهَا إجَازَة خبر الْوَاحِد. فَائِدَة: قَوْله «رَقِيقا» - هُوَ بقافين - وَفِي بعض رِوَايَات البُخَارِيّ (بفاء وقاف) قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم، «ورأيتموني» مَعْنَاهُ: علمتموني، «والشببة» جمع شَاب مثل: كَاتب وكتبة، وسافر وسفرة، وَيجمع أَيْضا عَلَى شباب، قَالَه الْهَرَوِيّ. قَالَ: وَلَا يجمع فَاعل عَلَى فعال (غَيره) وَفِي حد الشَّبَاب اخْتِلَاف ذكرته فِي شرح الْعُمْدَة فِي كتاب النِّكَاح فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأبي سعيد الْخُدْرِيّ: «إِنَّك رجل تحب الْغنم والبادية، فَإِذا دخل وَقت الصَّلَاة فَأذن وارفع صَوْتك؛ فَإِنَّهُ لَا يسمع صَوْتك (حجر) وَلَا شجر وَلَا مدر إِلَّا شهد لَك يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» ، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالْإِمَام تبع (القَاضِي) الْحُسَيْن، وَكَذَا هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 مَذْكُور فِي شرح ابْن دَاوُد (للمختصر) وَهُوَ من مُتَقَدِّمي الْأَصْحَاب، وَكَذَا هُوَ فِي الْحَاوِي (للماوردي) وَهُوَ (تَغْيِير) للْحَدِيث، وَصَوَابه مَا ثَبت فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» وَغَيره، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ (أَنه) قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاك تحب الْغنم والبادية، فَإِذا كنت فِي غنمك [أَو] باديتك فَأَذنت بِالصَّلَاةِ فارفع صَوْتك بالنداء؛ فَإِنَّهُ لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس (وَلَا شَيْء) إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ أَبُو سعيد: (سمعته) من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذَا لَفظه وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَكَذَا أخرجه مَالك فِي موطئِهِ وَأخرجه الشَّافِعِي عَنهُ كَذَلِك، غير أَنه لم يذكر فِيهِ «بالنداء» وَلم يذكر فِيهِ الْمُؤَذّن، بل قَالَ: «مدى صَوْتك» فصوابه أَن الْقَائِل لذَلِك (هُوَ) أَبُو سعيد للراوي عَنهُ، لَا جرم اعْترض ابْن الصّلاح فَقَالَ: أصل هَذَا الحَدِيث ثَابت، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك، وَأخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن (ابْن) أبي أويس، عَن مَالك، لَكِن (قَول) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 صَاحب الْكتاب - يَعْنِي الْغَزالِيّ - وَشَيْخه: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأبي سعيد: «إِنَّك رجل تحب الْغنم والبادية» وهم وتحريف (إِنَّمَا) الْقَائِل لذَلِك أَبُو سعيد للراوي عَنهُ، وَهُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «تنقيحه» : هَذَا الحَدِيث مِمَّا غَيره المُصَنّف وَشَيْخه وَالْمَاوَرْدِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْن والرافعي وَغَيرهم من الْفُقَهَاء، فَجعلُوا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هُوَ قَائِل هَذَا الْكَلَام لأبي سعيد، وغيروا لَفظه أَيْضا، فَالصَّوَاب مَا ثَبت فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» و «الْمُوَطَّأ» وَجَمِيع كتب الحَدِيث، ثمَّ سَاق رِوَايَة البُخَارِيّ السالفة وَقَالَ: هَذَا لفظ رِوَايَة البُخَارِيّ وَسَائِر الْمُحدثين وَغَيرهم، وَأَبْدَى الشَّيْخ نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «مطلبه» عذرا حسنا لهَؤُلَاء الْجَمَاعَة فَقَالَ: لَعَلَّ الْحَامِل للْقَاضِي عَلَى ذَلِك جعل قَول أبي سعيد: (سمعته) من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. عَائِدًا إِلَى كل مَا ذكره أَبُو سعيد للرواي عَنهُ، وَيكون تَقْدِيره: سَمِعت مثل مَا ذكرت لَك من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كَذَلِك صَحَّ مَعَه مَا ذكره المُصَنّف وَمن (تبعه) بِاعْتِبَار الْمَعْنى لَا بِصُورَة اللَّفْظ، قَالَ: وَقد رَأَيْت فِي شرح ابْن دَاوُد (للمختصر) - وَهُوَ من مُتَقَدِّمي الْأَصْحَاب قبل الشَّيْخ أبي حَامِد وَأَتْبَاعه - مَا أودعهُ الْغَزالِيّ غير أَنه لم يقل فِيهِ: «فَأذن» وَلَكِن قَالَ فِيهِ: «فَأَذنت» - كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ - وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ أَمر بِالْأَذَانِ بل الْمَأْمُور فِيهِ رفع الصَّوْت إِن وجد الْأَذَان، وَلِهَذَا اسْتدلَّ بِهِ القَاضِي عَلَى رفع الصَّوْت فَقَط وَلَعَلَّه (المسموع) من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا (هَذَا القيل) ، وَلَقَد أوردهُ البُخَارِيّ فروَى عَنهُ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: ( الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة) . فَائِدَة: المدى - بِفَتْح الْمِيم - مَقْصُور (وَيكْتب) بِالْيَاءِ، وَهُوَ الْغَايَة، وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين - إِن شَاءَ الله تعالي. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا كَانَ أحدكُم بِأَرْض فلاة فَدخل عَلَيْهِ وَقت صَلَاة، فَإِن صَلَّى بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة صَلَّى وَحده، وَإِن صَلَّى بِإِقَامَة صَلَّى بِصَلَاتِهِ ملكا، وَإِن صَلَّى بِأَذَان وَإِقَامَة صَلَّى خَلفه من الْمَلَائِكَة صف أَوَّلهمْ بالمشرق وَآخرهمْ بالمغرب» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك القَاضِي وَغَيره وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، وَمَالك، وَالنَّسَائِيّ، وَالطَّبَرَانِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهم مطولا ومختصرًا وَبَعْضهمْ رَوَاهُ مَرْفُوعا (وَبَعْضهمْ مَوْقُوفا) . أما عبد الرَّزَّاق بن همام فَأخْرجهُ فِي كتاب الصَّلَاة عَلَى مَا نَقله الضياء فِي «أَحْكَامه» من حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا كَانَ الرجل بِأَرْض (قِيّ) (أَي قفر) فحانت الصَّلَاة، فَليَتَوَضَّأ، فَإِن لم يجد مَاء فليتيمم، فَإِن أَقَامَ صَلَّى مَعَه ملكاه، وَإِن أذّن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وَأقَام صَلَّى خَلفه من جنود الله - تَعَالَى - مَا لَا يُرى طرفاه» . وَأخرجه أَبُو مُحَمَّد بن حبَان - عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» - عَن إِسْحَاق بن (حَكِيم) ، عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن (ابْن) التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان مَرْفُوعا بِهِ. وَأما مَالك فَأخْرجهُ فِي «الْمُوَطَّأ» عَن يَحْيَى بن (سعيد) ، عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ يَقُول: «من صَلَّى بِأَرْض فلاة صَلَّى عَن يَمِينه ملك، وَعَن شِمَاله ملك، (وَإِن) أذن وَأقَام الصَّلَاة صَلَّى وَرَاءه من الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْجبَال» . وَقيل: إِن (فِي) رِوَايَة القعْنبِي: «أذن وَأقَام» حَكَاهُ صَاحب «الإِمَام» . قَالَ الدارقطني فِي «علله» : وَهَذَا حَدِيث يرويهِ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ اللَّيْث، عَن يَحْيَى، (عَن) ابْن الْمسيب، عَن معَاذ. وَخَالفهُ مَالك فَرَوَاهُ عَن يَحْيَى، عَن ابْن الْمسيب قَوْله. وَقَول اللَّيْث أصح، قَالَ: وَمن عَادَة مَالك إرْسَال الْأَحَادِيث وَإِسْقَاط رجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 وَأما النَّسَائِيّ (فَأخْرجهُ) فِي كتاب المواعظ من «سنَنه» عَن سُوَيْد بن نصر، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن مل - وَهُوَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ - عَن سلمَان مَرْفُوعا: «إِذا كَانَ الرجل فِي أَرض فَتَوَضَّأ فَإِن لم يجد المَاء تيَمّم، ثمَّ يُنَادي بِالصَّلَاةِ، ثمَّ يقيمها (و) يُصليهَا إِلَّا أم من جنود الله صفًّا» قَالَ عبد الله: وَزَادَنِي سُفْيَان، عَن دَاوُد، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان: (يَرْكَعُونَ بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون عَلَى دُعَائِهِ) وَكتاب المواعظ من النَّسَائِيّ مَوْجُود فِي رِوَايَة حَمْزَة بن عَمْرو الْكِنَانِي فَحَذفهُ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر كَمَا نبه عَلَيْهِ (الْمزي) فِي «أَطْرَافه» . وَأما الطَّبَرَانِيّ (فَإِنَّهُ أخرجه) فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أبي نعيم، نَا عِيسَى بن قرطاس، حَدثنِي الْمسيب بن (رَافع) لَا أعلمهُ إِلَّا عَن زر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (إِذا كَانَ الرجل بِأَرْض قي فحانت الصَّلَاة فَليَتَوَضَّأ، فَإِن لم يجد مَاء فليتيمم، فَإِن أَقَامَ صَلَّى مَعَه ملكاه، وَإِن أذن وَأقَام صَلَّى (خَلفه) من جنود الله من لَا يرَى طرفاه) . وَأما الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، نَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن سلمَان قَالَ: «لَا يكون (رجل) بِأَرْض قي فيتوضأ أَو يتَيَمَّم صَعِيدا طيبا فينادي بِالصَّلَاةِ، ثمَّ يقيمها (فَيصَلي) » وَفِي رِوَايَة: « (فيقيمها) إِلَّا أم من جنود الله (من) لَا يرَى (قطراه) أَو قَالَ: طرفاه» شكّ التَّيْمِيّ. ثمَّ أخرجه من حَدِيث (يزِيد) بن هَارُون، نَا سُلَيْمَان، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان قَالَ: (لَا يكون رجل بِأَرْض قي فيتوضأ إِن وجد مَاء، (وَإِلَّا) (يتَيَمَّم) فينادي بِالصَّلَاةِ، ثمَّ يقيمها إِلَّا أَمَّ من جنود الله مَا لَا يرَى طرفاه - أَو قَالَ: طرفه) . ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف، قَالَ: وَقد (رَوَى) مَرْفُوعا (قَالَ) : وَلَا يَصح رَفعه، ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن سلمَان مَرْفُوعا: (مَا من رجل يكون بِأَرْض قيًّ فَيُؤذن بِحَضْرَة الصَّلَاة، وَيُقِيم الصَّلَاة (فَيصَلي) ، إِلَّا (صَلَّى) خَلفه من الْمَلَائِكَة مَا لَا يرَى (قطراه) يَرْكَعُونَ بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون عَلَى دُعَائِهِ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 وَرَوَاهُ ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» من حَدِيث يزِيد بن سُفْيَان، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان وَلَفظه: (من كَانَ بفلاة من الأَرْض، ثمَّ أذن وَأقَام، صَلَّى مَعَه من جنود الله مَا لَا يرَى طرفاه) . قَالَ: وَيزِيد هَذَا لَيْسَ بِحجَّة. قلت: وَيروَى أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة مَرْفُوعا: (إِذا كَانَ الرجل بِأَرْض فلاة فَحَضَرَ وَقت (الصَّلَاة) ، فَأذن ثمَّ أَقَامَ وَرفع صَوته، ثمَّ صَلَّى صَلَّى خَلفه أَمْثَال الْجبَال من الْمَلَائِكَة، وَإِذا صَلَّى وَلم يُؤذن لم (يصل) مَعَه إِلَّا (ملكاه)) . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «حلية الْأَوْلِيَاء» من حَدِيث (ضَمرَة) عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن كَعْب الْأَحْبَار: (إِذا صَلَّى الرجل بِأَذَان وَإِقَامَة، صَلَّى مَعَه من الْمَلَائِكَة مَا يسد الْأُفق، وَإِذا صَلَّى بِإِقَامَة، صَلَّى مَعَه ملكاه) . قلت: فَحَدِيث سلمَان الْمَوْقُوف هُوَ الْعُمْدَة، وَالْبَاقِي شَوَاهِد لَهُ، وَلَا يخْفَى التسامح فِي بَاب الْفَضَائِل. فَائِدَة: قَوْله: «أَرض قيًّ - هُوَ بِالْقَافِ - أَي قفر كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الصّلاح. ثمَّ قيل: المُرَاد بِالْحَدِيثِ إِذا كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَنَحْوهَا؛ لِأَن الْمَدِينَة عَلَى يسَار الْكَعْبَة فَيصير (هُنَا صف) أَوله الْمشرق وَآخره الْمغرب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 وَعَلَى مثل هَذَا حمل الحَدِيث السائر: (مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة) . وَقيل: المُرَاد التَّقْدِير بِمَعْنى لَو فعل هَكَذَا صَلَّى (و) مَعَه صف من الْمَلَائِكَة يبلغ هَذَا الْمِقْدَار، حَكَاهُمَا ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» ، قَالَ: وَلَعَلَّ المُرَاد بالملكين فِي خبر سعيد بن الْمسيب السَّابِق «الْحفظَة» ؛ لِأَنَّهُمَا حاضران مَعَه فَلَا يحتاجان إِلَى نِدَاء. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (حبسنا عَن الصَّلَاة يَوْم الخَنْدَق حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب وهويًا من اللَّيْل، فَدَعَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِلَالًا فَأَقَامَ الظّهْر فَصلاهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعَصْر فَصلاهَا، ثمَّ أَقَامَ الْمغرب فَصلاهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء فَصلاهَا، وَلم يُؤذن لَهَا مَعَ الْإِقَامَة) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن ابْن أبي فديك، (عَن ابْن أبي ذِئْب) عَن المَقْبُري، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أبي سعيد قَالَ: (حبسنا يَوْم الخَنْدَق عَن الصَّلَاة، حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب بهوي من اللَّيْل حَتَّى كفيناه، وَذَلِكَ قَول الله - تَعَالَى -: (وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قويًّا عَزِيزًا) فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِلَالًا فَأمره فَأَقَامَ الظّهْر فَصلاهَا فَأحْسن صلَاتهَا كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعَصْر فَصلاهَا كَذَلِك، ثمَّ أَقَامَ الْمغرب فَصلاهَا كَذَلِك (ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء فَصلاهَا كَذَلِك) أَيْضا، قَالَ: وَذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 قبل أَن ينزل فِي صَلَاة الْخَوْف (فرجالًا أَو ركبانًا) وَهُوَ مخرج فِي «مُسْند الشَّافِعِي» ، و «السّنَن المأثورة» وَالَّتِي رَوَاهَا الْمُزنِيّ عَنهُ أَيْضا. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (أَيْضا بقريب من هَذَا اللَّفْظ وَبِنَحْوِ من رِوَايَة الرَّافِعِيّ وَرِوَايَة النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ) عَن عَمْرو بن عَلّي، عَن يَحْيَى، (عَن) ابْن أبي ذِئْب بِالْإِسْنَادِ قَالَ: (شغلنا الْمُشْركُونَ يَوْم الخَنْدَق عَن صَلَاة الظّهْر حَتَّى غربت الشَّمْس، وَذَلِكَ قبل أَن ينزل فِي الْقِتَال، فَأنْزل الله - تَعَالَى -: (وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال (فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِلَالًا فَأذن لِلظهْرِ فَصلاهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أذن للعصر فَصلاهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أذن للمغرب فَصلاهَا فِي وَقتهَا) ، كَذَا نقلته من أصل أصيل (لكتاب) النَّسَائِيّ، وَوَقع لعبد الْحق والنَّوَوِيّ اخْتِلَاف فِي النَّقْل عَنهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : ورواة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات؛ فقد احْتج مُسلم بِعَبْد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وسائرهم مُتَّفق عَلَى عدالتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 قلت: لَا جرم أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة، نَا مُحَمَّد بن بشار، نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن ابْن أبي ذِئْب، نَا سعيد المَقْبُري، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه قَالَ: (حبسنا يَوْم الخَنْدَق حَتَّى كَانَ بعد الْمغرب وَذَلِكَ قبل أَن ينزل الْقِتَال، فَلَمَّا كفينا [فِي] الْقِتَال - وَذَلِكَ قَول الله - تَعَالَى -: (وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قويًّا عَزِيزًا) - أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِلَالًا فَأَقَامَ الظّهْر (فَصَلى) كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أَقَامَ الْعَصْر (فَصَلى) كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ أَقَامَ الْمغرب (فَصَلى) كَمَا كَانَ يُصليهَا فِي وَقتهَا» وَذكره ابْن السكن أَيْضا (فِي «صحاحه» . قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : وَرَوَى أَبُو عَلّي الزَّعْفَرَانِي، عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ) فِي كِتَابه الْقَدِيم: أَنا غير وَاحِد، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن المَقْبُري ... وَذكر الحَدِيث، لَكِن قَالَ: (بعد الْعشَاء بهوي من اللَّيْل، فَأمر بِلَالًا فَأذن فَأَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أمره فَأَقَامَ فَصَلى الْعَصْر ... ) وَذكر بَاقِي الحَدِيث. قَالَ: فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن ابْن أبي ذِئْب فِي الْأَذَان لِلظهْرِ، والأثبت (عَنهُ) مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 قلت: لَكِن لَهُ شَاهد عَلَى الْأَذَان رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث مُؤَمل، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق، عَن مُجَاهِد، عَن جَابر بن عبد الله: (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شغل يَوْم الخَنْدَق عَن صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء، فَأمر بِلَالًا فَأذن وَأقَام فَصَلى الظّهْر، ثمَّ (أمره) فَأَقَامَ فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أمره (فَأذن وَأقَام) فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أمره فَأذن وَأقَام فَصَلى الْعشَاء، ثمَّ قَالَ: مَا عَلَى وَجه الأَرْض قوم يذكرُونَ الله هَذِه السَّاعَة غَيْركُمْ) (ثمَّ)) قَالَ الْبَزَّار: هَذَا حَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن جَابر بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد اخْتلف عَن مُجَاهِد فَرَوَاهُ مُؤَمل من حَدِيث عبد الْكَرِيم عَنهُ، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن عبد الله، وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ رَوَاهُ عَن حَمَّاد بن سَلمَة بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا مُؤَمل. قلت: وَقد ضعفه أَبُو حَاتِم، وَعبد الْكَرِيم كذب وَترك، وَأخرج لَهُ (خَ) تَعْلِيقا، و (م) مُتَابعَة، و (ت، ق) وَله (شَاهد ثَانِي) من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن ابْن مَسْعُود (قَالَ) : (شغل الْمُشْركُونَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الخَنْدَق عَن الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء، (فَأمر) بِلَالًا فَأذن وَأقَام فَصَلى الظّهْر، وَأذن وَأقَام فَصَلى الْعَصْر، وَأذن وَأقَام فَصَلى الْمغرب) . وَذكر الْعشَاء أَيْضا. وَرَوَاهُ أَحْمد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي عُبَيْدَة (بن) مَسْعُود، عَن أَبِيه: «أَن (الْمُشْركين) شغلوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أَربع صلوَات حَتَّى ذهب من اللَّيْل مَا شَاءَ الله، فَأمر بِلَالًا فَأذن (و) أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعشَاء» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْس إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من عبد الله - يَعْنِي فَيكون مُنْقَطِعًا. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: (يجمع) بَين هَذَا الِاخْتِلَاف فِي حَدِيث أبي سعيد وَابْن مَسْعُود بِتَعَدُّد الْوَاقِعَة؛ فَإِن أَيَّام الخَنْدَق كَانَت خَمْسَة عشر يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي. ثَانِيهَا: كَانَ فَوَات هَذِه الصَّلَوَات (الِاشْتِغَال) بِالْقِتَالِ، وَذَلِكَ قبل نزُول آيَة الْخَوْف كَمَا سلف، وَالْمرَاد بشغله عَن صَلَاة الْعشَاء كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 سلف: عَن وَقتهَا الَّذِي كَانَ يُصليهَا فِيهِ غَالِبا. ثَالِثهَا: قَوْله: «حَتَّى ذهب هوي من اللَّيْل» هُوَ بِفَتْح الْهَاء وَكسر الْوَاو وَتَشْديد الْيَاء، وَيُقَال أَيْضا: بِضَم الْهَاء (حَكَاهُمَا) صَاحب الْمطَالع وَغَيره، وَالْفَتْح أفْصح وَأشهر، وَمَعْنَاهُ: طَائِفَة مِنْهُ. وَجزم الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» بِأَنَّهُ بِفَتْح الْهَاء وَأَنه الْحِين الطَّوِيل من الزَّمن، ثمَّ قَالَ: وَقيل إِنَّه (يخْتَص) بِاللَّيْلِ. رَابِعهَا: يَوْم الخَنْدَق (و) هُوَ يَوْم الْأَحْزَاب، وَكَانَ فِي سنة أَربع من الْهِجْرَة، كَمَا نَقله البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن مُوسَى بن عقبَة وَقيل: سنة خمس، وَسمي يَوْم الْأَحْزَاب؛ لِأَن الْكفَّار تحزبوا من كل قَبيلَة حَتَّى بلغُوا عشرَة آلَاف، فَلَمَّا بلغ خبرهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شاور الْمُسلمين فِي أَمرهم، فَأَشَارَ سلمَان الْفَارِسِي (بِحَفر) الخَنْدَق، فَاسْتَحْسَنَهُ الْمُسلمُونَ وتقاسموا الخَنْدَق، وَكَانُوا ثَلَاثَة آلَاف، فحفروه فِي سِتَّة أَيَّام، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ يحْفر مَعَهم وَيَقُول: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ... إِلَى آخِره وَكَانَ مُدَّة حصارهم خَمْسَة عشر يَوْمًا، ثمَّ أرسل الله (تَعَالَى) عَلَى الْكفَّار ريحًا وجنودًا لم يرهَا الْمُسلمُونَ فَهَزَمَهُمْ (الله) بهَا وَللَّه الْحَمد (والْمنَّة) . الحَدِيث السَّادِس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي سفر فَقَالَ: احْفَظُوا علينا صَلَاتنَا - يَعْنِي رَكْعَتي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 الْفجْر - فَضرب عَلَى آذانهم فَمَا أيقظهم إِلَّا حر الشَّمْس، فَقَامُوا فَسَارُوا هنيَّة، ثمَّ نزلُوا فَتَوضئُوا وَأذن بِلَال فصلوا رَكْعَتي الْفجْر وركبوا) . هَذَا (حَدِيث) مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طَرِيقين: أَحدهمَا: من طَرِيق أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سرنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة فَقَالَ بعض الْقَوْم: لَو عرَّست يَا رَسُول الله قَالَ: أَخَاف أَن تناموا عَن الصَّلَاة. قَالَ بِلَال: أَنا أوقظكم (فاضطجعوا) وَأسْندَ بِلَال ظَهره إِلَى رَاحِلَته فغلبته عَيناهُ فَنَامَ، واستيقظ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد طلع حَاجِب الشَّمْس فَقَالَ: يَا بِلَال أَيْن مَا قلت؟ ! قَالَ: مَا ألقيت عليّ نومَة مثلهَا قطّ. قَالَ: إِن الله قبض أرواحكم حِين شَاءَ وردهَا عَلَيْكُم حِين شَاءَ، يَا (بِلَال) قُم فَأذن (بِالنَّاسِ) بِالصَّلَاةِ. فَتَوَضَّأ، فَلَمَّا ارْتَفَعت الشَّمْس وابياضت قَامَ فَصَلى» هَذَا لفظ البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ مُسلم مطولا، وَفِيه: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (احْفَظُوا علينا صَلَاتنَا. فَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالشَّمْس فِي ظَهره (قَالَ) فقمنا فزعين، ثمَّ قَالَ: اركبوا. (فَرَكبُوا) فسرنا حَتَّى إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس (ثمَّ نزل فَدَعَا) بميضأة كَانَت معي فِيهَا شَيْء من مَاء، (قَالَ) : فَتَوَضَّأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 مِنْهَا وضُوءًا دون وضوءٍ، ثمَّ أذن بِلَال بِالصَّلَاةِ فَصَلى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ صَلَّى الْغَدَاة كَمَا كَانَ يصنع كل يَوْم» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: (ثمَّ أذن بِلَال (فصلوا) الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر، ثمَّ صلوا الْفجْر) . الطَّرِيق الثَّانِي: (من) طَرِيق عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نَام فِي مسير لَهُ عَن صَلَاة الصُّبْح، فَلَمَّا رفع رَأسه وَرَأَى الشَّمْس قد بزغت قَالَ: ارتحلوا. فَسَار بِنَا حَتَّى ابْيَضَّتْ الشَّمْس نزل فَصَلى بِنَا، هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: (ارتحلوا، فَسَار غير بعيد، ثمَّ نزل فَدَعَا بِالْوضُوءِ فَتَوَضَّأ، وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلى بِالنَّاسِ ... ) الحَدِيث، وخرجا فِيهِ قصَّة. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الْحسن عَن عمرَان بِلَفْظ: (فَأمر الْمُؤَذّن فَأذن ثمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر، ثمَّ أَقَامَ الْمُؤَذّن فَصَلى الْفجْر) ، ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى مَا قدمنَا ذكره من صِحَة سَماع الْحسن من عمرَان وإعادته الرَّكْعَتَيْنِ. لم يخرجَاهُ و (لَهُ) . طَرِيق ثَالِث: انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين قفل من غَزْوَة خَيْبَر سَار لَيْلَة حَتَّى إِذا أدْركهُ الْكرَى عرَّس وَقَالَ لِبلَال: إكلًا لنا اللَّيْل. فَصَلى بِلَال مَا قدر لَهُ، ونام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه، فَلَمَّا تقَارب الْفجْر (اسْتندَ) بِلَال إِلَى رَاحِلَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 مواجه الْفجْر فَغلبَتْ (بِلَالًا) عَيناهُ وَهُوَ مُسْتَند إِلَى رَاحِلَته (فَلم) يَسْتَيْقِظ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا بِلَال وَلَا أحد من أَصْحَابه حَتَّى ضربتهم الشَّمْس (فَكَانَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَوَّلهمْ استيقاظًا فَفَزعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أَي بِلَال فَقَالَ بِلَال: أَخذ بنفسي الَّذِي أَخذ - بِأبي [وَأمي] أَنْت يَا رَسُول الله - بِنَفْسِك فَقَالَ: اقتادوا. فاقتادوا رواحلهم شَيْئا، ثمَّ تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأمر بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاة (فَصَلى) بهم الصُّبْح فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: من نسي الصَّلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (أقِم الصَّلَاة لذكري) ، قَالَ يُونُس: وَكَانَ ابْن شهَاب يقْرؤهَا للذِّكْرَى. وَفِي لفظ آخر: «عرسنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم نستيقظ حَتَّى طلعت الشَّمْس، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ليَأْخُذ كل (رجل) بِرَأْس رَاحِلَته؛ فَإِن هَذَا منزل حَضَرنَا فِيهِ الشَّيْطَان. قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأ، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ (ثمَّ أُقِيمَت) الصَّلَاة (فَصَلى) الْغَدَاة» وَفِي لفظ: (ثمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة لمُحَمد بن إِسْحَاق السراج فِي «مُسْنده» «أَنه صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي مَكَانَهُ بِأَصْحَابِهِ، ثمَّ قَالَ: اقتادوا (بِنَا) من هَذَا الْمَكَان، وصلوا الصُّبْح فِي مَكَان آخر) . رَوَاهَا عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء، عَن سُفْيَان، نَا الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة (بِهِ) . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (الإِمَام) : وَهَذَا فِيهِ زِيَادَة إِن كَانَ مَحْفُوظًا. وَفِي رِوَايَة «للطبراني» فِي أكبر «معاجمه» من حَدِيث سعيد بن الْمسيب، عَن بِلَال قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر، فَنَامُوا حَتَّى طلعت الشَّمْس، فَأمر بِلَالًا (فَأذن) ، ثمَّ صلوا رَكْعَتي الْفجْر، ثمَّ صلوا الْغَدَاة» . ينظر فِي سَماع سعيد من أبي هُرَيْرَة (وبلال) ، وَفِي هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا أَبُو جَعْفَر عِيسَى بن (أبي عِيسَى)) ماهان (الرَّازِيّ) ، وستعرف كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ فِي بَاب صفة الصَّلَاة إِن شَاءَ الله (ذَلِك) وَقدره. وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق رَابِع. من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه هُوَ الَّذِي حرسهم، وَفِيه: «فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصنعَ كَمَا يصنع من الْوضُوء وركعتي الْفجْر ثمَّ صَلَّى بِنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 الصُّبْح، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لَو أَرَادَ (أَلا) تناموا عَنْهَا لم تناموا، وَلَكِن أَرَادَ لمن بعدكم فَهَكَذَا لمن نَام أَو نسي» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَله طَرِيق خَامِس من حَدِيث جُبَير ابْن مطعم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه وَلَفظه: ثمَّ (توضئوا) وَأذن بِلَال، ثمَّ صلوا رَكْعَتي الْفجْر [ثمَّ صلوا الْفجْر] . وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا بالسند الْمَذْكُور وَاللَّفْظ إِلَّا أَنه قَالَ: «فصلوا الرَّكْعَتَيْنِ، ثمَّ صلوا الْفجْر» وَالْمعْنَى وَاحِد. فَائِدَة: لَا تنَافِي بَين نَومه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْوَادي عَن صَلَاة الصُّبْح حَتَّى طلعت الشَّمْس، وَبَين قَوْله: (إِن عَيْني تنامان وَلَا ينَام قلبِي) لِأَن الْقلب يقظان يحس (بِالْحَدَثِ) وَغَيره مِمَّا يتَعَلَّق بِالْبدنِ ويشعر بِهِ الْقلب، وَلَيْسَ طُلُوع الْفجْر من ذَلِك وَلَا هُوَ مِمَّا يدْرك بِالْقَلْبِ، وَإِنَّمَا يدْرك بِالْعينِ وَهِي نَائِمَة، وَأبْعد من قَالَ: إِن لنومه عَلَيْهِ السَّلَام حَالَة ينَام فِيهَا الْقلب، وصادف هَذَا الْموضع وَحَالَة [لَا ينَام فِيهَا] (وَأَنه) الْغَالِب من حَاله فَإِن فِيهِ ارْتِكَاب أَمر لَا مجَال لِلْعَقْلِ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمع بَين الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَة فِي وَقت الظّهْر بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ (من غير أَذَان) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا أسلفناه (فِي) أول الْبَاب. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء (بِالْمُزْدَلِفَةِ) فِي وَقت الْعشَاء بإقامتين (من غير أَذَان) » . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي أول الْبَاب مَعَ مَا عَارضه فَرَاجعه من ثَمَّ. الحَدِيث التَّاسِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: (كَانَ الْأَذَان عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثنى (مثنى) وَالْإِقَامَة فُرَادَى إِلَّا أَن الْمُؤَذّن كَانَ يَقُول: قد قَامَت الصَّلَاة مرَّتَيْنِ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد، و (الدارمى) فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث شُعْبَة، عَن أبي جَعْفَر الْمَدَائِنِي مُؤذن مَسْجِد الْعُرْيَان عَن مُسلم أبي الْمثنى مُؤذن مَسْجِد الْأَكْبَر عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (قَالَ) إِنَّمَا كَانَ الْأَذَان عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَة مرّة مرّة غير أَنه يَقُول قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة، فَإِذا سمعنَا الْإِقَامَة توضأنا، ثمَّ خرجنَا إِلَى الصَّلَاة. قَالَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ: قَالَ شُعْبَة: لَا يحفظ عَن أبي جَعْفَر غير هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه: (هُوَ) إِمَام مَسْجِد الْأَنْصَار بِالْكُوفَةِ اسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن مهْرَان بن الْمثنى، وَأَبُو الْمثنى اسْمه مُسلم بن الْمثنى. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد فَإِن أَبَا جَعْفَر هَذَا هُوَ عُمَيْر بن يزِيد بن حبيب (الخطمي) ، وَقد رَوَى عَن سعيد بن الْمسيب وَعمارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت، وَقد رَوَى عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 (قَالَ) وَأما أَبُو الْمثنى الْقَارِي فَإِنَّهُ من أستاذى نَافِع بن أبي نعيم واسْمه مُسلم بن الْمثنى، رَوَى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، وَسليمَان التَّيْمِيّ وَغَيرهمَا من التَّابِعين، هَذَا آخر كَلَام الْحَاكِم. وَلَا أعلم من ولفقه عَلَى (تَسْمِيَة أبي جَعْفَر بعمير) بن أبي حبيب وَقد أسلفنا عَن أبي حَاتِم بن حبَان أَن اسْمه مُحَمَّد بن مُسلم ين مهْرَان وَمِنْهُم من يَقُول فِيهِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُسلم بن مهْرَان، وَمِنْهُم من ينْسبهُ إِلَى جده فَيَقُول هُوَ ابْن مهْرَان. قَالَ ابْن عبد الْبر: وَأَبُو الْمثنى هَذَا عِنْدهم كُوفِي ثِقَة، وَأما أَبُو جَعْفَر فَإِن أَبَا زرْعَة قَالَ: هُوَ كُوفِي لَا أعرفهُ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: قلت لأبي: رَوَى عِيسَى بن يُونُس هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة، عَن أبي جَعْفَر الْقَارئ (قَالَ: غلط عِيسَى؛ ابو جَعْفَر الْقَارِي هُوَ مدنِي وَهُوَ كُوفِي. قلت: لَا يقْدَح هَذَا فِي الرِّوَايَات السالفة، فَإِنَّهُم لم يخرجوه من حَدِيث عِيسَى بن يُونُس، عَن شُعْبَة، إِنَّمَا أخرجه أَحْمد، عَن شُعْبَة، والدارمي، عَن سهل بن حَمَّاد، عَن شُعْبَة، وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر وَأبي عَامر عبد الْملك بن عَمْرو عَن شُعْبَة وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث حجاج وَيَحْيَى، عَن شُعْبَة وَابْن حبَان من حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن شُعْبَة، وَمن حَدِيث آدم، عَن شُعْبَة. وَالْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن خيران، عَن شُعْبَة. وَمن حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن شُعْبَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن شُعْبَة. وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» عَلَى مَا نَقله صَاحب «الإِمَام» من حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن شُعْبَة. وأتبع بِرِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَنهُ، وَقَالَ مثله سَوَاء. قلت: وَرَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر (قَالَ) : «كَانَ الْأَذَان عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَة مرّة مرّة» . (رَوَاهُ) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَأَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «الْأَذَان مثنى وَالْإِقَامَة فُرَادَى» رَوَاهُ عَن عِيسَى (سعيد) وبن الْمُغيرَة الصياد وَهُوَ ثِقَة كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم وَغَيره. الحَدِيث الْعَاشِر أَن أَبَا مَحْذُورَة لما حَكَى الْأَذَان عَن تلقين رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكر التَّكْبِير فِي أَوله أَرْبعا. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد رَوَاهُ (مُسلم) من حَدِيث عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 بن محيريز، عَن أبي مَحْذُورَة: «أَن (نَبِي) الله (علمه (هَذَا) الْأَذَان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. ثمَّ يعود فَيَقُول: أشهد أَن لَا اله إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حى عَلَى الصَّلَاة - مرَّتَيْنِ - حَيّ عَلَى الْفَلاح - مرَّتَيْنِ - الله أكبر الله أكبر (لَا إِلَه إِلَّا الله) » هَذَا لَفظه، وَهُوَ من أَفْرَاده، (بل لم يخرج) البُخَارِيّ عَن أبي مَحْذُورَة فِي صَحِيحه شَيْئا. وَفِي أَوله تَثْنِيَة التَّكْبِير دون تربيعه كَمَا هُوَ الْمَوْجُود فِي نسخه، وَإِن رُوِيَ فِيهِ تربيعه كَمَا سَيَأْتِي. نعم رَوَى تربيعه الشَّافِعِي، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة، وَابْن حبَان. رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مُسلم بن (خَالِد عَن ابْن جريج، عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك، بن أَبَى مَحْذُورَة، عَن عبد الله بن محيريز) عَن أبي مَحْذُورَة. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث همام، عَن عَامر الْأَحول، عَن مَكْحُول، عَن ابْن محيريز، عَن أبي مَحْذُورَة، وَمن حَدِيث الْحَارِث بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، عَن أَبِيه، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 جده. وَمن طرق أخر. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ (من حَدِيث معَاذ بن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَامر، وَمن طَرِيقين آخَرين. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه) من حَدِيث همام بِهِ، وَمن حَدِيث أبي عَاصِم عَن ابْن جريج بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان من ثَلَاث طرق، وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيقين كَذَلِك، وَمن طَرِيقين بتثنية التَّكْبِير. قَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان: الصَّحِيح فِي هَذَا الحَدِيث عَن عَامر تربيع التَّكْبِير، كَذَلِك رَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم عَفَّان وَسَعِيد بن عَامر وحجاج، وَرَوَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الْحسن بن عَلّي ذكر ذَلِك أَبُو دَاوُد عَنهُ، وَبِذَلِك يَصح كَون الْأَذَان تسع عشرَة كلمة، وَقد قَيده بذلك فِي نَفْس الحَدِيث - يَعْنِي الحَدِيث الثَّالِث عشر من هَذَا الْبَاب - كَمَا قيد فِيهِ الْإِقَامَة بِسبع عشرَة كلمة يزِيد (عَلَيْهَا) الْأَذَان بالترجيع فِي الشَّهَادَتَيْنِ، قَالَ: وَقد يَقع فِي بعض رِوَايَات (كتاب) مُسلم هَذَا الحَدِيث مربعًا فِيهِ التَّكْبِير وَهِي الَّتِي يَنْبَغِي أَن يعد فِيهِ الصَّحِيح، وَقد سَاقه الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه من رِوَايَة إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، (عَن معَاذ ين هِشَام، عَن أَبِيه: بِالتَّكْبِيرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 مربعًا، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أخرجه مُسلم فِي «الصَّحِيح» وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم) أحد من رَوَاهُ عَنهُ مُسلم فَهُوَ إِذن (مربع) فِيهِ التَّكْبِير فَاعْلَم ذَلِك. انْتَهَى كَلَامه. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: قَالَ الشَّافِعِي: تربيع التَّكْبِير فِي أول الْأَذَان مَحْفُوظ من رِوَايَة الْحفاظ الثِّقَات فِي حَدِيث عبد الله بن زيد وَأبي مَحْذُورَة، وَهِي زِيَادَة يجب قبُولهَا، وَالْعَمَل (عِنْدهم) بِمَكَّة فِي آل أبي مَحْذُورَة بذلك إِلَى زَمَانه. فَائِدَة: اخْتلف فِي اسْم أبي مَحْذُورَة ووالده، فَاخْتَارَ التِّرْمِذِيّ أَنه سَمُرَة بن (معير) ، وَقَالَ غَيره: (ابْن) عُمَيْر، وَقيل: أَوْس بن (معير) ، وَقيل غير ذَلِك، أسلم يَوْم الْفَتْح وَكَانَ من أحسن النَّاس صَوتا كَمَا سَيَأْتِي. وَالله أعلم. الحَدِيث الْحَادِي عشر أَن تربيع التَّكْبِير فِي أول الْأَذَان مَذْكُور فِي قصَّة رُؤْيا عبد الله بن زيد فِي الْأَذَان وَهِي مَشْهُورَة. هُوَ كَمَا قَالَ، وَهِي قصَّة جليلة ركن من أَرْكَان الْبَاب، وَادَّعَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 ابْن دحْيَة فِي (تنويره) تَوَاتر طرقها فلنذكرها بكمالها، فَنَقُول: رَوَاهَا أَحْمد فِي «مُسْنده» من طرق: أَحدهَا: عَن يَعْقُوب، نَا أبي، عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: ذكر الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قَالَ: «لما أجمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يضْرب بالناقوس (يجمع النَّاس للصَّلَاة) وَهُوَ لَهُ كَارِه (لموافقته) النَّصَارَى! طَاف بِي من اللَّيْل طائف وَأَنا نَائِم رجل عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران وَفِي يَده ناقوس يحملهُ، (فَقلت) لَهُ: يَا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قَالَ: وَمَا تصنع بِهِ؟ قلت: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: أَفلا أدلك عَلَى خير من ذَلِك؟ (قَالَ) ، (فَقلت: بلَى. قَالَ:) تَقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر (الله أكبر) أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مرَّتَيْنِ حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، حَيّ عَلَى الْفَلاح، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله. ثمَّ اسْتَأْخَرَ عني غير بعيد قَالَ: ثمَّ تَقول إِذا أَقمت الصَّلَاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح [قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة] الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله. فَلَمَّا أَصبَحت أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرته بِمَا رَأَيْت [قَالَ] فَقَالَ: إِنَّهَا لرؤيا حق إِن شَاءَ الله. ثمَّ أَمر بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 مولَى أبي بكر يُؤذن بذلك (وَيَدْعُو) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَات (غَدَاة) إِلَى صَلَاة الْفجْر، فَقيل لَهُ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَائِم، قَالَ: فَصَرَخَ بِلَال بِأَعْلَى صَوته: الصَّلَاة خير من النّوم» . قَالَ سعيد بن الْمسيب: فأدخلت هَذِه الْكَلِمَة فِي التأذين إِلَى صَلَاة الْفجْر. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ (كَمَا سَيَأْتِي) من طَرِيق أبي دَاوُد سَوَاء. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن زيد بن الْحباب، (ثَنَا أَبُو سهل مُحَمَّد بن عَمْرو) أَخْبرنِي عبد الله ابْن مُحَمَّد بن زيد، عَن عَمه عبد الله بن زيد «أَنه (أرِي) الْأَذَان ... » فَذكره مُخْتَصرا كَمَا سَيَأْتِي فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ من أَحَادِيث الْبَاب. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد (بن عبد ربه) حَدثنِي أبي عبد الله بن زيد قَالَ: «لما أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالناقوس يعْمل ليضْرب بِهِ للنَّاس لجمع الصَّلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 طَاف بِي وَأَنا نَائِم رجل يحمل ناقوسًا فِي يَده، فَقلت: يَا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ فَقَالَ: وَمَا تصنع بِهِ؟ فَقلت: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاة، قَالَ: (أَفلا) أدلك عَلَى مَا هُوَ خير من ذَلِك؟ فَقلت: بلَى. فَقَالَ: تَقول: الله أكبر ... » الحَدِيث. كَمَا سلف عَن (رِوَايَة) أَحْمد إِلَى قَوْله: (إِن شَاءَ الله (تَعَالَى قَالَ) فَقُمْ مَعَ بِلَال فألق عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فليؤذن بِهِ فَإِنَّهُ أندى (صَوتا مِنْك) . فَقُمْت مَعَ بِلَال فَجعلت ألقيه عَلَيْهِ وَيُؤذن بِهِ، فَسمع بذلك عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ فِي بَيته فَخرج يجر رِدَاءَهُ (وَهُوَ) يَقُول: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله لقد رَأَيْت مثل مَا رَأَى. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَللَّه الْحَمد) . (و) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد الْأمَوِي عَن ابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ - كَمَا سلف - عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد، عَن أَبِيه قَالَ: (لما أَصْبَحْنَا (أتيت) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرته بالرؤيا فَقَالَ: إِن هَذِه لرؤيا حَتَّى، فَقُمْ مَعَ بِلَال فَإِنَّهُ أندى - أَو أمد - صَوتا مِنْك، فألق عَلَيْهِ مَا قيل لَك (وليناد) بذلك (قَالَ) فَلَمَّا سمع عمر ابْن الْخطاب نِدَاء بِلَال بِالصَّلَاةِ خرج إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يجر إزَاره وَهُوَ يَقُول: يَا رَسُول الله، وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد رَأَيْت مثل الَّذِي قَالَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَللَّه الْحَمد فَذَلِك أثبت) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 (و) رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي، (نَا) مُحَمَّد بن إِسْحَاق، ثَنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد هَمَّ بالبوق، وَأمر بالناقوس فنحت، فأري عبد الله بن زيد فِي الْمَنَام قَالَ: رَأَيْت رجلا عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران يحمل ناقوسًا، فَقلت (لَهُ) : يَا عبد الله، تبيع الناقوس؟ قَالَ: وَمَا تصنع بِهِ؟ قلت: أنادي بِهِ إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: أَفلا أدلك عَلَى خير من ذَلِك؟ (قلت: وَمَا تَقول) قَالَ: تَقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، حَيّ عَلَى الْفَلاح، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله. (قَالَ) فَخرج عبد الله ابْن زيد حَتَّى أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ بِمَا رَأَى، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، رَأَيْت رجلا عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران يحمل ناقوسًا. فَقص عَلَيْهِ الْخَبَر فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن صَاحبكُم قد رَأَى رُؤْيا، فَاخْرُج [مَعَ] (بِلَال) إِلَى الْمَسْجِد فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ (وليناد) بِلَال فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك. قَالَ: فَخرجت مَعَ بِلَال إِلَى الْمَسْجِد فَجعلت ألقيها عَلَيْهِ وَهُوَ يُنَادي بهَا، فَسمع عمر بن الْخطاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 بالصوت فَخرج فَقَالَ: يَا رَسُول الله، وَالله لقد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَى) . قَالَ ابْن ماجة: قَالَ أَبُو عبيد مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون: فَأَخْبرنِي أَبُو بكر الْحكمِي أَن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ فِي ذَلِك: رام حمْدًا عَلَى الْأَذَان كثيرا هـ فَأكْرم بِهِ لديَّ بشيرًا كلما جَاءَ زادني توقيرًا أَحْمد الله ذَا الْجلَال وَذَا الإك إِذْ أَتَانِي (بِهِ) البشير من الل فِي ليالٍ والى بِهن (ثَلَاثًا) وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن أَبِيه، عَن ابْن إِسْحَاق، نَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» كَمَا سَاقه التِّرْمِذِيّ. ولهذه الْقِصَّة طرق أُخْرَى فِي أبي دَاوُد وَغَيره حذفناها اختصارًا، وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث عقبه بِأَن قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن مُحَمَّد (بن إِسْحَاق) أتم من هَذَا (الحَدِيث) وأطول وَذكر فِيهِ قصَّة الْأَذَان مثنى مثنى وَالْإِقَامَة مرّة مرّة. وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيّ من هَذَا الْوَجْه هِيَ الَّتِي قدمناها عَن أبي دَاوُد وَمن تبعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت من جِهَة النَّقْل؛ لِأَن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن زيد بن عبد ربه سَمعه من أَبِيه، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق قد سَمعه من مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم [ابْن الْحَارِث] التَّيْمِيّ وَلَيْسَ (هَذَا) مِمَّا دلسه ابْن إِسْحَاق (قَالَ) : (فَأَما) مَا رَوَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَن عبد الله بن زيد (فَغير ثَابت) من جِهَة النَّقْل وَقد خلطوا فِي أسانيدهم الَّتِي رووها عَنهُ فِي تَثْنِيَة الْأَذَان وَالْإِقَامَة جَمِيعًا. سَمِعت مُحَمَّد بن يَحْيَى يَقُول: ابْن أبي لَيْلَى لم يدْرك عبد الله بن زيد، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لم يسمع من معَاذ وَلَا من عبد الله بن زيد صَاحب الْأَذَان، فَغير جَائِز أَن يحْتَج بِخَبَر (غير) ثَابت عَلَى أَخْبَار ثَابِتَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة «السّنَن» و «الْمعرفَة» و «الخلافيات» : قَالَ مُحَمَّد بن يحيي: لَيْسَ فِي أَخْبَار عبد الله بن زيد (خبر) أصح من هَذَا - يَعْنِي حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد؛ لِأَن مُحَمَّدًا سمع من أَبِيه، وَابْن أبي لَيْلَى لم يسمع من عبد الله بن زيد. قَالَ: وَفِي «كتاب الْعِلَل» لأبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فَقَالَ: حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن زيد رَاوِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّمَا لم يخرج الشَّيْخَانِ هَذَا الحَدِيث فِي «صَحِيحَيْهِمَا» لاخْتِلَاف الناقلين فِي أسانيده، وأمثل الرِّوَايَات فِيهِ رِوَايَة سعيد بن الْمسيب، وَقد (توهم) بعض أَئِمَّتنَا فَادَّعَى أَن (سعيدًا) لم يلْحق عبد الله ابْن زيد، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فَإِن سعيد كَانَ (فِيمَن) يدْخل بَين عَلّي وَعُثْمَان فِي التَّوَسُّط، وَإِنَّمَا توفّي عبد الله بن زيد (فِي آخر خلَافَة عُثْمَان) . قَالَ الْحَاكِم: وَحَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب مَشْهُور رَوَاهُ يُونُس بن يزِيد وَمعمر بن رَاشد وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَمُحَمّد بن إِسْحَاق قَالَ: واشتهر عبد الله بن زيد بِحَدِيث الْأَذَان الَّذِي تداوله فُقَهَاء الْإِسْلَام بِالْقبُولِ. قَالَ: وَأما أَخْبَار الْكُوفِيّين فِي هَذَا الْبَاب فمدارها عَلَى حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى فَمنهمْ من قَالَ: عَن معَاذ بن جبل (عَن) عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 بن زيد، وَمِنْهُم من قَالَ: عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الله بن زيد، وَأما ولد عبد الله بن زيد، عَن آبَائِهِ عَنهُ فَإِنَّهَا غير مُسْتَقِيمَة الْإِسْنَاد. فَائِدَتَانِ: الأولَى: عبد الله بن زيد رَاوِي هَذَا الحَدِيث هُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن زيد بن عبد ربه الْأنْصَارِيّ العقبي البدري. وَكَانَ [بداية] الْأَذَان فِي السّنة الأولَى من الْهِجْرَة بعد بِنَاء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَسْجده، وَتقدم فِي بَاب الْوضُوء فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين مِنْهُ الْفرق بَين عبد الله بن زيد هَذَا وَعبد الله بن زيد رَاوِي حَدِيث صَلَاة الاسْتِسْقَاء وَغَيره إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد. قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَمِعت البُخَارِيّ يَقُول: لَا يعرف لعبد الله بن زيد بن عبد ربه إِلَّا حَدِيث الْأَذَان. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا (نَعْرِف) لَهُ شَيْئا يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد فِي الْأَذَان. قلت: لَهُ غير ذَلِك من الْأَحَادِيث. قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن زيد: قد أسْند عبد الله بن زيد عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذَا الحَدِيث. ثمَّ سَاق من حَدِيث الْحميدِي، نَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار وَعبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الَّذِي أُري (الْأَذَان) : (أَنه أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 يَا رَسُول الله، حائطي هَذَا صَدَقَة وَهُوَ إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله. فجَاء أَبَوَاهُ فَقَالَا: يَا رَسُول الله، كَانَ قوام (عيشنا) فَرده رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَيْهِمَا، ثمَّ مَاتَا فورثهما ابنهما بعد. وَأخرجه بِنَحْوِهِ أَبُو نعيم فِي تَرْجَمته فِي «معرفَة الصَّحَابَة» . وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، عَن عبيد الله، عَن بشير بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه (أَنه تصدق عَلَى أَبَوَيْهِ، ثمَّ توفيا فَرده إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِيرَاثا) . (وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن ابْن عبد الْأَعْلَى، [ثَنَا] ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن سعيد بن أبي هِلَال، عَن أبي بكر بن حزم، عَن عبد الله بِهِ) . وَله حَدِيث آخر فِي «مُسْند أَحْمد» قَالَ أَحْمد: نَا عبد الصمد بن عبد الْوَارِث، نَا أبان - يَعْنِي: الْعَطَّار - نَا يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن زيد أَن أَبَاهُ حَدثهُ «أَنه شهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عِنْد) النَّحْر وَرجل من قُرَيْش وَهُوَ يقسم أضاحي، فَلم يصبهُ شَيْء وَلَا صَاحبه، فحلق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شعره فِي ثَوْبه (فَأعْطَاهُ) فقسم مِنْهُ عَلَى رجال، وقلم أَظْفَاره فَأعْطَاهُ صَاحبه، قَالَ: فَإِنَّهُ لعندنا (مخضوب) بِالْحِنَّاءِ والكتم - يَعْنِي: شعره) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 وَرَوَاهُ ابْن سعد فِي «طبقاته» وَابْن عَسَاكِر فِي «تَارِيخ دمشق» أَيْضا، فقد عرفت لَهُ (إِذا) ثَلَاثَة أَحَادِيث، فاستفد ذَلِك؛ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات. (و) فِي «سنَن النَّسَائِيّ» عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور، أَنا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن زيد - الَّذِي أرِي النداء - قَالَ: (رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَوَضَّأ، فَغسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَديه مرَّتَيْنِ، وَغسل رجلَيْهِ مرَّتَيْنِ (وَمسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ» . وَقيل إِنَّه من أَوْهَام سُفْيَان. الْفَائِدَة الثَّانِيَة: (مَا) قدمنَا ذكره من طرق حَدِيث عبد الله بن زيد صَرِيح فِي أَنه أول (مَا ابتدأه برؤيا) الْأَذَان (وَأخذ) عَنهُ، وَهُوَ يضعف مَا رُوِيَ أَن ابتداءه كَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء وَقد رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد فِي «ترغيبه وترهيبه» وَقَالَ: إِنَّه غَرِيب لَا أعرفهُ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَمن (ضَعِيف) هَذَا الْبَاب أَن عبد الله بن زيد هُوَ أذن أَولا، وَأَنه رَأَى الْأَذَان مَعَه بضعَة عشر صحابيًّا كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» وَقد أوضحته فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط» بِزِيَادَة فَوَائِد، فَرَاجعهَا مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن بِلَال: (أَنه أَمر أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي قلَابَة، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة إِلَّا الْإِقَامَة) ، وَقد غلط من ادَّعَى أَن هَذِه اللَّفْظَة وَهِي: (إِلَّا الْإِقَامَة) لَيست فِي مُسلم، فَهِيَ فِي بعض طرقه وَمَعْنَاهُ إِلَّا قَوْله: قد قَامَت الصَّلَاة فَإِنَّهَا مرَّتَيْنِ، وَاعْلَم أَن قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا، أَو أَمر بِكَذَا مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْمُخْتَار عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء، بل ادَّعَى الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» الِاتِّفَاق عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُسْند إِذْ لَا خلاف بَين أهل النَّقْل أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ: أَمر أَو نهي أَو من السّنة كَذَا (أَنه) يكون مُسْندًا. قلت: فعلَى هَذَا (يكون) قَوْله: «أَمر بِلَال» مَعْنَاهُ: (أمره) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقد ورد مُصَرحًا بذلك، فارتفع الْخلاف. رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان و (أَن) يُوتر الْإِقَامَة) . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث خَالِد الْحذاء، عَن أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 قلَابَة، عَن أنس: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) . ثمَّ قَالَ: هَذَا فِيهِ الْبَيَان بِأَن قَول أنس: (أَمر بِلَال) أَرَادَ بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دون غَيره. قَالَ: وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِك مَا أنبأ ابْن خُزَيْمَة، نَا ابْن عبد الْأَعْلَى، نَا مُعْتَمر قَالَ: سَمِعت خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس أَنه حدث «أَنهم التمسوا شَيْئا يُؤذنُونَ بِهِ علما للصَّلَاة، فَأمر بِلَال. أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) ثمَّ قَالَ: (وَمن) ذَلِك الْخَبَر الْمُصَرّح بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي أَمر بِلَالًا بذلك لَا مُعَاوِيَة - كَمَا توهم من جهل صناعَة الحَدِيث فحرف الْخَبَر عَن جِهَته - حَدِيث عبد الله بن زيد حَيْثُ (قَالَ) : قُم فألق عَلَى بِلَال (مَا رَأَيْت) فليؤذن يَعْنِي: وَكَانَت فِي (الرُّؤْيَا) شفع الْأَذَان (ووتر) الْإِقَامَة كَمَا قدمْنَاهُ. (وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس: (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) وَمن حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي قلَابَة (بِهِ) . قلت: وَيرد عَلَيْهِ أَيْضا (أَن) الْمَنْقُول أَن بِلَالًا لم يُؤذن لأحد بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا مرّة وَاحِدَة بِالشَّام لعمر وَلم يتم أَذَانه، وَقيل: إِنَّه أذن للصديق) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث يَحْيَى بن معِين، عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن أَيُّوب - كَمَا سلف - (و) قَالَ: هَذَا حَدِيث أسْندهُ إِمَام أهل الحَدِيث ومزكى الروَاة بِلَا مدافعة، وَقد تَابعه عَلَيْهِ الثِّقَة الْمَأْمُون قُتَيْبَة بن سعيد، ثمَّ سَاقه كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: الشَّيْخَانِ لم يخرجَاهُ (بِهَذَا السِّيَاق) وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرطهمَا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طرق، عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس كَمَا سلف، وَمن حَدِيث (خَالِد) عَن أبي قلَابَة، عَن أنس. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» أَيْضا من حَدِيث سُفْيَان، عَن وَكِيع، عَن عبد الْوَهَّاب، عَن أَيُّوب بِهِ، وَمن حَدِيث (وهب) ، عَن خَالِد وَأَيوب بِهِ. وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر مُنكر؛ قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ عُثْمَان بن أبي صَالح الْمصْرِيّ، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) ؟ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 قلت: وَهَذِه (الطَّرِيقَة) لَا تقدح فِي (الطَّرِيق) السالفة الصَّحِيحَة، وَمرَاده بقوله: هَذَا حَدِيث مُنكر بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا فَقَط. فَائِدَة: حَدِيث أنس هَذَا رَوَاهُ جماعات من الصَّحَابَة غَيره وَقد عددتهم فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» فراجعهم مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - علمه الْأَذَان تسع عشرَة كلمة وَالْإِقَامَة سبع عشرَة كلمة) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُخْتَصرا كَذَلِك الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي إِحْدَى روايتيه قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (مطولا) بِزِيَادَة، بَيَان ذَلِك: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 (الله أكبر - أَربع مَرَّات - أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - مرَّتَيْنِ - أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله - كَذَلِك - ثمَّ يعود فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - كَذَلِك - أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله - كَذَلِك - حَيّ عَلَى الصَّلَاة - مرَّتَيْنِ - حَيّ عَلَى الْفَلاح - مرَّتَيْنِ - الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله) . هَذَا لفظ النَّسَائِيّ (و) زَاد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْإِقَامَة هَكَذَا: مثنى مثنى؛ لَا يعود من ذَلِك الْموضع. وَزَاد أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه: وَالْإِقَامَة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله) . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : وَرِجَال ابْن مَاجَه رجال الصَّحِيح. قلت: (وَحَدِيث) أبي مَحْذُورَة قد سلف فِي الحَدِيث الْعَاشِر أَن مُسلما (تفرد) بِإِخْرَاجِهِ بِإِثْبَات الترجيع وَعدد كَلِمَاته (تسع) عشرَة كلمة، وَالله أعلم. الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِذا أَذِنت فترسل (وَإِذا) أَقمت فاحدر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث (الْمُعَلَّى بن أَسد) ثَنَا عبد الْمُنعم - وَهُوَ صَاحب السقاء - نَا يَحْيَى بن مُسلم، عَن الْحسن وَعَطَاء، عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِبلَال: يَا بِلَال، إِذا أَذِنت فترسل [فِي أذانك] وَإِذا أَقمت فاحدر، وَاجعَل بَين أذانك وإقامتك قدر مَا يفرغ الْآكِل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إِذا دخل لقَضَاء حَاجته، وَلَا تقوموا حَتَّى تروني» . ثمَّ قَالَ: ونا عبد بن حميد، نَا يُونُس بن مُحَمَّد، عَن عبد الْمُنعم نَحوه، قَالَ: وَحَدِيث جَابر هَذَا لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث عبد الْمُنعم، وَهُوَ إِسْنَاد مَجْهُول. قلت: رده التِّرْمِذِيّ بالجهالة، وَلَعَلَّه يَحْيَى بن مُسلم (الرَّاوِي) عَن الْحسن؛ فَإِن أَبَا زرْعَة قَالَ: لَا أعرفهُ. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : (فَلَعَلَّهُ) الْبكاء الْمجمع عَلَى ضعفه. قلت: قد قَالَ فِيهِ (ابْن) سعد: ثِقَة إِن شَاءَ الله. حَكَاهُ الْمزي وَتَبعهُ هُوَ فِي (تذهيبه) وَقَالَ الْحَاكِم: لَا طعن (فِيهِ) وَقد جزم بِأَنَّهُ الْبكاء: الْبَيْهَقِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «سنَنه» بعد أَن ذكره من هَذِه الطَّرِيق: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 يَحْيَى بن مُسلم الْبكاء الْكُوفِي، ضعفه يَحْيَى بن معِين. وَفِي إِسْنَاده مَعَ ذَلِك: عبد الْمُنعم بن (نعيم) (الريَاحي) الْبَصْرِيّ الواهي. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ (فِيهِ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ (البُخَارِيّ) وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. قَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث جدًّا) لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ إِلَّا دونه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : (هَكَذَا) رَوَاهُ جمَاعَة عَن (عبد الْمُنعم بن نعيم عَن يَحْيَى بن مُسلم. قَالَ (البُخَارِيّ) : عبد الْمُنعم بن نعيم، عَن يَحْيَى بن مُسلم: مُنكر الحَدِيث. ثمَّ ذكر كَلَامه السالف فِي يَحْيَى الْبكاء، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من «سنَنه» : فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث نظر. وَقَالَ أَبُو بكر الْمعَافِرِي: هَذَا حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد وَهُوَ فِي بَاب الْأَذَان حسن، وَادَّعَى بعض محدثي بَغْدَاد من أهل الْعَصْر فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث وَقعت فِي «المصابيح» : هَذَا الحَدِيث عِنْدِي مَوْضُوع خلا قَوْله: (إِذا أَذِنت فترسل، وَإِذا أَقمت فاحدر) ، وَلم يبرهن عَلَى ذَلِك وَلَا نسلم لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 وَرَوَى هَذَا الحَدِيث ابْن عدي من جِهَة يَحْيَى بن مُسلم أَيْضا، وَفِيه: (وَإِذا أَقمت فاخذم) . وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة أبي الشَّيْخ الْحَافِظ، وَالْبَيْهَقِيّ من جِهَة مُعلى بن مهْدي، عَن عبد الْمُنعم الْبَصْرِيّ. قَالَ أَبُو حَاتِم: (مُعلى) هَذَا شيخ موصلي أَدْرَكته وَلم أسمع مِنْهُ، يحدث أَحْيَانًا بِالْحَدِيثِ الْمُنكر. وَأغْرب الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَأخْرج هَذَا الحَدِيث فِي «مُسْتَدْركه» بِزِيَادَة ضَعِيف آخر (وَهُوَ) عَمْرو بن فائد الأسواري الْمَتْرُوك بَين عبد الْمُنعم وَيَحْيَى بن مُسلم، وَهِي تورث رِيبَة (فِي رمي) رِوَايَة التِّرْمِذِيّ بالانقطاع أَو الِاخْتِلَاف فِي الْإِسْنَاد؛ فَقَالَ: ثَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن إِسْحَاق، أَنا عَلّي بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا عَلّي بن حَمَّاد بن أبي طَالب، ثَنَا عبد الْمُنعم بن نعيم الريَاحي، نَا عَمْرو بن فائد الأسواري، نَا يَحْيَى بن مُسلم، عَن الْحسن وَعَطَاء، عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ [لِبلَال] : «إِذا أَذِنت (فترسل) فِي أذانك ... » الحَدِيث إِلَى قَوْله: «لقَضَاء حَاجته» ثمَّ قَالَ: هَذَا (حَدِيث) لَيْسَ فِي إِسْنَاده مطعون فِيهِ غير عَمْرو بن فائد (الأسواري) وَالْبَاقُونَ شُيُوخ الْبَصْرَة. قَالَ: وَهَذِه سنة غَرِيبَة لَا أعرف لَهَا إِسْنَادًا غير هَذَا، وَلم يخرجَاهُ. هَذَا كَلَامه؛ وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: فِي دَعْوَاهُ أَنه لَيْسَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 إِسْنَاده مطعون فِيهِ غير عَمْرو بن فائد، وَفِيه اثْنَان (ضعيفان) بِمرَّة عبد الْمُنعم وَيَحْيَى بن مُسلم، كَمَا سلف. وَأما عَمْرو بن فائد الْمَزِيد فِي الْإِسْنَاد، فَإِنَّهُ واه بِمرَّة، نسبه عَلّي بن الْمَدِينِيّ إِلَى الْوَضع، وَتَركه الدارقطني. ثَانِيهمَا: دَعْوَاهُ أَن هَذِه السّنة لَيْسَ لَهَا إِلَّا هَذَا الْإِسْنَاد؛ فَإِن لَهَا إِسْنَاد ثَان وثالث، أسندها الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْقَاسِم بن الحكم، ثَنَا عَمْرو بن شمر، حَدثنَا عمرَان بن مُسلم، قَالَ: سَمِعت سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: سَمِعت عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْمُرنَا أَن نرتل الْأَذَان، ونحذف الْإِقَامَة) ، وَعَمْرو هَذَا رَافِضِي مَتْرُوك، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم فِي «الْأَوْسَط» : لم يروه عَن (عَمْرو بن شمر) إِلَّا أَبُو مُعَاوِيَة. قلت: قد رَوَاهُ الْقَاسِم بن الحكم وَهُوَ أَبُو أَحْمد (العرني) - فِيمَا أَظن - وَهُوَ ثِقَة وَإِن لينه الْعقيلِيّ حَيْثُ قَالَ: فِي حَدِيثه مَنَاكِير لَا يُتَابع عَلَى كثير من حَدِيثه. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» : سَمِعت أَبَا (الْحسن) الْقَارئ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 يَقُول: سَمِعت أَبَا حَفْص - يَعْنِي: عَمْرو بن عَلّي - يَقُول: رجل يُقَال لَهُ يُوسُف بن عَطِيَّة كُوفِي أكذب من هَذَا قدم علينا، نزل المربد (سمعته) يَقُول: نَا عَمْرو بن شمر، عَن عمرَان بن مُسلم، عَن سُوَيْد بن غَفلَة، عَن عَلّي قَالَ: (قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لِبلَال) : إِذا أَذِنت فترسل، وَإِذا أَقمت (فاحذم)) وَحدث أَحَادِيث مُنكرَة عَن قوم معروفين. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه لما أخرجه من حَدِيث جَابر وَضَعفه: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر عَن الْحسن وَعَطَاء، عَن أبي هُرَيْرَة؛ وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. ثمَّ (ذكره) بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ بِلَفْظ قَالَ: (قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لِبلَال ... ) فَذكره إِلَى قَوْله: (لقَضَاء حَاجته) ثمَّ قَالَ: الْإِسْنَاد (الأول أشهر) من هَذَا. قَالَ الدارقطني: وأنبأنا مُحَمَّد بن مخلد، ثَنَا الْحسن بن عَرَفَة، نَا مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز، عَن أَبِيه، عَن أبي الزبير مُؤذن بَيت الْمُقَدّس - وَهُوَ (مِمَّن) لَا يعرف اسْمه عَلَى مَا قَالَه الْحَاكِم أَبُو أَحْمد - قَالَ: (جَاءَنَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (فَقَالَ) : إِذا أَذِنت فترسل، وَإِذا أَقمت (فاحذم)) وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «فاحدر» . فَائِدَة: الترسل: التأني وَترك العجلة، قَالَ الْأَزْهَرِي: (الترسل: التمهل) فِي تأذينه وتبيين كَلَامه تبيينًا يفهمهُ كل من (يسمعهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 قَالَ) : وَهُوَ من قَوْلك: جَاءَ فلَان عَلَى رسله أَي: عَلَى هينته غير عجل وَلَا مُتْعب نَفسه. (وَكَذَا) قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «الْكتاب» : الترسل هُوَ الترتيل، والحدر - بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ -: الْإِسْرَاع وَترك التَّطْوِيل. وَقَوله: (فاحدر) يجوز لَك أَن تَقْرَأهُ بِكَسْر الدَّال وَضمّهَا. قَالَ ابْن سَيّده: حدر الشَّيْء يحدُره ويحدِره حدرًا (أَو) حدورًا فانحدر: حطه من علو إِلَى سفل. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «دقائق الرَّوْضَة» : يحدر - بِضَم الدَّال مَعَ فتح الْيَاء - أَي: يسْرع. قَالَ أهل اللُّغَة: حدرت الْقِرَاءَة وَالْأَذَان (وَنَحْوهمَا) أحدره حدرًا إِذا أسرعت بِهِ. وَقَوله فِي رِوَايَة ابْن عدي وَمن تبعه: (فاحذم) رُوِيَ بأوجه: أَحدهَا: بحاء مُهْملَة، ثمَّ ذال مُعْجمَة مَكْسُورَة وَبعدهَا مِيم (وهمزته) همزَة وصل، وَعَلِيهِ اقْتصر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» قَالَ صَاحب «الْمُحكم» : الحذم: الْإِسْرَاع فِي الشَّيْء. قَالَ: وَمِنْه قَول عمر ... فَذكر الْأَثر السالف، وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن أبي عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِن الحذم الحدر فِي الْإِقَامَة، وَقطع التَّطْوِيل. قَالَ ابْن فَارس: كل شَيْء أسرعت فِيهِ فقد حذمته. ثَانِيهَا: بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة، أَي: اقْطَعْ التَّطْوِيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 ثَالِثهَا: بِالْخَاءِ والذال المعجمتين، وَهُوَ من الخذم، أَي: السرعة، حَكَى هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله أَبُو الْقَاسِم بن البزري. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : وَالْأول هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الْمَعْرُوف، والوجهان (الْآخرَانِ) صَحِيحَانِ فِي اللُّغَة أَيْضا، وَذكره الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ اخْتِيَار أبي عبيد، وَعَن خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح عَلَى (حَاشِيَة سنَن) الْبَيْهَقِيّ أَن الصَّوَاب الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الْحَرْف بِالْحَاء الْمُهْملَة (قَالَ) : وأخبرت قِرَاءَة عَن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل صَاحب «مجمع الغرائب» قَالَ: - وَقد أورد هَذَا الحَدِيث (بالحرف) الْمَذْكُور - أصل الحذم: الْإِسْرَاع فِي الشَّيْء أمره بِالتَّخْفِيفِ فِي الْإِقَامَة، وَأما (الخذم) والجذم (بِالْخَاءِ) وَالْجِيم فهما من الْقطع وليسا من (هَذَا) الحَدِيث. والاعتصار: ارتجاع الْعَطِيَّة، واعتصر من الشَّيْء: أَخذ، والاعتصار أَن يَأْخُذ من الْإِنْسَان مَالا بغرم أَو بِشَيْء غَيره، وَكَأن الْكِنَايَة عَن الدَّاخِل لقَضَاء الْحَاجة بالمعتصر من ذَلِك. الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (ألْقَى عليَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التأذين بِنَفسِهِ، فَقَالَ: قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله بالترجيع) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْعَاشِر مِنْهُ. الحَدِيث السَّادِس عشر ورد الْخَبَر بالتثويب فِي أَذَان الصُّبْح. هُوَ كَمَا قَالَ. وَقد ورد ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (من السّنة إِذا قَالَ الْمُؤَذّن فِي أَذَان الْفجْر: حَيّ عَلَى الْفَلاح قَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ تَثْنِيَة التثويب. وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» المأثورة بِلَفْظ: عَن أنس قَالَ: (كَانَ التثويب فِي صَلَاة الْغَدَاة: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن حَيّ عَلَى الْفَلاح فَلْيقل: الصَّلَاة خير من النّوم) . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» : وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث رِوَايَته هَكَذَا (هُوَ) الْمَحْفُوظ، وَأما من رَوَاهُ عَنهُ: (كَانَ التثويب عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الصَّلَاة خير من النّوم) فَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 قلت: (وَلَفْظَة) «من السّنة» يُعْطي (هَذَا أَيْضا) عَلَى الصَّحِيح فِيهِ، وَمِنْهَا حَدِيث سعيد (بن الْمسيب) عَن بِلَال: (أَنه أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُؤذنهُ بِصَلَاة الْفجْر، فَقيل: هُوَ نَائِم (فَقَالَ) الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ، فأقرت فِي تأذين الْفجْر فَثَبت الْأَمر عَلَى ذَلِك. رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن (عَمْرو) بن رَافع، نَا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات أَئِمَّة أَعْلَام مخرج حَدِيثهمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، إِلَّا (عَمْرو) بن رَافع شيخ ابْن مَاجَه، وَهُوَ حَافظ. قَالَ أَبُو حَاتِم: قل من كتبنَا عَنهُ أصدق لهجة وَأَصَح حَدِيثا مِنْهُ (لَكِن) أعله النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» بالانقطاع. قَالَ (لِأَن) سعيدًا لم يسمع من بِلَال وَهُوَ الظَّاهِر؛ فَإِنَّهُ كَانَ صَغِيرا عِنْد موت بِلَال؛ فَإِن مولد سعيد سنة خمس عشرَة (من الْهِجْرَة) وَقيل: (سنة) سبع عشرَة، وَمَات بِلَال سنة عشْرين أَو إِحْدَى وَعشْرين، فَيكون سنّ سعيد (إِذْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 ذَاك خمس) سِنِين (أَو أَربع سِنِين) عَلَى الأول، وَثَلَاث أَو أَربع عَلَى الثَّانِي. وَرُوِيَ من طَرِيق آخر مُتَّصِل (رَوَاهُ) ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» المأثورة من حَدِيث عبد الله بن زيد، عَن بِلَال أَيْضا. وَمِنْهَا حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (اسْتَشَارَ النَّاس) لما يهمهم إِلَى الصَّلَاة، فَذكرُوا البوق فكرهه من أجل الْيَهُود، ثمَّ ذكرُوا الناقوس (فكرهه) من أجل النَّصَارَى، فأري النداء تِلْكَ اللَّيْلَة رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: عبد الله بن زيد، وَعمر بن الْخطاب فطرق الْأنْصَارِيّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلًا، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِلَالًا فَأذن بِهِ) قَالَ الزُّهْرِيّ: وَزَاد بِلَال فِي نِدَاء صَلَاة الْغَدَاة: «الصَّلَاة خير من النّوم، فأقرها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ عمر: يَا رَسُول الله، قد (رَأَيْت) مثل الَّذِي رَأَى وَلكنه سبقني) . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ، نَا أبي، عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ (بِهِ) وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم فِي (الصِّحَاح) إِلَّا الوَاسِطِيّ الْمَذْكُور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 فَفِيهِ مقَال، ضعفه أَبُو زرْعَة وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ عَلَى (يَدي) عدل. وَرَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي (مُسْنده) عَن الْحسن بن سَلام، وَأبي عَوْف قَالَا: حَدثنَا أَبُو نعيم، نَا سُفْيَان، عَن ابْن عجلَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: (كَانَ فِي الْأَذَان الأول بعد حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح: الصَّلَاة خير من النّوم (الصَّلَاة خير من النّوم)) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، عَن أبي نعيم، وَمن جِهَته أخرجه (الْبَيْهَقِيّ) . وَمِنْهَا عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (كنت أؤذن للنَّبِي (فَكنت أَقُول فِي أَذَان الْفجْر الأول: حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، الصَّلَاة خير من النّوم، الصَّلَاة خير من النّوم، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله) . رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي جَعْفَر، عَن أبي (سلمَان) عَن أبي مَحْذُورَة بِهِ، ثمَّ قَالَ: أَبُو جَعْفَر هَذَا لَيْسَ بِأبي جَعْفَر الْفراء، وَسَتَأْتِي رِوَايَة أبي دَاوُد أَيْضا لَهُ فِي الحَدِيث الثَّامِن عشر، وَفِي الْبَاب غير ذَلِك من الْأَحَادِيث كَحَدِيث عَائِشَة وَغَيرهَا حذفتها اختصارًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 (وَذكره) الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن بِلَال وَعلي، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وهما منقطعان. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن بِلَال رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تثوبن فِي شَيْء من أصلح إِلَّا (فِي) صَلَاة الْفجْر) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي إِسْرَائِيل، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن أبي إِسْرَائِيل، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال (قَالَ) : أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أثوب فِي الْفجْر، ونهاني أَن أثوب فِي الْعشَاء) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث (أبي) إِسْرَائِيل بِهِ بِلَفْظ: (أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن لَا أثوب فِي شَيْء من الصَّلَاة إِلَّا (فِي) صَلَاة الْفجْر) . وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، وَمن حَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 الحكم (أَو) الْحسن بن عمَارَة بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث أبي إِسْرَائِيل الْملَائي واسْمه: إِسْمَاعِيل ابْن أبي إِسْحَاق، وَلَيْسَ بذلك الْقوي عِنْد أهل الحَدِيث، وَأَبُو إِسْرَائِيل لم يسمع هَذَا الحَدِيث من الحكم بن (عتيبة) (قَالَ) إِنَّمَا رَوَاهُ عَن (الْحسن) بن عمَارَة، عَن الحكم بن (عتيبة) . قلت: ووراء ذَلِك كُله عِلّة أُخْرَى، وَهِي الِانْقِطَاع؛ فَإِن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لم يدْرك بِلَالًا، كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْحفاظ، قَالَ الشَّافِعِي: لَا نعلم عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى رَأَى بِلَالًا قطّ؛ عبد الرَّحْمَن بِالْكُوفَةِ، وبلال بِالشَّام! . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : عبد الرَّحْمَن لم يسمع من بِلَال وَلَا أدْرك أَذَانه. وَسَبقه إِلَى ذَلِك يَحْيَى بن معِين أَيْضا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم لما سُئِلَ: هَل سمع مِنْهُ؟ (قَالَ) : كَانَ بِلَال خرج إِلَى الشَّام فِي خلَافَة عمر قَدِيما؛ فَإِن كَانَ رَآهُ كَانَ صَغِيرا. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِن مولد عبد الرَّحْمَن لستًّ (بَقينَ) من خلَافَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 عمر كَمَا حَكَاهُ شُعْبَة عَن الحكم عَنهُ. وَقَالَ ابْن معِين إِنَّه لم ير عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث قبله وَفَاة بِلَال، (فَحصل) تَعْلِيل الحَدِيث بالضعف والانقطاع، أما الضعْف (فبسبب أبي) إِسْرَائِيل، واسْمه: إِسْمَاعِيل بن أبي إِسْحَاق، واسْمه: خَليفَة - أَو عبد الْعَزِيز، قَولَانِ - الْملَائي الْعَبْسِي الْكُوفِي، ضَعَّفُوهُ، قَالَ يَحْيَى: أَصْحَاب الحَدِيث لَا يَكْتُبُونَ حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَتَركه ابْن مهْدي، وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ يُخَالف فِيهِ الثِّقَات. وَقَالَ الْعقيلِيّ: فِي حَدِيثه وهم واضطراب وَله مَعَ ذَلِك مَذْهَب سوء خَبِيث. وَأما الِانْقِطَاع فَفِي موضِعين: أَحدهمَا: (بَين) ابْن أبي لَيْلَى وبلال، وَهُوَ وَاضح كَمَا سلف. الثَّانِي: بَين أبي إِسْرَائِيل وَالْحكم كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ، وَفِيه وَقْفَة؛ فَإِن الإِمَام أَحْمد قد قَالَ فِي رِوَايَته: نَا حسن بن الرّبيع، نَا أَبُو إِسْرَائِيل، نَا الحكم. لَكِن قد رَوَاهُ الْعقيلِيّ من حَدِيث الحكم (أَو) الْحسن بن عمَارَة - عَلَى الشَّك كَمَا سلف - ثمَّ قَالَ: رَأَيْت فِي كتاب مُحَمَّد بن مُسلم (بن وارة) أخرجه إِلَى (أَبِيه) (بِالريِّ) قَالَ (لي) أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: مَرَرْت يَوْمًا عَلَى بَاب أبي إِسْرَائِيل فَإِذا ريَاح قَاعد، فَقلت: مَا أقعدك هَا هُنَا؟ ! فَقَالَ: بَلغنِي حَدِيث عَن هَذَا، فَلم أتمالك - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وَإِذا هُوَ قد ذكر حَدِيث بِلَال فِي التثويب - فاستأذنت عَلَى أبي إِسْرَائِيل فَأذن (لنا) فَلم أزل ألطف بِهِ فَلَمَّا قمنا قلت لَهُ: شَيْئا (اخْتَلَفْنَا) فِيهِ فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَذكرت ذَلِك، فَقَالَ: نَا الحكم، عَن (ابْن) أبي لَيْلَى - أَو الْحسن بن عمَارَة -: (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِبلَال ... » الحَدِيث. قَالَ الْعقيلِيّ: وحَدثني آدم بن مُوسَى قَالَ: سَمِعت البُخَارِيّ قَالَ: (نَا) إِسْمَاعِيل بن أبي إِسْحَاق أَبُو إِسْرَائِيل الْعَبْسِي الْملَائي الْكُوفِي، عَن الحكم، وعطية ضعفه أَبُو الْوَلِيد، قَالَ: سَأَلته عَن حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال، وَكَانَ يرويهِ عَن الحكم فِي الْأَذَان فَقَالَ سمعته من الحكم وَالْحسن بن عمَارَة. قلت: وَالْحسن بن عمَارَة (أحد) الهلكى، قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي: أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. فتقرر إِذا ضعف هَذَا الحَدِيث بشواهده. وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ (فَذكر) هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» من طريق الإِمَام (أَحْمد) محتجًّا بِهِ، ثمَّ قَالَ: إِن قيل: أَبُو إِسْحَاق ضَعِيف، ثمَّ لم يسمعهُ من الحكم، إِنَّمَا رَوَاهُ عَن الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم. قُلْنَا: مُجَرّد التَّضْعِيف لَا يقبل حَتَّى يبين سَببه، وَقد رَوَاهُ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: ثَنَا الحكم: (و) هَذَا لَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيم ذَلِك لَهُ فَكيف يعْمل بالانقطاع (بَين) ابْن أبي لَيْلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وبلال وأجمل ابْن السكن القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث فَقَالَ بعد أَن ذكره فِي «صحاحه» : لَا يَصح إِسْنَاده. فَائِدَة: قَول التِّرْمِذِيّ السالف هَذَا حَدِيث لَا (نعرفه) إِلَّا من حَدِيث أبي إِسْرَائِيل الْملَائي، قد عرفنَا لَهُ بِفضل الله (وَمِنْه) طَرِيقا آخر غَيره رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الزجاجي، عَن أبي سعيد، وَهُوَ (الْبَقَّال) عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أثوب فِي الْفجْر، ونهاني أَن أثوب فِي الْعشَاء» وَعبد الرَّحْمَن هَذَا إِن (يكن) الرَّاوِي عَن معمر وطبقته، فقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي حَقه: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ غَيره: صَالح الحَدِيث. الحَدِيث الثَّامِن عشر ثَبت عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْأَذَان وَقَالَ: (إِذا) كنت فِي أَذَان الصُّبْح فَقلت: حَيّ عَلَى (الْفَلاح) (فَقل) الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) من حَدِيث الْحَارِث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن (عبد الْملك) بن أبي مَحْذُورَة، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: (قلت: يَا رَسُول الله، عَلمنِي سنة الْأَذَان، قَالَ: فَمسح مقدم رَأسه قَالَ: تَقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ترفع بهَا صَوْتك، ثمَّ تَقول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، تخْفض بهَا (صَوْتك) ثمَّ ترفع صَوْتك بِالشَّهَادَةِ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، حَيّ عَلَى الْفَلاح (فَإِن) كَانَ صَلَاة الصُّبْح قلت: الصَّلَاة خير من النّوم، الصَّلَاة خير من النّوم، الله أكبر (الله أكبر) لَا إِلَه إِلَّا الله) . وَلما ذكر عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» هَذَا الحَدِيث بالسند الْمَذْكُور قَالَ: لَا يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم يبين علته، وَهِي (الْجَهْل) بِحَال مُحَمَّد بن عبد الْملك (بن) أبي مَحْذُورَة، وَلَا نعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا أَبُو قدامَة الْحَارِث بن عبيد، وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف (قَالَه) ابْن معِين، وَقَالَ فِيهِ أَيْضا: مُضْطَرب الحَدِيث. وَكَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: سَمِعت ابْن مهْدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 يحدث عَنهُ، وَقَالَ: كَانَ من شُيُوخنَا، وَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا، فَأَما عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة (فقد) رَوَى عَنهُ جمَاعَة (و) سَاق التِّرْمِذِيّ حَدِيثا فِي الْأَذَان من رِوَايَته وَرِوَايَة ابْنه عبد الْعَزِيز جَمِيعًا وَصَححهُ. قلت: أما الْحَارِث بن عبيد؛ فَأخْرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» محتجًّا (بِهِ، وَالْبُخَارِيّ) تَعْلِيقا، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» (و) قَالَ السَّاجِي صَدُوق. وَأما مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة فروَى عَنهُ سُفْيَان (الثَّوْريّ) أَيْضا، كَمَا أَفَادَهُ الْمزي فِي «تهذيبه» وَأخرج (لَهُ) . وَأخرج أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» الحَدِيث من طريقهما، فَقَالَ: أَنا الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي، نَا مُسَدّد بن مسرهد، ثَنَا الْحَارِث بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، عَن أَبِيه، عَن جده ... كَمَا ذكره) أَبُو دَاوُد، فصح إِذا قَول الرَّافِعِيّ إِنَّه حَدِيث ثَابت، وَكَذَا قَول صَاحب «الْمُهَذّب» و «الْوَسِيط» إِنَّه قد صَحَّ التثويب فِي خبر أبي مَحْذُورَة، وَقد سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد (فَهُوَ) مُحْتَج بِهِ عِنْده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من غير طَرِيقه من حَدِيث عُثْمَان (بن) السَّائِب قَالَ: أَخْبرنِي أبي وَأم عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة ... فَذكر حَدِيث الْأَذَان (وَفِيه) : (الصَّلَاة خير من النّوم) فِي صَلَاة الصُّبْح وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، ثمَّ ذكره أَبُو دَاوُد من طَرِيقين آخَرين - أَيْضا - عَن أبي مَحْذُورَة، وَقد أسلفنا لَهُ طَرِيقا آخر عَن النَّسَائِيّ فِي الحَدِيث السَّادِس عشر أَيْضا الحَدِيث التَّاسِع عشر (أَن الْملك الَّذِي رَآهُ عبد الله بن زيد (فِي الْمَنَام) كَانَ قَائِما) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن ابْن أبي لَيْلَى قَالَ: (أحيلت الصَّلَاة ثَلَاثَة أَحْوَال، قَالَ: ونا أَصْحَابنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لقد أعجبني أَن تكون صَلَاة الْمُسلمين - أَو الْمُؤمنِينَ - وَاحِدَة، حَتَّى لقد هَمَمْت أَن أبث رجَالًا فِي الدّور ينادون النَّاس بِحِين الصَّلَاة، وَحَتَّى هَمَمْت أَن آمُر [رجَالًا] يقومُونَ عَلَى (الْآطَام) ينادون الْمُسلمين بِحِين الصَّلَاة حَتَّى نقسوا - أَو كَادُوا أَن (ينقسوا) - قَالَ: فجَاء رجل من الْأَنْصَار قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 (لما) رجعت لما رَأَيْت من اهتمامك رَأَيْت رجلا (كَأَن) عَلَيْهِ (ثَوْبَيْنِ أخضرين) فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِد فَأذن، ثمَّ قعد (قعدة) ثمَّ قَامَ فَقَالَ مثلهَا، إِلَّا أَنه يَقُول: قد قَامَت الصَّلَاة. وَلَوْلَا (أَن يَقُول النَّاس - قَالَ ابْن الْمثنى) أَن تَقولُوا - لَقلت إِنِّي كنت يقظانًا غير نَائِم، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد أَرَاك الله خيرا؛ فَمر بِلَالًا فليؤذن. قَالَ: فَقَالَ عمر: أما إِنِّي قد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَى، وَلَكِنِّي لما سبقت استحييت ... ) . وَذكر بَاقِي الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث وَكِيع عَن الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: ثَنَا أَصْحَاب مُحَمَّد «أَن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، رَأَيْت فِي الْمَنَام رجلا قَامَ عَلَى جذم حَائِط فَأذن مثنى، وَأقَام (مثنى) وَقعد قعدة، وَعَلِيهِ (بردَان) أخضران) . (و) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي بكر بن عَيَّاش، عَن الْأَعْمَش، عَن عَمْرو ابْن مرّة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ بن جبل قَالَ: (قَامَ رجل من الْأَنْصَار - عبد الله بن زيد يَعْنِي - (إِلَى) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رَأَيْت فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 (الْمَنَام) كَأَن رجلا نزل من السَّمَاء عَلَيْهِ بردَان أخضران، نزل عَلَى جذم حَائِط من الْمَدِينَة، فَأذن مثنى مثنى (ثمَّ) جلس، ثمَّ قَامَ فَقَالَ مثنى مثنى (ثمَّ) جلس - قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش: عَلَى نَحْو من أذاننا الْيَوْم - قَالَ: علمهَا بِلَالًا (فَقَالَ) عمر: قد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَى، وَلكنه سبقني) . وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق وَلَفظه: أَن عبد الله بن زيد قَالَ: (يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنِّي) لم أكن نَائِما بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، رَأَيْت شخصا عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران، قَامَ فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر، حَتَّى فرغ من الْأَذَان - مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ - قَالَ فِي آخر أَذَانه: الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ أمْهل شَيْئا، ثمَّ قَالَ مثل الَّذِي قَالَ، غير أَنه قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة - مرَّتَيْنِ - فَقَالَ: علمهَا بِلَالًا. فَكَانَ أول من أذن بهَا، فجَاء عمر فَقَالَ: (يَا رَسُول الله، قد أطاف بِي اللَّيْلَة مثل الَّذِي أطاف بِعَبْد الله بن زيد غير أَنه) سبقني إِلَيْك) . وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله ابْن زيد الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: (لما كَانَ اللَّيْل قبل الْفجْر غشيني النعاس، فَرَأَيْت رجلا عَلَيْهِ (ثَوْبَان أخضران وَأَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، فَقَامَ عَلَى سطح الْمَسْجِد، فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ونادى ... ) الحَدِيث بِطُولِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي الشَّيْخ الأولَى مُنْقَطِعَة؛ فَإِن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لم يسمع من معَاذ، كَمَا نَص عَلَيْهِ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَهُوَ ظَاهر؛ فَإِن ابْن (أبي) لَيْلَى قَالَ: ولدت لست بَقينَ من خلَافَة عمر ( ... ) كَمَا سلف فَيكون مولده سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة، ومعاذ توفّي سنة سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة، وَقيل إِن مولده لست مضين من خلَافَة عمر، فَيكون مولده عَلَى هَذَا بعد موت معَاذ. قلت: وينكر حِينَئِذٍ عَلَى الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ أخرج حَدِيثا فِي كتاب التَّفْسِير من (مُسْتَدْركه) من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَرِوَايَة أبي الشَّيْخ الثَّانِيَة مُنْقَطِعَة أَيْضا؛ فَإِن ابْن أبي لَيْلَى لم يسمع من عبد الله بن زيد أَيْضا كَمَا نَص عَلَيْهِ التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي حَدِيث آخر، لَكِن يُمكن سَمَاعه مِنْهُ فَإِن عبد الله بن زيد توفّي سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَابْن أبي لَيْلَى ولد سنة سبع عشرَة كَمَا سلف. وَقَول ابْن أبي لَيْلَى فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (ثَنَا أَصْحَابنَا، قَالَ الْمُنْذِرِيّ:) إِن أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَة فَيكون الحَدِيث مُسْندًا؛ وَإِلَّا فَهُوَ مُرْسل، وَقد سمع من جمَاعَة من الصَّحَابَة. قلت: المُرَاد هُنَا الأول، يُؤَيّدهُ رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: ثَنَا أَصْحَاب مُحَمَّد (. فَهِيَ مُتَّصِلَة من غير شكّ؛ لما عرفه من مَذَاهِب أهل السّنة فِي عَدَالَة الصَّحَابَة، وَأَن جَهَالَة الِاسْم فيهم غير ضارة، لَا جرم قَالَ ابْن حزم: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 إسنادها فِي غَايَة من الصِّحَّة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : رجالها رجال الصَّحِيحَيْنِ. الحَدِيث الْعشْرُونَ (أَن (بِلَالًا) وَغَيره من مؤذني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانُوا يُؤذنُونَ قيَاما) . حَدِيث بِلَال فِي (الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (كَانَ الْمُسلمُونَ حِين قدمُوا الْمَدِينَة يَجْتَمعُونَ يتحينون الصَّلَاة، وَلَيْسَ يُنَادي بهَا أحد، فتكلموا يَوْمًا فِي ذَلِك، فَقَالَ بَعضهم: اتَّخذُوا ناقوسًا مثل ناقوس النَّصَارَى وَقَالَ بَعضهم: قرنا مثل قرن الْيَهُود. فَقَالَ عمر: أَولا تبعثون رجلا يُنَادي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا بِلَال، قُم فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) . لَكِن قد يُقَال: هَذَا النداء الْمَأْمُور هُوَ الْإِعْلَام لَا الْأَذَان الْخَاص؛ فَإِن ذَلِك قبل مَشْرُوعِيَّة الْأَذَان، وَأَيْضًا فقد يكون المُرَاد قُم واذهب إِلَى مَوضِع بارز فَنَادِ فِيهِ بِالصَّلَاةِ ليسمعك النَّاس من الْبعد، وَلَيْسَ فِيهِ معرض الْقيام فِي حَال الْأَذَان. فِي «خلافيات» الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْحسن (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِلَالًا فِي سفر فَأذن عَلَى رَاحِلَته، ثمَّ نزلُوا فصلوا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أمره فَأَقَامَ فَصَلى بهم الصُّبْح) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا مُرْسل. قَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع كل من نَحْفَظ عَنهُ من أهل الْعلم عَلَى أَن السّنة أَن يُؤذن الْمُؤَذّن قَائِما. قَالَ: وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 روينَا عَن أبي زيد صَاحب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَت رجله أُصِيبَت فِي سَبِيل الله - أَنه أذن وَهُوَ قَاعد، قَالَ: وَثَبت أَن ابْن عمر كَانَ يُؤذن عَلَى الْبَعِير وَينزل فيقيم، وَأما [غَيره] من مؤذني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَهُوَ الظَّاهِر من فعلهم) . وَفِي النَّسَائِيّ عَن أبي مَحْذُورَة قَالَ: (خرجت فِي سفر وَكُنَّا فِي بعض طَرِيق حنين مقفل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من حنين ... ) الحَدِيث، وَفِيه: «فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَيّكُم الَّذِي سَمِعت صَوته أرفع؟ فَأَشَارَ الْقَوْم إِلَيّ وَصَدقُوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، قَالَ: قُم فَأذن بِالصَّلَاةِ. فَألْقَى عَلّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التأذين هُوَ بِنَفسِهِ) قَالَ [ابْن] عبد الْحق فِيمَا رده عَلَى «الْمُحَلَّى» : وَكَذَلِكَ تَلقاهُ الْمُسلمُونَ. قَالَ: وَلم يرو عَن أحد مِنْهُم أَنه أذن قَاعِدا لغير عذر. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن أبي جُحَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا خرج إِلَى الأبطح، فَلَمَّا بلغ: حَيّ على الصلاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح لوى عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا وَلم يستدبر) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) من حَدِيث وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عون بن أبي جُحَيْفَة، عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: (رَأَيْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 بِلَالًا ... ) فَذكره كَذَلِك سَوَاء؛ إِلَّا أَنه قَالَ: (وَلم [يستدر] بدل وَلم يستدبر) . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة الْأَخِيرَة، رَوَاهُ البُخَارِيّ [عَن] مُحَمَّد بن يُوسُف، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه (أَنه رَأَى بِلَالًا يُؤذن، فَجعلت أتتبع فَاه هَاهُنَا وَهَاهُنَا بِالْأَذَانِ) . وَرَوَاهُ مُسلم مطولا من حَدِيث وَكِيع بِهِ بِلَفْظ: (أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[بِمَكَّة] وَهُوَ بِالْأَبْطح فِي قبَّة حَمْرَاء من أَدَم، قَالَ: فَخرج بِلَال بوضوئه فَمن نَاضِح ونائل قَالَ: فَخرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَيْهِ حلَّة حَمْرَاء كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض سَاقيه. قَالَ: فَتَوَضَّأ وَأذن بِلَال فَجعلت أتتبع [فَاه] هَاهُنَا وَهَاهُنَا يَقُول يَمِينا وَشمَالًا: حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح. قَالَ: ثمَّ ركزت لَهُ عنزة، فَتقدم فَصَلى الظّهْر رَكْعَتَيْنِ يمر بَين يَدَيْهِ الْكَلْب وَالْحمار وَلَا يمْنَع، ثمَّ صَلَّى الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ لم يزل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بالاستدارة من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن ويدور وَيتبع فَاه هَاهُنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 وَهَاهُنَا، وأصبعاه فِي أُذُنَيْهِ وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قبَّة لَهُ حَمْرَاء - أُراه قَالَ: من أَدَم - فَخرج بِلَال بَين يَدَيْهِ بالعنزة فركزها بالبطحاء، فَصَلى إِلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (ثمَّ مر) بَين يَدَيْهِ الْكَلْب وَالْحمار وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء كَأَنِّي أنظر إِلَى بريق سَاقيه) قَالَ سُفْيَان: نرَاهُ حبرَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: (أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَخرج بِلَال فَأذن، فَجعل يَقُول فِي أَذَانه هَكَذَا - ينحرف يَمِينا وَشمَالًا) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، عَن حجاج بن أَرْطَاة، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: (أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[بِالْأَبْطح] وَهُوَ فِي قبَّة حَمْرَاء فَخرج بِلَال، فَأذن فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانه وَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ (أَن بِلَالًا ركز العنزة، ثمَّ أذن وَرفع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ فرأيته يَدُور فِي أَذَانه) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن ويدور يتبع فَاه هَا هُنَا وَهَا هُنَا وأصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قبَّة حَمْرَاء من أَدَم، فَخرج بِلَال بَين يَدَيْهِ بالعنزة فركزها بالبطحاء، فَصَلى إِلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يمر بَين يَدَيْهِ الْكَلْب وَالْحمار، وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء كَأَنِّي أنظر إِلَى بريق سَاقيه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن بشار، عَن (سُفْيَان بن عُيَيْنَة) عَن الثَّوْريّ وَمَالك بن مغول، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: (رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نزل بِالْأَبْطح ... ) فَذكر الحَدِيث بِنَحْوِهِ. قَالَ الْحَاكِم: قد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاج حَدِيث عون غير أَنَّهُمَا لم يذكرَا فِيهِ إِدْخَال الْأصْبع فِي الْأُذُنَيْنِ والاستدارة فِي الْأَذَان، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرطهمَا جَمِيعًا، وهما سنتَانِ مشهورتان. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان أَيْضا بِسَنَدِهِ، وَفِيه: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن يتبع بِفِيهِ - وصف سُفْيَان - يمِيل بِرَأْسِهِ يَمِينا وَشمَالًا. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث يَحْيَى الْحمانِي، عَن قيس بن الرّبيع، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا خرج بالهاجرة وَمَعَهُ عنزة فركزها، ثمَّ قَامَ يُؤذن، فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَجعل يَقُول بِرَأْسِهِ هَكَذَا يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى فرغ من أَذَانه) . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : فِي إِسْنَاده مقَال. قلت: لَعَلَّه بِسَبَب الطعْن فِي قيس بن الرّبيع؛ فَإِن النَّسَائِيّ تَركه، وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب من زرع أَرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 غَيره بِغَيْر إِذْنه: هُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ. وَأسْندَ الْأَزْدِيّ أَن أَبَا جَعْفَر اسْتَعْملهُ عَلَى الْمَدَائِن فَكَانَ يعلق النِّسَاء بثديهن وَيُرْسل عَلَيْهِنَّ الزنابير. وَقَالَ الْحُسَيْن بن إِدْرِيس فِي الْفُصُول الَّتِي علقها عَن ابْن عمار: قَالَ ابْن عمار: كَانَ قيس عَالما بِالْحَدِيثِ والكتب، فَلَمَّا ولي الْمَدَائِن قتل رجلا - فِيمَا بَلغنِي - فنفر النَّاس عَنهُ. وَيَحْيَى الْحمانِي حَافظ تكلم فِيهِ أَيْضا، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَحط عَلَيْهِ أَحْمد [و] ابْن نمير. وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مُؤَمل، عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه بِهِ، وَفِيه: (وضع الأصبعين فِي الْأُذُنَيْنِ) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن [آدم] عَن سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه قَالَ: (رَأَيْت بِلَالًا أذن، فأتبع فَاه هَا هُنَا هَا هُنَا - والتفت سُفْيَان يَمِينا وَشمَالًا) . قَالَ يَحْيَى: قَالَ سُفْيَان: (كَانَ الْحجَّاج ... ) . فَذكر عَن عون أَنه قَالَ: (واستدار فِي أَذَانه، فَلَمَّا لَقينَا عونًا لم يذكر فِيهِ استدارة) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث إِدْرِيس الأودي، عَن عون، عَن أَبِيه وَفِيه: (فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَجعل يستدير) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ من حَدِيث حَمَّاد وهشيم جَمِيعًا، عَن عون، عَن أَبِيه (أَن بِلَالًا أذن لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالبطحاء، فَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَجعل يستدير يَمِينا وَشمَالًا) . وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «الْمُسْتَخْرج عَلَى البُخَارِيّ» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، نَا سُفْيَان، عَن عون، عَن أَبِيه «أَنه رَأَى بِلَالًا يُؤذن ويدور، فَيتبع فَاه هَا هُنَا وَهَا هُنَا وأصبعاه فِي أُذُنَيْهِ» . وَرَوَاهُ أبو عوانة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن (عون، عَن) أَبِيه (أَن بِلَالًا أذن لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: فرأيته اسْتَدَارَ فِي أَذَانه وَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ) . (وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ (أذن بِلَال فَجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ) وَكَانَ يَدُور فِي أَذَانه» وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤذن وَقد جعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، وَهُوَ يلتوي فِي أَذَانه يَمِينا وَشمَالًا وَترْجم عَلَيْهِ إِدْخَال الأصبعين فِي الْأُذُنَيْنِ عِنْد الْأَذَان، إِن صَحَّ الْخَبَر، فَإِنِّي لَا أحفظ هَذِه اللَّفْظَة عَن حجاج، وَلست أفهم أسَمِعَ الْحجَّاج من عون أم لَا؟ فأشك فِي صِحَة هَذَا الْخَبَر؛ لهَذِهِ الْعلَّة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : الْحجَّاج مُدَلّس فِي الرِّوَايَة؛ فَلذَلِك قَالَ ابْن خُزَيْمَة مَا قَالَ. قَالَ وننبه لما سلف فِي رِوَايَة يَحْيَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 بن آدم، عَن سُفْيَان أَنه رَوَى الحَدِيث عَن حجاج وَلما فِي رِوَايَة (أبي) الْوَلِيد، عَن سُفْيَان (حَدثنِي من سمع من عون؛ فَإِن هَذِه شَهَادَة لمن حَدثهُ أَنه سَمعه من عون، فَإِذا كَانَ الَّذِي حدث (عَن) سُفْيَان) هُوَ حجاج، وَالَّذِي حدث سُفْيَان سمع من عون، فالحجاج سَمعه من عون. قَالَ: وَأما قَول ابْن خُزَيْمَة (إِنَّه) لَا تحفظ هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا عَن حجاج فقد جَاءَت من جِهَة قيس بن الرّبيع وَإِدْرِيس الأودي وهشيم عَن عون كَمَا سلف. وَاعْترض الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ عَلَى رِوَايَة الاستدارة فِي الْأَذَان فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست فِي حَدِيث أبي جُحَيْفَة من الطّرق المخرجة فِي الصَّحِيح، قَالَ: وسُفْيَان إِنَّمَا رَوَى الاستدارة فِي هَذَا الحَدِيث عَن رجل، عَن عون (وَنحن نتوهمه) سمع من الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عون وَالْحجاج غير مُحْتَج بِهِ، وَعبد الرَّزَّاق وهم فِي إدراجه فِي الحَدِيث، ثمَّ اسْتدلَّ بِأَن رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُفْيَان، حَدثنِي عون بن أبي جُحَيْفَة، عَن أَبِيه ... فَذكر شَيْئا لَيْسَ فِيهِ الاستدارة، وَقَالَ عقبه وَبِالْإِسْنَادِ: نَا سُفْيَان، حَدثنِي من سمع من عون: (أَنه كَانَ يَدُور وَيَضَع يَدَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ - يَعْنِي: بِلَالًا) قَالَ: وَهَذِه رِوَايَة الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عون وَذكرهَا بِإِسْنَادِهِ قَالَ: وَقد روينَا من (حَدِيث) قيس بن الرّبيع، عَن عون: (وَلم يستدر) . هَذَا آخر كَلَامه. وَبينا حجَّة الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فَقَالَ فِي «الإِمَام» : أما التَّعْلِيل بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الطّرق المخرجة فِي الصَّحِيح فضعيف، وَقد صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ من أَئِمَّة النَّقْل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 قلت: وَالْحَاكِم أَيْضا كَمَا سلف. وَأما (الحكم) بِأَن عبد الرَّزَّاق قد وهم (فِي إدراجه) فَفِيهِ نظر؛ لِأَنَّهُ قد وَقعت مُتَابعَة لروايته عَن سُفْيَان من جِهَة مُؤَمل، عَن سُفْيَان - كَمَا (أسلفناه) - من جِهَة أبي عوَانَة. وَأما قَوْله: نَحن نتوهمه سمع من الْحجَّاج وَأَن هَذِه رِوَايَة الْحجَّاج؛ فقد وَقع ذَلِك مُصَرحًا بِهِ خَارِجا عَن دَرَجَة الْوَهم، كَمَا أسلفناه عَن رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ، وَأَيْضًا فقد جَاءَت الاستدارة من غير جِهَة الْحجَّاج، كَمَا سلفت من (حَدِيث) إِدْرِيس الأودي، عَن عون من جِهَة الطَّبَرَانِيّ. فَائِدَة: أَبُو جُحَيْفَة - رَاوِي الحَدِيث (و) هُوَ بجيم مَضْمُومَة، ثمَّ حاء مُهْملَة مَفْتُوحَة - صَحَابِيّ مَشْهُور، واسْمه: عبد الله بن وهب السوَائِي - بِضَم السِّين الْمُهْملَة (و) بِالْمدِّ - قَبيلَة نسب إِلَيْهَا - توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ لم يبلغ الْحلم. والأبطح مَوضِع بَين مَكَّة وَمنى يُضَاف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ الْبَطْحَاء. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (يغْفر للمؤذن مدى صَوته) . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه سَمعه من فَم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 (الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ (مدى) صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث شُعْبَة، عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان، عَن أبي يَحْيَى غير (مَنْسُوب) عَن أبي هُرَيْرَة (بِهِ) وَاللَّفْظ للنسائي، وَلَفظ أبي دَاوُد: (الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس، وَشَاهد الصَّلَاة يكْتب لَهُ خمس وَعِشْرُونَ صَلَاة وَيكفر عَنهُ مَا بَينهمَا) . (ثَانِيهمَا) : وَلَفظ ابْن مَاجَه: (الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مد صَوته ويستغفر لَهُ كل رطب ويابس) وَالْبَاقِي كَلَفْظِ أبي دَاوُد (إِلَّا) أَنه قَالَ: «حَسَنَة» بدل «صَلَاة» . قَالَ ابْن الْقطَّان: أَبُو يَحْيَى هَذَا لَا يعرف. قَالَ: وَقد ذكره ابْن الْجَارُود فَلم يزدْ عَلَى مَا أَخذ من هَذَا الْإِسْنَاد من رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة وَرِوَايَة مُوسَى عَنهُ. قَالَ: وَثمّ جمَاعَة يروون عَن أبي هُرَيْرَة كل وَاحِد مِنْهُم يُقَال لَهُ: أَبُو يَحْيَى، مِنْهُم مولَى جعدة ثِقَة، وَآخر اسْمه: قيس، رَوَى عَنهُ بكير بن الْأَشَج، وَآخر لَا يُسمى رَوَى عَنهُ (صَفْوَان) بن سليم ثِقَة (من) أهل الْمَدِينَة (و) ذكره ابْن أبي حَاتِم. قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فِي «كناه» : خليقًا أَن يكون هَذَا (قيسا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 الَّذِي رَوَى عَنهُ ابْن بكير وَضَعفه بالجهالة أَيْضا الْمُنْذِرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَبُو يَحْيَى هَذَا لم ينْسب فَيعرف حَاله - يَعْنِي فَيكون مَجْهُولا ويضعف الحَدِيث من أَجله (وَكَذَا) . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : فِي إِسْنَاده مَجْهُول. وَضَعفه فِي «خلاصته» أَيْضا لَكِن قد عرفه غَيرهم. وَوَثَّقَهُ (قَالَ) ابْن حبَان فِي «ثقاته» : أَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه: سمْعَان الْأَسْلَمِيّ (وَنَقله) عَنهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» (وَأقرهُ) . و (قد) أخرج ابْن حبَان الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته فَذكره (من حَدِيث) (أبي) الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، نَا شُعْبَة، عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان سَمِعت أَبَا يَحْيَى يَقُول: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد (إِلَّا) أَنه قَالَ: «حسَنة» بدل: «صَلَاة» كَمَا ذكره ابْن مَاجَه، ثمَّ قَالَ: أَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه سمْعَان مولَى أسلم من أهل الْمَدِينَة وَالِد أنيس وَمُحَمّد (ابْني) أبي يَحْيَى الْأَسْلَمِيّ من جلة التَّابِعين (وَابْن ابْنه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى تَالِف فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 الرِّوَايَات) ومُوسَى بن أبي عُثْمَان من سَادَات أهل الْكُوفَة وعبادهم، وَاسم أَبِيه عمرَان. وَأخرجه أَيْضا شَيْخه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» عَن (بنْدَار (عَن) مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن،) عَن شُعْبَة بِلَفْظ أبي دَاوُد. وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» أَيْضا فصح الحَدِيث إِذا - وَللَّه الْحَمد - وزالت الْجَهَالَة (عَنهُ) . وَله (طرق) أُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا. وَله طَرِيق ثَان رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ (مد) صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سَمعه) . وَطَرِيق ثَالِث: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (يغْفر للمؤذن مدى صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سَمعه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَالْأَشْبَه (بِهِ) عَن مُجَاهِد مُرْسل. وَله طَرِيق رَابِع (رَوَاهُ أَحْمد) من حَدِيث معمر، عَن مَنْصُور، عَن [عباد] بن أنيس، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: (إِن الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، ويصدقه كل رطب ويابس سمع صَوته، وَالشَّاهِد عَلَيْهِ خمس وَعِشْرُونَ دَرَجَة) . وَله طَرِيق خَامِس: رَوَاهُ ابْن أبي (أُسَامَة) من حَدِيث شيخ من الْأَنْصَار، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ (أَبُو) أُسَامَة، عَن الْحسن بن الحكم عَن أبي (هُبَيْرَة) يَحْيَى بن عباد الْأنْصَارِيّ، عَن شيخ من الْأَنْصَار، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (إِن الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، ويصدقه كل رطب ويابس) . وَرَوَاهُ وهيب، عَن مَنْصُور، عَن يَحْيَى بن عباد، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (وَكَذَلِكَ) رَوَاهُ جرير، عَن (مَنْصُور) عَن يَحْيَى بن عباد، عَن عَطاء رجل من أهل الْمَدِينَة، عَن أبي (هُرَيْرَة) مَوْقُوفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 وَلم يرفعهُ، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح حَدِيث مَنْصُور، قيل لأبي زرْعَة: قَالَ عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن مَنْصُور، عَن عباد بن أنيس، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (فَقَالَ:) [حَدِيث معمر وهم] . أَنا أَبُو مُحَمَّد، ثَنَا أبي، عَن الْمُعَلَّى بن أسيد، عَن وهيب أَنه قَالَ لمنصور: [من] عَطاء هَذَا؛ أهوَ ابْن (أبي) رَبَاح؟ قَالَ: لَا. قلت: فَهُوَ عَطاء بن يسَار؟ قَالَ: (لَا) قلت: من هُوَ؟ قَالَ: (وَهُوَ) رجل. (الطَّرِيق الثَّانِي) : عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَى الصَّفّ الْمُقدم، والمؤذن يغْفر لَهُ (مد) صَوته، ويصدقه من سَمعه من رطب ويابس، وَله مثل أجر من صَلَّى مَعَه) . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَلّي بن عبد الله، وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى (قَالَا) : ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن أبي إِسْحَاق الْكُوفِي، عَن الْبَراء بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» أَيْضا. (الطَّرِيق الثَّالِث) عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 (يغْفر للمؤذن مُنْتَهى أَذَانه، ويستغفر لَهُ كل رطب ويابس (سمع) صَوته) ، وَفِي لفظ: (يغْفر للمؤذن (مد) صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سمع صَوته) رَوَى الأول: أَحْمد، وَالثَّانِي: الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمار بن رُزَيْق، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر. قَالَ (الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن طهْمَان، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر أَنه قَالَ) : (الْمُؤَذّن يغفر له (مد) صَوته، ويصدقه كل رطب ويابس) وسمعته يَقُول: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين) . (و) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث فَقيل: عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، وَقيل: عَن رجل، عَن ابْن عمر، وَقيل: عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس. وَالصَّحِيح الأول. (الطَّرِيق الرَّابِع) عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (قَالَ) : رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (يَد الله - تبَارك وَتَعَالَى - عَلَى رَأس الْمُؤَذّن حَتَّى يفرغ من أَذَانه (وَإنَّهُ) ليغفر لَهُ مد صَوته وَأَيْنَ بلغ) . رَوَاهُ ابْن عدي فِي (كَامِله) من حَدِيث أبي حَفْص الْعَبْدي، (عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس، ثمَّ قَالَ: قَالَ عبد الله بن أَحْمد: سَأَلت أبي عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 أبي حَفْص الْعَبْدي،) فَقَالَ: تركت حَدِيثه وخرقناه. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. (الطَّرِيق الْخَامِس) : عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله: (يغْفر للمؤذن (مد) صَوته، وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس سَمعه) (و) سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَقَالَ فِي «علله» : يرويهِ عَطاء، عَن أبي سعيد مَرْفُوعا مُتَّصِلا، وَيَرْوِيه أَيْضا عَطاء مُرْسلا، وَهُوَ الصَّحِيح. الطَّرِيق السَّادِس: عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (قَالَ) قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (يغْفر للمؤذن (مد) صَوته وَيشْهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كل من سمع صَوته من شجر أَو حجر أَو بشر أَو رطب أَو يَابِس، وَيكْتب لَهُ مثل أجر من صَلَّى بأذانه ... ) الحَدِيث، وَهُوَ طَوِيل نَحْو ورقة، رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق» (فِيمَا رَأَيْته) بِخَطِّهِ من حَدِيث عَلّي بن حَرْب، نَا يَحْيَى بن عبد الحميد، نَا عَلّي بن سُوَيْد، عَن نفيع ابْن دَاوُد، عَن جَابر (بِهِ) . فَائِدَة: المدى - بِفَتْح الْمِيم - مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ، وَهُوَ غَايَة الشَّيْء، وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الظّرْف، وَرِوَايَة «مد صَوته» مَرْفُوع عَلَى الفاعلين - كَمَا نبه عَلَيْهِ (المطرزي) فِي «الْمغرب» - وَالْمعْنَى: أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 ذنُوبه لَو كَانَت أجسامًا غفر لَهُ مِنْهَا قدر مَا (مَلأ) الْمسَافَة الَّتِي (بَينه) وَبَين مُنْتَهى صَوته، وَقيل: تمد لَهُ الرَّحْمَة بِقدر مد الْأَذَان. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه يستكمل مغْفرَة الله - تَعَالَى - إِذا اسْتَوْفَى وَسعه فِي رفع الصَّوْت (فَيبلغ الْغَايَة) من الْمَغْفِرَة إِذا بلغ الْغَايَة من الصَّوْت. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - علَّم الْأَذَان مُرَتبا) . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفنا ذَلِك فِي الحَدِيث الْعَاشِر (من رِوَايَة أبي مَحْذُورَة) . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (حق وَسنة (أَن) لَا يُؤذن الرجل إِلَّا وَهُوَ طَاهِر) . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك صَاحب «الشَّامِل» ، و «الْمُهَذّب» ، وَأَبُو الطّيب فِي تَعْلِيقه، وَلَا يحضرني من رَوَاهُ كَذَلِك فِي كتاب حَدِيث، وَإِنَّمَا هُوَ من فعل بعض الْفُقَهَاء؛ كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» نعم هُوَ مَوْقُوف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: (حق وَسنة مسنونة أَن لَا يُؤذن إِلَّا وَهُوَ طَاهِر وَلَا يُؤذن إِلَّا وَهُوَ قَائِم) . قَالَ الْخَطِيب فِي «تلخيصه» : أَنا الْقطيعِي، قَالَ: قَالَ لنا الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه، تفرد بِهِ الْحَارِث بن عتبَة عَنهُ، وَتفرد بِهِ (عُمَيْر) بن عمرَان عَن الْحَارِث بن عتبَة. قلت: وَمَعَ غرابته (وَوَقفه فَفِيهِ) (أَيْضا) إرْسَال؛ لِأَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل لم يسمع من أَبِيه شَيْئا - كَمَا ذكره النَّسَائِيّ وَغَيره - قَالَ يَحْيَى بن معِين: عبد الْجَبَّار ثَبت، وَلم يسمع من أَبِيه شَيْئا. وَنقل النَّوَوِيّ اتِّفَاق أَئِمَّة الحَدِيث عَلَى ذَلِك. ثمَّ نقل عَن جمَاعَة أَنه إِنَّمَا ولد بعد وَفَاة أَبِيه بِسِتَّة أشهر، وَهَذَا القَوْل بعيد (فَإِن) فِي «صَحِيح مُسلم» عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل (قَالَ: «كنت غُلَاما لَا أَعقل صَلَاة أبي ... » الحَدِيث، وَهَذَا يبطل قَول من قَالَ إِنَّه ولد) بعد موت أَبِيه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 وَقد نبه عَلَى ذَلِك الْمزي فِي «أَطْرَافه» بعد أَن نقل هَذَا القَوْل عَن التِّرْمِذِيّ، وَنبهَ عَلَيْهِ أَيْضا غَيره من شُيُوخنَا (لَكِن لم يعز مَا أسلفناه إِلَى مُسلم؛ بل عزاهُ إِلَى الطَّبَرَانِيّ، وَأَنه رَوَاهُ عَن [عبد الله بن] أَحْمد بن حَنْبَل) ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد بن حِسَاب، ثَنَا عبد الْوَارِث، نَا مُحَمَّد بن جحادة، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل قَالَ: «كنت غُلَاما لَا أَعقل صَلَاة، أبي، فَحَدثني عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن أبي وَائِل ... فَذكره. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا يُؤذن إِلَّا متوضئ) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن عَلّي بن حجر، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن مُعَاوِيَة بن يَحْيَى هُوَ - (الصَّدَفِي) - عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ. ثمَّ قَالَ: ونا يَحْيَى بن مُوسَى، نَا عبد الله بن (وهب) عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: (لَا يُنَادي بِالصَّلَاةِ إِلَّا متوضئ) قَالَ: وَهَذَا أصح من [الحَدِيث] (الأول) قَالَ: وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة لم يرفعهُ ابْن وهب، وَهُوَ أصح من (حَدِيث) الْوَلِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 بن مُسلم، وَالزهْرِيّ لم يسمع من أبي هُرَيْرَة، وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد أَن رَوَاهُ مَرْفُوعا: هَكَذَا رَوَاهُ مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الصَّدَفِي وَهُوَ ضَعِيف، وَالصَّحِيح رِوَايَة يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة ... فَذكره - كَمَا سلف - فتقرر أَن رِوَايَة الْوَقْف أصح، وَجَمِيع رجالها رجال الصَّحِيحَيْنِ خلا شيخ التِّرْمِذِيّ؛ فَإِن البُخَارِيّ رَوَى لَهُ وَحده وَهُوَ من الثِّقَات. وَقَول النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا وموقوفًا، وَهُوَ ضَعِيف، لَا يسلم لَهُ فِي رِوَايَة الْوَقْف كَمَا قَرّرته لَك. فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ - عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» عَن - الطبركي، نَا عبد الله بن هَارُون الْفَروِي، حَدثنِي أبي، عَن جدي أبي عَلْقَمَة، عَن مُحَمَّد بن مَالك قَالَ: (أَذِنت يَوْمًا فِي مَسْجِد عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس الصُّبْح، قَالَ: لَا تؤذن إِلَّا وَأَنت طَاهِر) قَالَ أبي: حَدثنِي (يَعْنِي) عبد الله بن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (يَا ابْن عَبَّاس، إِن الْأَذَان مُتَّصِل بِالصَّلَاةِ؛ فَلَا يُؤذن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ طَاهِر) . (وَعبد الله) هَذَا قَالَ ابْن عدي: لَهُ مَنَاكِير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي قصَّة عبد الله بن زيد: ألقه عَلَى بِلَال، فَإِنَّهُ أندى مِنْك صَوتا) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي أَوَائِل الْبَاب، وَقد سقناه هُنَاكَ بِطُولِهِ. وَفِي مَعْنَى «أندى» ثَلَاثَة أَقْوَال؛ حكاهن ابْن الْأَثِير فِي «نهايته» . أَحدهَا: أرفع (وأعلا) وَبِه جزم الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» فَإِنَّهُ قَالَ: أَي: أرفع صَوتا. ثَانِيهمَا: أحسن وأعذب، ثَالِثهَا: أبعد. وَقَالَ صَاحب «الْمطَالع» : أَي: أمد وَأبْعد غَايَة. وَقَالَ المطرزي: أَي: أرفع وَأبْعد. (وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الأندى بعد مدى الصَّوْت. وَقَالَ الرَّاغِب فِي «مفرداته» : أصل النداء من الندى أَي: الرُّطُوبَة، يُقَال: صَوت ند أَي: رفيع، واستعارة الندى للصوت من حَيْثُ أَن (من) تكْثر رُطُوبَة فَمه يحسن كَلَامه، وَلِهَذَا يُوصف الفصيح (بِكَثْرَة) الرِّيق، يُقَال: ندى وأندى، أندية، وَذَلِكَ (كتسمية) الْمُسَبّب باسم سَببه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اخْتَار أَبَا مَحْذُورَة لحسن صَوته) . هَذَا (حَدِيث) صَحِيح؛ فقد رَوَى الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد (عبد الرَّحْمَن) الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» عَن سعيد بن عَامر، عَن همام، عَن عَامر، عَن مَكْحُول، عَن عبد الله بن محيريز، عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر (نَحوا من) عشْرين رجلا فأذنوا، فأعجبه صَوت أبي مَحْذُورَة، فَعلمه الْأَذَان الله أكبر الله أكبر، الله أكبر (الله أكبر) ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا ال، لَهُ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، حَيّ عَلَى الْفَلاح، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله) وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ مُخْتَصرا إِلَى قَوْله: (فَعلمه الْأَذَان) كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» . وَأخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» مطولا، كَمَا أخرجه الدَّارمِيّ، ومن صَحِيحه (نقلته) وَفِي رِوَايَة (ابْن خُزَيْمَة) لَهُ عَن أبي مَحْذُورَة (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما خرج من (حنين) خرجت عَاشر عشرَة من مَكَّة نطلبهم ... ) الحَدِيث، وَفِيه «فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد سَمِعت فِي هَؤُلَاءِ تأذين إِنْسَان حسن الصَّوْت، فَأرْسل (إِلَيْنَا) » ، وَقَالَ الزبير بن بكار: كَانَ أَبُو مَحْذُورَة أحسن النَّاس وأنداهم صَوتا ولبعض (الشُّعَرَاء) من قُرَيْش فِي أَذَان أبي مَحْذُورَة: وَمَا تَلا مُحَمَّد من سُورَة لَأَفْعَلَنَّ فعلة مَذْكُورَة أما وَرب الْكَعْبَة المستورة والنغمات من أبي مَحْذُورَة تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا مواظبة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى (الْإِمَامَة) دون الْأَذَان، وَهَذَا مَشْهُور من فعله - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - يزِيد عَلَى التَّوَاتُر (وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بغيبه) . الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (الْأَئِمَّة ضمناء، والمؤذنون أُمَنَاء؛ فأرشد الله الْأَئِمَّة (واغفر) للمؤذنين) . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد هَكَذَا وأسنده فِي «الْأُم» عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة كَذَلِك، وَهُوَ مخرج فِي «الْمسند» أَيْضا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه بِلَفْظ أبي دَاوُد (الْآتِي) . (و) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن حَنْبَل، نَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، نَا الْأَعْمَش، عَن رجل، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين) . قَالَ: وثنا الْحسن بن عَلّي، نَا ابْن نمير، عَن الْأَعْمَش قَالَ: نبئت عَن أبي صَالح وَلَا (أَرَانِي) إِلَّا قد (سمعته) مِنْهُ، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثلِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» عَن هناد، نَا أَبُو الْأَحْوَص، وَأَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح مَرْفُوعا بِلَفْظ أبي دَاوُد، (و) قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَحَفْص بن غياث وَغير وَاحِد عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَى أَسْبَاط بن مُحَمَّد، عَن الْأَعْمَش قَالَ: حدثت عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا قَالَ: وَرَوَى نَافِع بن سُلَيْمَان، عَن مُحَمَّد بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَسمعت أَبَا زرْعَة يَقُول: حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة أصح من (حَدِيث) أبي صَالح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 (عَن عَائِشَة) . قَالَ: وَسمعت مُحَمَّدًا يَقُول: حَدِيث أبي صَالح عَن عَائِشَة أصح، (و) ذكر عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه لم يثبت حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا حَدِيث (أبي) صَالح عَن عَائِشَة (فِي هَذَا) هَذَا آخر كَلَام التِّرْمِذِيّ وَنَقله. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل - فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث أصل - يَعْنِي: حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح (عَن أبي هُرَيْرَة: لَيْسَ يَقُول فِيهِ أحد: عَن الْأَعْمَش أَنه قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالح) وَالْأَعْمَش يحدث عَن ضِعَاف. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : بَلغنِي عَن أبي بكر بن مغور الْحَافِظ الأندلسي قَالَ عَن ابْن الْمَدِينِيّ: رَوَاهُ أَبُو صَالح عَن عَائِشَة بِإِسْنَاد جيد، وطرق أبي هُرَيْرَة معلولة (وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ) : لم يسمع هَذَا الحَدِيث سُهَيْل من أَبِيه؛ إِنَّمَا سَمعه من الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، وَالْأَعْمَش لم يسمعهُ يَقِينا من أبي صَالح؛ إِنَّمَا يَقُول فِيهِ: نبئت عَن أبي صَالح، وَلَا أرَى إِلَّا قد (سمعته) مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : خَفِي عَلَى عبد الْحق انْقِطَاعه، ومعنعن الْأَعْمَش عرضه لتبيين الِانْقِطَاع، فَإِنَّهُ مُدَلّس (ثمَّ) ذكر رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 المصرحة بالانقطاع، ثمَّ قَالَ: وَفِي كتاب عَبَّاس الدوري عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: لم يسمع الْأَعْمَش (هَذَا الحَدِيث) من أبي صَالح. وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» عَن ابْن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب مَرْفُوعا إِلَّا حَدِيث رَوَاهُ الْحسن عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي (تَارِيخه) : الحَدِيث حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة وَسَائِر ذَلِك أَوْهَام. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : حَدِيث أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا هُوَ الصَّوَاب. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ إِنَّه أصح لما سَأَلَهُ ابْنه عَن ذَلِك. فتحصلنا عَلَى ثَلَاث مقالات فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة (إِحْدَاهَا: أَنَّهُمَا لَا يصحان) وَهُوَ قَول عَلّي ابْن الْمَدِينِيّ، إِنَّمَا صَحَّ مُرْسلا. ثَانِيهَا: أَن حَدِيث عَائِشَة أصح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - وَهُوَ قَول البُخَارِيّ. ثَالِثهَا: عَكسه وَهُوَ قَول أبي زرْعَة وجماعات - كَمَا سلف - وَأما أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ صححهما، فَإِنَّهُ أخرجهُمَا فِي «صَحِيحه» وَهَذِه مقَالَة رَابِعَة، رَوَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الْأَئِمَّة (واغفر) للمؤذنين) . وَرَوَى حَدِيثه عَائِشَة (من) حَدِيث ابْن وهب، عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، عَن نَافِع بن سُلَيْمَان (أَن) مُحَمَّد بن أبي صَالح أخبرهُ عَن أَبِيه، أَنه سمع عَائِشَة تَقول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن؛ فأرشد الله الْأَئِمَّة وَعَفا عَن المؤذنين) ثمَّ قَالَ: قد سمع هَذَا الْخَبَر أَبُو صَالح السمان، عَن عَائِشَة عَلَى حسب مَا ذَكرْنَاهُ وسَمعه من أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا؛ فَمرَّة حدث (بِهِ) عَن عَائِشَة، وَأُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة، وَتارَة وَقفه عَلَيْهِ وَلم يرفعهُ، وَأما الْأَعْمَش؛ فَإِنَّهُ سَمعه من أبي صَالح عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا قَالَ: وَقد وهم من أَدخل بَين سُهَيْل وَأَبِيهِ فِيهِ الْأَعْمَش؛ لِأَن الْأَعْمَش سَمعه من سُهَيْل لَا أَن سهيلًا سَمعه من الْأَعْمَش. هَذَا آخر كَلَامه. (وَذكره) ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» أَيْضا قَالَ: وَله طرق عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، عَن قُتَيْبَة، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد (عَن سُهَيْل) عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقد رَوَى مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحْو أَرْبَعَة عشر حَدِيثا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 انْتَهَى. يُرِيد بذلك أَنه عَلَى شَرط مُسلم. قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَالِث؛ رَوَاهُ السراج فِي «مُسْنده» عَن أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله قَالَ: حَدثنِي أبي (قَالَ) حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، ثَنَا سُلَيْمَان الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين) . وَله طَرِيق رَابِع واه رَوَاهُ أَحْمد، وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي غَالب، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رُوِيَ مَرْفُوعا هَكَذَا وموقوفًا عَلَى أبي أُمَامَة: (الإِمَام ضَامِن، وَالْأَذَان أحب إِلَيّ من الْإِمَامَة، المؤذنون أُمَنَاء النَّاس، يفضلون النَّاس لطول أَعْنَاقهم) . قَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج (بغالب) إِلَّا إِذا وَافق الثِّقَات. وَله طَرِيق خَامِس من (حَدِيث) جَابر ذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» وَضعف إِسْنَاده، وَجَاءَت رِوَايَة غَرِيبَة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَالْبَزَّار من حَدِيث أبي حَمْزَة السكرِي، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (الإِمَام ضَامِن، والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين. قَالُوا: يَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 رَسُول الله، لقد تركتنا نتنافس فِي الْأَذَان بعْدك. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّه يكون بعدِي - أَو بعدكم - قوم (سفلتهم) مؤذنوهم) . (رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» ) وَقَالَ: هَذِه الزِّيَادَة لَا تَجِيء إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَهُوَ إِسْنَاد رِجَاله ثِقَات معروفون إِلَّا أَن أَحْمد بن حَنْبَل ضعف الحَدِيث كُله. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا سلف من عِلّة الِانْقِطَاع فِيمَا بَين الْأَعْمَش وَأبي صَالح. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا عيب للإسناد إِلَّا هَذَا (قَالَ) : وَلَا مبالاة بقول الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» إِنَّهَا لَيست مَحْفُوظَة لثقة أبي حَمْزَة مُحَمَّد بن مَيْمُون الرَّاوِي عَن الْأَعْمَش، وَكَذَا بَاقِي رجالها. فَائِدَة: الضَّمَان فِي اللُّغَة هُوَ (الْكِفَايَة) وَالْحِفْظ وَالرِّعَايَة (قَالَه) الْهَرَوِيّ وَغَيره، وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ هُنَا عَلَى خَمْسَة أوجه، أَحدهَا: أَنهم ضمناء لما غَابُوا (عَلَيْهِ) من الْقِرَاءَة والإسرار بِالْقِرَاءَةِ وَالذكر، قَالَه الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ثَانِيهَا: المُرَاد ضَمَان الدُّعَاء أَن يعم الْقَوْم بِهِ وَلَا يخص نَفسه. ثَالِثهَا: لِأَنَّهُ يتَحَمَّل الْقِرَاءَة وَالْقِيَام عَن الْمَسْبُوق، حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ فِي «شرح السّنة» . رَابِعهَا: أَنه يحفظ عَلَى الْقَوْم صلَاتهم، وَلَيْسَ هُوَ من الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 الْمُوجب للغرامة (قَالَه) الْخطابِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» أَن مَعْنَى ذَلِك الْتِزَام (شُرُوطهَا) وَحفظ (صلَاته) فِي نَفسه؛ لِأَن صَلَاة (الْمَأْمُوم) تبنى عَلَيْهِ. خَامِسهَا: (مَعْنَاهُ) أَنهم إِذا قَامُوا بِالصَّلَاةِ جمَاعَة سقط فرض الْكِفَايَة (عَن) سَائِر البَاقِينَ بفعلهم، وَفِي (أَمَانَة) المؤذنين ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم أُمَنَاء عَلَى مَوَاقِيت الصَّلَاة. ثَانِيهَا: أَنهم أُمَنَاء عَلَى حرم النَّاس؛ لأَنهم يشرفون عَلَى الْمَوَاضِع الْعَالِيَة. ثَالِثهَا: أَنهم أُمَنَاء فِي تبرعهم بِالْأَذَانِ. قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : وَالْعَفو يكون لمن اسْتوْجبَ النَّار من عباده، والغفران هُوَ الرِّضَا نَفسه؛ فَلَا يكون لمن اسْتوْجبَ النيرَان، ونازعه الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: فِيمَا ذكره نظر؛ فَإِن صفة الرِّضَا أبلغ من صفة الْمَغْفِرَة؛ لِأَن الْمَغْفِرَة تَسْتَلْزِم ذَنبا يغْفر، وَالرِّضَا قد لَا (يستلزمه) بل قد ينشأ لكَمَال حَال المرضي عَنهُ وَعدم تَقْصِيره بذنب، فالمغايرة بَينهمَا ثَابِتَة إِذا، وَأما الغفران وَالْعَفو فَالْوَجْه أَن يُقَال إنَّهُمَا - وَإِن تَغَيَّرت حقيقتهما - يرجعان إِلَى مَعْنَى وَاحِد، وَلذَلِك (تواردا) فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَن الْعَفو فِي الأَصْل إِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 الْفضل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو) وَإِمَّا المحو وَالْمَغْفِرَة من الغفر وَهُوَ السّتْر وَمن محا ذَنبه، أَو تفضل عَلَيْهِ بالتجاوز، فقد ستر عَلَيْهِ، وَمن ستر عَلَيْهِ فقد محا ذَنبه، وتفضل عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ (ستر) لَا ينْكَشف وستره لَا يَزُول. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (من أذن سبع سِنِين محتسبًا كتبت لَهُ بَرَاءَة من النَّار) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي تُمَيْلة يَحْيَى بن وَاضح، ثَنَا أَبُو حَمْزَة السكرِي، عَن جَابر (عَن) مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي حَمْزَة (وَحَفْص) بن عمر الْأَزْرَق، عَن جَابر بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ: وَجَابِر بن (يزِيد) الْجعْفِيّ ضَعَّفُوهُ، تَركه يَحْيَى بن سعيد، وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي. قَالَ: وَسمعت الْجَارُود يَقُول: [سَمِعت وكيعًا يَقُول] : لَوْلَا جَابر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 لَكَانَ أهل الْكُوفَة بِغَيْر حَدِيث، وَلَوْلَا (حَمَّاد) لَكَانَ أهل الْكُوفَة بِغَيْر فقه. قلت: وَقَالَ ابْن معِين: إِنَّه صَدُوق. وَعنهُ: لَا يكْتب حَدِيثه (لَيْسَ بِشَيْء) وَعَلَيْهَا اقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَقَالَ وَكِيع: إِن شَكَكْتُمْ فِي (شَيْء) فَلَا تَشكوا فِي أَن جَابِرا ثِقَة، نَا عَنهُ مسعر وسُفْيَان وَشعْبَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: بلغ سُفْيَان أَن شُعْبَة تكلم فِي جَابر الْجعْفِيّ، فَبعث إِلَيْهِ: لَئِن تَكَلَّمت فِيهِ لأتكلمن فِيك، ورماه بِالْكَذِبِ فِي رِوَايَة. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَجَابِر الْجعْفِيّ كَانَ كذابا. وَقَالَ فِي «الضُّعَفَاء» : كذبه أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وزائدة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: مَا لقِيت أكذب مِنْهُ. وَقَالَ جرير: لَا أستحل (أَن) أروي عَنهُ. وَقد وَثَّقَهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: لم يتَكَلَّم فِي جَابر لحديثه؛ إِنَّمَا (يتَكَلَّم) فِيهِ لرأيه. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَيْسَ (عِنْده) بِالْقَوِيّ فِي حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَأَبُو تُمَيْلة صَدُوق، أخرج لَهُ الْجَمَاعَة، وَزعم ابْن الْجَوْزِيّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 «ضُعَفَائِهِ» أَن البُخَارِيّ أدخلهُ فِي الضُّعَفَاء وَلم يُر فِيهِ. وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من طَرِيق آخر من حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل، عَن مقَاتل ابْن حَيَّان وَحَمْزَة النصيبي عَن مَكْحُول وَنَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (من أذن سبع سِنِين احتسابًا كتبت لَهُ بَرَاءَة من النَّار) ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ فَإِن مُحَمَّد بن الْفضل اخْتَلَط فِي آخر عمره. قلت: وَرُوِيَ حَدِيث ابْن عمر من وجهٍ آخر بِلَفْظ آخر (رَوَاهُ) ابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن صَالح - كَاتب اللَّيْث - عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (من أذن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَجَبت لَهُ الْجنَّة، وَكتب لَهُ بتأذينه فِي كل يَوْم سِتُّونَ حَسَنَة، وَبِكُل إِقَامَة ثَلَاثُونَ حَسَنَة) . و [عبد الله] هَذَا صَالح الحَدِيث لَهُ مَنَاكِير، رَوَى (عَنهُ) ابْن معِين وَالْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقَالَ أَبُو زرْعَة: حسن الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي مُسْتَقِيم الحَدِيث وَله أغاليط. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» : كَذَّاب، وَهَذَا الحَدِيث أحد مَا أنكر عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَأما الْحَاكِم فَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ - أَي: فِي عبد الله بن صَالح فِي إِخْرَاجه لَهُ - قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث عبد الله بن لَهِيعَة، وَقد اسْتشْهد بِهِ مُسلم فَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن لَهِيعَة، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: (من أذن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَجَبت لَهُ الْجنَّة، وَكتب لَهُ بِكُل أَذَان سِتُّونَ حَسَنَة وَبِكُل إِقَامَة ثَلَاثُونَ حَسَنَة) . الحَدِيث الثَّلَاثُونَ (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ مؤذنان: بِلَال، وَابْن أم مَكْتُوم) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبيد الله بن عمر (عَن نَافِع، عَن ابْن عمر بِهِ سَوَاء وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبيد الله عَن) الْقَاسِم، عَن عَائِشَة، وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» (و) «صِحَاح ابْن السكن» عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: (كَانَ للنَّبِي (ثَلَاثَة مؤذنين: بِلَال، وَأَبُو مَحْذُورَة، وَابْن أم مَكْتُوم) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا الْخَبَر وَالَّذِي قبله صَحِيحَانِ؛ فَمن قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 (كَانَ) لَهُ مؤذنان أَرَادَ الَّذين كَانَا يؤذنان بِالْمَدِينَةِ، وَمن قَالَ: ثَلَاثَة أَرَادَ أَبَا مَحْذُورَة الَّذِي كَانَ يُؤذن بِمَكَّة. قلت: وَله مُؤذن رَابِع، وَهُوَ سعد الْقرظ (بقباء) وَهُوَ مَشْهُور فِي السّير. الحَدِيث الْحَادِي بعد (الثَّلَاثِينَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَو يعلم النَّاس مَا فِي النداء والصف الأول (ثمَّ) لم يَجدوا إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ؛ (لاستهموا عَلَيْهِ)) . هَذَا (الحَدِيث) مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (بِهِ) سَوَاء، وَزِيَادَة: (وَلَو يعلمُونَ مَا فِي التهجير لَاستبقوا إِلَيْهِ، وَلَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح لأتوهما وَلَو حبوًا) . التهجير: التبكير، وَالْمرَاد هُنَا: التبكير إِلَى الصَّلَاة. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أؤذن فِي صَلَاة الْفجْر، فَأَذنت، فَأَرَادَ بِلَال أَن يُقيم، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن أَخا صداءٍ قد أذن، وَمن أذن فَهُوَ يُقيم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم الأفريقي، عَن زِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ، عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لِلتِّرْمِذِي وَابْن مَاجَه، وَلَفظ أَحْمد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أذن يَا أَخا صداء. قَالَ: فَأَذنت، وَذَلِكَ حِين أَضَاء الْفجْر، فَلَمَّا تَوَضَّأ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ إِلَى الصَّلَاة، فَأَرَادَ بِلَال أَن يُقيم، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يُقيم أَخُو صداء؛ فَإِن من أذن فَهُوَ يُقيم) . وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي قَالَ: (لما كَانَ أول أَذَان الصُّبْح أَمرنِي - يَعْنِي: النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَذنت فَجعلت أَقُول: أقيم يَا رَسُول الله؟ فَجعل ينظر (إِلَى) نَاحيَة الْمشرق - إِلَى الْفجْر - فَيَقُول: لَا. حَتَّى إِذا طلع الْفجْر نزل فبرز، ثمَّ انْصَرف إِلَيّ وَقد تلاحق أَصْحَابه - يَعْنِي: فَتَوَضَّأ - فَأَرَادَ بِلَال أَن يُقيم، فَقَالَ لَهُ نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن أَخا صداء هُوَ أذن؛ وَمن أذن فَهُوَ يُقيم. قَالَ: فأقمت) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث (إِنَّمَا) (يعرف) من حَدِيث الأفريقي وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، ضعفه يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَغَيره. وَقَالَ أَحْمد: لَا أكتب حَدِيثه. قَالَ: وَرَأَيْت مُحَمَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 بن إِسْمَاعِيل يُقَوي أمره وَيَقُول: هُوَ مقارب الحَدِيث. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم أَن من أذن فَهُوَ يُقيم. وَنقل النَّوَوِيّ عَن الْبَغَوِيّ تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث أَيْضا (وَسَببه) الطعْن فِي عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الأفريقي الْمَذْكُور - كَمَا قدمْنَاهُ عَن التِّرْمِذِيّ - وَقد ضعفه مَعَ من تقدم النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب فرض التَّشَهُّد: ضعفه الْقطَّان وَابْن مهْدي وَابْن معِين وَابْن حَنْبَل وَغَيرهم. وَقَالَ فِي بَاب عتق أُمَّهَات الْأَوْلَاد: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: إِنَّه يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، وَيُدَلس عَن مُحَمَّد (بن) سعيد المصلوب. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» (فِي) حَدِيث لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر: هَالك، وَقد أسلفت ذَلِك هُنَاكَ. وَقَالَ: (هَذَا) الْأَثر الْمَرْوِيّ: (إِنَّمَا يُقيم من أذن) إِنَّمَا جَاءَ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم، وَهُوَ هَالك. قلت: قد أخرجه أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب (الْأَذَان) من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا، وَلَيْسَ فِيهِ الأفريقي (و) الأفريقي قد وَثَّقَهُ جمَاعَة، كَمَا (أسلفت) ذَلِك عَنْهُم فِي الحَدِيث السَّابِع (بعد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 الْأَرْبَعين (من) من كتاب الصَّلَاة، وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: سَمِعت يَحْيَى الْقطَّان يَقُول: عبد الرَّحْمَن بن [زِيَاد] ثِقَة. وَهَذَا خلاف مَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ من تَضْعِيفه لَهُ، وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد: إِنَّمَا تكلم النَّاس فِي عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم، وضعفوه؛ لِأَنَّهُ رَوَى عَن مُسلم بن يسَار فَقيل لَهُ: أَيْن رَأَيْت مُسلم بن يسَار؟ ! فَقَالَ: بإفريقية. فكذبه النَّاس وضعفوه، وَقَالُوا: مَا دخل مُسلم بن يسَار إفريقية قطّ! - يعنون: الْبَصْرِيّ - وَلم يعلمُوا أَن مُسلم بن يسَار آخر يُقَال لَهُ: أَبُو عُثْمَان الطنبذي، وطنبذ بطن من الْيمن، وَعنهُ رَوَى، وَكَانَ (الأفريقي) رجلا صَالحا، قَالَ ابْن يُونُس: هُوَ أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام بإفريقية. وَاعْترض الْمُنْذِرِيّ عَلَى قَوْله فِي طنبذ (أَنَّهَا) بطن من الْيمن؛ فَقَالَ: فِيهِ نظر، وَإِنَّمَا هِيَ قَرْيَة من قرَى مصر من أَعمال البهنسا، وَهِي بِضَم الطَّاء، ثمَّ نون سَاكِنة، ثمَّ بَاء مَضْمُومَة ثمَّ ذال مُعْجمَة مَكْسُورَة. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : هُوَ من أهل الْعلم والزهد بِلَا خلاف، وَكَانَ من النَّاس من يوثقه، وَلَكِن الْحق أَنه ضَعِيف بِكَثْرَة رِوَايَة الْمُنْكَرَات، وَهُوَ أَمر يعتري الصَّالِحين (كثيرا) لقلَّة نقدهم للرواة (وَلذَلِك) قيل: لم نر الصَّالِحين فِي شَيْء أكذب مِنْهُم فِي الحَدِيث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : الأفريقي هَذَا غمزه بَعضهم فِي الحَدِيث، وَوَثَّقَهُ أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ وَآخَرُونَ. (قَالَ) : وَهُوَ قَاضِي إفريقية، وَكَانَ (عابدًا) قوالًا بِالْحَقِّ، ورد بَغْدَاد عَلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وشكا عماله وخشن لَهُ فِي القَوْل. وعلق الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» القَوْل (فِي) هَذَا الحَدِيث؛ فَقَالَ: إِن ثَبت كَانَ أولَى مِمَّا رُوِيَ فِي حَدِيث عبد الله بن زيد - يَعْنِي: الْآتِي - (أَن بِلَالًا أذن، فَقَالَ عبد الله: يَا رَسُول الله، إِنِّي أرَى الرُّؤْيَا وَيُؤذن بِلَال! فَقَالَ: أقِم أَنْت) لما فِي إِسْنَاده وَمَتنه من الِاخْتِلَاف، وَأَنه كَانَ فِي أول شرع الْأَذَان، وَحَدِيث الصدائي كَانَ بعد. قلت: وَقواهُ جمَاعَة، (وَصرح جمَاعَة بِهِ) قَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ) الضُّعَفَاء) : إِسْنَاده صَالح. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «ناسخه ومنسوخه» : هَذَا حَدِيث حسن. (و) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (كتاب) «الْأَعْلَام» : إِنَّه حَدِيث ثَابت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَهَذِه الْعبارَة لَا أسلمها (لَهُ) وَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» : إِن قيل فِي (الْإِسْنَاد) الأفريقي، وَهُوَ ضَعِيف. (قُلْنَا) : قد قوى أمرَه البخاريُ، وَقَالَ: هُوَ مقارب الحَدِيث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 وَلَا نسلم لَهُ ذَلِك أَيْضا؛ فقد ذكره هُوَ فِي «ضُعَفَائِهِ» كَمَا أسلفنا ذَلِك عَنهُ فِي الْموضع السالف، وَالْأَقْرَب ضعفه، وَفِي حسنه وَقْفَة، وَالله أعلم. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى أَنه إِذا أذن جمَاعَة عَلَى التَّرْتِيب؛ فَالْأول أولَى بِالْإِقَامَةِ، (فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِذا انْتَهَى الْأَمر إِلَى الْإِقَامَة فَإِذا أذنوا عَلَى التَّرْتِيب؛ فَالْأول أولَى بِالْإِقَامَةِ) ، ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَلَيْسَ مطابقًا لما ادَّعَاهُ؛ إِذْ هُوَ دَلِيل عَلَى (أَن) من أذن وَحده (يُقيم) وَلَا يلْزم من إِقَامَة من انْفَرد بِالْأَذَانِ انْفِرَاد من أذن (أَولا) بِالْإِقَامَةِ، وَفِي حَدِيث عبد الله بن زيد الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ بعد هَذَا النّظر؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تعدد الْأَذَان، وإِنَّمَا فِيهِ انْفِرَاد وَاحِد بِهِ وَالْآخر بِالْإِقَامَةِ، فتفطن لَهُ. ثَانِيهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: (و) إِذا سبق غير الْمُؤَذّن الرَّاتِب وَأذن فَهَل يسْتَحق ولَايَة الْإِقَامَة؟ فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: نعم؛ لإِطْلَاق الْخَبَر (وأظهرهما) لَا؛ لِأَنَّهُ مسئ (بالتقدم) وَفِي الْقِصَّة المروية كَانَ بِلَال غَائِبا، وَزِيَاد أذن بِإِذن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - انْتَهَى. وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: لم يكن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 بِلَال حَاضرا حِينَئِذٍ و (زَاد) أَن أَذَان زِيَاد كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح فِي السّفر. وَهُوَ كَمَا قَالَا؛ فقد رَوَى ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث خَلاد بن يَحْيَى، نَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد، عَن زِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ، عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي قَالَ: (كنت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمرنِي فَأَذنت (للفجر) فجَاء بِلَال ليقيم، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا بِلَال، إِن أَخا صداء أذن، وَمن أذن فَهُوَ يُقيم) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: (كنت مَعَه فِي سفر فَحَضَرت صَلَاة الصُّبْح، فَقَالَ لي: أذن يَا أَخا صداء. وَأَنا عَلَى رَاحِلَتي) وَفِي لفظ لَهُ: (فَلَمَّا (تحين) الصُّبْح أَمرنِي فَأَذنت، ثمَّ قَالَ: يَا أَخا صداء، مَعَك مَاء؟ قلت: نعم، وَجَاء بِلَال ليقيم، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن أَخا صداء أذن، وَمن أذن فَهُوَ يُقيم) . وَرَوَى ابْن شاهين فِي (ناسخه ومنسوخه) وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» والعقيلي فِي «ضُعَفَائِهِ» من حَدِيث سعيد بن رَاشد الْمَازِني، نَا عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 مسير (لَهُ) فَحَضَرت الصَّلَاة فَنزل الْقَوْم فطلبوا بِلَالًا، فَلم يجدوه، فَقَامَ رجل فَأذن ثمَّ جَاءَ بِلَال. فَقَالَ الْقَوْم: إِن رجلا قد أذن، فَسكت الْقَوْم هونا ثمَّ إِن بِلَالًا أَرَادَ أَن يُقيم، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: مهلا يَا بِلَال؛ فَإِنَّمَا يُقيم من أذن) وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْمُبْهم هُوَ الصدائي السالف. و (ابْن) رَاشد هَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» : سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: ضَعِيف الحَدِيث (مُنكر الحَدِيث) . وَقَالَ فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْأنْصَارِيّ، عَن سعيد بن رَاشد، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (من أذن فَهُوَ يُقيم) قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَسَعِيد ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ مرّة: (مَتْرُوك) . وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: سعيد هَذَا يروي: (من أذن فَهُوَ يُقيم) (و) لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ (والرازي) : مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: لَا يُتَابِعه عَلَى رواياته أحد. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالمعضلات. قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» : وَقد رُوِيَ هَذَا الْمَتْن بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد - أَعنِي: رِوَايَة ابْن عمر - من وجهٍ صَالح، وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ، وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَن بِلَالًا كَانَ فِي حَاجَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَظَاهر مَا (ذَكرْنَاهُ) بل صَرِيحه أَنه لم يصدر من بِلَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 حِين حضر أَذَان، لَكِن فِي تَعْلِيق (للْقَاضِي) حُسَيْن أَنه حضر بعد طُلُوع الْفجْر وَأذن. ثَالِثهَا: الصدائي - بِضَم الصَّاد وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالمد - مَنْسُوب إِلَى صداء (بِالْمدِّ) يصرف وَلَا يصرف (و) هُوَ أَبُو هَذِه الْقَبِيلَة (واسْمه: يزِيد بن حَرْب) . قَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» : صداء حَيّ من الْيمن. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ (أَن عبد الله بن زيد (لما) ألقِي الْأَذَان عَلَى بِلَال قَالَ عبد الله: أَنا رَأَيْته، وَأَنا كنت أريده يَا رَسُول الله! قَالَ: فأقم أَنْت) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» والسياق لَهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن (مُحَمَّد بن عبد الله) عَن عَمه عبد الله بن زيد قَالَ: (أَرَادَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِي الْأَذَان أَشْيَاء) لم يصنع مِنْهَا (شَيْئا) قَالَ: فأري عبد الله بن زيد فِي الْمَنَام الْأَذَان، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ، قَالَ: فألقه عَلَى بِلَال. قَالَ: (فَأَلْقَاهُ) عَلَيْهِ فَأذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 (بِلَال) قَالَ عبد الله: (أَنا) رَأَيْته، وَأَنا كنت أريده! قَالَ: فأقم أَنْت) . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ: (كَانَ جدي عبد الله بن زيد ... ) فَذكر الْخَبَر، قَالَ: فَأَقَامَ جدي، قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث حسن، وَفِي إِسْنَاده مقَال. قلت: لم يبين ذَلِك (الْمقَال وَهُوَ) من وُجُوه: أَحدهَا: أَن مُحَمَّد بن عَمْرو الْمَذْكُور هُوَ الوَاقِفِي الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ - كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ لهَذَا الحَدِيث - وَقد ضعفه يَحْيَى بن سعيد جدًّا، وَقَالَ ابْن نمير: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف. ثَانِيهَا: أَن مُحَمَّد بن عبد الله لَا يعرف حَاله كَمَا (قَالَ) ابْن الْقطَّان، قَالَ: وَكَذَلِكَ عبد الله بن مُحَمَّد الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الآخر. ثَالِثهَا: أَن الْعقيلِيّ نقل فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» عَن البُخَارِيّ (عقب) هَذَا الحَدِيث: إِن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن (زيد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 عَن أَبِيه، عَن جده لم يذكر سَماع بَعضهم من بعض. قَالَ الْعقيلِيّ - لما ذكر الحَدِيث -: الرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين، وَبَعضهَا أفضل من بعض. انْتَهَى. وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَان رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث أبي العميس قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ «يحدث» عَن أَبِيه، عَن جده (أَنه رَأَى الْأَذَان مثنى مثنى، وَالْإِقَامَة مثنى مثنى قَالَ: فَأتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرته فَقَالَ: علمهن بِلَالًا. فعلمتهن بِلَالًا، قَالَ: فتقدمت، فَأمرنِي أَن أقيم فأقمت (بهم)) قَالَ: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث واه إِسْنَادًا ومتنًا، أما الْإِسْنَاد؛ فَإِن الْحفاظ من أَصْحَاب أبي العميس رَوَوْهُ عَن أبي العميس، عَن زيد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد، وَأما الْوَهم الظَّاهِر فِي مَتنه؛ فَإِنَّهُ أَتَى بمعضلة لم يروها أحد، وَذَلِكَ أَنه أخبر أَن بِلَالًا أذن وَأقَام عبد الله بن زيد، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: (من أذن فَهُوَ يُقيم) فِي أَخْبَار كَثِيرَة. قَالَ: وَعبد السَّلَام بن حَرْب الْملَائي أعلم الْكُوفِيّين بِحَدِيث أبي العميس وَأَكْثَرهم عَنهُ رِوَايَة، وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث [فَلم فَذكر] فِيهِ تَثْنِيَة الْإِقَامَة. هَذَا آخر كَلَام الْحَاكِم عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ، وَلَا يَخْلُو من (مشاحة) . وَله طَرِيق ثَالِث رَوَاهَا أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 «الإِمَام» من حَدِيث (الحكم) عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (كَانَ أول من أذن فِي الْإِسْلَام بِلَال وَأول من أَقَامَ عبد الله بن زيد فَلَمَّا أذن بِلَال أَرَادَ أَن يُقيم فَقَالَ عبد الله بن زيد: أَنا الَّذِي رَأَيْت الرُّؤْيَا؛ فَأذن بِلَال (و) يُقيم أَيْضا! قَالَ: فأقم أَنْت) وستعلم - إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْكَلَام عَلَى رفع الْيَدَيْنِ أَن الحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث؛ فَإِن لم يكن هَذَا من تِلْكَ، فَيكون مُنْقَطِعًا (وأجمل) عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» (القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث؛ فَقَالَ:) إِقَامَة عبد الله بن زيد لَيست تَجِيء من وَجه قوي - فِيمَا أعلم - و (ضعفها) النَّوَوِيّ أَيْضا، وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فحسنها فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب، وَاحْتج بهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، وَمن الرِّوَايَات الغريبة (أَن عمر بن الْخطاب أَقَامَ بعد أَذَان بِلَال) . رَوَاهَا ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو الوَاقِفِي، عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، عَن عَمه عبد الله بن زيد (أَنه رَأَى الْأَذَان فِي الْمَنَام، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر ذَلِك لَهُ (قَالَ) : فَأذن بِلَال. قَالَ: فجَاء عمر بن الْخطاب إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَنا أرَى الرُّؤْيَا وَيُؤذن بِلَال! قَالَ: فأقم أَنْت) . قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 ابْن شاهين: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا أعلم (أَن) أحدا قَالَ فِيهِ أَن الَّذِي أَقَامَ الصَّلَاة عمر بن الْخطاب إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، وَالْمَعْرُوف أَن الَّذِي أَقَامَ عبد الله بن زيد بن عبد ربه. قلت: وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن (عَمْرو) الوَاقِفِي أَيْضا كَمَا سلف، وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «ناسخه ومنسوخه» : اتّفق أهل الْعلم فِي الرجل يُؤذن وَيُقِيم غَيره (عَلَى) أَن ذَلِك جَائِز، وَاخْتلفُوا فِي الْأَوْلَوِيَّة، فَذهب أَكْثَرهم (إِلَى) أَنه لَا فرق، وَالْأَمر متسع، وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِك: مَالك وَأكْثر أهل الْحجاز، وَأَبُو حنيفَة وَأكْثر أهل الْكُوفَة، وَأَبُو ثَوْر، وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الأولَى أَن من أذن فَهُوَ يُقيم، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: كَانَ يُقَال: من أذن فَهُوَ يُقيم. وروينا عَن أبي مَحْذُورَة (أَنه) جَاءَ وَقد أذن إِنْسَان، فَأذن وَأقَام، وَإِلَى هَذَا ذهب أَحْمد، وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي رِوَايَة الرّبيع عَنهُ: (وَإِذا أذن الرجل أَحْبَبْت أَن يتَوَلَّى الْإِقَامَة) لشَيْء يرْوَى: (إِن من أذن فَهُوَ يُقيم) . قَالَ الْحَازِمِي: وَحجَّة هَذَا الْمَذْهَب حَدِيث الصدائي؛ لِأَنَّهُ أقوم إِسْنَادًا من حَدِيث عبد الله بن زيد، ثمَّ حَدِيث عبد الله بن زيد كَانَ فِي أول (شرع) الْأَذَان، وَذَلِكَ فِي السّنة الأولَى، وَحَدِيث الصدائي كَانَ بعده بِلَا شكّ، وَالْأَخْذ بآخر الْأَمريْنِ أولَى. قَالَ: وَطَرِيق الْإِنْصَاف أَن يُقَال: الْأَمر فِي هَذَا الْبَاب عَلَى التَّوسعَة (وادعاء) النّسخ مَعَ إِمْكَان الْجمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 بَين الْحَدِيثين عَلَى خلاف الأَصْل؛ إِذْ لَا عِبْرَة بِمُجَرَّد التَّرَاخِي. ثمَّ نقُول فِي حَدِيث عبد الله بن زيد: إِنَّمَا فوض الْأَذَان إِلَى بِلَال؛ لِأَنَّهُ كَانَ أندى صَوتا من عبد الله - عَلَى مَا ذكر فِي الحَدِيث - وَالْمَقْصُود من الْأَذَان الْإِعْلَام، وَمن (شَرطه) الصَّوْت، فَكلما كَانَ الصَّوْت أَعلَى كَانَ أولَى، وَأما زِيَاد بن الْحَارِث (فَكَانَ) جَهورِي (الصَّوْت) وَمن صلح للأذان كَانَ للإقامة أصلح، وَهَذَا الْمَعْنى يُؤَكد قَول من قَالَ: من أذن فَهُوَ يُقيم. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (الْمُؤَذّن أملك بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أملك بِالْإِقَامَةِ) . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين (أَحدهمَا) : من (حَدِيث) أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء (و) زِيَادَة: (اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة، واغفر للمؤذنين) رَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله كَذَلِك من حَدِيث شريك بن عبد الله القَاضِي، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة (بِهِ) ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ النَّاس عَن الْأَعْمَش بِلَفْظ آخر، وَهُوَ: «الإِمَام ضَامِن» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : من وثق شَرِيكا وَصحح حَدِيثه لَا يَنْبَغِي أَن يقْدَح هَذَا عِنْده فِيهِ؛ لِأَن هَذِه زِيَادَة لَا تعارضها تِلْكَ الرِّوَايَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 (ثَانِيهمَا) : من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (المؤذنون أَحَق بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أَحَق بِالْإِقَامَةِ) . رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث معارك بن عباد، عَن يَحْيَى بن أبي الْفضل، عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا (بِهِ) ومعارك هَذَا ضعفه غير وَاحِد، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أَحَادِيثه مُنكرَة. قلت: وَرُوِيَ من طَرِيق ثَالِث مَوْقُوفا عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: (الْمُؤَذّن أملك بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أملك بِالْإِقَامَةِ) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (فِي «سنَنه» هَكَذَا) مَوْقُوفا عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثمَّ قَالَ: رَوَى شريك عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ) وَقد أسلفنا (الْكَلَام) عَلَيْهَا أَولا، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب - بِفضل الله وَمِنْه - وَذكر الرَّافِعِيّ فِي آخِره خَاتِمَة مُشْتَمِلَة عَلَى محبوبات الْأَذَان وَلكُل (مِنْهَا) حَدِيث شَاهد بذلك، وَلَيْسَ من شرطي الْخَوْض فِي ذَلِك، لِئَلَّا يصير شرحًا لكتاب الرَّافِعِيّ، وَإِنَّمَا شرطي أَن أعزو مَا صرح بِهِ أَو (أَوْمَأ) إِلَيْهِ. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة: أَولهَا: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ بِإِسْنَاد صَحِيح (بِهِ) وَزِيَادَة: (وَلَا إِقَامَة) وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : حَكَى أَصْحَابنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان وَلَا إِقَامَة) قَالَ: وَهَذَا لَا نعرفه مَرْفُوعا؛ إِنَّمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم (وَالشعْبِيّ) وَسليمَان بن يسَار، وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ: (يقمن) . قلت: قد جَاءَ مَرْفُوعا من حَدِيث الحكم بن عبد الله الْأَيْلِي (و) رَوَاهُ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه عَن الْقَاسِم، عَن أَسمَاء قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان وَلَا إِقَامَة وَلَا جُمُعَة وَلَا اغتسال، وَلَا (تتقدمهن) امْرَأَة، وَلَكِن تقوم فِي وسطهن) (و) لكنه حَدِيث ضَعِيف بِسَبَب الحكم هَذَا؛ فَإِنَّهُ مَتْرُوك مُتَّهم (نسبه) إِلَى الْكَذِب السَّعْدِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ (بِثِقَة) وَلَا مَأْمُون. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء، لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه كلهَا مَوْضُوعَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» هَكَذَا رَوَاهُ الحكم بن عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 الْأَيْلِي، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: ورويناه فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة عَن أنس مَرْفُوعا وموقوفًا، وَرَفعه ضَعِيف. الْأَثر الثَّانِي: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا كَانَت تؤذن وتقيم» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِزِيَادَة: (وتؤم النِّسَاء وسطهن) . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة قَالَ: (سَأَلت ابْن ثَوْبَان: عَلَى النِّسَاء إِقَامَة؟ فَحَدثني أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: سَأَلت مَكْحُولًا فَقَالَ: إِذا أذنَّ وأقمن فَذَلِك أفضل، وَإِن لم يزدن عَلَى الْإِقَامَة أَجْزَأت عَنْهُن. قَالَ ابْن ثَوْبَان: وَإِن لم يقمن، فَإِن الزُّهْرِيّ حدث عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: كُنَّا نصلي بِغَيْر إِقَامَة) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِن صَحَّ مَعَ الأول فَلَا (يتنافيان) لجَوَاز فعلهَا ذَلِك مرّة وَتركهَا أُخْرَى؛ لجَوَاز الْأَمريْنِ جَمِيعًا. قَالَ: وَيذكر عَن جَابر بن عبد الله «قيل (لَهُ) : أتقيم الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم» . الْأَثر الثَّالِث: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: (لَوْلَا الخليفى لأذنت) . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: (قدمنَا عَلَى عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: من (مؤذنكم) ؟ فَقُلْنَا: عبيدنا وموالينا. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 (يقلبها) - عبيدنا وموالينا؟ ! إِن ذَلِك بكم لنَقص شَدِيد لَو أطقت الْأَذَان مَعَ الخليفى لأذنت) . (وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا عَن قيس قَالَ: قَالَ عمر: (لَو كنت أُطِيق الْأَذَان مَعَ الخليفى لأذنت)) . وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ - عَلَى مَا نَقله صَاحب «الإِمَام» عَنهُ - من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا قَالَ: ثَنَا شبيل بن عَوْف البَجلِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (من مؤذنوكم الْيَوْم؟ قُلْنَا: موالينا وعبيدنا. قَالَ: إِن ذَلِك بكم لنَقص (كَبِير)) قَالَ: وَقَالَ إِسْمَاعِيل: قَالَ: (و) قَالَ عمر: (لَو كنت أُطِيق مَعَ الخليفى لأذنت) وَقَالَ حُصَيْن: حدثت أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: (لَوْلَا أَن يكون سنة مَا أذن غَيْرِي) . فَائِدَة: الخليفى - بتَشْديد (اللَّام) مَعَ كسر الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُور. وَقيس بن أبي (حَازِم) هَذَا تَابِعِيّ جليل، رَوَى عَن الْعشْرَة، وَلَا يعرف أحد رَوَى عَن الْعشْرَة غَيره، قَالَه ابْن خرَاش الْحَافِظ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يسمع ابْن عَوْف. وَذكر الْحَاكِم مَعَ (قيس) هَذَا سعيد بن الْمسيب وَغَيره، وَفِيه نظر لَا يخْفَى، وَاسم أَبِيه: عبد عَوْف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 بن الْحَارِث، وَقيل: عَوْف الأحمسي (البَجلِيّ) الْكُوفِي، وَهُوَ من المخضرمين، أدْرك الْجَاهِلِيَّة، وَجَاء ليبايع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتوفي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي الطَّرِيق، وَقيل فِي المخضرم غير ذَلِك، مِمَّا أوضعته فِي «الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث» فِي النَّوْع الْأَرْبَعين؛ فَرَاجعه (مِنْهُ) تَجِد غرائب ونفائس لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره. الْأَثر الرَّابِع: «أَن عُثْمَان) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَخذ) أَرْبَعَة من المؤذنين، وَلم يزدْ الْخُلَفَاء الراشدون عَلَى هَذَا الْعدَد) . (و) هَذَا (الْأَمر) مَشْهُور فِي كتب أَصْحَابنَا، وَمِمَّنْ ذكره مِنْهُم صَاحب «الْمُهَذّب» وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ، وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديثه بَيَاضًا، وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» بَاب عدد المؤذنين، وَذكر فِي آخِره زِيَادَة عُثْمَان: (التأذين يَوْم الْجُمُعَة) ثمَّ قَالَ: الْخَبَر ورد فِي التأذين لَا فِي الْمُؤَذّن. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَهُوَ إِذا (أَدخل) فِي الْبَاب غير مَا ترْجم لَهُ، وَفِي «الْمعرفَة» لَهُ عَن (بعض) أَصْحَابنَا أَنه قَالَ: احْتج الشَّافِعِي فِي «الْإِمْلَاء» عَلَى جَوَاز أَكثر من مؤذنين اثْنَيْنِ بِقصَّة عُثْمَان، قَالَ: ومعروف أَنه زَاد فِي عدد المؤذنين فجعلهم) ثَلَاثَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد روينَا فِي حَدِيث السَّائِب بن يزِيد (أَن) التأذين الثَّالِث يَوْم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 الْجُمُعَة (إِنَّمَا أَمر بِهِ عُثْمَان حِين كثر أهل الْمَدِينَة إِلَّا أَن أهل الْعلم يَقُولُونَ: المُرَاد بِهِ التأذين الثَّالِث) مَعَ الْإِقَامَة، وَذَلِكَ لِأَن فِي حَدِيث السَّائِب «وَكَانَ التأذين يَوْم الْجُمُعَة حِين يجلس (الإِمَام) » فَالَّذِي زَاد عُثْمَان هُوَ الْأَذَان قبل خُرُوج الإِمَام. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَلَى هَذَا يدل كَلَام الشَّافِعِي فِي كتاب الْجُمُعَة. قَالَ: وَلَعَلَّه زَاد أَيْضا فِي عدد المؤذنين. خاتمتان نختم بهما الْبَاب: (الأولَى) : قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب: وَأما الْجمع بَين الْأَذَان [الْإِمَامَة] فَلَا يسْتَحبّ؛ لِأَنَّهُ لم يَفْعَله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا أَمر بِهِ، وَلَا السّلف الصَّالح بعده، هَذَا لَفظه. وَفِي كَون الرَّسُول لم يفعل ذَلِك نظر؛ فَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يعْلى بن مرّة: (فَأذن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ عَلَى (رَاحِلَته) وَأقَام (وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته)) ثمَّ قَالَ: غَرِيب. وَقد أخرجه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالا فِيهِ: (فَأمر الْمُؤَذّن فَأذن وَأقَام) وَقد أوضحت ذَلِك (أكمل إِيضَاح) فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 الثَّانِيَة: قَالَ الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي أثْنَاء مَسْأَلَة الْأَذَان وَالْإِقَامَة أَيهمَا أفضل؟ إِن الْمَنْقُول أَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول فِي تشهده: «أشهد أَنِّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - 2667» ) . وَفِيمَا ذكره نظر؛ فَإِن الْمَنْقُول خِلَافه (وَأَن) (لفظ) (تشهده) : أشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، كَمَا ستعلمه بِطرقِهِ فِي أَوَاخِر بَاب صفة الصَّلَاة عِنْد الْكَلَام عَلَى ذكر التشهدات، وَلَقَد أصَاب النَّوَوِيّ فِي (التَّنْقِيح) شرح الْوَسِيط (حَيْثُ) قَالَ: (كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول فِي تشهده: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَة أَحَادِيث الحَدِيث الأول (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل الْبَيْت ودعا فِي نواحيه، ثمَّ خرج وَركع رَكْعَتَيْنِ فِي (قبُل) الْكَعْبَة، وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعاه فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما دخل الْبَيْت دَعَا فِي نواحيه كلهَا، وَلم يصل فِيهَا حَتَّى خرج، فَلَمَّا خرج ركع فِي قبل الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة) . (فَائِدَة: قَوْله) : (ركع فِي قبل الْبَيْت) قَالَ الْخطابِيّ: قبُل كل شَيْء وقبلته: مَا استقبلك مِنْهُ. وَقَالَ القلعي: قبل الْبَيْت، أَي: بِحَيْثُ تقابله وتعاينه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بقبلها: وَجههَا؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح من حَدِيث ابْن عمر: (فَصَلى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجه الْكَعْبَة) قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 وَهَذَا أحسن مَا قيل فِيهِ - إِن شَاءَ الله. قَالَ: (وقبلة) : بِضَم الْبَاء، وَيجوز إسكانها. (و) : قَوْله: «هَذِه الْقبْلَة» قَالَ الْخطابِيّ (فِي) مَعْنَاهُ: إِن أَمر الْقبْلَة قد اسْتَقر عَلَى هَذِه البنية؛ فَلَا تنسخ بعد الْيَوْم، فصلوا إِلَيْهِ أبدا فَهُوَ قبلتكم. قَالَ: وَيحْتَمل أَنه علمهمْ موقف سنة الإِمَام وَأَنه يقف (فِي وَجههَا) دون أَرْكَانهَا وجوانبها، وَإِن كَانَت (الصَّلَوَات) فِي جَمِيع جهاتها مجزئة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَيحْتَمل مَعْنَى ثَالِثا (و) هُوَ (أَن مَعْنَاهُ) : هَذِه الْكَعْبَة هِيَ الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي أمرْتُم باستقباله؛ لَا كل الْحرم وَلَا مَكَّة وَلَا الْمَسْجِد الَّذِي حول الْكَعْبَة بل (هِيَ) نَفسهَا فَقَط. فَائِدَة ثَانِيَة: نفي أُسَامَة صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْكَعْبَة، وَكَذَا ابْن عَبَّاس فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» وأثبتها بِلَال، كَمَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَأجْمع أهل الحَدِيث عَلَى الْأَخْذ بهَا (لِأَنَّهَا) مثبتة (وَمَعَهَا) زِيَادَة علم، فَوَجَبَ ترجيحها، وَأجَاب بَعضهم عَن الأول بِأَن المُرَاد نفي الرُّؤْيَة فَقَط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 لَا النَّفْي الْمُطلق، وَعَابَ ابْن حبَان هَذَا فِي «صَحِيحه» وَجمع بَينهمَا بِأَن ذَلِك بِاعْتِبَار (حالتين) فِي (عَاميْنِ وَأحسن مِنْهُ بِاعْتِبَار) وَقْتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ، وَقد ذكرت ذَلِك كُله موضحًا فِي شرحي للعمدة فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي (أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ ذَلِك فِي تَفْسِير قَول الله - تَعَالَى -: (فَإِن خِفْتُمْ فرجالًا أَو ركبانًا) يَعْنِي: مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها) . قَالَ نَافِع: وَلَا أرَاهُ ذكر ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب التَّفْسِير من «صَحِيحه» عَن عبد الله بن يُوسُف، عَن مَالك، عَن نَافِع (أَن عبد الله بن عمر كَانَ إِذا سُئِلَ عَن صَلَاة الْخَوْف قَالَ: يتَقَدَّم الإِمَام وَطَائِفَة من النَّاس ... - فَذكر صفتهَا - قَالَ: فَإِن كَانَ خوف أَشد من ذَلِك صلوا رجَالًا قيَاما عَلَى أَقْدَامهم أَو ركبانًا مستقبلي الْقبْلَة أَو غير مستقبليها) [قَالَ مَالك] قَالَ نَافِع: لَا (أرَى) (ابْن) عمر (ذكر) ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَفِي «صَحِيح مُسلم» أَن ابْن عمر رَوَى صَلَاة الْخَوْف ثمَّ قَالَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 [أَي] (ابْن) عمر: «إِن) كَانَ خوف أَكثر من ذَلِك فصل. رَاكِبًا وقَائِما تومئ إِيمَاء) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَهُوَ ثَابت من جِهَة مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَائِدَة: قَوْله تَعَالَى: (فَإِن خِفْتُمْ) أَي: عدوًّا؛ فَحذف الْمَفْعُول بِهِ (لإحاطة) الْعلم بِهِ، قَالَه الواحدي. قَالَ: وَالرِّجَال: جمع راجل، كصاحب وصحاب، وَهُوَ الْكَائِن عَلَى رجله مَاشِيا كَانَ أَو وَاقِفًا. قَالَ: وَجمعه رجل، (رجالة) ، وَرِجَال. قَالَ: (والركبان) جمع رَاكب كفارس وفرسان. قَالَ: وَمَعْنى الْآيَة: (وَإِن) لم يمكنكم أَن (تصلوا) صُفُوفا (موفين للصَّلَاة) حُقُوقهَا فصلوا مشَاة وركبانًا؛ فَإِن ذَلِك يجزئكم. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا فِي حَال المسايفة والمطاردة، قَالَ ابْن عمر فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة: مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها. هَذَا آخر كَلَام الواحدي فَصرحَ بِأَن كَلَام ابْن عمر تَفْسِير لِلْآيَةِ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «التَّهْذِيب» : وَكَانَ بعض شُيُوخنَا يذهب إِلَى هَذَا، وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 بَعضهم يَقُول: لَيْسَ (هُوَ) بتفسير؛ بل هُوَ بَيَان حكم من أَحْكَام صَلَاة الْخَوْف. قَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ ظَاهر رِوَايَة البُخَارِيّ. الحَدِيث الثَّالِث عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (وَلَفظ البُخَارِيّ) عَن نَافِع قَالَ: «كَانَ ابْن عمر يُصَلِّي عَلَى (رَاحِلَته) ويوتر عَلَيْهَا، ويخبر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَفْعَله، وَفِي رِوَايَة لَهُ: (كَانَ عبد الله بن عمر يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته أَيْنَمَا تَوَجَّهت يُومِئ) . وَيذكر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَفْعَله، وَفِي رِوَايَة لَهُ: (كَانَ عبد الله يُصَلِّي عَلَى دَابَّته من اللَّيْل وَهُوَ مُسَافر، مَا يُبَالِي حَيْثُ كَانَ وَجهه. قَالَ ابْن عمر: وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسبح عَلَى الرَّاحِلَة قبل أَي وَجه توجه ويوتر عَلَيْهَا غير أَنه لَا (يُصَلِّي) عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن عمر قَالَ: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ، يُومِئ إِيمَاء صَلَاة اللَّيْل إِلَّا الْفَرَائِض، ويوتر عَلَى رَاحِلَته) وَفِي أُخْرَى: (يُومِئ بِرَأْسِهِ) ، وَلَفظ مُسلم: (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي سبحته حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ نَاقَته) وَفِي لفظ لَهُ: (كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت (بِهِ)) وَفِي لفظ لَهُ: (حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ، وَكَانَ ابْن عمر يفعل ذَلِك) وَفِي (لفظ لَهُ) : (كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه وَفِيه نزلت: (فأينما توَلّوا فثم وَجه الله» وَفِي لفظ لَهُ: (ثمَّ تَلا ابْن عمر: (فأينما توَلّوا فثم وَجه الله) وَقَالَ: فِي هَذَا نزلت) وَفِي لفظ لَهُ: (رَأَيْته يُصَلِّي عَلَى حمَار وَهُوَ موجه إِلَى خَيْبَر) قَالَ عبد الْحق: تفرد بهَا، وَالصَّحِيح: (عَلَى رَاحِلَته) وَفِي لفظ لَهُ: (كَانَ يسبح عَلَى الرَّاحِلَة قبل أيُ وَجه توجه، ويوتر عَلَيْهَا غير أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وَقَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» : ثَنَا وَكِيع، ثَنَا ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء أَو عَطِيَّة عَن أبي (و) سعيد عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته فِي التَّطَوُّع حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ يُومِئ إِيمَاء (يَجْعَل) السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع» قَالَ عبد الله: (وَالصَّوَاب) عَطِيَّة، وَالله أعلم. الحَدِيث الرَّابِع عَن جَابر بن عبد الله مثل حَدِيث ابْن عمر. هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ، رَوَاهُ البُخَارِيّ بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: من حَدِيث عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة عَنهُ (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَزْوَة أَنْمَار كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته مُتَوَجها قبل الْمشرق) . ثَانِيهَا: (كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت (بِهِ) فَإِذا أَرَادَ (أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة) (نزل) فَاسْتقْبل الْقبْلَة) . ثَالِثهَا: «كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته نَحْو الْمشرق؛ فَإِذا أَرَادَ أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة» . قَالَ عبد الْحق: وَالنُّزُول للمكتوبة من أَفْرَاده. رَابِعهَا: (كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّع وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة) . وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ من حَدِيث أبي الزبير عَنهُ: أَحدهَا: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَبَعَثَنِي] فِي حَاجَة، فَرَجَعت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته وَوَجهه إِلَى غير الْقبْلَة ... ) الحَدِيث. ثَانِيهَا: «أَتَيْته وَهُوَ (يُصَلِّي) عَلَى بعيره، يومىء (بِرَأْسِهِ) ) الحَدِيث. ثَالِثهَا: (أَدْرَكته يُصَلِّي وَهُوَ موجه يَوْمئِذٍ قبل الْمشرق ... ) الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: (إِنِّي كنت أُصَلِّي نَافِلَة) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: (بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَاجَة، فَجئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته نَحْو الْمشرق (السُّجُود) أَخفض من الرُّكُوع) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وَهَذَا إِسْنَاد كُله عَلَى شَرط مُسلم، كَمَا نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي «جَامعه» عَن مَحْمُود بن غيلَان، عَن وَكِيع وَيَحْيَى بن آدم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: (وَالسُّجُود بِزِيَادَة (و) ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث حسن صَحِيح. وَرُوِيَ من غير (وَجه عَن) جَابر، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم، لَا نعلم بَينهم اخْتِلَافا؛ لَا يرَوْنَ بَأْسا أَن يُصَلِّي الرجل عَلَى رَاحِلَته تَطَوّعا حَيْثُمَا كَانَ وَجهه إِلَى الْقبْلَة أَو غَيرهَا. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي أَبُو الزبير، عَن جَابر قَالَ: (رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته النَّوَافِل فِي كل جِهَة، وَلكنه يخْفض السَّجْدَتَيْنِ (من الرَّكْعَة) يُومِئ إِيمَاء) . (وَفِي رِوَايَة عَن ابْن جريج عَن أَبَى الزبير أَيْضا «يخْفض السَّجْدَتَيْنِ من الرَّكْعَتَيْنِ» وَأما ابْن الْقطَّان، فَإِنَّهُ أعل حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر عَلَى طَريقَة عبد الْحق بِأَن قَالَ: أَبُو الزبير لم يسمع من جَابر، وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وَهَذَا لَيْسَ بجيد فَإِنَّهُ قد ثَبت سَمَاعه مِنْهُ فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ الشَّافِعِي: أَنا عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: (رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته النَّوَافِل) . وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : نَا ابْن خُزَيْمَة (نَا) أَحْمد بن الْمِقْدَام، نَا (مُحَمَّد بن بكر) نَا ابْن جريج، نَا أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: (رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ (يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته، يُصَلِّي النَّوَافِل فِي كل وَجه (وَلكنه) يخْفض السَّجْدَتَيْنِ من (الرَّكْعَتَيْنِ) يُومِئ إِيمَاء)) . وَقَول ابْن الْقطَّان أَيْضا: وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، لَيْسَ كَمَا (ذكره) فقد أخرجه أَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَهُوَ اللَّفْظ الثَّالِث لمُسلم كَمَا أسلفناه، وَقد توبع (أَبُو) الزبير عَلَى (رِوَايَته) هَذَا الحَدِيث عَن جَابر رَوَاهُ شَيبَان بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَن جَابر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 بن عبد الله أخبرهُ (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّع وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة) ذكرهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» . تَنْبِيه: اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتدلَّ بِحَدِيث جَابر هَذَا وَبِحَدِيث ابْن عمر السالف عَلَى أَنه لَا يشْتَرط فِي التَّنَفُّل إِلَى غير الْقبْلَة السّفر الطَّوِيل؛ فَإِنَّهُ قَالَ: هَل يخْتَص ذَلِك بِالسَّفرِ الطَّوِيل؟ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا: لَا؛ لإِطْلَاق الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَرُوِيَ مثله عَن جَابر، وَفِي ذَلِك نظر؛ فَإِن لفظ السّفر فِي الحَدِيث لَا عُمُوم لَهُ؛ فَإِنَّهُ حِكَايَة أَمر وَقع فِي الْمَاضِي - أَعنِي قَوْله: (كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته) - فَلَا يَشْمَل الطَّوِيل والقصير، فَيَنْبَغِي أَن يحمل عَلَى الطَّوِيل احْتِيَاطًا؛ بل رِوَايَة (ابْن) عمر السالفة: (كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته) (صَرِيح) فِي كَونه طَويلا، فَلم لَا (يحمل الْمُطلق) عَلَيْهِ، وَالله أعلم. الحَدِيث الْخَامِس عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا سَافر وَأَرَادَ أَن يتَطَوَّع اسْتقْبل بناقته (الْقبْلَة) وَكبر، ثمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجهه ركابه) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن مُسَدّد، نَا ربعي بن عبد الله بن الْجَارُود، حَدثنِي عَمْرو بن أبي الْحجَّاج، حَدثنِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 الْجَارُود بن أبي سُبْرَة، حَدثنِي أنس بن مَالك (فَذكره) كَذَلِك سَوَاء، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح كل رِجَاله ثِقَات، أما مُسَدّد فَأخْرج لَهُ البُخَارِيّ، وَأما شَيْخه فَهُوَ هذلي بَصرِي ثِقَة. قَالَ ابْن معِين: صَالح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَأخرج لَهُ (خَ) فِي كتاب «الْأَدَب» . وَأما شيخ شَيْخه فَهُوَ صَالح الحَدِيث - كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِم - وَكَذَا قَالَ فِي حق الْجَارُود (أَيْضا) وَأخرج (خَ) للجارود فِي كتاب الْقِرَاءَة. لَا جرم ذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» وَاقْتصر النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَلَى أَن إِسْنَاده حسن وَلَا مَانع من (الْجَزْم) بِصِحَّتِهِ كَمَا قَرّرته. الحَدِيث السَّادِس (أَن أهل قبَاء صلوا إِلَى جِهَتَيْنِ) . هَذَا صَحِيح، وَقد اتفقَا عَلَى إِخْرَاجه فِي « (الصَّحِيحَيْنِ» ) من (طَرِيقين) : أَحدهمَا: من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: (بَيْنَمَا النَّاس فِي صَلَاة الصُّبْح بقباء إِذْ جَاءَهُم آتٍ فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد أنزل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 عَلَيْهِ، وَقد أُمر أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة (فاستقبلوها) وَكَانَت وُجُوههم إِلَى الشَّام فاستداروا إِلَى الْكَعْبَة) . وَفِي بعض (طرق) البُخَارِيّ «أَلا فاستقبلوها» ذكره (البُخَارِيّ) فِي التَّفْسِير وَقَالَ: (قد أنزل عَلَيْهِ اللَّيْلَة قُرْآن، وَفِي اسْم هَذَا الْآتِي أَقْوَال، ذكرتها فِي «شرح الْعُمْدَة» فَرَاجعهَا مِنْهُ. (ثَانِيهمَا) : من رِوَايَة الْبَراء بن عَازِب بِنَحْوِهِ، وَفِي البُخَارِيّ: (فانحرفوا وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْعَصْر) . وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث أنس، وَفِيه: (فَمر رجل من بني سَلمَة وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْفجْر وَقد صلوا رَكْعَة، فَنَادَى: أَلا إِن الْقبْلَة قد حولت! فمالوا كَمَا هم نَحْو الْكَعْبَة) . وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة للطبراني عَن أنس: (نَادَى مُنَادِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الْقبْلَة قد حولت إِلَى الْبَيْت الْحَرَام، وَقد صَلَّى الإِمَام رَكْعَتَيْنِ. فاستداروا وصلوا الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ نَحْو الْبَيْت الْحَرَام) . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن ثُمَامَة إِلَّا [جميل] بن عبيد تفرد بِهِ زيد بن الْحباب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 قلت: وَفِي وَقت التَّحْوِيل أَقْوَال (ذكرتها) فِي «شرح الْعُمْدَة» فَرَاجعهَا (مِنْهُ) . الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الصَّلَاة فَوق (ظهر) الْكَعْبَة) . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ (من طَرِيق ابْن عمر و) من طَرِيق أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن زيد بن [جبيرَة] عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يصلى فِي (سَبْعَة) مَوَاطِن: فِي المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطَّرِيق، وَفِي الْحمام، ومعاطن الْإِبِل، وَفَوق ظهر بَيت الله) ثمَّ قَالَ: ونا عَلّي بن حجر، ونا سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز، عَن زيد بِهِ، بِمَعْنَاهُ وَنَحْوه. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي صَالح قَالَ: حَدثنِي اللَّيْث، حَدثنِي نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سَبْعَة) مَوَاطِن لَا تجوز فِيهَا الصَّلَاة: (ظهر) بَيت الله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 والمقبرة، والمزبلة، والمجزرة، وَالْحمام، وعطن الْإِبِل (ومحجة) الطَّرِيق) . وَرَوَاهُ عبد بن حميد شيخ البُخَارِيّ فِي «مُسْنده» من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن زيد. كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ. وَهَذِه الطَّرِيقَة ضَعِيفَة (بِسَبَب) زيد بن جبيرَة، وَقد تَرَكُوهُ، وَحَدِيثه مُنكر جدًّا، وَأما دَاوُد بن الْحصين فَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَهُوَ ثِقَة قدري، لينه أَبُو زرْعَة. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: كُنَّا نتقي حَدِيثه. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: مُرْسل الشّعبِيّ وَابْن الْمسيب أحب إِلَيّ من دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس. (وَأما طَريقَة ابْن مَاجَه (فَهِيَ) أَجود مِنْهَا؛ فَإِن عبد الله بن صَالح مِمَّن اخْتلف فِيهِ) علق عَنهُ البُخَارِيّ. وَقَالَ أَحْمد: كَانَ متماسكًا فِي أول أمره، ثمَّ فسد بِأخرَة، وَلَيْسَ هُوَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: نرَى أَن الْأَحَادِيث الَّتِي أنْكرت (عَلَيْهِ) مِمَّا افتعل خَالِد بن نجيح، وَكَانَ أَبُو صَالح يَصْحَبهُ، وَكَانَ سليم النَّاحِيَة، وَكَانَ خَالِد يفتعل الْأَحَادِيث ويضعها فِي كتب النَّاس، وَلم يكن أَبُو صَالح مِمَّن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 يكذب، كَانَ رجلا صَالحا. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: كَانَ حسن الحَدِيث، لم يكن مِمَّن يكذب. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي مُسْتَقِيم الحَدِيث وَله أغاليط. وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور: جَاءَنِي يَحْيَى بن معِين فَقَالَ: أحب أَن تمسك عَن كَاتب اللَّيْث، فَقلت: لَا أمسك عَنهُ، وَأَنا أعلم النَّاس بِهِ. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ضربت عَلَى حَدِيثه، وَمَا أروي شَيْئا. وَقَالَ أَبُو عَلّي صَالح بن مُحَمَّد الْحَافِظ: كَانَ كَاتب اللَّيْث يكذب. وَكَذَلِكَ كذبه جزرة الْحَافِظ. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن حبَان: هُوَ مُنكر الحَدِيث جدًّا، يروي عَن الْأَثْبَات مَا لَيْسَ من أَحَادِيث الثِّقَات، وَكَانَ فِي نَفسه صَدُوقًا، وَإِنَّمَا وَقعت الْمَنَاكِير فِي حفظه من قبل جَار لَهُ كَانَ يضع الحَدِيث عَلَى (شيخ) عبد الله بن صَالح (وَيكْتب) بِخَطِّهِ شبه (خطّ) عبد الله ويرميه فِي دَاره بَين كتبه (فيتوهم) عبد الله (بن صَالح) أَنه خطه فَيحدث بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث ابْن عمر: إِسْنَاده لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي، وَقد تكلم فِي زيد بن جبيرَة من قبل حفظه. قَالَ: وَقد رَوَى اللَّيْث بن سعد هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَنهُ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مثله. قَالَ: وَحَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) أشبه وَأَصَح من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، قَالَ: وَعبد الله بن عمر الْعمريّ ضعفه بعض أهل الحَدِيث من قبل حفظه مِنْهُم يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 قلت: رِوَايَة «ابْن مَاجَه» خَالِيَة عَنهُ كَمَا سلف، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي « (سنَنه» ) : تفرد بِهِ زيد بن جبيرَة. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: زيد بن جبيرَة أَبُو جبيرَة عَن دَاوُد بن الْحصين مُنكر الحَدِيث. قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَحَدِيث دَاوُد أشبه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث عمر وَابْن عمر فَقَالَ: (هما) جَمِيعًا واهيان. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي «تنويره» بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عمر: هَذَا حَدِيث بَاطِل عِنْدهم، أنكروه عَلَى زيد بن جبيرَة، وَلَا يعرف مُسْندًا إِلَّا بِرِوَايَة يَحْيَى بن أَيُّوب عَنهُ. قلت: قد أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز (عَنهُ) كَمَا سلف، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» حَدِيث (ابْن عمر ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح) ثمَّ نقل كَلَام الْأَئِمَّة فِي (تَضْعِيف) زيد بن جبيرَة وَدَاوُد بن الْحصين. وَخَالف فِي «تَحْقِيقه» فَقَالَ - بعد أَن ذكره وَذكر حَدِيث [عمر] قبل حَدِيث ابْن عمر -: قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ الْقوي، وَقد تكلم فِي زيد من قبل حفظه. وَقَالَ يَحْيَى فِي زيد: لَيْسَ بِشَيْء، وَحَدِيث عمر فِيهِ كَاتب اللَّيْث أَبُو صَالح (وَكلهمْ) طعن فِيهِ. قُلْنَا: أما زيد فقد ضعف إِلَّا أَنه إِذا كَانَ من قبل حفظه (فَمَا) يَخْلُو الْحَافِظ من الْغَلَط. قَالَ: وَأما دَاوُد فقد ضُعف، إِلَّا أَن أَبَا زرْعَة لينه (قَالَ) : وَأما أَبُو صَالح فَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: كَانَ رجلا صَالحا، لم يكن مِمَّن يكذب. قَالَ: وَمثل هَذَا لَا يُوجب إطراح الحَدِيث. هَذَا آخر كَلَامه؛ فقد نَاقض ذَلِك فِي «علله» وَإِنَّمَا أوقعه ذَلِك التعصب لمذهبه فِي (أَن) الصَّلَاة فِي الْمَوَاضِع الْمنْهِي عَنْهَا لَا تصح، وَالْعجب مِنْهُ (أَنه) يَقُول فِي حَافظ الْمشرق أبي بكر الْخَطِيب إِنَّه شَدِيد التعصب لمذهبه و (يغلطه) فِيمَا صنفه فِي الْقُنُوت والبسملة وَغَيرهمَا، وَيَقُول (لَهُ) فِي كَلَام لَهُ أَن (التهارج) لَا يخْفَى عَلَى النقاد؛ فقد وَقع فِيمَا عَابَ عَلَى غَيره، وَقد وَقع (لإِمَام) الْحَرَمَيْنِ أَيْضا الحكم بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ أَيْضا وَمثل ذَلِك (فِي) إِدْخَال ابْن السكن هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ ب «السّنَن الصِّحَاح المأثورة» فَقَالَ إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام كره الصَّلَاة فِي سبع (مَوَاطِن) أَحدهَا: الْمقْبرَة. وَهُوَ متساهل فِي هَذَا الْكتاب، وَذكر المُصَنّف فِي أثْنَاء بَاب شُرُوط الصَّلَاة هَذَا الحَدِيث وَذكر فِيهِ «بدل الْمقْبرَة» «بطن الْوَادي» ، وَهِي زِيَادَة بَاطِلَة لَا تعرف فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 هَذَا الحَدِيث، وستمر عَلَيْك فِي موضعهَا - إِن شَاءَ الله ذَلِك وَقدره - ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك كُله أَن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى الرَّاجِح فِيمَا إِذا صَلَّى عَلَى سطح الْكَعْبَة أَو فِي عرصتها بِدُونِ شاخص بَين يَدَيْهِ مِنْهَا (فَإِنَّهُ) قَالَ: لَو صَلَّى فِي الْعَرَصَة فَهُوَ كَمَا لَو صَلَّى عَلَى سطحها، فَنَنْظُر إِن لم يكن بَين يَدَيْهِ شاخص من نَفْس الْكَعْبَة فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا (أَنه) لَا يُجزئهُ؛ لما رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الصَّلَاة عَلَى ظهر الْكَعْبَة) . انْتَهَى. وَهَذَا الدَّلِيل (أخص) من الدَّعْوَى، وَأَيْضًا فَإِن مُقْتَضَاهُ الْمَنْع مُطلقًا، وَقد صحّح الرَّافِعِيّ بعد ذَلِك الصِّحَّة فِيمَا إِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ شاخص. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَذكر فِيهِ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه صَلَّى إِلَى قبْلَة الْكُوفَة مَعَ عَامَّة الصَّحَابَة، وَأَنه هُوَ الَّذِي نصب قبْلَة الْكُوفَة، وَأَن عتبَة بن غَزوَان هُوَ الَّذِي نصب قبْلَة الْبَصْرَة، وَأَن عبد الله بن الْمُبَارك كَانَ يَقُول بعد رُجُوعه (من الْحَج) : يَا أهل مرو تياسروا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 بَاب صفة الصَّلَاة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. (و) أما (الْأَحَادِيث) فمائة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للأعرابي: ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أَخْرجَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مطولا: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل الْمَسْجِد فَدخل رجل فَصَلى، ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَرد عَلَيْهِ وَقَالَ: ارْجع فصل؛ فَإنَّك لم تصل. فَرجع الرجل فَصَلى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام. ثمَّ قَالَ: ارْجع (فصل) فَإنَّك لم (تصلِ) حَتَّى فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، فَقَالَ الرجل: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، مَا أحسن غير هَذَا، فعلمني. فَقَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر، ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن، ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا، ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا (ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا) ثمَّ افْعَل ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 فِي صَلَاتك كلهَا) وَزَاد البُخَارِيّ: (ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا) (يذكر) الطُّمَأْنِينَة فِي السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي لفظ لمُسلم: (إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء، ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَكبر ... ) . الحَدِيث الثَّانِي (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْفَائِتَة: فليصلها إِذا ذكرهَا) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح؛ كَمَا سلف فِي بَاب التَّيَمُّم. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم) . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق، أشهرها: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. رَوَاهُ (الْأَئِمَّة) الشَّافِعِي، وَأحمد، والدارمي، وَالْبَزَّار فِي «مسانيدهم» وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن مُحَمَّد بن الحنيفة، عَن عَلّي مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقد أسلفنا أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل فِي بَاب (الْوضُوء) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وَأحسن. قَالَ: وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل صَدُوق، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه (قَالَ) : وَسمعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - يَعْنِي: البُخَارِيّ - يَقُول: كَانَ أَحْمد وَإِسْحَاق والْحميدِي يحتجون بحَديثه. قَالَ مُحَمَّد: (هُوَ) مقارب الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ: فِي إِسْنَاده لين، وَهُوَ أصلح من حَدِيث جَابر. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عَلّي (إِلَّا) من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ الْحَاكِم: حَدِيث عَلّي الَّذِي رَوَاهُ بن عقيل، عَن مُحَمَّد بن الحنيفة عَنهُ هُوَ أشهر أسانيده، قَالَ: والشيخان أعرضا عَن حَدِيث ابْن عقيل أصلا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي: هَذَا الحَدِيث مَشْهُور (و) لَا يعرف إِلَّا من حَدِيث ابْن عقيل بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث عَلّي. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: أَن أشهر إِسْنَاد فِيهِ حَدِيث عَلّي. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : هَذَا حَدِيث ثَابت أخرجه مَعَ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بن أسلم فِي «مُسْنده» وَلَفظه: «مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وإحرامها التَّكْبِير وإحلالها التَّسْلِيم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» . قلت: وأرسله مُحَمَّد ابْن الحنيفة مرّة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَنهُ رَفعه (إِلَى) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِلَفْظ مُحَمَّد بن أسلم الْمَذْكُور، وَلَا يقْدَح هَذَا فِي طَرِيق الْوَصْل. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مِفْتَاح الْجنَّة الصَّلَاة، ومفتاح الصَّلَاة الْوضُوء) . رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَالْبَزَّار فِي «مسانيدهم» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أصغرها معاجمه» والعقيلي فِي «تَارِيخه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «شعب الْإِيمَان» من حَدِيث سُلَيْمَان بن قرم - بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء - عَن أبي يَحْيَى القَتَّات - بقاف، ثمَّ مثناه فَوق، ثمَّ ألف، ثمَّ مثناه فَوق أَيْضا - عَن مُجَاهِد، عَن جَابر بِهِ (وَرَوَاهُ ابْن السكن بالقطعة الثَّانِيَة فَقَط) . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن أبي يَحْيَى - واسْمه: زَاذَان - إِلَّا سُلَيْمَان بن قرم، تفرد بِهِ حُسَيْن بن مُحَمَّد الْمروزِي. قلت: وَأَبُو يَحْيَى القَتَّات مُخْتَلف فِيهِ، كَمَا ستعلمه فِي بَاب (شُرُوط) الصَّلَاة - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - (و) قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 بِالْقَوِيّ. وَكَذَا سُلَيْمَان بن قرم أَيْضا وَثَّقَهُ أَحْمد وَغَيره. وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه حسان، وَخرج لَهُ فِي الصَّحِيح. قَالَ الْحَاكِم: أخرج لَهُ مُسلم شَاهدا، وَقد غمز بالغلو وَسُوء الْحِفْظ جَمِيعًا. وَقَالَ ابْن حبَان: رَافِضِي غال يقلب الْأَخْبَار. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَوَقع للْقَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ: إِن أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وَأحسن حَدِيث جَابر (هَذَا) . وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ لما علمت، وَلما أخرجه الْعقيلِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» قَالَ: إِن حَدِيث عَلّي وَأبي سعيد الْآتِي أصلح مِنْهُ مَعَ لينهما. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم) . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي كتاب الطَّهَارَة، وَالتِّرْمِذِيّ فِي كتاب الصَّلَاة، والعقيلي فِي «تَارِيخه» من حَدِيث أبي سُفْيَان طريف بن شهَاب - وَيُقَال: ابْن سُفْيَان. وَيُقَال: ابْن سعد وَيُقَال: طريف الأشل السَّعْدِيّ - عَن أبي نَضرة (الْمُنْذر بن) مَالك الْعَبْدي، عَن أبي سعيد بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث عَلّي - يَعْنِي: السالف - أصح إِسْنَادًا وأجود من هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ: إِسْنَاده لين، وَهُوَ أصلح من حَدِيث جَابر. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَن فِي إِسْنَاده أَبَا سُفْيَان طريف بن شهَاب. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» بعد أَن أخرجه من طَرِيق ابْن مَاجَه: أَبُو سُفْيَان هَذَا - قَالَ أَبُو عمر: أَجمعُوا (عَلَى) أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 ضَعِيف الحَدِيث. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى عَنهُ الثِّقَات، وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ فِي متون الْأَحَادِيث أَشْيَاء لم يَأْتِ بهَا غَيره، وَأما أسانيده فَهِيَ مُسْتَقِيمَة. قلت: وَفِي سَنَد التِّرْمِذِيّ: سُفْيَان بن وَكِيع شَيْخه، قَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ لِأَشْيَاء لقنوها. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: مُتَّهم بِالْكَذِبِ. وَتكلم فِيهِ أَبُو حَاتِم وَابْن عدي وَأَبُو زرْعَة؛ لأجل أَنه يَتَلَقَّن، لَكِن التِّرْمِذِيّ حسن حَدِيثه: (اللَّهُمَّ ارزقني حبك) . قلت: وَلِحَدِيث أبي سعيد هَذَا طَرِيق (آخر) رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَائِل (الطَّهَارَة) من حَدِيث حسان بن إِبْرَاهِيم، عَن سعيد بن مَسْرُوق (الثَّوْريّ، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (مِفْتَاح الصَّلَاة الْوضُوء، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم) ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وشواهده عَن أبي سُفْيَان) عَن أبي نَضرة كَثِيرَة فقد رَوَاهُ أَبُو حنيفَة وَحَمْزَة الزيات، وَأَبُو مَالك النَّخعِيّ وَغَيرهم عَن أبي سُفْيَان. قلت: لَكِن فِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَن سعيد بن مَسْرُوق (لَا) يحدث عَن أبي نَضرة. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عباد بن تَمِيم، عَن عَمه عبد الله بن زيد، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (افْتِتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَفِي إِسْنَاده الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ مَشْهُور الْحَال. وَذكره ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» من طَرِيق آخر، والمخرج وَاحِد، وَأعله بِأبي غزيَّة القَاضِي، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي سَرقه. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم) . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَفِي إِسْنَاده نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث. وَله طَرِيق سادس مَوْقُوف عَن شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (مِفْتَاح الصَّلَاة التَّكْبِير، وانقضاؤها (التَّسْلِيم)) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أبي إِسْحَاق (وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كتاب الصَّلَاة من حَدِيث زُهَيْر، عَن أبي إِسْحَاق) بِهِ وَلَفظه: (تَحْرِيم الصَّلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم) . ولعه طَرِيق سَابِع مَوْقُوف عَلَى أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وَالتَّكْبِير تَحْرِيمهَا» . رَوَاهُ ابْن عدي وَضَعفه بِنَافِع أبي هُرْمُز قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: لَيْسَ بِثِقَة. فَهَذِهِ طرق الحَدِيث (والأخيرة لَا تقدح فِي الأولَى بل هِيَ شاهدة) لَهَا، وَأما أَبُو حَاتِم ابْن حبَان (فَقَالَ) فِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» : حَدِيث تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم لَا يَصح من جِهَة النَّقْل. قَالَ: وَذَلِكَ أَن مَا رُوِيَ لَهُ إِلَّا طَرِيقَانِ: مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عَلّي. وَأَبُو نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ؛ فَأَما رِوَايَة مُحَمَّد ابْن الحنيفة فَمَا رَوَاهَا إِلَّا ابْن عقيل. وَأما رِوَايَة أبي نَضرة، عَن أبي سعيد فَمَا رَوَاهَا عَنهُ إِلَّا أَبُو سُفْيَان، وَقد ذكرنَا السَّبَب فِي جرحهما فِي كتاب «الْمَجْرُوحين» وَقد وهم حسان بن إِبْرَاهِيم؛ فَرَوَاهُ عَن سعيد بن مَسْرُوق، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد، وَذَلِكَ يُوهم أَن أَبَا سُفْيَان هُوَ وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ، وَلم يعلم أَن أَبَا سُفْيَان هُوَ طريف السَّعْدِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 كَانَ واهيًا فِي الحَدِيث؛ فَإِن أَبَا سُفْيَان الثَّوْريّ هُوَ سعيد بن مَسْرُوق كَانَ (ثِقَة) فَحمل هَذَا عَلَى ذَلِك، وَلم يُمَيّز؛ إِذْ الحَدِيث لم يكن من صناعته. هَذَا لَفظه، وَتَبعهُ ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» عَلَى ذَلِك، وَقد علمت أَن للْحَدِيث خمس طرق، وَكَلَام غَيره عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين. فَائِدَة: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» : سمي الْوضُوء مفتاحًا؛ لِأَن الْحَدث مَانع من الصَّلَاة كالغلق عَلَى الْبَاب يمْنَع من دُخُوله إِلَّا بمفتاح. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: (سَمّى) التَّكْبِير تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّهُ يمْنَع الْمُصَلِّي من الْكَلَام وَالْأكل وَغَيرهمَا. قَالَ: وأصل التَّحْرِيم من قَوْلك: حرمت فلَانا كَذَا - أَي: منعته - وكل مَمْنُوع فَهُوَ حرَام وحرَم. الحَدِيث الرَّابِع (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَبْتَدِئ الصَّلَاة (بقول) : الله أكبر) هَكَذَا (روته) عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لم أره فِي حَدِيث عَائِشَة وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف من (حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها) : (كَانَ يستفتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين) . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي الجوازء الربعِي عَنْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 قَالَ ابْن عبد الْبر: وَلم يسمع مِنْهَا، حَدِيثه عَنْهَا مُرْسل. قلت: إِدْرَاكه لَهَا مُمكن؛ بل ورد مشافهته (لَهَا) بالسؤال، لَكِن قَالَ البُخَارِيّ: فِي إِسْنَاده نظر، وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ مثله عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَنه كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ، وَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ) وَرفع ابْن عمر ذَلِك إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَفِي سنَن أبي دَاوُد وجامع التِّرْمِذِيّ مثله (مصححًا) عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا دخل فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة كبر وَرفع يَدَيْهِ) نعم اللَّفْظ الْمَذْكُور مَوْجُود فِي حَدِيث آخر صَحِيح رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن عَلّي بن مُحَمَّد الطنافسي، نَا أَبُو أُسَامَة، حَدثنِي عبد الحميد بن جَعْفَر، نَا مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن عَطاء قَالَ: سَمِعت أَبَا حميد السَّاعِدِيّ قَالَ: (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا استفتح الصَّلَاة اسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ: الله أكبر) . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه و «صف الصَّلَاة بِالسنةِ» عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ، أَنا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، نَا أَبُو أُسَامَة ... فَذكره، وَشرط فِي هَذَا الْكتاب - كَمَا قَالَ فِي خطبَته - أَنه مستخرج من السّنَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 الصِّحَاح دون ذكر الْمَرَاسِيل والموضوعات والمقاطيع والمقلوبات. قلت: وَهَذَا اللَّفْظ مَوْجُود أَيْضا فِي حَدِيث آخر صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ الْبَزَّار عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك الْقرشِي، نَا يُوسُف بن أبي سَلمَة، نَا أبي، عَن الْأَعْرَج، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن عَلّي (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: الله أكبر، وجهت وَجْهي ... ) إِلَى آخِره. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : وَهَذَا شَيْء عَزِيز الْوُجُود ومفسر للرواية فِي الصَّحِيح أَنه كبر، وَقد أنكر ابْن حزم وجود ذَلِك، وَقَالَ: مَا عرف قطّ. وَقد بَين غلطه. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ كَمَا سلف بِطُولِهِ فِي بَاب الْأَذَان. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم حَتَّى يضع الطّهُور موَاضعه وَيسْتَقْبل الْقبْلَة فَيَقُول: الله أكبر) . هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه كَذَلِك فِي كتاب حَدِيث (و) عزاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» إِلَى أَصْحَابهم الْفُقَهَاء فَقَالَ: رَوَاهُ أَصْحَابنَا من حَدِيث رِفَاعَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: (لَا يقبل الله صَلَاة امْرِئ حَتَّى يضع (الْوضُوء) موَاضعه، ثمَّ يسْتَقْبل الْقبْلَة (وَيَقُول: الله أكبر)) . قلت: والحَدِيث من هَذَا الْوَجْه فِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ لَكِن بِلَفْظ: «كبر» بدل: «الله أكبر» رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد الزرقي، عَن أَبِيه، عَن عَمه - وَهُوَ رِفَاعَة بن رَافع - قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (إِذْ) دخل رجل الْمَسْجِد فَصَلى وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرمقه وَلَا يشْعر، ثمَّ انْصَرف فَأَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَسلم عَلَيْهِ) فَرد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل - قَالَ: لَا أَدْرِي فِي الثَّانِيَة أَو فِي الثَّالِثَة - قَالَ: وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب، لقد جهدت فعلمني وَأَرِنِي! قَالَ: إِذا أردْت الصَّلَاة فَتَوَضَّأ (فَأحْسن) الْوضُوء، ثمَّ قُم فَاسْتقْبل الْقبْلَة ثمَّ كبر، ثمَّ اقْرَأ ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا، ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، ثمَّ ارْفَعْ رَأسك حَتَّى تطمئِن قَاعِدا، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، فَإِذا (صنعت) ذَلِك فقد قضيت صَلَاتك، وَمَا انتقصت من ذَلِك؛ فَإِنَّمَا تنتقصه من صَلَاتك) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث يَحْيَى بن عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 بن رَافع الزرقي أَيْضا (عَن أَبِيه) عَن جده (عَن) رِفَاعَة بن رَافع بِلَفْظ: (فَتَوَضَّأ كَمَا أَمرك الله ثمَّ تشهد، فأقم ثمَّ كبر، فَإِن كَانَ مَعَك قُرْآن (فاقرأ بِهِ) وَإِلَّا فاحمد الله - عَزَّ وَجَلَّ - وَكبره وَهَلله ... ) الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: (إِنَّهَا لَا تتمّ صَلَاة أحدكُم حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره الله فَيغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يكبر الله ... ) الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: (إِذا أَقمت فتوجهت إِلَى الْقبْلَة فَكبر ... ) الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (إِنَّه لَا تتمّ صَلَاة لأحد من النَّاس حَتَّى يتَوَضَّأ (فَيَضَع) الْوضُوء - يَعْنِي: موَاضعه - ثمَّ يكبر ... ) . الحَدِيث. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِدُونِ التَّكْبِير من حَدِيث يَحْيَى بِهِ بِلَفْظ: (إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَتَوَضَّأ كَمَا أَمرك الله، ثمَّ تشهد (وأقم) فَإِن كَانَ مَعَك قُرْآن فاقرأ، وَإِلَّا فاحمد الله وَكبره وَهَلله، ثمَّ اركع فاطمئن رَاكِعا ... ) الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وَقد رُوِيَ عَن رِفَاعَة من غير وَجه، وَقَالَ ابْن عبد الْبر إِنَّه حَدِيث ثَابت، وَزعم ابْن الْقطَّان أَن يَحْيَى بن عَلّي ابْن خَلاد لَا يعرف لَهُ حَال (فَأَما أَبوهُ) عَلّي فَثِقَة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 وجده يَحْيَى بن خَلاد أخرج لَهُ البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: (يَا رَسُول الله، عَلمنِي كَيفَ أصنع. قَالَ: إِذا اسْتقْبلت الْقبْلَة فَكبر، ثمَّ اقْرَأ بِأم الْقُرْآن، ثمَّ اقْرَأ بِمَا شِئْت، فَإِذا ركعت فَاجْعَلْ راحتيك عَلَى ركبتيك، وامدد ظهرك، وَمكن (لركوعك) فَإِذا رفعت رَأسك فأقم صلبك حَتَّى ترجع الْعِظَام إِلَى مفاصلها، فَإِذا سجدت فمكن سجودك، فَإِذا جَلَست فاجلس عَلَى فخذك الْيُسْرَى، ثمَّ اصْنَع ذَلِك فِي كل رَكْعَة وَسجْدَة) وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث الأول أَن فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للمسيء صلَاته: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء، ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَكبر) . الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزَادا: وَإِذا كبر للرُّكُوع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع (رفعهما) كَذَلِك، وَقَالَ: (سمع الله لمن حَمده (رَبنَا وَلَك الْحَمد)) . وَفِي رِوَايَة (للبيهقي) : (فَمَا زَالَت تِلْكَ صلَاته حَتَّى لَقِي الله) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وَلَا يفعل ذَلِك (حِين) يسْجد، وَلَا حِين يرفع رَأسه من السُّجُود» (وَفِي رِوَايَة لَهُ) : (وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يرفع يَدَيْهِ حِين يكبر» وَفِي رِوَايَة لَهُ: (كبر وَرفع يَدَيْهِ) ، وَقد (سلفت) فِي الحَدِيث الرَّابِع، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْو مَنْكِبَيْه» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن: «ثمَّ كبر وهما كَذَلِك» . الحَدِيث الثَّامِن عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما كبر رفع يَدَيْهِ حَذْو (مَنْكِبَيْه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن عَاصِم (بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن وَائِل (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه)) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 وَهُوَ مخرج فِي «مُسْنده» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَا رَوَاهُ الْحميدِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. قلت: هُوَ فِي مُسْند الْحميدِي (بالسند الْمَذْكُور لَكِن بِلَفْظ (إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ، وَإِذا ركع وَبَعْدَمَا يرْكَع ... ) الحَدِيث لم يقل: «حَذْو مَنْكِبَيْه» وَلَا «أُذُنَيْهِ» ، نعم هُوَ فِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْحميدِي) وَإِبْرَاهِيم بن بشار الرَّمَادِي، عَن سُفْيَان، عَن عَاصِم بِهِ بِلَفْظ: (رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ [حَتَّى] يُحَاذِي أُذُنَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الْوَاحِد، نَا عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن وَائِل بن حجر قَالَ: (اسْتقْبل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْقبْلَة (فَكبر وَرفع يَدَيْهِ) حَتَّى كَانَتَا حَذْو مَنْكِبَيْه، [قَالَ: ثمَّ أَخذ شِمَاله بِيَمِينِهِ قَالَ] : فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا حَذْو مَنْكِبَيْه (فَلَمَّا) ركع وضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفع يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا حَذْو مَنْكِبَيْه) . وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» أَيْضا وَلَفظه: عَن وَائِل بن حجر (أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رفع يَدَيْهِ (حِين) دخل فِي الصَّلَاة كبر وصفهما حِيَال أُذُنَيْهِ، ثمَّ التحف بِثَوْبِهِ، ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا (أَرَادَ) أَن يرْكَع أخرج يَده من الثَّوْب، ثمَّ (رفعهما) ثمَّ كبر فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سمع الله لمن حَمده (رفع) يَدَيْهِ، فَلَمَّا سجد (سجد بَين) كفيه) . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من طرق عَنهُ فِي بَعْضهَا: «وَكبر) وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى حاذتا أُذُنَيْهِ وَفِي بَعْضهَا (فَرفع) يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْت (إبهاميه) قَرِيبا من أُذُنَيْهِ) . الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رفع يَدَيْهِ إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: (رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفع إبهاميه فِي الصَّلَاة إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ) . وَهُوَ مُنْقَطع، عبد الْجَبَّار لم يسمع من أَبِيه، وَقيل: إِنَّه ولد بعد أَبِيه بِسِتَّة أشهر، وَقد سلف ذَلِك فِي بَاب الْأَذَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث وَائِل أَيْضا رَفعه: (إِذا صليت فَاجْعَلْ يَديك حذاء أذنيك، وَالْمَرْأَة تجْعَل يَديهَا حذاء ثدييها) . تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي وَقت رفع الْيَدَيْنِ أوجه، أَحدهَا: أَنه يرفع غير مكبر ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير مَعَ ابْتِدَاء الْإِرْسَال (وَيَنْتَهِي) مَعَ انتهائه (و) رُوِيَ ذَلِك عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثَانِيهَا: أَنه يَبْتَدِئ الرّفْع مَعَ ابْتِدَاء التَّكْبِير، وَيروَى ذَلِك عَن وَائِل بن حجر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثَالِثهَا: أَنه يرفع غير مكبر، ثمَّ يكبر ويداه قاربان، ثمَّ يرسلهما فَيكون التَّكْبِير بَين الرّفْع والإرسال، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا آخر كَلَامه. فَأَما حَدِيث أبي حميد فسأذكره بعد - إِن شَاءَ الله - وَأما حَدِيث وَائِل وَابْن عمر، فقد عَرفته آنِفا، وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ، عَن الشَّافِعِي أَنه أَخذ بِأَحَادِيث الرّفْع إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ قَالَ: (لِأَنَّهَا) أثبت إِسْنَادًا، وَأكْثر عددا، وَالْعدَد أولَى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 فصل فِيمَا وصل إِلَيْنَا من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْأَمَاكِن الَّتِي يسْتَحبّ فِيهَا رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عَلَى وَجه الِاخْتِصَار. فَإِنَّهُ قد شغب فِي (زَمَاننَا) فِي ذَلِك شغب، وأثار فتْنَة فَتعين إِيضَاح ذَلِك، وَالْمَسْأَلَة مُفْردَة بالتصنيف لخلق من الْحفاظ (قد ذكر) الرَّافِعِيّ (حَدِيث ابْن عمر الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقد سلف بِطُولِهِ وبذكر الرّفْع) فِي الِافْتِتَاح وَعند الرُّكُوع وَعند الرّفْع. قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ - وَكَانَ أعلم (أهل) زَمَانه -: حق عَلَى الْمُسلمين أَن يرفعوا أَيْديهم؛ لهَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: رَوَى الْحَاكِم أَبُو عبد الله عَن أبي الْحسن بن (عَبدُوس) عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، قَالَ: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول فِي حَدِيث سُفْيَان هَذَا عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ سُفْيَان: حفظته عَن الزُّهْرِيّ كَمَا أَنَّك هَا هُنَا. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي حجَّة عَلَى الْخلق (عَلَى) كل من سَمعه فَعَلَيهِ أَن يعْمل بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إِسْنَاده شَيْء. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لم أزل أعمل بِهِ مُنْذُ أَنا صبيّ. قَالَ الدَّارمِيّ: وَبِه نَأْخُذ. قَالَ أَبُو الْحسن: وَبِه نَأْخُذ (قَالَ الْحَاكِم: وَبِه نَأْخُذ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَبِه (آخذ) وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا حَدِيث وَائِل بن حجر، وَقد سلف بِطُولِهِ (بِذكر) الرّفْع فِي المواطن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 وَعَن أبي قلَابَة (أَنه رَأَى مَالك بن الْحُوَيْرِث إِذا صَلَّى كبر، ثمَّ رفع يَدَيْهِ؛ فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفع يَدَيْهِ. وَحدث أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يفعل ذَلِك) مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم (أَنه رَأَى مَالك بن الْحُوَيْرِث إِذا صَلَّى كبر ثمَّ رفع يَدَيْهِ) بِلَفْظ «ثمَّ» لَا بِالْوَاو، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ (فَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ) ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع، وَقَالَ: سمع الله لمن حَمده فعل مثل ذَلِك) وَفِي رِوَايَة لَهُ: (حَتَّى يُحَاذِي بهما فروع أُذُنَيْهِ) . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: (رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع حَتَّى يبلغ بهما فروع أُذُنَيْهِ) . (وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: (كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يجعلهما قَرِيبا من أُذُنَيْهِ) وَإِذا ركع صنع مثل ذَلِك، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع صنع مثل ذَلِك) . وَفِي رِوَايَة للنسائي: (رفع يَدَيْهِ فِي صلَاته (وَإِذا) ركع، وَإِذا رفع رَأسه من رُكُوعه، وَإِذا سجد، وَإِذا رفع رَأسه من سُجُوده حَتَّى يُحَاذِي بهما فروع أُذُنَيْهِ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 وَعَن (عَلّي) بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أَنه كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة كبر وَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه (ويصنع) مثل ذَلِك إِذا قَضَى قِرَاءَته وَأَرَادَ أَن يرْكَع، ويصنعه إِذا رفع (رَأسه) من الرُّكُوع، وَلَا يرفع يَدَيْهِ فِي شَيْء من صلَاته وَهُوَ قَاعد، فَإِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ كَذَلِك وَكبر) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظ وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح (و) رَوَوْهُ كلهم هُنَا إِلَّا التِّرْمِذِيّ فَرَوَاهُ فِي كتاب الدُّعَاء فِي أَوَاخِر كِتَابه. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَرَأَيْت فِي «علل الْخلال» أَن أَحْمد سُئِلَ عَن حَدِيث عَلّي ابْن أبي طَالب فِي الرّفْع فَقَالَ: صَحِيح، وَعَن حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ فِي الرّفْع الْآتِي فَقَالَ: صَحِيح. قَوْله: (فَإِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ) يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ (ويوضحه) (رِوَايَة) البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُمَا ذكرا فِي روايتهما: (وَإِذا قَامَ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ) وَانْفَرَدَ الْخطابِيّ عَن الْعلمَاء أَجْمَعِينَ، فَظن (أَن) المُرَاد (السجدتان) المعروفتان ثمَّ اسْتشْكل الحَدِيث، وَقَالَ: لَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء قَالَ بِهِ. وَكَأَنَّهُ لم يقف عَلَى طرق الحَدِيث، وَلَو وقف عَلَيْهَا (لحمله) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (كَمَا حمله) الْأَئِمَّة. وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء أَنه سمع أَبَا حميد فِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحدهم أَبُو قَتَادَة يَقُول: «أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالُوا: [فَلم؟ فوَاللَّه مَا كنت بأكثرنا لَهُ تبعا وَلَا أقدمنا لَهُ صُحْبَة. قَالَ: بلَى. قَالُوا:] فاعرض. فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة اعتدل قَائِما وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه (وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه) ثمَّ قَالَ: الله أكبر وَركع، ثمَّ اعتدل فَلم يصوب وَلم يقنع، وَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ قَالَ: سمع الله لمن حَمده. وَرفع يَدَيْهِ (فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: حَتَّى إِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ كبر وَرفع يَدَيْهِ) حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه كَمَا صنع حِين افْتتح الصَّلَاة» وَفِي آخِره: (قَالُوا: صدقت، هَكَذَا صَلَّى الله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 صَحِيح. وللبخاري مِنْهُ: (رَأَيْته إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : قد قَالَ الشَّافِعِي فِي حَدِيث أبي حميد: وَبِهَذَا نقُول، وَفِيه: رفع الْيَدَيْنِ إِذا قَامَ من (الرَّكْعَتَيْنِ) . قَالَ: وَمذهب الشَّافِعِي مُتَابعَة السّنة إِذا ثبتَتْ. وَقد قَالَ فِي حَدِيث أبي حميد: وَبِهَذَا أَقُول. وَعَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا دخل فِي الصَّلَاة وَإِذا ركع) . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عبد الْوَهَّاب، حَدثنَا حميد، عَن أنس بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمَام) : هَؤُلَاءِ (المذكورون عَن) مُحَمَّد بن (بشار) إِلَى منتهاه من رجال (الصَّحِيح) . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من جِهَة ابْن خُزَيْمَة، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن فياض، عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ بِإِسْنَادِهِ، وَفِيه: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب «رفع الْيَدَيْنِ» كَمَا سَاقه ابْن مَاجَه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ: (رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صَلَاة الظّهْر يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ثمَّ قَالَ: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث لم نَكْتُبهُ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ (عَن) أبي الزبير إِلَّا عَن شَيخنَا أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْبُوب التَّاجِر وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون، وَإِنَّمَا نعرفه من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي الزبير. قلت: وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه ابْن مَاجَه قَالَ فِي «سنَنه» : نَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي الزبير (أَن جَابر بن عبد الله كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه (من الرُّكُوع فعل مثل ذَلِك) وَيَقُول: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فعل) مثل ذَلِك، وَرفع إِبْرَاهِيم بن طهْمَان يَدَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بن مَسْعُود النَّهْدِيّ، عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، وَتَابعه زِيَاد بن سوقة. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح رُوَاته عَن آخِرهم ثِقَات. وَعَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. وَقَالَ: صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَكَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» و «سنَنه» وَقَالَ فِي سنَنه: رُوَاته ثِقَات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وَعَن ابْن عمر، عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: (رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) . (و) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَبله الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب حَدِيث مَالك» . قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: الحديثان كِلَاهُمَا محفوظان - يَعْنِي: حَدِيث ابْن عمر، عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَحَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) فَإِن ابْن عمر رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعله، وَرَأَى أَبَاهُ فعله. وَرَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَصوب أَحْمد - فِيمَا (حَكَاهُ) الْخلال فِي «علله» - حَدِيث ابْن عمر. وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كبر للصَّلَاة جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه، وَإِذا ركع فعل مثل ذَلِك، وَإِذا (رفع للسُّجُود فعل مثل ذَلِك، وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ فعل مثل ذَلِك) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث، حَدثنِي أبي، عَن جدي، عَن يَحْيَى ابْن أَيُّوب، عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي بكر بن الْحَارِث ابْن هِشَام، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : هَؤُلَاءِ كلهم رجال الصَّحِيح، فَإِن يَحْيَى بن أَيُّوب احْتج بِهِ مُسلم فِي مَوَاضِع من كِتَابه، وَقد تَابع يَحْيَى (عُثْمَان) بن الحكم الجذامي (قلت: حَكَى ابْن الْعَرَبِيّ فِي رجال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 (م، خَ) تَشْدِيد الذَّال، وَهُوَ غَرِيب) عَن ابْن جريج عَلَى مَا ذكر فِي كتاب «الْعِلَل» عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيه: «إِذا قَامَ من الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد التَّشَهُّد، (وَذكر) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَن عَمْرو بن عَلّي رَوَى عَن (ابْن) أبي عدي، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي كل خفض وَرفع وَيَقُول: أَنا أشبهكم صَلَاة برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (و) لم يُتَابع عَمْرو بن عَلّي (عَلَى) ذَلِك، وَغَيره يرويهِ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي كل خفض وَرفع» وَهُوَ (الصَّحِيح) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار قَالَا: ثَنَا إِسْمَاعِيل ابْن عَيَّاش، عَن صَالح بن كيسَان، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة حَذْو مَنْكِبَيْه حِين يفْتَتح الصَّلَاة (و) حِين يرْكَع وَحين يسْجد» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد بن سمْعَان قَالَ: «دخل علينا أَبُو هُرَيْرَة فِي الْمَسْجِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 فَقَالَ: ثَلَاث كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعْمل بِهن تركهن النَّاس: كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ مَدًّا، وَكَانَ يقف قبل الْقِرَاءَة هنيَّة (يسْأَل) الله من فَضله، وَكَانَ (يكبر) فِي الصَّلَاة كلما ركع وَسجد» . وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: « (هَل) أريكم صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَكبر) وَرفع يَدَيْهِ، ثمَّ كبر وَرفع يَدَيْهِ للرُّكُوع، ثمَّ قَالَ: سمع الله لمن حَمده. وَرفع يَدَيْهِ، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا. وَلَا يرفع بَين السَّجْدَتَيْنِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن الْأَزْرَق بن قيس، عَن (حطَّان) بن عبد الله، عَن أبي مُوسَى بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَلَا يقْدَح فِي رَفعه؛ لما أسلفناه مرَارًا أَن مَعهَا زِيَادَة علم. وَعَن عبد الله بن الزبير «أَنه صَلَّى بهم يُشِير بكفيه حِين يقوم وَحين يرْكَع وَحين يسْجد وَحين ينْهض» . قَالَ مَيْمُون: فَانْطَلَقت إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: «إِن (أَحْبَبْت) أَن تنظر إِلَى صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاقتدوا بِصَلَاة ابْن الزبير» . (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 وَعَن (عُمَيْر) اللَّيْثِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفع يَدَيْهِ (مَعَ) كل (تَكْبِيرَة) فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه. وَعَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا افْتتح (الصَّلَاة) رفع يَدَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع» . رَوَاهُ الْحَاكِم، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ. وَعَن النَّضر بن كثير قَالَ: «صَلَّى إِلَى جَنْبي ابْن طَاوس، فَكَانَ إِذا سجد السَّجْدَة الأولَى فَرفع رَأسه مِنْهَا رفع يَدَيْهِ تِلْقَاء وَجهه، فَقَالَ ابْن طَاوس: رَأَيْت أبي يصنعه، وَقَالَ أبي: رَأَيْت ابْن عَبَّاس يصنعه، وَلَا أعلم إِلَّا أَنه قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصنعه» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. وَعَن حميد بن هِلَال قَالَ: حَدثنِي من سمع الْأَعرَابِي يَقُول: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي يرفع» . رَوَاهُ أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن. وَعَن قَتَادَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا [ركع] وَإِذا رفع» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 وَعَن الْحسن: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يكبر رفع يَدَيْهِ لَا يُجَاوز أُذُنَيْهِ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفع يَدَيْهِ لَا يُجَاوز أُذُنَيْهِ» . وَعَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة» . هَذِه الثَّلَاثَة مَرَاسِيل: الأول فِي «جَامع عبد الرَّزَّاق» وَالثَّانِي فِي «كتاب الصَّلَاة» لأبي نعيم، وَالثَّالِث فِي «الْمُوَطَّأ» . هَذَا مَا حَضَرنَا من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الرّفْع، قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي كتاب «اخْتِلَاف الحَدِيث» : رَوَى الرّفْع جمع من الصَّحَابَة، لَعَلَّه لم يرو قطّ حَدِيث بِعَدَد أَكثر مِنْهُم: أحد عشر من الصَّحَابَة، وَأَبُو حميد رَوَاهُ و (ثَلَاثَة) عشر رجلا. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لم يخْتَلف أهل الْعلم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : رَوَى رفع الْيَدَيْنِ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثَة عشر (رجلا) من الصَّحَابَة. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي بعض «أَمَالِيهِ» : رَوَى رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة (سَبْعَة) عشر رجلا من الصَّحَابَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُم عَلّي بن أبي طَالب، وَأَبُو الدَّرْدَاء، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، والعبادلة: ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَابْن عَمْرو، وَابْن الزبير، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأنس. وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: قَالَ أَبُو عَلّي: رَوَى الرّفْع عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَيف وَثَلَاثُونَ من الصَّحَابَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: قد روينَا عَن سَبْعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 عشر نفسا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنهم كَانُوا يرفعون أَيْديهم عِنْد الرُّكُوع فَمنهمْ أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو أسيد السَّاعِدِيّ البدري، وَمُحَمّد بن (مسلمة) البدري، وَسَهل بن سعد، وَعبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَأنس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعبد الله بن الزبير، وَوَائِل بن حجر، وَمَالك بن الْحُوَيْرِث، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَجْمَعِينَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَيْنَاهُ عَن هَؤُلَاءِ وَعَن الصّديق، وَعمر بن الْخطاب، وَعلي، وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ، وَعبد الله بن جَابر البياضي، وَقَالَ فِي «خلافياته» : رُوِيَ الرّفْع عِنْد الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ مَرْفُوعا عَن أبي بكر، وَعمر، وَعلي، وَأنس، وَجَابِر بن عبد الله، وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأبي هُرَيْرَة، قَالَ: وَقد روينَا رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ عَن الصّديق، وَعمر، وَعلي، وَابْن عمر، وَمَالك بن الْحُوَيْرِث، وَوَائِل بن حجر، وَأبي حميد السَّاعِدِيّ، فِي عشرَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو قَتَادَة، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَمُحَمّد بن مسلمة، وَأَبُو أسيد، وَسَهل بن سعد، وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأنس، وَجَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بأسانيد صَحِيحَة مُحْتَج بهَا. قَالَ: وَسمعت الْحَاكِم أَبَا عبد الله يَقُول: لَا يعلم سنة اتّفق عَلَى رِوَايَتهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثمَّ بَاقِي الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْجنَّةِ فَمن بعدهمْ من أكَابِر الصَّحَابَة عَلَى تفرقهم فِي الْبِلَاد الشاسعة (غير) هَذِه السّنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 قلت: (قد) شاركها فِي ذَلِك سنة الْمسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ - كَمَا (أسلفت) لَك فِي بَابه - وَكَذَا حَدِيث: «من كذب عَلّي مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ كَمَا (قَالَ) أستاذنا أَبُو عبد الله: فقد رَوَى هَذِه السّنة عَن أبي بكر - ثمَّ عدد بَاقِي الْعشْرَة - ومعاذ بن جبل، وَمَالك بن الْحُوَيْرِث، وَزيد بن ثَابت، وَأبي بن كَعْب، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَالْحسن بن عَلّي بن أبي طَالب، والبراء بن عَازِب، وَزِيَاد بن الْحَارِث الصدائي، وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ، وَأبي سعيد، وَأبي قَتَادَة، وسلمان الْفَارِسِي، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعقبَة بن عَامر (وَبُرَيْدَة) بن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ (وَأبي) هُرَيْرَة، وعمار بن يَاسر (وَأبي) أُمَامَة صدي بن عجلَان (الْبَاهِلِيّ) وَعُمَيْر بن قَتَادَة اللَّيْثِيّ وَأبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ، وَعَائِشَة بنت الصّديق، وأعرابي آخر صَحَابِيّ، كلهم عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكره ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» وَابْن الْجَوْزِيّ من رِوَايَة عمرَان بن حُصَيْن، وَفِي «تَارِيخ ابْن عَسَاكِر» عَن سَلمَة الْأَعْرَج قَالَ: «أدْركْت ألفا من الصَّحَابَة كلهم يرفع يَدَيْهِ عِنْد كل خفض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَرفع» وَنقل البُخَارِيّ عَن الْحسن وَحميد بن هِلَال «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفعون أَيْديهم» وَلم يسْتَثْن أحدا (مِنْهُم) . قَالَ البُخَارِيّ: وَلم يثبت عَن أحد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه لم يرفع يَدَيْهِ. قَالَ: وَيروَى عَن عدَّة من أهل مَكَّة وَأهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق وَالشَّام وَالْبَصْرَة (وَأهل) الْيمن أَنهم كَانُوا يرفعون أَيْديهم عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ مِنْهُم سعيد بن جُبَير، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَمُجاهد، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَسَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَعمر بن عبد الْعَزِيز، والنعمان بن أبي عَيَّاش، وَالْحسن (و) ابْن سِيرِين، وَطَاوُس، وَمَكْحُول، وَعبد الله بن دِينَار (وَنَافِع) (وَعبيد الله بن عمر) ، وَالْحسن بن مُسلم، وَقيس بن سعد، وَغَيرهم عدَّة كَثِيرَة. وَكَذَلِكَ يرْوَى عَن أم الدَّرْدَاء «أَنَّهَا كَانَت ترفع يَديهَا» وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يرفع يَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَامَّة أَصْحَابه ومحدثي أهل بُخَارَى مِنْهُم عِيسَى بن مُوسَى، وَكَعب بن سعيد، وَمُحَمّد بن سَلام، وَعبد الله بن مُحَمَّد (المسندي) وعدة مِمَّن لَا تحصى لَا اخْتِلَاف بَين من (وَصفنَا) من أهل الْعلم، وَكَانَ عبد الله بن الزبير - يَعْنِي: الْحميدِي - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 شَيْخه وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَيَحْيَى بن معِين وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم (يثبتون) عَامَّة هَذِه الْأَخْبَار عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ويرونها حقًّا، وَهَؤُلَاء أهل الْعلم من أهل زمانهم. هَذَا آخر مَا نَقله البُخَارِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: رَوَى أَحَادِيث رفع الْيَدَيْنِ فِي المواطن الثَّلَاثَة نَحْو من ثَلَاثِينَ صحابيًّا (فسردهم) وَقد أسلفناهم بِزِيَادَة. ثمَّ قَالَ: وَبِه يَقُول (أَكثر) أهل الْعلم من الصَّحَابَة، مِنْهُم أَبُو بكر، وَعمر، وَابْنه، وَابْن عَبَّاس، وَأَبُو سعيد، وَجَابِر، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأنس، وَابْن الزبير، وَغَيرهم. وَإِلَيْهِ ذهب من التَّابِعين الْحسن، وَابْن سِيرِين، وَعَطَاء، وَطَاوُس، وَمُجاهد، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَسَالم بن عبد الله (و) ابْن جُبَير، وَنَافِع، وَقَتَادَة، وَمَكْحُول، (وَغَيرهم) قَالَ: وَهُوَ قَول جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ (للمخالفين) فِيهَا حَدِيث صَحِيح، و (بِهِ) قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَابْن الْمُبَارك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَإِسْحَاق. وَرَوَى الإِمَام أَحْمد بِإِسْنَادِهِ عَن نَافِع قَالَ: «كَانَ ابْن عمر إِذا رَأَى مُصَليا لَا يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة حصبه» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب «رفع الْيَدَيْنِ» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا رَأَى رجلا لَا يرفع يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع رَمَاه بالحصى» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 قَالَ عبد الله بن أَحْمد: وَسمعت أبي يَقُول: يرْوَى عَن عقبَة بن عَامر «أَنه قَالَ فِي: من رفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة لَهُ بِكُل إِشَارَة عشر حَسَنَات» . وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: «من تَمام الصَّلَاة رفع الْأَيْدِي فِيهَا» . وَرَوَى ابْن عبد الْبر (بِسَنَدِهِ) إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: «إِن كُنَّا لنؤدب عَلَيْهَا بِالْمَدِينَةِ - يَعْنِي: إِذا لم يرفعوا أَيْديهم فِي الصَّلَاة» . وَرَوَى الْأَثْرَم بِسَنَدِهِ عَن الْحسن وَمُحَمّد أَنَّهُمَا كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا إِذا كبرا وَإِذا رفعا، قَالَ مُحَمَّد: هُوَ من تَمام الصَّلَاة. وَرَوَى البُخَارِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَأَنَّمَا أَيْديهم المراوح يرفعونها إِذا ركعوا وَإِذا رفعوا رُءُوسهم. (و) رَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن جُبَير «أَنه سُئِلَ عَن رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة فَقَالَ: هُوَ شَيْء يزين بِهِ الرجل صلَاته، كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفعون أَيْديهم فِي الِافْتِتَاح وَعند الرُّكُوع وَإِذا رفعوا رُءُوسهم» . وَرَوَى البُخَارِيّ عَنهُ نَحوه. وَرَوَى الْأَثْرَم، عَن النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش قَالَ: «كَانَ يُقَال: إِن لكل شَيْء زِينَة، وزينة الصَّلَاة رفع الْأَيْدِي عِنْد استفتاح الصَّلَاة، وَحين يُرِيد أَن يرْكَع، وَحين (يُرِيد أَن) يرفع يَدَيْهِ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: (أَخذ أهل مَكَّة رفع الْيَدَيْنِ) فِي الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ عَن ابْن جريج وَأَخذه عَن عَطاء، وَأَخذه عَطاء عَن ابْن الزبير، وَأَخذه ابْن الزبير عَن أبي بكر، وَأَخذه أَبُو بكر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فصل فِيمَا عَارض ذَلِك من الْأَحَادِيث والْآثَار وَبَيَان ضعفها (ذهب قوم إِلَى أَنه لَا يرفع إِلَّا عِنْد الِافْتِتَاح وَيروَى عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَبِه قَالَ ابْن أبي لَيْلَى وَالثَّوْري وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَعَن مَالك كالمذهب) أما الْأَحَادِيث (فعشرة:) الأول: عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرج علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم رافعي أَيْدِيكُم كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟ ! اسكنوا فِي الصَّلَاة» . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ. ثَانِيهَا: عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ إِلَى قريب من أُذُنَيْهِ ثمَّ لَا يعود» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شريك، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 أَخِيه عِيسَى، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رفع يَدَيْهِ حِين افْتتح الصَّلَاة ثمَّ لم (يرفعهما) حَتَّى انْصَرف» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا (عَن يزِيد) بن أبي زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى بهما أُذُنَيْهِ ثمَّ لم يعد إِلَى شَيْء من ذَلِك حَتَّى فرغ من صلَاته» . ثَالِثهَا: عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لأصلين بكم صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَصَلى، فَلم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا مرّة» . رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود (بِهِ) قَالَ: التِّرْمِذِيّ: (حَدِيث) حسن، وَرَوَى ابْن عدي والخطيب وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم (عَن) عَلْقَمَة، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 عبد الله قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأبي بكر وَعمر، فَلم يرفعوا أَيْديهم إِلَّا عِنْد استفتاح الصَّلَاة» . رَابِعهَا: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرفع يَدَيْهِ إِذا افْتتح الصَّلَاة ثمَّ لَا يعود» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن (سَالم) عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ. خَامِسهَا: عَن أنس رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع فَلَا صَلَاة لَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مدخله» . وَرَوَى الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب من حَدِيث أنس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يرفع الْيَد إِلَّا فِي (ثَلَاثَة) مَوَاطِن: الاسْتِسْقَاء، والاستنصار، وَعَشِيَّة عَرَفَة» . سادسها: عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة فَلَا صَلَاة لَهُ» . ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من حَدِيث الْمَأْمُون بن أَحْمد السّلمِيّ، نَا الْمسيب بن وَاضح، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من رفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِير فَلَا صَلَاة لَهُ» ذكرهَا فِي «مَوْضُوعَاته» وَذكر الأولَى الجوزقاني فِي «مَوْضُوعَاته» أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 سابعها: عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن: (عِنْد) افْتِتَاح الصَّلَاة، واستقبال الْبَيْت، والصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين» . رَوَاهُ الْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس. وَعَن نَافِع، عَن ابْن عمر (بِهِ) . ورويا أَيْضا عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَعَن ابْن (أبي) لَيْلَى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَا: «ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن: فِي افْتِتَاح الصَّلَاة، واستقبال الْقبْلَة، وَعَلَى الصَّفَا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وَفِي المقامين، وَعند (الْجَمْرَتَيْن) » . ثامنها: عَن مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى قَالَ: «صليت إِلَى جنب عباد بن عبد الله بن الزبير قَالَ: فَجعلت أرفع يَدي فِي كل رفع وَوضع، قَالَ: (يَا) ابْن أخي: رَأَيْتُك ترفع فِي كل (رفع و) خفض (وَإِن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ فِي أول الصَّلَاة ثمَّ لم يرفعها فِي شَيْء حَتَّى فرغ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن الْحَاكِم بِسَنَدِهِ إِلَى حَفْص بن غياث، عَن مُحَمَّد بِهِ. تاسعها: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفع يَدَيْهِ كلما ركع وَكلما رفع، ثمَّ صَار إِلَى افْتِتَاح الصَّلَاة وَترك مَا سُوَى ذَلِك» . عَاشرهَا: عَن ابْن الزبير «أَنه رَأَى رجلا يرفع يَدَيْهِ (فِي) الرُّكُوع فَقَالَ: مَه؛ فَإِن هَذَا شَيْء فعله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ تَركه!» . وَأما الْآثَار: فَعَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَة الأولَى من الصَّلَاة ثمَّ لَا يرفع فِي شَيْء مِنْهَا» . رَوَاهُ البُخَارِيّ. وَعَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود قَالَ: «رَأَيْت عمر بن الْخطاب يرفع يَدَيْهِ فِي أول (تَكْبِيرَة) ثمَّ لَا يعود، وَقَالَ: رَأَيْت إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ يفْعَلَانِ ذَلِك» . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ. وَعَن مُجَاهِد قَالَ: «مَا رَأَيْت ابْن عمر رَافعا يَدَيْهِ فِي شَيْء من الصَّلَاة إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولَى» . رَوَاهُ البُخَارِيّ. عَن أبي بكربن عَيَّاش، عَن حُصَيْن، عَن مُجَاهِد، وَعَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ «أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عمر كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا أول مَا يكبران، ثمَّ لَا يعودان» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 (و) الْجَواب عَن هَذِه الْأَحَادِيث والْآثَار بِفضل الله. (أما) الحَدِيث الأول، وَهُوَ حَدِيث (جَابر بن) سَمُرَة فجعْله مُعَارضا لما قدمْنَاهُ من أقبح الجهالات لسنة سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ لِأَنَّهُ لم يرد فِي رفع الْأَيْدِي فِي الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانُوا يرفعون أَيْديهم فِي حَالَة السَّلَام من الصَّلَاة، ويشيرون بهَا إِلَى (الْجَانِبَيْنِ) يُرِيدُونَ بذلك السَّلَام عَلَى من (عَلَى) الْجَانِبَيْنِ، وَهَذَا لَا (اخْتِلَاف) فِيهِ بَين أهل الحَدِيث وَمن لَهُ أدنَى اخْتِلَاط بأَهْله، وبرهان ذَلِك أَن مُسلم بن الْحجَّاج رَوَاهُ فِي «صَحِيحه» من طَرِيقين أَحدهمَا كَمَا سلف، وَثَانِيهمَا: عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: «كُنَّا إِذا صلينَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قُلْنَا: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (علام) تومئون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟ ! إِنَّمَا يَكْفِي أحدكُم أَن يضع (يَده عَلَى فَخذه) ثمَّ يسلم عَلَى أَخِيه من عَلَى يَمِينه وشماله» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَكُنَّا إِذا سلمنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا السَّلَام عَلَيْكُم (السَّلَام عَلَيْكُم) فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 مَا شَأْنكُمْ تشيرون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟ ! إِذا سلم أحدكُم فليلتفت إِلَى صَاحبه وَلَا يُومِئ بِيَدِهِ» . وَلما أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن الْمسيب بن رَافع، عَن تَمِيم بن طرفَة، عَن جَابر بِهِ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر لم يسمعهُ الْأَعْمَش من الْمسيب بن رَافع ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، وَفِيه: سَمِعت الْمسيب بن رَافع. ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر الْمُقْتَضِي (للفظة) المختصرة الَّتِي تقدم ذكرنَا لَهَا بِأَن الْقَوْم إِنَّمَا أمروا بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاة عِنْد الْإِشَارَة بِالتَّسْلِيمِ دون رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع، ثمَّ أوردهُ كَذَلِك من طَرِيقين بِمَعْنى روايتي مُسلم، قَالَ البُخَارِيّ: وَأما احتجاج بعض من لَا يعلم بِحَدِيث جَابر بن سَمُرَة فَإِنَّمَا كَانَ فِي [التَّشَهُّد] عِنْد السَّلَام لَا فِي الْقيام. قَالَ: وَلَا يحْتَج بِمثل هَذَا من لَهُ حَظّ من الْعلم، هَذَا مَعْرُوف مَشْهُور لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَلَو كَانَ كَمَا توهم هَذَا المحتج لَكَانَ رفع الْأَيْدِي فِي الِافْتِتَاح وَفِي تَكْبِيرَات الْعِيد أَيْضا منهيًّا عَنهُ؛ لِأَنَّهُ لم يستبن رفعا وَقد بَينه حَدِيث حدّثنَاهُ أَبُو نعيم ... . فَذكر بِإِسْنَادِهِ الرِّوَايَة السالفة عَن مُسلم، ثمَّ قَالَ: فليحذر امْرُؤ أَن يتَأَوَّل أَو يَقُول عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا لم يقل، قَالَ تَعَالَى: (فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره ... ) الْآيَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 وَأما الحَدِيث الثَّانِي: وَهُوَ حَدِيث الْبَراء بن عَازِب؛ فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ، كسفيان بن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ وَعبد الله بن الزبير الْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين والدارمي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم من الْمُتَقَدِّمين، وَهَؤُلَاء أَرْكَان الحَدِيث وأئمة الْإِسْلَام فِيهِ، وَأما (الْحفاظ) الْمُتَأَخّرُونَ الَّذين ضَعَّفُوهُ فَأكْثر من أَن تحصر كَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهم، وَسبب ضعفه أَنه من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء - كَمَا سلف - وَاتفقَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة المذكورون وَغَيرهم عَلَى أَن يزِيد بن أبي زِيَاد غلط فِيهِ، وَأَنه رَوَاهُ أَولا «إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع (يَدَيْهِ) » قَالَ سُفْيَان: فَقدمت الْكُوفَة فَسَمعته يحدث (بِهِ) وَيزِيد فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ سُفْيَان: وَقَالَ لي أَصْحَابنَا إِن حفظه قد تغير أَو قد سَاءَ. قَالَ الشَّافِعِي: ذهب سُفْيَان إِلَى تغليط يزِيد بن أبي زِيَاد فِي هَذَا الحَدِيث وَيَقُول: كَأَنَّهُ لقن هَذَا الْحَرْف فتلقنه، وَلم يكن سُفْيَان (يرَى) يزِيد بِالْحِفْظِ لذَلِك. وَذكر الْخَطِيب هَذِه الزِّيَادَة «ثمَّ لَا يعود» فِي «المدرج» وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تثبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لقنها يزِيد فِي آخر عمره (فتلقنها) وَقد حدث بِهِ عَن يزِيد بإسقاطها: الثَّوْريّ وَشعْبَة و [هشيم] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 وأسباط بن مُحَمَّد وخَالِد الطَّحَّان وَغَيرهم من الْحفاظ، وَذكر أَحَادِيثهم بذلك، وَقَالَ الْحميدِي: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ يزِيد (وَيزِيد) يزِيد. وَقَالَ أَبُو سعيد الدَّارمِيّ: سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا يَصح، وَسمعت يَحْيَى بن معِين يضعف يزِيد بن أبي زِيَاد. وَقَالَ الْحَاكِم: قَالَ يَحْيَى بن أَحْمد بن يَحْيَى: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: هَذَا حَدِيث واهي، قد كَانَ يزِيد بن أبي زِيَاد يحدث بِهِ بُرْهَة من دهره لَا يذكر فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» فَلَمَّا لقن أَخذه فَكَانَ يذكرهُ فِيهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسمعت الْحَاكِم أَبَا عبد الله يَقُول: يزِيد بن أبي زِيَاد كَانَ يذكر بِالْحِفْظِ فِي شبابه، فَلَمَّا كبر سَاءَ حفظه، فَكَانَ يُخطئ فِي كثير من رواياته وَحَدِيثه، ويقلب الْأَسَانِيد وَيزِيد فِي الْمُتُون وَلَا يُمَيّز. قَالَ (الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الدَّارمِيّ) : وَمِمَّا يُحَقّق قَول سُفْيَان أَنهم لقنوه هَذِه اللَّفْظَة أَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وهشيمًا وَغَيرهم من أهل الْعلم لم يجيئوا بهَا؛ إِنَّمَا جَاءَ بهَا من سمع مِنْهُ بِأخرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمِمَّا يُؤَكد مَا ذهب إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ مَا أخبرنَا (أَبُو) عبد الله. وَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: ثَنَا يزِيد بن أبي زِيَاد (بِمَكَّة) عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. قَالَ سُفْيَان: فَلَمَّا قدمت الْكُوفَة سمعته يَقُول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 يرفع يَدَيْهِ إِذا (افْتتح) الصَّلَاة [ثمَّ] لَا يعود» فَظَنَنْت أَنهم لقنوه. قَالَ الْحَاكِم: لَا أعلم سَاق هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ الزِّيَادَة عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة غير إِبْرَاهِيم بن يسَار الرَّمَادِي، وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون من الطَّبَقَة الأولَى من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة، جَالس ابْن عُيَيْنَة نيفًا وَأَرْبَعين سنة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ فِيهِ: «ثمَّ لَا يعود» وَقيل: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن الحكم، عَن ابْن (أبي) لَيْلَى، وَقيل [عَنهُ] : عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لَا يحْتَج بحَديثه وَهُوَ أَسْوَأ حَالا عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من يزِيد بن أبي زِيَاد. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث يتوهمه من لَا يرجع إِلَى معرفَة الحَدِيث أَنه مُتَابعَة لحَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَلَى تقدمه فِي الْفِقْه وَالْقَضَاء أَسْوَأ حَالا عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من يزِيد. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ أَنه ذكر فصلا فِي تَضْعِيف حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد هَذَا، ثمَّ قَالَ: وَلم يرو هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي لَيْلَى أحد أَقْوَى من يزِيد. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : هَذَا حَدِيث (انْفَرد) بِهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، وَرَوَاهُ عَنهُ الْحفاظ الثِّقَات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 مِنْهُم: شُعْبَة، وَالثَّوْري، وَابْن عُيَيْنَة، وهشيم، وخَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ، لم يذكر وَاحِد مِنْهُم فِيهِ قَوْله: «ثمَّ لَا يعود» وَحَكَى ابْن عُيَيْنَة عَنهُ أَنه حَدثهمْ بِهِ قَدِيما، وَلَيْسَ فِيهِ: «ثمَّ لَا يعود» ثمَّ حَدثهمْ بِهِ بعد فَذكر فِيهِ: «ثمَّ لَا يعود» . [قَالَ فنظرته فَإِذا مُلْحق بَين سطرين] . قَالَ: وَقَالَ الْبَزَّار (الْحَافِظ) : لَا يَصح حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد فِي رفع الْيَدَيْنِ قَوْله: «ثمَّ لَا يعود» (وَهُوَ) قَول أبي دَاوُد وَجَمَاعَة (من) أهل الحَدِيث. قَالَ: وَقَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت ابْن وضاح يَقُول: الْأَحَادِيث الَّتِي تروى فِي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة «ثمَّ لَا يعود» ضَعِيفَة كلهَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» : قَالَ ابْن حبَان: كَانَ يزِيد يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ» ثمَّ قدم الْكُوفَة فِي آخر عمره فروَى هَذَا الحَدِيث، فلقنوه «ثمَّ لم يعد» فتلقن. قَالَ: وَعَلَى هَذَا أهل الْعرَاق وَمن لم يكن علم الحَدِيث من صناعته. وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيف يزِيد هَذَا، وَأَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: (ارْمِ بِهِ. وَأَن) الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: إِنَّمَا لقن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 يزِيد فِي آخر عمره «ثمَّ لم يعد» فتلقنه وَكَانَ قد اخْتَلَط. وَكَذَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لقن يزِيد هَذَا لما كبر. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَيُمكن أَن يكون هَذَا من الرَّاوِي عَنهُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى، قَالَ أَحْمد: إِسْمَاعِيل (ضَعِيف) وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى ضَعِيف ومضطرب الحَدِيث. قَالَ: ويؤكد أَن ذَلِك من الروَاة مَا أَتَى بِهِ ابْن عبد الْخَالِق، ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَلّي بن عَاصِم، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن يزِيد (عَن) عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَكبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى سَاوَى بهما أُذُنَيْهِ، ثمَّ لم يعد» قَالَ عَلّي: فَلَمَّا قدمت الْكُوفَة قيل لي: إِن يزِيد حَيّ. فَأَتَيْته فَحَدثني بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين قَامَ الصَّلَاة (وَكبر) وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى (سَاوَى) بهما أُذُنَيْهِ، فَقلت: إِنَّه أَخْبرنِي ابْن أبي لَيْلَى أَنَّك قلت: «ثمَّ لم يعد» قَالَ: لَا أحفظ هَذَا (فعاودته فَقَالَ: لَا أحفظ هَذَا) قَالَ البُخَارِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَى الْحفاظ الَّذين سمعُوا من يزِيد (قَدِيما) مِنْهُم الثَّوْريّ وَشعْبَة وَزُهَيْر لَيْسَ فِيهِ «ثمَّ لم يعد» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ هشيم وخَالِد وَابْن إِدْرِيس عَن يزِيد، وَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 يذكرُوا فِيهِ «ثمَّ لَا يعود» . وَقد رَوَى مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن الحكم كَمَا قدمْنَاهُ عَن أبي دَاوُد (قَالَ أَبُو دَاوُد) فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. وَأما (الْجَواب عَن) الحَدِيث الثَّالِث وَهُوَ حَدِيث ابْن مَسْعُود فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَيْضا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ (فِي «سنَنه» ) : قَالَ ابْن الْمُبَارك: لم يثبت عِنْدِي حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا: وَقد ثَبت عِنْدِي حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ (ذكره) عبيد الله وَمَالك وَمعمر وَابْن أبي حَفْصَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: وَأرَاهُ وَاسِعًا، ثمَّ قَالَ عبد الله: كَأَنِّي أنظر إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة؛ لِكَثْرَة الْأَحَادِيث وجودة الْأَسَانِيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ويعارضه بِأَنَّهُ قد رَوَى حَدِيثا مسلسلًا عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذكر فِيهِ الرّفْع عِنْد الرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث خطأ وَإِن الثَّوْريّ وهم فِيهِ (وَضَعفه) أَيْضا الإمامان أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى (بن آدم) عَلَى مَا نَقله عَنْهُمَا البُخَارِيّ فِي كتاب «رفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 الْيَدَيْنِ» وتابعهما عَلَى تَضْعِيفه. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ بِصَحِيح عَلَى هَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت عِنْدِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الْخَبَر مُخْتَصر من أَصله، وَعَاصِم بن كُلَيْب - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الأول - لم يخرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح، وَذَلِكَ أَنه كَانَ يختصر (الْأَخْبَار) يُؤَدِّيهَا عَلَى الْمَعْنى، وَهَذِه اللَّفْظَة «ثمَّ لم يعد» غير مَحْفُوظَة فِي الْخَبَر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الخلافيات» : يُرِيد الْحَاكِم - وَالله أعلم - بذلك صَحِيح البُخَارِيّ؛ لِأَن مُسلما قد أخرج حَدِيثه. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُ قد نَص فِي «مُسْتَدْركه» أَن مُسلما احْتج بِهِ، ذكره فِي الصَّلَاة، وَقَالَ (النَّوَوِيّ) فِي (خلاصته) : اتَّفقُوا عَلَى تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، وأنكروا عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه. قلت: وينكر أَيْضا عَلَى ابْن حزم تَصْحِيحه فِي «محلاه» وَأعله الحافظان ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمُنْذِرِي بعلة أُخْرَى، وَهِي الِانْقِطَاع فَقَالَا: لم يسمع عبد الرَّحْمَن من عَلْقَمَة. لَكِن نقل الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْمُتَّفق والمفترق» أَنه سمع مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَيجوز أَن يكون عَلْقَمَة لم يضْبط، أَو ابْن مَسْعُود خَفِي عَلَيْهِ هَذَا من (أَمر) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا خَفِي عَلَيْهِ غَيره مثل نسخ التطبيق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» : هَذَا أحسن خبر رَوَى أهل الْكُوفَة فِي نفي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عِنْد الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة أَضْعَف شَيْء يعول عَلَيْهِ؛ لِأَن لَهُ عللًا تبطله، وأسبابًا توهيه، ومعاني تدحضه ثمَّ ذكرهَا مُوضحَة. قلت: وَأما طَرِيق حَدِيث ابْن مَسْعُود الآخر فضعيف أَيْضا بل ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الموضوعات» وَقَالَ إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَمُحَمّد بن جَابر قَالَ يَحْيَى فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَا يحدث عَنهُ إِلَّا من هُوَ شَرّ مِنْهُ. وَقَالَ الفلاس لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم: هَذَا إِسْنَاد مقلوب لَا نعلم أحدا حدث بِهِ من أَصْحَاب حَمَّاد من الْمَشْهُورين بِالْأَخْذِ عَنهُ قَالَ وَلَو كَانَ مَحْفُوظًا لبادر بروايته أَبُو حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ عَن حَمَّاد إِذْ كَانَ يُوَافق مَذْهَبهمَا ذَلِك قَالَ فَأَما مُحَمَّد بن جَابر بن سيار السحيمي فَإِنَّهُ قد تكلم فِيهِ أَئِمَّة أهل الحَدِيث قَالَ وَأما إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل فَغير مُحْتَج بِرِوَايَاتِهِ. قَالَ: وَأما مَا رُوِيَ عَن حَمَّاد فِي هَذَا الْبَاب فحدثنا أَبُو الْحسن وَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم «أَن ابْن مَسْعُود كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ أول مرّة ثمَّ لَا يعود يرفع بعد ذَلِك» قَالَ الْحَاكِم: فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لم ير ابْن مَسْعُود، والْحَدِيث مُنْقَطع وَالْعجب من ابْن جَابر أَنه لم يرض بِأَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 وصل هَذَا الحَدِيث الْمُنْقَطع حَتَّى زَاد أَيْضا فأسنده إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ لم يقنعه ذَلِك إِلَّا أَن وَصله بِذكر أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. قلت: وَكَذَا نَص غير وَاحِد أَيْضا من الْحفاظ عَلَى ضعفه، قَالَ ابْن عدي: لم يصله عَن حَمَّاد غير (مُحَمَّد بن جَابر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ مُحَمَّد بن جَابر - وَكَانَ ضَعِيفا - عَن) حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم. وَغير حَمَّاد يرويهِ عَن إِبْرَاهِيم مُرْسلا عَن عبد الله من قَوْله غير مَرْفُوع وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : كَذَلِك رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن مَسْعُود مُرْسلا مَوْقُوفا، وَقد أخرج هَذَا الرِّوَايَة فِي «خلافياته» بِسَنَدِهِ كَمَا تقدم وَذكر الْحَاكِم عَن جمَاعَة من أهل الْكُوفَة أَن مُحَمَّد بن جَابر عمي، فَكَانَ يلْحق فِي كِتَابه مَا لَيْسَ من حَدِيثه. قَالَ: وَهَذَا من أحسن مَا يُقَال فِيهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يسرق الحَدِيث من كل من يذاكره فيرويه حَتَّى كثرت الْمَنَاكِير والموضوعات فِي رِوَايَته. قلت: وَأما إِدْخَال ابْن حبَان إِيَّاه فِي «الثِّقَات» فتفرد مِنْهُ مُخَالف لأقوال الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين، وَكَذَا إِدْخَال ابْن السكن الحَدِيث فِي «صحاحه» وَقَوله فِيهِ: يُقَال إِنَّه مَنْسُوخ. وَأما الحَدِيث الرَّابِع وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر قَالَ الْبَيْهَقِيّ - وَقَبله الْحَاكِم -: إِنَّه بَاطِل مَوْضُوع، لَا يجوز أَن يذكر إِلَّا عَلَى سَبِيل التَّعَجُّب والقدح فِيهِ، وَقد روينَا بِالْأَسَانِيدِ الباهرة عَن مَالك بِخِلَاف هَذَا. وَأما الحَدِيث الْخَامِس، وَهُوَ حَدِيث أنس فَقَالَ الْحَاكِم فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 «مدخله» إِلَى معرفَة الإكليل فِي ذكر الْمَجْرُوحين: كتب تَرْجَمَة جمَاعَة وضعُوا الحَدِيث فِي الْوَقْت لحاجتهم إِلَيْهِ. قيل لمُحَمد بن عكاشة الْكرْمَانِي: إِن قوما يرفعون أَيْديهم فِي الرُّكُوع وَبعد رفع الرَّأْس مِنْهُ. فَقَالَ: نَا الْمسيب بن وَاضح، ثَنَا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس رَفعه: «من رفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع فَلَا صَلَاة لَهُ» قَالَ الْحَاكِم: وكل من رزقه الله فهما فِي نوع من الْعلم وَتَأمل هَذِه الْأَحَادِيث علم أَنَّهَا مَوْضُوعَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُحَمَّد بن عكاشة هَذَا يضع الحَدِيث. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي «مَوْضُوعَاته» (وَأما حَدِيث أنس السالف عَن رِوَايَة الرَّافِعِيّ، فَهُوَ حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِف من خرجه) من حَدِيث أنس، وَالْمَعْرُوف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى قَالَ: لم نَحْفَظ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه رفع يَده الرّفْع كُله إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن: الاستقساء، والاستنصار، وَعَشِيَّة عَرَفَة ثمَّ كَانَ بعد رفع دون رفع. وَأما الحَدِيث السَّادِس، وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة ضَعِيف أَيْضا؛ بل مَوْضُوع كَمَا سلف؛ فَإِن مَأْمُون بن أَحْمد السّلمِيّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده كَذَّاب، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ دجالًا من الدجاجلة. وَأما الحَدِيث السَّابِع، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر فَالْجَوَاب عَنْهُمَا من أوجه ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن شَيْخه أبي عبد الله الْحَاكِم: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 أَحدهَا: أَن ابْن أبي لَيْلَى تفرد بِهِ، وَقد اتّفق أهل الحَدِيث عَلَى ترك الِاحْتِجَاج بِرِوَايَاتِهِ. ثَانِيهَا: أَن وكيعًا رَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِمَا. قَالَ الْحَاكِم: ووكيع أثبت من كل من رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي لَيْلَى. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا يعرف مُسْندًا؛ إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهِ. ثَالِثهَا: أَن شُعْبَة بن الْحجَّاج قَالَ: لم يسمع الْحَاكِم من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِنْهَا فَيكون مُنْقَطِعًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن جريج فَقَالَ: حدثت عَن مقسم. وَبِذَلِك لَا تثبت الْحجَّة. رَابِعهَا: أَن جمَاعَة من التَّابِعين رَوَوْهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة المأثورة عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر «أَنَّهُمَا كَانَا يرفعان أَيْدِيهِمَا عِنْد الرُّكُوع وَبعد الرّفْع مِنْهُ» كَمَا قدمنَا ذكره وأسنداه إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. خَامِسهَا: أَن فِي جَمِيع هَذِه (الرِّوَايَات) «ترفع الْأَيْدِي فِي سبع مَوَاطِن» وَلَيْسَ فِي رِوَايَة مِنْهَا «لَا ترفع) إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن) . قلت: قد رَوَاهُ كَذَلِك مَوْقُوفا (عَلَيْهِمَا) سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» لَكِن قَالَ الْحَاكِم: يَسْتَحِيل أَن يكون (لَا ترفع الْأَيْدِي إِلَّا فِي سبع مَوَاطِن) وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار المأثورة بِأَن الْأَيْدِي ترفع فِي مَوَاطِن كَثِيرَة غير المواطن السَّبْعَة؛ فَمِنْهَا: الاسْتِسْقَاء، وَدُعَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لدوس، وَرفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الدُّعَاء فِي الصَّلَوَات وَأمره بِهِ، وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح وَالْوتر. وَأما الحَدِيث الثَّامِن، وَهُوَ حَدِيث عباد بن عبد الله بن الزبير فَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 مُرْسل؛ لِأَن عبادًا من التَّابِعين قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» (قَالَ) : وَقد رُوِيَ عَن أَبِيه ضِدّه. وَأما الحَدِيث التَّاسِع، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس فَهُوَ غَرِيب غير مَعْرُوف، وَكَذَا. الحَدِيث الْعَاشِر، حَدِيث ابْن الزبير لَا نعلم من رَوَاهُ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ (فِي (تَحْقِيقه)) : لَا يعرفان أصلا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَنْهُمَا الرّفْع؛ فروَى أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَيْمُون الْمَكِّيّ (أَنه رَأَى ابْن الزبير (صَلَّى) بهم يُشِير بكفيه حِين يقوم وَحين يرْكَع وَحين يسْجد (قَالَ:) فَذَهَبت إِلَى ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ: إِن أَحْبَبْت أَن تنظر إِلَى صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاقتد بِصَلَاة عبد الله بن الزبير) قَالَ: وَرَوَى طَاوس عَن ابْن عَبَّاس (أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي المواطن الثَّلَاثَة) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (خلافياته) : وَلَهُم خبر آخر رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن بشر بن حَرْب، عَن ابْن عمر قَالَ: (أَرَأَيْتُم رفعكم أَيْدِيكُم فِي الصَّلَاة هَكَذَا إِنَّهَا لبدعة، مَا زَاد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى هَذَا، وَرفع حَمَّاد يَدَيْهِ حَذْو (مَنْكِبَيْه) أَو نَحْو ذَلِك) قَالَ: وَهَذَا مُجمل بُيِّن فِي رِوَايَة أُخْرَى عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن بشر، عَن ابْن عمر: (وَالله إِن رفعكم أَيْدِيكُم فِي السَّمَاء لبدعة - يحلف عَلَيْهَا ثَلَاثًا - مَا زَاد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى هَذَا، وَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه) . قَالَ الدَّارمِيّ: فَهَذَا دَلِيل وَاضح عَلَى أَنه فِي الدُّعَاء لَا فِي التَّكْبِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 عِنْد الرُّكُوع؛ فَإِن أَبيت إِلَّا أَن تحتج بِهِ كَانَ عَلَيْك وَلنَا (إِنَّه) قد أَبَاحَ رَفعهَا عَلَى كل حَال، وَلَو صَحَّ هَذَا عَن ابْن عمر - كَمَا رويت عِنْد الرُّكُوع - لم يكن لَك فِيهِ كثير رَاحَة؛ لِأَن بشر بن حَرْب لَيْسَ لَهُ من التَّقَدُّم فِي الرِّوَايَة مَا يدْفع بروايته رِوَايَة الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ (رِوَايَة) بضعَة عشر رجلا، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَفعل أمة من أَصْحَاب مُحَمَّد (وَالتَّابِعِينَ سَمِعت يَحْيَى بن معِين يضعف بشرا فِي الحَدِيث، وَرَوَى حُسَيْن بن وَاقد، عَن بشر بن حَرْب، عَن ابْن عمر قَالَ: (وَالله مَا رفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَدَيْهِ فَوق صَدره فِي الدُّعَاء) . قَالَ الْحَاكِم: فَهَذَا الْحُسَيْن بن وَاقد - عَلَى صدقه وإتقانه - قد أَتَى بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ. قلت: وَقد انْتَهَى الْجَواب (عَن) الْأَحَادِيث الَّتِي ظن أَنَّهَا مُعَارضَة، وَأَنه يرد بهَا الْأَخْبَار الثَّابِتَة كالأساطين. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» (بعد أَن ذكر) حَدِيث ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وضعفها مَا (أبله) من وضع هَذِه الْأَحَادِيث ليقاوم بهَا الْأَحَادِيث الصِّحَاح. وَأما الْآثَار فأثر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ضَعِيف لَا يَصح عَنهُ، وَمِمَّنْ ضعفه البُخَارِيّ ثمَّ رُوِيَ تَضْعِيفه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 «سنَنه» و «خلافياته» عَن عُثْمَان الدَّارمِيّ أَنه قَالَ: قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَلّي من هَذَا الطَّرِيق الواهي، وَقد رَوَى عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن عَلّي (أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يرفعهما) عِنْد الرُّكُوع (وَبعد) رفع رَأسه (مِنْهُ)) فَلَيْسَ الظَّن أَنه يخْتَار فعله عَلَى فعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَكِن (لَيْسَ) أَبُو بكر النَّهْشَلِي - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - مِمَّن يحْتَج بروايته (أَو تثبت) بِهِ سنة لم يَأْتِ بهَا غَيره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الزَّعْفَرَانِي: قَالَ الشَّافِعِي: (وَلَا يثبت) عَن عَلّي وَابْن مَسْعُود - يَعْنِي: مَا رُوِيَ عَنْهُمَا - «أَنَّهُمَا كَانَا لَا يرفعان أَيْدِيهِمَا فِي غير تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح» . قَالَ الشَّافِعِي: وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن عَلّي، فَأخذ بِهِ وَترك مَا رَوَى عَاصِم، عَن أَبِيه، عَن وَائِل بن حجر (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رفع يَدَيْهِ) كَمَا رَوَى ابْن عمر. قَالَ الشَّافِعِي: وَلَو كَانَ ثَابتا (عَنْهُمَا) لأشبه أَن يكون الرَّاوِي رآهما مرّة أغفلا ذَلِك. قَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل: ذهب (عَنْهُمَا) حفظ ذَلِك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَحفظ) ابْن عمر (لكَانَتْ لَهُ حجَّة) . وَأما (أثر) عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 الْحَاكِم: هِيَ رِوَايَة شَاذَّة لَا تقوم بهَا الْحجَّة وَلَا تعَارض بهَا الْأَخْبَار الصَّحِيحَة المأثورة (أَنه) أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ. قَالَ: وَقد رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الزبير بن عدي، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَنهُ وَلم يذكر فِيهِ: (ثمَّ لَا يعود) وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الْأَثر عَن عمر لَا يَصح عَنهُ وَفِي ذَلِك رد عَلَى تَصْحِيح الطَّحَاوِيّ لَهُ. وَأما أثر ابْن عمر فَقَالَ البُخَارِيّ: قد خُولِفَ فِي ذَلِك عَن مُجَاهِد، قَالَ وَكِيع (عَن) الرّبيع بن صبيح قَالَ: رَأَيْت مُجَاهدًا يرفع يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. وَقَالَ جرير، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد إِنَّه كَانَ يرفع يَدَيْهِ. وَهَذَا أحفظ عِنْد أهل الْعلم. وَقَالَ صَدَقَة: إِن الَّذِي رَوَى حَدِيث مُجَاهِد أَنه لم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولَى كَانَ صَاحبه قد تغير بِأخرَة. قَالَ البُخَارِيّ: وَالَّذِي رَوَاهُ الرّبيع وَاللَّيْث أولَى مَعَ رِوَايَة طَاوس وَسَالم وَنَافِع وَأبي الزبير ومحارب ابْن دثار وَغَيرهم قَالُوا: «رَأينَا ابْن عمر يرفع يَدَيْهِ إِذا كبر وَإِذا (رفع) » وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن الْمَحْفُوظ فِي ذَلِك عَن أبي بكر بن عَيَّاش إِنَّمَا هُوَ عَن عبد الله بن مَسْعُود لَا عَن عبد الله بن عمر. وَأما أثر أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عمر فَرَوَاهُ سوار بن مُصعب عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ هما ضعيفان، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا خبر لَا يستجيز الِاحْتِجَاج بِهِ من يرجع إِلَى أدنَى معرفَة بِالرِّجَالِ؛ فَإِن عَطِيَّة بن سعيد الْعَوْفِيّ ذَاهِب بِمرَّة. وَأما سوار بن مُصعب فَإِنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ، قَالَ يَحْيَى بن معِين فِي حَقه إِنَّه زائغ غير مُحْتَج بحَديثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. فقد ظهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 - بِحَمْد الله وَمِنْه - ضعف مَا عَارض الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والنصوص الصَّرِيحَة. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن الإِمَام أبي بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه أَنه قَالَ: قد صَحَّ رفع الْيَدَيْنِ - يَعْنِي فِي الْمَوَاضِع الْمُتَقَدّمَة - عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين ثمَّ عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَيْسَ فِي نِسْيَان ابْن مَسْعُود رفع الْيَدَيْنِ مَا يُوجب أَن هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة لم يرَوا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رفع يَدَيْهِ، قد نسي ابْن مَسْعُود من الْقُرْآن مَا لم يخْتَلف الْمُسلمُونَ فِيهِ بعد وَهُوَ المعوذتان، وَنسي مَا اتّفق الْعلمَاء كلهم عَلَى نسخه وَتَركه من التطبيق، وَنسي كَيْفيَّة قيام الِاثْنَيْنِ خلف الإِمَام، وَنسي مَا لم يخْتَلف الْعلمَاء فِيهِ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الصُّبْح يَوْم النَّحْر فِي وَقتهَا» وَنسي كَيْفيَّة جمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِعَرَفَة وَنسي كَيفَ كَانَ يقْرَأ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى) وَإِذا جَازَ عَلَى عبد الله أَن ينسَى مثل هَذَا فِي الصَّلَاة خَاصَّة كَيفَ لَا يجوز مثله فِي رفع الْيَدَيْنِ؟ ! وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن الرّبيع قَالَ: قلت للشَّافِعِيّ: مَا مَعْنَى رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع؟ فَقَالَ: مثل مَعْنَى رفعهما عِنْد الِافْتِتَاح تَعْظِيمًا لله - تَعَالَى - وَسنة متبعة يُرْجَى بهَا ثَوَاب الله - تَعَالَى - وَمثل رفع الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا والمروة وَغَيرهمَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: اجْتمع الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري بمنى فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للثوري: لم لَا ترفع يَديك فِي خفض الرُّكُوع وَرَفعه؟ فَقَالَ الثَّوْريّ: نَا يزِيد بن أبي زِيَاد، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: أروي لَك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وتعارضني بِيَزِيد بن أبي زِيَاد وَيزِيد رجل ضَعِيف وَحَدِيثه مُخَالف للسّنة؟ ! فاحمار وَجه الثَّوْريّ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: كَأَنَّك كرهت مَا قلت؟ ! قَالَ: نعم. فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: قُم بِنَا إِلَى الْمقَام نلتعن أَيّنَا عَلَى الْحق. فَتَبَسَّمَ الثَّوْريّ لما رَأَى الْأَوْزَاعِيّ قد احتد. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي فِي مناظرته مَعَ مخالفه فِي ذَلِك مناظرة طَوِيلَة مُشْتَمِلَة عَلَى مهمات تركتهَا خشيَة التَّطْوِيل فلتراجع مِنْهَا، وَقَالَ البُخَارِيّ: نسَاء بعض الصَّحَابَة أعلم إِن من هَؤُلَاءِ «كَانَت أم الدَّرْدَاء ترفع يَديهَا فِي الصَّلَاة حَذْو منكبيها حِين تفتتح الصَّلَاة وَحين تركع، وَإِذا قَالَت: سمع الله لمن حَمده رفعت يَديهَا وَقَالَت: رَبنَا لَك الْحَمد» قَالَ البُخَارِيّ: وَلم يثبت عِنْد أهل الْبَصْرَة مِمَّن أدركنا من أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق مِنْهُم الْحميدِي وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَيَحْيَى بن معِين، وَأحمد بن حَنْبَل، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هَؤُلَاءِ أهل الْعلم من أهل زمانهم لم يثبت عَن وَاحِد مِنْهُم (عَلمته) فِي ترك رفع الْأَيْدِي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه لم يرفع يَدَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يرفع يَدَيْهِ، وَهُوَ أكبر أهل زَمَانه علما فِيمَا يعرف، فَلَو لم يكن عِنْد من لَا يعلم عَن السّلف علما فاقتدى بِابْن الْمُبَارك فِيمَا اتبع فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَكَانَ أولَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 بِهِ من أَن يَقْتَدِي بقول من لَا يعلم، وَقَالَ معمر: قَالَ ابْن الْمُبَارك: صليت إِلَى جنب النُّعْمَان فَرفعت يَدي، فَقَالَ: مَا خشيت أَن تطير! قلت: إِن لم أطر فِي (الأولَى) لم أطر فِي الثَّانِيَة. وَلما رَوَى البُخَارِيّ الرّفْع فِي الْمَوَاضِع السالفة عَن أَعْلَام أَئِمَّة الْإِسْلَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم، قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَالْعراق قد اتَّفقُوا عَلَى رفع الْأَيْدِي. ثمَّ رَوَاهُ عَن جماعات آخَرين ثمَّ قَالَ: فَمن زعم أَن رفع الْأَيْدِي بِدعَة (فقد) طعن فِي أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالسَّلَف وَمن بعدهمْ وَأهل الْحجاز وَأهل الْمَدِينَة وَمَكَّة وعدة من أهل الْعرَاق وَأهل الشَّام واليمن وعلماء خُرَاسَان مِنْهُم ابْن الْمُبَارك حَتَّى شُيُوخنَا، وَلم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة ترك الرّفْع، وَلَيْسَ أَسَانِيد أصح من أَسَانِيد الرّفْع. قَالَ: وَأما رِوَايَة الرّفْع فِي الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع وَالرَّفْع مِنْهُ وَرِوَايَة الرّفْع فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَفِي الْقيام من الرَّكْعَتَيْنِ فالجميع صَحِيح؛ لأَنهم لم يحكوا صَلَاة وَاحِدَة (فَاخْتَلَفُوا) فِيهَا بِعَينهَا مَعَ أَنه لَا (اخْتِلَاف) فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا زَاد بَعضهم عَلَى بعض، وَالزِّيَادَة مَقْبُولَة من أهل الْعلم، وَالله - تَعَالَى - أعلم. وَإِذا انْتَهَى الْكَلَام (بِنَا) فِي الرّفْع، وَهُوَ من الْمُهِمَّات وَقد اجْتمع فِيهِ - بِفضل الله - مَا لم يجْتَمع فِي غَيره من المصنفات مَعَ رِعَايَة الِاخْتِصَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 فنعود إِلَى مَا نَحن بصدده من تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ وآثاره. (نجزُ الْجُزْء الثَّانِي - بِفضل الله وَمِنْه - يتلوه فِي الَّذِي يَلِيهِ الحَدِيث الْعَاشِر حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصَلى الله عَلَى سيدنَا مُحَمَّد وَعَلَى آله وَصَحبه وَسلم كلما ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون. غفر الله لمن كتبه لأَجله آمين) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 [1] (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا الحَدِيث الْعَاشِر حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ، وَقد أسلفنا الْوَعْد بِهِ فِي أثْنَاء الحَدِيث التَّاسِع عِنْد قَول الرَّافِعِيّ فِي وَقت رفع الْيَدَيْنِ أوجه: أَحدهَا: أَنه يرفع غير مكبر، ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير مَعَ ابْتِدَاء الْإِرْسَال وينهيه مَعَ انتهائه، رُوِيَ ذَلِك عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَحَدِيث أبي حميد هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الحميد (يَعْنِي) ابْن جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء قَالَ: سَمِعت أَبَا حميد السَّاعِدِيّ فِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُم أَبُو قَتَادَة، قَالَ أَبُو حميد: «أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالُوا: فَلم؟ فوَاللَّه مَا كنت بأكثرنا لَهُ تبعة، وَلَا أقدمنا لَهُ صُحْبَة. قَالَ: بلَى. قَالُوا: فاعرض. قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَامَ إِلَى الصَّلاة يرفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 مَنْكِبَيْه، ثمَّ يكبر حَتَّى يقر كل (عظم) فِي مَوْضِعه معتدلًا ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. وَذكره - أَعنِي: حَدِيث أبي حميد - من طرق (وَهُوَ) فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من هَذَا الْوَجْه لَكِن بِدُونِ ذكر أبي قَتَادَة. وَقَالَ: «كنت جَالِسا مَعَ نفرٍ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكرنَا صَلَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا كنت أحفظكم لصلاته (رَأَيْته) إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه ... » ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث. وَكَذَا أخرجه التِّرْمِذِيّ. ثمَّ قَالَ: (حَدِيث) حسن صَحِيح. وَخَالف الطَّحَاوِيّ فَرده بِأَن (مُحَمَّدًا) هَذَا لم يدْرك أَبَا قَتَادَة عَلَى الصَّحِيح. قَالَ: وَالصَّحِيح أَن أَبَا قَتَادَة (مَاتَ) مَعَ عَلّي فِي (حروبه) قَالَ: ونزيد ذَلِك بَيَانا؛ أَن عطاف بن خَالِد رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، قَالَ: حَدثنِي رجل «أَنه وجد عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله جُلُوسًا ... » فَذكره، وعطاف وثَّقه أَحْمد و (يَحْيَى) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بطرِيق أبي دَاوُد بِلَفْظ «كَانَ إِذا قَامَ فِي الصَّلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 (اعتدل) قَائِما وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما مَنْكِبَيْه (ثمَّ) قَالَ: الله أكبر ... » الحَدِيث. (ثمَّ رَوَاهُ) من حَدِيث فليح بن سُلَيْمَان، عَن عَبَّاس بن سهل السَّاعِدِيّ قَالَ: «اجْتمع أَبُو حميد، وَأَبُو أسيد السَّاعِدِيّ، وَسَهل بن سعد، وَمُحَمّد بن مسلمة؛ فَذكرُوا صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) «قَامَ) فَكبر وَرفع يَدَيْهِ ... » الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه؛ بِدُونِ ذكر مُحَمَّد بن مسلمة وَلَفظه: «فَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه» . وَرَوَاهُ من طرق أُخْرَى أَيْضا (وطرقه) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طرق (سَبْعَة) لَفظه فِي بَعْضهَا: «فَرفع يَدَيْهِ حَتَّى (حَاذَى) بهما مَنْكِبَيْه، وَفِي بَعْضهَا: «إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه» . وَقَالَ: سمع هَذَا الحَدِيث: مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء (من) أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 حميد السَّاعِدِيّ. وسَمعه من عَبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ من أَبِيه؛ فَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا محفوظان (ومبناهما) متباينان. وَقد يتَوَهَّم غير المتبحر فى صناعَة الحَدِيث أَن خبر أبي حميد مَعْلُول، وَلَيْسَ كَذَلِك. قَالَ: وَعبد الحميد بن جَعْفَر أحدُ الثِّقَات المتقنين؛ قد سبرت أخباره، فَلم أره انْفَرد بِحَدِيث لم يُشَارك فِيهِ. وَقد وَافق فليح بن سُلَيْمَان وَعِيسَى بن عبد الله بن مَالك، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، عَن أبي حميد عبد الحميد بن جَعْفَر فِي هَذَا الْخَبَر. قلت: وفليح أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَلَكِن عِيبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجه لحديثه. وَقَالَ ابْن معِين: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ السَّاجِي: إِنَّه يهم. وَقَالَ مظفر بن مدرك: كُنَّا نتهمه؛ لِأَنَّهُ كَانَ يتَنَاوَل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا (أَضْعَف) مَا رمي بِهِ. الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث من سنَن الْمُرْسلين: تَعْجِيل الْفطر، وَتَأْخِير السّحُور، وَوضع الْيَمين عَلَى الشمَال فِي الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء أُمِرْنَا أَن نؤخر السّحُور (ونعجل الْإِفْطَار) وَأَن نمسك بأيماننا عَلَى شَمَائِلنَا فِي الصَّلَاة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فى كتاب الصَّوْم من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث يعرف بطلحة بن عَمْرو الْمَكِّيّ؛ وَهُوَ ضَعِيف. وَقد اخْتلف عَلَيْهِ؛ فَقيل: عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَقيل: عَنهُ، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة. وَمن وَجه ضَعِيف عَن ابْن عمر. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة من قَوْلهَا: «ثَلَاث من النُّبُوَّة ... » فَذَكرهنَّ، وَهُوَ أصح مَا ورد فِيهِ. وَرَوَاهُ فِي هَذَا الْبَاب (وَكَذَا) الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبان الْأنْصَارِيّ، عَن عَائِشَة مَوْقُوفا عَلَيْهَا: «ثَلَاث من النُّبُوَّة: تَعْجِيل الْإِفْطَار، وَتَأْخِير السّحُور، وَوضع الْيَد الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا (أصح) عَن مُحَمَّد بن أبان. قلت: فِيهِ نظر، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف لمُحَمد سَماع من عَائِشَة. ذكره فِي «الْمِيزَان» . ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وَقَالَ: تفرد بِهِ عبد الْمجِيد، وَإِنَّمَا يعرف بطلحة بن عَمْرو - وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ - عَن عَطاء، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 ابْن عَبَّاس - وَمرَّة عَن أبي هُرَيْرَة - عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (فِي كِتَابه) وصف الصَّلَاة (بِالسنةِ) عَن الْحسن (بن سُفْيَان، نَا حَرْمَلَة بن يَحْيَى) ثَنَا ابْن وهب، أبنا عَمْرو بن الْحَارِث، أَنه سمع عَطاء بن أبي رَبَاح يحدث عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء أمرنَا أَن نؤخر سحورنا، ونعجل فطرنا، وَأَن نمسك بأيماننا عَلَى شَمَائِلنَا فِي الصَّلَاة» . ثمَّ قَالَ فِي «صَحِيحه» : سمع هَذَا الْخَبَر: ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، وَطَلْحَة بن عَمْرو، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. وَرَوَاهُ كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن عَمْرو إِلَّا ابْن وهب، تفرد بِهِ حَرْمَلَة. وَفِي «تَارِيخ الْعقيلِيّ» : عَن يعْلى بن مرّة مَرْفُوعا: « (ثَلَاث) يحبهن الله - عَزَّ وَجَلَّ -: تَعْجِيل الْفطر، وَتَأْخِير السّحُور، وَضرب الْيَدَيْنِ أَحدهمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاة» ثمَّ ضعفه - وَقَالَ: رُوِيَ بِإِسْنَاد أصلح من هَذَا. وَفِي «مُصَنف ابْن أبي شيبَة» عَن أبي الدَّرْدَاء «من أَخْلَاق النَّبِييِّنَ - صَلَّى الله عَلَيْهِم وَسلم - وضع الْيَمين عَلَى الشمَال فِي الصَّلَاة» . وَعَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «كَأَنِّي أنظر إِلَى أحْبار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 بني إِسْرَائِيل واضعي أَيْمَانهم عَلَى شمائلهم فِي الصَّلَاة» وإسنادهما جيد. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» بِإِسْنَاد جيد (أَيْضا عَن ابْن الزبير) : «صف) الْقَدَمَيْنِ، وَوضع الْيَد عَلَى الْيَد من السُّنَّةِ» . الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر (و) أَخذ شِمَاله بِيَمِينِهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (وَاللَّفْظ لَهُ) من حَدِيث مُحَمَّد بن جحادة، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل بن حجر قَالَ: «كنتُ غُلاَمًا لَا أَعقل صَلَاة أبي فَحَدثني وَائِل بن عَلْقَمَة عَن وَائِل بن حجر قَالَ: صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَكَانَ إِذا دخل فِي الصَّفّ رفع يَدَيْهِ وَكبر، ثمَّ التحف فَأدْخل (يَده) فِي ثَوْبه فَأخذ شِمَاله بِيَمِينِهِ؛ فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع أخرج يَدَيْهِ ورفعهما وَكبر ثمَّ ركع، فَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفع يَدَيْهِ وَكبر فَسجدَ ثمَّ وضع وَجهه بَين كفيه» . قَالَ ابْن جحادة: «فذكرتُ ذَلِك لِلْحسنِ (بن أبي الْحسن) فَقَالَ: هِيَ صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعله من فعله (و) تَركه من تَركه» قَالَ ابْن حبَان: مُحَمَّد بن جحادة من الثِّقَات المُتْقنين وَأهل الْفضل فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 الدَّين، إِلَّا أَنه وهم فِي اسْم هَذَا الرجل؛ إِذْ الْجواد يعثر، فَقَالَ: وَائِل بن عَلْقَمَة، وَإِنَّمَا هُوَ عَلْقَمَة بن وَائِل. قلت: وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ عَن البُخَارِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن جحادة، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل (عَن) عَلْقَمَة بن وَائِل وَمولى لَهُم، عَن أَبِيه وَائِل بن حجر: «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رفع يَدَيْهِ حِين دخل فِي الصَّلَاة [كبر] وصف همام (حِيَال) أذُنيه، ثمَّ التحف بِثَوْبِهِ، ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرْكَع أخرج يَدَيْهِ من الثَّوْب ثمَّ رفعهما ثمَّ كبر فَرفع، فَلَمَّا قَالَ: سمع الله لمن حَمده، رفع يَدَيْهِ، فَلَمَّا سجد (سَجَدَ) بَين كَفَّيْهِ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عَلْقَمَة عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ قَائِما فِي الصَّلَاة قبض بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله» . وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي «صَحِيحه» عَن وَائِل قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى (يَده) الْيُسْرَى عَلَى صَدره» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة؛ قَرِيبا من الرُّسغِ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 الحَدِيث الثَّالِث عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ظهر كَفه الْيُسْرَى والرسغ والساعد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب محيلًا عَلَى حَدِيث قبَله رَوَاهُ وَائِل بن حجر فِي كَيْفيَّة وضع الْيَد فِي التَّشَهُّد يَأْتِي حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ (فَقَالَ: بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ) (فَقَالَ) فِيهِ: «ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ظهر الْيُسْرَى والرسغ والساعد» . وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَاصِم أَيْضا، قَالَ: حَدثنِي أبي أَن وَائِل بن حجر الْحَضْرَمِيّ أخبرهُ قَالَ: « [لأنظرن] إِلَى صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَيفَ يُصَلِّي فَنَظَرت إِلَيْهِ حِين قَامَ فَكبر، وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى أُذُنَيْهِ ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ظهر كَفه الْيُسْرَى والرسغ والساعد ... ) الحَدِيث. فَائِدَة: الرسغ هُوَ الْمفصل بَين الْكَفّ والساعد، وَهُوَ بالسِّين (أفْصح) من الصَّاد. تَنْبِيه: ذكر الرَّافعيُّ هُنَا عَن الْغَزالِيّ أَنه قَالَ: رُوِيَ فى بعض الْأَخْبَار «أَنه يُرْسل يَدَيْهِ إِذا كبر، وَإِذا أَرَادَ أَن يقْرَأ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 وَهَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي أَوَائِل الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْأَعْمَال الظَّاهِرَة من «الْإِحْيَاء» (ثمَّ) قَالَ: وَإِن صَحَّ هَذَا فَهُوَ أولَى. قلت: هَذَا الحديثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث معَاذ بن جبل قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ فِي صلَاته رفع يَدَيْهِ قبال أُذُنَيْهِ؛ فَإِذا كبَّر أرسلهما ثمَّ سكت (وَرُبمَا رَأَيْته يضع يَمِينه عَلَى يسَاره، فَإِذا فرغ من فَاتِحَة الْكتاب سكت) » ثمَّ ذكر حديثًَا طَويلا، وَفِي إِسْنَاده: الخصيب بن جحدر، وَقد كذبه شُعْبَة وَالْقطَّان، وَفِيه أَيْضا: مَحْبُوب بن الْحسن، ضعفه النَّسَائِيّ، وليَّنه أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَيْسَ (بِالْقَوِيّ) ووثَّقه ابْن معِين وَخرج لَهُ (خَ) مَقْرُونا بآخر (وَقَالَ) ابْن الصّلاح فِي «مُشكل الْوَسِيط» : لَطِيفَة (علقتها بنيسابور) مِمَّا علق عَن الْغَزالِيّ فِي (درس) وَهُوَ أَن حَالَة إرْسَال الْيَد بعد الْفَرَاغ من التَّكْبِير لَا يَنْبَغِي أَن يَفْعَله، ثمَّ يسْتَأْنف رفعهما إِلَى الصَّدْر؛ فَإِنِّي سَمِعت وَاحِدًا من الْمُحدثين يَقُول: الْخَبَر إِنَّمَا ورد بِأَنَّهُ يُرْسل يَدَيْهِ إِلَى صَدره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «التَّكْبِير جزم، وَالسَّلَام جزم» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ هَكَذَا مَرْفُوعا؛ وَإِنَّمَا أعرفهُ من قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: «التَّكْبِير جزم، وَالسَّلَام جزم» . (كَذَا) نَقله (عَنهُ) التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالْمُنْذِرِي فِي «مُخْتَصر السُّنن» قَالَ: «وَجزم» بِالْجِيم وَالزَّاي، وَرَوَى «حذم» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَمَعْنَاهُ: سريع. الخدم فِي اللِّسَان: السرعة، وَمِنْه: «إِذا أَقمت فاحذم» أَي: أسْرع. وَقَالَ المحبُّ الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» : مَعْنَى جزمهما أَنَّهُمَا لَا يمدان، وَلَا يعرب التَّكْبِير؛ بل يسكن آخِره. وَتبع فِي ذَلِك ابْن الْأَثِير؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «نهايته» : (أَرَادَ بِالْجَزْمِ أَنه لَا يمد وَلَا يعرب؛ بل يسكن) . قلت: وَورد حَدِيث بِمَعْنى الْقطعَة الثَّانِيَة قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بَاب مَا جَاءَ أَن حذف السَّلَام (سنة) (رُوِيَ) من حَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن (عَن الزُّهْرِيّ) عَن أبي سَلمَة، وَأبي هُرَيْرَة قَالَ: «حذف السَّلَام سُنَّة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قلتُ: وَقَول أبي هُرَيْرَة هَذَا يدْخل فِي الْمسند عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن أَحْمد وَأَبا دَاوُد وَالْحَاكِم (وَابْن السكن) أَخْرجُوهُ مَرْفُوعا صَرِيحًا من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ أَيْضا عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ (عَن أبي سَلمَة) عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «حذفُ السَّلَام سُنَّةٌ» . قَالَ الْحَاكِم هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم؛ فقد اسْتشْهد بِقُرَّةَ فِي موضِعين من كِتَابه. قَالَ: وَوَقفه ابْن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد - عَلَى مَا نَقله عَنهُ ابْن القطَّان -: إِن الْفرْيَابِيّ لما رَجَعَ من مكَّة ترك رَفعه. وَقَالَ: نهاني أَحْمد عَن رَفعه وَقَالَ (عِيسَى بن يُونُس الرَّمْلِيّ: نهاني ابْن الْمُبَارك عَن رَفعه) وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارقطنيُّ فَأجَاب فِي «علله» بِأَن وَقفه هُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : كَانَ الوقفُ تقصيرًا من بعض الروَاة. قلت: صورته صُورَة (مَوْقُوف) وَإِلَّا فَهُوَ يدْخل فِي الْمسند كَمَا سلف عَن أَكثر المحدِّثين. وأعلَّه ابْن القطَّان بقُرَّةَ، وَقَالَ: لَا يَصح مَوْقُوفا وَلَا مَرْفُوعا، وقرَّة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن حَيْوِيل بن نَاشِرَة الْمعَافِرِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 الْمصْرِيّ. قَالَ الأوزاعيُّ: مَا أحد أعلم بالزهري من قُرَّة. وَقَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة: (ضَعِيف) وَأُخْرَى: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: لم (أرَ لَهُ حَدِيثا) مُنْكرا، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَذكره مُسلم فِي «صَحِيحه» مَقْرُونا بِعَمْرو بن الْحَارِث، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَأخرج لَهُ فِي «صَحِيحه» حَدِيث «أحب عبَادي إِلَيّ أعجلهم فطرًا» ثمَّ قَالَ: هُوَ من ثِقَات مصر. فَائِدَة: حذفُ السَّلَام قيل إِنَّه الْإِسْرَاع بِهِ، قَالَ ابْن الْمُبَارك: (أَن) لَا يمده (مدًّا) نَقله عَنهُ الترمذيُّ. وَقيل: أَن لَا يكون فِيهِ «ورحمةُ الله» يَعْنِي: فِي الصَّلَاة، ويردُّهُ مَا جَاءَ مصرَّحًا بِهِ من زِيَادَة: «وَرَحْمَة ُ الله» كَمَا ستعلمه فِي مَوْضِعه. وَفِي «صِحَاح ابْن السَّكن» إِثْر هَذَا الحَدِيث؛ أَن الْأَوْزَاعِيّ سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: (مَعْنَاهُ) : إِذا سلم الإِمَام لم يصل السَّلام بجلوس حَتَّى يقوم (أَو) ينْصَرف. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ واستدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى الرَّاجِح فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَنه لَا يمدها؛ بِخِلَاف بَاقِي تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات، فَقَالَ: لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «التَّكْبِير جزم» (أَي) لَا يمد. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا دلَالَة فِيهِ إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 عَلَى تسكين آخِره؛ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوف فِي الْجَزْم، لكنه مُوَافق لما أسلفناه عَن الْمُحب الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي (تَفْسِيره) لَهُ. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعمران بن حُصيْن: صلِّ قَائِما؛ فَإِن لم تستطع فقاعدًا، فَإِن لم تستطع فعلَى جنب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البخاريُّ فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي أَوله: عَن عمرَان قَالَ: «كَانَت بِي بواسير فَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الصَّلَاة فَقَالَ: (صل) قَائِما ... » الحَدِيث، زَاد النَّسَائِيّ: «فَإِن لم تستطع فمستلق (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا» ) . وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه كَمَا سَاقه البُخَارِيّ، لكنه قَالَ: « (كَانَ) بِي الناصور ... » وَهُوَ هُوَ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ؛ إِنَّمَا أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا. قلت: (قد) أخرجه كَمَا (أخرجته) أَنْت سَوَاء. الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يقعي الرجل فِي صلَاته» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظ: «وَكَانَ ينْهَى عَن عقبَة الشَّيْطَان) وَهُوَ حَدِيث طَوِيل، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ. قَالَ الهرويُّ عَن أبي عبيد: (عقبَة) الشَّيْطَان هُوَ أَن يضع أليتيه عَلَى عَقِبَيْهِ بَين السَّجْدَتَيْنِ؛ وَهُوَ الَّذِي يَجعله بعض النَّاس الإقعاء. وَكَذَا قَالَه صَاحب «النِّهَايَة» قَالَ: وَقيل: هُوَ أَن يتْرك (عَقِبَيْهِ) غير مغسولين فِي الْوضُوء. ثَانِيهَا: من حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الإقعاء فِي الصَّلَاة» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَالرِّوَايَة فِي إِبَاحَة الإقعاء صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. فَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس الْآتِي. ثَالِثهَا: من حَدِيث عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا عَلّي، أحبُّ لَك مَا أحبُّ لنَفْسي، وأكره لَك مَا أَكْرَهُ لنَفْسي، لَا تُقْعِ بَين السَّجْدَتَيْنِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحَارِث عَنهُ ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه من حَدِيث عَلّي إِلَّا من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي. وَقد ضعف بعض أهل الْعلم الْحَارِث الْأَعْوَر. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أَكثر أهل الْعلم يكْرهُونَ الإقعاء. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا ابْن مَاجَه من هَذِه الطَّرِيق، وَلَفظه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 «لَا تقع بَين السَّجْدَتَيْنِ» . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى من حَدِيث عَلّي (وَأبي) مُوسَى «لَا تقع إقعاء الْكَلْب» وَفِي سَنَده مَعَ الْحَارِث: أَبُو نعيم وَأَبُو مَالك النخعيان؛ وَقد ضعفوهما. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَنه قَالَ: «لَا تقعوا إقعاء (الْكلاب) » . قلت: لَهُ طرق: أَحدهَا وَثَانِيها: من حَدِيث عَلّي وَأبي مُوسَى، وَقد تقدّمت أَيْضا. ثَالِثهَا: من حَدِيث الْعَلَاء أبي مُحَمَّد، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا رفعت رَأسك من السُّجُود فَلَا تُقْعِ كَمَا يقعي الْكَلْب، ضع أليتيك بَين قَدَمَيْك، وألزق ظَاهر قَدَمَيْك بِالْأَرْضِ» رَوَاهُ ابْن مَاجَه والْعَلَاء هَذَا هُوَ ابْن زيد الثَّقَفِيّ، مَتْرُوك؛ كَمَا قَالَه أَبُو دَاوُد وَغَيره. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: وضَّاع. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن أنس بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الإقعاء والتورُّك» . رَابِعهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهاني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن (نقرة) كنقر الديك، وإقعاء كإقعاء الْكَلْب، والتفات كالتفات الثَّعْلَب» . رَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: «القرد» بدل «الْكَلْب» وَفِي إِسْنَاده: لَيْث بن أبي سليم، وَقد علمت مَا فِيهِ فِي بَاب الْوضُوء، وَنقل النَّوَوِيّ فِي «الْخُلَاصَة» عَن الْحفاظ أَنهم قَالُوا: لَيْسَ فِي النَّهْي عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 الإقعاء حَدِيث صَحِيح إِلَّا حَدِيث عَائِشَة السَّابِق. قلت: وَبعده حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة كَمَا سلف عَلَى مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة من الْخلاف الشهير فِيهَا. وَأخرج ابْن السكن فِي «صحاحه» عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلام نهَى عَن السدل، والإقعاء فِي الصَّلَاة» وَعَن أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن التورُّك والإقعاء فِي الصَّلَاة» . وَهُوَ متساهل فِي هَذَا (التَّأْلِيف) . تَنْبِيه: صَحَّ عَن طَاوس أَنه قَالَ: «قلت لِابْنِ عَبَّاس فِي الإقعاء عَلَى الْقَدَمَيْنِ، قَالَ: هِيَ السُّنة. فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لنراه (جفَاء) بِالرجلِ! فَقَالَ: بل هِيَ سنة نبيك» . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا، وَقد ذكره الرافعيُّ فِي أثْنَاء الْبَاب، كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الأولَى يقْعد عَلَى أَطْرَاف أَصَابِعه وَيَقُول: إِنَّه من السّنة» . وَفِيه عَن ابْن عمر (أَيْضا) وَابْن عَبَّاس «أَنَّهُمَا كَانَا يقعيان» . وَفِيه عَن طَاوس: «رَأَيْت العبادلة يقعون» . وَفِي الْجمع بَين هَذَا وَبَين مَا سلف وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن أَحَادِيث الْإِبَاحَة مَنْسُوخَة بِأَحَادِيث النَّهْي. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَعَلَّ ابْن عَبَّاس لم يعلم مَا ورد من الْأَحَادِيث الناسخة الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَن الإقعاء. قَالَ الْخطابِيّ: وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 وَالثَّانِي: أَنه لَا نسخ فِي ذَلِك؛ وَإِنَّمَا الإقعاء ضَرْبَان: أَحدهمَا: أَن يضع (أليتيه) وَيَديه عَلَى الأَرْض وَينصب سَاقيه، وَهَذَا مَكْرُوه، وَهُوَ الَّذِي (وَردت) فِيهِ الْأَحَادِيث الأول. وَثَانِيهمَا: أَن يضع (أليتيه) عَلَى (عَقِبَيْهِ) وَتَكون ركبتاه فِي الأَرْض، و (هَذَا) هُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وفعلته العبادلة، وَنَصّ الشَّافِعِي فِي «الْبُوَيْطِيّ» و «الْإِمْلَاء» عَلَى اسْتِحْبَابه بَين السَّجْدَتَيْنِ فَهُوَ سنة والافتراش سنة، لَكِن الصَّحِيح أَن الافتراش أفضل مِنْهُ؛ لِكَثْرَة (الروَاة) لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أعونُ للْمُصَلِّي، وَأحسن فِي هَيْئَة الصَّلَاة (و) بِهَذَا الْوَجْه جمع بَين الْأَحَادِيث الْبَيْهَقِيّ، وَتَبعهُ ابْن الصّلاح ثمَّ النَّوَوِيّ (قَالَا) : وَقد غلط فِي هَذَا كَثِيرُونَ؛ لتوهمهم أَن الإقعاء نوع وَاحِد، وَأَن الْأَحَادِيث تَعَارَضَت فِيهِ حَتَّى توهم بعض (الْكِبَار) أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس مَنْسُوخ، وَهَذَا غلط فَاحش؛ فَإِنَّهُ لم يتَعَذَّر الْجمع وَلَا علم التَّارِيخ، فَكيف يثبت النّسخ؟ ! الحَدِيث السَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لما) صَلَّى جَالِسا تربَّع» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كلهم من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بأسانيد صَحِيحَة. قَالَ الْحَاكِم فِي موضِعين من «مُسْتَدْركه» فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أحدا رَوَاهُ غير أبي دَاوُد الْحَفرِي، وَهُوَ ثِقَة، وَلَا أَحسب هَذَا الحَدِيث إِلَّا (خَطًَا) . (قلت) : قد تَابعه مُحَمَّد بن سعيد الْأَصْبَهَانِيّ، كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . الحَدِيث الثَّامِن عشر (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يُصَلِّي الْمَرِيض قَائِما إِن اسْتَطَاعَ؛ فَإِن لم يسْتَطع صَلَّى قَاعِدا، فَإِن لم يسْتَطع أَن (يسْجد أَوْمَأ وَجعل سُجُوده أَخْفَضَ من رُكُوعه؛ فَإِن لم يسْتَطع أَن) يُصَلِّي قَاعِدا صلَّى عَلَى جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة، فَإِن لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي عَلَى جنبه الْأَيْمن صلَّى مُسْتَلْقِيا رجلَيْهِ مِمَّا يَلِي الْقبْلَة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِهَذَا (اللَّفْظ فى) حَدِيث الْحُسَيْن بن الحكم الْحِيرِي، ثَنَا (حسن) بن حُسَيْن العرني، نَا حُسَيْن بن (زيد) عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن الْحُسَيْن بن عَلّي، عَن عَلّي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... فَذكره، وَمِنْه نقلته، وَهُوَ (نَحْو) مَا فِي الرَّافِعِيّ، وَفِي الرَّافِعِيّ زِيَادَة عَلَيْهِ وَاخْتِلَاف (لَفظه) فَإِن فِيهِ «صَلَّى جَالِسا» بدل «قَاعِدا» وَهُوَ هُوَ، وَفِيه: «فَإِن لم يسْتَطع صَلَّى عَلَى (جنبه) الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَأَوْمَأَ بطرفه؛ فَإِن لم يسْتَطع صَلَّى عَلَى قَفاهُ مُسْتَلْقِيا، وَجعل رجلَيْهِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة» ثمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَجه الِاسْتِدْلَال أَنه قَالَ: «أَوْمَأ بطرفه» وَوَقع فِي رِوَايَة الشَّيْخ فِي «المهذَّب» ذكر الْإِيمَاء بعد ذكر الاستلقاء. والرافعي ذكره بعد (صلَاته) عَلَى جنب، وَسقط من رِوَايَة «الْمُهَذّب» ذكر «الْأَيْمن» . وَلَفظه: « (صَلَّى) عَلَى جنبه» وَبِالْجُمْلَةِ (فَالْحَدِيث) ضَعِيف؛ لاشتمال إِسْنَاده عَلَى ضعفاء ومجاهيل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 أحدهم: الْحُسَيْن بن الحكم، لَا يعرف لَهُ حَال، قَالَه ابْن الْقطَّان فِي «علله» . ثانيهم: (حسن) بن حُسَيْن العرني، قَالَ أَبُو حَاتِم: لم يكن يصدق عِنْدهم، كَانَ من رُؤَسَاء (جلساء) الشِّيعَة. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى أَحَادِيث مَنَاكِير، لَا يشبه حَدِيثه حَدِيث الثِّقَات. وَقَالَ ابْن حبَان يَأْتِي عَن الْأَثْبَات بالملزقات، ويروي المقلوبات. وَقد ضعفه عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِحُسَيْن هَذَا، وَقَالَ فِيهِ كمقالة أبي حَاتِم. ثالثهم: حُسَيْن بن (زيد) قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف لَهُ حَال. قلت: (بل) ضعفه ابْن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: تعرف وتنكر. وَقَالَ ابْن عدي: (وجدت) فِي حَدِيثه بعض النكرَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقد ضعفه غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين قَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِي إِسْنَاده نظر (وَقَالَ النَّوَوِيّ: حَدِيث ضَعِيف. وَزَاد فِي «شرح المهذَّب» عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ - بعد أَن رَوَاهُ -: فِيهِ نظر) وَلم أر (أَنا) هَذِه الزِّيَادَة فِي «سنَنه» نعم ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ فِي التَّرْجَمَة فَقَالَ: بَاب مَا رُوِيَ فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَى الْجنب أَو الاستلقاء: وَفِيه نظر. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : هَذَا حَدِيث مُنكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 فَائِدَة: أَوْمَأ - بِالْهَمْز - وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى الْإِيمَاء بالطرف الَّذِي خَالف (فِيهِ) أَبُو حنيفَة وَمَالك (وَقَالا) : لَا يُصَلِّي فِي هَذِه (الْحَالة) وَلَا يُومِئ بِعَيْنِه وَلَا بِقَلْبِه، وَهَذِه اللَّفْظَة لم (نرها) فِي الحَدِيث، وَبِتَقْدِير وجودهَا؛ فالإيماء بالطرف مَذْكُور فِي صلَاته عَلَى جنب (وَذكر) بعده أَنه يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا، وَلَيْسَ ذَلِك مَذْهَبنَا فَفِيهِ مُخَالفَة (لَهُ) . الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أَمرتكُم بأمرٍ فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي التَّيَمُّم، وَاعْلَم أَن هَذَا الْخَبَر استدلَّ بِهِ الْغَزالِيّ وإمامه لما نَحن فِيهِ، وقدح الرَّافِعِيّ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ بِأَن الْقعُود لَيْسَ من الْقيام، فَلَا يكون باستطاعته مستطيعًا بعض (الْمَأْمُور) بِهِ؛ لعدم دُخُوله فِيهِ، وَكَذَا القَوْل فِي الِاضْطِجَاع والإيماء وتحريك الْعين. وَأجَاب ابْن الصّلاح عَن قدح الرَّافِعِيّ بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ بالقعود لَيْسَ آتِيَا بِمَا استطاعه من الْقيام فَهُوَ آتٍ بِمَا استطاعه من الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا، فَالصَّلَاة بالقعود (أَو) الِاضْطِجَاع (أَو) الْإِيمَاء وَغَيره من الْأُمُور الْمَذْكُورَة - صَلَاة؛ لِأَنَّهَا تسمى صَلَاة فَيُقَال: صَلَّى كَذَا وَكَذَا، فَصلَاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 صَحِيحَة أَو فَاسِدَة، فَهَذِهِ الْمَذْكُورَات أَنْوَاع لجنس الصَّلَاة بَعْضهَا (أدنَى) من بعض؛ فَإِذا عجز عَن الْأَعْلَى (و) اسْتَطَاعَ الْأَدْنَى فَأَتَى بِهِ كَانَ آتِيَا (بالاستطاعة) من الصَّلَاة (وَالله أعلم بِالصَّوَابِ) . الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من صَلَّى قَائِما فَهُوَ أفضل، وَمن صَلَّى قَاعِدا فَلهُ (نصف) أجر الْقَائِم وَمن صلَّى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد» وَيروَى: «وَصَلَاة النَّائم عَلَى النّصْف من صَلَاة الْقَاعِد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن صَلَاة الرجل وَهُوَ قَاعد، فَقَالَ: من صَلَّى قَائِما ... » إِلَى قَوْله: «فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن صَلَاة الرجل قَاعِدا فَقَالَ: صلَاته قَائِما أفضل من صلَاته قَاعِدا، وَصلَاته قَاعِدا عَلَى النّصْف من صلَاته قَائِما، وَصلَاته نَائِما عَلَى النّصْف من صلَاته قَاعِدا» . فَائِدَة: المُرَاد بالنائم المضطجع يدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الحَدِيث السَّالف «فَإِن لم يسْتَطع فعلَى جنب» وَترْجم لَهُ النَّسَائِيّ بَاب صَلَاة النَّائِم، وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 بَعضهم: هُوَ تَصْحِيف وَإِنَّمَا هُوَ نَائِما؛ أَي: بِالْإِشَارَةِ كَمَا رُوِيَ صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى ظهر الدَّابَّة يُومِئ إِيمَاء، وَحمل الَّذِي قَالَ أَنه تَصْحِيف النّوم عَلَى ظَاهره، وَاسْتدلَّ بِأَمْر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمُصَلِّي إِذا غَلبه النّوم أَن يقطع الصَّلَاة، وَإِذا حمل عَلَى الِاضْطِجَاع كَمَا ذكره الْأَئِمَّة انْدفع مَا أَشَارَ إِلَيْهِ، ذكر هَذَا كُله الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه، قَالَ الْعلمَاء: والْحَدِيث الْمَذْكُور فِي صَلَاة النَّافِلَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الْقيام، فَأَما الفَرْضُ فَلَا يجوز قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة بِالْإِجْمَاع؛ فَإِن عجز لم ينقص ثَوَابه (و) لَا ينقص ثَوَاب فعل الْعَاجِز أَيْضا. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «فِي دُعَاء الاستفتاح» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ (عَنهُ) عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَنه كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: وجَّهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا (من) الْمُسلمين، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك، ظلمت نَفسِي وَاعْتَرَفت بذنبي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا [إِنَّه] لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، واهدني لأحسن الْأَخْلَاق لَا يهدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 لأحسنها إِلَّا أَنْت، واصرف عني سيئها، لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت، لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر كُله فِي يَديك، وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك، أَنا بك وَإِلَيْك، تَبَارَكت وَتَعَالَيْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. وَإِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي. وَإِذا رفع قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض [وملء مَا بَينهمَا] وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد. وَإِذا سجد قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، سجد وَجْهي للَّذي خلقه (وصوره) وشقَّ سَمعه وبصره، تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ. ثمَّ يكون من آخرهَا يَقُول بَين التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم: اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخَّرت، وَمَا أسررتُ وَمَا أعلنت (وَمَا أسرفت) وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت المقدِّم وَأَنت المؤخِّر. لَا إِلَه إِلَّا أَنْت» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر ثمَّ قَالَ: وجهت وَجْهي. وَقَالَ: وَأَنا [أول] الْمُسلمين (قَالَ) : وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: سمع الله لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد. وَقَالَ: وصوره فَأحْسن صوره. وَقَالَ: إِذا سلَّم (قَالَ) : اللَّهُمَّ اغْفِر (لي) مَا قدمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 .. إِلَى آخِره، وَلم يقل: بَين التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم» . وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: «وَإِذا فرغ من صلَاته وسلَّم قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي ... » فَذكره، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» بعد «حَنِيفا» ، «مُسلما» وَقَالَ فِي أَوله: «كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : قَالَ الشَّافِعِي عقب هَذَا الحَدِيث: وَبِهَذَا أَقُول (وآمر) وَأحب أَن يَأْتِي بِهِ كَمَا يرْوَى عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يُغَادر مِنْهُ شَيْئا، وَيجْعَل مَكَان «وَأَنا أول الْمُسلمين» : «وَأَنا من الْمُسلمين» ، لِأَن « (وَأَنا) أول الْمُسلمين» لَا تصلح لغير رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَبِذَلِك أَمر مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر وَجَمَاعَة من (فُقَهَاء) الْمَدِينَة. (تَنْبِيهَانِ:) الأول: ذكر الرَّافِعِيّ أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول بعد «حَنِيفا» : «مُسلما» وَقد عَلمته وَبعد: «لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك ... » (وَبعده) «فالخير كُله (بيديك) » : «وَالْمهْدِي من هديت» . وَقد رَوَاهُ كَذَلِك الشَّافِعِي فِي السّنَن المأثورة عَنهُ عَن مُسلم بن خَالِد وَعبد الْمجِيد بن أبي رواد قَالَا: ثَنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي مُوسَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 بن عقبَة، عَن عبد الله بن الْفضل، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن عبيد بن أبي رَافع، عَن عَلّي ... فَذكره سَوَاء، إِلَّا أَنه: قَالَ: «حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين» وَهُوَ فِي الْمسند بِلَفْظ: «وَالْمهْدِي من هديت» وَزَاد بعد ذَلِك قَوْله: «وَأَنا أول الْمُسلمين» (شَككت) أَن أحدهم قَالَ: «وَأَنا من الْمُسلمين، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إِلَّا (أَنْت) سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك أَنْت رَبِّي» وَجزم فِي (رِوَايَته) فِي الْأُم بِرِوَايَة «وَأَنا أول الْمُسلمين» وَفِيه: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك» وَفِيه: « (وأعترف) بذنبي» وَفِيه «وَلَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت» وَفِيه «لَا ملْجأ وَلَا منْجَى مِنْك إِلَّا إِلَيْك» وَفِيه: «أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك» (وَفِي) وَرِوَايَة «الْأُم» الَّتِي ذَكرنَاهَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَرِوَايَة الْمسند من حَدِيث عَلّي. وَجَاءَت أَحَادِيث أخر فِي الاستفتاح - بسبحانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك - مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن حُسَيْن بن عِيسَى، (نَا) طلق بن غَنَّام، نَا عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن بُدَيل بن ميسرَة، عَن أبي الجوزاء، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك» . قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بالمشهور عَن عبد السَّلَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 بن حَرْب، لم يروه إِلَّا طلق بن غنَّام، وَقد رَوَى قصَّة الصَّلَاة جمَاعَة غير وَاحِد، عَن بديل بن ميسرَة لم يذكرُوا فِيهِ شَيْئا من هَذَا. قلت: طلق بن غَنَّام أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَعبد السَّلَام بن حَرْب وثَّقه أَبُو حَاتِم وَأخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَكَذَا من فَوْقه إِلَى عَائِشَة؛ لَا جرم قَالَ الْحَافِظ عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي: مَا علمت فِي هَذَا الْإِسْنَاد مجروحًا. قلت: لكنه مُرْسل فَإِنَّهُ من رِوَايَة أبي الجوزاء، عَن عَائِشَة، وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث أَنه مُرْسل مَعَ مَا فِيهِ من الْبَحْث، وَأما الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن رَوَاهُ فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا ثمَّ قَالَ: وَقد صحَّت الروايةُ فِيهِ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الخطَّاب أَنه كَانَ (يَقُوله) وَكَذَا قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» أَنه صَحَّ عَن عمر أَنه كَانَ (يَقُوله) وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَنهُ أَنه كَانَ يجْهر بهَا. الثَّانِي: لما ذكر الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث قَالَ: وَذكر بعض الْأَصْحَاب أَن السُّنة فِي دُعَاء الاستفتاح أَن يَقُول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ... » إِلَى آخِره، ثمَّ يَقُول: «وجهت وَجْهي ... » إِلَى آخِره، جمعا بَين الْأَخْبَار انْتَهَى، وَقد عرفت ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 الحَدِيث الثَّاني بعد الْعشْرين عَن جُبيرِ بن مُطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتعوَّذ (قبل) الْقِرَاءَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي (سُنَنهمَا) ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن رجل، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه قَالَ: «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي التَّطَوُّع: الله أكبر كَبِيرا - ثَلَاث مَرَّات - وَالْحَمْد لله كثيرا - ثَلَاث مَرَّات - وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا - ثَلَاث مَرَّات - اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه. قلت: يَا رَسُول الله، مَا همزه ونفخه ونفثه؟ قَالَ: أما همزه فالموتةُ الَّتِي تَأْخُذ ابْن آدم، وَأما نفخه الْكبر، ونفثه الشّعْر» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن مرّة أَيْضا، عَن عَاصِم الْعَنزي - أَو عباد بن عَاصِم، أَو عمار بن عَاصِم - أَقْوَال فِيهِ (وَلَعَلَّه) الرجل الْمُبْهم فِي (سَنَد) أَحْمد. فَالْأول: قَالَه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 وَالثَّانِي: ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» . وَالثَّالِث: الْبَزَّار عَن ابْن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه: «أَنه رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يصلى صَلَاة) قَالَ عَمْرو: لَا أَدْرِي أَي صَلَاة هِيَ. قَالَ: (الله أكبر الله أكبر كَبِيرا، الله أكبر كَبِيرا، الله أكبر كَبِيرا) وَالْحَمْد لله كثيرا، سُبْحَانَ الله بكرَة وَأَصِيلا - (ثَلَاثًا) - أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من نفخه ونفثه وهمزه» . قَالَ عَمْرو: نفثه: الشّعْر، ونفخه: الْكبر، وهمزه: الموتة. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن رجل، عَن ابْن جُبَير، عَن أَبِيه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي التَّطَوُّع ... » وَذكر نَحوه، وَهَذِه طَريقَة أَحْمد كَمَا (قدمتها) وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه كَرِوَايَة أبي دَاوُد الأولَى سَوَاءً. (وَرَوَاهُ) ابْن حبَان من طَرِيقين بِسَنَد أبي دَاوُد الأول: أَحدهمَا: لَفظه فِيهِ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا دخل فى الصَّلَاة قَالَ: الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا - ثَلَاثًا - وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا - ثَلَاثًا - أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه» ثمَّ ذكر تَفْسِير ذَلِك عَن عَمْرو كَمَا تقدم. الثَّانِي: عَن جُبَير قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا (افْتتح) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 الصَّلَاة قَالَ: (اللَّهُمَّ) إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان من همزه ونفخه ونفثه» ثمَّ ذكر تَفْسِير ذَلِك كَمَا فِي الَّذِي قبله. والموتة: تَعْنِي الْجُنُون. والنفث: كل مَا نفخ الرجل من فِيهِ من غير أَن يخرج رِيقه. وَالْكبر: التيه. وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِسَنَد الْجَمَاعَة وَلَفظه: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: الله أكبر كَبِيرا، وَالْحَمْد لله كثيرا، وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا - ثَلَاث مَرَّات - اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَذكره ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من طَرِيق سمي فِيهِ ابْن جُبَير بِنَافِع. قلت: وَقد أسلفنا ذَلِك عَن (رِوَايَة) أَحْمد. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» : حَدِيث جُبَير هَذَا اخْتلف فِي إِسْنَاده، فَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن عَمْرو بن (مرّة) عَن عَاصِم الْعَنزي، عَن ابْن جُبَير (بن مطعم) عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ (حُصَيْن) بن عبد الرَّحْمَن (عَن) عَمْرو بن مرّة، فَقَالَ: عَن عباد بن عَاصِم (عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه: وَعَاصِم الْعَنزي وَعباد بن عَاصِم) مَجْهُولَانِ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 نَدْرِي من هما، وَلَا نعلم الصَّحِيح مَا رَوَى حُصَيْن أَو شُعْبَة. قلت: عَاصِم الْعَنزي موثَّق، ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَذكر الحَدِيث وَالِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ عَن غير جُبَير بن مطعم «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتَعَوَّذ قبل الْقِرَاءَة» . قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ورد ذَلِك من عدَّة طرق: إِحْدَاهَا: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ كبر ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك. ثمَّ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله - ثَلَاثًا - ثمَّ يَقُول: الله أكبر (كَبِيرا) - ثَلَاثًا - ثمَّ يَقُول: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه» . رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَرُبمَا يزِيد بَعضهم عَلَى بعض. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث أشهر حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، وَقد تكلم فِي إِسْنَاده، كَانَ يَحْيَى بن سعيد يتَكَلَّم فِي عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - وَقَالَ أَحْمد: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح. قلت: فَلم أخرجته فِي «مسندك» وشرطك فِيهِ الصِّحَّة كَمَا رَوَاهُ عَنْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 (الْحَافِظ) أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ، وَقد سَأَلَك حَرْب الْكرْمَانِي عَن عَلّي بن عَلّي، فَقلت: لم يكن بِهِ بَأْس، وَسَيَأْتِي عَنهُ أَنه صَالح أَيْضا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: النَّاس يَقُولُونَ: هُوَ عَن عَلّي بن عَلّي، عَن الْحسن. وَالوهم من جَعْفَر - يَعْنِي: ابْن سُلَيْمَان الضبعِي - الرَّاوِي عَن عَلّي (بن عَلّي) الرِّفَاعِي، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» وَأعله بقول أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ. قلت: وَعلي هَذَا وَثَّقَهُ وَكِيع وَأَبُو نعيم وَابْن معِين وجماعات. قَالَ ابْن سعد [ثَنَا] الْفضل بن دُكَيْن وَعَفَّان قَالَا: كَانَ عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي يشبه بِالنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ (الإِمَام أَحْمد: هُوَ صَالح. قيل: كَانَ يشبه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ) كَذَا يُقَال. وَقَالَ مُحَمَّد (بن عبد الله) بن عمار: كَانَ عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي زَعَمُوا أَنه كَانَ يُصَلِّي كل يَوْم سِتّمائَة رَكْعَة، وَكَانَ تشبه عينه - بِعَين النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَ رجلا عابدًا (ثِقَة) وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِهِ بَأْس، لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» : أما مَا يفْتَتح بِهِ الْعَامَّة صلَاتهم بخراسان من قَوْلهم: سُبْحَانَكَ الله وَبِحَمْدِك، تبَارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك) فَلَا نعلم فِي هَذَا خَبرا ثَابتا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ، وَأحسن إِسْنَاد نعلمهُ رُوِيَ فِي هَذَا خبر أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ... فَذكره كَمَا تقدم عَن أَصْحَاب السّنَن وَغَيرهم. ثمَّ قَالَ: هَذَا الْخَبَر لم نسْمع فِي الدُّنْيَا عَالما فِي قديم الدَّهْر وَحَدِيثه اسْتَعْملهُ عَلَى وَجهه، وَلَا سمعنَا عَالما وَلَا حُكيَ لنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 عَمَّن شَاهد من الْعلمَاء أَنه كَانَ يكبر لافتتاح الصَّلَاة ثَلَاثًا ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ... إِلَى قَوْله [و] لَا إِلَه غَيْرك ثَلَاثًا، ثمَّ يهلل ثَلَاثًا، ثمَّ يكبر ثَلَاثًا. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم وهمزه ونفخه ونفثه. قَالَ: همزه: الموتة، ونفخه: الشّعْر، ونفثه: الْكبر» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» هَكَذَا من حَدِيث ابْن فُضَيْل، نَا عَطاء بن السَّائب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن ابْن مَسْعُود (بِهِ) وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل فِي الصَّلَاة يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم ونفخه وهمزه ونفثه. قَالَ: فهمزه: الموتة، ونفخه: الشّعْر، ونفثه: الْكبر» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقد اسْتشْهد البُخَارِيّ بعطاء بن السَّائِب. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (أَيْضا) بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل فِي الصَّلَاة ... » الحَدِيث. قَالَ عَطاء: فهمزه الموتة. وَذكر بَاقِيه. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك ... » إِلَى آخِره. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة كبر ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله ثَلَاث مَرَّات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 (سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ثَلَاث مَرَّات) وقَالَ: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه» . رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث يعْلى بن عَطاء، عَن رجل أَنه سمع أَبَا أُمَامَة يَقُول ... فَذكره. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن شيخ من أهل دمشق أَنه سمع أَبَا أُمَامَة ... فَذكره. قَالَ الرَّافِعِيّ و (قد) ورد الْخَبَر بِأَن صِيغَة التَّعَوُّذ: «أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم» . قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفنا ذَلِك مَعَ غَيره أَيْضا، ثمَّ ادَّعَى الرَّافِعِيّ أَنه اشْتهر من فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التَّعَوُّذ فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَلم يشْتَهر فِي سَائِر الرَّكْعَات. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صَلَاة (لمن) لم يقْرَأ (فِيهَا) بِفَاتِحَة الْكتاب» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى (صِحَّته) أَخْرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهما: «بِأم الْقُرْآن» وَفِي رِوَايَة لمُسلم مُنْفَردا بهَا (فَصَاعِدا) . قَالَ البُخَارِيّ فِي كِتَابه «وجوب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام» : لم يُتَابع معمرًا عَلَيْهَا، وَهِي غير مَعْرُوفَة. قَالَ: وَيُقَال إِن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق تَابعه، وَأَن عبد الرَّحْمَن رُبمَا رَوَى عَن الزُّهْرِيّ وَأدْخل بَينه وَبَين الزُّهْرِيّ غَيره، وَلَا نعلم أَن هَذَا من صَحِيح حَدِيثه أم لَا. وَفِي رِوَايَة للدارقطني: بِإِسْنَاد لَا شكّ وَلَا مرية فِي صِحَّته: «لَا تُجزئ صَلَاة لَا يقْرَأ الرجل فِيهَا بِأم الْقُرْآن» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن، وَرِجَاله كلهم ثِقَات. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة. قَالَ ابْن الصّلاح: وَإِن تفرد بِهَذِهِ اللَّفْظَة شُعْبَة ثمَّ عَنهُ وهب بن جرير فَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة لما عرف. وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث أَشهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 بن عبد الْعَزِيز، نَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن شهَاب، عَن مَحْمُود بن الرّبيع، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أم الْقُرْآن عوض من غَيرهَا، وَلَيْسَ غَيرهَا مِنْهَا بعوض» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: قد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاج هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ من أوجه مُخْتَلفَة بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، ورواة هَذَا الحَدِيث أَكْثَرهم أَئِمَّة وَكلهمْ ثِقَات عَلَى شَرطهمَا. قَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث (شَوَاهِد) بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة لم يخرجَاهُ وأسانيدها مُسْتَقِيمَة. ثمَّ ذكرهَا (بأسانيده) . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - انْصَرف من صَلَاة جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: هَل قَرَأَ معي أحد (مِنْكُم) فَقَالَ رجل: نعم يَا رَسُول الله. فَقَالَ: مَا لي أنازع (الْقُرْآن) ؟ ! فَانْتَهَى النَّاس عَن الْقِرَاءَة فِيمَا يجْهر فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي وَمَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَأحمد فِي «الْمسند» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم (بن حبَان) فِي صَحِيحه من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن ابْن أكيمَة - بِضَم الْألف وَفتح الْكَاف - عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الحميديُّ - شيخ البُخَارِيّ -: هَذَا الحَدِيث فِيهِ رجل مَجْهُول لم يرو عَنهُ (غَيره) قطّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ ابْن أكيمَة، وَهُوَ مَجْهُول، لم يحدث إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث وَحده (وَلم يحدث عَنهُ غير الزُّهْرِيّ) وَلم يكن عِنْد الزُّهْرِيّ من مَعْرفَته أَكثر من أَن رَآهُ يحدث سعيد بن الْمسيب. ثمَّ نقل كَلَام الْحميدِي السالف. وَكَذَا قَالَ فِي (مَعْرفَته) : إِن هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ ابْن أكيمَة، وَهُوَ مَجْهُول. قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي اسْمه؛ فَقيل: عمَارَة، وَقيل: عمار، وَكَذَا نصَّ فِي «خلافياته» عَلَى أَنه مَجْهُول. وَاعْترض الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» : قَول الْبَيْهَقِيّ: إِن ابْن أكيمَة رجل مَجْهُول، وَلم يحدث إِلَّا بِهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 الحَدِيث وَحده، وَأَنه لم يحدث عَنهُ غير الزُّهْرِيّ. لَيْسَ كَذَلِك؛ فقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: صَحِيح الحَدِيث وَحَدِيثه مَقْبُول. قَالَ: وَحكي عَن أبي حَاتِم البستي أَنه قَالَ: رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَسَعِيد بن أبي هِلَال وَابْن (ابْنه) عَمْرو بن مُسلم بن عمار بن أكيمَة بن عَمْرو. قلت: (و) هُوَ كَمَا قَالَ من عدم جهالته، وَعدم تفرد الزُّهْرِيّ عَنهُ. قَالَ ابْن معِين: رَوَى عَنهُ مُحَمَّد بن عَمْرو وَغَيره. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: هُوَ (خولاني) يروي عَن أبي هُرَيْرَة واسْمه: عَمْرو بن مُسلم بن عمار بن أكيمَة رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَأَخُوهُ عمر بن مُسلم بن (عمار) يروي عَن سعيد بن الْمسيب، (وَسَعِيد بن أبي هِلَال، وَمُحَمّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة رَوَى عَنهُ مَالك وَقَالَ: عَمْرو بن مُسلم إِنَّمَا هُوَ عمر بن مُسلم لَا عَمْرو. لِأَن مَالِكًا لم [يدْرك] عَمرًا) وَقَالَ فِي «صَحِيحه» بعد إِخْرَاجه هَذَا الحَدِيث: اسْم ابْن أكيمَة هَذَا. عَمْرو بن مُسلم (بن عمار بن أكيمَة، وهما أَخَوان عَمْرو بن مُسلم وَعمر بن مُسلم) فَأَما عَمْرو فَهُوَ تَابِعِيّ سمع أَبَا هُرَيْرَة: وَسمع عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 الزُّهْرِيّ، وَأما عمر فَهُوَ من أَتبَاع التَّابِعين سمع سعيد بن الْمسيب. وَرَوَى (عَنهُ) مَالك وَمُحَمّد بن عَمْرو (وهما ثقتان) . وَفِي «التَّمْهِيد» كَانَ ابْن أكيمَة يحدث فِي مجْلِس سعيد بن الْمسيب وَهُوَ (يصغى) إِلَى حَدِيثه، وبحديثه [أَخذ] وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى جلالته عِنْدهم وثقته. قلت: فقد زالتْ (عَنهُ) الْجَهَالَة العينية والحالية بِرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ وتوثيق أبي حَاتِم بن حبَان إِيَّاه، وَإِخْرَاج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وَتَصْحِيح أبي حَاتِم (الرَّازِيّ) حَدِيثه وَأَنه مَقْبُول، وتحسين التِّرْمِذِيّ لَهُ، وسكوت أبي دَاوُد عَنهُ فَهُوَ حسن كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ، بل (هُوَ) صَحِيح كَمَا قَالَه ابْن حبَان، وَتفرد ابْن أكيمَة بِهِ لَا يُخرجهُ عَن كَونه (صَحِيحا) لما علم من أَنه لَا يضر تفرد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ، كَيفَ وَقد أخرجه إِمَام دَار الْهِجْرَة فِي (موطئِهِ) مَعَ مَا علم من تشديده وتحرِّيه فِي الرِّجَال، وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد: (مَالك إِذا رَوَى) عَن رجل لَا يعرف فَهُوَ حجَّة. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: كَانَ مَالك (لَا يبلغ) من الحَدِيث إِلَّا صَحِيحا و (لَا يحدث) إِلَّا عَن (ثِقَات) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 وروينا عَن بشر بن عمر الزهْرَانِي قَالَ: سَأَلت مَالِكًا عَن رجل قَالَ: هَل رَأَيْته فِي كتبي؟ قلت: لَا، قَالَ: لَو كَانَ ثِقَة لرأيته فِي كتبي. فَهَذَا تَصْرِيح من هَذَا الإِمَام (بِأَن) كل من رَوَى عَنهُ فِي موطئِهِ يكون ثِقَة. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: تبع الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث المهذَّب» الْبَيْهَقِيّ فِي مقَالَته السَّالفة، وَقد علمت مَا فِيهَا، وَبَالغ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» فَقَالَ: اتَّفقُوا عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن ابْن أكيمَة مَجْهُول. قَالَ: وَأنكر الْأَئِمَّة عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه. هَذَا كَلَامه؛ وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ. ثَانِيهَا: تحصلنا فِيمَا مَضَى فِي اسْم (ابْن) أكيمَة عَلَى أَقْوَال: أَحدهَا: عمَارَة. وَثَانِيها: عمار. وَثَالِثهَا: عمر. وَقد ذكر الأول التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» مقدما الأول، وَفِيه أَقْوَال أخر: أَحدهَا: عَامر. ثَانِيهَا: يزِيد. ثَالِثهَا: عباد. حكاهن الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» وَقَالَ: وكنيته: أَبُو الْوَلِيد. رَابِعهَا: عمر، حَكَاهُ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» وَقد سلف أَيْضا. ثَالِثهَا: قَوْله: «فَانْتَهَى النَّاس عَن الْقِرَاءَة ... » إِلَى آخِره، لَيْسَ من كَلَام سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام (الزُّهْرِيّ) مدرج فِي الحَدِيث؛ لذَلِك أطبق الْحفاظ عَلَيْهِ كَمَا بَينه الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل» قَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 سَمِعت مُحَمَّد بن يَحْيَى بن فَارس يَقُول: قَوْله: «فَانْتَهَى النَّاس» من كَلَام الزُّهْرِيّ. (قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَا قَالَه البُخَارِيّ فِي «التَّارِيخ» قَالَ: هَذَا الْكَلَام من قَول الزُّهْرِيّ) وَكَذَا قَالَه مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي شيخ البُخَارِيّ وَإِمَام أهل نيسابور، والخطابي، وَابْن حبَان وَغَيرهم. وَاتفقَ هَؤُلَاءِ كلهم عَلَى أَن هَذِه اللَّفْظَة مدرجة فِي الحَدِيث من كَلَام الزُّهْرِيّ وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ بَينهم. رَابِعهَا: رَوَى أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابيه: «السّنَن» و «الْمعرفَة» من رِوَايَة عبد الله ابْن بُحَيْنَة بِنَحْوِ رِوَايَة ابْن أكيمَة عَن أبي هُرَيْرَة ثمَّ رَوَى عَن الْحَافِظ يَعْقُوب بن سُفْيَان أَنه قَالَ: هَذَا خطأ لَا شكّ فِيهِ وَلَا ارتياب (وَالله الْمُوفق) . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن عبَادَة بن الصَّامت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِي صَلَاة الْفجْر) فَثقلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة، فَلَمَّا فرغ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تقرءون خَلْفي؟ قُلْنَا: نعم. قَالَ: لَا تَفعلُوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بهَا» . هَذَا الحَدِيث جَيِّد رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أحمدُ فِي «مُسْنده» ، والبخاريُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 فِي كتاب «الْقِرَاءَة خلف الإِمَام» محتجًّا بِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن، وَرِجَاله ثِقَات. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِسْنَاده جيد لَا مطْعن فِيهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده مُسْتَقِيم. فَإِن قلت فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَقد قَالَ عَن مَكْحُول وَابْن إِسْحَاق: مُدَلّس كَمَا (أسلفناه) فَكيف يكون حسنا؟ ! فَالْجَوَاب أَن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حبَان رووا بأسانيدهم عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي مَكْحُول ... الحَدِيث. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ (فِي سنَنه) : هَذَا الْإِسْنَاد حسن. فَزَالَ ذَلِك - وَللَّه الْحَمد (و) فِي بعض رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 بعض الصَّلَاة الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: لَا يقْرَأن أحد مِنْكُم إِذا جهرت بِالْقِرَاءَةِ إِلَّا بِأم الْقُرْآن» قَالَ الْبَيْهَقِيّ (عقب) هَذِه الرِّوَايَة: والْحَدِيث صَحِيح عَن عبَادَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (و) لَهُ شَوَاهِد ذكرهَا. وَفِي رِوَايَة (لَهُ و) لأبي دَاوُد وَغَيرهمَا بعد قَوْله: «لَعَلَّكُمْ تقرءون خَلْفي؟ قُلْنَا: أجل يَا رَسُول الله نَفْعل هَذَا ... » وَفِي رِوَايَة للدَّار قطني: «نهذه هذًّا (و) ندرسه درسًا ... » - والهذُّ بتَشْديد الذَّال وتنوينها - قَالَ الخطَّابي وَغَيره: هُوَ سرعَة وَشدَّة الاستعجال فِي الْقِرَاءَة. وَقيل: المُرَاد بالهذ (هُنَا) : الْجَهْر، وَتَقْدِيره: نهذه هذًّا. تَنْبِيه: طعن ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» فِي هَذَا الحَدِيث بِابْن إِسْحَاق، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ فَإِنَّهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث كَمَا أسلفناه، وَقد احْتج بِهِ هُوَ فِي (مَوَاضِع أخر) ؛ ثمَّ طعن فِيهِ أَيْضا بِأَن قَالَ: مَكْحُول ضَعِيف. وَلَيْسَ بجيد أَيْضا؛ فَإِنَّهُ ثِقَة، رَوَى لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» و «الْأَرْبَعَة» وَإِن ضعفه ابْن سعد؛ وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» لأجل ذَلِك فَقَالَ: ذكر مُحَمَّد بن سعد عَن جمَاعَة من الْعلمَاء أَنهم قَالُوا: كَانَ ضَعِيفا فِي الرِّوَايَة. وَمَا ذكره ابْن سعد معَارض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 بِأَن جمَاعَة وثَّقوه، وَهُوَ من رجال الصَّحِيح كَمَا قَرَّرْنَاهُ، ثمَّ ذكره ابْن الْجَوْزِيّ بِسَنَد آخر، وَأعله بزيد بن وَاقد وَقَالَ: قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة (الرَّازِيّ) : إِنَّه لَيْسَ بِشَيْء. ثمَّ قَالَ: عَلَى أَنه وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَهَذَا وهم مِنْهُ؛ فزيد هَذَا صَاحب مَكْحُول، وَثَّقَهُ الإِمَام أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين ودحيم وَالْعجلِي وَابْن حبَان، وَرَوَى لَهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ومقالة أبي زرْعَة إِنَّمَا هِيَ فِي (زيد) بن وَاقد (السَّمْتِي) الْبَصْرِيّ، نزيل الرّيّ. وَوهم أَيْضا فِي نَقله عَن الدَّارَقُطْنِيّ تَوْثِيق هَذَا؛ إِنَّمَا وثق (الشَّامي) وَأما هَذَا فوثقه أَبُو حَاتِم؛ فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب فِي كل رَكْعَة» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ، لَا يحضرني من خرَّجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَعَزاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» إِلَى رِوَايَة أَصْحَابهم الْفُقَهَاء فَقَالَ: رَوَى أَصْحَابنَا من حَدِيث عبَادَة وَأبي سعيد قَالَا: «أمرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نَقْرَأ الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة» قَالَ: وَرووا أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ (الْفَاتِحَة) فِي كل رَكْعَة» قَالَ: وَمَا عرفت هذَيْن الْحَدِيثين. قلت: (وعزاهما) بعض الْحفاظ من الْحَنَابِلَة مُحَرر هَذَا الْكتاب إِلَى رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن (سعيد) الشالنجي قَالَ: وَالْآخر رُوِيَ من حَدِيث أبي سعيد. قلت: وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث أبي سُفْيَان السَّعْدِيّ، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِالْحَمْد وَسورَة فِي فَرِيضَة أَو غَيرهَا» . وَإِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ سُوَيْد بن سعيد الحَدَثَاني، وَأَبُو سُفْيَان السَّعْدِيّ وهما مَتْرُوكَانِ (وعيب) عَلَى مُسلم إِخْرَاج حَدِيث الأول، وَرَوَى أَبُو يعْلى الْموصِلِي، عَن زُهَيْر، نَا عبد الصَّمد، نَا همام، نَا قَتَادَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد: «أمرنَا (نَبِي الله) (أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَا تيَسّر» . وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، عَن عبد الصَّمد، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 عَفَّان، عَن همام، (وَعنهُ «بِفَاتِحَة الْكتاب» ) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن همام. وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد فِي «مُسْنده» (وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن أبي يعْلى الْموصِلِي، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: يرويهِ قَتَادَة وَأَبُو سُفْيَان السَّعْدِيّ عَن أبي نَضرة مَرْفُوعا [وَوَقفه أَبُو مسلمة] عَن أبي نَضرة، كَذَلِك قَالَ أَصْحَاب شُعْبَة عَنهُ) وَرَوَاهُ (زنبقة) ، عَن عُثْمَان [بن] عمر، عَن شُعْبَة، عَن أبي (مسلمة) مَرْفُوعا، وَلَا يَصح رَفعه عَن شُعْبَة. قلت: ويغني فِي الدّلَالَة عَلَى قِرَاءَة (الْفَاتِحَة) فِي كلِّ رَكْعَة عَن هَذِه الْأَحَادِيث الحديثُ الثَّابِت فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن مَالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 بن الْحُوَيْرِث، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقد ثَبت أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب فِي كل الرَّكْعَات، وَقد جَاءَ ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث؛ مِنْهَا حَدِيث أبي قَتَادَة الثَّابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب (وسورتين، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأم الْكتاب) » . ويستدل لذَلِك أَيْضا بِحَدِيث (النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) للمسيء صلَاته؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام علَّمه وَاجِبَات الصَّلَاة، فَقَالَ لَهُ: «إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر، ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن ... » إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا» . متَّفق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة للبيهقي بِإِسْنَاد صَحِيح: «ثمَّ افْعَل (ذَلِك فِي كل رَكْعَة)) وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَابْن حبَان «ثمَّ اقْرَأ بِأم الْقُرْآن ... » إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ اصْنَع ذَلِك فِي كل رَكْعَة» وَهَذِه رِوَايَة جليلة؛ فاستفدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 الحَدِيث السابعُ بعد الْعشْرين «أَنه صلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فَاتِحَة الْكتاب، فَقَرَأَ: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (وعدها آيَة» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» هَكَذَا بِغَيْر إِسْنَاد، وأسنده الْبُوَيْطِيّ فَقَالَ: أَخْبرنِي غير وَاحِد، عَن حَفْص بن غياث، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا قَرَأَ أم الْقُرْآن بَدَأَ ب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (، يعدها آيَة، ثمَّ قَرَأَ (الْحَمد لله ربّ الْعَالمين (يعدها سِتّ آيَات» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا، ثَنَا عباد بن يَعْقُوب، نَا عمر بن هَارُون. ح ونا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، نَا إِبْرَاهِيم بن هَانِئ، نَا مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَصْبَهَانِيّ، نَا عمر بن هَارُون الْبَلْخِي، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم * الْحَمد لله رب الْعَالمين * الرَّحْمَن الرَّحِيم * مَالك يَوْم الدَّين * إياك نعْبد وإيَّاك نستعين * اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم * صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين) قطعهَا آيَة آيَة، وعدها عد الْأَعْرَاب، وعد (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (آيَة، وَلم يعد: عَلَيْهِم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 وَهَذَا حَدِيث سَائِر رُوَاته (ثِقَات) ، الْبَغَوِيّ مَعْرُوف، وَابْن هَانِئ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: ثِقَة صَدُوق. وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ. وَعمر بن هَارُون (وثق وَترك، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب الْأَخْذ من اللِّحْيَة: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول: عمر بن هَارُون) مقارب الحَدِيث وَبَاقِي الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: إِسْنَاده كلهم ثِقَات، وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح. قلت: وَأخرجه ابنُ خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة عَن أبي بكر بن إِسْحَاق الصغاني، نَا خَالِد بن خِدَاش، نَا عمر بن هَارُون. وَرَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني، قَالَ: وَأَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد بن زِيَاد الْعدْل، نَا ابْن خُزَيْمَة، ثَنَا أَبُو بكر بن إِسْحَاق الصغاني، نَا خَالِد بن خِدَاش، ثَنَا عمر بن هَارُون عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة: «أَنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ فِي الصَّلَاة (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (- يعدها آيَة - (الْحَمد لله رب الْعَالمين (آيَتَيْنِ (الرَّحْمَن الرَّحِيم (ثَلَاث آيَات (مَالك يَوْم الدَّين ( الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 أَربع آيَات، وَقَالَ: هَكَذَا (إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين (وَجمع خمس أَصَابِعه» . قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي - الْمَعْرُوف بِأبي (شامة) -: لما وقف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى هَذِه المقاطع أخبر عَنهُ (أَنه) عد كل مقطع آيَة، وَأما الَّذِي عد أَصَابِعه فَهُوَ بعض الروَاة حِين حدث بِهَذَا الحَدِيث فعل ذَلِك زِيَادَة فِي الْبَيَان قَالَ: وَفِي عمر بن هَارُون هَذَا كَلَام لبَعض الْحفاظ، إِلَّا أَن حَدِيثه أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَقَالَ الْحَاكِم: (عمر) بن هَارُون أصل فِي السّنة، وَلم يخرجَاهُ. قلت: وَلم يتفرد بِهِ؛ بل تَابعه حَفْص بن غياث كَمَا أسلفناه عَن رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح: أخرج هَذَا الحَدِيث ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَاحْتج بِهِ فِي الْمَسْأَلَة، وَإِن كَانَ (عمر) بن هَارُون لَيْسَ بِالْقَوِيّ؛ فقد تَابعه عَلَيْهِ غَيره. ثمَّ ذكر رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا شَاهد للْحَدِيث الصَّحِيح عَلَى شَرطهمَا، عَن أم سَلمَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم * الْحَمد لله رب الْعَالمين (يقطعهما حرفا حرفا» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا - أَعنِي: الْحَاكِم - عَن أم سَلمَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يقطع قِرَاءَته) (بِسم الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 الرَّحْمَن الرَّحِيم * الْحَمد لله رب الْعَالمين * الرَّحْمَن الرَّحِيم * مَالك يَوْم الدَّين» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : إِسْنَاده صَحِيح وَرُوَاته ثِقَات. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم أَيْضا فِي أَوَائِل بَاب (قراءات) رَسُول «عَن أم سَلمَة) أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقطع قِرَاءَته آيَة آيَة آيَة (الْحَمد لله رب الْعَالمين «ثمَّ يقف) (الرَّحْمَن الرَّحِيم (ثمَّ يقف» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وأعل الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث بالانقطاع؛ فَقَالَ فِي كِتَابه «الرَّد عَلَى الْكَرَابِيسِي» : لم يسمع ابْن أبي مليكَة هَذَا الحَدِيث من أم سَلمَة، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِمَا أسْندهُ من حَدِيث اللَّيْث، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن يعْلى بن (مملك) «أَنه سَأَلَ أم سَلمَة عَن قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فنعتت لَهُ قِرَاءَة مفسرة حرفا حرفا» وَهَذَا لَا يدل لمدعاة؛ إِذْ يحْتَمل أَن يكون عِنْد ابْن أبي مليكَة (لَهُ) طَرِيقَانِ، وَيُقَوِّي هَذَا تَصْحِيح من مَضَى لَهُ من طَرِيقه عَن أم سَلمَة، وَقد ذكر التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الطَّحَاوِيّ فِي أَبْوَاب الْقِرَاءَة، وَقَالَ فِيهِ: (غَرِيب حسن صَحِيح) قَالَ: وَقد رَوَى ابْن جريج هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 الحَدِيث، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة، وَالْأول أصح، وَهَذَا من التِّرْمِذِيّ نقيض لصِحَّة الأول أَيْضا. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قَرَأْتُمْ فَاتِحَة الْكتاب فاقرءوا: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (؛ فَإِنَّهَا أم الْقُرْآن والسبع المثاني، و (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (إِحْدَى آياتها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن يَحْيَى بن مُحَمَّد بن صاعد، وَمُحَمّد بن أبي مخلد قَالَا: نَا جَعْفَر بن مكرم، نَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، نَا عبد الحميد بن جَعْفَر، أَخْبرنِي نوح بن أبي بِلَال، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد [لله] فاقرءوا: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني و (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (إِحْدَى آياتها» . قَالَ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ: ثمَّ لقِيت (نوحًا) فَحَدثني عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مثله (وَلم يرفعهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ) : ونا أَبُو طَالب الْحَافِظ، نَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم [ثَنَا جدي] ، نَا أَبُو أويس، عَن الْعَلَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ وَهُوَ يؤم النَّاس افْتتح ب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: هِيَ آيَة من كتاب (الله) اقْرَءُوا إِن شِئْتُم فَاتِحَة الْكتاب؛ فَإِنَّهَا الْآيَة السَّابِعَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ (إِذا) أم النَّاس قَرَأَ: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (، لم يزدْ عَلَى هَذَا) يَعْنِي (رَاوِيه) . قلت: وَسَائِر رُواة هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه ثِقَات، جَعْفَر بن (مكرم) قَالَ ابْن أبي حَاتِم: صَدُوق. وَأَبُو بكر الْحَنَفِيّ هُوَ عبد الْكَبِير بن عبد الْمجِيد ثِقَة من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَعبد الحميد بن جَعْفَر من رجال «مُسلم» ووثَّقه ابْن معِين وَابْن سعد. وَقَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. ونوح بن أبي بِلَال وثَّقه أَحْمد وَيَحْيَى وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ (والمقبري) من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَقَالَ أَحْمد: وَلَيْسَ بِهِ بَأْس. فَلم يبْق إلاَّ (تردد) نوح بن أبي بِلَال وَوَقفه إِيَّاه أخيرًا، لَكِن قد تقرر أَنه ثِقَة، والراوي الثِّقَة قد يُرْسل الحَدِيث وَقد ينشط فيرفعه. (لَا جَرَمَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عقب الرِّوَايَة الأولَى: رجال إِسْنَاده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 كلهم ثِقَات. نَقله عَنهُ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَلم أره فِي «سنَنه» فِيمَا وقفت عَلَيْهِ من نسخه، وَلَعَلَّه قَالَهَا فِي (مُصَنفه) فِي الْجَهْر أَو (فِي) غَيره، وَأما رد ابْن الْقطَّان لَهُ بالتردد السالف (فَلم) يسلم لَهُ، وَكَذَا رد ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» لَهُ بِعَبْد الحميد، وَوَقع فِي «وسيط» الإِمَام الْغَزالِيّ أَن البُخَارِيّ رَوَى «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عد (فَاتِحَة) الْكتاب سبع آيَات، وعد (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (آيَة مِنْهَا» وَهُوَ وهم مِنْهُ فَلَيْسَ ذَلِك فِي «صَحِيحه» وَلَا «تَارِيخه» وَتبع فِي ذَلِك شَيْخه الإِمَام؛ فَإِنَّهُ ذكره (كَذَلِك) فِي «نهايته» [وَلَعَلَّه] أَرَادَ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، فَسبق الْقَلَم إِلَى البُخَارِيّ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يعرف فصل (السورتين) حَتَّى تنزل (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور: أَبُو دَاوُد فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: هَذَا (حَدِيث) صَحِيح عَلَى شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا جَاءَهُ جِبْرِيل فَقَرَأَ: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (علم أَنَّهَا سُورَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ نظر؛ فَإِن فِيهِ المثنَّى بن الصَّباح، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ أَحْمد: لَا يُسَاوِي شَيْئا، هُوَ مُضْطَرب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك (الحَدِيث) وَضَعفه يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَفِي رِوَايَة (لَهُ) عَن ابْن عَبَّاس؛ قَالَ: «كَانَ الْمُسلمُونَ لَا يعلمُونَ انْقِضَاء (السُّورَة) حَتَّى تنزل: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (؛ فَإِذا (نزلت) (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (، علمُوا أَن السُّورَة قد انْقَضتْ» (ثمَّ) قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرطهمَا، وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سُورَة تشفع (لقائلها) ، وَهِي ثَلَاثُونَ آيَة (أَلا) وَهِي تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: «تستغفر لصَاحِبهَا حَتَّى [يغْفر] (لَهُ) » . وَلَفظ أَحْمد: «إِن سُورَة من الْقُرْآن ثَلَاثُونَ آيَة شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ، وَهِي (تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك) » . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَذكره البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» من رِوَايَة عَبَّاس الجُشَمي، عَن أبي هُرَيْرَة؛ كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَمن ذكر مَعَه، وَقَالَ: لم يذكر سَمَاعه من أبي هُرَيْرَة. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: يُرِيد أَنَّ (عبَّاسًا) الجُشَمي رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة، وَلم يذكر فِيهِ أَنه سَمعه مِنْهُ. قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي « (أكبر معاجمه» ) من حَدِيث ثَابت عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رسولُ الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 (: «سُورَة من الْقُرْآن مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة (خَاصَمت) عَن صَاحبهَا حَتَّى أدخلته الْجنَّة، وَهِي سُورَة تبَارك» (ثمَّ) قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن ثَابت الْبنانِيّ إِلَّا سَلام بن مِسْكين. قلت: هُوَ أحد ثِقَات الْبَصرِيين، من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» لكنه يُرْمَى بِالْقدرِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ يذهب إِلَيْهِ. الحَدِيث الْحَادِي و (الثَّانِي وَالثَّالِث بعد) الثَّلَاثِينَ عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: « (صليت خلف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَأبي بكر وَعمر، فَكَانُوا يجهرون بالبسملة» وَعَن عَلّي وَابْن عَبَّاس: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجْهر بهَا فِي الصَّلَاة بَين السورتين» . الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة مخرَّجة فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . أما الأول: وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ عَن: عمر بن الْحسن بن عَلّي الشَّيْبَانِيّ، نَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن مَرْوَان، نَا أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن عِيسَى، نَا ابْن أبي فديك، عَن (ابْن) أبي ذِئْب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «صلَّيْتُ خلف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأبي بكر وَعمر؛ فَكَانُوا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» . عمر بن الْحسن شيخ الدَّارَقُطْنِيّ وثَّقه بَعضهم وَتكلم فِيهِ آخَرُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 وجعفر بن مُحَمَّد بن مَرْوَان قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يحتجُّ بحَديثه. وَأَبُو الطَّاهِر بن عِيسَى قَالَ ابْن أبي حَاتِم: هُوَ ابْن مُحَمَّد بن عمر بن [عَلّي بن] أبي طَالب الْعلوِي، رَوَى عَن ابْن أبي فديك، رَوَى عَنهُ أَبُو يُونُس الْمدنِي [قَالَ] الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَّاب. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) مستشهدًا بِهِ عَن أبي بكر (البردعي) ، نَا أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن عمرَان القَاضِي، نَا أَبُو جَابر سيف (بن) عَمْرو، نَا مُحَمَّد بن أبي السّري، أَنا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، نَا مَالك، عَن [حميد] عَن أنس قَالَ: «صلَّيت خلف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَخلف أبي بكر وَخلف عمر وَخلف عُثْمَان [وَخلف عَلّي] فَكَانُوا كلهم يجهرون بِقِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» . وَأما الثَّانِي: وَهُوَ حَدِيث عَلّي فَرَوَاهُ أَيْضا - (أَعنِي) الدَّارَقُطْنِيّ - عَن أبي الْقَاسِم الْبَزَّاز، نَا الْقَاسِم بن الْحسن الزبيدِيّ، نَا أسيد بن [زيد] ، نَا عَمْرو بن شمر، عَن جَابر، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 أبي الطُّفَيْل، عَن عَلّي وعمار: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» . عَمْرو هَذَا واه. ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن [الحكم] بن ظهير، نَا مُحَمَّد بن حسان الْعَبْدي، عَن جَابر، عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: سَمِعت عَلّي بن أبي طَالب وَعمَّارًا يَقُولَانِ: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» . الحكم هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَأما [الثَّالِث وَهُوَ] حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ أَيْضا [أَعنِي] الدَّارَقُطْنِيّ - كَمَا سَيَأْتِي - وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه) بعد أَن بوَّب: مَا جَاءَ فِي الْجَهْر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من حَدِيث أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ، نَا الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد، عَن أبي خَالِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفْتَتح صلَاته بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 قلت: أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ ثِقَة حُجَّة، احتجَّ بِهِ مُسلم، وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ. والمعتمر بن سُلَيْمَان: لَا يسْأَل عَنهُ، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَة. وَإِسْمَاعِيل بن حَمَّاد: صَدُوق وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. نعم، قَالَ الْأَزْدِيّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فَادَّعَى أَن (رَاوِيه) حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَقَالَ: كذبه ابْن معِين. وَإِنَّمَا هُوَ (إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان) كَمَا (علمت) وَقد صرح بذلك أَيْضا ابْن عدي فِي «كَامِله» ، والعقيلي فِي «ضُعَفَائِهِ» . وَبَقِي الشَّأن فِي أبي خَالِد هَذَا [فَقيل] : إِنَّه (الْوَالِبِي) الْكُوفِي، واسْمه هُرْمُز وَقيل: هرم. قَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي الكنى: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي من هُوَ لَا أعرفهُ. وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي الْأَسْمَاء تَرْجَمَة أبي خَالِد الْوَالِبِي، وَسَماهُ هُرْمُز (وَقَالَ) الْعقيلِيّ فِي إِسْمَاعِيل: حَدِيثه غير مَحْفُوظ ويحكيه، عَن مَجْهُول، ثمَّ سَاق الحَدِيث. وَسَاقه ابْن عدي كَذَلِك، ثمَّ سَاقه من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 حَدِيث إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد، عَن عمرَان بن أبي خَالِد، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا يرويهِ غير مُعْتَمر، وَهُوَ غير مَحْفُوظ، سَوَاء (قَالَ) عَن أبي خَالِد [أَو] عَن عمرَان (بن) أبي خَالِد جَمِيعًا [مَجْهُولَانِ] . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث أبي الصَّلْت الْهَرَوِيّ، عَن عباد بن الْعَوام، عَن شريك، وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن حسان، عَن شريك، عَن سَالم، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يجْهر فِي الصَّلَاة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج البُخَارِيّ بسالم هَذَا وَهُوَ ابْن عجلَان الْأَفْطَس. وَاحْتج مُسلم بِشريك. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَلَيْسَ لَهُ عِلّة وَلم يخرجَاهُ. قلت: هما مَعْذُوران فِي عدم تَخْرِيجه؛ فَإِن عبد الله الْمَذْكُور كذبه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَنسبه عَلّي بن الْمَدِينِيّ إِلَى الْوَضع، وَالْعجب كَيفَ خَفِي حَاله عَلَى هَذَا الْحَافِظ الْكَبِير. وَأَبُو الصَّلْت الَّذِي فِي سَنَد الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك، وَقد رَوَاهُ ابْن رَاهَوَيْه فِي «مُسْنده» عَن (يَحْيَى) بن آدم، أَنا شريك، عَن سَالم الْأَفْطَس، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يمدُّ بهَا صَوته» وَرَوَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق مُعْتَمر أَيْضا كَمَا سلف، وَمن طَرِيق أَحْمد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حَمْزَة قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه قَالَ: «صَلَّى بِنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي الْمغرب، فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. قَالَ: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن جدِّه، عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. قَالَ: قلت (فآثره) عَنْك؟ قَالَ: نعم» . وَمن طَرِيق جَعْفَر بن عبسة بن عَمْرو الْكُوفِي، نَا عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ، وَلَا يعرفان كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان. نعم الثَّانِي ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يزل يجْهر فِي السورتين بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حَتَّى قبض» وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَقَبله أَبُو أُسَامَة الْمَقْدِسِي فِي مصنَّفه فِي الْجَهْر (بالبسملة) عَن الدَّارَقُطْنِيّ (أَنه) قَالَ فِي طَرِيق مُعْتَمر وَأحمد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حَمْزَة: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، لَيْسَ فِي رُوَاته مَجْرُوح. وَفِي الْبَاب أَحَادِيث صَحِيحه صَرِيحَة لَيْسَ لأحد فِيهَا مطْعن، قَالَ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه الْمَعْرُوف (فِي الْبَسْمَلَة) وَهُوَ كتاب نَفِيس جدًّا: اعْلَم أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْجَهْر كَثِيرَة مُتعَدِّدَة عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 جماعةٍ من الصَّحَابَة يرتقي عَددهمْ إِلَى أحد وَعشْرين صحابيًّا رووا ذَلِك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُم من صرح بذلك، وَمِنْهُم من فهم (من) عِبَارَته، وَلم يَرِدْ تصريحُ الْإِسْرَار بهَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: عَن ابْن (مُغفل) وَهِي ضَعِيفَة، وَالثَّانيَِة: عَن أنس، وَهِي معللة (بِمَا أوجب) سُقُوط الِاحْتِجَاج بهَا. وَمِنْهُم من اسْتدلَّ بِحَدِيث: «قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ» وَلَا دَلِيل فِيهِ للإسرار. وَأما أَحَادِيث الْجَهْر فالحجة قَائِمَة بِمَا شهد لَهُ بِالصِّحَّةِ مِنْهَا؛ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن سِتَّة من الصَّحَابَة: أبي هُرَيْرَة، وَأم سَلمَة، وَابْن عَبَّاس، وَأنس، وَعلي بن أبي طَالب، وَسمرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. ثمَّ ذكر ذَلِك بِطرقِهِ وَقد كنتُ كتبتُ هُنَا مِنْهُ أوراقًا بِزِيَادَات عَلَيْهِ وأحلتُ فِي شرحي للمنهاج عَلَيْهِ، وَرَأَيْت الْآن (حذف) ذَلِك هُنَا مسارعة إِلَى إِكْمَال هَذِه المبيَّضة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ أهم، وليراجع من أَرَادَ ذَلِك من الْكتاب الْمَذْكُور لأبي شامة الْحَافِظ رَحِمَهُ اللَّهُ. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يوالي فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَقَالَ: صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . أما كَونه « (كَانَ يوالي فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة» فَهُوَ أشهر من أَن يذكر لَهُ دَلِيل، وأوضح من أَن يحْتَاج إِلَى برهَان وتعليل، وَأما قَوْله: «صلوا كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فسلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَذَان، وَذكر الرَّافِعِيّ هُنَا حَدِيث «لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب» . وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ، وَذكر أَيْضا أَنه ندب إِلَى أَن يُؤمن (الْمَأْمُون) مَعَ إِمَامه (وَأَنه) إِذا قَرَأَ آيَة رَحْمَة سَأَلَهَا الْمَأْمُوم، أَو آيَة عَذَاب استعاذ مِنْهُ، وَالْفَتْح عَلَى الإِمَام، وَالْحَمْد عِنْد العطاس مَنْدُوب إِلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة، وَهَذَا لَا يلْزَمنِي تَخْرِيجه، وَفِيه أَحَادِيث منتشرة لَو تبرعت بذكرها [لطال] وَصَارَ (شرحًا) . الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فَليَتَوَضَّأ كَمَا أمره الله - تَعَالَى - فَإِن كَانَ لَا يحسن شَيْئا من الْقُرْآن فليحمد الله (وليكبره) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث رِفَاعَة بن رَافع - كَمَا أسلفنا بِلَفْظِهِ فِي الحَدِيث السَّادِس من الْبَاب - وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (أَيْضا) كَمَا أسلفناه هُنَاكَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: «إِنَّهَا لَا تتمّ صَلَاة أحدكُم حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره الله - تَعَالَى - يغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين، وَيمْسَح رَأسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يكبر ويحمد الله ويمجده وَيقْرَأ من الْقُرْآن مَا أذن الله لَهُ فِيهِ، ثمَّ يكبر فيركع ... » الحَدِيث بِطُولِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم بعد أَن أَقَامَ يَحْيَى بن همام إِسْنَاده؛ فَإِنَّهُ حَافظ ثِقَة، وَلم يخرجَاهُ (بِهَذِهِ السِّيَاقَة، إِنَّمَا اتفقَا) مِنْهُ عَلَى حَدِيث المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَقد رَوَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا الحَدِيث فِي «تَارِيخه الْكَبِير» عَن حجاج بن منهال وَحكم لَهُ بحفظه، ثمَّ قَالَ: (لم يقمه) حَمَّاد بن سَلمَة. قَالَ الْحَاكِم: وَقد أَقَامَ هَذَا الْإِسْنَاد دَاوُد بن قيس الْفراء، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار، وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن أبي كثير، ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده (وَنَازع) الْبَيْهَقِيّ الْحَاكِم فِي قَوْله «إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ» فَقَالَ فِي «خلافياته» : عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، (وَأَبوهُ) من شَرط البُخَارِيّ فَقَط. (و) قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى (الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه) «معرفَة الصَّحَابَة» : اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ: عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن عجلَان، عَن عَلّي بن يَحْيَى بن عبد الله بن خَلاد، عَن أَبِيه، عَن جده. وَقَالَ عبد الْجَبَّار: (عَن ابْن عُيَيْنَة) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 عَن ابْن عجلَان، عَن رجلٍ من الْأَنْصَار، عَن أَبِيه، عَن جده. قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور بِرِوَايَة ابْن رِفَاعَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الصَّحِيح عَن عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد، عَن أَبِيه، عَن عَمه رِفَاعَة. وَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا فعلِّمني مَا يجزئني فِي صَلَاتي. فَقَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي خَالِد الدالاني، عَن (إِبْرَاهِيم) السكْسكِي، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا، فعلمني مَا يجزئني مِنْهُ. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. قَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا لله، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَعَافنِي واهدني وارزقني. فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما هَذَا فقد مَلأ يَدَيْهِ من الْخَيْر» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) كَذَلِك إِلَّا أَنه لم يقل (مِنْهُ) بعد «مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 يجزئني» ، وَزَاد: «اغْفِر لي» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الفَضْل بن مُوسَى، نَا مسعر، عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن ابْن أبي أَوْفَى إِلَى قَوْله: «إِلَّا بِاللَّه» . وَقَالَ: «إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ شَيْئا من الْقُرْآن فعلمني شَيْئا يجزئني من الْقُرْآن» بدل مَا ذكره. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِهَذَا السَّنَد بِلَفْظ «ذكر أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ شَيْئا من الْقُرْآن» . وَفِي لفظ «عَلمنِي شَيْئا يجزئني من الْقُرْآن فَإِنِّي لَا أَقرَأ. فَقَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله (وَلَا إِلَه إِلَّا الله) وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه (الْعلي الْعَظِيم)) . ثمَّ ذكر الْبَاقِي بِنَحْوِ رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي [خَالِد] الدالاني، عَن إِبْرَاهِيم - قَالَ: وَلَيْسَ (بالنخعي - عَن عبد الله) بن أبي أَوْفَى (أَن رجلا) جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أتعلم الْقُرْآن فَمَا يجزئني فِي صَلَاتي؟ فَقَالَ: تَقول: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَالله أكبر، وَلَا إِلَه إِلَّا الله ... » . ثمَّ ذكر الحَدِيث كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد إِلَّا أَن فِيهِ بعد «فقد مَلأ يَدَيْهِ من الْخَيْر» : «وَقبض كفيه» . وَهَذِه مُطَابقَة لرِوَايَة الرَّافِعِيّ «مَا يجزئني فِي صَلَاتي ... » . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 ثمَّ رَوَاهُ أَيْضا من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة بِلَفْظ «فعلمني مَا يجزئني مِنْهُ قَالَ: قل: بِسم الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. قَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا لله فَمَا لي ... » ثمَّ ذكر نَحوه. وَرَوَاهُ ابْن الْجَارُود فِي (الْمُنْتَقَى) من حَدِيث سُفْيَان، عَن مسعر، عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن ابْن أبي أَوْفَى «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، عَلمنِي شَيْئا يجزئني عَن الْقُرْآن قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر» . قَالَ سُفْيَان: زَاد يزِيد أَبُو خَالِد الوَاسِطِيّ «قَالَ الرجل: هَذَا لرَبي، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني واهدني وَعَافنِي. قَالَ الرجل: أَربع لرَبي وَأَرْبع لي» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث جَعْفَر بن عون وسُفْيَان، عَن مسعر، عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عَلمنِي شَيْئا يجزئني من الْقُرْآن فَإِنِّي لَا أَقرَأ. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ: فضم عَلَيْهَا الرجل بِيَدِهِ وَقَالَ: (هَذَا لرَبي، فَمَا لي؟) قَالَ: قل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني واهدني وارزقني وَعَافنِي. قَالَ: فضم عَلَيْهَا بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَقَامَ» . زَاد جَعْفَر بن عون فِي حَدِيثه: «قَالَ مسعر: كنت عِنْد إِبْرَاهِيم وَهُوَ يحدث بِهَذَا الحَدِيث (فاستثبته) من غَيره» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِبْرَاهِيم هَذَا من فرسَان البُخَارِيّ احْتج بِهِ فِي «صَحِيحه» وَإِن كَانَ الْحَاكِم ذكره فِي «مدخله» فِي بَاب من أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَذكر بِشَيْء (من) الْجرْح، ثمَّ غفل فَذكره فِي بَاب من اتفقَا عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن عدي: لم أجد لَهُ حَدِيثا مُنكر الْمَتْن وَهُوَ إِلَى الصدْق أقرب (مِنْهُ) إِلَى غَيره. وَلينه شُعْبَة وَالنَّسَائِيّ، وَضَعفه أَحْمد لكنه لم يُفَسر سَبَب ضعفه. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : ضعفه قوم فَلم يَأْتُوا بِحجَّة، وَهُوَ ثِقَة. قلتُ: وصحَّحه مَعَ الْحَاكِم أَبُو حَاتِم (بن حبَان) فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مسعر، عَن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِني لَا أحسن من الْقُرْآن شَيْئا فعلمني شَيْئا يجزئني مِنْهُ. فَقَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. قَالَ: هَذَا لرَبي، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وارزقني وَعَافنِي» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان (عَن مسعر بن كدام) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 وَيزِيد أَبُو خَالِد، عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل السكْسكِي، عَن ابْن أبي أَوْفَى «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، علِّمني شَيْئا يجزئني عَن الْقُرْآن. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر» . قَالَ سُفْيَان: أرَاهُ قَالَ: «وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه» . قَالَ أَبُو حَاتِم: يزِيد أَبُو خَالِد هُوَ (ابْن) عبد الرَّحْمَن الدالاني أَبُو خَالِد. قلت: وتابع الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي الْحَاكِم فِي كَونه عَلَى شَرط البُخَارِيّ، فَذكره فِي آخر «اقتراحه» فِي الْقسم الْخَامِس فِي ذكر أَحَادِيث رَوَاهَا قوم خرج عَنْهُم البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) وَلم يخرج عَنْهُم مُسلم أَو خرج عَنْهُم مَعَ الاقتران بِالْغَيْر، وَأما قَول النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ د (س) من رِوَايَة إِبْرَاهِيم السكْسكِي وَهُوَ ضَعِيف، وإدخاله إِيَّاه فِي فصل الضَّعِيف من «خلاصته» فَلَيْسَ بجيد مِنْهُ. عَلَى أَن إِبْرَاهِيم هَذَا لم ينْفَرد بِهِ فقد رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق أُخْرَى بِدُونِهِ، عَن [الْحُسَيْن] بن إِسْحَاق الْأَصْبَهَانِيّ، نَا أَبُو أُميَّة، نَا الْفضل بن موفق، نَا مَالك بن مغول، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 أَسْتَطِيع [أَن] أتعلم الْقُرْآن، فعلمني مَا يجزئني من الْقُرْآن. قَالَ: قل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ: هَذَا لله، فَمَا لي؟ قَالَ: قل: رب اغْفِر لي وارحمني، واهدني، وَعَافنِي، وارزقني. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد مَلأ يَدَيْهِ خيرا» . وَرَوَاهُ أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، عَن أبي عوَانَة، عَن أبي أُميَّة بِهِ، لَكِن الْفضل بن الْمُوفق ضعفه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَقَالَ: كَانَ شَيخا صَالحا، وَكَانَ يروي أَحَادِيث مَوْضُوعَة. وَأَبُو أُميَّة هُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم كَمَا وَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ حَافظ ثِقَة، لَكِن قَالَ الْحَاكِم: كثير الْوَهم. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صليت خلف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين. وَمد بهَا صَوته» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار، نَا يَحْيَى بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَا: نَا سُفْيَان، عَن ابْن كهيل، عَن حُجرِ (بن) عَنْبَس، عَن وَائِل بن حجر قَالَ: «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين (فَقَالَ: آمين. وَمد بهَا صَوته» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 وَهَذَا حَدِيث رُوَاته كلهم ثِقَات، حجر بن عَنْبَس كنيته: أَبُو العنبس، وَيُقَال: أَبُو السكن، كُوفِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم يسمع من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا، كَمَا نَقله ابْن أبي حَاتِم فِي (مراسيله) عَن أَبِيه. وَفِي «مُعْجم الْبَغَوِيّ» : لَيْسَ لَهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير «أَن الصّديق وَعمر خطبا فَاطِمَة فَقَالَ: (هِيَ) لَك يَا عَلّي» وَلَا أَحْسبهُ سَمعه من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقَالَ الصغاني: فِي (صحبته) نظر. (و) قَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ يشرب الدَّم فِي الْجَاهِلِيَّة، وَشهد مَعَ عَلّي الْجمل وصفين. قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ شيخ كُوفِي ثِقَة مَشْهُور. وَقَالَ الْخَطِيب: كَانَ ثِقَة، احْتج بحَديثه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة. وَهَذَا يرد قَول ابْن الْقطَّان فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» أَنه مَسْتُور لَا يعرف لَهُ حَال. وَبَاقِي رُوَاته من فرسَان الصَّحِيح. لَا جرم أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. كَمَا نَقله عَنهُ ابْن الْقطَّان فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» : هَذَا حَدِيث حسن ثَابت. قلت: وتصحف عَلَى ابْن حزم حجر بن عَنْبَس السالف بِحجر بن قيس (فَذكر الحَدِيث من جِهَته ثمَّ شرع ابْن عبد الْحق يرد عَلَى ابْن حزم [حَيْثُ] صَححهُ (قيس بن حجر) هَذَا مَجْهُول الْحَال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 وَهَذَا عَجِيب مِنْهُمَا فالمذكور فِي هَذَا الحَدِيث (إِنَّمَا) هُوَ حجر بن عَنْبَس، وَحجر بن قيس لم يرو عَن وَائِل بن حجر، فَتنبه لذَلِك. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن كثير، أَنا سُفْيَان، عَن سَلمَة، عَن حجر أبي العنبس الْحَضْرَمِيّ، عَن وَائِل بن حجر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَرَأَ (وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين. وَرفع بهَا صَوته» . وَهَذَا أَيْضا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات (أَئِمَّة) من فرسَان الصَّحِيح إِلَّا حجرا فَإِنَّهُ ثِقَة كَمَا أسلفته لَك. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من (طرق) عَن سُفْيَان، عَن سَلمَة، عَن حجر، عَن وَائِل بِلَفْظ «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَرَأَ (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين (يمد) بهَا صَوته» . وبلفظ «أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفع صَوته بآمين إِذا قَرَأَ (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين وبلفظ «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين (فَقَالَ: آمين. وَمد بهَا صَوته» . ثمَّ قَالَ - أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ -: قَالَ أَبُو بكر: (هَذِه) سنة تفرد بهَا أهل الْكُوفَة. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهَذِه أَحَادِيث صِحَاح. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَنا وهب بن جرير وَعبد الصَّمد قَالَا: نَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 شُعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: سَمِعت حجرا أَبَا العنبس يَقُول: حَدثنِي عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن وَائِل بن حجر أَنه [صَلَّى مَعَ رَسُول الله] (قَالَ: «فَوضع الْيَد الْيُمْنَى عَلَى الْيَد الْيُسْرَى فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين (وَسلم) عَن يَمِينه وَعَن يسَاره» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر (المدحض) قَول من زعم أَن هَذِه السُّنة لَيست بصحيحة لمُخَالفَة الثَّوْريّ شُعْبَة فِي اللَّفْظَة الَّتِي ذَكرنَاهَا، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَمَا سَيَأْتِي، وَرِوَايَة ابْن حبَان هَذِه رَوَاهَا أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن خَالِد بن مخلد، نَا ابْن نمير، نَا عَلّي بن صَالح، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجر بن عَنْبَس، عَن وَائِل بن حجر «أَنه صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فجهر بآمين وَسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله حَتَّى رَأَيْت (بَيَاض) خَدّه» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي حَدِيث أبي بكر بن عَيَّاش، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: «صليت (مَعَ) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا الضَّالّين (قَالَ آمين. فسمعناها فِيهِ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي أنيسَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: «صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا الضَّالّين (. قَالَ: آمين. مد بهَا صَوته» . ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث الْحجَّاج، عَن (عبد الْجَبَّار) بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْجد عَلَى أَنفه مَعَ جَبهته، وسمعته يَقُول: آمين. يمد بهَا صَوته» وَاعْلَم (أَنه) جَاءَ فِي رِوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث «وخفض بهَا صَوته» بدل (مد) وَهِي خلاف مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر والأحفظ، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : وَرَوَى شُعْبَة هَذَا الحَدِيث، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجر أبي العنبس، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن أَبِيه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين) فَقَالَ: آمين. وخفض بهَا صَوته» . قَالَ: وَسمعت مُحَمَّدًا يَقُول: حَدِيث سُفْيَان أصح من حَدِيث شُعْبَة (فِي) هَذَا، وَأَخْطَأ شُعْبَة فِي مَوَاضِع من هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: عَن حجر أبي العنبس. وَإِنَّمَا هُوَ حجر بن عَنْبَس، ويكنى أَبَا السكن. قلت: قد أسلفنا أَن تِلْكَ كنية لَهُ أَيْضا فَلَا خطأ إِذا. قَالَ: وَزَاد فِيهِ: عَن عَلْقَمَة بن وَائِل. [وَلَيْسَ فِيهِ عَن عَلْقَمَة] وَإِنَّمَا هُوَ عَن حجر بن عَنْبَس، عَن وَائِل بن حجر، قَالَ: «وخفض بهَا صَوته» وَإِنَّمَا هُوَ «وَمد بهَا صَوته» . قَالَ: وَسَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: حَدِيث سُفْيَان فِي هَذَا أصح من حَدِيث شُعْبَة. قَالَ: وَرَوَى الْعَلَاء بن صَالح الْأَسدي عَن سَلمَة بن كهيل نَحْو رِوَايَة سُفْيَان. هَذَا آخر كَلَام التِّرْمِذِيّ. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) : خَالف شُعْبَة فِي إِسْنَاده وَمَتنه (فَقَالَ) : «وأخفى بهَا صَوته» وَيُقَال: إِنَّه وهم فِيهِ؛ لِأَن سُفْيَان الثَّوْريّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 وَمُحَمّد بن سَلمَة بن كهيل وَغَيرهمَا رَوَوْهُ عَن سَلمَة فَقَالُوا: «رفع صَوته بآمين» وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : لَا أعلم خلافًا بَين أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن سُفْيَان وَشعْبَة إِذا اخْتلفَا فَالْقَوْل قَول سُفْيَان. قلت: و (قد) وَافقه مرّة فَفِي سنَن (الْبَيْهَقِيّ) من حَدِيث أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن شُعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: سَمِعت حجرا أَبَا العنبس (يحدث) ، عَن وَائِل الْحَضْرَمِيّ «أَنه صَلَّى خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين. رَافعا بهَا صَوته» . فَهَذِهِ الرِّوَايَة عَن شُعْبَة توَافق رِوَايَة سُفْيَان. وَقَالَ الْأَثْرَم: اضْطربَ شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ مرّة: عَن سَلمَة، عَن حجر، (عَن عَلْقَمَة بن وَائِل أَو) عَن وَائِل. وَقَالَ مرّة: عَن سَلمَة، عَن حجر، عَن عَلْقَمَة (بن وَائِل. وَقَالَ مرّة: عَن سَلمَة، عَن حجر، عَن عَلْقَمَة) عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ سُفْيَان فَلم يضطرب فِي إِسْنَاده وَلَا فِي الْكَلَام، قَالَ: سَلمَة، عَن حجر، عَن وَائِل، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه كَانَ يجْهر بهَا» وَرَوَى ذَلِك من وَجه آخر: نَا أَبُو عبد الله، نَا أَبُو بكر بن عَيَّاش. ثمَّ سَاق الرِّوَايَة السالفة فَقَالَ: فقد صَحَّ الْجَهْر بالتأمين من وُجُوه لم يَصح فِيهِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء غَيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 وَقَالَ ابْن الْقطَّان - بعد أَن ذكر اللَّفْظَيْنِ -: هَذَا الحَدِيث فِيهِ (أَرْبَعَة) أُمُور. أَحدهَا: اخْتِلَاف شُعْبَة وسُفْيَان فِي خَفَضَ ورَفَعَ، فسفيان يَقُول: «مد بهَا صَوته» وَشعْبَة يَقُول: «خفض بهَا صَوته» . وَثَانِيها: اخْتِلَافهمَا فِي حجر. فشعبة يَقُول فِيهِ: حجر أَبُو العنبس. وَالثَّوْري يَقُول: حجر بن عَنْبَس. وَصوب البُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة قَول الثَّوْريّ، وَلَا أَدْرِي لم لَا يصوب قَوْلهمَا جَمِيعًا حَتَّى يكون حجر (بن) عَنْبَس أَبَا العنبس. قلت: وَهَذَا قد (بحثته) قبل أَن أَقف عَلَيْهِ - كَمَا أسلفته - وَقد رَأَيْته بعد ذَلِك كَذَلِك فِي «الثِّقَات» لِابْنِ حبَان، فَالْحَمْد لله. قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا (أَن) يَكُونَا - أَعنِي البُخَارِيّ وَأَبا زرْعَة - قد علما لَهُ كنية أُخْرَى، وأنى ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يعرف حَاله وَهَذَا هُوَ الثَّالِث؛ فَإِن المستور الَّذِي رَوَى عَنهُ أَكثر من وَاحِد مُخْتَلف فِي قبُول حَدِيثه ورده. قلت: عَجِيب مِنْهُ فِي هَذَا فَإِنَّهُ ثِقَة مَشْهُور كَمَا أسلفناه. رَابِعهَا: أَنَّهُمَا - أَعنِي الثَّوْريّ وَشعْبَة - اخْتلفَا أَيْضا فِي شَيْء آخر، وَهُوَ أَن جعله الثَّوْريّ من رِوَايَة حجر، عَن وَائِل. وَجعله شُعْبَة من رِوَايَة حجر، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن وَائِل. قلت: يحْتَمل أَنه سَمعه مرّة من وَائِل، وَمرَّة من عَلْقَمَة، عَن وَائِل، فَرَوَاهُ عَن هَذَا مرّة، وَعَن الآخر مرّة أُخْرَى، وَقد صرح بذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 (الْكَجِّي) فِي «سنَنه» فَقَالَ: نَا عَمْرو بن مَرْزُوق، أَنا شُعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجر، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن وَائِل قَالَ: وسَمعه حجر (من) وَائِل قَالَ: «صَلَّى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » الحَدِيث، قَالَ: «وأخفى بهَا صَوته» . قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلما ذكر الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة الثَّوْريّ صححها كَأَنَّهُ عرف من حَال حجر الثِّقَة، وَلم يره مُنْقَطِعًا بِزِيَادَة شُعْبَة «عَلْقَمَة بن وَائِل» فِي (الْوسط) ، وَفِي ذَلِك نظر. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ مُوجب حكم التِّرْمِذِيّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حسن، وَقد كَانَ من جملَة اضطرابهما فِي مَتنه «يخْفض» و «يرفع» وَالِاضْطِرَاب فِي الْمَتْن عِلّة مضعفة. قَالَ: فَالْحَدِيث لِأَن يُقَال فِيهِ: «ضَعِيف» أقرب مِنْهُ إِلَى أَن يُقَال (فِيهِ) «حسن» . هَذَا كَلَامه وَلَا (نسلِّم) لَهُ ذَلِك بل هُوَ حسن أَو صَحِيح كَمَا (قدمنَا) عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من الْأَئِمَّة (تَصْحِيحه) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْمطلب بن زِيَاد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عدي بن ثَابت، عَن زر، عَن عَلّي قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَرَأَ (وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين» . قَالَ: هَذَا خطأ. قلت: فحدثنا أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم الأودي، عَن بكر بن عبد الرَّحْمَن، عَن عِيسَى بن الْمُخْتَار، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 سَلمَة بن كهيل، عَن حجية بن عدي، عَن عَلّي «أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: آمين. حِين يفرغ من قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب» . قَالَ: وَهَذَا (أَيْضا) عِنْدِي (خطأ) إِنَّمَا هُوَ (سَلمَة) عَن حجر أبي العنبس، عَن وَائِل بن حجر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: فَقلت: فَحَدِيث الْمطلب فَمَا حَاله؟ قَالَ: لم يروه غَيره وَلَا أَدْرِي مَا هُوَ. وَهَذَا من ابْن أبي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ سيئ الْحِفْظ. وَالله أعلم. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَمن أَمن (من) خَلفه حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ ضجَّة» . هَذَا الحَدِيث كَذَا أوردهُ تبعا للغزالي (وَالْغَزالِيّ) تبع إِمَامه فَإِنَّهُ كَذَا (ذكره) قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا «لجَّة» بدل «ضجة» ، وَاعْترض ابْن الصّلاح عَلَيْهِمَا فَقَالَ: كَذَا أوردهُ شَيْخه وَهُوَ غير صَحِيح مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الإِمَام الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ، عَن عَطاء - هُوَ ابْن أبي رَبَاح - قَالَ: كنت أسمع الْأَئِمَّة - ابْن الزبير فَمن بعده - يَقُولُونَ: آمين وَمن خَلفهم: آمين. حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى الْوَسِيط الْمُسَمَّاة «بالتنقيح» : هَكَذَا ذكر هَذَا الحَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 هُوَ فِي (الْبَسِيط) ، و (شَيْخه) فِي «النِّهَايَة» وَهُوَ غلط، وَصَوَابه مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عَطاء فَذكره وَسَيَأْتِي آخر الْبَاب. وَأَقُول: مَا ذكره هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة (الإِمَام) وَالْغَزالِيّ والرافعي قد أخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ من حَدِيث بشر بن رَافع، عَن أبي (عبد الله) ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «ترك (النَّاس) التَّأْمِين وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَالَ: (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين. حَتَّى يسْمعهَا أهلُ الصَّفّ الأول فيرتجُّ بهَا الْمَسْجِد» . وَأخرجه أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ عَن أبي هُرَيْرَة «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا تَلا (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين (قَالَ: آمين. حَتَّى يسمع من يَلِيهِ من الصَّفّ الأول» . قلت: وَالظَّاهِر بل الْمَقْطُوع بِهِ أَنهم لَا يتخلفون عَن تأمينه، وَكَأن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة رَوَوْهُ بِالْمَعْنَى، وَادَّعَى ابْن حزم تَوَاتر هَذَا الحَدِيث وَفِيه نظر، فَإِن بشر بن رَافع الْمُتَقَدّم لَيْسَ بِحجَّة وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ ابْن معِين مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ بأخباره بَأْس، وَلم أجد لَهُ حَدِيثا مُنْكرا. وَأَيْضًا ابْن عَم أبي هُرَيْرَة ادَّعَى ابْن عبد الْحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 جهالته فِيمَا رده عَلَى «الْمُحَلَّى» وَقَالَ: لم يروه عَنهُ إِلَّا بشر بن رَافع. وَكَأَنَّهُ قلد فِي ذَلِك ابْن الْقطَّان أَو أَحدهمَا الآخر، قَالَ ابْن الْقطَّان: والْحَدِيث لَا يَصح من أَجله. قلت: وَابْن عَم أبي هُرَيْرَة (هَذَا) دوسي رَوَى عَنهُ أَبُو الزبير أَيْضا (وَيُقَال) : إِنَّه عبد الرَّحْمَن بن هضاض، وَيُقَال: ابْن هضاب. وَيُقَال: ابْن الهضهاض. وَيُقَال: ابْن الصَّامِت. ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقد [أخرج] الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أُخْرَى لَيْسَ فِيهَا [هَذَانِ الرّجلَانِ] رووها من حَدِيث عبد الله بن سَالم، عَن الزبيدِيّ، حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا فرغ من قِرَاءَة أم الْقُرْآن رفع صَوته وَقَالَ: آمين» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ. قَالَ: واتفقا عَلَى تَأْمِين الإِمَام وَعَلَى تَأْمِين الْمَأْمُوم وَإِن أخفاه الإِمَام. قَالَ: وَقد اخْتَار الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي جمَاعَة من أهل الحَدِيث أَن التَّأْمِين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 للمأمومين لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «إِذا قَالَ الإِمَام: (وَلَا الضَّالّين (. فَقولُوا: آمين» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أَمن الإِمَام أمنت الْمَلَائِكَة فَأمنُوا، فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا قَوْله: «أمنت الْمَلَائِكَة» فَإِن البُخَارِيّ انْفَرد بهَا كَمَا صرح بِهِ عبد الْحق وَغَيره وَهَذَا لَفظه فِي الدَّعْوَات من «صَحِيحه» «إِذا أَمن الْقَارئ فَأمنُوا فَإِن الْمَلَائِكَة تؤمن، فَمن وَافق تأمينه ... » إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِذا قَالَ أحدكُم فِي صلَاته: آمين. وَقَالَت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء: آمين. فَوَافَقت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى غفر لَهُ مَا تقدَّم من ذَنبه» . لم يقل البُخَارِيّ: «فِي صلَاته» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: «فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين. (وَإِن الإِمَام يَقُول آمين) » . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 وَفِي رِوَايَة لَهما - أَعنِي البُخَارِيّ وَمُسلمًا -: «إِذا قَالَ الْقَارئ: (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين (فَقَالَ من خَلفه: آمين. فَوَافَقَ قَوْله قَول أهل السَّمَاء غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «إِذا قَالَ الإِمَام (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين (فَقولُوا: آمين. فَإِنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَابْن حبَان بعد «فَقولُوا: آمين» : «فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين. فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث آخر من طَرِيق أبي هُرَيْرَة «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا يَقُول: لَا تبَادرُوا الإِمَام، إِذا كبر فكبروا، وَإِذا قَالَ: (وَلَا الضَّالّين (فَقولُوا: آمين. وَإِذا ركع فاركعوا ... .» الحَدِيث. وَزَاد الْغَزالِيّ فِي (وسيطه» و «وجيزه» فِي هَذَا الحَدِيث: «وَمَا تَأَخّر» . قَالَ ابْن الصّلاح: وَهِي زِيَادَة لَيست بصحيحة (قلت) لَكِن ذكرهَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَصحح إسنادها كَمَا ذكرت ذَلِك عَنهُ فِي (تخريجي لأحاديث الْوَسِيط) ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا قَالَ الإِمَام: (غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين ( الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 فأنصتوا وَهِي ضَعِيفَة غَايَة بِسَبَب مُحَمَّد بن يُونُس الْكُدَيْمِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، فَإِنَّهُ مِمَّن يتهم بِالْوَضْعِ. ورد عبد الْحق هَذِه الرِّوَايَة بِأَن قَالَ: الصَّحِيح الْمَعْرُوف: «فَقولُوا: آمين» . ورده بِمَا ذَكرْنَاهُ أولَى، وَقد ذكرت فِي «شرح الْعُمْدَة» أقوالًا فِي هَذِه الْمُوَافقَة وفوائد أُخْرَى مُتَعَلقَة بِهِ فَرَاجعهَا مِنْهُ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيسْتَحب لكل من قَرَأَ الْفَاتِحَة خَارج الصَّلَاة أَو فِي الصَّلَاة أَن يَقُول عقب الْفَرَاغ: آمين. ثَبت ذَلِك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: قد بَينا ذَلِك وَاضحا. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الظّهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل رَكْعَة قدر ثَلَاثِينَ آيَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر (خمس عشرَة) آيَة - أَو قَالَ: نصف ذَلِك - وَفِي الْعَصْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل رَكْعَة قدر [قِرَاءَة] [خمس عشرَة] آيَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قدر نصف ذَلِك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ وَمِنْه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 نقلته (وَفِي بعضه) زِيَادَة عَلَى مَا فِي الْكتاب. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي سعيد أَيْضا قَالَ: «كُنَّا نحزر قيام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الظّهْر وَالْعصر، فحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الظّهْر قدر قِرَاءَة (الم تَنْزِيل (السَّجْدَة. وحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قدر النّصْف من ذَلِك، وحزرنا قِيَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الْعَصْر عَلَى قدر قِيَامه فِي الْأُخْرَيَيْنِ من الظّهْر، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ من الْعَصْر عَلَى النّصْف من ذَلِك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قدر ثَلَاثِينَ آيَة» بدل: (الم تَنْزِيل (. (السَّجْدَة) » وَوَقع هَذَا الحَدِيث فِي «بسيط» الْغَزالِيّ و «وسيطه» عَلَى غير وَجهه فَقَالَ: لقَوْل أبي سعيد الْخُدْرِيّ «حزرنا قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْأَوليين من الظّهْر فَكَانَت قدر قِرَاءَة سبعين آيَة» وَصَوَابه «قدر سِتِّينَ آيَة» . وَقد تبعه عَلَى هَذَا تِلْمِيذه الْغَزالِيّ، قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ وهم تسلسل وتواردوا عَلَيْهِ. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي بِنَا فَيقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطِيل فِي الأولَى مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 لَا يُطِيل فِي الثَّانِيَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور بِزِيَادَة: «فظننا أَنه يُرِيد بذلك أَن يدْرك النَّاس من الرَّكْعَة الأولَى» . وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا [فَلفظ] مُسلم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي بِنَا فَيقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَكَانَ يطول الرَّكْعَة الأولَى من الظّهْر وَيقصر الثَّانِيَة، وَكَذَا فِي الصُّبْح» . وَفِي لفظ لَهُ: «وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب» . وَلَفظ البُخَارِيّ «كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من صَلَاة الظّهْر بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، يطول فِي الأولَى وَيقصر فِي الثَّانِيَة، وَيسمع الْآيَة أَحْيَانًا، وَكَانَ يقْرَأ فِي الْعَصْر بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، وَكَانَ يطول فِي (الرَّكْعَة) الأولَى من صَلَاة الصُّبْح وَيقصر فِي الثَّانِيَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر فِي الْأَوليين بِأم الْكتاب وسورتين، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأم الْكتاب، ويسمعنا الْآيَة، وَيطول فِي الرَّكْعَة الأولَى مَا لَا يطول فِي [الرَّكْعَة] الثَّانِيَة، وَهَكَذَا فِي الْعَصْر، وَهَكَذَا فِي الصُّبْح» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 وَمن تراجم البُخَارِيّ عَلَيْهِ من خَافت [الْقِرَاءَة] (فِي) الظّهْر وَالْعصر، وَإِذا [أسمع] الإِمَام [الْآيَة] . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا كُنْتُم خَلْفي فَلَا تقرءوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين من رِوَايَة عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلِهَذَا الحَدِيث سَبَب وَهُوَ أَن أعرابيًّا راسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قِرَاءَة (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا (فتعسرت الْقِرَاءَة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا تحلل من صلَاته قَالَ ذَلِك. هَذَا السَّبَب لم أره فِي شَيْء من طرق هَذَا الحَدِيث كَذَلِك، وَإِنَّمَا فِيهَا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما فرغ قَالَ: هَل قَرَأَ معي أحد مِنْكُم آنِفا؟ فَقَالَ رجل: نعم يَا رَسُول الله» . وَفِي (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) و (مُسْتَدْرك الْحَاكِم) عَن إِسْحَاق بن (عبد الله) بن أبي فَرْوَة، عَن عبد بن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ قَالَ: «قَامَ إِلَى جَنْبي عبَادَة بن الصَّامِت فَقَرَأَ مَعَ الإِمَام وَهُوَ يقْرَأ، فَلَمَّا انْصَرف قلت: أَبَا الْوَلِيد، تقْرَأ وَتسمع وَهُوَ يجْهر بِالْقِرَاءَةِ؟ قَالَ: نعم إِنَّا قَرَأنَا مَعَ رَسُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 الله (فغلط رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ سبَّح، فَقَالَ لنا حِين انْصَرف: هَل قَرَأَ معي أحد؟ قُلْنَا: نعم. قَالَ: قد عجبت، قلت من هَذَا الَّذِي يُنَازعنِي الْقُرْآن، إِذا قَرَأَ الإِمَام فَلَا تقرءوا إِلَّا بِأم الْقُرْآن، فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بهَا» . ذكره الْحَاكِم شَاهدا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ابْن أبي فَرْوَة ضَعِيف، وَرَوَى من طَرِيق آخر غير حَدِيث عبَادَة من حَدِيث جَابر، وَصوب إرْسَاله، وَفِي مُسلم وَأبي دَاوُد و «الْقِرَاءَة خلف الإِمَام» للْبُخَارِيّ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن نَحوه. وَالله أعلم. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: يُقَال إِنَّه ورد الْخَبَر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ينحني حَتَّى تنَال راحتاه رُكْبَتَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَلَا يَنْبَغِي من الرَّافِعِيّ أَن يُورِدهُ بِهَذِهِ الصِّيغَة؛ فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ بِلَفْظ (إِذا ركع أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ، ثمَّ هصر ظَهره ... » الحَدِيث. وَرَوَاهُ (أَبُو دَاوُد) بِلَفْظ) «ثمَّ يرْكَع وَيَضَع راحتيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يعتدل فَلَا يَصُبُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 رَأسه وَلَا يقنع ... » الحَدِيث. بِطُولِهِ، وَفِي رِوَايَة لَهُ «فَإِذا ركع أمكن كفيه من رُكْبَتَيْهِ وَفرج بَين أَصَابِعه ثمَّ هصر ظَهره غير مقنع رَأسه وَلَا صَافح بخده» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابض عَلَيْهِمَا ووتر يَدَيْهِ فتجافى عَن جَنْبَيْهِ» . وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كالقابض عَلَيْهِمَا فَلم يَصُبَّ رَأسه وَلم يقنعه، ونحّى يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ «وَإِذا ركع كبر وَرفع يَدَيْهِ حِين ركع، ثمَّ يعتدل فِي صلبه وَلم ينصب رَأسه (وَلم) يقنعه» وَفِي رِوَايَة «ثمَّ أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ غير مقنع وَلَا مصوب» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَإِذا ركع أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ ثمَّ هصر ظَهره» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَالس فِي نَاحيَة الْمَسْجِد فَصَلى، ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَيْهِ ... » . الحَدِيث، بِذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 الطُّمَأْنِينَة فِي (الرُّكُوع) وَعدم ذكر التَّسْبِيح فِيهِ وَفِي السُّجُود. هَذَا الحَدِيث اتّفق الشَّيْخان عَلَى إِخْرَاجه، وَقد ذكرته بِطُولِهِ أَوَّلَ الْبَاب. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين يرْوَى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «كَانَ يُسَوِّي ظَهره فِي الرُّكُوع بِحَيْثُ لَو صب المَاء عَلَى ظَهره لاستمسك» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي «نهايته» فَقَالَ: «وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يمد ظَهره وعنقه فِي الرُّكُوع عَلَى اسْتِوَاء بِحَيْثُ لَو صب المَاء عَلَى ظَهره لاستمسك» . وَالْإِمَام تبع القَاضِي حُسَيْنًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا ركع يُسَوِّي ظَهره وعنقه بِحَيْثُ لَو وضع قدح مَا انْصَبَّ أَو (قَالَ) لم ينصب» . وَهَذَا الحَدِيث يحضرني لَهُ ثَمَان طرق، وَلم أر فِي شَيْء مِنْهَا رِوَايَته عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. أَحدهَا: من حَدِيث وابصة بن معبد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي، فَكَانَ إِذا ركع سوَّى ظَهره حَتَّى لَو صب المَاء عَلَيْهِ لاستقر» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، نَا عبد الله بن عُثْمَان بن عَطاء، نَا طَلْحَة بن زيد، عَن رَاشد قَالَ: سَمِعت وابصة ... فَذكره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف؛ عبد الله بن عُثْمَان بن عَطاء لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي، سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: صَالح. وَقَالَ: سَمِعت مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ يَقُول: هُوَ أصلح من أبي طَاهِر مُوسَى بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي قَلِيلا، وَكَانَ أَبُو طَاهِر يكذب. وَقَالَ ابْن حبَان: يعْتَبر حَدِيثه إِذا رَوَى عَنهُ غير الضُّعَفَاء. وَطَلْحَة بن زيد - وَقيل: ابْن يزِيد - ضَعَّفُوهُ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَنسبه أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ إِلَى الْوَضع، وَرَاشِد هَذَا لم يحدث عَنهُ إِلَّا طَلْحَة هَذَا الواهي. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بالسند الْمَذْكُور لكنه قَالَ: عَن رَاشد [بن] أبي رَاشد «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع فِي صلَاته لَو صب عَلَى ظَهره مَاء لاستقر» . الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع لَو صب كوز مَاء عَلَى ظَهره لاستنقع عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، عَن حَفْص بن عمر، عَن شُعْبَة، عَن أبي فَرْوَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى بِهِ. وَحَفْص هَذَا كَأَنَّهُ الرفاء، قَالَ أَبُو حَاتِم: كَذَّاب. وَسَيَأْتِي وَصله من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع فَلَو صب (كوز) المَاء لاستقر» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 معاجمه» وَفِي سَنَده: سَلام الطَّوِيل تَرَكُوهُ، وَزيد الْعمي وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الْعَالِيَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ يعلمنَا الرُّكُوع كَمَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمهُمْ (ثمَّ) يَسْتَوِي لنا رَاكِعا حَتَّى لَو قطرت بَين كَتفيهِ قَطْرَة من مَاء [مَا] تقدّمت وَلَا تَأَخَّرت» وَفِي سَنَده: (عليلة) بن بدر، تَركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث عقبَة بن عَمْرو قَالَ: (كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع عدل ظَهره فَلَو صب عَلَى ظَهره مَاء لركد» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا، وَفِيه عبد الْملك بن عُمَيْر، وَهُوَ من فرسَان (الصَّحِيح) وَإِن تكلم فِيهِ أَحْمد وَنسبه إِلَى اضْطِرَاب الحَدِيث، وَابْن معِين إِلَى الِاخْتِلَاط. الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع لَو صب عَلَى ظَهره مَاء لاستقر» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 «أكبر معاجمه» أَيْضا، عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ، ثَنَا صَالح بن زِيَاد السُّوسِي، نَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سعيد بن جمْهَان، عَن أبي بَرزَة بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد جيد، شيخ الطَّبَرَانِيّ هُوَ مطين الْحَافِظ، وَشَيْخه قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَدُوق وَإِن ضعفه مسلمة بن قَاسم فِي «تَارِيخه» . وَيَحْيَى وَحَمَّاد لَا يسْأَل عَنْهُمَا (لجلالتهما) ، وَسَعِيد بن جمْهَان وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَحسن لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث: «الْخلَافَة ثَلَاثُونَ سنة) . وَأما أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَا يحْتَج بِهِ. الطَّرِيق السَّادِس: من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا ركع لَو جعل عَلَى ظَهره قدح من مَاء لاستقر من اعتداله» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ، عَن إِسْحَاق الصَّدَفِي الْمصْرِيّ، ثَنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق، نَا يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد بن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أَبِيه، عَن أنس بِهِ، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن مُحَمَّد بن ثَابت إِلَّا يَحْيَى، تفرد بِهِ عَمْرو بن الرّبيع. قلت: هُوَ ثِقَة من فرسَان الصَّحِيح، لَكِن مُحَمَّد بن ثَابت ضعفه جمَاعَة، وَقَالَ الْحَاكِم: لَا بَأْس بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 الطَّرِيق السَّابِع: من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع لَو صب عَلَى ظَهره مَاء اسْتَقر» ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: ذكر الْبَراء لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن أبي لَيْلَى مُرْسلا. الطَّرِيق الثَّامِن: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن عَلّي قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع لَو وضع قدح من مَاء عَلَى ظَهره لم يهراق» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» قَالَ وَلَده عبد الله: وجدت فِي كتاب أبي: أخْبرت عَن سِنَان بن هَارُون، عَن بَيَان، عَن عبد الرَّحْمَن بِهِ. وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» فَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمد عَمَّن أخبرهُ، عَن (سِنَان) بِهِ، وَخَالفهُ [سلم] بن سَلام أَبُو الْمسيب الواسطى؛ فَرَوَاهُ عَن سِنَان بن هَارُون، عَن بَيَان، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ. الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «نهَى عَن التدبيح فِي الصَّلاة» . وَفِي رِوَايَة: «نهَى أَن يدبح الرجل فِي الرُّكُوع كَمَا يدبح الْحمار» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو (عبيد) فِي «غَرِيبه» بِاللَّفْظِ الثَّانِي سَوَاء، وَلم يسْندهُ، وأسنده الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي نعيم النَّخعِيّ عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ، ثَنَا أَبُو مَالك النَّخعِيّ [عَن] عبد الْملك بن حُسَيْن قَالَ: حَدثنِي أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، عَن الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي قَالَ أَبُو مَالك: وَأَخْبرنِي عَاصِم بن كُلَيْب الْجرْمِي، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى. قَالَ أَبُو نعيم: وَأَخْبرنِي [مُوسَى] الْأنْصَارِيّ، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى (كِلَاهُمَا) قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا عَلّي، إِنِّي أَرْضَى لَك مَا أَرْضَى لنَفْسي (وأكره لَك مَا أكره لنَفْسي) لَا تقْرَأ الْقُرْآن وَأَنت جنب، وَلَا وَأَنت رَاكِع وَلَا وَأَنت ساجد، وَلَا تصل وَأَنت عاقص شعرك، وَلَا تدبح تدبيح الْحمار» . وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، أَبُو نعيم النَّخعِيّ قَالَ ابْن معِين: كَذَّاب. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَأَبُو مَالك النَّخعِيّ أَيْضا ضَعَّفُوهُ. والْحَارث الْأَعْوَر مُخْتَلف فِيهِ، وَأطلق ابْن الْمَدِينِيّ عَلَيْهِ اسْم الْكَذِب. وَعَاصِم بن كُلَيْب (بن شهَاب) (من فرسَان مُسلم) ، وَهُوَ صَدُوق، وَإِن كَانَ عَلّي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 بن الْمَدِينِيّ قَالَ: لَا يحتجُّ بِهِ إِذا انْفَرد. قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة (عَن أبي سُفْيَان طريف بن شهَاب، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة) (أرَاهُ) رَفعه -: «إِذا ركع أحدكُم فَلَا يدبح كَمَا يدبح الْحمار، وليقم صلبه» سكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَقد علمت حَال طريف بن شهَاب فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّالِث من هَذَا الْبَاب. قلت: ويغني عَن هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله فِي الدّلَالَة حَدِيث عَائِشَة الثَّابِت فِي (صَحِيح مُسلم) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا ركع لم يُشخص رَأسه وَلم يصوبه، وَلَكِن بَين ذَلِك» يشخص - بِضَم أَوله وَكسر ثالثه -: أَي يرفع، وَمِنْه الشاخص للمرتفع (ويصوبه بتَشْديد) الْوَاو - أَي يخْفض، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (أَو كصيِّب من السَّمَاء) أَي: مطر نَازل، وَكَذَا حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ الثَّابِت فِي «سنَن أبي دَاوُد» فِي صفة صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: «ثمَّ يرْكَع وَيَضَع راحتيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يعتدل؛ فَلَا يصب رَأسه وَلَا يقنع» مَعْنَى لَا يصب: لَا يُبَالغ فِي خفض رَأسه و (تنكيسه) وَمَعْنى لَا يقنع: لَا يرفع. فَائِدَة: التدبيح أَن يُطَأْطِئ رَأسه. قَالَ الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» فِي الحَدِيث: نهي أَن يدبح الرجل فِي الصَّلَاة؛ أَي: يُطَأْطِئ رَأسه. ذكره فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 بَاب الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ بِالذَّالِ - يَعْنِي: الْمُعْجَمَة - وَالدَّال أعرف، وَاقْتصر الْجَوْهَرِي عَلَى ذكره فِي الدَّال الْمُهْملَة. وَيُقَال: دبح الرجل تدبيحًا إِذا بسط ظَهره وطأطأ رَأسه، فَتكون رَأسه أَشد (انحطاطًا) (من) أليتيه. قَالَ: وَفِي الحَدِيث «أَنه نهَى أَن يدبح الرجل فِي الرُّكُوع كَمَا يدبح الْحمار» . وَعَن أبي عَمْرو و (ابْن) الْأَعرَابِي نَحوه. وَكَذَا اقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «غَرِيبه» عَلَى ذكره فِي الدَّال الْمُهْملَة، فَقَالَ - وَمن خطه نقلت -: (نهي) أَن يدبح الرجل فِي الصَّلَاة وَهُوَ أَن يُطَأْطِئ رَأسه فِي الرُّكُوع حَتَّى يكون أَخفض من ظَهره. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا اللَّفْظ يرْوَى بِالدَّال والذال، وَالْأول أشهر. وَكَأَنَّهُ تبع الْهَرَوِيّ فِي ذَلِك، قَالَ: وَهُوَ أَن يبسط ظَهره، ويطأطئ رَأسه فَتكون أَشد انحطاطًا من أليتيه. قلت: وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، ذكره مُحَمَّد بن أبي بكر النَّيْسَابُورِي فِي (المناهى) فَقَالَ: (وَنهي عَن التدبيح فِي الصَّلَاة» . قَالَ: وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. ثمَّ قَالَ بعده: التدبيخ أَن يُدِير نَفسه أَو رَأسه فِي الصَّلَاة كدوران الْحمار [فِي] الرَّحَى. وَقَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يدبخ الرجل فِي صلَاته كَمَا يدبخ الْحمار فِي الرَّحَى» . قَالَ: وَقيل: مَعْنَاهُ: أَن يرفع رَأسه فِي الصَّلَاة كَمَا يرفع [الْحمار رَأسه إِلَى] السَّمَاء إِذا شم الْبَوْل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 وَفِي (الصِّحَاح) فِي دبخ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة -: دبخ الرجل تدبيخًا إِذا قبَّب ظَهره وطأطأ رَأسه - بِالْحَاء وَالْخَاء - جَمِيعًا عَن أبي عَمْرو، وَابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ: فِي (دبح: دبَّح الرجل إِذا طأطأ رَأسه، وَبسط ظَهره. الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يمسك راحتيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ فِي الرُّكُوع كالقابض عَلَيْهِمَا ويفرج بَين أَصَابِعه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن قُتَيْبَة، نَا ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حَلْحلة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو العامري قَالَ: «كنت فِي مجْلِس من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فتذاكروا صلَاته (فَقَالَ أَبُو حميد ... ) فَذكر الحَدِيث وَقَالَ: (فَإِذا ركع أمكن كفيه من رُكْبَتَيْهِ، وَفرج بَين أَصَابِعه، ثمَّ هصر ظَهره غير مقنع رَأسه وَلَا صَافح [بخده] ... » ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث. ثمَّ رَوَاهُ عَن أَحْمد، نَا عبد الْملك بن عَمْرو (أَخْبرنِي) فليح، حَدثنِي عَبَّاس بن سهل قَالَ: اجْتمع أَبُو حميد وَأَبُو أسيد وَسَهل بن سعد وَمُحَمّد بن مسلمة، فَذكرُوا صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر بعض هَذَا - قَالَ: «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابض عَلَيْهِمَا ووتر يَدَيْهِ فتجافى عَن جَنْبَيْهِ ... » ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كالقابض عَلَيْهِمَا فَلم يصب رَأسه وَلم يقنعه، ونحى يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ» وَذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام «كَانَ يُجَافِي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوع» وَقد عَلمته (آنِفا) وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْقد لَهُ تَرْجَمَة وَحده. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي كل خفض وَرفع وَقيام وقعود» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بِهَذَا اللَّفْظ، وَزَاد بعد قَوْله: «وقعود» : «وَأَبُو بكر وَعمر» يَعْنِي أَنَّهُمَا كَانَا يفْعَلَانِ ذَلِك أَيْضا. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَغَيرهم. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ، وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 يكبر كلما خفض وَرفع» وَهُوَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه كَانَ يكبر كلما رفع وَوضع. فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَة، مَا هَذَا التَّكْبِير؟ ! فَقَالَ: إِنَّهَا لصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين [رُوِيَ] أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «التَّكْبِير جزم) . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ أول الْبَاب فَرَاجعه. الحَدِيث الْخَمْسُونَ عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا كبر [وَإِذا ركع] وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف أول الْبَاب. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْخمسين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا ركع أحدكُم فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا، فقد تمّ رُكُوعه وَذَلِكَ أدناه، وَإِذا سجد قَالَ فِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، فقد تمّ سُجُوده، وَذَلِكَ أدناه) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 606 وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» من رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب، عَن إِسْحَاق بن يزِيد الْهُذلِيّ، عَن عون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا، وَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع؛ لِأَن عونًا لم يدْرك ابْن مَسْعُود كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل، عون لم يلق ابْن مَسْعُود. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث مُرْسل، عون لم يدْرك عبد الله. وَذكره البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» وَقَالَ: مُرْسل. وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» بعد أَن رَوَاهُ مَرْفُوعا: إِن كَانَ الحَدِيث ثَابتا؛ فَإِنَّمَا يَعْنِي بقوله: «تمّ رُكُوعه، وَذَلِكَ أدناه» أَي: أدنَى (مَا) يُنسب إِلَى كَمَال الْفَرْض (وَالْإِحْسَان مَعًا لإكمال الْفَرْض) وَحده. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا قَالَ: إِن كَانَ ثَابتا؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطع. قلت: وَرَوَاهُ ابْن نَاجِية من حَدِيث عون، عَن علاقَة بن مَسْعُود، عَن ابْن مَسْعُود فاتصل، لَكِن إِسْحَاق الْهُذلِيّ لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير ابْن أبي ذِئْب، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مرّة أُخْرَى بِإِسْقَاط ابْن مَسْعُود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين قَالَ (الرَّافِعِيّ) : واستحبَّ بَعضهم أَن (يضيف) إِلَى الدُّعَاء الْمَذْكُور - يَعْنِي: الَّذِي فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود الْمُتَقَدّم -: «وَبِحَمْدِهِ» وَقَالَ: إِنَّه ورد ذَلِك فِي بعض الْأَخْبَار. انْتَهَى وَهَذِه الزِّيَادَة وَردت فِي أَحَادِيث. أَحدهَا: عَن مُوسَى بن أَيُّوب، عَن عَمه [عَن] عقبَة بن عَامر قَالَ: «لما نزلت (فسبح بِسم رَبك الْعَظِيم) قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم، فَلَمَّا نزلت (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث ابْن الْمُبَارك عَن مُوسَى (بِهِ) قَالَ أَبُو دَاوُد: نَا أَحْمد بن يُونُس، ثَنَا اللَّيْث بن سعد، عَن أَيُّوب بن مُوسَى - أَو مُوسَى بن أَيُّوب - عَن رجل من قومه، عَن عقبَة بن عَامر بِمَعْنَاهُ، زَاد قَالَ: «وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم (وَبِحَمْدِهِ) ثَلَاثًا (وَإِذا سجد قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ) » قَالَ أَبُو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 دَاوُد: وَهَذِه الزِّيَادَة يخَاف أَن لَا تكون مَحْفُوظَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : فِي رواتها - أَعنِي رِوَايَة أبي دَاوُد (الثَّانِيَة) - مَجْهُول. قلت: عَنى بِهِ قَوْله: عَن رجل من قومه، لَكِن قَالَ الْمزي فِي «تهذيبه» : إِنَّه إِيَاس بن عَامر الغافقي. وَعلم لَهُ عَلامَة (دق) وَلم يعقبه بِجرح وَلَا تَعْدِيل، وَلم يذكر [من] رَوَى عَنهُ غير مُوسَى بن أَيُّوب، وَهُوَ كَمَا قَالَ من كَونه إِيَّاه؛ فقد صرح بِهِ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي رِوَايَته الحَدِيث فَقَالَ: عَن مُوسَى بن أَيُّوب الغافقي، سَمِعت عمي إِيَاس بن عَامر قَالَ: سَمِعت عقبَة ... فَذكره ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حجازي صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقد اتفقَا عَلَى الِاحْتِجَاج برواته غير إِيَاس بن عَامر وَهُوَ عَم مُوسَى بن (أَيُّوب) الغافقي، وَهُوَ مُسْتَقِيم الْإِسْنَاد. قلت: (وَجزم) بِهِ أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فِي رِوَايَته لَهُ؛ فَإِنَّهُ لما ذكره من حَدِيث مُوسَى بن أَيُّوب الغافقي عَن (عَمه) إِيَاس بن عَامر (عَن عقبَة بن عَامر) ، قَالَ: (لما نزلت (فسبح بِسم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 رَبك الْعَظِيم (قَالَ: اجْعَلُوهَا ... » الحَدِيث، قَالَ: إِيَاس بن عَامر من ثِقَات المصريين. قلت: وَقَالَ ابْن يُونُس: كَانَ من شيعَة عَلّي والوافدين عَلَيْهِ من أهل مصر، وَشهد مَعَه (مشاهده) وَقَالَ الْعجلِيّ: مصري تَابِعِيّ لَا بَأْس بِهِ. قلت: فقد عُلم إِذا عينه وحاله؛ فانتفت الْجَهَالَة عَنهُ كَمَا ادَّعَاهَا النَّوَوِيّ، وَظهر بِهِ أَيْضا رد قَول الذَّهَبِيّ الْحَافِظ فِي «اختصاره للمستدرك» : إِيَاس هَذَا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. وَرَوَاهُ إِيَاس (مرّة، عَن) عَلّي. وَذكر مثله، أَفَادَهُ ابْن بطال فِي «شرح البُخَارِيّ» . الحَدِيث الثَّانِي: عَن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا، وَفِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث حَفْص بن غياث، عَن مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن الشّعبِيّ، عَن صلَة، عَن حُذَيْفَة بِهِ، وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى ضَعَّفُوهُ، وَإِن كَانَ رَأْسا فِي الْفِقْه، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: شغل بِالْقضَاءِ فسَاء حفظه، وَلَا يتهم بِشَيْء من الْكَذِب؛ إِنَّمَا يُنكر عَلَيْهِ كَثْرَة الْخَطَأ فَلَا يحْتَج بِهِ. وَتَابعه سعد بن عُبَيْدَة بِدُونِ «وَبِحَمْدِهِ» عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 الْمُسْتَوْرد بن الْأَحْنَف، عَن صلَة بن زفر، عَن حُذَيْفَة قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَرَكَعَ، فَقَالَ فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم. وَفِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، نَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن سعد بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، عَن أبي الْأَزْهَر، عَن حُذَيْفَة «أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول إِذا ركع: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاث مَرَّات، وَإِذا سجد قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاث مَرَّات» وَابْن لَهِيعَة (حَالَته) مَعْلُومَة، وَأَبُو الْأَزْهَر مَجْهُول. الحَدِيث الثَّالِث: عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «من السّنة أَن يَقُول الرجل فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ، وَفِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي يَحْيَى عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن السّري بن إِسْمَاعِيل، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن ابْن مَسْعُود بِهِ. وَالسري هَذَا (تَركه) النَّسَائِيّ وَغَيره. الحَدِيث الرَّابِع: عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى، فَلَمَّا ركع قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ رفع رَأسه» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَفِيه شهر بن حَوْشَب، وَقد تَرَكُوهُ كَمَا مَضَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 الحَدِيث الْخَامِس: عَن (أبي) جُحَيْفَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «تَارِيخ نيسابور» من حَدِيث بشر بن يزِيد، عَن النَّضر بن إِسْمَاعِيل (الْبَلْخِي) ، عَن (عَمْرو) بن ثَابت، عَن (أبي) إِسْحَاق، عَن أبي جُحَيْفَة (بِهِ) و (عَمْرو) هَذَا كَأَنَّهُ عَمْرو بن ثَابت الْمَتْرُوك الرافضي. الحَدِيث السَّادِس: عَن السَّعْدِيّ، عَن أَبِيه، عَن عَمه قَالَ: «رمقت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صلَاته، فَكَانَ يمْكث فِي رُكُوعه وَسُجُوده وَيَقُول: سُبْحَانَ الله (وَبِحَمْدِهِ) ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن خلف بن الْوَلِيد، عَن خَالِد، عَن سعيد الْجريرِي، عَن السَّعْدِيّ بِهِ. وَرَوَاهُ المستغفري فِي «دعواته» من حَدِيثه عَن السَّعْدِيّ قَالَ: «رمقت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره، وَبِالْجُمْلَةِ فقد رَوَى (ابْن) الْمُنْذر أَنه قيل لِأَحْمَد بن حَنْبَل: يَقُول: «سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ» قَالَ: أما أَنا فَأَقُول: وَبِحَمْدِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين ورد فِي الْخَبَر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَلَك خَشَعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري وَمَا (اسْتَقَلت) بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين» . هَذَا قد ورد فِي (عدَّة) أَحَادِيث. أَحدهَا: وَهُوَ أقربها إِلَى لفظ المُصَنّف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَلَك أسلمت، وَبِك آمَنت، وَأَنت رَبِّي، خشع سَمْعِي وبصري وعظامي وشعري وبشري وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين» . رَوَاهُ الشَّافِعِي هَكَذَا عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، أَخْبرنِي صَفْوَان بن سليم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ قَالَ: وَأَنا مُسلم وَعبد الْمجِيد - قَالَ الرّبيع: أَحْسبهُ عَن ابْن جريج - عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن عبد الله بن الْفضل، عَن الْأَعْرَج، عَن (عبيد الله) بن أبي رَافع، عَن عَلّي «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، وَأَنت رَبِّي، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظامي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين» وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن علية، عَن شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي قَالَ: «إِذا ركعت فَقل: اللَّهُمَّ (لَك) ركعت وَلَك خَشَعت وَلَك أسلمت، وَبِك آمَنت وَعَلَيْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 توكلت؛ فقد تمّ ركوعك» وكل ذَلِك مخرج فِي «مُسْنده» أَيْضا. الحَدِيث الثَّانِي: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد تقدم أَيْضا (رِوَايَة) الشَّافِعِي لَهُ، و (رَوَاهُ) مُسلم فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي» وَقد أسلفناه بِطُولِهِ فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِلَفْظ: «كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، أَنْت رَبِّي، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : (هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح. الحَدِيث الثَّالِث: عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، وَعَلَيْك توكلت، وَأَنت رَبِّي، خشع لَك سَمْعِي وبصري (ولحمي وَدمِي وعظمي) وعصبي لله رب الْعَالمين» رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» عَن يَحْيَى بن عُثْمَان، أَنا (أَبُو) حَيْوَة، نَا شُعَيْب، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 الحَدِيث الرَّابِع: عَن مُحَمَّد بن مسلمة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا يَقُول إِذا ركع: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، وَعَلَيْك توكلت، أَنْت رَبِّي خشع سَمْعِي وبصري ولحمي وَدمِي ومخي وعصبي لله (عَزَّ وَجَلَّ) رب الْعَالمين» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن يَحْيَى بن عُثْمَان، نَا [مُحَمَّد بن حمير] نَا شُعَيْب، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، - وَذكر آخر قبله - عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن مُحَمَّد بن (مسلمة) بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب حَدِيث الْمَاجشون - يَعْنِي: حَدِيث عَلّي بن أبي طَالب. فَتحصل من هَذَا كُله أَن الحَدِيث الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ لَيْسَ مَوْجُودا فِي حَدِيث وَاحِد؛ وَإِنَّمَا هُوَ ملفق من أَحَادِيث خلا قَوْله: «وَلَك خَشَعت» فَلم أرها إِلَى الْآن (وأقربها رِوَايَة) الشَّافِعِي كَمَا قدمْنَاهُ، لَكِن فِيهَا (ضعف) وتنجبر بِمَا بعْدهَا من الْأَحَادِيث. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للمسيء صلَاته: ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف (فِي) أول الْبَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 الحَدِيث الْخَامِس بعد الْخمسين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة، وَإِذا كبر للرُّكُوع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما كَذَلِك وَقَالَ: سمع الله لمن حَمده رَبنَا، وَلَك الْحَمد» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي أَوَائِل الْبَاب، وَفِي فصل الرُّكُوع قَالَ الرَّافِعِيّ: وروينا فِي خبر ابْن عمر: «رَبنَا لَك الْحَمد» بِإِسْقَاط الْوَاو (وبإثباتها) وَالرِّوَايَتَانِ مَعًا صحيحتان. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَصَحَّ أَيْضا «اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد» بِإِثْبَات الْوَاو (وبحذفها) وَفِي «صَحِيح أبي عوَانَة» : «اللَّهُمَّ لَك الْحَمد» وَفِي «السّنَن الصِّحَاح» لِابْنِ السكن عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: من قَالَ: رَبنَا، قَالَ: وَلَك الْحَمد، وَمن قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا، قَالَ: لَك الْحَمد. فَائِدَة: قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلت أَبَا عَمْرو عَن الْوَاو فِي قَوْله: «رَبنَا وَلَك الْحَمد» فَقَالَ: هِيَ زَائِدَة؛ تَقول الْعَرَب: بِعني هَذَا الثَّوْب، فَيَقُول الْمُخَاطب: نعم (و) هُوَ لَك بدرهم؛ فالواو زَائِدَة. وَيحْتَمل كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِنَّهَا عاطفة عَلَى مَحْذُوف. أَي رَبنَا أطعناك وحمدناك وَلَك الْحَمد، وَمَعْنى سمع الله لمن حَمده: أجَاب دُعَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 من حَمده، فَوضع السّمع مَوضِع الْإِجَابَة كَمَا جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من دُعَاء لَا يسمع» أَي: لَا يعْتد بِهِ وَلَا يُسْتَجَاب؛ فَكَأَنَّهُ غير مسموع، قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي، كَمَا نقل عَن الصغاني فِي (مجمعه) . الحَدِيث السَّادِس بعد الْخمسين عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (إِذا) رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: سمع الله لمن حَمده، اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت (من شَيْء) بعد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء وَزَاد فِي آخِره «اللَّهُمَّ طهرني بالثلج وَالْبرد وَالْمَاء الْبَارِد، اللَّهُمَّ طهرني من الذُّنُوب والخطايا كَمَا (ينقي) الثَّوْب الْأَبْيَض من الْوَسخ» . وَفِي لفظ «من الدَّرن» . وَفِي لفظ «من الدنس» . فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: قَوْله «ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض» تقريب وَالْمرَاد تَكْثِير الْعدَد حَتَّى لَو قدر ذَلِك وَكَانَ جسمًا لملأ ذَلِك، وَيحْتَمل أَن المُرَاد بذلك أجرهَا، وَيحْتَمل أَن المُرَاد بهَا التَّعْظِيم لقدرها لَا كَثْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 عَددهَا، كَمَا يُقَال هَذِه كلمة تملأ طباق الأَرْض. وَكَانَ ابْن خالويه يرجح فتح الْهمزَة من ملْء، والزجاج يرَى الرّفْع فِيهَا وَكِلَاهُمَا جَائِز كَمَا قَرَّرَهُ ابْن خالويه فِي مُصَنفه (فِي ذَلِك) وَلَكِن الْمَعْرُوف فِي رِوَايَات الحَدِيث كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَعزا إِلَى الْجُمْهُور النصب. وَهُوَ عَلَى الْحَال؛ أَي: مالئًا تَقْدِيره لَو كَانَ جسمًا لملأ ذَلِك، وَقَوله: وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد كَمَا قيل: ملْء الْكُرْسِيّ وَمَا غمض عَن إِدْرَاك الْعباد لَهُ قَالَ تَعَالَى: (وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض) . الحَدِيث السَّابِع بعد الْخمسين عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول مَعَ الدُّعَاء الْمَذْكُور فِي الحَدِيث قبله: أهل الثَّنَاء وَالْمجد حق مَا قَالَ العَبْد - كلنا لَك عبد - لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد» . هَذَا الحَدِيث هَكَذَا أوردهُ الرَّافِعِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَهُوَ غَرِيب لَا أعلم من خرجه من طَرِيقه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَهُوَ مَعْرُوف من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس وَأبي جُحَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. أما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ بِلَفْظ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: (اللَّهُمَّ) رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات (وملء) الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد، أهل الثَّنَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 وَالْمجد، أَحَق مَا قَالَ العَبْد وكلنَا لَك عبد [اللَّهُمَّ] لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد» . وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا نَازع» بدل «لَا مَانع» وَلَيْسَ فِي رِوَايَته «وَلَا معطي لما منعت» . وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) مُنْفَردا بِهِ أَيْضا عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ... » إِلَى قَوْله: «وَالْمجد، لَا مَانع لما أَعْطَيْت ... » إِلَى آخِره. وَأما حَدِيث أبي جُحَيْفَة فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي (سنَنه) من حَدِيث شريك، (عَن أبي عمر) قَالَ: سمعتُ أَبَا جُحَيْفَة يَقُول: «ذكرت الجدود عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي الصَّلَاة. فَقَالَ رجل: جد فلَان فِي الْخَيل، وَقَالَ آخر: جد فلَان فِي الْإِبِل، وَقَالَ آخر: جد فلَان فِي الْغنم، وَقَالَ آخر: جد فلَان فِي الرَّقِيق، فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلَاته وَرفع رَأسه من آخر الرَّكْعَة قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد. وَطول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَوته بالجد ليعلموا أَنه لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 تَنْبِيهَانِ: الأول: وَقع فِي «الْمُهَذّب» إِسْقَاط الْألف فِي «أَحَق» و (الْوَاو) فِي «وكلنَا» وَهُوَ كَذَلِك فِي «سنَن النَّسَائِيّ» وَهُوَ يرد قَول النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» الَّذِي رَوَاهُ سَائِر الْمُحدثين بإثباتهما، وَأَن الْوَاقِع فِي كتب الْفُقَهَاء بإسقاطهما، وَقد تعرض القَاضِي الْحُسَيْن فِي تَعْلِيقه للروايتين. وَقد أوضحت كل ذَلِك فِي تخريجي لأحاديث «الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ. الثَّانِي: فِي ضبط أَلْفَاظ وَقعت فِي الحَدِيث وإعرابها والتنبيه عَلَى مَعَانِيهَا، وَقد أوضحت كل ذَلِك فِي لُغَات «الْمِنْهَاج» فَرَاجعهَا مِنْهُ. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْخمسين (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قنت شهرا يَدْعُو عَلَى قاتلي أَصْحَابه ببئر مَعُونَة (ثمَّ) ترك، فَأَما فِي الصُّبْح فَلم يزل يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طرق ثَلَاثَة عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس لَفظه فِي أَحدهَا: (كَمَا) ذكره الرَّافِعِيّ ذكره من طَرِيق عبيد الله بن مُوسَى، عَن أبي جَعْفَر بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 وَلَفظه فِي ثَانِيهَا: «مَا زَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقنت فِي الْفجْر حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» ذكره من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن أبي جَعْفَر بِهِ. وَفِي ثَالِثهَا: عَن الرّبيع بن أنس: «كنت جَالِسا عِنْد أنس فَقيل لَهُ: إِنَّمَا قنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شهرا. فَقَالَ: مَا زَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقنت (فِي صَلَاة) الْغَدَاة حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» ذكره من طَرِيق أبي نعيم، عَن أبي جَعْفَر بِهِ. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ كَمَا سلف. وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب من حَدِيث جَعْفَر الْأَحْمَر، (عَن أبي جَعْفَر) ، عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: «كنت عِنْد أنس بن مَالك فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: مَا تَقول فِي الْقُنُوت؟ فبدره رجل فَقَالَ: قنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَالَ أنس: لَيْسَ كَمَا تَقول؛ قنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى قَبضه الله - عَزَّ وَجَلَّ» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي جَعْفَر، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس قَالَ: «مَا زَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق (عبيد الله بن مُوسَى السالف، ثمَّ من حَدِيث أبي نعيم السالف أَيْضا ثمَّ قَالَ) أَبُو عبد الله - يَعْنِي الْحَاكِم -: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح سَنَده، ثِقَة رُوَاته. وَالربيع بن أنس تَابِعِيّ مَعْرُوف من أهل الْبَصْرَة سمع أنسا و (رَوَى) عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَغَيره، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن الرّبيع بن أنس فَقَالَ: صَدُوق ثِقَة. زَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 غَيره عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: ذاكرت بِهِ بعض الْحفاظ (فَقَالَ) : غير الرّبيع بن أنس (فَمَا زلت) أتأمل التواريخ وأقاويل الْأَئِمَّة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَلم أجد (أحدا) طعن فِيهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: بَصرِي صَدُوق. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. قلت: وَأما أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عِيسَى بن ماهان فقد اخْتلف فِيهِ، فَقَالَ الإِمَام أَحْمد: صَالح الحَدِيث. كَذَا رَوَاهُ حَنْبَل عَنهُ، وَأخرج الحَدِيث وَصَححهُ من جِهَته، وَقَالَ عبد الله ابْنه عَنهُ: لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «ناسخه ومنسوخه» : وَالرِّوَايَة الأولَى عَن الإِمَام أَحْمد أولَى (ويؤكدها) إِخْرَاجه حَدِيثه فِي «مُسْنده» وَعَن يَحْيَى فِيهِ رِوَايَات: أَحدهَا: ثِقَة، قَالَه إِسْحَاق بن مَنْصُور عَنهُ. ثَانِيهَا: يكْتب حَدِيثه لكنه يُخطئ، قَالَه ابْن أبي مَرْيَم عَنهُ. ثَالِثهَا: صَالح، قَالَه ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ. رَابِعهَا: ثِقَة وَهُوَ يغلط فِيمَا يروي عَن مُغيرَة، قَالَه الدوري عَنهُ. وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ من رِوَايَته عَن مُغيرَة. خَامِسهَا: صَدُوق لَيْسَ بمتقن، قَالَه السَّاجِي عَنهُ. وَذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي عَن السَّاجِي نَفسه، وَإِنَّمَا (ذكره رِوَايَة، كَذَا) هُوَ فِي جرحه وتعديله. وَكَذَا نَقله (عَنهُ) ابْن حزم. وَاخْتلف النَّقْل فِيهِ عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ، فَقَالَ مرّة: هُوَ نَحْو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 مُوسَى بن عُبَيْدَة، يخلط فِيمَا رَوَى عَن مُغيرَة وَنَحْوه. وَقَالَ مرّة: كَانَ عندنَا ثِقَة، وَهَذِه رِوَايَة مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَنهُ، وَالْأولَى رِوَايَة وَلَده عَنهُ. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله (بن عمار) الْموصِلِي: ثِقَة. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي الفلاس فِيهِ: صَدُوق وَهُوَ من أهل الصدْق سيئ الْحِفْظ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ يهم كثيرا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة صَدُوق صَالح الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن خرَاش: سيئ الْحِفْظ صَدُوق. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث صَالِحَة، وَقد رَوَى عَنهُ النَّاس، وَأَحَادِيثه عامتها مُسْتَقِيمَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة، وَكَانَ يقدم بَغْدَاد يسمعُونَ مِنْهُ. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي بَاب صَلَاة الْكُسُوف: البُخَارِيّ وَمُسلم (قد) هجرا أَبَا جَعْفَر الرَّازِيّ وَلم يخرجَا عَنهُ، وحاله عِنْد سَائِر الْأَئِمَّة أحسن الْحَال. وَقَالَ مرّة: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «الِاسْتِغْنَاء» : هُوَ عِنْدهم ثِقَة عَالم بتفسير الْقُرْآن. وَذكره ابْن شاهين فِي «ثقاته» وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «ناسخه ومنسوخه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَأَبُو جَعْفَر ثِقَة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» بعد أَن أخرج الحَدِيث فِيهِ: (فِي) إِسْنَاده أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ وَقد وَثَّقَهُ غير وَاحِد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا حَدِيث قد حكم بِصِحَّتِهِ غير وَاحِد من حفاظ الحَدِيث، مِنْهُم: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَلّي الْبَلْخِي من أَئِمَّة الحَدِيث، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم، وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «خلاصته» : هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ جماعات من الْحفاظ وصححوه، ثمَّ ذكر أَن هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهم ابْن الصّلاح من جملَة من صَححهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق بأسانيد صَحِيحَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي «مفهمه» : الَّذِي اسْتَقر (عَلَيْهِ) أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْقُنُوت مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس ... فَذكر الحَدِيث. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فأعله فِي «علله المتناهية» و «تَحْقِيقه» بِأبي جَعْفَر هَذَا نصْرَة لمذهبه، وَنقل كَلَام من ضعفه فَقَط وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَاقْتصر عَلَى رِوَايَة من رَوَى التَّضْعِيف عَن أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَيَحْيَى بن معِين، وَمَا هَذَا فعل الْمنصف، عَلَى أَن حَدِيث أنس هَذَا من هَذَا الْوَجْه لم يتفرد بِهِ عِيسَى بن ماهان بل لَهُ (طرق) أُخْرَى غَيره ذكرتها مُوضحَة فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» يتَعَيَّن عَلَيْك مراجعتها مِنْهُ، وَذكرت فِيهِ أَن بَعضهم وهم فَعَزاهُ إِلَى مُسلم، وَأَن النَّوَوِيّ عزاهُ إِلَى «الْمُسْتَدْرك» (وَلَيْسَ) فِيهِ وبينت سَبَب وهمه فِي ذَلِك. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ الْقُنُوت فِي الصُّبْح أَيْضا عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْعَوام بن حَمْزَة قَالَ: «سَأَلت أَبَا عُثْمَان عَن الْقُنُوت فِي الصُّبْح قَالَ: بعد الرُّكُوع. قلت: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 عَمَّن؟ قَالَ: عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده حسن، و (رَوَاهُ) الْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَيْضا من طرق، وَرَوَى أَيْضا عَن عبد الله بن معقل (بِفَتْح الْمِيم) وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف - التَّابِعِيّ قَالَ: (قنت عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الْفجْر) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا عَن عَلّي صَحِيح مَشْهُور. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: قَوْله: بِئْر مَعُونَة - بالنُّون - قَالَ الْحَازِمِي: فِي «المؤتلف والمختلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : بِئْر مَعُونَة بَين جبال يُقَال لَهَا: أبلى فِي طَرِيق (المصعد) من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة وَهِي لبني سليم، قَالَه الْكِنْدِيّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ مَاء لبني عَامر بن صعصعة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: هَذِه الْبِئْر فِي أَرض بني سُليم وَبني كلاب. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: هِيَ بَين أَرض بني عَامر وحرة بني سليم، كلا البلدين مِنْهَا قريب، وَهِي من (بني) سُليم أقرب. ثَانِيهَا: قَوْله فِي الحَدِيث السالف «ثمَّ تَركه» . المُرَاد ترك الدُّعَاء عَلَى أُولَئِكَ الْكفَّار ولعنهم فَقَط، لَا ترك جَمِيع الْقُنُوت أَو ترك الْقُنُوت فِي غير الصُّبْح، وَهَذَا التَّأْوِيل مُتَعَيّن؛ لِأَن حَدِيث أنس بعده «لم (يزل يقنت) فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» صَحِيح صَرِيح، فَيتَعَيَّن الْجمع بَينهمَا. وَقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الإِمَام أَنه قَالَ: إِنَّمَا ترك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 اللَّعْن. وَيُؤَيّد هَذَا التَّأْوِيل مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قنت بعد الرُّكُوع فِي صلَاته شهرا يَدْعُو لفُلَان وَفُلَان ثمَّ ترك الدُّعَاء لَهُم» . وَمَعْنى لفُلَان: عَلَى فلَان، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: (وَإِن أسأتم فلهَا) أَي: فعلَيْهَا، قَالَ أَصْحَابنَا: الَّذين رووا إِثْبَات الْقُنُوت أَكثر وَمَعَهُمْ زِيَادَة علم، فَتقدم روايتهم. ثَالِثهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما مَا عدا الصُّبْح من الْفَرَائِض فَإِن نزل بِالْمُسْلِمين نازلة من وباء أَو قحط، فيقنت فِيهَا أَيْضا فِي الِاعْتِدَال عَن رُكُوع الرَّكْعَة الْأَخِيرَة كَمَا فعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَدِيث بِئْر مَعُونَة عَلَى مَا سبق، وَإِن لم تنزل نازلة فَفِيهِ قَولَانِ: أصَحهمَا لَا يقنت؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام ترك الْقُنُوت (فِيهَا. انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لما عَلمته. وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيّ ترك الْقُنُوت) فِي سَائِر الصَّلَوَات غير الصُّبْح عِنْد ارْتِفَاع النَّازِلَة وَفِي صَلَاة الصُّبْح لقوم أَو عَلَى قوم بِأَسْمَائِهِمْ أَو قبائلهم. ثمَّ ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول حِين يفرغ من صَلَاة الْفجْر من الْقِرَاءَة وَيكبر وَيرْفَع رَأسه: سمع الله لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد ثمَّ يَقُول -[وَهُوَ قَائِم]- : «اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك عَلَى مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم كَسِنِي يُوسُف، اللَّهُمَّ الْعَن لحيان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 وَرِعْلًا وذكوان وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله» ثمَّ بلغنَا أَنه ترك ذَلِك لما نزلت (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء» ) . وَفِي لفظ لَهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قنت بعد الرُّكُوع فِي صلَاته شهرا إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده يَقُول فِي قنوته: اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد، اللَّهُمَّ نج سَلمَة بن هِشَام، اللَّهُمَّ نج عَيَّاش بن أبي ربيعَة ... » الحَدِيث. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ترك الدُّعَاء بعد، فَقلت: أرَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ترك الدُّعَاء [لَهُم] قَالَ: فَقيل: وَمَا (تراهم قد) قدمُوا؟) وَأخرج البُخَارِيّ ذَلِك أَيْضا، وَانْتَهَى حَدِيثه عِنْد الْآيَة، وَلم يذكرهَا الْبَيْهَقِيّ كَذَا، ثمَّ ذكر بعد ذَلِك حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قنت شهرا يَدْعُو عَلَى أَحيَاء (من أَحيَاء) الْعَرَب ثمَّ تَركه» وَعَزاهُ إِلَى مُسلم، وَذكر عقبه قَول ابْن مهْدي السالف. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قنت بعد رفع رَأسه من الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 بن مُعَاوِيَة الجُمَحِي، ثَنَا ثَابت بن يزِيد، عَن هِلَال بن (خباب) ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «قنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شهرا مُتَتَابِعًا فِي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَصَلَاة الصُّبْح فِي دبر كل صَلَاة، إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة، يَدْعُو عَلَى أَحيَاء من سُليم؛ عَلَى رعل وذكوان وَعصيَّة ويؤمِّن من خَلفه» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن عَفَّان، ثَنَا ثَابت بِهِ، وثابت هَذَا هُوَ الأودي الْأَحول الثِّقَة وهلال بن (خباب) رَوَى لَهُ الْأَرْبَعَة. وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط فِي آخر عمره. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا، ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث حسن، وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» . وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِسْنَاده حسن أَو صَحِيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 628 الحَدِيث السِّتُّونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قنت بعد رفع رَأسه من الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلّي صِحَّته كَمَا سبق فِي التَّنْبِيه الثَّالِث السالف قَرِيبا. وَفِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ الصَّحِيحَة أَن أنس بن مَالك رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثل ذَلِك، وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قنت شهرا بعد الرُّكُوع يَدْعُو عَلَى أَحيَاء من الْعَرَب ثمَّ تَركه» ، وَقَوله: «ثمَّ تَركه» قد سلف تَأْوِيله. وَفِي البُخَارِيّ مثل هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عمر، وَفِي مُسلم مثله من حَدِيث خفاف بن إِيمَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رُوَاة الْقُنُوت بعد (الرّفْع) أَكثر وأحفظ، وَعَلِيهِ درج الْخُلَفَاء الراشدون فِي أشهر الرِّوَايَات عَنْهُم وأكثرها. وَفِي «الكنى» لأبي أَحْمد الْحَاكِم عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث قَالَ: سَمِعت خَالِدا العَبْد يَقُول: قَالَ الْحسن: «صليت خلف ثَمَانِيَة وَعشْرين بدريًّا كلهم يقنت فِي الصُّبْح بعد الرُّكُوع» . وَقَالَ الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد يَقُول أحد فِي حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قنت قبل الرُّكُوع» غير عَاصِم الْأَحول؟ فَقَالَ: مَا علمت أحدا يَقُوله غَيره خالفهم كلهم هِشَام عَن قَتَادَة، والتيمي عَن أبي مجلز، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 629 وَأَيوب عَن ابْن سِيرِين، وَغير وَاحِد عَن حَنْظَلَة السدُوسِي كلهم، عَن أنس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قنت بعد الرُّكُوع» . قيل لِأَحْمَد: سَائِر الْأَحَادِيث إِنَّمَا هِيَ بعد الرُّكُوع؟ قَالَ: بلَى، خفاف بن إِيمَاء وَأَبُو هُرَيْرَة. وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس «وَسُئِلَ عَن الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح أقبل الرُّكُوع أم بعد؟ فَقَالَ: كِلَاهُمَا قد كُنَّا نَفْعل؛ قبل وَبعد» قَالَ: أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَا مطْعن عَلَى أحد من رُوَاته بِوَجْه. الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقنت فِي الصُّبْح بِهَذَا الدُّعَاء وَهُوَ: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَعَافنِي فِيمَن عافيت، وتولني فِيمَن توليت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وقني شَرّ مَا قضيت؛ إِنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإنَّهُ لَا يذل من واليت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت» . قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الْقدر يرْوَى عَن الْحسن بن عَلّي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي (سُنَنهمْ) ، فَأَما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 630 أَحْمد فَرَوَاهُ عَن وَكِيع، نَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن بريد - بِالْبَاء الْمُوَحدَة - ابْن أبي مَرْيَم (السَّلُولي) ، عَن أبي الْحَوْرَاء - بِالْحَاء الْمُهْملَة - واسْمه ربيعَة بن شَيبَان، عَن الْحسن بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر اللَّهُمَّ اهدني ... » فَذكره إِلَّا أَنه قَالَ: «فَإنَّك تقضي» بِإِثْبَات الْفَاء، وَإِسْقَاط الْوَاو من قَوْله: «وَإنَّهُ لَا يذل من واليت» . وَأما أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ [فأخرجاه] كَذَلِك لَكِن بِإِسْقَاط الْفَاء (وَالْوَاو) وَأخرجه التِّرْمِذِيّ كَذَلِك أَيْضا (لَكِن) بِإِثْبَات الْوَاو، وَقَالُوا: «فِي الْوتر» بدل قَوْله «فِي قنوت الْوتر» . وَأما ابْن مَاجَه فَرَوَاهُ بِلَفْظ: «عَلمنِي جدي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر: «اللَّهُمَّ] عَافنِي فِيمَن عافيت] ، وتولني فِيمَن توليت، واهدني فِيمَن هديت، وقني شَرّ مَا قضيت، وَبَارك (لي) فِيمَا أَعْطَيْت، إِنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، إِنَّه لَا يذل من واليت، سُبْحَانَكَ رَبنَا تَبَارَكت وَتَعَالَيْت» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَلَا نَعْرِف عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْقُنُوت [فِي الْوتر] شَيْئا أحسن من هَذَا. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَهُوَ مِمَّا ألزم الشَّيْخَانِ تَخْرِيجه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 631 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن أبي الْحَوْرَاء، عَن الْحسن أَو الْحُسَيْن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَلِمَات أقولهن فِي الْقُنُوت اللَّهُمَّ اهدني ... » فَذكره بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ إِلَّا أَنه أسقط (الْفَاء) من «فَإنَّك» وَزَاد: «وَلَا يعز من عاديت» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ فِي أصل كِتَابه: عَن الْحسن أَو الْحُسَيْن بن عَلّي فكأنَّ الشَّك لم يَقع فِي الْحسن [أَو الْحُسَيْن بن عَلّي] وَإِنَّمَا وَقع فِي الْإِطْلَاق أَو النِّسْبَة، وَكَانَ فِي أصل كِتَابه هَذِه الزِّيَادَة «وَلَا يعز من عاديت» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب المناقب مِنْهُ فِي تَرْجَمَة الْحسن من طَرِيق أُخْرَى، رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن عَمه مُوسَى بن عقبَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي وتري إِذا رفعت رَأْسِي وَلم يبْق إِلَّا السُّجُود: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَعَافنِي فِيمَن عافيت، وتولني فِيمَن توليت، وَبَارك لي فِيمَا (أَعْطَيْت) ، وقني شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، إِنَّه لَا يذل من واليت، تَبَارَكت وَتَعَالَيْت» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم إِلَّا أَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير قد خَالف إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة فِي إِسْنَاده، فَرَوَاهُ عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 632 أبي الْحَوْرَاء، عَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات فِي الْوتر: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَبَارك لي فِيمَا [أَعْطَيْت] ، وقني شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإنَّهُ لَا يذل من واليت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي (سنَنه) أَيْضا من طرق، فَفِي بَعْضهَا بالسند الْمَذْكُور، قَالَ بريد: «فَذكرت ذَلِك لمُحَمد ابْن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ: إِنَّه الدُّعَاء الَّذِي (كَانَ) يَدْعُو بِهِ فِي صَلَاة الْفجْر فِي قنوته» وَفِي بَعْضهَا من حَدِيث (عبد الْمجِيد بن أبي رواد) عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز أَن بريد بن أبي مَرْيَم أخبرهُ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس وَمُحَمّد بن [عَلّي] هُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة بالخيف يَقُولَانِ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح وَفِي وتر اللَّيْل بهؤلاء (الْكَلِمَات) » فَذكره كَمَا سلف إِلَّا أَنه لم يذكر «وَلَا يعز من عاديت» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، نَا ابْن جريج، عَن ابْن هُرْمُز، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا دُعَاء نَدْعُو بِهِ فِي الْقُنُوت (من) صَلَاة الصُّبْح: اللَّهُمَّ اهدنا فِيمَن هديت ... » الحَدِيث، إِلَّا أَنه قَالَ: «وتولنا» و «بَارك لنا» و «قِنَا» . ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ مخلد بن يزِيد الْحَرَّانِي، عَن ابْن جريج. فَذكر رِوَايَة (بريد) مُرْسلَة فِي تَعْلِيم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحد ابْني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 633 ابْنَته هَذَا الدُّعَاء فِي وتره ثمَّ قَالَ بريد: سَمِعت ابْن الْحَنَفِيَّة وَابْن عَبَّاس يَقُولَانِ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُولهَا فِي قنوت اللَّيْل» قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو صَفْوَان الْأمَوِي، عَن ابْن جريج إِلَّا أَنه قَالَ: عَن عبد الله بن هُرْمُز، وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن الْحَنَفِيَّة «فِي قنوت صَلَاة الصُّبْح» قَالَ: فصح بِهَذَا كُله أَن تَعْلِيمه هَذَا الدُّعَاء وَقع لقنوت صَلَاة الصُّبْح وقنوت الْوتر، فَإِن بريدًا أَخذ الحَدِيث من الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرناهما. قلت: فصح حِينَئِذٍ دَعْوَى الرَّافِعِيّ أَن ذَلِك كَانَ فِي الصُّبْح، وَخَالف أَبُو حَاتِم بن حبَان فضعف حَدِيث الْحسن (بِمَا تشاحح فِيهِ) فَقَالَ فِي كِتَابه (وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» : ذِكْرُ خبر عدُول نقلته، يُوهم عَالما أَن الْمُصْطَفَى (علم (الْحسن) بن عَلّي دُعَاء الْقُنُوت، ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَمَا أسلفناه عَن السّنَن الْأَرْبَعَة ثمَّ قَالَ: هَذَا خبر رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم وسَمعه ابناه إِسْرَائِيل وَيُونُس، عَن أَبِيهِمَا، وَعَن بريد بن أبي مَرْيَم، وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي كَانَ مدلسًا لَا يصغر عَن بريد بن أبي مَرْيَم بل هُوَ أَعلَى إِسْنَادًا مِنْهُ، وَلَكِن لَا نَدْرِي أسمع هَذَا الْخَبَر من بريد أم لَا؟ قَالَ: (وَهَذِه) اللَّفْظَة «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر» لَيست بمحفوظة؛ لِأَن الْحسن بن عَلّي قُبِضَ الْمُصْطَفَى وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، فَكيف يعلم الْمُصْطَفَى ابْن ثَمَان سِنِين دُعَاء الْقُنُوت فِي الْوتر وَيتْرك أولي الأحلام والنهى من الصَّحَابَة و (لَا) يَأْمُرهُم بِهِ. قَالَ: وَشعْبَة بن الْحجَّاج أحفظ من مِائَتَيْنِ مثل أبي إِسْحَاق وابنيه، وَقد رَوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 634 هَذَا الْخَبَر عَن بريد بن أبي مَرْيَم من غير ذكر الْقُنُوت وَلَا الْوتر فِيهِ وَإِنَّمَا قَالَ: «كَانَ يعلمنَا هَذَا الدُّعَاء» وَقد (سَمعه) من بريد بن أبي مَرْيَم مرَارًا، فَلَو كَانَت هَذِه اللَّفْظَة مَحْفُوظَة لبادر بهَا شُعْبَة فِي خَبره إِذْ الإتقان بِهِ أَحْرَى والضبط للإسناد بِهِ أولَى من أبي إِسْحَاق وابنيه. هَذَا آخر كَلَامه. وَأخرجه فِي (صَحِيحه) من غير ذكر الْقُنُوت وَلَا الْوتر، رَوَاهُ من حَدِيث شُعْبَة عَن بريد، عَن أبي الْحَوْرَاء. [قَالَ] : (قلت لِلْحسنِ: مَا تذكر من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: أذكر أَنِّي أخذت تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فجعلتها فِي فيَّ فانتزعها بلعابها فطرحها فِي التَّمْر، وَكَانَ يعلمنَا هَذَا الدُّعَاء اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت ... » فَذكره إِلَى قَوْله: «إِنَّه لَا يذل من واليت» . قَالَ شُعْبَة: وَأَظنهُ قَالَ: «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت» . ثمَّ قَالَ: اسْم أبي الْحَوْرَاء ربيعَة بن شَيبَان، وَأَبُو الجوزاء اسْمه أَوْس بن عبد الله هما جَمِيعًا تابعيان [بصريان] وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» سَوَاء وَقَالَ: وَرُبمَا قَالَ: «تَبَارَكت [رَبنَا] وَتَعَالَيْت» . بدل: وَأَظنهُ. ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ ابْن حبَان وَزَاد: وَقَالَ شُعْبَة: وَقد حَدثنِي من سمع هَذِه مِنْهُ. ثمَّ إِن شُعْبَة حدث بِهَذَا الحَدِيث مخرجه إِلَى الْمهْدي بعد موت أَبِيه فَلم يشك فِي «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت» . فَقيل لشعبة: إِنَّك تشك فِيهِ. فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ شكّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 635 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَورد فِي حَدِيث الْحسن بن عَلّي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ بعد «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت) : (وَصَلى الله عَلَى النَّبِي وَسلم» . قلت: رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة، عَن عبد الله بن عَلّي، عَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْوتر قَالَ: قل اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وتولني فِيمَن توليت، وقني بِرَحْمَتك شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإنَّهُ لَا يذل من واليت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت وَصَلى الله عَلَى النَّبِي» وَعَزاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» إِلَيْهِ بِلَفْظ «وَصَلى الله عَلَى النَّبِي مُحَمَّد» . وَهَذِه الزِّيَادَة (و) هِيَ «مُحَمَّد» لم أرها فِي الحَدِيث، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ زِيَادَة «وَسلم» . وَلم أرها أَيْضا فِيهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَزَاد الْعلمَاء فِي الْقُنُوت «وَلَا يعز من عاديت» قبل «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت» . قلت: هَذَا غَرِيب تبع فِيهِ ابْن الصّباغ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «شامله» : إِن بعض النَّاس زَاد فِيهِ ذَلِك. فَهَذِهِ الزِّيَادَة فِي نَفْس الحَدِيث (كَمَا أسلفتها لَك بإسنادها عَن الْبَيْهَقِيّ) وَادَّعَى النووى فِي «خلاصته» أَن الْبَيْهَقِيّ رَوَاهَا بِسَنَد ضَعِيف، وَقد أسلفت لَك السَّنَد وَلم يظْهر لي ضعفه، وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة - فِيمَا أَظن - فَقَالَ فِي «مطلبه» : [لم] تثبت الرِّوَايَة بهَا. وَتبع النَّوَوِيّ فِي «روضته» الرَّافِعِيّ فِي نَقله هَذِه الزِّيَادَة عَن الْعلمَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 636 لكنه أنكرهُ عَلَيْهِ فِي شرح «الْمُهَذّب» . (فَائِدَة: هَذَا الْقُنُوت الَّذِي قَرَّرْنَاهُ اشْتهر بقنوت الْحسن واستفيد أَيْضا أَنه رُوِيَ عَن الْحُسَيْن أَيْضا أَخِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» فِي تَرْجَمَة الْحُسَيْن فَقَالَ يزِيد: أَنا شريك بن عبد الله، عَن أبي إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن أبي الْحَوْرَاء، عَن الْحُسَيْن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي جدي - أَو قَالَ: النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَلِمَات أقولهن فِي الْوتر ... » فَذكر الحَدِيث) . الحَدِيث الثَّانِي بعد السِّتين قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثمَّ الإِمَام فِي صَلَاة الصُّبْح هَل يجْهر بِالْقُنُوتِ؟ فِيهِ وَجْهَان: أظهرهمَا أَنه يجْهر؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ الْجَهْر بِهِ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» فِي كتاب التَّفْسِير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو عَلَى أحد أَو يَدْعُو لأحد قنت بعد الرُّكُوع فَرُبمَا قَالَ: إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده، اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد ... » الحَدِيث. وَفِي آخِره: «يجْهر بذلك» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَحَدِيث بِئْر مَعُونَة يدل عَلَى أَنه كَانَ يجْهر بِهِ فِي جَمِيع الصَّلَوَات. هُوَ ظَاهر مَا أوردته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 637 الحَدِيث الثَّالِث بعد السِّتين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقنت وَنحن (نؤمن) خَلفه» . هَكَذَا هُوَ فِي «الشَّامِل» لِابْنِ الصّباغ أَيْضا، و (قد) قدمْنَاهُ بِطُولِهِ قَرِيبا فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين بِلَفْظ «ويؤمن من خَلفه» فَيحْتَمل أَن يقْرَأ بنُون فِي أول «نؤمن» ثمَّ بعد الْكَلِمَة «مِن» الجارة بِكَسْر الْمِيم. و «خَلفه» بِالْجَرِّ ب (من) فيوافق إِذن مَا أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت فِي أَوله ثمَّ بعد الْكَلِمَة «من» بِفَتْح الْمِيم مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي و «خَلفه» بِالنّصب عَلَى الظّرْف. (الحَدِيث الرَّابِع بعد السِّتين عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا دَعَوْت فَادع ببطون كفيك، وَإِذا فرغت فامسح راحتيك عَلَى وَجهك» هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن مسلمة، نَا عبد الْملك بن مُحَمَّد بن أَيمن، عَن عبد الله بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق، عَمَّن حَدثهُ، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لَا تستروا الْجدر، وَمن نظر فِي كتاب أَخِيه بِغَيْر إِذْنه فَكَأَنَّمَا ينظر فِي النَّار. سلوا الله ببطون أكفكم وَلَا [تسألوه] بظهورها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 638 فَإِذا فَرَغْتُمْ فامسحوا بهَا وُجُوهكُم) . قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من غير وَجه عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ كلهَا واهية، وَهَذَا الطَّرِيق أمثلها وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَاللَّفْظ لَهُ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث صَالح بن (حسان) عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «إِذا دَعَوْت الله فَادع ببطون كفيك وَلَا تدع بظهورهما، فَإِذا فرغت فامسح بهما وَجهك» وَلَفظ الْحَاكِم «إِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ ببطون أكفكم، وَلَا تسألوه بظهورها، وامسحوا بهَا وُجُوهكُم» وَصَالح هَذَا ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يروي الموضوعات عَن الثِّقَات. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» : كَذَّاب. لَا جرم قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ أَحْمد: لَا يعرف هَذَا أَنه كَانَ يمسح وَجهه بعد الدُّعَاء إِلَّا عَن الْحسن. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى تَضْعِيفه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : لست أحفظ فِي مسح الْوَجْه - هُنَا - عَن أحد من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 639 السّلف شَيْئا، وَإِن كَانَ يرْوَى عَن بَعضهم فِي الدُّعَاء خَارج الصَّلَاة. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَدِيث فِيهِ ضعف وَهُوَ مُسْتَعْمل عِنْد بَعضهم خَارج الصَّلَاة، فَأَما فِي الصَّلَاة فَهُوَ عمل لم يثبت فِيهِ أثر وَلَا خبر وَلَا قِيَاس، وَالْأولَى أَن لَا يَفْعَله ويقتصر عَلَى مَا فعله السّلف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - من رفع الْيَدَيْنِ دون مسحهما بِالْوَجْهِ فِي الصَّلَاة. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ الحَدِيث السالف، وَنقل كَلَام أبي دَاوُد فِيهِ، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن الْمُبَارك أَنه سُئِلَ عَن مسح الْوَجْه إِذا دَعَا الْإِنْسَان قَالَ: لم أجد لَهُ شَاهدا. هَذَا آخر كَلَام الْبَيْهَقِيّ. وَأما حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا رفع يَدَيْهِ فِي الدُّعَاء لم يحطهما حَتَّى يمسح بهما وَجهه) فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: غَرِيب، انْفَرد بِهِ حَمَّاد بن عِيسَى. قلت: هُوَ الْجُهَنِيّ غريق الْجحْفَة، ضَعَّفُوهُ، وَأَتَى عَن جَعْفَر الصَّادِق وَابْن جريج بطامات. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: هَذَا حَدِيث مُنكر، أَخَاف أَن لَا يكون لَهُ أصل. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَا يَصح. وَنقل عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» أَن التِّرْمِذِيّ صَححهُ، وَقد قيل إِنَّه وجد كَذَلِك فِي غير مَا نُسْخَة مِنْهُ، لَكِن ابْن الصّلاح ثمَّ النَّوَوِيّ غلطاه فِي هَذَا النَّقْل عَنهُ، فَإِن يثبت ذَلِك عَن التِّرْمِذِيّ فَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وينكر عَلَى ابْن السكن فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 640 إِدْخَاله لَهُ فِي (سنَنه الصِّحَاح المأثورة) . وَالله أعلم.) الحَدِيث (الْخَامِس) بعد السِّتين عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا يرفع الْيَد إِلَّا (فِي) ثَلَاثَة مَوَاطِن: الاستستقاء، والاستنصار، وَعَشِيَّة عَرَفَة» . هَذَا الحَدِيث قدمت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْفَصْل الْمَعْقُود لما عَارض الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي الرّفْع وَأَنه غَرِيب، لَا نَعْرِف من خرجه من حَدِيث أنس وَأَن الْمَعْرُوف إرْسَاله، وَقد قَدمته هُنَاكَ، وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن أنس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يرفع يَدَيْهِ فِي (شَيْء من) دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاء، وَأَنه يرفع يَدَيْهِ حَتَّى يرَى بَيَاض إبطَيْهِ» . قلت: وَثَبت أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رفع يَدَيْهِ فِي عدَّة مَوَاضِع أخر مِنْهَا: فِي الْقُنُوت، رَوَاهُ أنس، وَهُوَ فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» ، وَمِنْهَا فِي دُعَائِهِ لأهل البقيع، روته عَائِشَة، وَهُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» ، وَمِنْهَا فِي دُعَائِهِ يَوْم بدر وَقَوله: «اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي» . رَوَاهُ عمر بن الْخطاب وَهُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» (أَيْضا) ، وَمِنْهَا فِي دُعَائِهِ عِنْد الْجَمْرَة الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 641 وَالْوُسْطَى، رَوَاهُ ابْنه عبد الله وَهُوَ فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» ، وَمِنْهَا لما صبح خَيْبَر وَقَالَ: «الله أكبر خربَتْ خَيْبَر» . رَوَاهُ أنس وَهُوَ (فِي) صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا، وَمِنْهَا فِي دُعَائِهِ لأبي عَامر لما اسْتشْهد رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَفِي كتاب «رفع الْيَدَيْنِ» للْبُخَارِيّ الرّفْع عَنهُ (من حَدِيث عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَعلي وَقَالَ: هِيَ صَحِيحَة. إِذا علمت ذَلِك فيتأول حَدِيث أنس أَنه أَرَادَ الرّفْع البليغ فقد رَوَى هُوَ بعض ذَلِك. الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا سجدت فمكن جبهتك من الأَرْض وَلَا تنقر نقرًا» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي (مهذبه) ، وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيثه، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : هَذَا حَدِيث غَرِيب ضَعِيف، وَذكره فِي «خلاصته» فِي فصل الضَّعِيف وَأَشَارَ غَيره إِلَى غنية الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَنهُ لما لم يظفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 642 بِهِ (وَهِي) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يسْجد عَلَى جَبهته ويمكنها» وَمن ذَلِك حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا سجد أمكن جَبهته وَأَنْفه» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مطولا، وَمِنْهَا حَدِيث وَائِل بن حجر قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْجد عَلَى الأَرْض وَاضِعا جَبهته وَأَنْفه فِي سُجُوده» . رَوَاهُ أَحْمد. وَمِنْهَا حَدِيث رِفَاعَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لرجل: إِذا أَنْت سجدت فَأثْبت وَجهك ويديك حَتَّى يطمئن كل عظم مِنْك إِلَى مَوْضِعه» رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) . وَهَذَا غَرِيب من هَؤُلَاءِ، فَالْحَدِيث مَوْجُود بِعَيْنِه فِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن مُجَاهِد، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر مطولا وَفِيه: «فَإِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فركعت فضع يَديك عَلَى ركبتيك وَفرج بَين أصابعك، ثمَّ ارْفَعْ رَأسك حَتَّى يرجع كل عُضْو إِلَى مفصله، وَإِذا سجدت فَأمكن جبهتك من الأَرْض وَلَا تنقر» . ثمَّ ذكر بَاقِيه: بِطُولِهِ إِسْحَاق الدبرِي صَدُوق احْتج بِهِ أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» وَإِن استصغر فِي شَيْخه عبد الرَّزَّاق الإِمَام وَلَا عِبْرَة بِمن تكلم فِيهِ، وَمُجاهد سمع من ابْن عمر، قَالَ البرديجي (الَّذِي) صَحَّ لمجاهد من الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة عَلَى خلاف فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 643 قلت: لَكِن الشَّأْن فِي ابْن مُجَاهِد فَإِنَّهُ أحد الضُّعَفَاء كذبه سُفْيَان الثَّوْريّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك بإسقاطه من غير هَذَا الْوَجْه أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (فَالْحَمْد لله) عَلَى زَوَال الغرابة والضعف (عَنهُ) كَمَا ادعِي. قَالَ أَبُو حَاتِم: أَنا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن مُصعب السنجي، نَا مُحَمَّد بن (عمر بن) الْهياج، نَا يَحْيَى بن عبد الرَّحْمَن الأرحبي، حَدثنِي عُبَيْدَة بن (الْأسود) ، عَن الْقَاسِم بن الْوَلِيد، عَن سِنَان بن الْحَارِث بن مصرف، [عَن طَلْحَة بن مصرف] ، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر قَالَ: «جَاءَ رجل من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَلِمَات أسأَل عَنْهُن، قَالَ: اجْلِسْ، وَجَاء رجل من ثَقِيف فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَلِمَات أسأَل عَنْهُن فَقَالَ (: سَبَقَك الْأنْصَارِيّ [فَقَالَ الْأنْصَارِيّ] : إِنَّه رجل غَرِيب، وَإِن للغريب حقًّا فابدأ بِهِ. فَأقبل عَلَى الثَّقَفِيّ فَقَالَ: إِن شِئْت أَجَبْتُك عَمَّا كنت تسْأَل، (وَإِن شِئْت سَأَلتنِي) وأخبرك. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، بل أجبني عَمَّا كنت (أَسأَلك) قَالَ: (جِئْت) تَسْأَلنِي عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 644 الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالصَّلَاة وَالصَّوْم. فَقَالَ: [لَا] (و) الَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأت مِمَّا كَانَ فِي نَفسِي شَيْئا. قَالَ: فَإِذا ركعت فضع (راحتيك) عَلَى ركبتيك، ثمَّ فرج بَين أصابعك ثمَّ امْكُث حَتَّى يَأْخُذ كل عُضْو مأخذه، وَإِذا سجدت فمكن جبهتك، وَلَا تنقر نقرًا، وصل أول النَّهَار وَآخره. فَقَالَ: يَا نَبِي الله، فَإِن أَنا صليت بَينهمَا؟ قَالَ: فَأَنت إِذا (مصلٍّ) ، وصم (من) كل شهر ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة. فَقَامَ الثَّقَفِيّ، ثمَّ أقبل عَلَى الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: إِن شِئْت أَخْبَرتك عَمَّا (جِئْت) تسْأَل، وَإِن شِئْت سَأَلتنِي فأخبرك. فَقَالَ: لَا يَا نَبِي الله، أَخْبرنِي عَمَّا (جِئْت) أَسأَلك. قَالَ: جِئْت تَسْأَلنِي عَن الْحَاج مَا لَهُ حِين يخرج من بَيته، وَمَا لَهُ حِين يقوم بِعَرَفَات، وَمَا لَهُ حِين يَرْمِي الْجمار، وَمَا لَهُ حِين يحلق رَأسه، وَمَا لَهُ حِين يقْضِي آخر طَوَافه بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأت مِمَّا كَانَ فِي نَفسِي شَيْئا ... » فَذكره بِطُولِهِ، وَقد سقته فِي شرحي الصَّغِير «للمنهاج» . قلت: وَرُوِيَ فِي حَدِيث آخر «وَلَا تنقر كنقر الديك» رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «تَلْخِيص الْمُتَشَابه» من حَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ (فِي جملَة) حَدِيث طَوِيل: «يَا بني، إِذا سجدت فَأمكن جبهتك من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 645 الأَرْض وَلَا تنقر نقر الديك» لكنه حَدِيث ضَعِيف فِي إِسْنَاده بشر بن إِبْرَاهِيم المفلوج الوضاع. الحَدِيث السَّابِع بعد السِّتين عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد بِأَعْلَى جَبهته عَلَى قصاص الشّعْر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبد الْعَزِيز بن عبيد الله قَالَ: «قلت لوهب بن كيسَان: مَا لَك لَا تمكن جبهتك وأنفك من الأَرْض؟ قَالَ: ذَلِك أَنِّي سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْجد بِأَعْلَى جَبهته عَلَى قصاص الشّعْر» . ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عبد الْعَزِيز، عَن وهب، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ عبد الْحق: عبد الْعَزِيز هَذَا لم يرو عَنهُ إِلَّا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَهُوَ ضَعِيف وَحَدِيثه مُنكر، وَهَذَا قَالَه يَحْيَى بن معِين فِيهِ. وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي حَقه: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: مُضْطَرب الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. فَائِدَة: قصاص الشّعْر - مثلث الْقَاف -: أول منبته من مقدم الرَّأْس (وَالتَّقْيِيد بِكَوْنِهِ من مقدم الرَّأْس إِنَّمَا هُوَ تَفْسِير للْقصَاص الْوَاقِع فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 646 الحَدِيث، وَأما مَفْهُومه اللّغَوِيّ فَينْطَلق عَلَى مُنْتَهى (الشّعْر) سَوَاء كَانَ من الْمُقدم أَو الْمُؤخر، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَالضَّم أفْصح) . الحَدِيث الثَّامِن بعد السِّتين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أمرت أَن أَسجد عَلَى سَبْعَة أعظم: عَلَى الْجَبْهَة - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنفه - وَالْيَدَيْنِ، والركبتين، وأطراف الْقَدَمَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «وَلَا أكفت الثِّيَاب وَلَا الشّعْر» . وَفِي رِوَايَة لَهما «أمرت أَن أَسجد عَلَى سبع [وَلَا أكفت الشّعْر وَلَا الثِّيَاب] : الْجَبْهَة، وَالْأنف، وَالْيَدَيْنِ، والركبتين [والقدمين] » وَفِي رِوَايَة لَهما: «أُمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يسْجد عَلَى سَبْعَة أعظم: الْكَفَّيْنِ، والركبتين، والقدمين، والجبهة» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «عَلَى سَبْعَة آرَاب» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 647 قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة رَوَاهَا أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا وَلَفظه: «أمرت - وَرُبمَا قَالَ: أَمر نَبِيكُم - أَن نسجد عَلَى سَبْعَة آرَاب» . إِسْنَاده صَحِيح. وَعَزاهُ غير وَاحِد من الْحفاظ كالبيهقي وَغَيره إِلَى مُسلم فِي «صَحِيحه» أَنه قد رَوَى فِيهِ من حَدِيث الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِذا (سجد العَبْد) سجد مَعَه سَبْعَة (آرَاب) وَجهه، وَكَفاهُ، وَركبَتَاهُ، وَقَدمَاهُ» . وَوَقع فِي (مُسْتَدْرك الْحَاكِم) فِي أثْنَاء كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا اتفقَا عَلَى حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن عَامر بن سعد، عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِذا سجد العَبْد سجد مَعَه سَبْعَة (آرَاب) » الحَدِيث. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ فَلَيْسَ هُوَ فِي البُخَارِيّ قطعا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي بعض نسخ مُسلم كَمَا نبه عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض فِي «إكماله» وَلم أره أَنا فِي شَيْء من نسخه. قَالَ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» : وَلَا نعلم أحدا قَالَ: الْآرَاب إِلَّا الْعَبَّاس. قلت: قد قَالَهَا وَلَده أَيْضا كَمَا نقلنا ذَلِك عَن «سنَن أبي دَاوُد» وَقَالَهَا أَيْضا غَيرهمَا فَفِي (مُسْند عبد بن حميد) حَدثنِي ابْن أبي شيبَة، نَا مُحَمَّد بن عمر، عَن عبد الله بن جَعْفَر، عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد، عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 648 عَامر بن سعد، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا سجد العَبْد يسْجد عَلَى سَبْعَة آرَاب: وَجهه، وكفيه، وركبتيه، وقدميه، فَمَا لم (يَقع بعد) انْتقصَ» . فَائِدَة: الْآرَاب: الْأَعْضَاء، وَاحِدهَا: إرب - بِكَسْر الْهمزَة وَإِسْكَان الرَّاء - قَالَ ابْن يُونُس فِي «شرح التَّعْجِيز» : والآراب - بِفَتْح الرَّاء وإسكانها - جمع إرب؛ أَي: عُضْو. الحَدِيث التَّاسِع بعد السِّتين عَن خباب بن الْأَرَت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حر الرمضاء فِي جباهنا وأكفنا فَلم يشكنا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك فِي «سنَنه» و «خلافياته» بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ فِي «خلافياته» : رَوَاهُ زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن أبي إِسْحَاق كَذَلِك، وزَكَرِيا مجمع عَلَى عَدَالَته، وَكَذَلِكَ الطَّرِيق إِلَيْهِ (سديد) ، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «أربعينه» : أَنا ابْن خُزَيْمَة، نَا الْعَبَّاس بن الْفضل، نَا أَحْمد بن يُونُس، نَا أَبُو إِسْحَاق، عَن سعيد بن وهب، عَن خباب قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حر الرمضاء فِي جباهنا وأكفنا فَلم يشكنا» ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 649 قَالَ: رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» ، عَن أَحْمد بن يُونُس. قلت: مُرَاده أَصله؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لفظ «جباهنا وأكفنا» هَذَا لفظ مُسلم: ثَنَا أَحْمد بن يُونُس، نَا أَبُو إِسْحَاق زُهَيْر بن حَرْب، عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي، عَن سعيد بن وهب، عَن خباب (بن الْأَرَت) قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فشكونا إِلَيْهِ حر الرمضاء فَلم يشكنا» . قَالَ زُهَيْر: قلت لأبي إِسْحَاق: أَفِي الظّهْر؟ قَالَ: نعم. قلت: أَفِي تَعْجِيلهَا؟ قَالَ: نعم. وَفِي رِوَايَة لَهُ: (شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (الصَّلَاة فِي) الرمضاء فَلم يشكنا» وَرَوَاهُ (ابْن) الْمُنْذر، عَن عبد الله بن أَحْمد، نَا خَلاد بن يَحْيَى، نَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق، نَا سعيد بن وهب، نَا خباب قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (حر) الرمضاء فَمَا أشكانا، وَقَالَ: إِذا زَالَت الشَّمْس فصلوا» . وَرَوَى هَذِه الزِّيَادَة أَيْضا الْبَيْهَقِيّ وصححها ابْن الْقطَّان، فَقَالَ فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : يُونُس بن أبي إِسْحَاق قد شَارك أَبَاهُ فِي أَشْيَاخ، مِنْهُم: نَاجِية بن كَعْب وَغَيره فَلَا بعد فِي قَوْله: نَا سعيد بن وهب. وَهُوَ فِي «كتاب مُسلم» بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة من رِوَايَة أبي إِسْحَاق، عَن سعيد لَكِن من غير رِوَايَة يُونُس، فَلَعَلَّ يُونُس حفظ عَن سعيد الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 650 مَا لم يحفظ أَبوهُ أَبُو إِسْحَاق. وَيُونُس ثِقَة حَافظ، وخلاد بن يَحْيَى ثِقَة أحد أَشْيَاخ البُخَارِيّ. قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة أبي إِسْحَاق، عَن حَارِثَة بن (مضرب عَنهُ، رَوَاهُ وَكِيع، عَن الْأَعْمَش قَالَ عبد الرَّحْمَن: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: أَخطَأ فِيهِ) وَكِيع بن الْجراح، إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا رَوَاهُ (شُعْبَة وسُفْيَان وَزُهَيْر وَإِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق، عَن) سعيد بن وهب، عَن خباب يرفعهُ، وَقَالَ أَيْضا: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن (عُيَيْنَة) ، عَن الْأَعْمَش، عَن عمَارَة، (عَن) أبي معمر، عَن خباب قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (حر الرمضاء) فَلم يشكنا» . قَالَ أبي: هَذَا خطأ، أَخطَأ فِيهِ ابْن عُيَيْنَة، لَيْسَ لهَذَا أصل، مَا نَدْرِي كَيفَ أَخطَأ وَمَا أَرَادَ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِنَّمَا أَرَادَ ابْن عُيَيْنَة حَدِيث الْأَعْمَش، عَن عمَارَة، عَن أبي معمر، عَن خباب أَنه قيل [لَهُ] «كَيفَ تعرفُون قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: باضطراب لحيته» . قلت لأبي زرْعَة: عَنهُ الحديثان جَمِيعًا؟ فَقَالَ: أَحدهمَا وَالْآخر خطأ. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الصَّحِيح حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي إِسْحَاق، عَن حَارِثَة، عَن خباب قَالَ: «شَكَوْنَا ... » وَابْن عُيَيْنَة وهم فِيهِ (وَفِي) «علل التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 651 زيد بن جُبَير، عَن خشف بن مَالك، (عَن أَبِيه) عَن عبد الله قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حر الرمضاء فَلم يشكنا» ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ، فَقَالَ: الصَّحِيح عَن عبد الله مَوْقُوف. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: وَقع فِي «أَحْكَام الْمُحب الطَّبَرِيّ» أَن البُخَارِيّ أخرج حَدِيث خباب هَذَا، وَهُوَ وهم، وَقد شهد عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِأَن البُخَارِيّ لم يُخرجهُ. ثَانِيهَا: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى وجوب كشف الْجَبْهَة فِي السُّجُود تبعا للأصحاب. وَاعْترض بَعضهم عَلَى الِاسْتِدْلَال بِهِ وَقَالَ: (إِنَّه) إِنَّمَا ورد فِي الْإِبْرَاد. وَهَذَا الِاعْتِرَاض ضَعِيف كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» ؛ لأَنهم شكوا حر الرمضاء فِي جباههم وأكفهم، وَلَو كَانَ الْكَشْف غير وَاجِب (لقيل) لَهُم استروها، فَلَمَّا لم يقل ذَلِك دلّ عَلَى أَنه لَا بُد من كشفها. ثَالِثهَا: اخْتلف فِي مَعْنَى (هَذَا) الحَدِيث فَقيل: لم يعذرنا، وَقيل: لم يحوجنا إِلَى الشكوى فِي الْمُسْتَقْبل. وَرِوَايَة ابْن الْمُنْذر السالفة مبينَة للْأولِ. قلت: لَكِن نسخ ذَلِك وَثبتت السّنة (بعده بِالْأَمر بالإبراد كَمَا سلف) فِي كتاب الصَّلَاة فِي عدَّة أَحَادِيث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 652 رَابِعهَا: خباب بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مُشَدّدَة ثمَّ ألف ثمَّ بَاء مُوَحدَة. والأرت: بِالْمُثَنَّاةِ فَوق كَلَفْظِ الْأَرَت فِي اللِّسَان. والرمضاء: شدَّة حر الأَرْض من وَقع الشَّمْس عَلَى الرمل (وَغَيره) ، ويشكنا - بِضَم أَوله. خَامِسهَا: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من حَدِيث جَابر أَيْضا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حر الرمضاء فَلم يشكنا، وَقَالَ: أَكْثرُوا من قَول لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهَا تدفع (تِسْعَة وَتِسْعين) بَابا من الضّر (أدناها الْهم والفقر) . ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر إِلَّا بلهط بن عباد الْمَكِّيّ، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَة، تفرد بِهِ ابْن أبي عمر الْعَدنِي، عَن عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، وَلَا يرْوَى عَن جَابر إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَا يحفظ بلهط حَدِيثا غير هَذَا. وَذكره الْعقيلِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَقَالَ: بلهط بن عباد، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر مَجْهُول فِي الرِّوَايَة وَالنّسب، حَدِيثه غير مَحْفُوظ، وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّفْظ لَا يَصح، وَالْمَحْفُوظ إِلَى قَوْله: «فَلم يشكنا» . وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي «الْمِيزَان» : بلهط لَا يعرف، وَالْخَبَر مُنكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 653 الحَدِيث السبعون (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الزق جبهتك بِالْأَرْضِ» . هَذَا الحَدِيث هُوَ بِمَعْنى الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين، وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا. الحَدِيث الْحَادِي بعد (السّبْعين) عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سُجُوده كالخرقة البالية» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ وإمامه. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: لم أجد لَهُ بعد الْبَحْث عَنهُ صِحَة. قَالَ: وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي التَّجَافِي (فِي) السُّجُود تنفيه، مِنْهَا حَدِيث مَيْمُونَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد لَو أَرَادَت بهمة أَن تمر (من) تَحْتَهُ لمرت مِمَّا يتجافى» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» والبهمة - بِفَتْح الْبَاء وَإِسْكَان الْهَاء -: الصَّغِيرَة من أَوْلَاد الضَّأْن والمعز (يَقع عَلَى الذّكر وَالْأُنْثَى) وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «تنقيحه» : هَذَا الحَدِيث مُنكر لَا يعرف لَهُ أصل. قلت: بل لَهُ أصل، وَلكنه ضَعِيف، رَوَاهُ سُلَيْمَان بن أبي كَرِيمَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَت لَيْلَة النّصْف من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 654 شعْبَان فَبَاتَ عِنْدِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا كَانَ جَوف اللَّيْل فقدته فَلم أَجِدهُ، فأخذني مَا يَأْخُذ النِّسَاء من الْغيرَة، فتلففت بمرطي وطلبته فِي حجر نِسَائِهِ فَلم أَجِدهُ، فَانْصَرَفت إِلَى حُجْرَتي فَإِذا بِهِ كَالثَّوْبِ السَّاقِط عَلَى وَجه الأَرْض سَاجِدا وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده: اللَّهُمَّ سجد لَك سوَادِي ... » الحَدِيث. ذكره كَذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «النُّور فِي فَضَائِل الْأَيَّام والشهور» وَلم يعله، نعم أعله فِي «علله» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. قَالَ ابْن عدي: سُلَيْمَان هَذَا عَامَّة أَحَادِيثه مَنَاكِير. قلت: وَضَعفه أَيْضا - أَعنِي سُلَيْمَان. وَفِي «الضُّعَفَاء» لأبي حَاتِم بن حبَان من حَدِيث أم سَلمَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي ظن الظَّان أَنه جَسَد لَا روح فِيهِ» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ. الحَدِيث الثَّانِي بعد السّبْعين عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد وضع رُكْبَتَيْهِ قبل يَدَيْهِ، وَإِذا نَهَضَ رفع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، عَن شريك، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن وَائِل بن حجر قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 655 سجد ... » الحَدِيث. ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ [مثل هَذَا] (عَن) شريك، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد (أَكثر) أهل الْعلم. وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ أثبت من حَدِيث تَقْدِيم الْيَدَيْنِ، وَهُوَ أرْفق بالمصلي وَأحسن فِي الشكل ورأي الْعين. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ ابْن أبي دَاوُد وضع (الرُّكْبَتَيْنِ قبل الْيَدَيْنِ) تفرد بِهِ شريك القَاضِي، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، وَشريك لَيْسَ بِقَوي فِيمَا ينْفَرد بِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَلم يحدث بِهِ عَن عَاصِم غير شريك. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث يعد (فِي) أَفْرَاد شريك القَاضِي، وَإِنَّمَا تَابعه همام مُرْسلا، هَكَذَا ذكره البُخَارِيّ وَغَيره من الْحفاظ الْمُتَقَدِّمين. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ غير شريك. قلت: وَشريك هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب الرجل يَأْخُذ حَقه مِمَّن يمنعهُ: لم يحْتَج بِهِ أَكثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ. هَذَا كَلَامه وَهُوَ من رجال مُسلم وَالْأَرْبَعَة (وَثَّقَهُ) ابْن معِين وَغَيره. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأخرج هَذَا الحَدِيث الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ: شريك احْتج بِهِ مُسلم، قَالَ: وَكَذَا عَاصِم بن كُلَيْب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 656 قلت: وَفِيه أَيْضا مقَال قريب كَمَا ستعلمه فِي الحَدِيث الْمِائَة. وَأخرجه أَيْضا من هَذَا الْوَجْه ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي (صَحِيحَيْهِمَا) وَابْن السكن فِي (سنَنه الصِّحَاح» ، وَقَالَ: إِنَّه (مُخْتَلف) فِيهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لم يقل هَذَا عَن شريك غير يزِيد بن هَارُون. قلت: وَهَذَا لَا يقْدَح فِي تَصْحِيحه لجلالة يزِيد وَحفظه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ همام، عَن عَاصِم مُرْسلا وَلم يذكر فِيهِ وَائِل بن حجر. قلت: وَهَذَا لَا يقْدَح فِيهِ أَيْضا لجلالة همام وثقته، وَنِهَايَة مَا فِيهِ تعَارض الْوَصْل والإرسال، وَقد علم مَا فِيهِ، وَيلْزم التِّرْمِذِيّ تَصْحِيحه؛ لِأَنَّهُ صحّح حَدِيث عَاصِم عَن أَبِيه، عَن وَائِل: «لأنظرن إِلَى صَلَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا جلس للتَّشَهُّد ... » الحَدِيث. وَادَّعَى الْحَازِمِي أَن الْمَحْفُوظ رِوَايَة الْإِرْسَال، فَقَالَ فِي «ناسخه ومنسوخه» : هَذَا حَدِيث حسن عَلَى شَرط د ت ق أَخْرجُوهُ فِي كتبهمْ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، عَن شريك. وَرَوَاهُ همام بن يَحْيَى، عَن مُحَمَّد بن جحادة، عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه مَرْفُوعا. قَالَ همام: ونا شَقِيق - يَعْنِي أَبَا اللَّيْث - عَن عَاصِم بن كُلَيْب (عَن) أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا وَهُوَ الْمَحْفُوظ. انْتَهَى كَلَامه. ويقابل كَلَامه بِأَن جماعات من الْحفاظ صححوه متصلًّا كَمَا سلف. ثمَّ ننبه بعد ذَلِك لأمور وَقعت فِي كَلَام التِّرْمِذِيّ - رحمنا الله وإياه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 657 أَولهَا: قَوْله: لَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ غير شريك وَقد علمت من (حَال) كَلَام الْحَازِمِي الْحَافِظ أَن همام بن يَحْيَى رَوَاهُ من طَرِيقين، وَأخرج أَبُو دَاوُد الطَّرِيق الثَّانِي، وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ نَفسه بعد ذَلِك: وَرَوَاهُ عَاصِم عَن همام مُرْسلا. ثَانِيهَا: قَوْله إِن عَاصِمًا رَوَاهُ عَن همام غير مَعْرُوف، إِنَّمَا رَوَاهُ همام عَن شَقِيق، عَن عَاصِم. وَكَذَا ذكره أَبُو دَاوُد وَهُوَ نَفسه فِي علله. ثَالِثهَا: نقل مثل ذَلِك عَن يزِيد بن هَارُون أَن شَرِيكا لم يرو عَن عَاصِم بن كُلَيْب إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُمَا، فقد رَوَى شريك عَن عَاصِم بن كُلَيْب عدَّة أَحَادِيث: أَحدهَا: حَدِيث « (رَأَيْت) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حِيَال أُذُنَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، عَن شريك، عَن عَاصِم، عَن (أَبِيه، عَن) وَائِل. ثَانِيهَا: حَدِيث «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الشتَاء فَرَأَيْت أَصْحَابه يرفعون أَيْديهم فِي ثِيَابهمْ فِي الصَّلَاة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث وَكِيع عَن شريك، عَن عَاصِم، عَن عَلْقَمَة، عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث شريك، عَن عَاصِم، عَن أَبِيه، عَن وَائِل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 658 ثَالِثهَا: حَدِيث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جهر بآمين» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث شريك، عَن عَاصِم، عَن أَبِيه، عَن وَائِل. فاستفد ذَلِك. تَنْبِيه: جَاءَ فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد فِي «سنَنه» و «مراسيله» من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه «وَإِذا نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتمد عَلَى فَخذيهِ» وَقد علمت فِيمَا مَضَى مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة من الِانْقِطَاع. الحَدِيث الثَّالِث بعد السّبْعين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا يرفع يَدَيْهِ فِي السُّجُود» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ، كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث السَّابِع مِنْهُ. الحَدِيث الرَّابِع بعد السّبْعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا سجد أحدكُم فَقَالَ فِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فقد تمّ سُجُوده وَذَلِكَ أدناه» . هَذَا الحَدِيث قد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ، وَهُوَ بعض من الحَدِيث الْحَادِي بعد الْخمسين، فَرَاجعه من ثمَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 659 الحَدِيث الْخَامِس بعد السّبْعين عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول فِي سُجُوده: اللَّهُمَّ لَك سجدت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره، فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَمَا سلف بِطُولِهِ فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين مِنْهُ إِلَّا أَنه قَالَ: «تبَارك» . بِإِسْقَاط الْفَاء، وَرَوَاهُ بإثباتها أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» (وَزَاد فِي «أصل الرَّوْضَة» «بحوله وقوته» قبل «تبَارك» ) . الحَدِيث السَّادِس بعد السّبْعين عَن أبي حميد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد أمكن (أَنفه و) جَبهته من الأَرْض، ونحى يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ، وَوضع كفيه حَذْو مَنْكِبَيْه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِلَفْظ «ثمَّ سجد فَأمكن ... » إِلَى آخِره وَلم يقل: «من الأَرْض» وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» بهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 660 الحَدِيث السَّابِع بعد السّبْعين قَالَ الرَّافِعِيّ: نقل فِي بعض الْأَخْبَار «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يفرق فِي السُّجُود بَين رُكْبَتَيْهِ» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث بَقِيَّة، حَدثنِي عتبَة - يَعْنِي ابْن أبي حَكِيم - حَدثنِي عبد الله بن عِيسَى، عَن الْعَبَّاس بن سهل السَّاعِدِيّ، عَن أبي حميد فِي هَذَا الحَدِيث وأحال عَلَى حَدِيث قبله قَالَ: «وَإِذا سجد فرج بَين فَخذيهِ غير حَامِل بَطْنه عَلَى شَيْء من فَخذيهِ» . بَقِيَّة حَالَته قد علمتها فِيمَا مَضَى، وَعتبَة أَيْضا علمت حَاله فِي أَوَاخِر بَاب الاستطابة. وَفِي «مُسْند أَحْمد» ، نَا أَبُو كَامِل، نَا شريك، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف السُّجُود فَقَالَ: فَبسط كفيه وَرفع عجيزته وخوى، وَقَالَ: هَكَذَا سجد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي تَوْبَة، عَن شريك، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: «وصف لنا الْبَراء بن عَازِب أَنه وضع يَدَيْهِ وَاعْتمد عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرفع عجيزته، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْجد» . وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» و «صِحَاح ابْن السكن» من حَدِيث الْبَراء أَيْضا قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ركع بسط ظَهره وَإِذا سجد وَجه أَصَابِعه قبل الْقبْلَة فتفاج» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 661 قَالَ الْجَوْهَرِي: فججت مَا بَين رجليَّ أفجهما فجًّا إِذا فتحت، يُقَال: يمشي مفاجًّا وتفاجَّ (يبين) فعل ذَلِك من فتح رجلَيْهِ. الحَدِيث الثَّامِن بعد السّبْعين عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكر فِيهَا التَّفْرِقَة بَين الْمرْفقين والجنبين» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا سلف فِي الحَدِيث السَّادِس بعد السّبْعين وبلفظ: «ونحى يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «فيجافي يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «ثمَّ جافى عضديه عَن إبطَيْهِ» . ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة «ثمَّ يهوي إِلَى الأَرْض ويجافي يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ» . وَفِي لفظ: «مجافيًا يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ» . الحَدِيث التَّاسِع بعد السّبْعين عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقل بَطْنه عَن فَخذيهِ فِي سُجُوده» . هَذَا الحَدِيث سلف فِي الحَدِيث السَّابِع بعد السّبْعين وَلَفظه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 662 «وخوى» . وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» وَالْبَيْهَقِيّ و «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» عَن الْبَراء أَيْضا « (كَانَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا صَلَّى جخ» . وَلَفظ النَّسَائِيّ «جخن» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بلفظين: أَحدهمَا: «جخ» وَالثَّانِي: «إِذا سجد جافى يَدَيْهِ عَن إبطَيْهِ» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ أحد مَا يعد من أَفْرَاد النَّضر بن شُمَيْل قَالَ: وَقد حدث بِهِ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أربدة التَّمِيمِي، عَن الْبَراء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من خَلفه فَرَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ وَهُوَ مجخ قد فرج يَدَيْهِ» . فَائِدَة: جخَّ - بجيم مَفْتُوحَة ثمَّ خاء مُعْجمَة مُشَدّدَة - قَالَ الْهَرَوِيّ: أَي فتح عضديه فِي السُّجُود، وَقَالَ: وَرَأَيْت لأبي حَمْزَة «كَانَ إِذا صَلَّى جخ» أَي: تحول من مَكَان إِلَى مَكَان. قلت: وَهَذَا غَرِيب. قَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا (الْعَنْبَري) يَقُول: جخ الرجل فِي صلَاته إِذا مد ضبعيه ويجافي الرُّكُوع وَالسُّجُود. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» سَمِعت السّري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 663 يَقُول: قَالَ (النَّضر: جخ الَّذِي لَا يتمدّد فِي رُكُوعه وَلَا فِي سُجُوده) . الحَدِيث الثَّمَانُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا سجد خوى فِي سُجُوده» . هَذَا صَحِيح، وَقد ورد ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث: أَحدهَا: عَن مَيْمُونَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد، لَو شَاءَت بهمة أَن تمر بَين يَدَيْهِ لمرت» . رَوَاهُ مُسلم كَمَا سلف فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد السّبْعين، وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ إِذا سجد خوى بيدَيْهِ - يَعْنِي جنَّح - حَتَّى يرَى وضح إبطَيْهِ» . والوضح: الْبيَاض. ثَانِيهَا: حَدِيث أبي حميد، وَقد سلف فِي الحَدِيث الثَّامِن بعد السّبْعين. ثَالِثهَا: عَن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم الْخُزَاعِيّ، عَن أَبِيه قَالَ: «كنت مَعَ أبي بالقاع من (نمرة) ، فمرت ركبة فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ فَصَلى قَالَ: فَكنت أنظر إِلَى (عُفرتَىِ) إبطَيْهِ إِذا سجد أرَى بياضه» رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث دَاوُد بن قيس، وَلَا نَعْرِف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 664 لعبد الله بن أقرم عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير هَذَا الحَدِيث. قلت: بلَى لَهُ حَدِيث آخر ذكره أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» ، وَدَاوُد هَذَا من فرسَان مُسلم. قَالَ الشَّافِعِي (فِيهِ) : ثِقَة حَافظ، وَكَذَلِكَ وَثَّقَهُ أَحْمد وَيَحْيَى وَغَيرهمَا. وَعبيد الله بن أقرم وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. والقاع: المستوي من الأَرْض. (وَالركبَة) - بِفَتْح الْكَاف - قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ: والركب: أَصْحَاب الْإِبِل فِي السّفر دون الدَّوَابّ، وهم الْعشْرَة فَمَا فَوْقهَا، وَالْجمع أركب قَالَ: (وَالركبَة) بِالتَّحْرِيكِ أقل من الركب، والأركوب - بِالضَّمِّ -: أَكثر من الركب، والركبان الْجَمَاعَة مِنْهُم. وعفر الْإِبِط: بياضه. رَابِعهَا: عَن عبد الله ابْن بُحَيْنَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا صَلَّى فرج بَين يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاض إبطَيْهِ» . مُتَّفق عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة لَهما: «كَانَ إِذا سجد جافى فِي سُجُوده حَتَّى يرَى وضح إبطَيْهِ» . خَامِسهَا: عَن جَابر بن عبد الله (قَالَ) : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد جافى حَتَّى يرَى بَيَاض إبطَيْهِ» . رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَصَححهُ أَبُو زرْعَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 665 سادسها: عَن أَحْمَر - بالراء - ابْن جُزْء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «إِن كُنَّا لنأوي لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مِمَّا) يُجَافِي مرفقيه، عَن جَنْبَيْهِ إِذا سجد» رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» : وَهُوَ عَلَى شَرط البُخَارِيّ. قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَى نأوي: نرق لَهُ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : فِي الصَّحَابَة خَمْسَة كلهم اسْمه أَحْمَر أحدهم: هَذَا، وثانيهم: ابْن سَوَاء، وثالثهم: ابْن مُعَاوِيَة، وأحمر مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. (وأحمر) مولَى أم سَلمَة، وأحمر بن قطن الهمذاني شهد فتح مصر، ذكره ابْن يُونُس. سابعها: عَن عدي بن (عميرَة) الْكِنْدِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا سجد جافى حَتَّى يرَى بَيَاض إبطَيْهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (أكبر معاجمه) بِإِسْنَاد جيد. ثامنها: عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا سجد يرَى بَيَاض إبطَيْهِ» وَفِي لفظ «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من خَلفه، فَرَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ وَهُوَ مجخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 666 قد فرج يَدَيْهِ» . رَوَاهُمَا أَحْمد فِي «مُسْنده» وَفِي الأول شُعْبَة مولَى ابْن عَبَّاس، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. والمجخ الَّذِي قد فرج يَدَيْهِ فِي سُجُوده. تَنْبِيه: لما ذكر الرَّافِعِيّ التَّفْرِيق فِي هَذِه الْأَمَاكِن قَالَ: هَذِه الْجُمْلَة يعبر عَنْهَا بالتخوية وَهِي ترك الخواء بَين الْأَعْضَاء. وَهُوَ تَابع «النِّهَايَة» فِي ذَلِك حَيْثُ قَالَ: تَفْسِير التخوية مَا ذَكرْنَاهُ وَمِنْه يُقَال خوى الْبَعِير إِذا برك عَلَى وقارٍ وَلم يسترح. وَمَعْنَاهَا فِي اللِّسَان: ترك خواء بَين الْأَعْضَاء. وَفِي (الصِّحَاح) (خوى) الْبَعِير تخوية إِذا جافى بَطْنه عَن الأَرْض فِي بروكه، وَكَذَلِكَ الرجل فِي سُجُوده، والطائر إِذا أرسل (جناحيه) وَهَذَا أخص من كَلَام الرَّافِعِيّ فَإِنَّهُ خص التخوية (بمجافاة) الْبَطن عَن الأَرْض، وَفِي (نِهَايَة) ابْن الْأَثِير مَعْنَى «إِذا سجد خوى» جافى بَطْنه عَن الأَرْض ورفعها، وجافى عضديه عَن جَنْبَيْهِ حَتَّى يخوى مَا بَين ذَلِك، وَفِي (الْمَشَارِق) (مَعْنَاهُ) : جافى بَطْنه عَن الأَرْض، وخواء الْفرس - مَمْدُود -: مَا بَين يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ. والخواء: الْمَكَان الْخَالِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 667 الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّمَانِينَ عَن أبي حميد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد وضع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الحَدِيث السَّادِس بعد السّبْعين فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّمَانِينَ عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا سجد ضم أَصَابِعه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحهمَا» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّمَانِينَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد وضع أَصَابِعه تجاه الْقبْلَة» . هَذَا الحَدِيث ذكره أَيْضا صَاحب «الْمُهَذّب» وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 668 وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» لَهُ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب، ويغني عَنهُ حَدِيث أبي حميد ... فَذكره. وَهَذَا عَجِيب فَهُوَ فِي (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، نَا أَبُو شيبَة، نَا أَبُو غَسَّان، نَا جَعْفَر الْأَحْمَر، عَن حَارِثَة - بِالْحَاء الْمُهْملَة - عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد اسْتقْبل بأصابعه الْقبْلَة» . وحارثة هَذَا هُوَ ابْن أبي الرِّجَال ضَعَّفُوهُ، [و] قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» لأبي حَاتِم بن حبَان بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «فقدتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَ معي عَلَى فِرَاشِي فوجدتهُ سَاجِدا راصًّا عَقِبَيْهِ مُسْتَقْبلا بأطراف أَصَابِعه الْقبْلَة» . وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد واستقبل بأطراف أَصَابِع رجلَيْهِ الْقبْلَة» . (وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ قَالَ: لتكن الْأَصَابِع منشورة مَضْمُومَة مستطيلة فِي جِهَة الْقبْلَة) ثمَّ ذكر حَدِيث وَائِل السالف وَحَدِيث عَائِشَة، وَمرَاده بذلك أَصَابِع الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ سَيذكرُ بعد ذَلِك أَصَابِع الرجلَيْن، وَلَيْسَ فِي هذَيْن الْحَدِيثين صَرَاحَة بأصابع (الْيَدَيْنِ إِلَّا) أَن يُقَال أَصَابِعه (فيهمَا) جمع مُضَاف، وَهُوَ يَقْتَضِي الْعُمُوم، لَكِن حَدِيثهَا فِي «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» صَرِيح فِي أَصَابِع الرجلَيْن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 669 الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّمَانِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للمسيء صلَاته: ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، (ثمَّ ارْفَعْ رَأسك حَتَّى تعتدل جَالِسا) ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا» وَفِي بعض الرِّوَايَات «ثمَّ (ارْفَعْ) حَتَّى تطمئِن جَالِسا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد أسلفناه بِطُولِهِ أول الْبَاب، فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّمَانِينَ عَن أبي حميد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ فِي وصف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فَلَمَّا رفع رَأسه من السَّجْدَة الأولَى ثنى رجله (الْيُسْرَى) وَقعد عَلَيْهَا» . هَذَا الحَدِيث (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَفظه «ثمَّ يرفع رَأسه ويثني رجله الْيُسْرَى فيقعد عَلَيْهَا) ، ويفتخ أَصَابِع رجلَيْهِ إِذا سجد، ثمَّ يسْجد ثمَّ يَقُول: الله أكبر. وَيرْفَع ويثني رجله الْيُسْرَى فيقعد عَلَيْهَا حَتَّى (يرجع) كل عُضْو إِلَى مَوْضِعه، ثمَّ يصنع فِي الْأُخْرَى مثل ذَلِك» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «ثمَّ ثنى رجله الْيُسْرَى وَقعد عَلَيْهَا ... » الحَدِيث ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 670 «صَحِيحه» بِلَفْظ «فَثنى رجله الْيُسْرَى وَقعد عَلَيْهَا» . فَائِدَة: الفتخ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة -: تليين الْأَصَابِع وثنيها إِلَى الْقبْلَة. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّمَانِينَ (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي كل خفض وَرفع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي أثْنَاء الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّمَانِينَ عَن طَاوس «قلت لِابْنِ عَبَّاس فِي الإقعاء عَلَى الْقَدَمَيْنِ قَالَ: هِيَ السّنة، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لنراه جفَاء بِالرجلِ، فَقَالَ: بل هِيَ سنة نبيك مُحَمَّد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا ذكرته فِي أثْنَاء الحَدِيث التَّاسِع عشر مَعَ (مَا) عَارضه وجمعت بَينهمَا وَذكرت هُنَاكَ أَنه من أَفْرَاد مُسلم وَأغْرب الْحَاكِم فاستدركه عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرطه وَقد علمت أَنه فِيهِ، وَهَذَا الحَدِيث أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَحكي قولٌ أَنه يضجع قَدَمَيْهِ وَيجْلس عَلَى صدورهما، وَيروَى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس. فَذَكرته أَنا بِلَفْظِهِ. فَائِدَة: كَانَ الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر يَقُول فِي قَوْله: « (إِنَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 671 لنراه) جفَاء بِالرجلِ» ؛ (أَنه) - بِكَسْر الرَّاء وَإِسْكَان الْجِيم - وَيَقُول: من فتح الرَّاء وَضم الْجِيم - أَي الْإِنْسَان - فقد غلط. وَالَّذِي اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ مَا رده أَبُو عمر (و) قَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يصلح أَن ينْسب لَهُ الْجفَاء. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» : الَّذِي ضبطناه الثَّانِي (و) كَذَا نَقله القَاضِي عَن جَمِيع رُوَاة مُسلم، ورد الْجُمْهُور عَلَى ابْن عبد الْبر وَقَالُوا: الصَّوَاب الضَّم، وَهُوَ الَّذِي يَلِيق بِهِ مَعَ إِضَافَة الْجفَاء إِلَيْهِ. قلت: لَكِن يُؤَيّد الأول رِوَايَة الإِمَام أَحْمد فِي (مُسْنده) «إِنَّا لنراه جفَاء بالقدم) وَفِي كتاب ابْن أبي (خَيْثَمَة) مَا يُؤَيّد الثَّانِي إِذْ فِيهِ «إِنَّا لنراه جفَاء بِالْمَرْءِ» فَلَو ادعِي صَوَاب كل مِنْهُمَا إِذن لما بعد. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّمَانِينَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول بَين السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي واجبرني وَعَافنِي وارزقني واهدني» وَيروَى «وارحمني» بدل «واجبرني» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 672 وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سُنَنهمْ) وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي موضِعين من (مُسْتَدْركه) وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لِلتِّرْمِذِي إِلَّا أَنه لم يقل: «وَعَافنِي» . وَلَفظ أبي دَاوُد مثله إِلَّا أَنه أثبت «وَعَافنِي» وَأسْقط «واجبرني» . وَهُوَ لفظ إِحْدَى روايتي الْحَاكِم أَيْضا. وَلَفظ ابْن مَاجَه: «كَانَ يَقُول بَين السَّجْدَتَيْنِ فِي صَلَاة اللَّيْل: رب اغْفِر لي وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني» . وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى للْحَاكِم «رب اغْفِر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ: وَرَوَى بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَن كَامِل أبي الْعَلَاء - يَعْنِي أحد رُوَاته - مُرْسلا، وَقَالَ الْحَاكِم فِي كلا الْمَوْضِعَيْنِ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقَالَ: وَأَبُو الْعَلَاء هُوَ كَامِل بن الْعَلَاء مِمَّن يجمع حَدِيثه فِي الْكُوفِيّين. قلت: وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين. وَقَالَ النَّسَائِيّ مرّة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَمرَّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَأما ابْن حبَان فجرحه وَتَبعهُ ابْن طَاهِر. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّمَانِينَ عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَتَيْنِ اسْتَوَى قَائِما» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب جدًّا لَا أعلم من خرجه من هَذَا الْوَجْه، وَتبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 673 الرَّافِعِيّ فِي إِيرَاده صاحبا « (الشَّامِل» ) و «الْمُهَذّب» فَإِنَّهُمَا أورداه بِزِيَادَة تكبيره «بعد قَوْله اسْتَوَى قَائِما» ، وبيض بِهِ الْمُنْذِرِيّ بَيَاضًا، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِنَّه غَرِيب. لَكِن ذكره فِي فصل الضَّعِيف من «خلاصته» وَقَالَ الشَّيْخ تَاج الدَّين الْفَزارِيّ: لم أَقف عَلَى حَاله. قلت: ورأيته من طَرِيق آخر من حَدِيث معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُمكن جَبهته وَأَنْفه من الأَرْض، ثمَّ يقوم كَأَنَّهُ السهْم لَا يعْتَمد عَلَى يَدَيْهِ» . لكنه ضَعِيف، كَمَا سلف بَيَانه فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الثَّالِث عشر مِنْهُ فِي أثْنَاء التَّنْبِيه، فَإِنَّهُ قِطْعَة مِنْهُ. وَفِي «أَحْكَام» الْمُحب الطَّبَرِيّ أَن أَبَا بكر يُوسُف بن البهلول رَوَى من حَدِيث رِفَاعَة بن رَافع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رجلا يُصَلِّي صَلَاة خَفِيفَة، فَقَالَ: أعد صَلَاتك، فَقَامَ الرجل عَائِدًا للصَّلَاة، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كبر وارفع يَديك حَذْو منكبيك. فَفعل، ثمَّ قَالَ: اقْرَأ بِأم الْقُرْآن وَسورَة، ثمَّ كبر وارفع مُتَمَكنًا. فَفعل، ثمَّ قَالَ: ارْفَعْ رَأسك وَقل: سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَلَا تسْجد حَتَّى يرجع كل (عظم) إِلَى مَوْضِعه، ثمَّ كبر واسجد، فَإِذا رفعت رَأسك فَكبر وانتهض قبل أَن تستوي قَاعِدا. فَفعل، ثمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: افْعَل فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة كَمَا فعلت فِي هَذِه الرَّكْعَة» وَلم يذكرهَا الْمُحب الطَّبَرِيّ بإسنادها لينْظر (فِيهِ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 674 الحَدِيث التِّسْعُونَ عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي فَإِذا كَانَ فِي وتر من صلَاته لم ينْهض حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ أَيْضا. الحَدِيث الْحَادِي بعد التسعين عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ فِي عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ثمَّ هوى سَاجِدا ثمَّ ثنى رجله وَقعد (واعتدل) حَتَّى يرجع كل عُضْو فِي مَوْضِعه، ثمَّ نَهَضَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ كَذَلِك ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ «ثمَّ يرفع ويثني رجله الْيُسْرَى (فيقعد) عَلَيْهَا حَتَّى يرجع كل عظم إِلَى مَوْضِعه» وَقد أسلفنا ذَلِك قَرِيبا. فَائِدَة: ادَّعَى الطَّحَاوِيّ مَعَ سَعَة علمه أَن جلْسَة الاسْتِرَاحَة لَيست فِي حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ، وَقد علمت أَنَّهَا ثَابِتَة فِيهِ وَقد سبق بالإنكار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 675 عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» لكنه وَقع فِي نُكْتَة لَطِيفَة، وَهِي أَنه قَالَ: (احْتج من) لم يسْتَحبّ جلْسَة الاسْتِرَاحَة (بِأَنَّهَا) لم تذكر فِي حَدِيث الْمُسِيء صلَاته، ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا علمَّه الْوَاجِبَات دون المسنونات. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ فجلسة الاسْتِرَاحَة مَذْكُورَة فِي حَدِيث الْمُسِيء صلَاته فِي صَحِيح البُخَارِيّ، وَلكنهَا فِي غير المظنة، ذكرهَا فِي كتاب الاسْتِئْذَان فِي بَاب من رد فَقَالَ: (عَلَيْكُم) السَّلَام وَهَذَا لَفظه فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للمسيء صلَاته: «ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا، ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا» . الحَدِيث الثَّانِي بعد التسعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «كَانَ يكبر فِي كل خفض وَرفع» . هَذَا الحَدِيث تكَرر فِي الْبَاب كَمَا سلف، وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى قَوْلنَا باستحباب جلْسَة الاسْتِرَاحَة أَن الْأَصَح أَنه يرفع رَأسه إِلَّا أَنه يرفع رَأسه غير مكبر، ويبتدئ بِالتَّكْبِيرِ جَالِسا ويمده إِلَى (أَن) يقوم. وَرِوَايَة أبي حميد فِي (جَامع التِّرْمِذِيّ) ثمَّ قَالَ: «الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 676 أكبر، ثمَّ ثنى رجله وَقعد واعتدل» . شاهدة لذَلِك. وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه وَلَفظه «ثمَّ يعود - يَعْنِي إِلَى السُّجُود - ثمَّ يرفع فَيَقُول: الله أكبر، ثمَّ يثني رجله فيقعد عَلَيْهَا [معتدلًا] حَتَّى يرجع أَو يقر كل عظم مَوْضِعه معتدلًا» . ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب جلْسَة الاسْتِرَاحَة فالاستدلال بذلك أولَى مِمَّا اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ فَتَأَمّله. الحَدِيث الثَّالِث بعد التسعين عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ جلس عَلَى رجله الْيُسْرَى وَنصب الْيُمْنَى) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) كَذَلِك. الحَدِيث الرَّابِع بعد التسعين عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ فِي جملَة ذَلِك: فَلَمَّا رفع رَأسه عَن السَّجْدَة الْأَخِيرَة فِي الرَّكْعَة الأولَى، واستوى قَاعِدا قَامَ وَاعْتمد يَدَيْهِ عَلَى الأَرْض» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا لَفظه عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة قَالَ: «جَاءَنَا مَالك بن الْحُوَيْرِث فَصَلى بِنَا فَقَالَ: إِنِّي لأصلي بكم وَمَا أُرِيد الصَّلَاة لكني أُرِيد أَن أريكم كَيفَ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي، قَالَ أَيُّوب: فَقلت لأبي قلَابَة: وَكَيف كَانَت صلَاته؟ قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 677 مثل صَلَاة شَيخنَا هَذَا - يَعْنِي عَمْرو بن سَلمَة - قَالَ أَيُّوب: وَكَانَ ذَلِك الشَّيْخ يتم التَّكْبِير، فَإِذا رفع رَأسه عَن السَّجْدَة الثَّانِيَة جلس وَاعْتمد عَلَى الأَرْض ثمَّ قَامَ» . وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده وَلم يُخرجهُ مُسلم، وللطحاوي: (قَالَ: فَرَأَيْت: عَمْرو بن سَلمَة يصنع شَيْئا لَا أَرَاكُم تصنعونه كَانَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الأولَى و (الثَّالِثَة) الَّتِي لَا يقْعد فِيهَا اسْتَوَى قَاعِدا ثمَّ قَامَ» وَلأَحْمَد (كَانَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَتَيْنِ اسْتَوَى قَاعِدا، ثمَّ قَامَ من الرَّكْعَة الأولَى وَالثَّالِثَة) وَفِي «الإقليد» لِابْنِ الفركاح أَن الشَّافِعِي رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى مَالك (بن الْحُوَيْرِث فِي صفة صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «وَكَانَ مَالك» ) إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الْأَخِيرَة فِي الرَّكْعَة الأولَى فَاسْتَوَى قَاعِدا (ثمَّ) قَامَ وَاعْتمد عَلَى الأَرْض» . الحَدِيث الْخَامِس بعد التسعين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا قَامَ فِي صلَاته وضع يَده عَلَى الأَرْض كَمَا يصنع (العاجن) » . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ تبعا للغزالي فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي «وسيطه» ، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي نهايته (وَلَا يحضرني) من خرجه من الْمُحدثين من هَذَا الْوَجْه بعد الْبَحْث عَنهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 678 وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى (الْوَسِيط) : هَذَا الحَدِيث لَا يعرف وَلَا يَصح وَلَا يجوز أَن يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف أَو بَاطِل لَا أصل لَهُ. وَقَالَ فِي (التَّنْقِيح) : ضَعِيف بَاطِل لَا (يعرف) ، وَفِي (النِّهَايَة) لِابْنِ الْأَثِير، وَفِي حَدِيث ابْن عمر «أَنه كَانَ يعجن فِي الصَّلَاة فَقيل لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعجن فِي الصَّلَاة) أَي يعْتَمد عَلَى يَدَيْهِ إِذا قَامَ كَمَا يفعل الَّذِي يعجن الْعَجِين. انْتَهَى. وَقَالَ ابْن الصّلاح: قد صَار هَذَا الحَدِيث - أَعنِي حَدِيث ابْن عَبَّاس - فِي (الْوَسِيط) و (الْوَجِيز) مَظَنَّة الْغَلَط، فَمن غالط فِي لَفظه (يَقُول) : «الْعَاجِز» . بالزاي وَإِنَّمَا هُوَ بالنُّون، وَقد جعله الْغَزالِيّ فِيمَا نقل عَنهُ فِي درسه بالزاي أحد الْوَجْهَيْنِ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمن غالط فِي مَعْنَاهُ غير غالط فِي لَفظه يَقُول: هُوَ بالنُّون وَلكنه عاجن عجين الْخبز فَيقبض أَصَابِع كفيه ويضمها كَمَا يَفْعَله عاجن الْعَجِين، ويتكئ عَلَيْهَا ويرتفع، وَلَا يضع راحتيه عَلَى الأَرْض، وَهَذَا جعله الْغَزالِيّ فِي درسه. الْوَجْه الثَّانِي فِيهِ وَعمل بِهِ كثير من عَامَّة الْعَجم وَغَيرهم: وَهُوَ إِثْبَات هَيْئَة شَرْعِيَّة فى الصَّلَاة لَا عهد بهَا بِحَدِيث لم يثبت وَلَو ثَبت (ذَلِك) لم يكن ذَلِك مَعْنَاهُ (لِأَن العاجن) فِي اللُّغَة الرجل المسن الْكَبِير الَّذِي إِذا قَامَ اعْتمد بيدَيْهِ عَلَى الأَرْض من الْكبر وأنشدوا: وَشر خِصَال الْمَرْء كُنْتٌ وعَاجِنُ وأصبحت كُنتِيًّا وأصبحتُ عاجنًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 679 قَالَ ابْن الصّلاح: (فَإِن كَانَ) وصف الْكبر بذلك مأخوذًا من عاجن الْعَجِين فالتشبيه فِي شدَّة الِاعْتِمَاد عِنْد وضع الْيَدَيْنِ لَا فِي كَيْفيَّة ضم (أصابعهما) قَالَ: وَأما الَّذِي فِي كتاب «الْمُحكم فِي اللُّغَة» للمغربي الْمُتَأَخر الضَّرِير من قَوْله فِي العاجن: إِنَّه الْمُعْتَمد عَلَى الأَرْض (بجمعه) ؛ وَجمع الْكَفّ - بِضَم الْمِيم - هُوَ أَن (يقبضهَا) كَمَا (ذكره) فَغير مَقْبُول مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِمَّن لَا يقبل مَا (ينْفَرد) بِهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يغلط ويغالطونه كثيرا، وَكَأَنَّهُ أضرّ بِهِ فِي كِتَابه مَعَ كبر حجمه (ضرارته) هَذَا آخر كَلَامه. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب نقلا عَن صَاحب (الْمُجْمل) : إِن (العاجن) هُوَ الَّذِي إِذا نَهَضَ اعْتمد عَلَى يَدَيْهِ كَأَنَّهُ يعجن أَي الخمير، قَالَ: وَيجوز أَن يكون مَعْنَى الْخبز كَمَا يَقع عاجن الخمير. قَالَ الرَّافِعِيّ: هما متقاربان. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : العاجن بالنُّون. قَالَ: وَلَو صَحَّ هَذَا الحَدِيث لَكَانَ مَعْنَاهُ قَامَ مُعْتَمدًا بِبَطن يَدَيْهِ كَمَا يعْتَمد (الْعَاجِز) وَهُوَ الشَّيْخ الْكَبِير وَلَيْسَ المُرَاد عاجن الْعَجِين (وَكَذَا قَالَ فِي «تنقيحه» : إِنَّه بالنُّون وَهُوَ الرجل المسن الَّذِي حطمه الْكبر فَصَارَ بِحَيْثُ) إِذا قَامَ اعْتمد بيدَيْهِ عَلَى الأَرْض، فَهَذَا صَوَابه لَو صَحَّ هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 680 اللَّفْظ، قَالَ: وَأما مَا نقل عَن الْغَزالِيّ فِي درسه أَنه قَالَ: رُوِيَ بالنُّون وَالزَّاي وبالنون أولَى، وَإنَّهُ الَّذِي يقبض بيدَيْهِ وَيقوم مُعْتَمدًا عَلَيْهَا، وَعلله بعلة فَاسِدَة، وَالصَّوَاب أَن الحَدِيث بَاطِل لَا يحْتَج بِهِ وَيقوم ويداه مبسوطتان مُعْتَمدًا عَلَى راحتيه وبطون أَصَابِعه. الحَدِيث السَّادِس بعد التسعين عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ «أَنه وصف (صَلَاة) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ جلس عَلَى رجله الْيُسْرَى [وَنصب الْيُمْنَى] فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة قدَّم رجله الْيُسْرَى وَنصب الْأُخْرَى وَقعد عَلَى مقعدته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) كَذَلِك. الحَدِيث السَّابِع بعد التسعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ من اثْنَتَيْنِ من الظّهْر أَو الْعَصْر فَلم يجلس فسبح النَّاس بِهِ (يَعْنِي) فَلم يعد فَلَمَّا كَانَ آخر صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وستعلمه فِي بَاب سُجُود السَّهْو - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 681 الحَدِيث الثَّامِن بعد التسعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع كَفه الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَقبض أَصَابِعه كلهَا وَأَشَارَ بإصبعه الَّتِي تلِي الْإِبْهَام، وَوضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرفع أُصْبُعه الْيُمْنَى الَّتِي تلِي الْإِبْهَام فَدَعَا بهَا، وَيَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى باسطها عَلَيْهَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ إِذا قعد فِي التَّشَهُّد وضع يَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى، وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ركبته الْيُمْنَى، وَعقد ثَلَاثًا وَخمسين وَأَشَارَ بالسبابة» . الحَدِيث التَّاسِع بعد التسعين عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنَّه كَانَ يقبض الْوُسْطَى مَعَ الْخِنْصر والبنصر، وَيُرْسل الْإِبْهَام والمسبحة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 هَذَا الحَدِيث غَرِيب عَلَى هَذِه الصُّورَة، والرافعي قلد فِي ذَلِك صَاحب «الْمُهَذّب» فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ كَذَلِك، وَهُوَ قلد شَيْخه القَاضِي أَبَا الطّيب، وَأَشَارَ (النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» أَيْضا إِلَى غرابته وَقَالَ: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره عَنهُ بِالْإِسْنَادِ «الصَّحِيح» أَنه قَالَ: وضع كَفه الْيُمْنَى عَلَى ركبته الْيُمْنَى، وكفه الْيُسْرَى عَلَى ركبته اليسري وَأَشَارَ) بِأُصْبُعِهِ» وَكَذَا قَالَ ابْن الفركاح فِي «إقليده» : لَا يكَاد قبض الْأَصَابِع يثبت فِي حَدِيث أبي حميد، وَإِنَّمَا لَفظه «وضع كَفه» كَمَا تقدم، وَلَا تعرض لإرسال الْإِبْهَام وَلَا لقبضها. وَأما الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ أسقط هَذَا الحَدِيث (من تَخْرِيجه لأحاديث) «الْمُهَذّب» بِالْكُلِّيَّةِ. فَائِدَة: أَبُو حميد - بحاء مَضْمُومَة - اسْمه: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ من سَاعِدَة، بطن من الْأَنْصَار مدنِي، مَاتَ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة. الحَدِيث الْمِائَة عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يحلق بَين الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَلَفظ أبي دَاوُد عَن وَائِل قلت: «لأنظرن إِلَى صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَيفَ يُصَلِّي فَقَامَ [رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَكبر فَرفع يَدَيْهِ حَتَّى حاذتا بأذنيه، ثمَّ أَخذ شِمَاله بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرْكَع رفعهما مثل ذَلِك، ثمَّ وضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما مثل ذَلِك، فَلَمَّا (سجد) [وضع رَأسه بذلك الْمنزل من بَين يَدَيْهِ] قَالَ: ثمَّ جلس فافترش رجله الْيُسْرَى، وَوضع يَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وحد مرفقه [الْأَيْمن] عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَقبض ثِنْتَيْنِ وَحلق حَلقَة، ورأيته يَقُول هَكَذَا وحلَّق بشر - يَعْنِي ابْن الْمفضل أحد رُوَاته - الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بالسبابة» . وَلَفظ النَّسَائِيّ عَن وَائِل (وصف) جُلُوس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي التَّشَهُّد قَالَ: «ثمَّ قعد وافترش رجله الْيُسْرَى، وَوضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه وركبته الْيُسْرَى، وَجعل حد مرفقه الْأَيْمن عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، ثمَّ قبض اثْنَتَيْنِ من أَصَابِعه وَحلق حَلقَة، ثمَّ رفع أُصْبُعه فرأيته يحركها يَدْعُو بهَا» . وَلَفظ ابْن مَاجَه عَن وَائِل قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حلق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 بالإبهام وَالْوُسْطَى وَرفع الَّتِي تَلِيهَا يَدْعُو بهَا فِي التَّشَهُّد» . وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ «وَحلق حَلقَة ودعا هَكَذَا - وَأَشَارَ سُفْيَان يَعْنِي ابْن عُيَيْنَة أحد رُوَاته - بِأُصْبُعِهِ السبابَة» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ «ثمَّ حلق الْوُسْطَى بالإبهام وَأَشَارَ بالسبابة» . وَلَفظ ابْن حبَان «وَجمع بَين (إبهامه) وَالْوُسْطَى وَرفع الَّتِي تَلِيهَا يَدْعُو بهَا» . ومدار الحَدِيث كُله عَلَى عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن عَاصِم كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ. وَعَاصِم من فرسَان مُسلم وَالسّنَن. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أفضل أهل الْكُوفَة، كَانَ من الْعباد. قَالَ أَحْمد: وَلَا بَأْس بحَديثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: صَالح. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد. وَهنا فَائِدَة حَدِيثِيَّةٌ، وَهِي أَن العواصم فِي حفظهم شَيْء. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : قَالَ ابْن علية: من كَانَ اسْمه عَاصِمًا كَانَ فِي حفظه شَيْء. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: مَا وجدت رجلا اسْمه عَاصِم إِلَّا وجدته رَدِيء الْحِفْظ. وَقَالَ (يَحْيَى) بن معِين: كل عَاصِم فِيهِ ضعف. وَأنكر ابْن حبَان عَلَى من أطلق الضعْف عَلَى العواصم، فَقَالَ فِي «تَارِيخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 الثِّقَات» : قد وهم من أطلق الضعْف عَلَى العواصم كلهم حَيْثُ قَالَ: مَا فِي الدُّنْيَا عَاصِم إِلَّا (وَهُوَ ضَعِيف) من غير دلَالَة تثبت عَلَى صِحَة مَا قَالَه. (فَائِدَة: وَائِل من كبار الْعَرَب وَأَوْلَاد مُلُوك حمير، كنيته أَبُو هِنْد، ترك الْكُوفَة وعاش إِلَى أَيَّام مُعَاوِيَة، وَوَائِل - أَي: ابْن حجر - بِضَم أَوله - وَالْعرب تَقول عِنْد الْأَمر تنكره: حجرا لَهُ - بِالضَّمِّ - أَي: دفعا، وَهُوَ استعاذة من الْأَمر، وَيَقُولُونَ: حُجر بِاللَّه من كَذَا) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْمِائَة عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا جلس فِي الصَّلَاة وضع كَفه الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَقبض أَصَابِعه كلهَا، وَأَشَارَ بالأصبع الَّتِي تلِي الْإِبْهَام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك كَمَا سبق. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة عَن ابْن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله كَانَ يضع (إبهامه) عِنْد الْوُسْطَى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَلَفظه عَن عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 بن الزبير قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قعد فِي الصَّلَاة جعل قدمه الْيُسْرَى بَين فَخذه وَسَاقه، وفرش قدمه الْيُمْنَى، وَوضع يَده الْيُسْرَى عَلَى ركبته الْيُسْرَى، وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ» (وَفِي) رِوَايَة لَهُ «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا [قعد] يَدْعُو وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَيَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة، وَوضع إبهامه عَلَى أُصْبُعه الْوُسْطَى، ويلقم كَفه الْيُسْرَى ركبته» . وَعند البرقاني: «كَانَ إِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ افترش الْيُسْرَى، وَنصب الْيُمْنَى، وَوضع إبهامه عَلَى الْوُسْطَى وَأَشَارَ بالسبابة، وَوضع كَفه الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وألقم كَفه الْيُسْرَى ركبته» . قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ: وَنحن نجيز مَا فِي حَدِيث وَائِل، ونختار مَا فِي حَدِيث ابْن عمر، ثمَّ ابْن الزبير لثُبُوت خبرهما وَقُوَّة إِسْنَاده ومزية (رِجَاله) ورجحانهم فِي الْفضل عَلَى عَاصِم بن كُلَيْب رَاوِي حَدِيث وَائِل. وَاعْلَم أَن لفظ الرَّافِعِيّ «عِنْد الْوُسْطَى» ، وَلَفظ الحَدِيث «عَلَى الْوُسْطَى» ، وَبَينهمَا فرق؛ فَتَأَمّله (وَلَعَلَّه تحرف عَلَيْهِ) . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانَ إِذا قعد فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 التَّشَهُّد) وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى ركبته الْيُمْنَى، وَعقد ثَلَاثًا وَخمسين، وَأَشَارَ بالسبابة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك كَمَا سلف. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة عَن وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه وصف صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكر وضع الْيَدَيْنِ فِي التَّشَهُّد، قَالَ: ثمَّ رفع أُصْبُعه فرأيته يحركها يَدْعُو بهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد صَحِيح، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يكون مُرَاده بِالتَّحْرِيكِ الْإِشَارَة بهَا لَا (تَكْرِير) تحريكها؛ فَيكون مُوَافقا لحَدِيث ابْن الزبير - يَعْنِي: الْآتِي بعده. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة عَن ابْن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُشِير بالسبابة وَلَا يحركها، وَلَا يُجَاوز بَصَره إِشَارَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كَانَ إِذا جلس فِي التَّشَهُّد وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَيَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بالسبابة وَلم يُجَاوز بَصَره إِشَارَته» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وَوَقع فِي «جَامع المسانيد» لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَنه من أَفْرَاد مُسلم وَمرَاده أَصله لَا قَوْله «وَلم يُجَاوز بَصَره إِشَارَته» ؛ فَإِنَّهُ لم (يُخرجهَا) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ يُشِير بِأُصْبُعِهِ إِذا دَعَا وَلَا يحركها» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَدْعُو كَذَلِك، ويتحامل بِيَدِهِ الْيُسْرَى (عَلَى فَخذه الْيُسْرَى) » . وَفِي رِوَايَة لَهُ «لَا يُجَاوز بَصَره إِشَارَته» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ «كَانَ إِذا جلس فِي الثِّنْتَيْنِ أَو الْأَرْبَع يضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ «كَانَ إِذا تشهد وضع يَده الْيُسْرَى عَلَى فَخذه الْيُسْرَى وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى فَخذه الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة لَا يُجَاوز بَصَره إِشَارَته» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد: السَّلَام عَلَى الله قبل عباده، السَّلَام عَلَى جِبْرِيل ... » إِلَى آخِره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» عَنهُ قَالَ: «كُنَّا نقُول قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد: السَّلَام عَلَى الله قبل عباده، السَّلَام عَلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، السَّلَام عَلَى فلَان. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تَقولُوا السَّلَام عَلَى الله؛ فَإِن الله هُوَ السَّلَام، وَلَكِن قُولُوا: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات [السَّلَام عَلَيْك] أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، قَالَ أَصْحَابنَا: (فِي) هَذَا الحَدِيث دليلان عَلَى وجوب التَّشَهُّد الْأَخير: أَحدهمَا: قَوْله: «قبل أَن يفْرض علينا التَّشَهُّد» فَدلَّ عَلَى أَنه قد فرض. وَثَانِيهمَا: قَوْله: «وَلَكِن قُولُوا: التَّحِيَّات لله ... » وَهَذَا أَمر، وَظَاهره الْوُجُوب، وَلم يثبت شَيْء صَرِيح فِي خِلَافه. الحَدِيث السَّابِع بعد الْمِائَة عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا (يقبل الله) صَلَاة إِلَّا بِطهُور وَالصَّلَاة عَلّي» . هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» أَيْضا وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» لَهُ، وَهُوَ فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث (عَمْرو) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 بن شمر، عَن جَابر قَالَ: قَالَ الشّعبِيّ: سَمِعت مَسْرُوق بن الأجدع يَقُول: قَالَت عَائِشَة: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا تقبل صَلَاة إِلَّا بِطهُور وبالصلاة عَلّي» ثمَّ قَالَ: عَمْرو وَجَابِر ضعيفان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَقد أسلفت ذَلِك فِي بَاب الْأَحْدَاث أَيْضا. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده سهل بن سعد مَرْفُوعا: «لَا صَلَاة لمن لم يصل عَلَى نبيه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صلَاته» وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أُبَيِّ بن عَبَّاس بن سهل بن سعد، عَن أَبِيه، عَن جده: «لَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ، وَلَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاة لمن لم يصل عَلَى نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا صَلَاة لمن لم يصل عَلَى الْأَنْصَار» . وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلأبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: «لَا وضوء لمن لم يصل عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ (ثمَّ) قَالَ: لم يخرج هَذَا الحَدِيث عَلَى شَرطهمَا؛ لِأَنَّهُمَا لم يخرجَا (عَن) عبد الْمُهَيْمِن، وَإِنَّمَا ذكرته شَاهدا. قلت: مَا [قصرا] فِي ذَلِك؛ فَإِن عبد الْمُهَيْمِن واه (قَالَ) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضَعِيف لَا يحْتَج بروايته. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ. وَهَذِه التَّرْجَمَة - وَهِي عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 الْمُهَيْمِن - أهملها ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» ، وَهِي أحد مَا يسْتَدرك عَلَيْهِ، وَقد ضعفه هُوَ فِي «تَحْقِيقه» وَأما أبي بن عَبَّاس فَهُوَ من فرسَان البُخَارِيّ، وَإِن ضعفه ابْن معِين. وَقَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إِمَامه» فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة: أخْشَى أَن يكون غَلطا؛ فَإِن الحَدِيث من رِوَايَة عبد الْمُهَيْمِن مَعْرُوف - يَعْنِي - بِاللَّفْظِ الأول لَا بِلَفْظ «لَا وضوء لمن لم يصل عَلَى النَّبِي» . وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر من حَدِيث جَابر، عَن أبي جَعْفَر، عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا: «من صَلَّى صَلَاة وَلم يصل فِيهَا عَلّي وَلَا عَلَى أهل بَيْتِي لم تقبل مِنْهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ثمَّ قَالَ: جَابر ضَعِيف، وَقد اخْتلف عَنهُ فَوَقفهُ عَلَى أبي مَسْعُود تَارَة وَرَفعه أُخْرَى. قَالَ فِي «علله» : وَوَقفه هُوَ الصَّوَاب. قَالَ (ابْن) دَاوُد: وَهَذَا الْخَبَر إِن سلم أَن يكون من وضع جَابر الْجعْفِيّ فَلَنْ يسلم أَن يكون خلوا من الْحجَّة؛ لما قَالَه الشَّافِعِي. قلت: الْحجَّة للشَّافِعِيّ أَحَادِيث صَحِيحَة صَرِيحَة فِي وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة (مِنْهَا حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» و «صَحِيح ابْن حبَان» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» وَمِنْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 حَدِيث فضَالة بن عبيد فِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «صَحِيح الْحَاكِم» وَقد ذكرتهما فِي «تحفة الْمُحْتَاج (فِي) أَدِلَّة الْمِنْهَاج) فَرَاجعهَا مِنْهُ. وَمِنْهَا الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْآتِيَة بتعليم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إيَّاهُم كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ، وكل ذَلِك يرد قَول صَاحب «الاستذكار» حجَّة أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك ضَعِيفَة، وَقَول ابْن الْمُنْذر: «لَا أجد الدّلَالَة عَلَى ذَلِك» غَرِيب مِنْهُ. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة رُوِيَ «أَنه قيل: يَا رَسُول الله، كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صلِ عَلَى مُحَمَّد و (عَلَى) آل مُحَمَّد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق: أَحدهَا: عَن (عبد الرَّحْمَن) بن أبي لَيْلَى قَالَ: «لَقِيَنِي كَعْب بن عجْرَة فَقَالَ: أَلا أهدي لَك هَدِيَّة؟ إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج علينا (فَقُلْنَا) : يَا رَسُول الله قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، اللَّهُمَّ بَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» . مُتَّفق عَلَيْهِ وَفِي لفظ «وَبَارك» بدل «اللَّهُمَّ بَارك» . وَفِي رِوَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 للْبُخَارِيّ فِي كتاب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام «سَأَلنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت؟ فَإِن الله قد علمنَا كَيفَ نسلم. قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنهم قَالُوا: يَا رَسُول الله، كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى أَزوَاجه وَذريته كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى أَزوَاجه وَذريته كَمَا باركت عَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» مُتَّفق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي وسط كتاب الدَّعْوَات من «صَحِيحه» ، عَن أبي حميد: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذَا السَّلَام عَلَيْك؛ فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد (عَبدك وَرَسُولك كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد) وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم» . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَتَانَا) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن فِي مجْلِس سعد بن عبَادَة فَقَالَ (لَهُ) بشير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 بن سعد: أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك يَا رَسُول الله فَكيف نصلي عَلَيْك؟ (قَالَ) فَسكت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى تمنينا أَنه لم يسْأَله. ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قُولُوا اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى آل إِبْرَاهِيم [فِي الْعَالمين] إِنَّك حميد مجيد، وَالسَّلَام كَمَا (قد) علمْتُم» رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ «اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وَعَلَى آل مُحَمَّد» . الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذَا السَّلَام عَلَيْك؛ فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل (مُحَمَّد) كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد» رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات من «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَمَا صليت عَلَى آل إِبْرَاهِيم» . الطَّرِيق الْخَامِس: عَن طَلْحَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: كَيفَ نصلي عَلَيْك يَا نَبِي الله؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد [وَعَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 آل مُحَمَّد] كَمَا صليت عَلَى (آل) إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد (وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد) رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ) وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد [وَعَلَى آل مُحَمَّد] كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين كَأَنَّهُ عَلَى الرضف» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَأحمد فِي «الْمسند» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود (عَن أَبِيه عبد الله بن مَسْعُود) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 لم يسمع من أَبِيه. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَرَوَى شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَأَلت أَبَا عُبَيْدَة هَل تذكر من عبد الله شَيْئا؟ قَالَ: لَا. وَأما رِوَايَة أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: «خرجت مَعَ أبي لصَلَاة الصُّبْح ... » فضعفه أَبُو حَاتِم؛ بل قيل أَنه ولد بعد أَبِيه. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور، وَأعله الذَّهَبِيّ الْحَافِظ فِي «اختصاره للمستدرك» بِوَجْه آخر فَقَالَ: ينظر فِي سعد بن إِبْرَاهِيم رَاوِيه عَن أبي عُبَيْدَة، هَل سمع مِنْهُ؟ . قلت: قد ثَبت التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فِي هَذَا الحَدِيث فِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «المعجم الْكَبِير» للطبراني فَزَالَ هَذَا التَّعْلِيل. تَنْبِيه: وَقع فِي «كِفَايَة ابْن الرّفْعَة» عزو هَذَا الحَدِيث إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق ابْن عَبَّاس، وَلم أره فِيهِ إِلَّا من الطَّرِيق الَّذِي ذكرته،، وَالظَّاهِر أَنه سبق قلم. فَائِدَة: الرضف - بِفَتْح الرَّاء، وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ثمَّ فَاء -: الْحِجَارَة المحماة. الحَدِيث الْعَاشِر بعد الْمِائَة حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «فِي التَّشَهُّد» . هُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ (عَنهُ) قَالَ: «كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن» (وَفِي لفظ: «كَمَا يعلمنَا الْقُرْآن) فَكَانَ يَقُول: التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَوَقع فِي رِوَايَة الشَّافِعِي (تنكير السَّلَام) فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَاهُ كَذَلِك فِي «الْأُم» وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» فِي إِحْدَى روايتيه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى غَيره تعريفهما وهما صَحِيحَانِ. قلت: لَا شكّ وَلَا مرية فِي ذَلِك كَمَا قد أسلفته. وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» تَعْرِيف السَّلَام الأول وتنكير الثَّانِي، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ (أَبُو) الزبير. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر «معاجمه» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 من حَدِيث أبي الزبير تَعْرِيف الثَّانِي وتنكير الأول؛ فَهَذِهِ أَربع رِوَايَات فيهمَا. وَوَقع فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي أَن السَّلَام وَقع مُعَرفا فِي تشهد ابْن مَسْعُود، ومنكرًا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس والتعريف أَعم. وَقد عرفت أَن التَّعْرِيف رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من حَدِيثه كَمَا بَينته، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ «وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» وَقَالَ فِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ كَمَا عزاها إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ «وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ: «وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . فَائِدَة: صرح الرَّافِعِيّ بِأَن حذف (الصَّلَوَات والطيبات) لم يرد، وَهُوَ خلاف مَا نَقله النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب (من) سقوطهما؛ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب: يتعيَّن لفظ التَّحِيَّات؛ لثبوتها فِي جَمِيع الرِّوَايَات بِخِلَاف المباركات وَمَا بعْدهَا، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عمر بِإِسْقَاط الصَّلَوَات، وَالله أعلم. الحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «فِي التَّشَهُّد» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 هُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيثه «كُنَّا نقُول فِي الصَّلَاة خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: السَّلَام عَلَى الله، السَّلَام عَلَى فلَان، فَقَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات يَوْم: إِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ السَّلَام؛ فَإِذا قعد أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلْيقل: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين؛ فَإِذا قَالَهَا أَصَابَت كل عبد لله - عَزَّ وَجَلَّ - صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، ثمَّ يتَخَيَّر من الْمَسْأَلَة مَا شَاءَ» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «عَلمنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التَّشَهُّد كفي بَين كفيه كَمَا يعلمني السُّورَة من الْقُرْآن ... » واقتص التَّشَهُّد بِمثل مَا سلف. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «كُنَّا نقُول: التَّحِيَّة فِي الصَّلَاة ونُسمي وَيسلم بَعْضنَا عَلَى بعض، فَسَمعهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: قُولُوا التَّحِيَّات لله) قَالَ فِيهِ: (فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فقد سلمتم عَلَى كل عبد صَالح ... » إِلَى آخِره. وَفِي رِوَايَة لَهُ: (كُنَّا إِذا كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الصَّلَاة قُلْنَا: السَّلَام عَلَى الله من عباده، السَّلَام عَلَى فلَان وَفُلَان، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تَقولُوا السَّلَام عَلَى الله؛ فَإِن الله هُوَ السَّلَام، وَلَكِن قُولُوا: التَّحِيَّات لله ... » الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 الحَدِيث، وَفِيه: «ثمَّ يتَخَيَّر من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو» وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «السَّلَام عَلَى الله قبل عباده، السَّلَام عَلَى جِبْرِيل، السَّلَام عَلَى مِيكَائِيل، السَّلَام عَلَى فلَان وَفُلَان» . وَفِيه: «ثمَّ يتَخَيَّر بعد من الْكَلَام مَا شَاءَ» . ذكرهَا فِي الاسْتِئْذَان. وَفِي رِوَايَة لَهُ «ثمَّ يتَخَيَّر من الثَّنَاء مَا شَاءَ» ذكرهَا فِي الدَّعْوَات وَفِي الاسْتِئْذَان أَيْضا، وَزَاد فِيهِ بعد قَوْله: «وَرَسُوله وَهُوَ بَين ظهرانينا، فَلَمَّا قبض قُلْنَا: السَّلَام عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَفِي رِوَايَة للنسائي: «سَلام علينا» بالتنكير، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) «أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ و (أشهد) أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» «سَلام عَلَيْك» وَفِي رِوَايَة «أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . الحَدِيث الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة تشهد عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 هُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ إِمَام دَار الْهِجْرَة فِي «موطئِهِ» وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عبد الرَّحْمَن بن عبدٍ الْقَارِي - بتَشْديد الْيَاء نِسْبَة إِلَى القارة - «أَنه سمع عمر بن الْخطاب وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يعلم النَّاس التَّشَهُّد يَقُول: قُولُوا: التَّحِيَّات لله الزاكيات لله الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظ ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر بِزِيَادَة (فِيهِ) عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يعلم النَّاس التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة وَهُوَ يخْطب النَّاس عَلَى مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَيَقُول: إِذا تشهد أحدكُم فَلْيقل بِسم الله خير الْأَسْمَاء، التَّحِيَّات الزاكيات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. قَالَ عمر: (ابدءُوا) بِأَنْفُسِكُمْ بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ سلمُوا عَلَى عباد الله الصَّالِحين» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَفِي رِوَايَة للبيهقي تَقْدِيم الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى كلمتي السَّلَام، ومعظم الرِّوَايَات عَكسه كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن رِوَايَة مَالك وَالْحَاكِم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : لم يَخْتَلِفُوا فِي أَن هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف عَلَى عمر. قَالَ: وَرَوَاهُ بعض الْمُتَأَخِّرين عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، (عَن عُرْوَة) ، عَن ابْن عبدٍ، عَن عمر مَرْفُوعا، وَوهم فِي رَفعه وَالصَّوَاب مَوْقُوف. وَفِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» نَا عبد الله بن سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث، نَا مُحَمَّد بن وَزِير الدِّمَشْقِي، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة، أَخْبرنِي جَعْفَر بن ربيعَة، عَن يَعْقُوب بن الْأَشَج «أَن عون بن عبد الله بن عتبَة كتب لي فِي التَّشَهُّد عَن ابْن عَبَّاس وَأخذ بيَدي (فَزعم أَن عمر بن الْخطاب أَخذه بِيَدِهِ) فَزعم لَهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ بِيَدِهِ فَعلمه التَّشَهُّد، التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات المباركات لله» ثمَّ قَالَ: (هَذَا) إِسْنَاد حسن، وَابْن لَهِيعَة لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ «الطَّيِّبَات لله الصَّلَوَات لله» وَلم أر لفظ «لله» فِي (الطَّيِّبَات) فِي رِوَايَة مَعَ لَفْظَة (لله) فِي (الصَّلَوَات) وَإِنَّمَا (فِيهَا) إِثْبَاتهَا مرّة فِي (الصَّلَوَات) وَأُخْرَى فِي (الطَّيِّبَات) وحذفهما مَعًا فِي أُخْرَى كَمَا ذكرته لَك. الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ أول مَا يتَكَلَّم بِهِ عِنْد الْقعدَة التَّحِيَّات لله» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 هُوَ حَدِيث صَحِيح (رَوَاهُ) أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» بإسنادهما الصَّحِيح من حَدِيث نصر بن عَلّي، نَا أبي، نَا (شُعْبَة) ، عَن أبي بشر، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَنه) قَالَ فِي التَّشَهُّد: «التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله (قَالَ) قَالَ ابْن عمر: زِدْت فِيهَا وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. قَالَ ابْن عمر: (و) زِدْت فِيهَا وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. وَهُوَ كَمَا قَالَ (فَإِن) رِجَاله (ثِقَات) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ [قد تَابعه عَلَى رَفعه ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة وَوَقفه] غَيرهمَا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك لَكِن فِيهَا الْجَزْم «ببركاته» من غير تَنْبِيه عَلَى زيادتها من عِنْده وَلَيْسَ فِيهَا «وَحده لَا شريك لَهُ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا التَّشَهُّد التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الزاكيات (لله) » إِلَى آخِره وَفِيه «أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده مُوسَى بن عُبَيْدَة وخارجة (يَعْنِي) ابْن مُصعب وهما ضعيفان، وَرَوَاهُ قَاسم بن أصبغ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث محَارب بن دثار، عَن (عبد الله) بن عمر «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلم الْمكتب السُّورَة من الْقُرْآن» . الحَدِيث الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن: بِسم الله وَبِاللَّهِ، التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، أسأَل الله الْجنَّة وَأَعُوذ بِاللَّه من النَّار» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَنَصّ غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعفه. قَالَ النَّسَائِيّ: لَا نعلم أحدا تَابع أَيمن - يَعْنِي ابْن نابل بِالْبَاء الْمُوَحدَة - رَاوِيه، عَن (أبي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 الزبير، عَن جَابر عَلَى هَذَا الحَدِيث (وَخَالفهُ اللَّيْث بن سعد فِي إِسْنَاده) وأيمن عندنَا لَا بَأْس بِهِ، والْحَدِيث خطأ - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - وَقَالَ حَمْزَة بن مُحَمَّد الْحَافِظ: قَوْله عَن جَابر خطأ، وَالصَّوَاب أَبُو (الزبير) ، عَن سعيد بن جُبَير وَطَاوُس، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: وَلَا أعلم أحدا قَالَ فِي التَّشَهُّد (باسم الله وَبِاللَّهِ) إِلَّا أَيمن بن نابل، عَن أبي الزبير. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَى (أَيمن) بن نابل الْمَكِّيّ هَذَا الحَدِيث، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَهُوَ غير مَحْفُوظ، قَالَ: وَسَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ خطأ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَيمن لَيْسَ بِالْقَوِيّ. زَاد فِي «علله» : وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أشبه بِالصَّوَابِ من حَدِيث جَابر. وَضَعفه أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : أحسن حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر مَا ذكر فِيهِ سَمَاعه مِنْهُ وَلم يذكر السماع فِي هَذَا فِيمَا أعلم. وَقَالَ صَاحب «الْمُهَذّب» : ذكر التَّسْمِيَة غير صَحِيح عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث وَكَذَا نَقله الْبَغَوِيّ عَنْهُم. وَخَالف الْحَاكِم فاستدرك هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، قَالَ: وأيمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 بن نابل ثِقَة قد احْتج بِهِ البُخَارِيّ. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ فِي أَيمن (بن) نابل: إِنَّه ثِقَة. قَالَ: فَأَما صِحَّته عَلَى شَرط مُسلم فَحَدَّثنَاهُ أَبُو عَلّي الْحَافِظ، ثَنَا عبد الله بن (قَحْطَبَةَ) ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، نَا الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، نَا أبي، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكره. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا عَلّي الْحَافِظ (يوثق ابْن قَحْطَبَةَ) إِلَّا أَنه أَخطَأ فِيهِ فَإِنَّهُ عِنْد الْمُعْتَمِر، عَن أَيمن بن نابل كَمَا تقدم ذكرنَا لَهُ، انْتَهَى كَلَام الْحَاكِم. وَأنكر النَّوَوِيّ عَلَيْهِ تَصْحِيحه فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَغَيره: تَصْحِيح الْحَاكِم لهَذَا الحَدِيث مَرْدُود لَا يقبل مِنْهُ، فَإِن الَّذين ضَعَّفُوهُ أجل مِنْهُ وأتقن. قلت: تَضْعِيف من هُوَ أجل مِنْهُ وأتقن لَا يصلح أَن يكون ردًّا عَلَى الْحَاكِم، فَإِن الْحَاكِم ادَّعَى أَنه عَلَى شَرط البُخَارِيّ فِي أَيمن بن نابل، وَهُوَ كَذَلِك فقد أخرج لَهُ و (قد) وَثَّقَهُ (الثَّوْريّ) وَابْن معِين وَغَيرهمَا وَلكنه تفرد بِهَذَا الحَدِيث فَهَذَا (هُوَ) الَّذِي يتَوَقَّف فِي صِحَّته لأَجله. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، خَالف النَّاس وَلَو لم يكن إِلَّا حَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 التَّشَهُّد. وَقَالَ (ابْن) الْمَدِينِيّ: ثِقَة وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: فِيهِ ضعف. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَن أَحَادِيثه لَا بَأْس بهَا. قلت: لَكِن يعْتَرض عَلَى الْحَاكِم من وَجه آخر فإنَّ التِّرْمِذِيّ سَأَلَ البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه خطأ. فَكيف يكون عَلَى شَرطه؟ ! . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «بِسم الله خير الْأَسْمَاء» . قلت: هَذَا اللَّفْظ لم أره فِي حَدِيث جَابر، نعم هُوَ فِي حَدِيث (ابْن) الزبير كَمَا ستعلمه، وَسلف من حَدِيث عمر قَرِيبا. فصل: قد تلخص من أول مَا شرع الرَّافِعِيّ فِي ذكر التَّشَهُّد إِلَى هُنَا خمس تشهدات أَحدهَا: تشهد ابْن عَبَّاس. ثَانِيهَا: تشهد ابْن مَسْعُود. ثَالِثهَا: تشهد عمر. رَابِعهَا: تشهد (ابْنه) . خَامِسهَا: تشهد جَابر. وَبَقِي مِنْهَا ثَمَانِي تشهدات أُخَر أَحدهَا: تشهد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. ثَانِيهَا: تشهد عَائِشَة. ثَالِثهَا: تشهد (سَمُرَة بن) جُنْدُب. رَابِعهَا: تشهد عَلّي بن أبي طَالب. خَامِسهَا: تشهد عبد الله بن الزبير. سادسها: تشهد مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. سابعها: تشهد (سلمَان) . ثامنها: تشهد أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، فلنذكرها لتكمل الْفَائِدَة باستحضارها فِي مَوضِع وَاحِد فَإِنَّهُ من النفائس فَنَقُول: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 أما تشهد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم من حَدِيث حطَّان بن عبد الله الرقاشِي قَالَ: «صليت مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ صَلَاة، فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْقعدَة قَالَ رجل من الْقَوْم: أقرَّت الصَّلَاة (بِالْبرِّ) وَالزَّكَاة. فَلَمَّا قَضَى (أَبُو مُوسَى) الصَّلَاة (وَسلم) انْصَرف فَقَالَ: أَيّكُم الْقَائِل كلمة كَذَا وَكَذَا؟ فأرم الْقَوْم، ثمَّ ذكر أَبُو مُوسَى صفة صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أَن قَالَ: وَإِذا كَانَ عِنْد الْقعدَة فَلْيَكُن من [أول] قَول أحدكُم: التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَبَعض نسخ مُسلم «وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . (وَفِي رِوَايَة للنسائي: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، و (أشهد) أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله) وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» تنكير السَّلَام فيهمَا. وَأما تشهد عَائِشَة فَرَوَاهُ الْحسن بن سُفْيَان فِي «مُسْنده» وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 «علمتني عَائِشَة [قَالَت:] هَذَا تشهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، و (أشهد) أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . وَفِي هَذِه الرِّوَايَة فَائِدَة حَسَنَة وَهِي أَن تشهد سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِلَفْظ تشهدنا. وَرَوَاهُ مَالك فِي (موطئِهِ) عَن [عبد الرَّحْمَن] بن الْقَاسِم، عَن (أَبِيه) ، عَن عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنَّهَا كَانَت تَقول إِذا تشهدت: التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الصَّلَوَات الزاكيات لله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، السَّلَام عَلَيْكُم» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْقَاسِم أَيْضا عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا كَانَت تَقول فِي التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة فِي وَسطهَا وَفِي آخرهَا قولا وَاحِدًا: «باسم الله التَّحِيَّات الصَّلَوَات لله الزاكيات لله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين» ، فِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق وَصرح بِالتَّحْدِيثِ، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَن عَائِشَة لَيْسَ فِيهَا ذكر التَّسْمِيَة إِلَّا مَا تفرد بِهِ ابْن إِسْحَاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 قَالَ: وَرَوَى ثَابت بن زُهَيْر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَهِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة كِلَاهُمَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي التَّسْمِيَة قبل التَّحِيَّة، وثابت بن زُهَيْر مُنكر الحَدِيث ضَعِيف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَائِشَة مَرْفُوعا وَالصَّوَاب وَقفه عَلَيْهَا. وَأما (تشهد) سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَعْفَر بن سعد بن (سَمُرَة بن) جُنْدُب (قَالَ: حَدثنِي خُبيب بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه سُلَيْمَان [بن] سَمُرَة، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب) «أما بعد أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ فِي وسط الصَّلَاة أَو حِين انْقِضَائِهَا فابدءوا قبل التَّسْلِيم فَقولُوا: التَّحِيَّات الطَّيِّبَات والصلوات وَالْملك لله، ثمَّ سلمُوا عَلَى (الْيَمين ثمَّ) سلمُوا عَلَى قارئكم وَعَلَى أَنفسكُم» . قَالَ أَبُو دَاوُد: سُلَيْمَان كُوفِي الأَصْل كَانَ بِدِمَشْق. قَالَ عبد الْحق: وَهَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ بِمَشْهُور. قلت: وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب زَكَاة التِّجَارَة - إِن شَاءَ الله وَقدره. وَأما تشهد عَلّي بن أبي طَالب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 معاجمه» و (أكبرها) والسياق للْأولِ عَن إِبْرَاهِيم - يَعْنِي الوكيعي - ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ، نَا عَمْرو بن هَاشم أَبُو مَالك [الْجَنبي] عَن عبد الله بن عَطاء قَالَ: حَدثنِي الْبَهْزِي قَالَ: (سَأَلت الْحُسَيْن بن عَلّي عَن تشهد عَلّي، فَقَالَ: (هُوَ) تشهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: حَدثنِي بتشهد عَلّي عَن تشهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والزاكيات والناعمات السابغات الطاهرات لله» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن عبد الله بن عَطاء إِلَّا عَمْرو. قلت: قَالَ أَحْمد: صَدُوق. وَلينه غَيره. وَأما تشهد عبد الله بن الزبير فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «الْأَكْبَر» و «الْأَوْسَط» أَيْضا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، (نَا الْحَارِث بن يزِيد) قَالَ: سَمِعت أَبَا الْورْد يَقُول: سَمِعت عبد الله بن الزبير يَقُول: «إِنَّ تشهد النَّبِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 (: باسم الله وَبِاللَّهِ خير الْأَسْمَاء التَّحِيَّات لله الطَّيِّبَات الصَّلَوَات، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْحَقِّ بشيرًا وَنَذِيرا، وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا (وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور) ، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، اللَّهُمَّ اغْفِر لي واهدني. هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين) . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لَا يرْوَى هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن الزبير إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة. وَأما تشهد مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث رَاشد بن سعد المقرائي، عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، «أَنه كَانَ يعلم النَّاس التَّشَهُّد وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . وَرَاشِد هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَابْن سعد وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ. وشذ ابْن حزم فَقَالَ: ضَعِيف. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يعْتَبر بِهِ، لَا بَأْس بِهِ. وَفِي إِسْنَاده أَيْضا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَهُوَ ضَعِيف فِي غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 الشاميين، وحريز بن عُثْمَان شَامي ثِقَة لكنه ناصبي مبغض. وَأما تشهد (سلمَان) فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا من حَدِيث أبي رَاشد قَالَ: سَأَلت (سلمَان) الْفَارِسِي، عَن التَّشَهُّد فَقَالَ: «أعلمكُم كَمَا (علمنيهن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التَّشَهُّد حرفا حرفا. التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله [وَحده لَا شريك لَهُ] وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . فِي إِسْنَاده عمر بن يزِيد الْأَزْدِيّ، قَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث. وَأما تشهد أبي حميد السَّاعِدِيّ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا من حَدِيث الْعَبَّاس بن سهل عَنهُ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - « (أَنه) كَانَ يتَشَهَّد: التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات الزاكيات لله، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» . فِيهِ الْوَاقِدِيّ وحالته مَعْلُومَة. إِذا عرفت هَذِه التشهدات وتقررت لديك بقيت متطلعًا إِلَى (الْأَرْجَح) مِنْهَا ولتعلم أَن أَشدّهَا صِحَة بِاتِّفَاق الْحفاظ حَدِيث ابْن مَسْعُود لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْأَئِمَّة السِّتَّة اتَّفقُوا عَلَى إِخْرَاجه فِي كتبهمْ، بِخِلَاف تشهد ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ مَعْدُود من مُفْرَدَات مُسلم و (إِن) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة أَيْضا. (ثَانِيهمَا) أَنه أصح حَدِيث فِي الْبَاب قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : حَدِيث ابْن مَسْعُود رُوِيَ عَنهُ من غير وَجه وَهُوَ أصح حَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي التَّشَهُّد، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن بعدهمْ من التَّابِعين، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَاق، قَالَ التِّرْمِذِيّ: ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى، أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن خصيف قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْمَنَام فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن النَّاس قد اخْتلفُوا فِي التَّشَهُّد فَقَالَ: عَلَيْك بتشهد ابْن مَسْعُود» زَاد ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» «فَإذْ فرغت من التَّشَهُّد فسل الله الْجنَّة، وتعوذ بِهِ من النَّار» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نعم السّنة سنة ابْن مَسْعُود» وَذكر ابْن عبد الْبر بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار الْحَافِظ أَنه سُئِلَ عَن أصح حَدِيث فِي التَّشَهُّد فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي وَالله حَدِيث ابْن مَسْعُود، رُوِيَ عَنهُ من نَيف وَعشْرين طَرِيقا. ثمَّ عَددهمْ قَالَ: وَلَا أعلم (أَنه) يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي التَّشَهُّد أثبت من حَدِيث عبد الله، وَلَا أصح أَسَانِيد، وَلَا أشهر رجَالًا، وَلَا أَشد تضافرًا بِكَثْرَة الْأَسَانِيد وَاخْتِلَاف طرقها، وَإِلَيْهِ أذهب وَرُبمَا زِدْت. قَالَ ابْن عبد الْبر: كَانَ أَحْمد بن خَالِد بالأندلس يختاره، ويميل إِلَيْهِ ويتشهد بِهِ، وَذكر ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» طرق حَدِيث ابْن مَسْعُود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 فِي نَحْو ورقتين، ثمَّ نقل عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: إِنَّه (من) أصح مَا رُوِيَ فِي التَّشَهُّد وَبِه نَأْخُذ، وَنقل عَن مُسلم بن الْحجَّاج أَنه قَالَ: إِنَّمَا اجْتمع النَّاس عَلَى تشهد ابْن مَسْعُود؛ لِأَن أَصْحَابه لَا يُخَالف بَعضهم بَعْضًا، وَغَيره قد (اخْتَلَّ) أَصْحَابه. قلت: وَمَا رُجح (بِهِ) تشهد ابْن مَسْعُود أَيْضا أَن فِيهِ زِيَادَة وَاو الْعَطف، وَهِي تَقْتَضِي الْمُغَايرَة بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ؛ فَيكون كل جملَة ثَنَاء مستقلًّا بِخِلَاف إِسْقَاطهَا، فَإِن مَا عدا اللَّفْظ الأول يكون صفة للْأولِ وَالْأول أبلغ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِإِسْنَادِهِ، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: مَا سَمِعت فِي التَّشَهُّد أحسن من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَذَلِكَ أَنه رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَكَذَلِكَ غَيره مِمَّا عَرفته فَلَا يَصح هَذَا أَن يكون مرجحًا، وَاخْتَارَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ تشهد ابْن عَبَّاس لأوجه: أَحدهَا: لِأَن فِيهِ زِيَادَة و «المباركات» وَلِأَنَّهَا مُوَافقَة لقَوْل الله تَعَالَى: (تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة) (قَالَه) أَصْحَابنَا. قَالَ الشَّافِعِي: وَهُوَ أَكثر وَأحمد لفظا من غَيره. وَفِي «صَحِيح أبي عوَانَة» بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِي أَنه قَالَ: حَدِيث ابْن عَبَّاس أَجود مَا رُوِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثَانِيهَا: لِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - علمه ابْن عَبَّاس وأقرانه من أَحْدَاث الصَّحَابَة فَيكون مُتَأَخِّرًا عَن تشهد ابْن مَسْعُود [وَأَضْرَابه] قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» قَالَ: (وَهَذَا) بِلَا شكّ. ثَالِثهَا: قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : الَّذِي عِنْدِي أَنه إِنَّمَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِي؛ لِأَن إِسْنَاده إِسْنَاد حجازي، وَإسْنَاد حَدِيث عبد الله إِسْنَاد كُوفِي، وَمهما وجد أَئِمَّتنَا المتقدمون من أهل الْمَدِينَة للْحَدِيث طَرِيقا بالحجاز فَلَا يحتجون بِحَدِيث يكون مخرجه من الْكُوفَة. قَالَ: و (مِمَّا) يشْهد لهَذَا قَول الشَّافِعِي ليونس بن عبد الْأَعْلَى: إِذا وجدت أهل الْمَدِينَة عَلَى شَيْء فَلَا يدخلن قَلْبك شكّ أَنه حق، ثمَّ ذكر الْبَيْهَقِيّ شَوَاهِد لما ذكره. وَوَقع فِي «الشفا» للْقَاضِي عِيَاض أَن الشَّافِعِي اخْتَار تشهد ابْن مَسْعُود وَهُوَ سبق قلم، وَاخْتَارَ مَالك رَحِمَهُ اللَّهُ تشهد عمر بن الْخطاب (لتعليم) عمر إِيَّاه عَلَى الْمِنْبَر بِحَضْرَة الصَّحَابَة وَلم يُنكر، وَمثل هَذَا لَا يكون إِلَّا بتوقيف وَهُوَ (بِيَقِين) بعد (تَعْلِيم ابْن عَبَّاس فَتَأَخر التَّعْلِيم) ، وَزِيَادَة «المباركات» يقابلها عِنْد مَالك زِيَادَة «الزاكيات» لَكِن للشَّافِعِيّ أَن يَقُول: نَحن تمسكنا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 الثَّابِت، وَمَالك تمسك بالأثر عَن عمر، لَكِن لمَالِك أَن يَقُول هَذَا جارٍ عَلَى قواعدي فِي تَرْجِيح عمل أهل الْمَدِينَة. عَلَى أَن فِي تَسْلِيم كَون ذَلِك عمل الْمَدِينَة (وَقْفَة) ، لِأَن ابْن أبي شيبَة رَوَى فِي «مُصَنفه» عَن الْفضل بن دُكَيْن، عَن سُفْيَان، عَن زيد الْعمي، عَن أبي الصّديق النَّاجِي، عَن ابْن عمر «أَن أَبَا بكر كَانَ يعلمهُمْ التَّشَهُّد عَلَى الْمِنْبَر كَمَا يعلم الصّبيان فِي الْكتاب: التَّحِيَّات لله والصلوات، والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» فَهَذَا يُوَافق حَدِيث ابْن مَسْعُود فَيَنْبَغِي تَرْجِيحه إِلَّا أَن يُجَاب بِضعْف زيد الْعمي، فاستفد مَا ذكرنَا لَك من ذكر التشهدات وَالْكَلَام عَلَيْهَا فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات الجليلة الَّتِي يرحل إِلَيْهَا. الحَدِيث الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَقد سلف بِلَفْظِهِ فِي الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 الثَّامِن بعد الْمِائَة وَهُوَ نَحْو هَذَا. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة أهل الْبَيْت إِن البُخَارِيّ رَوَاهُ ثمَّ سَاقه بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَعَزاهُ شَيخنَا الْحَافِظ قطب الدَّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي كِتَابه [الاهتمام بتلخيص كتاب] الإِمَام الَّذِي نحا فِيهِ (نَحْو) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي كالمكمل لَهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره (الرَّافِعِيّ) سَوَاء إِلَى رِوَايَة الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا لَفظه - وَمن أَصله نقلته - رَوَى عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: «لَقِيَنِي كَعْب بن عجْرَة فَقَالَ: أَلا أهدي لَك هَدِيَّة سَمعتهَا من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَقلت: بلَى، فاهدها لي. قَالَ: سَأَلنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت؟ فَإِن الله قد علمنَا كَيفَ نسلم. قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد ... » فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم ورأيته فِي (النَّسَائِيّ الْكَبِير) كَمَا أوردهُ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَهَذَا لَفظه عَن كَعْب ابْن عجْرَة قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ، فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» وَقد رَأَيْت بعض فضلاء الشاميين اعْترض عَلَى المُصَنّف فِي رِوَايَته الحَدِيث كَذَلِك، وَقد زَالَ عَنهُ ذَلِك - بِحَمْد الله ومنِّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 فَائِدَة: قَالَ المستغفري فِي «الدَّعْوَات» : رَوَى جمَاعَة (أَحَادِيث فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ) (: كَعْب بن عجْرَة، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَطَلْحَة بن عبيد الله، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأَبُو مَسْعُود (الْأنْصَارِيّ) وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ و (بُرَيْدَة) بن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ، والنعمان بن أبي عَيَّاش الزرقي، ورويفع بن ثَابت، وَجَابِر بن عبد الله، وَابْن عَبَّاس ثمَّ سَاق أَحَادِيثهم. قلت: وَسَهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَزيد بن خَارِجَة رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ. وَعلي رَوَاهُ س وفضالة وَابْن مَسْعُود - كَمَا سلفا - وَعبد الرَّحْمَن بن بشر بن مَسْعُود. الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي آخر التَّشَهُّد: ثمَّ ليتخير من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو» وَفِي رِوَايَة «فَليدع بعد مَا شَاءَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الحَدِيث (الْحَادِي) عشر بعد الْمِائَة فِي الْبَاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 الحَدِيث السَّابِع عشر بعد الْمِائَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «كَانَ من آخر مَا يَقُول (بَين) التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت، وَمَا أخرت، وَمَا أسررت، وَمَا أعلنت، وَمَا أسرفت، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت» . . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك من رِوَايَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين. الحَدِيث الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا فرغ أحدكُم من التَّشَهُّد الآخِر فليتعوذ بِاللَّه من أَربع: من عَذَاب جَهَنَّم، و (من) عَذَاب الْقَبْر، وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات، وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا تشهد أحدكُم فليتعوذ بِاللَّه من أَربع يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب جَهَنَّم، وَمن عَذَاب الْقَبْر، وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات، وَمن شَرّ فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال» . وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر وَعَذَاب النَّار وفتنة الْمَسِيح (الدَّجَّال) وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 (زَاد) النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة لَهما بِإِسْنَاد صَحِيح « (ثمَّ) يَدْعُو لنَفسِهِ بِمَا بدا لَهُ» . (وَرَوَاهُ) البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز من «صَحِيحه» بِلَفْظ «كَانَ يَدْعُو بهؤلاء الْكَلِمَات» . وَلم يُقَيِّدهُ بتشهد وَلَا بِغَيْرِهِ، وَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يعلمهُمْ هَذَا الدُّعَاء، كَمَا يعلمهُمْ السُّورَة من الْقُرْآن يَقُول: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من عَذَاب جَهَنَّم، وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، (وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال) ، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات» قَالَ مُسلم: وَبَلغنِي أَن طاوسًا قَالَ لِابْنِهِ: دَعَوْت بهَا فِي صَلَاتك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أعد صَلَاتك. الحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَدْعُو فِي آخر (الصَّلَاة) اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وفتنة الْمَمَات، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 الله عَنْهَا بِزِيَادَة: «فَقيل: يَا رَسُول الله، مَا أَكثر مَا تستعيذ من المغرم! فَقَالَ: إِن الرجل إِذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف» . الحَدِيث الْعشْرُونَ بعد الْمِائَة (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَدْعُو فِي صلَاته فَيَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك، وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من رِوَايَة الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَنه قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي. فَقَالَ: قل: اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ... » الحَدِيث. (قَوْله) «كثيرا» رُوِيَ بِالْمُثَلثَةِ وبالموحدة، وَالْأول رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَالثَّانِي رِوَايَة بَعضهم قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيَنْبَغِي أَن يجمع بَينهمَا أَي للِاحْتِيَاط عَلَى التَّعَبُّد بِلَفْظِهِ والمحافظة (عَلَيْهِ) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين وَالْمِائَة أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وتحليلها التَّسْلِيم» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين وَالْمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين وَالْمِائَة (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول: السَّلَام» . هَذَا صَحِيح، وَهُوَ مستفيض فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَمَا سيمر (بك) عَلَى الإثر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 الحَدِيث [1] الثَّالِث بعد الْعشْرين وَالْمِائَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَعَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة: د ت س ق، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: (هَذَا) حَدِيث حسن صَحِيح. وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ إِحْدَى رِوَايَات النَّسَائِيّ (وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي رِوَايَة للنسائي) : «كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، وَعَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه حَتَّى يَبْدُو بَيَاض خَدّه، وَعَن يسَاره حَتَّى يَبْدُو بَيَاض خَدّه» . وَفِي رِوَايَة لَهُ وللدارقطني: «وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يفْعَلَانِ ذَلِك» . وَلَفظ أبي دَاوُد: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ مثله، إِلَّا أَنه لم يقل: «حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» . وَلَفظ ابْن مَاجَه: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله» . وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه، حَتَّى يَبْدُو بَيَاض خَدّه، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَعَن يسَاره مثل ذَلِك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» . وأصل حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي أَفْرَاد «صَحِيح مُسلم» : وَهَذَا لَفظه عَن أبي معمر «أَن أَمِيرا (كَانَ) بِمَكَّة يسلم تسليمتين، فَقَالَ عبد الله - يَعْنِي ابْن مَسْعُود -: أَنى (عَلِقَهَا؟) إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَفْعَله» . وأمير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 مَكَّة هَذَا هُوَ نَافِع بن عبد الْحَارِث. قَالَ الْعقيلِيّ: والأسانيد صِحَاح ثَابِتَة فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي تسليمتين، وَلَا يَصح فِي تَسْلِيمَة شَيْء. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين (وَالْمِائَة) عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة (تِلْقَاء وَجهه)) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى النَّيْسَابُورِي، نَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن (أَبِيه، عَن) عَائِشَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه، يمِيل إِلَى الشق الْأَيْمن شَيْئا» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، عَن هِشَام بن عمار، ثَنَا عبد الْملك (بن مُحَمَّد) الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا زُهَيْر ... فَذكره إِلَى قَوْله: «تِلْقَاء وَجهه» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من (طرق) ، عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - يَعْنِي البُخَارِيّ -: زُهَيْر بن مُحَمَّد، أهل الشَّام يروون عَنهُ مَنَاكِير، (وَرِوَايَة) أهل الْعرَاق عَنهُ أشبه. قَالَ: وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: كَأَن زُهَيْر بن مُحَمَّد الَّذِي وَقع عِنْدهم لَيْسَ هُوَ الَّذِي (يرْوَى) عَنهُ بالعراق، كَأَنَّهُ رجل آخر قلبوا اسْمه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد قَالَ بِهِ (بعض) أهل الْعلم فِي التَّسْلِيم فِي الصَّلَاة. قَالَ: وَأَصَح الرِّوَايَات عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهِ (تسليمتين) وَعَلِيهِ أَكثر أهل الْعلم. وَقَالَ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ زُهَيْر بن مُحَمَّد. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر مَوْقُوفا عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هَذَا حَدِيث مُنكر، هُوَ مَوْقُوف عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رفع هَذَا الحَدِيث عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ وَعَمْرو - يَعْنِي: ابْن أبي سَلمَة - وَخَالَفَهُمَا الْوَلِيد بن مُسلم فَوَقفهُ عَلَى عَائِشَة، عَن زُهَيْر. قَالَ الْوَلِيد لزهير: هَل بلغك فِي هَذَا شَيْء عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَقَالَ: نعم، أَخْبرنِي يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[كَانَ يسلم تَسْلِيمَة] » . وَصوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة الْوَقْف. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: إِنَّه الصَّحِيح، وَوهم رِوَايَة الرّفْع. وَقَالَ الْبَزَّار بعد أَن ذكره مَرْفُوعا: هَذَا رَوَاهُ غير وَاحِد مَوْقُوفا، وَلَا نعلم أسْندهُ إِلَّا عَمْرو عَن زُهَيْر. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يرفعهُ غير زُهَيْر، عَن هِشَام بن عُرْوَة؛ وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع كثير الْخَطَأ لَا يحْتَج بِهِ. وَنقل عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عَن ابْن عبد الْبر أَنه قَالَ: لَا يَصح مَرْفُوعا، وَأقرهُ عَلَى ذَلِك. ورأيته كَذَلِك فِي «تمهيده» ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأما حَدِيث عَائِشَة «أَنه كَانَ لَا يسلم إِلَّا تَسْلِيمَة وَاحِدَة» فَلم يرفعهُ إِلَّا زُهَيْر بن مُحَمَّد وَحده عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، رَوَاهُ عَنهُ عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَزُهَيْر بن مُحَمَّد ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع كثير الْخَطَأ لَا يحْتَج بِهِ. وَذكر ليحيى بن (سعيد) هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: عَمْرو بن أبي سَلمَة وَزُهَيْر ضعيفان لَا حجَّة فيهمَا. قلت: وَضَعفه أَيْضا من الْمُتَأَخِّرين جماعات. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي «الْمُهَذّب» : هُوَ غير ثَابت عِنْد أهل النَّقْل. وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي «شرح السّنة» . قَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» هُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ؛ فَإِن زُهَيْر بن مُحَمَّد ضَعِيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : هَذَا الحَدِيث ضعفه الْجُمْهُور. قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وَلَيْسَ فِي الِاقْتِصَار عَلَى تَسْلِيمَة وَاحِدَة شَيْء ثَابت. وَقد أسلفت ذَلِك عَن الْعقيلِيّ أَيْضا. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : أطبق أَصْحَابنَا فِي كتب (الْمَذْهَب) عَلَى تَضْعِيفه. قلت: وَحَاصِل قَول من ضعفه الطعْن فِي زُهَيْر بن مُحَمَّد، وانفراده بِهِ، وَلَك أَن تَقول: زُهَيْر من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن الْأَرْبَعَة. وَقَالَ أَحْمد فِيهِ: إِنَّه مُسْتَقِيم الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: لَا بَأْس بِهِ. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: إِنَّه ثِقَة. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَاخْتلف قَول يَحْيَى بن معِين فِيهِ فَمرَّة قَالَ: لَا بَأْس بِهِ. وَمرَّة قَالَ: ثِقَة. وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. (وَعند) عَمْرو بن أبي سَلمَة [عَنهُ] مَنَاكِير. وَمرَّة قَالَ: ضَعِيف. وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «تَارِيخ نيسابور» بعد أَن نقل الرِّوَايَة الأولَى عَن أَحْمد: قَالَ صَالح بن مُحَمَّد: ثِقَة صَدُوق. وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون: أَرْجُو أَنه صَدُوق. وَقَالَ الدَّارمِيّ: ثِقَة (لَهُ أغاليط) كَثِيرَة. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَحَله الصدْق، وَفِي حفظه سوء، وَحَدِيثه بِالشَّام أنكر من حَدِيثه بالعراق لسوء حفظه، وَمَا حدث من حفظه فَهُوَ أغاليط. قَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ أهل الشَّام حَيْثُ رووا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 عَنهُ أخطئوا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إِذا حدث عَنهُ أهل الْعرَاق، فرواياتهم عَنهُ شَبيهَة بالمستقيمة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَقَالَ: إِنَّه يُخطئ وَيُخَالف. وَإِذا عرفت هَذَا كُله قضيت الْعجب من قَول الْحَافِظ أبي (عمر) بن عبد الْبر: إِنَّه ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع، فَهَذِهِ أَقْوَال من وَثَّقَهُ وَضَعفه، وَالْأَكْثَر عَلَى توثيقه. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : فِي كَلَام أبي عمر حمل عَلَى زُهَيْر وَعَمْرو بن (أبي) سَلمَة، وَذَلِكَ فَوق (مَا يستحقان) ، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد أهل الْعلم بهما. قلت: وَأما (دَعْوَى) تفرده (بِهِ) فَلَيْسَ كَذَلِك، فقد تَابعه عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول. رَوَاهُ بَقِي بن مخلد فِي «مُصَنفه» من طَرِيقه، نَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بِهِ) ، وَعَاصِم من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن الْأَرْبَعَة. قَالَ الإِمَام أَحْمد فِيهِ: ثِقَة من الْحفاظ. وَتَابعه أَيْضا زُرَارَة بن أَوْفَى، رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي «مُسْنده» من طَرِيقه، فَقَالَ: نَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، نَا معَاذ بن هِشَام صَاحب الدستوَائي، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن زُرَارَة بن أَوْفَى، عَن سعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 بن هِشَام، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أوتر أوتر بتسع رَكْعَات، لم يقْعد إِلَّا فِي الثَّامِنَة، فيحمد الله ويذكره ثمَّ يَدْعُو، ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم، ثمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَة فيجلس فيذكر الله وَيَدْعُو، ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس. فَلَمَّا كبر وَضعف، أوتر بِسبع رَكْعَات لَا يقْعد إِلَّا فِي السَّادِسَة، ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم، فَيصَلي السَّابِعَة ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس» . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَمن حق الْحَاكِم استدراكه فِي «مُسْتَدْركه» عَلَيْهِ، وَقد أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، عَن عبد الله (الأودي) ، نَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ... فَذكره. فَظهر بِهَذَا رد قَول الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ زُهَيْر بن مُحَمَّد، وَقَول ابْن عبد الْبر: لم يرفعهُ غير زُهَيْر، عَن هِشَام. وَأما قَول الْحَافِظ أبي بكر الْبَزَّار: لَا نعلم أسْندهُ إِلَّا عَمْرو عَن زُهَيْر. فَلَيْسَ بجيد أَيْضا، فقد أسْندهُ عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ (عَنهُ) ، كَمَا سلف عَن رِوَايَة ابْن مَاجَه وَغَيره و (علل الدَّارَقُطْنِيّ) . وَأما قَول الدَّارَقُطْنِيّ: إِن عَمْرو بن أبي سَلمَة وَعبد الْملك الصَّنْعَانِيّ رَفَعَاهُ، وَخَالَفَهُمَا الْوَلِيد بن مُسلم فَوَقفهُ عَلَى عَائِشَة فَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه قد توارد عَلَى رَفعه ثَلَاثَة: هَذَانِ الإمامان، وَعَاصِم بن سُلَيْمَان، وتابعهم زُرَارَة بن أَوْفَى، فَيكون الْأَكْثَر عَلَى رَفعه، وَانْفَرَدَ بوقفه الْوَلِيد بن مُسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 ثَانِيهمَا: أَنه يحمل عَلَى أَن عَائِشَة روته مَرْفُوعا، وأفتت بِهِ فَنقل الْمَجْمُوع عَنْهَا، لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، عَن الْحسن بن سُفْيَان، نَا ابْن أبي السّري، نَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة عَن يَمِينه، يمِيل بهَا وَجهه إِلَى الْقبْلَة» . واستدركه الْحَاكِم عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، فَرَوَاهُ عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، نَا أَحْمد بن عِيسَى، نَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، نَا زُهَيْر بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه، يمِيل إِلَى الشق الْأَيْمن قَلِيلا» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَقد رَوَاهُ وهب بن خَالِد، عَن عبيد الله بن عمر، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة: «أَنَّهَا كَانَت تسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجههَا» . (قَالَ) : وَقد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاج بِعَمْرو بن أبي سَلمَة وَزُهَيْر بن مُحَمَّد. (الحَدِيث) الْخَامِس بعد الْعشْرين وَالْمِائَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله حَتَّى (يرَى) بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، [وَعَن يسَاره] : السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) لَهُ طرق كَثِيرَة يحضرنا مِنْهَا أحد عشر طَرِيقا: أَولهَا: عَن (ابْن) مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم ... » الحَدِيث. بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء. رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي (سنَنه) كَمَا سلف قَرِيبا، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بلفظين: أَحدهمَا: مثل هَذَا، إِلَّا أَنه قَالَ فِي كلٍّ: (بَيَاض خَدّه» وَلم يقل «الْأَيْمن» (وَلَا) «الْأَيْسَر» . ثَانِيهمَا: «يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خديه - أَو خَدّه - وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يفْعَلَانِ ذَلِك» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ قَالَ: «مَا نسيت من الْأَشْيَاء فَلم أنس تَسْلِيم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الصَّلَاة عَن يَمِينه وشماله: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. (ثمَّ قَالَ: كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض خديه» . ثَانِيهَا: عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كنت أرَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يسلم) عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره، حَتَّى كنت أرَى بَيَاض خَدّه» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ «أَنه كَانَ يسلم (عَن يَمِينه) حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَرَوَاهُ الْبَزَّار كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: قد رُوِيَ عَن سعد من غير وَجه. وَرَوَاهُ ابْن (حبَان) فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسلم عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» . ثمَّ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيّ: لم يسمع هَذَا الْخَبَر من حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد - يَعْنِي أحد رُوَاته -: كل حَدِيث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سمعته؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فالثلثين؟ قَالَ: لَا قَالَ:) فالنصف؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهُوَ من النّصْف الَّذِي لم تسمع. ثَالِثهَا: عَن عمار بن يَاسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله، (يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله (السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله) » . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ: «كَانَ إِذا سلم عَن يَمِينه يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، وَإِذا سلم عَن يسَاره يرَى بَيَاض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 خَدّه الْأَيْمن والأيسر، وَكَانَ يسلم تَسْلِيمَة: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله» . رَابِعهَا: عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، (السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله) حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، عَن (حُرَيْث) عَن الشّعبِيّ، عَن الْبَراء (فَذكره) وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن دَاوُد، عَن حُريث، عَن الشّعبِيّ، عَن الْبَراء: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يسلم تسليمتين» . وحريث هَذَا هُوَ ابْن أبي مطر، واسْمه عَمْرو الْفَزارِيّ أَبُو عَمْرو (الحناط) عَمْرو الْكُوفِي، وَقد تَركه النَّسَائِيّ وَغَيره. خَامِسهَا: عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم فِي صلَاته عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله حَتَّى يرَى بَيَاض خديه» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَفِيه ابْن لَهِيعَة؛ وَقد علمت فِيمَا مَضَى حَاله. سادسها: عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله» عزاهُ الضياء الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 ابْن مَاجَه، وَكَذَا الْحَافِظ جمال الدَّين فِي «أَطْرَافه» إِلَيْهِ، وَأَنه أخرجه فِي الصَّلَاة، وَعَزاهُ أَيْضا إِلَيْهِ شَيخنَا الْحَافِظ فتح الدَّين الْيَعْمرِي، وَلم أره فِيمَا حضرني من نسخه. سابعها: عَن عدي بن عميرَة قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا سجد يرَى بَيَاض إبطه، ثمَّ إِذا سلم أقبل بِوَجْهِهِ عَن يَمِينه حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، ثمَّ يسلم عَن يسَاره وَيقبل بِوَجْهِهِ حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه عَن يسَاره» . رَوَاهُ (أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْفضل بن ميسرَة، حَدثنِي أَبُو حريز؛ أَن قيس بن أبي (حَازِم) حَدثهُ، عَن عدي (بِهِ) ، وَأَبُو حريز هَذَا هُوَ عبد الله بن الْحُسَيْن، وَقد اخْتلف فِي ثقته، وَاسْتشْهدَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 البُخَارِيّ، وَهَذَا الحَدِيث أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وبيض لَهُ شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي فِي شَرحه وَلم يظفر بِهِ، وَقد تيَسّر بِحَمْد الله وَمِنْه. ثامنها: عَن طلق بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَبَيَاض خَدّه الْأَيْسَر» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «كَانَ إِذا سلم فِي الصَّلَاة، رَأينَا بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَبَيَاض خَدّه الْأَيْسَر» . وَفِي إِسْنَاده: ملازم بن عَمْرو؛ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ نظر. تاسعها: عَن وراد كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة: «أَن مُعَاوِيَة كتب إِلَى الْمُغيرَة يسْأَله عَن آخر مَا كَانَ يتَكَلَّم (بِهِ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَكتب إِلَيْهِ أَنه كَانَ يَقُول إِذا سلم: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد. بعد أَن يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، [وَكَانَ يسلم عَن يَمِينه حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، وَعَن يسَاره] حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عَلّي المعمري، عَن مَحْمُود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 بن خَالِد الدِّمَشْقِي، عَن أَبِيه، عَن عِيسَى بن الْمسيب، عَن (سلم) بن عبد الرَّحْمَن النَّخعِيّ، عَن وراد بِهِ. عَاشرهَا: عَن الْأَزْرَق بن قيس قَالَ: «صَلَّى بِنَا أَبُو رمثة، فَقَالَ: شهِدت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى، ثمَّ سلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى رَأينَا وضح خديه» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أكبر معاجمه» عَن إِبْرَاهِيم بن (متويه) ، عَن (الْيَمَان بن سعيد) ، عَن الْأَشْعَث، عَن الْمنْهَال، عَن الْأَزْرَق بِهِ. الطَّرِيق الْحَادِي عشر: عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره، حَتَّى يرَى خداه» . رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم - يَعْنِي ابْن أبي يَحْيَى - عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن عبد الْوَهَّاب بن بخت، عَن وَاثِلَة بِهِ، وَهُوَ مخرج فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 «مُسْنده» وَإِبْرَاهِيم حَالَته مَعْلُومَة، وَشَيْخه كَأَنَّهُ ابْن أبي فَرْوَة الْمدنِي الْمَتْرُوك، وَشَيْخه، ثِقَة لكنه كثير الْوَهم. ثمَّ ظَفرت لَهُ بعد بطرِيق آخر وَهُوَ: الثَّانِي عشر: عَن يَعْقُوب بن الْحصين قَالَ: «كَأَنِّي أنظر إِلَى خدي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الصَّلَاة وَهُوَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله وَهُوَ يجْهر بِالتَّسْلِيمِ» . رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة يَعْقُوب هَذَا، من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد، عَن مُجَاهِد عَنهُ بِهِ، وَعبد الْوَهَّاب هَذَا ضَعِيف مَتْرُوك كَمَا سلف (فِي الْبَاب فِي الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين) . ثمَّ ظَفرت لَهُ بطرِيق آخر وَهُوَ: الثَّالِث عشر: عَن حجر بن عَنْبَس قَالَ: سَمِعت وَائِل بن حجر يَقُول: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسلم حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، من ذَا الْجَانِب وَمن ذَا الْجَانِب» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ من (طَرِيق) عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَنهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يسلم (فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 صلَاته) عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره إِذا انْصَرف، حَتَّى أرَى بَيَاض خَدّه من هَاهُنَا وَهَاهُنَا» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا بِدُونِ ذكر (بَيَاض خَدّه» كَمَا ستعلمه عَلَى الإثر. (و) ظَفرت لَهُ (أَيْضا) بطرِيق آخر وَهُوَ: الرَّابِع عشر: عَن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم فِي صلَاته عَن يَمِينه و (عَن) يسَاره، حَتَّى يرَى بَيَاض خديه» . رَوَاهُ أَحْمد عَن يَحْيَى بن إِسْحَاق، نَا ابْن لَهِيعَة، عَن مُحَمَّد بن (عبد الله) بن مَالك، عَن سهل بِهِ. فَائِدَة: وَقع فِي كتاب «الْمدْخل إِلَى الْمُخْتَصر» لزاهر السَّرخسِيّ، و «نِهَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ» و «حلية الرَّوْيَانِيّ» زِيَادَة: «وَبَرَكَاته» فِي السَّلَام، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: هَذَا الَّذِي ذكره هَؤُلَاءِ لَا يوثق بِهِ، وَهُوَ شَاذ فِي نقل الْمَذْهَب، و (أما) من حَيْثُ الحَدِيث فَلم أَجِدهُ فِي شَيْء من الْأَحَادِيث، إِلَّا فِي حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من (رِوَايَة) وَائِل بن حجر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَعَن شِمَاله: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله (وَبَرَكَاته) » . قَالَ الشَّيْخ: و (هَذِه) زِيَادَة نَسَبهَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» إِلَى مُوسَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 بن قيس الْحَضْرَمِيّ وَعنهُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد. قلت: ومُوسَى هَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَغَيره، وَيُقَال لَهُ: عُصْفُور الْجنَّة، وَلَعَلَّه لأجل صَلَاحه لَا جرم صحّح النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي «سنَن أبي دَاوُد» إِسْنَاد صَحِيح. قلت: وَجَاءَت زِيَادَة «وَبَرَكَاته» أَيْضا (فِي) حَدِيث آخر صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَنا الْفضل بن الْحباب، نَا مُحَمَّد بن كثير، أَنا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: (السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله) ، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته» . وَقَالَ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» : نَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، نَا عمر بن عبيد، عَن أبي إِسْحَاق، عَن (أبي) الْأَحْوَص، عَن (عبد الله) «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله حَتَّى يرَى بَيَاض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله (وَبَرَكَاته) » . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين وَالْمِائَة عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نسلم عَلَى أَنْفُسنَا وَأَن (يَنْوِي) بَعْضنَا بَعْضًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي الْجمَاهِر مُحَمَّد بن عُثْمَان، نَا سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نرد عَلَى الإِمَام، وَأَن نتحاب، وَأَن يسلم بَعْضنَا عَلَى بعض» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن (عَبدة بن عبد الله) ، نَا أَبُو الْقَاسِم، نَا همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نسلم عَلَى (أَئِمَّتنَا) ، وَأَن يسلم بَعْضنَا عَلَى بعض» . قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 ونا هِشَام بن عمار، نَا إِسْمَاعِيل ابْن عَيَّاش، نَا أَبُو بكر الْهُذلِيّ، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة مَرْفُوعا: «إِذا سلم الإِمَام، فَردُّوا عَلَيْهِ» . و (سعيد) بن بشير السالف هُوَ النصري - بالنُّون - مولَى (بني) نصر، رَوَى لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَفِيه مقَال، قَالَ أَبُو مسْهر: لم يكن ببلدنا أحفظ مِنْهُ وَهُوَ ضَعِيف مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق. وَقَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِي حفظه. وَقَالَ بَقِيَّة: سَأَلت شُعْبَة (عَنهُ) فَقَالَ: (صَدُوق) اللِّسَان. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: نَا سعيد بن بشير وَكَانَ حَافِظًا، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ توثيقه عَن شُعْبَة ودحيم. وَقَالَ عُثْمَان، عَن ابْن معِين: ضَعِيف. وَقَالَ عَبَّاس (الدوري) عَنهُ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الفلاس: نَا عَنهُ ابْن مهْدي ثمَّ تَركه. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا تَركه لفحش خطئه ونكارة بعض حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن نمير: مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء، لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث، يروي عَن قَتَادَة الْمُنْكَرَات. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ رَدِيء الْحِفْظ فَاحش الْخَطَأ، يروي عَن قَتَادَة مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَعَن عَمْرو بن دِينَار مَا لَا يعرف من حَدِيثه. وَذكره أَبُو زرْعَة فِي الضُّعَفَاء، وَقَالَ: لَا يحْتَج بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 وَقَالَ ابْن (عدي: لَا أرَى بِمَا يروي بَأْسا، وَلَعَلَّه يهم ويغلط، وَالْغَالِب عَلَيْهِ الصدْق. وَقَالَ) عبد الْحق: لَا يحْتَج بِهِ. فتلخص أَن الْأَكْثَر عَلَى ضعفه، وَلم يعبأ الْحَاكِم بِمَا قيل فِيهِ، بل أخرج الحَدِيث فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من طَرِيق أبي دَاوُد وَلَفظه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَسَعِيد بن بشير إِمَام أهل الشَّام فِي عصره، إِلَّا أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَاهُ لما وَصفه أَبُو مسْهر من سوء حفظه. قَالَ: وَمثله لَا (ينزل) بِهَذَا الْمِقْدَار. وَرِوَايَة ابْن مَاجَه الأولَى خَالِيَة من هَذَا، وَقد نبه ابْن الْقطَّان (فِي «علله» ) عَلَى ذَلِك، فَقَالَ: (وَلِهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد جيد لَيْسَ فِيهِ من الْبَأْس مَا بِهَذَا) . قَالَ الْبَزَّار: نَا عَمْرو بن عَلّي، نَا عبد الْأَعْلَى بن الْقَاسِم، نَا همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، (عَن) سَمُرَة قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نسلم عَلَى أَئِمَّتنَا، وَأَن يسلم بَعْضنَا عَلَى بعض فِي الصَّلَاة» . وَهَذَا (هُوَ) طَرِيق ابْن مَاجَه السالف، وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» بِلَفْظ ابْن مَاجَه: (ثمَّ) قَالَ: قَالَ عبد الله بن سُلَيْمَان: وَتَفْسِير ذَلِك إِذا سلم الإِمَام أَن يَقُول مَنْ خَلفه قبل أَن يسكت: وَعَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 وَأما أَبُو حَاتِم (بن حبَان) فَقَالَ فِي كِتَابه «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» بعد أَن أخرجه: أَنا عَائِذ بِاللَّه أَن نحتج فِي شَيْء من كتبنَا بالمقاطيع والمراسيل، وَالْحسن لم يسمع من سَمُرَة شَيْئا، لَكِن ظَاهر الْكتاب يُوجب رد السَّلَام عَلَى الْمُسلم مُطلقًا، سَوَاء كَانَ فِي صَلَاة أم غَيرهَا. قلت: وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه الثَّانِيَة قد علمت مقالات الْحفاظ فِيهِ فِي الحَدِيث السَّابِع من بَاب الْغسْل، وَأَبُو بكر الْهُذلِيّ فِيهَا أَيْضا تَرَكُوهُ وَهُوَ سلْمَى بن عبد الله بن سلْمَى. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن سَمُرَة قَالَ: «أما بعد، أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ فِي وسط الصَّلَاة أَو حِين انْقِضَائِهَا، فابدءوا قبل التَّسْلِيم وَقُولُوا: التَّحِيَّات لله الطَّيِّبَات والصلوات وَالْملك لله. [ثمَّ سلمُوا عَلَى الْيَمين] ، ثمَّ سلمُوا عَلَى قارئكم وَعَلَى أَنفسكُم» . وسنتكلم عَلَى إِسْنَاده فِي أثْنَاء زَكَاة التِّجَارَة كَمَا وعدت بِهِ فِي الْبَاب. فصل: وَأما تَرْجَمَة الْحسن عَن سَمُرَة فللحفاظ فِيهَا (ثَلَاثَة) مَذَاهِب، فلنذكرها (هُنَا) ونحيل بعد (حَيْثُ وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة) عَلَيْهَا - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 أَحدهَا: أَنه سمع مِنْهُ مُطلقًا قَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» : قَالَ لي عَلّي - يَعْنِي ابْن الْمَدِينِيّ - سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح وَأخذ بحَديثه: «من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ» . وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : احْتج البُخَارِيّ بالْحسنِ عَن سَمُرَة، وَقَالَ فِيهِ فِي كتاب الصَّلَاة: لَا يتَوَهَّم متوهم أَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة، فقد سمع مِنْهُ، وَصحح أَحَادِيثه مِنْهَا حَدِيثه فِي الْبَسْمَلَة الْمَشْهُور (أَنه ضبط عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سكتتين: سكتة إِذا كبر، وسكتة إِذا فرغ من قِرَاءَته عِنْد رُكُوعه» . وَقَالَ فِيهِ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي (الاستذكار) لِابْنِ عبد الْبر: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قلت للْبُخَارِيّ فِي قَوْلهم: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، قَالَ: سمع مِنْهُ أَحَادِيث كَثِيرَة، وَجعل رِوَايَته عَنهُ سَمَاعا وصححها، وَفِيه أَيْضا قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَن حَدِيث «من قتل (عَبده) قَتَلْنَاهُ» . فَقَالَ: كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول بِهِ، وَأَنا أذهب إِلَيْهِ، وَسَمَاع الْحسن من سَمُرَة عِنْدِي صَحِيح. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي (بَاب) مَا جَاءَ فِي صَلَاة الْوُسْطَى من «جَامعه» : قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 وَكَذَا قَالَ أَيْضا فِي بَاب بيع الْحَيَوَان نَسِيئَة: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح، كَذَا قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَغَيره. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَقَول عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إِن أَحَادِيث سَمُرَة صِحَاح (يَعْنِي) أَنه قد سَمعهَا (مِنْهُ مقدم) عَلَى قَول يَحْيَى بن سعيد: إِن أَحَادِيثه عَنهُ كتاب، وَعَلَى قَول ابْن حبَان: إِنَّه لم يشافه سَمُرَة. قلت: وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه فِي غير مَا مَوضِع: مِنْهَا حَدِيث «نهَى عَن بيع الْحَيَوَان نَسِيئَة» ، وَمِنْهَا حَدِيث « (جَار الدَّار) أَحَق بِالدَّار» ، وَمِنْهَا حَدِيث «الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر» ، وَمِنْهَا حَدِيث «لَا تلاعنوا بلعنة الله، وَلَا بغضب الله» ، وَمِنْهَا حَدِيث «الْحسب [المَال وَالْكَرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 التَّقْوَى] ، وَمِنْهَا حَدِيث «عَلَى الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤدِّي» . عَلَى مَا نَقله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (إلمامه) ، وَالَّذِي وجدته فِي نسخه أَنه حسن فَقَط. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب قتل الْحر بِالْعَبدِ: كَانَ شُعْبَة يثبت سَمَاعه مِنْهُ. الْمَذْهَب الثَّانِي: أَنه لم يسمع مِنْهُ مُطلقًا، قَالَ عُثْمَان بن (سعيد) الدَّارمِيّ: قلت ليحيى بن معِين: الْحسن لَقِي سَمُرَة؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سَمِعت يَحْيَى بن معِين يَقُول: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة. وَقَالَ الْغلابِي: نَا يَحْيَى بن معِين، عَن أبي النَّضر، عَن شُعْبَة قَالَ: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة، وَقد تكلم بَعضهم مَعَ يَحْيَى بن معِين فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 هَذَا، فَأنْكر يَحْيَى سَمَاعه فاحتج عَلَيْهِ بقول ابْن سِيرِين: سُئِلَ الْحسن مِمَّن سمع حَدِيث الْعَقِيقَة؟ فَقَالَ: من سَمُرَة. فَلم يكن عِنْد يَحْيَى جَوَاب! وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: أَحَادِيث سَمُرَة الَّتِي يَرْوِيهَا الْحسن سمعنَا أَنَّهَا كتاب. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» و «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» : الْحسن لم يسمع من سَمُرَة شَيْئا. وَقَالَ البرديجي الْحَافِظ: قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة لَيست بصحاح؛ لِأَنَّهُ من كتاب وَلَا يُحفظ عَن الْحسن، عَن سَمُرَة حَدِيث يَقُول فِيهِ: سَمِعت سَمُرَة إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ حَدِيث الْعَقِيقَة، وَلَا يثبت، رَوَاهُ قُرَيْش بن أنس، عَن أَشْعَث، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، وَلم يروه غَيره وَهُوَ وهم. كَذَا قَالَ، وَقَوله: عَن أَشْعَث وهم (فقد قَالَ) أَبُو يعْلى: ثَنَا أَبُو مُوسَى، حَدثنِي قُرَيْش بن أنس، عَن حبيب بن الشَّهِيد، عَن مُحَمَّد (بن) سِيرِين، عَن الْحسن فَذكره، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» : نَا عبد الله بن أبي الْأسود، نَا قُرَيْش بن أنس، عَن حبيب بن الشَّهِيد قَالَ: أَمرنِي ابْن سِيرِين أَن أسأَل الْحسن مِمَّن سمع حَدِيث الْعَقِيقَة؟ قَالَ: من سَمُرَة. قَالَ البرديجي: وَالَّذِي صَحَّ لِلْحسنِ سَمَاعا من الصَّحَابَة أنس وَعبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 الله بن مُغفل وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وأحمر بن جُزْء. فعلَى هَذَا الْمَذْهَب يكون حَدِيثه عَن سَمُرَة مُرْسلا، وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق الصريفيني، عَن ابْن عون قَالَ: دخلت عَلَى الْحسن فَإِذا بِيَدِهِ صحيفَة فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذِه صحيفَة كتبهَا سَمُرَة لِابْنِهِ. قَالَ: فَقلت: سمعته من (سَمُرَة قَالَ: لَا، فَقلت: سمعته من) ابْنه؟ فَقَالَ: لَا. وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فاضطرب قَوْله فِيهِ فِي «محلاه» فَقَالَ فِي الْعَارِية: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة، وَقَالَ فِي الشُّفْعَة: لم يسمع مِنْهُ إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة وَحده. الْمَذْهَب الثَّالِث: أَنه لم يسمع مِنْهُ إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، وَقد أسلفنا ذَلِك من طَرِيق البُخَارِيّ وَغَيره، وأخرجها أَيْضا أَحْمد فِي «علله» ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْحسن عَن سَمُرَة كتاب، وَلم يسمع (الْحسن) مِنْهُ إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ: لَا يَصح الْحسن عَن سَمُرَة إِلَّا حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ حَدِيث تفرد بِهِ قُرَيْش بن أنس، عَن حبيب، وَقد دفع قوم آخَرُونَ قَول قُرَيْش وَقَالُوا: مَا يَصح لَهُ سَماع. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر الْحَافِظ فِي «أَطْرَافه» : حَدِيثه عَنهُ كتاب إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة. وَفِي مُسْند أَحْمد بن حَنْبَل: ثَنَا هشيم، نَا حميد الطَّوِيل قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ: إِن عبدا لَهُ أبق وَإنَّهُ نذر إِن قدر عَلَيْهِ أَن يقطع يَده، فَقَالَ الْحسن: نَا سَمُرَة قَالَ: (قَلما خطب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 خطْبَة إِلَّا أَمر فِيهَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَى عَن الْمثلَة» . وَهَذَا يَقْتَضِي (أَن يكون) سمع مِنْهُ غير حَدِيث الْعَقِيقَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ يثبت سَمَاعه مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي عهد عُثْمَان ابْن أَربع عشرَة سنة وَأشهر. وَمَات سَمُرَة فِي عهد زِيَاد، وَقَالَ: وَلم يخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن الْحسن عَن سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، فَإِنَّهُ بيَّن فِيهِ سَمَاعه من سَمُرَة. قلت: لم يُخرجهُ مُسلم أصلا، وخرجه البُخَارِيّ بِدُونِ ذكر لَفظه كَمَا قَدمته، وَقَالَ فِي «سنَنه» فِي بَاب مَا رُوِيَ من قتل عَبده أَو مثل بِهِ: أَكثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ رَغِبُوا عَن رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة، وَقَالَ فِي بَاب النَّهْي عَن بيع الْحَيَوَان (بِالْحَيَوَانِ) نَسِيئَة: أَكثر الْحفاظ لَا يثبتون سَماع الْحسن من سَمُرَة فِي غير حَدِيث الْعَقِيقَة. وَقَالَ عبد الْحق أَيْضا فِي «أَحْكَامه» : إِن هَذَا الْمَذْهَب هُوَ الصَّحِيح، وَعبارَة ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» فِي هَذِه التَّرْجَمَة: الْحسن عَن سَمُرَة لَيْسَ بِحجَّة (وَمرَاده) مَا ذكرنَا من التَّوَقُّف فِي سَمَاعه مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا. وَذكر النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» فِي الْجِنَايَات فِي كَلَامه عَلَى حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة: من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ: أَن أَصْحَابنَا أجابوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 (عَنهُ) بأجوبة مِنْهَا: أَنه مُرْسل؛ لِأَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة إِلَّا ثَلَاثَة أَحَادِيث لَيْسَ هَذَا مِنْهَا. قلت: فَهَذَا مَذْهَب رَابِع، وَالله أعلم بِهِ. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين وَالْمِائَة عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي (قبل) الظّهْر أَرْبعا، [وَبعدهَا أَرْبعا] ، وَقبل الْعَصْر أَرْبعا، يفصل بَين كل رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَة المقربين، والنبيين، وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُؤمنِينَ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي موضِعين مِنْهُ، وَهَذَا لَفظه فِي أَولهمَا: عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات، يفصل بَينهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَة المقربين، وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْند» كَذَلِك. وَلَفظه فِي الثَّانِي: عَن عَاصِم قَالَ: «سَأَلنَا عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من النَّهَار. فَقَالَ: إِنَّكُم لَا تطيقون ذَلِك. فَقُلْنَا: من أطَاق ذَلِك منا؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَت الشَّمْس من هَاهُنَا كهيئتها (من هَاهُنَا) عِنْد (الْعَصْر صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِذا كَانَت الشَّمْس من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 هَاهُنَا كهيئتها من هَاهُنَا عِنْد) الظّهْر صَلَّى أَرْبعا وَصَلى قبل الظّهْر أَرْبعا وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَقبل الْعَصْر أَرْبعا، يفصل بَين كل رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَة المقربين، والنبيين [وَالْمُرْسلِينَ] ، وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظ، وَكَذَا أَحْمد فِي «مُسْنده» ، قَالَ التِّرْمِذِيّ فيهمَا: هَذَا حَدِيث حسن. قلت: وَبَعْضهمْ يُصَحِّحهُ، قَالَ: وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم: أحسن شَيْء رُوِيَ فِي تطوع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالنَّهَارِ هَذَا. وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من طرق، وَقَالَ: لَا نعلم رُوِيَ مَرْفُوعا إِلَّا عَن عَلّي من حَدِيث عَاصِم عَنهُ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن الْمُبَارك أَنه كَانَ يضعف هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا (ضعفه) عندنَا - وَالله أعلم - لِأَنَّهُ (لَا) يرْوَى مثل هَذَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي، وَعَاصِم ثِقَة عِنْد بعض أهل الحَدِيث. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: قَالَ (سُفْيَان) : كُنَّا نَعْرِف فضل حَدِيث عَاصِم بن ضَمرَة عَلَى حَدِيث الْحَارِث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 قلت: وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: (تفرد) بِأَحَادِيث بَاطِلَة عَن عَلّي لَا يُتَابِعه الثِّقَات عَلَيْهَا، والبليّة مِنْهُ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ رَدِيء الْحِفْظ فَاحش الْخَطَأ يرفع عَن عَلّي قَوْله كثيرا، فَلَمَّا (فحش) ذَلِك مِنْهُ اسْتحق التّرْك. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين وَالْمِائَة أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا، فليصلها إِذا ذكرهَا» . هَذَا الحَدِيث تقدم (الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب التَّيَمُّم، فَليُرَاجع مِنْهُ) . الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين وَالْمِائَة «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَاتَتْهُ أَربع صلوَات يَوْم الخَنْدَق، فقضاهن عَلَى التَّرْتِيب» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب الْأَذَان. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا نسي أحدكُم صَلَاة فَذكرهَا وَهُوَ فِي صَلَاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 مَكْتُوبَة فليبدأ (بِالَّتِي) هُوَ فِيهَا، فَإِذا فرغ مِنْهَا صَلَّى الَّتِي نسي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من رِوَايَة بَقِيَّة (عَن) [عمر بن أبي عمر] ، عَن مَكْحُول، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ. قَالَ ابْن عدي: عمر بن أبي [عمر] مَجْهُول لَا أعلم يروي عَنهُ غير بَقِيَّة. قلت: وَقد قدمنَا أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي بَقِيَّة فِي بَاب النَّجَاسَات، وَأَن من جملَة مَا عيب بِهِ التَّدْلِيس وَقد عنعن هُنَا، والمدلس إِذا عنعن لَا يحْتَج بِهِ؛ فَالْحَدِيث ضَعِيف من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: هَذَا الحَدِيث جمع ضعفا وانقطاعًا. وَلَعَلَّه أَرَادَ بالانقطاع رِوَايَة مَكْحُول عَن ابْن عَبَّاس؛ فَإِن أَبَا حَاتِم قَالَ: سَأَلت أَبَا مسْهر هَل سمع مَكْحُول من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 أحد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: مَا صَحَّ (عندنَا) إِلَّا أنس بن مَالك. قلت: وَهَذَا الحَدِيث لَهُ معَارض أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نسي صَلَاة فَلم يذكرهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الإِمَام، (فَإِذا فرغ من صلَاته فليعد الصَّلَاة الَّتِي نسي، ثمَّ يُعِيد الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا مَعَ الإِمَام) » . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو يعْلى فِي «مُسْنده» لَكِن ضعفه مُوسَى بن هَارُون الْحمال - بِالْحَاء - الْحَافِظ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ أَبُو إِبْرَاهِيم الترجماني مَرْفُوعا وَالصَّحِيح أَنه موقوفٌ، (وَكَذَا) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» ، وَقَبله أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ مَرْفُوعا فَقَالَ: هَذَا خطأ، وَرَوَاهُ مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّحِيح. قَالَ: وأخبرت أَن يَحْيَى بن معِين انتخب عَلَى إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، فَلَمَّا بلغ هَذَا الحَدِيث جاوزه فَقيل لَهُ: كَيفَ لَا تكْتب هَذَا الحَدِيث؟ فَقَالَ يَحْيَى: فعل الله بِي إِن كتبته. وَظَاهر كَلَام الضياء فِي «أَحْكَامه» تَصْحِيحه، فَإِنَّهُ قَالَ: قيل: تفرد بِهَذَا الحَدِيث سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي قَالَ: وَسَعِيد رَوَى عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 مُسلم، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَتكلم فِيهِ ابْن حبَان قَالَ: وَلَا يلْتَفت إِلَى كَلَام ابْن حبَان مَعَ تَعْدِيل من هُوَ أعلم مِنْهُ وَأثبت. قلت: وَلَك أَن تجيب عَمَّا ذكره الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِأَن الترجماني خرج لَهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَقَالَ أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. فَيَنْبَغِي أَن تقبل رِوَايَة الرّفْع مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة من ثِقَة. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فخمسة. أَولهَا: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه فسر قَوْله تَعَالَى: (فصل لِرَبِّك وانحر) بِوَضْع الْيَمين (عَلَى) الشمَال تَحت النَّحْر» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث وَكِيع، ثَنَا يزِيد بن زِيَاد بن أبي الْجَعْد، عَن عَاصِم الجحدري، عَن عقبَة بن ظهير، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (فصل لِرَبِّك وانحر) قَالَ: وضع الْيَمين عَلَى الشمَال فِي الصَّلَاة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث روح بن الْمسيب، حَدثنِي عَمْرو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 بن مَالك النكري، عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «فصل لِرَبِّك وانحر) (قَالَ) : وضع الْيَمين عَلَى الشمَال فِي الصَّلَاة عِنْد النَّحْر» . وروح هَذَا قَالَ يَحْيَى بن معِين: صُوَيْلِح. وَقَالَ الرَّازِيّ: صَالح لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى عَن ثَابت الْبنانِيّ وَيزِيد الرقاشِي، أَحَادِيثه غير (مَحْفُوظَة) . وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. وَعَمْرو النكري قَالَ ابْن عدي: مُنكر (الحَدِيث) عَن الثِّقَات، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 وَيسْرق الحَدِيث، ضعفه أَبُو يعْلى الْموصِلِي؛ كَذَا فِي كتاب (ابْن) الْجَوْزِيّ، وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» ، وَقَالَ فِي (الْمِيزَان) : إِنَّه ثِقَة. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وُيْرَوى أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَذَلِك فسره لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» فِي تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الْبَاب من حَدِيث وهب بن أبي مَرْحُوم، حَدثنَا إِسْرَائِيل بن حَاتِم، عَن مقَاتل بن حَيَّان، عَن الْأَصْبَغ بن نباتة، عَن عَلّي بن أبي طَالب قَالَ: «لما نزلت هَذِه الْآيَة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر * فصل لِرَبِّك وانحر) قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام: (مَا) هَذِه النحيرة الَّتِي أَمرنِي بهَا رَبِّي؟ قَالَ: إِنَّهَا لَيست بنحيرة، وَلكنه يَأْمُرك إِذا تحرمت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 للصَّلَاة أَن ترفع يَديك إِذا كَبرت، وَإِذا ركعت، وَإِذا رفعت رَأسك من الرُّكُوع؛ فَإِنَّهَا صَلَاتنَا وَصَلَاة الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَاوَات السَّبع. قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: رفع الْأَيْدِي من الاستكانة الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى: (فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ» ) . قَالَ الْحَاكِم: اخْتلف الصَّحَابَة فِي تَأْوِيل الْآيَة، وأحسنها مَا رُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي رِوَايَتَيْنِ: الأولَى مِنْهُمَا هَذِه، وَالثَّانيَِة: رِوَايَة عقبَة بن صهْبَان عَنهُ أَنه قَالَ فِيهَا: «هُوَ وضع يَمِينك عَلَى شمالك فِي الصَّلَاة» . رَوَاهَا من حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، (عَن حَمَّاد بن سَلمَة) ، عَن عَاصِم الجحدري، عَن عقبَة بِهِ. قلت: قد علم أَن إِسْرَائِيل صَاحب عجائب لَا يعْتَمد عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: إِسْرَائِيل يروي عَن مقَاتل الموضوعات والأوابد والطامات، من ذَلِك مَا يرويهِ عمر بن صبح، عَن مقَاتل، فظفر بِهِ إِسْرَائِيل فَرَوَاهُ عَن مقَاتل، عَن الْأَصْبَغ بن نباتة، عَن عَلّي فَذكر الحَدِيث الْمَذْكُور. قلت: وَأصبغ بن نباتة أَيْضا شيعي مَتْرُوك عِنْد النَّسَائِيّ (وَابْن حبَان) وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش: كَذَّاب. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «التَّذْكِرَة» : الآفة فِيهِ من إِسْرَائِيل، وَإِن كَانَ من رَوَى عَنهُ إِلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 تقوم بِهِ حجَّة. لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَى هَذَا والاعتماد عَلَى مَا مَضَى - يَعْنِي: الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي وضع الْيَد الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى - وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رُوِيَ هَذَا الحَدِيث (من) حَدِيث عقبَة بن ظهير، عَن عَلّي، وَمن حَدِيث عقبَة بن صهْبَان، عَن عَلّي. (وَالثَّانِي هُوَ الصَّوَاب) . الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه لما وَقع المَاء فِي عينه قَالَ لَهُ الْأَطِبَّاء: إِن مكثت سبعا لَا تصلي إِلَّا مُسْتَلْقِيا عالجناك. فَسَأَلَ عَائِشَة وَأم سَلمَة وَأَبا هُرَيْرَة وَغَيرهم من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَلم (يرخصوا) لَهُ فِي ذَلِك، فَترك (المعالجة) وكف بَصَره» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة ابْن عَبَّاس (بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث الْمسيب بن رَافع قَالَ: «لما كف بصر ابْن عَبَّاس) ، أَتَاهُ رجل فَقَالَ لَهُ: إِنَّك إِن صبرت لي سبعا لم تصل إِلَّا مُسْتَلْقِيا تومئ إِيمَاء، داويتك فبرأت - إِن شَاءَ الله - فَأرْسل إِلَى عَائِشَة (وَأبي هُرَيْرَة) وَغَيرهمَا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[كل] يَقُول: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 أَرَأَيْت إِن مت فِي هَذَا السَّبع كَيفَ تصنع بِالصَّلَاةِ؟ ! قَالَ: فَترك عينه وَلم [يداوها] » . وَذكره ابْن الْمُنْذر بِغَيْر إِسْنَاد فِي «إشراقه» ، فَقَالَ: «أَرَادَ ابْن عَبَّاس معالجة عَيْنَيْهِ، فَأرْسل إِلَى عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهمَا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكلهمْ قَالَ: أَرَأَيْت إِن مت فِي السَّبع كَيفَ تصنع بِالصَّلَاةِ؟ ! فَترك معالجة عينه» . وَأسْندَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن الْوَلِيد - هُوَ الْعَدنِي - نَا سُفْيَان، عَن جَابر، عَن أبي الضُّحَى؛ أَن عبد الْملك أَو غَيره بعث إِلَى ابْن عَبَّاس بالأطباء عَلَى الْبرد - وَقد وَقع المَاء فِي عَيْنَيْهِ - فَقَالُوا: تصلي سَبْعَة أَيَّام مُسْتَلْقِيا عَلَى (قفاك) ، فَسَأَلَ عَائِشَة وَأم سَلمَة عَن ذَلِك فنهتاه» . والعدني مُتَكَلم فِيهِ، قَالَ أَحْمد: حَدِيثه صَحِيح، وَلم يكن صَاحب حَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَجَابِر لَعَلَّه الْجعْفِيّ وَقد (علمت) حَاله فِي الْأَذَان. وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن جَابر، عَن أبي الضُّحَى «أَن ابْن عَبَّاس وَقع فِي عَيْنَيْهِ المَاء فَقيل: (أتستلقي) سبعا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 وَلَا تصلي إِلَّا مُسْتَلْقِيا؟ فَبعث (إِلَى) عَائِشَة وَأم سَلمَة فَسَأَلَهُمَا فنهتاه» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (بِإِسْنَاد صَحِيح) من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار قَالَ: «لما وَقع فِي عين ابْن عَبَّاس المَاء أَرَادَ أَن يعالج عينه، فَقَالَ: تمكث كَذَا وَكَذَا يَوْمًا لَا تصلي إِلَّا مُضْطَجعا. فكرهه» . وَفِي رِوَايَة قَالَ ابْن عَبَّاس: «أَرَأَيْت إِن كَانَ الْأَجَل قبل ذَلِك؟ !» . تَنْبِيهَانِ: الأول: اعْترض ابْن الصّلاح عَلَى الْغَزالِيّ حَيْثُ قَالَ فِي «وسيطه» : «إِن ابْن عَبَّاس استفتى عَائِشَة وَأَبا هُرَيْرَة فَلم يرخصا لَهُ» فَقَالَ: هَذَا لَا يَصح هَكَذَا، وَإِنَّمَا الثَّابِت فِي ذَلِك مَا روينَا «أَنه نزل فِي عَيْنَيْهِ المَاء فَقيل لَهُ: تستلقي سَبْعَة أَيَّام لَا تصلي إِلَّا مُسْتَلْقِيا، فكره هُوَ ذَلِك» . وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» و «الْخُلَاصَة» : مَا حَكَاهُ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» من أَنه استفتى أَبَا هُرَيْرَة لَا يَصح، وَأَنه بَاطِل لَا أصل لَهُ. وَقَالَ فِي «التَّنْقِيح» : هَذَا ضَعِيف لَا أصل لَهُ (قَالَ) : وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَمْرو بن دِينَار فَذكره كَمَا أسلفناه، هَذَا كَلَامهمَا، وَقد علمت أَن استفتاءه أَبَا هُرَيْرَة وَعَائِشَة لَهُ أصل جيد فاستفد ذَلِك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 الثَّانِي: كَانَ بعض شُيُوخنَا يسْتَشْكل ذكر عبد الْملك فِي الْأَثر السالف عَن رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ وَيَقُول: إِن فِيهِ نظرا؛ لِأَنَّهُ ولي الْخلَافَة سنة خمس وَسِتِّينَ، وَكَانَت وَفَاة عَائِشَة وَأم سَلمَة قبل ذَلِك (بسنين) ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل عَلَى أَن عبد الْملك أرسل البُرُد إِلَيْهِ قبل خِلَافَته. قَالَ: وَفِيه بُعْد؛ إِذْ لَا نعلم لعبد الْملك فِي زمن عَائِشَة وَأم سَلمَة ولَايَة تَقْتَضِي إرسالهم عَلَى الْبرد، وَهَذَا الْإِشْكَال مَسْبُوق بِهِ. قَالَ ابْن [معن] فِي «تنقيبه» : بعث عبد الْملك - إِن كَانَ هُوَ ابْن مَرْوَان - الْأَطِبَّاء إِلَى ابْن عَبَّاس فِيهِ بعد؛ لِأَن ابْن عَبَّاس توفّي قبله بثماني عشرَة سنة؛ لِأَن ابْن عَبَّاس توفّي بِالطَّائِف سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، وَعبد الْملك توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ. قَالَ: فَلَعَلَّهُ حمل الْأَطِبَّاء إِلَيْهِ أول مَا كَانَ مُخَاطبا بالخلافة بِالشَّام قبل الْإِجْمَاع عَلَى خِلَافَته. وَقَالَ ابْن الصّلاح: الْمَذْكُور فِي «الْمُهَذّب» أَن عبد الْملك بن مَرْوَان حمل لَهُ الْأَطِبَّاء عَلَى الْبرد، فَذكرُوا ذَلِك لَهُ فاستفتى عَائِشَة وَأم سَلمَة فنهتاه - لَا يَصح؛ لِأَن عبد الْملك إِنَّمَا (ولي) الْخلَافَة بعد مَوْتهمَا وَمَوْت أبي هُرَيْرَة بسنين عدَّة. وَأجَاب عَنهُ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: هَذَا الْمَذْكُور من استفتاء عَائِشَة وَأم سَلمَة أنكرهُ بعض الْعلمَاء وَقَالَ: إِنَّه بَاطِل من حَيْثُ إنَّهُمَا توفيتا قبل خلَافَة عبد الْملك بأزمان، وَهَذَا الْإِنْكَار بَاطِل؛ فَإِنَّهُ لَا يلْزم من بَعثه أَن يَبْعَثهُ فِي زمن خِلَافَته؛ بل يبْعَث فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وزمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 عَائِشَة وَأم سَلمَة، وَلَا (يستكثر) بعث الْبرد من مثل عبد الْملك؛ فَإِنَّهُ (كَانَ) [قبل] خِلَافَته من رُؤَسَاء بني أُميَّة وأشرافهم وَأهل الوجاهة والتمكن وَبسط الدُّنْيَا، فَبعث الْبرد لَيْسَ يصعب عَلَيْهِ وَلَا عَلَى من دونه بدرجات. قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «الشَّرْح الصَّغِير» : وَهَذِه الْمُرَاجَعَة من ابْن عَبَّاس كَأَنَّهَا جرت عَلَى سَبِيل الْمُشَاورَة والاستظهار، وَإِلَّا فالمجتهد لَا يُقَلّد مُجْتَهدا آخر. الْأَثر الثَّالِث: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه نسي الْقِرَاءَة فِي صَلَاة الْمغرب، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: كَيفَ كَانَ الرُّكُوع وَالسُّجُود؟ قَالُوا: حسنا. قَالَ: فَلَا بَأْس» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن «أَن عمر بن الْخطاب صَلَّى بِالنَّاسِ الْمغرب، فَلم يقْرَأ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرف قيل لَهُ: مَا قَرَأت؟ قَالَ: كَيفَ كَانَ الرُّكُوع وَالسُّجُود؟ قَالُوا: حسنا. قَالَ: فَلَا بَأْس» . وَهَذَا مُنْقَطع، أَبُو سَلمَة لم يدْرك عمر، (قَالَه) النَّوَوِيّ، وَسَبقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: ضعفه الشَّافِعِي مَعَ إرْسَاله. وَقَالَ صَاحب «الاستذكار» : حَدِيث مُنكر لَيْسَ (عِنْد) يَحْيَى وَطَائِفَة مَعَه؛ لِأَنَّهُ رَمَاه مَالك (من كِتَابه) بِأخرَة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ (الْعَمَل) ، وَالصَّحِيح عَن عمر أَنه أعَاد الصَّلَاة. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين موصولين، عَن عمر أَعنِي (أَنه) أعَاد الْمغرب ثمَّ قَالَ: وَهَذِه (الرِّوَايَة) : مَوْصُولَة وَهِي مُوَافقَة للسّنة فِي وجوب الْقِرَاءَة. (وَرَوَى) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» مثل رِوَايَة الشَّافِعِي السالفة من طَرِيق آخر وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث بَاطِل فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن مهَاجر. قَالَ ابْن حبَان: كَانَ وضاعًا، وَرَوَى أَشهب عَن مَالك أَنه سُئِلَ عَن الَّذِي نسي الْقِرَاءَة؛ أيعجبك مَا قَالَ عمر؟ فَقَالَ: أَنا أنكر أَن يكون عمر فعله وَأنكر الحَدِيث، وَقَالَ: يرَى النَّاس عمر يصنع هَذَا فِي الْمغرب وَلَا يسبحون بِهِ، أرَى أَن يُعِيد الصَّلَاة من فعل هَذَا! . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 الْأَثر الرَّابِع: عَن عَطاء قَالَ: «كنت أسمع (الْأَئِمَّة) - وَذكر (ابْن الزبير) وَمن بعده - يَقُولُونَ: آمين، وَيَقُول من خَلفهم: آمين حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ (للجة) » . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَهُوَ مخرج فِي «الْمسند» أَيْضا عَن مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء قَالَ: «كنت أسمع الْأَئِمَّة ابْن الزبير وَمن بعده يَقُولُونَ: آمين، وَمن خَلفهم: آمين حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة» . وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا قَالَ: قَالَ عَطاء: «أمَّنَ ابْن الزبير وَمن وَرَاءه حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة» وَهَذَا تَعْلِيق (وَهُوَ) بِصِيغَة جزم فَيكون صَحِيحا. وَأنكر شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي عَلَى (بعض الْفُضَلَاء - وعنى بِهِ) النَّوَوِيّ - حَيْثُ قَالَ: إِن مثل هَذَا التَّعْلِيق من البُخَارِيّ يَقْتَضِي الصِّحَّة، وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِشَيْء. وَلم يظْهر لي وَجه ذَلِك؛ فَإِن هَذَا مُقَرر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 فِي عُلُوم الحَدِيث كَمَا ذكره النَّوَوِيّ. فَائِدَة: للجة - بِفَتْح اللامين وَتَشْديد الْجِيم -: اخْتِلَاط الْأَصْوَات، وَقَوله: (لِلْمَسْجِدِ) أَي: لأَهله. الْأَثر الْخَامِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: رُوِيَ الرّفْع فِي الْقُنُوت عَن ابْن مَسْعُود وَعمر، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ عَنْهُمَا ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ، زَاد الأول: وَابْن عَبَّاس، وَزَاد الثَّانِي: أَبَا هُرَيْرَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَيْضا عَن عُثْمَان. قلت: تبع فِيهِ صَاحب «التَّتِمَّة» وَهُوَ غَرِيب، بل اخْتلف عَنهُ فِي أصل الْقُنُوت، فَفِي الْبَيْهَقِيّ: يقنت، وَفِي ابْن حبَان: لَا. خاتمتان أختم بهما الْبَاب، ختم الله لي ولمطالعهما بِالْحُسْنَى: الأولَى: نقل الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه قَالَ فِي «نهايته» : فِي قلبِي من الطُّمَأْنِينَة فِي الِاعْتِدَال شَيْء؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الْمُسِيء صلَاته ذكرهَا فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَلم يذكرهَا فِي الِاعْتِدَال والقعدة بَين السَّجْدَتَيْنِ، فَقَالَ: «ثمَّ ارْفَعْ رَأسك حَتَّى تعتدل قَائِما، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، ثمَّ ارْفَعْ رَأسك حَتَّى تعتدل جَالِسا» وَأقرهُ الرَّافِعِيّ عَلَى ذَلِك، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُمَا، فالطمأنينة فِي الْجُلُوس بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 السَّجْدَتَيْنِ ثَابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي « (مُسْند» ) أَحْمد و «سنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وأعجب من هَذَا أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ خرجها فِي أَرْبَعِينَ لَهُ (وَهِي سَمَاعنَا، قلت: وَلَا أعلم من خرجها بِدُونِهَا) والطمأنينة فِي الِاعْتِدَال ثَابِتَة أَيْضا (فَفِي) صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان من حَدِيث رِفَاعَة بن رَافع الزرقي وَهَذَا لَفظه: «فَإِذا رفعت رَأسك، فأقم صلبك حَتَّى ترجع الْعِظَام إِلَى مفاصلها، فَإِذا سجدت، فمكن سجودك ... » الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن قَائِما» وَقَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ: قد جَاءَ فِي رِوَايَة مَشْهُورَة فِي كتب الْفِقْه: «ثمَّ لتقم حَتَّى تطمئِن (قَائِما» ) ، وَفِي الصَّحِيح أَنه طوله أَيْضا (وَالله أعلم) . الخاتمة الثَّانِيَة: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن ذكر كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قَالَ الصيدلاني: وَمن النَّاس من يزِيد (وَارْحَمْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 مُحَمَّدًا وَآل مُحَمَّد كَمَا رحمت عَلَى [آل] إِبْرَاهِيم، (قَالَ: وَرُبمَا يَقُولُونَ: كَمَا ترحمت عَلَى إِبْرَاهِيم) قَالَ: وَهَذَا لم يرد فِي الْخَبَر وَهُوَ غير (صَحِيح) فَإِنَّهُ لَا يُقَال رَحمت عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَال: رَحمته، وَأما الترحم فَفِيهِ مَعْنَى التَّكَلُّف والتصنع؛ فَلَا يحسن إِطْلَاقه فِي حق الله - تَعَالَى - هَذَا آخر كَلَام الصيدلاني، وإنكاره وُرُود هَذِه الزِّيَادَة فِي الْخَبَر غَرِيب (فقد) وَردت عدَّة أَخْبَار: أَحدهَا: خبر ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «إِذا تشهد أحدكُم فِي الصَّلَاة، فَلْيقل: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآل محمدٍ؛ كَمَا صليت وباركت وترحمت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي هَذَا الْبَاب، عَن أبي بكر بن إِسْحَاق، أَنا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن ملْحَان، نَا يَحْيَى بن بكير، ثَنَا اللَّيْث، عَن خَالِد بن يزِيد، عَن سعيد بن أبي هِلَال، عَن يَحْيَى بن السباق، عَن رجل من بني الْحَارِث، عَن ابْن مَسْعُود بِهِ، ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. ثَانِيهَا: خبر أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قَالَ: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد؛ كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد و (عَلَى) آل مُحَمَّد؛ كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 و (عَلَى) آل إِبْرَاهِيم و (ترحم) عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد؛ كَمَا ترحمت عَلَى إِبْرَاهِيم و (عَلَى) آل إِبْرَاهِيم - شهِدت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة (بالشفاعة) » . رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب «الْأَدَب» عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء، نَا إِسْحَاق بن [سُلَيْمَان] عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن مولَى سعيد بن (الْعَاصِ) ، أَنا حَنْظَلَة بن عَلّي، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ. ثَالِثهَا: خبر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد؛ كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، اللَّهُمَّ بَارك عَلَى مُحَمَّد (وَعَلَى آل مُحَمَّد) ؛ كَمَا باركت بِمثلِهِ، اللَّهُمَّ وترحم عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد؛ كَمَا ترحمت (عَلَى إِبْرَاهِيم) بِمثلِهِ، (اللَّهُمَّ وتحنن عَلَى مُحَمَّد؛ وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا تحننت بِمثلِهِ) ، اللَّهُمَّ وَسلم عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد (كَمَا) سلمت عَلَى إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» فِي النَّوْع الْعَاشِر مِنْهُ، وَفِي إِسْنَاده عَمْرو بن خَالِد الوَاسِطِيّ الوضاع، وَهُوَ من مسلسل الْأَحَادِيث وأكثرها لَا يَصح، وَقَالَ المستغفري فِي (الدَّعْوَات) : (روينَا) حديثًَا مسلسلًا عَن الْحسن بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «قَالَ جِبْرِيل صلوَات الله عَلَيْهِ: هَكَذَا أنزلت من عِنْد رب الْعِزَّة: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد ... » فَذكره بِمثلِهِ، إِلَّا أَنه أسقط لَفْظَة «وَعَلَى» فِي آل إِبْرَاهِيم فِي الصَّلَاة وَالْبركَة، وَلم يقل: «فِي الْعَالمين» . رَابِعهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، علمنَا السَّلَام عَلَيْك، فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك؟ قَالَ: اللَّهُمَّ صل (عَلَى) مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، (وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآل مُحَمَّد كَمَا رحمت آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد) ، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» . رَوَاهُ ابْن جرير، وَقَول الصيدلاني إِنَّه لَا يُقَال: رحمت عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَال: رَحمته مَرْدُود من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْخَبَر ورد بِلَفْظ «وترحمت» كَمَا سبق عَن الْحَاكِم تَصْحِيح إِسْنَاده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 ثَانِيهمَا: أَن الصَّاغَانِي قَالَ: لَا يُقَال: ترحمت عَلَيْهِ، بل رَحمته (ورحمت) عَلَيْهِ، عَلَى أَن قَول الصَّاغَانِي (لَا يُقَال) : ترحمت عَلَيْهِ مَرْدُود بِلَفْظ الحَدِيث أَيْضا، فاستفد كل ذَلِك فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات النفيسة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 بَاب شُرُوط الصَّلَاة ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صَلَاة إِلَّا بِطَهَارَة» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب الْأَحْدَاث. الحَدِيث الثَّانِي عَن عَلّي بن طلق اليمامي رَضِي الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله عَنهُ (: «إِذا فسا أحدكُم فِي الصَّلَاة، فلينصرف وليتوضأ وليعد الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث جيد الْإِسْنَاد، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد كَذَلِك وَالتِّرْمِذِيّ فِي الرَّضَاع، وَالنَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الطَّهَارَة فِي (سُنَنهمْ) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قلت: وصحيح؛ فقد أخرجه أَبُو حَاتِم فِي «صَحِيحه» ، وَقَالَ: لم يقل فِيهِ: «وليعد صلَاته» إِلَّا جرير بن عبد الحميد. قلت: قد نسبه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره إِلَى سوء الْحِفْظ فِي آخر عمره، لكنه من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأَن قَالَ: رَوَاهُ عَن عَلّي بن طلق مُسلم بن سَلام الْحَنَفِيّ أَبُو عبد الْملك وَهُوَ مَجْهُول الْحَال. قَالَ: فَالْحَدِيث إِذن لَا يَصح. قلت: بل هُوَ صَحِيح. وَمُسلم هَذَا رَوَى عَنهُ ابْنه عبد الْملك وَعِيسَى بن حطَّان. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأخرج عَنهُ الحَدِيث فِي «صَحِيحه» فَزَالَتْ عَنهُ الْجَهَالَة العينية والحالية. فَائِدَة: نقل التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا أعلم لعَلي بن طلق عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَلَا أعرف هَذَا من حَدِيث طلق بن عَلّي السحيمي. فَكَأَنَّهُ رَأَى أَن هَذَا (رجل) آخر من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَخَالف الإِمَام أَحْمد فَقَالَ فِيمَا حَكَاهُ مهنا عَنهُ: (عَاصِم يُخطئ فِي هَذَا الحَدِيث يَقُول: عَلّي بن طلق، وَإِنَّمَا هُوَ طلق بن عَلّي. وَقَالَ أَبُو عبيد) فِي كتاب «الطّهُور» : إِنَّمَا هُوَ عندنَا عَلّي بن طلق؛ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 حَدِيثه الْمَعْرُوف، وَكَانَ رجلا من بني حنيفَة، وَأَحْسبهُ وَالِد طلق بن عَلّي الَّذِي سَأَلَ عَن مس الذّكر. وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: بعض النَّاس (يرَى) أَنه طلق بن عَلّي. قلت: وَمِمَّنْ ذكره فِي مُسْند عَلّي بن طلق، أَحْمد بن منيع فِي «مُسْنده» ، وَابْن قَانِع وَغَيرهمَا. تَنْبِيه: وَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ بدل عَلّي بن طلق: عَلّي بن أبي طَالب وَهُوَ من النَّاسِخ فاجتنبه. فَائِدَة: قَوْله: «فسا» هُوَ - بِفَتْح الْفَاء ثمَّ سين مُهْملَة ثمَّ ألف - أَي: أخرج الرّيح مِنْهُ. نقُول مِنْهُ: فسا فسوًا، وَالِاسْم الفساء بِالْمدِّ. فَائِدَة (جليلة) أَحْبَبْت أَن ذكرهَا (هُنَا) ؛ لينْتَفع بهَا من يَقع مِنْهُ حدث: رَوَى ابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحه» ، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أحدث أحدكُم وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فليأخذ عَلَى أَنفه ثمَّ لينصرف» . قَالَ ابْن حبَان: من زعم أَن هَذَا الْخَبَر مَا رَفعه عَن هِشَام بن عُرْوَة إِلَّا الْمقدمِي فَهُوَ مدحوض القَوْل، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 (الْفضل) بن مُوسَى عَن هِشَام أَيْضا. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَسمعت عَلّي بن عمر الْحَافِظ يَقُول: سَمِعت أَبَا بكر الشَّافِعِي الصَّيْرَفِي يَقُول: كل من أفتَى من أَئِمَّة الْمُسلمين بالحيل إِنَّمَا أَخذه من هَذَا الحَدِيث. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قاء أَو رعف أَو أمذى فِي صلَاته، فلينصرف وليتوضأ وليبن عَلَى صلَاته مَا لم يتَكَلَّم) . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «من أَصَابَهُ قيء أَو رُعَاف أَو قلس أَو مذي فلينصرف وليتوضأ، ثمَّ ليبن عَلَى صلَاته وَهُوَ فِي ذَلِك لَا يتَكَلَّم» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا قَالَ: حَدثنِي عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، عَن أَبِيه، وَعَن عبد الله بن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا قاء أحدكُم فِي صلَاته أَو قلس، فلينصرف فَليَتَوَضَّأ (ثمَّ) ليبن عَلَى مَا مَضَى من صلَاته مَا لم يتَكَلَّم» قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 ابْن جريج: فَإِن تكلم اسْتَأْنف. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن (أَبِيه) قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا قاء ... » بِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: «وليبن عَلَى صلَاته مَا لم يتَكَلَّم» بدل «ثمَّ ليبن ... » إِلَى آخِره (قَالَ) : قَالَ ابْن جريج: وحَدثني ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا مثله. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا عَن عباد بن كثير وَعَطَاء بن عجلَان، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة بِمثلِهِ، ثمَّ قَالَ: عباد وَعَطَاء ضعيفان، ثمَّ قَالَ: كَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة، وَتَابعه سُلَيْمَان بن أَرقم وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَأَصْحَاب ابْن جريج (الْحفاظ عَنهُ يَرْوُونَهُ عَن ابْن جريج عَن أَبِيه مُرْسلا. ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ حَدِيث سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن ابْن جريج) ، عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا رعف أحدكُم فِي صلَاته أَو قلس، فلينصرف فَليَتَوَضَّأ وليرجع فليتم عَلَى مَا مَضَى (مِنْهَا) مَا لم يتَكَلَّم» قَالَ: وحَدثني ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا مثله، ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث أبي عَاصِم وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّزَّاق كلهم، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا قاء أحدكُم أَو قلس أَو وجد مذيًا وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فلينصرف فَليَتَوَضَّأ وليرجع فليبن عَلَى صلَاته مَا لم يتَكَلَّم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ لنا أَبُو بكر: سَمِعت مُحَمَّد بن يَحْيَى يَقُول: هَذَا هُوَ الصَّحِيح عَن ابْن جريج، وَهُوَ مُرْسل، وَأما حَدِيث ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة الَّذِي يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فَلَيْسَ بِشَيْء. ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث (عبد الْوَهَّاب) ، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «من وجد رعافًا أَو قيئًا أَو مذيًا أَو قلسًا، فَليَتَوَضَّأ، ثمَّ ليتم عَلَى مَا مَضَى مَا بَقِي، و (هُوَ) مَعَ ذَلِك يتوقى (أَن يتَكَلَّم) » وَصرح الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي «علله» بتصويب رِوَايَة الْإِرْسَال فَقَالَ: رَوَاهُ أَصْحَاب ابْن جريج، عَن أَبِيه مُرْسلا، وَلم يذكرُوا ابْن أبي مليكَة وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: رِوَايَة إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة خطأ، إِنَّمَا (يرويهِ) ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، والْحَدِيث هُوَ هَذَا. وَلما ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «إِمَامه» كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» السالفة أتبعه بِكَلَام أبي حَاتِم هَذَا، ثمَّ قَالَ: يَنْبَغِي أَن يتتبع هَذَا بالكشف، ثمَّ ذكر رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة الْمُرْسلَة ثمَّ المسندة الَّتِي فِيهَا: قَالَ ابْن جريج ... إِلَى آخِره [قَالَ:] وَمِمَّنْ رَوَاهُ بِهَذَيْنِ الإسنادين جَمِيعًا عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش الرّبيع بن نَافِع وَدَاوُد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 بن رشيد، ثمَّ قَالَ: و (هَذِه) الرِّوَايَات الَّتِي جمع فِيهَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش بَين الإسنادين جَمِيعًا - أَعنِي: الْمُرْسل والمسند - فِي حَالَة وَاحِدَة مِمَّا يبعد الْخَطَأ عَلَى إِسْمَاعِيل، فَإِنَّهُ لَو اقْتصر عَلَى (رفع مَا وَقفه) النَّاس لتطرق الْوَهم إِلَى خطئه تطرقًا قَرِيبا، فَأَما وَقد وَافق النَّاس إِلَى روايتهم الْمُرْسل وَزَاد عَلَيْهِم (الْمسند) فَهَذَا يشْعر بتحفظٍ وَتثبت فِيمَا زَاده عَلَيْهِم. قَالَ: وَإِسْمَاعِيل (قد) وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَغَيره، وَتَابعه عَلَى الْمسند سُلَيْمَان بن أَرقم. وَهَذَا الْبَحْث من الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين يُؤذن بِصِحَّة رِوَايَة الْمسند أَيْضا، وَاحْتج إِلَى ذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فَإِنَّهُ قَالَ: إِن قيل: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن جريج يَرْوُونَهُ، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه مُرْسلا، وَأما حَدِيثه، عَن ابْن (أبي) مليكَة، عَن عَائِشَة الَّذِي يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا يرويهِ ابْن أبي مليكَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ أجَاب بِأَن يَحْيَى بن معِين وثق إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة. والمرسل عِنْد أَحْمد حجَّة. انْتَهَى كَلَامه. وَخَالف ذَلِك فِي «علله» فَذكره وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح؛ فَإِن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش تغير فَصَارَ يخلط. قَالَ ابْن عدي: وَقد قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. وَهَذَا تخَالف مِنْهُ عَجِيب، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 وَقد أسلفت لَك فِي الحَدِيث السَّابِع من بَاب الْغسْل (مقَالَة) الْحفاظ فِي إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَأَن أَكثر الْحفاظ عَلَى ضعفه فِي غير الشاميين، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَته عَن ابْن جريج وَهُوَ حجازي، فَهُوَ ضَعِيف من هَذَا الْوَجْه، وَقد ضعفه جماعات. قَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» لما ذكره من طَرِيق إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، وَعَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة: هَذَانِ أثران ساقطان؛ لِأَن وَالِد ابْن جريج لَا صُحْبَة لَهُ، فَهُوَ مُنْقَطع، وَالْآخر من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ سَاقِط لَا سِيمَا عَن الْحِجَازِيِّينَ. انْتَهَى كَلَامه. وَعبارَته فِي إِسْمَاعِيل فِيهَا نظر، فَإِنَّهُ لَيْسَ سَاقِطا كَمَا أَشرت إِلَيْهِ هُنَاكَ، بل هُوَ من الْمُخْتَلف فيهم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : اسْتدلَّ (أَصْحَابنَا) بِأَحَادِيث مُسْتَقِيمَة رويت بأسانيد واهية فَذكر مِنْهَا هَذَا الحَدِيث، وَتكلم عَلَيْهِ نَحْو كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ السالف، وَقَالَ: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لَا تقوم بِهِ حجَّة، وَعباد وَابْن عجلَان ضعفاء. قَالَ يَحْيَى فِي عباد: لَيْسَ بِشَيْء، وَكَانَ يوضع لَهُ الحَدِيث فَيحدث بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي عَطاء: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْجوزجَاني: كَذَّاب، (قَالَ:) وَتَابعه سُلَيْمَان وَهُوَ شَرّ من إِسْمَاعِيل بِكَثِير. قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ يسوى فلسًا. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ الْجوزجَاني: سَاقِط. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 فَهَذَا حَال رُوَاة هَذَا الحَدِيث قَالَ: وَالصَّوَاب إرْسَاله. وَذكر فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: مَا رَوَى ابْن عَيَّاش، عَن الشاميين صَحِيح، [وَمَا رَوَى] عَن أهل الْحجاز فَلَيْسَ بِصَحِيح، وَإِنَّمَا رَوَى ابْن جريج هَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه لَيْسَ فِيهِ ذكر عَائِشَة ثمَّ أسْندهُ كَذَلِك مُرْسلا قَالَ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ. قلت: وَضَعفه أَيْضا من الْمُتَأَخِّرين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» (فَقَالَ) : هَذَا حَدِيث لَا يَصح رَفعه وَهُوَ مُرْسل ضَعِيف رَوَاهُ جمَاعَة عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن أَبِيه، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل جمَاعَة عَن ابْن جريج (عَن أَبِيه مُرْسلا) وَالْمَحْفُوظ فِيهِ الْمُرْسل، كَذَلِك رَوَاهُ جمَاعَة غَيره من الثِّقَات، ووصْلُِه أحد مَا أُنكر عَلَى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَأهل الحَدِيث يضعفونه فِيمَا يرويهِ عَن غير أهل الشَّام لسوء حفظه عَنْهُم، وَابْن جريج لَيْسَ شاميٍّا فَاعْلَم ذَلِك؛ فَإِن فِي «نِهَايَة الْمطلب» عَلَى هَذَا الحَدِيث كلَاما غير قويم. قلت: أَرَادَ بِهِ قَوْله (فِيهِ) تَوْجِيه الْقَدِيم الحَدِيث الْمَرْوِيّ فِي الصِّحَاح وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة إِلَى آخِره قَالَ: وَإِنَّمَا لم يقل بِهِ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد لإرسال ابْن أبي مليكَة؛ فَإِنَّهُ لم يلق عَائِشَة وَلَا حجَّة فِي الْمُرْسل عِنْده، وَقد رَوَى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِي طَرِيقه، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، لَكِن إِسْمَاعِيل هَذَا سيئ الْحِفْظ، كثير الْغَلَط فِيمَا يرويهِ عَن غير الشاميين، وَابْن أبي مليكَة لَيْسَ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 الشاميين. هَذَا آخر كَلَامه وَتَبعهُ الْغَزالِيّ فِي «بسيطه» فَقَالَ: (رَوَى) ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة عَنهُ (أَنه قَالَ: «من قاء ... » إِلَى آخِره بِلَفْظ الرَّافِعِيّ السالف، ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لم يعْمل بِهِ الشَّافِعِي؛ لكَونه مُرْسلا، وَإِلَّا فيسهل عَلَيْهِ كتب صِحَاح. انْتَهَى. وَفِيه أغاليط فَاحِشَة: إِحْدَاهَا: دَعْوَاهُ (أَنه) فِي الصِّحَاح وَلم يُخرجهُ أحد فِيهَا، وَهُوَ (من) أَفْرَاد «سنَن ابْن مَاجَه» ، وفيهَا أَحَادِيث كَثِيرَة ضَعِيفَة بل مَوْضُوعَات. ثَانِيهَا: قَوْله (إِنَّه) جعل (إرْسَاله أَن) ابْن أبي مليكَة لم يلق عَائِشَة، وَإِنَّمَا إرْسَاله أَن ابْن جريج يرويهِ عَن أَبِيه مُرْسلا كَمَا سلف عَن الدَّارَقُطْنِيّ، أَو يرويهِ عَن أَبِيه، عَن ابْن أبي مليكَة مُرْسلا كَمَا سلف عَن أبي حَاتِم، وَلَئِن كَانَ الْأَمر كَمَا ذكره فَهُوَ مُنْقَطع لَا مُرْسل بِحَسب اصْطِلَاح أهل هَذَا الْفَنّ. ثَالِثهَا: إِدْخَاله عُرْوَة (بَين) عَائِشَة وَابْن أبي مليكَة، فَإِنَّهُ غَرِيب لم أر أحدا ذكره سواهُ، وَقد (أخرجته) من طرق لَيْسَ هَذَا فِيهَا. رَابِعهَا: دَعْوَاهُ أَن إِسْمَاعِيل رَوَاهُ عَن ابْن أبي مليكَة، ثمَّ ضعف إِسْمَاعِيل فِي غير الشاميين، فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ عَن ابْن جريج عَنهُ فَقَوله: وَابْن أبي مليكَة لَيْسَ من الشاميين صَوَابه إِذن، وَابْن جريج لَيْسَ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 الشاميين، فَظهر بِمَا ذَكرْنَاهُ وهم الإِمَام فِي كَلَامه عَلَى هَذَا الحَدِيث وَخُرُوجه عَن الصَّوَاب فِي التَّعْبِير عَن (المُرَاد) ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيث غير ثَابت كَمَا قَررنَا، فَلَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقد نقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فِي بَاب الْأَحْدَاث مِنْهُ اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى ضعفه؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل، [عَن] ابْن جريج وَهُوَ حجازي، وَرِوَايَة إِسْمَاعِيل عِنْد أهل الْحجاز ضَعِيفَة عِنْد أهل الحَدِيث، وَلِأَنَّهُ مُرْسل. قَالَ الْحفاظ: الْمَحْفُوظ أَنه عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِمَّن قَالَ ذَلِك: الشَّافِعِي، وَأحمد بن حَنْبَل، وَمُحَمّد بن يَحْيَى، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم عَن أَبِيه وَأبي زرْعَة، وَأَبُو [أَحْمد] بن عدي، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم. الطَّرِيق الثَّانِي: من طرق الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا رعف أحدكُم فِي صلَاته، فلينصرف فليغسل الدَّم، ثمَّ ليعد وضوءه وَيسْتَقْبل صلَاته» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث سُلَيْمَان (بن أَرقم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَيْضا؛ فَإِن سُلَيْمَان) هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهُمَا وَفِي رِوَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 لَهما: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا رعف فِي صلَاته تَوَضَّأ ثمَّ بنى عَلَى مَا بَقِي من صلَاته» . وَفِي إسنادها عمر بن ريَاح - برَاء مُهْملَة مَكْسُورَة ثمَّ مثناة تَحت - وَهُوَ مَتْرُوك كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ الفلاس: دجال. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من رعف فِي صلَاته، فَليرْجع فَليَتَوَضَّأ وليبن عَلَى صلَاته» . روياه أَيْضا وَقَالا: فِي إِسْنَاده أَبُو بكر الداهري - يَعْنِي: بِالدَّال الْمُهْملَة - (عبد الله) بن حَكِيم وَهُوَ مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَا يَصح. قَالَ السَّعْدِيّ: الداهري هَذَا كَذَّاب مُصَرح. وَقَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات. وَفِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 بِإِسْنَاد جيد (عَلَى شَرط الصَّحِيح) عَن عَلّي قَالَ: «إِذا رعف الرجل فِي صلَاته أَو قاء، فَليَتَوَضَّأ وَلَا يتَكَلَّم، وليبن عَلَى صلَاته» وَهَذَا مَوْقُوف جيد. فَائِدَة: القلس فِي الحَدِيث - بِالْقَافِ وَاللَّام وبالسين الْمُهْملَة - الْقَيْء. وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ مَا خرج من الْحلق ملْء الْفَم أَو دونه وَلَيْسَ هُوَ بقيء، فَإِن عَاد فَهُوَ الْقَيْء، فعلَى هَذَا يكون قَوْله فِي الحَدِيث: «أَو قلس» للتقسيم، وَعَلَى الأول تكون «أَو» للشَّكّ من الرَّاوِي. وَقَوله: «أَو رعف» هُوَ مثلث الْعين حكاهن ابْن مَالك فِي (مثلثه) ، قَالَ ابْن الصّلاح: الصَّحِيح فِيهِ فتح الْعين، قَالَ: وَرُوِيَ ضمهَا عَلَى ضعف فِيهِ، قَالَ: وَرُوِيَ أَن هَذِه الْكَلِمَة كَانَت السَّبَب فِي لُزُوم سِيبَوَيْهٍ الْخَلِيل بن أَحْمد، وتعويله عَلَيْهِ فِي طلب الْعَرَبيَّة بعد أَن كَانَ يطْلب الحَدِيث وَالتَّفْسِير، وَذَلِكَ أَنه سَأَلَ يَوْمًا حَمَّاد بن سَلمَة فَقَالَ لَهُ: أحَدثك هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه فِي رجل رعف فِي الصَّلَاة وَضم الْعين - فَقَالَ لَهُ: أَخْطَأت إِنَّمَا هُوَ رعف - بِفَتْح الْعين - فَانْصَرف إِلَى الْخَلِيل وَلَزِمَه. الحَدِيث الرَّابِع (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأسماء: حتيه، ثمَّ اقرصيه، ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ وَصلي فِيهِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 (هَذَا الحَدِيث) تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي أثْنَاء بَاب النَّجَاسَات فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة، والواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة» . هَذَا الحَدِيث ذكره كَذَلِك تبعا للغزالي، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه، وَالْإِمَام تبع القَاضِي الْحُسَيْن، وَكَذَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ، لَكِن بِلَفْظ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام «لعن الْوَاصِلَة ... » إِلَى آخِره، وَهُوَ بِاللَّفْظِ الأول مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر إِلَّا قَوْله: «والواشرة والمستوشرة» فَزِيَادَة (لَيست) فِي رِوَايَات هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» : إِنَّهَا مروية فِي غير الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة، وَهُوَ كَمَا قَالَ فقد أسندها أَبُو بكر الباغندي فِي جمعه لحَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز من (حَدِيثه) ، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن قارظ، عَن مُعَاوِيَة مَرْفُوعا «لعن الله الواشمة، والمتنمصة والنامصة، والواشرة والمستوشرة» . وَقد وَقع لنا عَالِيا: أخبرنَا ابْن السراج قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع (سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 أخبرتنا (شامية) بنت الْبكْرِيّ، أَنا ابْن طبر زد، أَنا (أَبُو الْمَوَاهِب الْوراق) وَابْن عبد الْبَاقِي قَالَا: أَنا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي، أَنا (أَبُو الْحُسَيْن الْحَافِظ مُحَمَّد بن المظفر) ، ثَنَا الباغندي، وَفِي (سَمَاعنَا) «الموشومة» بدل «المستوشرة» . وَذكرهَا أَبُو نعيم من حَدِيث عبد الله بن عِصَام الْأَشْعَرِيّ (مَرْفُوعا) «لعن (عشرَة) العاضهة والمعتضهة - يَعْنِي: الساحرة - والواشرة والموشرة ... » الحَدِيث. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي «مُخْتَلفه» : قَالَ الشَّاعِر: ت فِي عقد العاضه المعضه أعوذ بربي من النافثا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وَذكرهَا أَبُو عبيد فِي كِتَابه «غَرِيب الحَدِيث» بِغَيْر إِسْنَاد. قَالَ ابْن الصّلاح: وَلم أجد لَهَا ثبتًا بعد الْبَحْث الشَّديد، غير أَن أَبَا دَاوُد وَالنَّسَائِيّ رويا فِي حَدِيث آخر عَن أبي رَيْحَانَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه نهَى عَن (الوشم) والوشر» . قلت: وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن مَسْعُود «لعن الله الْوَاشِمَات والموتشمات، وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ، الْمُغيرَات خلق الله» . وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الواشمة والمتوشمة، (والواصلة) والموصولة (وَفِي رِوَايَة لَهُ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى عَن النامصة والواشرة والواصلة) والواشمة إِلَّا من دَاء» . وَفِي «مُسْند أَحْمد» أَيْضا عَن عَائِشَة «كَانَ (يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والمتوشمة والواصلة والموصولة» . وَقد فسر الرَّافِعِيّ هَذِه الْأَلْفَاظ فِي الشَّرْح فأغنانا عَن الْخَوْض فِي ذَلِك. قَالَ: وَيروَى بدل «المستوشمة والمستوشرة» : (الموتشمة والمؤتشرة» . قلت: قد «سلف الموتشمة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الصَّلَاة فِي (سَبْعَة) مواطنٍ: المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطَّرِيق، وبطن الْوَادي، وَالْحمام، ومعاطن الْإِبِل، وَفَوق ظهر بَيت الله» . وَيروَى بدل «بطن الْوَادي» : «الْمقْبرَة» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَلَيْسَ فِي روايتهم «بطن الْوَادي» ، وَهِي غَرِيبَة لَا نَعْرِف تبع الرَّافِعِيّ فِيهَا «الْوَسِيط» و «الْوَجِيز» ، وَهُوَ (تبع) إِمَامه وَلم يعزها الرَّافِعِيّ فِي (تذنيبه» إِلَّا إِلَى الْغَزالِيّ، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : قد علل النهى عَن الصَّلَاة فِي بطن الْوَادي باختلال الْخُشُوع فِيهِ خوفًا من سيل هاجم فَلَو لم يخف فَلَا نهي، وَهَذَا النَّهْي لم أجد لَهُ ثبتًا، وَلَا وجدت لَهُ ذكرا فِي كتب من يرجع إِلَيْهِم فِي مثل ذَلِك، كَيفَ وَالْمَسْجِد الْحَرَام إِنَّمَا هُوَ فِي بطن وادٍ؟ ! كثيرا مَا هجمت السُّيُول فِيهِ عَلَى غَفلَة. قَالَ: وَالَّذِي ذكره الإِمَام الشَّافِعِي إِنَّمَا هُوَ وادٍ خَاص، وَهُوَ الَّذِي نَام فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن مَعَه عَن الصَّلَاة حَتَّى فَاتَت، فكره أَن يصلوا فِيهِ، وَقَالَ: «اخْرُجُوا بِنَا من هَذَا الْوَادي؛ فَإِن فِيهِ شَيْطَانا» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة. قلت: بل ورد أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى فِي هَذَا الْوَادي، كَمَا أسلفته فِي الحَدِيث السَّادِس من بَاب الْأَذَان. فَائِدَة: «المجزرة» - بِفَتْح الْمِيم وَالزَّاي - مَوضِع ذبح الْحَيَوَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وقارعة الطَّرِيق أَعْلَاهُ، وَقيل صَدره. و «معاطن الْإِبِل» مباركها حول الْحَوْض، «والمقبرة» - مثلث الْبَاء - «والمزبلة» - بِفَتْح الْبَاء أَجود (من ضمهَا) . الحَدِيث السَّابِع رَوَى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أدركتم الصَّلَاة وَأَنْتُم فِي مراح الْغنم، فصلوا فِيهَا فَإِنَّهَا سكينَة وبركة، وَإِذا أدركتم وَأَنْتُم فِي أعطان الْإِبِل، فاخرجوا مِنْهَا وصلوا؛ فَإِنَّهَا جن خلقت من جن، أَلا ترَى إِذا نَفرت كَيفَ تشمخ بأنفها؟ !» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك فِي «الْأُم» عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، (عَن) عبيد الله بن طَلْحَة بن (كريز) - بِفَتْح الْكَاف وبالزاي فِي آخِره - عَن الْحسن، عَن عبد الله بن معقل، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ مخرج فِي «الْمسند» أَيْضا، وَقَالَ: عَن عبد الله بن معقل أَو [مُغفل] . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا الشَّك أَظُنهُ من الرّبيع، وَهُوَ مُغفل بِلَا شكّ، (و) كَذَلِك أخرجه النَّسَائِيّ أَي: من حَدِيث أَشْعَث، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 الْحسن (عَنهُ) أَنه عَلَيْهِ السَّلَام «نهَى عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل» . قلت: وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد علمت كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ فِي كتاب الطَّهَارَة، وَقد أخرجه مَعَ النَّسَائِيّ ابْن مَاجَه من حَدِيث يُونُس عَن الْحسن عَن عبد الله بن مُغفل (بِلَفْظ) : «صلوا فِي (مرابض) الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل؛ فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين» . (وَأخرجه أَحْمد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «كُنَّا نؤمر أَن نصلي فِي مرابض الْغنم وَلَا نصلي فِي أعطان الْإِبِل؛ فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين» ) وَأخرجه أَحْمد أَيْضا من حَدِيث [أبي سُفْيَان بن] الْعَلَاء، عَن الْحسن عَنهُ بِلَفْظ «إِذا حضرت الصَّلَاة وَأَنْتُم فِي مرابض الْغنم فصلوا، وَإِذا حضرت (الصَّلَاة) وَأَنْتُم فِي أعطان الْإِبِل فَلَا تصلوا؛ فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين» . وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِسَنَد ابْن مَاجَه وَلَفظه، إِلَّا أَنه قَالَ: «معاطن» بدل «أعطان» . وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 (أكبر) معاجمه من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن (عبيد الله) بن طَلْحَة، عَن الْحسن عَنهُ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي ظلّ شَجَرَة وَأَنا آخذ بِغُصْن من أَغْصَانهَا أَن يُؤْذِيه إِذْ قَالَ: لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها فَاقْتُلُوا مِنْهَا كل أسود (بهيم) ؛ فَإِنَّهُ شَيْطَان، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل؛ لِأَنَّهَا من الْجِنّ خلقت، أَلا ترَوْنَ إِلَى هيآتها وعيونها إِذا نَفرت، وصلوا فِي مراح الْغنم فَإِنَّهَا أقرب (من) الرَّحْمَة» . وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني أَن الْحسن سُئِلَ عَن سَمَاعه لحَدِيث قتل الْكلاب مِمَّن؟ قَالَ: (أخبرنيه) - وَالله - عبد الله بن مُغفل (فِي هَذَا الْمَسْجِد. وَفِي مَرَاسِيل ابْن أبي حَاتِم، نَا صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل. قَالَ أبي: سمع الْحسن الْبَصْرِيّ من عبد الله بن مُغفل) . قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة (جماعات من الصَّحَابَة غير عبد الله بن مُغفل مِنْهُم جَابر بن سَمُرَة وَهُوَ من أَفْرَاد) مُسلم كَمَا ذكرته فِي بَاب الْأَحْدَاث، وَمِنْهُم ابْن عمر وَقد ذكرته هُنَاكَ أَيْضا، وَمِنْهُم الْبَراء بن عَازِب كَمَا ذكرته هُنَاكَ أَيْضا، وَمِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «صلوا فِي مرابض الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل» . رَوَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 التِّرْمِذِيّ من حَدِيث هِشَام، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة (و) من حَدِيث أبي حُصَيْن، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة ثمَّ قَالَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَحَدِيث أبي حُصَيْن غَرِيب. قَالَ: وَرُوِيَ من حَدِيثه مَوْقُوفا. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث هِشَام، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن لم تَجدوا إِلَّا مرابض الْغنم وأعطان الْإِبِل، فصلوا فِي مرابض الْغنم وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيقين بِسَنَد ابْن مَاجَه هَذَا وَلَفظه، (إِلَّا) أَنه قَالَ: «إِذا لم تَجدوا» (بدل «إِن لم تَجدوا» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْوَلِيد بن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «صلُّوا فِي مراح الْغنم، وامسحوا رعامها؛ فَإِنَّهَا من دَوَاب الْجنَّة» . الرعام - بِالْعينِ الْمُهْملَة - مَا يسيل من أنفها. وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث (ابْن) عمر أَنه قيل (لَهُ) : (وَمَا الرعام؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 قَالَ: المخاط) . قَالَ ثَعْلَب: وصحفه (اللَّيْث) فَقَالَ: بِالْمُعْجَمَةِ. وَفِي رِوَايَة للبيهقي من حَدِيث أبي زرْعَة (بن عَمْرو بن جرير، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا) «أَن الْغنم من دَوَاب (الْجنَّة) فامسحوا رعامها، وصلوا فِي مرابضها» . وَمِنْهُم سُبْرَة بن معبد الْجُهَنِيّ (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يُصلَّى فِي أعطان الْإِبِل، وَيصلى فِي مراح الْغنم» رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة بن معبد الْجُهَنِيّ) عَن أَبِيه، عَن جده بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن يصلى فِي أعطان الْإِبِل، وَرخّص أَن يصلى فِي مراح الْغنم» . وَمِنْهُم عقبَة بن عَامر رَفعه «صلوا فِي مرابض الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل أَو مبارك الْإِبِل» . رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَاصِم بن حَكِيم، عَن [يَحْيَى بن] أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن أَبِيه عَنهُ بِهِ. وَمِنْهُم ذُو الْغرَّة رَوَاهُ أَحْمد بِنَحْوِ حَدِيث ابْن عمر الْمشَار إِلَيْهِ فِيمَا سلف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 فَائِدَة: مراح الْغنم - بِضَم الْمِيم مأواها لَيْلًا؛ قَالَه الْأَزْهَرِي. (الحَدِيث) الثَّامِن أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (اخْرُجُوا بِنَا من هَذَا الْوَادي؛ فَإِن فِيهِ شَيْطَانا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: «ليَأْخُذ كل (وَاحِد) بِرَأْس رَاحِلَته؛ فإنَّ هَذَا منزل حَضَرنَا فِيهِ الشَّيْطَان» وَقد ذكرت الحَدِيث بِطُولِهِ فِي الحَدِيث السَّادِس من بَاب الْأَذَان، فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث التَّاسِع أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الأَرْض كلهَا (مسجدُُ) ، إِلَّا الْمقْبرَة وَالْحمام» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ. أما الشَّافِعِي فَرَوَاهُ فِي «الْأُم» وَهُوَ مخرج فِي «الْمسند» أَيْضا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن يَحْيَى الْمَازِني، عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « ... » فَذكره، قَالَ الشَّافِعِي: وجدت هَذَا الحَدِيث فِي كتابي فِي موضِعين: أَحدهمَا: مُنْقَطع، وَالْآخر: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «السّنَن المأثورة» الَّتِي رَوَاهَا الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَنهُ، عَن سُفْيَان بِهِ بِذكر أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَأما أَحْمد فَرَوَاهُ عَن يزِيد، نَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد وَأما أَبُو دَاوُد فَرَوَاهُ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، نَا حَمَّاد، وَعَن مُسَدّد، ثَنَا عبد الْوَاحِد، عَن عَمْرو بِهِ. وَأما التِّرْمِذِيّ فَرَوَاهُ عَن ابْن أبي عمر، وَأبي عمار الْحُسَيْن بن حُرَيْث قَالَا: نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بِهِ. وَرَوَاهُ كَذَلِك فِي «علله» قَالَ: تَابعه حَمَّاد بن سَلمَة. وَأما ابْن مَاجَه: فَرَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه وَحَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد بِهِ. وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَرَوَاهُ فِي «علله» عَن الْبَغَوِيّ والصفار، ثَنَا أَبُو قلَابَة، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد بِهِ. ثمَّ قَالَ: وثنا جَعْفَر بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُؤَذّن ثِقَة، ثَنَا السّري (بن) يَحْيَى، ثَنَا أَبُو نعيم وَقبيصَة (قَالَا) : ثَنَا سُفْيَان، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، مَرْفُوعا بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد رِوَايَتَيْنِ، مِنْهُم من ذكره عَن أبي سعيد، وَمِنْهُم من لم يذكرهُ، وَهَذَا (حَدِيث) فِيهِ اضْطِرَاب رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد مُتَّصِلا وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه. قَالَ: وَكَانَ عَامَّة رِوَايَته عَن أبي سعيد عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يذكر فِيهِ عَن أبي سعيد، وَكَأن رِوَايَة الثَّوْريّ، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أثبت وَأَصَح هَذَا آخر كَلَام التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ فِي «علله» ، كَانَ الدَّرَاورْدِي أَحْيَانًا يذكر فِيهِ عَن أبي سعيد، وَرُبمَا لم يذكر فِيهِ، وَالصَّحِيح رِوَايَة الثَّوْريّ وَغَيره عَن عَمْرو، عَن أَبِيه مُرْسل، وَحَاصِله أَن رِوَايَته مُرْسلا أثبت وَأَصَح من رِوَايَته مُسْندًا، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» ؛ فَإِنَّهُ لما سُئِلَ عَنهُ قَالَ: يرويهِ عَمْرو بن يَحْيَى بن عمَارَة وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ عَنهُ عبد الْوَاحِد بن زِيَاد والدراوردي وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد (مُتَّصِلا. قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم، عَن الثَّوْريّ، عَن عَمْرو، وَتَابعه سعيد) بن سَالم القداح وَيَحْيَى بن آدم، عَن الثَّوْريّ (فوصلوه) ، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن عَمْرو عَن أَبِيه مُرْسلا، والمرسل الْمَحْفُوظ (ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 سَاقه) من طريقي الْوَصْل والإرسال بِإِسْنَادِهِ كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ، وَلما ذكره عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده، أسْندهُ نَاس، وأرسله آخَرُونَ مِنْهُم الثَّوْريّ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَكَأن الْمُرْسل أصح. قلت: وَقد أسلفنا من طَرِيق ابْن مَاجَه وصل الثَّوْريّ لَهُ، وَتبع فِي ذَلِك التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ عزا الْإِرْسَال إِلَى الثَّوْريّ أَيْضا قَالَ ابْن الْقطَّان يَنْبَغِي أَلا يضرّهُ الِاخْتِلَاف إِذا كَانَ الَّذِي أسْندهُ ثِقَة، قَالَ: وَإِلَى هَذَا فَإِن الَّذِي لأَجله ذكرته هُنَا هُوَ أَن أَبَا دَاوُد ذكره هَكَذَا: ثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا حَمَّاد، وثنا مُسَدّد، (ثَنَا) عبد الْوَاحِد، عَن (عَمْرو) بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد قَالَ: (قَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثه فِيمَا يحْسب عَمْرو أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الأَرْض كلهَا مَسْجِد إِلَّا الْحمام والمقبرة» فقد أخبر حَمَّاد فِي رِوَايَته، أَن عَمْرو بن يَحْيَى شكّ فى ذكر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ومنتهى الَّذين رَوَوْهُ مَرْفُوعا إِلَى عَمْرو، فَإِن الحَدِيث حَدِيثه وَعَلِيهِ يَدُور فَسَوَاء شكّ (أَولا) ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 تَيَقّن، أَو تَيَقّن ثمَّ شكّ، فَإِنَّهُ لَو تعين الْوَاقِع مِنْهُمَا أَنه الشَّك بعد أَن حدث بِهِ متيقنًا للرفع لَكَانَ يخْتَلف فِيهِ، فَمن يرَى نِسْيَان الْمُحدث قادحًا لَا يقبله، (وَمن يرَاهُ غير ضار يقبله) ، وَإِن قدرناه حدث بِهِ شاكًا ثمَّ تَيَقّن، فهاهنا يحْتَمل أَن يُقَال: عثر بعد الشَّك عَلَى سَبَب من أَسبَاب الْيَقِين، مثل أَن يرَاهُ فِي مسموعاته أَو مكتوباته فيرفع شكه فَلَا يُبَالِي مَا تقدم من تشككه، وَمَعَ هَذَا فَلَا يَنْبَغِي للمحدث أَن يتْرك مثل هَذَا فِي (نَقله) فَإِنَّهُ إِذا فعل (فقد) أَرَادَ منا قبُول رَأْيه فِي رِوَايَته، وَهَذَا كُله إِنَّمَا يكون إِذا سلم أَن الدراوردى (وَعبد الْوَاحِد) (الرافعين) لَهُ سمعاه مِنْهُ غير مَشْكُوك فِيهِ، فَإِنَّهُ من الْمُحْتَمل أَلا يكون الْأَمر كَذَلِك بِأَن [يسمعاه] مشكوكًا فِيهِ كَمَا سَمعه حَمَّاد ولكنهما (حَدثا بِهِ) وَلم يذكرَا ذَلِك اكْتِفَاء بحسبانه، وَعَلَى هَذَا يكون عِلّة الْخَبَر أبين. هَذَا آخر كَلَامه وَقد أسلفنا رِوَايَة حَمَّاد، عِنْد أَحْمد وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا بِالْجَزْمِ بِالرَّفْع عَن عَمْرو بن يَحْيَى من غير شكّ فِيهِ، وَتَابعه عَلَيْهِ جماعات مِنْهُم سُفْيَان بن عُيَيْنَة كَمَا سلف (عَن) رِوَايَة الشَّافِعِي، وَمِنْهُم عبد الْوَاحِد كَمَا سلف عَن رِوَايَة أبي دَاوُد، وَمِنْهُم عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد كَمَا سلف عَن رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَقد رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 ابْن خُزَيْمَة، ثَنَا (بشر) بن (معَاذ) الْعَقدي، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، ثَنَا عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد بِهِ وَرَوَاهُ عَن عمرَان بن مُوسَى السّخْتِيَانِيّ، ثَنَا أَبُو كَامِل الجحدري، ثَنَا عبد الْوَاحِد بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن ابْن خُزَيْمَة، أَنا مُحَمَّد بن غَالب، ثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِهِ، فَهَذَا مُوسَى نَفسه (قد جزم) وَلم يشك، ثمَّ رَوَاهُ عَن عبد الله بن مُحَمَّد الصيدلاني، نَا مُحَمَّد بن أَيُّوب، أَنا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، نَا عَمْرو بِهِ، ثمَّ رَوَاهُ عَن ابْن خُزَيْمَة، أَنا أَبُو الْمثنى، نَا مُسَدّد، نَا بشر بن الْمفضل، نَا عمَارَة بن غزيَّة، عَن [يَحْيَى بن عمَارَة] ، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. قلت: فَظهر بِهَذَا صِحَة الحَدِيث، وَزَوَال الشَّك فِي رَفعه، (و) بَقِي النّظر (فِي) كَون الْأَصَح وَصله أَو إرْسَاله، وَقد أسلفنا عَن التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ تَصْحِيح إرْسَاله، وَقد صحّح وَصله ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَمَا ترَى، وَهُوَ زِيَادَة من ثِقَة فَقبلت، وَقد صححها أَيْضا جمَاعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 من الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم الرَّافِعِيّ نَفسه فِي (شرح الْمسند) ، فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا الحَدِيث بَين الشَّافِعِي أَنه رُوِيَ مرّة مُنْقَطِعًا، وَمرَّة مَوْصُولا، وَلَا يضر الِانْقِطَاع إِذا ثَبت الْوَصْل فِي بعض الرِّوَايَات، وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه «الإِمَام» : حَاصِل مَا (يعل) فِيهِ بِالْإِسْنَادِ والإرسال، وَأَن الروَاة اخْتلفُوا فِي ذَلِك قَالَ: وَإِذا كَانَ الرافع نَفسه ثِقَة فقد عرف مَذْهَب الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء فِي قبُوله. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بعد أَن اسْتدلَّ بِهِ لمذهبه: إِن قيل هُوَ مُضْطَرب كَانَ الدَّرَاورْدِي يَقُول فِيهِ تَارَة: عَن أبي سعيد، وَتارَة لَا يذكرهُ، ثمَّ أجَاب بِأَن (مثل) هَذَا لَا يُوجب إطراح الحَدِيث. (و) الْمزي فِي «أَطْرَافه» : رَوَاهُ عَلّي بن عبد الْعَزِيز، عَن حجاج (بن) منهال، عَن حَمَّاد مُسْندًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار، عَن أبي كَامِل الجحدري، عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نعيم، عَن خَارِجَة بن مُصعب، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، وَأما الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ تبع الدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ لما ذكره مُرْسلا من طَرِيق الثَّوْريّ قَالَ: وَقد رُوِيَ مَوْصُولا وَلَيْسَ بِشَيْء. قَالَ: وَحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة مَوْصُول، وَقد تَابعه عَلَى وَصله عبد الْوَاحِد بن زِيَاد والدراوردي، ثمَّ أسْندهُ مَوْصُولا من وَجه آخر. وَلَك أَن تَقول: إِذا وَصله حَمَّاد وتوبع عَلَى وَصله فَلم لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 تُرجح عَلَى رِوَايَة الْإِرْسَال، عوضا عَن كَونهَا لَيْسَ بِشَيْء، لَا سِيمَا وَقد اعتضدت أَيْضا بِالْحَدِيثِ السالف فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي سَبْعَة مَوَاطِن مِنْهَا الْمقْبرَة وَالْحمام، (و) إِن كَانَ ضَعِيفا. وَأنكر النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْحَاكِم تَصْحِيحه فَقَالَ: إِنَّه لَا يقبل مِنْهُ، فَإِن الَّذين ضَعَّفُوهُ أتقن مِنْهُ، قَالَ: وَلِأَنَّهُ قد تصح أسانيده وَهُوَ ضَعِيف لاضطرابه. وَهَذَا مِنْهُ فِيهِ نظر؛ لأَنا قَررنَا أَن هَذَا الِاضْطِرَاب غير قَادِح، وَمن ضعفه لم يطعن فِي رِجَاله، وَإِنَّمَا قَالَ: إِن الْمُرْسل أصح كَمَا أسلفناه، وَلم يصب ابْن دحْيَة فِي قَوْله (فِي) كتاب «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» : هَذَا لَا يَصح من (طَرِيق من) الطّرق فاجتنبه. الحَدِيث الْعَاشِر (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن تتَّخذ الْقُبُور محاريب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث جُنْدُب بن عبد الله، وَيُقَال: ابْن سُفْيَان قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل أَن يَمُوت بِخمْس وَهُوَ يَقُول: إِنِّي أَبْرَأ إِلَى الله أَن يكون لي مِنْكُم خَلِيل؛ فَإِن الله عَزَّ وَجَلَّ قد اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا؛ وَلَو كنت متخذًا من أمتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا، [أَلا] وَإِن من كَانَ قبلكُمْ كَانُوا يتخذون قُبُور أَنْبِيَائهمْ وصالحيهم مَسَاجِد، [أَلا] فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد، إِني أنهاكم عَن ذَلِك» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَا: «لما نزلت برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (طفق) يطْرَح خميصة لَهُ عَلَى وَجهه، فَإِذا اغتم كشفها عَن وَجهه فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِك: لعنة الله عَلَى الْيَهُود والنصاري، اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد يحذر مَا صَنَعُوا» . وَفِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، «قَاتل الله الْيَهُود؛ اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد» . الحَدِيث الحادى عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يحمل أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ وَهُوَ فِي صلَاته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. كَمَا تقدم فِي بَاب الِاجْتِهَاد بفوائده. الحَدِيث الثَّانِي عشر رَوَى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أصَاب خف أحدكُم أَذَى، (فليدلكه) بِالْأَرْضِ؛ فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق ثَلَاثَة: أَحدهَا: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث (أبي) الْمُغيرَة، والوليد بن مزِيد، و (عمر) بن عبد الْوَاحِد، عَن الْأَوْزَاعِيّ الْمَعْنى، أنبئت أَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري حدث عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا وطئ أحدكُم بنعله الْأَذَى، فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن ابْن عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَعْنَاهُ «إِذا وطئ (أحدكُم) الْأَذَى (بخفيه) ، فطهورهما التُّرَاب» . وَمُحَمّد بن كثير هَذَا من رجال د ت [س] ، وَهُوَ صنعاني مولَى ثَقِيف، ضعفه أَحْمد جدًّا (وَقَالَ: مُنكر الحَدِيث قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: ذكره أبي فضعفه جدًّا) ، وَضعف حَدِيثه عَن معمر جدًّا. وَقَالَ صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل: قَالَ أبي: مُحَمَّد بن كثير لم يكن عِنْدِي بِثِقَة. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد أَيْضا عَن أَبِيه: إِنَّه مُنكر الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 ويروي أَشْيَاء مُنكرَة. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: كنت أشتهي أَن أرَاهُ، فَلَمَّا ذكر حَدِيثا من رِوَايَته قلت: الْآن لَا أحب أَن أرَاهُ. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: لَهُ رِوَايَات عَن الْأَوْزَاعِيّ لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا أحد، وَذكر ابْن سعد أَنه اخْتَلَط بِأخرَة، قَالَ: وَكَانَ ثِقَة، وَتكلم فِيهِ أَبُو حَاتِم (وجرحه) قَالَ أَبُو حَاتِم: دفع إِلَيْهِ كتاب الْأَوْزَاعِيّ فَرَوَاهُ عَنهُ، وَكَذَلِكَ (قَالَ) أَحْمد. وَقَالَ الْحَاكِم: إِنَّه صَدُوق وَوَثَّقَهُ يَحْيَى، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَأما مُحَمَّد بن عجلَان فَهُوَ صَدُوق رَوَى لَهُ مُسلم مُتَابعَة، وَالْبُخَارِيّ فِي الشواهد وَذكره فِي (الضُّعَفَاء) ، وَرَوَى لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة (و) تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَوَثَّقَهُ غير وَاحِد مِنْهُم أَحْمد وَيَحْيَى، وَذكره (ابْن حبَان) فِي «ثقاته» (من) أَتبَاع التَّابِعين، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا عيب فِيهِ بل هُوَ أحد الثِّقَات إِلَّا أَنه سُوَى أَحَادِيث المَقْبُري. وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث بِحَسب آرائهم فِي هذَيْن الرجلَيْن، فَأوردهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ بِسَنَدِهِ بِلَفْظ «إِذا وطئ أحدكُم بخفيه - أَو قَالَ: بنعليه الْأَذَى فطهورهما التُّرَاب» . ثمَّ جعله معلولًا بمخالفة أَصْحَاب (الْأَوْزَاعِيّ لمُحَمد) بن كثير فِي إِقَامَة إِسْنَاده، فَرَوَاهُ من طَرِيق الْوَلِيد بن مزِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 أنبئت أَن سعيد (بن أبي سعيد) المَقْبُري حدث عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج وَعمر بن عبد الْوَاحِد، وهما أعرف بالأوزاعى. قَالَ: فَصَارَ الحَدِيث بذلك معلولًا قَالَ: وَقد ضعف الشَّافِعِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِي الْإِمْلَاء، وَرَوَاهُ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا - من حَدِيث سعيد عَن أبي هُرَيْرَة بِإِسْقَاط أَبِيه أَيْضا، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» : رُوِيَ عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن سعيد (أَن امْرَأَة سَأَلت عَائِشَة ... ) مَوْقُوف. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: مُحَمَّد بن كثير هَذَا يروي عَن الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره، وَهُوَ ضَعِيف وأضعف مَا هُوَ فِي الْأَوْزَاعِيّ، ثمَّ نقل مقالات أَحْمد السالفة فِيهِ، ثمَّ قَالَ: فعلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يظنّ بِهَذَا الحَدِيث أَنه صَحِيح من هَذَا الطَّرِيق، وتضعيفه الحَدِيث بِسَبَب مُحَمَّد بن كثير هَذَا مُخَالف لتصحيحه حَدِيثه عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أنس «جَاءَت أم سليم ... » الحَدِيث الْمَشْهُور فِي الْغسْل، رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيثه نَا الْأَوْزَاعِيّ فَذكره، وَقَالَ ابْن عبد الْحق فِيمَا رده عَلَى «الْمُحَلَّى» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن كثير الصَّنْعَانِيّ، ثمَّ ذكر قَول أَحْمد وَغَيره فِيهِ، وَقَالَ الْحَافِظ زَكى الدَّين الْمُنْذِرِيّ بعد أَن أخرجه من طريقي أبي دَاوُد: كِلَاهُمَا ضَعِيف، أما الأول فَفِي إِسْنَاده مَجْهُول - وَلم يظْهر لي ذَلِك - وَأما الثَّانِي فأعله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 بِابْن عجلَان، وَأعْرض عَن مُحَمَّد بن كثير فَلم يعله بِهِ، وَلَو عكس كَانَ أصوب. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) فِي بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طرق كلهَا ضَعِيفَة. كَذَا قَالَ: من طرق، وَقد أسلفنا لَك نَص رِوَايَته فتأملها. وَخَالف هَؤُلَاءِ جماعات (فصححوه) مِنْهُم ابْن خُزَيْمَة فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من) حَدِيث مُحَمَّد بن كثير عَن الْأَوْزَاعِيّ (بِهِ بِلَفْظ «إِذا وطئ أحدكُم بخفيه أَو نَعْلَيْه، فطهورهما التُّرَاب» .، وَمِنْهُم ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه أَيْضا فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ) (عَن سعيد بِهِ، وَقَالَ: «لَهَا طهُور» بدل «لَهُ طهُور» ، وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن كثير بِهِ بِلَفْظ: «إِذا وطئ أحدكُم بخفيه، فطهورهما التُّرَاب» . وَمِنْهُم الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورين، لكنه قَالَ فِي الأول عَن الْأَوْزَاعِيّ) : إِنَّه قَالَ: «أنبئت أَن سعيد بن أبي سعيد ... » فَذكره بِلَفْظ أبي حَاتِم، وَلَفظه فِي الثَّانِي: «إِذا وطئ أحدكُم بنعليه فِي الْأَذَى فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم؛ فَإِن مُحَمَّد بن كثير هَذَا صَدُوق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وَقد حفظ فِي إِسْنَاده ذكر ابْن عجلَان وَلم يخرجَاهُ. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد قَالَ: أَخْبرنِي أَيْضا سعيد بن أبي سعيد، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَعْنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة، كَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث ابْن وهب، عَن ابْن سمْعَان أَن سعيدًا المَقْبُري حَدثهُ عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم أَنه حَدثهُ عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا وطئ أحدكُم بنعليه الْأَذَى فَإِن التُّرَاب لَهما طهُور» . قَالَ الْحَافِظ زكي (الدَّين) الْمُنْذِرِيّ فِي طَرِيق أبي دَاوُد: إسنادها حسن قلت: وَفِي ذَلِك نظر؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطع، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : الطَّرِيق فِيهِ لَيْسَ بواضح إِلَى أبي سعيد وَهُوَ مُرْسل، (الْقَعْقَاع لم يسمع من عَائِشَة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : بل وردنا يَقْتَضِي إِبْطَاله) - يَعْنِي: سَمَاعه (مِنْهَا) - فَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن روح بن (الْقَاسِم) رَوَى عَن عبد الله بن سمْعَان، عَن المَقْبُري، عَن الْقَعْقَاع، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الرجل يطَأ بنعليه الْأَذَى فَقَالَ: التُّرَاب طهُور» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مدَار الحَدِيث عَلَى ابْن سمْعَان وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث أشبه بِالصَّوَابِ من غَيره من الطّرق مَعَ ضعفه. وَأما ابْن السكن فَذكره فِي (السّنَن الصِّحَاح المأثورة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 الطَّرِيق الثَّالِث: عَن ابْن وهب، عَن الْحَارِث بن نَبهَان، عَن رجل، عَن إنس ابْن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَسْجِد، فَإِن كَانَ لَيْلًا فليدلك نَعْلَيْه، وَإِن كَانَ نَهَارا فَلْينْظر إِلَى أَسْفَلهَا» . رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «خلافياته» وَقَالَ: فِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، قلت: والْحَارث بن نَبهَان ضَعَّفُوهُ قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. الحَدِيث الثَّالِث عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خلع نَعله، فَخلع النَّاس نعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى صلَاته قَالَ: مَا حملكم عَلَى صنيعكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فَقَالَ: إِن جِبْرِيل (أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: من طَرِيق أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضى الله عَنهُ رَوَاهُ أَبُو (دَاوُد فِي «سنَنه» ) مُنْفَردا (بِهِ) عَن الْجَمَاعَة من حَدِيث حَمَّاد - وَهُوَ ابْن سَلمَة - عَن أبي نعَامَة السَّعْدِيّ، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رضى الله عَنهُ قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خلع نَعْلَيْه فوضعهما عَن يسَاره، فَلَمَّا رَأَى ذَلِك الْقَوْم ألقوا نعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلَاته قَالَ: مَا حملكم عَلَى (إلقائكم) نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن جِبْرِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا، فَإِذا جَاءَ أحدكُم (إِلَى) الْمَسْجِد، فَلْينْظر فَإِن رَأَى فِي نَعْلَيْه قذرًا أَو أَذَى فليمسحه وَليصل فيهمَا» . قَالَ أَبُو دَاوُد: نَا مُوسَى، نَا أبان، ثَنَا قَتَادَة، حَدثنِي بكر بن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهَذَا قَالَ: «فيهمَا (خبث) » فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك بِلَفْظ «الْخبث» . وَقَالَ: «فليمسه) بِالْأَرْضِ» (وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ فِي حَمَّاد وَأبي نعَامَة وَأبي نَضرة: كل وَاحِد مِنْهُم مُخْتَلف فِي عَدَالَته) وَكَذَلِكَ لم يحْتَج البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح بِوَاحِد مِنْهُم. قلت: قد أخرج (لَهُم) مُسلم، وَحَمَّاد ثِقَة ثَبت، وَأَبُو نعَامَة وَثَّقَهُ ابْن معِين، (وَأَبُو نَضرة وَثَّقَهُ ابْن معِين) وَأَبُو زرْعَة أَيْضا، وَقد استدركه عَلَى مُسلم الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فَرَوَاهُ فِي آخر صَلَاة الْجَمَاعَة مِنْهُ، عَن أبي الْعَبَّاس المحبوبي، عَن سعيد بن مَسْعُود، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي نعَامَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى فَخلع نَعْلَيْه، فَخلع النَّاس نعَالهمْ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، رَأَيْنَاك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 خلعت فخلعنا، قَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن فيهمَا خبثًا، فَإِذا جَاءَ أحدكُم الْمَسْجِد، فليقلب نَعْلَيْه فَلْينْظر (فيهمَا) فَإِن وجد خبثًا فليمسحهما بِالْأَرْضِ، ثمَّ ليصل فيهمَا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي «صَحِيحه» من حَدِيث يزِيد بن هَارُون أَيْضا، عَن حَمَّاد بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن الْفضل بن حباب، عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي نعَامَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا صَلَّى خلع نَعْلَيْه فوضعهما عَن يسَاره، فَخلع الْقَوْم نعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى صلَاته قَالَ: مَا لكم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك خلعت فخلعنا، قَالَ: إِنِّي لم أخلعهما من بَأْس، وَلَكِن جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا، فَإِذا أَتَى أحدكُم الْمَسْجِد فَلْينْظر فِي نَعْلَيْه فَإِن كَانَ فيهمَا أَذَى فليمسحه» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي سعيد هَذَا فَقَالَ: رُوِيَ مُرْسلا بِإِسْقَاط أبي سعيد، ومتصلًا بإثباته وَهُوَ أشبه، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة عَن أبي نعَامَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد، وَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن أبي نعَامَة مُرْسلا قَالَ: وَمن قَالَ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة - فقد وهم، وَالصَّحِيح عَن أَيُّوب سَمعه من أبي نعَامَة لم يحفظ إِسْنَاده فَأرْسلهُ، وَالْقَوْل قَول من قَالَ: عَن أبي سعيد. تَنْبِيه: نقل النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» و «شرح الْمُهَذّب» عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَلم أر ذَلِك فِيهِ، إِنَّمَا فِيهِ أَنه عَلَى شَرط مُسلم، وَهُوَ المطابق لإسناده أَيْضا، نعم قَالَ الْحَاكِم (ذَلِك) فِي طَرِيق أنس الْآتِي إِثْر هَذَا، وَالنَّوَوِيّ لم يذكرهَا، إِنَّمَا ذكرهَا من طَرِيق أبي سعيد فَتنبه لذَلِك. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَائِل كتاب الطَّهَارَة مِنْهُ، عَن مُحَمَّد بن صَالح وَإِبْرَاهِيم بن عصمَة قَالَا: ثَنَا السّري بن خُزَيْمَة، نَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، نَا (عبد الله) بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ، عَن ثُمَامَة، عَن أنس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يخلع نَعْلَيْه فِي الصَّلَاة قطّ إِلَّا مرّة وَاحِدَة، خلع فَخلع النَّاس، فَقَالَ: مالكم؟ قَالُوا: خلعت فخلعنا، فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا أَو أَذَى» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، فقد احْتج (بِعَبْد الله) بن الْمثنى وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وَشَاهده الحَدِيث الْمَشْهُور عَن مَيْمُون الْأَعْوَر، حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن صَالح وَإِبْرَاهِيم بن عصمَة قَالَا: ثَنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 السّري بن خُزَيْمَة، ثَنَا أَبُو غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، ثَنَا أَبُو حَمْزَة، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «خلع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَعله فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَخْبرنِي ... » الحَدِيث. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث ابْن مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سقناه (آنِفا) وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة. وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق رَابِع وخامس (لكنهما ضعيفان) فالرابع عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: (خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد) [قَالَ: الصَّلَاة فِي] النَّعْلَيْنِ، (وَقد صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي نَعْلَيْه (فخلعهما) فَخلع النَّاس، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك خلعت فخلعنا. قَالَ: إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فَقَالَ: إِن (فيهمَا) دم حلمة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث صَالح بن بَيَان، نَا فرات بن السَّائِب، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف؛ صَالح بن بَيَان يروي الْمَنَاكِير عَن الثِّقَات، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك، وفرات بن السَّائِب مَتْرُوك، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث تَرَكُوهُ. والحلمة: القراد الْعَظِيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 وَلِحَدِيث ابْن عَبَّاس طَرِيق آخر يُخَالف السَّبَب الْمَذْكُور فِي خلع النَّعْل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي « (أكبر معاجمه) من حَدِيث مُحَمَّد بن (عبيد الله) ، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَخلع نَعْلَيْه فخلعنا نعالنا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك خلعت فخلعنا. قَالَ: إِنِّي بللت (مِنْهُمَا) » . وَمُحَمّد هَذَا أَظُنهُ الْعَرْزَمِي الْمَتْرُوك. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن يزِيد بن عبد الله بن الشخير، عَن أَبِيه قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَخلع نَعْلَيْه وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فَخلع الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ نعَالهمْ، فَخلع الصَّفّ الَّذِي (يليهم) نعَالهمْ. فَقَالَ (لَهُم) : لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: خلعت يَا رَسُول الله، فَخلع الصَّفّ الَّذِي يليك نعَالهمْ فخلعنا نعالنا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَتَانِي جِبْرِيل فَذكر أَن فِي نَعْلي قذرًا (فخلعتهما) ، فصلوا فِي نعالكم» . فِي إِسْنَاده الرّبيع بن بدر السَّعْدِيّ عُلَيْلُة تَركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره. الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تُعَاد الصَّلَاة من قدر الدِّرْهَم من الدَّم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 هَذَا الحَدِيث ضَعِيف بِمرَّة. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه عَن الزُّهْرِيّ غير روح بن غطيف أَي وَهُوَ بِضَم الْعين الْمُعْجَمَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة - وَهُوَ مَتْرُوك، ثمَّ قَالَ فِي «علله» : يرويهِ روح، عَن الزُّهْرِيّ، وَاخْتلف فِيهِ، فَقَالَ: الْقَاسِم بن مَالك الْمُزنِيّ، عَن روح بن غطيف، عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ: [أَسد] بن عَمْرو البَجلِيّ، عَن غطيف الطَّائِفِي، عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ روح بن غطيف. كَمَا قَالَ الْقَاسِم بن مَالك، وروح ضَعِيف، وَلَا يعرف هَذَا عَن الزُّهْرِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت، قَالَ البُخَارِيّ: روح مُنكر الحَدِيث، وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة» : (إِنَّه) لم يثبت وَقد أنكرهُ عَلَى روح عبد الله بن الْمُبَارك وَيَحْيَى بن معِين، وَغَيرهمَا من الْحفاظ. قلت: وَعبارَة ابْن حبَان فِيهِ أَنه يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا، وَرَوَى الْعقيلِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وَالْبَيْهَقِيّ، عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: قد رَأَيْت روح بن غطيف «صَاحب الدَّم قدر الدِّرْهَم» عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَجَلَست إِلَيْهِ مَجْلِسا، فَجعلت: أستحي من أَصْحَابِي أَن يروني جَالِسا (مَعَه) ؛ لِكَثْرَة مَا فِي حَدِيثه - يَعْنِي: من الْمَنَاكِير. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وأبنا أَبُو سعد الْمَالِينِي، نَا أَبُو أَحْمد بن عدي، ثَنَا مُحَمَّد بن مُنِير، ثَنَا أَحْمد بن الْعَبَّاس قَالَ: قلت ليحيى بن معِين: تحفظ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «تُعَاد الصَّلَاة من مِقْدَار الدِّرْهَم» ؟ فَقَالَ: لَا وَالله، ثمَّ قَالَ: من؟ قلت: ثَنَا مُحرز (بن) عون، قَالَ: ثِقَة (عَمَّن) ؟ قلت: الْقَاسِم بن مَالك الْمُزنِيّ، قَالَ: (ثِقَة) عَمَّن؟ قلت: عَن روح بن غطيف قَالَ: هاه، قلت: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، مَا أرَى أَتَيْنَا إِلَّا من روح بن غطيف (قَالَ: أجل، قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا لَا يرويهِ عَن الزُّهْرِيّ فِيمَا أعلمهُ غير روح بن غطيف) وَهُوَ مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: وروح بن غطيف رَأَيْته قَلِيل الرِّوَايَة لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث، وَمِقْدَار مَا يرويهِ من الحَدِيث لَيْسَ بِمَحْفُوظ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِيمَا بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: أَخَاف أَن يكون هَذَا مَوْضُوعا، وروح هَذَا مَجْهُول. قلت: فِي جهالته وَقْفَة، فقد رَوَى عَنهُ الْقَاسِم بن مَالك وَنصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 بن حَمَّاد و [أَسد] بن عَمْرو البَجلِيّ وَعرف النَّاس دبره كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهُم، وَجزم بِكَوْنِهِ مَوْضُوعا ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي «مَوْضُوعَاته» من طرق، عَن أبي هُرَيْرَة، وضعفها كلهَا، ثمَّ نقل عَن البُخَارِيّ أَنه حَدِيث بَاطِل، وَكَذَا نَقله الْعقيلِيّ عَنهُ، وَقَالَ ابْن حبَان: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شكّ فِيهِ، مَا قَالَه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَإِنَّمَا هُوَ اختراع اخترعه أهل الْكُوفَة فِي الْإِسْلَام. وَوَقع فِي «الْمِيزَان» للذهبي أَن هَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ عَن روح: الْقَاسِم بن مَالك، وَقد أسلفنا لَك من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَن [أَسد] بن عَمْرو البَجلِيّ رَوَاهُ عَنهُ أَيْضا، فَلم ينْفَرد إِذن. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «تنزهوا من الْبَوْل» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ (فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء) ، فَرَاجعه مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تكشف فخذك، وَلَا تنظر إِلَى فَخذ حَيّ وَلَا ميت» ، وَيروَى: «وَلَا تبرز فخذك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي الْجَنَائِز وَكتاب الْحمام من حَدِيث (ابْن جريج) قَالَ: أخْبرت عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَلَفظه فِي كتاب الْحمام: «لَا تكشف» ، وَفِي الْجَنَائِز: «لَا تبرز» . وَقد ذكر الرَّافِعِيّ اللَّفْظَيْنِ ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ نَكَارَة، (وَرَوَاهُ) ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» فِي الْجَنَائِز من حَدِيث روح بن عبَادَة [عَن ابْن جريج] عَن حبيب بِهِ بِلَفْظ «لَا تبرز» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم (فِي اللبَاس) فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا، وَكَذَا الْبَزَّار فِي «مُسْنده» ، ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عَلّي مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. قلت: وأعل هَذَا الحَدِيث بالطعن فِي عَاصِم والانقطاع، أما الأول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 فَقَالَ ابْن عدي: إِنَّه ينْفَرد عَن عَلّي بِأَحَادِيث بَاطِلَة لَا يُتَابِعه الثِّقَات عَلَيْهَا والبلية مِنْهُ، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ رَدِيء الْحِفْظ، فَاحش الْخَطَأ، يرفع عَن عَلّي قَوْله كثيرا، فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ اسْتحق التّرْك. نعم وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَكَذَا ابْن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَأما الِانْقِطَاع فَفِي مَوْضُوعَيْنِ أَحدهمَا: بَين ابْن جريج وحبِيب بن أبي ثَابت كَمَا هُوَ ظَاهر رِوَايَة أبي دَاوُد الأولَى؛ حَيْثُ قَالَ: أخْبرت، وَثَانِيهمَا: بَين حبيب وَعَاصِم فَإِنَّهُ لم (يسمعهُ) مِنْهُ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ حجاج، عَن ابْن جريج، قَالَ: أخْبرت، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بِهِ قَالَ: وَابْن جريج لم يسمع هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد من حبيب؛ إِنَّمَا هُوَ من حَدِيث عَمْرو بن خَالِد (الوَاسِطِيّ، وَلَا يثبت (لحبيب) رِوَايَة عَن عَاصِم، فَأرَى أَن ابْن جريج أَخذ من الْحسن بن ذكْوَان، عَن عَمْرو بن خَالِد) ، عَن حبيب، وَالْحسن وَعَمْرو: ضعيفان فِي الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْقطَّان كتاب «أَحْكَام النّظر» : كل رِجَاله ثِقَات، وَلَكِن الِانْقِطَاع فِيهِ بَين ابْن جريج وحبِيب فِي قَوْله: أخْبرت، وَزعم ابْن معِين أَيْضا أَنه مُنْقَطع فِي مَوضِع آخر، وَهُوَ مَا بَين حبيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 وَعَاصِم بن ضَمرَة، وَأَن حبيبًا لم يسمعهُ من عَاصِم، وَأَن بَينهمَا رجلا لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ الْبَزَّار ذَلِك أَيْضا، وَفسّر (الرجل) الَّذِي بَينهمَا بِأَنَّهُ عَمْرو بن خَالِد وَهُوَ مَتْرُوك، فعلَى هَذَا يكون إِسْنَاده سُوِّيَ، وَلَا أدرى من سواهُ، وَابْن جريج لَا يعرف بالتسوية إِنَّمَا يعرف بالتدليس. قَالَ: وَأحسن من هَذَا الْإِسْنَاد، وَمن هَذَا الحَدِيث مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث روح بن عبَادَة، نَا ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي مَرْفُوعا: « (لَا تكشف) فخذك؛ فَإِن الْفَخْذ عَورَة» . قَالَ: وَهَذَا أَيْضا رِجَاله ثِقَات، والانقطاع الذى فِي الأولَى بَين ابْن جريج وحبِيب زَالَ هُنَا، وَقد رَوَاهُ يزِيد بن عبد الله الْقرشِي، عَن ابْن جريج، كَذَلِك أَفَادَهُ بن عدي. قلت: وَكَذَا أخرجه عبد الله بن أَحْمد، فَقَالَ: حَدثنِي عبيد الله بن عمر القواريري (حَدثنِي) يزِيد أَبُو خَالِد الْقرشِي، حَدثنِي ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم (بن ضَمرَة) ، عَن عَلّي مَرْفُوعا فَذكره بِمثل لفظ ابْن مَاجَه، وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ أعل الحَدِيث بِمَا تقدم وَبِزِيَادَة وهم فِيهَا فَقَالَ فِي «محلاه» : (فَإِن) ذكرُوا الْأَخْبَار الْوَاهِيَة «أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 الْفَخْذ عَورَة» فَهِيَ كلهَا سَاقِطَة، وَذكر فِيهَا هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: إِنَّه مُنْقَطع رَوَاهُ ابْن (جريج) ، عَن حبيب، وَلم يسمعهُ مِنْهُ بَينهمَا (من) لم يسم وَلَا يُدْرَى من هُوَ، وَرَوَاهُ حبيب (عَن) عَاصِم وَلم يسمعهُ مِنْهُ. قَالَ ابْن معِين: بَينهمَا رجل لَيْسَ بِثِقَة، وَلم يروه عَن ابْن جريج إِلَّا أَبُو خَالِد وَلَا يُدْرَى من هُوَ، هَذَا كَلَامه وَقد علمت أَن عبد الله بن أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ أَخْرجَاهُ من حَدِيث ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي حبيب، وَإِن كَانَ فِي أبي دَاوُد أُخبرت عَن حبيب، فَيكون لم يسمعهُ مِنْهُ أَولا، ثمَّ سَمعه (مِنْهُ) ثَانِيًا، فطاح قَوْله: «بَينهمَا من لم يسم وَلَا يُدْرَى من هُوَ» . (وَقَوله) : «وَلم يروه عَن ابْن جريج إِلَّا أَبُو خَالِد» وهم قَبِيح؛ فقد رَوَاهُ عَنهُ روح بن عبَادَة كَمَا تقدم عَن رِوَايَة ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ (وحجاج كَمَا تقدم من رِوَايَة أبي دَاوُد وَعبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي روَّاد كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) فِي «سنَنه» وَيَحْيَى بن سعيد كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ، فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة رَوَوْهُ عَن ابْن جريج، وَقَوله: «وَلَا يُدْرَى من هُوَ» لَيْسَ بجيد فَهُوَ أَبُو خَالِد الدالاني يزِيد بن عبد الرَّحْمَن، (كَذَا) سَمَّاهُ يزِيد عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْند أَبِيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 وَابْن عدي كَمَا سلف وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَمَا سلف، فِي بَاب الْأَحْدَاث، وَيحْتَمل أَيْضا أَنه يزِيد بن عبد الله الْقرشِي إِن كَانَ فِي طبقته، وَهُوَ من رجال النَّسَائِيّ، وثقات ابْن حبَان، وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» مَا نَصه: يروي عَن ابْن (عَبَّاس) وجرهد، وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الفخذُ عَورَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الخلافيات» فِي هَذِه الثَّلَاثَة: هَذِه أَسَانِيد صَحِيحَة يحْتَج بهَا. قلت: وَخَالفهُ غَيره فِي ذَلِك، قَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : فَإِن ذكرُوا الْأَخْبَار الْوَاهِيَة فِي أَن الْفَخْذ عَورَة فَهِيَ سَاقِطَة، أما حَدِيث (جرهد) فَإِنَّهُ عَن ابْن (جرهد) وَهُوَ مَجْهُول، وَعَن مجهولين، (ومنقطع) قَالَ: وَمن طَرِيق ابْن جحش فِيهِ أَبُو كثير وَهُوَ مَجْهُول، قَالَ: وَمن طَرِيق ابْن عَبَّاس وَفِيه يَحْيَى القَتَّات وَهُوَ ضَعِيف، وَذكره فِي مَوضِع آخر وَقَالَ: مَجْهُول، ثمَّ أعل حَدِيث عَلّي بِمَا أسلفته عَنهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 وَأَقُول: قد أسرف فِي قَوْله: «إِنَّهَا أَخْبَار سَاقِطَة» فَإِن حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي يَحْيَى القَتَّات - بقاف، ثمَّ مثناة فَوق، ثمَّ ألف، ثمَّ مثناة فَوق أَيْضا - عَن مُجَاهِد عَنهُ قَالَ: «مر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى رجل فَخذه خَارِجَة، فَقَالَ: غط فخذك فَإِن فَخذ الرجل من عَوْرَته» . هَذَا لفظ أَحْمد وَالْحَاكِم، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ مُخْتَصرا «الْفَخْذ عَورَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ عَلَى مَا نَقله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: وَأَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه: زَاذَان، أَو يزِيد، أَو دِينَار، أَو عبد الرَّحْمَن بن دِينَار، أَو مُسلم أَقْوَال لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم كَمَا قَالَ أَبُو عمر، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: ضَعِيف عِنْدهم، وَأَحْسَنهمْ فِيهِ رَأيا الْبَزَّار؛ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا نعلم بِهِ بَأْسا، فقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعلم وَاحْتَملُوا حَدِيثه وَهُوَ كُوفِي مَعْرُوف، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: ضعفه شريك وَيَحْيَى، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى فِي رِوَايَة، وَقَالَ أَحْمد: رويت عَنهُ أَحَادِيث مَنَاكِير جدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقَالَ ابْن حبَان: فحش الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 خَطؤُهُ، وَكثر (وهمه) ، حَتَّى سلك غير مَسْلَك (الْعُدُول) فِي الرِّوَايَات. قلت: فنسبة ابْن حزم الْجَهَالَة إِلَيْهِ إِذن غَرِيب من يكون هَذَا حَاله كَيفَ يكون مَجْهُولا؟ ! ، وَأما حَدِيث مُحَمَّد بن جحش فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي كثير مولَى مُحَمَّد بن جحش، (عَن مُحَمَّد بن جحش) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه مر عَلَى معمر مُحْتَبِيًا كاشفًا عَن طرف فَخذه، فَقَالَ (لَهُ) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: خمر فخذك يَا معمر فَإِن الْفَخْذ عَورَة» . وَأَبُو كثير هَذَا حجازي يُقَال: إِن لَهُ صُحْبَة رَوَى لَهُ النَّسَائِيّ فدعوى ابْن حزم جهالته إِذن غير جَيِّدَة، وَقد تبعه فِي هَذَا ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لَا يعرف حَاله، وَتَصْحِيح الْبَيْهَقِيّ السالف لَهُ فرع عَن معرفَة حَاله، وَأما حَدِيث جرهد (فَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن أبي [النَّضر] ، عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن بن جرهد) ، عَن أَبِيه، عَن جده (قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 وَكَانَ جدي من ًاصحاب الصّفة قَالَ: (جلس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عِنْدِي وفخذي) مكشوفة، فَقَالَ: خمر عَلَيْك، أما علمت أَن الْفَخْذ عَورَة» . قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «التَّقَصِّي» : هَكَذَا هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» عِنْد ابْن بكير وَجَمَاعَة، وَقَالَ غَيره: هَكَذَا يَقُول (ابْن) معِين وَابْن مهْدي وَجَمَاعَة عَن أَبِيه، عَن جده جرهد، وَقَالَ ابْن بكير وَابْن طهْمَان وَغَيرهمَا: عَن زرْعَة، عَن أَبِيه وَكَانَ من أَصْحَاب الصّفة لَا يذكرُونَ جده، وَكَذَلِكَ أخرجه عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ (صَاحب) «الإِمَام» عَن أبي الزِّنَاد (عَن آل جرهد، عَن جرهد بِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد، ثَنَا ابْن أبي الزِّنَاد) ، عَن أَبِيه، عَن زرْعَة بن (عبد الله) بن جرهد، عَن جرهد «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر عَلَى جرهد وفخذ جرهد مكشوفة (فِي الْمَسْجِد) فَقَالَ (لَهُ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا جرهد، غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَالك، عَن أبي النَّضر، عَن زرْعَة، عَن أَبِيه قَالَ - كَانَ جرهد من أَصْحَاب الصّفة أَنه قَالَ - «جلس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عندنَا و (فَخذي) مكشوفة فَقَالَ: أما علمت أَن الْفَخْذ عَورَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الاسْتِئْذَان من «جَامعه» من ثَلَاث طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث زرْعَة بن مُسلم بن جرهد الْأَسْلَمِيّ، عَن جده جرهد قَالَ: «مر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بجرهد فِي الْمَسْجِد وَقد انْكَشَفَ فَخذه، فَقَالَ: إِن الْفَخْذ عَورَة» . ثَانِيهَا: من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عبد الله بن جرهد الْأَسْلَمِيّ، عَن أَبِيه مَرْفُوعا «الْفَخْذ عَورَة» . ثَالِثهَا: من حَدِيث معمر عَن أبي الزِّنَاد، أَخْبرنِي ابْن جرهد، عَن أَبِيه « (أَن) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مر بِهِ وَهُوَ كاشف عَن فَخذه فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : غط فخذك، فَإِنَّهَا من الْعَوْرَة» . ثمَّ قَالَ فِي هَذِه الطَّرِيق: هَذَا حَدِيث حسن، وَقَالَ فِي الثَّانِي هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: وَرِجَاله (إِلَى) ابْن عقيل رجال الصَّحِيح؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن وَاصل بن عبد الْأَعْلَى وَهُوَ من فرسَان مُسلم، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ (و) مطين (عَن) يَحْيَى بن آدم، وَهُوَ من فرسَان الصَّحِيحَيْنِ (وَالسّنَن) ، عَن الْحسن بن صَالح وَهُوَ من فرسَان مُسلم، وَابْن عقيل قد أسلفنا حَاله فِي الْوضُوء وَابْن حزم (يحْتَج بِهِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي الأول: حسن مَا أرَى إِسْنَاده بِمُتَّصِل، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن (الْحُسَيْن) بن مُحَمَّد بن أبي معشر، نَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الصَّواف، نَا أَبُو عَاصِم، عَن سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن جده جرهد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر بِهِ وَقد كشف فَخذه، فَقَالَ: غطها فَإِنَّهَا عَورَة» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي كتاب اللبَاس من «مُسْتَدْركه» عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْموصِلِي، ثَنَا عَلّي بن حَرْب، نَا سُفْيَان، عَن سَالم أبي النَّضر، عَن زرْعَة بن مُسلم بن جرهد، عَن جده جرهد «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أبصره، وَقد انْكَشَفَ فَخذه فِي الْمَسْجِد وَعَلِيهِ بردة، فَقَالَ: إِن الْفَخْذ من الْعَوْرَة» . ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، ثمَّ ذكر لَهُ شَوَاهِد. وَرَوَاهُ يَحْيَى بن معِين عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» عَن ابْن عُيَيْنَة، قَالَ يَحْيَى: ونا سُفْيَان أَيْضا، عَن سَالم أبي النَّضر، سَمعه من زرْعَة بن مُسلم بن جرهد «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بجرهد هَذَا، وَقد انْكَشَفَ فَخذه فَقَالَ: غطها فَإِن الْفَخْذ عَورَة» . وَقَالَ أَبُو أُميَّة بن يعْلى: عَن أبي الزِّنَاد، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن سُلَيْمَان بن جرهد، عَن جرهد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهِ وَهُوَ كاشف فَخذيهِ» . وَرَوَاهُ مُوسَى بن هَارُون الْحَافِظ من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن جرهد، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر عَلَيْهِ وَهُوَ كاشف عَن فَخذه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 فَقَالَ: غطها؛ فَإِنَّهَا من الْعَوْرَة» . (قَالَ) ابْن الْقطَّان ثمَّ صَاحب «الإِمَام» : لهَذَا الحَدِيث عِلَّتَانِ: إِحْدَاهمَا: الِاضْطِرَاب الْمُورث سُقُوط (الثِّقَة) بِهِ، وَذَلِكَ أَنهم يَخْتَلِفُونَ فِيهِ: فَمنهمْ من يَقُول: زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن، وَمِنْهُم من يَقُول: زرْعَة بن عبد الله، وَمِنْهُم من يَقُول: زرْعَة بن مُسلم، ثمَّ من هَؤُلَاءِ من يَقُول: عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أَبِيه، عَن جرهد، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن زرْعَة، عَن آل جرهد [عَن جرهد] عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَإِن كنت لَا أرَى الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد عِلّة. فَأَما ذَلِك إِذا كَانَ من يَدُور عَلَيْهِ الحَدِيث ثِقَة، فَحِينَئِذٍ لَا (يظْهر) اخْتِلَاف النقلَة عَنهُ إِلَى مُسْند ومرسل، أَو رفع، أَو وقف، أَو وصل، أَو قطع. وَأما إِذا كَانَ الَّذِي يضطرب عَلَيْهِ جَمِيع هَذَا أَو بعضه غير ثِقَة أَو غير مَعْرُوف، فالاضطراب حِينَئِذٍ يكون زِيَادَة فِي وهنه، وَهَذِه حَالَة هَذَا الْخَبَر، وَهَذِه الْعلَّة (الثَّانِيَة) ؛ وَذَلِكَ أَن زرْعَة وأباه غير (معروفي) الْحَال وَلَا مشهوري الرِّوَايَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 قلت: بلَى هما معروفان، قَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» : فِي التَّابِعين زرْعَة بن [عبد الرَّحْمَن] بن جرهد الْأَسْلَمِيّ من أهل الْمَدِينَة، يروي عَن جرهد، (رَوَى) عَنهُ أَبُو الزِّنَاد وَسَالم أَبُو النَّضر. قَالَ: وَمن زعم أَنه زرْعَة بن مُسلم بن جرهد فقد وهم. (قَالَ) : وَقد رَوَى قَتَادَة، عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن رَاشد بن [حُبَيْش] ، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَفِي (التذهيب) مُخْتَصر التَّهْذِيب: زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن بن جرهد الْأَسْلَمِيّ، وَقيل: اسْم أَبِيه مُسلم رَوَى عَن أَبِيه، عَن جده «الْفَخْذ عَورَة» ، وَعنهُ سَالم (أَبُو) النَّضر، وَأَبُو الزِّنَاد وَهُوَ ثِقَة كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ. وَأما وَالِده عبد الله بن جرهد فَذكره ابْن حبَان أَيْضا فِي «ثقاته» وَقَالَ: رَوَى عَنهُ ابْن عقيل إِن كَانَ (حفظه) . وَقد حسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه كَمَا مر، (و) عبد الرَّحْمَن بن جرهد رَوَى عَنهُ مَعَ ابْنه ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ الإِمَام، وَأخرج الحَدِيث من جِهَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ، (و) قد علم شدَّة تحريه فِي الرِّجَال. ونختم الْكَلَام عَلَى ذَلِك بخاتمتين: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 الأولَى: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : أصلح هَذِه الْأَحَادِيث حَدِيث عَلّي، وَحَدِيث مُحَمَّد بن (جحش) قلت: وَفِي تَقْدِيمه عَلَى حَدِيث جرهد وَقْفَة لما علمت من حَاله، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» : حَدِيث أنس أسْند، وَحَدِيث جرهد أحوط حَتَّى يُخرج من اخْتلَافهمْ يُشِير إِلَى حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: «حُسرِ الْإِزَار عَن فَخذ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الثَّانِيَة: حَكَى الْخَطِيب فِي الرجل الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة» ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: جرهد بن خويلد الْأَسْلَمِيّ. ثَانِيهَا: قبيصَة بن مُخَارق الْهِلَالِي. ثَالِثهَا: معمر بن عبد الله بن نَضْلَة (الْعَدوي) ، وَقد أسلفنا (فِيمَا) مَضَى التَّصْرِيح بِهَذَا (وَالْأول) ، وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «إِيضَاح الْإِشْكَال» : هُوَ يعِيش بن طخفة (الْغِفَارِيّ) . فَقَالَ: الرجل الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة» من رِوَايَة حبيب بن أبي ثَابت، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس مَعَ الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي إسناديهما، قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر عَلَى رجل - وَهُوَ يعِيش الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 بن (طخفة) الْغِفَارِيّ - قَالَ: وَقيل غير ذَلِك. الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يقبل الله صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ رَوَوْهُ كلهم من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَ الْحَاكِم: وأظن أَنَّهُمَا لم يخرجَاهُ لخلاف فِيهِ عَلَى قَتَادَة، ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تقبل صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار» . وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» أَيْضا بِلَفْظ: «لَا يقبل الله صَلَاة امْرَأَة قد حَاضَت إِلَّا بخمار» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا عَن ابْن خُزَيْمَة بِهِ سَوَاء، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن قَتَادَة، عَن ابْن سِيرِين، عَن صَفِيَّة بنت الْحَارِث، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَعَن قَتَادَة مَوْقُوفا. وَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَهِشَام بن حسان، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 عَن ابْن سِيرِين مُرْسلا، عَن عَائِشَة أَنَّهَا نزلت عَلَى صَفِيَّة حدثتها بذلك ووقفا الحَدِيث، وقولهما أشبه بِالصَّوَابِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (بعد أَن) رَوَى هَذَا الحَدِيث: قَالَ ابْن أبي عَاصِم: أَرَادَ بِالْحيضِ: الْبلُوغ. قلت: لابد من ذَلِك فَإِنَّهُ؛ لم يرد بِهِ الْمَرْأَة (الَّتِي) هِيَ فِي أَيَّام حَيْضَتهَا؛ فَإِن الْحَائِض لَا تصح صلَاتهَا بِوَجْه من الْوُجُوه، (وَمِمَّا) يُوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يقبل الله من امْرَأَة صَلَاة حَتَّى تواري زينتها، وَلَا من جَارِيَة بلغت الْمَحِيض حَتَّى (تختمر) » . قَالَ الطَّبَرَانِيّ لم يروه عَن الْأَوْزَاعِيّ إِلَّا عَمْرو بن هَاشم الْبَيْرُوتِي، تفرد بِهِ (إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل) بن عبد الْأَعْلَى (الْأَيْلِي) . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: رُوِيَ «لَا يقبل الله صَلَاة امْرَأَة تحيض إِلَّا بخمار» . فوضح أَن المُرَاد بالحائض من بلغت، سميت حَائِضًا لبلوغها سنّ (الْحيض) ، وَمن عبر بِأَن المُرَاد (بالحائض) الَّتِي بلغت سنّ الْحيض فَفِيهِ تساهل؛ لِأَنَّهَا قد تبلغ سنّ الْحيض وَلَا تبلغ الْبلُوغ الشَّرْعِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 قَالَ الْبَيْهَقِيّ (وَفِي) هَذَا الحَدِيث كالدلالة عَلَى توجه الْفَرْض عَلَيْهَا إِذا بلغت بِالْحيضِ. ثمَّ التَّقْيِيد بالحائض جَرَى مجْرى الْغَالِب، وَهِي أَن الَّتِي دون الْبلُوغ لَا تصلي وَإِلَّا فَلَا تقبل صَلَاة المميزة إِلَّا بخمار، ثمَّ لَا يخْفَى تَخْصِيص الحَدِيث بِالْحرَّةِ؛ فَإِن الْأمة تصح صلَاتهَا مكشوفة الرَّأْس. الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن أبي أَيُّوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا فَوق الرّكْبَة وَدون السُّرَّة عَورَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سعيد بن رَاشد، عَن عباد بن كثير، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي أَيُّوب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: (مَا فَوق الرُّكْبَتَيْنِ من الْعَوْرَة، وَمَا أَسْفَل السُّرَّة من الْعَوْرَة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِهَذَا الطَّرِيق من جِهَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف فسعيد بن رَاشد، وَعباد بن كثير مَتْرُوكَانِ، وَضَعفه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (بِسَعِيد) فَقَالَ: سعيد بن رَاشد ضَعِيف، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بهما فَقَالَ: إنَّهُمَا مَتْرُوكَانِ، وَكَذَا صَاحب «الإِمَام» فَقَالَ: قيل فِي كل مِنْهُمَا إِنَّه مَتْرُوك. قلت: وَقَالَ ابْن عدي فِي سعيد: أَنه لَا يُتَابِعه عَلَى رِوَايَته أحد. قلت: وَعباد بن كثير اثْنَان فِي طبقَة وَاحِدَة: أَحدهمَا: الرملى وَالْجُمْهُور عَلَى تَركه، وَالثَّانِي: الثَّقَفِيّ، قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ، وَقَالَ (ابْن عدي) : الرَّمْلِيّ خير من الْبَصْرِيّ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : وَمن الْعلمَاء من ذهب إِلَى أَنَّهُمَا وَاحِد؛ وَلَيْسَ كَذَلِك. الحَدِيث التَّاسِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَورَة الرجل مَا بَين سرته وركبته» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة، نَا دَاوُد، نَا عباد، عَن أبي عبد الله الشَّامي، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَورَة (الرجل) مَا بَين سرته إِلَى ركبته» . وَذكر مَعَه أَحَادِيث، وَدَاوُد هَذَا هُوَ (ابْن) المحبر - بحاء مُهْملَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة - صَاحب كتاب (الْعقل) وَقد ضَعَّفُوهُ. وَأما يَحْيَى بن معِين فَقَالَ: ثِقَة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: شبه الضَّعِيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث أَحْمد بن الْمِقْدَام، عَن أَصْرَم بن حَوْشَب، عَن إِسْحَاق بن وَاصل، عَن أبي جَعْفَر الباقر، عَن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «مَا بَين السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة عَورَة» . ذكره فِي فَضَائِل عبد الله بن جَعْفَر، وَهُوَ حَدِيث مُنكر. أَصْرَم بن حَوْشَب مُتَّهم تَركه البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ يَحْيَى: كَذَّاب خَبِيث. وَإِسْحَاق بن وَاصل هَالك. قَالَ الْأَزْدِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث زائغ لَا جرم قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» : أَظن هَذَا الحَدِيث مَوْضُوعا، وَقَالَ فِي «مِيزَانه» : إِسْحَاق بن وَاصل، عَن أبي جَعْفَر الباقر من الهلكى، من بلاياه الَّتِي أوردهَا الْأَزْدِيّ مَرْفُوعا «من السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة عَورَة» ، وَهُوَ رِوَايَة أَصْرَم وَلَيْسَ بِثِقَة عَنهُ، وَهُوَ هَالك. قلت: وَلما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» بِلَفْظ الْحَاكِم قَالَ: تفرد بِهِ أَبُو الْأَشْعَث أَحْمد بن الْمِقْدَام عَن الأصرم. قلت: وَأَبُو الْأَشْعَث هَذَا من فرسَان البُخَارِيّ، وَإِن لين لأجل مزاحه. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أبي حَمْزَة سوار بن دَاوُد الْمُزنِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 (: (مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع (سِنِين) ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر سِنِين، وَفرقُوا (بَينهم) فِي الْمضَاجِع» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث (وَكِيع) عَن دَاوُد بن سوار الْمُزنِيّ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وَزَاد «وَإِذا زوج أحدكُم خادمه عَبده أَو أجيره، فَلَا ينظر إِلَى مَا دون السُّرَّة وَفَوق الرّكْبَة» . ثمَّ قَالَ: وهم (وَكِيع) فِي اسْمه، (قَالَ:) وَرَوَى عَنهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَة سوار الصَّيْرَفِي. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بالسند الْمَذْكُور من طَرِيقين لَفظه فِي أَحدهمَا بعد «وَفرقُوا (بَينهم) فِي الْمضَاجِع، وَإِذا زوج أحدكُم عَبده (أَو) أمته أَو أجيره، فَلَا (تنظر الْأمة إِلَى شَيْء من عَوْرَته) ، فَإِن تَحت السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة من الْعَوْرَة» . وَلَفظه فِي الثَّانِي بعد «فِي الْمضَاجِع» : «وَإِذا زوج الرجل مِنْكُم عَبده أَو أجيره، فَلَا يرين مَا بَين ركبته وسرته، فَإِن مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 بَين سرته وركبته (من عَوْرَته) » . قلت: وسوار بن دَاوُد الْمَذْكُور وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يُتَابع عَلَى أَحَادِيثه يعْتَبر بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِلَفْظ أبي دَاوُد الْمُتَقَدّم، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون، ثَنَا الْوَلِيد، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن عمر بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا زوج أحدكُم عَبده أَو أمته أَو أجيره، فَلَا ينظرن إِلَى عورتها» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة عَن أبي دَاوُد إِذا قرنت بِهَذِهِ، دلنا عَلَى أَن المُرَاد بِالْحَدِيثِ نهي السَّيِّد عَن النّظر إِلَى عورتها إِذا زَوجهَا، وَأَن عَورَة الْأمة مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَسَائِر طرق الحَدِيث تدل، وَبَعضهَا ينص عَلَى أَن المُرَاد بِهِ نهي الْأمة عَن النّظر إِلَى عَورَة السَّيِّد بَعْدَمَا بلغا النِّكَاح، فَيكون الْخَبَر واردًا فِي مِقْدَار الْعَوْرَة (من الرجل لَا فِي بَيَان قدرهَا) من الْمَرْأَة، ثمَّ ذكر بعد (ذَلِك) للْحَدِيث ألفاظًا أُخر، فَمِنْهَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ السالف وَمِنْهَا «وَإِذا زوج أحدكُم خادمه من عَبده أَو أجيره، فَلَا ينظرن إِلَى شَيْء من عَوْرَته فَإِن كل شَيْء أَسْفَل من سرته إِلَى ركبته من عَوْرَته» . وَمِنْهَا «وَإِذا زوج أحدكُم أمته عَبده أَو أجيره، فَلَا (تنظر) إِلَى عَوْرَته، والعورة مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة» . ثمَّ قَالَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 آخر الْبَاب: فَأَما حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، فقد اخْتلف فِي مَتنه فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد عَلَيْهِ فِي عَورَة الْأمة، وَإِن كَانَ يصلح الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ يَعْنِي: فَيكون (الحَدِيث) واردًا فِي عَورَة الرجل. تَنْبِيه: بيض النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَالْمُنْذِرِي لحَدِيث أبي سعيد السالف (بَيَاضًا) وَلم يعزياه، (و) قَالَ بعض مَشَايِخنَا فِي بعض مصنفاته: إِنَّه لم يجده، وَلَا حَدِيث أبي أَيُّوب السالف أَيْضا، وَقد وجدناهما بِحَمْد الله وَمِنْه، (فاستفد) ذَلِك. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الْمَرْأَة تصلي فِي درع وخمار (من غير إِزَار؟) فَقَالَ: لَا بَأْس؛ إِذا كَانَ الدرْع سابغًا يغطى ظُهُور قدميها» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» (من حَدِيث أم سَلمَة) مَوْقُوفا عَلَيْهَا، عَن مُحَمَّد بن زيد بن قنفد، عَن (أمه) : «أَنَّهَا سَأَلت أم سَلمَة مَاذَا تصلي فِيهِ الْمَرْأَة من الثِّيَاب؟ [فَقَالَت] : تصلي فِي الْخمار، والدرع السابغ؛ إِذا غيبت ظُهُور قدميها» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي، عَن مَالك هَكَذَا ثمَّ قَالَ: ثَنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 مُجَاهِد بن مُوسَى، نَا عُثْمَان بن عمر، نَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار، عَن مُحَمَّد بن زيد؛ بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: «عَن أم سَلمَة أَنَّهَا سَأَلت رَسُول (أتصلى الْمَرْأَة فِي درع وخمار لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَار؟ قَالَ: إِذا كَانَ الدرْع سابغًا يُغطي ظُهُور قدميها» . ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الحَدِيث مَالك بن أنس، وَبكر بن (مُضر) ، وَحَفْص بن غياث، وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، وَابْن أبي ذِئْب، وَابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن زيد، عَن [أمه] ، عَن أم سَلمَة لم يذكر أحد مِنْهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قصروا بِهِ عَلَى أم سَلمَة. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : إِنَّه الصَّحِيح، وَأَن بَعضهم رَفعه. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا الحَدِيث فِي رَفعه مقَال؛ وَهُوَ أَن عبد الرَّحْمَن بن دِينَار ضعفه يَحْيَى، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ، قَالَ: وَالظَّاهِر أَنه غلط فِي رَفعه، ثمَّ اسْتدلَّ بِكَلَام أبي دَاوُد السالف. وَلَك أَن تَقول: عبد الرَّحْمَن وَإِن ضعفه يَحْيَى وَأَبُو حَاتِم فَلم يثبتا سَبَب ضعفه، وَقد وَثَّقَهُ (غَيرهمَا) وَهُوَ من فرسَان البُخَارِيّ (فالرفع) إِذن زِيَادَة من ثِقَة، وَقد علم مَا فِيهِ لَا جرم أَن الْحَاكِم أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» ، عَن أبي الْوَلِيد الْفَقِيه، نَا مُحَمَّد بن نعيم، نَا مُجَاهِد. كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. قلتُ: فيحتج بِهَذَا الْمَرْفُوع و (بالموقوف) أَيْضا لاعتضاده بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد حكايته كَلَام أبي دَاوُد السالف: فِيهِ (مَعَ) هَذَا الْمُرْسل قَول من ذَكَرْنَاهُمْ من الصَّحَابَة فِي بَيَان (مَا) أَبَاحَ الله من الزِّينَة الظَّاهِرَة، قَالَ: فَصَارَ القَوْل بذلك قويًّا. (وَالله سُبْحَانَهُ الْمُوفق للصَّوَاب) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الرجل يَشْتَرِي الْأمة: لَا بَأْس أَن ينظر إِلَيْهَا إِلَّا إِلَى الْعَوْرَة، وعورتها مَا بَين معقد إزَارهَا إِلَى (ركبتها» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَقَالَ (فِي) إِسْنَاده: لَا تقوم بِمثلِهِ الْحجَّة. قَالَ: وَعِيسَى بن مَيْمُون - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - ضَعِيف. قلت: بل مَتْرُوك، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. زَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 ابْن حبَان: لَا يحْتَج بروايته، وَقَالَ ابْن مهْدي: استعديت عَلَيْهِ، فَقلت: مَا هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تحدث عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة؟ ! قَالَ: لَا أَعُود. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ أَيْضا عَن حَفْص بن عمر، عَن صَالح (بن حسان) ، عَن مُحَمَّد بن كَعْب - أَي: عَن ابْن عَبَّاس - وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف - يَعْنِي: صَالح بن حسان - كَمَا بَينه فِي «الْمعرفَة» . وَقَالَ البُخَارِيّ فِي (حَقه) مُنكر الحَدِيث. وَنسبه ابْن طَاهِر إِلَى الْكَذِب، وَلَفظ هَذِه الرِّوَايَة: «لَا بَأْس أَن يقلب الرجل الْجَارِيَة إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا، وَينظر إِلَيْهَا مَا خلا عورتها، وعورتها بَين (ركبتها) (إِلَى) معقد إزَارهَا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب البيع من «سنَنه» بِلَفْظ: «من أَرَادَ شِرَاء جَارِيَة أَو اشْتَرَاهَا، فَلْينْظر إِلَى جَسدهَا كلهَا إِلَّا عورتها، وعورتها مَا بَين معقد إزَارهَا إِلَى ركبتها» . ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ حَفْص بن عمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 قَاضِي حلب وَهُوَ ضَعِيف. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب «أَحْكَام النّظر» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح من طريقيه فَلَا معرج عَلَيْهِ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل أصيد أفأصلِّي فِي الْقَمِيص الْوَاحِد؟ قَالَ: نعم وازرره وَلَو بشوكة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، عَن العطاف بن خَالِد المَخْزُومِي، وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن أبي ربيعَة، عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا نَكُون فِي الصَّيْد؛ أفيصلي أَحَدنَا فِي الْقَمِيص الْوَاحِد؟ قَالَ: نعم وليزرره و (لَو) لم يجد إِلَّا أَن (يخله بشوكة) » . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن حَمَّاد بن خَالِد، عَن أَيُّوب بن عتبَة، عَن إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع، عَن أَبِيه «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أكون فِي الصَّيْد فأصلي وَلَيْسَ عَلّي إِلَّا قَمِيص وَاحِد؟ قَالَ: فازرره و (لَو) لم تَجِد إِلَّا شَوْكَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الدَّرَاورْدِي كَمَا ذكره المُصَنّف سَوَاء. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث العطاف بن خَالِد؛ بِلَفْظ «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي لأَكُون فِي (الصَّفّ) وَلَيْسَ عَلّي إِلَّا الْقَمِيص أفأصلي فِيهِ؟ قَالَ: (ازرره) عَلَيْك وَلَو بشوكة» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الدَّرَاورْدِي؛ بِلَفْظ «يَا رَسُول الله، إِنِّي (أكون) فِي الصَّيْد وَلَيْسَ عَلّي إِلَّا قَمِيص وَاحِد. قَالَ: فازرره (وَلَو) بشوكة» . وَرَوَاهُ شَيْخه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه؛ بِلَفْظ: «يَا رَسُول الله أكون فِي الصَّيْد فتحضر الصَّلَاة وَعلي قَمِيص. قَالَ: شده وَلَو بشوكة» . وَفِي لفظ لَهُ: «أكون فِي الصَّيْد وَلَيْسَ عَلّي إِلَّا قَمِيص وَاحِد أَو جُبَّة (وَاحِدَة) فأزره؟ قَالَ: نعم وَلَو بشوكة» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من الْوَجْه الْمَذْكُور بِهَذَا اللَّفْظ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 إِلَّا أَن فِي رِوَايَته: «فأشده» ، أَو قَالَ: «فازرره» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مديني صَحِيح؛ فَإِن مُوسَى هَذَا - يَعْنِي: الَّذِي يرويهِ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع - هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم (التَّيْمِيّ أَخُو مُحَمَّد) وَلم يخرجَاهُ. قلت: وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: وَيذكر عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (يزره) وَلَو بشوكة» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده نظر. وأسنده فِي «تَارِيخه الْكَبِير» من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن أَبِيه، عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم، عَن أَبِيه، عَن سَلمَة (بن الْأَكْوَع) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالْأول أصح - يَعْنِي: رِوَايَة الْجَمَاعَة لَهُ - عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم، عَن سَلمَة. قلت: وَمَا ذكره الْحَاكِم (فِي) مُوسَى أَنه [ابْن] إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رِوَايَة الشَّافِعِي السالفة تخَالفه؛ (إِذْ) فِيهَا أَنه مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي ربيعَة وَكَذَا قَالَه عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» فَإِنَّهُ لما رَوَى الحَدِيث من طَرِيق أبي دَاوُد وَفِيه مُوسَى قَالَ: إِنَّه ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي، ثمَّ أتبعه بقول البُخَارِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 السالف: فِي إِسْنَاده نظر. لَكِن تعقبه ابْن الْقطَّان وَقَالَ: هَذَا خطأ؛ فَإِنَّهُ مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ الْمَذْكُور فِي حَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ: «صل فِي الْقوس» الَّذِي قَالَ فِيهِ عبد الْحق: إِنَّه مُنكر الحَدِيث، قَالَ: وَبَيَان غلطه: أَن الحَدِيث ذكره الطَّحَاوِيّ من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن أَبِيه، عَن سَلمَة الْمَذْكُور فِي الحَدِيث؛ فَهَذَا الدَّرَاورْدِي قد بَين أَن الَّذِي حَدثهُ بِهِ هُوَ مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، وَزَاد إِنَّمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه، عَن سَلمَة، فَحَدِيث أبي دَاوُد (عَلَى هَذَا) مُنْقَطع. فَإِن قلت: وَلَعَلَّ الدَّرَاورْدِي عِنْده فِيهِ عَن الرجلَيْن، عَن المَخْزُومِي، عَن سَلمَة، وَعَن التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن سَلمَة. قُلْنَا: هَذَا يحْتَمل وَلَكِن لَا (يُصَار) إِلَيْهِ لمُجَرّد الِاحْتِمَال، وَلَا يجْزم إِلَّا بِأَن الَّذِي حَدثهُ بِهِ التَّيْمِيّ، وَإنَّهُ بَينه وَبَين سَلمَة فِيهِ وَاحِد وَهُوَ أَبوهُ، وَقد ذكر البرقاني مُوسَى بن إِبْرَاهِيم هَذَا فَذكر عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: هُوَ مُوسَى بن (مُحَمَّد) بن إِبْرَاهِيم كَمَا قُلْنَا وَذكر عَن أَحْمد أَنه كره الرِّوَايَة عَنهُ، وَهَذَا كُله هُوَ النّظر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ. قلت: وَكَذَا جزم بِأَنَّهُ مُوسَى هَذَا الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ لما أخرجه فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب من طَرِيق أبي دَاوُد قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عطاف بن خَالِد كِلَاهُمَا عَن مُوسَى بِهِ. ثمَّ أتبعه بِأَن قَالَ: ومُوسَى هَذَا ضَعِيف. قلت: فَكيف يكون حسنا عَلَى مَا صدرت بِهِ أَولا؟ فَلَو سلم أَنه المَخْزُومِي فَإِنَّهُ ثِقَة (كَذَا) ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي التَّابِعين، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس حَكَاهُ عَنهُ صَاحب «الإِمَام» . فَائِدَة: قد أسلفنا أَنه جَاءَ فِي رِوَايَة «إِنَّا نَكُون فِي (الصَّيْد) » وعزى ابْن الْأَثِير فِي شَرحه للمسند إِلَيْهِ أَيْضا «فِي (الصَّيْد) » . قَالَ: وَجَاء فِي حَوَاشِي بعض نسخ أبي دَاوُد بِخَط الْمَقْدِسِي: «إِنِّي رجل أصيد» - بِسُكُون الصَّاد وَفتح الْيَاء - وَهُوَ الَّذِي فِي رقبته عِلّة تمنع من الِالْتِفَات. قَالَ: وَلَيْسَ بِمَعْرُوف فِي كتاب أبي دَاوُد إِلَّا بِكَسْر الصَّاد من الصَّيْد، وَجمع بَين الرِّوَايَات فَقَالَ: إِن صحت رِوَايَة النَّسَائِيّ «فِي الصَّيف» وَلم تكن تحريفًا من الكتبة والرواة، فَيمكن أَن يخرج لَهَا وَجه وَهُوَ أَن الصَّيف مَظَنَّة الْحر وَالْكرب، وَلَا سِيمَا فِي الْحجاز، وَلَا يُمكنهُ أَن يكثر من اللبَاس فَيقْتَصر عَلَى الْقَمِيص وَحده، وَيتْرك الْإِزَار والسراويل هربًا من الْحر، (فاستفتاه عَن صِحَة الصَّلَاة فِي الْقَمِيص الْوَاحِد حَيْثُ لم يُمكنهُ أَن يلبس مَعَه غَيره من شدَّة الْحر) » قَالَ: (وَمَعْنى) رِوَايَة فِي الصَّفّ أَنه يكون يُصَلِّي فِي جمَاعَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا قَمِيص وَاحِد فَرُبمَا بَدَت عورتُه من (جنبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 لمن) يجاوره من (الْجَمَاعَة) فِي الصَّفّ، فاستفتى عَن الصَّلَاة فِيهِ. وَأما رِوَايَة ذكر الصَّيْد، فتشبه أَن يكون خصص ذكر الْقَمِيص بِحَالَة الصَّيْد لأمرين: أَحدهمَا: أَن الصَّائِد (قد) يحْتَاج أَن يكون (حِينَئِذٍ) خَفِيفا لَيْسَ عَلَيْهِ من الثِّيَاب مَا يشْغلهُ، و (يثقله) ليسرع فِي عدوه خلف الصَّيْد؛ وَلِأَن الْإِزَار والسراويل خَاصَّة تمنعان من التَّمَكُّن والإسراع فِي الْعَدو لالتفافهما عَلَى الْفَخْذ والساق فَيقْتَصر الصَّائِد عَلَى قَمِيص وَاحِد لذَلِك. الثَّانِي: أَنه يشبه أَن يكون أَرَادَ بِهِ السُّؤَال عَن الصَّلَاة فِي الْقَمِيص الَّذِي يكون عَلَيْهِ حَالَة الصَّيْد، وَمَا يَنَالهُ من دم الصَّيْد، ويترتش عَلَيْهِ مِنْهُ عِنْد ذبحه أَو تخليصه من الْكَلْب وَنَحْو ذَلِك فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: «نعم» كَأَنَّهُ عَفا عَمَّا يكون قد نَالَ ثَوْبه من ذَلِك. ثمَّ إِنَّه لما أفتاه نبَّهه عَلَى الأهم الَّذِي هُوَ أعنى بِهِ من أَمر صلَاته الْوَاجِب عَلَيْهِ الْمَشْرُوط فِي صِحَّتهَا ستر الْعَوْرَة فَقَالَ: «وليزرره عَلَيْهِ وَلَو بشوكة» ثمَّ استبعد هَذَا الْوَجْه؛ لِأَن دم الصَّيْد وَمَا يجرى مجْرَاه غير مَعْفُو عَنهُ فِي الصَّلَاة، وَهُوَ كَمَا استبعد. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام الْآدَمِيّين، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وتلاوة الْقُرْآن» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 هَذَا الحَدِيث صَحِيح. وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ قَالَ: «بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ عطس رجل من الْقَوْم. فَقلت: يَرْحَمك الله، فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ، فَقلت: واثكل أمِّياه مَا شَأْنكُمْ تنْظرُون إِلَيّ فَجعلُوا يضْربُونَ بِأَيْدِيهِم عَلَى أَفْخَاذهم؛ فَلَمَّا رَأَيْتهمْ يصمتونني (لكني) سكت، فَلَمَّا صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فبأبي (هُوَ) وَأمي مَا رَأَيْت معلِّمًا قبله وَلَا بعده أحسن تَعْلِيما مِنْهُ، فوَاللَّه مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن» . أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الحَدِيث. فِيهِ طول، وَهُوَ من أَفْرَاده بل لم يخرج البُخَارِيّ عَن مُعَاوِيَة ابْن الحكم شَيْئا. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَا يحل» مَكَان: «لَا يصلح» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان «إِنَّمَا هِيَ» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «إِنَّمَا هُوَ الصَّلَاة وَالتَّسْبِيح والتحميد وَقِرَاءَة الْقُرْآن» . أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَائِدَة: الثكل - بِضَم الثَّاء وَفتحهَا - فقدان الْمَرْأَة وَلَدهَا. وأمياه - بِكَسْر الْمِيم ثمَّ يَاء. والكهر: النَّهْر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله يحدث من أمره مَا شَاءَ، وَإِن مِمَّا أحدث أَلا تتكلموا فِي الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا نسلم عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الصَّلَاة فَيرد علينا وَيَأْمُر بحاجتنا، فَقدمت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت (عَلَيْهِ) فَلم يرد عَلّي السَّلَام، فأخذني مَا قدم وَمَا حدث، فَلَمَّا قضي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الصَّلَاة قَالَ: إِن الله يحدث من أمره مَا شَاءَ، وَإِن الله سُبْحَانَهُ قد أحدث أَلا (تكلمُوا) فِي الصَّلَاة فَرد عَلَيْهِ السَّلَام» قَالَ أَبُو عمر فِي «تمهيده» : من ذكر فِي هَذَا الحَدِيث [أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ فِي حِين رُجُوعه من أَرض الْحَبَشَة] : «إِن الله أحدث أَلا (تكلمُوا) فِي الصَّلَاة» . فقد وهم وَلم يقل ذَلِك غير عَاصِم وَهُوَ عِنْدهم سيئ الْحِفْظ كثير الْخَطَأ، وَالصَّحِيح من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه لم يكن إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، و (بهَا) نهي عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة. قَالَ: وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 ابْن مَسْعُود بِمَا يُوَافق حَدِيث (زيد) بن أَرقم وَهُوَ الصَّحِيح؛ لِأَن سُورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة، وَتَحْرِيم الْكَلَام كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد مَا أخرج هَذَا الحَدِيث فِي «الْمعرفَة» من جِهَة الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن عَاصِم بن أبي النجُود، عَن أبي وَائِل، عَن ابْن مَسْعُود مَعَ اخْتِلَاف لَفظه؛ وَفِيه «فأخذني مَا قرب وَمَا بعد ... » هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ (سُفْيَان) عَن عَاصِم بن أبي النجُود. وتداوله الْفُقَهَاء مِنْهُم، إِلَّا أَن صَاحِبي الصَّحِيح يتوقيان رِوَايَة عَاصِم لسوء حفظه، (ووجدا) الحَدِيث من طَرِيق آخر عَلّي شَرطهمَا بِبَعْض مَعْنَاهُ، فأخرجاه دون حَدِيث عَاصِم. قلت: (وَهُوَ أحد) حَدِيثهمَا عَنهُ: «كُنَّا نسلم عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد علينا» فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَلّي، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله كُنَّا نسلِّم عَلَيْك فِي الصَّلَاة فَترد علينا. فَقَالَ: إِن فِي الصَّلَاة شغلًا» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (قَالَ) «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعَصْر، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 وَسلم من رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ فَقَالَ: كل ذَلِك لم يكن، [فَقَالَ:] أصدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نعم. (فَأَتمَّ) مَا بَقِي من صلَاته وَسجد للسَّهْو» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ إِلَى قَوْله: «لم يكن» فَقَالَ: «قد كَانَ بعض ذَلِك يَا رَسُول الله، فَأقبل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى النَّاس فَقَالَ: أصدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نعم يَا رَسُول الله. فأتمَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا بَقِي من الصَّلَاة، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس بعد التَّسْلِيم» . وَفِي رِوَايَة: «من صَلَاة الظّهْر» بدل: «الْعَصْر» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما رجعت من الْحَبَشَة صلَّيتُ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعطس بعض الْقَوْم فَقلت: يَرْحَمك الله، فحدقني النَّاس بِأَبْصَارِهِمْ، فَقلت: مَا شَأْنكُمْ تنْظرُون إِلَى؟ ! فَضربُوا بِأَيْدِيهِم عَلَى أَفْخَاذهم، يسكتونني فَسكت، فَلَمَّا فرغ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: يَا مُعَاوِيَة؛ إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف قَرِيبا، لَكِن لَيْسَ فِيهِ «لما رجعت من الْحَبَشَة» فِي طَرِيق من الطّرق. وَقد أخرجه مَعَ مُسلم أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَأَبُو عوَانَة وَالْبَيْهَقِيّ، وَإِنَّمَا الموجودُ فِيهَا: «بَينا أَنا أصلِّى مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ عطس رجل من الْقَوْم ... » ثمَّ ذكرُوا الحَدِيث كَمَا سلف. نعم هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود كَمَا سلف قَرِيبا، بل لم أجد (أحدا) ذكر مُعَاوِيَة بن الحكم فِي (مهاجرة) الْحَبَشَة، وَقد اعتنى أَيْضا الْمَقْدِسِي بتعداد من هَاجر إِلَى الْحَبَشَة من كَلَام ابْن إِسْحَاق فَلم يذكرهُ فيهم. فَائِدَة: قَوْله: حدقني هُوَ - بحاء ثمَّ دَال مهملتين وَالدَّال مُخَفّفَة - كَذَا وَقع فِي النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَأبي عوَانَة وَالْبَيْهَقِيّ. وَلَفظ مُسلم «رماني الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ» ، واستشكلت رِوَايَة «حدقني» كَمَا ذكرته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث «المهذَّب» مَعَ الْجَواب عَنْهَا. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْكَلَام ينْقض الصَّلَاة، وَلَا ينْقض الْوضُوء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث جَابر كَذَلِك، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 حَدِيث ضَعِيف؛ لأجل أبي شيبَة الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فَإِنَّهُ ضَعِيف. قَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. وَقد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ: فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ أَيْضا بِلَفْظ «الضحك» بدل «الْكَلَام» . وَفِيه مَعَ ذَلِك يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدَّالاني وَقد علمت حَاله فِي (الْأَحْدَاث) . الحَدِيث الثَّامن بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: إِحْدَاهَا: من طَرِيق ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله وضع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَابْن حبَان فِي [ (صَحِيحه) ] وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ «تجَاوز الله عَن أمتِي الْخَطَأ ... .» إِلَى آخِره. وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ باللفظين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ «إِن الله تبَارك وَتَعَالَى تجَاوز لأمتي ... » إِلَى آخِره. قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: جود إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بشر بن بكر، وَهُوَ من الثِّقَات. قَالَ: وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ، فَلم يذكر فِي إِسْنَاده عبيد بن عُمَيْر - يَعْنِي رَاوِيه عَن ابْن عَبَّاس، يَعْنِي: وَبشر بن بكر (رَوَاهُ) ، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، (عَن عبيد بن عُمَيْر) ، عَن ابْن عَبَّاس. هَذَا كَلَامه. وَجَائِز أَن يكون عَطاء سَمعه أَولا من عبيد بن عُمَيْر، عَن ابْن عَبَّاس، ثمَّ (لقى) ابْن عَبَّاس (فَسَمعهُ) مِنْهُ فَحدث (بِهِ) عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: تَارَة عَن عبيد، عَن ابْن عَبَّاس، وَتارَة عَن ابْن عَبَّاس. وَكَذَلِكَ، الْأَوْزَاعِيّ يجوز أَن يكون سَمعه من عَطاء عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَحدث بِهِ كَذَلِك وَلما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الرّبيع بن سُلَيْمَان، عَن بشر بن بكر بِهِ، بِلَفْظ: «إِن الله تجَاوز ... » إِلَى آخِره. قَالَ: تفرد بِهِ الرّبيع وَلم يروه عَن الْأَوْزَاعِيّ إِلَّا بشر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 قلت: (قد) رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم كَمَا مر، وَفِي علل (ابْن) أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «إِن الله عَزَّ وَجَلَّ وضع عَن أمتِي ... » إِلَى آخِره فَقَالَ: (هَذَا) حَدِيث مُنكر كَأَنَّهُ مَوْضُوع، وَلم يسمعهُ الْأَوْزَاعِيّ (عَن) عَطاء، إِنَّمَا سَمعه من رجل لم يسمه أتوهم أَنه عبد الله بن عَامر، أَو إِسْمَاعِيل بن مُسلم، قَالَ: وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث وَلَا يثبت إِسْنَاده. وَفِي «علل الإِمَام أَحْمد» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن (مصفى) الشَّامي، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ، وَعَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان» . وَعَن الْوَلِيد، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مثله فَأنكرهُ جدًّا وَقَالَ: لَيْسَ يرْوَى فِيهِ إِلَّا عَن الْحسن، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن الله تجَاوز عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . وَفِي لفظ: «وضع الله عَن أمتِي» . رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَقَالَ: قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: تفرد بِهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن مَالك وَهُوَ غَرِيب صَحِيح، وَقد أسلفنا عَن الإِمَام أَحْمد أَنه أنكرهُ جدًّا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس وَقد أسلفناه عَنهُ. وَحَدِيث الْوَلِيد عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مثله، وَحَدِيث الْوَلِيد أَيْضا عَن ابْن لَهِيعَة، عَن مُوسَى بن وردان، عَن عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا مثله، فَقَالَ: هَذِه أَحَادِيث مُنكرَة كَأَنَّهَا مَوْضُوعَة، وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» : أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا أَخْطَأت، أَو نسيت، أَو استكرهت عَلَيْهِ» . فَقَالَ [رَوَاهُ] أَبُو عقيل يَحْيَى بن المتَوَكل، وَاخْتلف عَلَيْهِ: فَقيل: عَنهُ عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَقيل: عَنهُ عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، وَهُوَ بِعَبْد الله أشبه (مِنْهُ) بعبيد الله. قلت: (وَرَوَاهُ) الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك من حَدِيث (سوَادَة) بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام، وَيَقُول: إِنِّي تجاوزت عَن أمتك ثَلَاث خِصَال: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . ثمَّ قَالَ الْخَطِيب: (سوَادَة) مَجْهُول، والْحَدِيث مُنكر عَن مَالك. قلت: وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الْإِقْرَار من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُصَفَّى، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن مَالك بِهِ؛ بِلَفْظ «وضع عَن أمتِي (الْخَطَأ) » إِلَى آخِره. قَالَ: كَذَلِك (رَوَاهُ) مُحَمَّد بن سعيد المنبجي، عَن مُحَمَّد بن الْمُصَفَّى، وَالْمَحْفُوظ عَن الْوَلِيد [عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 الْأَوْزَاعِيّ] عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس. وَعَن الْوَلِيد، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن مُوسَى بن وردان، عَن عقبَة بن عَامر كِلَاهُمَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا سلف. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا توسوس بِهِ صدورها، مَا لم تعْمل بِهِ أَو تَتَكَلَّم بِهِ، وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك عَن هِشَام بن عمار، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن مسعر، عَن قَتَادَة، عَن زُرَارَة بن أَوْفَى عَنهُ، (و) هَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله فِي الصَّحِيح، وَإِن تكلم أَبُو حَاتِم فِي هِشَام بن عمار وَقَالَ: إِنَّه صَدُوق (و) قد تغير فَكَانَ كلما لقن تلقن. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حدث بأرجح من أَرْبَعمِائَة حَدِيث لَا أصل لَهَا. فَهُوَ من رجال البُخَارِيّ وَترْجم البُخَارِيّ بَاب: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان فِي الطَّلَاق وَنَحْوه. ثمَّ أورد حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته «أَن الله تجَاوز لأمتي مَا حدثت بِهِ (أَنْفسهَا) مَا لم تعْمل أَو (تَتَكَلَّم) بِهِ» . الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 تجَاوز عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه؛ وَفِي إِسْنَاده: شهر بن حَوْشَب وَقد تَرَكُوهُ؛ أَي: طعنوا فِيهِ. الطَّرِيق السَّادِس: عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «إِن الله تجَاوز لأمتي عَن النسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَفِيه شهر أَيْضا. الطَّرِيق السَّابِع: عَن يزِيد بن ربيعَة الرَّحبِي الدِّمَشْقِي، عَن أبي الْأَشْعَث، عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا «إِن الله تجَاوز عَن أمتِي ثَلَاثَة: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا. وَيزِيد هَذَا (أَحَادِيثه) مَنَاكِير كَمَا قَالَ البُخَارِيّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. الطَّرِيق الثَّامِن: عَن جَعْفَر بن جسر بن فرقد، حَدثنِي أبي، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة مَرْفُوعا: «رفع الله عَن هَذِه الْأمة ثَلَاثًا: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَالْأَمر يكْرهُونَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن عدي. وجعفر (و) جسر ضعيفان. قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 ابْن عدي: الْبلَاء من جَعْفَر لَا من جسر. وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور (مُرْسلا كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَن خَالِد بن عبد الله، عَن هِشَام، عَن الْحسن، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) قَالَ: «إِن الله عَفى عَنْكُم عَن ثَلَاث (عَن) الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث تكَرر فِي كتب الْفُقَهَاء وَالْأُصُول؛ بِلَفْظ الرّفْع وَقد عَرفته من رِوَايَة ابْن عدي فاستفدها، فقد بحث عَنْهَا بُرْهَة من الزَّمن فَلم تُوجد، وَذكره النَّوَوِيّ فِي «الرَّوْضَة» فِي كتاب الطَّلَاق، بِلَفْظ: «رفع» وَحكم بحسنه، وَقد علمت مَا فِيهِ، وَأَنه بِهَذَا اللَّفْظ ضَعِيف. فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ فِي كتاب «تصاحيف الروَاة» : الْعَامَّة تَقول: النسْيَان عَلَى وزن الغليان، (وَإِنَّمَا) هُوَ بِكَسْر النُّون سَاكِنة السِّين. قَالَ: وَالْخَطَأ مَهْمُوز غير مَمْدُود. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا نَاب أحدكُم شَيْء فِي صلَاته فليسبح؛ فَإِنَّمَا التَّسْبِيح للرِّجَال، والتصفيق للنِّسَاء» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف (ليصلح) بَينهم، فحانت الصَّلَاة، فجَاء المؤذِّن إِلَى أبي بكر فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فأقيم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَصَلى أَبُو بكر فجَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالنَّاس فِي الصَّلَاة فتخلص حَتَّى وقف فِي الصَّفّ فصفَّق النَّاس، وَكَانَ أَبُو بكر لَا يلفت فِي (الصَّلَاة) ، فَلَمَّا أَكثر النَّاس التصفيق الْتفت فَرَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن امْكُث مَكَانك، فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله عَلَى مَا أمره بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (من ذَلِك) ، ثمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بكر حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفّ وَتقدم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصَلى بهم ثمَّ انْصَرف فَقَالَ: يَا أَبَا بكر مَا مَنعك أَن تثبت (إِذْ) أَمرتك؟ فَقَالَ أَبُو بكر: مَا كَانَ لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يصلِّي بَين يَدي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَالِي أَرَاكُم أَكثرْتُم (من) التصفيق؛ من نابه شَيْء فِي صلَاته فليسبح فَإِنَّهُ إِذا سبح الْتفت إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فَلْيقل: سُبْحَانَ الله؛ فَإِنَّهُ لَا يسمعهُ أحد [حِين] يَقُول: سُبْحَانَ الله إِلَّا الْتفت» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 وَذكر فِي كتاب الْأَحْكَام أَن تِلْكَ الصَّلاة كَانَت صَلَاة الْعَصْر، وَأَنه عَلَيْهِ السَّلَام ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف بعد مَا صلَّى الظّهْر. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فأَوْمَأ» بدل «فَأَشَارَ» وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا التَّسْبِيح للرِّجَال، والتصفيق للنِّسَاء» زَاد مُسلم «فِي الصَّلَاة» . الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَت لي سَاعَة من السحر أَدخل عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِيهَا) فَإِن كَانَ قَائِما يُصَلِّي سبح بِي فَكَانَ ذَلِك إِذْنه لي، وَإِن لم يكن يُصَلِّي أذن لي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي كتاب الْأَدَب من «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن نجي، عَن عَلّي قَالَ: «كَانَ لي من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مدخلان: مدْخل بِاللَّيْلِ، ومدخل بِالنَّهَارِ؛ فَكنت إِذا أَتَيْته وَهُوَ يُصَلِّي يَتَنَحْنَح لي» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي بكر بن عَيَّاش، نَا مُغيرَة، عَن الْحَارِث العكلي، عَن عبد الله بن نجي، عَن عَلّي: «كنت إِذا دخلت بِاللَّيْلِ يَتَنَحْنَح» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وَرَوَاهُ من حَدِيث جرير، عَن مُغيرَة، عَن الْحَارِث، عَن أبي زرْعَة بن عَمْرو، عَن عبد الله بن نجي، عَن عَلّي: «كَانَ لي من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَاعَة آتيه فِيهَا (إِذا أتيت) اسْتَأْذَنت؛ فَإِن وجدته يُصَلِّي فسبح دخلت، وَإِن وجدته فَارغًا أذن لي» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث شُرَحْبِيل بن مدرك، عَن عبد الله بن نجي، عَن أَبِيه، عَن عَلّي قَالَ: «كَانَت لي منزلَة من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم تكن لأحد من الْخَلَائق، فَكنت آتيه كل سحر فَأَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله، فَإِن تنحنح انصرفت إِلَى أَهلِي، وَإِلَّا دخلت عَلَيْهِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا (الحَدِيث) مُخْتَلف فِي إِسْنَاده وَمَتنه: فَقيل: «سبح» ، وَقيل: «تنحنح» . قَالَ: ومداره عَلَى عبد الله بن نُجَيٍّ الْحَضْرَمِيّ؛ قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. قلت: (و) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَأما النَّسَائِيّ فوثَّقه وَأخرج حَدِيثه هَذَا ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» . نعم فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ الأولَى وَالثَّانيَِة انْقِطَاع توضحِّه رِوَايَته الثَّالِثَة (الَّتِي) فِيهَا ذكر وَالِد عبد الله بن نجي، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: ذكر أبي عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ: قلت ليحيى بن معِين: عبد الله بن نجي سمع من عَلّي؟ قَالَ: لَا بَينه وَبَين عَلّي أَبوهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يُقَال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 إِن (عبد الله) بن نجي لم يسمع هَذَا من عَلّي، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه، عَن عَلّي وَلَيْسَ بِقَوي فِي الحَدِيث. ثمَّ رُوِيَ من حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ، عَن عبد الله بن نجي، عَن عَلّي قَالَ: «كنت آتِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كل غَدَاة؛ فَإِذا تنحنح دخلت، وَإِذا سكت لم أَدخل» . ذكره من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن خَالِد، عَن سُفْيَان، عَن جَابر (بِهِ) ، وَجَابِر قد عرفت حَاله فِي أَوَاخِر الْأَذَان. الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الظّهْر خمْسا، فَلَمَّا تبيَّن الْحَال سجد للسَّهْو وَلم يعد الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلي الظّهْر خمْسا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بعد مَا سلم» ، والسياق للْبُخَارِيّ. الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمل أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ فِي صلَاته» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته؛ كَمَا سلف فِي بَاب الِاجْتِهَاد. الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بقتل الأسودين فِي الصَّلَاة: الْحَيَّة وَالْعَقْرَب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَأحمد فِي «مسنديهما» ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَصَححهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان أَيْضا، وَالْحَاكِم فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث غَرِيب من حَدِيث هِشَام الدستوَائي، عَن معمر (بن) رَاشد، عَن يَحْيَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 بن أبي كثير، تفرد بِهِ عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَنهُ، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن هِشَام، عَن يَحْيَى لم يذكرُوا فِيهِ معمرًا. وَاعْترض الْمُنْذِرِيّ فِي «موافقاته» عَلَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي دَعْوَاهُ تفرد عبد الصَّمد بِهِ، وَقَالَ: فِيهِ نظر، فقد تَابعه أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فَرَوَاهُ عَن هِشَام الدستوَائي، عَن معمر، عَن يَحْيَى رَوَاهُ النَّسَائِيّ، عَن مُحَمَّد بن رَافع، عَن أبي دَاوُد. قلت: وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث زيد بن جُبَير قَالَ: «سَأَلَ رجل ابْن عمر مَا يقتل الرجلُ من الدَّوَابّ وَهُوَ محرم، فَقَالَ: حَدَّثتنِي إِحْدَى نسْوَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه كَانَ يَأْمر بقتل الكَلْب الْعَقُور والفأرة وَالْعَقْرَب والحديا والغراب والحية قَالَ: وَفِي الصَّلَاة أَيْضا» . فَائِدَة: قَوْله: «الْحَيَّة وَالْعَقْرَب» يجوز نصبهما عَلَى الْبَدَل من الأسودين، ورفعهما عَلَى تَقْدِير: وهما «الْحَيَّة وَالْعَقْرَب» . الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ بأذن (ابْن) عَبَّاس وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فأداره من يسَاره إِلَى يَمِينه» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 بِأَلْفَاظ مِنْهَا: «فقمتُ إِلَى جنبه فَوضع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَده الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأخذ بأذني الْيُمْنَى يفتلها (وَمِنْهَا «فَقُمْت إِلَى جنبه الْأَيْسَر، فأخذني بِيَدِهِ فجعلني من شقَّه الْأَيْمن) » . وَمِنْهَا: «فَقُمْت إِلَى جنبه فَقُمْت عَن يسَاره، فأخذني فأقامني عَن يَمِينه» . الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ «دخل أَبُو بكرَة الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الرُّكُوع فَرَكَعَ (خيفة) أَن يفوتهُ الرُّكُوع، ثمَّ خطا خطْوَة (وَدخل الصَّفّ) فَلَمَّا فرغ قَالَ (لَهُ) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: زادك الله حِرْصًا وَلَا تعد» . (هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ) عَن أبي بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه انْتَهَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ رَاكِع، فَرَكَعَ قبل أَن (يصل) إِلَى الصَّفّ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي (فَقَالَ: وزادك الله حرصًا وَلَا تعد» . وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ «أَنه دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَاكِع فَرَكَعَ دون الصَّفّ؛ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: زادك الله حرصًا وَلَا تعد» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد (بِإِسْنَاد صَحِيح) بِلَفْظ: «إِن أَبَا بكرَة جَاءَ وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَاكِع فَرَكَعَ دون الصَّفّ، ثمَّ مَشَى إِلَى الصَّفّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلَاته قَالَ: أَيّكُم الَّذِي ركع دون الصَّفّ ثمَّ مَشَى إِلَى الصَّفّ؟ قَالَ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (زادك) الله حرصًا وَلَا تعد» . وَهَذِه الرِّوَايَة نَحْو رِوَايَة (المُصَنّف) ؛ فَإِن قَوْله: «ثمَّ مَشَى إِلَى الصَّفّ» يتَضَمَّن مَا ذكره من أَنه خطا خطْوَة فَإِنَّهَا أَقَله، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بلفظين: أَحدهمَا: عَن عَنْبَسَة الْأَعْوَر عَن الْحسن: «أَن أَبَا بكرَة دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَاكِع، فَرَكَعَ ثمَّ مَشَى حَتَّى لحق بالصف، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: زادك الله حرصًا وَلَا تعد» . ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن (هَذَا) الْخَبَر تفرد بِهِ عَنْبَسَة (عَن الْحسن) ، ثمَّ أخرجه من حَدِيث [سعيد بن أبي عرُوبَة] ، عَن زِيَاد الأعلم، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة «أَنه دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَاكِع، قَالَ: فركعت دون الصَّفّ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: زادك الله حرصًا وَلَا تعد» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 قلت: ومدار حَدِيث (أبي) بكرَة هَذَا من طَرِيق البُخَارِيّ وَغَيره (عَلَى) الْحسن عَنهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسمع مِنْهُ، (قلت) : لَكِن لَهُ عَنهُ فِي «صَحِيحه» عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا هَذَا، وقصة الْكُسُوف، وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ، لَكِن البُخَارِيّ لَا يَكْتَفِي بِإِمْكَان اللِّقَاء؛ فَلَا بُد أَن يكون ثَبت (عِنْده) سَمَاعه مِنْهُ، وَغَايَة مَا اعتل بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْحسن رَوَى أَحَادِيث عَن الْأَحْنَف بن قيس، عَن أبي بكرَة، وَذَلِكَ لَا يمْنَع من سَمَاعه مِنْهُ مَا أخرجه البُخَارِيّ. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «وَلَا تعد» هُوَ - بِفَتْح التَّاء وَضم الْعين - وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَال: أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ: لَا تعد إِلَى الْإِحْرَام خَارج الصَّفّ. ثَانِيهَا: لَا تعد إِلَى التَّأَخُّر عَن الصَّلَاة إِلَى هَذَا الْوَقْت، (وشكر لَهُ مَعَ ذَلِك) حرصه. قَالَ ابنُ حبَان فِي «صَحِيحه» : أَرَادَ: لَا تعد فِي إبطاء الْمَجِيء إِلَى الصَّلَاة، لَا أَنه أَرَادَ بذلك أَن لَا تعود بعد تكبيرك فِي اللحوق (بِالصَّلَاةِ) . ثَالِثهَا: لَا تعد إِلَى إتْيَان الصَّلَاة مسرعًا. (وَيُؤَيِّدهُ) : رِوَايَة ابْن السكن فِي (صحاحه المأثورة) عَن أبي بكرَة قَالَ: «أُقِيمَت الصَّلَاة فَانْطَلَقت أسعى حَتَّى دخلت فِي الصَّف، فَلَمَّا قَضَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الصَّلَاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 قَالَ: من السَّاعِي آنِفا؟ قَالَ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ: زادك الله حِرْصًا وَلَا تعد» . رَابِعهَا: لَا تعد إِلَى دخولك فِي الصَّفّ وَأَنت رَاكِع، فَإِنَّهَا كمشية الْبَهَائِم؛ قَالَه المهلَّب بن أبي صفرَة. قَالَ ابْن القطَّان فِي «علله» : وَهَذَا هُوَ المُرَاد (فَإِن) فِي مُصَنف حَمَّاد بن سَلمَة عَن الأعلم - هُوَ زِيَاد - عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة «أَنه دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي وَقد ركع فَرَكَعَ، ثمَّ دخل (فِي) الصَّفّ وَهُوَ رَاكِع فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: أَيّكُم دخل (فِي) الصَّفّ وَهُوَ رَاكِع؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ: زادك الله حِرْصًا وَلَا تعد» . قَالَ ابْن الْقطَّان: فتبيَّن بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَن الَّذِي أنكر عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا هُوَ أَن دب رَاكِعا، وَقد كَانَ هَذَا متنازعًا فِيهِ إِلَى أَن تبين أَن هَذَا هُوَ المُرَاد. قلت: لَكِن فِي «الْأَوْسَط» للطبراني من حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء سمع ابْن الزبير عَلَى الْمِنْبَر يَقُول: «إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد وَالنَّاس رُكُوع فليركع حَتَّى يدْخل، ثمَّ يدب رَاكِعا حَتَّى يدْخل فِي الصَّفّ، فَإِن ذَلِك السّنة» . قَالَ عَطاء: وَقد رَأَيْته يصنع ذَلِك، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن وهب، تفرَّد بِهِ حَرْمَلَة وَلَا يرْوَى عَن (ابْن) الزبير إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَلًّمَ (عَلَيْهِ) نفر من الْأَنْصَار، وَكَانَ يرد عَلَيْهِم (السَّلَام) بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن عمر قَالَ: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى قبَاء يُصَلِّي فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَت الْأَنْصَار فسلَّموا عَلَيْهِ فَقلت لِبلَال: كَيفَ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يرد) عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: يَقُول هَكَذَا وَبسط كفَّّه، وَبسط جَعْفَر بن عون كَفه وَجعل بَطنهَا إِلَى أَسْفَل وظهرها إِلَى فَوق» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي فَضَائِل سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، عَن ابْن عمر قَالَ: «دخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَسْجِد بني عَمْرو بن عَوْف وَهُوَ مَسْجِد قبَاء يُصَلِّي فِيهِ؛ فَدخل عَلَيْهِ رجل من الْأَنْصَار يسلمُونَ عَلَيْهِ قَالَ ابْن عمر: وَدخل مَعَهم صُهَيْب فَسَأَلته كَيفَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصنع إِذا سلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَنهُ «قلت لِبلَال: كَيفَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرد عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (عَنهُ) قَالَ: «قلت لِبلَال: كَيفَ (كَانَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرد عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِد بني عَمْرو بن عَوْف؟ قَالَ: كَانَ يرد إِشَارَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَيفَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرد عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ [وَهُوَ فِي الصَّلَاة] ؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. ثمَّ رَوَى (عَن) ابْن عمر، عَن صُهَيْب قَالَ: «مررتُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فسلمتُ عَلَيْهِ فَرد (عَلّي) إِشَارَة وَقَالَ: لَا أعلم إِلَّا أَنه (قَالَ) : أَشَارَ (بإصبعه) » . ثمَّ قَالَ: (هَذَا حَدِيث حسن) . قَالَ: وكلا الْحَدِيثين عِنْدِي صَحِيح؛ لِأَن قصَّة حَدِيث صُهَيْب غير قصَّة حَدِيث بِلَال، وَإِن كَانَ ابْن عمر رَوَى عَنْهُمَا، فَاحْتمل أَن يكون سمع مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَرَوَى الْأَخير أَيْضا أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَرَوَى الأول ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 «سُنَنهمَا» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَسْجِد قبَاء ليُصَلِّي فِيهِ، فَدخل مَعَه رجال يسلمُونَ عَلَيْهِ فَسَأَلت (صهيبًا) وَكَانَ مَعَه كَيفَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصنع إِذا سلم - يَعْنِي: عَلَيْهِ -؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ» . تَنْبِيه: لما ذكر الرَّافِعِيّ هَذِه الْأَخْبَار قَالَ: دلّت هَذَا الْأَخْبَار وَنَحْوهَا عَلَى احْتِمَال الْفِعْل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة، وَمرَاده بقوله: «وَنَحْوهَا» حَدِيث جَابر الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» : بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَاجَة، ثمَّ أَدْرَكته وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيّ» . وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث بعد الْأَرْبَعين من بَاب أَوْقَات الصَّلَاة إِشَارَته أَيْضا فِي حَدِيث أم سَلمَة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة «لما صَلَّى بهم جَالِسا فِي مرض مَوته وَقَامُوا خَلفه، أَشَارَ إِلَيْهِم أَن اجلسوا» . وَفِي مُسلم من حَدِيث جَابر مثله، وَسَيَأْتِي فِي بَاب سُجُود السَّهْو - إِن شَاءَ الله تَعَالَى ذَلِك وَقدره - (أَنه) رَوَى «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مسح الْعرق عَن وَجهه فِي الصَّلَاة، وَقتل عقربًا فِيهَا» . لَكِن إسنادهما ضَعِيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا مرَّ الْمَار بَين يَدي أحدكُم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فليدفعه، فَإِن أَبَى فليدفعه، فَإِن أَبَى فليقاتله؛ فَإِنَّهُ شَيْطَان» . هَذَا الحَدِيث ثَابت هَكَذَا فِي النّسخ الصَّحِيحَة من الرَّافِعِيّ، وَفِي بعض نسخه تكْرَار «فليدفعه» مرّة ثَالِثَة، وَهُوَ غَرِيب كَذَلِك وَالثَّابِت الأول. فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي بَاب: صفة إِبْلِيس وَجُنُوده من كتاب: بَدْء الْخلق، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا مر بَين يَدي أحدكُم شَيْء وَهُوَ يُصَلِّي فليمنعه، فَإِن أَبَى فليمنعه، فَإِن أَبَى فليقاتله؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان» . وَرَوَاهُ مُسلم بِدُونِ تكْرَار «فيمنعه» ، وَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مرّة أُخْرَى كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ كَمَا ستعلمه عَلَى الإثر (وَالله أعلم) . الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا صَلَّى أحدكُم إِلَى شَيْء يستره من النَّاس، فَأَرَادَ أحد أَن يجتاز بَين يَدَيْهِ فليدفعه فَإِن أَبَى فليقاتله؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان» . قَالَ الرَّافِعِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 كَمَا قَالَ وَقد رَوَاهُ مُسلم أَيْضا. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» : رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم عَن مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه. الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا صَلَّى أحدكُم فليجعل تِلْقَاء وَجهه شَيْئا، فَإِن لم يجد فلينصب عَصا، فَإِن لم يكن مَعَه عَصا فليخطَّ خطًّا ثمَّ لَا يضرّهُ مَا مر بَين يَدَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، وَأحمد فِي «الْمسند» ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابيه) الْمعرفَة» و «السّنَن» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة (، عَن أبي مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن جده حُرَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ) أَحْمد، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن مُسَدّد، عَن بشر بن الْمفضل، عَن إِسْمَاعِيل. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 بن فَارس، عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ (عَن) سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن (بكر) بن خلف [عَن] حميد بن الْأسود (و) عَن عمار بن (خَالِد) ، عَن سُفْيَان بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان، عَن أبي يعْلى، عَن أبي خَيْثَمَة [عَن سُفْيَان] عَن إِسْمَاعِيل بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي يعْلى، عَن [مُحَمَّد] بن الصَّباح الدُّولابي، عَن مُسلم بن خَالِد، [عَن إِسْمَاعِيل ابْن أُميَّة] عَن أبي مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد، عَن أبي بَحر، عَن بشر بن مُوسَى، عَن الْحميدِي، عَن سُفْيَان كَمَا سلف. وَاخْتلف الْحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث: فصححه جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد وَعلي بن الْمَدِينِيّ نَقله عَنْهُمَا ابْن عبد الْبر فِي (استذكاره) وَعبد الْحق فِي «أَحْكَامه» ، وَمِنْهُم أَبُو حَاتِم بن حبَّان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 كَمَا سلف ثمَّ قَالَ: عَمْرو بن حُرَيْث هَذَا شيخ من أهل الْمَدِينَة رَوَى عَنهُ سعيد المَقْبُري، وَابْنه أَبُو مُحَمَّد يروي عَن جده. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِعَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي ذَاك لَهُ صُحْبَة، وَهَذَا عَمْرو بن حُرَيْث بن عمَارَة من بني عذرة سمع أَبُو مُحَمَّد عَمْرو بن حُرَيْث جدَّهُ حُرَيْث (بن عمَارَة) ، عَن أبي هُرَيْرَة، وَذكره أَيْضا فِي «ثقاته» فَقَالَ: عَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي الَّذِي رَوَى عَن (ابْن) عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَرَوَى عَنهُ سعيد بن سعيد المَقْبُري وَأهل مصر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رَفعه صَحِيح، قَالَ ذَلِك بعد أَن ذكر الِاخْتِلَاف (فِي إِسْنَاده وَفِي «أَحْكَام عبد الْحق» و) «إقليد» ابْن الفركاح عَنهُ (أَنه) رَوَى حَدِيث الصَّلَاة (إِلَى) الْخط عَن أبي هُرَيْرَة من طرق؛ وَلَا تصح وَلَا تثبت. قلت: وَضَعفه آخَرُونَ. رَوَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لم نجد شَيْئا نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث، و (لم) يجِئ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قلت لِسُفْيَان: إِنَّهُم يَخْتَلِفُونَ فِيهِ بَعضهم يَقُول: أَبُو عَمْرو بن مُحَمَّد، وَبَعْضهمْ يَقُول: أَبُو مُحَمَّد بن عَمْرو (فتفكَّر سُفْيَان سَاعَة، ثمَّ قَالَ: مَا أحفظ إِلَّا أَبَا مُحَمَّد بن عَمْرو. قلت لِسُفْيَان: وَابْن جريج يَقُول: أَبُو مُحَمَّد بن عَمْرو) فَسكت سُفْيَان سَاعَة، ثمَّ قَالَ: قدم هُنَا رجل بعد مَا مَاتَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، فَطلب هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد حَتَّى وجده (فَسَأَلَهُ) عَنهُ فخلط عَلَيْهِ. قَالَ سُفْيَان: وَكَانَ إِسْمَاعِيل إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث يَقُول: عنْدكُمْ شَيْء تشدونه بِهِ وَأَشَارَ الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى ضعفه وَقد كَانَ احْتج بِهِ فِي الْقَدِيم وَسنَن حَرْمَلَة، وَتوقف فِيهِ فِي الْجَدِيد فَقَالَ فِي (كتاب) الْبُوَيْطِيّ: وَلَا يخط المصلِّي بَين يَدَيْهِ خطًّا، إِلَّا أَن يكون فِي ذَلِك حَدِيث ثَابت، فَيتبع. فَكَأَنَّهُ اطلع بعد ذَلِك عَلَى مَا نقل من الِاخْتِلَاف فى إِسْنَاده. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث قد أَخذ بِهِ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، وَسنَن حَرْمَلَة، وَتوقف فِيهِ فِي الْجَدِيد. قَالَ: وَإِنَّمَا توقف فِيهِ لاخْتِلَاف الروَاة عَلَى إِسْمَاعِيل بن أُميَّة فِي أبي مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث؛ فَقيل هَكَذَا، وَقيل: عَن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث، عَن جده، وَقيل: عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، وَقيل غير ذَلِك. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : صحّح أَحْمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ هَذَا الحَدِيث، وضعَّفه غَيرهمَا من أجْلِ رِوَايَة أبي عَمْرو بن مُحَمَّد (بن عَمْرو) بن حُرَيْث، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد بدل أبي عَمْرو، عَن جده حُرَيْث، وَلم يقل مَالك وَلَا أَبُو حنيفَة وَلَا اللَّيْث بالخطِّ، ثمَّ نقل مقَالَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة عَنهُ، و (لما) ذكر ابْن الصَّلاح فِي علومه نوع المضطرب وَقَالَ: إِنَّه مُوجب ضعف الحَدِيث؛ لإشعاره بِعَدَمِ الضَّبْط، مَثَّلَهُ بِالْحَدِيثِ، وَقَالَ: رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث، عَن جده حُرَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة. فَرَوَاهُ بشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 بن الْمفضل وروح بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل هَكَذَا، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ (عَنهُ) ، عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ حميد بن الْأسود (عَن إِسْمَاعِيل) ، عَن أبي عَمْرو مُحَمَّد بن حُرَيْث بن سليم، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ وهيب وَعبد الْوَارِث، عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث، عَن جدِّه حُرَيْث. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج: سمع إِسْمَاعِيل عَن حُرَيْث بن عمَارَة. قَالَ: وَفِيه من الِاضْطِرَاب أَكثر من هَذَا. قلت: من صحَّحه كَأَنَّهُ لم ير هَذَا الِاضْطِرَاب قادحًا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «إِذا صَلَّى أحدكُم فَليصل إِلَى شَجَرَة، أَو إِلَى بعير، فَإِن لم يجد، فليخط خطا، ثمَّ لَا يضرّهُ من مر وَرَاءه» . قَالَ: وَرَوَى أَيْضا (مَوْقُوفا عَلَى) أبي هُرَيْرَة، والْحَدِيث لَا يثبت. وَضَعفه من الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح المهذَّب» : هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَغَيره: إِنَّه ضَعِيف، ثمَّ نقل كَلَام الْبَيْهَقِيّ السالف فِيهِ، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ غير الْبَيْهَقِيّ: هُوَ ضَعِيف لاضطرابه، وَقَالَ فِي «خلاصته» : قَالَ الْحفاظ: (هُوَ ضَعِيف لاضطرابه، وَذكره الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب وَضَعفه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ) وَلَا بَأْس بِالْعَمَلِ بِهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 الحَدِيث فِي هَذَا الحكم - إِن شَاءَ الله - أَي يخْتَار مَشْرُوعِيَّة الْخط عِنْد عدم الستْرَة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار؛ لِأَنَّهُ وَإِن لم يثبت الحَدِيث فَفِيهِ تَحْصِيل حَرِيم للْمُصَلِّي. قَالَ: وَقد اتّفق الْعلمَاء عَلَى الْعَمَل بِالْحَدِيثِ (الضَّعِيف) فِي فَضَائِل الْأَعْمَال دون الْحَلَال وَالْحرَام، وَهَذَا من نَحْو فَضَائِل الْأَعْمَال. فَائِدَة: اخْتلف الْعلمَاء فِي كَيْفيَّة الْخط: فَقَالَ الإِمَام أَحْمد والْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وَصَاحب الشَّافِعِي: يَجعله مثل الْهلَال. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : سَمِعت مُسَددًا يَقُول: قَالَ (ابْن) دَاوُد: الْخط (بالطول) ، وَقَالَ صَاحب الْمُهَذّب: يخط بَين يَدَيْهِ خطا إِلَى الْقبْلَة، وَقَالَ غَيره: يخط يَمِينا وَشمَالًا كالجنازة. تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ بعد هَذَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي خبر أبي هُرَيْرَة - يَعْنِي هَذَا -: «ثمَّ لَا يضرّهُ مَا مر بَين يَدَيْهِ» من العلامات الْمَذْكُورَة انْتَهَى. وَقَوله من الْعَلامَة الْمَذْكُورَة لَيْسَ فِي متن الحَدِيث وَإِن كَانَ هُوَ المُرَاد فاعلمه. (وَالله أعلم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 الحَدِيث [1] الْأَرْبَعُونَ صَحَّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «لَو يعلم المارُّ بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خيرا لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي (الْجُهَيْم) الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَّا قَوْله: «من الْإِثْم» . فَإِنَّهَا للْبُخَارِيّ فِي بعض رِوَايَات أبي ذَر، عَن أبي الْهَيْثَم، وَرَوَاهَا عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه أَيْضا. قَالَ أَبُو النَّضر: لَا أَدْرِي أقَال أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شهرا أَو سنة. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِدُونِ أَنه من قَول (أبي) النَّضر وَزِيَادَة: «أَو سَاعَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «لِأَن يقف أحدكُم مائَة عَام خير لَهُ من أَن يمر بَين (يَدَيْهِ) » . قلت: أخرجه ابْن مَاجَه بِمَعْنَاهُ، وَصَححهُ ابْن حبَان وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 «الْأَسْمَاء والكنى» لأبي بشر الدولابي الْحَافِظ من حَدِيث أبي رزين الغافقي رَفعه «الَّذِي يمر بَين يَدي أَخِيه وَهُوَ يُصَلِّي مُتَعَمدا يتمنَّى يَوْم الْقِيَامَة لَو كَانَ شَجَرَة يابسة» . فَائِدَة: (خيرا) رُوِيَ بِالنّصب وَالرَّفْع؛ عَلَى أَنه اسْم كَانَ أَو خَبَرهَا. تَنْبِيهَانِ: الأول: لما نقل ابْن الصّلاح فِي «مشكله» عَن العِجْلي أَن فِي البُخَارِيّ «مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم» . تعقبه بِأَن قَالَ: لَيْسَ فِيهِ لفظ «الْإِثْم» تَصْرِيحًا، وَلَكِن ترْجم البُخَارِيّ وَغَيره عَلَيْهِ بِبَاب إِثْم الْمَار، وَسِيَاق الحَدِيث دَال عَلَى عظم الْإِثْم فِيهِ، وَالْأَمر بقتاله دَال عَلَيْهِ أَيْضا. هَذَا كَلَامه، وَقد علمت أَنه فِيهِ فِي بعض الطّرق عَنهُ فَلَا اعْتِرَاض إِذن عَلَى الْعجلِيّ (وَقد تَابعه النَّوَوِيّ عَلَى هَذَا الذهول فِي «شرح الْمُهَذّب» وَعَزاهَا للرهاوي فِي أربعينه) . الثَّانِي: وَقع فِي «الْكِفَايَة» (لِابْنِ) الرّفْعَة عزو حَدِيث «لِأَن يقف أحدكُم مائَة عَام خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدي أَخِيه وَهُوَ يُصَلِّي» إِلَى مُسلم وَهُوَ عَجِيب؛ فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ أصلا، وَقد (رَأَيْته) فِي «الْمطلب» اعتذر عَن ذَلِك فَقَالَ: كَذَا قلت فِيهَا، وَلم أره فِي هَذَا الْموضع فلعلي قلَّدت فِي نسبته إِلَيْهِ غَيْرِي، أَو هُوَ فِي غير هَذَا الْموضع. قلت: لَيْسَ هُوَ فِيهِ أصلا فاعلمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين عَن أبي صَالح (السمان) قَالَ: «رَأَيْت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ فِي يَوْم الْجُمُعَة يُصَلِّي إِلَى شَيْء يستره من النَّاس فَأَرَادَ شَاب من بني معيط أَن يجتاز بَين يَدَيْهِ فَدفع أَبُو سعيد فِي صَدره، فَنظر الشَّاب فَلم يجد مساغًا إِلَّا بَين يَدَيْهِ، فَعَاد ليجتاز فَدفعهُ أَبُو سعيد أشدَّ من الأولَى فنال من أبي سعيد، ثمَّ دخل عَلَى مَرْوَان فَشَكا إِلَيْهِ مَا لَقِي من أبي سعيد، وَدخل أَبُو سعيد خَلفه عَلَى مَرْوَان، فَقَالَ: مَا لَك وَلابْن أَخِيك يَا أَبَا سعيد؟ فَقَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: إِذا صَلَّى أحدكُم إِلَى شَيْء يستره من النَّاس ... » وَذكر الحَدِيث الْمُتَقَدّم. قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، وَهُوَ كَمَا قَالَ فقد أخرجه (البُخَارِيّ) فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي «صَحِيحه» بِنَحْوِهِ (وَالله أعلم بِالصَّوَابِ) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ربط ثُمَامَة بن أَثَال فِي الْمَسْجِد قبل إِسْلَامه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 مطولا قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَيْلًا قبل نجد، فَجَاءَت بِرَجُل من بني حنيفَة يُقَال لَهُ: ثُمَامَة بن أَثَال، فربطوه بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد فَخرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أطْلقُوا ثُمَامَة. فَانْطَلق إِلَى نخلٍ قريبٍ من الْمَسْجِد فاغتسل، ثمَّ دخل الْمَسْجِد فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، و (أشهد) أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله» . فَائِدَة: ثُمَامَة - بالثاء الْمُثَلَّثَة - والثمام: نبت ضَعِيف لَهُ خوص أَو شَبيه بالخوص، الْوَاحِدَة: ثُمَامَة؛ (وَبِه سمي) الرجل (قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ: وأُثَال - بِضَم الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة - اسْم جبل؛ قَالَ: وَبِه سمي الرجل) . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قدم عَلَيْهِ وَفد ثَقِيف فأنزلهم فِي الْمَسْجِد، وَلم يسلمُوا بعد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» بِإِسْنَاد حسن من رِوَايَة الْحسن بن أبي الْحسن (الْبَصْرِيّ) ، عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَشْعَث عَن الْحسن مُرْسلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 قلتُ: أخرجه كَذَلِك أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن (عبيد الله) بن معَاذ، ثَنَا أبي، نَا أَشْعَث، عَن الْحسن «أَن وَفد ثَقِيف أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَضرب لَهُم (قبَّة) فِي مؤخَّر الْمَسْجِد؛ لينظروا إِلَى صَلَاة الْمُسلمين إِلَى ركوعهم وسجودهم فَقيل: يَا رَسُول الله، أنزلتهم فِي الْمَسْجِد وهم مشركون؟ فَقَالَ: إِن الأَرْض لَا تنجس، إِنَّمَا ينجس ابْن آدم» . وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيد، عَن عَطِيَّة بن [سُفْيَان] حَدثنَا وفدنا الَّذين قدمُوا عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْلَام ثَقِيف قَالَ: «وَقدمُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَان، فَضرب عَلَيْهِم قبَّة فِي الْمَسْجِد فَلَمَّا أَسْلمُوا صَامُوا مَا بَقِي عَلَيْهِم من الشَّهْر» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين (أَن الْكفَّار كَانُوا يدْخلُونَ مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ويطيلون الْجُلُوس وَلَا شكّ أَنهم كَانُوا يجنبون) . هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ (بِالطورِ) فِي الْمغرب» زَاد البُخَارِيّ «فَلَمَّا بلغ هَذِه الْآيَة: (أم خلقُوا من غير شَيْء) إِلَى قَوْله (المسيطرون) كَاد قلبِي (أَن) يطير» . وَذكره فِي الْمَغَازِي مُخْتَصرا وَقَالَ فِيهِ: (وَذَلِكَ أول) مَا وقر الْإِيمَان فِي قلبِي» . وَذكر فِي طَرِيق أُخْرَى: «أَنه كَانَ جَاءَ فِي أُسَارى بدر - يَعْنِي فِي فدائهم) وللبرقاني: (وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك) » . (وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «أَنه أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي فدَاء الْمُشْركين) وَمَا أسلم يَوْمئِذٍ، فَدخلت الْمَسْجِد وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي الْمغرب فَقَرَأَ بِالطورِ فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي حِين سَمِعت الْقُرْآن» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «أتيت الْمَدِينَة فِي فدَاء بدر (قَالَ) : وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك فدخلتُ الْمَسْجِد ... » الحَدِيث. وَرَوَى الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان: «أَن مُشْركي قُرَيْش حِين أَتَوا الْمَدِينَة فِي فدَاء أَسْرَاهُم كَانُوا يبيتُونَ فِي الْمَسْجِد مِنْهُم جُبَير بن مُطْعم (قَالَ جُبَير:) فَكنت أسمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 قِرَاءَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَهَذَا مُرْسل. وَفِي أبي دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن الْيَهُود أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد فِي أَصْحَابه فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم (مَا تَقول) فِي رجل وَامْرَأَة زَنَيَا مِنْهُم» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» «قصَّة الْيَهُودِيّ الَّذِي دخل الْمَسْجِد وفاوضه ثمَّ قَالَ (: مَا يمنعك أَن تتبعني؟ فَذكر أَن الْيَهُود يَزْعمُونَ أَن النُّبُوَّة فِي أَوْلَاد إِسْحَاق ... » الحَدِيث. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَثَلَاثَة: أَحدهَا: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عصر بثرة (عَلَى) وَجهه ودلك بَين أصبعيه بِمَا خرج مِنْهَا وَصَلى وَلم يعد (الْعَصْر) » . وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: «وعصر ابْن عمر بثرة فَخرج مِنْهَا دم وَلم يتَوَضَّأ» . وأسنده ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «مَعْرفَته» من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، عَن التَّيْمِيّ، عَن بكر بن عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 قَالَ: «رَأَيْت ابْن عمر عصر بَثْرَة فِي وَجهه فَخرج مِنْهَا (شَيْء من دم فَحَكَّه بَين أصبعيه ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: أَنا رجل، عَن حميد الطَّوِيل، عَن بكر بن عبد الله قَالَ: (رَأَيْت ابْن عمر عصر بَثْرَةً بِوَجْهِهِ فَخرج مِنْهَا) الدَّم فدلك بَين أَصَابِعه ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يغسل يَده» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : قد اتهمَ الرجل الَّذِي رَوَى عَنهُ فَهُوَ عندنَا مَجْهُول، قَالَ: وَالْأول إِسْنَاده صَحِيح عِنْدهم. ثَانِيهَا: عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَنه قَالَ: «فِي قَوْله تَعَالَى: (خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد) أَن المُرَاد بهَا الثِّيَاب» وَهَذَا مَشْهُور، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ غَيره. ثَالِثهَا: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «رَأَى أمة سترت وَجههَا فَمنعهَا من ذَلِك، وَقَالَ: أتشتهين أَن تشبهي بالحرائر» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث نَافِع أَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد (حدثته) قالتْ: «خرجت امْرَأَة مختمرة متجلببة فَقَالَ عمر: من هَذِه الْمَرْأَة؟ فَقيل لَهُ: هَذِه جَارِيَة لفُلَان - رجل من بنيه - فَأرْسل إِلَى حَفْصَة فَقَالَ: مَا حملك عَلَى أَن تخمري هَذِه الْمَرْأَة وتجلببيها وتشبهيها بالمحصنات حَتَّى هَمَمْت أَن أقع بهَا لَا أحسبها إِلَّا من الْمُحْصنَات؟ لَا تشبهوا (الْإِمَاء) بالمحصنات» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: والْآثَار عَن عمر فِي ذَلِك صَحِيحَة، وَإِنَّمَا تدل عَلَى (أَن) رَأسهَا، أَو رَأسهَا ورقبتها، وَيظْهر مِنْهَا فِي حَال (المهنة) فَلَيْسَ (بِعَوْرَة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 بَاب سُجُود السَّهْو ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فَأَرْبَعَة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بهم الظّهْر فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين وَلم يجلس، فَقَامَ النَّاس مَعَه حَتَّى إِذا قَضَى الصَّلَاة وانتظر النَّاس تَسْلِيمه كبر وَهُوَ جَالس فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم (ثمَّ سلم) » . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ فِي صَلَاة (الظّهْر) وَعَلِيهِ جُلُوس، (فَلَمَّا) أتم (صلَاته) سجد سَجْدَتَيْنِ، وَكبر فِي كل سَجْدَة وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم، وسجدهما النَّاس مَعَه مَكَان مَا نسي من الْجُلُوس» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «صَلَّى لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكْعَتَيْنِ من بعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 الصَّلَوَات، ثمَّ قَامَ فَلم يجلس، فَقَامَ النَّاس (مَعَه) فَلَمَّا قَضَى صلَاته، ونظرنا تَسْلِيمه، كبر فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم» . وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) : «صَلَّى لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة [من الصَّلَوَات] ، فَقَامَ من اثْنَتَيْنِ، فسبح بِهِ، فَمَضَى حَتَّى فرغ من صلَاته، وَلم يبْق إِلَّا (السَّلَام) ، سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح (مُفَسّر) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الظّهْر خمْسا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك، وَزِيَادَة أَنه سجد للسَّهْو بَعْدَمَا سلم، وَقد سلف فِي أَوَاخِر الْبَاب قبله أَيْضا. الحَدِيث الثَّالِث (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ، وَمَضَى إِلَى نَاحيَة الْمَسْجِد وراجع ذَا الْيَدَيْنِ، وَسَأَلَ الصَّحَابَة فَأَجَابُوا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 وَذكر فِي الْبَاب أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (سلم) فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ، وَتكلم، واستدبر الْقبْلَة، وَمَشى، وَلم يزدْ عَلَى سَجْدَتَيْنِ، وَهَذَا الحَدِيث اتفقَا عَلَى إِخْرَاجه أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِحْدَى صَلَاتي الْعشي، إِمَّا الظّهْر وَإِمَّا الْعَصْر فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أَتَى جذعًا فِي قبْلَة الْمَسْجِد واستند إِلَيْهَا مغضبًا وَفِي الْقَوْم أَبُو بكر وَعمر، فَهَابَا أَن يتكلما، وَخرج سرعَان النَّاس، (فَقَالُوا) : قصرت الصَّلَاة. فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ فَنظر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَمِينا، وَشمَالًا، فَقَالَ: مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: صدق، لم تصل إِلَّا رَكْعَتَيْنِ. فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، وَسلم ثمَّ كبر، ثمَّ سجد، ثمَّ كبر فَرفع، ثمَّ كبر وَسجد، ثمَّ كبر وَرفع» . قَالَ: وأخبرت عَن عمرَان بن حُصَيْن أَنه قَالَ: «وَسلم» هَذَا لفظ مُسلم. وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فَقَامَ إِلَى خَشَبَة معروضة فِي الْمَسْجِد، فاتكأ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَان، وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبك بَين أَصَابِعه، وَوضع خَدّه الْأَيْمن عَلَى ظهر كَفه الْيُسْرَى، وَخرجت (سرعَان النَّاس) من أَبْوَاب الْمَسْجِد فَقَالُوا: قصرت الصَّلَاة، وَقَالَ فِيهِ: يَا رَسُول الله، أنسيت أم قصرت الصَّلَاة؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 قَالَ: لم أنس، وَلم تقصر. فَقَالَ: أكما يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نعم، فَتقدم فَصَلى مَا ترك، ثمَّ سلم، ثمَّ كبر، وَسجد مثل سُجُوده، أَو أطول، ثمَّ رفع وَكبر» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: أَنَّهَا صَلَاة الظّهْر، وفيهَا (فَقَامَ رجل من بني سليم، يُقَال لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ) . وَفِي رِوَايَة لَهُ أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر، وَأَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لذِي الْيَدَيْنِ: (كل ذَلِك لم يكن. فَقَالَ: قد كَانَ بعض ذَلِك يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «بل قد نسيت» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد الصَّحِيح فَقَالَ: «صدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَأَوْمَئُوا أَي: نعم» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلم يذكر «فَأَوْمَئُوا» إِلَّا حَمَّاد بن زيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم يبلغنَا إِلَّا من جِهَة أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عبيد، عَن حَمَّاد، [وهم] ثِقَات أَئِمَّة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 حَدِيث عمرَان بن الْحصين، نَحْو حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَأَنه سلم فِي ثَالِثَة الْعَصْر، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي «شرح الْعُمْدَة» فَليُرَاجع مِنْهُ. وَمن الْأَعَاجِيب مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي «كَامِله» من حَدِيث ابْن معِين: ثَنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا لَيْث [عَن] ابْن وهب عَن عبد الله الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ سُجُود السَّهْو» . قَالَ ابْن عبد الْبر: وَكَانَ ابْن شهَاب يَقُول: إِذا عرف الرجل مَا نسي من صلَاته فأتمها لَيْسَ (عَلَيْهِ) سجدتا السَّهْو لهَذَا الحَدِيث. وَقَالَ مُسلم فِي «التَّمْيِيز» قَول ابْن شهَاب إِنَّه لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ خطأ وَغلط. وَقد ثَبت سُجُوده من رِوَايَة الثِّقَات ابْن سِيرِين وَغَيره. قلت: وَفِي مُسْند السراج أَن سَلمَة بن عَلْقَمَة قَالَ لِابْنِ سِيرِين: (أبالتشهد) قَالَ: لم أسمع فِيهِ شَيْئا وَأحب لي أَن أَتَشهد، وَهَذَا ابْن عمر قَالَ: إِنَّه لم يسْجد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (قَالَ) : «لَا سَهْو إِلَّا فِي قيام عَن جُلُوس، أَو جُلُوس عَن قيام» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة يَحْيَى بن صَالح، عَن أبي بكر الْعَنسِي - بالنُّون - عَن يزِيد، بن (أبي) حبيب، عَن سَالم بن عبد الله بن عمر، (عَن أَبِيه) ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا سَهْو فِي وثبة (الإِمَام) إِلَّا قيام عَن جُلُوس أَو جُلُوس عَن قيام» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ - وَخَالفهُ الْبَيْهَقِيّ (فَقَالَ) فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ أَبُو بكر الْعَنسِي، وَهُوَ مَجْهُول. وَتوقف فِيهِ الْحَافِظ عبد الْحق فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» كتبت هَذَا الْإِسْنَاد - يَعْنِي: السالف - حَتَّى أسأَل عَن أبي بكر (هَذَا) انْتَهَى. وَعَن ابْن عدي أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه مَجْهُول، لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير عَن الثِّقَات، رَوَى عَنهُ بَقِيَّة وَيَحْيَى الوُحَاظي. قلت: فينكر إِذن عَلَى الْحَاكِم تَصْحِيحه، لَا جرم ذكر النَّوَوِيّ هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 الحَدِيث فِي فصل الضَّعِيف من «خلاصته» ، وَنقل عَن الْبَيْهَقِيّ وَغَيره أَنهم قَالُوا: تفرد (بِهِ) أَبُو بكر الْعَنسِي (وَهُوَ مَجْهُول قَالَ: وغلطوا الْحَاكِم فِي دَعْوَاهُ صِحَة إِسْنَاده قَالَ: والعنسي) - بالنُّون - قلت: (وَثمّ آخر مَجْهُول يُقَال لَهُ: أَبُو بكر الْعَنسِي أَيْضا يروي عَن عمر ذكره فِي «الْمِيزَان» ) وَيَحْيَى بن صَالح الَّذِي رَوَى هَذَا الحَدِيث عَنهُ من فرسَان الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ ثِقَة، وَإِنَّمَا تكلم فِيهِ لتجهُّمه. الحَدِيث الْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل الْفِعْل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة، وَرخّص فِيهِ وَلم يسْجد للسَّهْو وَلَا أَمر بِهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. فقد صَحَّ عَنهُ: «حمله أُمَامَة فِي الصَّلَاة» ، «وَأمر بقتل الأسودين فِيهَا» وَقد أسلفنا وَسلف أَيْضا فِي الْبَاب قبله حَدِيث ضرب الأفخاذ فِي حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ، وَحَدِيث (تَأَخّر) الصّديق فِي الصَّلَاة، وَحَدِيث مسح الْحَصَى مسحة وَاحِدَة فِي أبي دَاوُد، وَحَدِيث «دلك البصاق فِي الثَّوْب» فِي الصَّحِيح وَغير ذَلِك. وَفِي الطَّبَرَانِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 الْكَبِير من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يمسح الْعرق عَن وَجهه فِي الصَّلَاة» . وَفِيه: أَيْضا من حَدِيث أبي رَافع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قتل عقربًا وَهُوَ يُصَلِّي» . وَفِي الأول خَارِجَة بن مُصعب وَقد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَفِي الثَّانِي (حبَان) بن عَلّي (أَخُو) منْدَل، وَمُحَمّد بن عبيد الله بن أبي رَافع وَقد ضعفوهما. الحَدِيث السَّادِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الظّهْر خمْسا ثمَّ سجد للسَّهْو» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا قدمْنَاهُ أول الْبَاب، وَفِي الْبَاب الَّذِي (قبله) أَيْضا. الحَدِيث السَّابِع عَن حُذَيْفَة رضى الله عَنهُ قَالَ: « (صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة فَقَرَأَ الْبَقَرَة (وَآل عمرَان وَالنِّسَاء) فِي رَكْعَة، ثمَّ ركع فَكَانَ رُكُوعه نَحوا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 قِيَامه، ثمَّ رفع رَأسه وَقَامَ قَرِيبا من رُكُوعه، ثمَّ سجد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ عَنهُ قَالَ) : «صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات لَيْلَة فَافْتتحَ الْبَقَرَة فَقلت: يرْكَع عِنْد الْمِائَة، ثمَّ مَضَى فَقلت: يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة فَمَضَى. فَقلت: يرْكَع بهَا، ثمَّ افْتتح سُورَة (النِّسَاء) فقرأها ثمَّ افْتتح سُورَة (آل عمرَان) فقرأها يقْرَأ مترسِّلًا إِذا مر بِآيَة تَسْبِيح سبَّح، وَإِذا مر بسؤال سَأَلَ، وَإِذا مر بتعُّوذ تعوَّذ، ثمَّ ركع فَجعل يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم. وَكَانَ رُكُوعه نَحوا من قِيَامه، ثمَّ قَالَ: سمع الله لمن حَمده، ثمَّ قَامَ قيَاما طَويلا قَرِيبا مِمَّا ركع، ثمَّ سجد فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُوده قَرِيبا من قِيَامه» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «سمع الله لمن حَمده رَبنَا لَك الْحَمد» . قَالَ عبد الْحق فِي جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ: كَذَا وَقع (يُصَلِّي) بهَا فِي رَكْعَة وَإِنَّمَا هُوَ رَكْعَتَيْنِ. وَالله أعلم. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِنَّه المُرَاد لينتظم الْكَلَام بعده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرتب بَين أَرْكَان الصَّلاة، وَقَالَ: صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . أما كَونه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يرتب بَين أَرْكَان الصَّلَاة فمشهور فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. وَأما قَوْله: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (فَصَحِيح) أَيْضا كَمَا سلف (فِي) أول الْأَذَان فِي الحَدِيث الثَّانِي مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قَامَ أحدكُم من الرَّكْعَتَيْنِ فَلم يستتم قَائِما فليجلس، (فَإِذا) استتم قَائِما فَلَا يجلس، وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ» . وَيروَى: «فَإِن ذكر قبل أَن يستتم قَائِما جلس وَلَا سَهْو» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بِلَفْظ: «إِذا قَامَ الإِمَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِن ذكر قبل أَن يستوى قَائِما فليجلس، فَإِن اسْتَوَى قَائِما فَلَا يجلس، وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين: أَحدهمَا هَذَا. ثَانِيهمَا: «إِذا شكّ أحدكُم فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَاسْتَتَمَّ قَائِما فليمضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَإِن لم يستتم قَائِما فليجلس وَلَا سَهْو عَلَيْهِ» . ومداره عَلَى جَابر الْجعْفِيّ وَقد أسلفنا حَاله فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين من بَاب الْأَذَان. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : جَابر لَا يحْتَج بِهِ، غير أَن هَذَا قد رُوِيَ من وَجْهَيْن آخَرين، وَحَدِيثه أشهر فِيمَا بَين الْفُقَهَاء. قلت: وَصَحَّ عَن زِيَاد بن علاقَة قَالَ: «صَلَّى بِنَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقُلْنَا: سُبْحَانَ الله. وَمَضَى، فَلَمَّا أتم صلَاته وَسلم سجد سَجْدَتي (السَّهْو) فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: رأيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صنع كَمَا صنعتُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَرَوَى الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مثله من رِوَايَة سعد بن أبي وَقاص وَعقبَة بن عَامر وَقَالَ فِي كل مِنْهُمَا: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. الحَدِيث الْعَاشِر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا شكَّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر صَلَّى ثَلَاثًا (أم) أَرْبعا فليطرح الشَّك وليبن عَلَى مَا استيقن، وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ؛ فَإِن (كَانَت) صلَاته تَامَّة كَانَت الرَّكْعَة والسجدتان نَافِلَة، وَإِن كَانَت صلَاته نَاقِصَة كَانَت الرَّكْعَة تَمامًا، والسجدتان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 ترغيمًا للشَّيْطَان» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك، إِلَّا أَنه قَالَ: (ثمَّ) يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم فَإِن كَانَ صَلَّى خمْسا شفعن (لَهُ) صلَاته، وَإِن كَانَ صَلَّى إتمامًا لأَرْبَع كَانَتَا ترغيمًا للشَّيْطَان» بدل «يسْجد سَجْدَتَيْنِ ... » إِلَى آخِره. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح بِنَحْوِ سِيَاقَة الرَّافِعِيّ لَهُ، وَلَفظه «إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليلق الشَّك وليبن عَلَى الْيَقِين، فَإِذا استيقن التَّمام سجد سَجْدَتَيْنِ، فَإِن كَانَت صلَاته تَامَّة كَانَت الرَّكْعَة نَافِلَة والسجدتان، وَإِن كَانَت نَاقِصَة كَانَت الرَّكْعَة تَمامًا لصلاته، وَكَانَت السجدتان مرغمتي الشَّيْطَان» . وَرَوَاهُ كَذَلِك ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : (إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صَلَّى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَليقمْ فَليصل رَكْعَة» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته) فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 يدْرِي كم صَلَّى ثَلَاثًا أم أَرْبعا فَليصل رَكْعَة وليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم، فَإِن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صَلَّى خَامِسَة شفعها بِهَاتَيْنِ، وَإِن كَانَت رَابِعَة فالسجدتان ترغيم للشَّيْطَان» . وَوصل هَذِه الرِّوَايَة أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِذكر أبي سعيد الْخُدْرِيّ بعد عَطاء بن يسَار، وَرَوَى مثلهَا من رِوَايَة عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة وهم وَالصَّوَاب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ. فَائِدَة: نقل (الْمَاوَرْدِيّ) عَن (ابْن) الْمُنْذر أَنه قَالَ: أصح حَدِيث فِي الْبَاب حَدِيث أبي سعيد هَذَا. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذْ شكّ أحدكُم فَلم يدر أواحدة صَلَّى أم اثْنَتَيْنِ فليبن عَلَى وَاحِدَة، وَإِن لم يدر اثْنَتَيْنِ صَلَّى أم (ثَلَاثًا) فليبن عَلَى ثِنْتَيْنِ، وَإِن لم يدر ثَلَاثًا صَلَّى أم أَرْبعا فليبنِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 ثلاثٍ، وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث (ابْن) إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَرُوِيَ عَنهُ من غير هَذَا الْوَجْه. (وَرَوَاهُ) الْهَيْثَم بن كُلَيْب الشَّاشِي، عَن الْعَبَّاس الدوري، عَن مُحَمَّد بن عبد الله، عَن إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كنت أذاكر عمر شَيْئا من الصَّلَاة قَالَ: فأَتَانا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: أَلا أحدثكُم حَدِيثا سمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: قُلْنَا: بلَى. قَالَ: أشهد شَهَادَة الله لسمعتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: إِذا كَانَ أحدكُم (فِي) شكّ من النُّقْصَان فِي صلَاته فَليصل حَتَّى يكون فِي شكّ من الزِّيَادَة» . قَالَ الْهَيْثَم: وثنا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مُحَمَّد بن إِدْرِيس، (نَا) الْأنْصَارِيّ، نَا إِسْمَاعِيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا شكَّ أحدكُم فِي صلَاته فَلَا يدْرِي ثَلَاثًا صَلَّى أم أَرْبعا فَليصل رَكْعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 (ثمَّ يسْجد) سَجْدَتَيْنِ» . وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن [سعد] وَمُحَمّد بن سَلمَة وَعِيسَى بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَطَلْحَة بن زيد، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول (عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول) مُرْسلا. (وَكَذَلِكَ) سَمعه مُحَمَّد بن إِسْحَاق (من) مَكْحُول مُرْسلا. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل ابْن علية وَعبد الله بن نمير، وَعبد الرَّحْمَن الْمحَاربي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول مُرْسلا. وَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن حُسَيْن بن عبد الله، عَن مَكْحُول، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن. فضبط هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَن ابْن إِسْحَاق الْمُتَّصِل والمرسل. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن (عبيد الله) بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس حدث عَنهُ إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ وبحر السقاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، وَاخْتلف عَنهُ: فَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن هود عَنهُ، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ. وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن بهْلُول، عَن عمار بن سَلام، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن (سُفْيَان) بن حُسَيْن وَكِلَاهُمَا وهم. وَرَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل، عَن مُحَمَّد بن يزِيد - عَلَى الصَّوَاب - عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الزُّهْرِيّ فَرجع الحَدِيث إِلَى إِسْمَاعِيل بن مُسلم، وَإِسْمَاعِيل ضَعِيف. انْتَهَى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ. وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد: ثَنَا إِسْمَاعِيل، نَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي مَكْحُول أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا صَلَّى أحدكُم فَشك ... » فَذكره. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَقَالَ لي حُسَيْن بن عبد الله هَل أسْندهُ لَك؟ فَقلت: لَا. فَقَالَ: لكنه حَدثنِي أَن كريبًا مولَى ابْن عَبَّاس حَدثهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «صليت إِلَى عمر بن الْخطاب ... » فَذكر الحَدِيث. وحسين بن عبد الله تكلم فِيهِ غير وَاحِد. الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى من خلف الإِمَام سَهْو، فَإِن سَهَا الإِمَام فَعَلَيهِ وَعَلَى من خَلفه السَّهْو» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث خَارِجَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 بن مُصعب، عَن أبي الْحُسَيْن الْمَدَائِنِي، عَن سَالم، عَن أَبِيه ابْن عمر، عَن جده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة «وَإِن سَهَا (من) خلف الإِمَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْو، وَالْإِمَام كافيه» . وخارجة هَذَا ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره كَمَا أسلفناه فِي الحَدِيث الْخَامِس فِي الْبَاب. نعم قَالَ ابْن عدي: هُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه وَأخرج لَهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» حَدِيث «إِن للْوُضُوء (شَيْطَانا) يُقَال لَهُ الولهان» . وَأَبُو الْحُسَيْن هَذَا مَجْهُول كَمَا قَالَه (الْبَيْهَقِيّ) فِي (سنَنه» فَإِنَّهُ لما رَوَاهُ فِي «سنَنه» بِلَفْظ «إِن الإِمَام يَكْفِي من وَرَاءه، فَإِن سَهَا الإِمَام فَعَلَيهِ سجدتا السَّهْو، وَعَلَى من وَرَاءه أَن يسجدوا مَعَه، وَإِن سَهَا أحد مِمَّن خَلفه فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْجد، وَالْإِمَام يَكْفِيهِ» . قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ وَالْحكم بن عبد الله - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - ضَعِيف، (ثمَّ) قَالَ: وَرَوَاهُ خارجةُ بن مصعبٍ، عَن أبي الْحُسَيْن الْمَدَائِنِي، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن عمر بِمَعْنَاهُ، وَأَبُو الْحُسَيْن هَذَا مَجْهُول، وَضعف الحَدِيث أَيْضا الضياء فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 «أَحْكَامه» ، وَكَذَا عبد الْحق فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده (ضَعِيف) فِيهِ خَارِجَة بن مُصعب، عَن أبي الْحُسَيْن الْمَدَائِنِي قَالَ: وَذكر أَبُو أَحْمد أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «قلت للنَّبِي (عَلَى الرجل سَهْو خلف الإِمَام؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا السَّهْو عَلَى الإِمَام» . وَهَذَا يرويهِ عمر بن عَمْرو أَبُو حَفْص الْعَسْقَلَانِي الطَّحَّان، وَهُوَ مَتْرُوك، فِي عداد من يكذب، والإسناد مُنْقَطع أَيْضا؛ لِأَنَّهُ عَن مَكْحُول، عَن ابْن عَبَّاس. تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ (هُنَا) حَدِيث (مُعَاوِيَة) السَّابِق فِي شُرُوط الصَّلَاة فَقَالَ: «وَإِذا سَهَا الْمَأْمُوم خلف الإِمَام لم يسْجد ويتحمل الإِمَام سَهْوه» ثمَّ ذكر الحَدِيث السالف ثمَّ قَالَ: وَلِحَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي فصل الْكَلَام فَإِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يَأْمُرهُ بِالسُّجُود مَعَ أَنه تكلم خَلفه انْتَهَى. وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّمَا لم يَأْمُرهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أعلمهُ بمنافاة مَا فعله (فِي) الصَّلَاة بعد فَرَاغه مِنْهَا وَسُجُود السَّهْو قبيل السَّلَام، فَلَمَّا فَاتَهُ مَحَله لم يَأْمُرهُ بِهِ وَالْمَاوَرْدِيّ استدلَّ (فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 الْمَسْأَلَة) بِحَدِيث: «الْأَئِمَّة ضمناء» قَالَ: يُرِيد - وَالله اعْلَم - ضمناء السَّهْو. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ» . هَذَا الحَدِيث متَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِزِيَادَة: «فَلَا تختلفوا عَلَيْهِ، فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده. فَقولُوا: (اللَّهُمَّ) رَبنَا لَك الْحَمد، وَإِذا سجد فاسجدوا، وَإِذا صَلَّى قَائِما فصلوا قيَاما، وَإِذا صَلَّى قَاعِدا فصلوا قعُودا أَجْمَعُونَ» . وَلم يذكر البُخَارِيّ الصَّلَاة. واتفقا عَلَى إِخْرَاجه أَيْضا من حَدِيث أنس وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما واتفقا عَلَى بعضه (وَفِي أَفْرَاد مُسلم) من حَدِيث جَابر «إِن صلوا قيَاما فصلوا قيَاما، وَإِن صلوا قعُودا فصلوا قعُودا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بهم الظُّهر فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين وَلم يجلس فَقَامَ النَّاس مَعَه حَتَّى إِذا قَضَى الصَّلَاة وانتظر النَّاس تَسْلِيمه كبر وَهُوَ جَالس فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ سلم» . هَذَا الحَدِيث متَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف أول الْبَاب. فَائِدَة: بُحَيْنَة أم عبد الله، وَقيل جدته، وَالصَّحِيح الأول كَمَا قَالَه أَبُو عمر، وَهِي صحابية، وَاسْمهَا: عَبدة بنت الْحَارِث بن الْمطلب بن عبد منَاف، قَالَه ابْن سعد وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مَالك بن القِشْب جُنْدُب بن (نَضْلَة بن عبد الله) الْأَزْدِيّ. تَنْبِيه: لما ذكر الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث مستدلًا بِهِ عَلَى أَن سُجُود السَّهْو مَحَله قبل (السَّلَام) قَالَ: وَلِحَدِيث أبي سعيد وَعبد الرَّحْمَن (الْمَذْكُورين) فِي الشَّك فِي عدد الرَّكْعَات وَمرَاده بذلك الحَدِيث الْعَاشِر وَالْحَادِي عشر وَلَفظه الَّذِي قدمه فِي حَدِيث أبي سعيد «وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ» وَهُوَ مُحْتَمل لما قبل السَّلَام وَبعده، لَكِن ثَبت فِي الصَّحِيح زِيَادَة «قبل أَن يسلم» كَمَا قَدمته هُنَاكَ، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْقَوْل الثَّالِث إِنَّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 مُخَيَّر إِن شَاءَ قدم أَو أخر لثُبُوت الْأَمريْنِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي: أَنه ثَبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه سجد قبل السَّلَام، وَثَبت أَنه سجد بعده، أما قبل السَّلَام فسلف فِي حَدِيث ابْن بُحَيْنَة كَمَا ترَاهُ، وَسلف حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي ذَلِك، وَأما أَنه بعد السَّلَام فَهُوَ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا سلف، وَكَذَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود لَكِن قَالَ ابْن الصّلاح فِي هذَيْن الْحَدِيثين: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام لم يذكر السَّهْو إِلَّا بعد السَّلَام، وَفِي هذَيْن مَا يمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ فِي محلَِّ النزاع. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث. وَأما آثاره فَثَلَاثَة: أَحدهَا: «أَن أنسا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جهر فِي الْعَصْر فَلم يعدها وَلم يسْجد للسَّهْو، وَلم يُنكر عَلَيْهِ» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه الْكَبِير» فَقَالَ: وَيذكر عَن قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك «أَنه جهر فِي الظّهْر وَالْعصر فَلم يسْجد» وأسنده الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ، نَا أَبُو كريب، ثَنَا وَكِيع، عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة: «أَن أنسا جهر فِي الظّهْر أَو الْعَصْر فَلم يسْجد» . ثَانِيهَا: «أَن أنسا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تحرَّك للْقِيَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الْعَصْر (فَسَبحُوا فَجَلَسَ ثمَّ سجد للسَّهْو» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ) أَيْضا فَقَالَ: روينَا عَن (يَحْيَى بن) سعيد، عَن أنس ... فَذكره قَالَ: «ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن أنس قَالَ: «صَلَّى بِنَا (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) الْعَصْر فَتحَرك للْقِيَام فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ» فَقَالَ: يرويهِ جمَاعَة عَنهُ هَكَذَا مَوْقُوفا، وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن أنس أَنه فعل ذَلِك وَقَالَ: هَذَا السُّنة، وَلم (يقل) هَذَا غَيره وَقَالَ: زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة. ثَالِثهَا: نقل عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: آخر الْأَمريْنِ من فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - السُّجُود قبل السَّلَام. وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي مُنْقَطِعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، عَن مطرف بن مَازِن، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «سجد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل السَّلَام وَبعده، وَآخر الْأَمريْنِ قبل السَّلَام» . قَالَ: وَذكره أَيْضا فِي رِوَايَة حَرْمَلَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِلَّا أَن قَول الزُّهْرِيّ مُنْقَطع لم يسْندهُ إِلَى أحد من الصَّحَابَة، ومطرف بن (مَازِن) غير قوي، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ومشهور عَن الزُّهْرِيّ من فتواه سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام. وَذكر نَحْو هَذَا فِي «الْمعرفَة» أَيْضا، إِلَّا أَنه قَالَ: إِن بعض أَصْحَابنَا زعم أَن قَول الزُّهْرِيّ مُنْقَطع. وانقطاعه ظَاهر، فَلَا حَاجَة إِلَى نسبته إِلَى بعض أَصْحَابه بِلَفْظ الزَّعْم وَقد أَلان الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي مطرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 هُنَا وَضَعفه فِي بَاب سهم ذَوي الْقرب من سنَنه، وَأطلق عَلَيْهِ يَحْيَى الْكَذِب. خَاتِمَة: صَلَاة التَّسْبِيح أَشَارَ إِلَيْهَا الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، حَيْثُ قَالَ: ورد الشَّرْع بالتطويل فِي الصَّلَاة فلنذكر طرق حَدِيثهَا، وَكَلَام أَصْحَابنَا فِيهَا فَنَقُول: حَدِيثهَا مَشْهُور فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَابْن مَاجَه و «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر النَّيْسَابُورِي، عَن مُوسَى بن عبد الْعَزِيز، عَن الحكم بن أبان، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للْعَبَّاس: «يَا عَبَّاس يَا عماه (أَلا أُعْطِيك) أَلا أمنحك، أَلا أحبوك، أَلا أفعل بك عشر خِصَال، إِذا أَنْت فعلت ذَلِك غفر الله لَك ذَنْبك أَوله وَآخره، قديمه وَحَدِيثه خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، أَن تصلي أَربع رَكْعَات تقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة، فَإِذا فرغت من الْقِرَاءَة أول رَكْعَة وَأَنت قَائِم قلت: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر (خمس عشرَة) مرّة، ثمَّ تركع وتقولها وَأَنت رَاكِع عشرا، وترفع رَأسك من الرُّكُوع فتقولها عشرا، ثمَّ تهوي سَاجِدا فتقولها وَأَنت ساجد عشرا، ثمَّ ترفع رَأسك من السُّجُود (فتقولها) عشرا، ثمَّ تسْجد فتقولها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 عشرا، ثمَّ ترفع رَأسك فتقولها عشرا، فَذَلِك خمس وَسَبْعُونَ فِي كل رَكْعَة تفعل ذَلِك فِي أَربع رَكْعَات إِن اسْتَطَعْت أَن تصليها فِي كل يَوْم [مرّة] فافعل، فَإِن لم تفعل فَفِي كل جُمُعَة مرّة، فَإِن لم تفعل فَفِي كل شهر مرّة، فَإِن لم تفعل فَفِي كل سنة مرّة، فَإِن لم تفعل فَفِي عمرك مرّة» . وَهَذَا الْإِسْنَاد جيد، عبد الرَّحْمَن بن بشر احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَشَيْخه قَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: لَا بَأْس بِهِ، وَشَيْخه وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَكَانَ أحد الْعباد، وَسكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حسن أَو صَحِيح عِنْده، لَا جرم ذكره ابْن السكن فِي (سنَنه الصِّحَاح المأثورة) . قَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي «موافقاته» : وَهَذَا الطَّرِيق أمثل طرقه. قَالَ: وَقد رويت هَذِه الصَّلَاة من رِوَايَة الْعَبَّاس وَأنس وَأبي رَافع مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَغَيرهم مَرْفُوعا وموقوفًا، وفيهَا كلهَا مقَال، وأمثلها مَا تقدم. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (من) حَدِيث أبي رَافع (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للْعَبَّاس ... ) فَذكره وَفِيه: «وَلَو كَانَت ذنوبك مثل رمل عالج غفرها الله لَك، قَالَ: يَا رَسُول الله، وَمن يَسْتَطِيع أَن يَقُولهَا فِي يَوْم؟ قَالَ: إِن لم تستطع أَن تَقُولهَا فِي يَوْم فقلها فِي جُمُعَة، فَإِن لم تستطع أَن تَقُولهَا فِي جُمُعَة فقلها فِي شهر، فَلم يزل يَقُول حَتَّى قَالَ: فقلها فِي سنة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أبي رَافع. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير حديثٍ فِي صَلَاة التَّسْبِيح وَلَا يَصح مِنْهُ كَبِير شَيْء، وَقد رَأَى ابْن الْمُبَارك (وَغير) واحدٍ من أهل الْعلم صَلَاة (التَّسْبِيح) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 وَذكروا الْفضل فِيهِ. نَا أَحْمد بن عَبدة، نَا (أَبُو وهب) قَالَ: سألتُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن الصَّلَاة الَّتِي يسبح فِيهَا فَقَالَ: يكبر ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك، ثمَّ يَقُول خمس عشرَة مرّة: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر ثمَّ يتعوَّذ وَيقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وفاتحة الْكتاب وَسورَة، ثمَّ يَقُول عشر مَرَّات: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر (ثمَّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 يرْكَع، فيقولها عشرا، ثمَّ يرفع [رَأسه] فيقولها عشرا، ثمَّ يسْجد فيقولها عشرا، ثمَّ يرفع رَأسه فيقولها عشرا، ثمَّ يسْجد الثَّانِيَة فيقولها عشرا، يُصَلِّي أَربع (رَكْعَات) عَلَى هَذَا، فَذَلِك خمس وَسَبْعُونَ تَسْبِيحَة فِي كل رَكْعَة، يبْدَأ فِي كل رَكْعَة (بِخمْس عشرَة) تَسْبِيحَة، ثمَّ يقْرَأ، ثمَّ يسبح عشرا، فَإِن صَلَّى لَيْلًا فَأحب إِلَى أَن يسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَإِن صَلَّى نَهَارا فَإِن شَاءَ سلم، وَإِن شَاءَ لم يسلم» . قَالَ أَبُو وهب: وَأَخْبرنِي عبد الْعَزِيز بن أبي (رزمة) ، عَن عبد الله أَنه قَالَ: «يبْدَأ فِي الرُّكُوع بسبحان رَبِّي الْعَظِيم، وَفِي السُّجُود بسبحان رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، ثمَّ يسبح التسبيحات» . قَالَ أَحْمد بن عَبدة: وثنا وهب بن زَمعَة قَالَ: أَخْبرنِي عبد الْعَزِيز - وَهُوَ ابْن أبي رزمة - قَالَ: قلت لعبد الله بن الْمُبَارك: «إِن سَهَا فِيهَا أيسبح فِي سَجْدَتي السَّهْو عشرا عشرا؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا هِيَ ثَلَاثمِائَة تَسْبِيحَة) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، عَن أبي بكر أَحْمد بن إِسْحَاق، أبنا إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق بن يُوسُف، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن بشر بن الحكم الْهِلَالِي، ثَنَا مُوسَى بن عبد الْعَزِيز أَبُو شُعَيْب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 (القنباري) ، نَا الحكم بن أبان، حَدثنِي عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للْعَبَّاس ... فَذكره بِاللَّفْظِ السالف عَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث يماني وَصله مُوسَى بن عبد الْعَزِيز، عَن الحكم بن أبان. قَالَ: وَقد أخرجه أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق - يَعْنِي ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث وَأَبُو عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب - يَعْنِي النَّسَائِيّ - فِي الصَّحِيح. قلت: لم أره فِيهِ. قَالَ: فَرَوَوْه ثَلَاثَتهمْ عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر قَالَ: وَقد رَوَاهُ إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل، عَن مُوسَى بن عبد الْعَزِيز فَذكره بِإِسْنَادِهِ بِمثلِهِ لفظا وَاحِدًا، ثمَّ قَالَ: أما حَال مُوسَى بن عبد الْعَزِيز فَأحْسن الثَّنَاء عَلَيْهِ عبد الرَّزَّاق. ثمَّ ذكر عَنهُ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَأما حَال الحكم بن أبان فقد قَالَ البُخَارِيّ: ثَنَا عَلّي بن الْمَدِينِيّ، عَن (ابْن) عُيَيْنَة قَالَ: سَأَلت يُوسُف بن يَعْقُوب كَيفَ كَانَ الحكم بن أبان؟ قَالَ: ذَاك سيدنَا. قَالَ الْحَاكِم: وَأما إرْسَال إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 الحَدِيث، عَن أَبِيه فَحَدَّثَنِيهِ عَلّي بن عِيسَى ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ ثمَّ قَالَ: هَذَا الْإِرْسَال لَا يوهن الْوَصْل؛ فَإِن الزِّيَادَة من الثِّقَة أولَى من الْإِرْسَال، عَلَى أَن إِمَام أهل عصره فِي الحَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي قد أَقَامَ هَذَا الْإِسْنَاد، عَن إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان وَوَصله ... فَذكره، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِمثل حَدِيث مُوسَى بن عبد الْعَزِيز، عَن الحكم بِإِسْنَادِهِ، قَالَ الْحَاكِم: وَقد صحت (الرِّوَايَة) عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - علم ابْن عَمه جَعْفَر (بن أبي طَالب) هَذِه الصَّلَاة كَمَا علمهَا عَمه» ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ: إِسْنَاد صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ. قَالَ: وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى صِحَة هَذَا الحَدِيث اسْتِعْمَال الْأَئِمَّة من أَتبَاع التَّابِعين وَإِلَى عصرنا هَذَا إِيَّاه، ومواظبتهم عَلَيْهِ، وتعليمهن النَّاس مِنْهُم عبد الله بن الْمُبَارك، ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ كَمَا أسلفناه عَن التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث، عَن ابْن الْمُبَارك كلهم ثِقَات أَثْبَات. قَالَ: وَلَا يُتَّهَمُ عبد الله أَن يعلم مَا لم يصحَّ عِنْده (سَنَده) انْتَهَى مَا ذكره الْحَاكِم. (وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: أصح شَيْء فِي فَضَائِل السُّور (قل هُوَ الله أحد (. وَأَصَح شَيْء فِي فَضَائِل الصَّلَوَات صَلَاة التَّسْبِيح) ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 وَأغْرب ابْن الْجَوْزِيّ فروَى هَذَا الحَدِيث فِي «مَوْضُوعَاته» من حَدِيث الْعَبَّاس (وَابْنه وَأبي رَافع) وضعفها كلهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تثبت، (وَقد) رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام علمهَا عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وعليًّا وجعفرًا. (ثمَّ) ضعفها وَنقل عَن الْحَافِظ أبي جَعْفَر الْعقيلِيّ أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي صَلَاة التَّسْبِيح (حَدِيث) يثبت وَذكره لهَذَا الحَدِيث فِي «مَوْضُوعَاته» من الغلو، وَله فِي هَذَا الْكتاب أَشْيَاء تساهل فِي دَعْوَى وَضعهَا، وحقها أَن تذكر فِي الْأَحَادِيث الضعيفة بل (بَعْضهَا) حسن أَو صَحِيح. وَقد أنكر غير وَاحِد عَلَيْهِ فعله فِي هَذَا التصنيف. قَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ: لم يكن لَهُ أَن يذكر هَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات فقد خرجه الحفَّاظ. قلت: مثل أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم كَمَا سلف قَالَ: وَله مثل هَذَا كثير - عَفا الله عَنهُ. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يواظب عَلَى فعلهَا بعد الزَّوَال فِي (كل) جُمُعَة، قَالَ الْعلمَاء: وَإِذا عمل الصَّحَابِيّ بِحَدِيث دلَّ عَلَى قوته، وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول من زهد فِيهَا، وَقد رُوِيَ عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: عرضت السّنَن بعد فراغها عَلَى أَحْمد بن حَنْبَل فارتضاها وَلم يُنكر مِنْهَا شَيْئا، (وَصَلَاة التَّسْبِيح) مثبتة فِيهَا، وشيوخ الحَدِيث قد ينقلون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 الحَدِيث من طَرِيق صَحِيحَة، ثمَّ (من) طَرِيق ضَعِيفَة فيطلقون عدم الصِّحَّة، ويريدون مَا نقل بِالطَّرِيقِ الضَّعِيف، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء لم يمنعوا صَلَاة التَّسْبِيح مَعَ اخْتلَافهمْ فِي الْمَنْع من تَطْوِيل الِاعْتِدَال. هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ - رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقد اسْتحبَّ هَذِه الصَّلَاة من أَصْحَابنَا القَاضِي الْحُسَيْن وَصَاحب «التَّهْذِيب» و «التَّتِمَّة» وَالرُّويَانِيّ فِي «الْبَحْر» عملا بِالْحَدِيثِ فِيهَا، وَاعْترض عَلَيْهِم النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: فِي هَذَا الِاسْتِحْبَاب نظر؛ لِأَن حَدِيثهَا ضَعِيف وفيهَا تَغْيِير لنظم الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة، فَيَنْبَغِي أَن لَا تفعل بِغَيْر حَدِيث صَحِيح، وَلَيْسَ حَدِيثهَا (بِثَابِت) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا يَصح فِي ذَلِك كَبِير شَيْء. وَكَذَا قَالَ الْعقيلِيّ وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: إِنَّه لَيْسَ فِيهَا حَدِيث حسن وَلَا صَحِيح، وَنقل مثل هَذِه الْمقَالة عَنْهُم فِي «خلاصته» وأقرهم، ولخص كَلَامه فِي «شرح الْمُهَذّب» وَفِي «تَحْقِيقه» فَقَالَ: قَالَ القَاضِي حُسَيْن وَالْبَغوِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَالرُّويَانِيّ: تسْتَحب صَلَاة التَّسْبِيح. وَعِنْدِي فِيهَا نظر؛ لِأَن فِيهَا تَغْيِير الصَّلَاة وحديثها ضَعِيف. وَقَالَ فِي «الْأَذْكَار» : قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: حَدِيث أبي رَافع الْمَرْوِيّ فِي صَلَاة التَّسْبِيح ضَعِيف لَيْسَ لَهُ أصل فِي الصِّحَّة وَلَا فِي الْحسن، قَالَ: وَإِنَّمَا ذكره التِّرْمِذِيّ لينبه عَلَيْهِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 لِئَلَّا يغتر بِهِ. قَالَ: وَقَول ابْن الْمُبَارك لَيْسَ بِحجَّة. ثمَّ نقل كَلَام الْعقيلِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ قَالَ: وَقد نصَّ جمَاعَة من أَصْحَابنَا عَلَى استحبابها مِنْهُم الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيّ وأقرهما عَلَى ذَلِك. وَقَالَ فِي كِتَابه «تَهْذِيب اللُّغَات» : قد جَاءَ فِي صَلَاة التَّسْبِيح حَدِيث حسن فِي كتاب التِّرْمِذِيّ وَغَيره، وَذكره (الْمحَامِلِي) وَصَاحب «التتمَّة» وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا وَهِي سُنَّةٌ حَسَنَة. هَذَا لَفظه وَهُوَ مُخَالف لما قدمه فِي غير هَذَا الْكتاب، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب. (وَسميت صَلَاة التَّسْبِيح لِكَثْرَة التَّسْبِيح فِيهَا خلاف الْعَادة فِي غَيرهَا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 بَاب سُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا؛ أما الْأَحَادِيث فخمسة عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَرَأت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَجْدَة (والنجم (فَلم يسْجد فِيهَا (وَلَا أمره) بِالسُّجُود» . هَذَا الحَدِيث اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخراجه من حَدِيثه «أَنه قَرَأَ عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (والنجم إِذا هوى (فَلم يسْجد» هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «قَرَأت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (والنجم (فَلم يسْجد فِيهَا» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: «لم يسْجد (منا) أحد» وَقَول الرَّافِعِيّ «وَلَا (أَمر) بِالسُّجُود» تبع فِيهِ الْمَاوَرْدِيّ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا أَنه لم (يفعل) ذَلِك إِن لم يُوجد كَذَلِك فِي رِوَايَة. ثمَّ اعْلَم أَن ابْن حزم أعلَّ هَذَا الحَدِيث فِي «مُحَلاَّه» فَقَالَ: وَاحْتج المقلدون لمَالِك بِهَذَا الحَدِيث، ثمَّ رَاوِيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 قد صَحَّ عَن مَالك أَنه لَا يعْتَمد عَلَى رِوَايَته، وَهُوَ يزِيد بن عبد الله بن (قُسَيْط) هَذَا كَلَامه. وَهَذَا الحَدِيث قد أخرجه الشَّيْخَانِ من طَرِيقه وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَمَا نَقله عَن مَالك فِي ابْن (قسيط) لَا نعلمهُ عوضا عَن صِحَّته، ثمَّ إِن مَالِكًا قد أخرج لَهُ فِي «موطئِهِ» فَلَو كَانَ لَا يعْتَمد عَلَى رِوَايَته لما رُوِيَ عَنهُ فِي الْمُوَطَّأ وَحده، وَقد قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: ابْن (قسيط) ثِقَة (وَلَو لم يكن ثِقَة مَا رَوَى عَنهُ مَالك) . وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى مَالك عَنهُ غير حَدِيث وَقد أَثْنَى النَّاس عَلَيْهِ. تَنْبِيه: (أجَاب الْبَيْهَقِيّ) تبعا للشَّافِعِيّ عَن هَذَا الحَدِيث بِأَن قَالَ: يحْتَمل أَن يكون رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا لم يسْجد؛ لِأَن زيدا لم يسْجد وَكَانَ هُوَ الْقَارئ، وَكَانَ سَبَب هَذَا الِاحْتِمَال أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سجد فِيهَا كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ (والنجم (فَسجدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 فِيهَا وَسجد من كَانَ مَعَه غير أَن شَيخا أَخذ كفًّا من حَصى - أَو تُرَاب - فرفعه إِلَى جَبهته وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، قَالَ عبد الله: لقد رَأَيْته بعد (قُتِلَ) كَافِرًا» وَيحْتَمل أَن يكون تَركه فِي حَدِيث (زيد) لبَيَان الْجَوَاز وَأَنه لَيْسَ بِوَاجِب؛ لَا كَمَا يَقُوله الْمُخَالف. فَائِدَة: هَذَا الشَّيْخ الَّذِي لم يسْجد هُوَ أُميَّة بن خلف، وَفِي الطَّبَرَانِيّ (الْكَبِير) أَنه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَقيل إِنَّه عتبَة بن ربيعَة، وَقيل: أَبُو أحيحة سعيد بن الْعَاصِ، حَكَاهُمَا الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» وَقَالَ: الأول أصح. وَهُوَ الَّذِي ذكره البُخَارِيّ. قلت: وَبِه جزم النوويُّ فِي «شرح مُسلم» وَعبد الْحق فِي «جمعه» . تَنْبِيه ثَان: هَذَا الحَدِيث استدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى أَن سُجُود التِّلَاوَة لَيْسَ بِوَاجِب، وَهُوَ يتم إِذا ثَبت أَن سَجدَات الْمفصل من عزائم السُّجُود، وَمذهب زيد بن ثَابت عَلَى مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم أَنه لَا سُجُود فِي الْمفصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يسْجد فِي شَيْء من المفصَّل مُنْذُ تحول [إِلَى] الْمَدِينَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث أَزْهَر بن الْقَاسِم، عَن أبي قدامَة، عَن مَطَر الْوراق، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ، وَأَبُو قدامَة الْمَذْكُور اسْمه: الْحَارِث بن عبيد إيادي بَصرِي وَهُوَ من رجال مُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، ضَعَّفُوهُ. قَالَ أَحْمد: مُضْطَرب الحَدِيث. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا عِنْدهم يكون من سوء الْحِفْظ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَقَالَ الفلاَّس: رَأَيْت ابْن مهْدي يحدث عَنهُ وَقَالَ: مَا رَأَيْت إِلَّا خيرا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ السَّاجي: صَدُوق عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ شَيخا صَالحا مِمَّن كثر وهمه، لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَهَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَيْهِ، وَقد ضعفه يَحْيَى بن معِين، وَحدث عَنهُ ابْن مهْدي وَقَالَ: كَانَ من شُيُوخنَا، وَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَن ابْن عَبَّاس مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ بِالنَّجْمِ، فَسجدَ مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْجِنّ وَالْإِنْس» وَقَالَ فِي «معرفَة السّنَن والْآثَار» : أَبُو قدامَة مُخْتَلف فِي عَدَالَته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 قلت: وَضَعفه أَيْضا غير وَاحِد من المتأخِّرين. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتبه الثَّلَاث «التَّحْقِيق» ، و «الْعِلَل» ، و «الْإِعْلَام» : هَذَا الحَدِيث (لَا يَصح) فِيهِ أَبُو قدامَة، وَقد ضعفه يَحْيَى وَأحمد. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : فِي إِسْنَاده أَبُو قدامَة وَلَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا سلف، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن أبي قدامَة، عَن مطر الْوراق - أَو رجل - وَرَوَاهُ بكر بن خلف، عَن حُسَيْن الْمُقْرِئ، عَن أَزْهَر فَقَالَ فِي مَتنه «إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد فِي النَّجْم وَهُوَ بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة تَركهَا» . قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الحَدِيث مَدَاره عَلَى (أبي) قدامَة، وَقد ضعفه يَحْيَى وَأحمد. قلت: وَهَذَا اللَّفْظ الْأَخير ذكره ابْن السَّكن فِي «صحاحه» . وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي. قَالَ: وَيروَى أَيْضا مُرْسلا قَالَ: وَالصَّحِيح مَا تقدَّم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يُشِير إِلَى الحَدِيث الْآتِي بعد هَذَا، وأعلَّه ابْن الْقطَّان أَيْضا بمطرٍ الْوراق، وَقَالَ: كَانَ يُشبه فِي سوء الْحِفْظ بِمُحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، وَقد عيب عَلَى مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. وَضَعفه أَيْضا فِي «خلاصته» . وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : مطر رَدِيء (الْحِفْظ. وَهَذَا مُنكر؛ فقد صَحَّ «أَن أَبَا هُرَيْرَة سجد مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي «إِذا السَّمَاء انشقت وإسلامه مُتَأَخّر» وَقَالَ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» : (إِن) صَحَّ هَذَا الحَدِيث (يكون) نَاسِخا لحَدِيث ابْن مَسْعُود السالف؛ لِأَن ذَلِك كَانَ بِمَكَّة. قلت: أَنى لَهُ بِالصِّحَّةِ وَضَعفه قد ظهر كَمَا قَرَّرْنَاهُ؟ ! الحَدِيث الثَّالِث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سجدنا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي (إِذا السَّمَاء انشقت (و (اقْرَأ باسم رَبك. هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك وَلم يذكر البُخَارِيّ سَجْدَة (اقْرَأ (ورويا عَن أبي رَافع قَالَ: «صليت خلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 أبي هُرَيْرَة صَلَاة الْعَتَمَة فَقَرَأَ: (إِذا السَّمَاء انشقت (فَسجدَ فِيهَا فَقلت لَهُ: مَا هَذِه السَّجْدة؟ ! فَقَالَ: سجدت فِيهَا خلف أبي الْقَاسِم (فَلَا أَزَال أَسجد فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ «لَو لم أر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد لم أَسجد» وَفِي رِوَايَة للبزار من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: «رأيتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد فِي (إِذا السَّمَاء انشقت (عشر مَرَّات» . تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: كَانَ إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بعد الْهِجْرَة بسنين - أَي: سبع سِنِين - وَرَأَيْت من يصحفه ويقرؤه بِلَفْظ التَّثْنِيَة ويعترض عَلَى الرَّافِعِيّ فِي ذَلِك وَهَذَا تَحْرِيف مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِلَفْظ الْجمع، والرافعي نَفسه قد صرح فِي كِتَابه «الأمالي» بِأَنَّهُ أسلم سنة سبع من الْهِجْرَة؛ فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الرَّابِع عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سجد فِي (ص (وَقَالَ: سجدها دَاوُد توبةًَّ، ونسجدها شكرا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشافعيُّ عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ «عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه سجدها - يَعْنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 [فِي] (ص) » وَرَوَاهُ فِي الْقَدِيم عَن سُفْيَان، عَن عمر بن ذَر، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «سجدها دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام تَوْبَة، ونسجدها نَحن شكرا - يَعْنِي: (ص. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ وَهُوَ مُرْسل، قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن عمر بن ذَر، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَوْصُولا، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة و (الخلافيات» : إِنَّه رُوِيَ مُرْسلا بِإِسْقَاط ابْن عَبَّاس وَرُوِيَ مَوْصُولا من أوجه؛ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» أَن الْمَحْفُوظ إرْسَاله، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مُتَّصِلا فِي موضِعين فِي سنَنه من حَدِيث حجَّاج بن مُحَمَّد، عَن (عمر بن ذَر) عَن أَبِيه، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي سَجْدَة ص: سجدها نَبِي الله [دَاوُد] تَوْبَة، ونسجدها شكرا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلا أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن بزيع: عَن عمر بن ذَر، عَن أَبِيه، عَن سعيد، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. وَعبد الله بن بزيع هَذَا قَالَ فِيهِ ابْن عدي: لَيْسَ عِنْدِي مِمَّن يحْتَج بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لين الحَدِيث لَيْسَ (بمتروك) قلت: وَلم ينْفَرد بِهِ؛ بل توبع عَلَيْهِ كَمَا سلف، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من هَذَا الْوَجْه وأعلَّه بِابْن بزيع، وَذكر كَلَام ابْن عدي فِيهِ، وَأما ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح) فَذكره. الحَدِيث الْخَامِس عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، فضلت سُورَة الْحَج بِأَن فِيهَا [سَجْدَتَيْنِ] ؟ قَالَ: نعم، وَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي (سُنَنهمْ) من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، عَن مشرح بن هاعان، عَن عقبَة بِهِ وَاللَّفْظ لِلتِّرْمِذِي، وَلَفظ أَحْمد: «قلت: يَا رَسُول الله، أفضِّلت سُورَة الْحَج عَلَى سَائِر الْقُرْآن بسجدتين؟ قَالَ: نعم، وَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما» . وَلَفظ أبي دَاوُد: «قلت: يَا رَسُول الله، فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ؟ قَالَ: نعم ... » إِلَى آخِره. وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «قلت: يَا رَسُول الله، فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ؟ قَالَ: نعم، إِن لم تسجدهما فَلَا تقرأهما» . وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده ضعيفان: أَحدهمَا: ابْن لَهِيعَة (وَقد) سلف حَاله فِي أَوَاخِر بَاب الْوضُوء، وَإِن الْبَيْهَقِيّ قَالَ: أجمع أَصْحَاب الحَدِيث عَلَى ضعفه وَترك الِاحْتِجَاج بِمَا ينْفَرد بِهِ. ثَانِيهمَا: مشرح بن هاعان لَا يحْتَج بِهِ، قَالَ ابْن حبَان: انقلبت عَلَيْهِ صحائفه؛ فَكَانَ يحدث بِمَا سمع من هَذَا عَن ذَاك وَهُوَ لَا يعلم فَكل مَا يروي عَن شُعْبَة هُوَ مَا سَمعه من الْحسن بن عمَارَة؛ فَبَطل الِاحْتِجَاج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 بِهِ. لَا جرم قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي موضِعين: أَحدهمَا: فِي أثْنَاء صَلَاة الْجَمَاعَة، وَأَشَارَ إِلَى ضعفه؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد رِوَايَة عبد الله بن لَهِيعَة (إِن فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سَاقه بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن لَهِيعَة) (عَن مشرح، عَن عقبَة بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ السالف. الثَّانِي: فِي كتاب التَّفْسِير فِي تَفْسِير سُورَة الْحَج سَاقه من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة) عَن مشرح، عَن عقبَة بِلَفْظ الإِمَام أَحْمد السالف ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لم (نَكْتُبهُ) مُسْندًا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه قَالَ: وَعبد الله بن لَهِيعَة بن عقبَة الْحَضْرَمِيّ أحد الْأَئِمَّة، إِنَّمَا نقم عَلَيْهِ اخْتِلَاطه فِي آخر عمره. قَالَ الْحَاكِم: وَقد صحت الرِّوَايَة فِيهِ من قَول عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَأبي الدَّرْدَاء وعمَّار. أما حَدِيث عمر: فروَى عبد الله بن (ثَعْلَبَة) «أَنه صَلَّى مَعَه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 الصُّبْح فَسجدَ فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ» وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس فروَى أَبُو الْعَالِيَة عَنهُ أَنه قَالَ: «فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ» . وَأما حَدِيث ابْن عمر فروَى نَافِع عَنهُ «أَنه سجد فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ» . وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود وعمار؛ فروَى عَاصِم، عَن [زر] عَنْهُمَا «أَنَّهُمَا كَانَا يسجدان فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ» . وَأما حَدِيث أبي مُوسَى فروَى صَفْوَان بن مُحرز عَنهُ «أَنه سجد فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَيْنِ، وَأَنه قَرَأَ السَّجْدَة الَّتِي فِي آخر سُورَة الْحَج؛ فَسجدَ وسجدنا مَعَه» . وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء؛ فروَى عبد الرَّحْمَن بن جُبَير قَالَ: «رَأَيْت أَبَا الدَّرْدَاء سجد فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ» هَذَا ملخص مَا ذكره الْحَاكِم، وسَاق كل ذَلِك بأسانيده. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : فِي هَذَا الحَدِيث ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث، و (قَالَ) فِي «الْمعرفَة» روينَا عَن خَالِد بن معدان أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فضِّلت سُورَة الْحَج عَلَى الْقُرْآن بسجدتين» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 قَالَ: وَهَذَا الْمُرْسل إِذا ضم إِلَى رِوَايَة ابْن لَهِيعَة صَار قويًّا. وَتَبعهُ ابْن الصَّلاح فَقَالَ فِي «مشكله» : فِي إِسْنَاده من لَا حجَّة فِيهِ، وَهُوَ ابْن لَهِيعَة ومشرح - وهما ضعيفان - لَكِن لَهُ شَاهد يقويه، وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة قَالَ: وَقَوله: «وَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما» مَعْنَاهُ - وَالله أعلم - (أَن) من لم يرد أَن يسجدهما فَلَا يقْرَأ آيتيهما. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فاحتج فِي «تَحْقِيقه» بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَسَاقه من مُسْند أَحْمد، ثمَّ قَالَ: فَإِن قَالُوا: ابْن لَهِيعَة ضَعِيف. قُلْنَا: قَالَ ابْن وهب: هُوَ صَادِق. وَلم يزدْ عَلَى ذَلِك، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، وأعجب مِنْهُ إغفاله تَضْعِيف مشرح بن هاعان، وَقد ذكره هُوَ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَجزم النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» (بِضعْف) الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف بالِاتِّفَاقِ لاختلال ضَبطه. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ مُتَّفق عَلَى ضعف رِوَايَته، قَالَ: وَإِنَّمَا ذكرته لأبينه لِئَلَّا يُغتر بِهِ. قلت: وَلَا (ينتهى) إِلَى هَذَا كُله؛ بل هُوَ قوي (لشاهده و) أَقْوَال الصَّحَابَة، كَمَا قَرّرته لَك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 الحَدِيث السَّادِس عَن (عَمْرو) بن العَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقرأه خمس عشرَة سَجْدَة فِي الْقُرْآن؛ مِنْهَا ثَلَاث فِي الْمفصل، وَفِي الْحَج سَجْدَتَانِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي (سُنَنهمَا) وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عبد الله بن مُنين، عَن (عَمْرو) بن العَاصِي، وَسكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد؛ وَهُوَ مُقْتَضَى (لحسنه) أَو صحَّته عِنْده، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته مصريون قد احْتج الشَّيْخَانِ بأكثرهم، وَلَيْسَ فِي عدد سُجُود الْقُرْآن أتم مِنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم بِإِسْنَاد حسن. ثمَّ قَالَ بعد فِي «فرع مَذَاهِب الْعلمَاء» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح، وَكَذَا قَالَ فِي «خلاصته» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث المهذَّب إِنَّه حَدِيث حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 قلت: وَفِي ذَلِك كُله نظر، فعبد الله بن منين هَذَا مَجْهُول، وَكَذَا الرَّاوِي عَنهُ وَهُوَ الْحَارِث بن سعيد العُتَقي الْمصْرِيّ، لَا جرم ضعفه عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِعَبْد الله بن منين فَقَالَ: عبد الله بن منين لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَيشْتَبه بِعَبْد الله بن مُنِير الْمروزِي يروي لَهُ خَ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان عقب قَول عبد الْحق: لَا يحْتَج بِهِ - يَعْنِي: أَنه مَجْهُول لَا يعرف - والمجهول لَا يحْتَج بِهِ قَالَ: وَقد وَقع فِي نسبه وَاسم أَبِيه اخْتِلَاف وتصحيف عَلَى ابْن أبي حَاتِم فَقَالَ: مُنِير - بالراء فِي آخِره - وَإِنَّمَا هُوَ منين - بنونين وَضم الْمِيم - وَقَالَ فِيهِ: من بني عبد الدَّار، وَصَوَابه أَنه من بني عبد كلال كَذَا هُوَ فِي كتاب أبي دَاوُد و «تَارِيخ البُخَارِيّ» وَلَا يعرف، رَوَى عَنهُ الْحَارِث بن سعيد العُتَقي وَهُوَ الَّذِي يعل بِهِ الحَدِيث؛ لِأَنَّهُ رجل لَا يعرف لَهُ حَال وَرَوَى عَنهُ ابْن لَهِيعَة وَنَافِع بن يزِيد، ذكره بذلك (ابْن يُونُس) فِي تَارِيخ مصر؛ فَالْحَدِيث من أَجله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 لَا يَصح، وَلَو كَانَ ابْن منين مَعْرُوفا. قلت: وَوَقع فِي «الْإِكْمَال» لِابْنِ مَاكُولَا أَن عبد الله بن منين من بني عبد كلال من بني عبد الدَّار، وَقد علمت كَلَام ابْن الْقطَّان السالف فِيهِ. قَالَ الْأَمِير: وَلَيْسَ لَهُ غير هَذَا الحَدِيث. وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث سَاقه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من (طَرِيق) الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن رشدين، عَن ابْن أبي مَرْيَم، عَن نَافِع بن يزِيد، عَن الْحَارِث بن (سعيد) عَن عبد الله بن منين، عَن (عَمْرو) بن العَاصِي ... الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا يعْتَمد عَلَيْهِ. قَالَ ابْن عدي: ابْن رشدين كذبوه وَأنْكرت عَلَيْهِ أَشْيَاء. وَقَالَ: يَحْيَى بن أبي مَرْيَم لَيْسَ بِشَيْء. انْتَهَى مَا ذكره، وَكَأَنَّهُ كالعالم بِحَال الْحَارِث وَعبد الله بن منين (أنَّى) لَهُ ذَلِك، ثمَّ ابْن أبي مَرْيَم الَّذِي تكلم فِيهِ يَحْيَى هُوَ أَبُو بكر بكير، وَقَالَ فِيهِ مرّة: صَدُوق. وَأما رَاوِي هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 الحَدِيث عَنهُ غير أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشدين فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن البرقي عَنهُ، عَن نَافِع بن يزِيد، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي، عَن ابْن أبي مَرْيَم أَيْضا. الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ علينا الْقُرْآن، فَإِذا مر بِالسَّجْدَةِ كبر وَسجد وسجدنا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك وَزَاد: قَالَ عبد الرَّزَّاق: كَانَ الثَّوْريّ يُعجبهُ هَذَا الحَدِيث. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ يُعجبهُ؛ لِأَن فِيهِ: «كَبَّر» . وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب قَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن معِين: يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ، صَدُوق، وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بأَخيه عبيد الله بن عمر. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: صَدُوق ثِقَة فِي حَدِيثه اضْطِرَاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: ضعفه يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان من قبل حفظه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ؛ فَمرَّة ضعفه، وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن حبَان: غلب عَلَيْهِ التَّعَبُّد حَتَّى غفل عَن حفظ الْأَخْبَار وجودة الْحِفْظ؛ فَوَقَعت الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته، فَلَمَّا فحش خَطؤُهُ اسْتحق التّرْك. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فِي بَاب الْغسْل: هُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم لَا يحْتَج بروايته. وَهَذَا لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ بل هُوَ من الْمُخْتَلف فيهم كَمَا علمت، وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: الصَّوَاب حسن هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن الْعمريّ من النَّاس من يوثقه ويثني عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من يُضعفهُ. قلت: وَلم يتفرد بِهِ؛ بل تَابعه عَلَيْهِ أَخُوهُ عبيد الله - بِالتَّصْغِيرِ - الثِّقَة، فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيثه عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كُنَّا نجلس عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَيقْرَأ الْقُرْآن، فَرُبمَا مر بِسَجْدَة فَيسْجد ونسجد مَعَه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ: وَسُجُود الصَّحَابَة بسجود رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَارج الصَّلَاة سنة عزيزة. قلت: قد أخرجَا فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن، فَيقْرَأ فِيهَا سُورَة فِيهَا سَجْدَة فَيسْجد ونسجد مَعَه حَتَّى مَا يجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 بَعْضنَا موضعا لمَكَان جَبهته» وَفِي رِوَايَة لمُسلم «فِي غير صَلَاة» وَلَو أورد الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَكَانَ أولَى؛ لِأَنَّهُ سَاقه عَلَى الِاحْتِجَاج بِأَنَّهُ يسن السُّجُود للقارئ كَمَا يسن للمستمع، وَهَذَا الحَدِيث وافٍ بذلك مَعَ الِاتِّفَاق عَلَى صِحَّته، بِخِلَاف اللَّفْظ الَّذِي أوردهُ من طَرِيق أبي دَاوُد. الحَدِيث الثَّامِن «أَن رجلا قَرَأَ عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (السَّجْدَة فَسجدَ، فَسجدَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) ثمَّ قَرَأَ آخر عِنْده السَّجْدَة فَلم يسْجد، فَلم يسْجد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: سجدت لقِرَاءَة فلَان وَلم تسْجد لقراءتي! قَالَ: كنتَ إِمَامًا فَلَو سجدتَ لسجدنا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من رِوَايَة زيد بن أسلم قَالَ: «قَرَأَ غُلَام عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - السَّجْدَة، فانتظر الْغُلَام النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يسْجد، فَلَمَّا لم يسْجد قَالَ: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ فِيهَا سَجْدَة؟ قَالَ: أَنْت قرأتها وَلَو سجدت سجدنا» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من رِوَايَة زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: «بَلغنِي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكر نَحوه. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا مُرْسلا من رِوَايَة عَطاء بن يسَار: «أَن رجلا قَرَأَ ... » الحَدِيث بِمثلِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: «فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قَرَأَ فلَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 عنْدك السَّجْدَة فسجدت، وقرأت فَلم تسْجد! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كنت إِمَامًا فَلَو سجدتَ سجدتُ» . قَالَ الشَّافِعِي: إِنِّي لأحسبه - يَعْنِي: الرجل الْمَذْكُور - زيد بن ثَابت؛ لِأَنَّهُ يُحْكَى أَنه قَرَأَ عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يسْجد، وَإِنَّمَا رَوَى الْحَدِيثين مَعًا عَطاء بن يسَار. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الَّذِي ذكره الشَّافِعِي مُحْتَمل، قَالَ: وَقد رَوَاهُ (إِسْحَاق بن عبد الله) بن أبي فَرْوَة، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْصُولا، وَإِسْحَاق ضَعِيف. قَالَ: (وَرَوَى الْأَوْزَاعِيّ) عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف وَالْمَحْفُوظ: عَطاء بن يسَار مُرْسل، وَحَدِيثه عَن زيد بن ثَابت مَوْصُول مُخْتَصر. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن (سليم) بن حَنْظَلَة قَالَ: «قَرَأت السَّجْدَة عِنْد ابْن مَسْعُود فَنظر إِلَيّ فَقَالَ: (أَنْت) إمامنا فاسجد نسجد مَعَك» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 الحَدِيث التَّاسِع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد فِي الظّهْر فَرَأَى أَصْحَابه أَنه قَرَأَ آيَة سَجْدَة فسجدوا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أُميَّة، عَن لَاحق بن حميد أبي مجلز السدُوسِي الْبَصْرِيّ، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد فِي صَلَاة الظّهْر، ثمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَيْنَا أَنه قَرَأَ: تَنْزِيل السَّجْدَة» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سجد فِي الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الظّهْر، فَرَأَى أَصْحَابه أَنه قَرَأَ: تَنْزِيل السَّجْدَة» . وَأُميَّة هَذَا لَا يعرف حَاله، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : لَا يُدرى من ذَا وَلَا أعلم رَاوِيا عَنهُ غير سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَقد انْفَرد أَبُو دَاوُد بِالْإِخْرَاجِ لَهُ. وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لَا أعلم أحدا صنف فِي الرِّجَال ذكره، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَقد رَوَى أَبُو عِيسَى الرَّمْلِيّ عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ إِثْر هَذَا الحَدِيث: أُميَّة هَذَا لَا يعرف. وَقد ذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة، يزِيد بن هَارُون، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي مجلز، عَن ابْن عمر بِغَيْر توَسط أُميَّة الْمَذْكُور بَينهمَا، وَقَالَ: لم أسمعهُ مِنْهُ. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَالْحَدِيث إِذا ضَعِيف. قلت: وتابع يزِيد بن هَارُون هشيم وعبثر بن الْقَاسِم وَغَيرهمَا. وَقَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» : رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه قَالَ: أَخْبرنِي أُميَّة، عَن أبي مجلز «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » . قلت: وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن أبي سعيد الثَّقَفِيّ، نَا يُوسُف القَاضِي، نَا مُحَمَّد بن أبي (بكر) نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي مجلز، عَن ابْن عمر: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الظّهْر فَسجدَ، فظننا أَنه قَرَأَ: تَنْزِيل السَّجْدَة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَهُوَ سنة صَحِيحَة غَرِيبَة أَن الإِمَام يسْجد فِيمَا يسر بِالْقِرَاءَةِ مثل سُجُوده فِيمَا يعلن. الحَدِيث الْعَاشِر عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي سُجُود الْقُرْآن (بِاللَّيْلِ) سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 بحوله وقوته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِدُونِ «وصوره» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَسقط لَفْظَة «بِاللَّيْلِ» فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَإِحْدَى رِوَايَات الْحَاكِم. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «يَقُول فِي (السَّجْدَة) مرَارًا سجد وَجْهي ... » إِلَى آخِره. وَزَاد الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ: «فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ» . وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» وَقَالَ فِي آخِره: «ثَلَاثًا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 وَاعْلَم أَنه وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن خَالِد الْحذاء، عَن رجل، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن عَائِشَة، وَكلهمْ قَالُوا: نَا خَالِد الْحذاء (عَن أبي الْعَالِيَة. بِإِسْقَاط هَذَا الرجل، وَقد صَححهُ من هَذَا الْوَجْه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم) وَهُوَ مُقْتَض لسماعه مِنْهُ فَيحمل عَلَى أَنه سَمعه مِنْهُ مرّة بِوَاسِطَة وَمرَّة بِدُونِهَا. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول فِي سُجُود الْقُرْآن: اللَّهُمَّ (اكْتُبْ) لي (بهَا) عنْدك أجرا، وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا، وضع عني بهَا وزرًا، واقبلها مني كَمَا قبلتها من عَبدك دَاوُد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مُحَمَّد بن يزِيد بن خُنَيْس، عَن الْحسن بن (مُحَمَّد) بن عبيد الله بن أبي يزِيد قَالَ: قَالَ لي ابْن جريج: يَا حسن، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رَأَيْتنِي البارحة وَأَنا نَائِم كَأَنِّي أُصَلِّي خلف شَجَرَة، فسجدت فسجدت الشَّجَرَة لسجودي، فسمعتها وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك أجرا، وضع عني بهَا وزرًا، وتقبلها مني كَمَا تقبلتها من عَبدك دَاوُد» وَقَالَ الْحسن: قَالَ لي ابْن جريج: قَالَ لي جدك: قَالَ ابْن عَبَّاس: «فَقَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَجْدَة ثمَّ سجد. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَسَمعته يَقُول مِثْلَمَا أخبرهُ الرجل عَن قَول الشَّجَرَة» هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَلم يقل: «وتقبلها مني ... » إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة لَهُ «اللَّهُمَّ احطط بهَا عني وزرًا» . وَلَفظ رِوَايَة الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ: يَا رَسُول الله) إِنِّي (رَأَيْت) فِي هَذِه اللَّيْلَة فِيمَا يرَى النَّائِم كَأَنِّي أُصَلِّي خلف شَجَرَة، فَرَأَيْت كَأَنِّي قَرَأت سَجْدَة فسجدت، فَرَأَيْت الشَّجَرَة كَأَنَّهَا تسْجد بسجودي فسمعتها سَاجِدَة وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي ... » الحَدِيث - كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ سَوَاء - قَالَ ابْن عَبَّاس: «فَرَأَيْت رَسُول (قَرَأَ السَّجْدَة ثمَّ سجد، فَسَمعته يَقُول وَهُوَ ساجد مِثْلَمَا قَالَ الرجل عَن كَلَام الشَّجَرَة» وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح رُوَاته مكيون لم يذكر وَاحِد مِنْهُم (بِجرح) وَهُوَ من شَرط الصَّحِيح وَلم يخرجَاهُ. قلت: وَالْحسن بن مُحَمَّد بن (عبيد الله) رَاوِيه عَن ابْن جريج. قَالَ الْعقيلِيّ فِيهِ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه، قَالَ: وَله طرق (كلهَا) فِيهَا لين. وَقَالَ غَيره: فِيهِ جَهَالَة، مَا رَوَى عَنهُ سُوَى ابْن خُنَيْس. وَجزم بِهَذَا الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» فَقَالَ: لَا يعرف لَكِن صحّح الْحَاكِم حَدِيثه - كَمَا ترَى - وَكَذَا ابْن حبَان، وَهُوَ مُؤذن بمعرفته وثقته. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» من طَرِيق الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: رَأَيْت كَأَن رجلا يكْتب الْقُرْآن، فَلَمَّا مر بِالسَّجْدَةِ الَّتِي فِي (ص (سجدت شَجَرَة، فَقَالَت اللَّهُمَّ أعظم بهَا أجرا، واحطط بهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 وزرًا، وأحدث بهَا شكرا. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَنحْن أَحَق بِالسُّجُود من الشَّجَرَة. فسجدها وَأمر بِالسُّجُود» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع. وَرَوَاهُ حميد الطَّوِيل، عَن بكر قَالَ: أَخْبرنِي مخبر، عَن أبي سعيد قَالَ: «رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي أقرّ سُورَة (ص ( ... » فَذكره بِنَحْوِهِ. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث بكر هَذَا فَقَالَ: يرويهِ حميد عَنهُ عَن رجل، عَن أبي سعيد، وأرسله حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد، عَن بكر «أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَأَى فِيمَا يرَى النَّائِم ... » الحَدِيث. وَقَالَ ابْن جحادة، عَن بكر أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ عَاصِم (عَن) بكر «إِن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَلم يسمه، قَالَ: [وَقَول مُسَدّد عَن هشيم أشبههَا بِالصَّوَابِ] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «كَانَ إِذا مر فِي قِرَاءَته بِالسُّجُود كبر وَسجد» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث السَّابِع مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تَحْرِيمهَا التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب صفة الصَّلَاة؛ فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى رجلا (نغاشيًّا) فَخر سَاجِدا ثمَّ قَالَ: أسأَل الله الْعَافِيَة» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِلَفْظ: «رَأَى رجلا نغاشيًّا؛ فَسجدَ شكرا لله» وَرَوَاهُ فِي الْقَدِيم بلاغًا؛ كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» ، وَذكره الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مستشهدًا بِهِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 حَدِيث أبي بكرَة فِي سُجُود الشُّكْر الْمَشْهُور فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَغَيره بِلَفْظ «إنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى نغاشيًّا، فَخر سَاجِدا» . وأسنده الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث من جَابر الْجعْفِيّ، عَن أبي جَعْفَر «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى رجلا من النغاشين؛ فَخر سَاجِدا» . وَهَذَا مُنْقَطع، وَجَابِر عرفت حَاله فِي بَاب الْأَذَان، وَغَيره. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» من رِوَايَة جَابر، عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي أَيْضا قَالَ: «رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا نغاشيًّا يُقَال لَهُ: زنيم - قصير - فَخر سَاجِدا، ثمَّ قَالَ: أسأَل الله الْعَافِيَة» . قَالَ فِي «السّنَن» : هَذَا مُنْقَطع (رَوَاهُ) جَابر الْجعْفِيّ، وَله شَاهد من وَجه آخر ... فَذكره من جِهَة أُخْرَى بِمَعْنَاهُ، وَسَماهُ فِي «الْمعرفَة» مُرْسلا، قَالَ: وَله شَاهد يؤكده ... فَذكره. قلت: وأسنده ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» من وجهٍ آخر من حَدِيث يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 (إِذا رَأَى الرجل مغير الْخلق خر سَاجِدا شكرا لله» ثمَّ قَالَ: يُوسُف يروي عَن أَبِيه مَا لَيْسَ من حَدِيث أَبِيه من الْمَنَاكِير الَّتِي لَا يشك عوام (أهل) الحَدِيث أَنَّهَا مَقْلُوبَة، وَكَانَ يُوسُف شَيخا صَالحا مِمَّن غلب عَلَيْهِ (الصّلاح) حَتَّى غفل عَن حد الْحِفْظ والإتقان، فَكَانَ يَأْتِي بالشَّيْء عَلَى التَّوَهُّم؛ فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي: حَدِيث جَابر - فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر. فَائِدَة: النُّغاشي - بِضَم النُّون وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة المخففة ثمَّ ألف ثمَّ شين مُعْجمَة - وَهُوَ الرجل الْقصير، كَمَا سلف فِي متن الحَدِيث، وَكَذَا فسره بِهِ ابْن فَارس وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (وَزَاد فِي «غَرِيبه» : الضَّعِيف الْحَرَكَة، وَكَذَا هُوَ فِي «المعرب» للمطرزي فَقَالَ: هُوَ الْقصير فِي [الْقَامَة] الضَّعِيف الْحَرَكَة (وَقَالَ فِي (زنيم) «رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رجلا نغاشيًّا يُقَال لَهُ: (زنيم) فَخر سَاجِدا» قَالَ: فَهَذَا عَلَى هَذَا اسْم علم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 الرجل بِعَيْنِه، وَقد أسلفنا هَذِه الرِّوَايَة) وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» فِي الحَدِيث «إِنَّه رَأَى نغاشيًّا» وَيروَى «نغاشًا فَسجدَ» قَالَ (أَبُو عبيد) وَهُوَ (القصنصع الْبُنيان) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: النغاشيون هم: الْقصار الصغار الْحَرَكَة، والقَلَطي فَوق النغاشي. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: النغاش الْقصير الضاوي الصَّغِير الجثة. قَالَ: وَنصب «شكرا لله» لِأَنَّهُ مصدر، وَفِيه قَول آخر إِنَّه نصب؛ لِأَنَّهُ مفعول لَهُ. وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن: النغاشي: النَّاقِص الْخلقَة. وَقيل: هُوَ مختلط الْعقل. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ: هُوَ النَّاقِص الْخلق. وَقيل: الْمُبْتَلَى. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : النغاشي [بتَشْديد الْيَاء] والنغاش - بحذفها - هُوَ: الْقصير جدًّا الضَّعِيف الْحَرَكَة (النَّاقِص الْخلق. وَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير، وَهَذِه الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة) . الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد فَأطَال، فَلَمَّا رفع قيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن من صَلَّى عليِّ مرّة صَلَّى الله عَلَيْهِ عشرا، فسجدت شكرا لله تَعَالَى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن عَمْرو بن عَاصِم، عَن عبد الْوَهَّاب بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 (نجدة) الحوطي، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد (عَن) عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عبد الْوَاحِد - وَهُوَ ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف - عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (سجد سَجْدَة) (فَأطَال) فَرفع رَأسه فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن جِبْرِيل لَقِيَنِي فَقَالَ: من صَلَّى عَلَيْك صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ - أَحْسبهُ قَالَ: عشرا - فسجدت لله شكرا» كَذَا رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب، وَخَالفهُ غَيره؛ فَرَوَاهُ عَن الدَّرَاورْدِي، عَن عَمْرو من غير ذكر الْأَب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ - وَأثبت البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» سَماع عبد الْوَاحِد (وَحده) ، وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم أَيْضا عَن أَبِيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 قلت: وَعَمْرو بن أبي عَمْرو هُوَ: مولَى الْمطلب (وَفِيه لين) (وَسَتَأْتِي أَيْضا رِوَايَة الإِمَام أَحْمد وَغَيره لَهُ) وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» والعقيلي فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» وَاللَّفْظ لَهُ من حَدِيث (سعد) بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجد فَأطَال السُّجُود، قلت: يَا رَسُول الله، أطلت السُّجُود. فَقَالَ: سجدت شكرا لرَبي فِيمَا (آتَانِي) فِي أمتِي: من صَلَّى عليَّ صَلَاة كتبت لَهُ عشر حَسَنَات» . وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» بِهَذَا الْإِسْنَاد وَاللَّفْظ إِلَى قَوْله: «لرَبي» . قَالَ الْعقيلِيّ: (قَالَ البُخَارِيّ:) هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ عَن سعد بن إِبْرَاهِيم إِلَّا قيس بن عبد الرَّحْمَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 بن أبي صعصعة، وَلَا رَوَاهُ عَن قيس سُوَى مُوسَى بن (عُبَيْدَة) قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف من وَجه آخر غير مُتَّصِل عَنهُ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا يرْوَى من وجهٍ آخر بِإِسْنَاد جيد (ثَابت) . قلت: رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من طرق عَنهُ مدارها عَلَى عَمْرو بن أبي عَمْرو، لَفظه فِي أَحدهَا «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتوجه نَحْو صدقته فَدخل فَاسْتقْبل الْقبْلَة، فَخر سَاجِدا فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَن الله عَزَّ وَجَلَّ قبض نَفسه فِيهَا، فدنوت مِنْهُ ثمَّ جَلَست فَرفع رَأسه، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقلت: عبد الرَّحْمَن. قَالَ: مَا شَأْنك؟ قلت: يَا رَسُول الله، سجدت سَجْدَة خشيت أَن يكون الله عَزَّ وَجَلَّ قد قبض نَفسك فِيهَا. فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فبشرني فَقَالَ: إِن الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُول لَك: من صَلَّى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ؛ فسجدت لله عَزَّ وَجَلَّ شكرا» . وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم وَقَالَ: «وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ قَالَ: - أَحْسبهُ عشرا - قَالَ: فسجدت لله شكرا» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: «دخلت الْمَسْجِد وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَارج من الْمَسْجِد فتتبعته أَمْشِي وَرَاءه وَهُوَ لَا يشْعر حَتَّى دخل نخلا، فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَسجدَ فَأطَال السُّجُود وَأَنا وَرَاءه حَتَّى ظَنَنْت أَن الله قد توفاه، فَأَقْبَلت حَتَّى جِئْته، فطأطأت رَأْسِي أنظر فِي وَجهه فَرفع رَأسه فَقَالَ: مَا لَك يَا عبد الرَّحْمَن؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 فَقلت: لما أطلت (السُّجُود) يَا رَسُول الله خشيت أَن يكون توفى نَفسك فَجئْت أنظر. فَقَالَ: إِنِّي لما دخلت النّخل لَقِيَنِي جِبْرِيل فَقَالَ: إِنِّي أُبَشِّرك أَن الله يَقُول: من سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ، وَمن صَلَّى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ (قَالَ:) وَلَا أعلم فِي سَجْدَة الشُّكْر أصح مِنْهُ، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَذكر اخْتِلَافا فِي إِسْنَاده، وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «سجد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَجْدَة فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَن الله قبض روحه، ثمَّ رفع رَأسه فَسَأَلته عَن ذَلِك. فَقَالَ: إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لَقِيَنِي فَقَالَ: من صَلَّى عَلَيْك صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ - أَحْسبهُ قَالَ: عشرا - فسجدت لله شكرا» وَرَوَاهُ [عمر بن أبي عَمْرو، عَن] عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: حَدِيث أبي سعيد وهم، وَالصَّوَاب: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة: الأول: عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَر سُورَة السَّجْدَة، فَنزل (فَسجدَ) وَسجد النَّاس مَعَه، فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمُعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 الْأُخْرَى قَرَأَهَا فتهيأ النَّاس للسُّجُود، فَقَالَ: عَلَى رسلكُمْ؛ إِن الله لم يَكْتُبهَا علينا إِلَّا أَن نشَاء» . وَهُوَ أثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن عمر قَرَأَ السَّجْدَة وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة فَنزل وَسجد وسجدنا مَعَه، ثمَّ قَرَأَ يَوْم الْجُمُعَة الْأُخْرَى فتهيأ النَّاس للسُّجُود، فَقَالَ: عَلَى رسلكُمْ؛ إِن الله لم يَكْتُبهَا علينا إِلَّا أَن نشَاء. فَلم يسْجد ومنعهم أَن يسجدوا» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَلَفظه: «إِن عمر قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَر سُورَة النَّحْل، حَتَّى إِذا جَاءَ السَّجْدَة نزل فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه، حَتَّى إِذا كَانَت الْجُمُعَة الْقَابِلَة قَرَأَ بهَا حَتَّى إِذا جَاءَ للسجدة قَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّا لم نؤمر بِالسُّجُود؛ فَمن سجد فقد أصَاب، وَمن لم يسْجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَلم يسْجد عمر» . قَالَ البُخَارِيّ: وَزَاد نَافِع عَن ابْن عمر: «إِن الله لم يفْرض السُّجُود إِلَّا أَن نشَاء» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّا لم نؤمر بِالسُّجُود؛ فَمن سجد فقد أصَاب وَأحسن» ثمَّ قَالَ: وَشَاهده الْمُرْسل: حَدِيث هِشَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 بن عُرْوَة، عَن أَبِيه ... فَذكره. تَنْبِيهَانِ: التَّنْبِيه الأول: قَوْله: «إِلَّا أَن نشَاء» الظَّاهِر أَنه بالنُّون لَا بِالْمُثَنَّاةِ تَحت. الثَّانِي: قَالَ القَاضِي فِي «مشارقه» : عَلَى رسلك، وَعَلَى رِسْلكُمَا، وَعَلَى رسلكُمْ - بِكَسْر الرَّاء (فِي) هَذَا وَفتحهَا مَعًا، فبكسرها: عَلَى تؤدتكم، وَبِفَتْحِهَا من اللين والرفق، وَأَصله السّير اللين، وَمَعْنَاهُ مُتَقَارب، وَقيل: هما مَعْنَى من التؤدة وَترك العجلة. الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ لَا يسْجد فِي (ص) .» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي كِتَابيه «الْمعرفَة» و «السّنَن» وَزَاد: «وَيَقُول: إِنَّهَا تَوْبَة نَبِي» قَالَ فِي «السّنَن» : وروينا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة «أَنهم كَانُوا يَسْجُدُونَ فِي (ص (ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده، وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة» : روينَا ذَلِك عَن (عمر، وَعُثْمَان) وروينا عَن (ابْن) عمر «أَنه يسْجد فِيهَا فِي الصَّلَاة» . الْأَثر الثَّالِث: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه مر بقاصٍّ فَقَرَأَ آيَة السَّجْدَة ليسجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 عُثْمَان مَعَه، فَلم يسْجد وَقَالَ: مَا [استمعنا لَهَا] » . وَهَذَا الْأَثر غَرِيب، كَذَلِك لم أَقف عَلَى من خرجه بِهَذِهِ السِّيَاقَة وَفِي «البُخَارِيّ» قَالَ عُثْمَان: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من استمعها» وَفِي ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن ابْن أبي عرُوبَة (عَن قَتَادَة، عَن ابْن الْمسيب، عَن عُثْمَان قَالَ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا» ) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رُوِيَ عَن ابْن الْمسيب، عَن عُثْمَان قَالَ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا وأنصت» . الْأَثر الرَّابِع: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «السَّجْدَة لمن جلس لَهَا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا» وَرَوَى مثله عَن سلمَان وَابْن الْمسيب. قَالَ: وَيذكر عَن ابْن عمر نَحوه. خَاتِمَة: لما ذكر الرَّافِعِيّ عَن الْجُوَيْنِيّ أَنه لَا يجوز التَّقَرُّب بِسَجْدَة فَرده من غير سَبَب، كَمَا لَا يجوز التَّقَرُّب بركوع مُفْرد أَو نَحوه، والعبادات يتبع فِيهَا الْوُرُود، وَظَاهر هَذَا عدم وُرُود ذَلِك هُنَا، لَكِن فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث ثَوْبَان وَأبي الدَّرْدَاء: «عَلَيْك بِكَثْرَة السُّجُود» وَحمله النَّوَوِيّ عَلَى أَن المُرَاد بِهِ السُّجُود فِي الصَّلَاة، وَالْقَائِل بِجَوَاز مثل ذَلِك يمنعهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 بَاب صَلَاة التَّطَوُّع ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فسبعة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فِي بَيته، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء فِي بَيته، قَالَ: وحدثتني أُخْتِي حَفْصَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين حِين يطلع الْفجْر» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من هَذَا الْوَجْه بِمَعْنَاهُ، وَزِيَادَة: «رَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة فِي بَيته» (والأخير) للْبُخَارِيّ وَلمُسلم مَعْنَاهُ أَيْضا. الحَدِيث الثَّانِي عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ثابر عَلَى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة من السُّنة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة: أَربع قبل الظّهْر ... » وَالْبَاقِي كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه كَذَلِك من رِوَايَة الْمُغيرَة (بن) زِيَاد، عَن عَطاء عَنْهَا وَلَفْظهمَا فِي الْبَاقِي: «وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «من ثابر عَلَى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة دخل الْجنَّة ... » وَذكر بَاقِيه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، والمغيرة تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه. قلت: قَالَ (أَحْمد: ضَعِيف الحَدِيث، حدث بِأَحَادِيث مَنَاكِير وكل حَدِيث رَفعه فَهُوَ مُنكر. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ وَكِيع: كَانَ ثِقَة. وَكَذَلِكَ) قَالَ يَحْيَى فِي رِوَايَة: وَوَثَّقَهُ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ. وَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 النَّسَائِيّ: هَذَا خطأ، قَالَ: وَلَعَلَّ عَطاء أَرَادَ أَن يَقُول: عَنْبَسَة فتصحف بعائشة. وَقَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» : الْمَحْفُوظ فِي هَذَا حَدِيث عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان، عَن أم حَبِيبَة. قلت: فَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، وَلَفظه عَنْهَا: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من صَلَّى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي يَوْم وَلَيْلَة يُبْنَى لَهُ بِهن بَيت فِي الْجنَّة ... » وَفِي آخِره: «مَا من عبد مُسلم يتَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ صَلَّى فِي كل يَوْم ... » بِمثلِهِ، وَفِي آخر: «سَجْدَة» بدل «رَكْعَة» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «من صَلَّى فِي يَوْم وَلَيْلَة ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بُني لَهُ بَيت فِي الْجنَّة: أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. (وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» هَكَذَا لكنهما قَالَا: «وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر» بدل «رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء» ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من طرق عَن عَنْبَسَة وَغَيره مَرْفُوعا كَرِوَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 مُسلم، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيقين لَفظه فِي أَحدهمَا: «من صَلَّى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي يَوْم بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب (وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) وَرَكْعَتَيْنِ قبل الصُّبْح» وَلَفظه فِي الآخر كَلَفْظِ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان، ثمَّ قَالَ: كلا الإسنادين صَحِيحَانِ عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ) وَلم يخرجَاهُ. (قَالَ) : وشواهده كلهَا صَحِيحَة؛ فَمِنْهَا مُتَابعَة النُّعْمَان بن سَالم وَمَكْحُول الْفَقِيه. ثمَّ ذكر ذَلِك (عَنْهُمَا) بأسانيده. فَائِدَة: ثابر - بثاء مُثَلّثَة ثمَّ ألف ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ رَاء - أَي: واظب. الحَدِيث الثَّالِث أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رحم الله امْرأ صَلَّى قبل الْعَصْر أَرْبعا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، نَا مُحَمَّد بن مُسلم بن مهْرَان سمع جده، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: نَا ابْن مهْرَان، حَدثنِي جدي أَبُو الْمثنى ... فَذكر كنيته. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث سكت عَنهُ عبد الْحق متسامحًا - فِيمَا أرَى - لكَونه من فَضَائِل الْأَعْمَال، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن مُحَمَّد بن مهْرَان، عَن (أبي) الْمثنى، عَن ابْن عمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وَمُحَمّد بن مهْرَان يكنى - أَيْضا - أَبَا الْمثنى وَهُوَ مُحَمَّد بن مهْرَان بن مُسلم بن مهْرَان. كَذَا يَقُول ابْن معِين، وَغَيره يَقُول: مُحَمَّد بن مهْرَان بن (مُسلم) بن الْمثنى، وَابْن أبي حَاتِم وأَبُو أَحْمد يَقُولَانِ: مُحَمَّد بن مُسلم بن مهْرَان بن مُسلم بن الْمثنى، وَمُسلم بن الْمثنى هُوَ جده يكنى أَبَا الْمثنى، وَهُوَ مُؤذن مَسْجِد الْكُوفَة، وَهُوَ ثِقَة، فَأَما حفيده مُحَمَّد بن مهْرَان فَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: رَوَى عَنهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ أَحَادِيث مُنكرَة. وَلم يرضه يَحْيَى الْقطَّان. وَهَذَا الحَدِيث - كَمَا ترَى - هُوَ من رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنهُ، وَقد ذكره أَبُو أَحْمد فِي جملَة مَا أورد مِمَّا أنكر عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي بَابه: إِن حَدِيثه يسير لَا يتَبَيَّن بِهِ صدقه من كذبه. قلت: وَأما ابْن حبَان فَخَالف؛ فَذكر مُحَمَّد بن مهْرَان فِي (ثقاته) ، وَأخرج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، عَن أبي دَاوُد عَنهُ، عَن جده، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ السالف، ثمَّ قَالَ: أَبُو الْمثنى هَذَا اسْمه مُسلم بن الْمثنى، من ثِقَات أهل الْكُوفَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 قَالَ: وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «أَرْبعا» أَرَادَ بتسليمتين؛ لِأَن فِي خبر يعْلى بن عَطاء، عَن عَلّي بن عبد الله الْأَزْدِيّ، عَن (ابْن عمر) رَفعه: «صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: سَأَلت أَبَا الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن حَدِيث: مُحَمَّد بن مُسلم بن الْمثنى، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: « (رحم الله من صَلَّى قبل الْعَصْر أَرْبعا» فَقَالَ: دع ذَا - فَقلت: إِن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ. فَقَالَ أَبُو الْوَلِيد: كَانَ ابْن عمر يَقُول: «حفظت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) عشر رَكْعَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ... » فَلَو كَانَ هَذَا لعده، قَالَ أبي [يَعْنِي] كَانَ يَقُول: «حفظت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة ... » انْتَهَى كَلَامه. وَلَك أَن تَقول: هَذَا لَيْسَ بعلة (فَإِن ابْن عمر أخبر فِي ذَلِك عَمَّا حفظه من فعله عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَذَا عَمَّا حث عَلَيْهِ) فَلَا تنَافِي بَينهمَا. الحَدِيث الرَّابِع عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي قبل الْعَصْر أَرْبعا، يفصل بَين كل رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ» . هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي أَوَاخِر بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة؛ فَرَاجعه مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 الحَدِيث الْخَامِس عَن أم حَبِيبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من حَافظ عَلَى أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله عَلَى النَّار» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث: عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان، عَنْهَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ «من صَلَّى» بدل «من حَافظ» وَفِي لفظ للنسائي «فتمس وَجهه النَّار أبدا - إِن شَاءَ الله» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مَكْحُول عَنهُ، وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة حسان بن عَطِيَّة عَنهُ، وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الله بن المُهَاجر الشعيثي عَنهُ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَذكر أَبُو زرْعَة وَهِشَام بن عمار وَالنَّسَائِيّ أَن مَكْحُولًا لم يسمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 من عَنْبَسَة، وَخَالفهُم غَيرهم كَمَا ذكر عَنْهُم فِي بَاب الإحداث فِي حَدِيث أم حَبِيبَة فِي مس الْفرج، لَا جرم أخرجه [الْحَاكِم] من طَرِيقه، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن - صَاحب أبي أُمَامَة - عَن عَنْبَسَة قَالَ: سَمِعت أُخْتِي أم حَبِيبَة - زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَقول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من حَافظ عَلَى أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله عَلَى النَّار» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه قَالَ: وَالقَاسِم هَذَا ثِقَة شَامي. قلت: وَوَثَّقَهُ أَيْضا ابْن معِين والجوزجاني، وَضَعفه أَحْمد وَابْن حبَان، قَالَ أَحْمد: هُوَ مُنكر الحَدِيث، حدث عَنهُ عَلّي بن يزِيد أَعَاجِيب، وَمَا أَرَاهَا إِلَّا من قبل الْقَاسِم. وَقَالَ ابْن حبَان، كَانَ يروي عَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَآله: المعضلات. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «مَا من عبد مُؤمن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات بعد الظّهْر فتمس وَجهه النَّار أبدا - إِن شَاءَ الله» كَمَا سلف. وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان بن حَرْب عَن أم حَبِيبَة بِاللَّفْظِ السالف أَولا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 الحَدِيث السَّادِس عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صليت الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قيل لَهُ: رآكم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: نعم رآنا، فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ عَن أنس: «كُنَّا نصلي عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكْعَتَيْنِ بعد غرُوب الشَّمْس قبل الْمغرب، فَقيل لَهُ: أَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلاهما؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نصليهما، فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا» . وَاللَّفْظ الَّذِي سَاقه الرَّافِعِيّ أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْقَائِل لأنس هُوَ الْمُخْتَار بن فلفل. الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «مَا رَأَيْت أحدا يُصَلِّي قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ عَلَى عهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن عَن طَاوس قَالَ: «سُئِلَ ابْن عمر عَن الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب فَقَالَ: مَا رَأَيْت [أحدا عَلَى عهد] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّيهمَا وَرخّص فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ - بعد أَن رَوَاهُ -: القَوْل فِي هَذَا قَول من شَاهد دون من لم يُشَاهد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 الحَدِيث الثَّامِن عَن عبد الله بن مُغفل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ. قَالَ فِي الثَّالِثَة: لمن شَاءَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَفْظ: «صلوا قبل صَلَاة الْمغرب. قَالَ فِي الثَّالِثَة: لمن شَاءَ؛ كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة» . هَذَا لَفظه هُنَا وَفِي الِاعْتِصَام. وَوَقع فِي «جَامع المسانيد» لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَنه مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَمَا ذكره، إِنَّمَا هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ. ثمَّ قَالَ: صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ لمن شَاءَ. خشيَة أَن يتخذها النَّاس سنة» . رَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك وَقَالَ: «كَرَاهِيَة» بدل «خشيَة» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «خشيَة أَن يحسبها النَّاس سنة» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِزِيَادَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام يُصليهَا» وَهُوَ من الْفَوَائِد الجليلة وَهَذَا لَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ. ثمَّ قَالَ عِنْد الثَّالِثَة: لمن شَاءَ. خَافَ أَن يحسبها النَّاس سنة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عبد الله بن مُغفل أَيْضا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «بَين كل أذانين صَلَاة - قَالَهَا ثَلَاثًا - قَالَ فِي الثَّالِثَة: لمن شَاءَ» . وَفِي أَفْرَاد (مُسلم» : «قَالَ فِي الرَّابِعَة: لمن شَاءَ» وَلأَحْمَد: «بَين كل أذانين صَلَاة - ثَلَاث مَرَّات - لمن شَاءَ» . وللبيهقي: «بَين كل أذانين صَلَاة مَا خلا الْمغرب» . وَهِي ضَعِيفَة كَمَا بَينهَا ابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حزم، وَإِن أقرها بعض شُيُوخنَا. الحَدِيث التَّاسِع عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أحب أَن يُوتر بِخمْس فَلْيفْعَل، وَمن أحب أَن يُوتر بِثَلَاث فَلْيفْعَل، وَمن أحب أَن يُوتر بِوَاحِدَة فَلْيفْعَل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ (أَحْمد فِي «مُسْنده» ) وَأَبُو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَلَفظ أَحْمد: «أوتر بِخمْس، فَإِن لم تستطع فبثلاث، فَإِن لم تستطع فبواحدة، فَإِن لم تستطع فأومئ إِيمَاء» . وَلَفظ أبي دَاوُد: «الْوتر حق عَلَى كل مُسلم؛ فَمن أحب أَن يُوتر بِخمْس ... » إِلَى آخِره. وَلَفظ (أبي دَاوُد) مثله بِزِيَادَة: «وَمن شَاءَ أوتر أَوْمَأ إِيمَاء» وَفِي رِوَايَة لَهُ زِيَادَة فِي أَوله وَهِي: «فَمن شَاءَ أَن يُوتر بِسبع فَلْيفْعَل» . وَلَفظ ابْن مَاجَه: «الْوتر حق، فَمن شَاءَ أَن يُوتر بِخمْس ... » إِلَى آخِره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وللدارقطني أَلْفَاظ: أَحدهَا: «الْوتر حق، فَمن شَاءَ فليوتر بِخمْس، وَمن شَاءَ فليوتر بِثَلَاث، وَمن شَاءَ فليوتر بِوَاحِدَة» . ثَانِيهَا: «الْوتر خمس أَو ثَلَاث أَو وَاحِدَة» . ثَالِثهَا: «الْوتر حق؛ فَمن شَاءَ أوتر بِسبع، وَمن شَاءَ أوتر بِخمْس وَمن شَاءَ أوتر بِثَلَاث، وَمن شَاءَ أوتر بِوَاحِدَة» . رَابِعهَا: «أوتر (بِخمْس) ) إِلَى آخِره كَمَا سلف عَن رِوَايَة أَحْمد. خَامِسهَا: «الْوتر حق، فَمن شَاءَ يُوتر بِخمْس، وَمن شَاءَ فليوتر بِثَلَاث، وَمن شَاءَ أَن يُوتر بِرَكْعَة، وَمن لم يسْتَطع إِلَّا أَن يُومِئ فليومئ» . وَلابْن حبَان أَلْفَاظ: أَحدهَا: «الْوتر حق، فَمن أحب أَن يُوتر بِخمْس فليوتر، وَمن أحب أَن يُوتر بِثَلَاث فليوتر، وَمن أحب (أَن) يُوتر (بِوَاحِدَة) فليوتر، وَمن غَلبه ذَلِك فليومئ إِيمَاء» . ثَانِيهَا: «الْوتر حق، فَمن شَاءَ فليوتر بِخمْس ... » إِلَى آخِره كَمَا سلف فِي اللَّفْظ الأول للدارقطني. ثَالِثهَا: كَالْأولِ. وَلَفظ الْحَاكِم: «الْوتر حق، فَمن شَاءَ فليوتر بِخمْس، وَمن شَاءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 فليوتر بِثَلَاث، وَمن شَاءَ فليوتر بِوَاحِدَة» . قَالَ النَّسَائِيّ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا عَلَى أبي أَيُّوب وَهُوَ أولَى بِالصَّوَابِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا رَوَاهُ عدي بن الْفضل، عَن معمر مُسْندًا، وَوَقفه عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، وَوَقفه أَيْضا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَاخْتلف عَنهُ. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ: وَقد تَابعه [مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ] وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وسُفْيَان بن حُسَيْن وَمعمر بن رَاشد وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَبكر بن وَائِل عَلَى رَفعه. ثمَّ سَاق ذَلِك بأسانيده، فَفِي لفظ: «الْوتر خمس، أَو ثَلَاث، أَو وَاحِدَة» وَفِي آخر: «الْوتر حق، فَمن شَاءَ أوتر بِثَلَاث، وَمن شَاءَ أوتر بِخمْس، وَمن أحب أَن يُوتر بِوَاحِدَة فليوتر بِوَاحِدَة ... » وَفِي آخر: «أوتر بِخمْس، فَإِن لم تستطع فبثلاث، فَإِن لم تستطع فبواحدة، فَإِن لم تستطع فأومئ إِيمَاء» . ثمَّ قَالَ - أَعنِي: الْحَاكِم -: لست أَشك أَن الشَّيْخَيْنِ تركا هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 الحَدِيث إِلَّا لتوقيف بعض أَصْحَاب الزُّهْرِيّ إِيَّاه. قَالَ: وَمثل هَذَا لَا يُعلل هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِي رَفعه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الذهلي: وَالْأَشْبَه وَقفه. قَالَ: وَلأَجل اختلافه تَركه الشَّيْخَانِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ: أَيّمَا أصح فِيهِ طَرِيق الْوَصْل أَو الْإِرْسَال؟ فَقَالَ: لَا هَذَا وَلَا هَذَا، هُوَ من كَلَام أبي أَيُّوب. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : الَّذين (وَقَفُوهُ) عَن معمر أثبت مِمَّن رَفعه. وَخَالف ابْن الْقطَّان فنحا إِلَى مَا قَالَه الْحَاكِم فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِيهِ رَفعه قوم عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَطاء بن يزِيد، عَن أبي أَيُّوب، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَوَقفه آخَرُونَ، وَكلهمْ ثِقَة، فَيَنْبَغِي أَن يكون القَوْل فِيهِ قَول من رَفعه؛ لِأَنَّهُ حفظ مَا لم يحفظ واقفه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ: «الْوتر حق، وَلَيْسَ بِوَاجِب» . وَهَذِه الرِّوَايَة لم أَقف عَلَى من خرجها بعد الْبَحْث الشَّديد عَن طرق هَذَا الحَدِيث، وَعَزاهَا الْمجد ابْن تَيْمِية فِي «أَحْكَامه» إِلَى رِوَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 ابْن الْمُنْذر فِي هَذَا الحَدِيث. وَذكرهَا الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي «مهذبه» . وَأما الْمُنْذِرِيّ فَإِنَّهُ أسقطها وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهَا. وَأما النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شَرحه» : إِنَّهَا غَرِيبَة لَا أعرف لَهَا إِسْنَادًا صَحِيحا. قلت: وَفِي «الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث أبي أَيُّوب أَيْضا: «الْوتر حق وَاجِب، فَمن شَاءَ (فليوتر بِثَلَاث فليوتر) ، وَمن شَاءَ أَن يُوتر بِوَاحِدَة فليوتر بِوَاحِدَة» وَفِي إسنادها: مُحَمَّد بن حسان الْأَزْرَق، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : ضَعَّفُوهُ. قلت: لَا، بل وثقوه (كَابْن أبي حَاتِم) وَأبي حَاتِم بن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم، وَلَا نعلم أحدا ضعفه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : قَوْله: «وَاجِب» لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَلَا أعلم أحدا تَابع ابْن حسان عَلَى ذَلِك. قَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ مِمَّا انْفَرد بِهِ الثِّقَة؛ فَإِن مُحَمَّد بن حسان الْأَزْرَق ثِقَة صَدُوق. قَالَه ابْن أبي حَاتِم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : وهم فِي رَفعه، وَالصَّحِيح وَقفه عَلَى أبي أَيُّوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 قلت: وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: «الْوتر حسن جميل، عمل بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن بعده، وَلَيْسَ بِوَاجِب» . قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرطهمَا، وَله شَوَاهِد. فَذكرهَا بأسانيده. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : رُوَاته ثِقَات. الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوتر حق مسنون، فَمن أحب أَن يُوتر بِثَلَاث فَلْيفْعَل» . هَذَا الحَدِيث قد فَرغْنَا الْآن من إِيرَاد طرقه وَأَلْفَاظه، وَلَيْسَ فِيهَا هَذِه الزِّيَادَة، وَهِي: «مسنون» . الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُوتر بِسبع رَكْعَات» . هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه بيضت لَهُ مُدَّة (عزيزة) ، وتطلبه ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» فَلم يظفر بِهِ وَقَالَ: (لم) أر من خرجه. وَقد ظَفرت بِهِ - بِحَمْد الله - فِي كتابين جليلين: «مُسْند الإِمَام أَحْمد» و «مُعْجم الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير) روياه من حَدِيث عمَارَة، عَن أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 غَالب، عَن أبي أُمَامَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُوتر بتسع رَكْعَات، فَلَمَّا بدن وَكثر لَحْمه أوتر بِسبع وَصَلى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس يقْرَأ فيهمَا: (إِذا زلزلت) و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) .» . وَعمارَة هَذَا قَالَ خَ: رُبمَا يضطرب فِي حَدِيثه. وَقَالَ أَحْمد: لَهُ مَنَاكِير. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف - وَقَالَ د: لَيْسَ بِذَاكَ - وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. زَاد ابْن عدي: مِمَّن يكْتب حَدِيثه. قلت: وَتَابعه أَبُو قبيصَة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث يُونُس بن بكير عَنهُ، عَن أبي غَالب، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُوتر بتسع، فَلَمَّا ثقل أوتر بِسبع» . وَأَبُو غَالب اسْمه: حزوّر. قَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : «وبدّن» - مشدد - مَعْنَاهُ كبر، وَمن خفف فقد غلط؛ لِأَن مَعْنَاهُ كَثْرَة اللَّحْم، وَلَيْسَ من صِفَاته. قَالَ: وَأَبُو غَالب اسْمه: حزور، وَلَا يلْتَفت إِلَى رِوَايَته، وَالظَّاهِر أَنه رَوَاهُ بِمَا يَظُنّهُ الْمَعْنى. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أوتروا بِخمْس أَو بِسبع أَو بتسع أَو إِحْدَى عشرَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَلَفْظهمْ: «لَا توتروا بِثَلَاث، أوتروا بِخمْس أَو سبع، وَلَا تشبهوا بِصَلَاة الْمغرب» . وَلَفظ الرِّوَايَة الْأُخْرَى للْحَاكِم: «لَا توتروا بِثَلَاث، وَلَا تشبهوا (بِصَلَاة الْمغرب) ، وَلَكِن أوتروا بِخمْس أَو بِسبع أَو بتسع أَو بِإِحْدَى عشرَة رَكْعَة أَو أَكثر من ذَلِك» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : رِجَاله كلهم ثِقَات. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «لم يكن يُوتر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأَكْثَرَ من ثَلَاث عشرَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح: (بِلَفْظ) «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُوتر بِأَرْبَع وَثَلَاث، وست وَثَلَاث، وثمان وَثَلَاث، وَعشر وَثَلَاث، وَلم يكن يُوتر بأنقص من سبع وَلَا بِأَكْثَرَ من ثَلَاث عشرَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُوتر بِثَلَاث عشرَة، فَلَمَّا كبر وَضعف أوتر بِسبع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْوتر بِثَلَاث عشرَة، وَإِحْدَى عشرَة، وتسع، وَسبع، وَخمْس، وَثَلَاث، وَوَاحِدَة» . قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : صَحَّ وتر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِثَلَاث عشرَة - إِلَى آخر مَا قَالَه التِّرْمِذِيّ - قَالَ وأصحها: وتره عَلَيْهِ السَّلَام بِرَكْعَة وَاحِدَة. وَادَّعَى الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب أَنه الَّذِي واظب عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَأما ابْن الصّلاح فَقَالَ: لَا نعلم فِي رِوَايَات الْوتر مَعَ كثرتها أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أوتر بِوَاحِدَة فَحسب. وَقد ناقشته فِي ذَلِك فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا: أَن صَاحب «النِّهَايَة» حَكَى ترددًا فِي ثُبُوت الْفِعْل فِي الإيتار بِثَلَاث عشرَة، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى ذَلِك فِي الْكتاب الْمَذْكُور؛ فَرَاجعه مِنْهُ. فَائِدَة: قِيَامه (من وتره جَاءَ عَلَى أَنْوَاع: أَحدهَا: تسع رَكْعَات؛ كَمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس، وَفِيه: (أَنه استفتحها بِرَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فيهمَا) ، لَكِن فِي حَدِيث عَائِشَة افتتاحه بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين، وَالظَّاهِر أَنه مقدم عَلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك. ثَانِيهَا: إِحْدَى عشرَة من حَدِيثهَا. ثَالِثهَا: ثَلَاث عشرَة من حَدِيثهَا أَيْضا، كل ذَلِك يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ. رَابِعهَا: ثَمَان رَكْعَات، يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يُوتر بِخمْس لَا يجلس إِلَّا فِي آخِرهنَّ. خَامِسهَا: تسع رَكْعَات، لَا يجلس إِلَّا فِي الثَّامِنَة والتاسعة. سادسها: بِسبع رَكْعَات كَذَلِك، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس. سابعها: «كَانَ يُصَلِّي مثنى مثنى، ثمَّ يُوتر بِثَلَاث لَا يفصل بَينهُنَّ» ضعفه أَحْمد. ثامنها: رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن حُذَيْفَة «أَنه صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي رَمَضَان، فَرَكَعَ فَقَالَ فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم - مِثْلَمَا كَانَ قَائِما - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 ثمَّ جلس يَقُول: رب اغْفِر لي - مِثْلَمَا كَانَ قَائِما - فَمَا صَلَّى إِلَّا أَربع رَكْعَات» . الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُوتر بِخمْس لَا يجلس إِلَّا فِي آخِرهنَّ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ: «كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل ثَلَاث عشرَة رَكْعَة، يُوتر من ذَلِك بِخمْس لَا يجلس فِي شَيْء إِلَّا فِي آخرهَا» . قَالَ عبد الْحق: وَلم يخرج البُخَارِيّ هَذَا اللَّفْظ. وَأما الْحميدِي فَإِنَّهُ عزاهُ إِلَيْهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «مطلبه» فَقَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَمَشى عَلَى ذَلِك عبد الْغَنِيّ فِي «عمدته الْكُبْرَى» و «الصُّغْرَى» . وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» عَنْهَا أَيْضا: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُوتر بِخمْس رَكْعَات لَا يجلس إِلَّا فِي الْخَامِسَة، وَلَا يسلم إِلَّا فِي الْخَامِسَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي «مُسْند الشَّافِعِي» عَنْهَا: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُوتر بِخمْس رَكْعَات لَا يجلس وَلَا يسلم إِلَّا فِي الْأَخِيرَة مِنْهُنَّ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى عَنْهَا أَيْضا: «أَنه أوتر بتسع لم يجلس إِلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 فِي الثَّامِنَة والتاسعة، وبسبع لم يجلس إِلَّا فِي السَّادِسَة وَالسَّابِعَة» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة، أخرجهَا مُسلم مُنْفَردا بهَا من حَدِيث سعد بن هِشَام: قلت: «يَا أم الْمُؤمنِينَ، أَنْبِئِينِي عَن وتر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: كُنَّا نعد لَهُ سواكه وَطهُوره، فيبعثه الله مَتى شَاءَ أَن يَبْعَثهُ من اللَّيْل، فيتسوك وَيتَوَضَّأ وَيُصلي (تسع) رَكْعَات لَا يجلس فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَة، فيذكر الله وَيَحْمَدهُ ويدعوه، ثمَّ ينْهض وَلَا يُسلم، ثمَّ يقوم فَيصَلي التَّاسِعَة ثمَّ يقْعد فيذكر الله وَيَحْمَدهُ ويدعوه، ثمَّ يسلم تَسْلِيمًا يسمعنا، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يسلم وَهُوَ قَاعد، فَتلك إِحْدَى عشرَة يَا بني، فَلَمَّا (أسن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[وَأَخذه] اللَّحْم أوتر بِسبع وصنع فِي الرَّكْعَتَيْنِ مثل صنعه الأول، فَتلك تسع يَا بني، وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاة أحب أَن يداوم عَلَيْهَا» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ «فَلَمَّا أسن وَأخذ اللَّحْم أوتر بِسبع رَكْعَات، لم يجلس إِلَّا فِي السَّادِسَة وَالسَّابِعَة، وَلم يسلم إِلَّا فِي السَّابِعَة» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 وَفِي رِوَايَة للنسائي: «فَلَمَّا أسن وَأَخذه اللَّحْم صَلَّى سبع رَكْعَات، لَا يقْعد إِلَّا فِي آخِرهنَّ» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» : «كَانَ إِذا أوتر بتسع رَكْعَات لم يقْعد إِلَّا فِي الثَّامِنَة وَلَا يسلم ثمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَة، فَلَمَّا كبر وَضعف أوتر بِسبع رَكْعَات لَا يقْعد إِلَّا فِي السَّادِسَة، ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم فَيصَلي السَّابِعَة ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة» . وَقد سلفت الْإِشَارَة إِلَى هَذِه الرِّوَايَة فِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين وَمِائَة من بَاب صفة الصَّلَاة. الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُوتر بِثَلَاث لَا يجلس إِلَّا فِي آخِرهنَّ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سُنَنهمَا) ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَلَفظ أَحْمد: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث لَا يفصل فِيهِنَّ» . وَلَفظ النَّسَائِيّ وَإِحْدَى روايتي الْحَاكِم: «كَانَ لَا يسلم فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الْوتر» . وَلَفظ رِوَايَة الْحَاكِم الْأُخْرَى: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث لَا يقْعد إِلَّا فِي آخِرهنَّ» . قَالَ الْحَاكِم فِي الرِّوَايَة الأولَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ - وَاسْتشْهدَ بالرواية الثَّانِيَة - قَالَ: وَهَذَا وتر أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَعنهُ أَخذ أهل (الْكُوفَة) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : يشبه أَن يكون هَذَا اختصارًا من حَدِيثهَا فِي الإيتار (بتسع) . وَفِي «الْمُنْتَقَى» للمجد ابْن تَيْمِية أَن الإِمَام أَحْمد ضعف إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا توتروا بِثَلَاث فتشبهوا بالمغرب» . هَذَا الحَدِيث تقدم قَرِيبا، وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي عشر. الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك مُنْفَردا بِهِ، وَفِي رِوَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 ابْن مَاجَه: «الْوتر رَكْعَة قبل الصُّبْح» . الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم أَيْضا فِي «صَحِيحه» عَن أبي مجلز قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْوتر فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «رَكْعَة من آخر اللَّيْل» وَلم يذكرهُ عبد الْحق وَلَا الْحميدِي فِي «جَمعهمَا» . الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يفصل بَين الشفع وَالْوتر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي حَمْزَة السكرِي، عَن إِبْرَاهِيم الصَّائِغ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفصل بَين الشفع وَالْوتر بِتَسْلِيمَة يسمعناها» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَقَالَ: « (بِتَسْلِيم) يسمعناه» . وَابْن السكن فِي «صحاحه» وَالطَّبَرَانِيّ وَقَالَ: لم يروه عَن إِبْرَاهِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 الصَّائِغ إِلَّا (أَبُو) حَمْزَة السكرِي. وَإِبْرَاهِيم هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان أَيْضا من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْوَضِين بن عَطاء، عَن سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يفصل بَين الشفع وَالْوتر بِتَسْلِيم يسمعناه» والوضين: قَالَ الإِمَام أَحْمد: مَا كَانَ بِهِ بَأْس. وَلينه غَيره. وَقَالَ مهنا: سَأَلت أَحْمد إِلَى أَي شَيْء تذْهب فِي الْوتر تسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: نعم. قلت: (لأي شَيْء) ؟ قَالَ: لِأَن الْأَحَادِيث فِيهِ أَقْوَى وَأكْثر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الرَّكْعَتَيْنِ. قَالَ حَرْب عَنهُ: إِن التَّسْلِيم ثَبت عَنهُ (. وَقَالَ أَبُو طَالب عَنهُ: أَكثر الحَدِيث وأقواه رَكْعَة، فَأَنا أذهب إِلَيْهَا. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله قد أمدكم بِصَلَاة هِيَ خير لكم من حمر النعم، وَهِي الْوتر، جعلهَا الله لكم فِيمَا بَين صَلَاة الْعشَاء إِلَى أَن يطلع الْفجْر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة خَارِجَة بن حذافة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبد الله بن رَاشد الزوفي، عَن عبد الله بن أبي مرّة الزوفي، عَن خَارِجَة بن حذافة قَالَ: «خرج علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن الله - تَعَالَى - قد أمدكم بِصَلَاة، وَهِي خير لكم من حمر النعم، وَهِي الْوتر فَجَعلهَا فِيمَا بَين الْعشَاء وطلوع الْفجْر» . وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن [ابْن] إِسْحَاق، عَن يزِيد بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن لَهِيعَة عَن [رزين] بن عبد الله الزوفي، عَن عبد الله بن أبي مرّة. أَفَادَهُ الْمزي فِي «أَطْرَافه» . والزوفي مَنْسُوب إِلَى زوف بن زَاهِر وعامتهم بِمصْر. وَاخْتلف الْحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث، فصححه الْحَاكِم، فَإِنَّهُ لما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَرُوَاته مدنيون ومصريون، قَالَ: وَإِنَّمَا تَركه الشَّيْخَانِ لما قَدمته من تفرد التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حسن الْإِسْنَاد. وَأعله جماعات، قَالَ شيخ الصِّنَاعَة أَبُو عبد الله البُخَارِيّ - كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» -: (فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث رجلَانِ لَا يعرفان إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث) وَلَا يعرف سَماع رُوَاته بَعضهم من بعض. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب. وَقَالَ ابْن حبَان: إِسْنَاده مُنْقَطع، و (مَتنه) بَاطِل. مَعَ أَنه ذكر عبد الله بن رَاشد فِي «ثقاته» . وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا الحَدِيث فِي إِسْنَاده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 عبد الله بن رَاشد الزوفي، عَن عبد الله بن أبي مرّة الزوفي، وَلم يسمع مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَكِلَاهُمَا لَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ وَلَا (يكَاد) . قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي مرّة، عَن خَارِجَة، وَلَا يعرف لَهُ سَماع من خَارِجَة. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَإِنَّهُ لما ذكره فِي «تَحْقِيقه» من طَرِيق الإِمَام أَحْمد، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن (ابْن) إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب وَأعله بِابْن إِسْحَاق وَقَالَ: كذبه مَالك. وَبِعَبْد الله بن رَاشد وَقَالَ: ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف إِلَّا بِحَدِيث الْوتر، وَلَا يعرف سَماع ابْن رَاشد من أبي (مرّة) - انْتَهَى مَا ذكره. فَأَما تَضْعِيفه لَهُ بِابْن إِسْحَاق فعجيب؛ فَإِنَّهُ يحْتَج بِهِ فِي غير مَوضِع، وَلم ينْفَرد بِهِ ابْن إِسْحَاق؛ بل تَابعه اللَّيْث بن سعد - كَمَا تقدم - ونقْله عَن الدَّارَقُطْنِيّ تَضْعِيفه بِعَبْد الله بن رَاشد أعجب مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا ضعف عبد الله بن رَاشد الْبَصْرِيّ مولَى عُثْمَان بن عَفَّان - الرَّاوِي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - وَأما رَاوِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ الزوفي أَبُو الضَّحَّاك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 الْمصْرِيّ، وَقد أسلفنا عَن ابْن حبَان أَنه ذكره فِي «الثِّقَات» . الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «زادني رَبِّي صَلَاة، وَهِي الْوتر، ووقتها مَا بَين الْعشَاء إِلَى طُلُوع الْفجْر» . وَفِي إِسْنَاده: عبيد الله بن زحر، وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ، وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات. وَعبد الرَّحْمَن بن رَافع وَفِي حَدِيثه مَنَاكِير كَمَا قَالَ البُخَارِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ إِذا كَانَ من رِوَايَة الأفريقي، وَإِنَّمَا وَقع الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته من أَجله. وَقَالَ الْبَزَّار: مَا نعلم من رَوَى عَنهُ إِلَّا الأفريقي، وَلم يكن بحافظ للْحَدِيث. قلت: قد رَوَى عَنهُ عبيد الله بن زحر وَابْنه إِبْرَاهِيم، وَرَأَيْت من أعله بالانقطاع أَيْضا بِسَبَب عدم إِدْرَاك عبد الرَّحْمَن هَذَا معَاذًا. الطَّرِيق الثَّالِث وَالرَّابِع: من حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ وَعقبَة بن عَامر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «إِن الله عَزَّ وَجَلَّ زادكم صَلَاة خير لكم من حمر النعم: الْوتر، وَهِي لكم فِيمَا بَين صَلَاة الْعشَاء وطلوع الشَّمْس» . وَفِي إِسْنَاده: قُرَّة بن حَيْوِيل، وَهُوَ من الْمُخْتَلف فيهم كَمَا سلف لَك فِي الحَدِيث الرَّابِع عشر من بَاب صفة الصَّلَاة. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي بصرة الْغِفَارِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله عَزَّ وَجَلَّ زادكم صَلَاة، فصلوها فِيمَا بَين صَلَاة الْعشَاء إِلَى الصُّبْح: الْوتر الْوتر» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم فِي تَرْجَمته، وَفِيه: ابْن لَهِيعَة، وحاله مَعْلُومَة سلفت فِي الْوضُوء، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَفِي سَنَده: نعيم بن حَمَّاد وَهُوَ من فرسَان البُخَارِيّ، وَتكلم فِيهِ واتهم بِالْوَضْعِ أَيْضا. وَرُوِيَ مُخْتَصرا بِدُونِ تَبْيِين وقته من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج عَلَيْهِم ترَى الْبُشْرَى وَالسُّرُور فِي وَجهه، فَقَالَ: إِن الله قد أمدكم بِصَلَاة هِيَ الْوتر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إِسْنَاده النَّضر بن عبد الرَّحْمَن أَبُو (عمر) الخزاز، قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. ثَانِيهَا: من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن عَمْرو قَالَ: «مكثنا زَمَانا لَا نزيد عَلَى الصَّلَوَات الْخمس، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَاجْتَمَعْنَا، فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن الله زادكم صَلَاة. فَأمرنَا بالوتر» . وَمُحَمّد هَذَا تَرَكُوهُ، وَتَابعه حجاج بن أَرْطَاة، عَن عَمْرو. رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «إِن الله زادكم صَلَاة، وَهِي الْوتر» . قَالَ أَحْمد: لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ عبد الْحق: وَكَانَ حجاج يُدَلس حَدِيث الْعَرْزَمِي، عَن عَمْرو. ثَالِثهَا: من حَدِيث مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «إِن الله زادكم صَلَاة إِلَى صَلَاتكُمْ، وَهِي الْوتر» . رَوَاهُ أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب، عَن عَمه، عَن مَالك بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 قَالَ ابْن حبَان: لَا يخْفَى عَلَى من كتب حَدِيث ابْن وهب أَن هَذَا الحَدِيث مَوْضُوع، وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن كَانَ يَأْتِي عَن عَمه بِمَا لَا أصل لَهُ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا وتران فِي لَيْلَة» . هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة قيس بن طلق بن عَلّي، عَن أَبِيه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ عبد الْحق: غَيره يُصَحِّحهُ. قلت: قد نقلنا عَن ابْن (حبَان) تَصْحِيحه، لَكِن قد أسلفنا فِي آخر الحَدِيث الثَّالِث عشر، من بَاب الْأَحْدَاث أَن أَحْمد وَيَحْيَى ضعفا قيس بن طلق، وَأَن أَبَا حَاتِم وَأَبا زرْعَة قَالَا: لَا تقوم بِهِ حجَّة (وَذكر الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: قد أَكثر النَّاس فِي قيس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 بن طلق، وَأَنه لَا تقوم بِهِ حجَّة) وَأما ابْن أبي حَاتِم فَنَقَل عَنهُ توثيقه، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأخرج لَهُ فِي «صَحِيحه» وَفِي إِسْنَاده أَيْضا ملازم بن عَمْرو قد وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو زرْعَة (وَالْعجلِي) وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ صَدُوق. وَقَالَ أَبُو بكر الضبعِي: فِيهِ نظر. وَفِي « (علل ابْن أبي) حَاتِم» سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث [أَيهمَا] أصح قيس بن طلق، عَن أَبِيه، أَو قيس بن طلق، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: الأول أصح. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين الْخَبَر الْمَشْهُور «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يُوتر ثمَّ ينَام، ثمَّ يقوم يتهجد، وَأَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ ينَام قبل أَن يُوتر، ثمَّ يقوم وَيُصلي ويوتر فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لأبي بكر: أَنْت [أخذت] بالحزم. وَقَالَ لعمر: أَنْت [أخذت] بِالْقُوَّةِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 هُوَ كَمَا قَالَ، وَله طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: أوتر من أول اللَّيْل. وَقَالَ لعمر: مَتى توتر؟ قَالَ: من آخر اللَّيْل. فَقَالَ لأبي بكر: أَخذ هَذَا بالحزم. وَقَالَ لعمر: أَخذ هَذَا بِالْقُوَّةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ ابْن الْقطَّان: رِجَاله كلهم ثِقَات. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: أوتر قبل أَن أَنَام. وَقَالَ لعمر: مَتى توتر؟ قَالَ: أَنَام ثمَّ أوتر. فَقَالَ لأبي بكر: أخذت بالحزم - أَو بالوثيقة - وَقَالَ لعمر: أخذت بِالْقُوَّةِ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: أوتر ثمَّ أَنَام. قَالَ: بالحزم أخذت. وَسَأَلَ عمر: مَتى توتر؟ قَالَ: أَنَام ثمَّ أقوم من اللَّيْل فأوتر. قَالَ: [فعل] القَويِّ أخذت» رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: «فعلت» بدل «أخذت» ذكره مستشهدًا بِهِ عَلَى حَدِيث أبي قَتَادَة السالف أَولا، وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي «سنَنه» وَالْبَزَّار فِي «مُسْنده» وَقَالَ: لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 نعلم رَوَاهُ عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر إِلَّا يَحْيَى بن سليم. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَيَحْيَى بن سليم وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَمن ضعفه لم يَأْتِ بِحجَّة، وَهُوَ صَدُوق عِنْد الْجَمِيع. قَالَ: فَهُوَ حَدِيث حسن. قَالَ: وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث سعيد بن سِنَان (عَن أبي الزَّاهِرِيَّة) عَن كثير بن مرّة، عَن ابْن عمر (مَرْفُوعا) وَإِسْنَاده ضَعِيف؛ لِأَن سعيد بن سِنَان سيئ الْحِفْظ. قلت: بل هَالك. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن (عقيل) عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: (قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لأبي بكر: أَي حِين توتر؟ قَالَ: أول اللَّيْل بعد الْعَتَمَة. قَالَ: فَأَنت يَا عمر؟ قَالَ: آخر اللَّيْل. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما إِنَّك يَا أَبَا بكر فَأخذت بالوثقى، وَأما أَنْت يَا عمر فَأخذت بِالْقُوَّةِ» . رَوَاهُ كَذَلِك أَحْمد فِي «مُسْنده» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَإِسْنَاده حسن. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن سعيد بن الْمسيب: «أَن أَبَا بكر وَعمر تذاكرا الْوتر عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فأوتر فِي أول اللَّيْل. وَقَالَ عمر: أما أَنا فأوتر آخر اللَّيْل. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حذر هَذَا وَقَوي هَذَا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 رَوَاهُ الْمُزنِيّ، عَن الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن سعيد بِهِ. قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَالَ: قبل أَن أَنَام - أَو قَالَ: أول اللَّيْل - وَقَالَ: يَا عمر، مَتى توتر؟ قَالَ: آخر اللَّيْل. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَلا أضْرب لكم مثلا؟ أما أَنْت يَا أَبَا بكر فكالذي قَالَ: أحرزت نَهْبي وأبتغي النَّوَافِل، وَأما أَنْت يَا عمر فتعمل بِعَمَل الأقوياء» . قَالَ الطَّحَاوِيّ: نَهْبي - يَعْنِي سهمي. وَرَوَاهُ بَقِي بن مخلد فِي (مُسْنده) كَمَا أَفَادَهُ ابْن الْقطَّان، عَن ابْن رمح، نَا اللَّيْث، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن أَبَا بكر وَعمر تذاكرا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ أَبُو بكر: (أما أَنا فأصلي) ثمَّ أَنَام عَلَى وتر، فَإِذا استيقظت صليت شفعًا حَتَّى الصَّباح. قَالَ عمر: لكني أَنَام عَلَى شفع ثمَّ أوتر من السحر. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لأبي بكر: حذر هَذَا. وَقَالَ لعمر: قوي هَذَا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 وَهَكَذَا أَيْضا رَوَاهُ سُفْيَان فِي «مُسْنده» عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد قَالَ: (تَذكرُوا الْوتر عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فأوتر أول اللَّيْل. وَقَالَ عمر: أما أَنا فأوتر آخر اللَّيْل. قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: حذر هَذَا، وَقَوي هَذَا» . وَأعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: ابْن الْمسيب لم يسمع من عمر إِلَّا (نعيه) النُّعْمَان بن مقرن. لَكِن فِي «تَهْذِيب الْكَمَال» للمزي عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه رَآهُ وَسمع مِنْهُ. قَالَ: وَإِذا لم يقبل سعيد عَن عمر فَمن يقبل؟ ! وَقَالَ أَيْضا: مرسلاته (صِحَاح) لَا نرَى أصح مِنْهَا. لَا جرم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: إِسْنَاده ثَابت جيد. قَالَ: وَقد عرف أَن مُرْسل سعيد حجَّة. قلت: اعتضد بالمسند السالف. الطَّرِيق (الْخَامِس) : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا بكر: كَيفَ توتر؟ قَالَ: أوتر أول اللَّيْل. قَالَ: حذر كيس. ثمَّ سَأَلَ عمر: كَيفَ توتر؟ قَالَ: من آخر اللَّيْل. قَالَ: قوي معَان» . رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث سُلَيْمَان بن دَاوُد اليمامي، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة. وَسليمَان هَذَا ضَعَّفُوهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن أبي بكر وَعمر «أَن أَحدهمَا كَانَ يُوتر أول اللَّيْل، وَالْآخر يُوتر آخِره فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حذر هَذَا، وَقَوي هَذَا» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث يرويهِ ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يَعْقُوب [الزبيري] عَن ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ فِيهِ: عَن أبي هُرَيْرَة، وَغَيره يرويهِ عَن ابْن عُيَيْنَة وَلَا يذكر أَبَا هُرَيْرَة يُرْسِلهُ عَن سعيد وَهُوَ الصَّوَاب، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزبيري عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد مُرْسلا. الطَّرِيق (السَّادِس) : عَن عقبَة بن عَامر بِمثلِهِ: «وَقَالَ لأبي بكر: حذر - مرَّتَيْنِ - وَقَالَ لعمر: مُؤمن قوي» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَفِيه ضعف، كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان، وَلم يُنكر عَلَيْهِ و (لم) يعزه لأحد. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اجعلوا آخر صَلَاتكُمْ بِاللَّيْلِ وترا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق (عَلَيْهِ) من هَذَا الْوَجْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من خَافَ مِنْكُم أَن لَا يَسْتَيْقِظ من آخر اللَّيْل فليوتر من أول اللَّيْل، وَمن طمع مِنْكُم أَن يَسْتَيْقِظ فليوتر آخر اللَّيْل؛ فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل مَشْهُودَة، وَذَلِكَ أفضل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ بلفظين أَحدهمَا: «من خَافَ أَن لَا يقوم من آخر اللَّيْل فليوتر أَوله، وَمن طمع أَن يقوم آخِره فليوتر آخر اللَّيْل؛ فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل مَشْهُودَة، وَذَلِكَ أفضل» . ثَانِيهمَا: «أَيّكُم خَافَ أَن لَا يقوم من آخر اللَّيْل فليوتر ثمَّ ليرقد، وَمن وثق (بِقِيَام) من اللَّيْل فليوتر من آخِره؛ فَإِن قِرَاءَة آخر اللَّيْل محضورة، وَذَلِكَ أفضل» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «من ظن مِنْكُم أَن لَا يَسْتَيْقِظ آخر اللَّيْل فليوتر أَوله، وَمن ظن أَنه يَسْتَيْقِظ آخِره فليوتر آخِره؛ فَإِن صَلَاة آخر اللَّيْل محضورة، وَذَلِكَ أفضل» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَرُوِيَ أَيْضا عَن جَابر، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَالصَّوَاب إِسْقَاط عَائِشَة من هَذَا الْإِسْنَاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَت: «من كل اللَّيْل قد أوتر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من أول اللَّيْل وأوسطه وَآخره، وَانْتَهَى وتره إِلَى السحر» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لمُسلم، قَالَ عبد الْحق: وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ. وَلَفظ البُخَارِيّ: «كل اللَّيْل أوتر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَانْتَهَى وتره إِلَى السحر» . وَلَفظ أبي دَاوُد: «انْتَهَى وتره (حِين مَاتَ إِلَى السحر» . الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كتب عليَّ الْوتر وَهُوَ لكم سنة، وَكتب عليّ (رَكعَتَا) الضُّحَى وهما لكم سنة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث هن عليّ فَرَائض وَلكم تطوع: (النَّحْر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وَالْوتر (وركعتا) الضُّحَى» . هَذَا لفظ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ: «وركعتا الْفجْر» بدل «وركعتا الضُّحَى» . وَرَوَاهُ ابْن عدي بِلَفْظ: «ثَلَاث عَلّي فَرِيضَة وَلكم تطوع: الْوتر، وَالضُّحَى، وركعتا الْفجْر» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مستشهدًا بِهِ بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، وَإِن ذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» لِأَن مَدَاره عَلَى أبي جناب الْكَلْبِيّ، واسْمه: يَحْيَى بن أبي حَيَّة (وَاسم أبي حَيَّة:) حَيّ، رَوَاهُ عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس. وَأَبُو جناب كَانَ يَحْيَى الْقطَّان يَقُول: لَا أستحل أَن أروي عَنهُ. وَقَالَ أَبُو نعيم: كَانَ يُدَلس أَحَادِيث مَنَاكِير. وَفِي «علل أَحْمد» : كَانَ ثِقَة يُدَلس، وَعِنْده أَحَادِيث مَنَاكِير. مَعَ أَنه أخرج لَهُ فِي «مُسْنده» وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: مَتْرُوك. وَقَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا: ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس إِلَّا أَنه كَانَ يُدَلس. وَقَالَ مرّة: صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يكْتب حَدِيثه، لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَاخْتلف كَلَام ابْن حبَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 فِيهِ؛ فَذكره فِي «ثقاته» وَقَالَ: رَوَى [عَن] جمَاعَة من التَّابِعين، وَعنهُ أهل الْكُوفَة. وَذكره فِي «الضُّعَفَاء» ، وَقَالَ: كَانَ يُدَلس عَلَى الثِّقَات مَا سمع من الضُّعَفَاء، فالتزقت بِهِ الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير، فَحمل عَلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل حملا شَدِيدا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : أَبُو جناب هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ فِي «سنَنه» : ضَعِيف، وَكَانَ يزِيد بن هَارُون يصدقهُ ويرميه بالتدليس. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث غير ثَابت، ضعفه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : أَبُو جناب هَذَا لَا يُؤْخَذ من حَدِيثه إِلَّا مَا قَالَ فِيهِ: ثَنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلس، وَهُوَ أَكثر مَا عيب بِهِ، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: نَا عِكْرِمَة. وَلَا ذكر مَا يدل عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف. ثمَّ نقل كَلَام يَحْيَى الْقطَّان وَالْفَلَّاس فِي تَضْعِيف أبي جناب. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «الْخُلَاصَة» الْإِجْمَاع عَلَى (أَن) أَبَا جناب مُدَلّس وَقد عنعن فِي هَذَا الحَدِيث. فتلخص من كَلَامه هَذَا كُله أَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمن الْعَجَائِب أَن أَصْحَابنَا يثبتون كَون هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة من خَصَائِصه بِمثل هَذَا الحَدِيث، فَإِن قلت: لم ينْفَرد بِهِ؛ بل تَابعه عَلَيْهِ جَابر الْجعْفِيّ، رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث إِسْرَائِيل عَنهُ، عَن عِكْرِمَة، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 ابْن عَبَّاس رَفعه: «أمرت بركعتي الْفجْر وَالْوتر، وَلَيْسَ عَلَيْكُم» (وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد أَيْضا وَقَالَ: «وَلم يكْتب» ) بدل: «وَلَيْسَ عَلَيْكُم» وَرَوَاهُ عبد بن حميد فِي «مُسْنده» بِزِيَادَة «عَلَيْكُم» . قلت: جَابر ضَعِيف كَمَا سلف. وَرَوَاهُ وضاح بن يَحْيَى، عَن منْدَل، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «ثَلَاث عليّ فَرِيضَة وَهن لكم تطوع: الْوتر، وركعتا الْفجْر، وركعتا الضُّحَى» وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا. الوضاح قَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ، كَانَ يروي عَن الثِّقَات الْأَحَادِيث الَّتِي كَأَنَّهَا معمولة. ومندل ضعفه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلم يتْرك. لَا جرم قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ فِي «الْإِعْلَام» : إِنَّه حَدِيث لَا يثبت. وَضَعفه فِي «تَحْقِيقه» أَيْضا. عَلَى أَنه قد جَاءَ مَا يُعَارضهُ أَيْضا وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَرر، عَن قَتَادَة، عَن أنس رَفعه: «أمرت بالوتر والأضحى وَلم يعزم عليّ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 وَرَوَاهُ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» فَقَالَ: «وَلم يفْرض عليّ» لكنه حَدِيث ضَعِيف أَيْضا بِسَبَب عبد الله بن مُحَرر؛ فَإِنَّهُ مَتْرُوك بإجماعهم. قَالَ ابْن الْمُبَارك: لَو خيرت بَين أَن أَدخل الْجنَّة أَو أَلْقَاهُ لاخترت لقاءه ثمَّ أدخلها، فَلَمَّا رَأَيْته كَانَت بَعرَة أحب إليّ مِنْهُ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من خِيَار عباد الله إِلَّا أَنه (كَانَ) يكذب وَلَا يعلم، ويقلب الْأَخْبَار وَلَا يفهم. وَأغْرب ابْن شاهين فَذكر فِي «ناسخه ومنسوخه» حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف من طَرِيق الوضاح، وَحَدِيث أنس هَذَا، ثمَّ قَالَ: الحَدِيث الأول أقرب إِلَى الصَّوَاب من الثَّانِي؛ لِأَن فِيهِ ابْن الْمُحَرر، وَلَيْسَ بمرضي عِنْدهم. قَالَ: وَلَا أعلم النَّاسِخ مِنْهُمَا لصَاحبه. قَالَ: وَلَكِن الَّذِي عِنْدِي يشبه أَن يكون حَدِيث عبد الله بن مُحَرر عَلَى مَا فِيهِ نَاسِخا للْأولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يثبت أَن هَذِه الصَّلَوَات فرض. انْتَهَى مَا ذكره (وَلَا نَاسخ فِي ذَلِك) وَلَا مَنْسُوخ؛ لِأَن النّسخ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة الصَّحِيحَة، وَأَيْنَ الصِّحَّة هُنَا فيهمَا؟ ! الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أوتر قنت فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَمْرو بن شمر، عَن سَلام، عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: «سَمِعت أَبَا بكر وَعمر وعليًّا وَعُثْمَان يَقُولُونَ: قنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي آخر الْوتر وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك» وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ عَمْرو بن شمر رَافِضِي مَتْرُوك، وَقَالَ السَّعْدِيّ: زائغ كَذَّاب. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، لَا يحل كتب حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين عَن أبيّ بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقنت قبل الرُّكُوع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَلَفظ أبي دَاوُد: «كَانَ يقنت - يَعْنِي: فِي الْوتر - قبل الرُّكُوع» وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات ويقنت قبل الرُّكُوع» وَلَفظ ابْن مَاجَه «كَانَ يُوتر فيقنت قبل الرُّكُوع» . هُوَ حَدِيث ضَعِيف، ضعفه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فأطنب، وَابْن الْمُنْذر وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة؛ كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَلَا عِبْرَة بِذكر ابْن السكن لَهُ فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» - أَعنِي: الْقُنُوت فِي الْوتر - من غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 رِوَايَة أبيّ، من (رِوَايَة) ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وضعفها كلهَا وَبَين سَبَب ضعفها. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي «مهذبه» : هَذَا حَدِيث غير ثَابت عِنْد أهل النَّقْل. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله: أخْتَار الْقُنُوت بعد الرُّكُوع؛ لِأَن كل شَيْء يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْقُنُوت إِنَّمَا هُوَ بعد الرُّكُوع، فَلم يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قنوت الْوتر قبل أَو بعد شَيْء. وَقَالَ أَيْضا فِيمَا رَوَاهُ الْخلال عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن الْقُنُوت (فِي) الْوتر؟ فَقَالَ: لَيْسَ يرْوَى فِيهِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء، وَلَكِن عمر كَانَ يقنت السّنة إِلَى السّنة. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ حَدِيث قنوت الْحسن فِي الْوتر. هَذَا الحَدِيث تقدم مَبْسُوطا فِي أثْنَاء بَاب صفة الصَّلَاة. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولَى من الْوتر ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (وَفِي الثَّانِيَة ب (قل يَا أَيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 الْكَافِرُونَ (وَفِي الثَّالِثَة ب (قل هُوَ الله أحد (والمعوذتين» . هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن جريج عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِي إِسْنَاده خصيف بن عبد الرَّحْمَن الْجَزرِي؛ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن عبد الْعَزِيز بن جريج قَالَ: «سَأَلنَا عَائِشَة ... » الحَدِيث، وَحفظ خصيف رَدِيء. فقد زعم قوم أَنه لم يسمع (مِنْهَا) قَالَه أَحْمد بن عبد الله بن صَالح الْكُوفِي، وَلَو جَاءَ قَوْله: «سَأَلنَا عَائِشَة» عَن غير خصيف مِمَّن يوثق بِهِ صَحَّ سَمَاعه مِنْهَا (فَأَنَّى لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ أَعنِي:) عبد الْعَزِيز - لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه كَمَا قَالَ البُخَارِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن عمْرَة عَن عَائِشَة مَرْفُوعا. قلت: رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 ابْن حبَان فِي (صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة سعيد بن عفير وَابْن أبي مَرْيَم، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء. ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر الدَّال عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يفصل (بالتسليمة) بَين الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّالِثَة. ثمَّ أخرج من طَرِيق ابْن عفير إِلَيْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُوتر بعدهمَا ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (وَيقْرَأ فِي الْوتر ب (قل هُوَ الله أحد (و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق (و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس (. وَلما أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث سعيد بن عفير، عَن يَحْيَى بِهِ، وَمن حَدِيث سعيد بن أبي مَرْيَم عَن يَحْيَى بِهِ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَسَعِيد بن عفير إِمَام أهل مصر بِلَا مدافعة، وَقد (أَتَى بِالْحَدِيثِ مُفَسرًا دَالا عَلَى أَن الرَّكْعَة الَّتِي هِيَ الْوتر ثَانِيَة غير الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهَا هَذَا مَا ذكره) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي بَاب صَلَاة الْوتر، وَقَالَ فِي كتاب التَّفْسِير مِنْهُ فِي تَفْسِير سُورَة «سبح» بعد أَن أخرجه من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب أَيْضا بِاللَّفْظِ السالف -: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ هَكَذَا؛ إِنَّمَا أخرجه البُخَارِيّ وَحده عَن ابْن أبي مَرْيَم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 قلت: لم يُخرجهُ البُخَارِيّ من هَذِه الطَّرِيق وَلَا من غَيره. وَقَالَ الْحَاكِم: وَإِنَّمَا تعرف هَذِه الزِّيَادَة من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب فَقَط. وَقَالَ: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر صَحِيح. فَذكره من حَدِيث ابْن جريج كَمَا سلف أَولا، ثمَّ قَالَ: قد أَتَى [بهَا] إِمَام أهل مصر فِي الحَدِيث وَالرِّوَايَة (سعيد) بن عفير، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب بِهَذَا الحَدِيث، وطلبته وَقت إملائي كتاب الْوتر فَلم أَجِدهُ، ثمَّ وجدته بعد. فَذكره بِإِسْنَادِهِ السالف. قلت: قد وجده هُنَاكَ وَأخرجه كَمَا سقناه عَنهُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَالح. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِن حَدِيث أُبيّ وَابْن عَبَّاس - يَعْنِي: بِإِسْقَاط المعوذتين - أصح مِنْهُ وَأولَى. قَالَ: وَهُوَ شَبيه بالمرسل عَن عَائِشَة؛ للشَّكّ فِي لِقَائِه عَائِشَة - يَعْنِي: (ابْن) جريج. وَتَبعهُ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: «حَدِيث أبيّ أصح إِسْنَادًا من حَدِيث عَائِشَة» . قَالَ ابْن الْقطَّان وَهُوَ كَمَا ذكر. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ لما ذكره فِي «تَحْقِيقه» من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يَحْيَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 بن أَيُّوب أتبعه بِأَن قَالَ: وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة. قَالَ: والطريقان لَا يصحان؛ (فَإِن) يَحْيَى بن أَيُّوب لَا يحْتَج بِهِ (قَالَه) أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: وَمُحَمّد بن سَلمَة ضَعِيف. وَقد أنكر يَحْيَى بن معِين وَأحمد زِيَادَة المعوذتين. هَذَا مَا ذكره، فَأَما تَضْعِيف الحَدِيث بِيَحْيَى فَهُوَ مَسْبُوق بِهِ، قَالَ الْأَثْرَم: سَمِعت أَبَا عبد الله يسْأَل عَن يَحْيَى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ، فَقَالَ: كَانَ يحدث من حفظه، وَكَانَ لَا بَأْس بِهِ، وَكَانَ كثير الْوَهم فِي حفظه. فَذكرت لَهُ من حَدِيثه هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَا من يحْتَمل هَذَا؟ ! وَقَالَ مرّة: كم قد رَوَى هَذَا (الحَدِيث) عَن عَائِشَة من النَّاس لَيْسَ فِيهِ هَذَا. وَأنكر حَدِيث يَحْيَى خَاصَّة. قلت: لم ينْفَرد بِهِ عَنْهَا؛ فقد أخرجه هُوَ فِي «مُسْنده» من حَدِيث خصيف، عَن عبد الْعَزِيز عَنْهَا. ثمَّ يَحْيَى بن أَيُّوب من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَقد صحّح حَدِيثه (هَذَا) ابْن حبَان وَالْحَاكِم - كَمَا سلف. وَأما (قَول) ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة فَلم أره فِي (سنَنه) . وَلَعَلَّه أَرَادَ التِّرْمِذِيّ، فَسبق الْقَلَم (إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ، وَأما تَضْعِيف مُحَمَّد بن سَلمَة فغلط؛ فقد صدقه أَحْمد وَغَيره، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه كَمَا مَضَى، وَمِمَّا يتَبَيَّن بِهِ غلطه أَنه فِي كتاب) «الضُّعَفَاء» (ذكر) مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 بن سَلمَة الْحَضْرَمِيّ و (الْبنانِيّ) وَضعفهمَا، ثمَّ قَالَ: وَجُمْلَة من (يَأْتِي) فِي الحَدِيث من اسْمه مُحَمَّد بن سَلمَة أَرْبَعَة عشر رجلا لَا يعرف قدحًا فِي غير هذَيْن. انْتَهَى. وَمُحَمّد بن سَلمَة هَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ فَتنبه لذَلِك. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث مَعَ شهرته أوردهُ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» بِعِبَارَة لَا تلِيق بِهِ؛ فَقَالَ فِي «وسيطه» : قيل إِن عَائِشَة رَوَت ذَلِك. وَعبارَة شَيْخه - إِمَام الْحَرَمَيْنِ -: رَأَيْت فِي كتاب مُعْتَمد أَن عَائِشَة رَوَت ذَلِكَ. وَلَا يخْفَى مَا فِيهَا من مثله. ثَانِيهَا: أورد ابْن السكن فِي «صحاحه» من حَدِيث عبد الله بن سرجس مثل حَدِيث عَائِشَة، وَكَأَنَّهُ غَرِيب (نعم) هُوَ (يُروى) من حَدِيث أبيّ بن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، لَكِن بِدُونِ ذكر المعوذتين. أما حَدِيث أبيّ (فَرَوَاهُ) أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» (و) أَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِلَفْظ أَحْمد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر: (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (و (قل هُوَ الله أحد (فَإِذا سلم قَالَ: سُبْحَانَ الْملك القدوس - ثَلَاث (مرار) » . وَلَفظ البَاقِينَ خلا النَّسَائِيّ: كَانَ يُوتر ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) و (قل للَّذين كفرُوا) و «الله الْوَاحِد الصَّمد» زَاد ابْن حبَان مَا ذكره أَحْمد آخرا. وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات، يقْرَأ فِي الأولَى ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (وَفِي (الثَّانِيَة) ب (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (وَفِي الثَّالِثَة: (قل هُوَ الله أحد (ويقنت قبل الرُّكُوع» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يُوتر ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (و (قل هُوَ الله أحد (و (كَانَ يَقُول: (سُبْحَانَ الْملك) القدوس - ثَلَاثًا - وَيرْفَع بالثالثة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك، وَلم يذكر) : «وَكَانَ يَقُول: سُبْحَانَ الْملك القدوس ... » (إِلَخ) . وَلما (خرجه) الْحَاكِم فِي كتاب التَّفْسِير من «مُسْتَدْركه» (قَالَ) : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيه نظر؛ فَفِي إِسْنَاده من طَرِيقه مُحَمَّد بن أنس (الرَّازِيّ) وَقد تفرد بمناكير، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح (عَنهُ) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (و (قل هُوَ الله أحد «فِي رَكْعَة رَكْعَة» . وَلَفظ أَحْمد: «كَانَ يُوتر بِثَلَاث ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) و (قل هُوَ الله أحد) » . وَأما حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه؛ فَرَوَاهُ أَحْمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد بِلَفْظ: «كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (و (قل هُوَ الله أحد (زَاد أَحْمد: «وَإِذا أَرَادَ أَن ينْصَرف من الْوتر قَالَ: سُبْحَانَ الْملك القدوس - ثَلَاث مَرَّات - ثمَّ يرفع صَوته فِي الثَّالِثَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس: وَفِي الْبَاب عَن عليّ وَعَائِشَة وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى (عَن) أبيّ بن كَعْب، وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ (المعمري) (أَيْضا) : وَرَوَاهُ أَيْضا عمرَان بن حُصَيْن وَابْن مَسْعُود وَأَبُو أُمَامَة وَجَابِر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رُبمَا استسقى وَرُبمَا ترك، وَلم يتْرك الصَّلَاة عِنْد الخسوف بِحَال» . أما كَونه عَلَيْهِ السَّلَام استسقى فَصَحِيح مَشْهُور كَمَا ستعلمه فِي بَابه، وَأما كَونه تَركه؛ فَلَعَلَّ مُرَاده ترك الاسْتِسْقَاء بِالصَّلَاةِ واستسقى بِالدُّعَاءِ، لَا أَنه ترك مُطلقًا، وَأما كَونه لم يتْرك الصَّلَاة عِنْد الخسوف بِحَال فَهُوَ الظَّاهِر من استقراء أَفعاله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يداوم عَلَى التَّرَاوِيح، ودوام عَلَى السّنَن الرَّاتِبَة» . أما عدم مداومته عَلَى التَّرَاوِيح فَسَيَأْتِي فِي الْبَاب من حَدِيث عَائِشَة؛ حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ، وَأما مداومته عَلَى السّنَن الرَّاتِبَة فَهُوَ الظَّاهِر من حَاله أَيْضا. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي (بِثَلَاث لَا أدعهن لشَيْء (أَوْصَانِي) بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَلَا أَنَام (إِلَّا) عَلَى وتر، وسبحة الضُّحَى فِي الْحَضَر وَالسّفر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «أَوْصَانِي خليلي (بِثَلَاث لن أدعهن مَا عِشْت: بصيام ثَلَاثَة أَيَّام (من) كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، وَأَن لَا أَنَام إِلَّا عَلَى (وتر) » . رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْبَزَّار بِلَفْظ الرَّافِعِيّ. قَالَ الْبَزَّار: وَإِسْنَاده حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 قلت: لَكِن فِي إِسْنَاده: أَبُو إِدْرِيس (السكونِي) وَلَا يعرف، رَوَى عَنهُ غير صَفْوَان بن عَمْرو؛ فحاله (مَجْهُولَة) قَالَه ابْن الْقطَّان قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده حسن - أَي: عِنْد الْبَزَّار (بِاعْتِبَار الْخلاف فِي قبُول المساتير؛ للْخلاف) فِي أَصلٍ قَبْلَه وَهُوَ: من علم إِسْلَامه هَل تقبل رِوَايَته وشهادته مَا لم يظْهر من حَاله مَا يمْنَع من ذَلِك؟ (أَو) يَنْبَغِي وَرَاء الْإِسْلَام مزِيد لَهُ هُوَ الْمعبر عَنهُ بِالْعَدَالَةِ؟ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (أكبر معاجمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، عَن (أبي الزِّنْبَاع) عَن أبي الدَّرْدَاء: «أَوْصَانِي خليلي بِصَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَالْوتر قبل النّوم» . قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز: وَلَا أَدْرِي أذكر (الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة) أم (رَكْعَتي الْفجْر) . وَجزم فِي مَوضِع آخر فَقَالَ: وركعتي الْفجْر. فَائِدَة: رُوِيَ (مثل) حَدِيث أبي الدَّرْدَاء هَذَا غَيره من الصَّحَابَة: رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي أَبُو الْقَاسِم (بِثَلَاث لَا أدعهن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 حَتَّى أَمُوت: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وركعتي الضُّحَى، وَأَن لَا أَنَام إِلَّا عَلَى وتر» وَفِي رِوَايَة (للْبُخَارِيّ) «ونوم عَلَى وتر» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد بدل: «الضُّحَى» «وَالْغسْل يَوْم الْجُمُعَة» وَفِي رِوَايَة لأبي أَحْمد الْحَاكِم فِي «كناه» وَلأبي بكر الْخَطِيب فِي «تلخيصه» بعد قَوْله: «وَأَصُوم من كل شهر ثَلَاثًا: (ثَلَاث) عشر وَأَرْبع عشر وَخمْس عشر وهُنَّ الْبيض» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «أَوْصَانِي خليلى بِثَلَاث لَا أدعهن [فِي] سفر وَلَا حضر» فَذَكرهنَّ. وَرَوَاهُ (أَبُو ذرٍّ) أَيْضا: «أَوْصَانِي (حبي) بِثَلَاث لَا أدعهن: بِصَلَاة الضُّحَى (وَالْوتر) قبل النّوم، وبصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر» . (رَوَاهُ) أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث عَطاء بن يسَار عَنهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ عَن أم هَانِئ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى يَوْم الْفَتْح سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات؛ يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 هَذَا الحَدِيث أَصله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بعضه وَفِي آخرهَا: « (وَصَلى) ثَمَان رَكْعَات ملتحفًا فِي ثوب وَاحِد وَذَلِكَ ضحى» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: « (صَلَّى) ثَمَان رَكْعَات سبْحَة الضُّحَى» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِاللَّفْظِ الَّذِي سقناه أَولا بإسنادٍ عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة أم هَانِئ بِلَفْظ: «فَصَلى صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات» . (وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : «فَصَلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» لَكِن بِلَفْظ: « (فَصَلى) الضُّحَى أَربع رَكْعَات» وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (ثمَّ صَلَّى ثَمَان رَكْعَات) لم يصلهن قبل يَوْمئِذٍ وَلَا بعده» . وَاسم أم هَانِئ (فَاخِتَة) - عَلَى الْمَشْهُور - وَسَتَأْتِي بَقِيَّة الْأَقْوَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 فِيهَا فِي بَاب الْأَيْمَان - إِن شَاءَ الله. وهانئ بهمز آخِره (والسبحة - بِضَم السِّين -: الصَّلَاة) . الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأكْثر الضُّحَى: ثنتا عشرَة (رَكْعَة) ذكره الرَّوْيَانِيّ، وَورد فِي الْأَخْبَار. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن صليت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم تكْتب من الغافلين، وَإِن صليتها أَرْبعا كتبت من الْمُحْسِنِينَ، وَإِن صليتها ستًّا كتبت من القانتين، وَإِن صليتها ثمانيًا كتبت من الفائزين، وَإِن صليتها عشرا لم يكْتب لَك ذَلِك الْيَوْم ذَنْب، وَإِن صليتها ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى الله لَك بَيْتا فِي الْجنَّة» . ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي إِسْنَاده نظر. (وَذكره) ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» بِدُونِ ذكر (الضُّحَى) ، وَهَذَا لَفظه عَن ابْن عمر قَالَ: «قلت لأبي ذَر: يَا عماه، أوصني. قَالَ: سَأَلتنِي كَمَا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن صليتَ رَكْعَتَيْنِ لم تكْتب من الغافلين، وَإِن صليت أَرْبعا كتبت من العابدين، وَإِن صليت ستًّا لم يلحقك ذَنْب، وَإِن صليت ثمانيًا كتبت من القانتين، وَإِن صليت [اثْنَتَيْ] عشرَة رَكْعَة بنى الله لَك بَيْتا فِي الْجنَّة، وَمَا من يَوْم وَلَا (لَيْلَة) وَلَا سَاعَة إِلَّا وَللَّه فِيهَا صَدَقَة يمنّ بهَا عَلَى من يَشَاء من عباده، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وَمَا منّ عَلَى عبد بِمثل أَن يلهمه ذكره» . وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء بِمثل حَدِيث أبي ذرٍّ كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ، وَفِيه مُوسَى بن يَعْقُوب الزَّمْعي، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «سنَن ابْن مَاجَه» عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عشرَة (رَكْعَة) بنى الله لَهُ قصرًا من ذهب فِي الْجنَّة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب. ثمَّ اعْلَم أَن مَا ذكره الرَّافِعِيّ عَن الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ فِي أَن أَكثر الضُّحَى مَا ذكره: خَالفه فِيهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالُوا: أَكْثَرهَا ثَمَان رَكْعَات، كَمَا نَقله عَنْهُم النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَصَححهُ فِي «تحفته» وَإِن كَانَ فِي «روضته» و «منهاجه» تبع الرَّافِعِيّ. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سلف فِي بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة، فِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 وَفِي رِوَايَة لِابْنِ (أبي) شيبَة: «أعْطوا الْمجَالِس حَقّهَا. قيل: وَمَا حَقّهَا؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ قبل أَن تجْلِس» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» : «إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس أَو [يستخبر] » . وَفِي رِوَايَة (لِلْحَارِثِ) بن أبي أُسَامَة: «لَا يجلس وَلَا [يستخبر] حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» . الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «لم يكن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى شَيْء من النَّوَافِل أَشد تعاهدًا مِنْهُ عَلَى (رَكْعَتي) الْفجْر» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بالسياقة الْمَذْكُورَة. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (رَكعَتَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من لم يُوتر فَلَيْسَ منا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله الْعَتكِي، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوتر حق؛ فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا» هَذَا لفظ الْحَاكِم. وَلَفظ أَحْمد: «الْوتر حق؛ فَمن لم يُوتر (فَلَيْسَ منا) - قَالَهَا ثَلَاثًا» . وَلَفظ أبي دَاوُد: «الْوتر حق؛ فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا - وَكرر هَذَا اللَّفْظ ثَلَاثًا» . وَعبيد الله بن عبد الله الْعَتكِي (هَذَا قَالَ البُخَارِيّ:) عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: (ينْفَرد) عَن الثِّقَات بالأشياء المقلوبات. وَوَثَّقَهُ يَحْيَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: صَالح (الحَدِيث) وَأنكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 عَلَى البُخَارِيّ إِدْخَاله فِي كتاب «الضُّعَفَاء» وَقَالَ: يحول. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هُوَ (مروزي) ثِقَة يجمع حَدِيثه. وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث بِحَسب الْكَلَام فِي عبيد الله (الْعَتكِي) هَذَا فَقَالَ الْحَاكِم - بعد أَن أخرجه - فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح (وَلم يخرجَاهُ) . وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : إِن قَالُوا: الْعَتكِي (هَذَا) ضعفه البُخَارِيّ، قُلْنَا: وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين. وَظَاهر هَذَا مِنْهُ تَصْحِيحه، وَكَذَا ظَاهر إِيرَاد عبد الْحق؛ فَإِنَّهُ لما ذكر الحَدِيث قَالَ: فِي إِسْنَاده عبيد الله الْعَتكِي (وَثَّقَهُ) يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فضعفه فِي «تَحْقِيقه» و «علله» وَقَالَ: إِنَّه لَا يَصح. وَضَعفه أَيْضا النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث فِي إِسْنَاده عبيد الله (الْعَتكِي) وَالظَّاهِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 أَنه مُنْفَرد بِهِ، وَقد ضعفه البُخَارِيّ وَغَيره، وَوَثَّقَهُ (يَحْيَى) بن معِين وَغَيره. قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة. قَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» : نَا وَكِيع، حَدثنِي خَلِيل بن مرّة، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من لم يُوتر فَلَيْسَ منا» . وَهَذَا ضَعِيف ومنقطع؛ فَإِن الْخَلِيل بن مرّة وهاه يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يسمع من أبي هُرَيْرَة وَلَا لقِيه، كَمَا قَالَه الإِمَام أَحْمد. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بِالنَّاسِ عشْرين رَكْعَة لَيْلَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة اجْتمع النَّاس فَلم يخرج إِلَيْهِم، ثمَّ قَالَ من الْغَد: خشيت أَن (تفرض) عَلَيْكُم فَلَا (تطيقونها) » . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عَائِشَة بِدُونِ تعْيين عدد الرَّكْعَات، وَإِنَّمَا فِيهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى فِي الْمَسْجِد ذَات لَيْلَة، فَصَلى بِصَلَاتِهِ نَاس، ثمَّ صَلَّى من الْقَابِلَة (فَكثر) النَّاس، ثمَّ اجْتَمعُوا من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَلَمَّا أصبح قَالَ: قد رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُم فَلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم إِلَّا أَنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم - وَذَلِكَ فِي رَمَضَان» وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الصَّحِيح: «فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْلَة الرَّابِعَة عجز الْمَسْجِد عَن أَهله، فَلم يخرج إِلَيْهِم [رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَطَفِقَ رجال مِنْهُم يَقُولُونَ: الصَّلَاة. فَلم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] حَتَّى خرج لصَلَاة الْفجْر» وَذكر نَحوه. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِيهِ: «خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل فتعجزوا عَنْهَا» زَاد البُخَارِيّ فِي بعض طرقه: «فَتوفي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْأَمر عَلَى ذَلِك» . وَأما تعْيين عدد الرَّكْعَات فَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي شيبَة عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي فِي شهر رَمَضَان، فِي غير جمَاعَة بِعشْرين رَكْعَة وَالْوتر» . ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ (أَبُو) شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ ضَعِيف. قلت: بِإِجْمَاع ضعفه (ابْن معِين وَأَبُو دَاوُد) وَقَالَ خَ: سكتوا عَنهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عمر «أَن النَّاس كَانُوا يقومُونَ عَلَى (عَهده) بِعشْرين رَكْعَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 وَرَوَى هُوَ وَابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» مثله عَن عَلّي. ورُوِيَ عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: «كَانَ النَّاس يقومُونَ فِي زمن عمر بن الْخطاب بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة» . رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» (وَالْبَيْهَقِيّ) لكنه مُرْسل؛ فَإِن يزِيد بن رُومَان لم يدْرك عمر. وَفِي رِوَايَة لَهُ من طَرِيق آخر «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَمر أبي بن كَعْب وتميمًا أَن يقوما بِإِحْدَى عشرَة» . (قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يجمع بَين الرِّوَايَات بِأَنَّهُم كَانُوا يقومُونَ بِإِحْدَى عشرَة) ثمَّ قَامُوا بِعشْرين وأوتروا بِثَلَاث. وَأما ابْن عبد الْبر فَجعل رِوَايَة إِحْدَى (عشرَة) وهما، فَقَالَ: لَا أعلم أحدا قَالَ فِيهِ إِحْدَى عشرَة غير مَالك. قلت: رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف - شيخ مَالك - فقد (تظافر) مَالك وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَلَى ذَلِك. وَفِي «صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان» من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 صَلَّى بهم فِي الأول ثَمَان رَكْعَات ثمَّ أوتر، وَلم يخرج لَهُم فِي الثَّانِيَة، وَقَالَ: إِنِّي خشيت - أَو كرهت - أَن (يكْتب) عَلَيْكُم الْوتر» . قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: هَذَا وَخبر عَائِشَة لَفْظهمَا مُخْتَلف، ومعناهما متباين؛ إِذْ هما فِي حالتين فِي شَهْري (رَمَضَان) لَا فِي حَالَة (وَاحِدَة) فِي شهر وَاحِد. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج ليَالِي من رَمَضَان، وَصَلى فِي الْمَسْجِد وَلم يخرج بَاقِي الشَّهْر، وَقَالَ: صلوا فِي بُيُوتكُمْ؛ فَإِن أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ (أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا) من حَدِيث زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «احتجر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجيرة بخصفة - أَو حَصِير - قَالَ عَفَّان (أحد رُوَاته) : - فِي الْمَسْجِد - وَقَالَ عبد الْأَعْلَى: فِي رَمَضَان - فَخرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصَلى فِيهَا. قَالَ: (فتتبع) إِلَيْهِ رجال وَجَاءُوا يصلونَ (بِصَلَاتِهِ) قَالَ: ثمَّ جَاءُوا إِلَيْهِ فَحَضَرُوا وَأَبْطَأ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَنْهُم فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب، فَخرج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 (إِلَيْهِم) رَسُول (مغضبًا فَقَالَ (لَهُم) : مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ؛ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا (الصَّلَاة) الْمَكْتُوبَة» . وَفِي حَدِيث عَفَّان: «وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ» وَفِيه: «فَإِن أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد كل رِجَاله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» إِلَّا أَحْمد بن صَالح؛ فَمن رجال البُخَارِيّ، وَإِلَّا إِبْرَاهِيم بن أبي النَّضر؛ فَمن رجال أبي دَاوُد وَوَثَّقَهُ ابْن سعد - عَن (زيد) بن ثَابت مَرْفُوعا: «صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته أفضل من صلَاته فِي مَسْجِدي (هَذَا) إِلَّا الْمَكْتُوبَة» . وَهِي رِوَايَة حَسَنَة، وَفَائِدَة مهمة. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين (الْخَبَر) الْمَشْهُور أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الصَّلَاة خير مَوْضُوع؛ فَمن شَاءَ اسْتَقل و (من) شَاءَ استكثر» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق أبي ذرٍّ وَأبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. أما الأول: فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث أبي عَمْرو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 الدِّمَشْقِي، عَن عبيد بن (الخشخاش) عَن أبي ذَر قَالَ: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَجَلَست ... » فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَقلت: يَا رَسُول الله، الصَّلَاة؟ قَالَ: خير مَوْضُوع، من شَاءَ أقل وَمن شَاءَ أَكثر» . وَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» وَأَبُو عَمْرو هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه: إِنَّه مَتْرُوك. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «الْأَحَادِيث الطوَال» عَن بكر بن سهل الدمياطي، نَا أَبُو صَالح - كَاتب اللَّيْث - حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي عبد الْملك مُحَمَّد بن أَيُّوب، عَن ابْن عَائِذ، عَن أبي ذَر ... الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، مَا الصَّلَاة؟ قَالَ: خير مَوْضُوع؛ فَمن شَاءَ استكثر، وَمن شَاءَ اسْتَقل» . وَبكر هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ. وَأَبُو صَالح من رجال البُخَارِيّ. وَمُعَاوِيَة بن صَالح من رجال مُسلم، وَقد تكلم فيهمَا. وَأَبُو عبد الْملك وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، نَا يَحْيَى بن سعيد السَّعْدِيّ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي ذَر بِهِ. ومُوسَى هَذَا لَا يحضرني حَاله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَرَوَاهُ (أَبُو) حَاتِم بن حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» من حَدِيث الْحسن بن إِبْرَاهِيم البياضي، عَن يَحْيَى بن سعيد بِهِ. وَأَبُو نعيم فِي «الْحِلْية» من حَدِيث مُحَمَّد بن مَرْزُوق، عَن يَحْيَى بِهِ. وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عِيسَى (من كتاب الْفَضَائِل من حَدِيث الْحسن بن عَرَفَة، عَن يَحْيَى بِلَفْظ أَحْمد وَالْبَزَّار، وَلم (يعقب) الْحَاكِم بِشَيْء. وَأعله ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» بِيَحْيَى هَذَا، وَقَالَ: إِنَّه يروي عَن ابْن جريج (المقلوبات) وَعَن غَيره من الثِّقَات الملزقات (وَلَا) يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. قَالَ: وَلَيْسَ (هَذَا) من حَدِيث ابْن جريج (وَلَا) من حَدِيث عَطاء وَلَا من حَدِيث ابْن عُمَيْر، وأشبه مَا فِيهِ رِوَايَة أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ذَر (وَهَذِه) الرِّوَايَة أخرجهَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 «صَحِيحه» فَقَالَ: أَنا ابْن قُتَيْبَة وَغَيره، نَا إِبْرَاهِيم بن هِشَام (بن يَحْيَى) الغساني نَا أبي (عَن) جدي، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ذَر قَالَ: «دخلت الْمَسْجِد ... » الحَدِيث، وَلَفظه: «الصَّلَاة خير مَوْضُوع؛ استكثر أَو أقل» . وَإِبْرَاهِيم هَذَا (قَالَ) فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: إِنَّه لم يطْلب الْعلم، وَإنَّهُ كَذَّاب. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: صدق أَبُو حَاتِم، يَنْبَغِي أَن لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة أَيْضا: كَذَّاب. نَقله ابْن الْجَوْزِيّ. وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي «ثقاته» وَأخرج حَدِيثه فِي «صَحِيحه» كَمَا ترَى. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يرو هَذَا عَن يَحْيَى إِلَّا وَلَده وهم ثِقَات. وَقَالَ (أَبُو) نعيم فِي «الْحِلْية» : وَرَوَاهُ الْمُخْتَار بن غَسَّان، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن أبي إِدْرِيس. وَأما الطَّرِيق الثَّانِي: فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا من حَدِيث معَان بن رِفَاعَة، عَن عَلّي بن (يزِيد) عَن الْقَاسِم، بن أبي أُمَامَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْمَسْجِد ... » الحَدِيث. إِلَى أَن قَالَ: «قَالَ أَبُو ذَر: قلت: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت الصَّلَاة مَاذَا هِيَ؟ قَالَ: خير مَوْضُوع؛ فَمن شَاءَ اسْتَقل، وَمن شَاءَ استكثر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 وَهَذَا (إِسْنَاده واه) معَان ضعفه ابْن معِين وَغَيره، وَعلي بن يزِيد مَتْرُوك مُنكر الحَدِيث، وَالقَاسِم مُخْتَلف فِيهِ؛ قَالَ أَحْمد: حدث عَنهُ عَلّي بن يزِيد بأعاجيب، مَا أَرَاهَا إِلَّا من قبل الْقَاسِم. وَضَعفه أَيْضا وَوَثَّقَهُ ابْن معِين والجوزجاني وَالتِّرْمِذِيّ. قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، عَن أبي ذَر. فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ فِي كتاب «مَا صحفه الروَاة» : قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «خير مَوْضُوع» يرْوَى عَلَى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن (يكون) (مَوْضُوعا) نعتًا لما قبله، يُرِيد أَنَّهَا خير حَاضر، فَاسْتَكْثر مِنْهُ. وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون الْخَيْر مُضَافا إِلَى الْمَوْضُوع، يُرِيد أَنَّهَا أفضل مَا وضع من الطَّاعَات وَشرع من الْعِبَادَات. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى» . هَذَا الحَدِيث أَصله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِدُونِ ذكر «النَّهَار» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 (وَرَوَاهُ) بِذكرِهِ: أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بأسانيد صَحِيحَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: اخْتلف أَصْحَاب شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث، فرفعه بَعضهم وَوَقفه بَعضهم. قَالَ: وَالصَّحِيح (مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر) أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى» . وَرَوَى الثِّقَات عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَلم) يذكرُوا فِيهِ صَلَاة النَّهَار. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: (هَذِه) (سنة) تفرد بهَا أهل مَكَّة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي خطأ يَعْنِي الَّذِي فِيهِ ذكر «النَّهَار» . وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» : هَذَا (حَدِيث) لَيْسَ فِي إِسْنَاده إِلَّا ثِقَة ثَبت، وَذكر النَّهَار فِيهِ وهم. (وَكَذَا) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن ذكر «النَّهَار» وهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : زَاد الْأَزْدِيّ عَلّي بن عبد الله الْبَارِقي - أحد رجال مُسلم - ذكر «النَّهَار» ، وَلم يقلهُ أحد عَن ابْن عمر غَيره، وأنكروه عَلَيْهِ. وَكَانَ ابْن معِين يضعف حَدِيث الْأَزْدِيّ وَلَا يحْتَج بِهِ وَيَقُول: إِن نَافِعًا وَعبد الله بن دِينَار وَجَمَاعَة رَوَوْهُ عَن ابْن عمر، وَلم يذكرُوا فِيهِ «النَّهَار» ثمَّ (ذكر سَنَده) عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: «صَلَاة النَّهَار أَربع لَا يفصل بَينهُنَّ» . (فَقيل) لَهُ: ابْن حَنْبَل يَقُول: صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى (مثنى) فَقَالَ: بِأَيّ حَدِيث؟ فَقيل لَهُ بِحَدِيث الْأَزْدِيّ عَن ابْن عمر. (قَالَ) : وَمن الْأَزْدِيّ حَتَّى أقبل (هَذَا مِنْهُ) وأدع يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يتَطَوَّع بِالنَّهَارِ أَرْبعا، لَا يفصل بَينهُنَّ» ؟ إِن كَانَ حَدِيث الْأَزْدِيّ صَحِيحا لم يُخَالِفهُ ابْن عمر. وَقَالَ الشَّافِعِي: هَكَذَا جَاءَ الْخَبَر (عَن) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الثَّابِت فِي صَلَاة اللَّيْل، وَقد يرْوَى عَنهُ خبر يثبت أهل الحَدِيث مثله فِي صَلَاة النَّهَار. وَذكر حَدِيث ابْن عمر هَذَا. وَذكر الْبَيْهَقِيّ (بِإِسْنَادِهِ) عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَارس قَالَ: سُئِلَ (أَبُو) عبد الله - (يَعْنِي:) البُخَارِيّ - عَن حَدِيث يعْلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 أصحيح (هُوَ) ؟ قَالَ: نعم، ويعلى هُوَ (رَاوِيه) عَن عَلّي بن عبد الله الْأَزْدِيّ. وَذكر (البُخَارِيّ) فِي «صَحِيحه» عَن يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: مَا أدْركْت فُقَهَاء [أَرْضنَا] إِلَّا يسلمُونَ فِي كل اثْنَتَيْنِ من النَّهَار. وَذكر فِي الْبَاب أَحَادِيث تدل عَلَى ذَلِك، وَحَكَى ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة (وَالتَّابِعِينَ) . وَقَالَ الْخطابِيّ: رَوَى هَذَا عَن ابْن عمر: نَافِع وَطَاوُس وَعبد الله بن دِينَار (و) لم يذكر فِيهَا أحد صَلَاة النَّهَار، وَإِنَّمَا هُوَ: «صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى» إِلَّا أَن سَبِيل الزِّيَادَات أَن تقبل. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي فِيهَا ذكر النَّهَار عَن أبي عَمْرو، عَن شُعْبَة (عَن) يعْلى، عَن الْبَارِقي، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ (غنْدر) وَهُوَ الحكم بَين أَصْحَاب شُعْبَة، ومعاذ الْعَنْبَري وَدَاوُد بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم عَن شُعْبَة. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح رُوَاته ثِقَات (فقد) احْتج مُسلم (بعلي) الْبَارِقي الْأَزْدِيّ، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَقد صَححهُ البُخَارِيّ لما سُئِلَ عَنهُ. قَالَ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «صَلَاة اللَّيْل (وَالنَّهَار) مثنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 مثنى، وَالْوتر رَكْعَة من آخر اللَّيْل» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث غَرِيب بِهَذَا الْإِسْنَاد (وَرُوَاته) كلهم ثِقَات، وَلَا أعرف لَهُ عِلّة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ مثله من رِوَايَة عَلّي مَرْفُوعا، وَنَحْوه عَن الْفضل بن الْعَبَّاس مَرْفُوعا. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْوتر: صلوها مَا بَين الْعشَاء إِلَى صَلَاة الصُّبْح» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ (الإِمَام) أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا عبد الله بن هُبَيْرَة، عَن أبي تَمِيم (الجيشاني) عَن عَمْرو بن الْعَاصِ، عَن أبي بصرة الْغِفَارِيّ مَرْفُوعا. وَقد سلف (بِلَفْظِهِ) فِي (الطَّرِيق الرَّابِع) من (طرق) الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين فِي الْبَاب، و (قد) أسلفنا هُنَاكَ أَن الْحَاكِم أَيْضا رَوَاهُ فِي «مُسْتَدْركه» وَأعله (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بِابْن لَهِيعَة وَقَالَ: هُوَ مَتْرُوك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 قلت: وَلم ينْفَرد (بِهِ) فقد تَابعه سعيد بن زيد، عَن هُبَيْرَة رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا عَن عَلّي بن إِسْحَاق، عَن عبد الله - يَعْنِي: ابْن مبارك، عَن سعيد بِهِ. وَسَعِيد من الثِّقَات (وَإِن لين) . الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نَام عَن صَلَاة أَو (نَسِيَهَا) فليصلها إِذا ذكرهَا» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي مَوَاضِع، مِنْهَا التَّيَمُّم. الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي (هُرَيْرَة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. أما آثاره (فعشر) : أَولهَا: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يضْرب عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب» . وَهَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْه لَا أعرفهُ، وَإِنَّمَا (فِي) الصَّحِيح عَنهُ أَنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 كَانَ يضْرب عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر. (كَمَا أخرجه مُسلم عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه سَأَلَ الْمُخْتَار بن فلفل عَن التَّطَوُّع بعد الْعَصْر) قَالَ: (كَانَ) عمر يضْرب الْأَيْدِي عَلَى صَلَاة بعد الْعَصْر، وَكُنَّا نصلي عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكْعَتَيْنِ بعد غرُوب الشَّمْس قبل صَلَاة الْمغرب، فَقلت لَهُ: أَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلاهما؟ قَالَ: قد كَانَ يَرَانَا نصليهما (فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا) » . وَفِي «مُسْند أَحْمد» (ثَنَا) عبد الرَّزَّاق، نَا (معمر، عَن) ابْن جريج قَالَ: سَمِعت أَبَا (سعد) الْأَعْمَى يخبر عَن رجل يُقَال لَهُ: السَّائِب - مولَى الفارسيين - وَعَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ «أَنه رَآهُ عمر بن الْخطاب - وَهُوَ خَليفَة - ركع رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَمَشى إِلَيْهِ فَضَربهُ بِالدرةِ وَهُوَ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ زيد: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ (فوَاللَّه) لَا أدعهما أبدا بعد إِذْ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّيهمَا (قَالَ) : فَجَلَسَ إِلَيْهِ عمر وَقَالَ: يَا زيد بن خَالِد، لَوْلَا أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 (نخشى) أَن يتخذها النَّاس سلما إِلَى الصَّلَاة حَتَّى اللَّيْل لم أضْرب فيهمَا» . نعم فِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن طَاوس، عَن أَبِيه «أَن أَبَا أَيُّوب (الْأنْصَارِيّ) صَلَّى مَعَ أبي بكر بعد غرُوب الشَّمْس قبل الصَّلَاة، ثمَّ لم يكن يُصَلِّي مَعَ عمر، ثمَّ صَلَّى مَعَ عُثْمَان. فَذكر (ذَلِك لَهُ) فَقَالَ: إِنِّي صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ صليت مَعَ أبي بكر (ثمَّ فرقت) من عمر فَلم أصل مَعَه، وَصليت مَعَ عُثْمَان؛ إِنَّه لين» . قلت: (وَظَاهر) هَذَا أَن عمر كَانَ لَا يراهما. الْأَثر الثَّانِي: «أَن (ابْن) عمر كَانَ يسلم وَيَأْمُر بَينهمَا - يَعْنِي: بَين الشفع وَالْوتر - بحاجته» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة نَافِع «أَن عبد الله بن عمر كَانَ يسلم بَين الرَّكْعَة والركعتين فِي الْوتر، حَتَّى يَأْمر بِبَعْض حَاجته» . الْأَثر الثَّالِث: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يُوتر قبل أَن ينَام، فَإِذا قَامَ تهجد وَلم يعد الْوتر» . وَهَذَا الْأَثر سلف فِي أثْنَاء طرق الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 رِوَايَة بَقِي بن مخلد فِي «مُسْنده» وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر أَيْضا. وَوَافَقَ الصّديق عَلَى هَذَا - أَعنِي: عدم نقض الْوتر - الْفَارُوق وَسعد وعمار وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَجُمْهُور الْعلمَاء، وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن نصر بن عمرَان الضبعِي قَالَ: «سَأَلت عَائِذ بن عَمْرو الصَّحَابِيّ: هَل ينْقض الْوتر؟ (قَالَ) : إِذا أوترت من أَوله فَلَا (توتر) من آخِره» . الْأَثر الرَّابِع: «أَن ابْن عمر كَانَ ينْقض الْوتر، فيوتر أول اللَّيْل (فَإِذا) قَامَ ليتجهد صَلَّى رَكْعَة شفع بهَا (تِلْكَ) ثمَّ يُوتر آخر اللَّيْل» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك. قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ ثَابت عَنهُ. وَرَوَاهُ أَحْمد وَلَفظه: عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن الْوتر قَالَ: أما أَنا (لَو) أوترت قبل أَن أَنَام ثمَّ أردْت (أَن) أُصَلِّي بِاللَّيْلِ شفعت (وَاحِدَة) مَا مَضَى من وتري، ثمَّ صليت مثنى مثنى، فَإِذا قضيت صَلَاتي أوترت بِوَاحِدَة؛ إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمرنَا أَن نجْعَل آخر صَلَاة اللَّيْل الْوتر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مرّة «أَنه سَأَلَ سعيد بن الْمسيب عَن الْوتر، فَقَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يُوتر أول اللَّيْل؛ فَإِذا قَامَ نقض وتره، ثمَّ صَلَّى ثمَّ أوتر آخر صلَاته - أَو آخر اللَّيْل. وَكَانَ عمر يُوتر آخر اللَّيْل، وَكَانَ (خير) مني (وَمِنْهَا أَن) أَبَا بكر يُوتر من أول اللَّيْل ويشفع (فِي) آخِره، يُوتر بذلك [يُصَلِّي] مثنى مثنى وَلَا ينْقض وتره» . قلت: وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِك عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَعَمْرو بن مَيْمُون (وَابْن) سِيرِين وَإِسْحَاق (و) حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَنهُ. الْأَثر الْخَامِس: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جمع النَّاس عَلَى أبيّ بن كَعْب فِي صَلَاة التَّرَاوِيح (و) لم يقنت إِلَّا فِي النّصْف الثَّانِي» . وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من طَرِيقين: أولاهما: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ «أَن عمر بن الْخطاب جمع النَّاس عَلَى أبيّ بن كَعْب (وَكَانَ) يُصَلِّي لَهُم عشْرين لَيْلَة (و) لَا يقنت (بهم) إِلَّا فِي النّصْف (الثَّانِي) فَإذْ (كَانَ) الْعشْر الْأَوَاخِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 تخلف (فَيصَلي) فِي بَيته، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أبق أبيٌّ!» . ثَانِيهمَا: عَن ابْن سِيرِين، عَن بعض أَصْحَابه «أَن أبي بن كَعْب أمّهم - يَعْنِي: فِي رَمَضَان - وَكَانَ يقنت فِي النّصْف (الْأَخير) مِنْهُ» . وَهَذَا فِيهِ جَهَالَة كَمَا ترَى، وَالْأول مُنْقَطع؛ لِأَن الْحسن لم يدْرك عمر، بل ولد لِسنتَيْنِ من خِلَافَته. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَوَافَقَهُ الصَّحَابَة. يَعْنِي (عمر) عَلَى جمعه النَّاس عَلَى أبيّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الْأَثر السَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: (تسْتَحب) الْجَمَاعَة فِي التَّرَاوِيح، تأسيًا بعمر. قلت: قد عَرفته أَيْضا، وَفِي البُخَارِيّ أَيْضا أَنه جمعهم عَلَيْهِ. الْأَثر السَّابِع: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: (السّنة إِذا انتصف شهر رَمَضَان أَن يلعن الْكَفَرَة فِي الْوتر بَعْدَمَا يَقُول: سمع الله لمن حَمده» . وَهَذَا غَرِيب، لم أره فِي كتاب حَدِيثي مُعْتَمد، والرافعي ذكره تبعا للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي «مهذبه» (وحذفه) النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» فَلم يذكرهُ، وَذكر مَكَانَهُ مَا هُوَ مَشْهُور فِي أبي دَاوُد من فعل عمر، مَعَ انْقِطَاعه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 وَأما الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ أسْندهُ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» من حَدِيث السلَفِي، أَنا ابْن البطر، أَنا ابْن رزقويه، نَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن كَامِل، نَا سعيد بن حَفْص الْهُذلِيّ أَبُو عَمْرو، قَالَ: قَرَأنَا عَلَى معقل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة ... فَذكر (حَدِيثا) فِي قيام رَمَضَان السالف، وَقَالَ فِي آخِره: فَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن (عبيد) الْقَارِي - وَكَانَ من عُمَّال عمر، وَكَانَ مَعَ عبد الله بن الأرقم عَلَى بَيت مَال الْمُسلمين - «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه خرج لَيْلَة فِي شهر رَمَضَان، وَخرج مَعَه عبد الرَّحْمَن فَرَأَى أهل الْمَسْجِد يصلونَ أوزاعًا مُتَفَرّقين، فَأمر أبيّ بن كَعْب (أَن يقوم بهم فِي شهر رَمَضَان) فَخرج عمر وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة قارئهم، فَقَالَ: نعم الْبِدْعَة، وَالَّتِي ينامون عَنْهَا أفضل من الَّتِي يقومُونَ - يُرِيد من آخر اللَّيْل. وَكَانُوا يقومُونَ فِي أولهِ. فَقَالَ: السّنة إِذا انتصف شهر رَمَضَان أَن يلعن الْكَفَرَة فِي آخر رَكْعَة من الْوتر بَعْدَمَا يَقُول الْقَارئ: سمع الله لمن حَمده، ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ (قَاتل) الْكَفَرَة» . ثمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . (قَالَ) : وَوَقع فِي كتابي: معقل، عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب: عقيل. هَذَا كَلَامه، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ (فَالْحَدِيث) جَمِيعه لَيْسَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 البُخَارِيّ وَلَا فِي مُسلم؛ بل وَلَا أعرفهُ فِي (غَيرهمَا) من بَاقِي الْكتب السِّتَّة وَالْمَسَانِيد، نعم صدر الحَدِيث وَهُوَ صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام فِي رَمَضَان مَذْكُور (فيهمَا) وَكَذَا (إِلَى) قَوْله: « (ويقومون) فِي أَوله» فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ والشأن فِي هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ من كَلَام عمر وَهِي قَوْله: «السّنة (إِذا) انتصف ... » إِلَى آخِره؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَة، وَلَا أحمل كَلَامه عَلَى أَن مُرَاده أَنَّهُمَا أخرجَا أَصله؛ لبعد ذَلِك هُنَا، ثمَّ (عَلَيْهِ) اعْتِرَاض آخر وَرَاء هَذَا وَهُوَ تخطئة مَا وَقع فِي كِتَابه، وَقَوله إِن الصَّوَاب: أَنا عقيل. وَلم يبرهن لَهُ، وَلم يظْهر لي وَجهه؛ فَإِن (كِلَاهُمَا) يروي عَن الزُّهْرِيّ، وَقد أخرج لكل مِنْهُمَا فِي «الصَّحِيح» لَكِن عقيل - وَهُوَ ابْن خَالِد بن عقيل - من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَقد وَثَّقَهُ النَّاس. وَمَعْقِل بن [عبيد الله] الْجَزرِي من رجال مُسلم، وَقد اخْتلف قَول يَحْيَى بن معِين فِي توثيقه. قلت: (ورد) بِإِسْنَاد ضَعِيف من حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقنت فِي النّصْف من رَمَضَان ... » إِلَى آخِره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 رَوَاهُ ابْن عدي، وَسبب ضعفه أَن (رَاوِيه) عَن أنس أَبُو عَاتِكَة طريف بن (سلمَان) وَهُوَ ذَاهِب الحَدِيث، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا (يَصح) إِسْنَاده. الْأَثر الثَّامِن: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قنت بِهَذَا، وَهُوَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونستهديك، ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك، ونثني عَلَيْك الْخَيْر كُله، نشكرك وَلَا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، وَنَرْجُو رحمتك ونخشى عذابك (إِن عذابك الْجد) بالكفار مُلْحق، اللَّهُمَّ (عذب) كفرة أهل الْكتاب الَّذين يصدون عَن سَبِيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات، وَأصْلح ذَات بَينهم، وَألف بَين قُلُوبهم، وَاجعَل فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وَالْحكمَة، وثبتهم عَلَى مِلَّة رَسُولك، وأوزعهم (أَن يشكروا نِعْمَتك و) أَن يوفوا بعهدك الَّذِي عاهدتهم عَلَيْهِ، وانصرهم عَلَى عَدوك (وعدوهم) إِلَه الْحق واجعلنا مِنْهُم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان (حَدثنِي) ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عبيد بن (عُمَيْر أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) قنت بعد الرُّكُوع فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر (لنا و) للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات، وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات، وَألف (بَين قُلُوبهم وَأصْلح) ذَات بَينهم، وانصرهم عَلَى عَدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ الْعَن كفرة أهل الْكتاب الَّذين يصدون عَن سَبِيلك، ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خَالف بَين كلمتهم، وزلزل أَقْدَامهم، وَأنزل بهم بأسك (الَّذِي) لَا ترده عَن الْقَوْم الْمُجْرمين، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عَلَيْك وَلَا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك (نسعى) ونحفد، نخشى عذابك الْجد، وَنَرْجُو رحمتك، إِن عذابك بالكفار مُلْحق» . قَالَ (الْبَيْهَقِيّ) : هَذَا عَن عمر مَوْصُول صَحِيح. قَالَ ذَلِك بعد أَن رَوَى بعضه مَرْفُوعا وَحكم عَلَيْهِ بِالْإِرْسَال، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث خَالِد بن أبي (عمرَان) قَالَ: «بَينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَدْعُو عَلَى مُضر إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 عَلَيْهِ السَّلَام فَأَوْمأ إِلَيْهِ أَن اسْكُتْ فَسكت، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله لم يَبْعَثك (سبابًا) وَلَا لعانًا، وَإِنَّمَا بَعثك رَحْمَة وَلم يَبْعَثك عذَابا (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ) (قَالَ) ثمَّ علمه هَذَا الْقُنُوت: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونخضع لَك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إِن عذابك بالكافرين مُلْحق» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى - يَعْنِي: (أثر) عمر - سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، عَن عمر (بن الْخطاب) فَخَالف فِي بعضه ثمَّ أسْندهُ إِلَى وَالِد سعيد قَالَ: «صليت خلف عمر بن الْخطاب صَلَاة الصُّبْح فَسَمعته يَقُول بعد الْقِرَاءَة قبل الرُّكُوع: اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك (نصلي) ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى (عذابك) إِن عذابك بالكافرين مُلْحق، اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عَلَيْك الْخَيْر (كُله) وَلَا نكفرك، ونؤمن بك ونخضع لَك، ونخلع من يكفرك» . (ثمَّ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ: «قبل الرُّكُوع» وَهُوَ وَإِن كَانَ إِسْنَادًا صَحِيحا؛ فَمن رَوَى عَن عمر قنوته بعد الرُّكُوع أَكثر؛ فقد رَوَاهُ أَبُو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 رَافع وَعبيد بن عُمَيْر وَأَبُو عُثْمَان [النَّهْدِيّ] وَزيد بن وهب، وَالْعدَد أولَى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد، وَفِي حسن سِيَاق عبيد بن عُمَيْر للْحَدِيث دلَالَة عَلَى حفظه وَحفظ من حفظ عَنهُ. قَالَ: وروينا عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قنت فِي الْفجْر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك» . وَرَأَيْت فِي «مُسْند الفردوس» لِابْنِ شهرديار من زوائده عَلَى وَالِده وَهُوَ فِي (مجلدات صغَار) «أَن الْحَارِث - يَعْنِي: ابْن أبي أُسَامَة - رَوَى عَن الْعَبَّاس، عَن عبد الْوَارِث، عَن حَنْظَلَة، عَن أنس مَرْفُوعا: «اللَّهُمَّ عذب كفرة أهل الْكتاب الَّذين (يحادون) رسلك ويصدون عَن سَبِيلك وألق بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء» . وَأَن ابْن (منيع) رَوَى عَن أبي نصر (البابي) عَن (أبي هِلَال عَن حَنْظَلَة) (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَدْعُو مُدَّة (فِي) صَلَاة الْفجْر بعد الرُّكُوع: اللَّهُمَّ عذب كفرة أهل الْكتاب (وَاجعَل قُلُوبهم كقلوب النِّسَاء الكوافر» . قَالَ: وَرَوَاهُ الْموصِلِي عَن إِسْحَاق بن إِسْرَائِيل، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن حَنْظَلَة مثله) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل الرَّوْيَانِيّ عَن أبي الْعَاصِ أَنه (كَانَ) يزِيد (فِي) آخر الْقُنُوت: (رَبنَا لَا تؤخذنا) إِلَى آخر السُّورَة. وَاسْتَحْسنهُ. وَهَذَا من (عِنْده) وَلم أره فِي حَدِيث، لَا جرم استغربه النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» واستضعفه بِأَن الْمَشْهُور كَرَاهَة الْقِرَاءَة فِي غير الْقيام. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ: «عذب كفرة أهل الْكتاب» لأَنهم كَانُوا (هم) الَّذين يُقَاتلُون الْمُسلمين (حِينَئِذٍ) وَأما الْيَوْم فَيُقَال: عذب الْكَفَرَة (وَغَيرهم) ليعمهم وَغَيرهم؛ لِأَن الْحَاجة إِلَى الدُّعَاء عَلَى غَيرهم كالحاجة إِلَى الدُّعَاء عَلَيْهِم أَو أَكْثَرهم. (وَأَشَارَ بذلك) إِلَى إِدْخَال التتار؛ فَإِنَّهُم كَانُوا قد استولوا فِي زَمَانه عَلَى كثير من أقاليم الْمُسلمين، وَكَانُوا إِذْ ذَاك (كفَّارًا) لَا كتاب لَهُم. وَقد تَكَلَّمت عَلَى ضبط الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي هَذَا الْقُنُوت، وَمَعْنَاهَا فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب؛ فراجع ذَلِك مِنْهُ. الْأَثر التَّاسِع: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه مر بِالْمَسْجِدِ فَصَلى رَكْعَة، فَتَبِعَهُ رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّمَا صليت رَكْعَة! فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تطوع؛ فَمن شَاءَ زَاد، وَمن شَاءَ نقص» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة قَابُوس بن أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 ظبْيَان - بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة - أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: «مر عمر بن الْخطاب فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَرَكَعَ رَكْعَة وَاحِدَة ثمَّ انْطلق، فَلحقه رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا ركعت إِلَّا رَكْعَة وَاحِدَة! قَالَ: هُوَ التَّطَوُّع، فَمن شَاءَ زَاد، وَمن شَاءَ نقص» . وقابوس هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ، كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره. الْأَثر الْعَاشِر: عَن بعض السّلف أَنه قَالَ: «الَّذِي صليت لَهُ يعلم كم صليت» . وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه صَلَّى عددا كثيرا (فَلَمَّا) سلم قَالَ لَهُ الْأَحْنَف بن قيس: هَل تَدْرِي أنصرفت (عَلَى شفع أَو عَلَى وتر) ؟ قَالَ: إِن (لَا) أكن أَدْرِي فَإِن الله يدْرِي، إِنِّي سَمِعت خليلي أَبَا الْقَاسِم (يَقُول: ثمَّ (بَكَى) (ثمَّ) قَالَ: (إِنِّي) سَمِعت خليلي (أَبَا الْقَاسِم) (يَقُول: مَا من عبد يسْجد (لله) سَجْدَة إِلَّا رَفعه الله بهَا دَرَجَة، وَحط (عَنهُ) بهَا خَطِيئَة» . وَعَزاهُ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» إِلَى الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح إِلَّا رجلا اخْتلفُوا فِي عَدَالَته. وَذكره فِي فصل (الضَّعِيف) من «خلاصته» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن مطرف قَالَ: «قعدت إِلَى نفر من قُرَيْش، فجَاء رجل فَجعل (يُصَلِّي) يرْكَع وَيسْجد ثمَّ يقوم، ثمَّ يرْكَع وَيسْجد لَا يقْعد، فَقلت: وَالله مَا (أرَى) هَذَا يدْرِي أينصرف عَلَى شفع أَو وتر (فَقَالُوا: أَلا تقوم إِلَيْهِ) فَتَقول لَهُ. فَقُمْت فَقلت: يَا عبد الله، مَا أَرَاك تَدْرِي تَنْصَرِف عَلَى شفع أَو وتر. (فَقَالَ: لَكِن) الله يدْرِي، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من سجد لله سَجْدَة كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة، وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة، وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة. فَقلت: من أَنْت؟ (قَالَ) : أَبُو ذَر. فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَقلت: جزاكم (الله) من جلساء شرًّا أَمرْتُمُونِي أَن أعلم رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -!» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 كتاب [1] صَلَاة الْجَمَاعَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث (فاثنان) وَخَمْسُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه كَذَلِك وَلَفظ رِوَايَة الشَّافِعِي: «تفضل [عَلَى] صَلَاة الْفَذ» . وَهِي مَا فِي الْكتاب. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِلَفْظ: «الضعْف» بدل «الدرجَة» وبلفظ « (الْجُزْء» ) أَيْضا. وَأخرجه مُسلم بِلَفْظ: «الدرجَة» وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد بِلَفْظ: «الدرجَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من هَذَا الْوَجْه: «الصَّلَاة فِي (جمَاعَة) تعدل خمْسا وَعشْرين صَلَاة؛ فَإِذا صلاهَا فِي فلاة فَأَتمَّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صَلَاة» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَالَ عبد الْوَاحِد بن زِيَاد فِي هَذَا الحَدِيث: «صَلَاة الرجل فِي الفلاة تضَاعف عَلَى صلَاته فِي الْجَمَاعَة» . وَرَوَى هَذِه (الرِّوَايَة) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَرَوَاهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «صَلَاة الرجل فِي جمَاعَة تزيد عَلَى صلَاته وَحده بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة، فَإِن صلاهَا بأرضٍ قِيٍّ فَأَتمَّ وضوءها وركوعها وسجودها تكْتب صلَاته بِخَمْسِينَ دَرَجَة» . وَقَوله: «قيّ» هُوَ بِالْقَافِ الْمَكْسُورَة (وَهُوَ) الفلاة كَمَا فِي رِوَايَة (أبي) دَاوُد وَالْحَاكِم. (قَالَ الْحَاكِم) عقب رِوَايَته للْحَدِيث: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ؛ فقد اتفقَا عَلَى الْحجَّة بروايات هِلَال بن (أبي) هِلَال (وَيُقَال) ابْن أبي مَيْمُونَة: وَيُقَال: ابْن عَلّي، وَيُقَال: ابْن أُسَامَة. وَكله وَاحِد. انْتَهَى كَلَامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وَاعْلَم أَن الْوَاقِع فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ هِلَال بن مَيْمُون، وَهُوَ غير هَذَا، وَلَيْسَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ من رجال د ق وَقد اخْتلف فِيهِ أَيْضا. (وَقَالَ) أَبُو حَاتِم فِي حَقه: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، يكْتب حَدِيثه. (لَكِن) وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَأما هِلَال بن أبي هِلَال الَّذِي حَكَى الْخلاف فِيهِ فَهُوَ غير هَذَا فليتنبه (لَهُ) . تَنْبِيهَانِ: الأول: ذكرت فِي شرحي للعمدة ثَلَاثَة عشر وَجها فِي الْجمع بَين رِوَايَة «خمس وَعشْرين» و «سبع وَعشْرين» (فَرَاجعهَا) مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات وظفرت فِي هَذِه الْحَالة بِوَجْهَيْنِ آخَرين: أَحدهمَا: أَنه حسب فِي أَحدهمَا دَرَجَة الِابْتِدَاء والانتهاء، وَفِي (الْأُخْرَى) أسقطهما. ثَانِيهمَا: أَنه يحمل أَحدهمَا عَلَى دَرَجَات كبار تعدل سبعا وَعشْرين دونهَا، ونظيرها: أَنه جمع بَين كَلَام الشَّافِعِي (بذلك) فِي حد السّفر الطَّوِيل حَيْثُ قَالَ مرّة: إِنَّه سِتَّة وَأَرْبَعُونَ ميلًا - وَقَالَ مرّة: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 الثَّانِي: فِي «ضعفاء الْعقيلِيّ» من حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «الْجَمَاعَة ثَلَاثَة (كلهم خمس) (وَعِشْرُونَ) دَرَجَة؛ فَكلما زَاد رجل مِنْهُم فَلهُ دَرَجَة (فِي) عشرَة» . ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: الحَدِيث ثَابت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي فضل صَلَاة الْجَمَاعَة عَلَى صَلَاة الْفَذ (بضع) وَعشْرين دَرَجَة من غير وَجه، فَأَما هَذَا اللَّفْظ فَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَلَاة الرجل مَعَ الرجل أفضل من صلَاته وَحده، وَصلَاته مَعَ الرجلَيْن أفضل من صلَاته مَعَ الرجل، وَمَا زَاد فَهُوَ أحب إِلَى الله» . هَذَا الحَدِيث (رَوَاهُ) أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» من رِوَايَة أبيّ بن كَعْب بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور (إِلَّا) أَنهم قَالُوا: «أَزْكَى» بدل «أفضل» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 وَرَوَاهُ أَحْمد باللفظين وَقَالَ فِي إِحْدَى (روايتيه) «وحيثما كثرت جمَاعَة فَهُوَ أفضل» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من طرق، ثمَّ قَالَ: (فقد) اخْتلفُوا فِيهِ عَلَى أبي إِسْحَاق من أَرْبَعَة أوجه، وَالرِّوَايَة فِيهَا (عَن) أبي بَصِير وَابْنه عبد الله كلهَا صَحِيحَة. ثمَّ برهن عَلَى ذَلِك (بأسانيد) ثمَّ قَالَ: وَقد حكم أَئِمَّة الحَدِيث: ابْن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَمُحَمّد بن يَحْيَى الذهلي وَغَيرهم (لهَذَا) الحَدِيث بِالصِّحَّةِ. ثمَّ رَوَى عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن أبي بَصِير، عَن أبيِّ بن كَعْب هَذَا يَقُوله زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَشعْبَة يَقُول: عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي بَصِير، وَعَن أَبِيه، عَن أبيّ بن كَعْب. فَالْقَوْل قَول شُعْبَة وَهُوَ أثبت من زُهَيْر. وَعَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ فِي حَدِيث أبيّ بن كَعْب هَذَا: رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق، عَن شيخ لم يسمع مِنْهُ غير هَذَا وَهُوَ عبد الله بن أبي بَصِير، فقد قَالَ شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق إِنَّه سَمعه من أَبِيه وَمِنْه. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص: عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْعيزَار بن حُرَيْث. وَمَا أرَى الحَدِيث إِلَّا صَحِيحا. وَعَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: سمع أَبُو إِسْحَاق من عبد الله بن أبي بَصِير، وَمن أَبِيه أبي بَصِير. وَعَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 (رَوَاهُ) يَحْيَى بن سعيد، وَخَالف ابْن الْحَارِث عَن شُعْبَة، وَقَول أبي الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْعيزَار بن حُرَيْث كلهَا مَحْفُوظَة. قَالَ الْحَاكِم: فقد ظهر بأقاويل أَئِمَّة الحَدِيث صِحَة الحَدِيث. وَأما البُخَارِيّ وَمُسلم (فَإِنَّهُمَا لم يخرجَاهُ لهَذَا) الْخلاف. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَقَامَ إِسْنَاده: شُعْبَة وَالثَّوْري وَإِسْرَائِيل فِي آخَرين وَعبد الله بن (بَصِير سَمعه من أُبيٍّ مَعَ أَبِيه) وسَمعه أَبُو إِسْحَاق مِنْهُ وَمن أَبِيه. قَالَه شُعْبَة وَعلي بن الْمَدِينِيّ. قلت: وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ - أَعنِي رِوَايَة عبد الله بن (أبي) بَصِير، عَن أبيّ بن كَعْب، و (بَين) رِوَايَة عبد الله بن أبي بَصِير عَن أَبِيه - ثمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَة: وَقد (قَالَ) إِسْحَاق: [سمعته] مِنْهُ وَمن أَبِيه، ثمَّ ساقهما. (وَقَالَ) الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث من حَدِيث شُعْبَة صَحِيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» ، عبد الله بن أبي بَصِير، (عَن أَبِيه) لَيْسَ بالمشهور فِيمَا أعلم لَا هُوَ وَلَا أَبوهُ. ونحا نَحوه النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» و «الْخُلَاصَة» : هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده صَحِيح، إِلَّا رجلا وَاحِدًا وَهُوَ عبد الله بن أبي بَصِير الرَّاوِي عَن أبيّ، فَسَكَتُوا عَنهُ وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، وَقد أَشَارَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا إِلَى صِحَّته. قلت: عبد الله هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فَقَالَ: عبد الله بن أبي بَصِير الْعَبْدي يروي عَن أبيّ بن كَعْب، (و) عَن أَبِيه عَن أبيّ، وَعنهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي. وَرَوَى الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته كَمَا سلف. قَالَ صَاحب «الْكَمَال» : وَلَا نعلم رَوَى عَنهُ غير أبي إِسْحَاق السبيعِي. وتوبع عَلَى ذَلِك، وَقد أسلفنا (أَن) الْعيزَار بن حُرَيْث رَوَى عَنهُ أَيْضا، وَنَصّ عَلَى رِوَايَته عَنهُ ابْن مَاكُولَا فِي «إكماله» أَيْضا. وَأما وَالِده أَبُو بَصِير فروَى عَنهُ جمَاعَة، وَهُوَ ثِقَة أَيْضا، فتلخص من هَذَا كُله صِحَّته وَللَّه الْحَمد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر بِمَعْنَاهُ من حَدِيث (قباث) - بِضَم الْقَاف وَفتحهَا، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مُخَفّفَة، ثمَّ ألف، ثمَّ مُثَلّثَة - ابْن أَشْيَم الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا «صَلَاة الرجلَيْن يؤم أَحدهمَا صَاحبه أَزْكَى عِنْد الله من صَلَاة أَرْبَعَة (تترى) ، وَصَلَاة أَرْبَعَة يؤم أحدهم صَاحبه أَزْكَى عِنْد الله من صَلَاة (ثَمَانِيَة) ، وَصَلَاة (ثَمَانِيَة) يؤم أحدهم صَاحبه أَزْكَى عِنْد الله من (صَلَاة مائَة) تترى (تترى» ذكره الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة: (قباث) من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن يُونُس بن سيف، عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد، عَن قباث بِهِ. وَمُعَاوِيَة من رجال مُسلم وَإِن ضعفه أَبُو حَاتِم، وَكَذَا يُونُس وَإِن لينه ابْن معِين. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (مَا) من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة وَلَا (فِي) بَدو، لَا تُقَام فيهم الْجَمَاعَة إِلَّا استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بأسانيد صَحِيحَة من رِوَايَة أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: « (فَعَلَيْك) بِالْجَمَاعَة؛ فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب من الْغنم القاصية» . قَالَ السَّائِب - أحد رُوَاته - إِنَّمَا يَعْنِي بِالْجَمَاعَة: جمَاعَة الصَّلَاة. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي مَوَاضِع مِنْهُ: إِحْدَاهَا: فِي أَوَائِل صَلَاة الْجَمَاعَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَى (قَوْله) : «فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَة» (ثمَّ) قَالَ: هَذَا (حَدِيث) صَحِيح الْإِسْنَاد. ثَانِيهَا: بعد هَذَا (الْموضع) بِثَلَاثَة أوراق بِلَفْظ: «الْجَمَاعَة» بِكَمَالِهِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَدُوق (رُوَاته) شَاهد لما تقدمه، مُتَّفق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 عَلَى الِاحْتِجَاج (برواته) إِلَّا السَّائِب بن حُبَيْش. قَالَ: وَقد عرف من مَذْهَب زَائِدَة - يَعْنِي الرَّاوِي عَن السَّائِب - أَنه لَا يحدث إِلَّا عَن الثِّقَات. قلت: والسائب هَذَا وَثَّقَهُ الْعجلِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: من أهل الشَّام صَالح الحَدِيث لَا أعلم حدث عَنهُ غير زَائِدَة. قلت: قد حدث عَنهُ أَيْضا حَفْص بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ الْحلَبِي. (وَأما الإِمَام) أَحْمد (فَإِنَّهُ سُئِلَ) عَنهُ: أثقة هُوَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. ثَالِثهَا: فِي كتاب التَّفْسِير بِلَفْظ: «لَا تُقَام فيهم الصَّلَاة ... » ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : (مَا من خَمْسَة أَبْيَات لَا يجمعُونَ الصَّلَاة إِلَّا استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان» . وَاعْلَم أَن لفظ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إِيرَاد هَذَا الحَدِيث: «مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة لَا تُقَام فيهم الصَّلَاة إِلَّا استحاذ (عَلَيْهِم) الشَّيْطَان» وَزَاد فِي الْمُهَذّب: «فِي قَرْيَة وَلَا بَدو» وَقَالَ: «الْجَمَاعَة» بدل «الصَّلَاة» وَقَالَ: «استحوذ» بدل «استحاذ» مَعَ أَن فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ: «استحوذ» بِالْوَاو - وَقَالَ: «وَلَا تُقَام» - بِإِثْبَات الْوَاو - وَلم أر من خرجه بإثباتها وَلَا (من) خرجه بِلَفْظ: «استحاذ» إِن لم يكن ذَلِك من (بعض) النساخ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 وَقد قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «نهايته» فِي «حوذ» (بعد) ذكره هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ «استحوذ» - بِالْوَاو - وَأَن الْمَعْنى: اسْتَوْلَى عَلَيْهِم وحواهم إِلَيْهِ. (هَذِه اللَّفْظَة) أحد مَا جَاءَ عَلَى الأَصْل من غير إعلال خَارِجا عَن أخواتها نَحْو: استقال واستقام. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ « (أَن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر أم ورقة أَن تؤم أهل دارها» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْوَلِيد بن جَمِيع، عَن جدته وَعَن عبد الرَّحْمَن ابْن خَلاد الْأنْصَارِيّ، عَن أم ورقة بنت نَوْفَل «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما غزا بَدْرًا قَالَت: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لي فِي الْغَزْو مَعَك أمرض مرضاكم، لَعَلَّ الله - سُبْحَانَهُ - (يَرْزُقنِي) شَهَادَة. قَالَ: قري فِي بَيْتك فَإِن الله يرزقك الشَّهَادَة. قَالَ: فَكَانَت (تسمى) الشهيدة، وَكَانَت قد قَرَأت الْقُرْآن؛ (فاستأذنت) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تتَّخذ فِي دارها مُؤذنًا فَأذن لَهَا. قَالَ: وَكَانَت دبرت غُلَاما لَهَا وَجَارِيَة فقاما إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فغماها (بقطيفة) لَهَا حَتَّى مَاتَت (وذهبا) فَأصْبح عمر فَقَامَ فِي النَّاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 فَقَالَ: من كَانَ عِنْده من هذَيْن علم - أَو من رآهما - فليجئ بهما. فَأمر بهما فصلبا، فَكَانَا أول مصلوب بِالْمَدِينَةِ» . زَاد الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْوَلِيد عَن جدته: «فَقَالَ عمر: صدق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول: انْطَلقُوا نزور الشهيدة» وَذكر فِي أَوله أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ لَهَا لما أَرَادَت أَن تخرج مَعَه إِلَى بدر: «إِن الله (يهدي) لَك شَهَادَة» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث الْوَلِيد، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أم ورقة بِهِ. وَالْأول أتم، قَالَ: «وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ يزورها فِي بَيتهَا وَجعل لَهَا مُؤذنًا وأمرها أَن تؤم أهل دارها» . قَالَ عبد الرَّحْمَن بن خَلاد: فَأَنا رَأَيْت مؤذنها شَيخا كَبِيرا. وَلم يذكر جدته. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» فِي أَوَائِل الصَّلَاة من حَدِيث الْوَلِيد بن جَمِيع، عَن (أمه) ، عَن أم ورقة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أذن لَهَا أَن يُؤذن لَهَا ويقام وتؤم نساءها» . وَرَوَاهُ (فِي أَوَاخِر كتاب) الصَّلَاة من حَدِيث الْوَلِيد، عَن جدته، عَن أم ورقة - وَكَانَت تؤم - «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أذن لَهَا أَن تؤم أهل دارها» . وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 حَدِيث الْوَلِيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن خَلاد، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أذن لأم ورقة أَن تؤم أهل دارها وَكَانَ لَهَا مُؤذن» . قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز، عَن الْوَلِيد، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أم ورقة «أَنَّهَا اسْتَأْذَنت ... » . وَرَوَاهُ وَكِيع، عَن الْوَلِيد، عَن جدته، وَعبد الرَّحْمَن، عَن أم ورقة. وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن الْوَلِيد، عَن جدته. لم يذكرُوا عبد الرَّحْمَن. قلت: وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، عَن الْوَلِيد، عَن جدته، عَن أم ورقة - كَمَا أَفَادَهُ ابْن عَسَاكِر - (وَرَوَاهُ) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الْوَلِيد، عَن لَيْلَى بنت مَالك وَعبد الرَّحْمَن بن خَلاد الْأنْصَارِيّ، عَن أم ورقة الْأَنْصَارِيَّة أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول: (انْطَلقُوا بِنَا إِلَى الشهيدة فنزورها. وَأمر أَن يُؤذن لَهَا (و) يُقَام وتؤم أهل دارها فِي الْفَرَائِض» . والوليد هَذَا ثِقَة من فرسَان (مُسلم) وَمِمَّنْ صرح بتوثيقه يَحْيَى بن معِين، وَالْإِمَام أَحْمد وَأَبُو زرْعَة فَقَالَا: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَأَبُو حَاتِم فَقَالَ: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ الْبَزَّار: حدث عَنهُ جمَاعَة وَاحْتَملُوا حَدِيثه، وَكَانَ فِيهِ تشيع. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : قد احْتج مُسلم بالوليد بن جَمِيع، وَهَذِه سنة غَرِيبَة، لَا أعرف فِي الْبَاب حَدِيثا مُسْندًا غير هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 (قلت) : وَقَول هَؤُلَاءِ مقدم عَلَى تَضْعِيف ابْن حبَان لَهُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّه ينْفَرد عَن الْأَثْبَات بِمَا لَا (يشبه) حَدِيث الثِّقَات، فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقد (تبعه) فِي ذَلِك الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: قَول هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي توثيقه مقدم عَلَى قَول ابْن حبَان فِيهِ؛ لأَنهم أعلم مِنْهُ نعم الشَّأْن فِي (جدته) فَإنَّا لَا نعلم لَهَا حَالا، وَكَذَا عبد الرَّحْمَن بن (خَلاد) وَإِن نقل عَن ابْن حبَان أَنه ذكر عبد الرَّحْمَن فِي «ثقاته» وَقد أعله بهما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: حَال عبد الرَّحْمَن مَجْهُولَة، وَجدّة الْوَلِيد (كَذَلِك) لَا تعرف أصلا. وليلى بنت مَالك السالفة فِي رِوَايَة الْحَاكِم قَالَ الصريفيني - فِيمَا (رَأَيْته) بِخَطِّهِ فِي كتاب - إِنَّهَا أم ورقة. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث سكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» ، وَعبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» ، وَقد علمت مَا فِيهِ من الِاضْطِرَاب والجهالة. (ثَانِيهَا) : وَقع فِي أَحْكَام عبد الْحق: (أم) ورقة بنت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 الْحَارِث، وناقشه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك فَقَالَ: إِنَّمَا وَقع فِي كتاب أبي دَاوُد الَّذِي نَقله (من عِنْده) أم ورقة بنت عبد الله بن الْحَارِث. قلت: وَالْأَمر فِي هَذَا قريب، فَإِنَّهُ نَسَبهَا إِلَى جدها. (ثَالِثهَا) : لما ذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» هَذَا الحَدِيث قَالَ: الْوَلِيد بن جَمِيع (ضَعِيف) وَأمه مَجْهُولَة. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ؛ (فالوليد قد) علمت حَاله وَتبع فِي ذَلِك مقَالَة ابْن حبَان السالفة، وَقد ذكره أَيْضا فِي «ضُعَفَائِهِ» ، (وَاقْتصر) عَلَى هَذِه القولة فِيهِ، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ. وَأما الذَّهَبِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي (كتاب) «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء» وَلم يعقبه بِتَضْعِيف، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنه تكلم (فِيهِ) . وَقَوله «إِن أمه مَجْهُولَة» تبع فِيهِ رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة (فَإِنَّهُ) أوردهَا من جِهَته، وَقد أسلفنا أَن رِوَايَة غَيره أَنَّهَا جدته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «نهَى النِّسَاء (عَن) الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد فِي جمَاعَة الرِّجَال (إِلَّا عجوزًا فِي منقلها) » . هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني رَفعه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن عمر، عَن المَسْعُودِيّ، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره مَا صلت امْرَأَة (صَلَاة) (أفضل) من صَلَاة [تصليها] فِي بَيتهَا (إِلَّا مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة) إِلَّا عجوزًا فِي مَنْقلها» . ثمَّ قَالَ: تَابعه جَعْفَر بن عون وَغَيره عَن المَسْعُودِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 (قلت: والمسعودي ثِقَة اخْتَلَط بِأخرَة، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله) . (و) اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ تبع فِي إِيرَاده مَرْفُوعا صَاحب «الْمُهَذّب» فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك لَكِن لَفظه: «نهَى النِّسَاء عَن الْخُرُوج إِلَّا عجوزًا فِي منقليها» . وأعقبه الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث (الْمُهَذّب) بأثر ابْن مَسْعُود هَذَا فَقَط، وَسكت عَلَيْهِ وَلم يتبعهُ بتصحيح وَلَا (بِتَضْعِيف) . وَأما النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شَرحه» : إِنَّه حَدِيث غَرِيب. وَخَالف فِي «خلاصته» فَذكره فِي فصل الضَّعِيف مِنْهَا، وَهُوَ فرع عَن مَعْرفَته، قَالَ فيهمَا: وَإِنَّمَا يعرف عَن ابْن مَسْعُود، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك بِإِسْنَاد ضَعِيف. فَائِدَة: (المنقل) - فتح الْمِيم أشهر من كسرهَا، وَالْقَاف مَفْتُوحَة فيهمَا، وَحَكَى النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» عَن شَيْخه ابْن مَالك أَنه بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح: الْخُف، وبالضم: الْخُف المصلح. وَأطلق الرَّافِعِيّ فِي «شَرحه» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 أَنه الْخُف. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِنَّه الْخُف الْخلق. وَتَبعهُ الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» قَالَ: أَرَادَ أَنَّهَا (مِمَّن) تخرج إِلَى السُّوق فِي خفيها وَهِي من الْعَجَائِز الَّتِي لَا يرغب فِيهَا، وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» (أَيْضا) لكنه رد عَلَيْهِ فِي «شَرحه» فَقَالَ: الصَّحِيح الْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة: (الأول) . وَقَالَ فِي «تهذيبه» : لم يُقَيِّدهُ أهل اللُّغَة وَلَا غَيرهم بذلك وَإنَّهُ الْمُعْتَمد. قَالَ: وَالتَّقْيِيد بذلك قَالَه الإِمَام وَغَيره من الْفُقَهَاء. (قلت) : وَكَذَا الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» (وَأورد فِيهِ (الحَدِيث) شبه النَّقْل وَمثله المنقل - بِفَتْح النُّون وَكسرهَا -) وَفِي «التَّهْذِيب» للأزهري عَن أبي عبيد عَن الْأمَوِي: أَنه الْخُف. قَالَ أَبُو عبيد: لَوْلَا أَن الرِّوَايَة وَالشعر اتفقَا عَلَى فتح الْمِيم مَا كَانَ وَجه الْكَلَام عِنْدِي إِلَّا الْكسر. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَرَوَى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال للخف الْمعدل: والمنقل - بِكَسْر الْمِيم فيهمَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المنقل بِفَتْحِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَلَاة الرجل فِي بَيته أفضل إِلَّا الْمَكْتُوبَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي الْبَاب قبله فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين مِنْهُ الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من صَلَّى لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جمَاعَة يدْرك التَّكْبِيرَة الأولَى كتب لَهُ براءتان: بَرَاءَة من النَّار، وَبَرَاءَة من النِّفَاق» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَولهَا: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» كَذَلِك. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن أنس (مَوْقُوفا) عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَا (نعلم) أحدا رَفعه إِلَّا مَا رَوَاهُ مُسلم بن قُتَيْبَة، عَن طعمة بن عَمْرو، (عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن أنس) إِنَّمَا [يُروى] هَذَا عَن حبيب بن أبي حبيب البَجلِيّ (عَن أنس) قَوْله، وَلم يرفعهُ. قَالَ: وَرَوَى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش هَذَا الحَدِيث عَن عمَارَة بن غزيَّة، عَن أنس، عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحْو هَذَا. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ وَهُوَ حَدِيث مُرْسل، عمَارَة بن غزيَّة لم يدْرك أنس بن مَالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 قلت: وَهُوَ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن غير الشاميين فَإِن عمَارَة مدنِي، وَقد نَص غير وَاحِد من الْأَئِمَّة عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث (فَذكره) ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» (من) طَرِيق حبيب - غير مَنْسُوب، عَن أنس، (وَأَنه) سَأَلَ أَبَاهُ عَن حبيب هَذَا فَلم يعرفهُ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» حبيب هَذَا لَا مطْعن فِيهِ. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي «الْمِيزَان» : لَا أعلم (بِهِ) بَأْسا. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث أنس، عَن عمر مَرْفُوعا: «من صَلَّى فِي (مَسْجِد) جمَاعَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا تفوته الرَّكْعَة الأولَى فِي صَلَاة الصُّبْح [كتب] لَهُ بهَا عتقا من النَّار» فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرْوَى عَن عمَارَة بن [غزيَّة] ، عَن أنس بن مَالك، عَن [عمر] وَعمارَة لَا نعلم لَهُ سَمَاعا من أنس، رَوَاهُ عَنهُ هَكَذَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عمَارَة بن غزيَّة، عَن رجل، عَن أنس، (عَن) (عمر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 (وَرَوَاهُ) أَبُو [الْعَلَاء] الْخفاف خَالِد بن طهْمَان الْكُوفِي، عَن حبيب بن أبي عميرَة الإسكاف، عَن أنس مَرْفُوعا، لم يذكر فِيهِ (عمر) . وَاخْتلف عَن أبي الْعَلَاء، فَقيل: عَنهُ، عَن حبيب بن أبي ثَابت. وَمن قَالَ ذَلِك عَنهُ فَهُوَ وهم. وَكَذَلِكَ يَقُول قيس بن الرّبيع وَعَطَاء بن مُسلم عَنهُ عَن خَالِد بن طهْمَان أبي (الْعَلَاء) الْخفاف الْكُوفِي، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن أنس. ووهما فِي نسب (حبيب) ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو الْعَلَاء الْخفاف، عَن أبي [عميرَة] حبيب الإسكاف الْكُوفِي، عَن أنس وَقيل: عَن أبي الْعَلَاء، عَن (حبيب) بن أبي ثَابت، عَن نس. قَالَه قيس بن الرّبيع وَعَطَاء بن مُسلم عَنهُ، وَذَلِكَ وهم من قَائِله. هَذَا (نَص) مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من طَرِيق التِّرْمِذِيّ السالفة ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ ومرسل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 أَيْضا؛ لِأَن (عمَارَة) لم يدْرك أنس بن مَالك. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث (بكر) بن أَحْمد، عَن يَعْقُوب بن تَحِيَّة، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن حميد، عَن أنس مَرْفُوعا: «من صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جمَاعَة صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الْعشَاء (كتبت) لَهُ بَرَاءَة من النَّار وَبَرَاءَة من النِّفَاق» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَلَا نعلم رَوَاهُ غير (بكر) بن أَحْمد، عَن يَعْقُوب بن تَحِيَّة، وَكِلَاهُمَا مَجْهُول الْحَال. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد عرفت مَا فِيهِ (فِي) الطَّرِيق الَّذِي قبله. (رَوَاهُ) ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «من صَلَّى فِي مَسْجِد جمَاعَة أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا تفوته (الرَّكْعَة) الأولَى من صَلَاة الْعشَاء (كتب لَهُ) عتقا من النَّار» . (وَرَوَاهُ) سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» بِلَفْظ (الظّهْر) بدل «الْعشَاء» وَكَذَا رَوَاهُ الْحَازِمِي. (وَرَوَاهُ) الْخَطِيب فِي «تَلْخِيص الْمُتَشَابه» بِلَفْظ: «من شهد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 الصَّلَاة (فِي) جمَاعَة أَرْبَعِينَ لَيْلَة وأيامها لَا يكبر الإِمَام إِلَّا وَهُوَ فِي الْمَسْجِد كتب الله (لَهُ) بِيَدِهِ بَرَاءَة من النَّار» . الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي كَاهِل قَالَ: «قَالَ (لي) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا أَبَا كَاهِل، إِنَّه من صَلَّى (لله) أَرْبَعِينَ يَوْمًا - أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة - فِي الْجَمَاعَة يدْرك التَّكْبِيرَة الأولَى كَانَ حقًّا عَلَى الله أَن يكْتب (لَهُ) بَرَاءَة من النَّار» وَذكر حَدِيثا طَويلا. (رَوَاهُ) الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر «معاجمه» ، والعقيلي فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» ، وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» ثمَّ قَالَ: أَبُو كَاهِل هَذَا لَهُ صُحْبَة، وَإِسْنَاده لَيْسَ بالمعتمد عَلَيْهِ وَقَالَ الْعقيلِيّ: إِسْنَاده مَجْهُول وَفِيه نظر وَلَا يعرف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قلت: والفضائل يتَسَامَح فِي أحاديثها مَا لم ينْتَه إِلَى الْوَضع. قَالَ ابْن مهْدي - عَلَى مَا نَقله الْحَاكِم فِي أول كتاب الدُّعَاء فِي «مُسْتَدْركه» -: إِذا روينَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شددنا فِي الْأَسَانِيد وانتقدنا الرِّجَال، (وَإِذا) روينَا عَنهُ فِي فَضَائِل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب والمباحات والدعوات تساهلنا فِي الْأَسَانِيد. قَالَ الرَّافِعِيّ: (ووردت) أَخْبَار فِي إِدْرَاك التَّكْبِيرَة الأولَى مَعَ الإِمَام نَحْو هَذَا. قلت: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لكل شَيْء صفوة، وصفوة الصَّلَاة التَّكْبِيرَة الأولَى» ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: رَوَاهُ ابْن السكن عَن الْأَعْمَش وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ وَهُوَ مُنكر الحَدِيث. قلت: وَضَعفه أَحْمد أَيْضا. وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «لكل شَيْء (أنف) ، و (إِن أنف) الصَّلَاة التَّكْبِيرَة الأولَى فحافظوا عَلَيْهَا» و (فِي) إِسْنَاده مَجْهُول. «وأنف كل شَيْء» بِسُكُون النُّون أَوله، قَالَه الصغاني. وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن السّلف من طرق حسان، قَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: «إِذا رَأَيْت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولَى فاغسل يَديك مِنْهُ» . وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: «مَا فاتتني (التَّكْبِيرَة) الأولَى مُنْذُ خمسين سنة» . وَعَن ربيعَة بن يزِيد الدِّمَشْقِي: «مَا أذن الْمُؤَذّن لصَلَاة الظّهْر مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة إِلَّا وَأَنا فِي الْمَسْجِد، إِلَّا أَن أكون مَرِيضا أَو مُسَافِرًا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود: «عَلَيْكُم بِحَدّ الصَّلَاة: التَّكْبِيرَة الأولَى» . وَعَن السّلف أَنهم كَانُوا يعزون أنفسهم إِذا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَة الأولَى، ويعزون سبعا إِذا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَة. الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا (تأتوها) وَأَنْتُم تسعون، وائتوها وَأَنْتُم تمشون وَعَلَيْكُم (السكينَة) وَالْوَقار» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من طَرِيقين: أولاهما: من (حَدِيث) أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ (قَالَ) : « (بَيْنَمَا) نَحن نصلي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ سمع جلبة رجال فَقَالَ: مَا شَأْنكُمْ؟ قَالُوا: استعجلنا إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: فَلَا تَفعلُوا، إِذا أتيتم الصَّلَاة فَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا، وَمَا (فاتكم) فَأتمُّوا» وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنكُمْ؟» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 الطَّرِيق الثَّانِي: (من حَدِيث) أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَكَانَت جديرة بالتقديم لقربها من رِوَايَة المُصَنّف - عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ فَلَا تأتوها وَأَنْتُم تسعون، وائتوها وَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا، وَمَا فاتكم فَأتمُّوا» . زَاد مُسلم: «فَإِن أحدكُم إِذا كَانَ يعمد إِلَى الصَّلَاة فَهُوَ فِي صَلَاة» . وَفِي لفظ آخر: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تأتوها تسعون وائتوها تمشون» . وَفِي آخر: «إِذا نُودي» وَفِي آخر: «إِذا ثوب إِلَى الصَّلَاة فَلَا يسْعَى إِلَيْهَا أحدكُم، و (لَكِن) ليمش وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار، ثمَّ [صل] مَا (أدْركْت) واقض مَا سَبَقَك» . وَلم يذكر البُخَارِيّ هَذَا اللَّفْظ - أَعنِي «واقض مَا سَبَقَك» - وَهِي من أَفْرَاد مُسلم، وَسَائِر (رواياته) مَعَ رِوَايَات البُخَارِيّ «وَمَا فاتكم فَأتمُّوا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 وَفِي كتاب «الْقِرَاءَة خلف الإِمَام» للْبُخَارِيّ: عَن مُحَمَّد بن كثير (عَن) سُلَيْمَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة رَفعه: «صلوا مَا أدركتم واقضوا مَا سبقكم» قَالَ: ونا (آدم) ، نَا ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فاقضوا» وَذكر الْبَيْهَقِيّ اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِي «فَأتمُّوا» و «فاقضوا» ثمَّ قَالَ: وَالَّذين قَالُوا: «فَأتمُّوا» : أَكثر وأحفظ وألزم لأبي هُرَيْرَة، فَهُوَ أولَى. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى (مُسلم) بن الْحجَّاج قَالَ: لَا أعلم رَوَى هَذِه اللَّفْظَة عَن الزُّهْرِيّ غير ابْن عُيَيْنَة: « (واقضوا مَا فاتكم.» قَالَ مُسلم: وَأَخْطَأ ابْن عُيَيْنَة) فِيهَا. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ يُونُس والزبيدي وَابْن أبي ذِئْب وَإِبْرَاهِيم (بن) سعد وَمعمر وَشُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: «وَمَا فاتكم [فَأتمُّوا] » . وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ وَحده: «فاقضوا» وَقَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. وجعفر بن ربيعَة، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة: «فَأتمُّوا» . وَابْن مَسْعُود وَأَبُو قَتَادَة وَأنس عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فَأتمُّوا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 قلت: لم ينْفَرد ابْن عُيَيْنَة بِلَفْظ الْقَضَاء فقد تَابعه ابْن أبي ذِئْب - كَمَا أسلفناه (فِي) كتاب «الْقِرَاءَة خلف الإِمَام للْبُخَارِيّ» ؛ لَكِن فِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ: «وَمَا سُبقتم فَأتمُّوا» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شُعْبَة، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: (ائْتُوا الصَّلَاة وَعَلَيْكُم السكينَة، فصلوا مَا أدركتم واقضوا مَا (سبقتم)) (قد) توبع الزُّهْرِيّ وَغَيره عَلَيْهَا (لَا جرم) . (قَالَ) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : (اخْتلف فِي) هَذِه اللَّفْظَة، فَقيل: «فَأتمُّوا» وَقيل: «فاقضوا» . وَكِلَاهُمَا صَحِيح. قلت: (وَالْقَضَاء) فِي عرف الشَّرْع هُوَ الْإِتْمَام فَلَا فرق إِذا بَينهمَا قَالَ الله - تَعَالَى -: (فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم) (و) (فَإِذا قضيتم الصَّلَاة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك (أَن) ابْن الْجَوْزِيّ سَاق الحَدِيث فِي «تَحْقِيقه» بِإِسْنَادِهِ إِلَى مَحْمُود بن إِسْحَاق الْخُزَاعِيّ، نَا البُخَارِيّ، نَا أَبُو نعيم، نَا ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «مَا أدركتم فصلوا (وَمَا فاتكم فاقضوا) » . ثمَّ قَالَ: أَخْرجَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) . وَمرَاده أَصله، وَأما لفظ الْقَضَاء فقد (علمت) أَنه من أَفْرَاد مُسلم بِلَفْظ: «واقض مَا سَبَقَك» لَا كَمَا سَاقه ابْن الْجَوْزِيّ. فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث التَّاسِع عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَا صليت وَرَاء إِمَام قطّ أخف (صَلَاة) وَلَا أتم من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . كَذَلِك زَاد البُخَارِيّ: «وَإِن كَانَ يسمع بكاء الصَّبِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 فيخفف مَخَافَة أَن تفتن أمه» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِنِّي لأدخل فِي الصَّلَاة أُرِيد إطالتها فَأَسْمع بكاء الصَّبِي (فأتجوز) فِي صَلَاتي (مِمَّا) أعلم من شدَّة وجد أمه من بكائه» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ من (أخف) النَّاس صَلَاة فِي تَمام» . وَفِي البُخَارِيّ نَحوه من حَدِيث أبي قَتَادَة. الحَدِيث الْعَاشِر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أم أحدكُم النَّاس فليخفف» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا، أودعاه فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِزِيَادَة: « (فَإِن) فيهم الصَّغِير وَالْكَبِير والضعيف وَالْمَرِيض، (فَإِذا) صَلَّى وَحده فَليصل كَيفَ شَاءَ» . لم يذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 البُخَارِيّ «الصَّغِير» وَأَخْرَجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» أَيْضا من حَدِيث أبي مَسْعُود البدري عقبَة بن (عَمْرو) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعضه، وَفِي آخِره: «فَأَيكُمْ أم النَّاس فليوجز؛ فَإِن من وَرَائه الْكَبِير والضعيف وَذَا الْحَاجة» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «الْمَرِيض» بدل «الْكَبِير» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة «إِذا أم (أحدكُم) بِقوم فليخفف» . وَهَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: أم قَوْمك. قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أجد فِي (نَفسِي) شَيْئا. قَالَ: ادنه. فأجلسني بَين يَدَيْهِ، ثمَّ وضع (كَفه) فِي صَدْرِي (بَين) ثديي، ثمَّ قَالَ: تحول (فوضعها) فِي ظَهْري بَين كَتِفي، ثمَّ قَالَ: أم قَوْمك فَمن أم قوما فليخفف؛ فَإِن فيهم الْكَبِير (وَإِن فيهم الضَّعِيف) وَإِن فيهم الْمَرِيض وَإِن فيهم ذَا الْحَاجة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 إِذا صَلَّى أحدكُم (وَحده) فَليصل كَيفَ شَاءَ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (آخر مَا عهد) إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِذا (أممت) قوما فأخفف بهم الصَّلَاة» . والْحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم، بل لم يخرج البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ (الثَّقَفِيّ شَيْئا) . الحَدِيث الْحَادِي عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ ينْتَظر فى صلَاته مَا (سمع) وَقع نعل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن حجادة، عَن رجل، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقوم فِي الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الظّهْر حَتَّى لَا يسمع وَقع قدم» . وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف بِجَهَالَة هَذَا الرجل لَكِن قَالَ (الْحَافِظ جمال الدَّين) (الْمزي) فِي «أَطْرَافه» : رَوَى هَذَا الحَدِيث أَبُو إِسْحَاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 (الخميسي) ، عَن مُحَمَّد بن جحادة، عَن كثير الْحَضْرَمِيّ، عَن ابْن أبي (أَوْفَى) . بِطُولِهِ. قلت: وَالظَّاهِر أَن كثيرا هَذَا هُوَ كثير بن مرّة الَّذِي رَوَى عَن معَاذ وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة، وَهُوَ ثِقَة كَمَا شهد (لَهُ) بذلك ابْن (سعد) وَالْعجلِي وَابْن حبَان، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. فَإِن (يكنه) فإسناده صَحِيح. ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك فِي «شرح الْمُهَذّب» للنووي أَن بعض الروَاة سَمّى هَذَا الرجل الْمَجْهُول (فَقَالَ) : طرفَة الْحَضْرَمِيّ. قلت: فَإِن يَكُنْه فَفِي كتاب الْأَزْدِيّ: أَن طرفَة الْحَضْرَمِيّ لَا يَصح حَدِيثه. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمل أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ، فَإِذا سجد وَضعهَا وَإِذا قَامَ حملهَا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 هَذَا الحَدِيث صَحِيح من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سلف فِي بَاب الِاجْتِهَاد. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن يزِيد بن الْأسود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «شهِدت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجَّته، فَصليت مَعَه صَلَاة الصُّبْح فِي مَسْجِد الْخيف، فَلَمَّا قَضَى صلَاته وانحرف إِذا هُوَ برجلَيْن فِي آخر الْقَوْم لم يصليا (مَعَه) ، (فَقَالَ) : عليَّ بهما. فجيء بهما ترْعد فرائصهما، قَالَ: مَا منعكما أَن تصليا مَعنا؟ فَقَالَا: يَا رَسُول الله، إِنَّا كُنَّا قد صلينَا فِي رحالنا. قَالَ: فَلَا تفعلا، إِذا صليتما فِي رحالكما ثمَّ أتيتما مَسْجِد جمَاعَة فَصَليَا مَعَهم، (فَإِنَّهَا) لَكمَا نَافِلَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «سبْحَة» بدل «نَافِلَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث (حسن) صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: (إِسْنَاده صَحِيح) وَصَححهُ ابْن السكن أَيْضا. قلت: ومداره من طَرِيق هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة عَلَى يعْلى بن عَطاء، عَن جَابر بن يزِيد (بن) الْأسود، عَن أَبِيه، وَقد طعن فِيهِ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم حَيْثُ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن يزِيد بن الْأسود لَيْسَ لَهُ راوٍ (غير) ابْنه، وَلَا لجَابِر راوٍ غير يعْلى، ويعلى لم يحْتَج بِهِ بعض الْحفاظ، وَكَانَ يَحْيَى بن معِين وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة يوثقونه، وَهَذَا الحَدِيث لَهُ شَوَاهِد. فَذكرهَا. قلت: ويعلى من رجال مُسلم، قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : وَرَوَاهُ جمَاعَة عَنهُ. فَذكرهمْ، قَالَ: وَقد احْتج بِهِ مُسلم. قلت: وَجَابِر بن [يزِيد] وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ فَهَذِهِ وَجه من صَححهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 تَنْبِيهَات: أَحدهَا: جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: «وليجعل الَّتِي صَلَّى فِي بَيته نَافِلَة» لَكِنَّهَا شَاذَّة (ضَعِيفَة) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بعد أَن أَخْرَجَاهَا: هَذِه الرِّوَايَة شَاذَّة ضَعِيفَة مَرْدُودَة؛ لمخالفتها (الثِّقَات والحفاظ) وَنَصّ عَلَى ذَلِك غَيرهمَا أَيْضا. الثَّانِي: «الفرائص» - بالصَّاد الْمُهْملَة - جمع فريصة وَهِي لحْمَة فِي (وسط) الْجنب قريبَة من الْقلب ترتعد عِنْد الْفَزع، قَالَه الْخطابِيّ. الثَّالِث: نَحْو هَذَا الحَدِيث فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي ذَر، وَفِي «الْمُوَطَّأ» من حَدِيث محجن الديلِي، وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث يزِيد بن عَامر. الحَدِيث الرَّابِع عشر (أَنه) (قَالَ: «من سمع النداء فَلم يَأْته فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر. قيل يَا رَسُول الله، وَمَا الْعذر؟ قَالَ: خوف أَو مرض» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي جناب الْكَلْبِيّ، عَن مغراء الْعَبْدي، عَن عدي بن ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من سمع (الْمُنَادِي) فَلم يمنعهُ من اتِّبَاعه عذر - قَالُوا: وَمَا الْعذر؟ قَالَ: خوف (أَو) مرض - لم يقبل الله مِنْهُ الصَّلَاة الَّتِي صَلَّى» . (وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) أَيْضا فِي «سنَنه» كَذَلِك. وَأَبُو جناب - بِالْجِيم - (هَذَا) ضَعِيف مُدَلّس، كَمَا (قَدمته) فِي الْبَاب السالف قبل هَذَا، وَقد عنعن فِي هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا الحَدِيث يرويهِ مغراء الْعَبْدي، وَالصَّحِيح فِيهِ مَوْقُوف، ومغراء (الْعَبْدي) (رَوَى) عَنهُ أَبُو إِسْحَاق. وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان قَالَ: لَيْسَ الشَّأْن فِي مغراء (الْعَبْدي) ؛ فَإِنَّهُ لم يثبت فِيهِ مَا يتْرك (بِهِ) حَدِيثه، (رَوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 عَنهُ) جمَاعَة، وَلَا يحفظ فِيهِ لأحد تجريح، عَلَى أَن الْكُوفِي قَالَ - فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْعَرَب -: لَا بَأْس بِهِ. إِنَّمَا عِلّة هَذَا الْخَبَر يَحْيَى (ابْن) أبي حَيَّة الْكَلْبِيّ المكنى (أَبُو) جناب فَإِنَّهُ (يضعف) ، وَيُوجد لِأَحْمَد فِيهِ التوثيق، وَلَكِن مَعَ وَصفه بالتدليس (وَهُوَ) عِنْدهم مَشْهُور بِهِ. قَالَ ابْن نمير: هُوَ صَدُوق، (وَلَكِن) فَشَا فِي حَدِيثه التَّدْلِيس وَهُوَ لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: ثَنَا مغراء، فَهَذَا هُوَ المتقى مِنْهُ. قلت: وَكَذَا ضعفه بِهِ (من) الْمُتَأَخِّرين ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، فَقَالَ فِي « (تَحْقِيقه» ) : أَبُو جناب وَهُوَ ضَعِيف. (وَالنَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» و «الْخُلَاصَة» فَقَالَ: هُوَ من رِوَايَة أبي جناب وَهُوَ) مُدَلّس (ضَعِيف) ، وَقد عنعن. ثمَّ قَالَ عبد الْحق: عَلَى أَن قَاسم بن أصبغ ذكره فِي كِتَابه فَقَالَ: نَا إِسْمَاعِيل القَاضِي، نَا سُلَيْمَان بن حَرْب، نَا شُعْبَة، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر» (قَالَ) : وحسبك بِهَذَا الْإِسْنَاد صِحَة. وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: هَكَذَا أوردهُ وَلَيْسَ فِي كتاب قَاسم: «إِلَّا من عذر» فِي الْمَرْفُوع، إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَوْقُوف - وَتبع عبد الْحق فِي ذَلِك (أَبَا مُحَمَّد) بن حزم، وَهَذَا نَص مَا ذكره قَاسم بن أصبغ وَمن كِتَابه نقلت: نَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق، نَا حَفْص بن عمر وَسليمَان بن حَرْب و (عَمْرو) بن مَرْزُوق، عَن عدي بن ثَابت [عَن] سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس (قَالَ) : «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة (لَهُ) إِلَّا من عذر قَالَ إِسْمَاعِيل: وَبِهَذَا الْإِسْنَاد رَوَى النَّاس عَن شُعْبَة، وثنا بِهِ أَيْضا سُلَيْمَان عَن شُعْبَة بِإِسْنَاد آخر: نَا سُلَيْمَان، نَا شُعْبَة، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ» نَا بِهَذَا سُلَيْمَان مَرْفُوعا، ونا بِالْأولِ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس. هَذَا نَص مَا عِنْده، فَالْمَرْفُوع عِنْده إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة شُعْبَة، عَن حبيب، لَا عَن عدي، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة: «إِلَّا من عذر» فَحمل الحَدِيث الْمَرْفُوع عَلَى الْمَوْقُوف فِي أَن هَذِه الزِّيَادَة فِيهِ، وَنسبَة ذَلِك إِلَى قَاسم بن أصبغ خطأ، نعم هِيَ فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع، و (فِي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 رِوَايَة عدي بن ثَابت عِنْد غير قَاسم من رِوَايَة هشيم عَن شُعْبَة رَوَاهَا بَقِي بن مخلد من حَدِيث عبد الحميد ابْن بَيَان - أحد أَشْيَاخ مُسلم - عَن هشيم بِهِ بِلَفْظ: «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر» وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا كَذَلِك، وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِيمَا جمع من حَدِيث عَلّي بن الْجَعْد، بعد أَن ذكر رِوَايَة شُعْبَة الْمَوْقُوفَة، (من حَدِيث عَمْرو بن عون عَن هشيم) وَابْن الْمُنْذر أَيْضا بِلَفْظ: «فَلم يَأْته» بدل «فَلم يجبهُ» . قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث وَكِيع وَعبد الرَّحْمَن عَن شُعْبَة مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس غير مَرْفُوع. قلت: وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الحميد أَيْضا. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِي إِسْنَاده نظر. وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى كَونه رُوِيَ مَوْقُوفا أَيْضا. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (أَيْضا) وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ قَالَ: حَدِيث قد وَقفه غنْدر وَأكْثر أَصْحَاب شُعْبَة، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَالَّذِي وَصله ثِقَة، وَإِذا كَانَ الْوَاصِل ثِقَة فَالْقَوْل قَوْله. ثمَّ ذكر لَهُ شَوَاهِد ومتابعات مِنْهَا طَرِيق أبي دَاوُد السالفة. ثمَّ قَالَ: وَقد صحت الرِّوَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 (فِيهِ) عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَدِيث أبي حُصَيْن، عَن أبي بردة (بن أبي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن أَبِيه) : «من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ» ثمَّ (ذكره) بِإِسْنَادِهِ. قلت: [ورُوي] من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «لَا صَلَاة لمن سمع النداء ثمَّ لم يَأْتِ إِلَّا من عِلّة» . رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» ، وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» ، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد (مُؤذن بني شقرة وَهُوَ مَجْهُول، وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر، وَأغْرب) ابْن السكن، فَأخْرجهُ فِي صحاحه من هَذَا الْوَجْه. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا ابتلت النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي (إِيرَاده) عَلَى هَذَا النمط الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَيَان، وَلم أَجِدهُ بعد الْبَحْث عَنهُ كَذَلِك فِي كتاب حَدِيث. (وَتَبعهُ) أَيْضا ابْن (الفركاح) فَقَالَ فِي «إقليده» : لم أَجِدهُ فِي الْأُصُول، إِنَّمَا ذكره أهل الْعَرَبيَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 قلت: وَهُوَ مَوْجُود بِمَعْنَاهُ فِي «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله من حَدِيث نَاصح بن الْعَلَاء، حَدثنِي عمار بن (أبي) عمار قَالَ: «مَرَرْت بِعَبْد الرَّحْمَن بن سَمُرَة يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ عَلَى نهر يسيل المَاء مَعَ غلمانه ومواليه، (فَقلت) لَهُ: يَا أَبَا سعيد، الْجُمُعَة. (فَقَالَ) : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِذا كَانَ مطر وابل فصلوا فِي رحالكُمْ» قَالَ الْحَاكِم: (هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ) وناصح بن الْعَلَاء هَذَا (بَصرِي) ثِقَة، إِنَّمَا المطعون فِيهِ نَاصح (أَبُو عبد الله) [المحلمي] الْكُوفِي فَإِنَّهُ رَوَى عَن سماك بن حَرْب الْمَنَاكِير. قلت: وَالْأول مطعون فِيهِ (أَيْضا) قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ. وَقَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. وَأما ابْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو دَاوُد فوثقاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وَرَوَى عبد الله بن أَحْمد هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أَبِيه بِهَذَا السَّنَد دون الْقِصَّة وَهَذَا لَفظه: عَن (عبد الرَّحْمَن) بن سَمُرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم (مطر) وابل فَليصل أحدكُم فِي رَحْله» . وَفِي «الْمسند» أَيْضا: ثَنَا بهز، حَدثنَا أبان، نَا قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم حنين فِي يَوْم (مطير) : الصَّلَاة فِي الرّحال» . وَقد علمت مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة للحفاظ فِيمَا أسلفته لَك فِي أَوَاخِر صفة الصَّلَاة. وَفِي « (الْمسند» أَيْضا و) (سنَن أبي دَاوُد) و (النَّسَائِيّ) و (ابْن مَاجَه) و «صحيحي» ابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث أبي الْمليح، عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه شهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زمن الْحُدَيْبِيَة فِي يَوْم الْجُمُعَة وأصابهم مطر لم تبتل أَسْفَل نعَالهمْ فَأَمرهمْ أَن يصلوا فِي رحالهم» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد وَالْحَاكِم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 وَلَفظ ابْن حبَان: «كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زمن الْحُدَيْبِيَة وأصابنا مطر لم يبل (أَسْفَل) نعالنا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن صلوا فِي رحالكُمْ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَصَابَنَا مطر بحنين فَنَادَى مُنَادِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَن صلوا فِي الرّحال» ) . وَلَفظ أَحْمد «أَن يَوْم حنين كَانَ مطيرًا فَأمر عَلَيْهِ السَّلَام مناديه أَن الصَّلَاة فِي الرّحال» . وَفِي لفظ لَهُ: «كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحُدَيْبِية فأصابنا مطر لم (يبل) أَسْفَل نعالنا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: صلوا فِي رحالكُمْ» . وَلَفظ البَاقِينَ بِنَحْوِهِ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد (و) احْتج الشَّيْخَانِ برواته. قلت: وَهَذَا الْمَعْنى ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيقين: أَولهمَا: من حَدِيث نَافِع «أَن ابْن عمر أذن بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَة ذَات برد وريح ومطر فَقَالَ فِي آخر ندائه: أَلا صلوا (فِي رحالكُمْ أَلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 صلوا) فِي الرّحال، ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمر الْمُؤَذّن إِذا كَانَت لَيْلَة بَارِدَة أَو ذَات مطر فِي السّفر أَن يَقُول: أَلا صلوا فِي رحالكُمْ» وَهَذَا السِّيَاق لمُسلم. وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (نَادَى) بِالصَّلَاةِ بضجنان» . وَلَفظ البُخَارِيّ «أَن (ابْن) عمر أذن بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَة ذَات برد وريح (ثمَّ) قَالَ: أَلا صلوا فِي الرّحال. ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمر الْمُؤَذّن إِذا كَانَت لَيْلَة ذَات برد ومطر يَقُول: أَلا صلوا فِي الرّحال» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : وَفِي (رِوَايَة) مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن (نَافِع) ، عَن ابْن عمر قَالَ: «نَادَى مُنَادِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بذلك [فِي الْمَدِينَة] فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة، والغداة القرة» . الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه قَالَ لمؤذنه فِي يَوْم مطير: إِذا قلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 الله فَلَا تقل: حَيّ عَلَى الصَّلَاة، قل: صلوا فِي بُيُوتكُمْ. فَكَأَن النَّاس استنكروا ذَلِك (فَقَالَ) : أتعجبون من ذَا؟ (قد) فعل ذَا من هُوَ خير مني، إِن الْجُمُعَة عَزمَة، وَإِنِّي كرهت أَن أخرجكم فِي الطين والدحض» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِن ذَلِك (كَانَ ليَوْم جُمُعَة) . وَقَالَ: «فعله (من هُوَ) خير مني - يَعْنِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» (وَفِي أُخْرَى خَطَبنَا ابْن) (عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي يَوْم ذِي ردغ وَلم يذكر الْجُمُعَة) . وَله طَرِيق ثَالِث فِي مُسلم خَاصَّة من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر فمطرنا فَقَالَ: ليصل من شَاءَ مِنْكُم فِي رَحْله» . فَائِدَة: فِي (بَيَان) الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ وَالْأَحَادِيث الَّتِي أوردناها: النِّعَال هَل هِيَ الَّتِي يمشى عَلَيْهَا أَو الأرجل (و) الْأَقْدَام أَو الْحِجَارَة الصغار الَّتِي تكون فِي الطَّرِيق؛ فَإِنَّهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 تسمى بذلك، فِيهِ [ثَلَاثَة] أوجه حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَكَى القَاضِي حُسَيْن وَجها رَابِعا أَنَّهَا وَجه الأَرْض. (وَقَالَ) الْأَزْهَرِي: النَّعْل: مَا غلظ من الأَرْض فِي صلابة. قَالَ ثَعْلَب: (يَقُول) إِذا مُطرت (الأَرَضُون) الصلاب (فزلقت) بِمن يمشي فِيهَا - «فصلوا فِي مَنَازِلكُمْ» وَلم يذكر (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «غَرِيبه» غَيره. (وَقَالَ) ابْن الْأَثِير: النِّعَال جمع نعل: وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض فِي صلابة، وَإِنَّمَا خصها (بِالذكر) ؛ لِأَن أدنَى بَلل ينديها بِخِلَاف الرخوة فَإِنَّهَا تنشف المَاء. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه: ظَاهر حَدِيث أبي الْمليح أَن المُرَاد بالنعال: الَّتِي تلبس فِي الرجل. قَالَ: وَأما الحَدِيث الآخر: «إِذا ابتلت النِّعَال (فَالصَّلَاة فِي الرّحال) » فأكثرهم قَالُوا: النِّعَال هُنَا جمع نعل وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض فِي صلابة. وَحمله آخَرُونَ عَلَى ظَاهره وَقَالَ: إِذا وَقع (شَيْء) من الْمَطَر (فابتل) بِهِ النَّعْل فيعذر بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أبي الْمليح. كَذَا ذكر (هَذَا) الْحَافِظ حَدِيث: «إِذا ابتلت النِّعَال» . وَلم يقره وَكَأَنَّهُ تبع فِي إِيرَاده أَصْحَاب الْغَرِيب كَمَا أسلفته عَنْهُم. و «الردغ» - فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس - برَاء ثمَّ دَال مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ غين مُعْجمَة - وَرَوَاهُ بعض رُوَاة مُسلم: رزغ - بزاي بدل الدَّال مَفْتُوحَة وساكنة - وَهُوَ صَحِيح، وَهُوَ بِمَعْنى الردغ، و (الردغ) والدحض والزلل والزلق بِمَعْنى. وَقَالَ اللَّيْث: الرزغة أَشد من الردغة. و «أحرجكم» - بِالْحَاء الْمُهْملَة - يَعْنِي الْمَشَقَّة. و «عَزمَة» - بِفَتْح الْعين - و (إسكان) الزَّاي أَي: وَاجِبَة متحتمة، فَلَو قَالَ الْمُؤَذّن: حَيّ عَلَى الصَّلَاة: لتكلفتم الْمَجِيء إِلَيْهَا ولحقتكم الْمَشَقَّة. الحَدِيث السَّادِس عشر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمر مناديه فِي اللَّيْلَة الممطرة وَاللَّيْلَة ذَات الرّيح أَن يُنَادي أَلا صلوا فِي رحالكُمْ» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عمر كَمَا (أسلفته) لَك وَحَدِيث ابْن عَبَّاس وَجَابِر نَحوه كَمَا سلف أَيْضا. وتنبه لفائدة جليلة وَهِي: أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «أَلا صلوا فِي الرّحال» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ فِي جمَاعَة، وَأَن يكون مَعْنَاهُ فُرَادَى أَو فِي جمَاعَة كَيفَ شِئْت، وَقد أَفَادَ ابْن الْقطَّان فِي «كِتَابه» مَا يرجح الأول، (وَأَن) بَقِي بن مخلد رَوَى بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث (عبيد الله) ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه أذن بضجنان فِي لَيْلَة ذَات ريح ومطر، فَلَمَّا فرغ من أَذَانه قَالَ: صلوا فِي رحالكُمْ» قَالَ: وَأخْبرنَا «أَنهم كَانُوا (يكونُونَ) مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي السّفر، فَإِذا كَانَ اللَّيْلَة الْبَارِدَة أَو الْمَطِيرَة أَمر مؤذنه فَنَادَى بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذا فرغ من أَذَانه قَالَ: نَاد أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا جمَاعَة (صلوا فِي الرّحال) » . الحَدِيث السَّابِع عشر (أَنه) (قَالَ: «لَا يُصَلِّي أحدكُم وَهُوَ يدافع الأخبثين» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ، (من) حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم بِلَفْظ: «لَا صَلَاة بِحَضْرَة طَعَام وَلَا وَهُوَ يدافعه الأخبثان» وَفِي أَوله قصَّة، والأخبثان: الْبَوْل وَالْغَائِط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَوجد أحدكُم الْغَائِط، فليبدأ بالغائط» . هَذَا (حَدِيث) صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي «مسنديهما» ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان (وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ) من رِوَايَة عبد الله بن الأرقم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَلَفظ مَالك وَالنَّسَائِيّ: «إِذا أَرَادَ أحدكُم الْغَائِط فليبدأ بِهِ قبل الصَّلَاة» . وَلَفظ الشَّافِعِي كَذَلِك فِي (إِحْدَى روايتيه) ، وَلَفظه فِي الْأُخْرَى كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء. وَلَفظ أَحْمد: «إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يذهب إِلَى الْخَلَاء وأُقِيمَت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 الصَّلَاة فليذهب إِلَى الْخَلَاء» . وَلَفظ أبي دَاوُد: «إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يذهب إِلَى الْخَلَاء وَقَامَت الصَّلَاة فليبدأ بالخلاء» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَوجد أحدكُم الْخَلَاء فليبدأ بالخلاء» . وَلَفظ ابْن حبَان: «إِذا وجد أحدكُم الْغَائِط فليبدأ بِهِ قبل الصَّلَاة» . وَلَفظ ابْن مَاجَه: «إِذا حضرت الصَّلَاة والخلاء فابدءوا بالخلاء» . وَلَفظ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة: «إِذا حضرت الصَّلَاة وَحضر الْغَائِط فابدءوا بالغائط» . وَلَفظه فِي تَرْجَمَة عبد الله بن الأرقم: «إِذا حضرت الصَّلَاة وبأحدكم الْغَائِط فليبدأ بالغائط» . وَلَفظه فِي أثْنَاء الطَّهَارَة كَلَفْظِ أبي دَاوُد، وَالْكل ذكرُوا فِي أَوله قصَّة وَهِي «أَن عبد الله بن الأرقم كَانَ يؤم أَصْحَابه، فَحَضَرت الصَّلَاة يَوْمًا فَذهب لِحَاجَتِهِ ثمَّ رَجَعَ ... » فَذكر الحَدِيث. وَفِي بَعْضهَا «أَنه أَخذ رجلا فقدمه وَقَالَ ذَلِك» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح (هَكَذَا) رَوَاهُ (مَالك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 بن أنس) وَيَحْيَى ابْن سعيد وَغير وَاحِد من الْحفاظ عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن الأرقم. [وَرَوَى] وهيب وَغَيره عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، [عَن رجل] عَن عبد الله بن الأرقم. وَقَالَ فِي «علله» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن حَدِيث هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن الأرقم ... فَذكره. فَقَالَ: رَوَاهُ وهيب، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن رجل، عَن (عبد الله) بن الأرقم، وَكَأن هَذَا أشبه عِنْدِي. قَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَاهُ مَالك وَغير وَاحِد من الثِّقَات عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن ابْن الأرقم لم يذكرُوا فِيهِ: عَن رجل. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : (رَوَى حَدِيث) عبد الله بن الأرقم: وهيب بن خَالِد وَشُعَيْب بن إِسْحَاق وَأَبُو ضَمرَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن رجل حَدثهُ عَن عبد الله ابْن الأرقم. وَأكْثر الَّذين رَوَوْهُ عَن هِشَام قَالُوا كَمَا قَالَ زُهَيْر - يَعْنِي عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بِغَيْر وَاسِطَة. وَقَالَ أَبُو عمر فِي «التَّمْهِيد» : اخْتلف فِيهِ عَن هِشَام، فَرَوَاهُ مَالك كَمَا ترَى - يَعْنِي بِغَيْر ذكر وَاسِطَة بَين عُرْوَة وَعبد الله - وَتَابعه جمَاعَة. وَقَالَ الْحَاكِم لما أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَاخِر بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ فِي أثْنَاء كتاب الطَّهَارَة: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَة عبد الله بن الأرقم: إِنَّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ فِي أثْنَاء الطَّهَارَة: لَهُ شُهُود بأسانيد صَحِيحَة مِنْهَا: عَن (أبي) هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يحل لرجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يُصَلِّي وَهُوَ حقن حَتَّى يتخفف» وَمِنْهَا حَدِيث عَائِشَة السالف. فَائِدَة: عبد الله بن الأرقم هَذَا من مسلمة الْفَتْح، أحد كتاب الْوَحْي، وَلَيْسَ لَهُ فِي السّنَن غير هَذَا الحَدِيث، وَمن مناقبه مَا ذكره ابْن عُيَيْنَة، (عَن عَمْرو بن) دِينَار «أَن عُثْمَان اسْتعْمل عبد الله بن الأرقم عَلَى بَيت المَال، فَأعْطَاهُ عمالته ثَلَاثمِائَة ألف فَأَبَى أَن يقبله وَقَالَ: إِنَّمَا عملت لله» . الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذْ حضر الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة فابدءوا بالعشاء» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من طرق: أَحدهَا من طَرِيق ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (إِذا) وضع عشَاء أحدكُم وأقيمت الصَّلَاة فابدءوا بالعشاء، وَلَا (يعجل) حَتَّى يفرغ مِنْهُ. وَكَانَ ابْن عمر يوضع لَهُ الطَّعَام وتقام الصَّلَاة فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يفرغ مِنْهُ وَإنَّهُ (ليسمع) قِرَاءَة الإِمَام» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 ثَانِيهَا: من طَرِيق أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قرب الْعشَاء وَحَضَرت الصَّلَاة فابدءوا بِهِ قبل أَن تصلوا صَلَاة الْمغرب (وَلَا تعجلوا عَن عشائكم» وَفِي لفظ: «إِذا حضرت الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة فابدءوا بالعشاء» » وَلابْن حبَان: «بعد عشائكم، وَإِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وأحدكم صَائِم فليبدأ بالعشاء قبل صَلَاة الْمغرب وَلَا تعجلوا عَن عشائكم» . ثَالِثهَا: من طَرِيق عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - بِمثل حَدِيث أنس، وللبخاري فِي بعض طرقه «إِذا وضع الْعشَاء» . وَأما حَدِيث جَابر الْمَرْفُوع: «لَا تُؤخر الصَّلَاة لطعام وَلَا لغيره» . فَهُوَ حَدِيث فِي «سنَن أبي دَاوُد» ، وَإِسْنَاده ضَعِيف بِسَبَب مُحَمَّد بن مَيْمُون المفلج الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، فَإِن البُخَارِيّ قَالَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: كُوفِي (ليّن) وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث جدًّا لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا وَافق الثِّقَات بالأشياء المستقيمة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 فَكيف إِذا انْفَرد (بأوابد) ! . وَأما ابْن معِين فوثقه و (أما) أَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَا: لَا بَأْس بِهِ. وَفِيه أَيْضا مُعلى بن مَنْصُور، وَقد وُثِّق وَأخرج (لَهُ) فِي الصَّحِيح؛ إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ عَنهُ: كَانَ يحدث بِمَا وَافق الرَّأْي، وَكَانَ كل يَوْم يُخطئ فِي حديثين وَثَلَاثَة. الحَدِيث الْعشْرُونَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلا لَا تَؤمَّنَّ امْرَأَة رجلا، وَلَا أعرابيُّ مُهَاجرا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه «فِي سنَنه» مُنْفَردا (بِهِ) ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، عَن الْوَلِيد بن بكير، عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْعَدوي، عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، تُوبُوا إِلَى الله قبل أَن تَمُوتُوا ... فَذكره» إِلَى أَن قَالَ: (وَاعْلَمُوا) أَن الله قد (فرض) عَلَيْكُم الْجُمُعَة (فِي مقَامي هَذَا) ، فَمن تَركهَا فِي حَياتِي أَو (بعد موتِي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 وَله إِمَام عَادل أَو جَائِر اسْتِخْفَافًا بهَا (أَو) جحُودًا لَهَا فَلَا جمع الله (لَهُ) شَمله، وَلَا بَارك لَهُ فِي أمره، أَلا وَلَا صَلَاة لَهُ، أَلا وَلَا زَكَاة لَهُ وَلَا حج لَهُ، وَلَا صَوْم لَهُ وَلَا بركَة، حَتَّى (يَتُوب) ، فَمن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ، أَلا لَا تؤُمنَّ امْرَأَة رجلا، وَلَا (يَؤُمنَّ) أَعْرَابِي مُهَاجرا، وَلَا فاجرٌ مُؤمنا إِلَّا أَن يَقْهَرهُ سُلْطَان يخَاف سطوته وسيفه» . (وَهُوَ) حَدِيث ضَعِيف؛ عبد الله الْعَدوي هَذَا أَبُو الْحباب وَهُوَ كَذَّاب، (و) قَالَ وَكِيع: وَضاع. وَقَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحل الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه: هَذَا حَدِيث غَرِيب جدًّا وَإِسْنَاده فِيهِ ضعف؛ لحَال عبد الله هَذَا. وَأوردهُ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظ «سَوْطه» بدل «سطوته» . وَعلي بن زيد بن جدعَان مُخْتَلف فِيهِ كَمَا مَضَى فِي أَوَائِل الْكتاب، وَالْحمل فِي الحَدِيث عَلَى الأول، وَادَّعَى عبد الْحق أَن الْأَكْثَر عَلَى تَضْعِيف عَلّي بن زيد. وَرَوَاهُ مُوسَى بن دَاوُد عَن الْوَلِيد بن بكير فَقَالَ: عَن مُحَمَّد بن عبد الله. قلت: وتابع عبد الله: فُضَيْل بن عِيَاض، رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كتاب «الإغراب» من طَرِيق عبد الْملك بن حبيب، عَن أَسد (بن) مُوسَى وَعلي بن معبد كِلَاهُمَا عَن فُضَيْل، عَن عَلّي بن زيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 قَالَ عبد الْحق: وَكَذَا رَأَيْته فِي كتاب ابْن حبيب. قلت: وَالدَّلِيل الصَّحِيح عَلَى الْمَسْأَلَة هُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي بكرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى قَاعِدا وَأَبُو بكر وَالنَّاس خَلفه قيَاما» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته (أخرجه الشَّيْخَانِ) من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا دخل فِي الصَّلَاة (وجد) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خفَّة من نَفسه، فَقَامَ يهادى بَين رجلَيْنِ وَرجلَاهُ تخطان فِي (الأَرْض) ، فجَاء فَجَلَسَ عَن يسَار أبي بكر، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسا وَأَبُو بكر قَائِما، يَقْتَدِي أَبُو بكر بِصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (ويقتدي النَّاس) بِصَلَاة أبي بكر» وَفِي لفظ آخر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (أُجلس) إِلَى جنب أبي بكر، فَجعل أَبُو بكر يُصَلِّي وَهُوَ قَائِم بِصَلَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة أبي بكر» وَفِي آخر: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 «وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَأَبُو بكر يسمعهم التَّكْبِير» . وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته: «وَإِذا صَلَّى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . وَمثله حَدِيث عَائِشَة وَأنس فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَحَدِيث جَابر فِي مُسلم؛ فَقَالَ الشَّافِعِي: إِنَّه مَنْسُوخ بِهَذَا الحَدِيث. وَأَبَى ذَلِك أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَبسط القَوْل فِيهِ بسطًا بليغًا، قَالَ: وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى خلف أبي بكر قَاعِدا» تفرد بهَا نعيم بن أبي هِنْد، عَن أبي وَائِل، (عَن) مَسْرُوق (عَنْهَا) . وَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهَا أَيْضا، قَالُوا: وَإِن صحت فَكَأَن ذَلِك مرَّتَيْنِ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل فِي صلَاته وَأحرم (النَّاس) خَلفه، ثمَّ ذكر أَنه جنب فَأَشَارَ إِلَيْهِم كَمَا أَنْتُم، ثمَّ خرج واغتسل وَرجع (وَرَأسه) يقطر مَاء» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أقربها إِلَى رِوَايَة المُصَنّف رِوَايَة أنس (بن مَالك) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «دخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صلاةٍ فَكبر وَكَبَّرْنَا مَعَه، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْم كَمَا أَنْتُم، فَلم نزل قيَاما حَتَّى أَتَى نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد اغْتسل وَرَأسه يقطر مَاء» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن معَاذ، حَدثنَا أبي، نَا سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس بِهِ. ثمَّ قَالَ: خَالفه عبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف فَرَوَاهُ عَن سعيد، عَن قَتَادَة، عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل فِي صلَاته فَكبر وَكبر من خَلفه، فَانْصَرف فَأَشَارَ إِلَى أَصْحَابه أَن كَمَا أَنْتُم، فَلم يزَالُوا قيَاما حَتَّى جَاءَ وَرَأسه يقطر» قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَبِه نَأْخُذ. ثَانِيهَا: عَن عبد الله بن زرير الغافقي، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ قَائِما يُصَلِّي بهم، إِذْ انْصَرف فَأَتَى وَرَأسه يقطر مَاء، فَقَالَ: إِنِّي قُمْت بكم ثمَّ ذكرت أَنِّي كنت جنبا وَلم أَغْتَسِل، فَانْصَرَفت وَاغْتَسَلت، فَمن أَصَابَهُ (مِنْكُم) مثل مَا أصابني أَو وجد فِي بَطْنه رزًّا فلينصرف فليغتسل أَو ليتوضأ» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِنَحْوِهِ. قَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا الحَدِيث (لَا يحفظ وَلَا) يرْوَى عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. قلت: وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن لَهِيعَة وحالته مَشْهُورَة وَقد عرفتها فِيمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 مَضَى، وَعبد الله ابْن زرير نسبه إِلَى الْجَهَالَة ابْن الْقطَّان، لَكِن وَثَّقَهُ ابْن (سعد) وَالْعجلِي، كَمَا أسلفته لَك فِي بَاب الْأَوَانِي. ثَالِثهَا: عَن أبي بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل فِي صَلَاة الْفجْر فَأَوْمأ بِيَدِهِ أَن مَكَانكُمْ، ثمَّ جَاءَ وَرَأسه يقطر فَصَلى بهم» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث حَمَّاد - وَهُوَ ابْن سَلمَة - عَن زِيَاد الأعلم، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة بِهِ، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق حَمَّاد أَيْضا وَقَالَ: بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. قَالَ فِي أَوله: «فَكبر» وَقَالَ فِي آخِره: «فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنِّي كنت جنبا» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيُّوب وَابْن عون وَهِشَام، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (فَكبر ثمَّ أَوْمَأ إِلَى الْقَوْم أَن (اجلسوا) فَذهب واغتسل» . وَرَوَاهُ مَالك، عَن إِسْمَاعِيل (بن) حَكِيم، عَن عَطاء بن يسَار «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر فِي صَلَاة» ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر كَذَلِك، وَكلهَا مُرْسلَة. قلت: وَلَفظ رِوَايَة أبي حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فِي الرِّوَايَة الأولَى الْمُتَّصِلَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر فِي صَلَاة الْفجْر يَوْمًا ثمَّ انْطلق فاغتسل فجَاء وَرَأسه يقطر فَصَلى بهم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 وَصَححهُ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فِي «مَعْرفَته» ، وَقَالَ فِي «خلافياته» : رُوَاته ثِقَات لَكِن فِيهِ وَقْفَة مَعَ القَوْل فِي حَمَّاد بن سَلمَة، فَإِنَّهُ قد قيل: إِنَّه لم يسمع الْحسن من أبي بكرَة كَمَا سلف التَّنْبِيه (عَلَيْهِ) فِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ من بَاب شُرُوط الصَّلَاة وبحثنا فِيهِ. وَقَالَ البرديجي فِي «كتاب الْمُتَّصِل والمرسل» : والمقطوع الَّذِي صَحَّ (عَن) الْحسن سَمَاعا من الصَّحَابَة أنس وَعبد الله بن مُغفل وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة و (أَحْمَر) بن جُزْء. قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : وَقَول أبي بكرَة «فَصَلى بهم» أَرَادَ بَدَأَ بتكبير مُحدث؛ (لَا) أَنه رَجَعَ فَبَنَى عَلَى صلَاته؛ (إِذْ) محَال (أَن) يذهب عَلَيْهِ السَّلَام ليغتسل وَيبقى النَّاس كلهم قيَاما عَلَى حالتهم من غير إِمَام إِلَى أَن يرجع. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (إِلَى الصَّلَاة) وَكبر، ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم فَمَكَثُوا، ثمَّ انْطلق فاغتسل وَكَانَ رَأسه يقطر مَاء فَصَلى بهم، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنِّي خرجت إِلَيْكُم جنبا وَإِنِّي أنسيت حَتَّى قُمْت فِي الصَّلَاة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أُسَامَة بن زيد، عَن عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن أبي هُرَيْرَة (بِهِ) . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى نمط آخر وَهَذَا إسنادهما عَنهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حضر (وَقد) أُقِيمَت الصَّلَاة وَعدلت الصُّفُوف حَتَّى قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قبل أَن يكبر (ذكر) فَانْصَرف وَقَالَ: مَكَانكُمْ. فَلم نزل قيَاما حَتَّى خرج إِلَيْنَا وَقد اغْتسل ينطف رَأسه مَاء فَكبر فَصَلى بِنَا» وحملت عَلَى (أَنَّهَا) (قَضِيَّة) أُخْرَى فِي يَوْم آخر. قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : هَذَانِ فعلان فِي موضِعين (متباينين) . خرج عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام (مرّة) فَكبر ثمَّ ذكر أَنه جنب، فَانْصَرف فاغتسل، ثمَّ جَاءَ فاستأنف بهم الصَّلَاة، وَجَاء مرّة أُخْرَى فَلَمَّا وقف ليكبر ذكر أَنه جنب قبل أَن يكبر، فَذهب واغتسل ثمَّ رَجَعَ فَأَقَامَ بهم الصَّلَاة من غير أَن يكون بَين الْخَبَرَيْنِ تضَاد وَلَا (تهاتر) . تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَن الإِمَام إِذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 بَان كَونه جنبا (أَو) مُحدثا لَا إِعَادَة عَلَى الْمَأْمُوم، سَوَاء علم الإِمَام بحدثه أم لَا. وَقد علمت (مِمَّا) أوردناه لَك أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن عَالما [بجنابته] ، فالدعوى إِذا عَامَّة وَالدَّلِيل خَاص، (ثمَّ إِن الِاسْتِدْلَال بِهِ اسْتِدْلَال عَلَى غير مَحل النزاع، فَإِن الْمَسْأَلَة مُقَيّدَة بهَا إِذا أحرم مُنْفَردا، فَأَما إِذا افتتحها فِي جمَاعَة فَإِنَّهُ يجوز بِلَا خلاف) . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا صَلَّى الإِمَام بِقوم وَهُوَ عَلَى غير وضوء أجزأتهم وَيُعِيد» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم، عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا إِمَام سَهَا فَصَلى بالقوم وَهُوَ جنب فقد مَضَت صلَاتهم، ثمَّ ليغتسل هُوَ، ثمَّ ليعد (صلَاته) ، فَإِن صَلَّى بِغَيْر وضوء فَمثل ذَلِك» . وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لأوجه: أَحدهَا: مَا قيل فِي بَقِيَّة، وَقد أسلفته وَاضحا فِي أَوَائِل الْكتاب فِي (بَاب) بَيَان النَّجَاسَات. ثَانِيهَا: ضعف عِيسَى بن إِبْرَاهِيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 ثَالِثهَا: ضعف جُوَيْبِر، وَهُوَ ابْن سعيد الْبَلْخِي، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. رَابِعهَا: أَنه مُنْقَطع؛ فَإِن الضَّحَّاك لم يلق الْبَراء، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» . وَقَالَ (ابْن حبَان) : رواياته عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَجَمِيع من رَوَى عَنهُ (فَفِي) ذَلِك كُله [نظر] ، وَإِنَّمَا اشْتهر بالتفسير. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: الضَّحَّاك عندنَا ضَعِيف. وَقَالَ مرّة (أُخْرَى) : تساهلوا فِي أَخذ التَّفْسِير عَن قوم لَا يوثقوهم فِي الحَدِيث. ثمَّ ذكر لَيْث (بن) أبي سليم وجوبيرًا وَالضَّحَّاك وَمُحَمّد بن السَّائِب، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ لَا يحمد حَدِيثهمْ وَيكْتب التَّفْسِير عَنْهُم. قلت: وَأما أَرْبَاب السّنَن فاحتجوا بِهِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو زرْعَة، وَلما أوردهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» قَالَ: هُوَ حَدِيث غير قوي. قَالَ: وَالَّذِي رُوِيَ فِي معارضته عَن أبي جَابر البياضي، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جنب، فَأَعَادَ وأعادوا» مُرْسل، وَأَبُو جَابر البياضي مَتْرُوك، كَانَ مَالك لَا يرتضيه، وَكَانَ ابْن معِين يَقُول: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 إِنَّه كَذَّاب. قَالَ: والمروي مثله عَن عَلّي ضَعِيف أَيْضا، وَنقل فِي «خلافياته» عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: الرِّوَايَة عَن حرَام بن عَمْرو حرامٌ، وَمن رَوَى عَن (أبي) جَابر البياضي بيض الله عَيْنَيْهِ. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «أَن (عَمْرو) بن سَلمَة كَانَ يؤم [قومه] (عَلَى) عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ ابْن سبع سِنِين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَنهُ قَالَ: « (كُنَّا بِمَا ممر) النَّاس وَكَانَ يمر بِنَا الركْبَان (فنسألهم) : مَا للنَّاس؟ مَا للنَّاس؟ مَا هَذَا الرجل؟ فَيَقُولُونَ: يزْعم أَن الله أرْسلهُ، أوحى إِلَيْهِ (أوحى) إِلَيْهِ كَذَا! (فَكنت) أحفظ ذَلِك الْكَلَام (فَكَأَنَّمَا) (يغري) فِي صَدْرِي، وَكَانَت الْعَرَب (تلوم) بإسلامها الْفَتْح، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 فَيَقُولُونَ: اتركوه وَقَومه، إِن ظهر عَلَيْهِم فَهُوَ نَبِي صَادِق. فَلَمَّا كَانَت وقْعَة الْفَتْح بَادر (كل) قوم بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ (أبي) قومِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قدم قَالَ: وَالله لقد جِئتُكُمْ وَالله من عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حقًّا، فَقَالَ: (صلوا) صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، (وصلوا) صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم، وليؤمكم أَكْثَرَكُم قُرْآنًا. فنظروا، فَلم يكن أحد أَكثر قُرْآنًا مني؛ لما كنت أتلقَّى (من) الركْبَان، فقدموني (بَين أَيْديهم) وَأَنا ابْن سِتّ أَو سبع سِنِين وَكَانَت عليَّ بردة كنت إِذا سجدت تقلصت عني فَقَالَت امْرَأَة من الْحَيّ: أَلا [تغطون] عَنَّا است قارئكم. فاشتروا، فَقطعُوا لي قَمِيصًا، فَمَا فرحت بِشَيْء فرحي بذلك الْقَمِيص» . تفرد بِهِ البُخَارِيّ وَلم (يخرج) عَن عَمرو بن سَلمَة (غَيره، وَلَا أخرج) لَهُ مُسلم (فِي كِتَابه) شَيْئا كَمَا نبه عَلَيْهِ عبد الْحق وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «وَكنت أؤمهم وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين» وَأَبُو دَاوُد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 وَقَالَ: «ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين» وَالطَّبَرَانِيّ (وَقَالَ) و «أَنا ابْن سِتّ سِنِين» وَفِي رِوَايَة «لأبي دَاوُد» : «فَمَا شهِدت مجمعا من جرم إِلَّا كنت إمَامهمْ، وَكنت أُصَلِّي عَلَى جنائزهم إِلَى يومي هَذَا» فرواية الرَّافِعِيّ أَنه ابْن سبع سِنِين عَلَى الْجَزْم غَرِيب إِذن. (فَائِدَة) : و (عَمْرو) - بِفَتْح الْعين. وَسَلَمَة - بِكَسْر اللَّام كنيته أَبُو بريد - بِالْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ رَاء مُهْملَة وَقيل بمثناة وزاي، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور - وَسَلَمَة صَحَابِيّ. وَأما عَمْرو فَاخْتلف فِي سَمَاعه من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ورؤيته (إِيَّاه) ، وَالْأَشْهر الْمَنْع فيهمَا، وَإِنَّمَا كَانَت الركْبَان تمر بِهِ فيحفظ عَنْهُم مَا سَمِعُوهُ من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا قدمْنَاهُ - وَقيل: رَآهُ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : وَلَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ: هُوَ مَعْدُود فِيمَن نزل الْبَصْرَة وَلم يلق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يثبت لَهُ سَماع مِنْهُ، (وَقد) وَفد أَبوهُ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقد رُوِيَ من وَجه غَرِيب أَن عمرا أَيْضا قدم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَ أَحْمد يضعف أَمر عَمْرو بن سَلمَة، وَقَالَ مرّة: دَعه لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قلت لَهُ: حَدِيث (عَمْرو) بن سَلمَة. قَالَ: لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 أَدْرِي أَي شَيْء هَذَا. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى صِحَة إِمَامَة الصَّبِي، وَوجه الدّلَالَة مِنْهُ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (أَمرهم) أَن يؤمهم أَكْثَرهم قُرْآنًا من غير فرق بَين الْبَالِغ وَالصَّبِيّ. وَمنع ابْن الْجَوْزِيّ ذَلِك؛ لأجل مذْهبه وَقَالَ: هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، وَلم يعلمُوا بِجَمِيعِ الْوَاجِبَات، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أقرَّه عَلَى ذَلِك. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اسمعوا وَأَطيعُوا وَلَو أَمر عَلَيْكُم عبد أجدع مَا أَقَامَ فِيكُم (الصَّلَاة)) . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى صِحَة الِاقْتِدَاء بِالْعَبدِ، وَتبع فِي إِيرَاده كَذَلِك ابْن الصّباغ وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا من الْفُقَهَاء، وَالَّذِي أعرفهُ بِلَفْظ: «اسمعوا وَأَطيعُوا وَلَو اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد حبشِي كَأَن رَأسه زبيبة مَا أَقَامَ فِيكُم كتاب الله» رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مُنْفَردا (بِهِ) ، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأبي ذَر: «اسْمَع وأطع وَلَو لحبشي كَأَن رَأسه زبيبة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أم الْحصين الأحمسية - (مُنْفَردا بِهِ) - «أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ يَقُول: وَلَو اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «عبدا حبشيًّا مجدعًا» (وَفِي رِوَايَة) لَهُ: «بمنى أَو بِعَرَفَات» ، وَفِي (رِوَايَة) (لَهُ) : «إِن (أَمر) عَلَيْكُم عبد مجدع - حسبتها (قَالَت) : أسود يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب اللبَاس من هَذَا الطَّرِيق - أَعنِي: من طَرِيق أم الْحصين - ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَيَنْبَغِي أَن يحمل كَلَامه عَلَى أَن مُرَاده أَنه عَلَى شَرط البُخَارِيّ إِن وجد فِيهِ (شَرطه) فَإِنَّهُ فِي مُسلم فَلَا يسْتَدرك عَلَيْهِ. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي ذَر قَالَ: «إِن خليلي أَوْصَانِي أَن أسمع (وَأطِيع) وَإِن كَانَ عبدا مجدع الْأَطْرَاف» . وَعند البُخَارِيّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 «وَلَو (لحبشي) كَأَن رَأسه زبيبة» وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أم سَلمَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سَيكون أُمَرَاء (فتعرفون وتنكرون) ، فَمن عرف برِئ وَمن أنكر سلم، وَلَكِن من رَضِي وتابع، قَالُوا: أَفلا نقاتلهم؟ قَالَ: لَا مَا صلوا» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتخْلف ابْن أم مكثوم فِي بعض عزواته يؤم النَّاس (وَهُوَ أَعْمَى) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ، ذكره فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي «سنَنه» فِي بَاب (فِي) الضَّرِير يُولى» عَن أنس أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الْمَدِينَة مرَّتَيْنِ» (زَاد) أَحْمد فِي «مُسْنده» يُصَلِّي بهم وَهُوَ أَعْمَى» وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيقه ومدارهما عَلَى عمرَان بن (دَاور) - بالراء فِي آخِره - الْقطَّان، ضعفه يَحْيَى بن معِين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 وَالنَّسَائِيّ، وَوَثَّقَهُ عَفَّان بن مُسلم، وَمَشاهُ أَحْمد، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته. وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَانِي من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَنا الْحسن بن سُفْيَان، أَنا أُميَّة بن بسطَام، نَا يزِيد بن زُرَيْع، نَا حبيب بن الْمعلم، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الْمَدِينَة يُصَلِّي بِالنَّاسِ» . وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الصَّلَاة وَغَيرهَا من أَمر الْمَدِينَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، عَن عبيد الْعجلِيّ، نَا عبد الله بن عمر بن أبان، ثَنَا عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس (بِهِ)) . وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث ابْن بُحَيْنَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا سَافر اسْتخْلف عَلَى الْمَدِينَة أَن أم مَكْتُوم، (فَكَانَ) يُؤذن وَيُقِيم وَيُصلي بهم» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (أَيْضا) فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، نَا عثيم بن (نسطاس) ، عَن عَطاء بن يسَار عَنهُ بِهِ. الْوَاقِدِيّ: حَاله مَشْهُور، وعثيم وَثَّقَهُ ابْن حبَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 فَوَائِد: الأولَى: ابْن ام مَكْتُوم اسْمه: عَمْرو عِنْد الْأَكْثَرين، وَقيل (اسْمه) عبد الله بن قيس بن مَالك الْأَشْعَرِيّ (رِوَايَة استخلافه مرَّتَيْنِ رَوَاهَا قَتَادَة عَن أنس، وَلم يبلغهُ مَا بلغ غَيره. الثَّانِيَة: حَكَى ابْن عبد الْبر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتخْلف ابْن أم مَكْتُوم عَلَى الْمَدِينَة (ثَلَاث عشرَة) مرّة، فِي غَزْوَة الْأَبْوَاء» . (قلت: خَالفه ابْن سعد فَقَالَ: سعد بن معَاذ. وَذكر ابْن هِشَام أَنه اسْتخْلف فِيهَا السَّائِب بن عُثْمَان بن مَظْعُون، وبواط فِي بَاب [من] اسْمه عَمْرو وَقَالَ: ذكر ذَلِك جمَاعَة من أهل السّير وَالْعلم بِالنّسَبِ وَالْخَبَر. قلت: خَالف ابْن سعد عبد الْملك بن هِشَام فَقَالَ: سعد بن عبَادَة. وَذي الْعَشِيرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 قلت: خَالفه ابْن إسحاق وَابْن سعد فَقَالَا بدله: أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد. قلت: قَالَا: اسْتخْلف فِي طلب كرز زيد بن حَارِثَة، وَفِي غَزْوَة السويق أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر. قلت: ذكر ابْن إِسْحَاق بدله أَبَا ذَر، وَذكر ابْن سعد عُثْمَان بن عَفَّان وغَطَفَان. قلت: خَالفه ابْن سعد وَابْن هِشَام فَقَالَا: عُثْمَان بن عَفَّان) وَأحد وحمراء الْأسد وبُحران - بِضَم (الْبَاء) الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا رَاء مُهْملَة ثمَّ ألف ثمَّ نون، وَقَيده بَعضهم بِفَتْح (الْبَاء) ، وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور - وَذَات الرّقاع، واستخلفه حِين سَار إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 بدر ثمَّ رد أَبَا لبَابَة واستخلفه عَلَيْهَا (واستخلفه أَيْضا) فِي حجَّة الْوَدَاع وَقتل شَهِيدا بالقادسية. وَقيل: رَجَعَ من الْقَادِسِيَّة فَمَاتَ وَلم يسمع لَهُ بِذكر بعد عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَعْملهُ يَوْم الخَنْدَق. (وَقَالَ: ابْن سعد وَابْن هِشَام زادا وغزوة بني النَّضِير وَبني قُرَيْظَة وَبني حَيَّان، زَاد ابْن سعد: وغزوة قرقرة (الكدر) وَبني سليم والغابة وَالْحُدَيْبِيَة، وَذكر ابْن هِشَام غَزْوَة ذِي (قرد) زَاد ابْن سعد غَزْوَة الْفَتْح. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أَبَا رهم كُلْثُوم بن الْحصين الْغِفَارِيّ، فالجملة ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ تخلف) . الثَّالِثَة: نقل الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه عَن بَعضهم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا ولاه الصَّلَاة بِالْمَدِينَةِ دون القضايا وَالْأَحْكَام؛ فَإِن الضَّرِير لَا يجوز لَهُ أَن يقْضِي بَين النَّاس؛ لِأَنَّهُ لَا يدْرك الْأَشْخَاص وَلَا (يثبت الْأَعْيَان) وَلَا يدْرِي لمن يحكم وَعَلَى من يحكم، وَهُوَ مقلد فِي كل مَا يَلِيهِ، وَالْحكم بالتقليد غير جَائِز. قلت: يُعَكر عَلَى هَذَا رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ (السالفة) من حَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 ابْن عَبَّاس «اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الصَّلَاة وَغَيرهَا من أَمر الْمَدِينَة» وَقيل: إِنَّمَا ولاه عَلَيْهِ السَّلَام الْإِمَامَة إِكْرَاما لَهُ وأخذًا بالأدب فِيمَا عاتبه الله فِي أمره فِي قَوْله تَعَالَى: (عبس وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى) - وَرُوِيَ أَن الْآيَة نزلت فِيهِ. (الْفَائِدَة) الرَّابِعَة: الحَدِيث دالٌّ عَلَى أَن إِمَامَة الضَّرِير غير مَكْرُوهَة وَكَذَا (أَذَانه) عَلَى مَا سلف (من) رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ (أَي) فِي حَدِيث ابْن بُحَيْنَة. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إِمَامَة الْأَعْمَى، وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث مَحْمُود بن الرّبيع الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَن عتْبَان بن مَالك كَانَ يؤم قومه وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا تكون الظلمَة والسيل وَأَنا رجل ضَرِير الْبَصَر ... » وسَاق الحَدِيث وَفِي رِوَايَة لَهما: «يَا رَسُول الله، إِنِّي قد أنْكرت بَصرِي وَأَنا أُصَلِّي لقومي ... » . وَذكر الحَدِيث. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله، (فَإِن) كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فأعلمهم بِالسنةِ، فَإِن كَانُوا فِي السّنة سَوَاء فأقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فأكبرهم سنًّا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أودعهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ: «فأقدمهم سلما» بدل: «فأكبرهم سنًّا» وَهُوَ من أَفْرَاده، وَزَاد فِي آخِره: « (و) لَا يَؤُمّنّ الرجلُ الرجلَ فِي سُلْطَانه، وَلَا يقْعد فِي بَيته عَلَى تكرمته إِلَّا بِإِذْنِهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «يؤم الْقَوْم أقرؤهم (لكتاب) الله وأقدمهم قِرَاءَة، فَإِن كَانَت قراءتهم سَوَاء فليؤمهم أقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة [سَوَاء] فليؤمهم أكبرهم سنًّا، وَلَا تؤمّنّ الرجل فِي أَهله و (لَا فِي) سُلْطَانه، وَلَا تجْلِس عَلَى تكرمته إِلَّا أَن يَأْذَن (لَك) - أَو بِإِذْنِهِ» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَلَا (تؤمّنّ) الرجل فِي بَيته وَلَا فِي سُلْطَانه» ، وَفِي رِوَايَة لسَعِيد ابْن مَنْصُور: «لَا يؤم (الرجل) الرجل فِي سُلْطَانه إِلَّا بِإِذْنِهِ» ، وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : «يؤم الْقَوْم أَكْثَرهم قُرْآنًا، فَإِن كَانُوا فِي الْقُرْآن وَاحِدًا فأقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة وَاحِدًا فأفقههم فقهًا، فَإِن كَانُوا فِي الْفِقْه وَاحِدًا فأكبرهم سنًّا» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 قد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث وَلم يذكر (فِيهِ) : «أفقههم فقهًا» وَهَذِه لَفْظَة غَرِيبَة (عزيزة) بِهَذَا الْإِسْنَاد، ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا. فَائِدَة: اسْم أبي مَسْعُود: عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ سكن بَدْرًا وَلم يشهدها فِي قَول الْأَكْثَرين، وَقَالَ (المحمدون) - مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق - صَاحب الْمَغَازِي - وَمُحَمّد بن (إِسْمَاعِيل) البُخَارِيّ -: شَهِدَهَا، وَقَالَهُ مُسلم أَيْضا كَمَا نَقله الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» . فَائِدَة (أُخْرَى) : التكرمة - بِفَتْح التَّاء و (كسرهَا) -: مَا يخْتَص بِهِ الْإِنْسَان من فرَاش ووسادة وَنَحْوهَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل (هِيَ) الْمَائِدَة حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب، وَقيل: السجادة حَكَاهُ صَاحب (التنقيب) ، وَقَوله: «وَلَا يجلس» «وَلَا يُؤمن» رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ تَحت المضمومة عَلَى مَا لم يسم فَاعله، وبالمثناة فَوق الْمَفْتُوحَة عَلَى الْخطاب، نبه عَلَيْهِ فِي «شرح الْمُهَذّب» . الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلوا خلف كل بر وَفَاجِر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق ضَعِيفَة أمثلها: رِوَايَة مَكْحُول عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْجِهَاد وَاجِب عَلَيْكُم مَعَ كل أَمِير برًّا كَانَ أَو (فَاجِرًا) ، وَالصَّلَاة (وَاجِبَة) عَلَيْكُم خلف كل مُسلم برًّا كَانَ أَو فَاجِرًا وَإِن عمل الْكَبَائِر» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْجِهَاد من «سنَنه» فِي بَاب الْغَزْو مَعَ أَئِمَّة الْجور من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن الْعَلَاء بن الْحَارِث، عَن مَكْحُول بِهِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من هَذَا الْوَجْه مُخْتَصرا بِلَفْظ: «صلوا خلف (كل) بر وَفَاجِر، وَجَاهدُوا مَعَ كل بر وَفَاجِر» ثمَّ قَالَ: (مَكْحُول) لم يسمع من أبي هُرَيْرَة، وَمن دونه ثِقَات. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : إِسْنَاده صَحِيح إِلَّا أَن (فِيهِ) إرْسَالًا بَين مَكْحُول وَأبي هُرَيْرَة. وَقَالَ فِي «سنَنه» فِي الْجَنَائِز: إِنَّه أصح مَا فِي الْبَاب إِلَّا أَن فِيهِ إرْسَالًا. (وأعلّه) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» «وَعلله» بِمُعَاوِيَة بن صَالح، وَنقل (عَن) أبي حَاتِم الرَّازِيّ أَنه لَا يحْتَج بِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 وَمُعَاوِيَة هَذَا من رجال مُسلم وَهُوَ صَدُوق وَإِن لينه (يَحْيَى الْقطَّان) أَيْضا، وأعلَّه بمكحول أَيْضا فَقَالَ: (رَوَى) مُحَمَّد بن سعد أَن جمَاعَة من الْعلمَاء ضعفوا رِوَايَة مَكْحُول. وَقد ذكرنَا فِي كتاب الصَّلَاة أَن جمَاعَة وثقوه، وَأَنه من رجال مُسلم، وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقين آخَرين إِلَى أبي هُرَيْرَة. أَولهمَا: من حَدِيث بَقِيَّة، عَن الْأَشْعَث، عَن يزِيد بن يزِيد بن جَابر، عَن مَكْحُول، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ أبي دَاوُد السالف إِلَّا أَنه قَالَ: وَزَاد (فِيهِ) : «وَإِن عمل الْكَبَائِر فِي الْجِهَاد» وَبَقِيَّة حَاله مَعْرُوفَة سلفت، وَأَشْعَث هَذَا نسبه ابْن الْقطَّان إِلَى الْجَهَالَة فَقَالَ: بَقِيَّة مَعْرُوف الْحَال وَهُوَ أروى النَّاس عَن المجهولين، وَأَشْعَث هَذَا مُتَّهم. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» : الْأَشْعَث مَجْرُوح، وَبَقِيَّة لَا (يعول) عَلَى رواياته. قلت: وَأَشْعَث الْمَجْرُوح (الَّذِي أَشَارَ) إِلَيْهِ هُوَ ابْن سوار الْكُوفِي وَلَيْسَ هَذَا، فَالصَّوَاب مَعَ ابْن الْقطَّان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 ثَانِيهَا: من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن (عُرْوَة) ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أبي صَالح (السمان) ، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سيليكم بعدِي وُلَاة، فيليكم الْبر ببره والفاجر (بِفُجُورِهِ) ، فَاسْمَعُوا لَهُم وَأَطيعُوا فِيمَا وَافق الْحق، وصلوا وَرَاءَهُمْ، فَإِن أَحْسنُوا فلكم وَلَهُم، وَإِن أساءوا فلكم وَعَلَيْهِم» وَعبد الله هَذَا واه، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحل كتب حَدِيثه، يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَيَأْتِي عَن هِشَام بِمَا لم يروه قطّ. الطَّرِيق الثَّانِي: من أصل طرق الحَدِيث عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «من أصل الدَّين الصَّلَاة خلف كل بر وَفَاجِر (و) الْجِهَاد مَعَ كل أَمِير وَلَك أجره، وَالصَّلَاة عَلَى من مَاتَ من أهل الْقبْلَة» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث فرات بن (سُلَيْمَان) ، عَن مُحَمَّد بن علوان، (عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 الْحَارِث) ، عَن عَلّي (بِهِ) . وَقَالَ فِيهِ: وَفِي (طرق) حَدِيث ابْن عمر الْآتِيَة لَيْسَ فِيهَا شَيْء يثبت. قلت: وفرات هَذَا (أعله) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (بِهِ) وَنقل عَن ابْن حبَان أَنه قَالَ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث جدًّا (يَأْتِي) بِمَا لَا يشك فِيهِ أَنه مَعْمُول. لكنه لم يذكرهُ فِي «ضُعَفَائِهِ» ، وَذكر كَلَام ابْن حبَان هَذَا (فِي) فرات بن سليم وَقَالَ: إِنَّه (يروي) عَن (عَمْرو) بن عَاتِكَة، وَتَابعه الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» ، وراجعت الضُّعَفَاء لِابْنِ حبَان فَوَجَدته كَمَا ذكره فِي «ضُعَفَائِهِ» لَا كَمَا ذكره فِي «تَحْقِيقه» ، وَفِي كتاب الصريفيني - وَمن خطه نقلت -: فرات بن (سُلَيْمَان) مولَى ابْن عقيل من أهل الرقة، رَوَى عَن مَيْمُون بن مهْرَان. ثمَّ نقل عَن (خطّ) ابْن حبَان أَنه قَالَ: لَيْسَ هَذَا بفرات بن السَّائِب الْجَزرِي، ذَاك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 واه ضَعِيف. وَمُحَمّد بن علوان قَالَ الْأَزْدِيّ: يروي عَن نَافِع، مَتْرُوك الحَدِيث. والْحَارث هُوَ الْأَعْوَر، كذبه ابْن الْمَدِينِيّ وَمِنْهُم من وَثَّقَهُ. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الله بن مَسْعُود (رَفعه: «ثَلَاث من السّنة) : الصَّلَاة خلف كل إِمَام، لَك صلَاته (وَعَلِيهِ) إثمه، و (الْجِهَاد مَعَ كل أَمِير لَك) جهادك وَعَلِيهِ شَره، وَالصَّلَاة عَلَى كل ميت من (أهل التَّوْحِيد وَإِن كَانَ قَاتل) نَفسه» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عمر بن صبح (عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة و) الْأسود، عَن عبد الله بِهِ. وَعمر هَذَا كَذَّاب (اعْترف بِالْوَضْعِ، قَالَ عَن نَفسه) أَنا وضعت خطْبَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَآله (قَالَ الْأَزْدِيّ: كَذَّاب (ذامر)) . الطَّرِيق الرَّابِع: عَن ابْن عمر، وَسَيَأْتِي فِي الحَدِيث الْآتِي بعده بِطرقِهِ مُعَللا. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن وَاثِلَة رَفعه: «لَا تكفرُوا أهل قبلتكم وَإِن عمِلُوا الْكَبَائِر، وصلوا مَعَ كل إِمَام، وَجَاهدُوا مَعَ كل أَمِير، وصلوا عَلَى كل ميت» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة الْحَارِث بن نَبهَان، عَن عتبَة بن يقظان، عَن أبي سعيد، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، (الْحَارِث هَذَا ضَعَّفُوهُ) قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَعتبَة بن يقظان قَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَأَبُو سعيد هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه: إِنَّه مَجْهُول. وَمَكْحُول قد سلف مَا فِيهِ، لَا جرم قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي (كناه) : هَذَا حَدِيث مُنكر. قَالَ: والْحَارث بن نَبهَان وَعتبَة بن يقظان وَأَبُو سعيد إِذا اجْتَمعُوا (فَغير) مستنكر (مثل) هَذَا فِيمَا بَينهم، وَالله يرحمهم جَمِيعًا. الطَّرِيق السَّادِس: عَن أبي الدَّرْدَاء رَفعه: «لَا تكفرُوا أحدا من (أهل) قِبْلَتِي بذنب وَإِن عمِلُوا الْكَبَائِر، وصلوا خلف كل إِمَام، وَجَاهدُوا - (أَو) قَالَ: وقاتلوا - مَعَ كل أَمِير، وَلَا تَقولُوا فِي أبي بكر الصّديق وَلَا فِي عمر وَلَا فِي عُثْمَان وَلَا فِي عَلّي إِلَّا خيرا، قُولُوا: (تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة عباد بن الْوَلِيد (عَن الْوَلِيد) [بن الْفضل، أَخْبرنِي عبد الْجَبَّار] بن الْحجَّاج الْخُرَاسَانِي، عَن مكرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 بن حَكِيم (الْخَثْعَمِي) ، عَن سيف بن مُنِير، عَن أبي الدَّرْدَاء بِهِ. ثمَّ قَالَ: لَا يثبت إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، (مَا) بَين عباد وَأبي الدَّرْدَاء ضعفاء. وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ (أَيْضا) من حَدِيث إِسْحَاق بن وهب العلاف، عَن الْوَلِيد بن الْفضل الْعَنزي، عَن عبد الْجَبَّار بن الْحجَّاج بن مَيْمُون، عَن مكرم بِهِ بِلَفْظ: «صلوا خلف كل إِمَام، وقاتلوا مَعَ كل أَمِير» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده مَجْهُول غير مَحْفُوظ. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: سيف لَا يكْتب حَدِيثه، ومكرم لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: الْوَلِيد بن الْفضل الْعَنزي يروي الْمَنَاكِير الَّتِي لَا شكّ أَنَّهَا مَوْضُوعَة. وَقَالَ (أَبُو حَاتِم) : مَجْهُول. قلت: (وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الحَدِيث) من كل طرقه ضَعِيف كَمَا قَدمته أَولا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوِيَ (فِي) «الصَّلَاة عَلَى كل بر وَفَاجِر، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 وَالصَّلَاة عَلَى من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله» (أَحَادِيث) كلهَا ضَعِيفَة غَايَة الضعْف. وَأَصَح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب حَدِيث مَكْحُول، عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» إِلَّا أَن فِيهِ إرْسَالًا (كَمَا) ذكره الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْمَتْن إِسْنَاد يثبت. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» و «علله» وأوضح ضعفه وَقَالَ فِي «علله» : كلهَا لَا تصح. وَنقل (فيهمَا) عَن الإِمَام أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث: «صلوا خلف كل بر وَفَاجِر» فَقَالَ: مَا سمعنَا بِهَذَا. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «صلوا خلف من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَعَلَى من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة ابْن عمر من طرق (ثَلَاثَة) عَنهُ وَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء يثبت. أَولهَا: من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَطاء بن أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 رَبَاح، عَن ابْن عمر (مَرْفُوعا) : «صلوا عَلَى من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. (وصلوا خلف) من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله» وَعُثْمَان هَذَا تَرَكُوهُ، نسبه يَحْيَى إِلَى الْكَذِب مرّة. ثَانِيهَا: من طَرِيق الْعَلَاء بن سَالم، عَن (أبي الْوَلِيد المَخْزُومِي - واسْمه خَالِد (بن) إِسْمَاعِيل) عَن (عبيد الله) بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «وَرَاء» بدل «خلف» . وَأَبُو الْوَلِيد هَذَا وَضاع كَمَا قَالَه ابْن عدي. وَأغْرب أَيْضا فَذكره من هَذَا الْوَجْه فِي «الْأَحَادِيث المختارة» وَيبعد فِي حَقه حقًّا اسْم أبي الْوَلِيد وحاله، وَفِي هَذَا الْكتاب أَحَادِيث كَثِيرَة من هَذَا النمط. وَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُغيرَة (الشهروزي) ، عَن خَالِد. وَمُحَمّد هَذَا مثل خَالِد، قَالَ ابْن عدي: هُوَ مِمَّن يسرق الحَدِيث (قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي وَضاع وَذكر لَهُ أَحَادِيث) مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: وَرَأَيْت لَهُ مَا يتهم فِيهِ غير مَا ذكرت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 ثَالِثهَا: من طَرِيق مُحَمَّد بن الْفضل، عَن سَالم الْأَفْطَس، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا (بِهِ) وَمُحَمّد هَذَا خراساني (مروزي) وَهُوَ مَتْرُوك بالِاتِّفَاقِ، وَنسبه يَحْيَى وَغَيره إِلَى الْكَذِب. وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق رَابِع من حَدِيث وهب بن وهب، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ. ووهب هَذَا هُوَ أَبُو البخْترِي القَاضِي كَذَّاب وَضاع كَمَا أسلفته فِي حَدِيث المشمس من كتاب الطَّهَارَة. وَله طَرِيق خَامِس من حَدِيث (عُثْمَان) بن عبد الله العثماني، نَا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «صلوا خلف من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَعَلَى من (مَاتَ) من أهل لَا إِلَه إِلَّا الله» . وَعُثْمَان هَذَا مُتَّهم واه، رَمَاه بِالْوَضْعِ ابْن حبَان وَابْن عدي. (فَالْحَاصِل) أَن هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَا يثبت. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وليؤمكم أكبركم» . هَذَا (الحَدِيث) مُتَّفق عَلَى صِحَّته من رِوَايَة مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سلف بِطُولِهِ فِي بَاب الْأَذَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قدمُوا قُريْشًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب، أَنه بلغه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قدمُوا قُريْشًا وَلَا (تقدموها) وتعلموا مِنْهَا وَلَا تعالموها - أَو تعلموها شكّ ابْن أبي فديك» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَنا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن أبي حثْمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تُعلموا قُريْشًا وتعلموا مِنْهَا، وَلَا تقدمُوا قُريْشًا وَلَا تَأَخَّرُوا عَنْهَا؛ فَإِن للقرشي مثل قُوَّة الرجلَيْن من غَيرهم - يَعْنِي فِي الرَّأْي» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل، قَالَ: و (يرْوَى) مَوْصُولا وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : وَهَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ مُرْسلا جيدا لَا يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح. قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أبي معشر، عَن سعيد المَقْبُري، عَن السَّائِب أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قدمُوا قُريْشًا وَلَا (تقدموها) ، وتعلموا من قُرَيْش وَلَا تعلموها» وَأَبُو معشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 (نجيح) هَذَا هُوَ السندي مُنكر الحَدِيث كَمَا (قَالَه) البُخَارِيّ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مثله من رِوَايَة عَلّي بن أبي طَالب مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده عَلّي بن الْفضل وَقد تَرَكُوهُ. وَمن رِوَايَة جُبَير بن مطعم مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن ثَابت وَهُوَ ذُو مَنَاكِير، وَاحْتج الْبَيْهَقِيّ وَغَيره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي تَقْدِيم (النّسيب) بِالْحَدِيثِ الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (أَن رَسُول) الله (قَالَ: «النَّاس (تبع لقريش) فِي هَذَا الشَّأْن، مسلمهم (تبع) لمسلمهم، وكافرهم (تبع) لكافرهم» وَهَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ (واردًا) فِي الْخلَافَة (فيستنبط) مِنْهُ إِمَامَة الصَّلَاة. تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: حَكَى الْأَصْحَاب عَن بعض مُتَقَدِّمي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 الْعلمَاء أَنهم قَالُوا عِنْد التَّسَاوِي فِي جَمِيع الْخِصَال مَعَ نظافة الثَّوْب وَحسن الصَّوْت أَنه يقدم أحْسنهم وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَمنهمْ من قَالَ: (أحْسنهم) وَجها. وَمِنْهُم من قَالَ: (أحْسنهم) ذكرا بَين النَّاس. هَذَا كَلَامه، وَيُؤَيّد الأول أَنه ورد مُصَرحًا بِهِ فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي زيد عَمْرو بن أَخطب أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يؤمهم أقرؤهم، فَإِن اسْتَووا فِي الْقِرَاءَة فأكبرهم سنًّا، فَإِن اسْتَووا فأحسنهم وَجها» وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَى تَضْعِيفه، فَإِنَّهُ قَالَ: من قَالَ «يؤمهم أحْسنهم وَجها» إِن صَحَّ (الْخَبَر) . وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي «مَوْضُوعَاته» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع. وَنقل عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث سوء لَيْسَ بِصَحِيح. (وَذكر) الْمَاوَرْدِيّ بعد أَن حَكَاهُ وَجها للأصحاب من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رفعته: «يؤمكم أحسنكم وَجها؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يكون أحسنكم خلقا» وَهَذِه طَريقَة جَيِّدَة. وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: هَذَانِ التفسيران لِأَصْحَابِنَا - يَعْنِي فِي قَوْله: « (أحْسنهم) وَجها» وَصحح الثَّانِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 وَحَكَى الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَجها أَنه يقدم الْأَحْسَن وَجها عَلَى الأورع وَالْأَكْثَر طَاعَة، وَهُوَ غلط. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : يُنكر (عَلَى) الْأَصْحَاب حَيْثُ نقلوا هَذَا عَن بعض الْعلمَاء مَعَ أَنه ورد فِي حَدِيث مَرْفُوع فِي الْبَيْهَقِيّ (فَذكره) وَأَشَارَ إِلَى ضعفه. قلت: لَعَلَّهُم أَعرضُوا عَنهُ لضَعْفه الشَّديد، ثمَّ إِن الْمَاوَرْدِيّ قد ذكره وَهُوَ من جلتهم. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يؤم الرجل الرجل فِي سُلْطَانه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف قَرِيبا فِي الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من السّنة أَن لَا يؤمهم إِلَّا صَاحب الْبَيْت» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» (عَنهُ) عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، أَنا معن بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 بن مَسْعُود، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «من السّنة أَن لَا يؤمهم إِلَّا صَاحب الْبَيْت» . وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد عرفت حَاله فِي الطَّهَارَة فِي الْكَلَام عَلَى المشمس، والْحَدِيث الَّذِي قبله مُغن عَنهُ. وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا ذكرته هُنَا وَلم أذكرهُ فِي الْآثَار؛ لِأَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ من السّنة كَذَا كَانَ مَرْفُوعا عَلَى الصَّحِيح. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أَن عبد الله بن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - وقف عَن يسَار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأداره عَن يَمِينه» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة فِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقُمْت (عَن) يَمِينه ثمَّ جَاءَ آخر فَقَامَ عَن يسَاره فدفعنا جَمِيعًا حَتَّى أقامنا من خَلفه» . هَذَا (الحَدِيث) صَحِيح رَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ عَن جَابر قَالَ: «قَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقُمْت عَن يسَاره فَأخذ بِيَدِهِ حَتَّى أدارني عَن يَمِينه، ثمَّ جَاءَ جَبَّار بن صَخْر فَقَامَ عَن يسَار النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخذ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا فدفعنا حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 أقامنا خَلفه» وَهُوَ بعض من حَدِيث صَحِيح فِي (آخِر) مُسلم، وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد بِلَفْظ عَن جَابر قَالَ: «قَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي الْمغرب فَجئْت فَقُمْت عَن يسَاره، فنهاني فجعلني عَن يَمِينه، ثمَّ جَاءَ صَاحب لي (فصفنا) خَلفه، فَصَلى بِنَا فِي ثوب وَاحِد مُخَالفا (بَين طَرفَيْهِ) . الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صليت أَنا ويتيم خلف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بيتنا وَأم سليم خلفنا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور للْبُخَارِيّ. وَاسم هَذَا الْيَتِيم: ضميرَة بن سعد الْحِمْيَرِي الَّذِي لَهُ (ولابنه) صُحْبَة. وَأم سليم هِيَ أم أنس. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَنه إِذا حضرت امْرَأَة مَعَ رجلَيْنِ أَو مَعَ رجل وَصبي قاما صفًّا وَاحِدًا وَقَامَت الْمَرْأَة خلفهمَا، وَإِنَّمَا (يتم) ذَلِك (فِي الْحَالة الثَّانِيَة) إِذا ثَبت بُلُوغ أنس إِذْ ذَاك، وتقاس (الأولَى) عَلَيْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لرحل صَلَّى خلف الصَّفّ: أَيهَا الْمُصَلِّي، هلا دخلت فِي الصَّفّ أَو جررت رجلا من الصَّفّ، أعد صَلَاتك» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث السّري بن إِسْمَاعِيل، عَن الشّعبِيّ، عَن وابصة قَالَ: « (رَأَى) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا صَلَّى خلف الصُّفُوف وَحده فَقَالَ: أَيهَا الْمُصَلِّي (أَلا) دخلت فِي الصَّفّ أَو جررت إِلَيْك رجلا فَقَامَ مَعَك، أعد (الصَّلَاة)) ثمَّ قَالَ: (إِسْنَاد) ضَعِيف تفرد بِهِ السّري بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ ضَعِيف. قلت: بل مَتْرُوك كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره. وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: استبان لي كذبه فِي مجْلِس وَاحِد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عمر بن عَلّي، عَن أَشْعَث بن سوار، عَن بكير بن الْأَخْنَس، عَن (حَنش) بن الْمُعْتَمِر، عَن وابصة مَرْفُوعا فَقَالَ: رَوَاهُ بعض الْكُوفِيّين، عَن أَشْعَث، عَن بكير، عَن وابصة مَرْفُوعا. قَالَ: وَأما عمر فمحله الصدْق وَلَوْلَا تدليسه (لحكمنا إِذْ جَاءَ بِالزِّيَادَةِ غير أَنا نَخَاف أَن يكون أَخذ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 غير ثِقَة. قَالَ: وَسَأَلته) عَن (حَنش) هَل أدْرك وابصة؟ فَقَالَ: لَا، أبعد. قلت: وحنش (لين) لَا يحْتَج بِهِ، وَأَشْعَث ضعفه جمَاعَة وَرَوَى لَهُ (م) مُتَابعَة. قلت: وَلِحَدِيث هَذَا طَرِيق آخر رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيثه « (أَنه) عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ رَأَى رجلا (يصلى) خلف (الصَّفّ) وَحده (فَأمره أَن يُعِيد الصَّلَاة» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن رجل خلف الصُّفُوف وَحده) فَقَالَ: يُعِيد الصَّلَاة» وَهَذَا الطَّرِيق حسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَقَالَ: رُوِيَ من طَرِيقين محفوظين، وَلم ينْفَرد بِهِ هِلَال بن يسَاف. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: ثبته أَحْمد وَإِسْحَاق. وَخَالف ابْن عبد الْبر فَقَالَ: إِسْنَاد حَدِيث وابصة مُضْطَرب وَلَا يُثبتهُ جمَاعَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 وَقَالَ الْحَاكِم: (إِنَّمَا) لم يخرج الشَّيْخَانِ لوابصة فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا؛ لفساد الطَّرِيق إِلَيْهِ. قلت: وَرَوَى مثل حَدِيث وابصة هَذَا (عَلّي) بن (شَيبَان) ، (رَوَاهُ) أَحْمد (و) ابْن أبي شيبَة وَابْن مَاجَه من حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رجلا يُصَلِّي خلف الصَّفّ فَوقف حَتَّى انْصَرف الرجل فَقَالَ لَهُ: اسْتقْبل صَلَاتك فَلَا صَلَاة لفرد خلف الصَّفّ» . (فَقَالَ الْأَثْرَم) : قَالَ أَحْمد: إِنَّه حَدِيث حسن. الحَدِيث (الثَّامِن) بعد الثَّلَاثِينَ حَدِيث أبي بكرَة: « (أَنه) لما ركع خَارج الصَّفّ ثمَّ دخل الصَّفّ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام لما ذكر لَهُ ذَلِك: زادك الله حرصًا وَلَا تعد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح (رَوَاهُ البُخَارِيّ) كَمَا سلف فِي شُرُوط الصَّلَاة وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس (وَالثَّلَاثُونَ) مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 الحَدِيث (التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ) حَدِيث ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - فِي صلَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ صَلَاة الْخَوْف بِذَات الرّقاع. هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَسَيَأْتِي فِي بَابه بِطُولِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى (ذَلِك) وَقدره. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هَذَا الحَدِيث فِي كَلَامه عَلَى أَنه إِذا كَانَ الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي فضاء فَإِنَّهُ يشْتَرط أَلا (يزِيد مَا) بَينهمَا عَلَى ثَلَاثمِائَة ذِرَاع. (قَالَ: ومم) أَخذ هَذَا التَّقْدِير فَعَن ابْن (سُرَيج) وَأَبَى إِسْحَاق أَنه (أَخذ) من صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام بِذَات الرّقاع، فَإِنَّهُ تنحى بطَائفَة بِحَيْثُ لَا تصيبهم سِهَام الْعَدو وَصَلى بهم (رَكْعَة) وانصرفت الطَّائِفَة إِلَى وَجه الْعَدو وهم فِي الصَّلَاة وسهام الْعَدو لَا تبلغ (أَكثر) من الْقدر الْمَذْكُور. انْتَهَى كَلَامه. وَفِي هَذَا الاستنباط نظر من أوجه: أَحدهَا: أَنه لَا يتم مَا ذكر حَتَّى يثبت أَن الْمسَافَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث مَا زَادَت عَلَى الْقدر الْمَذْكُور. ثَانِيهَا: أَن (هَذَا حَال) ضَرُورَة فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا (حَال) الِاخْتِيَار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 ثَالِثهَا: أَن سِهَام الْعَدو قد بلغت أَكثر من هَذَا فقد قَالَ الرَّافِعِيّ نَفسه فِي بَاب الْمُسَابقَة: أَنهم قدرُوا الْمسَافَة الَّتِي تتعذر الْإِصَابَة (بهَا) (بِمَا) هُوَ أَكثر من ثَلَاثمِائَة وَخمسين ذِرَاعا. قَالَ: وَرووا أَنه لم يرم إِلَى أَرْبَعمِائَة ذِرَاع سُوَى عقبَة بن عَامر. الحَدِيث (الْأَرْبَعُونَ) عَن جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعشَاء، ثمَّ ينْطَلق إِلَى قومه فيصليها بهم، هِيَ لَهُ تطوع (وَلَهُم) مَكْتُوبَة الْعشَاء» . هَذَا الحَدِيث أَصله مُتَّفق عَلَيْهِ أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن جَابر «أَن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عشَاء الْآخِرَة ثمَّ يرجع إِلَى قومه فَيصَلي بهم تِلْكَ الصَّلَاة» هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «فَيصَلي بهم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة» (ذكره فِي كتاب الْأَدَب من «صَحِيحه» فِي نُسْخَة مِنْهُ - أَعنِي بِلَفْظ «الْمَكْتُوبَة» ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 (وَرَوَاهُ - كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ - الشَّافِعِي) فِي «الْأُم» وحرملة، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر قَالَ: «كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعشَاء، ثمَّ ينْطَلق إِلَى قومه فيصليها لَهُم، فَهِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم مَكْتُوبَة الْعشَاء» . قَالَ الشَّافِعِي - فِي رِوَايَة حَرْمَلَة -: هَذَا حَدِيث ثَابت لَا أعلم حَدِيثا يرْوَى من طَرِيق وَاحِد أثبت من هَذَا وَلَا أوثق - يَعْنِي رجَالًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة - يَعْنِي: «هِيَ لَهُ تطوع ... » إِلَى آخِره» - أَبُو عَاصِم النَّبِيل وَعبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج - يَعْنِي كَرِوَايَة شيخ الشَّافِعِي عَن ابْن جريج - وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة فِي مثل هَذَا. وَسَاقه فِي «سنَنه» من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: فِي رِوَايَة عَاصِم: «هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم فَرِيضَة» وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: «هِيَ لَهُ نَافِلَة وَلَهُم فَرِيضَة» قَالَ فِي الْمعرفَة: وَقد رويت هَذِه الزِّيَادَة من أوجه أخر عَن جَابر. ثمَّ سَاقه من طَرِيق الشَّافِعِي عَن شَيْخه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن ابْن (عجلَان) ، عَن (عبيد) الله بن مقسم، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 جَابر «أَن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعشَاء، ثمَّ يرجع إِلَى قومه فَيصَلي بهم الْعشَاء، وَهِي لَهُ نَافِلَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالْأَصْل أَن مَا كَانَ مَوْصُولا بِالْحَدِيثِ يكون مِنْهُ، وخاصة إِذا رُوِيَ (من) وَجْهَيْن إِلَّا أَن تقوم دلَالَة عَلَى التَّمْيِيز. قَالَ: وَالظَّاهِر أَن قَوْله: «هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم مَكْتُوبَة» من قَول جَابر، (وَكَانَ) أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعلم بِاللَّه وأخشى لَهُ من أَن يَقُولُوا مثل هَذَا إِلَّا بِعلم، وَحين حَكَى الرجل فعل معَاذ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يُنكر عَلَيْهِ إِلَّا التَّطْوِيل. وَقَالَ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» : لَا خلاف بَين أهل النَّقْل للْحَدِيث أَنه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن (سلمَان) الْفَقِيه يَقُول: سَمِعت إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق (وَسَأَلَهُ) رجل من أهل خُرَاسَان: إِذا صَلَّى الإِمَام تَطَوّعا وَمن خَلفه فَرِيضَة. قَالَ: لَا يجزئهم. قلت: فَأَيْنَ حَدِيث معَاذ بن جبل؟ قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: حَدِيث معَاذ بن جبل قد (أعيى) الْقُرُون الأول. تَنْبِيه: الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه احْتج بِهَذَا الحَدِيث عَلَى صِحَة صَلَاة المفترض خلف المتنفل، وللمخالف عَلَيْهِ اعتراضات غير لائحة، وَقد ذكرت جملَة مِنْهَا مَعَ بَيَان (وهنها) فِي تَخْرِيج أَحَادِيث (الْمُهَذّب) ، فَرَاجعهَا مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 الحَدِيث (الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين) عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَهُوَ يُصَلِّي) (فوقفت خَلفه) ، ثمَّ جَاءَ آخر حَتَّى صرنا رهطًا (كَبِيرا) فَلَمَّا أحس النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِنَا أوجز فِي صلَاته ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا فعلت هَذَا لكم» . هَذَا (الحَدِيث صَحِيح) ، رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الصَّوْم من «صَحِيحه» وَهَذَا لَفظه عَن (أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -) قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي فِي رَمَضَان (فَجئْت فَقُمْت إِلَى جنبه) وَجَاء (رجل) فَقَامَ أَيْضا حَتَّى كُنَّا رهطًا، فَلَمَّا أحس النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل يتجوز فِي الصَّلَاة، ثمَّ دخل وَحده (فَصَلى) صَلَاة لَا يُصليهَا (عندنَا) - قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ حِين أَصْبَحْنَا: [أفطنت] لنا اللَّيْلَة؟ قَالَ: نعم، ذَاك الَّذِي حَملَنِي عَلَى الَّذِي صنعت ... » ثمَّ ذكر قصَّة الْوِصَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 وَاعْلَم بِأَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن الإِمَام لَا يشْتَرط فِي (حَقه نِيَّة) الْإِمَامَة، ورد بِهِ عَلَى الإِمَام (أَحْمد) حَيْثُ قَالَ باشتراطها، وَلَك أَن تَقول يحْتَمل أَن يكون عَلَيْهِ السَّلَام نَوى الْإِمَامَة لما اقتدوا بِهِ؛ فَإِنَّهَا قَضِيَّة عين وَهِي مُحْتَملَة، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يَقْتَضِي أَنه لم ينْو، وَاسْتدلَّ الْمَاوَرْدِيّ لذَلِك (بِقصَّة) ابْن عَبَّاس السالفة لما بَات عِنْد خَالَته مَيْمُونَة، قَالَ: فصحح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلَاته وَلم ينْو إِمَامَته، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور أَيْضا. وَاسْتدلَّ (لَهُ) الْمُتَوَلِي فِي «تتمته» بِقصَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف (بغزوة) تَبُوك حَيْثُ صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَة من الصُّبْح وأدركه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الثَّانِيَة (فَصلاهَا) خَلفه، ثمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ (ثمَّ لما) فرغ من الصَّلَاة قَالَ لَهُم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَحْسَنْتُم» . كَذَا أوردهُ ثمَّ قَالَ: وَمَعْلُوم أَن عبد الرَّحْمَن مَا كَانَ (نَوى) الْإِمَامَة برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَلفه. وَفِيمَا ذكره نظر أَيْضا. الحَدِيث (الثَّانِي) بعد الْأَرْبَعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَلَا تختلفوا عَلَيْهِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، وَإِذا سجد فاسجدوا، وَإِذا صَلَّى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . واتفقا عَلَيْهِ أَيْضا من حَدِيث أنس، واتفقا عَلَى بعضه من حَدِيث عَائِشَة، وَفِي آخِره: «وَإِذا صَلَّى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا» . وَانْفَرَدَ مُسلم بِهَذَا الْأَخير من رِوَايَة جَابر. وَفِي «سنَن» أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي (هُرَيْرَة) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا» . قيل لمُسلم بن الْحجَّاج فِي «صَحِيحه» (فِي) حَدِيث أبي هُرَيْرَة: هَذَا صَحِيح هُوَ؟ قَالَ: نعم. قيل: لِمَ لَمْ تضعه هُنَا؟ فَقَالَ: لَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 كل شَيْء صَحِيح وَضعته هُنَا إِنَّمَا وضعت هُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ. قلت: وَصَححهُ أَيْضا: أَحْمد وَابْن حزم، وَقَالَ جُمْهُور الْحفاظ: قَوْله: «وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا» لَيست صَحِيحَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَأَطْنَبَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَيَان بُطْلَانهَا وَذكر عللها، وَنقل بُطْلَانهَا عَن يَحْيَى بن معِين وَأبي حَاتِم وَأبي دَاوُد و (أبي) عَلّي النَّيْسَابُورِي. تَنْبِيه: اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كرر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب وَذكر فِي بعض أَلْفَاظه: «لَا تختلفوا عَلَى إمامكم» ، وَلَا يحضرني من خرجه بِهَذَا اللَّفْظ وَمَا سبق هُوَ بِمَعْنَاهُ، وَمن جملَة مَا اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَن الْمَأْمُوم إِذا فَارق إِمَامه أَن صلَاته تبطل، وَقد يُقَال: تَمام الحَدِيث يدل عَلَى أَنه أَرَادَ مَا دَامَ مقتديًا بِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: «فَإِذا كبر فكبروا» وَتبع فِي الِاسْتِدْلَال (بِهِ) صَاحب الْبَيَان فَإِنَّهُ قَالَ عقبه: فَمن خَالفه فقد دخل تَحت النَّهْي، وَالنَّهْي (يَقْتَضِي) فَسَاد الْمنْهِي عَنهُ. الحَدِيث (الثَّالِث) بعد الْأَرْبَعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تبَادرُوا الإِمَام، إِذا كبر فكبروا وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَإِذا سجد فاسجدوا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنَا، يَقُول: «لَا تبَادرُوا الإِمَام، إِذا كبر فكبروا، وَإِذا قَالَ: «وَلَا الضَّالّين» فَقولُوا: آمين. وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: (اللَّهُمَّ) رَبنَا لَك الْحَمد» وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : وَلَا تَرفعُوا قبله» وَفِي أُخْرَى (لَهُ) : «إِنَّمَا الإِمَام جنَّة، فَإِذا صَلَّى قَاعِدا فصلوا قعُودا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: (اللَّهُمَّ) رَبنَا لَك الْحَمد، فَإِذا وَافق قَول أهل الأَرْض قَول أهل السَّمَاء غفر الله لَهُ (مَا تقدم) من ذَنبه» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ؛ فَإِذا كبر فكبروا، وَلَا تكبروا حَتَّى يكبر، وَإِذا ركع فاركعوا، وَلَا تركعوا حَتَّى يرْكَع، وَإِذا سجد فاسجدوا، وَلَا تسجدوا حَتَّى يسْجد» . وَفِي إِسْنَاده: مُصعب بن مُحَمَّد (الْعَبدَرِي) وَثَّقَهُ ابْن معِين. وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم إِلَّا خيرا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» : وَجَاء حرف غَرِيب فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 هَذَا الحَدِيث وَهُوَ: « (إِذا) قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: سمع الله لمن حَمده» مثل قَول الإِمَام سَوَاء، قَالَ: وَالْمَشْهُور حذف هَذِه الزِّيَادَة كَمَا تقدم فِي الصَّحِيح. تَنْبِيه: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإيانا - بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَنه يجب عَلَى الْمَأْمُوم مُتَابعَة إِمَامه، وَالدّلَالَة مِنْهُ ظَاهِرَة، ثمَّ اسْتدلَّ بقوله: «فَإِذا كبر فكبروا» عَلَى أَنه إِذا (قارنه) فِي التَّكْبِير أَن صلَاته لَا تَنْعَقِد، وَلقَائِل أَن يَقُول (فِي تَمام) الحَدِيث وَإِذا ركع فاركعوا» وَلَو ركع مَعَه لم تفْسد فَيَنْبَغِي أَن لَا تفْسد إِذا كبر مَعَه؛ لِأَن الصِّيغَة وَاحِدَة فِي الْجَمِيع، نعم الْفَارِق بَينهمَا مَا أبداه الرَّافِعِيّ من كَون الإِمَام فِي الرُّكُوع وَغَيره فِي (صلَاته) فينتظم الِاقْتِدَاء بِهِ بِخِلَاف التَّكْبِير. الحَدِيث (الرَّابِع) بعد الْأَرْبَعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ مُحَمَّد (: «أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار» وَفِي لفظ: «مَا يَأْمَن الَّذِي يرفع رَأسه فِي صلَاته أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 يحول الله صورته صُورَة حمَار» وَفِي (آخر) : «أَن يَجْعَل الله وَجهه وَجه حمَار» هَذِه أَلْفَاظ مُسلم. وَلَفظ البُخَارِيّ: «رَأسه رَأس حمَار (أَو) صورته صُورَة حمَار» . وَلأبي دَاوُد: «أما يخْشَى أحدكُم إِذا رفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار أَو صورته صُورَة حمَار» . وَلابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : «أَن يحول الله رَأسه رَأس الْكَلْب» . وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي «تلخيصه» بِهَذِهِ الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ: لم (أكتبه) بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا عَن أبي نعيم بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَقد رَوَاهُ جمَاعَة عَن يُوسُف بن عدي (فَقَالَ) فِيهِ: «رَأس حمَار» . قلت: ويوسف هَذَا لَيْسَ فِي (رِوَايَة) ابْن حبَان. وللعقيلي فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» : «الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام فَإِنَّمَا ناصيته بيد شَيْطَان» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي و (أَبَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 (زرْعَة) عَن هَذِه الزِّيَادَة فَقَالَا: هِيَ خطأ وَهِي معلولة حَيْثُ رويت مَوْقُوفَة عَلَى أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : الصَّحِيح وَقفهَا عَلَيْهِ. الحَدِيث (الْخَامِس) بعد الْأَرْبَعين عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا (نصلي) مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده لم يحن أحد منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَبهته عَلَى الأَرْض» . (هَذَا الحَدِيث) مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه، وَفِي بعض رواياته: «ثمَّ (نخر) من وَرَائه سجدا» . وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث: «وَكَانَ لَا يحني (رجل منا) ظَهره حَتَّى يستتم سَاجِدا» وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن عَمْرو هَذَا فِي كِتَابه شَيْئا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 الحَدِيث (السَّادِس) بعد الْأَرْبَعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تبادروني بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُود فمهما (أسبقكم) بِهِ إِذا ركعت تدركوني إِذا رفعت، وَمهما أسبقكم بِهِ إِذا سجدت تدركوني بِهِ إِذا رفعت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ كَذَلِك أَحْمد والْحميدِي فِي (مسنديهما) ، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «لَا تسبقوني بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُود فَإِنِّي قد بدنت، وَإِنِّي مهما أسبقكم بِهِ حِين أركع تدركوني بِهِ حِين أرفع، وَمَا سبقتكم بِهِ حِين أَسجد تدركوني بِهِ حِين أرفع» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «لَا تبادروني بركوع وَلَا سُجُود فَإِنَّهُ مهما أسبقكم بِهِ إِذا ركعت تدركوني (بِهِ) إِذا رفعت إِنِّي قد بدنت) وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه (يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد بدَّنت أَو بدنت) فَلَا تسبقوني بِالرُّكُوعِ (وَالسُّجُود) ، وَلَكِن إِن سبقتكم إِنَّكُم تدركون مَا فاتكم» . فَائِدَة: «بدنت» بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الدَّال عَلَى الْأَصَح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : اخْتَار أَبُو عبيد: «بدنت» بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الدَّال - يَعْنِي: كَبرت. وَمن قَالَ بِرَفْع الدَّال فَإِنَّهُ أَرَادَ كَثْرَة اللَّحْم. وَفِي «مجمع الغرائب للفارسي) : رَوَى هشيم - (وَكَانَ) فِيمَا يُقَال: (لحانًا) بدنت، (قَالَ) أَبُو عبيد: لَيْسَ لَهُ مَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَثْرَة اللَّحْم من صفته عَلَيْهِ السَّلَام؛ لِأَن من نَعته أَنه كَانَ رجلا بَين الرجلَيْن فِي جِسْمه ولحمه. وَكَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : «بدنت» مُشَدّدَة بِمَعْنى كَبرت وَمن خففها غلط؛ لِأَنَّهُ يكون من كَثْرَة اللَّحْم، وَلَيْسَ من صِفَاته. وَكَذَا قَالَ المطرزي: الصَّوَاب عَن الْأمَوِي «بدنت» ؛ أَي: كَبرت؛ لِأَن البدانة وَالسمن خلاف صفته عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَّا أَن يحمل عَلَى أَن الْحَرَكَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 ثقلت عَلَى البادن. قَالَ: وَإِن صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حمل الشَّحْم فِي آخر عمره (لاستغنى) عَن التَّأْوِيل. الحَدِيث (السَّابِع) بعد الْأَرْبَعين «أَن معَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أمَّ قومه لَيْلَة فِي صَلَاة الْعشَاء بَعْدَمَا صلاهَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَافْتتحَ سُورَة الْبَقَرَة فَتنَحَّى رجل من خَلفه وَصَلى وَحده فَقيل لَهُ نافقت، ثمَّ ذكر ذَلِك للنَّبِي (فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله إِنَّك أخرت الْعشَاء وَإِن معَاذًا صَلَّى مَعَك ثمَّ أمنا وافتتح سُورَة الْبَقَرَة، وَإِنَّمَا نَحن أَصْحَاب نواضح نعمل بِأَيْدِينَا، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك تَأَخَّرت وَصليت، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (أفتان) أَنْت يَا معَاذ؟ اقْرَأ (سُورَة) كَذَا اقْرَأ (سُورَة) كَذَا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث جَابر بن عبد الله (قَالَ: «كَانَ معَاذ) يُصَلِّي (مَعَ) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ يَأْتِي فيؤم قومه، فَصَلى لَيْلَة مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعشَاء، ثمَّ أَتَى قومه فَأمهمْ فَافْتتحَ سُورَة الْبَقَرَة، فانحرف رجل فَسلم ثمَّ صَلَّى وَحده وَانْصَرف، فَقَالُوا لَهُ: نافقت يَا فلَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 قَالَ: لَا وَالله ولآتين رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فلأخبرنه) فَأَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا أَصْحَاب نواضح نعمل بِالنَّهَارِ، وَإِن معَاذًا صَلَّى مَعَك الْعشَاء ثمَّ أَتَى فَافْتتحَ (سُورَة) الْبَقَرَة. فَأقبل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى معَاذ فَقَالَ: (يَا معَاذ، أفتان أَنْت) ، اقْرَأ بِكَذَا واقرأ بِكَذَا» قَالَ سُفْيَان: فَقلت لعَمْرو: إِن أَبَا الزبير حَدثنَا عَن جَابر أَنه قَالَ: «اقْرَأ (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا) (وَالضُّحَى) (وَاللَّيْل إِذا (يغشى)) و (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) فَقَالَ عَمْرو نَحْو هَذَا. هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي (آخر لَهُ) : «إِذا (أممت النَّاس) فاقرأ (بالشمس وَضُحَاهَا) و (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) و (اقْرَأ باسم رَبك) (وَاللَّيْل إِذا يغشي» . وللبخاري: «أَن معَاذًا صَلَّى بِنَا البارحة فَقَرَأَ الْبَقَرَة فتجوزت، فَزعم أَنِّي مُنَافِق: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أفتان أَنْت - ثَلَاثًا» وَلم يذكر تعْيين السُّور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 وَله أَيْضا: «أَن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ يَأْتِي قومه فَيصَلي بهم (صَلَاة) الْعشَاء (فَقَرَأَ) الْبَقَرَة، قَالَ: فَتجوز رجل وَصَلى صَلَاة خَفِيفَة، فَبلغ ذَلِك معَاذًا، فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق. فَبلغ ذَلِك الرجلَ فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا قوم نعمل بِأَيْدِينَا ونسقي نواضحنا وَإِن معَاذًا صَلَّى البارحة فَقَرَأَ الْبَقَرَة فتجوزت فَزعم أَنِّي مُنَافِق. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا معَاذ، أفتان أَنْت - ثَلَاثًا - اقْرَأ (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا) و (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) وَنَحْوهَا» وَفِي (لفظ) آخر: «فلولا صليت ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا) ، (وَاللَّيْل إِذا يغشى) فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك (الْكَبِير وَالصَّغِير) وَذُو الْحَاجة» قَالَ: أَحسب هَذَا (فِي) الحَدِيث وَلَيْسَت (عِنْده) قَول سُفْيَان لعَمْرو، وَفِي بعض طرقه: «أقبل رجل بناضحين وَقد أقبل اللَّيْل فَوَافَقَ معَاذًا يُصَلِّي فَأقبل (معَاذ) » وَذكر الحَدِيث. وَللشَّافِعِيّ، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو، عَن جَابر: «كَانَ (معَاذ) يُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعشَاء - أَو الْعَتَمَة - ثمَّ يرجع فيصليها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 بقَوْمه فِي بني سَلمَة. قَالَ: فَأخر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعشَاء ذَات لَيْلَة، قَالَ: فَصَلى معَاذ مَعَه، ثمَّ رَجَعَ فَأم قومه فَقَرَأَ (بِسُورَة) الْبَقَرَة فَتنَحَّى رجل من خَلفه فَصَلى وَحده فَقَالُوا لَهُ: نافقت. قَالَ: لَا وَلَكِنِّي آتِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّك أخرت الْعشَاء وَإِن معَاذًا صَلَّى مَعَك، ثمَّ رَجَعَ فأمنا وافتتح سُورَة الْبَقَرَة، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك تَأَخَّرت فَصليت، وَإِنَّمَا نَحن أَصْحَاب نواضح نعمل بِأَيْدِينَا. فَأقبل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أفتان أَنْت يَا معَاذ، أفتان أَنْت يَا معَاذ، اقْرَأ (بِسُورَة كَذَا وَسورَة) كَذَا» . قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا سُفْيَان، أَنا أَبُو الزبير، عَن جَابر بِمثلِهِ وَزَاد فِيهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ: اقْرَأ ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) ، (وَاللَّيْل إِذا يغشى) ، (وَالسَّمَاء والطارق) وَنَحْوهَا قَالَ سُفْيَان فَقلت لعَمْرو: إِن أَبَا الزبير يَقُول (قَالَ) لَهُ: اقْرَأ (ب (سبح اسْم) رَبك الْأَعْلَى) (وَاللَّيْل إِذا يغشي) (وَالسَّمَاء والطارق) (قَالَ) عَمْرو: هُوَ هَذَا أَو نَحوه» . فَوَائِد: الأولَى: قد أسلفنا أَنه قَرَأَ (سُورَة) الْبَقَرَة، وَفِي «مُسْند الإِمَام أَحْمد» من حَدِيث (بُرَيْدَة) أَنه قَرَأَ (اقْتَرَبت السَّاعَة) وَجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ قَرَأَ هَذِه فِي رَكْعَة وَهَذِه فِي أُخْرَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 الثَّانِيَة: هَذِه الصَّلَاة كَانَت الْعشَاء (كَمَا) سلف لَك - وَهُوَ أصح من رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَنَّهَا كَانَت فِي صَلَاة الْمغرب. الثَّالِثَة: اخْتلف فِي اسْم (هَذَا الرجل) المنحرف أَو المتجوز عَلَى أَقْوَال، ذكرتها فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» وَغَيره أَصَحهَا: أَنه حرَام بن ملْحَان خَال أنس، وَلم يذكر الْخَطِيب فِي «مبهماته» غَيره، وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» : «فَانْفَرد عَنهُ أَعْرَابِي» ، وَالصَّوَاب: أَنْصَارِي. بدله. الرَّابِعَة: احْتج المُصَنّف تبعا للشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب بِهَذَا الحَدِيث عَلَى جَوَاز الْمُفَارقَة وَالْبناء عَلَى مَا (صَلَّى) ، لَكِن احْتج بِهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارقَة (و) بِغَيْر عذر وَجعلُوا تَطْوِيل الْقِرَاءَة لَيْسَ بِعُذْر وَاحْتج بِهِ صَاحب «الْمُهَذّب» وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارقَة بِعُذْر، وَجعلُوا طولهَا عذرا، وَرِوَايَة مُسلم السالفة أَنه انحرف فَسلم ثمَّ صَلَّى وَحده تشكل عَلَى ذَلِك، (كَأَنَّهُ) اسْتَأْنف وَلم يبن، فَلَا دلَالَة فِيهِ إِذا للمفارقة وَالْبناء، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا أَدْرِي هَل حفظت الزِّيَادَة الَّتِي فِي مُسلم لِكَثْرَة من رَوَى الحَدِيث عَن سُفْيَان بِدُونِهَا، وَإِنَّمَا انْفَرد بهَا مُحَمَّد بن عباد عَن سُفْيَان. وَلَك أَن تَقول: هَذِه الزِّيَادَة من ثِقَة فَقبلت - كَمَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء وَالْأُصُول والْحَدِيث. وَجَوَاب هَذَا أَن أَكثر الْمُحدثين يجْعَلُونَ مثل هَذِه الزِّيَادَة شَاذَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 ضَعِيفَة مَرْدُودَة، فَإِن الشاذ عِنْدهم أَن يروي مَا (لَا) يرويهِ سَائِر الثِّقَات سَوَاء خالفهم أم لَا، وَمذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة من عُلَمَاء الْحجاز أَن الشاذ مَا يُخَالف الثِّقَات، أما مَا لَا يخالفهم فَلَيْسَ بشاذ بل يحْتَج بِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح (وَقَول الْمُحَقِّقين) فعلَى الأول: (هَذِه) اللَّفْظَة شَاذَّة لَا يحْتَج بهَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ، وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي رِوَايَة الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» فِي هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أنس: أَن هَذَا الرجل لما رَأَى معَاذًا طول تجوز فِي صلَاته وَلحق بنخله ليسقيه، فَلَمَّا قَضَى (معَاذ) الصَّلَاة قيل لَهُ (فِي) ذَلِك (قَالَ) : إِنَّه لمنافق يعجل عَن الصَّلَاة (لأجل سقِِي) نخله. الحَدِيث (الثَّامِن) بعد الْأَرْبَعين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لما) صَلَّى صَلَاة الْخَوْف بِذَات الرّقاع (فارقته) الْفرْقَة الأولَى بَعْدَمَا صَلَّى بهم رَكْعَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى (صِحَّته) من حَدِيث خَوات بن جُبَير، وَسَيَأْتِي فِي بَابه إِن شَاءَ الله (ذَلِك وَقدره) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 الحَدِيث (التَّاسِع) بعد الْأَرْبَعين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى بِأَصْحَابِهِ ثمَّ تذكر فِي صلَاته أَنه جنب فَأَشَارَ إِلَيْهِم كَمَا أَنْتُم وَخرج واغتسل ثمَّ عَاد وَرَأسه تقطر وَتحرم بهم» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْبَاب بعد عقد الْعشْرين مِنْهُ. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث لأظهر الْقَوْلَيْنِ أَنه يجوز لمن أحرم مُنْفَردا أَن يَنْوِي الْقدْوَة فِي (خلال صلَاته) ، فَإِنَّهُ لما أوردهُ قَالَ: وَمَعْلُوم أَنهم أنشئوا اقْتِدَاء جَدِيدا (إِذْ تبين أَن الأول لم يكن صَحِيحا، وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام فَإِنَّهُ قَالَه كَذَلِك سَوَاء، وَهُوَ عَجِيب؛ لأَنهم إِذا أنشئوا اقْتِدَاء جَدِيدا) لم يكن فِيهِ إنْشَاء الْمُنْفَرد الِاقْتِدَاء؛ بل هُوَ إنْشَاء قدوة من لَيْسَ بمصلٍّ؛ وَهَذَا (لَيْسَ مَحل) النزاع، وَأَيْضًا لَا نسلم بطلَان الِاقْتِدَاء الأول؛ لِأَنَّهُ تصح الصَّلَاة خلف الْمُحدث إِذا جهل الْمَأْمُوم حَدثهُ، لَا جرم أَن الْمَاوَرْدِيّ لما اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور ذكر فِيهِ أَنه اسْتَأْنف الْإِحْرَام وَأَن (الْقَوْم) بقوا عَلَى إحرامهم، ثمَّ قَالَ: فَلَمَّا سَبَقُوهُ بِالْإِحْرَامِ وَلم يَأْمُرهُم باستئنافه وَقد خَرجُوا بالجنابة من إِمَامَته دلّ عَلَى صِحَة صَلَاة الْمَأْمُوم إِذا سبق الإِمَام بِبَعْض صلَاته. وَقَوله: وَقد خَرجُوا بالجنابة من إِمَامَته: كَأَنَّهُ يَعْنِي بِهِ أَنه تبين بِسَبَب الْجَنَابَة أَنه لم يكن إِمَامًا لَهُم، وَقد سبق بِهَذَا الِاعْتِرَاض الشَّيْخ تَاج الدَّين فَقَالَ فِي «إقليده» : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 تمسُّك الْأَصْحَاب بِهَذَا الحَدِيث من النَّوَادِر؛ فَإِن الشَّافِعِي فرق بَين إنْشَاء الْقدْوَة وَمَا وَقع فِي هَذِه الْقِصَّة، وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» : كرهت أَن يفتتحها صَلَاة إِفْرَاد ثمَّ يَجْعَلهَا (صَلَاة جمَاعَة) . وَهَذَا يُخَالف صَلَاة الَّذين افْتتح (بهم) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الصَّلَاة. ثمَّ ذكر فَانْصَرف فاغتسل ثمَّ رَجَعَ فَأمهمْ فَإِنَّهُم افتتحوا الصَّلَاة جمَاعَة. وَقَالَ فِي «الْقَدِيم» : (ثمَّ) قَالَ قَائِل يدْخل مَعَ الإِمَام وَيُعِيد (مَا) مَضَى. قَالَ الْمُزنِيّ: وَهَذَا عِنْدِي أَقيس عَلَى أَصله؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن فِي صَلَاة وَصَحَّ إحرامهم وَلَا إِمَام لَهُم ثمَّ ابْتَدَأَ (بهم) وَقد (سبقوا هم) بِالْإِحْرَامِ. قلت: لَكِن سلف فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أبي دَاوُد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر ثمَّ أَوْمَأ أَن اجلسوا، (فَذهب فاغتسل) . وَعَلَى هَذَا فَلَا دلَالَة (فِيهِ) عَلَى الْمُدعَى؛ لِأَن هَذَا (إِحْرَام) آخر جَدِيد إِلَّا أَن يَدعِي أَن هَذِه (قَضِيَّة) أُخْرَى غير تِلْكَ كَمَا سلف هُنَاكَ. الحَدِيث (الْخَمْسُونَ) رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أدْرك الرُّكُوع من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 (فليضف) إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمن لم يدْرك الرُّكُوع (من الرَّكْعَة) الْأَخِيرَة فَليصل الظّهْر أَرْبعا» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق أبي هُرَيْرَة وَمن طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. أما الأول: فَمن أوجه يحضرنا مِنْهَا ثَلَاثَة (عشر) وَجها: أَحدهَا: من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث مُحَمَّد بن مَيْمُون الإسْكَنْدراني، حَدثنَا الْوَلِيد بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ) وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة وَمن أدْرك من صَلَاة الْعَصْر (رَكْعَة) » وَلمُسلم فِيهِ الزِّيَادَة «فقد أدْركهَا كلهَا» . ثَانِيهَا: من طَرِيق أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من (صَلَاة) الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى» . رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 الْفضل بن مُحَمَّد الشعراني (ثَنَا) [سعيد] بن أبي مَرْيَم، نَا يَحْيَى بن أَيُّوب، نَا أُسَامَة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح إِسْنَاده عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (من) حَدِيث أَحْمد بن حَمَّاد زغبة، نَا ابْن أبي مَرْيَم بِهِ. وَيَحْيَى هَذَا هُوَ الغافقي وَإِن احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا (فقد قَالَ) أَبُو حَاتِم فِي حَقه: مَحَله الصدْق وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأُسَامَة بن زيد من رجال مُسلم وَقَالَ فِي حَقه أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء وراجع فِيهِ عبد الله أَبَاهُ فَقَالَ: إِذا تدبرت حَدِيثه تعرف فِيهِ النكرَة. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: كَانَ يَحْيَى الْقطَّان يُضعفهُ. ثمَّ قَالَ (يَحْيَى بن معِين) : هُوَ ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ بِهِ بَأْس. (الثَّالِث) : (من) طَرِيق حَمَّاد بن زيد، عَن مَالك بن أنس وَصَالح بن أبي الْأَخْضَر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي، نَا حَمَّاد بِهِ وَقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الطَّرِيقَيْنِ قبله. قلت: وَصَالح هَذَا لينه البُخَارِيّ وَضَعفه النَّسَائِيّ وَأحمد وَأَبُو زرْعَة. وَقَالَ ابْن حبَان: (اخْتَلَط عَلَيْهِ) مَا سمع بِمَا لم يسمع فَحدث بِالْكُلِّ، فَيَنْبَغِي أَن لَا يحدث عَنهُ. وَذكره ابْن السكن فِي «الصِّحَاح الْمَأْثُور» بِلَفْظ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى» . (قلت: وَهَذِه الطّرق الثَّلَاث أحسن طرق هَذَا الحَدِيث، وَالْبَاقِي ضِعَاف بِمرَّة) . (الطَّرِيق الرَّابِع) : من طَرِيق ياسين بن معَاذ، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا أدْرك أحدكُم الرَّكْعَتَيْنِ يَوْم الْجُمُعَة (فقد أدْرك الْجُمُعَة) وَإِذا أدْرك رَكْعَة فليركع إِلَيْهَا أُخْرَى، وَإِن لم يدْرك رَكْعَة فَليصل أَربع رَكْعَات» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن صَالح (نَا اللَّيْث) ، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ياسين، ثمَّ قَالَ: ياسين ضَعِيف. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 فَقَالَ: لَا أصل لَهُ إِنَّمَا مَتنه: «من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة فقد أدْركهَا» . (الْخَامِس) : من طَرِيق سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ سَوَاء. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث أبي (يزِيد الْخصاف) الرقي - واسْمه خَالِد بن (حَيَّان) - نَا سُلَيْمَان بِهِ. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي قَالَ: حَدثنِي جدي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه سُلَيْمَان، عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، لَكِن بِلَفْظ: «إِذا أدْركْت (الرَّكْعَة) الْأَخِيرَة من صَلَاة الْجُمُعَة فصلِّ إِلَيْهَا (رَكْعَة) ، وَإِذا فاتتك الرَّكْعَة الْأَخِيرَة فصل الظّهْر أَربع رَكْعَات» . وَسليمَان هَذَا ضَعَّفُوهُ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. قلت: وخَالِد بن حَيَّان فِيهِ لين مَا لكنه صَدُوق. (السَّادِس) : من طَرِيق عبد الرَّزَّاق بن عمر الدِّمَشْقِي، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث الحكم بن مُوسَى نَا عبد الرَّزَّاق بِهِ. وَعبد الرَّزَّاق هَذَا ضَعَّفُوهُ، (قَالَ يَحْيَى) : لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: كَذَّاب. وَقَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَخْبَار (فَاسْتحقَّ) التّرْك. (السَّابِع) : من حَدِيث الْحجَّاج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة (فَليصل) إِلَيْهَا أُخْرَى» . رَوَاهُ الدَّارقطني فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث جرير، عَن عبد القدوس بن بكر، نَا الْحجَّاج ... فَذكره. وَالْحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة وحالته قد عرفت، وَقد عنعن. (الثَّامِن) : من طَرِيق ياسين بن معَاذ عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 وَأبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة صَلَّى إِلَيْهَا أُخْرَى، فَإِن أدركهم جُلُوسًا صَلَّى الظّهْر أَرْبعا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (فِي «سنَنه» أَيْضا) من حَدِيث بكر بن بكار، نَا ياسين بِهِ. وَيَاسِين قد أسلفنا عَن الدَّارَقُطْنِيّ تَضْعِيفه، وَأطلق النكارة عَلَى (حَدِيثه) البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم، وَأطلق التّرْك عَلَيْهِ النَّسَائِيّ وَغَيره، وَقَالَ ابْن حبَان: يروي (الموضوعات) عَن الثِّقَات، وينفرد بالمعضلات عَن الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: وَقد سلف من طَرِيق ياسين هَذَا عَن الزُّهْرِيّ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث ياسين، عَن الزُّهْرِيّ، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 سعيد (و) أبي سَلمَة، (عَن أبي هُرَيْرَة) مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمن فَاتَتْهُ الركعتان فَليصل أَرْبعا - أَو قَالَ: الظّهْر. أَو قَالَ: الأولَى» . (الْوَجْه التَّاسِع) : من طَرِيق عمر بن قيس، [عَن الزُّهْرِيّ] عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا (أُخْرَى)) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن بكير، نَا عمر بِهِ. وَعمر هَذَا أَظُنهُ (الْمَكِّيّ) (الْمَعْرُوف) (بسندل) وَهُوَ مُتَّهم مَتْرُوك قَالَ أَحْمد: لَا يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا. (الْوَجْه الْعَاشِر) : من طَرِيق صَالح بن أبي الْأَخْضَر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى، فَإِن أدركهم جُلُوسًا صَلَّى أَرْبعا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن المتَوَكل، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 عَن صَالح. وَصَالح قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، وَيَحْيَى (إِن) كَانَ الْحذاء فقد ضَعَّفُوهُ. (الْوَجْه الْحَادِي عشر) : من طَرِيق (دَاوُد) بن أبي هِنْد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (فِي «سنَنه» أَيْضا) من حَدِيث يَحْيَى بن رَاشد الْبَراء، عَن دَاوُد بِهِ. وَيَحْيَى هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يعْتَبر بِهِ صُوَيْلِح. وَقَالَ فِي «علله» : رُوِيَ من وَجْهَيْن عَن سعيد مَرْفُوعا وَكِلَاهُمَا غير مَحْفُوظ، (وَرَوَاهُ) يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَنه بلغه عَن سعيد بن الْمسيب قَوْله، وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ. (الْوَجْه الثَّانِي عشر) : من طَرِيق سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا (أدْرك) أحدكُم من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 إِلَيْهَا أُخْرَى» . (وَسُهيْل) هَذَا احْتج بِهِ مُسلم ووثق وَتكلم فِيهِ. (الْوَجْه الثَّالِث عشر) : من طَرِيق ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث عمر بن (حبيب) ، عَن ابْن أبي ذِئْب (بِهِ) . وَعمر هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ وَكذبه ابْن معِين، وَقَالَ (ابْن عدي) : حسن الحَدِيث يكْتب (حَدِيثه) مَعَ ضعفه. فَهَذَا مَا حضرني من طرق هَذَا الحَدِيث، وأحسنها الثَّلَاثَة (الأول) وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : ذكر الْخَبَر الدَّال عَلَى أَن الطّرق المروية فِي خبر الزُّهْرِيّ «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة» كلهَا معلولة (لَيْسَ) يَصح فِيهَا شَيْء مَا أخبرنَا بِهِ عمرَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 بن مُوسَى بن مجاشع، نَا أَبُو كَامِل (الجحدري) ، نَا حَمَّاد بن زيد، عَن مَالك بن أنس، [عَن الزُّهْرِيّ] ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أدْرك (من صلاةٍ رَكْعَة فقد أدْرك» قَالُوا: من (هَاهُنَا قيل) : «وَمن أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة صَلَّى إِلَيْهَا أُخْرَى» (وَقَالَ فِي ضُعَفَائِهِ) : هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي (بِذكر) الْجُمُعَة - خطأ إِنَّمَا هُوَ «من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة» وذِكْر «الْجُمُعَة» قَالَه أَرْبَعَة أنفس (عَن الزُّهْرِيّ) ، عَن أبي سَلمَة كلهم ضعفاء، أَي وهم: أُسَامَة بن زيد وَصَالح بن أبي الْأَخْضَر وَسليمَان بن أبي دَاوُد وَعبد الرَّزَّاق بن عمر الدِّمَشْقِي. قلت: قد تَابعهمْ الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك كَمَا سلف من طَرِيق الْحَاكِم (وصححهما) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ فِي رِوَايَة أُسَامَة وَصَالح مثل ذَلِك، وتابعهم (أَيْضا: ياسين بن معَاذ) وَالْحجاج ومعاذ كَمَا سلف، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من طرق (بالاختلاف) فِيهَا، ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح حَدِيث: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة» (و) هَذَا الْخَبَر الَّذِي ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه كَمَا أسلفناه فِي الحَدِيث الثَّامِن من بَاب أَوْقَات الصَّلَاة، وَاحْتج بِهِ الْأَئِمَّة فِي هَذَا الْمقَام (مَالك وَالشَّافِعِيّ) وَغَيرهمَا. قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم: مَعْنَاهُ: لم تفته تِلْكَ الصَّلَاة وَمن لم تفته الْجُمُعَة صلاهَا (رَكْعَة) . وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة (للعقيلى) فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْركهَا قبل أَن (يُقيم) الإِمَام صلبه» قَالَ الْعقيلِيّ: رَوَاهُ (جماعات) بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة (و) لم يذكرهَا إِلَّا يَحْيَى بن حميد، ولعلها من كَلَام الزُّهْرِيّ فَأدْخلهَا يَحْيَى فِيهِ. وَقد قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : زَادهَا قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 وَأما حَدِيث ابْن عمر فَلهُ أَيْضا طرق: (أَحدهَا) : (من) طَرِيق الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه رَفعه: «من أدْرك رَكْعَة من صَلَاة الْجُمُعَة أَو غَيرهَا فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى وَقد تمت صلَاته» . وَفِي لفظ: «وَقد أدْرك الصَّلَاة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن مصفى (وَعَمْرو) بن عُثْمَان قَالَا: ثَنَا بَقِيَّة، قَالَ: حَدثنِي يُونُس بن (يزِيد) الْأَيْلِي، عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. ثمَّ قَالَ: قَالَ لنا (ابْن) أبي دَاوُد: لم يروه عَن يُونُس إِلَّا بَقِيَّة، وَرَوَاهُ أَيْضا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: (هَذَا) خطأ الْمَتْن والإسناد، إِنَّمَا هُوَ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من صَلَاة رَكْعَة فقد أدْركهَا» وَأما قَوْله: «من صَلَاة الْجُمُعَة» فَلَيْسَ هَذَا فِي الحَدِيث فَوَهم فِي كليهمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (الإِمَام) : هَذَا الحَدِيث مَعْدُود فِي أَفْرَاد بَقِيَّة عَن يُونُس، وَبَقِيَّة (موثق) وَقد زَالَت تُهْمَة (تدليسه) بتصريحه (بِالتَّحْدِيثِ) ، وَهَذَا (مُؤذن) من الشَّيْخ تَقِيّ (الدَّين) بتصحيح هَذَا الطَّرِيق لَكِن (بَقِيَّة رمي) بتدليس (التَّسْوِيَة) فَلَا (يَنْفَعهُ) تصريحه بِالتَّحْدِيثِ. (الطَّرِيق الثَّانِي) : من طَرِيق يَحْيَى بن سعيد عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «من أدْرك (من) الْجُمُعَة (رَكْعَة) فقد أدْركهَا (وليضف) إِلَيْهَا أُخْرَى» (وَفِي لفظ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى» .) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث يعِيش بن الجهم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 ثَنَا عبد الله بن نمير، عَن يَحْيَى بِاللَّفْظِ الْأَخير. وَمن حَدِيث عِيسَى بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم، عَن يَحْيَى بِاللَّفْظِ الأول. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان (الدباس) ، عَن عبد الْعَزِيز (بِهِ) بِلَفْظ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة فقد أدْرك» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن يَحْيَى إِلَّا عبد الْعَزِيز تفرد بِهِ إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» الِاخْتِلَاف فِيهِ، ثمَّ قَالَ: (و) الصَّوَاب وَقفه عَلَى ابْن عمر. (الطَّرِيق الثَّالِث) : عَن إِبْرَاهِيم بن عَطِيَّة الثَّقَفِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه رَفعه: «من أدْرك من الْجُمُعَة (رَكْعَة) فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» فِي تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم هَذَا، (ثمَّ) قَالَ فِي حَقه: مُنكر (الحَدِيث) (جدًّا) وَكَانَ هشيم يُدَلس عَنهُ أَخْبَارًا لَا أصل لَهَا وَهُوَ حَدِيث خطأ. قلت: وَمن الْأَحَادِيث الَّتِي يَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لَهَا (مَا رَوَاهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 ابْن عدي من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة، وَمن أدْرك (الإِمَام) قبل أَن يسلم فقد (أدْرك فضل) الْجَمَاعَة» . أعلِه عبد الْحق بِكَثِير (بن) (شنظير) وَلم يصب؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ (فِي حد من) يتْرك (حَدِيثه) وَقد وثق، وَالصَّوَاب تَعْلِيله بِأَبَان بن طَارق فَإِنَّهُ مَجْهُول؛ (قَالَه أَبُو زرْعَة) وبصالح بن رُزَيْق فَإِنَّهُ لَا يعرف. وَعَلَى ذَلِك جَرَى ابْن الْقطَّان. الحَدِيث (الحادى بعد الْخمسين) حَدِيث أبي بكرَة: «أَنه دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَاكِع فَرَكَعَ ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 دخل الصَّفّ، وَأخْبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بذلك وَوَقعت (ركعته) معتدًّا بهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث (السَّابِع) وَالثَّلَاثِينَ فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث (الثَّانِي) بعد الْخمسين عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أدْرك (الإِمَام) فِي الرُّكُوع فليركع مَعَه وليعد الرَّكْعَة» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ من هَذَا الْوَجْه لَا فِي الْكتب (الْمُعْتَبرَة) وَلَا (فِي) غَيرهَا، و (بَلغنِي) أَن (الْحَافِظ) جمال الدَّين الْمزي وَغَيره سئلوا عَنهُ فَلم يعرفوه، ورأيته فِي «طَبَقَات الْفُقَهَاء» (لأبي) الْحسن الْعَبَّادِيّ - (أحد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 أَصْحَابنَا أَصْحَاب الْوُجُوه - من قَول أبي هُرَيْرَة، (فَإِنَّهُ قَالَ) : قَالَ (ابْن خُزَيْمَة) فِي رجل (دخل) أدْرك الإِمَام رَاكِعا أَنه يتبعهُ (وَيُعِيد) الرَّكْعَة. قَالَ: وَرَوَى فِيهِ خَبرا مُسْندًا وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة، والرافعي حَكَاهُ (عَن) أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ أَنه حَكَى عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: لَا تدْرك الرَّكْعَة بِإِدْرَاك الرُّكُوع وَيجب تداركها. ثمَّ قَالَ: وَاحْتج بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة ... فَذكره. (وَرَأَيْت فِي كتاب «الْقِرَاءَة خلف الإِمَام» للْبُخَارِيّ فِي آخِره: نَا معقل بن مَالك، نَا أَبُو عوَانَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة: «إِذا أدْركْت الْقَوْم رُكُوعًا لم يعْتد بِتِلْكَ الرَّكْعَة» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ قَالَ: « (جَاءَ) رجل [و] النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَاجِدا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: عَلَى أَي حَال وجدتنا؟ قَالَ: وجدتكم (قيَاما) أَو ركعا. (فَقَالَ) : مَتى وجدتني قَائِما أَو قَاعِدا أَو رَاكِعا فلتكن معي عَلَى تِلْكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 (الْحَال) ، وَلَا تَعْتَد بِالسُّجُود حَتَّى تدْرك الرَّكْعَة» . فَقَالَ: هَذَا حَدِيث يرويهِ عبد الْعَزِيز بن رفيع وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو بن جبلة، عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، (عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ، وَخَالفهُ الثَّوْريّ وَزُهَيْر وَجَرِير وَشريك (فَرَوَوه) عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع) قَالَ: حَدثنِي شيخ من الْأَنْصَار، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح. وَقيل للدارقطني: هَل يَصح سَماع عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى من معَاذ؟ قَالَ: فِيهِ نظر؛ لِأَن معَاذًا قديم الْوَفَاة مَاتَ فِي طاعون عمواس، وَله نَيف (وَثَلَاثُونَ) سنة. الحَدِيث (الثَّالِث) بعد الْخمسين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أَتَى أحدكُم الصَّلَاة وَالْإِمَام عَلَى حَال فليصنع كَمَا يصنع الإِمَام» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة الْحجَّاج، عَن أبي إِسْحَاق، عَن هُبَيْرَة - هُوَ ابْن يريم - عَن عَلّي. وَعَن (عَمْرو) بن مرّة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ بن جبل (قَالَا) : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: « (إِذا) أَتَى ... » الحَدِيث (مثله) سَوَاء. وَهَذَا (إِسْنَاد) ضَعِيف ومنقطع؛ لِأَن الْحجَّاج - هُوَ ابْن أَرْطَاة وَهُوَ ضَعِيف - يُدَلس عَن الضُّعَفَاء، وَعبد الرَّحْمَن لم يسمع من معَاذ كَمَا ذَكرْنَاهُ قبل هَذَا آنِفا، وَسلف فِي أثْنَاء بَاب الْأَذَان أَيْضا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعلم أحدا أسْندهُ (إِلَّا مَا رُوِيَ من هَذَا الْوَجْه، وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أهل الْعلم) (قَالُوا) : إِذا جَاءَ (الرجل) وَالْإِمَام ساجد فليسجد وَلَا (تُجزئه) تِلْكَ الرَّكْعَة إِذا فَاتَهُ الرُّكُوع مَعَ الإِمَام. وَاخْتَارَ عبد الله بن الْمُبَارك أَن يسْجد مَعَ الإِمَام، وَذكر عَن بَعضهم فَقَالَ: لَعَلَّه أَن لَا يرفع رَأسه من تِلْكَ السَّجْدَة حَتَّى يغْفر لَهُ. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : حَدِيث عَلّي ضَعِيف، وَإسْنَاد حَدِيث معَاذ مُنْقَطع. وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة مِنْهُمَا، وَقد بيناها كَمَا أسلفناه لَك. وَفِي «مُسْند الإِمَام أَحْمد» من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ قَالَ: «أحيلت (الصَّلَاة) ثَلَاثَة أَحْوَال ... » فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «وَكَانُوا يأْتونَ الصَّلَاة وَقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 سبقهمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِبَعْضِهَا (فَكَانَ) الرجل يُشِير إِلَى الرجل إِذا (جَاءَ: كم) صَلَّى؟ فَيَقُول وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فيصليهما، ثمَّ يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي صلَاتهم. قَالَ: فجَاء معَاذ فَقَالَ: لَا أَجِدهُ عَلَى حَال أبدا إِلَّا كنت عَلَيْهَا، ثمَّ قضيت مَا سبقني. قَالَ: فجَاء وَقد سبقه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِبَعْضِهَا. قَالَ: (فَثَبت) مَعَه فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (صلَاته قَامَ فَقَضَى، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : قد سنّ لكم معَاذ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى قَالَ: « (أحيلت) الصَّلَاة ... » فَذكره. ثمَّ من حَدِيثه عَن معَاذ ... فَذكره أَيْضا. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب (بِفضل الله وَمِنْه) . وَأما آثاره فستة: أَولهَا: أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها « (أمَّت) نسَاء فَقَامَتْ وسطهن» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد، عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن (ابْن) أبي حَازِم (ميسرَة) ، عَن رائطة الْحَنَفِيَّة «أَن عَائِشَة أَمَّتْ نسْوَة فِي الْمَكْتُوبَة فأمتهن بَينهُنَّ وسطا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذَا الْوَجْه وَمن حَدِيث عبد الله بن إِدْرِيس، عَن لَيْث، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا كَانَت تؤذن وتقيم وتؤم النِّسَاء وَتقوم (وسطهن) . وَذكره فِي «الْمعرفَة» عَن الشَّافِعِي فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وَرَوَى لَيْث بن أبي سليم، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا صلت بنسوة الْعَصْر فَقَامَتْ وسطهن» . وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم من حَدِيث زِيَاد بن لَاحق، عَن [تَمِيمَة] (بنت) سَلمَة، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا أمت النِّسَاء فَقَامَتْ وسطهن وجهرت بِالْقِرَاءَةِ» . الْأَثر الثَّانِي: «أَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أمت نسَاء فَقَامَتْ وسطهن» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن عمار (الدهني) ، عَن امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا: [حجيرة] ، عَن أم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 سَلمَة « (أَنَّهَا) أمتهن فَقَامَتْ (وسطا)) . وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم من هَذَا الْوَجْه (وَقَالَ) حجيرة (بنت) حُصَيْن قَالَت: «أمتنَا (أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ) (فِي صَلَاة الْعَصْر فَقَامَتْ بَيْننَا» وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث قَتَادَة عَن أم (الْحسن بن أبي الْحسن) أَن أم سَلمَة كَانَت تؤمهن فِي رَمَضَان وَتقوم مَعَهُنَّ فِي الصَّفّ» . قَالَ الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَرَوَى صَفْوَان بن سليم قَالَ: «من السّنة أَن تصلي الْمَرْأَة بِالنسَاء تقوم (وسطهن) وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (دَاوُد يَعْنِي) ابْن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «تؤم الْمَرْأَة النِّسَاء تقوم وسطهن» . قَالَ: «و (قد) روينَا فِيهِ حَدِيثا مُسْندًا (فِي) بَاب الْأَذَان وَفِيه ضعف» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 وَقد أسلفنا هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ أَيْضا، وَأطلق ابْن الصّلاح فِي «مشكله» أَنه بَاطِل لَا أصل لَهُ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» . الْأَثر الثَّالِث: «أَن عَائِشَة كَانَ يؤمها عبد لَهَا لم يعْتق يكنى أَبَا عَمرو» . وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا بِغَيْر إِسْنَاد؛ فَقَالَ: «وَكَانَت عَائِشَة يؤمها عَبدهَا ذكْوَان من الْمُصحف» . وَأسْندَ هَذَا التَّعْلِيق أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع حَدثنَا هِشَام بن (عُرْوَة) عَن أبي بكر بن أبي مليكَة: «أَن عَائِشَة أعتقت غُلَاما لَهَا عَن دبر فَكَانَ يؤمها فِي رَمَضَان فِي الْمُصحف» . وَأسْندَ الشَّافِعِي عَن عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عبد الله بن (عبيد الله) بن أبي مليكَة: «أَنهم كَانُوا يأْتونَ عَائِشَة بِأَعْلَى الْوَادي هُوَ وَعبيد بن عُمَيْر والمسور بن مخرمَة وناس كثير، فيؤمهم أَبُو عَمْرو مولَى عَائِشَة، وَأَبُو عَمْرو غلامها حِينَئِذٍ لم يعْتق، وَكَانَ إِمَام بني مُحَمَّد بن أبي بكر وَعُرْوَة» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث (عُرْوَة) عَن عَائِشَة «أَنَّهَا دبرت ذكْوَان فَكَانَ يؤمها فِي رَمَضَان فِي الْمُصحف» فَقَالَ يرويهِ هِشَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 بن عُرْوَة وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ زفر بن الْهُذيْل وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ. الْأَثر الرَّابِع: «أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يُصَلِّي خلف الْحجَّاج بن يُوسُف) الثَّقَفِيّ» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» . الْأَثر الْخَامِس: «أَن أَبَا هُرَيْرَة صَلَّى عَلَى ظهر الْمَسْجِد (بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد)) . وَهَذَا الْأَثر ذكره (البُخَارِيّ) فِي «صَحِيحه» بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: «وَصَلى أَبُو هُرَيْرَة عَلَى (ظهر) الْمَسْجِد بِصَلَاة الإِمَام» . وأسنده الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي صَالح مولَى التوءمة «أَنه رَأَى أَبَا هُرَيْرَة يُصَلِّي فَوق ظهر الْمَسْجِد بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد» وَفِي رِوَايَة (لَهُ) (فَصَلى) فَوق ظهر الْمَسْجِد وَحده بِصَلَاة الإِمَام» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (القعْنبِي) ، نَا ابْن أبي (ذِئْب) ، عَن صَالح مولَى التوءمة قَالَ: «كنت أُصَلِّي أَنا وَأَبُو هُرَيْرَة فَوق ظهر الْمَسْجِد نصلي (بِصَلَاة الإِمَام الْمَكْتُوبَة)) . وَابْن أبي ذِئْب رَوَى عَن صَالح بعد الِاخْتِلَاط كَمَا سلف فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد الْخمسين من بَاب الْوضُوء. الْأَثر السَّادِس: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يدْخل فَيرَى أَبَا بكر فِي الصَّلَاة فيقتدي بِهِ، وَكَانَ أَبُو بكر (يَفْعَله)) . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، والرافعي اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَحْمد فِي اشْتِرَاطه (نِيَّة) الْإِمَامَة، وَلَو اسْتدلَّ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام خلف أبي بكر فِي مرض مَوته بعد إِحْرَام أبي بكر لَكَانَ مُوَافقا لما أوردهُ، لَكِن فِيهِ النّظر الَّذِي أسلفناه فِي حَدِيث أنس السالف فِي الْبَاب، فَإِن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى ذَلِك. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَيْضا عَن عَطاء بن أبي رَبَاح «أَنه كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء خلف من يُصَلِّي التَّرَاوِيح» وَلَا يلْزَمنِي تَخْرِيجه وَإِن تبرعت بذلك. قلت: خرجه الشَّافِعِي عَن شَيْخه مُسلم (بن) خَالِد، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 ابْن جريج عَنهُ «أَنه (كَانَ) تفوته الْعَتَمَة فَيَأْتِي وَالنَّاس قيام فَيصَلي مَعَه رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ (يَبْنِي) (عَلَيْهَا) رَكْعَتَيْنِ وَأَنه (رَآهُ) فعل ذَلِك ويعتد بِهِ من الْعَتَمَة» . وَمُسلم هَذَا مُخْتَلف فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 كتاب صَلَاة الْمُسَافِرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 كتاب [1] صَلَاة (الْمُسَافِرين) ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث (فستة) : الحَدِيث الأول عَن يعْلى بن أُميَّة، قَالَ: «قلت لعمر بن الْخطاب: إِنَّمَا قَالَ الله - تَعَالَى -: (إِن خِفْتُمْ) وَقد أَمن النَّاس. فَقَالَ: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ، فَسَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ (فِي أَوله) : «قلت لعمر بن الْخطاب: (لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة (إِن خِفْتُمْ) أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا) وَقد أَمن النَّاس ... » وَالْبَاقِي (مثله) ، وَقد سلف فِي بَاب الْوضُوء (مثله) أَيْضا، وَهُوَ الحَدِيث الرَّابِع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 الحَدِيث الثَّانِي عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (أَنَّهَا) قَالَت: «سَافَرت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا رجعت قَالَ: مَا صنعت فِي سفرك؟ قلت: أتممت الَّذِي قصرت وَصمت الَّذِي (أفطرت) . قَالَ: أَحْسَنت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي نعيم، عَن الْعَلَاء بن زُهَيْر، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا اعْتَمَرت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا قدمت مَكَّة قَالَت: يَا رَسُول الله، بِأبي أَنْت وَأمي، قصرتَ وأتممتُ، وأفطرتَ وصمتُ. قَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة. وَمَا عَابَ عليّ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، عَن الْعَلَاء - الْمَذْكُور - عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «خرجت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي عمْرَة فِي رَمَضَان فَأفْطر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَصمت، وَقصر وَأَتْمَمْت، فَقلت: يَا رَسُول الله، بِأبي وَأمي، أفطرتَ وصمتُ وقَصرتَ وأتممتُ. فَقَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الْقَاسِم بن الحكم، عَن الْعَلَاء، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عَائِشَة - بِإِسْقَاط الْأسود كَمَا أخرجه النَّسَائِيّ - وَلَفظه: «اعْتَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا مَعَه فقصرَ وأتممتُ الصَّلَاة، وأفطرَ وصمتُ، فَلَمَّا دَنَوْت إِلَى مَكَّة (قلت:) بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله، قصرتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 وأتممتُ وأفطرتَ وصمتُ. قَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة (وَمَا عَابَ) عليّ» ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الأول مُتَّصِل وَهُوَ إِسْنَاد حسن. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن قد أدْرك عَائِشَة وَدخل عَلَيْهَا وَهُوَ مراهق. وَقَالَ فِي «علله» (كهذه) الْمقَالة، وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن عبد الرَّحْمَن أَنه دخل عَلَى عَائِشَة بالاستئذان بعد احتلامه. وَذكر صَاحب «الْكَمَال» أَنه سمع مِنْهَا، وَخَالف أَبُو حَاتِم فَقَالَ فِي «مراسيله» : أَدخل عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِير وَلم يسمع مِنْهَا. وَلما سَاقه الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» من حَدِيث أبي نعيم، عَن الْعَلَاء كَمَا سَاقه النَّسَائِيّ قَالَ: كَذَا رَوَاهُ الْقَاسِم بن الحكم عَن الْعَلَاء، وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح مَوْصُول؛ فَإِن عبد الرَّحْمَن أدْرك عَائِشَة. وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الْعَلَاء، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. قلت: وَقَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: من قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. فقد أَخطَأ. قلت: وَأما (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فَإِنَّهُ طعن فِيهِ، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا خير فِيهِ. ثمَّ ادَّعَى أَن الْعَلَاء تفرد (بِهِ) وَأَنه مَجْهُول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 (وَهَذَا من أعاجيبه) فالعلاء هَذَا مَعْلُوم الْعين وَالْحَال، أما عينه فروَى عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود ووبرة بن عبد الرَّحْمَن، وَرَوَى عَنهُ وَكِيع وَالْفِرْيَابِي و (أَبُو) نعيم وَغَيرهم، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين (وَغَيره) وَأخرج لَهُ النَّسَائِيّ، فَزَالَتْ إِذن عَنهُ جَهَالَة الْعين وَالْحَال. لَا جرم اعْترض (عَلَيْهِ) ابْن عبد الْحق فَقَالَ فِيمَا (رده) (عَلَى) الْمُحَلَّى: (هَذَا) حَدِيث صَحِيح بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة، رِجَاله كلهم ثِقَات، وَسَمَاع كل وَاحِد مِمَّن رَوَى عَنهُ مَذْكُور. قَالَ: وَقَول ابْن حزم «أَنه لَا خير فِيهِ» (جهل مِنْهُ) بالآثار. (قَالَ) : ودعواه جَهَالَة (الْعَلَاء) غلط، بل هُوَ ثِقَة مَشْهُور رَوَى عَنهُ الْأَعْلَام، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين. قلت: لَكِن فِي مَتنه نَكَارَة، وَهُوَ كَون عَائِشَة خرجت مَعَه فِي عمْرَة رَمَضَان؛ (فَالْمَشْهُور) أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يعْتَمر إِلَّا أَربع عُمر لَيْسَ مِنْهُنَّ شَيْء فِي رَمَضَان؛ بل كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حجَّته فَكَانَ إحرامها فِي ذِي الْقعدَة وفعلها فِي ذِي الْحجَّة، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 «الصَّحِيحَيْنِ» وَغَيرهمَا، وتمحل بعض شُيُوخنَا الْحفاظ فِي الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال فَقَالَ: لَعَلَّ عَائِشَة (مِمَّن) خرج مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سَفَره عَام الْفَتْح، (وَكَانَ) سَفَره ذَلِك فِي رَمَضَان وَلم يرجع من سَفَره ذَلِك حَتَّى اعْتَمر (عُمرة) الْجِعِرَّانَة، فَأَشَارَتْ بِالْقصرِ والإتمام، وَالْفطر وَالصِّيَام، وَالْعمْرَة إِلَى مَا كَانَ فِي تِلْكَ السفرة. قَالَ شَيخنَا: وَقد رُوي (من) حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر فِي رَمَضَان» ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك عياضًا القَاضِي أجَاب بِهَذَا الْجَواب فَقَالَ: لَعَلَّ هَذِه هِيَ الَّتِي عَملهَا فِي شَوَّال وَكَانَ ابْتِدَاء خُرُوجهَا فِي رَمَضَان. وَظَاهر إِيرَاد أبي حَاتِم بن حبَان أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر فِي رَمَضَان، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «صَحِيحه» : «اعْتَمر عَلَيْهِ السَّلَام أَربع عمر: الأولَى عمْرَة الْقَضَاء سنة الْقَابِل من عَام الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ ذَلِك فِي رَمَضَان، ثمَّ الثَّانِيَة حَيْثُ فتح مَكَّة وَكَانَ فتحهَا فِي رَمَضَان، ثمَّ خرج مِنْهَا قبل هوَازن وَكَانَ من أمره مَا كَانَ فَلَمَّا رَجَعَ وَبلغ الْجِعِرَّانَة قسم الْغَنَائِم (بهَا) وَاعْتمر مِنْهَا إِلَى مَكَّة وَذَلِكَ فِي شَوَّال، وَاعْتمر الرَّابِعَة فِي حجَّته وَذَلِكَ فِي ذِي الْحجَّة سنة عشر من الْهِجْرَة» . هَذَا لَفظه، وَاعْترض (عَلَيْهِ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 الْوَاحِد الْمَقْدِسِي فِي كَلَام لَهُ) عَلَى هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: وهم فِي هَذَا فِي غير (مَوضِع) . ثمَّ رد عَلَيْهِ بِحَدِيث أنس وَابْن عَبَّاس الآتيين فِي (بَاب) الْمَوَاقِيت فِي كتَابنَا هَذَا إِن شَاءَ الله، وَرَوَى (أَبُو بكر عبد الله) بن دَاوُد، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر (عمرتين) أَو ثَلَاثًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَمَضَان» . وَبَلغنِي عَن بعض الأكابر مِمَّن (عاصرت) أَنه أنكر هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر وَقَالَ: كَيفَ تُتم (هِيَ) مَعَ مشاهدتها (قصر) الشَّارِع وَالصَّحَابَة، وَهِي تَقول: «فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ وَزيد فِي (صَلَاة) الْحَضَر وأقرت صَلَاة السّفر» وَإِنَّمَا صَحَّ إِتْمَامهَا بعده عَلَيْهِ السَّلَام متأولة مَا تَأَوَّلَه عُثْمَان، وَهَذَا إِنْكَار عَجِيب، وَكَيف يرد الحَدِيث بِفعل أحد (الجائزين) . وَمَعْنى «أقرَّت صَلَاة السّفر» فِي جَوَاز الِاقْتِصَار عَلَيْهَا بِخِلَاف صَلَاة الْحَضَر فَإِن الزِّيَادَة فِيهَا (متحتمة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 الحَدِيث الثَّالِث «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن مَعَه من الْمُهَاجِرين لما حجُّوا قصروا بِمَكَّة وَكَانَ لَهُم بهَا أهل وعشيرة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث يَحْيَى بن (أبي) إِسْحَاق، عَن أنس قَالَ: «خرجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجعْنَا إِلَى (الْمَدِينَة) . قلت: كم أَقَامَ بِمَكَّة؟ قَالَ: عشرا» . وَلمُسلم: «خرجنَا من الْمَدِينَة (إِلَى) الْحَج ... » ثمَّ ذكر مثله. قَالَ أَحْمد: إِنَّمَا وَجه هَذَا الحَدِيث أَنه حسب مقَام النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَكَّة وَمنى، وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهُ غير هَذَا - (أَي فِي حجَّة الْوَدَاع) - وَاحْتج بِحَدِيث جَابر الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم مَكَّة (صَبِيحَة) رَابِعَة من ذِي الْحجَّة فَأَقَامَ بهَا الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وَصَلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 الصُّبْح فِي الْيَوْم الثَّامِن، ثمَّ خرج إِلَى منى وَخرج (من) مَكَّة مُتَوَجها إِلَى الْمَدِينَة بعد أَيَّام التَّشْرِيق» هَذَا مَعْنَاهُ وَالله أعلم. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَكَّة عَام حجَّة الْوَدَاع يَوْم الْأَحَد، وَخرج يَوْم الْخَمِيس إِلَى منى كل ذَلِك يقصر» . وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن الوقفة - شرفها الله - كَانَت يَوْم (الْجُمُعَة) ، وَكَانَ دُخُوله يَوْم الْأَحَد وَخُرُوجه يَوْم الْخَمِيس وَقصر تِلْكَ الْمدَّة، وَلم يحْسب يَوْم الدُّخُول وَلَا (يَوْم) الْخُرُوج (إِلَى منى) . الحَدِيث الرَّابِع أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (يُقيم) المُهَاجر بعد قَضَاء نُسكه ثَلَاثًا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور إِحْدَى رِوَايَات مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «ثَلَاث للمهاجرين بعد الصَّدْر» . قلت: وَكَانَت الْإِقَامَة بِمَكَّة (حَرَامًا) عَلَى الْمُهَاجِرين، ثمَّ رخص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 لَهُم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي هَذَا الْقدر (فَدلَّ) عَلَى أَن إِقَامَة الثَّلَاث لَيست إِقَامَة مُؤثرَة. الحَدِيث الْخَامِس «ثَبت أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَقَامَ عَام الْفَتْح عَلَى حَرْب هوَازن أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام يقصر» فَروِيَ عَنهُ «أَنه أَقَامَ سَبْعَة عشر» . رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَرُوِيَ (عَنهُ) «أَنه أَقَامَ تِسْعَة عشر» وَرُوِيَ «أَنه (أَقَامَ) ثَمَانِيَة عشر» رَوَاهُ عمرَان بن (حُصَيْن) ، وَرُوِيَ «عشْرين» . قَالَ فِي (التَّهْذِيب) : و (اعْتمد) الشَّافِعِي رِوَايَة عمرَان لسلامتها من الِاخْتِلَاف. أما رِوَايَة «سَبْعَة عشر» بِتَقْدِيم السِّين، فرواها أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ بعد هَذَا، و (نَقَلْنَاهُ نَحن) إِلَى هُنَا، وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَقَامَ بِمَكَّة سَبْعَة (عشر) يقصر الصَّلَاة. قَالَ ابْن عَبَّاس: (و) من أَقَامَ سَبْعَة عشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 قصر، وَمن أَقَامَ أَكثر أتم» . وَإِسْنَاده عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَقد أودعهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» . (وَأما رِوَايَة «تِسْعَة (عشر) » - بِتَقْدِيم التَّاء عَلَى السِّين - فرواها البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه) من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَقَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تِسْعَة عشر يَوْمًا يقصر، فَنحْن إِذا سافرنا تِسْعَة عشر قَصرنَا وَإِن زِدْنَا أتممنا» وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «لما فتح النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَكَّة أَقَامَ (فِيهَا تسع عشرَة) يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» . وَأما رِوَايَة «ثَمَانِيَة عشر» فرواها أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن أبي نَضرة، عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: «غزوت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَشهِدت مَعَه الْفَتْح فَأَقَامَ بِمَكَّة ثَمَانِي (عشرَة) لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُول: يَا أهل الْبَلَد صلوا أَرْبعا فَإنَّا سَفْر» وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 وَعلي هَذَا تكلم فِيهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَقد (عرفت) حَاله فِي الْبَاب قبله (وَقَالَ غَيره: إِنَّه حَدِيث لَا تقوم بِهِ حجَّة لِكَثْرَة اضطرابه) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه بِنَحْوِ مِنْهُ من هَذَا الطَّرِيق: إِنَّه حسن. وَأما رِوَايَة «عشْرين» فتبع فِي إيرادها الإِمَام، وَلم أرها بعد الْبَحْث عَنْهَا من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة إِلَى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، فَعَثَرَتْ عَلَيْهَا فِي «مُسْند عبد بن حميد» (وَللَّه الْحَمد) . قَالَ عبد فِي «مُسْنده» : أبنا عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن الْمُبَارك، عَن عَاصِم، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما افْتتح مَكَّة أَقَامَ عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة» . وَجَاء فِي أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه و (الْبَيْهَقِيّ) «أَنه أَقَامَ خَمْسَة عشر» لَكِنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى عنعنة ابْن إِسْحَاق وَفِي بعض طرقها إرْسَال، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ جماعات، عَن ابْن إِسْحَاق وَلم يذكرُوا فِيهِ ابْن عَبَّاس. قلت: وأخرجها النَّسَائِيّ من طَرِيق (صَحِيحَة) مَوْصُولَة وَلَيْسَ فِيهَا ابْن إِسْحَاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 تَنْبِيهَات: أَحدهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور (كَانَ) فِي إِقَامَته عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة لِحَرْب هوَازن عَام الْفَتْح، وَالَّذِي سبق فِي حَدِيث أنس «عشرَة أَيَّام» كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع. ثَانِيهَا: قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد (ذكر) اخْتِلَاف الرِّوَايَات عَن ابْن عَبَّاس: أَصَحهَا عِنْدِي رِوَايَة «تسع عشرَة» وَهِي الرِّوَايَة الَّتِي أودعها البُخَارِيّ (فِي) (جَامعه) ، (فأحد) من رَوَاهَا - وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ فِي علمي - عبد الله بن الْمُبَارك، وَهُوَ أحفظ من رَوَاهُ عَن عَاصِم الْأَحول. قَالَ: (وَيُمكن) الْجمع بَين رِوَايَة «ثَمَانِي عشرَة» و «تسع عشرَة» و «سبع عشرَة» بِأَن من رَوَى «تسع عشرَة» عَدَّ يَوْم الدُّخُول و (يَوْم) الْخُرُوج، وَمن رَوَى «سبع عشرَة» لم يعدهما، وَمن رَوَى « (ثَمَان) عشرَة» عد أَحدهمَا. الثَّالِث: من الْعجب أَن الْفَتْوَى عندنَا عَلَى رِوَايَة « (ثَمَان) عشرَة» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 مَعَ مَا فِيهَا من التَّعْلِيل، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن تكون الْفَتْوَى بِرِوَايَة تسع عشرَة. قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» : وَإِنَّمَا اعْتمد الشَّافِعِي عَلَى رِوَايَة « (ثَمَان) عشرَة» لسلامتها من الِاخْتِلَاف. وَنقل هَذَا فِي الْكتاب عَن صَاحب «التَّهْذِيب» . الرَّابِع: (اسْتدلَّ) الرَّافِعِيّ بِرِوَايَة «عشْرين» عَلَى القَوْل الثَّانِي أَنه يقصر أبدا وَلَيْسَ الدَّلِيل مطابقًا للدعوى، وَيُمكن أَن يجمع بَين هَذِه الرِّوَايَة وَرِوَايَة (ثَمَانِيَة عشر) (بِأَن) عد يَوْم الدُّخُول و (يَوْم) الْخُرُوج، وَقد ذكره كَذَلِك الإِمَام فِي «النِّهَايَة» . الْخَامِس: وَقع فِي «نِهَايَة» إِمَام الْحَرَمَيْنِ (نِسْبَة رِوَايَة) «سَبْعَة عشر» إِلَى عمرَان بن الْحصين وَرِوَايَة «ثَمَانِيَة عشر» إِلَى ابْن عَبَّاس، وَصَوَابه الْعَكْس كَمَا ذكرته (لَك) . السَّادِس: المُرَاد بإقامته - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - لِحَرْب هوَازن: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما فتح مَكَّة جمعت هوَازن قبائل الْعَرَب وأرادت الْمسير إِلَى قِتَاله، فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام مُقيما يتخوف من ذَلِك وينتظرهم (ليقاتلهم) وَهُوَ يقصر الصَّلَاة فَأَقَامَ الْمدَّة الَّتِي ذكرنَا، وَمِمَّنْ نَص عَلَى ذَلِك من الْفُقَهَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 صَاحب «الْبَيَان» (وَكَذَلِكَ) قَالَ الإِمَام فِي «نهايته» : أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما فتح مَكَّة أَخذ يُرِيد الْمسير إِلَى هوَازن فَكَانَت إِقَامَته عَلَى تَدْبِير الْحَرْب. الحَدِيث السَّادِس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَقَامَ بتبوك عشْرين يَوْمًا (يقصر الصَّلَاة) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَنهُ عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن يَحْيَى - هُوَ ابْن أبي كثير - عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن جَابر قَالَ: «أَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بتبوك عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة» . قَالَ أَبُو دَاوُد: غير معمر لَا يسْندهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد معمر بروايته مُسْندًا وَرَوَاهُ عَلّي بن الْمُبَارك وَغَيره عَن يَحْيَى، عَن (ابْن) ثَوْبَان، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مُرْسلا) وَرُوِيَ عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أنس وَقَالَ: «بضع عشرَة» وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا. وَأما أَبُو حَاتِم بن حبَان فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» من طَرِيقه، وَمعمر إِمَام مجمع عَلَى جلالته فَلَا يضر تفرده بِهِ. وَقَالَ (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ثِقَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 وَبَاقِي (رُوَاة) الْخَبَر أشهر من أَن يسْأَل عَنْهُم. قلت: وَمُحَمّد قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: هُوَ من التَّابِعين لَا يسْأَل عَن (مثله) . وَهُوَ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» . وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلَا يقْدَح فِيهِ تفرد معمر؛ فَإِنَّهُ ثِقَة حَافظ (فزيادته) مَقْبُولَة. وَكَذَا قَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : رِوَايَة الْمسند تفرد بهَا معمر بن رَاشد وَهُوَ إِمَام مجمع عَلَى جلالته، وَبَاقِي الْإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، فَالْحَدِيث إِذن صَحِيح؛ لِأَن الصَّحِيح أَنه إِذا تعَارض فِي الحَدِيث إرْسَال وَإسْنَاد حُكِمَ (بالمسند) . قلت: وَرُوِيَ من طَرِيق عَن جَابر بِلَفْظ «بضع عشرَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي إِسْحَاق - يَعْنِي الْفَزارِيّ - عَن [أبي] أنيسَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: «غزوت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَزْوَة تَبُوك فَأَقَامَ بهَا بضع عشرَة فَلم يزدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ» . وَرِوَايَة يَحْيَى عَن أنس الَّتِي أسلفناها عَن الْبَيْهَقِيّ ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» إِذْ فِيهَا: أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أنس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 «أَقَامَ (عَلَيْهِ السَّلَام) بتبوك عشْرين يَوْمًا يُصَلِّي صَلَاة الْمُسَافِر» فَقَالَ: يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ (عَمْرو) بن عُثْمَان (الْكلابِي) ، عَن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ مَرْفُوعا. وَالصَّحِيح: عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى «أَن أنسا كَانَ يفعل ذَلِك» غير مَرْفُوع. فَائِدَة: تَبُوك - بِفَتْح التَّاء - بَلْدَة مَعْرُوفَة (بطرق الشَّام) بَينهَا وَبَين دمشق إِحْدَى عشرَة مرحلة وَكَانَت فِي (سنة) تسع من الْهِجْرَة، وَهِي من (آخر) غَزَوَاته بِنَفسِهِ (وَأقَام) عَلَيْهِ السَّلَام بهَا بضعَة عشر يَوْمًا، وَالْمَشْهُور ترك صرف تَبُوك للتأنيث والعلمية، وَوَقع فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» فِي حَدِيث كَعْب فِي (أَوَاخِر) «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن كَعْب، وَلم (يدْرك) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى بلغ تَبُوكا - كَذَا هُوَ بِالْألف فِي جَمِيع النّسخ - تَغْلِيبًا للموضع، وَبَين تَبُوك ومدينة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَربع عشرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 مرحلة، قَالَه كُله النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» . وَقَالَ ابْن (معن) فِي «تنقيبه» : بَينهَا ثَلَاث عشرَة مرحلة. قَالَ: و (هُوَ) مَوضِع بَين وَادي (الْقرى) وَالشَّام. قَالَ: وَقيل: تَبُوك اسْم لبركة لبني سعد بن عزْرَة سميت تَبُوكا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لما بلغه أَن هِرقل جمع جموعًا ورزق أَصْحَابه لعام، وَخرج مَعَه جذام ولخم وغسان وَوصل أوائلهم إِلَى البلقاء خرج عَلَيْهِ السَّلَام (وَسَار) حَتَّى وصل إِلَى هَذَا الْمَكَان (فَرَأَى) أَصْحَابه يحفرون الْبركَة فَقَالَ (لَهُم) : (تبوكونها) - أَي تحفرونها - ثمَّ غرز عنزته فِيهَا ثَلَاث دفعات (فَجَاشَتْ ثَلَاث عُيُون) وَهِي (إِلَى) الْآن كَذَلِك (فسميت تَبُوك) لقَوْله: (تبوكونها) ثمَّ أَقَامَ بهَا عشْرين لَيْلَة وَكَانَت فِي ثَلَاثِينَ ألفا من الْمُسلمين وَعشرَة آلَاف (فرس) ، وَكَانَ هِرقل بحمص فَبعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَالِد بن الْوَلِيد إِلَيْهِ (وَقَالَ) فِي كتاب «السّير» من هَذَا الْكتاب: قيل: إِن تَبُوك هِيَ مَدِينَة أَصْحَاب الأيكة الَّذين بعث إِلَيْهِم شُعَيْب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 قَالَ ابْن دحْيَة فِي «خَصَائِص أَعْضَاء سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» : وعدة من حضرها سَبْعُونَ ألفا فِيمَا رَوَى الثِّقَات. ثمَّ عزا رِوَايَة «ثَلَاثِينَ ألفا» إِلَى (رِوَايَة) (الْوَاقِدِيّ) فَقَالَ: وَذكر (الْوَاقِدِيّ) بِسَنَدِهِ إِلَى زيد بن ثَابت ثَلَاثُونَ ألفا و (الْوَاقِدِيّ) كَذَّاب (قَالَه) أَحْمد، وَزَاد النَّسَائِيّ وضَّاع. الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا فِي أقل من (أَرْبَعَة) برد من مَكَّة إِلَى عُسفان وَإِلَى الطَّائِف» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبد الْوَهَّاب (بن) مُجَاهِد بن جبر الْمَكِّيّ، عَن أَبِيه وَعَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا الصَّلَاة فِي أدنَى من أَرْبَعَة برد من مَكَّة إِلَى عُسفان» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 وَلَيْسَ فِي روايتهما ذكر «الطَّائِف» وَهَذَا الحَدِيث ضَعِيف لأوجه: أَحدهَا: أَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِيهِ مقَال، وَهُوَ عَن غير الشاميين لَيْسَ بشي عِنْد الْجُمْهُور. ثَانِيهَا: أَن عبد الْوَهَّاب أَجمعُوا عَلَى شدَّة ضعفه، وَنسبه، [الثَّوْريّ] إِلَى الْكَذِب، وَتَركه الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. ثَالِثهَا: أَن عبد الْوَهَّاب لم يسمع من أَبِيه، قَالَ وَكِيع: كَانُوا يَقُولُونَ: لم يسمع من أَبِيه شَيْئا. رَابِعهَا: أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيح، فَرَوَاهُ مَالك أَنه بلغه أَن (عبد الله بن عَبَّاس) كَانَ يَقُول: «تقصر الصَّلَاة فِي مثل مَا بَين مَكَّة (والطائف، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة) وَجدّة، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَعُسْفَان» . قَالَ مَالك: وَذَلِكَ أَرْبَعَة برد. وَقَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه سُئِلَ: أتقصر الصَّلَاة إِلَى عَرَفَة؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن إِلَى عسفان و (إِلَى) جدة وَإِلَى الطَّائِف» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 قلت: وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ رِوَايَة الرّفْع قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لَا يحْتَج بِهِ، وَعبد الْوَهَّاب ضَعِيف (بِمرَّة) وَالصَّحِيح أَن ذَلِك من قَول ابْن عَبَّاس. قلت: (وَفَاته) الْعلَّة الثَّالِثَة وَهِي الِانْقِطَاع، وَمن الْغَرِيب إِخْرَاج ابْن خُزَيْمَة هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا فِي «صَحِيحه» عَلَى مَا (حَكَاهُ) ابْن الرّفْعَة عَن القَاضِي أبي الطّيب، وَمن (أَوْهَام) «نِهَايَة» إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه ذكر فِي حَدِيث جَابر أَن ذَلِك كَانَ فِي (فتح) مَكَّة، وَالْمَعْرُوف (أَنه) إِنَّمَا هُوَ فِي غَزْوَة تَبُوك فَتنبه لَهُ. وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ إِيرَاد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق ابْن عمر، وَهُوَ من النساخ فاجتنبه. (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله وَمِنْه، وَأما) آثاره فخمسة: (الأول) : «أَن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - منع أهل الذِّمَّة من الْإِقَامَة فِي أَرض الْحجاز وَجوز للمجتازين (بهَا) الْإِقَامَة ثَلَاث أَيَّام» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ» بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 فَرَوَاهُ عَن (نَافِع) ، عَن أسلم مولَى عمر، عَن عمر «أَنه أجلى الْيَهُود من الْحجاز ثمَّ أذن (لمن) قدم مِنْهُم تَاجِرًا أَن يُقيم (ثَلَاثَة أَيَّام) » . قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا حَيْثُ حَدثنَا (بِهِ) عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر فَقَالَ: الصَّحِيح (مَا) فِي «الْمُوَطَّأ» . قلت: وَفِي البُخَارِيّ عَنهُ «أَنه أجلى الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لما ظهر عَلَى أَرض خَيْبَر أَرَادَ أَن يخرج الْيَهُود مِنْهَا، وَكَانَت الأَرْض لما ظهر عَلَيْهَا لله وَلِرَسُولِهِ وللمسلمين، فَسَأَلَ الْيَهُود رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتركهم عَلَى أَن يكفوا الْعَمَل وَلَهُم نصف التَّمْر، فَقَالَ (لَهُم) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (نقركم) عَلَى ذَلِك مَا شِئْنَا. (وأقروا) حَتَّى أجلاهم عمر إِلَى تيماء» . (الْأَثر) الثَّانِي: «أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما (أَقَامَ) بِأَذربِيجَان سِتَّة أشهر يقصر الصَّلَاة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ قَالَ: «ارتج (علينا) الثَّلج وَنحن بِأَذربِيجَان سِتَّة أشهر فِي غزَاة وَكُنَّا نصلي رَكْعَتَيْنِ» . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : (إِسْنَاده) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ أَن عمر هُوَ الْفَاعِل لذَلِك وَهُوَ من النساخ (فاحذره) . فَائِدَة: أذربيجان بِهَمْزَة مَفْتُوحَة غير ممدودة، ثمَّ ذال مُعْجمَة سَاكِنة، ثمَّ رَاء (مُهْملَة) مَفْتُوحَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت، (ثمَّ جِيم، ثمَّ ألف، ثمَّ نون هَذَا) هُوَ الْأَشْهر كَمَا قَالَه صَاحب «الْمطَالع» (وَالْأَكْثَر) فِي ضَبطهَا، وَعَلِيهِ اقْتصر الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» ، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كَذَلِك (تَقوله) الْعَرَب، وَكَذَا ذكره صَاحب « (تثقيف) اللِّسَان» وَلكنه كسر الْهمزَة. قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : وَمد الْأصيلِيّ والمهلب الْهمزَة مَعَ فتح الذَّال، وَفتح عبد الله بن سُلَيْمَان وَغَيره الْبَاء. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: الْأَشْهر فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 (مد) الْهمزَة مَعَ فتح الذَّال وَإِسْكَان الرَّاء. (قَالَ) : والأفصح الْقصر وَإِسْكَان الذَّال، وَهِي نَاحيَة تشْتَمل عَلَى بِلَاد (مَعْرُوفَة) . وَحَكَى فِيهِ ابْن مكي آذْربيجان قَالَ: وَالنِّسْبَة أذَري وأذْري عَلَى غير قِيَاس. وَنقل ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «مرج الْبَحْرين» عَن الْمُهلب أَنه قَيده فِي «شرح البُخَارِيّ» : آذْريبجان بِالْمدِّ وَسُكُون الذَّال وَكسر الرَّاء، بعْدهَا يَاء مثناة تَحت، بعْدهَا بَاء مَفْتُوحَة. (و) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: ألفها مَقْصُورَة وذالها سَاكِنة، كَذَلِك (قرأته) عَلَى أبي مَنْصُور (الجواليقى) (ويغلط) من يمده، وَفِي (المبتدئين) من يقدم الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت عَلَى الْمُوَحدَة وَهُوَ جهل. قلت: (فتحصلنا) عَلَى أوجه، ثمَّ نقل ابْن (دحْيَة) عَن النَّحْوِيين أَنه اسْم اجْتمعت فِيهِ خمس مَوَانِع من الصّرْف وَهِي العجمة والتعريف والتأنيث والتركيب وَالزِّيَادَة، (وَعَن ابْن الْأَعرَابِي أَربع وَحذف الْأَخِيرَة) قَالَ: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق (النجيرمي) : الْكَلَام الفصيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 (ذربيجان) ، (وَرَأَيْت بِخَط) ابْن خلكان فِي حَاشِيَة «مُشكل الْوَسِيط» لِابْنِ الصّلاح - عَلَى مَا قيل أَنه بِخَطِّهِ - عقب كَلَام ابْن الصّلاح السالف: نَحن (بهَا) وَلَا (نَعْرِف) مَا ذكره وَذَلِكَ (بلساننا) أذربايكان، وأذر هُوَ النَّار، وبايكان عبارَة عَن المقيمين عَلَيْهَا - أَي كَانُوا عابدين عَلَيْهَا فعرب. فَائِدَة: (و) قد جَاءَ عَن (غير) ابْن عمر (الْقصر) فِي أَكثر من ذَلِك. (رَوَى) الْبَيْهَقِيّ عَن أنس «أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَقَامُوا برامهرمز تِسْعَة أشهر (يقصرون) الصَّلَاة» إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم (فِيهِ) عِكْرِمَة بن عمار، وَفِيه أَيْضا عَن أنس «أَنه أَقَامَ بِالشَّام مَعَ عبد الْملك بن مَرْوَان شَهْرَيْن يُصَلِّي صَلَاة الْمُسَافِرين» . إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم (فِيهِ) عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى توثيقه. وَفِيه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَقَامَ بِخَيْبَر أَرْبَعِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ غير مُحْتَج بِهِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي: أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. (الْأَثر) الثَّالِث وَالرَّابِع: لما ذكر (الرَّافِعِيّ) حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف رادًّا عَلَى أبي حنيفَة فِي قَوْله: إِن السّفر الطَّوِيل (مسيرَة) ثَلَاثَة أَيَّام. ثمَّ قَالَ: فَهَذَا الحَدِيث يَقْتَضِي الترخيص فِي (هَذَا) الْقدر - يَعْنِي أَرْبَعَة برد وَهُوَ مرحلتان - ثمَّ قَالَ: (و) رُوِيَ مثل مَذْهَبنَا عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة. انْتَهَى. أما أثر ابْن عَبَّاس فقد أسلفناه لَك. وَأما أثر ابْن عمر فقد ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مَعَ أثر ابْن عَبَّاس فَقَالَ مَا نَصه: «وَسَمَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - السّفر يَوْمًا وَلَيْلَة وَكَانَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس يقصران فِي أَرْبَعَة (برد) وَهِي سِتَّة عشر فرسخًا» . وأسندهما الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حجاج، ثَنَا لَيْث، حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح «أَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس كَانَا يصليان رَكْعَتَيْنِ ويفطران فِي أَرْبَعَة برد فَمَا فَوق ذَلِك» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه «أَن عمر قصر الصَّلَاة إِلَى خَيْبَر» (وَمن) حَدِيث مَالك أَيْضا، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه قصر الصَّلَاة إِلَى خَيْبَر وَقَالَ: هَذِه ثَلَاث (فواصل) - يَعْنِي ليالٍ» . وَمن حَدِيثه أَيْضا عَن نَافِع، عَن سَالم «أَن أَبَاهُ ركب إِلَى ذَات النصب (فقصر) الصَّلَاة فِي مسيرَة ذَلِك. (قَالَ) مَالك: وَبَين ذَات النصب وَالْمَدينَة (أَرْبَعَة) برد» . وَمن حَدِيثه أَيْضا عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَنه ركب إِلَى ريم فقصر الصَّلَاة (فِي مسيرَة ذَلِك) قَالَ: وَذَلِكَ نَحْو (من) أَرْبَعَة برد» وَمن حَدِيثه أَيْضا عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم «أَن أَبَاهُ كَانَ يقصر (الصَّلَاة) فِي مسيرَة (الْيَوْم) التَّام» . وَمن حَدِيثه أَيْضا (أَنه) بلغه أَن عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 بن عَبَّاس كَانَ يَقُول: «تقصر الصَّلَاة فِي (مثل) مَا بَين مَكَّة والطائف، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَجدّة، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَعُسْفَان. قَالَ مَالك: وَذَلِكَ أَرْبَعَة برد» . وَهَذَا الْأَثر تقدم إِسْنَاده. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا سَافَرت يَوْمًا إِلَى اللَّيْل فاقصر الصَّلَاة» . وَرَوَى معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر كَانَ يقصر فِي أَرْبَعَة برد» وَفِي لفظ « (فِي) مسيرَة أَرْبَعَة برد» . وَرَوَى وَكِيع، عَن هِشَام بن ربيعَة بن الْغَاز الجرشِي، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح (قَالَ) «قلت لِابْنِ عَبَّاس: أقصر (الصَّلَاة) إِلَى عَرَفَة؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن إِلَى الطَّائِف وَعُسْفَان فَذَلِك ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا» . وَرَوَى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَحميد كِلَاهُمَا عَن نَافِع ووافقها ابْن جريج عَن نَافِع « (أَن) ابْن عمر كَانَ لَا يقصر فِي أقل من سِتَّة وَتِسْعين ميلًا» . وَرَوَى هِشَام بن الْغَاز، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «لَا تقصر الصَّلَاة إِلَّا فِي الْيَوْم التَّام» . وَرَوَى مَالك، عَن نَافِع، عَنهُ «أَنه كَانَ لَا يقصر الصَّلَاة فِي الْبَرِيد» . وَرَوَى عَنهُ عَلّي بن ربيعَة الْوَالِبِي: «لَا تقصر فِي أقل من اثْنَيْنِ وَسبعين ميلًا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 وَرَوَى عَنهُ (ابْنه) سَالم بن عبد الله - وَهُوَ أجلُّ من نَافِع (وَأعلم بِهِ - «أَنه قصر إِلَى ثَلَاثِينَ ميلًا» . وَرَوَى عَنهُ ابْن أَخِيه حَفْص بن عَاصِم - وَهُوَ أجل من نَافِع -) «أَنه قصر إِلَى ثَمَانِيَة عشر ميلًا» . وَرَوَى عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس: «الْقصر إِلَى عسفان (وَهِي) اثْنَان وَثَلَاثُونَ ميلًا - وَإِذا (ورد) عَلَى أهلٍ أَو مَاشِيَة (فَيتم) وَلَا يقصر إِلَى عَرَفَة وَلَا منى» . وَرَوَى مُجَاهِد عَنهُ: «لَا (قصر) فِي يَوْم إِلَى الْعَتَمَة لَكِن (فِيمَا) زَاد عَلَى ذَلِك» . وَرَوَى أَبُو حَمْزَة الضبعِي عَنهُ: «لَا قصر إِلَّا فِي يَوْم مُبَاح» . (وَرَوَى عَنهُ) : «لَا قصر إِلَّا فِي خَمْسَة وَأَرْبَعين ميلًا فَصَاعِدا» . وَعنهُ: «لَا قصر إِلَّا [فِي] اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين ميلًا فَصَاعِدا» . وَعنهُ: « (لَا) قصر إِلَّا فِي أَرْبَعِينَ ميلًا فَصَاعِدا) » . وَعنهُ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس: «لَا قصر إِلَّا فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ (ميلًا) فَصَاعِدا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 ذكر هَذِه الرِّوَايَات عَنهُ ابْن حزم فِي «محلاه» وَغَيره. وَقَول الرَّافِعِيّ: «و (غَيرهمَا) من الصَّحَابَة» قد (أسلفناه) عَن عمر، وَالشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لم (يذكرهُ) إِلَّا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، (وَكرر) ذَلِك مَرَّات، وَكَذَا الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» و (الْمُوفق) الْحَنْبَلِيّ فِي (مغنيه) قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن ابْن عُمر وَابْن عَبَّاس خلاف ذَلِك. قلت: وَقد أسلفنا ذَلِك (عَنْهُمَا) وَقد يجمع بَينهمَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان وَابْن (مَسْعُود) تعلق الْقصر بِالسَّفرِ، لَكِن لَيْسَ فِيهِ التَّحْدِيد بِالْحَدِّ الْمَذْكُور. (الْأَثر) الْخَامِس: «أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ: مَا بَال الْمُسَافِر يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذا انْفَرد وأربعًا إِذا ائتم بمقيم؟ فَقَالَ: تِلْكَ السّنة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي، ثَنَا أَيُّوب، عَن قَتَادَة، عَن مُوسَى بن سَلمَة قَالَ: «كُنَّا مَعَ ابْن عَبَّاس بِمَكَّة فَقلت: إِنَّا إِذا كُنَّا مَعكُمْ صلينَا أَرْبعا، وَإِذا رَجعْنَا (إِلَى رحالنا) صلينَا رَكْعَتَيْنِ (فَقَالَ) : (تِلْكَ) سنة أبي الْقَاسِم - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه بِهِ سَوَاء، وَهَذَا الْإِسْنَاد (رِجَاله) كلهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح، أخرج البُخَارِيّ لمُحَمد الطفَاوِي وَوَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَقَالَ أَحْمد: مُدَلّس. قلت: قد صرح هُنَا بِالتَّحْدِيثِ، وَعَن أبي زرْعَة: مُنكر الحَدِيث. وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ مُتَّفق عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَتَادَة، ومُوسَى بن سَلمَة أخرج لَهُ مُسلم وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة. وَفِي أَفْرَاد «صَحِيح (مُسلم) » ، عَن مُوسَى بن سَلمَة قَالَ: «سَأَلت ابْن عَبَّاس: كَيفَ أُصَلِّي إِذا كنت بِمَكَّة إِذا لم (أصل) مَعَ الإِمَام؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ سنة أبي الْقَاسِم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 وَفِي النَّسَائِيّ عَن مُوسَى عَنهُ (قَالَ) : «تفوتني الصَّلَاة فِي جمَاعَة وَأَنا بالبطحاء مَا ترَى أُصَلِّي؟ (قَالَ) : رَكْعَتَيْنِ سنة أبي الْقَاسِم» . وَفِي «مُسْند أَحْمد» ، عَن مُوسَى قَالَ: « (قلت) لِابْنِ عَبَّاس: إِذا لم تدْرك الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد (كَيفَ) تصلي بالبطحاء؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ تِلْكَ سنة أبي الْقَاسِم» . قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ عقب هَذَا: وَالْإِشَارَة إِلَى صَلَاة الْعِيد. كَذَا قَالَ، ثمَّ عزاهُ إِلَى أَفْرَاد مُسلم، وَمرَاده أَصله لَا لَفظه. قَالَ الرَّافِعِيّ بعد (سياقته) لهَذَا الْأَثر: وَالْمَفْهُوم سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِي السّفر) . وَهُوَ كَمَا قَالَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 بَاب الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر ذكر فِيهِ أحد عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، ذكره مُسلم هُنَا وَالْبُخَارِيّ آخر الْحَج (وَزَاد) فِي أَوله عَن نَافِع « (أَن ابْن عمر) كَانَ إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بعد أَن يغيب الشَّفق وَيَقُول: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا جد بِهِ (السّير) و ... » الحَدِيث. وَمَعْنى جد: أسْرع. الحَدِيث الثَّانِي عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي السّفر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا بِلَفْظ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر ثمَّ نزل (فَجمع) بَينهمَا، (فَإِن) زاغت قبل أَن يرتحل صَلَّى (الظّهْر) ثمَّ ركب» (وَأوردهُ) الْحَاكِم فِي الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها فِي شعار أهل الحَدِيث بِلَفْظ: «صَلَّى الظّهْر وَالْعصر ثمَّ ركب» ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَمرَاده أَصله، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يجمع بَين صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء فِي السّفر» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر أخر الظّهْر حَتَّى يدْخل أول وَقت الْعَصْر (ثمَّ يجمع بَينهمَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا عجل عَلَيْهِ السّفر يُؤَخر الظّهْر إِلَى [أول] وَقت الْعَصْر فَيجمع بَينهمَا) وَيُؤَخر الْمغرب حَتَّى يجمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء حِين يغيب الشَّفق» . قَالَ عبد الْحق فِي «جمعه» : لم يخرج البُخَارِيّ ذكر الْمغرب وَالْعشَاء فِي هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ، إِنَّمَا قَالَ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي السّفر وَلم يقل: «إِلَى أول وَقت الْعَصْر» (بل) قَالَ: «إِلَى وَقت الْعَصْر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 الحَدِيث الثَّالِث ثَبت أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا كَانَ سائرًا فِي وَقت الأولَى أَخّرهَا إِلَى الثَّانِيَة، وَإِذا كَانَ نازلاً فِي وَقت الأولَى قدم الثَّانِيَة إِلَيْهَا. هُوَ كَمَا قَالَ، أما الْقطعَة الأولَى وَهِي جمع التَّأْخِير فثابتة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» كَمَا عَرفته (آنِفا) من حَدِيث (أنس) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَأما الْقطعَة الثَّانِيَة - وَهِي جمع التَّقْدِيم - فثابت (من) حَدِيث جَابر الطَّوِيل الْآتِي بِطُولِهِ فِي الْحَج - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فَإِن فِيهِ: «ثمَّ أذن ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا، وَكَانَ ذَلِك بعد الزَّوَال» (كَمَا) ستعلمه هُنَاكَ - إِن شَاءَ الله وَقدره - وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم. وَورد أَيْضا فِي عدَّة أَحَادِيث: أَحدهَا: (فِي) حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَقد سقته بِطُولِهِ وَالْكَلَام (عَلَيْهِ) فِي أَحَادِيث «الْمُهَذّب» فَرَاجعه مِنْهُ، ونقلنا هُنَاكَ عَن التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي حَامِد أَحْمد بن عبد الله التَّاجِر الْمروزِي أَنه قَالَ فِيهِ: (إِنَّه) حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 كريب وَعِكْرِمَة أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَلا أخْبركُم عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي السّفر؟ قُلْنَا: بلَى. قَالَ: كَانَ إِذا زاغت (لَهُ الشَّمْس) فِي منزله جمع بَين الظّهْر وَالْعصر قبل أَن يركب، وَإِذا لم تزغ لَهُ فِي منزله سَار حَتَّى إِذا حانت الْعَصْر نزل فَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، (و) إِذا حانت الْمغرب فِي منزله جمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء، وَإِذا لم تحن فِي منزله ركب حَتَّى إِذا حانت الْعشَاء (نزل) فَجمع بَينهمَا» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج، (قَالَ: أَخْبرنِي) حُسَيْن، عَن كريب وَحده، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ عُثْمَان بن عمر، عَن ابْن جريج، (عَن حُسَيْن، عَن [عِكْرِمَة] ، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج) ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن حُسَيْن عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس، وَكلهمْ ثِقَات (فَاحْتمل) أَن يكون ابْن جريج (سَمعه) أَولا من هِشَام بن عُرْوَة، عَن حُسَيْن كَقَوْل عبد الْمجِيد عَنهُ، ثمَّ لَقِي ابْن جريج حُسَيْنًا فَسَمعهُ مِنْهُ، كَقَوْل عبد الرَّزَّاق وحجاج عَن ابْن جريج قَالَ: حَدثنِي حُسَيْن. وَاحْتمل أَن يكون حُسَيْن سَمعه من كريب وَمن عِكْرِمَة جَمِيعًا عَن ابْن عَبَّاس، فَكَانَ يحدث بِهِ مرّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 عَنْهُمَا جَمِيعًا كَرِوَايَة عبد الرَّزَّاق (عَنهُ) وَمرَّة عَن كريب وَحده كَقَوْل حجاج وَابْن أبي رواد، وَمرَّة عَن عِكْرِمَة وَحده عَن ابْن عَبَّاس كَقَوْل عُثْمَان بن عمر، وَتَصِح الْأَقَاوِيل كلهَا. ثمَّ رَوَى (بأسانيده) عَن حُسَيْن، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا زاغت الشَّمْس (صَلَّى) الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَإِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ [أخرهما] حَتَّى [يُصَلِّيهمَا] (فِي) وَقت الْعَصْر» وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ إِذا نزل منزلا فَزَالَتْ الشَّمْس لم يرتحل حَتَّى يُصَلِّي (الظّهْر) ، وَإِذا ارتحل قبل الزَّوَال صَلَّى كل وَاحِدَة لوَقْتهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ إِذا ارتحل حِين تزِيغ الشَّمْس (يجمع) بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِذا ارتحل قبل ذَلِك أخر ذَلِك إِلَى وَقت الْعَصْر» . (ثَانِيهَا) : عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر حَتَّى ينزل الْعَصْر، وَفِي الْمغرب مثل ذَلِك إِن (غَابَتْ) الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَإِن ارتحل (قبل) أَن يغيب الشَّفق أخر الْمغرب (حَتَّى) ينزل الْعشَاء ثمَّ يجمع (بَينهمَا) » . رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن (معَاذ بِهِ) وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ لكنه (فَرد) من الْأَفْرَاد، لَا جرم أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ إثره: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب تفرد بِهِ قُتَيْبَة لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن اللَّيْث غَيره. قَالَ: وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم حَدِيث معَاذ من حَدِيث أبي الزبير. يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَلَيْسَ فِيهِ جمع التَّقْدِيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يرو هَذَا (الحَدِيث إِلَّا) قُتَيْبَة وَحده. وَقَالَ - فِيمَا حَكَاهُ (الْمُنْذِرِيّ) -: هَذَا حَدِيث مُنكر وَلَيْسَ فِي تَقْدِيم الْوَقْت حَدِيث قَائِم. وَقَالَ (أَبُو مُحَمَّد عَلّي) بن حزم: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل، وَلَا (يعلم أحد) من أَصْحَاب الحَدِيث أَن ليزِيد بن أبي حبيب سَمَاعا من أبي الطُّفَيْل. قلت: وَأثبت أَبُو الْقَاسِم هبة الله اللالكائي (سَمَاعه مِنْهُ) وَهُوَ مُحْتَمل؛ (لِأَن عمره) حِين مَاتَ أَبُو الطُّفَيْل (أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة؛ لِأَنَّهُ ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وَمَات أَبُو الطُّفَيْل) سنة مائَة، سِيمَا وَيزِيد بن أبي حبيب مِمَّن خرج حَدِيثه فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَاحْتج بِهِ ابْن حزم فِي مَوَاضِع وَلم يتهم بالتدليس. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعيد بن يُونُس: لم يحدث بِهَذَا الحَدِيث إِلَّا قُتَيْبَة وَيُقَال: إِنَّه غلط فِيهِ (فغيَّر) بعض الْأَسْمَاء (وَأَن) مَوضِع يزِيد بن أبي حبيب أَبُو الزبير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 وَقَالَ قُتَيْبَة بن سعيد: هَذَا الحَدِيث عَلَيْهِ عَلامَة من الْحفاظ كتبُوا عني هَذَا الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين والْحميدِي وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة، وَأَبُو خَيْثَمَة. حَتَّى عد (سَبْعَة) ، نَقله ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَنهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ من حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، وَالَّذِي عِنْدِي أَنه دخل لَهُ حَدِيث فِي حَدِيث. وَقَالَ (الْحَاكِم) أَبُو عبد الله فِي «عُلُوم الحَدِيث» : (هَذَا الحَدِيث) رُوَاته أَئِمَّة ثِقَات وَهُوَ شَاذ الْإِسْنَاد والمتن، ثمَّ (لَا تُعرف) لَهُ عِلّة نعلله بهَا، فَلَو كَانَ الحَدِيث عِنْد اللَّيْث، عَن أبي الزبير، عَن أبي الطُّفَيْل (لعللنا) الحَدِيث، وَلَو كَانَ عِنْد يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الزبير (لعللناه) بِهِ، فَلَمَّا لم نجد (التعليلين) خرج عَن أَن يكون معلولاً، ثمَّ نَظرنَا فَلم نجد ليزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل رِوَايَة، وَلَا وجدنَا هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ السِّيَاقَة عِنْد أحد من أَصْحَاب أبي الطُّفَيْل، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 وَلَا عِنْد أحد مِمَّن رَوَى عَن معَاذ غير أبي الطُّفَيْل، (فَقُلْنَا) الحَدِيث شَاذ. وحدثونا عَن أبي الْعَبَّاس الثَّقَفِيّ قَالَ: كَانَ قُتَيْبَة بن سعيد يَقُول لنا: عَلَى هَذَا الحَدِيث عَلامَة أَحْمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَيَحْيَى بن معِين وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي خَيْثَمَة، حَتَّى عد قُتَيْبَة (سَبْعَة) أسامي من أَئِمَّة الحَدِيث كتبُوا عَنهُ هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْحَاكِم: فأئمة الحَدِيث إِنَّمَا سَمِعُوهُ من قُتَيْبَة تَعَجبا من إِسْنَاده وَمَتنه، ثمَّ لم يبلغنَا عَن أحد مِنْهُم أَنه ذكر للْحَدِيث (عِلّة) وَلم يذكر لَهُ أَبُو عَلّي الْحَافِظ وَلَا النَّسَائِيّ عِلّة - وهما حَافِظَانِ - فَنَظَرْنَا فَإِذا الحَدِيث مَوْضُوع، وقتيبة ثِقَة مَأْمُون. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى البُخَارِيّ قَالَ: قلت (لقتيبة بن سعيد) مَعَ من (كتبت) عَن اللَّيْث بن سعد حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل؟ قَالَ: (كتبته) مَعَ خَالِد الْمَدَائِنِي. (قَالَ البُخَارِيّ: وَكَانَ خَالِد الْمَدَائِنِي) يدْخل الْأَحَادِيث عَلَى الشُّيُوخ. يُرِيد (أَنه) يدْخل فِي روايتهم مَا لَيْسَ مِنْهَا؛ (قَالَه) ابْن حزم. قلت: (وخَالِد) هَذَا مَتْرُوك، قَالَ البُخَارِيّ: تَركه عَلّي وَالنَّاس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 وَقَالَ (أَحْمد) : لَا أروي عَنهُ شَيْئا. وَقَالَ ابْن رَاهَوَيْه: كَانَ كذابا. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: أَجمعُوا عَلَى تَركه. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: مَتْرُوك الحَدِيث، كل أَصْحَابنَا (يجمع) عَلَى تَركه (سُوَى ابْن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ كَانَ حسن الرَّأْي فِيهِ) . قلت: قد أسلفنا عَن (البُخَارِيّ) عَن (عَلّي بن) الْمَدِينِيّ أَنه تَركه، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث. وأحرق ابْن معِين مَا (كتب) عَن خَالِد، وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ عَن اللَّيْث بن سعد غير حَدِيث مُنكر، وَاللَّيْث [بَرِيء] من رِوَايَة خَالِد عَنهُ تِلْكَ الْأَحَادِيث. وَأعله أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» بأوجه: أَحدهَا: أَنه لم يَأْتِ هَكَذَا إِلَّا من طَرِيق يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل، وَلَا يُعلم (أحد) من أَصْحَاب (الحَدِيث) ليزِيد سَمَاعا من أبي الطُّفَيْل، وَقد أسلفنا هَذَا عَنهُ (مَعَ) جَوَابه. ثَانِيهَا: أَن أَبَا الطُّفَيْل صَاحب راية الْمُخْتَار، وَذكر أَنه كَانَ يَقُول بالرجعة. ثَالِثهَا: مَا تقدم عَن البُخَارِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 وَأجَاب عبد الْحق عَن الْعلَّة الثَّانِيَة فَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بعلة، وَلَعَلَّ أَبَا الطُّفَيْل كَانَ لَا يعلم (بِسوء) مَذْهَب الْمُخْتَار، وَإِنَّمَا خرج الْمُخْتَار يطْلب (دم) الْحُسَيْن وَكَانَ قَاتله حيًّا فَخرج أَبُو الطُّفَيْل مَعَه. قلت: وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِك أَن أَبَا عمر بن عبد الْبر ذكر فِي كِتَابه عَن أبي الطُّفَيْل أَنه كَانَ (محبًّا فِي) عَلّي، وَكَانَ من أَصْحَابه فِي مشاهده، وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونا يعْتَرف بِفضل الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَنه كَانَ يقدم عليًّا، وَأما مَا (ذكر) عَنهُ من أَمر الرّجْعَة فَلَعَلَّ ذَلِك لم يَصح عَنهُ. وَقَوله: لم يَأْتِ هَذَا الحَدِيث هَكَذَا (إِلَّا) من طَرِيق يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل. فِيهِ نظر؛ فقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَن (الْمفضل) بن فضَالة رَوَى عَن اللَّيْث، عَن هِشَام بن سعد، عَن أبي الزبير، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن معَاذ (الْقِصَّة) بِعَينهَا، وَقد أخرجهَا ابْن حزم أَيْضا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ (أشبه) بِالصَّوَابِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا أَنْكَرُوا من هَذَا رِوَايَة يزِيد عَن أبي الطُّفَيْل، فَأَما رِوَايَة أبي الزبير عَن أبي الطُّفَيْل فَهِيَ مَحْفُوظَة صَحِيحَة. وَهَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رَوَاهَا أَبُو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إسنادها هِشَام بن سعد وَقد استضعف، وَكَانَ يَحْيَى (بن سعيد) لَا يحدث عَنهُ، وأعلها ابْن حزم فِي «محلاه» (بِهِ) ، لَكِن احْتج بِهِ مُسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث حسن الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ مَحَله الصدْق. وَقَالَ عبد الْحق: لم أر فِيهِ أحسن من قَول أبي بكر الْبَزَّار: لم أر أحدا توقف عَن حَدِيث هِشَام بن سعد وَلَا (اعتل) عَلَيْهِ (بعلة) بعد توجب التَّوَقُّف عَنهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي غير «سنَنه» : إِنَّه حَدِيث مُنكر. قلت: (فتحصلنا) عَلَى خمس مقالات فِي هَذَا الحَدِيث للحفاظ (إِحْدَاهَا) : أَنه حسن غَرِيب. قَالَه (التِّرْمِذِيّ) . ثَانِيهَا: أَنه مَحْفُوظ صَحِيح. قَالَه ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ. ثَالِثهَا: أَنه مُنكر. قَالَه أَبُو دَاوُد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 رَابِعهَا: أَنه مُنْقَطع. قَالَه ابْن حزم. خَامِسهَا: أَنه مَوْضُوع. قَالَه الْحَاكِم. وأصل حَدِيث أبي الطُّفَيْل عَن معَاذ فِي «صَحِيح مُسلم» وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده وَلَفظه عَنهُ: «جمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَزْوَة تَبُوك بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء قَالَ: فَقلت: مَا حمله عَلَى ذَلِك؟ (فَقَالَ) : أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته» . وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» . (ثَالِثهَا) : عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ارتحل حِين تَزُول الشَّمْس جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِذا جد بِهِ السّير أخر الظّهْر وَعجل الْعَصْر ثمَّ يجمع بَينهمَا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، عَن الْمُنْذر بن مُحَمَّد، (عَن أَبِيه) ، عَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 (بن عَلّي) بن الْحُسَيْن قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي ... فَذكره. قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : الْمُنْذر وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن لم أجد (لَهما) ذكرا. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من زيادات ابْنه عبد الله: ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، نَا أَبُو أُسَامَة، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن عليًّا كَانَ (يسير) حَتَّى إِذا غربت الشَّمْس وأظلم نزل (فَصَلى) الْمغرب، ثمَّ صَلَّى الْعشَاء عَلَى إثْرهَا ثمَّ يَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصنع» . (رَابِعهَا) : عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ (إِذا كَانَ فِي سفر فَزَالَتْ الشَّمْس صَلَّى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ ارتحل» . رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، قَالَ النَّوَوِيّ: وَإِسْنَاده صَحِيح. وَذكره صَاحب «الإِمَام» من طَرِيق الْبَيْهَقِيّ وَأقرهُ، وَأما الذَّهَبِيّ فَذكره فِي «مِيزَانه» فِي تَرْجَمَة إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَنهُ عَن (شَبابَة) ، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 اللَّيْث، عَن عقيل، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس مَرْفُوعا - كَمَا سَاقه الْإِسْمَاعِيلِيّ - ثمَّ قَالَ: هَذَا مَعَ (نبل) رُوَاته (مُنكر) ثمَّ أعله بِرِوَايَة الصَّحِيح الْمُتَقَدّمَة. وَرَوَى الْحَاكِم فِي «الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها فِي شعار أهل الحَدِيث» عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم - أحد الثِّقَات الْأَثْبَات - ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق (الصغاني) قَالَ: أَخْبرنِي حسان بن عبد الله، عَن الْمفضل بن فضَالة، (عَن عقيل) عَن ابْن شهَاب، عَن أنس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا ارتحل قبل (أَن) تزِيغ الشَّمْس ... » الحَدِيث كَمَا سلف وَفِيه «فَإِن زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل صَلَّى الظّهْر وَالْعصر ثمَّ ركب» ثمَّ (قَالَ) : أخرجه الشَّيْخَانِ. وَمرَاده: أَصله لَا بِهَذِهِ (اللَّفْظَة) كَمَا سلف فِي الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث الْبَاب، وَهَذِه الزِّيَادَة من الْأَصَم إِلَى أنس كلهم رجال الصَّحِيح. ثمَّ اعْلَم أَن الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ لما ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَالَ عقبه: وَقد صَحَّ ذَلِك من حَدِيث أنس. ثمَّ سَاقه بِلَفْظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 البُخَارِيّ وَمُسلم كَمَا قَدمته وَعَزاهُ إِلَيْهِمَا، وَقد علمت أَنه لَيْسَ فِيهَا الصراحة بِجمع التَّقْدِيم، فَتنبه لَهُ. الحَدِيث (الرَّابِع) (من أَحَادِيث الْبَاب) عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمع بَين الظّهْر وَالْعصر للمطر» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ، وَتبع فِي إِيرَاده الإِمَام، فَإِنَّهُ قَالَ: (رَأَيْت) فِي بعض الْكتب الْمُعْتَمدَة، وَلم أر (أَنا) من خرجه (كَذَلِك) أصلا، وَإِنَّمَا فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ مَا (نَصه) : روينَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر (الْجمع) فِي الْمَطَر، ثمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفا (عَلَيْهِمَا) . الحَدِيث (الْخَامِس) (من أَحَادِيث الْبَاب) عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمع بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ عَنهُ قَالَ: «صَلَّى لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا (فِي) غير خوف وَلَا سفر» وَفِي لفظ: «جمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين الظّهْر وَالْعصر و (بَين) الْمغرب وَالْعشَاء (فِي الْمَدِينَة) فِي غير خوف وَلَا مطر. قيل لِابْنِ عَبَّاس: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِك؟ قَالَ: أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته» . وَلم يذكر البُخَارِيّ: «الْخَوْف» وَلَا «الْمَطَر» وَلَا «قيل لِابْنِ عَبَّاس ... » إِلَى آخِره. وَرَوَاهُ مَالك فِي «موطئِهِ» بِلَفْظ: «صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَالْمغْرب وَالْعشَاء (جَمِيعًا) فِي غير خوف وَلَا سفر» قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالك: أُرى ذَلِك كَانَ فِي مطر. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «جمع (فِي الْمَدِينَة) من غير عِلّة. فَقيل لِابْنِ عَبَّاس: مَا أَرَادَ بذلك؟ فَقَالَ: التَّوَسُّع عَلَى أمته» . فَائِدَة: قَول الإِمَام مَالك: أُرى - هُوَ بِضَم الْهمزَة - أَي (أَظن) ، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِي عَلَيْهِ أَيْضا (وَهَذَا ترده) الرِّوَايَة السالفة عَن «صَحِيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 مُسلم» : «وَلَا مطر» وَهِي من رِوَايَة حبيب بن أبي ثَابت وَهُوَ إِمَام مُتَّفق عَلَى توثيقه وجلالته وعدالته والاحتجاج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم يذكرهَا البُخَارِيّ مَعَ أَن حبيب بن أبي ثَابت من شَرطه. قَالَ: وَلَعَلَّه تَركهَا لمخالفتها (رِوَايَة) الْجَمَاعَة. قَالَ: وَرِوَايَة الْجَمَاعَة أولَى بِأَن (تكون مَحْفُوظَة) (حَتَّى) رِوَايَة الْجُمْهُور: «من غير خوف وَلَا سفر» (قَالَ) : وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر الْجمع فِي الْمَطَر. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» أَيْضا: قَول ابْن عَبَّاس: «أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته» قد يحمل عَلَى الْمَطَر أَي: لَا يلحقهم مشقة الْمَشْي فِي الطين إِلَى الْمَسْجِد. وَأجَاب الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي تَعْلِيقه عَن رِوَايَة (من رَوَى) «من غير خوف وَلَا مطر» بجوابين: أَحدهمَا: (مَعْنَاهُ) وَلَا مطر كثير. ثَانِيهمَا: (فِيهِ) يجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ، فَيكون المُرَاد بِرِوَايَة «من غير خوف وَلَا سفر» الْجمع بالمطر، وَالْمرَاد بِرِوَايَة «وَلَا مطر» الْجمع (الْمجَازِي) وَهُوَ أَن يُؤَخر الأولَى إِلَى آخر وَقتهَا، وَيقدم الثَّانِيَة إِلَى أول وَقتهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَيُؤَيّد هَذَا التَّأْوِيل الثَّانِي أَن (عَمْرو) بن دِينَار رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي الشعْثَاء، (عَن ابْن عَبَّاس، وَثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: قلت: يَا أَبَا الشعْثَاء) ، أَظُنهُ أخر الظّهْر وَعجل الْعَصْر، وَأخر الْمغرب وَعجل الْعشَاء قَالَ: وَأَنا أَظن (ذَلِك) . (وَأجَاب) القَاضِي أَبُو الطّيب فِي «تَعْلِيقه» وَالشَّيْخ (أَبُو) نصر فِي «تهذيبه» وَغَيرهمَا بِأَن قَوْله: «وَلَا مطر» أَي مستدام فَلَعَلَّهُ انْقَطع فِي الثَّانِيَة. وَنقل صَاحب «الشَّامِل» هَذَا الْجَواب عَن أَصْحَابنَا، وَأجَاب الْمَاوَرْدِيّ بِأَنَّهُ كَانَ (مستظلاًّ) بسقف وَنَحْوه، وَهَذِه التأويلات كلهَا لَيست ظَاهِرَة كَمَا (قَالَ) النَّوَوِيّ، وَالْمُخْتَار مَا (أجَاب) بِهِ الْبَيْهَقِيّ. وَمن الْغَرِيب (قَول) إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «النِّهَايَة» أَن ذكر الْمَطَر لم يرد فِي متن الحَدِيث، وَقد عرفت أَنه فِي مَتنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 الحَدِيث (السَّادِس) ثَبت «أَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمع بَين الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَة فِي وَقت الظّهْر، وَجمع (بَين) الْمغرب وَالْعشَاء بِمُزْدَلِفَة فِي وَقت الْعشَاء» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى عَرَفَة فَأذن ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر وَلم (يصل) بَينهمَا شَيْئا» وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «دفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عَرَفَة، فَلَمَّا جَاءَ الْمزْدَلِفَة نزل فَتَوَضَّأ، ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أَنَاخَ كل إِنْسَان بعيره فِي منزله، ثمَّ أُقِيمَت الْعشَاء فَصلاهَا وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا» . وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عمر: «جمع عَلَيْهِ السَّلَام الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، كل (وَاحِدَة مِنْهُمَا) بِإِقَامَة، وَلم يسبح بَينهمَا وَلَا عَلَى إِثْر (كل) (وَاحِدَة مِنْهُمَا) » وَلمُسلم نَحوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 وَمَعْنى «لم يسبح» : لم يصل النَّافِلَة، والنافلة تسمى سُبحة. الحَدِيث (السَّابِع) (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر» هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر فَرَأَى رجلا قد اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ وَقد ظلل (عَلَيْهِ) ، فَقَالَ مَا لَهُ؟ قَالُوا: رجل صَائِم. فَقَالَ النَّبِي: لَيْسَ (من) الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر» . قَالَ شُعْبَة: وَكَانَ يبلغنِي عَن يَحْيَى بن أبي كثير أَنه كَانَ يزِيد فِي هَذَا الحَدِيث أَنه قَالَ: «عَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم» قَالَ: فَلَمَّا سَأَلته لم يحفظه. وَقَالَ البُخَارِيّ: «لَيْسَ من الْبر» بِزِيَادَة «من» وَلم يذكر قَول شُعْبَة عَن يَحْيَى. الحَدِيث (الثَّامِن) (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خِيَار عباد الله (الَّذين) إِذا سافروا قصروا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «خياركم من قصر الصَّلَاة فِي السّفر وَأفْطر» ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» فَقَالَ: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سهل بن عُثْمَان (العسكري) ، نَا غَالب بن فائد، عَن إِسْرَائِيل، عَن (خَالِد) ، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا ... فَذكره. فَقَالَ أبي: حَدثنَا عبد الله بن صَالح بن مُسلم، أَنا إِسْرَائِيل، عَن خَالِد (الْعَبْدي) عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر (مَرْفُوعا) قَالَ: وغالب بن فائد مغربي لَيْسَ بِهِ بَأْس. قلت: وَقَالَ الْأَزْدِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «كتاب الدُّعَاء» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا: «خير أمتِي الَّذين إِذا أساءوا اسْتَغْفرُوا وَإِذا أَحْسنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذا سافروا قصروا وأفطروا» . (الطَّرِيق الثَّانِي) : من حَدِيث عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خِيَار أمتِي من يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي (رَسُول الله) وَإِذا أَحْسنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذا سافروا قصروا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن (إِسْحَاق) القَاضِي فِي «أَحْكَام الْقُرْآن» عَلَى مَا حَكَاهُ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عَنهُ حَدثنَا نصر بن عَلّي، نَا عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عُرْوَة ... فَذكره. وَهَذَا مُرْسل؛ عُرْوَة هَذَا لم يدْرك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَه أَبُو حَاتِم. (الطَّرِيق الثَّالِث) : (من) حَدِيث سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خِيَار أمتِي من قصر الصَّلَاة فِي السّفر أَو أفطر» . رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي (أَيْضا فِي «أَحْكَامه» عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن ابْن حَرْمَلَة، عَن سعيد بِهِ. وَهَذَا أَيْضا مُرْسل. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن ابْن أبي يَحْيَى، عَن ابْن حَرْمَلَة - هُوَ عبد الرَّحْمَن - عَن ابْن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خياركم الَّذين إِذا سافروا قصروا (الصَّلَاة) وأفطروا - أَو قَالَ: لم يَصُومُوا» . وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن الْقصر أفضل من الْإِتْمَام، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة أَحَادِيث صَحِيحَة مِنْهَا حَدِيث جَابر السالف (فِي الحَدِيث الثَّامِن) : «عَلَيْكُم (بِرُخْصَة) الله الَّتِي رخص لكم» وَمِنْهَا حَدِيث يعْلى عَن عمر السالف: «صَدَقَة تصدق الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 (بهَا) عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته» وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث. الحَدِيث (التَّاسِع) «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لما جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ والى بَينهمَا وَترك الرَّوَاتِب بَينهمَا» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف فِي الحَدِيث السَّابِع من حَدِيث جَابر وَأُسَامَة وَابْن عمر. الحَدِيث (الْعَاشِر) «صَحَّ أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمر بِالْإِقَامَةِ بَينهمَا» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف فِي الْبَاب من حَدِيث أُسَامَة، لَكِن فِيهِ «أَنه أَقَامَ» وَلم أر فِيهِ الْأَمر بهَا، وَهُوَ كَاف فِي الدّلَالَة؛ لِأَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَن الْفَصْل الْيَسِير لَا يُؤثر بَين صَلَاتي الْجمع. الحَدِيث (الْحَادِي) عشر قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَشْهُور أَنه لَا جمع بِالْمرضِ وَالْخَوْف والوصل؛ إِذْ لم ينْقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جمع بِهَذِهِ الْأَشْيَاء مَعَ حدوثها فِي عصره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 وَقَالَ بعد: رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جمع بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر وَلَا (مطر) » . هَذَا الحَدِيث قد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا وَلم يُوجد هَكَذَا مجموعًا فِي رِوَايَة، وَإِنَّمَا هُوَ حَاصِل فِي رِوَايَتَيْنِ كَمَا أسلفته لَك، وَأغْرب (الْحَمَوِيّ) شَارِح «الْوَسِيط» فَعَزاهُ (بِهَذَا اللَّفْظ) إِلَى أبي دَاوُد وَلَيْسَ مجموعًا فِيهِ كَذَلِك. خَاتِمَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يرد نقل عَن (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) أَنه جمع بَين الصُّبْح وَغَيرهَا وَلَا بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، و (هُوَ) كَمَا قَالَ، فَمن سبر الْأَحَادِيث جزم بذلك وَلم يتَرَدَّد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 كتاب الْجُمُعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 كتاب الْجُمُعَة ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فأحد وَسِتُّونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك (ثَلَاث جمع) تهاونًا طبع الله عَلَى قلبه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (من) رِوَايَة أبي الْجَعْد الضمرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لفظ روايتهم إِلَّا التِّرْمِذِيّ فَإِن لَفظه: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات تهاونًا طبع الله عَلَى قلبه» (وَإِلَّا) إِحْدَى روايتي ابْن حبَان فَإِن لَفظه فِيهَا: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير عذر فَهُوَ مُنَافِق» وَإِلَّا الإِمَام أَحْمد فَإِن لَفظه: «من ترك ثَلَاث جمع تهاونًا من غير عذر طبع الله عَلَى قلبه» وَإِلَّا الْبَزَّار فَإِن لَفظه: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير عذر طبع الله عَلَى قلبه» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» . فَائِدَة مهمة: اخْتلف فِي اسْم أبي الْجَعْد الضمرِي عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: عَمْرو بن بكر. ثَانِيهَا: أدرع. ثَالِثهَا: جُنَادَة (حكاهن) الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» والمزي فِي «أَطْرَافه» ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَن اسْم أبي الْجَعْد الضمرِي فَلم يعرفهُ، وَقَالَ: لَا أعرف لَهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا هَذَا الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَلَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» فِي تَرْجَمَة من لَا يعرف اسْمه، وَتبع فِي ذَلِك (ابْن) أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ. قلت: وَقَول البُخَارِيّ: لَا أعرف لَهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. قد ذكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» لَهُ حديثًَا آخر وَهُوَ: «لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى (ثَلَاثَة) مَسَاجِد ... » الحَدِيث ثمَّ قَالَ: لَا نعلم رَوَى أَبُو الْجَعْد عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا هذَيْن الْحَدِيثين. فَائِدَة ثَانِيَة: أَبُو الْجَعْد فِي الصَّحَابَة ثَلَاثَة هَذَا أحدهم. وثانيهم: أَفْلح أَخُو أبي القعيس عَم عَائِشَة. وثالثهم: الْغَطَفَانِي الْأَشْجَعِيّ وَالِد سَالم بن أبي الْجَعْد اسْمه رَافع مولَى الأشجع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 (ثمَّ) هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أُخْرَى: أَحدهَا: عَن صَفْوَان بن سليم، قَالَ مَالك: لَا أَدْرِي أعن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أم لَا، أَنه قَالَ: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير عذر وَلَا عِلّة طبع الله عَلَى قلبه» رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن صَفْوَان هَكَذَا. ثَانِيهَا: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير ضَرُورَة طبع الله عَلَى قلبه» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي آخر كتاب الصَّلَاة، وَالْحَاكِم فِي آخر هَذَا الْبَاب من «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث شَاهد لحَدِيث أبي الْجَعْد الضمرِي. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث مُحَمَّد بن عجلَان صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلا هَل عَسى أحدكُم أَن يتَّخذ الصُّبَّة من الْغنم عَلَى رَأس ميل أَو ميلين، فيتعذر عَلَيْهِ الْكلأ (عَلَى) رَأس ميل أَو (ميلين) فيرتفع حَتَّى تَجِيء الْجُمُعَة فَلَا يشهدها ثمَّ يطبع (الله) عَلَى قلبه» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 قلت: وَفِي إِسْنَاد هَذَا معدي بن سُلَيْمَان وَلم يخرج لَهُ مُسلم، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ ابْن حبَان: إِنَّه كَانَ يروي المقلوبات عَن الثِّقَات والملزقات عَن الْأَثْبَات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. وَقَالَ عبد الْحق: لين الحَدِيث. فَائِدَة: اخْتلف الْحفاظ أَيّمَا أصح: حَدِيث جَابر هَذَا (أَو) حَدِيث أبي الْجَعْد السالف، فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : إِنَّه أشبه من حَدِيث جَابر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن حَدِيث جَابر أصح. فَائِدَة (ثَانِيَة) : الصُّبة - بِضَم الصَّاد -: الْقطعَة من الْمعز وَالْإِبِل. قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» وَقَالَ عبد الْحق: هِيَ الْقطعَة من الْخَيل وَالْإِبِل. (الطَّرِيق الثَّالِث) : عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير ضَرُورَة طبع الله عَلَى قلبه» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (عَن) أبي سعيد، نَا عبد الْعَزِيز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 بن مُحَمَّد، عَن (أسيد) [عَن عبد الله بن] أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه (بِهِ) سَوَاء. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي (آخر) تَفْسِير سُورَة الْجُمُعَة من «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه (بِهِ) سَوَاء. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا قَالَه نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ وَهُوَ واه. (الطَّرِيق الرَّابِع) : عَن أبي عبس عبد الرَّحْمَن بن جَابر (الْحَارِثِيّ) البدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات تهاونًا طبع الله عَلَى قلبه» . رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث عبد الله بن أَحْمد حَدثنِي (أبي) ، (نَا) الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ: سَمِعت يزِيد بن أبي مَرْيَم، عَن عَبَايَة بن رَافع عَنهُ بِهِ، (وَهَذَا) إِسْنَاد جيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 (الطَّرِيق الْخَامِس) : عَن (ابْن) أبي أوفي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من سمع النداء يَوْم الْجُمُعَة وَلم يأتها ثمَّ سمع النداء وَلم يأتها (ثَلَاثًا) طبع الله عَلَى قلبه فَجعل (قلبه قلب) مُنَافِق» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث (ابْن) إِسْحَاق، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن ابْن أبي أَوْفَى بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَرَوَاهُ القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن عَلّي الْمروزِي فِي كتاب الْجُمُعَة (و) فَضلهَا. من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد الْمَذْكُور، عَن عَمه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا طبع الله عَلَى قلبه، وَجعل قلبه قلب مُنَافِق» . (الطَّرِيق السَّادِس) : عَن أُسَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ترك ثَلَاث جمعات من غير عذر كتب من الْمُنَافِقين» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَفِيه مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي وَفِيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 مقَال، ضعفه أَحْمد و (وَثَّقَهُ) ابْن معِين وَغَيره. (الطَّرِيق السَّابِع) : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ترك ثَلَاث جمع من غير (عِلّة) - أَو قَالَ: عذر - طبع الله عَلَى قلبه» . ذكره ابْن السكن فِي صحاحه. (الطَّرِيق الثَّامِن) : عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «من ترك ثَلَاث جمع - وَلَاء من غير عِلّة (طبع) عَلَى قلبه: مُنَافِق» . سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» فَقَالَ: إِنَّه وهم، وَالصَّحِيح حَدِيث أبي الْجَعْد الضمرِي. وَفِي «الْإِقْنَاع» لِابْنِ الْمُنْذر: ثَبت أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير ضَرُورَة طبع (عَلَى) قلبه: (مُنَافِق) » . الحَدِيث الثَّانِي عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة بعد الزَّوَال» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَلَفظه: «أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة حِين تميل الشَّمْس» . وَلم يخرج مُسلم عَن أنس فِي وَقت صَلَاة الْجُمُعَة شَيْئا. وَفِي «الْمُسْتَدْرك» عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: «كُنَّا نصلي الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَكُنَّا) نَبْتَدِر الْفَيْء فَمَا يكون إِلَّا قدر قدم أَو قدمين» قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ إِنَّمَا خرج البُخَارِيّ حَدِيث أنس بِغَيْر هَذَا (اللَّفْظ) . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه فِي بَاب الْأَذَان وَغَيره. الحَدِيث الرَّابِع أَن الْجُمُعَة لم تقم فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا فِي عهد الْخُلَفَاء (الرَّاشِدين) إِلَّا فِي مَوضِع الْإِقَامَة. هَذَا (حَدِيث) صَحِيح مَشْهُور، وَمن تتبع الْأَحَادِيث وجد من ذَلِك عددا كثيرا، وَمن ذَلِك حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «أول جُمُعَة جمعت بعد جُمُعَة فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مَسْجِد عبد الْقَيْس بجواثا من الْبَحْرين» رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 رِوَايَة لأبي دَاوُد: «بجواثا قَرْيَة من الْبَحْرين» وَفِي أُخْرَى: «قَرْيَة من قرَى عبد الْقَيْس» . «جواثا» مَضْمُومَة، يُقَال (بِالْهَمْز) وَتَركه، وَذكر ابْن الْأَثِير أَنَّهَا حصن بِالْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ الْبكْرِيّ: مَدِينَة. وَمن ذَلِك حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «كَانَ النَّاس (ينتابون) الْجُمُعَة من مَنَازِلهمْ وَمن العوالي» . اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه. والعوالي: الْقرى الَّتِي بِقرب (من) الْمَدِينَة من جِهَة الشرق وأقربها عَلَى أَرْبَعَة أَمْيَال، وَقيل: ثَلَاثَة. وَقيل: اثْنَان. ذكره الرَّافِعِيّ فِي «شَرحه للمسند» (مقدما) عَلَى قَول من قَالَ: ثَلَاثَة. وأبعدها (عَلَى) ثَمَانِيَة. وَمن ذَلِك حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن كَعْب الْآتِي فِي الْبَاب قَرِيبا، وَأما (حَدِيث) عليٍّ رَفعه: «لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق إِلَّا فِي مصر» فَلَا يَصح (الِاحْتِجَاج) بِهِ للانقطاع (ولضعف) إِسْنَاده، وَقد ضعفه الإِمَام أَحْمد وَآخَرُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 تَنْبِيه: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ (لِلْقَوْلِ) الصَّحِيح بِأَن أهل الْخيام النازلين فِي الصَّحرَاء إِذا اتَّخذُوا ذَلِك وطنًا لَا يبرحون (عَنهُ) شتاء وَلَا صيفًا أَن الْجُمُعَة لَا تجب عَلَيْهِم بِأَن (قبائل) الْعَرَب كَانُوا مقيمين حول الْمَدِينَة، وَمَا كَانُوا يصلونَ الْجُمُعَة، وَلَا أَمرهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بهَا) فَإِن اعْترض معترض عَلَى الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَن التِّرْمِذِيّ رَوَى فِي «جَامعه» عَن رجل من أهل قبَاء، عَن أَبِيه - وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أمرنَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نشْهد الْجُمُعَة من قبَاء» وَرَوَى أَيْضا فِي «جَامعه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْجُمُعَة عَلَى من آواه اللَّيْل إِلَى أَهله» . فيجاب (عَنهُ) : بِأَنَّهُ اعْترض بحديثين غير صَحِيحَيْنِ. أما الأول: فالرجل من أهل قبَاء مَجْهُول. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث (غَرِيب) لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا يَصح فِي (هَذَا) الْبَاب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء. وَأما الثَّانِي: فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ معارك عَن عبد الله بن سعيد، وَالْأول مَجْهُول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 قلت: (لَا بل) ضَعِيف فَإِنَّهُ قد رَوَى عَنهُ ثَمَانِيَة. وَالثَّانِي مُنكر الحَدِيث مَتْرُوك. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف، إِنَّمَا يرْوَى من حَدِيث معارك بن عباد، عَن عبد الله بن سعيد المَقْبُري، وَضعف يَحْيَى (عبد الله بن سعيد المَقْبُري) . وَقَالَ الإِمَام أَحْمد لِأَحْمَد بن الْحسن لما أورد لَهُ هَذَا الحَدِيث: اسْتغْفر رَبك، اسْتغْفر رَبك. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَإِنَّمَا فعل بِهِ أَحْمد هَذَا؛ لِأَنَّهُ لم يعد هَذَا الحَدِيث شَيْئا، وَضَعفه لحَال إِسْنَاده، وَقَالَ البُخَارِيّ: لم يَصح حَدِيثه. قلت: وَله شَاهد من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر، عَن أَيُّوب، عَن أبي (قلَابَة) قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْجُمُعَة عَلَى من آواه اللَّيْل» رَوَاهُ لوين عَن مُحَمَّد بن جَابر (و) قَالَ: سَمِعت رجلا يذكرهُ (لحماد) بن زيد فتعجب مِنْهُ وَسكت (فَلم) يقل شَيْئا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْخُلَفَاء بعده لم يقيموا الْجُمُعَة إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد مَعَ أَنهم أَقَامُوا الْعِيد فِي الصَّحرَاء والبلد للضعفة. هُوَ كَمَا قَالَ وَمن سبر الْأَحَادِيث وجدهَا كَذَلِك وَقرب من التَّوَاتُر، وَعبارَة (الشَّافِعِي) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقد كَانَت (مَسَاجِد) عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يَكُونُوا يجمعوا إِلَّا فِي (مَسْجِد، فَإِذا كَانَ فِي الْمصر مَسَاجِد أَحْبَبْت أَن تكون الْجُمُعَة فِي) مَسْجِدهَا الْأَعْظَم. الحَدِيث السَّادِس عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَضَت السّنة أَن (فِي) كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقهَا جُمُعَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن، عَن خصيف، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «مَضَت السّنة أَن فِي كل ثَلَاثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 (إِمَامًا) وَفِي كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوق ذَلِك جُمُعَة وأضحى وَفطر، وَذَلِكَ أَنهم جمَاعَة» . وَهَذَا ضَعِيف لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ؛ فَإِن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن ضَعِيف. قَالَ أَحْمد: اضْرِب عَلَى أَحَادِيثه فَإِنَّهَا كذب أَو مَوْضُوعَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وخصيف هَذَا هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الْجَزرِي، وَهُوَ مقارب الْأَمر، ضعفه أَحْمد وَغَيره، وَقَالَ ابْن معِين: صَالح. وَلم يعله الْبَيْهَقِيّ (بِهِ) وَإِنَّمَا أعله بِالْأولِ فَقَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث لَا يحْتَج بِمثلِهِ، تفرد بِهِ عبد الْعَزِيز هَذَا وَهُوَ ضَعِيف. وَقَالَ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث لَا أرَاهُ يَصح، فَإِنَّهُ لم يَأْتِ بِهِ غير عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن شيخ من أهل بالس يُضعفهُ أَصْحَاب الحَدِيث. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يَنْبَغِي أَن يحْتَج بِهِ. الحَدِيث السَّابِع عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا (اجْتمع أَرْبَعُونَ) رجلا فَعَلَيْهِم الْجُمُعَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لم أر من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، ولغرابته عزاهُ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب إِلَى صَاحب «التَّتِمَّة» فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث أوردهُ فِي «التَّتِمَّة» . الحَدِيث الثَّامِن عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا جُمُعَة إِلَّا بِأَرْبَعِينَ» . هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من خرجه من هَذَا الْوَجْه هَكَذَا، وَكَأن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ استغربه؛ (فَإِنَّهُ) قَالَ: وَذكر القَاضِي ابْن (كجُ) أَن [الحناطي] رَوَى عَن أبي أُمَامَة ... فَذكره. قلت: وَالَّذِي يحضرنا من طَرِيق أبي أُمَامَة لَا يُوَافق مَذْهَبنَا؛ (فَإِن) الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ - (فِي «خلافياته» أَيْضا) - رويا عَنهُ مَرْفُوعا: «عَلَى خمسين جُمُعَة، لَيْسَ فِيمَا دون ذَلِك» وَفِي لفظ: «الْجُمُعَة عَلَى الْخمسين وَلَيْسَ عَلَى (من) دون الْخمسين جُمُعَة» . ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح إِسْنَاده. و (قَالَ) فِي «خلافيلاته» : تفرد بِهِ جَعْفَر بن الزبير، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. وَأعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِجَعْفَر أَيْضا وَقَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 إِنَّه مَتْرُوك. وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لَو كَانَ جَعْفَر بن الزبير ثِقَة مَا صَحَّ هَذَا الحَدِيث من أجل غَيره من رُوَاته وهم جمَاعَة أَوَّلهمْ: الْقَاسِم الرَّاوِي عَن أبي أُمَامَة وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، لَكِن عبد الْحق يوثقه ويصحح حَدِيثه - كَمَا فعل التِّرْمِذِيّ - فَلَا يُؤَاخذ بِهِ. الثَّانِي: هياج بن بسطَام فَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. الثَّالِث: (أَن) خَالِد بن هياج لَا أعرفهُ فِي شَيْء من كتب الرِّجَال مَذْكُورا بِذكر يَخُصُّهُ، لَكِن ابْن أبي حَاتِم ذكره فِي أثْنَاء تَرْجَمَة، وَذكره ذكرا يمسهُ. الرَّابِع: النقاش الْمُفَسّر وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ طَلْحَة بن مُحَمَّد: كَانَ (يكذب) فِي الحَدِيث. قَالَ البرقاني: كل حَدِيثه مُنكر. قَالَ ابْن الْقطَّان: فقد علم أَن تَضْعِيف الحَدِيث بِسَبَب جَعْفَر بن الزبير ظلم؛ إِذْ فَوْقه وَتَحْته من لَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ. وَاعْلَم أَنه ورد إِقَامَة الْجُمُعَة فِيمَا دون ذَلِك، فَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أم عبد الله الدوسية رفعته: «الْجُمُعَة وَاجِبَة عَلَى كل قَرْيَة فِيهَا إِمَام وَإِن لم (يَكُونُوا إِلَّا أَرْبَعَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْجُمُعَة وَاجِبَة عَلَى كل قَرْيَة وَإِن لم) يَكُونُوا إِلَّا ثَلَاثَة رابعهم إمَامهمْ» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 و (فِي) رِوَايَة لِابْنِ عدي (بعد) : «وَإِن لم يَكُونُوا إِلَّا أَرْبَعَة» حَتَّى ذكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (ثَلَاثَة) لكنه حَدِيث ضَعِيف، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح هَذَا عَن الزُّهْرِيّ، كل من (رَوَاهُ) عَنهُ مَتْرُوك، وَالزهْرِيّ لَا يَصح سَمَاعه من الدوسية. وَقَالَ (عبد الْحق) فِي «أَحْكَامه» : لَا يَصح فِي عدد الْجُمُعَة شَيْء. الحَدِيث التَّاسِع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جمع الْمَدِينَة وَلم يجمع بِأَقَلّ من أَرْبَعِينَ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَمعنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن أَرْبَعُونَ رجلا» وَفِي رِوَايَة «نَحْو (من) أَرْبَعِينَ» . وَقَالَ الْمزي - فِيمَا نَقله عَنهُ بعض شُيُوخنَا -: لَا يَصح عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث مَا احْتج بِهِ الشَّافِعِي (من) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حِين قدم الْمَدِينَة (جمع) أَرْبَعِينَ رجلا» لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم الْمَدِينَة (وَقد) تكاثر الْمُسلمُونَ (وتوافروا) فَيجوز أَن يكون جمع فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 مَوضِع نُزُوله قبل دُخُوله الْمَدِينَة فاتفق لَهُ أَرْبَعُونَ نفسا. قلت: وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ و (فِي) «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» و «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك «أَن أَبَاهُ كَانَ إِذا سمع النداء يَوْم الْجُمُعَة ترحم لأسعد بن زُرَارَة (قَالَ) : فَقلت لَهُ: يَا أبتاه، رَأَيْت استغفارك لأسعد (بن زُرَارَة) كلما سَمِعت الْأَذَان للْجُمُعَة مَا هُوَ؟ (قَالَ) : لِأَنَّهُ أول من جمع بِنَا فِي نَقِيع يُقَال لَهُ: نَقِيع (الْخضمات) من حرَّة بني بياضة. قَالَ: (كم) كُنْتُم يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رجلا» وَهُوَ (من) رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَهُوَ مُدَلّس، وَقد قَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد (عَن) لَكِن فِي أَكثر رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ قَالَ: حَدثنِي. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِم وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» و «سنَنه» : وَمُحَمّد بن إِسْحَاق إِذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 ذكر سَمَاعه وَكَانَ الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة استقام الْإِسْنَاد، وَقَالَ فِي «سنَنه» : و (هَذَا) حَدِيث حسن الْإِسْنَاد صَحِيح. وَقَالَ فِي «خلافياته» : رُوَاته كلهم ثِقَات. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم - أَي فِي ابْن إِسْحَاق - لَكِن أخرج لَهُ مُتَابعَة لَا (اسْتِقْلَالا) . قلت: وَوجه الدّلَالَة من الحَدِيث أَن يُقَال: أَجمعت الْأمة عَلَى اشْتِرَاط عدد وَالْأَصْل الظّهْر، فَلَا تصح الْجُمُعَة إِلَّا بِعَدَد ثَبت فِيهِ التَّوْقِيف وَقد ثَبت جَوَازهَا بِأَرْبَعِينَ، فَلَا يجوز أقل مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيل صَرِيح، وَثَبت أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . فَائِدَة: النقيع الْمَذْكُور فِي حَدِيث كَعْب بالنُّون، كَذَا قَيده الْخطابِيّ والحازمي وَغَيرهمَا، وَقد يصحف فَيُقَال بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَعَن أَحْمد بن (أبي) بكر الْبَنْدَنِيجِيّ (أَن الأبقعة) ثَلَاثَة: بَقِيع الْغَرْقَد وَهُوَ الْمقْبرَة، وَكَانَ قبل ذَلِك ينْبت (بِهِ) نبت يُسمى الْغَرْقَد، وبقيع الْمُصَلى وبقيع الْخضمات، وَكلهَا بِالْمَدِينَةِ، والنقيع - بالنُّون - وَاحِد وَهُوَ الَّذِي حماه لخيله وَهُوَ غَرِيب فِي الثَّانِي (فَإِن) الْمَعْرُوف أَنه بالنُّون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 وَرَأَيْت فِي «السّنَن الصِّحَاح» لأبي عَلّي بن السكن الْحَافِظ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الضُّحَى (بنقيع) الزبير ثَمَان رَكْعَات، وَقَالَ: إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة» وَهُوَ مضبوط ضبط الْكَاتِب بالنُّون، وأصل النقيع - بالنُّون - بطن من الأَرْض (يستنقع) فِيهِ المَاء مُدَّة، فَإِذا نضب المَاء (نبت) الْكلأ. «و (الْخضمات) » بِفَتْح الْخَاء وَكسر الضَّاد المعجمتين: مَوضِع مَعْرُوف، قَالَ الْبكْرِيّ فِي «أماكنه» : كَأَنَّهُ جمع خضمة. قَالَ الإِمَام أَحْمد: هُوَ قَرْيَة لبني بياضة بِقرب الْمَدِينَة عَلَى ميل من (منَازِل) بني سَلمَة، وَكَذَا هُوَ فِي «المعالم» للخطابي أَيْضا أَنه قَرْيَة عَلَى ميل من الْمَدِينَة « (وحرة) بني بياضة» قَرْيَة عَلَى ميل من الْمَدِينَة. وبياضة: بطن من الْأَنْصَار. الحَدِيث الْعَاشِر «أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم انْفَضُّوا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا اثْنَا عشر رجلا وَفِيهِمْ نزلت (وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا» ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته (أودعهُ) الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخْطب (قَائِما) يَوْم الْجُمُعَة (فَجَاءَت) عير من الشَّام، فَانْفَتَلَ النَّاس إِلَيْهَا حَتَّى لم يبْق إِلَّا اثْنَا عشر رجلا، فأنزلت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة (وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما) » . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِلَّا اثْنَا عشر رجلا فيهم أَبُو بكر وَعمر» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنا فيهم» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «بَيْنَمَا نَحن نصلي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ أَقبلت عير تحمل طَعَاما ... » (الحَدِيث) وَفِي «الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ» لعبد الْحق: أَن البُخَارِيّ لم يذكر «عير تحمل (طَعَاما) » كَذَا رَأَيْته فِيهِ وَهُوَ غَرِيب؛ فَهُوَ ثَابت فِيهِ وَمِنْه (نقلت) . تَنْبِيهَانِ: الأول: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْأَشْبَه أَن يكون الصَّحِيح رِوَايَة من رَوَى أَن ذَلِك كَانَ فِي الْخطْبَة وَيكون قَوْله: «نصلي مَعَه» المُرَاد بِهِ الْخطْبَة وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث كَعْب بن عجْرَة «أَنه (دخل) الْمَسْجِد وَعبد الرَّحْمَن بن أم الحكم يخْطب قَاعِدا فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث يخْطب قَاعِدا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 (وَقد) قَالَ الله - تَعَالَى -: (وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما» ) . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ. الثَّانِي: رَوَى الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» تَسْمِيَة من لم ينفض مَعَه من حَدِيث جَابر فِي قَوْله تَعَالَى: (وَإِذا رَأَوْا) الْآيَة قَالَ: «قدمت عير الْمَدِينَة تحمل طَعَاما فِي يَوْم جُمُعَة وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الصَّلَاة، فَخَرجُوا إِلَيْهَا وَانْصَرفُوا حَتَّى لم يبْق مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا اثْنَا عشر رجلا (فَأنْزل) الله فيهم هَذِه الْآيَة فنهوا عَن ذَلِك، وَكَانَ (البَاقِينَ) : أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي، وَطَلْحَة وَالزبير، وَسعد بن أبي وَقاص، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل [وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف] وبلال، وَابْن مَسْعُود، وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح - أَو عمار بن يَاسر» . الشَّك من أَسد بن (عَمْرو) البَجلِيّ الْكُوفِي أحد رُوَاته؛ (فَإِنَّهُ) قَالَ الْعقيلِيّ: هَكَذَا (حدث) أَسد بِهَذَا الحَدِيث، وَلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 يبين هَذَا التَّفْسِير مِمَّن هُوَ، وَجعله (مدمجًا) فِي الحَدِيث. قَالَ: وَقد رَوَاهُ هشيم بن بشير وخَالِد بن عبد الله عَن (الَّذِي رَوَاهُ (عَنهُ) أَسد) وَلم يذكر هَذَا التَّفْسِير كُله. قَالَ: وَهَؤُلَاء (قوم) يتهاونون بِالْحَدِيثِ وَلَا يقومُونَ بِهِ و (يصلونه) بِمَا لَيْسَ فِيهِ فتفسد الرِّوَايَة. قَالَ: وَقد جَاءَ فِي بعض رواياته «أَنه لم يبْق فيهم إِلَّا ثَمَانِيَة نفر» . وَفِي «صَحِيح أبي عوَانَة» عَن جَابر أَنه قَالَ عَن نَفسه: «أَنا كنت مِنْهُم - أَي من الاثْنَي عشر» وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَيْضا «أَنهم انْفَضُّوا حَتَّى لم يبْق إِلَّا أَرْبَعُونَ رجلا» وَقَالا: لم يقل «أَرْبَعُونَ» إِلَّا عَلّي بن عَاصِم عَن حُصَيْن، وَخَالفهُ أَصْحَاب حُصَيْن (فَقَالُوا) «اثْنَا عشر» . قلت: وَعلي مَتْرُوك، قَالَه النَّسَائِيّ. وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: (مَا زلنا) نعرفه بِالْكَذِبِ. وَكَانَ أَحْمد سيئ الرَّأْي فِيهِ. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: الضعْف عَلَى حَدِيثه بَين. الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة (فليضف) إِلَيْهَا أُخْرَى» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آخر بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة، فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة فقد أدْركهَا، وَمن أدْرك دون الرَّكْعَة صلاهَا ظهرا أَرْبعا» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي (الْموضع) الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ أَيْضا، فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث عشر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أحرم بِالنَّاسِ، ثمَّ ذكر أَنه جنب، فَذهب واغتسل وَلم (يسْتَخْلف) » . (هَذَا) الحَدِيث سلف بَيَانه أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 الحَدِيث الرَّابِع عشر «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَدخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَجلسَ إِلَى جنبه، فاقتدى بِهِ أَبُو بكر وَالنَّاس» . هَذَا (الحَدِيث) سلف بَيَانه أَيْضا فِي أثْنَاء الْبَاب الْمَذْكُور. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا سجد فاسجدوا» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب الْمَذْكُور أَيْضا. الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم (يصل) الْجُمُعَة إِلَّا بخطبتين» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب خطبتين يقْعد بَينهمَا» وَفِي رِوَايَة لَهما: «كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم، (قَالَ) : كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 وَفِي رِوَايَة للنسائي: «كَانَ يخْطب الْخطْبَتَيْنِ قَائِما، وَكَانَ يفصل بَينهمَا بجلوس» . وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَت للنَّبِي (خطبتان يجلس بَينهمَا يقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يخْطب ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيخطب قَائِما، فَمن (نبأك) أَنه كَانَ يخْطب جَالِسا فقد كذب، فقد - وَالله - صليت مَعَه أَكثر من ألفي صَلَاة» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح « (يخْطب) قَائِما ثمَّ يقْعد قعدة لَا يتَكَلَّم» . قَوْله: «صليت مَعَه أَكثر من ألفي صَلَاة» (يَعْنِي: ألفي صَلَاة) غير الْجُمُعَة، وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل؛ لِأَن هَذَا الْعدَد إِنَّمَا يتم فِي نَحْو من أَرْبَعِينَ سنة، (وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) إِنَّمَا صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ، لَا سِيمَا وَجَابِر بن سَمُرَة مدنِي وَمُدَّة مقَامه بِالْمَدِينَةِ عشر سِنِين وَلَا يكون فِيهَا إِلَّا خَمْسمِائَة صَلَاة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف مَرَّات مِنْهَا فِي الْبَاب. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام خطب يَوْم الْجُمُعَة فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (قَالَ) : «كَانَت خطْبَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْجُمُعَة يحمد الله ويثني عَلَيْهِ، ثمَّ يَقُول عَلَى إِثْر ذَلِك وَقد علا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول: صبحكم ومساكم. وَيَقُول: بعثت أَنا والساعة كهاتين. ويقرن بَين أصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى، وَيَقُول: أما بعد، فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد، وَشر الْأُمُور محدثاتها، وكل بِدعَة ضَلَالَة. ثمَّ يَقُول: أَنا أولَى بِكُل مُؤمن من نَفسه، وَمن ترك مَالا فلورثته وَمن ترك دَينًا أَو ضيَاعًا فإليَّ وعليَّ» . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «كَانَ إِذا خطب احْمَرَّتْ عَيناهُ وَعلا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه ... » الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «وَكَانَ يحمد الله ويثني عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 يَقُول: من (يهده) الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ» . وَقد تَكَلَّمت عَلَى أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب (فَليُرَاجع) مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يواظب عَلَى الْوَصِيَّة بالتقوى فِي خطبَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد (أسلفناه لَك) من حَدِيث جَابر كَمَا ترَاهُ. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ آيَات وَيذكر الله تَعَالَى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد أسلفت لَك قَرِيبا من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة بِلَفْظ «يقْرَأ الْقُرْآن» وَفِي سنَن أبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح، عَن سماك، عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: «كَانَت صَلَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قصدا) وخطبته (قصدا) يقْرَأ آيَات من الْقُرْآن وَيذكر النَّاس» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث يعْلى بن أُميَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يقْرَأ عَلَى الْمِنْبَر) (وَنَادَوْا يَا مَالك» ) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ فِي الْخطْبَة سُورَة ق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن أُخْت لعمرة (قَالَت) : «أخذت (ق وَالْقُرْآن الْمجِيد (من (فِِيِّ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي يَوْم جُمُعَة وَهُوَ (يقْرَأ بهَا) عَلَى الْمِنْبَر كل جُمُعَة» . وَفِيه أَيْضا (عَن يَحْيَى) بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن أم هِشَام بنت حَارِثَة بن النُّعْمَان الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (قَالَت) : «مَا أخذت (ق وَالْقُرْآن الْمجِيد (إِلَّا (عَن) لِسَان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرؤهَا كل جُمُعَة عَلَى الْمِنْبَر إِذا خطب النَّاس» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 وَهَذَا الحَدِيث مُنْقَطع فِيمَا بَين يَحْيَى وَأم هِشَام، (قَالَه) ابْن الْقطَّان، وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «الِاسْتِيعَاب» : لم يسمع يَحْيَى (بن) عبد الله من أم هِشَام بَينهمَا عبد الرَّحْمَن بن (سعد) . وَالطَّرِيق الأولَى (الَّتِي) قدمناها مُتَّصِلَة بِلَا شكّ. فَائِدَتَانِ: الأولَى: (هَذَا الحَدِيث وَقد عرفت) أَنه فِي صَحِيح مُسلم وَهُوَ من أَفْرَاده، بل لم يخرج البُخَارِيّ عَن أم هِشَام شَيْئا، وَأغْرب الْحَاكِم فاستدركه وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. (الثَّانِيَة: وَقع فِي مُسلم) وَأبي دَاوُد هَذَا الحَدِيث من حَدِيث عمْرَة عَن أُخْتهَا، وَهُوَ وهم (فَإِنَّهُ لم يكن لعمرة بنت عبد الرَّحْمَن أُخْت من أَبَوَيْهَا وَلَا من أَحدهمَا لَهَا صُحْبَة) وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لعمرة بنت حَارِثَة أُخْت (أم) هِشَام (بنت) حَارِثَة، فَلَعَلَّ الْوَهم (أَتَى) من قِبَلِ الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا مجودًا من حَدِيث عمْرَة، عَن أم هِشَام. وَوهم مُسلم - (أَو) غَيره - حَيْثُ رَوَاهُ مرّة عَن عمْرَة عَن أُخْت لعمرة بنت عبد الرَّحْمَن كَانَت أكبر مِنْهَا. وَيُمكن تَأْوِيل قَوْله: عَن أُخْت لعمرة. من (حَيْثُ) أَن الْعَرَب تَقول: الرجل أَخُو مُضر. إِذا كَانَ مِنْهَا عَلَى وَجه الْمجَاز، فعمرة وَأم هِشَام تجتمعان فِي (جدهما) الْأَعْلَى وَهُوَ (عبيد) بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن (النجار) ، وَلم يذكر مصنفو الْأَطْرَاف مُسْندًا (لأخت) عمْرَة وَهُوَ دَلِيل عَلَى أَنه حَدِيث أم هِشَام، نبه عَلَى ذَلِك (كُله) الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي. وَأما الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فَقَالَ: أم هِشَام هِيَ أُخْت عمْرَة لأمها. فَزَالَ الْإِشْكَال. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة بعد الزَّوَال» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا ستقف عَلَيْهِ (فِي الْبَاب) فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ مِنْهُ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا أَنه ثَبت (النَّقْل) بِتَقْدِيم الْخطْبَتَيْنِ عَلَى الصَّلَاة بِخِلَاف صَلَاة (الْعِيد) تُؤخر الْخطْبَتَيْنِ عَلَى الصَّلَاة، وَهُوَ كَمَا قَالَ (فَسَيَأْتِي) فِي كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي الْعِيد قبل الْخطْبَة» وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، واتفقا أَيْضا عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ كَانَ يخرج يَوْم الْأَضْحَى وَيَوْم الْفطر فَيبْدَأ بِالصَّلَاةِ، فَإِذا صَلَّى صلَاته وَسلم قَامَ فَأقبل عَلَى النَّاس ... » الحَدِيث. (وَفِيهِمَا) أَيْضا من هَذَا الْوَجْه «أَن مَرْوَان خرج فِي يَوْم (عيد) فَبَدَأَ بِالْخطْبَةِ قبل الصَّلَاة فَأنْكر عَلَيْهِ ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. وَجَمِيع الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي صَلَاة الْجُمُعَة (قبل الصَّلَاة) مصرحة بِتَقْدِيم الْخطْبَة، فقد ذكرت بَعْضهَا هُنَا وَبَعضهَا فِي الاسْتِسْقَاء، فَتدبر ذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن بعده لم يخطبوا إِلَّا قيَاما» . أما خطبَته عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما فثابت فِي الصَّحِيح فِي (عدَّة أَحَادِيث) مِنْهَا حَدِيث جَابر بن سَمُرَة السالف فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّادِس عشر، وَمِنْهَا حَدِيث كَعْب السالف فِي الحَدِيث الْعَاشِر، وَمِنْهَا حَدِيث (جَابر بن عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 الله و (هُوَ) الحَدِيث الْعَاشِر، وَمِنْهَا حَدِيث) ابْن (عمر) فِي الحَدِيث السَّادِس عشر. وَأما خطْبَة من بعده كَذَلِك فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن (إِبْرَاهِيم بن) مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي صَالح مولَى التوءمة، عَن أبي هُرَيْرَة «عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأبي بكر وَعمر أَنهم كَانُوا يخطبون يَوْم الْجُمُعَة خطبتين عَلَى الْمِنْبَر قيَاما يفصلون بَينهمَا بِالْجُلُوسِ حَتَّى جلس مُعَاوِيَة فِي الْخطْبَة الأولَى فَخَطب جَالِسا، وخطب فِي الثَّانِيَة (قَائِما) » قَالَ الشَّافِعِي - فِيمَا بلغه - عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن الرُّؤَاسِي، عَن الْحسن بن صَالح، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: «رَأَيْت عليًّا يخْطب يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ لم يجلس حَتَّى فرغ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ لم يجلس فِي حَال الْخطْبَة خلاف مَا أحدث بعض الْأُمَرَاء من الْجُلُوس (فِيهَا) وَرَوَى فِي «سنَنه» عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: «أول من أحدث الْقعُود عَلَى الْمِنْبَر مُعَاوِيَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَنه إِنَّمَا (قعد) لضعف (أَو) كبر أَو مرض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «ثَبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن بعده الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ» . أما جُلُوسه عَلَيْهِ السَّلَام بَينهمَا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفناه لَك من حَدِيث ابْن عمر، وَمن حَدِيث جَابر بن سَمُرَة أَيْضا، وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث الْحجَّاج، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يقْعد ثمَّ يقوم فيخطب» وَهَذَا (يسْتَأْنس) بِهِ. وَأما جُلُوس من بعده فقد عَلمته أَيْضا من رِوَايَة الشَّافِعِي (وَهُوَ) ثَابت عَلَى رَأْيه ورأي آخَرين فِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد شَيْخه، وَرَوَاهُ أَيْضا بلاغًا عَن عَلّي كَمَا أسلفته لَك أَيْضا، وَرَوَاهُ الإِمَام (الْأَثْرَم) مُرْسلا فَقَالَ: نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، نَا مجَالد، عَن الشّعبِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول (إِذا صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة اسْتقْبل النَّاس فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم. ويحمد الله ويثني، وَيقْرَأ سُورَة، ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيخطب، ثمَّ ينزل، وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يفعلانه» وَهَذَا مَعَ إرْسَاله؛ فِيهِ مجَالد وَهُوَ لين. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قلت لصاحبك: أنصت وَالْإِمَام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فقد لغوت» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِهَذَا اللَّفْظ قَالَ الرَّافِعِيّ: واللغو: الْإِثْم. قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون) . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين «أَن رجلا دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ: مَتى السَّاعَة؟ فَأَوْمأ النَّاس إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ، فَلم يَقْبَل وَأعَاد الْكَلَام، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الثَّالِثَة: مَاذَا أَعدَدْت لَهَا؟ فَقَالَ: حب الله وَرَسُوله. فَقَالَ: (إِنَّك) مَعَ من أَحْبَبْت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كتاب الْعلم من «سنَنه» ، وَالْبَيْهَقِيّ هُنَا بِإِسْنَاد صَحِيح. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كلم قتلة ابْن أبي الْحقيق وسألهم عَن كَيْفيَّة قَتله فِي الْخطْبَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب «أَن الرَّهْط الَّذين بَعثهمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى ابْن أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 الْحقيق بِخَيْبَر ليقتلوه فَقَتَلُوهُ، فقدموا عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ لَهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين رَآهُمْ: أفلحت الْوُجُوه. فَقَالُوا: أَفْلح وَجهك يَا رَسُول الله. قَالَ: أقتلتموه؟ قَالُوا: نعم. فَدَعَا بِالسَّيْفِ الَّذِي قتل بِهِ وَهُوَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر فسلَّه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أجل، هَذَا طَعَامه فِي ذُبَاب (السَّيْف) وَكَانَ الرَّهْط: عبد الله بن عتِيك، وَعبد الله بن أنيس، وأسود بن خزاعي حَلِيف لَهُم، وَأَبُو قَتَادَة - فِيمَا يظنّ الزُّهْرِيّ - وَلَا يحفظ الزُّهْرِيّ الْخَامِس» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا وَإِن كَانَ مُرْسلا فَهُوَ مُرْسل جيد، وَهَذِه قصَّة مَشْهُورَة فِيمَا بَين أَرْبَاب الْمَغَازِي. قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن الزُّهْرِيّ. وَرُوِيَ عَن أبي الْأسود (عَن عُرْوَة) بن الزبير (فَذكر) هَذِه الْقِصَّة وَذكر مَعَهم مَسْعُود بن سِنَان. قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر موصلاً مُخْتَصرا (فَذكره) بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث (ابْن) عبد الله بن أنيس عَن أَبِيه قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى ابْن أبي الْحقيق ... » فَذكره. وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة (الصَّحَابَة) » فِي تَرْجَمَة أَوْس بن خولي أَنه كَانَ أحد الرَّهْط الَّذين بَعثهمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى ابْن أبي الْحقيق فَقتله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 قلت: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْخَامِس الَّذِي لم (يحفظه) الزُّهْرِيّ. وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي «بسيطه» و «وسيطه» عَلَى غير وَجهه فَقَالَ: «سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ابْن أبي الْحقيق عَن كَيْفيَّة الْقَتْل بعد قفوله من الْجِهَاد» وَهُوَ سَهْو فَاحش، وَصَوَابه: «وَسَأَلَ الَّذين قتلوا ابْن أبي الْحقيق» كَمَا مَضَى، وَكَذَا قَالَه الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَالظَّاهِر أَنه سقط لفظ قبله. وَأما إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَذكره أَولا عَلَى غير الصَّوَاب، ثمَّ ذكره ثَانِيًا بعد بِوَرَقَة عَلَى الصَّوَاب، وَأوردهُ بِلَفْظ: «صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ... » فَذكره. وَابْن أبي الحُقيق - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وقافين بَينهمَا (يَاء) مثناة تَحت سَاكِنة - وَهُوَ أَبُو رَافع الْيَهُودِيّ، كَانَ يُؤْذِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلذَلِك أرسل إِلَيْهِ جمَاعَة من الصَّحَابَة فَقَتَلُوهُ. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كلم سليكًا الْغَطَفَانِي فِي الْخطْبَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «دخل رجل يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب قَالَ: صليت؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فصل رَكْعَتَيْنِ» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 (يخْطب فَجَلَسَ فَقَالَ (لَهُ) : يَا سليك، قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا. ثمَّ قَالَ: إِذا (جَاءَ أحدكُم) يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ (وليتجوز) فيهمَا» . وَهَذِه الرِّوَايَة مفسرة للمبهم فِي الرِّوَايَة الأولَى، (وسليك هُوَ ابْن عَمْرو، وَقيل: هدبة) . وَقد ذكر الرَّافِعِيّ هَذِه الرِّوَايَة فِي أثْنَاء الْبَاب أَيْضا. وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان: «اركع رَكْعَتَيْنِ وَلَا (تعودن) لمثل هَذَا. (فركعهما) ثمَّ جلس» قَالَ ابْن حبَان: أَرَادَ بقوله: «لَا (تعودن) لمثل هَذَا» الإبطاء فِي الْمَجِيء (إِلَى) الْجُمُعَة لَا الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَمر بهما، وَالدَّلِيل عَلَى صِحَة هَذَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه أمره فِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة أَن يرْكَع رَكْعَتَيْنِ (مثلهمَا) ثمَّ أورد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَن رجلا دخل الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْمِنْبَر، فَدَعَاهُ فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (ثمَّ دخل الْجُمُعَة الثَّانِيَة وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) و (فعل) مثل ذَلِك فِي الْجُمُعَة الثَّالِثَة (وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) » . وَفِي رِوَايَة للدارقطني من حَدِيث مُعْتَمر، عَن أَبِيه، عَن قَتَادَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمسك عَن الْخطْبَة حَتَّى فرغ من صلَاته» ثمَّ قَالَ: (أسْندهُ) (عبيد) بن مُحَمَّد وَوهم فِيهِ، وَالصَّوَاب: عَن مُعْتَمر، عَن أَبِيه (مُرْسلا) ، وَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه الصَّحِيح. وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان» عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَن رجلا دخل الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة، فَدَعَاهُ فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: تصدقوا. فتصدقوا فَأعْطَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام ثَوْبَيْنِ مِمَّا تصدقوا وَقَالَ: تصدقوا. فَألْقَى هُوَ أحد ثوبيه فكره عَلَيْهِ السَّلَام مَا صنع وَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا دخل الْمَسْجِد بهيئة (بذة) فرجوت أَن (تفطنوا) لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 فتصدقوا عَلَيْهِ فَلم تَفعلُوا، فَقلت: تصدقوا، فَأعْطَاهُ (أحدكُم) ثَوْبَيْنِ، ثمَّ قلت: تصدقوا، فَألْقَى أحد ثوبيه، خُذ ثَوْبك. وانتهره» . وَقَالَ الْأَثْرَم الْحَافِظ (فِي) «ناسخه ومنسوخه» : حَدِيث أبي سعيد هَذَا صَحِيح، وَفِي (رِوَايَته) : «إِنَّمَا أَمرته أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى (تتفطنوا) لَهُ فتصدقوا عَلَيْهِ» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ (كَانَ يخْطب مُسْتَندا إِلَى جذع فِي الْمَسْجِد، ثمَّ صنع لَهُ الْمِنْبَر) (فَكَانَ) يخْطب عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَرْوِيّ من طرق: مِنْهَا: حَدِيث سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أرسل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى امْرَأَة من الْأَنْصَار أَن مري غلامك النجار يعْمل لي (أعوادًا) أكلم النَّاس عَلَيْهَا. فَعمل هَذِه الثَّلَاث (دَرَجَات) ، ثمَّ أَمر بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوضعت هَذَا الْموضع، وَلَقَد رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ عَلَيْهِ فَكبر وَكبر النَّاس وَرَاءه وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر، ثمَّ رفع فَنزل الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد فِي أصل الْمِنْبَر، ثمَّ عَاد حَتَّى فرغ من صلَاته، ثمَّ أقبل عَلَى النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 النَّاس، إِنَّمَا فعلت هَذَا لتأتموا بِي ولتعلموا صَلَاتي» رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَمِنْهَا حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ جذع يقوم إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا وضع لَهُ الْمِنْبَر سمعنَا للجذع مثل أصوات العشار حَتَّى نزل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوضع يَده عَلَيْهِ» رَوَاهُ البُخَارِيّ. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد فِي مُسْنده «فَأن الْجذع الَّذِي كَانَ يقوم عَلَيْهِ كَمَا يَئِن الصَّبِي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن هَذَا بَكَى لما فقد من الذّكر» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فاضطربت تِلْكَ السارية كحنين النَّاقة حَتَّى سَمعهَا أهل الْمَسْجِد حَتَّى نزل إِلَيْهَا فاعتنقها فسكنت» . وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب إِلَى جذع، فَلَمَّا اتخذ الْمِنْبَر تحول إِلَيْهِ، فحنَّ الْجذع فَأَتَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فمسحه» . وَفِي رِوَايَة: «الْتَزمهُ» . رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا، وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «فخار الْجذع كَمَا تخور الْبَقَرَة جزعًا عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَالْتَزمهُ ومسحه حَتَّى سكن» . وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخْطب إِلَى جذع قبل أَن يتَّخذ الْمِنْبَر، فَلَمَّا اتخذ الْمِنْبَر وتحول إِلَيْهِ حنَّ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فسكن (ثمَّ) قَالَ: لَو لم (أحتضنه) لحن إِلَى يَوْم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 الْقِيَامَة» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن (عَفَّان) ، نَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عمار بن أبي عمار عَنهُ (بِهِ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) من هَذَا الْوَجْه. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي إِلَى جذع إِذْ كَانَ الْمَسْجِد عَرِيشًا، وَكَانَ يخْطب إِلَى ذَلِك الْجذع، فَقَالَ رجل من أَصْحَابه: يَا رَسُول الله، هَل لَك أَن نجْعَل شَيْئا تقوم عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى يراك (النَّاس) وتُسمعهم خطبتك؟ قَالَ: نعم. فَصنعَ لَهُ ثَلَاث دَرَجَات اللائي عَلَى الْمِنْبَر، فَلَمَّا صنع الْمِنْبَر وَوضع فِي مَوْضِعه الَّذِي وَضعه فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يَأْتِي الْمِنْبَر مرَّ عَلَيْهِ، (فَلَمَّا) جاوزه خار الْجذع حَتَّى تصدع وَانْشَقَّ، فَرجع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فمسحه (بِيَدِهِ) حَتَّى سكن، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَر وَكَانَ إِذا صَلَّى (صَلَّى) إِلَيْهِ، فَلَمَّا هدم الْمَسْجِد وغُيِّر، أَخذ ذَلِك الْجذع أبي بن كَعْب (فَكَانَ) عِنْده حَتَّى بلي وأكلته الأرضة وَعَاد رفاتًا» . رَوَاهُ أَحْمد هَكَذَا فِي «مُسْنده» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 فَائِدَة: الْمَرْأَة المبهمة فِي حَدِيث سهل بن سعد قَالَ الْخَطِيب: لَا أعلم أحدا سَمَّاهَا. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَلم أَقف عَلَيْهِ. وَأما صانع الْمِنْبَر فَتحصل لي فِيهِ أَقْوَال نَحْو الْعشْرَة - فاستفدها فَإِنَّهَا تَسَاوِي رحْلَة -: أَحدهَا: أَنه (تَمِيم) الدَّارِيّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر أَنه الَّذِي اتخذ الْمِنْبَر لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثَانِيهَا: ميناء غُلَام الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، حَكَاهُ ابْن النجار فِي كِتَابه « (الدُّرة) الثمينة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة» . ثَالِثهَا: أَنه (صباح) مولَى الْعَبَّاس، حَكَاهُ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَحِمَهُ اللَّهُ. رَابِعهَا: باقوم - بِالْمِيم فِي آخِره، وَقيل بِاللَّامِ - الرُّومِي مَوْلى سعيد بن الْعَاصِ، أخرجه أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَأَبُو (عمر) فِي «معرفَة الصَّحَابَة» . وَقَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم. خَامِسهَا: إِبْرَاهِيم، وَبِه جزم ابْن الْأَثِير فِي «أُسد الغابة» فَقَالَ: إِبْرَاهِيم النجار الَّذِي صنع الْمِنْبَر لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ قَالَ فِي آخِره: أخرجه أَبُو مُوسَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 624 سادسها: مَيْمُون النجار، كَذَا فِي فَوَائِد قَاسم بن أصبغ. سابعها: أَن صانعه مولَى الْعَاصِ بن أُميَّة. ثامنها: أَنه (قبيصَة) المَخْزُومِي (من أثلة) كَانَت قريبَة من الْمَسْجِد، حَكَاهُ ابْن بشكوال. وَفِي كتاب ابْن زبالة (قَول) : أَنه غُلَام لرجل من بني مَخْزُوم، وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» قَالَ عَبَّاس بن سهل بن سعد: «فَذهب أبي (فَقطع) عيدَان الْمِنْبَر من الغابة فَلَا أَدْرِي عَملهَا أبي أَو استعملها» . وَفِيه من حَدِيث سهل بن سعد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لخالٍ لَهُ من الْأَنْصَار: اخْرُج إِلَى الغابة (وائتني) من خشبها فاعمل لي منبرًا أكلم النَّاس عَلَيْهِ. فَعمل لَهُ منبرًا (لَهُ) عتبتان وَجلسَ عَلَيْهِمَا» . فَائِدَة: كَانَ اتِّخَاذه سنة ثَمَان كَمَا قَالَه ابْن النجار. وَذكر الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَن منبره عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ عَلَى يَمِين (الْقبْلَة) وَلَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا مرية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا دنا من منبره سلم (عَلَى من عِنْد) الْمِنْبَر، ثمَّ صعد فَإِذا اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ سلم ثمَّ قعد» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ ابْن عدي فِي «كَامِله» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «كَانَ إِذا دنا من منبره يَوْم الْجُمُعَة سلم عَلَى من عِنْده من الْجُلُوس، فَإِذا صعد الْمِنْبَر اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ ثمَّ سلم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عِيسَى بن عبد الله الْأنْصَارِيّ. قَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَله أَحَادِيث مَنَاكِير. وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك عبد الْحق فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» بعد أَن أخرجه من طَرِيق ابْن عدي: وَلَا يُتَابع عِيسَى هَذَا عَلَى هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» : عِيسَى هَذَا يُخَالف الثِّقَات فَلَا يحْتَج بِهِ. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتَوَى عَلَى الدرجَة الَّتِي تلِي (المستراح) قَائِما ثمَّ سلم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 626 هَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ تبع فِي إِيرَاده صَاحب «الْمُهَذّب» فَإِنَّهُ ذكره (لَكِن) بِدُونِ قَوْله: «قَائِما ثمَّ سلم» وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» إِنَّه مَوْجُود فِي بعض نسخ «الْمُهَذّب» وَلَيْسَ مَوْجُودا فِي بعض (نسخه) الْمُقَابلَة بِأَصْل المُصَنّف، قَالَ: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح. كَذَا قَالَ، وَلم أَقف أَنا عَلَى من خرجه وَإِن كَانَ الْوَاقِع كَذَلِك. وَأما سَلَامه عَلَى الْمِنْبَر فقد أسلفته لَك من حَدِيث ابْن عمر، وذكرته فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» من حَدِيث جَابر مُتَّصِلا وَمن حَدِيث الشّعبِيّ وَعَطَاء مُرْسلا. فَائِدَة: حُكيَ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: «إِذا وقف عَلَى الثَّالِثَة. أقبل بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاس وَسلم» لِأَن هَذَا يرْوَى عَالِيا. وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي مُرَاده بالعالي، فَقيل: إِسْنَاد ذَلِك، وَقيل: أَرَادَ السَّلَام فَإِنَّهُ يُفعل عَالِيا، وَقيل غير ذَلِك. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخْطب خطبتين وَيجْلس جلستين» . هَذَا (الحَدِيث) صَحِيح، وَقد سلف لَك فِي الْبَاب مفرقًَا خلال الجلسة الأولَى فستعلمها فِي حَدِيث السَّائِب الْآتِي عَلَى الإثر، وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 627 خرج يَوْم الْجُمُعَة (فَقعدَ) عَلَى الْمِنْبَر أذن بِلَال» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ مُصعب بن سَلام؛ وَقد لينه أَبُو دَاوُد (و) فِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة سعيد بن حَاطِب الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحَابَة من حَدِيثه: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يخرج فيجلس عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة، ثمَّ يُؤذن الْمُؤَذّن، فَإِذا فرغ قَامَ يخْطب» . الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ عَن السَّائِب بن يزِيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النداء يَوْم الْجُمُعَة أَوله إِذا جلس الإِمَام عَلَى الْمِنْبَر عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأبي بكر وَعمر، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان وَكثر النَّاس زَاد النداء الثَّالِث عَلَى الزَّوْرَاء» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن الَّذِي زَاد (التأذين) الثَّالِث يَوْم الْجُمُعَة عُثْمَان بن عَفَّان حِين كثر أهل الْمَدِينَة، وَلم يكن للنَّبِي (مُؤذن غير وَاحِد، وَكَانَ التأذين يَوْم الْجُمُعَة حِين يجلس الإِمَام [يَعْنِي] عَلَى الْمِنْبَر» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ قَالَ: «لم يكن لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا مُؤذن وَاحِد فِي الصَّلَوَات كلهَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 الْجُمُعَة وَغَيرهَا يُؤذن وَيُقِيم، وَكَانَ بِلَال يُؤذن إِذا جلس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة وَيُقِيم إِذا نزل، وَلأبي بكر وَعمر، حَتَّى كَانَ عُثْمَان» (وَمن) مَرَاسِيل عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى: «أول من زَاد الْأَذَان بِالْمَدِينَةِ عُثْمَان. فَقَالَ عَطاء: كلا، إِنَّمَا كَانَ يَدْعُو النَّاس دُعَاء وَلَا يُؤذن غير أَذَان وَاحِد» وَكَذَا حَكَى الشَّافِعِي عَن عَطاء أَنه أنكر أَن يكون عُثْمَان (أحدثه) (وَالَّذِي فعله عُثْمَان إِنَّمَا هُوَ تذكير) وَالَّذِي أَمر بِهِ إِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَة. فَائِدَة: «الزَّوْرَاء» - بِالْفَتْح وَالْمدّ -: مَكَان مُتَّصِل بِالْمَدِينَةِ، قَالَه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ (فِي) الْأَمْكِنَة قَالَ: وَكَانَ بِهِ مَال لأحيحة بن الجلاح وَهُوَ الَّذِي عَنى بقوله: إِن الْكَرِيم عَلَى الإخوان ذُو مَال إِنِّي مُقيم عَلَى الزَّوْرَاء أعمرها وَقَوله: «زَاد النداء الثَّالِث» إِنَّمَا سَمَّاهُ (أذانًا) لِأَن الْإِقَامَة تسمى أذانًا كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح: «بَين كل أذانين صَلَاة» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قصر الْخطْبَة وَطول الصَّلَاة مئنة من فقه الرجل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عمار بن يَاسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 وَلَفظه: «إِن طول صَلَاة الرجل وَقصر خطبَته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصَّلَاة واقصروا الْخطْبَة، وَإِن من الْبَيَان (سحرًا) » واستدركه الْحَاكِم عَلَيْهِ وَعَلَى (البُخَارِيّ) وَقد علمت أَنه فِي مُسلم، نعم لَيْسَ هُوَ فِي البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِقْصَارِ الْخطْبَة» . فَائِدَة: «مَئِنَّة» بِفَتْح الْمِيم وَبعدهَا همزَة مَكْسُورَة ثمَّ نون مُشَدّدَة: أَي عَلامَة وَدلَالَة عَلَى فقهه. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَن الْمِيم فِيهَا زَائِدَة وَهِي مفعلة. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَغلط أَبُو عبيد فِي جعله الْمِيم أَصْلِيَّة. قَالَ الْأَصْمَعِي: لَوْلَا أَن الحَدِيث ورد كَذَلِك لَكَانَ صَوَابه (مئينة) عَلَى وزن مُعينَة. وَقَالَ أَبُو زيد: مئته - بِكَسْر الْهمزَة وتاء مثناة فَوق وهاء - حَكَاهُ الْجَوْهَرِي أَي مخلقة (لذَلِك) ومجدرة. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَت صلَاته قصدا وخطبته قصدا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 630 قَالَ: «كنت أُصَلِّي مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَكَانَت) صلَاته قصدا (وخطبته قصدا) » وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح: «كَانَ لَا يُطِيل الموعظة يَوْم الْجُمُعَة إِنَّمَا هِيَ كَلِمَات يسيرات» . الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «كَانَ إِذا خطب (اسْتقْبل) النَّاس بِوَجْهِهِ واستقبلوه، وَكَانَ لَا يلْتَفت» . هَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ تبع فِي إِيرَاده صَاحب «الْمُهَذّب» فَإِنَّهُ أوردهُ من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا خَطَبنَا استقبلناه (بوجوهنا) واستقبلنا بِوَجْهِهِ» . وَلم (يعزه) الْمُنْذِرِيّ (الْحَافِظ) فِي تَخْرِيجه وَلَا النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَإِنَّمَا بيضًا لَهُ بَيَاضًا، وَأنكر غَيرهمَا عَلَى الشَّيْخ إِيرَاده، وَقد رَأَيْت ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث إِلَّا قَوْله: «لَا يلْتَفت» . أَحدهَا: عَن عدي بن ثَابت، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ رَسُول (إِذا قَامَ عَلَى الْمِنْبَر استقبله أَصْحَابه بِوُجُوهِهِمْ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَقَالَ: أَرْجُو أَن يكون مُتَّصِلا. ثَانِيهَا: عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ عَلَى الْمِنْبَر استقبلناه بوجوهنا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة وَهُوَ ذَاهِب فِي الحَدِيث عِنْد أَصْحَابنَا. وَكَذَا (ضعفه) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من هَذَا الْوَجْه، وَكَذَا ابْن عدي فِي «كَامِله» (أَيْضا) . ثَالِثهَا: عَن ابْن عمر، وَقد سلف قَرِيبا، وذكرته فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» من طَرِيقين آخَرين فَرَاجعهَا مِنْهُ. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعْتَمد عَلَى قَوس فِي خطبَته» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين أَحدهمَا: من حَدِيث الحكم بن حزن الكلفي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «وفدت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَابِع سَبْعَة أَو تَاسِع تِسْعَة، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، زرناك فَادع الله لنا بِخَير. فَأمر لنا بِشَيْء من التَّمْر، والشأن إِذْ ذَاك دون، فَأَقَمْنَا بهَا أَيَّامًا شَهِدنَا (فِيهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَامَ متوكئًا عَلَى عَصَى أَو قَوس فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَات خفيفات طَيّبَات مباركات، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم لن (تُطِيقُوا) (و) لن تَفعلُوا كل مَا (أمرْتُم) بِهِ وَلَكِن سددوا ويسروا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَلم يُضعفهُ فَهُوَ حسن عِنْده، وَأخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» لَكِن فِي سَنَده شهَاب بن خرَاش وَهُوَ من الْمُخْتَلف (فيهم) ، وَوَثَّقَهُ ابْن الْمُبَارك وَغير وَاحِد كَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَأحمد وَيَحْيَى بن معِين، وَقَالَ ابْن عدي: فِي بعض رواياته مَا يُنكر. وَلم (أر) للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما، وَقَالَ ابْن حبَان: يُخطئ كثيرا. وَاقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَلَى هَذِه القولة فِيهِ. وَأما الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي «الْمُغنِي» : لم يُضعفهُ أَحْمد قطّ. وَرَأَيْت بِخَط ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» إِثْر (سياقته لَهُ بِإِسْنَادِهِ) : هَذَا حَدِيث غَرِيب وَإِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 633 قلت: وَأخرجه الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَلم يذكر لَهُ فِي تَرْجَمته سواهُ. وَصرح الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَيْضا سواهُ، وَهُوَ الحكم بن حزن الكلفي مَنْسُوب إِلَى كلفة (بن) حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ: وَيُقَال: كلفة فِي تَمِيم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: كلفة فِي تَمِيم. وَنسبه مُحَمَّد بن أبي عُثْمَان الْحَافِظ فِي بني تَمِيم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَيُقَال هُوَ (من) بني نصر بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن. وَهَكَذَا ذكره أَبُو بكر البرقي وشباب وَغَيرهمَا. وَقَالَ مُحَمَّد بن يُونُس الْحَافِظ: الصَّوَاب أَن الحكم بن حزن ينْسب إِلَى كلفة بن عَوْف بن نصر بن مُعَاوِيَة. (الطَّرِيق الثَّانِي) : من (حَدِيث) (الْبَراء) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا نَنْتَظِر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْأَضْحَى، فجَاء فَسلم عَلَى النَّاس، وَقَالَ: إِن أول منسك يومكم هَذَا الصَّلَاة. فَتقدم فَصَلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سلم فَاسْتقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ، ثمَّ أعطي قوسًا أَو عَصا اتكأ عَلَيْهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 634 فَحَمدَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَأمرهمْ ونهاهم» (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ) فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» عَن (عَلّي بن عبد الْعَزِيز، نَا أَبُو) نعيم، نَا أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، حَدثنِي يزِيد بن الْبَراء، عَن أَبِيه (بِهِ) . وَأَبُو جناب (هَذَا) واهٍ كَمَا عرفت حَاله فِي صَلَاة النَّفْل. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث زَائِدَة، ثَنَا أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، ثَنَا يزِيد بن الْبَراء بن عَازِب، عَن الْبَراء ... فَذكره أطول مِنْهُ، وَمن (ضعَّفَ) الْكَلْبِيّ هَذَا بالتدليس يلْزمه (تَصْحِيح) هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ صرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ (وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن بن عَلّي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن (أبي) جناب (بِهِ) مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (أعطي) يَوْم الْعِيد قوسًا فَخَطب عَلَيْهِ) » وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ عذر ابْن السكن؛ فَإِنَّهُ أوردهُ فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» من حَدِيث الْبَراء «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب عَلَى قَوس أَو عَصا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ إِذا صعد الْمِنْبَر اعْتمد عَلَى قَوس أَو عَصا» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 (وَأخرجه الشَّيْخ فِي «كتاب أَخْلَاق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» من حَدِيث وَكِيع وَعبد الله بن دَاوُد عَن أبي جناب، عَن يزِيد بن الْبَراء، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطبهم يَوْم عيد وَهُوَ مُعْتَمد عَلَى قَوس أَو عَصا» وَكَانَ أخرجه قبل ذَلِك من حَدِيث أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن الْحسن بن عمَارَة - أحد الهلكى - عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله يخطبهم يَوْم الْجُمُعَة فِي السّفر متوكئًا عَلَى قَوس قَائِما» وَهَذَا طَرِيق ثَالِث بعد الْأَرْبَعين مَا يتَعَلَّق بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ رَوَى خَ ذكر قصَّته من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا الْأسود، عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخْطب وَمَعَهُ مخصرة) » . الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا خطب (يعْتَمد) عَلَى (عنزته) اعْتِمَادًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث لَيْث عَن عَطاء عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهَذَا مُرْسل وَضَعِيف. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْجُمُعَة حق وَاجِب عَلَى كل مُسلم فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 جمَاعَة إِلَّا أَرْبَعَة: عبد أَو امْرَأَة أَو صبي أَو مَرِيض» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة طَارق بن شهَاب عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وطارق هَذَا هُوَ ابْن شهَاب (بن عبد شمس الأحمسي) ، عده أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَأَبُو عمر وَصَاحب الْكَمَال وَابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي الصَّحَابَة. وَرَوَى الْبَغَوِيّ وَأَبُو نعيم فِي «معجميهما» وَابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وغزوت مَعَ أبي بكر» وَفِي مَرَاسِيل ابْن أبي حَاتِم أَيْضا عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَاد أَبُو حَاتِم: وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة. وَلَعَلَّ مُرَاده بذلك طول الصُّحْبَة (و (عبارَة) أبي زرْعَة: لَهُ رُؤْيَة وَلَيْسَت لَهُ رِوَايَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سُئِلَ: أَي الْجِهَاد أفضل؟ فَقَالَ: كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر» : هُوَ مُرْسل. قَالَ (وَلَده: قلت لَهُ: أدخلته) فِي مُسْند الوحدان قَالَ: إِنَّمَا أدخلته فِي الوحدان لما حُكيَ من رُؤْيَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 637 وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : طَارق هَذَا مِمَّن يعد فِي الصَّحَابَة. (وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يُعد فِي الصَّحَابَة) . وَلم يسمع مِنْهُ. كَذَا رَأَيْته فِيهَا، وَعبارَة الْبَيْهَقِيّ فِي النَّقْل عَنهُ أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا. وَقَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بِذَاكَ، وطارق لَا يَصح لَهُ سَماع من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا أَنه قد لَقِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَفِي قَول الْخطابِيّ: لَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بِذَاكَ نظر؛ فَإِن رِجَاله كلهم ثِقَات. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» و «الْخُلَاصَة» : إِسْنَاده (صَحِيح) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَصرح ابْن الْأَثِير فِي «جَامع الْأُصُول» بِسَمَاع طَارق من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَقَالَ: رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَلَيْسَ لَهُ سَماع مِنْهُ إِلَّا شاذًّا. وَعبارَة الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصر كتاب ابْن الْأَثِير أُسْد الغابة» : طَارق بن شهَاب لَهُ رُؤْيَة وَرِوَايَة. (هَذَا) لَفظه. وَعبارَة النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» أَنه صَحَابِيّ أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَصَحب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَعَلَى تَقْدِير (عدم) سَمَاعه الْبَتَّةَ لَا يقْدَح ذَلِك فِي صِحَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 الحَدِيث؛ لِأَن نهايته (أَنه مُرْسل) صَحَابِيّ وَهُوَ حجَّة (بِالْإِجْمَاع) إِلَّا من شَذَّ، وَقد رَوَاهُ طَارق مرّة أُخْرَى عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : ثَنَا أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه - يَعْنِي ابْن خُزَيْمَة - ثَنَا عبيد بن مُحَمَّد الْعجلِيّ، حَدثنِي (الْعَبَّاس) بن عبد الْعَظِيم، حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور، نَا هريم بن سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر، عَن قيس بن مُسلم، عَن طَارق بن شهَاب، عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... فَذكره بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، فقد اتفقَا جَمِيعًا عَلَى الِاحْتِجَاج بهريم بن سُفْيَان، وَلم يخرجَاهُ. (و) قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، (عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد) بن الْمُنْتَشِر، وَلم يذكر أَبَا مُوسَى فِي إِسْنَاده. وَأَشَارَ إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة أَولا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : حَدِيث طَارق هَذَا (وَإِن) كَانَ فِيهِ إرْسَال (فَهُوَ) (إرْسَال) جيد؛ فطارق من كبار التَّابِعين وَمِمَّنْ رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يسمع مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 قلت: هَذَا الْكَلَام مِنْهُ مُخَالف لرأي الْجُمْهُور؛ فَإِن عِنْدهم أَن الصُّحْبَة تثبت بِالرُّؤْيَةِ فَقَط، (وَقد عده) من أسلفنا من الصَّحَابَة، ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ -: و (لحديثه) هَذَا شَوَاهِد فَذكرهَا بأسانيده: من رِوَايَة تَمِيم الدَّارِيّ، وَمولى لآل الزبير يرفعهُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَابْن عمر. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من «سنَنه» : رَوَى هَذَا الحَدِيث عبيد بن مُحَمَّد (عَن) الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم، فوصله بِذكر أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ؛ فقد رَوَاهُ غير الْعَبَّاس - يُرِيد بِهِ الطَّرِيقَة السالفة عَن «الْمُسْتَدْرك» - عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور دون ذكر أبي مُوسَى فِيهِ. قلت: وَلقَائِل أَن يَقُول لَا نجْعَل رِوَايَة الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم غير (مَحْفُوظَة) بِهَذَا الْقدر؛ فقد يكون للْحَدِيث إسنادان (فَيُؤَدِّي) كل من رُوَاته مَا سمع، وَقد يكون عِنْد الشَّخْص الْوَاحِد إسنادان لحَدِيث وَاحِد فيرويه كل مرّة عَلَى نمط. وَقَالَ فِي (كِتَابه) «فَضَائِل الْأَوْقَات» : تفرد بوصله عَن طَارق عبيد بن مُحَمَّد الْعجلِيّ. قلت: هُوَ ثِقَة فَلَا يضر تفرده إِذن، وَقد علم مَا فِي تعَارض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 (الْوَصْل) والإرسال، وَحَدِيث تَمِيم (الَّذِي) ذكره الْبَيْهَقِيّ خرجه الْعقيلِيّ وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد من حَدِيث ضرار بن عَمْرو عَن أبي عبد الله الشَّامي عَن تَمِيم بِزِيَادَة: «أَو مُسَافر» كَمَا هُوَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، قَالَ الْعقيلِيّ: وَلَا يُتَابع ضرار عَلَى ذَلِك. وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد أَيْضا: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ (ابْن أبي حَاتِم) فِي «علله» : سُئِلَ أَبُو زرْعَة (عَنهُ) فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مُنكر. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فِيهِ أَرْبَعَة أنفس يعل بِكُل وَاحِد مِنْهُم. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَعَلَيهِ الْجُمُعَة إِلَّا امْرَأَة أَو مُسَافر أَو عبد أَو مَرِيض» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، حَدثنِي معَاذ بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا (بِهِ) إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا بدل «عبد» : «مَمْلُوك» وَهُوَ، هُوَ وَزَاد «أَو صبي فَمن اسْتَغنَى بلهو أَو تِجَارَة اسْتَغنَى الله عَنهُ، وَالله غَنِي حميد» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 641 وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، ابْن لَهِيعَة قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، ومعاذ هَذَا مُنكر الحَدِيث غير مَعْرُوف. (قَالَه) أَبُو أَحْمد، وَأَبُو الزبير مُدَلّس وَقد عنعن، وَأَبُو أَحْمد ذكر معَاذًا بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: ابْن لَهِيعَة يحدث عَن أبي الزبير عَن جَابر (نُسْخَة) . وَلم يبين عبد الْحق مَوضِع عِلّة هَذَا الحَدِيث بل قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث غَرِيب جدًّا لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهُوَ ضَعِيف. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا ابتلت النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم (يصل) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (الْجُمُعَة) فِي حجَّة الْوَدَاع وَقد وَافق يَوْم عَرَفَة. وَلَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا مرية، وستعلم (ذَلِك) فِي كتاب الْحَج. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْجُمُعَة عَلَى من سمع النداء» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن فَارس، نَا قبيصَة، ثَنَا سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي، عَن أبي سَلمَة بن نبيه، عَن عبد الله بن هَارُون، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن فِي إِسْنَاده جماعات تكلم فيهم بِسَبَب جَهَالَة الْعين وَالْحَال والضعف، أما أَبُو سَلمَة بن نبيه فعينه مَجْهُولَة (و) كَذَا حَاله؛ فَإِنِّي لَا أعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي، وَلَا أعلم أحدا وَثَّقَهُ وَلَا ضعفه. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : أَبُو سَلمَة هَذَا مَجْهُول لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي (شَيْء من) مظان (وجوده و) وجود أَمْثَاله. وَأما مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي فَقَالَ فِيهِ ابْن حبَان: (إِنَّه) يروي عَن الثِّقَات مَا لَيْسَ من حَدِيثهمْ، وَإنَّهُ لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهُوَ عِنْد ابْن أبي حَاتِم مَجْهُول الْحَال لم يزدْ فِي ذكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 (إِيَّاه) ، عَلَى أَن (الثَّوْريّ) يروي عَنهُ، وَهُوَ يروي عَن طَاوس. قلت: لَكِن وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ (لنا) ابْن أبي دَاوُد: (و) (مُحَمَّد) بن سعيد الطَّائِفِي ثِقَة، وَهَذِه سنة تفرد بهَا أهل الطَّائِف. وَأما عبد الله بن هَارُون (فمجهول) الْعين وَالْحَال، وَلَا يعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا ابْن (نبيه) وَقد نَص ابْن الْقطَّان عَلَى جَهَالَة حَاله. وَأما قبيصَة فَهُوَ رجل صَالح إِلَّا أَنه كثير الْخَطَأ عَلَى الثَّوْريّ. قَالَه النَّسَائِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن معِين وَغَيره (و) هُوَ ثِقَة إِلَّا فِي الثَّوْريّ. (ثَانِيهمَا) : قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن سُفْيَان مَقْصُورا عَلَى عبد الله بن عمر وَلم (يرفعوه) ، وَإِنَّمَا أسْندهُ قبيصَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 وَقَالَ عبد الْحق: (رُوِيَ) مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّحِيح. قلت: وَله شَاهد بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. ذكره الْبَيْهَقِيّ شَاهدا لَهُ وَقَالَ: إِنَّه رُوِيَ مَوْقُوفا أَيْضا) . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عبد الله بن رَوَاحَة فِي سَرِيَّة فَوَافَقَ ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة، فغدا أَصْحَابه وتخلف هُوَ ليُصَلِّي ويلحقهم، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا خَلفك؟ قَالَ: أردْت أَن أُصَلِّي مَعَك وألحقهم. فَقَالَ: (لَو) أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا أدْركْت (فضل) غدوتهم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَهَذَا لَفظه عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (بِهِ) ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا (نعرفه) إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قَالَ يَحْيَى بن سعيد: قَالَ شُعْبَة: لم يسمع الحكم (من) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 645 مقسم إِلَّا خَمْسَة أَحَادِيث، وعدها شُعْبَة، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِمَّا عدهَا شُعْبَة، وَكَأن هَذَا الحَدِيث لم يسمعهُ الحكم من مقسم. هَذَا آخر كَلَامه، وَجزم عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِأَن الحكم لم يسمع هَذَا الحَدِيث من مقسم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف انْفَرد بِهِ الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف. وَأعله بِهِ (ابْن) الْقطَّان أَيْضا. قلت: فَالْحَدِيث ضَعِيف لهذين الْوَجْهَيْنِ. فَائِدَة: نقل التِّرْمِذِيّ عَن شُعْبَة كَمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ (آنِفا) أَن الحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا خَمْسَة أَحَادِيث، وَفِي خلافيات الْبَيْهَقِيّ (أَنه) لم يسمع مِنْهُ إِلَّا أَرْبَعَة (وَكَذَلِكَ فِي «علل أَحْمد» عَنهُ) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الَّذِي يَصح للْحكم عَن مقسم أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث الْوتر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُوتر» وَحَدِيث «عَزِيمَة الطَّلَاق (والفيء) الْجِمَاع» وَعَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس «أَن عمر قنت فِي الْفجْر» وَأَيْضًا عَن مقسم (رَأْيه) «فِي محرم أصَاب صيدا قَالَ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، فَإِن لم يكن عِنْده قوّم الْجَزَاء دَرَاهِم ثمَّ تقوم الدَّرَاهِم طَعَاما» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 قَالَ عبد الله بن أَحْمد: قلت لأبي: فَمَا (رووا) غير هَذِه؟ قَالَ: مَا (أعلم يَقُولُونَ) هِيَ كتاب؛ أرَى (حجاج) رَوَى عَنهُ عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس نَحوا من خمسين حَدِيثا وَابْن أبي لَيْلَى (يغلط) فِي أَحَادِيث من أَحَادِيث الحكم. قَالَ عبد الله: وَسمعت أبي مرّة يَقُول: (قَالَ) شُعْبَة: (هَذِه) الْأَرْبَعَة الَّتِي يصححها الحكم سَمَاعا من مقسم. وَنقل غَيره عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ ليحيى بن سعيد: مَا هِيَ؟ - (يَعْنِي) هَذِه الْأَحَادِيث الْخَمْسَة - (فعدّ) حَدِيث الْوتر، والقنوت، وعزيمة الطَّلَاق، وَجَزَاء مثل (مَا) قتل من النعم، وَالرجل يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض، قَالَ: والحجامة للصَّائِم، وَلَيْسَ (يَصح) . تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: من لَا عذر لَهُ إِذا صَلَّى الظّهْر قبل فَوَات الْجُمُعَة فَفِي صِحَة ظَهره قَولَانِ: الْقَدِيم: الصِّحَّة، والجديد: لَا. وَذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 الْأَصْحَاب أَن الْقَوْلَيْنِ مبنيان عَلَى أَن الْفَرْض الْأَصْلِيّ يَوْم الْجُمُعَة مَاذَا؟ فعلَى الْقَدِيم الْفَرْض الْأَصْلِيّ الظّهْر، وَعَلَى الْجَدِيد الْجُمُعَة للْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا. انْتَهَى. وَمن تِلْكَ الْأَخْبَار: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْفطر رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ، تَمام غير قصر عَلَى لِسَان نَبِيكُم مُحَمَّد» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : لم يسمعهُ ابْن أبي لَيْلَى (من عمر) . وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لم يثبت عندنَا من جِهَة صَحِيحَة أَن ابْن أبي لَيْلَى سمع من عمر. وَكَانَ شُعْبَة يُنكر سَمَاعه مِنْهُ، وَقَالَ ابْن معِين: لم يره، وَسُئِلَ عَن حَدِيثه هَذَا (سَمِعت) عمر يَقُول: «صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ» فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 وَرَوَى شُعْبَة، عَن الحكم، عَن ابْن أبي لَيْلَى أَنه قَالَ: ولدت لست بَقينَ من خلَافَة عمر. لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أخرجه: رَوَاهُ يَحْيَى الْقطَّان، عَن سُفْيَان، عَن زبيد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الثِّقَة، عَن عمر. ثمَّ أخرجه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن كَعْب بن عجْرَة، (عَن عمر) قَالَ: قَالَ عمر: «صَلَاة الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْفطر رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْمُسَافِر رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر» زَاد ابْن السكن فِي «صحاحه» : «عَلَى لِسَان نَبِيكُم، وَقد خَابَ من افتَرَى» ثمَّ أخرج الرِّوَايَة (الأولَى) أَيْضا. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (إِذا) أَتَى أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِلَفْظ: «إِذا جَاءَ أحدكُم ... » إِلَى آخِره. وَلمُسلم: «إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَأْتِي الْجُمُعَة فليغتسل» . وللبيهقي بِإِسْنَاد صَحِيح: «من أَتَى الْجُمُعَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء فليغتسل، وَمن لم يأتها فَلَيْسَ عَلَيْهِ غسل من الرِّجَال وَالنِّسَاء» . وَلابْن حبَان الْقطعَة الأولَى من هَذِه الرِّوَايَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 649 فَائِدَة: ذكر ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» أَن هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن نَافِع مولَى ابْن عمر عَن (ابْن) عمر، جماعات عَددهمْ فَوق الثلاثمائة وَأَن (جماعات) تابعوا أَيْضا نَافِعًا، وَأَنه رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير ابْن عمر أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ صحابيًّا ثمَّ ذكرهم. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبها ونعمت، وَمن اغْتسل فالغسل أفضل» . هَذَا الحَدِيث (مَرْوِيّ) من طرق أحْسنهَا طَرِيق الْحسن عَن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء، رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقد قدمنَا فِي آخر بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة فصلا عقدناه لهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهِي سَماع الْحسن من سمُرة وملخصها (ثَلَاثَة) مَذَاهِب: السماع مِنْهُ مُطلقًا، ومقابلة، وَالتَّفْصِيل بَين حَدِيث الْعَقِيقَة وَغَيرهَا. (وأسلفنا هُنَاكَ أَن البُخَارِيّ قَالَ بِالْأولِ، وَأَن التِّرْمِذِيّ صحّح حَدِيثه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 فِي مَوَاضِع) فَيكون هَذَا الحَدِيث صَحِيحا عَلَى (شَرطهمَا) وَاقْتصر التِّرْمِذِيّ هُنَا عَلَى (تحسينه) فَقَالَ عقب إِخْرَاجه: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعضهم عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَقد صحّح (الإِمَام) أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ هَذَا الحَدِيث من طريقيه - أَعنِي الِاتِّصَال والإرسال - فَذكر ابْنه عَنهُ أَنه قَالَ: هما (جَمِيعًا) صَحِيحَانِ همام ثِقَة (وَصله) وَأَبَان - يَعْنِي عَن قَتَادَة - لم (يوصله) وَنقل هَذَا عَن أبي حَاتِم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الإِمَام» (وَأقرهُ) . وَقَالَ فِي (إلمامه) : من يحمل رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة عَلَى السماع مُطلقًا ويصححها يصحح هَذَا الحَدِيث. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبها ونعمت ... » الحَدِيث. رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث أبي بكر الْهُذلِيّ، عَن الْحسن وَمُحَمّد، عَن أبي هُرَيْرَة ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَهُوَ وهم، وَالْمَحْفُوظ (من) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث (أنس) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة ... » الحَدِيث. رَوَاهُ ابْن مَاجَه (فِي «سنَنه» » من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن يزِيد بن أبان الرقاشِي، عَن أنس بِهِ. وَإِسْمَاعِيل وَيزِيد (قد) ضعفا. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن (مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن) الْمروزِي، نَا عُثْمَان بن يَحْيَى، نَا مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، نَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «من تَوَضَّأ فبها ونعمت، وَمن (اغْتسل) فالغسل (أفضل) » . ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن حَمَّاد إِلَّا مُؤَمل، تفرد بِهِ عُثْمَان بن يَحْيَى، ومؤمل بن إِسْمَاعِيل صَدُوق وَقد تكلم فِيهِ خَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الرّبيع بن صبيح، عَن يزِيد الرقاشِي، عَن أنس مَرْفُوعا كَمَا سلف قبله بِزِيَادَة: «وَالْغسْل من السّنة» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده نظر. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» بعد (سياقته) لَهُ: وَفِيه إِسْنَاد آخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 652 أصح من ذَلِك. ثمَّ سَاق حَدِيث سَمُرَة، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث أنس هَذَا فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ عَلَى قَتَادَة، وَرَوَاهُ عباد بن الْعَوام، عَن سعيد (بن) أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس. وَوهم فِيهِ وَخَالفهُ يزِيد بن زُرَيْع فَرَوَاهُ عَن سعيد، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، وَهُوَ الْمَحْفُوظ. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «من تَوَضَّأ فبها ونعمت وَيُجزئ من الْفَرِيضَة، وَمن اغْتسل فالغسل أفضل» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (ثمَّ قَالَ) : وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. (قَالَ) : وَإِنَّمَا يعرف من حَدِيث الْحسن وَغَيره. الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا (بِهِ) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْبَزَّار وَقَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ عَن عَوْف إِلَّا شريك، وَلَا عَن شريك إِلَّا أسيد بن زيد (قَالَ) : وَأسيد هَذَا كُوفِي قد احْتمل حَدِيثه مَعَ شِيعِيَّة شَدِيدَة كَانَت فِيهِ. قلت: قَالَ يَحْيَى فِي حَقه: كَذَّاب وَقَالَ (السَّاجِي) : لَهُ مَنَاكِير. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمُنْكَرَات عَن الثِّقَات. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَمَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 هَذَا (فقد) أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَهُوَ (مِمَّن) عيب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَنهُ. قلت (وَذكره) (أَبُو عمر) بن عبد الْبر فِي «تمهيده» بِإِسْنَاد آخر أَجود من هَذَا فَقَالَ: ثَنَا عبد الْوَارِث بن سُفْيَان، نَا قَاسم بن أصبغ، نَا إِبْرَاهِيم بن (عبد الرَّحْمَن) نَا صَالح بن مَالك، نَا الرّبيع بن بدر، عَن الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد بِهِ، (لَكِن) الرّبيع هَذَا تَرَكُوهُ. الطَّرِيق السَّادِس: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا (بِهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فَقَالَ: رَوَاهُ الثَّوْريّ عَمَّن حَدثهُ، عَن أبي نَضرة عَنهُ، وَرَوَاهُ إِسْحَاق عَن أبي دَاوُد الْحَفرِي، عَن سُفْيَان. الطَّرِيق السَّابِع: من حَدِيث أبي حرَّة، عَن الْحسن، عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة - قَالَ أَبُو حرَّة: لَا أعلمهُ إِلَّا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة ... » الحَدِيث. ذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» وَرَوَاهَا قبله أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن أبي حرَّة (بِهِ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ بكر بن بكار، عَن أبي حرَّة بِإِسْنَادِهِ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 وَلم يشك، فَهَذَا مَا حَضَرنَا من طرق هَذَا الحَدِيث، وَكلهَا شاهدة لطريق الْحسن عَن سَمُرَة، وعاضدة لَهُ، فَهُوَ صَحِيح إِذن، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: وَقع فِي «شرح (التَّنْبِيه» ) لِلْحَافِظِ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي آخر بَاب الْغسْل عقب هَذَا الحَدِيث: أَخْرجَاهُ. وَالْعَادَة فِي مثل ذَلِك (إِرَادَة) البُخَارِيّ (وَمُسلم) ، وَهَذَا وهم (وَقع من النَّاسِخ) ، وَقد عزاهُ فِي هَذَا الشَّرْح الْمَذْكُور فِي بَاب هَيْئَة الْجُمُعَة عَلَى الصَّوَاب، فَقَالَ: أخرجه أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ. ثَانِيهَا: (نعمت) الْأَشْهر فِي ضَبطهَا - (كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ) - كسر النُّون وَإِسْكَان الْعين. قَالَ الْخطابِيّ: والعوام يَرْوُونَهُ «ونَعِمت» بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ (فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِن هَذَا هُوَ الأَصْل فِي هَذَا اللَّفْظ. قَالَ الْخطابِيّ والقلعي: وَرَوَاهُ بَعضهم بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين وَفتح التَّاء، أَي: نعمك الله. وَقَالَ النَّوَوِيّ) : إِن هَذَا (تَصْحِيف) . قلت: وَذكر هَذَا ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ: وَيُقَال: «نَعِمْتَ - بِكَسْر الْعين وَسُكُون الْمِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 وَفتح التَّاء للمخاطب - أَي: نعَّمك الله. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي «نوادره» : يُقَال: إِن (فعلهَا) كَذَا وَكَذَا فبها ونِعمت ونَعمت. وَقَالَ ابْن بري: فِي «نعمت» أَربع لُغَات مَشْهُورَة: نِعْمَت ونَعْمَت ونِعَمَتْ ونَعِمَتْ. ثَالِثهَا: اخْتلف فِي مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «فبها ونعمت» عَلَى أَقْوَال: أَحدهَا: فبالسنة آخذ ونعمت السّنة. (قَالَه) الْأَصْمَعِي فِيمَا حَكَاهُ الْأَزْهَرِي والخطابي، وَلَعَلَّه أَرَادَ بقوله: فبالسنة (آخذ) أَي: بِمَا جوزتهُ السّنة. ثَانِيهَا: ونعمت الْخصْلَة أَو الفعلة أَو نَحْو ذَلِك قَالَه الْخطابِيّ، قَالَ: وَإِنَّمَا ظَهرت تَاء التَّأْنِيث (لإضمار) السُّنة أَو الْخصْلَة أَو (الفعلة) . ثَالِثهَا: فبالرخصة آخذ، حَكَاهُ الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» عَن الْفَقِيه أبي حَامِد الشاركي قَالَ: لِأَن السّنة يَوْم الْجُمُعَة الْغسْل. رَابِعهَا: فبالفريضة آخذ، قَالَه (صَاحب) (الشَّامِل) . (خَامِسهَا) : ادَّعَى قوم فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب «الْإِعْلَام (بناسخ) الحَدِيث ومنسوخه» و «مُخْتَصره» : إِن هَذَا الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 (نَاسخ) لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «غسل الْجُمُعَة وَاجِب عَلَى كل محتلم» . قَالَ: وَفِي هَذَا ضعف؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى من هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا (تَأَول) قوم - مِنْهُم الْخطابِيّ - الْوُجُوب باللزوم فِي بَاب الِاسْتِحْبَاب، كَمَا تَقول: حَقك عَلّي وَاجِب. وَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» : فِي هَذِه الدَّعْوَى بُعد؛ لِأَنَّهُ لَا تَارِيخ مَعنا، وَأَحَادِيث الْوُجُوب أصح. الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من غسل مَيتا فليغتسل، وَمن مسّه فَليَتَوَضَّأ» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه مَبْسُوطا فِي بَاب الْغسْل فَرَاجعه مِنْهُ، وَذكر الرَّافِعِيّ هُنَا أَن الْأَخْبَار فِي غسل الْجُمُعَة أصح وَأثبت، أَي من الْأَخْبَار فِي الْغسْل من غسل الْمَيِّت وَهُوَ كَمَا قَالَ، (قَالَ) : وَهَذَا الْخَبَر إِن صَحَّ؛ مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب. الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا غسل عَلَيْكُم من غسل (ميتكم) » . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين: مَرْفُوعَة وموقوفة، أما المرفوعة، فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، (عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 657 أبي شيبَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي شيبَة) ، عَن خَالِد بن مخلد، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي غسل ميتكم غسل إِذا غسلتموه؛ فَإِن ميتكم لَيْسَ بِنَجس، فحسبكم أَن تغسلوا أَيْدِيكُم» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» فِي آخر كتاب الْجَنَائِز مِنْهُ، عَن (أبي عَلّي) الْحُسَيْن بن عَلّي الْحَافِظ، نَا أَحْمد بن (مُحَمَّد) ، كَمَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ متْنا وإسنادًا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، قَالَ: وَفِيه رفض لحَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى مُحَمَّد بن (عَمْرو) بأسانيد: «من غسل مَيتا فليغتسل» . قلت: بل يعْمل (بهما) فَيُسْتَحَب الْغسْل. وَقَوله: «إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ» هُوَ كَمَا قَالَ، فَإِن عَمْرو بن أبي عَمْرو وخَالِد بن مخلد من فرسانه، أخرج لَهما فِي «صَحِيحه» وَأخرج لَهما مُسلم أَيْضا، كِلَاهُمَا احتجاجًا، وَاحْتج بِالْأولِ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَيْضا وناهيك بِهِ، وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» أَيْضا، وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ؛ لِأَن مَالِكًا رَوَى عَنهُ، وَلَا يروي إِلَّا عَن صَدُوق ثِقَة. وَقَالَ أَبُو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 658 حَاتِم فِي خَالِد بن مخلد: يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن معِين: مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: صَدُوق لكنه يتشيع. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ عِنْدِي إِن شَاءَ الله. وَأما بَاقِي رِجَاله فَثِقَاتٌ، سُلَيْمَان بن بِلَال ثِقَة من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَأَبُو شيبَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي شيبَة، قَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه: صَدُوق. وَلم يذكر الْمزي فِي «تهذيبه» فِي تَرْجَمته غير ذَلِك. وَأما الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ بعد أَن رَوَاهُ مَوْقُوفا من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي ميتكم غسل إِذا غسلتموه، إِن ميتكم (لمُؤْمِن) طَاهِر وَلَيْسَ بِنَجس، فحسبكم أَن تغسلوا أَيْدِيكُم» : رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعا. وَلَا يَصح (رَفعه) . ثمَّ سَاقه من طَرِيق أبي شيبَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله، عَن خَالِد بِهِ، بِلَفْظ: «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي غسل ميتكم غسل إِذا غسلتموه، وَإِن الْمُسلم لَيْسَ بِنَجس، فحسبكم أَن تغسلوا أَيْدِيكُم» . ثمَّ قَالَ: هَذَا ضَعِيف (وَالْحمل) فِيهِ عَلَى أبي شيبَة كَمَا أَظن. قلت: أَبُو شيبَة هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي (شيبَة) وَهُوَ ثِقَة كَمَا سلف، والمطعون فِيهِ الواهي هُوَ أَبُو شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 659 الْكُوفِي قَاضِي وَاسِط، فَتنبه لذَلِك. وَأعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِعَمْرو وَأَنه لَا يحْتَج بِهِ. وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان وَرَأَى أَن الْحمل عَلَى أبي شيبَة فِيهِ أولَى من عَمْرو، وَقَالَ: فَإِنَّهُ ضَعِيف، وَعَمْرو مُخْتَلف فِيهِ. وَفِيه النّظر الَّذِي (أبديناه) فِي كَلَام الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (بِعَمْرو وَأَن) يَحْيَى قَالَ: لَا يحْتَج بِهِ. وَأَن أَحْمد قَالَ: لَا بَأْس بِهِ. [وَفِيه خَالِد] بن مخلد أَيْضا. وَنقل عَن أَحْمد أَنه قَالَ فِي خَالِد: إِن لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير. وَأَن يَحْيَى قَالَ: لَا بَأْس بِهِ. وَقد أسلفنا أَنَّهُمَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ (فجازا) القنطرة، وَقد كَانَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَلّي بن الْمفضل (الْمَقْدِسِي) يَقُول عَمَّن أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا هَذِه الْعبارَة فِي حَقه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ بعضه من وَجه آخر، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا فَذكره بِلَفْظ: «لَا تنجسوا (مَوْتَاكُم) ؛ فَإِن الْمُسلم لَيْسَ بِنَجس حيًّا وَلَا مَيتا» . ثمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رُوِيَ من وَجه آخر غَرِيب، وَالْمَعْرُوف مَوْقُوف. وَأما الطَّرِيقَة الْمَوْقُوفَة فقد أسلفناها من طَرِيق الْبَيْهَقِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 660 الحَدِيث الثَّامِن وَالتَّاسِع بعد الْأَرْبَعين «أَنه أسلم خلق كثير وَلم يَأْمُرهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالاغتسال، وَأمر بِهِ قيس بن عَاصِم وثمامة بن أَثَال لما أسلما» . هُوَ كَمَا قَالَ، أما حَدِيث قيس (بن عَاصِم) فَهُوَ حَدِيث حسن صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن الْأَغَر، عَن خَليفَة بن حُصَيْن، عَن جده قيس بن عَاصِم قَالَ: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُرِيد الْإِسْلَام، فَأمرنِي أَن أَغْتَسِل بِمَاء وَسدر» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قلت: وصحيح، فَإِن أَبَا حَاتِم بن حبَان أخرجه فِي «صَحِيحه» بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: عَن قيس «أَنه أسلم فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» كَذَلِك سَوَاء، كَمَا أَفَادَهُ صَاحب «الإِمَام» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ « (أَنه) أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاستخلاه (فَأمره) أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 661 وَرَوَاهُ أَبُو عَلّي بن السكن - فِيمَا حَكَى أَبُو الْحسن بن الْقطَّان - من حَدِيث وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن الْأَغَر، عَن خَليفَة بن (حُصَيْن) ، عَن أَبِيه، عَن جده قيس بن عَاصِم أَنه قَالَ: «أسلمت فَأمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أَغْتَسِل بِمَاء وَسدر» . قَالَ ابْن الْقطَّان: فقد (تبين) لَك أَن رِوَايَة يَحْيَى وَمُحَمّد بن كثير الْمُتَقَدّمَة عَن سُفْيَان مُنْقَطِعَة، فَإِنَّهَا كَانَت معنعنة، فجَاء وَكِيع - وَهُوَ من الْحِفْظ (من هُوَ) - فَزَاد: «عَن أَبِيه» فارتفع الْإِشْكَال وَتبين الِانْقِطَاع. قَالَ: ثمَّ نقُول: (فَإذْ) لَا بُد للإسناد من زِيَادَة «حُصَيْن» [بَين خَليفَة وَقيس] فَالْحَدِيث ضَعِيف؛ فَإِنَّهَا زِيَادَة عَادَتْ بِنَقص؛ فَإِنَّهُ ارْتَفع بهَا الِانْقِطَاع (وَتحقّق ضعف الْخَبَر؛ فَإِن حَاله مَجْهُول بل هُوَ فِي نَفسه غير مَذْكُور، فَلم يجر) ذكره فِي كتاب البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم إِلَّا (غير) مَقْصُود برسم يَخُصُّهُ. انْتَهَى كَلَامه. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» ، عَن أَبِيه: أَن من قَالَ عَن خَليفَة بن حُصَيْن، عَن أَبِيه، عَن جده فقد أَخطَأ؛ وَصَوَابه عَن خَليفَة، عَن جده. أَي كَمَا أخرجه الْأَئِمَّة (الماضون) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 662 وَفِي «علل الْخلال» كَمَا نَقله عَنهُ صَاحب «الإِمَام» : قَالَ عِيسَى بن جَعْفَر: قَالَ وَكِيع: عَن خَليفَة، عَن أَبِيه، عَن جده [وَالنَّاس كلهم: عَن خَليفَة بن حُصَيْن عَن جده] وَهَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقطَّان (وَغَيره) . قَالَ صَاحب «الإِمَام» : وَقد وَقع لنا من حَدِيث قبيصَة بن عقبَة، عَن سُفْيَان، (عَن) الْأَغَر، عَن خَليفَة بن حُصَيْن، عَن أَبِيه «أَن» جده أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَأسلم] فَأمره أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر» . رَوَاهُ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْحَافِظ، عَن قبيصَة. وَرَوَاهُ أَبُو عبد الله الْحَافِظ من وَجه آخر، عَن قبيصَة. قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق قيس بن الرّبيع، عَن الْأَغَر، عَن خَليفَة بِزِيَادَة غَرِيبَة، فَأخْرجهُ البرقي (فِي) «تَارِيخه» كَذَلِك عَن قيس «أَنه أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَأسلم] فَأمره أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر، وَأَن يقوم بَين أبي بكر وَعمر فيعلمانه» . قلت: رَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من الْوَجْه الْمَذْكُور، لَكِن فِي رِوَايَته أَنه قَامَ بَينهمَا من غير أَمر لَهُ بذلك. وَأما حَدِيث ثُمَامَة بن أَثَال فَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبيد الله بن عمر - بِالتَّصْغِيرِ - عَن سعيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 663 المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة (أَن ثُمَامَة بن أَثَال أسلم فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر» . قَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا الحَدِيث لَا نَعْرِف رَوَاهُ عَن عبيد الله (إِلَّا عبد الرَّزَّاق. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبد الله) بن عمر - المكبر - عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى حَائِط بني فلَان فَمُرُوهُ أَن يغْتَسل» . وَرَوَاهُ الْخلال فِي «علله» ، عَن عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن سُرَيج، عَن عبد الله بن عمر، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن ثُمَامَة بن أَثَال الْحَنَفِيّ أسلم، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُنطلق بِهِ إِلَى حَائِط أبي طَلْحَة فيغتسل، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حسن إِسْلَام أخيكم» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فَجمع بَين الطَّرِيقَيْنِ، أخرجه (عَن أبي) عرُوبَة، نَا سَلمَة بن شبيب، نَا عبد الرَّزَّاق، أَنبأَنَا عبد الله بن عمر وَعبيد الله بن عمر، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن ثُمَامَة الْحَنَفِيّ أسر ... » فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَمر بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا فَأسلم، فَبعث بِهِ إِلَى حَائِط أبي طَلْحَة، فَأمره أَن يغْتَسل، فاغتسل وَصَلى رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد حسن إِسْلَام صَاحبكُم» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة، وَفِيه: «وَأمره أَن يغْتَسل» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 664 وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن عبد الله وَعبيد الله، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة ... فَذكره كَمَا ذكر ابْن حبَان سَوَاء، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: هَذَا الحَدِيث (عَن) سُفْيَان (عَن) عبد الله وَعبيد الله جَمِيعًا. وَقَالَ الْخَطِيب: رَوَاهُ عبد الله الْأَشْجَعِيّ، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الله بن عمر. وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، عَن (عبد الله وَعبيد الله) جَمِيعًا عَن سعيد المَقْبُري. قلت: وَأخرجه (أَبُو) يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن رجل، عَن سعيد المَقْبُري [عَن أَبِيه] عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «لما أسلم ثُمَامَة أمره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يغْتَسل وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ» . قلت: و (أصل) حَدِيث ثُمَامَة هَذَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» كَمَا سلف فِي أَوَاخِر شُرُوط الصَّلَاة، لَكِن الْمَذْكُور فِي روايتهما «أَنه اغْتسل» وَلَيْسَ فِيهَا أَمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لَهُ) بذلك، وَلَيْسَ تَركه فِيهَا الْأَمر بِالْغسْلِ مُعَارضا لِلْأَمْرِ بِهِ عَلَى مَا عرف من قبُول الزِّيَادَة. فَائِدَة: ثُمَامَة بن أَثَال - بِالْمُثَلثَةِ فيهمَا والهمزة مَضْمُومَة - فِي بني حنيفَة، وَقيس بن عَاصِم من سَادَات الْعَرَب، قدم عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي وَفد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 665 (من) بني تَمِيم سنة تسع من الْهِجْرَة فَأسلم، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «هَذَا سيد أهل الْوَبر» . كَمَا رَوَاهُ الْبَغَوِيّ وَابْن قَانِع وَغَيرهمَا، وَكَانَ رجلا حَلِيمًا عَاقِلا، قيل للأحنف بن قيس: (مِمَّن) تعلمت الْحلم؟ قَالَ: من قيس بن عَاصِم. فَائِدَة ثَانِيَة: أَمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بِالْغسْلِ عِنْد الْإِسْلَام غَيرهمَا، فَمنهمْ وَاثِلَة بن الْأَسْقَع، كَمَا رَوَاهُ (الطَّبَرَانِيّ) فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مَعْرُوف (أبي الْخطاب) عَنهُ قَالَ: «لما) أسلمت أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ لي: اذْهَبْ فاغتسل بِمَاء وَسدر وألق عَنْك (شعر) الْكفْر» . ومعروف هَذَا، قَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه مُنكرَة جدًّا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَتكلم بعض البغداديين (فِي سليم) بن مَنْصُور بن عمار الَّذِي وَالِده (رَوَى) هَذَا الحَدِيث عَن مَعْرُوف، وَلم يَأْتِ هَذَا الْمُتَكَلّم بِحجَّة، وَمِنْهُم قَتَادَة كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا عَن مُحَمَّد بن النَّضر الْأَزْدِيّ، ثَنَا أَحْمد بن عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 666 الْملك (بن) وَاقد الْحَرَّانِي، ثَنَا قَتَادَة بن الْفضل بن قَتَادَة الرهاوي، عَن أَبِيه [حَدَّثَني (عَم أبي هَاشم) بن قَتَادَة الرهاوي، عَن أَبِيه] ، قَالَ: أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لي: يَا قَتَادَة، اغْتسل بِمَاء وَسدر و (احْلق) عَنْك شعر الْكفْر. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَأْمر من أسلم أَن (يختتن) وَإِن كَانَ ابْن ثَمَانِينَ سنة» . وَمِنْهُم عقيل، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «تَارِيخ نيسابور» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمره لما أسلم بالاغتسال» . الحَدِيث الْخَمْسُونَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (أَمر) قيسا وثمامة بِالْغسْلِ بعد الْإِسْلَام» . (هُوَ كَمَا قَالَ) ، وَقد عَلمته وَاضحا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة «الصَّحِيحَيْنِ» فِي حَدِيث ثُمَامَة السالفة فِي «بَاب شُرُوط الصَّلَاة» - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 667 والمشار إِلَيْهَا هُنَا الَّتِي ظَاهرهَا وُقُوع الْإِسْلَام بعده -: يحْتَمل أَن يكون أسلم عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ اغْتسل وَدخل الْمَسْجِد فأظهر الشَّهَادَة ثَانِيًا جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ. الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة غسل الْجَنَابَة ثمَّ رَاح فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة، وَمن رَاح فِي السَّاعَة الثَّانِيَة فَكَأَنَّمَا قرب (بقرة) وَمن رَاح فِي السَّاعَة (الثَّالِثَة) فَكَأَنَّمَا قرب كَبْشًا (أقرن) وَمن رَاح فِي السَّاعَة الرَّابِعَة فَكَأَنَّمَا قرب (دجَاجَة) ، وَمن رَاح فِي السَّاعَة (الْخَامِسَة فَكَأَنَّمَا) قرب بَيْضَة، فَإِذا خرج الإِمَام حضرت الْمَلَائِكَة يَسْتَمِعُون الذّكر» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك. وَأَخْرَجَا أَيْضا عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 668 وقفت الْمَلَائِكَة عَلَى بَاب الْمَسْجِد يَكْتُبُونَ الأول فَالْأول، وَمثل المهجر كَالَّذي يهدي بَدَنَة، ثمَّ كَالَّذي يهدي بقرة، ثمَّ كَبْشًا، ثمَّ دجَاجَة، ثمَّ بَيْضَة، فَإِذا خرج (الإِمَام) طَوَوْا صُحُفهمْ ويستمعون الذّكر» . وَفِي (رِوَايَة للنسائي) بِإِسْنَاد صَحِيح: قَالَ فِي السَّاعَة الْخَامِسَة: «كَالَّذي يهدي عصفورًا» وَفِي السَّادِسَة «بَيْضَة» . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) بِإِسْنَاد صَحِيح قَالَ فِي الرَّابِعَة: «كالمهدي بطة، ثمَّ كالمهدي دجَاجَة، ثمَّ كالمهدي بَيْضَة» . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «مَجْمُوعه» و «خلاصته» : وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ وَإِن صَحَّ (إسنادهما) فقد يُقَال: هما شاذتان لمخالفتهما سَائِر الرِّوَايَات. قلت: قد أخرج رِوَايَة العصفور أَحْمد فِي «مُسْنده» بِإِسْنَاد جيد من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَلَا مُخَالفَة إِذا. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة واستن وَمَسّ من (طيب) إِن كَانَ عِنْده، وَلبس أحسن ثِيَابه، ثمَّ جَاءَ إِلَى الْمَسْجِد وَلم يتخط رِقَاب النَّاس، ثمَّ ركع مَا شَاءَ الله أَن يرْكَع، ثمَّ أنصت إِذا خرج إِمَامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 669 حَتَّى يُصَلِّي، كَانَت لَهُ كَفَّارَة لما بَينهَا وَبَين الْجُمُعَة الَّتِي كَانَت قبلهَا) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد فِي آخر الطَّهَارَة من «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي هَذَا الْبَاب، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور زادوا - خلا ابْن حبَان -: «يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: وَثَلَاثَة أَيَّام زِيَادَة، إِن الله (قد) جعل الْحَسَنَة (بِعشر) أَمْثَالهَا) . وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عنعنة ابْن إِسْحَاق، لَكِن رَوَاهُ ابْن حبَان بِدُونِهَا، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (بِدُونِهَا) وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي فِي ابْن إِسْحَاق مُتَابعَة (لَا اسْتِقْلَالا) . فَائِدَة: قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : قد يتَوَهَّم من لم يَسْبُرْ صناعَة الحَدِيث أَن الْجُمُعَة إِلَى (الْجُمُعَة) ثَمَانِيَة (أَيَّام) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام [لم يقل] «غفر لَهُ من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة» فوقت الْجُمُعَة زَوَال الشَّمْس، فَمن زَوَال الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة إِلَى مثله من الْأُخْرَى سَبْعَة أَيَّام، وَقَوله: «ثَلَاثَة أَيَّام زِيَادَة» تَمام (الْعشْر) ، قَالَ الله تَعَالَى: (من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا) وَهَذَا مِمَّا نقُول فِي (كتبنَا) : إِن الْمَرْء قد يعْمل طَاعَة الله فَيغْفر لَهُ بهَا (ذنوبًا لم يكسبها) بعد. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «البسوا الْبيَاض فَإِنَّهَا خير ثيابكم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَأحمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 671 وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا من خير ثيابكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم» . وَلَفظ الشَّافِعِي: «من خير ثيابكم الْبيَاض (فليلبسها) أحياؤكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم» . وَلَفظ أَحْمد كَمَا سقناه، وَفِي لفظ لَهُ كَلَفْظِ الشَّاهِد الَّذِي سَيذكرُهُ الْحَاكِم. (قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَلَفظ الْحَاكِم: «خير ثيابكم الْبيَاض فألبسوها أحياءكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم» . وَقَالَ ابْن الْقطَّان أَيْضا: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. قَالَ الْحَاكِم: وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد صَحِيح: عَن سَمُرَة بن جُنْدُب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «البسوا الثِّيَاب الْبيض وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم، فَإِنَّهَا أطهر وَأطيب» . وَهَذَا الشَّاهِد صَحِيح كَمَا ذكر، وَقد أخرجه أَيْضا التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من رِوَايَة [مَيْمُون] بن أبي [شبيب] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 672 الْكُوفِي، عَن سَمُرَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث أبي قلَابَة، (عَن سَمُرَة) رَفعه: «عَلَيْكُم (بِهَذِهِ) الْبيَاض (فيلبسها) أحياؤكم وكفنوا فِيهِ مَوْتَاكُم، فَإِنَّهَا من خير ثيابكم) . (وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا فِي كتاب اللبَاس بِلَفْظ: «عَلَيْكُم بِهَذَا الثِّيَاب الْبيض [فليلبسه] أحياؤكم وكفنوا فِيهِ مَوْتَاكُم، فَإِنَّهُ من خير ثيابكم) . أَو قَالَ: من خير لباسكم) . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ؛ لِأَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَإِسْمَاعِيل ابْن علية أَرْسلَاهُ عَن أَيُّوب. ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، وَذكره بِلَفْظ الْحَاكِم فَقَالَ: لم (يُتَابع) معمر عَلَى وصل هَذَا الحَدِيث - (حَيْثُ رَوَوْهُ عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة، عَن أبي الْمُهلب، عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 673 سَمُرَة) وَإِنَّمَا يرويهِ عَن أبي قلَابَة، عَن سَمُرَة مَرْفُوعا. قَالَ الْحَاكِم: وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَسمرَة بن جُنْدُب بِزِيَادَة فِيهِ، أما حَدِيث ابْن عَبَّاس فلفظه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خير ثيابكم الْبيَاض، فألبسوها أحياءكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم، وَإِن من خير أكحالكم الإثمد، (فَإِنَّهُ) يجلو الْبَصَر وينبت الشّعْر» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. وَأما حَدِيث سَمُرَة (فقد تقدم، قَالَ: وَله إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ [وَلم يخرجَاهُ] فَذكر حَدِيث سَمُرَة) بِلَفْظ: «البسوا من الثِّيَاب (الْبيَاض) فَإِنَّهَا أطهر وَأطيب، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم» . ثمَّ (قَالَ) : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ [وَلم يخرجَاهُ] . قلت: وَله شَاهد من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن، أخرجه الطَّبَرَانِيّ (مَعَ) حَدِيث سَمُرَة؛ وَشَاهد آخر من حَدِيث أنس، لكنه واهٍ، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت (أبي) عَن حَدِيث رَوَاهُ حسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 674 بن (حكم) بن طهْمَان، عَن هِشَام الدستوَائي، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو [عِصَام] عَن أنس مَرْفُوعا: «خير ثيابكم الْبيَاض فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم» . فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر جدًّا، بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد. قلت: وَفِي سنَن ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات - (حَتَّى) عبد الْمجِيد بن أبي رواد، وَإِن لينه أَبُو حَاتِم - من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء: (رَفعه) «إِن أحسن مَا زرتم الله [بِهِ] فِي قبوركم ومساجدكم الْبيَاض» . فَائِدَتَانِ: الأولَى: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «البسوا الْبيَاض» (هُوَ) بِفَتْح الْبَاء. الثَّانِيَة: قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (نقلا عَن) أَصْحَابنَا (الْعِرَاقِيّين) أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يلبس مَا صبغ (غزله بعد) النسج. وَهُوَ كَمَا نَقله عَنْهُم، وَقد ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فَقَالَ: بَاب مَا يسْتَحبّ من ثِيَاب الْحبرَة وَمَا يصْبغ غزله لَا يصْبغ بَعْدَمَا ينسج. ثمَّ رَوَى من حَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 675 قَتَادَة: (سَأَلت أنسا: أَي اللبَاس كَانَ أحب إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَو أعجبه؟ قَالَ: الْحبرَة» رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، ثمَّ رَوَى من حَدِيث خَالِد بن معدان أَن جُبَير بن نفير حَدثهُ أَن عبد الله بن عَمْرو حَدثهُ قَالَ: «رَأَى) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عليّ ثَوْبَيْنِ معصفرين، فَقَالَ: يَا عبد الله بن عَمْرو، إِن هَذِه ثِيَاب الْكفَّار فَلَا تلبسها» رَوَاهُ مُسلم. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْخمسين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتعمم يَوْم الْجُمُعَة» . هَذَا الحَدِيث فِي «صَحِيح مُسلم» نَحوه من حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب النَّاس وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْخمسين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ (يتردى) يَوْم الْجُمُعَة) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من (حَدِيث) جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ برد أَحْمَر يلْبسهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة» . وَفِي «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» عَنهُ أَيْضا قَالَ: «كَانَت للنَّبِي «حلَّة) يلبسهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 676 وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن هِلَال بن عَامر، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بمنى يخْطب عَلَى بغلة وَعَلِيهِ برد أَحْمَر، وعليّ أَمَامه يُعبر عَنهُ» . إِسْنَاده حسن، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: انْفَرد بحَديثه أَبُو مُعَاوِيَة و (يُقَال) : أَخطَأ فِيهِ. الحَدِيث السَّادِس بعد الْخمسين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا ركب فِي عيد وَلَا جَنَازَة» . هَذَا الحَدِيث بيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» بَيَاضًا. وَقد ذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» مُنْقَطِعًا ومرسلاً فَقَالَ: بلغنَا أَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «مَا ركب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي عيد وَلَا جَنَازَة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي هَكَذَا، قَالَ الْأَئِمَّة: وَلم يذكر الْجُمُعَة فِي هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن بَاب حجرته كَانَ فِي الْمَسْجِد، فَلَا يَتَأَتَّى الرّكُوب. وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث ابْن عمر وَأبي رَافع وَسعد الْقرظ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخرج إِلَى الْعِيد مَاشِيا وَيرجع مَاشِيا» . وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي رَافع: «وَيرجع مَاشِيا» وأسانيد الْكل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 677 (ضَعِيفَة) بَيِّنَة الضعْف. وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «من السّنة أَن تخرج إِلَى الْعِيد مَاشِيا» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قلت (لَكِن) الْحَارِث الْأَعْوَر استضعف، وَنسبه الشّعبِيّ وَغَيره إِلَى الْكَذِب، وَفِي «علل ابْن الْجَوْزِيّ» من حَدِيث أبي بكر الصّديق وَعمْرَان بن الْحصين مَرْفُوعا: «الْمَشْي إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة عشْرين سنة، فَإِذا فرغ من الْجُمُعَة أُجِيز بِعَمَل مِائَتي سنة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، فِي إِسْنَاده الضَّحَّاك بن حَمْزَة. قَالَ يَحْيَى فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء. الحَدِيث السَّابِع بعد الْخمسين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أتيتم الصَّلَاة فائتوها تمشون وَلَا تأتوها تسعون، وَعَلَيْكُم السكينَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سبق (بَيَانه) فِي صَلَاة الْجَمَاعَة. الحَدِيث الثَّامِن بعد (الْخمسين) عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: (كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الْجُمُعَة سُورَة (الْجُمُعَة) ، وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة الْمُنَافِقين» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 678 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة «عبيد الله» بن أبي رَافع قَالَ: «اسْتخْلف مَرْوَان أَبَا هُرَيْرَة عَلَى الْمَدِينَة وَخرج إِلَى مَكَّة، فَصَلى لنا أَبُو هُرَيْرَة الْجُمُعَة، (فَقَرَأَ بعد الْحَمد سُورَة الْجُمُعَة فِي الأولَى، و (إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ (فِي الثَّانِيَة) قَالَ: فأدركت أَبَا هُرَيْرَة حِين انْصَرف، فَقلت لَهُ: إِنَّك قَرَأت بسورتين كَانَ عَلّي بن أبي طَالب يقْرَأ بهما فِي الْكُوفَة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَإِنِّي سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ بهما» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ ذَلِك من فعل عَلّي وَأبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد صَحَّ ذَلِك عَنْهُمَا كَمَا ذَكرْنَاهُ إِذا. وَرَوَى مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين عَن النُّعْمَان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (، و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية (. قَالَ: وَإِذا اجْتمع الْعِيد وَالْجُمُعَة فِي يَوْم وَاحِد يقْرَأ بهما أَيْضا فِي الصَّلَاتَيْنِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 679 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك بِهَذِهِ الْحُرُوف. وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ مثله من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب مَرْفُوعا فِي الْجُمُعَة فَقَط. الحَدِيث السِّتُّونَ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن مندوبات الْجُمُعَة أَن يحْتَرز عَن تخطي رِقَاب النَّاس إِذا حضر الْمَسْجِد؛ فقد ورد الْخَبَر بذلك. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد صَحَّ ذَلِك فِي حديثين: أَحدهمَا: عَن أبي الزَّاهِرِيَّة - واسْمه حدير بن كريب الْحَضْرَمِيّ، وَيُقَال: الْحِمْيَرِي - قَالَ: كُنَّا مَعَ عبد الله بن بسر صَاحب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْجُمُعَة، فجَاء رجل يتخطى رِقَاب النَّاس (فَقَالَ عبد الله بن بسر: جَاءَ رجل يتخطى رِقَاب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة) وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اجْلِسْ فقد آذيت» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم كل رِجَاله احْتج بهم فِي «صَحِيحه» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات لَا نعلم فيهم جرحا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 680 لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» واستدركه (الْحَاكِم) بِزِيَادَة: «فقد آذيت وآنيت» . وَهَذَا لفظ ابْن حبَان: عَن عبد الله بن بسر قَالَ: «كنت جَالِسا إِلَى جنب الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة، فجَاء رجل يتخطى رِقَاب النَّاس وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يخْطب فَقَالَ) : اجْلِسْ فقد آذيت وآنيت» . وَلَفظ الْحَاكِم عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ: «كنت جَالِسا مَعَ عبد الله بن بسر يَوْم الْجُمُعَة فَمَا زَالَ يحدثنا حَتَّى خرج الإِمَام، فجَاء رجل يتخطى ... » الحَدِيث، كَمَا سَاقه ابْن حبَان سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. وَكَذَا أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ، وَأما ابْن حزم فَخَالف فِي تَصْحِيحه، فَقَالَ فِي «محلاه» : وَاحْتج من (منع) بِخَبَر ضَعِيف، (رَوَيْنَاهُ) من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 فَذكره، ثمَّ قَالَ: لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح، لم يروه غَيره وَهُوَ ضَعِيف. انْتَهَى. وَمُعَاوِيَة هَذَا قَاضِي الأندلس، وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن مهْدي، وَقَالَ ابْن سعد: ثِقَة كثير الحَدِيث. وَقَالَ الْعجلِيّ وَالنَّسَائِيّ: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة مُحدث. وَكَانَ يَحْيَى بن سعيد لَا يرضاه، وَعَن مُوسَى بن سَلمَة قَالَ: أتيت مُعَاوِيَة بن صَالح لأكتب عَنهُ فَرَأَيْت - أرَاهُ قَالَ - الملاهي: فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: شَيْء (نهديه) صَاحب الأندلس. قَالَ: فتركته، وَلم أكتب عَنهُ. فَإِن كَانَ ابْن حزم تَركه لهَذَا، فَتكون الملاهي عِنْده مُحرمَة، ومذهبه عَلَى مَا هُوَ مَنْقُول عَنهُ الْإِبَاحَة. فَائِدَة: «آنيت» ، بِهَمْزَة ممدودة أَي: تَأَخَّرت وأبطأت. قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامعه» وَالنَّوَوِيّ فِي «خلاصته» ، وَالْمُنْذِرِي فِي «حَوَاشِيه» قَالَ: وَمِنْه (قيل) : (المستمكث) فِي الْأُمُور متأنٍّ. قَالَ: (وآنيت) وأنيت بِمَعْنى وَاحِد. وَوَقع فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» : «آذيت وأوذيت» . كَذَا رَأَيْته. الحَدِيث الثَّانِي: عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يحضر الْجُمُعَة ثَلَاثَة نفر: رجل حضرها يَلْغُو وَهُوَ حَظه مِنْهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 682 وَرجل حضرها يَدْعُو فَهُوَ رجل دَعَا الله - عَزَّ وَجَلَّ - إِن (شَاءَ) أعطَاهُ وَإِن (شَاءَ) مَنعه، وَرجل حضرها بإنصات وَسُكُون وَلم يتخط رَقَبَة مُسلم، وَلم يؤذ أحدا فَهِيَ كَفَّارَة إِلَى الْجُمُعَة الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام، وَذَلِكَ بِأَن الله - تَعَالَى - يَقُول: (من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا» ) رَوَاهُ ( ... ) بِإِسْنَاد صَحِيح، وَأما حَدِيث معَاذ بن أنس مَرْفُوعا: «من تخطى (رِقَاب) النَّاس يَوْم الْجُمُعَة اتخذ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّم» . فَرَوَاهُ (أَبُو دَاوُد) وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف. قَالَ التِّرْمِذِيّ: غَرِيب (لَا نعرفه) إِلَّا من (حَدِيث) رشدين وَهُوَ ضَعِيف. قلت: وَأخرجه أَحْمد من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن زبان بن فائد، عَن سهل بن معَاذ عَنهُ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 683 الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن مندوبات الْجُمُعَة أَلا يصل صَلَاة الْجُمُعَة بنافلة بعْدهَا (لَا) الرَّاتِبَة، وَلَا غَيرهَا، ويفصل بَينهَا وَبَين الرَّاتِبَة بِالرُّجُوعِ إِلَى منزله، أَو بالتحويل إِلَى مَوضِع آخر أَو بِكَلَام وَنَحْوه، ذكره فِي «التَّتِمَّة» وَثَبت فِي الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا لَفظه وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي (بعد) الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن السَّائِب ابْن أُخْت نمر قَالَ: «صليت مَعَ مُعَاوِيَة فِي الْمَقْصُورَة الْجُمُعَة فَلَمَّا سلم الإِمَام قُمْت فِي مقَامي فَصليت، فَلَمَّا (دخل) أرسل إليَّ فَقَالَ: لَا تعد لما فعلت، إِذا صليت الْجُمُعَة فَلَا تصلها بِصَلَاة حَتَّى تكلم أَو تخرج؛ فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أمرنَا) بذلك أَن لَا توصل صَلَاة بِصَلَاة حَتَّى نتكلم أَو نخرج» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَطاء «أَنه رَأَى ابْن عمر يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة فينماز عَن مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَة قَلِيلا غير كثير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 684 (فيركع) رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يمشي أنفس من ذَلِك فيركع أَربع رَكْعَات» وَأما حَدِيث عصمَة الْمَرْفُوع «إِذا صَلَّى أحدكُم الْجُمُعَة فَلَا يُصَلِّي بعْدهَا شَيْئا حَتَّى يتَكَلَّم أَو يخرج» فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بإسنادٍ ضَعِيف لأجل الْفضل بن الْمُخْتَار الواهي. وَمن الْأَحَادِيث الْمُنَاسبَة فِي هَذَا الْبَاب، وَذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل «كتاب الْوَصِيَّة» حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حق لله عَلَى كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام، يغسل رَأسه وَجَسَده» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - بِلَفْظ: «عَلَى كل مُسلم فِي كل سَبْعَة أَيَّام غسل وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة جَابر مَرْفُوعا « (عَلَى) رجل مُسلم فِي كل سَبْعَة أَيَّام غسل يَوْم، وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت (أبي) عَن حَدِيث جَابر هَذَا فَقَالَ: إِنَّه خطأ، وَالصَّوَاب وَقفه عَلَى أبي هُرَيْرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 685 (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) . وَأما آثاره فستة: الأول: «أَن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَقَامَ الْجُمُعَة، وَعُثْمَان مَحْصُور» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» بإسنادهما الصَّحِيح، قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، أَنه قَالَ: وَلَا نعلم أَن عُثْمَان أمره بذلك. وَعبارَة الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» قد تُعْطِي أَنه صَلَّى الْجُمُعَة وَعُثْمَان مَحْصُور، فَإِنَّهُ قَالَ: تصح الْجُمُعَة خلف كل إِمَام صلاهَا من أَمِير ومأمور ومتغلب، وَغير أَمِير. قَالَ الْأَصْحَاب: أَرَادَ بالأمير السُّلْطَان، وبالمأمور نَائِبه، وبالمتغلب الْخَارِجِي، وَبِغير الْأَمِير آحَاد الرّعية فَتَصِح الْجُمُعَة خلف جَمِيعهم. ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي بعد هَذَا صَلَّى عليّ وَعُثْمَان مَحْصُور. هَذَا لَفظه، وَمثل الشَّافِعِي بذلك (يسْتَدلّ لصِحَّة) الْجُمُعَة خلف غير الْأَمِير والمأمور؛ لِأَن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لم يكن أَمِيرا فِي حَيَاة عُثْمَان لَا أَنه متغلب كَمَا اعْترض بِهِ بعض الحاسدين عَلَى الشَّافِعِي فاجتنبه. الْأَثر الثَّانِي: عَن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَنه قَالَ: (إِذا زحم أحدكُم فِي صلَاته فليسجد عَلَى ظهر أَخِيه» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أبي دَاوُد - يَعْنِي الطَّيَالِسِيّ - وَهُوَ فِي «مُسْنده» : ثَنَا سَلام - يَعْنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 686 (أَبَا) الْأَحْوَص - عَن سماك بن حَرْب، عَن سيار بن الْمَعْرُور قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يخْطب وَهُوَ يَقُول: «يَا أَيهَا النَّاس، إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بنى هَذَا الْمَسْجِد وَنحن مَعَه والمهاجرون وَالْأَنْصَار، فَإِذا اشْتَدَّ الزحام فليسجد (الرجل) عَلَى ظهر أَخِيه» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان عَن الْأَعْمَش، عَن الْمسيب، عَن زيد بن وهب، أَن عمر قَالَ: «إِذا اشْتَدَّ الْحر فليسجد عَلَى ثَوْبه، وَإِذا اشْتَدَّ الزحام، فليسجد أحدكُم عَلَى ظهر أَخِيه» . وَذكره (فِي) «مُسْند الفردوس» مَرْفُوعا بِلَفْظ: «إِذا اشْتَدَّ الزحام ... » إِلَى آخِره، وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ. وَقد أسلفت لَك رِوَايَته و (لَيست) ظَاهِرَة فِي الرّفْع، فَتنبه لذَلِك. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : الصَّحِيح فِي هَذَا عَن زيد بن وهب، عَن عمر (لَا خَرشَة بن الْحر عَن عمر) . قلت: وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ عمر: «أَرَاكُم قد كثرتم فِي الْجمع، فليسجد الرجل عَلَى ظهر أَخِيه» . ذكره ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» من حَدِيث مسعر، عَن الْقَاسِم بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 687 وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن [مُصعب] بن ثَابت، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَرَأَ النَّجْم فَسجدَ بِنَا فَأطَال السُّجُود، وَكثر النَّاس فَصَلى بَعضهم عَلَى ظهر بعض» . قلت: ويعضد هَذَا كُله الحَدِيث الصَّحِيح السالف: «وَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا (مِنْهُ) مَا اسْتَطَعْتُم» . الْأَثر الثَّالِث: عَن عمر وَغَيره أَنهم قَالُوا: «إِن الصَّلَاة إِنَّمَا قصرت لأجل الْخطْبَة» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن (عَمْرو) بن شُعَيْب: أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «الْخطْبَة مَوضِع الرَّكْعَتَيْنِ، فَمن فَاتَتْهُ الْخطْبَة صَلَّى أَرْبعا» . وَذكره أَبُو بكر الرَّازِيّ (عَن عمر) أَيْضا بِلَفْظ: «قصرت (صَلَاة) الْجُمُعَة لأجل الْخطْبَة» . (وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» من حَدِيث سعيد بن جُبَير قَالَ: «كَانَت الْجُمُعَة أَرْبعا فَجعلت الْخطْبَة مَكَان الرَّكْعَتَيْنِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 688 وَرَوَى أَيْضا عَن مَكْحُول أَنه قَالَ: «فِي الْجُمُعَة خطبتان بَينهمَا جلْسَة، فَإِن لم يخْطب فِي الْجُمُعَة فَالصَّلَاة أَربع» . الْأَثر الرَّابِع: عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «خُرُوج الإِمَام يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن ابْن شهَاب قَالَ: قَالَ (ثَعْلَبَة) بن أبي مَالك الْقرظِيّ: «أَنهم كَانُوا فِي زمن عمر بن الْخطاب يصلونَ يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى يخرج عمر، فَإِذا خرج عمر وَجلسَ عَلَى الْمِنْبَر (وَأذن الْمُؤَذّن) . قَالَ ثَعْلَبَة وَجَلَسْنَا نتحدث فَإِذا سكت (الْمُؤَذّن) وَقَامَ عمر يخْطب؛ أنصتنا فَلم يتَكَلَّم منا أحد» . قَالَ ابْن شهَاب: فخروج الإِمَام يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي (فِي «مُسْنده» ) عَن (ابْن) أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب قَالَ: حَدثنِي ثَعْلَبَة بن [أبي] مَالك أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 689 قعُود الإِمَام يقطع السبحة و (أَن) كَلَامه يقطع الْكَلَام، وَأَنَّهُمْ (كَانُوا) يتحدثون يَوْم الْجُمُعَة وَعمر جَالس عَلَى الْمِنْبَر، فَإِذا سكت الْمُؤَذّن قَامَ عمر فَلم يتَكَلَّم أحد حَتَّى (قطع الْخطْبَتَيْنِ) كلتيهما، فَإِذا قَامَت الصَّلَاة وَنزل عمر تكلمُوا» . والسبحة - بِضَم السِّين -: صَلَاة النَّافِلَة. وثعلبة هَذَا صَحَابِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَرَوَى بَعضهم عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خُرُوج الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا خطأ فَاحش، إِن هَذَا من كَلَام الزُّهْرِيّ. (وَمن) كَلَام (ثَعْلَبَة) كَمَا سبق. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: قد أخبر (ثَعْلَبَة) عَن عَامَّة أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي دَار الْهِجْرَة أَنهم كَانُوا يصلونَ نصف النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة ويتكلمون وَالْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر. وَيروَى عَن (ابْن) عمر مَرْفُوعا: «إِذا خطب الإِمَام فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام» . وَهُوَ غَرِيب ضَعِيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 690 الْأَثر الْخَامِس: «أَن ابْن عمر تطيب للْجُمُعَة، فَأخْبر أَن سعيد بن زيد منزول بِهِ وَكَانَ قَرِيبا لَهُ، فَأَتَاهُ وَترك الْجُمُعَة» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة قُتَيْبَة، عَن لَيْث، عَن يَحْيَى، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر ذكر لَهُ أَن سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل - وَكَانَ بدريًّا - مَرِيض فِي يَوْم جُمُعَة، فَركب إِلَيْهِ بعد أَن تَعَالَى النَّهَار واقتربت الْجُمُعَة، وَترك الْجُمُعَة» . ذكر ذَلِك البُخَارِيّ فِي الْبَاب الثَّانِي فِي فضل من شهد بَدْرًا. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن (ابْن) أبي نجيح، عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن ذُؤَيْب «أَنه) دعِي وَهُوَ (يستحم للْجُمُعَة) لسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ يَمُوت، فَأَتَاهُ وَترك الْجُمُعَة» . قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ سعيد بن زيد قَرِيبا (لعمر) . قلت: هُوَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح، وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح، يَجْتَمِعَانِ فِي نفَيْل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 691 وَقَالَ صَاحب (الْمُهَذّب) : هُوَ ابْن عَمه يَعْنِي مجَازًا فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي نفَيْل كَمَا قَرَّرْنَاهُ. الْأَثر السَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذكر صَاحب (التَّهْذِيب) أَن فِي غسل الْحجامَة أثرا. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ: عَن عبد الله بن (عَمْرو) بن العَاصِي، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى (أبي) مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَنهُ (أَنه) قَالَ: كُنَّا نغتسل من خمس من الْحجامَة، وَالْحمام، ونتف الْإِبِط، وَمن الْجَنَابَة، وَيَوْم الْجُمُعَة. قَالَ الْأَعْمَش: فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم فَقَالَ: مَا كَانُوا يرَوْنَ غسلا وَاجِبا إِلَّا من الْجَنَابَة، وَإِن كَانُوا يستحبون أَن يغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة. (ثمَّ رَوَاهُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْأَعْمَش، حَدثنِي مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «اغْتسل من الْحمام وَالْجُمُعَة) ، والجنابة، والحجامة، والموسى» . وَقد تقدم فِي الْغسْل رَفعه من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - فَرَاجعه من ثمَّ. خَاتِمَة رَأَيْت أَن أختم بهَا الْبَاب، فِيمَا جَاءَ فِيمَن فَاتَتْهُ الْجُمُعَة مَاذَا يفعل فِيهِ؟ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب وَعَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 692 أما حَدِيث سَمُرَة، فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان، نَا همام، عَن قَتَادَة، قَالَ: حَدثنِي قدامَة بن وبرة، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك جُمُعَة من غير عذر فليتصدق بِدِينَار، فَإِن لم يجد فَنصف دِينَار» . ثمَّ أخرجه عَن وَكِيع، ثَنَا همام بِهِ بِلَفْظ: «من فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فليتصدق بِدِينَار أَو نصف دِينَار» . واستدركه الْحَاكِم، فَأخْرجهُ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، عَن همام ... فَذكره، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرج بِخِلَاف فِيهِ لسَعِيد بن بشير وَأَيوب بن الْعَلَاء، فَإِنَّهُمَا قَالَا عَن قَتَادَة، عَن قدامَة بن وبرة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، وَلَفظه: «من (ترك) الْجُمُعَة [من غير عذر] فليتصدق (بدرهم) أَو بِنصْف [دِرْهَم] أَو صَاع حِنْطَة أَو نصف صَاع) ثمَّ ذكر الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ عَن أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث همام (عَن) قَتَادَة، وخِلاف أبي الْعَلَاء فِيهِ إِيَّاه فَقَالَ: همام عندنَا أحفظ من أَيُّوب بن الْعَلَاء. قلت: وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «من فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فليتصدق بِدِينَار، فَإِن لم يجد (فَنصف) دِينَار» . وَفِي لفظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 693 لَهُ: «من ترك الْجُمُعَة من غير عذر فليتصدق بِدِينَار» . وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِالْإِرْسَال فَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح سَماع قدامَة من سَمُرَة. وَقَالَ أَحْمد: قدامَة لَا يعرف. قلت: قد قيل ليحيى بن معِين: قدامَة بن وبرة مَا حَاله؟ فَقَالَ: ثِقَة. وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه كَمَا سلف. وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث قدامَة مَرْفُوعا مُرْسلا كَمَا سلف عَن لفظ الْحَاكِم ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل. قَالَ: وَرَوَاهُ سعيد بن بشير هَكَذَا، إِلَّا أَنه قَالَ: مدًّا أَو نصف مد، وَقَالَ: عَن سَمُرَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة، وَالْخلاف فِي سَمَاعه مِنْهُ قد عَلمته فِيمَا مَضَى فِي آخر بَاب صفة الصَّلَاة. وَرَأَيْت فِي «الْعِلَل» لعبد الله بن أَحْمد: سَأَلت أبي: هَل يَصح حَدِيث سَمُرَة هَذَا؟ فَقَالَ: قدامَة لَا يعرف، رَوَاهُ أَيُّوب أَبُو الْعَلَاء فَلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 694 يصل إِسْنَاده كَمَا وَصله همام قَالَ: «نصف دِرْهَم أَو دِرْهَم» خَالفه فِي الحكم وَقصر فِي الْإِسْنَاد. قلت: وَأما ابْن السكن فَذكر فِي «صحاحه» حَدِيث سَمُرَة وَحَدِيث قدامَة. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا بِمُقْتَضَى الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: يسْتَحبّ لمن ترك الْجُمُعَة بِلَا عذر أَن يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار؛ لهَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: وَلَا يلْزم ذَلِك؛ لِأَن الحَدِيث ضَعِيف. وَأما حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - فَأخْرجهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ من حَدِيثهَا مَرْفُوعا: «من فَاتَتْهُ صَلَاة الْجُمُعَة فليتصدق بِنصْف دِينَار» . أعله ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي «علله» : لَا يَصح، فِيهِ رجل مَنْسُوب إِلَى الْكَذِب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 695 كتاب صَلَاة الْخَوْف ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا؛ أما الْأَحَادِيث فسبعة: الحَدِيث الأول «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يصل صَلَاة الْخَوْف فِي حَرْب الخَنْدَق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي بَاب الْأَذَان مَعَ الْجَواب عَنهُ. الحَدِيث الثَّانِي صلَاته (بِبَطن نخل، وَهِي أَن تصلى مرَّتَيْنِ كل مرّة بفرقة. رَوَاهَا جَابر وَأَبُو (بكرَة) . هُوَ كَمَا قَالَ، أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنهُ، أما البُخَارِيّ فَرَوَاهُ فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع من كتاب الْمَغَازِي وَلَفظه عَنهُ: «كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِنَخْل فَصَلى الْخَوْف» . وَلما أخرج حَدِيث صَالح بن خَوات الْآتِي، قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِنَخْل ... ) فَذكر صَلَاة الْخَوْف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 وَأما مُسلم (فَرَوَاهُ) هُنَا وَلَفظه عَنهُ: «أَنه صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة الْخَوْف، فَصَلى (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ صَلَّى بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، (فَصَلى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَربع رَكْعَات وَصَلى بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ) » . وَأما حَدِيث أبي (بكرَة) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَالنَّسَائِيّ) بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي خوف الظّهْر، فَصف بَعضهم خَلفه وَبَعْضهمْ بِإِزَاءِ الْعَدو، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم، فَانْطَلق الَّذين صلوا مَعَه فوقفوا موقف أَصْحَابهم، ثمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فصلوا خَلفه، فَصَلى بهم رَكْعَتَيْنِ [ثمَّ سلم] فَكَانَت للنَّبِي (أَرْبعا (وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ) » . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بقريب من هَذَا اللَّفْظ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» لَكِن بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى بالقوم فِي الْخَوْف صَلَاة الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ انْصَرف، وَجَاء الْآخرُونَ فَصَلى بهم ثَلَاث رَكْعَات» . قَالَ الْحَاكِم: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 سَمِعت أَبَا عَلّي الْحَافِظ يَقُول: هَذَا حَدِيث غَرِيب. ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هُوَ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. فَائِدَتَانِ: الأولَى: أبدى ابْن الْقطَّان لحَدِيث أبي بكرَة (هَذَا عِلّة فَقَالَ فِي كتاب «الْوَهم وَالْإِيهَام» : عِنْدِي أَن هذَيْن الْحَدِيثين - يَعْنِي حَدِيث أبي بكرَة) من طريقيه - غير متصلين، فَإِن أَبَا بكرَة لم يصل مَعَه صَلَاة الْخَوْف، وَإِن كَانَ قد قَالَ فِي حَدِيث أبي دَاوُد «أَنه صلاهَا مَعَه» وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك؛ لِأَن من المتقرر عِنْد أهل السّير (والأخباريين) - وَهُوَ أَيْضا صَحِيح (الْإِسْنَاد الْموصل) عِنْد الْمُحدثين - أَنه أسلم حِين حِصَار الطَّائِف، نزل من سورها ببكرة وَبهَا كني أَبَا بكرَة، وحصار الطَّائِف كَانَ بعد الِانْصِرَاف من حنين، وَقيل: قسم غنائمها بالجعرانة، وَلما انْتقل عَنْهَا إِنَّمَا انْتقل (إِلَى) الْجِعِرَّانَة فقسم بهَا غَنَائِم حنين، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا مَا بَين ذِي الْحجَّة إِلَى رَجَب، ثمَّ خرج إِلَى تَبُوك غازيًا للروم، فَأَقَامَ بتبوك بضع عشرَة لَيْلَة لم يجاوزها وَلم يكن بهَا حَرْب تصلى لَهَا صَلَاة الْخَوْف، وَهِي آخر غَزْوَة غَزَاهَا بِنَفسِهِ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، فعلَى هَذَا لَا أَدْرِي لصَلَاة أبي (بكرَة) مَعَه موطنًا، وَقد جَاءَت عَنهُ فِي هَذَا رِوَايَات لَا توهم أَنه شَهِدَهَا كَرِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 عَن أبي حرَّة، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْخَوْف فصفهم صفّين صف بِإِزَاءِ الْعَدو ... » الحَدِيث. ذكره الْبَزَّار، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُنكر، فَإِنَّهُ لم يقل أَنه صلاهَا مَعَه، وَكَذَلِكَ [رِوَايَة] أَشْعَث، عَن الْحسن، عَن أبي (بكرَة) ذكرهَا الْبَزَّار أَيْضا، فَاعْلَم ذَلِك. الْفَائِدَة الثَّانِيَة: بطن نخل مَكَان من نجد من أَرض غطفان، هَكَذَا قَالَ صَاحب «الْمطَالع» وَالْجُمْهُور. وَقَالَ الْحَازِمِي: بطن نخل قَرْيَة بالحجاز. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : وَلَا مُخَالفَة بَينهمَا. قَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَاعْلَم أَن بطن نخل مَوضِع من أَرض نجد من أَرض غطفان، فَهِيَ وَذَات الرّقاع من أَرض غطفان ولكنهما صلاتان فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين. وَفِي كتاب الْمَغَازِي من «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن جَابر قَالَ: «خرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى ذَات الرّقاع من أَرض نخل فلقي (جمعا من) غطفان فَلم يكن قتال وأخاف النَّاس بَعضهم بَعْضًا، فَصَلى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكْعَتي (الْخَوْف)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 الحَدِيث الثَّالِث صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام بعسفان. وَهِي (صَحِيحَة) وَقد أخرجهَا البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سهل بن أبي (حثْمَة) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْف فصفهم خَلفه صفّين، فَصَلى بالذين يلونه رَكْعَة، ثمَّ قَامَ فَلم يزل قَائِما حَتَّى صَلَّى الَّذين (خَلفه) رَكْعَة، ثمَّ تقدمُوا وَتَأَخر الَّذين كَانُوا (قدامه) فَصَلى بهم رَكْعَة، ثمَّ قعد حَتَّى صَلَّى الَّذين (تخلفوا) رَكْعَة ثمَّ سلم» . وَأخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر مطولا. وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 «مُسْتَدْركه» بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ من حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي مطولا. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: (إِسْنَاده) صَحِيح إِلَّا أَن بعض أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يشك فِي سَماع مُجَاهِد من أبي عَيَّاش. ثمَّ ذكر الحَدِيث بِإِسْنَاد جيد عَن مُجَاهِد قَالَ: نَا أَبُو عَيَّاش. وَقَالَ: بَين فِيهِ سَماع مُجَاهِد من أبي عَيَّاش. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بعد أَن أخرج الحَدِيث: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن مُجَاهدًا لم يسمع هَذَا الْخَبَر من أبي عَيَّاش وَلَا لأبي عَيَّاش الزرقي صُحْبَة فِيمَا زعم. ثمَّ أخرجه من حَدِيث مُجَاهِد، نَا أَبُو عَيَّاش الزرقي قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعسفان» ثمَّ (سَاق) الحَدِيث، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: سَمَاعه مِنْهُ مُتَوَجّه فَإِنَّهُ ذكر مَا يدل عَلَى أَن مولد مُجَاهِد سنة عشْرين، وعاش أَبُو عَيَّاش إِلَى بعد الْأَرْبَعين وَقيل إِلَى بعد الْخمسين. قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : وَأَبُو عَيَّاش هَذَا اخْتلف فِي اسْمه، فَمنهمْ من قَالَ: هُوَ زيد بن النُّعْمَان، وَمِنْهُم من قَالَ: زيد بن الصَّامِت، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ عبيد بن مُعَاوِيَة بن الصَّامِت، وَمِنْهُم من قَالَ: عبيد بن معَاذ بن الصَّامِت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وَرَوَى النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم نَحْو هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس. قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط (البُخَارِيّ) . قلت: وَأخرجه البُخَارِيّ بِلَفْظ: «قَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَامَ النَّاس مَعَه فَكبر وَكَبرُوا مَعَه، وَركع وَركع نَاس (مِنْهُم) ، وَسجد وسجدوا مَعَه، ثمَّ قَامَ ثَانِيَة فَقَامَ الَّذين سجدوا وحرسوا إخْوَانهمْ، وَأَتَتْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى [فركعوا وسجدوا] مَعَه وَالنَّاس كلهم فِي صَلَاة وَلَكِن يحرس بَعضهم بَعْضًا) . تَنْبِيهَات: أَحدهَا: لما ذكر الرَّافِعِيّ الْكَيْفِيَّة الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر أَن أهل الصَّفّ الثَّانِي يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولَى وَالْأول فِي الثَّانِيَة. ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك وَأَن مِنْهُم من قَالَ: «إِن هَذِه الْكَيْفِيَّة منقولة عَن فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمِنْهُم من قَالَ: هَذَا خلاف التَّرْتِيب فِي السّنة، فَإِن الثَّابِت فِي السّنة أَن أهل الصَّفّ الأول يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَأهل الصَّفّ الثَّانِي يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الثَّانِيَة، وَالشَّافِعِيّ عكس ذَلِك. وَقَالُوا: الْمَذْهَب مَا ورد بِهِ الْخَبَر؛ لِأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 الشَّافِعِي قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ قولي مُخَالفا (للسّنة) فاطرحوه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَاعْلَم أَن مُسلما وَأَبا دَاوُد وَابْن مَاجَه وَغَيرهم من أَصْحَاب المسانيد لم يرووا إِلَّا الثَّانِي نعم فِي بعض الرِّوَايَات أَن طَائِفَة سجدت مَعَه، ثمَّ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة سجد مَعَه الَّذين كَانُوا قيَاما، وَهَذَا يحْتَمل الترتيبين جَمِيعًا، وَلم يقل الشَّافِعِي إِن الْكَيْفِيَّة الَّتِي ذكرتها صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعسفان، وَلَكِن قَالَ: وَهَذَا نَحْوهَا. قلت: وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي قَالَ الرَّافِعِيّ أَنَّهَا مُحْتَملَة الترتيبين جَمِيعًا أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا كَانَت صَلَاة الْخَوْف إِلَّا كَصَلَاة أحراسكم (هَؤُلَاءِ الْيَوْم خلف أئمتكم إِلَّا أَنَّهَا كَانَت أَظُنهُ) قَالَ عقبه: قَامَت الطَّائِفَة وهم جَمِيع مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وسجدت مَعَه طَائِفَة، ثمَّ قَامَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَسجد الَّذين (كَانُوا) قيَاما (لأَنْفُسِهِمْ) ثمَّ قَامَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَامُوا مَعَه جَمِيعًا، ثمَّ ركع وركعوا مَعَه جَمِيعًا، ثمَّ سجد (فَسجدَ) مَعَه الَّذين كَانُوا قيَاما أول مرّة، وَقَامَ الْآخرُونَ الَّذين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 كَانُوا سجدوا مَعَه أول مرّة، فَلَمَّا جلس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالَّذين سجدوا مَعَه فِي آخر صلَاتهم سجد الَّذين كَانُوا قيَاما لأَنْفُسِهِمْ ثمَّ (جَلَسُوا) فَجَمعهُمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالسَّلَامِ» . ثَانِيهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَحَكَى أَبُو الْفضل بن عَبْدَانِ أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ يَحْرُسُونَ فِي الرُّكُوع أَيْضا. قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَات مَا يدل عَلَيْهِ. قلت: هُوَ ظَاهر رِوَايَة البُخَارِيّ السالفة. ثَالِثهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر فِي (البُخَارِيّ) أَن (الصَّفّ الثَّانِي يَحْرُسُونَ فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة يتَقَدَّم أهل الصَّفّ الثَّانِي ويتأخر أهل الصَّفّ الأول، فَتكون الحراسة فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِمَّن خلف الصَّفّ الأول) لَا من الصَّفّ الأول، كَذَلِك ورد فِي الْخَبَر. قلت: حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي الَّذِي (سقناه صَرِيح) فِي ذَلِك. فَائِدَة: عسفان - بِعَين مَضْمُومَة ثمَّ سين سَاكِنة - مهملتين - قَرْيَة جَامِعَة بهَا مِنْبَر وَهِي بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. وَقَالَ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : بَين عسفان وَمَكَّة أَرْبَعَة برد. وَهُوَ صَحِيح فالأربعة برد ثَمَانِيَة و (أَرْبَعُونَ) ميلًا وَذَلِكَ مرحلتان. و (وَقع) فِي «الْمطَالع» أَن بَينهمَا سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» بعد أَن حَكَاهُ عَنهُ: غير مَقْبُول مِنْهُ. وَتبع الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» صَاحب (الْمطَالع) وَأفَاد أَنَّهَا سميت بعسفان لعسف السُّيُول (بهَا) . الحَدِيث الرَّابِع «صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام بِذَات الرّقاع» رَوَاهُ مَالك عَن يزِيد بن رُومَان، عَن صَالح بن خَوات بن جُبَير، عَمَّن صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم ذَات الرّقاع. وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن صَالح، عَن سهل بن أبي (حثْمَة) ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَرَوَاهَا ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. أما حَدِيث صَالح فمتفق عَلَيْهِ من حَدِيث عَمَّن صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم ذَات الرّقاع صَلَاة الْخَوْف «أَن طَائِفَة (صفت) مَعَه وَطَائِفَة وجاه الْعَدو، فَصَلى بالذين مَعَه رَكْعَة، ثمَّ ثَبت قَائِما وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ انصرفوا (وصفوا) وجاه الْعَدو، وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَصَلى الرَّكْعَة الَّتِي بقيت، ثمَّ ثَبت جَالِسا وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ سلم بهم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 وَرَوَاهُ مَالك بلفظين: أَحدهمَا هَذَا. وَثَانِيهمَا: عَن صَالح أَن سهل بن أبي حثْمَة حَدثهُ «أَن صَلَاة الْخَوْف أَن يقوم الإِمَام وَمَعَهُ طَائِفَة من أَصْحَابه وَطَائِفَة مُوَاجهَة الْعَدو، فيركع الإِمَام رَكْعَة، وَيسْجد بالذين مَعَه، ثمَّ يقوم، فَإِذا اسْتَوَى قَائِما ثَبت وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الْبَاقِيَة، ثمَّ يسلمُونَ وينصرفون، وَالْإِمَام قَائِم، فيكونون وجاه الْعَدو، ثمَّ يقبل الْآخرُونَ الَّذين لم (يسلمُوا) فيكبرون وَرَاء الإِمَام، فيركع بهم وَيسْجد ثمَّ يسلم، فَيقومُونَ فيركعون لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة (الثَّانِيَة) ثمَّ يسلمُونَ» . وَأما رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ لَهُ، عَن صَالح، عَن سهل بن أبي حثْمَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَصَحِيح كَمَا عزاهُ الرَّافِعِيّ إِلَيْهِمَا. قَالَ عبد الْحق: وَمُرَاد صَالح بن خَوات بِمن صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هُوَ سهل بن أبي حثْمَة. وَتوقف ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك؛ لِأَن ذَات الرّقاع كَانَت بعد بني النَّضِير فِي صدر السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَسَهل توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين. قَالَه جماعات. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم إِنَّه بَايع تَحت الشَّجَرَة وَشهد الْمشَاهد كلهَا إِلَّا بَدْرًا، وَكَانَ دَلِيل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يَصح؛ إِنَّمَا كَانَ الدَّلِيل أَبوهُ عَامر بن سَاعِدَة، وَهُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 خارصًا، وَأَبُو بكر وَعمر بعده. وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة؛ فسهل كَانَ سنه فِي زمن ذَات الرّقاع سنتَيْن أَو نَحْوهَا. ثمَّ أوضح ذَلِك بدلائله. وَأما حَدِيث ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - فمتفقٌ عَلَيْهِ من حَدِيثه، قَالَ: «صَلَّى) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة الْخَوْف بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة، والطائفة الْأُخْرَى مُوَاجهَة الْعَدو، ثمَّ انصرفوا، وَقَامُوا فِي مقَام أَصْحَابهم مُقْبِلين عَلَى الْعَدو، وَجَاء أُولَئِكَ، ثمَّ صَلَّى بهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ سلم (بهم) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَة وَهَؤُلَاء رَكْعَة) . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عَائِشَة. (فَائِدَة: خوَّات - بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ وَاو مُشَدّدَة، ثمَّ مثناة فَوق - وَهُوَ فِي اللُّغَة: الرجل الجريء. كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي. وحثمة بمثلثة بعد الْمُهْملَة، والحثمة هِيَ الأكمة الْحَمْرَاء، وَبهَا سميت الْمَرْأَة حثْمَة. قَالَه الْجَوْهَرِي. قَالَ: وَتقول حثمْتُ بِمَعْنى أَعْطَيْت، وَبِمَعْنى دلكت) . فَائِدَة: - ذَات الرّقاع بِكَسْر الرَّاء -: مَوضِع قبل نجد من أَرض غطفان، وَاخْتلف فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك عَلَى أَقْوَال، أَصَحهَا كَمَا قَالَه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 أَبُو عبيد الْبكْرِيّ وَالنَّوَوِيّ مَا ثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه قَالَ فِيهَا: (نقبت أقدامنا فَكُنَّا نلف عَلَى أَرْجُلنَا الخِرق؛ فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع؛ لما كُنَّا نعصب عَلَى أَرْجُلنَا من الْخرق» . ونقبت - بِفَتْح النُّون، وَضمّهَا - أَي: تقرحت وتقطعت جلودها. (وَعبارَة الرَّافِعِيّ، قيل: كَانَ الْقِتَال فِي سفح جبل فِيهِ جدد بيض وحمر كالرقاع. انْتَهَى. وسفح الْجَبَل: أَسْفَله، حَيْثُ يسفح فِيهِ المَاء، أَي يُراق. والجُدد: الطّرق، جمع جُدد، بِضَم الْجِيم فيهمَا، فالجبل الْمَذْكُور كَانَت فِيهِ طرائق تخَالف لون الْجَبَل) . وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» : الْأَصَح أَنه اسْم مَوضِع؛ لقَوْله فِي «صَحِيح مُسلم» : «حَتَّى إِذا كُنَّا بِذَات الرّقاع» . وَهَذَا يدل عَلَى أَنه مَوضِع، قَالَ: وَذَات الرّقاع، قيل: إِنَّه اسْم شَجَرَة هُنَاكَ سميت بِهِ الْغَزْوَة، وَقيل: (إِنَّه) اسْم جبل هُنَالك بِنَجْد من أَرض غطفان فِيهِ بَيَاض وَحُمرَة وَسَوَاد يُقَال لَهَا الرّقاع، فسميت الْغَزْوَة بِهِ. وَيحْتَمل أَن هَذِه الْأُمُور كلهَا وجدت فِيهَا. وَجمع أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي «أَمَالِيهِ» أقوالاً فِي اسْمهَا، فَقَالَ: قَالَ بعض أهل الْعلم: التقَى الْقَوْم فِي أَسْفَل أكمة ذَات ألوان، فَهِيَ ذَات الرّقاع. وَقَالَ ابْن (جرير) : ذَات الرّقاع من نخل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 قَالَ: و (الْجَبَل) الَّذِي سميت بِهِ ذَات الرّقاع، هُوَ جبل فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَيُقَال: ذَات الرّقاع لشَجَرَة بذلك الْموضع. وَقيل: بل تقطعت راياتهم فرقعت، فَلذَلِك سميت ذَات الرّقاع. قَالَ غَيره: وَقيل: بل كَانَت راياتهم ملونة الرّقاع. وَكَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع سنة أَربع من الْهِجْرَة. وَذكر البُخَارِيّ أَنَّهَا بعد خَيْبَر؛ لِأَن أَبَا مُوسَى (الْأَشْعَرِيّ) جَاءَ بعد خَيْبَر. فَائِدَة (ثَالِثَة) : جَاءَت صَلَاة الْخَوْف عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى سِتَّة عشر نوعا، وَهِي مفصلة فِي «صَحِيح مُسلم» ، ومعظمها فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَاخْتَارَ الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، أَعنِي: صلَاته بِبَطن نخل، وبذات الرّقاع، وبعسفان، وَذكر الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مِنْهَا ثَمَانِيَة أَنْوَاع، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» مِنْهَا تِسْعَة، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَخْبَار لَيْسَ بَينهَا تضَاد وَلَا تهاتر، وَلَكِن الْمُصْطَفَى (صَلَّى صَلَاة الْخَوْف مرَارًا فِي أَحْوَال مُخْتَلفَة بأنواع متباينة عَلَى حسب مَا ذَكرنَاهَا، أَرَادَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام تَعْلِيم أمته صَلَاة الْخَوْف، أَنه مُبَاح لَهُم أَن يصلوها أَي نوع من الْأَنْوَاع التِّسْعَة (الَّتِي صلاهَا فِي الْخَوْف عَلَى حسب الْحَاجة إِلَيْهَا، والمرء مُبَاح لَهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ) عِنْد الْخَوْف من هَذِه الْأَنْوَاع الَّتِي ذَكرنَاهَا، إِذْ هِيَ من الِاخْتِلَاف الْمُبَاح من غير أَن يكون بَينهَا تضَاد وَلَا تهاتر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: قد جَاءَ فِيهَا نَحْو أَرْبَعَة عشر نوعا. و (نقل) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: مَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا حَدِيثا صَحِيحا. وَاخْتَارَ حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة. وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيّ: جَمِيع مَا ورد عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِي صَلَاة الْخَوْف) جَائِز لَا يرجح بعضه عَلَى بعض. قَالَ أهل الحَدِيث وَالسير عَلَى مَا نَقله عَنْهُم النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَأول صَلَاة صلاهَا الشَّارِع للخوف صَلَاة بِذَات الرّقاع. وَقَول الْغَزالِيّ فِي «الْوَسِيط» والرافعي فِي الْكتاب أَنَّهَا آخر غَزَوَاته غير صَحِيح، بل آخرهَا غَزْوَة تَبُوك كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من أهل الْمَغَازِي وَالسير. الحَدِيث الْخَامِس عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - (أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: (فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركبانًا) قَالَ ابْن عمر: أَي مستقبلي الْقبْلَة، وَغير مستقبليها. قَالَ نَافِع: لَا أرَاهُ ذكر ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن [عَمْرو]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَرَوَاهُ أَيْضا مَعَ الشَّيْخَيْنِ الشَّافِعِي وَأحمد فِي «مسنديهما» ، وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن (صَحِيح) . وَفِي أبي دَاوُد بعد ذَلِك: «وَمن قتل دون أَهله أَو دون مَاله، أَو دون دينه فَهُوَ شَهِيد» . وَفِي رِوَايَة للنسائي: «من قَاتل دون مَاله فَقتل فَهُوَ شَهِيد، (وَمن قَاتل دون دَمه فَقتل فَهُوَ شَهِيد) ، وَمن قَاتل دون أَهله فَقتل فَهُوَ شَهِيد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَمن قَاتل دون دينه فَهُوَ شَهِيد» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن والودك (فَقَالَ) : استصبحوا بِهِ وَلَا تأكلوه» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أنسبها رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن فَقَالَ: إِن كَانَ جَامِدا فخذوها، وَمَا حولهَا فألقوه، وَإِن كَانَ ذائبًا أَو مَائِعا فاستصبحوا بِهِ - أَو فانتفعوا بِهِ» . ذكره الطَّحَاوِيّ فِي «بَيَان الْمُشكل» و (اخْتِلَاف الْعلمَاء) عَن فَهد بن سُلَيْمَان، ثَنَا الْحسن بن الرّبيع، ثَنَا عبد الْوَاحِد ... فَذكره، وَذكره أَيْضا ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» وَعبد الْوَاحِد هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَهُوَ ثِقَة (لَهُ) أَوْهَام كَغَيْرِهِ، مَشاهُ ابْن عدي، وَتكلم فِيهِ ابْن معِين وَيَحْيَى الْقطَّان وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: إِنَّه ثِقَة إِذا انْفَرد بِحَدِيث قبل حَدِيثه، وَكَذَلِكَ إِذا انْفَرد بِزِيَادَة قبلت زِيَادَته. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن عمر: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 والودك، فَقَالَ: اطرحوها واطرحوا مَا حولهَا إِن كَانَ جَامِدا، وَإِن كَانَ مَائِعا فانتفعوا بِهِ، وَلَا تأكلوه» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث شُعَيْب بن يَحْيَى، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه. وَشُعَيْب بن يَحْيَى هَذَا ثِقَة عَابِد من رجال النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف. فَإِن أَرَادَ بِهِ (أَنه لَيْسَ مَعْرُوف) الْحَال، فقد عرف، أَو الْعين، فقد رَوَى عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، وَاللَّيْث، وَعنهُ: الْحَارِث بن مِسْكين، وَبكر بن سهل. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» لأجل مقَالَة (أبي) حَاتِم هَذِه، وَقد عرفت مَا فِيهَا، وَأعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِيَحْيَى بن أَيُّوب، وَقَالَ: إِنَّه لَا يحْتَج بِهِ. وَيَحْيَى هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة وَهُوَ ثِقَة يعرف، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق وَلَا يحْتَج بِهِ. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» لأجل هَذَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن وَالزَّيْت، فَقَالَ: استصبحوا بِهِ، وَلَا تأكلوه» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث أبي هَارُون الْعَبْدي، عَن أبي سعيد بِهِ. وَأَبُو هَارُون الْعَبْدي: عمَارَة بن جُوَيْن واه بِالْإِجْمَاع، وَقَالَ حَمَّاد بن زيد: كَذَّاب. وَقَالَ شُعْبَة: لِأَن أقدم فَيضْرب عنقِي أحب إليّ من (أَن) أحدث عَنهُ. الطَّرِيق الرَّابِع: (من) حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن أبي جَابر البياضي، عَن ابْن الْمسيب «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إِن كَانَ جَامِدا أَخذ مَا حولهَا قدر الْكَفّ، وَإِذا وَقع فِي الزَّيْت، (استصبح) » . (رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق) فِي «مُصَنفه» عَن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَهَذَا مَعَ إرْسَاله مُشْتَمل عَلَى إِبْرَاهِيم هَذَا، وَقد عرفت حَاله فِي كتاب الطَّهَارَة، وَأبي جَابر البياضي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَقد تَرَكُوهُ، قَالَ الشَّافِعِي: من حدث عَن أبي جَابر البياضي بيض الله عَيْنَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن عمر، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن، فَقَالَ: ألقوها وَمَا حولهَا، وكلوا مَا بَقِي. فَقيل: يَا نَبِي الله، أَفَرَأَيْت إِن كَانَ السّمن مَائِعا؟ فَقَالَ: انتفعوا بِهِ وَلَا تأكلوه) ثمَّ قَالَ: عبد الْجَبَّار هَذَا غير مُحْتَج بِهِ. قَالَ: وَرَوَى ابْن جريج عَن ابْن شهَاب هَكَذَا، وَالطَّرِيق إِلَيْهِ غير قوي. ثمَّ رَوَى حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب السالف ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر مَوْقُوفا من قَوْله غير مَرْفُوع. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق يعْلى بن عبيد، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «فِي فَأْرَة وَقعت فِي زَيْت، قَالَ: استصبحوا بِهِ، وادهنوا بِهِ (أدمكم) » ثمَّ رَوَى حَدِيث أبي سعيد السالف مَرْفُوعا ثمَّ مَوْقُوفا، وَقَالَ: إِنَّه الْمَحْفُوظ. ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن حَدِيث الْفَأْرَة هَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث مَيْمُونَة وَلم يفرق فِيهِ بَين الْمَائِع والجامد، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ (عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة) بالتفرقة، وَضَعفه التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ: إِنَّه غير مَحْفُوظ، سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ يَقُول: حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة - فِي هَذَا - خطأ، وَالصَّحِيح حَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة. وسيكون لنا عودة إِلَيْهِ فِي كتاب البيع حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - ذَلِك وَقدره. هَذَا آخر أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فخمسة: أَولهَا وَثَانِيها وَثَالِثهَا: «أَن عليًّا وَأَبا مُوسَى وَحُذَيْفَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - وَغَيرهم صلوا صَلَاة الْخَوْف بعد وَفَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هُوَ كَمَا قَالَ (فقد) صَحَّ ذَلِك عَنْهُم كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن سعيد بن أبي وَقاص، وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، وَسَعِيد بن العَاصِي، وَغَيرهم، رَوَى أَحَادِيثهم الْبَيْهَقِيّ وَبَعضهَا فِي «سنَن أبي دَاوُد» و «النَّسَائِيّ» و «صَحِيح الْحَاكِم» وَغَيرهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّحَابَة الَّذين رووا صَلَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْخَوْف لم يحملهَا أحد مِنْهُم عَلَى تخصيصها بِالنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَا بزمنه بل رَوَاهَا كل وَاحِد وَهُوَ يعتقدها مَشْرُوعَة عَلَى الصّفة الَّتِي رَوَاهَا. الْأَثر الرَّابِع: «أَن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - صَلَّى الْمغرب صَلَاة الْخَوْف لَيْلَة الهرير بالطائفة الأولَى رَكْعَة، وبالثانية رَكْعَتَيْنِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 وَهَذَا الْأَثر ذكره عَلَى هَذَا الْوَجْه الصيدلاني، وَالْإِمَام، وَالْغَزالِيّ وَذكره (الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ) بِغَيْر إِسْنَاد، وَأَشَارَ إِلَى ضعفه، فَقَالَ: وَيذكر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه أَن عليًّا صَلَّى الْمغرب صَلَاة الْخَوْف (لَيْلَة) الهرير. وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي قَالَ: وَحفظ عَن عَلّي بن أبي طَالب أَنه صَلَّى صَلَاة الْخَوْف لَيْلَة الهرير. كَمَا رَوَى صَالح بن خَوات، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَائِدَة: الهرير - بِفَتْح الْهَاء وَكسر الرَّاء، ثمَّ يَاء (مثناة تَحت) ثمَّ رَاء أُخْرَى - تَقول الْعَرَب: هر فلَان الْحَرْب هريرًا أَي كرهها. كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي، وَكَأَنَّهَا سميت بذلك لكراهتهم الْحَرْب فِي تِلْكَ اللَّيْلَة لِكَثْرَة مَا وَقع فِيهَا من الْقَتْل) . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هِيَ حَرْب بَين عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَبَين الْخَوَارِج، وَكَانَ بَعضهم يهر عَلَى بعض، فسميت بذلك. قَالَ: وَقيل: هِيَ لَيْلَة صفّين بَين عَلّي وَمُعَاوِيَة. وَجزم بِهَذِهِ الْمقَالة فِي «شَرحه الْمُهَذّب» فَقَالَ: هِيَ لَيْلَة من ليَالِي صفّين، سميت بذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 لِأَنَّهُ كَانَ لَهُم هرير عِنْد حمل بَعضهم عَلَى بعض. وَعبارَة صَاحب «التنقيب عَلَى الْمُهَذّب» : إِنَّهَا لَيْلَة صفّين بَين عَلّي وَأهل الشَّام، سميت بذلك لأَنهم لما عجزوا عَن الْقِتَال كَانَ بَعضهم يهر عَلَى بعض. قَالَ: وَكَانَ أَصْحَاب عَلّي تسعين ألفا، وَأَصْحَاب مُعَاوِيَة مائَة و (عشْرين) ألفا، وَقيل بِالْعَكْسِ. قَالَ: وَبَقِي الْقِتَال بَينهم مائَة وَعشرَة أَيَّام، وَقتل من أَصْحَاب عَلّي خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا، مِنْهُم من الصَّحَابَة والبدريين خَمْسَة وَعِشْرُونَ، وَقتل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا. الْأَثر الْخَامِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما تسميد الأَرْض بالزبل فَجَائِز. قَالَ الإِمَام: وَلم يمْنَع مِنْهُ أحد للْحَاجة الْقَرِيبَة من الضَّرُورَة، وَقد نَقله الْأَثْبَات عَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» «بَاب مَا جَاءَ فِي طرح السرجين والعذرة فِي الأَرْض» فِي أثْنَاء كتاب الْمُزَارعَة ثمَّ رَوَى (عَن) سعد بن أبي وَقاص «أَنه كَانَ يحمل مكتل عُرّة إِلَى أَرض لَهُ» وَفِي لفظ لَهُ «مكتل عُرّة مكتل بر» قَالَ أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: (العُرّة هِيَ) عذرة النَّاس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر خلاف ذَلِك فِي الْعذرَة خَاصَّة، ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يشْتَرط عَلَى الَّذِي يكريه أرضه أَن لَا يَعُرّها، وَذَلِكَ قبل أَن يدع عبد الله الْكِرَاء» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 رُوِيَ فِيهِ حَدِيث ضَعِيف. ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «كُنَّا نكرِي أَرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ونشترط عَلَيْهِم أَن لَا (يدملوها) بعذرة (النَّاس) » . ثمَّ رَوَى عَن ابْن عمر «أَن رجلا أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي كنت أكنس حَتَّى تزوجت وعتقت وَحَجَجْت. فَقَالَ: مَا كنت تكنس؟ قَالَ: الْعذرَة. قَالَ: أَنْت خَبِيث (وعتقك) خَبِيث وحجك خَبِيث، اخْرُج مِنْهُ كَمَا دخلت فِيهِ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فخمسة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول يرْوَى «أَن أول عيد صَلَّى فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عيد الْفطر من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَلم يزل يواظب عَلَى صَلَاة الْعِيدَيْنِ حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد اشْتهر فِي السّير أَن أول عيد شرع عيد الْفطر، وَأَنه فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَأما الْمُوَاظبَة عَلَى صلَاته (فمستفيض) فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يصلها بمنى؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا، كَمَا لم يصل الْجُمُعَة. أَي بِعَرَفَة أَو فِي سَفَره، وَهُوَ كَمَا قَالَ. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: وَاسْتحْسن فِي «الْأُم» أَن نقُول بعد التَّكْبِير مَا نقل عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ عَلَى الصَّفَا «الله أكبر كَبِيرا، وَالْحَمْد لله كثيرا، وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا، لَا إِلَه إِلَّا الله، وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه، مُخلصين لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 الدَّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده، صدق وعده، وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده، لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِنَحْوِهِ وَهَذَا لَفظه: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه قَالَ: «دَخَلنَا عَلَى جَابر ... » فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَبَدَأَ بالصفا فرقى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْت، فَاسْتقْبل الْبَيْت فَوحد الله وَكبره، وَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده، أنْجز وعده، وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده ... » ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث بِطُولِهِ، وسأذكره بِطُولِهِ فِي الْحَج إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - ذَلِك وَقدره. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخرج يَوْم الْفطر والأضحى رَافعا صَوته بالتهليل وَالتَّكْبِير حَتَّى يَأْتِي الْمُصَلى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن خُزَيْمَة، عَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب، عَن عَمه، عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن عبد الله «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخرج فِي الْعِيدَيْنِ مَعَ الْفضل بن الْعَبَّاس، وَعبد الله، وَالْعَبَّاس، وَعلي وجعفر، وَالْحسن وَالْحُسَيْن، وَأُسَامَة بن زيد، وَزيد بن حَارِثَة، وأيمن بن أم أَيمن، رَافعا صَوته بِالتَّكْبِيرِ والتهليل (حَتَّى يَأْخُذ) طَرِيق الحدادين حَتَّى يَأْتِي الْمُصَلى، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وَإِذا فرغ رَجَعَ عَلَى الحدادين حَتَّى يَأْتِي منزله» . الحدادين: بِالْحَاء (الْمُهْملَة) ، وَقيل بِالْجِيم. ذكرهمَا ابْن البزري وَغَيره فِي أَلْفَاظ (الْمُهَذّب) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَى عَن ابْن عمر مَوْقُوفا «أَنه كَانَ يكبر لَيْلَة الْفطر حَتَّى يَغْدُو إِلَى الْمُصَلى» قَالَ: وَذكر اللَّيْلَة فِيهِ غَرِيب. وَعَن ابْن عمر أَيْضا: «أَنه كَانَ يَغْدُو إِلَى الْعِيد من الْمَسْجِد، وَكَانَ يرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِي الْمُصَلى، وَيكبر حَتَّى يَأْتِي الإِمَام» . وَفِي لفظ «يَوْم الْفطر والأضحى» هَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف، وَقد رُوِيَ من وَجْهَيْن ضعيفين مَرْفُوعا، أما أمثلهما فَذكر الْمَرْفُوع الَّذِي قدمْنَاهُ، وَأما أضعفهما؛ فأسند من حَدِيث عبيد الله بن مُحَمَّد بن خُنَيْس الدِّمَشْقِي، نَا مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَطاء، أَنا الْوَلِيد بن مُحَمَّد - هُوَ الموقري - ثَنَا الزُّهْرِيّ، أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله، أَن عبد الله بن عمر أخبرهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر يَوْم الْفطر من حِين يخرج من بَيته (حَتَّى) يَأْتِي الْمُصَلى» . مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَطاء مُنكر الحَدِيث ضَعِيف، والوليد بن مُحَمَّد الموقري ضَعِيف لَا يحْتَج (بِرِوَايَة) أمثالهما، والْحَدِيث الْمَحْفُوظ عَن ابْن عمر من قَوْله. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَلّي وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة مثله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 قلت: وَعبيد الله بن مُحَمَّد بن خُنَيْس. قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث غَرِيب الْإِسْنَاد والمتن، غير أَن الشَّيْخَيْنِ لم يحْتَجَّا بالوليد بن مُحَمَّد الموقري وَلَا بمُوسَى بن عَطاء الْبُلْقَاوِيُّ. قلت: مَا أقصرا فِي ذَلِك (فهما كذابان) . قَالَ: وَهَذِه سنة تداولها (أَئِمَّة) أهل الحَدِيث، وَقد صحت بِهِ الرِّوَايَة عَن ابْن عمر وَغَيره من الصَّحَابَة. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يخرج فِي الْعِيدَيْنِ من الْمَسْجِد فيكبر حَتَّى يَأْتِي الْمُصَلى» ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عبد الرَّحْمَن (قَالَ: «كَانُوا) فِي التَّكْبِير فِي الْفطر أَشد مِنْهُم فِي الْأَضْحَى» . الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيد حَتَّى يَأْتِي الْمُصَلى، وَيَقْضِي الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذِهِ الزِّيَادَة فِي آخِره، وَرَوَى الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، حَدثنِي (مُحَمَّد بن عجلَان) عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلى يَوْم الْفطر إِذا طلعت الشَّمْس، فيكبر حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 يَأْتِي الْمُصَلى (يَوْم الْعِيد) ثمَّ يكبر بالمصلى، حَتَّى إِذا جلس الإِمَام ترك التَّكْبِير» . وَإِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى قد عرفت حَاله فِي كتاب الطَّهَارَة، وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث لأحد الْأَقْوَال أَنه يكبر إِلَى أَن يفرغ الإِمَام من الصَّلَاة. ثمَّ قَالَ: وَهَذَا القَوْل إِنَّمَا يَجِيء فِي حق من لَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَام. فَتَأمل ذَلِك. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب» . هَذَا الحَدِيث ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث أَبَى أُمَامَة مَرْفُوعا: «من أَحْيَا لَيْلَة الْفطر أَو لَيْلَة الْأَضْحَى لم يمت قلبه إِذا مَاتَت الْقُلُوب» . فَقَالَ: يرويهِ ثَوْر بن يزِيد، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ جرير بن عبد الحميد، عَن ثَوْر، عَن مَكْحُول، عَن أبي أُمَامَة. قَالَه ابْن قدامَة وَغَيره عَن جرير، وَرَوَاهُ عَمْرو بن هَارُون، عَن جرير، عَن ثَوْر، عَن مَكْحُول، قَالَ: وأسنده معَاذ بن جبل، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: وَالْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف عَن مَكْحُول. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن أبي أَحْمد المرِّار بن حَمويه، ثَنَا مُحَمَّد بن المُصَفّى، نَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن خَالِد بن معدان، عَن أبي أُمَامَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قَامَ (لَيْلَة) الْعِيدَيْنِ محتسبًا لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 وَبَقِيَّة قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى لَا سِيمَا وَقد عنعن. وَذكره الشَّافِعِي بِهَذَا اللَّفْظ مَوْقُوفا عَلَى أبي الدَّرْدَاء، (رَوَاهُ) عَن شَيْخه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، قَالَ: قَالَ ثَوْر بن يزِيد: عَن خَالِد بن معدان، عَن أبي الدَّرْدَاء: «من قَامَ لَيْلَة (الْعِيدَيْنِ لله) محتسبًا لم يمت قلبه حِين تَمُوت الْقُلُوب» . وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث جرير بن عبد الحميد، عَن مَكْحُول، عَن أبي أُمَامَة: «من أَحْيَا لَيْلَة الْفطر أَو لَيْلَة الْأَضْحَى، لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب» . ثمَّ ذكر مقَالَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة، ثمَّ ذكره من حَدِيث عِيسَى بن إِبْرَاهِيم (الْقرشِي) عَن سَلمَة بن سُلَيْمَان الْجَزرِي، عَن مَرْوَان بن سَالم، عَن (ابْن) كرْدُوس، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت فِيهِ الْقُلُوب» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ فِي إِسْنَاده آفَات: أَحدهَا: مَرْوَان بن سَالم، قَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ و (الرَّازِيّ) : مَتْرُوك. ثَانِيهَا: سَلمَة بن سُلَيْمَان، قَالَ الْأَزْدِيّ: ضَعِيف. ثَالِثهَا: عِيسَى بن إِبْرَاهِيم الْقرشِي، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث معَاذ بن جبل مَرْفُوعا: «من أَحْيَا اللَّيَالِي الْأَرْبَع، وَجَبت لَهُ الْجنَّة: لَيْلَة التَّرويَة، وَلَيْلَة عَرَفَة، وَلَيْلَة النَّحْر، وَلَيْلَة الْفطر» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ فِي إِسْنَاده عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي قَالَ يَحْيَى: كَذَّاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي مَوْقُوفا (عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: قَالَ ثَوْر ... فَذكره كَمَا أسلفناه، هَكَذَا رَوَاهُ مَوْقُوفا) وَأَشَارَ بَعضهم إِلَى تفرد الشَّافِعِي بروايته عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، وَيروَى عَن (عمر) بن هَارُون، عَن ثَوْر بن يزِيد (عَن) خَالِد بن معدان، عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ: «من قَامَ لَيْلَتي الْعِيد إِيمَانًا واحتسابًا لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب» . رَوَاهُ بَعضهم هَكَذَا، وَآخَرُونَ مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن (عَمْرو) ، عَن ثَوْر، عَن خَالِد، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من صَلَّى (لَيْلَتي) الْفطر والأضحى لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب» . قَالَ: وَالِاحْتِيَاط فِي مثل هَذَا أَن يُقَال: لما رُوِيَ. وَلَا يُقَال: لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام. (وَلَا: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام) . قلت: وَعبارَته فِي «شَرحه» «أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ» محثوث عَلَيْهِ للْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ الْغَزالِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثمَّ ذكره، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يُورِدهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 بِهَذِهِ الصِّيغَة بل بِصِيغَة التمريض، عَلَى مَا نبه عَلَيْهِ (هُوَ) فِي «تذنيبه» وَأما الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فَذكره فِي «جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح» ، فِي أثْنَاء حَدِيث طَوِيل فِي صفة صَلَاة لَيْلَة عيد الْفطر، ذكره عَنهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» ، وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: بلغنَا أَن الدُّعَاء يُسْتَجَاب فِي خمس لَيَال: فِي لَيْلَة الْجُمُعَة، وَلَيْلَة الْأَضْحَى، وَلَيْلَة الْفطر، وَأول لَيْلَة من رَجَب، وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان. قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: رَأَيْت مشيخة من خِيَار أهل الْمَدِينَة يظهرون عَلَى مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة الْعِيدَيْنِ فَيدعونَ ويذكرون الله - تَعَالَى - حَتَّى تذْهب سَاعَة من اللَّيْل. قَالَ الشَّافِعِي: وبلغنا أَن ابْن عمر كَانَ يحيي لَيْلَة النَّحْر. قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا أستحب كل مَا (حكيت) فِي هَذِه اللَّيَالِي من غير أَن يكون فرضا. قلت: وَفِي «غنية الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس» للخطيب الْبَغْدَادِيّ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز «أَنه كتب إِلَى عدي بن أَرْطَاة إِن عَلَيْك بِأَرْبَع لَيَال فِي السّنة، فَإِن الله - تَعَالَى - يفرغ فِيهِنَّ الرَّحْمَة إفراغة: أول لَيْلَة من رَجَب، وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان، وَلَيْلَة الْفطر، وَلَيْلَة النَّحْر» . وَرَوَى الْخلال فِي جُزْء جمعه فِي فَضَائِل رَجَب عَن خَالِد بن معدان قَالَ: «خمس لَيَال فِي السّنة من واظب عَلَيْهِنَّ رَجَاء ثوابهن وَتَصْدِيقًا بوعدهن أدخلهُ الله الْجنَّة: أول لَيْلَة من رَجَب يقوم لَيْلهَا ويصوم نَهَارهَا، وَلَيْلَة الْفطر يقوم لَيْلهَا وَيفْطر نَهَارهَا، وَلَيْلَة الْأَضْحَى يقوم لَيْلهَا وَيفْطر نَهَارهَا، وَلَيْلَة عَاشُورَاء يقوم لَيْلهَا ويصوم نَهَارهَا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 فَائِدَة: (يَوْم تَمُوت الْقُلُوب) هُوَ يَوْم الْقِيَامَة إِذا غمرها الْخَوْف لعظم الهول. قَالَ الصيدلاني: لم يرد فِي شَيْء من الْفَضَائِل مثل هَذَا؛ لِأَن موت الْقلب إِمَّا الْكفْر فِي الدَّين، وَإِمَّا الْفَزع فِي الْقِيَامَة، وَمَا أضيف إِلَى الْقلب فَهُوَ أعظم؛ لقَوْله تَعَالَى: (فَإِنَّهُ آثم قلبه) وَقيل: المُرَاد لم يشغف قلبه بحب (الدُّنْيَا) لِأَن من شغف قلبه من حبها مَاتَ قلبه، وَيروَى فِي بعض الْأَحَادِيث: «لَا تدْخلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَوْتَى؛ قيل: وَمن هم؟ قَالَ: الْأَغْنِيَاء» . قيل: المُرَاد أَن الله يحفظه من الشّرك فَلَا يخْتم لَهُ، قَالَ تَعَالَى: (أومن كَانَ مَيتا فأحييناه) أَي كَافِرًا فهديناه، وَقيل: المُرَاد لم (يرع) يَوْم الْقِيَامَة. حكاهن ابْن الرّفْعَة. الحَدِيث السَّادِس «رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يغْتَسل للعيدين» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: (أَحدهَا) : عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يغْتَسل يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن جبارَة بن الْمُغلس، نَا حجاج بن تَمِيم، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس (بِهِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 وَهَذَا ضَعِيف، جبارَة هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: مُضْطَرب الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: كَذَّاب. (وَقَالَ) عبد الله بن أَحْمد: عرضت عَلَى أبي أَحَادِيث سَمعتهَا مِنْهُ (فَأنْكر) وَقَالَ: هَذِه مَوْضُوعَة أَو كذب. وَقَالَ ابْن نمير: صَدُوق كَانَ يوضع لَهُ الحَدِيث فَيحدث بِهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَسَانِيد و (يرفع) الْمَرَاسِيل. وَقَالَ ابْن عدي: جبارَة لَا بَأْس بِهِ، وَأَحَادِيث حجاج عَن مَيْمُون لَيست بمستقيمة. وَكَذَا قَالَ الْعقيلِيّ. (قلت) : وَضعف الْأَزْدِيّ حجاج بن تَمِيم أَيْضا. ثَانِيهَا: عَن عبد الرَّحْمَن بن (عقبَة) بن الْفَاكِه بن سعد (عَن جده الْفَاكِه بن سعد) و (كَانَت) لَهُ صُحْبَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ (يغْتَسل) يَوْم الْفطر، وَيَوْم النَّحْر، وَيَوْم عَرَفَة، وَكَانَ الْفَاكِه (يَأْمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 أَهله) بِالْغسْلِ فِي هَذِه الْأَيَّام» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا عَن نصر بن عَلّي الْجَهْضَمِي، ثَنَا يُوسُف بن خَالِد، نَا أَبُو جَعْفَر الخطمي، عَن عبد الرَّحْمَن بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ وَابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» ، (وَزَادا) : (و) يَوْم الْجُمُعَة، وَكَذَا أخرجه عبد الله بن أَحْمد فِي «مُسْند أَبِيه» ، وَهَذَا ضَعِيف، يُوسُف بن خَالِد هَذَا هُوَ (السَّمْتِي) كَذَّاب وَضاع، وَنسبه ابْن معِين إِلَى الزندقة. ثَالِثهَا: عَن منْدَل، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اغْتسل للعيدين» وَذكر: «وَجَاء إِلَى الْعِيدَيْنِ مَاشِيا» . رَوَاهُ الْبَزَّار، وَهَذَا ضَعِيف، منْدَل ضعفه أَحْمد، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا، وَمُحَمّد بن (عبيد الله) قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: حَال منْدَل أحسن من حَال مُحَمَّد هَذَا وَإِن اشْتَركَا فِي الضعْف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 قلت: وَفِيه مَعَ ذَلِك آثَار عَن الصَّحَابَة: فَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه: «أَن عليًّا كَانَ يغْتَسل يَوْم الْعِيدَيْنِ، وَيَوْم الْجُمُعَة، وَيَوْم عَرَفَة، وَإِذا أَرَادَ أَن يحرم» . رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم عَن جَعْفَر (بِهِ) وَرَوَى أَيْضا اغتسال سَلمَة بن الْأَكْوَع للعيد، وَأَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: إِنَّه السّنة. وَرَوَى مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ عَن نَافِع « (أَن) ابْن عمر كَانَ يغْتَسل يَوْم الْفطر قبل أَن يَغْدُو إِلَى الْمُصَلى» قَالَ الشَّافِعِي - فِيمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» -: كَانَ مَذْهَب سعيد وَعُرْوَة فِي أَنه سنة أَنه أحسن وَأعرف و (أنظف) وَأَن (قد فعله قوم) صَالِحُونَ (لَا) أَنه حتم بِأَنَّهُ سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ بمنى مُسَافِرًا يَوْم النَّحْر فَلم يصل الْعِيد» . هُوَ كَمَا قَالَ كَمَا سلف أول الْبَاب، وَهُوَ صَحِيح مَعْرُوف، وَأغْرب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فَنقل فِي شَرحه «للتّنْبِيه» عَن شَيْخه أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفضل السّلمِيّ أَن ابْن حزم ذكر فِي صفة حجَّة الْوَدَاع الْكُبْرَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صلاهَا بمنى، وراجعت الْكتاب الْمَذْكُور فَلم أر ذَلِك فِيهِ. الحَدِيث الثَّامِن عَن الْحسن بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نتطيب بأجود مَا نجد فِي الْعِيد» . هَذَا الحَدِيث ذكره تبعا لصَاحب «الْمُهَذّب» ، وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديثه بَيَاضًا، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِنَّه حَدِيث غَرِيب. وَقد ظَفرت بِهِ - بِحَمْد الله ومَنِّه - فِي كتابين شهيرين، أَحدهمَا: «المعجم الْكَبِير» للطبراني فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث عبد الله بن صَالح، حَدثنِي اللَّيْث، حَدثنِي إِسْحَاق بن بَزُرْج، عَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نلبس أَجود مَا نجد، وَأَن نتطيب بأجود مَا نجد، وَأَن نضحي بأسمن مَا نجد، الْبَقَرَة عَن سَبْعَة، وَالْجَزُور عَن عشرَة، وَأَن نظهر التَّكْبِير، وعلينا السكينَة وَالْوَقار» . الثَّانِي: «صَحِيح الْحَاكِم أبي عبد الله» فَإِنَّهُ أخرجه فِي كتاب الْأَضَاحِي (مِنْهُ) بالسند الْمَذْكُور (لكنه) قَالَ: حَدثنِي إِسْحَاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 بن بَزُرْج، عَن زيد بن الْحسن، عَن أَبِيه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْعِيدَيْنِ أَن نلبس [أَجود] ... » كَمَا ذكر الطَّبَرَانِيّ (أَي) سَوَاء. ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: لَوْلَا جَهَالَة إِسْحَاق بن بَزُرْج لحكمت للْحَدِيث بِالصِّحَّةِ. قلت: لَيْسَ هُوَ بِمَجْهُول؛ فقد ضعفه الْأَزْدِيّ وَمَشاهُ ابْن حبَان ورأيته بعد ذَلِك فِي كتاب «فَضَائِل الْأَوْقَات» للبيهقي كَمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ سَوَاء، فَللَّه الْحَمد. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله وليخرجن تفلات» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، وَصَححهُ ابْن حبَان (وإسنادها) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، والقطعة الأولَى (مِنْهُ) ثَابِتَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من هَذَا الْوَجْه (أَيْضا) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 حَدِيث زيد بن خَالِد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَيْضا) ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (و) من حَدِيث (أبي عبيد فِي «غَرِيبه» عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، عَن مُحَمَّد) بن (عَمْرو) بن عَلْقَمَة، عَن أبي سَلمَة مَرْفُوعا (وَرَوَاهَا أَيْضا الشَّافِعِي فِي «السّنَن المأثورة» الَّتِي رَوَاهَا عَنهُ الْمُزنِيّ، وَأحمد فِي «مُسْنده» أَيْضا) . فَائِدَة: (تَفِلات) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة وَكسر الْفَاء (أَي) غير عطرات، أَي: تاركات للطيب، أَرَادَ ليخرجن بِمَنْزِلَة التفلات و (هُن المنتنات) الرّيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 الحَدِيث الْعَاشِر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «لَو أدْرك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا أحدث النِّسَاء بعده لمنعهن الْمَسَاجِد (كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل» . هَذَا الحَدِيث) مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه كَذَلِك. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج يَوْمًا وَفِي يَمِينه قِطْعَة حَرِير وَفِي شِمَاله قِطْعَة ذهب فَقَالَ: هَذَانِ حرامان عَلَى ذُكُور أمتِي حل لإناثها» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الْآنِية، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «حرم (لِبَاس) الْحَرِير وَالذَّهَب عَلَى ذُكُور أمتِي» . قلت: (تقدّمت) أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ جُبَّة مَكْفُوفَة الجيب والكمين والفرجين بالديباج» هَذَا (الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد) فِي «سنَنه» من رِوَايَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 عبد الله (بن) (أبي) عمر مولَى أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «رَأَيْت ابْن عمر فِي السُّوق اشْتَرَى ثوبا شاميًّا فَرَأَى فِيهِ خيطًا أَحْمَر فَرده، فَأتيت أَسمَاء فَذكرت ذَلِك لَهَا فَقَالَت: يَا جَارِيَة، ناوليني جُبَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأخرجت جُبَّة (طيالسة) ، مَكْفُوفَة الجيب والكمين والفرجين بالديباج» . وَإِسْنَاده صَحِيح إِلَّا الْمُغيرَة بن (زِيَاد) الْموصِلِي أحد رِجَاله، فَاخْتلف فِي توثيقه، ضعفه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى فِي رِوَايَة، وَقَالَ وَكِيع: كَانَ ثِقَة. وَوَثَّقَهُ أَيْضا الْأَزْدِيّ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» فِي كتاب اللبَاس بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَلَفظه: عَن (ابْن) أبي عمر مولَى أَسمَاء قَالَ: (رَأَيْت ابْن عمر اشْتَرَى عِمَامَة (لَهَا) علم، فَدَعَا (بالقَلَمين) (فقصه) فَدخلت عَلَى أَسمَاء فَذكرت (ذَلِك لَهَا) فَقَالَت: بؤسًا لعبد الله! يَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 جَارِيَة، (هَاتِي) جُبَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَجَاءَت بجبة مَكْفُوفَة (الكمين والجيب) والفرجين بالديباج» . القَلَم: بِفَتْح - الْقَاف وَاللَّام -: المقص، قَالَه الْجَوْهَرِي (الجيب: هُوَ الطوق) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بِدُونِ هَذَا الرجل عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان، عَن عبد الله مولَى أَسمَاء قَالَ: (أخرجت (إِلَيّ) أَسمَاء جُبَّة من طيالسة لَهَا لبنة من ديباج (كسرواني) شبر وفرجاها - يَعْنِي (حَرِيرًا) - مكفوفان، فَقَالَت: هَذِه جُبَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا قبض كَانَت عِنْد عَائِشَة) قَالَ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» : خَالفه هشيم فَرَوَاهُ عَن عبد الْملك، عَن عَطاء، عَن [أبي أَسمَاء، عَن أم سَلمَة] فَذكره ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَالَّذِي قبله الصَّوَاب. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق أُخْرَى فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 أثْنَاء الْجِهَاد من «سنَنه» رَوَاهُ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، نَا عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان، عَن حجاج، (عَن) أبي عمر مولَى أَسمَاء (عَن أَسمَاء) بنت أبي بكر أَنَّهَا أخرجت جُبَّة (مزرة) بالديباج فَقَالَت: كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يلبس هَذِه إِذا لَقِي الْعَدو» . وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه «عَن أَسمَاء أَنَّهَا أخرجت جُبَّة طيالسة (كسروانية لَهَا لِبْنة) من ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج، فَقَالَت: هَذِه جُبَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يلبسهَا» . اللِّبْنة بِكَسْر اللَّام وَإِسْكَان (الْبَاء الْمُوَحدَة) رقْعَة فِي جيب الْقَمِيص. قلت: وَهَذَا كُله يضعف مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَن النَّسَائِيّ، أَنا [أَبُو] الْمعَافى مُحَمَّد بن وهب، نَا مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي، عَن أبي [عبد الرَّحِيم] خَالِد بن أبي يزِيد، عَن [زيد] بن أبي أنيسَة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 عَن مُحَمَّد بن جحادة، عَن أبي صَالح، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهاني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن المعصفر والقسي وَخَاتم الذَّهَب، وَعَن (المكفف) بالديباج» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن (ابْن) حجادة إِلَّا ابْن أبي أنيسَة، تفرد بِهِ خَالِد، وَلَا يرْوَى عَن عبيد بن عُمَيْر عَن عَلّي إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «نهَى نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْحَرِير إِلَّا فِي مَوضِع إِصْبَع أَو إِصْبَعَيْنِ أَو ثَلَاث أَو أَربع» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه من طَرِيق عَلّي، والرافعي تبع فِي إِيرَاده من طَرِيقه صَاحب «الْمُهَذّب» وَهُوَ ثَابت فِي «صَحِيح مُسلم» وَغَيره من طَرِيق عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِلَفْظ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن لبس الْحَرِير إِلَّا فِي مَوضِع إِصْبَعَيْنِ (أَو ثَلَاث أَو أَربع» رَوَاهُ البُخَارِيّ إِلَى قَوْله: «إِصْبَعَيْنِ» ) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة» وَيصِح عَلَى تَأْوِيل الإصبع بالعضو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نَهَانَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن لبس الْحَرِير وَأَن نجلس عَلَيْهِ» . هَذَا (الحَدِيث) مُتَّفق عَلَى صِحَّته أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» إِلَّا قَوْله: «وَأَن نجلس عَلَيْهِ» فللبخاري وَحده (ونجلس) بِفَتْح النُّون. وَمن الْعجب عزو ابْن الْجَوْزِيّ (فِي (تَحْقِيقه)) هَذَا الحَدِيث إِلَى (رِوَايَة) أَصْحَابهم وَهُوَ فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» كَمَا ترَاهُ. الحَدِيث الْخَامِس (عشر) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رخص لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزبير بن الْعَوام فِي لبس الْحَرِير (لحكة) كَانَت بهما» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَفِي رِوَايَة لمُسلم (أرخص ذَلِك فِي السّفر) وَعَزاهَا ابْن الصّلاح فِي «مشكله» ثمَّ النَّوَوِيّ فِي «مَجْمُوعه» إِلَى البُخَارِيّ أَيْضا، وَكَذَا عبد الْحق فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 «أَحْكَامه» وَادَّعَى الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي «شرح التَّنْبِيه» انْفِرَاد مُسلم بهَا، وراجعت البُخَارِيّ فِي اللبَاس وَالْجهَاد من «صَحِيحه» فَلم أرها فِيهِ، وَوَقع فِي «وسيط الْغَزالِيّ» أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رخص ذَلِك لِحَمْزَة، وَهُوَ غلط لَا يعرف. والحِكة - بِكَسْر الْحَاء -: الجرب. الحَدِيث السَّادِس عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيجوز لبس الْحَرِير لدفع الْقمل أَيْضا؛ لِأَن فِي بعض الرِّوَايَات أَن الزبير وَعبد الرَّحْمَن شكيا الْقمل فِي بعض الْأَسْفَار فَرخص لَهما. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أنس أَيْضا (وَفِي رِوَايَة) أَحْمد (وَابْن حبَان) «فَرَأَيْت عَلَى كل (وَاحِد) مِنْهُمَا قَمِيصًا من حَرِير» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» أَيْضا بِلَفْظ: إِن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 «التَّكْبِير فِي الْفطر سبع فِي الأولَى وَخمْس فِي (الْآخِرَة) ، وَالْقِرَاءَة بعدهمَا كلتيهما» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا بِلَفْظ: « (إِن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كبر فِي (صَلَاة) (الْعِيدَيْنِ) سبعا وخمسًا) . ومدار الحَدِيث عَلَى عبد الله الطرائفي م د ت ق الْمَذْكُور (وَنسب) بالطرائفي لاستطرافهم طرائف يَأْتِيهم بهَا. (قَالَه) ابْن الْقطَّان فِي «علله» . وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الطَّائِفِي. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ وَهُوَ (من) فرسَان مُسلم، كَمَا أطلقهُ الْمزي والذهبي (بِالْأولِ فِيهِ) . وَقَالَ صَاحب «الْكَمَال» : أخرج لَهُ فِي «المتابعات» وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «كتاب الْأَدَب» . وَقَالَ ابْن معِين فِي حَقه: صَالح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: لَيْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 بِالْقَوِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَغَيره: قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: أَنا ذَاهِب إِلَى هَذَا. نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، (ثمَّ قَالَ) : هَذَا (أصلح) أَحَادِيث الْبَاب. وَقَالَ عبد الْحق: صحّح البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث. وَأنكر ابْن الْقطَّان هَذَا عَلَى عبد الْحق، وَقَالَ: البُخَارِيّ لم يُصَحِّحهُ؛ فَإِن الْمَنْقُول عَنهُ فِي ذَلِك مَا ذكره (التِّرْمِذِيّ) عَنهُ فِي كتاب «الْعِلَل» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن (كثير السالف) فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْبَاب أصح من هَذَا، وَبِه أَقُول، وَحَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطرائفي، عَن (عَمْرو) بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده فِي هَذَا الْبَاب هُوَ صَحِيح أَيْضا. هَذَا نَص مَا ذكره وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيح البُخَارِيّ لوَاحِد مِنْهُمَا. قَالَ: وَلَعَلَّ قَوْله: وَحَدِيث [عبد الله بن] عبد الرَّحْمَن ... إِلَى آخِره من كَلَام التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي عهد فصحح هَذِه النُّسْخَة. وَأما (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فَذكره فِي «محلاه» بِلَفْظ أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 دَاوُد، وَقَالَ: هَذَا لَا يَصح. فَدفعهُ بِالْقُوَّةِ، وَجَاء فِي رِوَايَة غَرِيبَة لأبي دَاوُد فِي هَذَا الحَدِيث «كبر فِي الأولَى سبعا وَفِي (الثَّانِيَة) أَرْبعا) وَحكم الْبَيْهَقِيّ بخطئها. (الطَّرِيق الثَّالِث) عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ سبعا وخمسًا قبل الْقِرَاءَة» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن أبي سعيد مولَى بني (هَاشم) ، نَا ابْن لَهِيعَة، عَن عقيل، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَنْهَا بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه بِلَفْظ: «كَانَ يكبر فِي الْفطر والأضحى فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات، وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات» وَابْن لَهِيعَة قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَإِسْنَاده مُضْطَرب، وَالِاضْطِرَاب فِيهَا من ابْن لَهِيعَة. (الطَّرِيق الرَّابِع) عَن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن (عمار) بن سعد مُؤذن رَسُول الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 (، نَا أبي، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يكبر فِي الْعِيدَيْنِ: فِي الأولَى سبعا قبل الْقِرَاءَة، وَفِي (الْآخِرَة) خمْسا قبل الْقِرَاءَة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك، وَعبد الرَّحْمَن هَذَا مُنكر الحَدِيث. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سعد بن عمار، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمار، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يكبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولَى سبعا وَفِي (الْأُخْرَى) خمْسا» وَعبد الله هَذَا ضعفه ابْن معِين. قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» : قَالَ عُثْمَان بن سعيد: قلت ليحيى بن معِين: عبد الله بن مُحَمَّد بن عمار بن سعد، وعمار وَعمر (ابْني) حَفْص بن عمر بن سعد، عَن آبَائِهِم عَن أجدادهم، كَيفَ حَال هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: لَيْسُوا بِشَيْء. (الطَّرِيق الْخَامِس) عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ: «شهِدت (الْعِيد) مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَكبر فِي الأولَى سبعا وَفِي الثَّانِيَة خمْسا) . ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ. فَقَالَ: بَاطِل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 (الطَّرِيق السَّادِس) عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه: « (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة» . سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَأجَاب فِي «علله» (بِأَنَّهُ) رُوِيَ مَوْصُولا هَكَذَا، ومرسلاً بِإِسْقَاط (أَبِيه) وَأَن الْمُرْسل (أصح) . (وَرَوَاهُ) الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْحسن البَجلِيّ، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تخرج لَهُ العنزة (فِي الْعِيدَيْنِ) ، وَكَانَ يكبر ثَلَاث عشرَة تَكْبِيرَة، وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يفْعَلَانِ ذَلِك» . ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه (بِهَذَا الْإِسْنَاد) ، قَالَ: وَالْحسن هَذَا [فلين] الحَدِيث، وَقد (سكت النَّاس) عَن حَدِيثه وَأَحْسبهُ الْحسن بن (عمَارَة) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 (الطَّرِيق السَّابِع) عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة: فِي الأولَى سبعا، وَفِي الْآخِرَة (خمْسا) وَيذْهب فِي طَرِيق وَيرجع (من) آخر» . فِيهِ سُلَيْمَان بن أَرقم وَقد تَرَكُوهُ، وَسَيَأْتِي كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» فِيهِ قَرِيبا. (الطَّرِيق الثَّامِن) عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -. رَوَاهُ الْبَزَّار كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا. فَهَذِهِ (طرق) الحَدِيث مَجْمُوعَة وأقواها - عِنْدِي - الطَّرِيق الثَّانِي، وَالْبَاقِي شَوَاهِد (لَهُ) ، وَقد ورد أَيْضا من قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» قَالَ: أَنا يَحْيَى، نَا ابْن لَهِيعَة، نَا الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ سبع قبل الْقِرَاءَة، (وَخمْس قبل الْقِرَاءَة) » . وَابْن لَهِيعَة قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : لَا شكّ فِي صِحَّته مَوْقُوفا عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 (أبي) هُرَيْرَة. (قَالَ) : وَعَن ابْن عَبَّاس مثله، و (رُوَاته) ثِقَات. وَكَذَا قَالَ (الدَّارَقُطْنِيّ) فِي «علله» فِيهِ - أَعنِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - فَإِنَّهُ (قَالَ) لما سُئِلَ عَنهُ: رُوِيَ مَرْفُوعا (وموقوفًا) وَالصَّحِيح الْمَوْقُوف. وَأما حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث فرج بن فضَالة، عَن يَحْيَى بن سعيد، (عَن نَافِع) ، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الرَّكْعَة الأولَى سبع تَكْبِيرَات، وَفِي الْآخِرَة خمس تَكْبِيرَات» . وَفرج (د ت ق) هَذَا ضَعَّفُوهُ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَفِي «علل (ابْن) أبي حَاتِم» : سَالَتْ أبي عَن حَدِيث ابْن عمر «أَنه كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ: سبعا فِي الأولَى، وخمسًا فِي الثَّانِيَة» . فَقَالَ: هَذَا خطأ، يرْوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه كَانَ يكبر» . وَاعْلَم أَن عبد الْحق عزا فِي «أَحْكَامه» حَدِيث ابْن عمر إِلَى الْبَزَّار، وَأعله بفرج بن فضَالة، وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ: (إِنِّي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 قد جهدت أَن أجد هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند (ابْن) عمر عِنْد الْبَزَّار، فَمَا [قدرت عَلَيْهِ] وَقد (رَجَوْت) أَن يكون فِي بعض «أَمَالِيهِ» وَالَّذِي فِي «مُسْند الْبَزَّار» إِنَّمَا هُوَ الْفِعْل دون القَوْل، وَمن غير رِوَايَة فرج بن فضَالة (وَهَذَا هُوَ) : (نَا) عَبدة بن عبد الله، نَا عمر بن حبيب، نَا عبد الله بن [عَامر] ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي (صَلَاة) الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة (تَكْبِيرَة) : سبعا فِي الأولَى، وخمسًا فِي الْآخِرَة» . قلت: (وَفِي الْجُمْلَة) فأحاديث الْبَاب كلهَا مُتَكَلم فِيهَا. قَالَ الإِمَام أَحْمد: لَيْسَ يرْوَى فِي التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَدِيث صَحِيح. نَقله الْعقيلِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَنهُ. وَقَالَ ابْن رشد: إِنَّمَا (صَارُوا) إِلَى الْأَخْذ بأقاويل الصَّحَابَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 فِي هَذِه الْمَسْأَلَة؛ لِأَنَّهُ لم يثبت فِيهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء. وَنقل ذَلِك عَن أَحْمد، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : فِي الْبَاب عَن عَائِشَة وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن (عَمْرو) و (الطَّرِيق) إِلَيْهِم فَاسِدَة. قَالَ (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه بناسخ الحَدِيث ومنسوخه) : وَفِي الْبَاب عَن جَابر أَيْضا. قَالَ: وَأما حَدِيث أبي مُوسَى وَحُذَيْفَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ أَرْبعا» فَلَا يثبت؛ فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن ثَابت (د ت ق) قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَنَاكِير. قلت: هُوَ فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَأعله ابْن حزم بِعَبْد الرَّحْمَن هَذَا وَهُوَ ابْن ثَوْبَان - وَقَالَ أَحْمد وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. ووثق أَيْضا - وبأبي عَائِشَة، وَقَالَ: هُوَ مَجْهُول لَا نَدْرِي من هُوَ وَلَا يعرفهُ أحد. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَصَابَنَا مطر فِي يَوْم عيد فَصَلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة الْعِيد فِي الْمَسْجِد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : عَن هِشَام بن عمار، نَا الْوَلِيد. قَالَ أَبُو دَاوُد: ونا الرّبيع بن سُلَيْمَان، نَا عبد الله بن يُوسُف، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا رجل من الفَرْويين - وَسَماهُ الرّبيع فِي حَدِيثه عِيسَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 بن عبد الْأَعْلَى بن أبي (فَرْوَة) - سمع أَبَا يَحْيَى عبيد الله التَّيْمِيّ يحدث، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنهم أَصَابَهُم مطر فِي يَوْم عيد فَصَلى بهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة الْعِيد فِي الْمَسْجِد» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن الْعَبَّاس بن عُثْمَان الدِّمَشْقِي، نَا الْوَلِيد، نَا عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة، قَالَ: سَمِعت أَبَا يَحْيَى (فَذكر مثله وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن الْأَصَم، نَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، نَا عبد الله بن يُوسُف، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، حَدثنِي عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى (بن) أبي فَرْوَة، أَنه سمع أَبَا يَحْيَى) عبيد الله التَّيْمِيّ يحدث، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنهم أَصَابَهُم مطر فِي يَوْم عيد فَصَلى بهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعِيد فِي الْمَسْجِد» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَأَبُو يَحْيَى التَّيْمِيّ صَدُوق، إِنَّمَا (الْمَجْرُوح) يَحْيَى بن عبيد الله ابْنه. وَقَالَ عبد الْحق: وَقع فِي بعض النّسخ من كتابي فِي آخر هَذَا الحَدِيث عبيد الله ضَعِيف عِنْدهم، وَكَانَ ذَلِك وهما مني، وَإِنَّمَا الْمُتَكَلّم فِيهِ ابْن أَخِيه عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن - قلت: وَمَا قَالَه هُوَ وَالْحَاكِم (صَحِيح) وهما ضعيفان، يَحْيَى بن عبيد الله قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَنَاكِير، لَا يعرف هُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 وَلَا أَبوهُ. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِثِقَة. وَضَعفه أَيْضا النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان. و (عبيد الله) - قَالَ يَحْيَى: ضَعِيف. وَوَثَّقَهُ مرّة أُخْرَى، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث. عَلَى أَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَيْسَ فِي إِسْنَاده وَاحِد من هذَيْن الرجلَيْن، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا الْكَلَام من عبد الْحق يُعْطي إِعْطَاء بَينا صِحَة الحَدِيث عِنْده، وَمَا مثله يَصح للْجَهَالَة بِحَال عبيد الله بن عبد الله بن موهب (وَالِد) يَحْيَى بن عبيد الله (بن عبد الله) بن موهب المكنى بِهِ، وللجهل بِحَال عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى الْفَروِي رِوَايَة عَنهُ فِي كتاب أبي دَاوُد، بل لَا أعلمهُ مَذْكُورا فِي شَيْء من كتب الرِّجَال وَلَا فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَلما رَوَى الْوَلِيد بن مُسلم هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: ثَنَا رجل من الفرويين - و (سَمَّاهُ) الرّبيع بن سُلَيْمَان، عَن عبد الله بن يُوسُف عَنهُ فَقَالَ: «عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة» - وَلَا (يعلم) رَوَى عَن عبيد الله الْمَذْكُور - سُوَى ابْنه يَحْيَى - غير هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 الْفَروِي - الَّذِي هُوَ فِي حكم الْمَعْدُوم - وَغير ابْن أَخِيه عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن، فَالْحَدِيث لَا يَصح. هَذَا آخر كَلَامه، وَفِيه نظر من وُجُوه: أَحدهَا: تجهيله عبيد الله بن عبد الله بن موهب، فقد رَوَى عَن جمَاعَة، و (عَنهُ ابْنه) يَحْيَى، قَالَ التِّرْمِذِيّ: ضَعِيف تكلم فِيهِ شُعْبَة، كَذَا رَأَيْته بِخَط الصريفيني فِي كِتَابه، وَقد تبع الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه «الْمُغنِي» ابْن الْقطَّان فِي تجهيله. ثَانِيهَا: تجهيله عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى، فقد قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة الْفَروِي هَذَا لَا يحْتَج بِهِ، هَذَا لَفظه، نعم لم أر ذَلِك لغيره، وَلم يذكر الْمزي والذهبي فِي تَرْجَمته فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا فِي حَقه، وَيبعد أَن يكون الْتبس عَلَيْهِ بِعِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن فَرْوَة الْمَتْرُوك. ثَالِثهَا: قَوْله: وَلَا يعلم رَوَى عَن يَحْيَى (هَذَا غير) الْفَروِي، وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن، قد رَوَى عَنهُ أَيْضا ابْن الْمُبَارك ويعلى بن (عبيد) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 الحَدِيث الثَّامِن عشر (رُوِيَ) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يركب فِي عيد وَلَا جَنَازَة» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْجُمُعَة (فَرَاجعه) مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب إِلَى عَمْرو بن حزم (حِين) ولاه الْبَحْرين أَن عجل الْأَضْحَى، وَأخر الْفطر، وَذكر النَّاس» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، (عَن أبي) الْحُوَيْرِث: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب إِلَى عَمْرو بن حزم وَهُوَ بِنَجْرَان أَن (أخر الْفطر وَعجل الْأَضْحَى) وَذكر النَّاس» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا (مُرْسل) ، قَالَ: وَقد (طلبته) فِي سَائِر (الرِّوَايَات) بكتابه إِلَى عَمْرو بن حزم فَلم أَجِدهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 قلت: وَإِبْرَاهِيم قد عرفت حَاله فِي الطَّهَارَة وَغَيرهَا فأغنى عَن إِعَادَته. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانَ) يخرج فِي الْعِيد إِلَى (الْمُصَلى) وَلَا يَبْتَدِئ إِلَّا بِالصَّلَاةِ) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - مطولا. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يتَنَفَّل قبل (الْعِيد وَلَا بعْدهَا) » . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى يَوْم الْفطر رَكْعَتَيْنِ لم (يصل) (قبلهَا وَلَا بعْدهَا) » الحَدِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 لَكِن فِي سنَن ابْن مَاجَه، من حَدِيث (أبي) سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - كَانَ (رَسُول الله) (لَا يُصَلِّي قبل الْعِيد شَيْئا، فَإِذا رَجَعَ إِلَى منزله صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَإِسْنَاده جيد، لَا جرم ذكره الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: (هَذِه) سنة (غَرِيبَة) بِإِسْنَاد صَحِيح. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «كَانَ (رَسُول الله) (يفْطر قبل (أَن يخرج) إِلَى الْفطر، وَلَا يُصَلِّي قبل الصَّلَاة، فَإِذا قَضَى صلَاته صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى قبل الْخطْبَة فِي يَوْم عيد» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يَغْدُو يَوْم (الْفطر) حَتَّى يَأْكُل تمرات (ويأكلهن) وترا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ مُسْندًا (إِلَّا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 قَوْله: (ويأكلهن وترا» فَإِنَّهُ أخرجهَا تَعْلِيقا، وأسندها الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «صَحِيحه» . وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ (إِذا كَانَ يَوْم الْفطر لم يخرج حَتَّى يَأْكُل تمرات يأكلهن وترا) » . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: «كَانَ يفْطر يَوْم الْفطر عَلَى تمرات قبل أَن يَغْدُو» . قَالَ: وَهُوَ عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَله شَاهد صَحِيح عَلَى شَرطه. فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى أنس أَيْضا قَالَ: «مَا خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْفطر حَتَّى يَأْكُل تمرات ثَلَاثًا أَو سبعا أَو خمْسا، أَو أقل من ذَلِك، أَو أَكثر من ذَلِك وترا» . وَرَوَاهَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن بُرَيْدَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى يطعم، وَلَا يطعم يَوْم الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّي» . هَذَا الحَدِيث حسن (صَحِيح) . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَابْن مَاجَه (وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» بأسانيد صَحِيحَة من رِوَايَة ثوّاب - بتَشْديد الْوَاو - ابْن عتبَة الْمهرِي، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لفظ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه. وَلَفظ أَحْمد: «كَانَ إِذا كَانَ يَوْم الْفطر (لم) يخرج حَتَّى يَأْكُل، وَإِذا كَانَ يَوْم النَّحْر لم يَأْكُل حَتَّى يذبح» . وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «لَا يَأْكُل يَوْم النَّحْر حَتَّى يرجع فيأكل من أضحيته» . وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ لَا يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى (يفْطر) وَلَا يطعم يَوْم النَّحْر حَتَّى ينْحَر» وَلَفظ الْحَاكِم «حَتَّى يرجع» وَفِي رِوَايَة (للبيهقي) : «كَانَ إِذا رَجَعَ أكل من كبد أضحيته» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَلّي وَأنس. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد - يَعْنِي البُخَارِيّ -: لَا أعرف لثوّاب بن عتبَة غير هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وثوّاب هَذَا قَلِيل الحَدِيث (وَلم يجرح) بِنَوْع يسْقط بِهِ حَدِيثه، وَهَذِه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 (سنة عزيزة) من طَرِيق الرِّوَايَة مستفيضة فِي بِلَاد الْمُسلمين. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي صَحِيح؛ لِأَن ثوّابًا هَذَا بَصرِي ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن معِين رَوَاهُ عَنهُ عَبَّاس وَإِسْحَاق بن مَنْصُور. قَالَ: وَزِيَادَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا صَحِيحَة (إِلَى) ثوّاب الْمَذْكُور وَيَرْوِيه عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه. قلت: وثواب أنكر أَبُو حَاتِم (وَأَبُو زرْعَة) توثيقه كَمَا حَكَاهُ صَاحب (التَّهْذِيب) عَنْهُمَا، (لَكِن) قَالَ ابْن معِين: صَدُوق. قَالَ عَبَّاس الدوري: إِن كنت قد كتبت عَنهُ الضعْف (فَهَذَا) آخر قوليه. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث عَن ثوّاب أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، وَتَابعه أَبُو عُبَيْدَة الْحداد، وَرَوَاهُ عقبَة عَن (ابْن) بُرَيْدَة. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيسْتَحب فِي عيد الْفطر أَن يطعم شَيْئا قبل الْخُرُوج إِلَى الصَّلَاة، وَلَا يطعم فِي عيد الْأَضْحَى حَتَّى يرجع. رَوَاهُ أنس وَبُرَيْدَة وَغَيرهمَا (من فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هُوَ كَمَا قَالَ، أما حَدِيث أنس وَبُرَيْدَة فقد فَرغْنَا مِنْهُمَا آنِفا، وَأما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 غَيرهمَا) فقد قدمْنَاهُ عَن التِّرْمِذِيّ أَن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - رَوَاهُ فِي «جَامعه» من حَدِيث أبي إِسْحَاق السبيعِي، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي « (إِن) من السّنة أَن تخرج إِلَى الْعِيد مَاشِيا وَأَن تَأْكُل قبل أَن تخرج» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. وَفِي «تَارِيخ الْعقيلِيّ» عَن عَلّي «- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - (أَنه) عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى يطعم» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده غير مَحْفُوظ، وَمَتنه يرْوَى من وَجه أصلح من هَذَا. وَرَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ابْن عمر أَيْضا رَوَاهُ الْعقيلِيّ من طَرِيقه بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَغْدُو يَوْم الْفطر حَتَّى يغدّي أَصْحَابه من صَدَقَة الْفطر» . وَفِي إِسْنَاده عمر بن صهْبَان خَال إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، قَالَ ابْن معِين: حَدِيثه لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. قَالَ الْعقيلِيّ: وَرَوَى مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِزَكَاة الْفطر أَن تُؤَدَّى قبل خُرُوج الإِمَام» . وَهَذِه الرِّوَايَة أولَى. وَرَوَاهُ أَيْضا جَابر بن سَمُرَة، رَوَاهُ أَبُو نعيم عَلَى مَا عزاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» إِلَيْهِ بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَغْدُو يَوْم الْفطر حَتَّى يَأْكُل (سبع) تمرات أَو سبع زبيبات» . وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» وَأَبُو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 يعْلى فِي «مُعْجَمه» من حَدِيث عبد الله بن عقيل، (عَن) عَطاء بن يسَار (عَنهُ قَالَ: «كَانَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام) لَا يخرج يَوْم الْفطر حَتَّى يطعم» . وَرَوَاهُ أَيْضا صَفْوَان بن سليم، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي صَفْوَان بن سليم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يطعم قبل أَن يخرج إِلَى الجبان يَوْم الْفطر وَيَأْمُر بِهِ» . قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا إِبْرَاهِيم بن سعد (بن إِبْرَاهِيم) عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب قَالَ: «كَانَ الْمُسلمُونَ يَأْكُلُون يَوْم الْفطر قبل الصَّلَاة وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِك يَوْم النَّحْر» . قَالَ: وَأَنا مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ النَّاس يؤمرون بِالْأَكْلِ قبل الغدو يَوْم الْفطر» وَأَنا مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه « (أَنه) كَانَ يَأْكُل قبل الغدو يَوْم الْفطر» . وأَنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَنه كَانَ يَأْمر بِالْأَكْلِ قبل الْخُرُوج إِلَى الْمُصَلى يَوْم الْفطر» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الْعِيدَيْنِ ثمَّ خطب (بِغَيْر) أَذَان وَلَا إِقَامَة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَزِيَادَة: «وَأبي بكر وَعمر (أَو) عُثْمَان» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة وَبِدُون قَوْله: «ثمَّ خطب» . وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الْعِيد بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «شهِدت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعِيد وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم صَلَّى قبل الْخطْبَة بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة» . وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنهُ، وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَا: «لم يكن يُؤذن يَوْم الْفطر وَلَا يَوْم الْأَضْحَى» . وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة قَالَ: «صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعِيدَيْنِ غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: يكبر فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات سُوَى تَكْبِيرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 الِافْتِتَاح و (الهَوِيّ) إِلَى الرُّكُوع، وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات سُوَى (تَكْبِيرَة) الْقيام [من السُّجُود] والهوي إِلَى [الرُّكُوع. لنا] مَا رُوِيَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْفطر والأضحى فِي (الأولَى) سبعا وَفِي الثَّانِيَة خمْسا» . هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ مطابقًا لما اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِذْ يجوز أَن يكون دَلِيلا لِأَحْمَد فِيمَا ذهب إِلَيْهِ فِي (إِحْدَى) الرِّوَايَتَيْنِ من أَن (التَّكْبِير) فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات بتكبيرة الِافْتِتَاح، نعم الحَدِيث الْآتِي نَص فِيمَا ذكره، وَكَذَا الطَّرِيق الثَّانِي من طرق (هَذَا) الحَدِيث الَّذِي نَحن فِيهِ كَمَا ستعلمه، وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا مَرْوِيّ من طرق أَحدهَا: عَن كثير بن عبد الله (بن عَمْرو) بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولَى سبعا قبل الْقِرَاءَة، وَفِي الثَّانِيَة خمْسا قبل الْقِرَاءَة» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَهُوَ أحسن شَيْء فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 هَذَا الْبَاب. وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَغَيره أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ فِي «علله» : سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب شَيْء أصح مِنْهُ وَبِه أَقُول. وَاعْلَم أَن فِي تَحْسِين التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث نظرا، وَقَول البُخَارِيّ أَنه لَيْسَ فِي الْبَاب أصح مِنْهُ. لَا يلْزم مِنْهُ تَصْحِيحه بل مُرَاده أَنه لَيْسَ فِي الْبَاب أصح مِنْهُ (عَلَى) علاته وَسبب ذَلِك ضعف كثير بن عبد الله رَاوِيه. قَالَ الشَّافِعِي - كَمَا نَقله عَنهُ السَّاجِي وَابْن حبَان -: كثير ركن من أَرْكَان الْكَذِب. وَقَالَ أَحْمد: لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ مرّة: مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَضرب عَلَى (حَدِيثه) فِي الْمسند وَلم يحدث بِهِ. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه. وَكَذَا قَالَ يَحْيَى، وَتَركه النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، ووهاه أَبُو زرْعَة، وَقَالَ ابْن حبَان: رَوَى عَن أَبِيه عَن جده نُسْخَة مَوْضُوعَة لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إلاّ عَلَى جِهَة التَّعَجُّب. وَقَالَ مطرف بن عبد الله: رَأَيْته وَكَانَ كثير الْخُصُومَة فَقَالَ لَهُ ابْن [عمرَان] : أَنْت رجل بطال تخاصم (فِيمَا) لَا تعرف وتدعي مَا لَيْسَ لَك بِلَا بَيِّنَة، فَلَا تقربني إلاّ أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 تراني قد تفرغت لأهل البطالة. وَأورد لَهُ ابْن عدي أَحَادِيث مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ مِنْهَا (هَذَا) الحَدِيث ثمَّ قَالَ: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وجده عَمْرو بن عَوْف صَحَابِيّ يروي عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد أَحَادِيث، قَالَ ابْن السكن: فِيهَا نظر. وَقَالَ (الْبَزَّار) لم يرو عَنهُ إِلَّا ابْنه. وَقد أنكر جماعات عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه أَيْضا، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «الْعلم الْمَشْهُور» : قَول التِّرْمِذِيّ إِن هَذَا الحَدِيث أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ (أقبح) حَدِيث فِي ذَلِك (الْبَاب) لِأَن كثير بن عبد الله الْمَذْكُور لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ بتخريج الْأَئِمَّة (لَهُ) وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : أَنا أتعجب من قَول التِّرْمِذِيّ هَذَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : فِي قَوْله هَذَا نظر؛ لِأَن (كثيرا) هَذَا ضَعِيف جدًّا فَلَعَلَّهُ اعتضد عِنْده بشواهد (وَغَيرهَا) . قلت: وَالتِّرْمِذِيّ رَوَى لَهُ حَدِيثا فِي «كتاب الْأَحْكَام» من «جَامعه» وَصَححهُ (مَعَ) الْحسن، وَالْإِنْكَار عَلَيْهِ أَشد، وسترى الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الصُّلْح إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - وَلما ذكر عبد الْحق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 فِي «أَحْكَامه» هَذَا الحَدِيث قَالَ: صَححهُ البُخَارِيّ. فاعترضه ابْن الْقطَّان بِأَنَّهُ لم يُصَحِّحهُ إِنَّمَا قَالَ: لَيْسَ فِي الْبَاب أصح مِنْهُ. وَبِه أَقُول، وَلَيْسَ هَذَا بِنَصّ فِي (تَصْحِيحه) إِيَّاه إِذْ قد يَقُول هَذَا [لأشبه] مَا فِي الْبَاب وَإِن كَانَ (كُله) ضَعِيفا، فَإِن قيل: يُؤَكد مَفْهُوم عبد الْحق قَوْله: وَبِه أَقُول. (فَالْجَوَاب) إِن هَذِه اللَّفْظَة لَا أَدْرِي هَل هِيَ من كَلَام البُخَارِيّ أَو التِّرْمِذِيّ، وَهِي إِذا كَانَت من البُخَارِيّ كَانَ مَعْنَاهَا: وَبِه أَقُول وأفتي فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، وَإِلَيْهِ أذهب فِي عدد التَّكْبِير، وَإِن كَانَت من التِّرْمِذِيّ فمعناها: وَبِه أَقُول أَي إِن الحَدِيث الْمَذْكُور أشبه مَا فِي الْبَاب وأصحه. فَإِن قيل: (وَهَذَا) الْقَرار عَن ظَاهر (الْكَلَام) الْمَذْكُور مَا أوجبه؟ (فَالْجَوَاب) أَن تَقول: أوجبه أَن عبد الله بن عَمْرو وَالِد كثير هَذَا لَا يعرف حَاله، وَلَا يعلم رَوَى عَنهُ (غير) ابْنه كثير، وَكثير عِنْدهم مَتْرُوك الحَدِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 قلت: عبد الله (هَذَا) قد ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن (عَمْرو) بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر فِي عيد ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة، سبعا فِي الأولَى وخمسًا فِي (الْآخِرَة) وَلم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي عَن عَمْرو بِهِ سَوَاء، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين: أَحدهمَا: «كبر فِي الْعِيدَيْنِ الْأَضْحَى وَالْفطر ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة، فِي الأولَى سبعا وَفِي (الْآخِرَة) خمْسا سُوَى تَكْبِيرَة (الصَّلَاة) » (وَثَانِيهمَا) «كبر فِي الْعِيد يَوْم الْفطر سبعا فِي الأولَى وَفِي الْآخِرَة خمْسا سُوَى تَكْبِيرَة الصَّلَاة» . الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين (قَالَ الرَّافِعِيّ) : (وَيروَى) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر (اثْنَتَيْ) عشرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 تَكْبِيرَة سُوَى (تَكْبِيرَة) الِافْتِتَاح و (تَكْبِيرَة) الرُّكُوع» . هَذَا (الحَدِيث) رَوَاهُ (أَبُو) دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة سُوَى (تَكْبِير) الِافْتِتَاح وَيقْرَأ ب (ق وَالْقُرْآن الْمجِيد (و (اقْتَرَبت السَّاعَة. هَذَا لفظ الْحَاكِم و (إِحْدَى) (رِوَايَات) الدَّارَقُطْنِيّ: (وَلَفظ أبي دَاوُد وَإِحْدَى رِوَايَات الدارقطني) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر فِي الْفطر والأضحى سبعا وخمسًا سُوَى (تكبيرتي) الرُّكُوع) . وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كَانَ يكبر فِي الْعِيدَيْنِ سبعا فِي الأولَى، وخمسًا فِي (الْآخِرَة) سُوَى (تكبيرتي) الرُّكُوع» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِلَفْظ أبي دَاوُد ومداره عَلَى ابْن لَهِيعَة. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة، وَقد اسْتشْهد بِهِ مُسلم فِي موضِعين من «صَحِيحه» . الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين (قَالَ الرَّافِعِيّ لنا - أَي عَلَى أَن التَّكْبِير قبل الْقِرَاءَة - مَا) رُوِيَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكبر فِي الْفطر والأضحى: فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات قبل الْقِرَاءَة، وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات قبل الْقِرَاءَة» . (هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ فِي الْأَضْحَى وَالْفطر ب (ق وَالْقُرْآن الْمجِيد) و (اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم، مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عبيد الله بن عبد الله « (أَن) عمر بن الْخطاب سَأَلَ (أَبَا) وَاقد اللَّيْثِيّ: مَا كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 (يَقْرَؤُهُ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْأَضْحَى وَالْفطر، قَالَ: كَانَ (يقْرَأ) ب (ق وَالْقُرْآن الْمجِيد) و (اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر) » . قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا ثَابت إِن كَانَ عبيد الله لَقِي أَبَا وَاقد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا لِأَن (عبيد الله) لم يدْرك أَيَّام عمر، ومسألته (إِيَّاه، و) بِهَذِهِ الْعلَّة ترك البُخَارِيّ إِخْرَاج هَذَا الحَدِيث، وَأخرجه مُسلم لِأَن فليحًا رَوَاهُ عَن ضَمرَة، عَن عبيد الله، عَن أبي وَاقد فَصَارَ الحَدِيث بذلك مَوْصُولا. قلت: عبيد الله سمع أَبَا وَاقد بِلَا خلاف، فَالْحَدِيث ثَابت وَقد حسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ (الْحَافِظ جمال الدَّين) الْمزي فِي «أَطْرَافه» فِي مُسْند أبي وَاقد، وَسَمَاع عبيد الله من أبي وَاقد كافٍ فِي اتِّصَال الحَدِيث، ودع لَا يدْرك أَيَّام عمر؛ لِأَن الْجُمْهُور عَلَى أَن الشَّخْص إِذا لم (يكن) مدلسًا وَرَوَى عَن شخص لقِيه (أَو) أمكن لقاؤه لَهُ عَلَى (هَذَا) الْخلاف الْمَعْرُوف (فَحَدِيثه) مُتَّصِل كَيْفَمَا كَانَ اللَّفْظ، وَلَا نسلم أَن البُخَارِيّ تَركه لهَذِهِ الْعلَّة كَمَا ادَّعَاهُ الْبَيْهَقِيّ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 لِأَن هَذِه عِلّة مفقودة فِي رِوَايَة فليح، نعم الْعلَّة عِنْده (فِي ترك) ضَمرَة بن سعيد (فَإِنَّهُ) لم يخرج لَهُ شَيْئا. فَائِدَة: اسْم أبي وَاقد: الْحَارِث بن عَوْف وَقيل عَكسه، وَوهم من قَالَ أَنه بَدْرِي، نعم شهد الْفَتْح وَنزل فِي الآخر بِمَكَّة، وَمَات سنة ثَمَان وَسِتِّينَ (وَلَعَلَّ) الَّذِي شهد بَدْرًا سمي لَهُ، وَفِي الصَّحَابَة اثْنَان أَيْضا أَبُو وَاقد مولَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبُو وَاقد (النميري) وَلَا رَابِع لَهُم. فَائِدَة ثَانِيَة: ثَبت فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ (وَالْجُمُعَة) ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (، و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية وَهُوَ من أَفْرَاده، لَا كَمَا زعم ابْن الْجَوْزِيّ أَنه من الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي أحد طريقيه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ (بَين) الْحَدِيثين (اخْتِلَاف) فَإِنَّهُمَا محمولان عَلَى أَنَّهُمَا واقعين فَحَكَى كل مِنْهُمَا مَا رَأَى. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب عَلَى رَاحِلَته يَوْم الْعِيد» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» ، وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ، وَهُوَ حَدِيث ثَابت فِي «سنَن النَّسَائِيّ» وَابْن مَاجَه، والسياق لَهُ من حَدِيث دَاوُد بن قيس، عَن عِيَاض بن عبد الله، أَخْبرنِي أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخرج (يَوْم) الْعِيد فَيصَلي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسلم فيقف عَلَى (رَاحِلَته) فيستقبل النَّاس وهم جُلُوس، فَيَقُول: تصدقوا تصدقوا. فَأكْثر من يتَصَدَّق النِّسَاء بالقرط والخاتم وَالشَّيْء، فَإِن كَانَت حَاجَة يُرِيد أَن يبْعَث (بعثًا ذكره) لَهُم وَإِلَّا انْصَرف» . وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقد أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (خطب يَوْم الْعِيد عَلَى رَاحِلَته» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن وَكِيع، عَن دَاوُد بِهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب) قَائِما عَلَى (رَاحِلَته) » . وَله طَرِيق ثَان، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه» من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (خرجت مَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْفطر فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، ثمَّ ركب رَاحِلَته فَخَطب عَلَيْهَا، ثمَّ أَتَى النِّسَاء فخطبهن وحضهن عَلَى الصَّدَقَة، فَقَالَ: تصدقن يَا معشر النِّسَاء ... » الحَدِيث. وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي كَاهِل الأحمسي قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب النَّاس يَوْم عيد عَلَى (نَاقَة) خرماء، وَحبشِي مُمْسك بخطامها» . رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبَيْهَقِيّ كَذَلِك، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «رَأَيْته يخْطب عَلَى (نَاقَة) وَحبشِي آخذ بِخِطَام النَّاقة» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا، وَأَبُو كَاهِل هَذَا لَهُ رُؤْيَة وَمَات زمن الْحجَّاج، وَهُوَ قيس بن عَائِذ ذكره (ابْن مَنْدَه) وَفِي «الصَّحَابَة» أَيْضا أَبُو كَاهِل لَهُ حَدِيث طَوِيل مَوْضُوع، سَاقه أَبُو أَحْمد الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، وَلم أر فِي الصَّحَابَة من يكنى بِهَذِهِ الكنية (غَيرهمَا) . وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث عَاصِم بن عَلّي: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار، عَن الهرماس بن زِيَاد قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب عَلَى رَاحِلَته (العضباء) يَوْم الْأَضْحَى وَأَنا مرتدف خلف أبي» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة زِيَاد الْبَاهِلِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» أَيْضا. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي بكرَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب عَلَى رَاحِلَته يَوْم النَّحْر» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَإِنَّمَا أَخذ كَون هَذِه الْخطْبَة بعد الصَّلَاة من فعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وخلفائه الرَّاشِدين. هُوَ كَمَا (قَالَ) ، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ: «شهِدت صَلَاة الْفطر مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فكلهم يُصليهَا قبل الْخطْبَة ثمَّ يخْطب» . وَفِيهِمَا من حَدِيث ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبُو بكر وَعمر يصلونَ الْعِيد قبل الْخطْبَة» . الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَغْدُو يَوْم الْفطر والأضحى فِي طَرِيق وَيرجع فِي (آخر)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: عَن جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ يَوْم عيد خَالف الطَّرِيق» . رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ. ثَانِيهَا: عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا خرج إِلَى الْعِيدَيْنِ رَجَعَ (فِي) غير الطَّرِيق الَّذِي (خرج فِيهِ) » . رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي «تلخيصه» بِلَفْظ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان إِذا خَرجُوا إِلَى الْعِيد فِي طَرِيق رجعُوا فِي طَرِيق آخر أبعد مِنْهُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث جَابر أصح من هَذَا. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكر ذَلِك فِي «صَحِيحه» . قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : انْفَرد البُخَارِيّ بِإِخْرَاج هَذَا الحَدِيث تَعْلِيقا. وَعَزاهُ الْبَيْهَقِيّ (إِلَى) بعض نسخ البُخَارِيّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 ثَالِثهَا: عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ يَوْم الْعِيد فِي طَرِيق ثمَّ رَجَعَ فِي طَرِيق آخر» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، (وَالْبَيْهَقِيّ) . رَابِعهَا: عَن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا بِهِ. خَامِسهَا: عَن سعد الْقرظ مَرْفُوعا (بِهِ) رَوَاهُمَا «ابْن مَاجَه» . سادسها: عَن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْعِيد يذهب فِي طَرِيق وَيرجع فِي (آخر) » . رَوَاهُ ابْن قَانِع وَأَبُو نعيم فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» . سابعها: عَن سعد بن أبي وَقاص مَرْفُوعا بِهِ. رَوَاهُ الْبَزَّار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر بعد صَلَاة الصُّبْح يَوْم عَرَفَة وَمد التَّكْبِير إِلَى الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن (عَمْرو) بن شمر - أحد الهلكى - عَن جَابر - وَهُوَ الْجعْفِيّ، شيعي غال وثق وَترك - عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يكبر يَوْم عَرَفَة من صَلَاة (الْغَدَاة) إِلَى (صَلَاة) الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَهَذَا إِسْنَاد (واه) ؛ (عَمْرو) مَتْرُوك زائغ كَذَّاب، كَمَا شهد لَهُ الْأَئِمَّة بذلك، وَجَابِر قد عرفت حَاله، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ إثره: هَذَا (حَدِيث) لَا يحْتَج بِمثلِهِ. قَالَ: وَعَمْرو بن شمر وَجَابِر (الْجعْفِيّ) لَا يحْتَج بهما. قَالَ: وَفِي رِوَايَة الثِّقَات كِفَايَة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِنَّه حَدِيث لَا يثبت. ثمَّ نقل أَقْوَال الْأَئِمَّة فيهمَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 قلت: وَرَوَاهُ عَن عَمْرو بن شمر جماعات (مِنْهُم) مُصعب بن سَلام، عَنهُ، عَن جَابر، عَن أبي جَعْفَر، عَن عَلّي بن حُسَيْن، عَن جَابر: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يكبر فِي صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق حِين يسلم من المكتوبات» . وَمصْعَب هَذَا كَأَنَّهُ التَّمِيمِي الْكُوفِي تكلم فِيهِ ابْن حبَان وَصحح الْحَاكِم (حَدِيثه) . ثانيهم: مَحْفُوظ بن نصر الْهَمدَانِي عَنهُ، عَن جَابر (عَن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر يَوْم عَرَفَة وَقطع فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . ومحفوظ هَذَا لَا أعلم حَاله. ثالثهم: نائل بن نجيح عَنهُ عَن جَابر) عَن أبي جَعْفَر وَعبد الرَّحْمَن بن سابط، عَن جَابر: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا صَلَّى الصُّبْح من غَدَاة عَرَفَة أقبل عَلَى (أَصْحَابه) وَيَقُول: عَلَى مَكَانكُمْ. وَيَقُول: الله أكبر (الله أكبر) لَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد (فيكبر) من غَدَاة عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . و (نائل) هَذَا أَحَادِيثه مظْلمَة جدًّا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - ثمَّ ذكره عَنْهُم (بأسانيده) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 و «أَنهم كَانُوا يكبرُونَ من الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عَمْرو بن شمر عَن جَابر أَيْضا، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن عَلّي وعمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَنَّهُمَا سمعا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يجْهر فِي المكتوبات: بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي فَاتِحَة الْقُرْآن، ويقنت فِي صَلَاة الْفجْر وَالْوتر، وَيكبر فِي دبر الصَّلَوَات المكتوبات من صَلَاة الْفجْر غَدَاة عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق يَوْم دفْعَة النَّاس الْعُظْمَى» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْحسن (بن) مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، ثَنَا سعيد بن عُثْمَان، أنبأني عَمْرو بن شمر، عَن جَابر، عَن أبي الطُّفَيْل (بِهِ) . وَهَذَا إِسْنَاد كَالَّذي قبله و (أعله) عبد الْحق بجابر الْجعْفِيّ، وَأنكر عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي تعصيب الْجِنَايَة فِي هَذَا الحَدِيث بِرَأْس جَابر الْجعْفِيّ، فَإِن عَمْرو بن شمر مَا فِي الْمُسلمين من يقبل حَدِيثه، وَسَعِيد بن عُثْمَان الرَّاوِي لهَذَا الحَدِيث لَا أعرفهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث أسيد بن زيد، نَا عَمْرو بن شمر، عَن جَابر، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن عَلّي وعمار «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وَكَانَ يقنت فِي الْفجْر، وَكَانَ يكبر يَوْم عَرَفَة صَلَاة الْغَدَاة ويقطعها صَلَاة الْعَصْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 آخر أَيَّام التَّشْرِيق» وَأسيد هَذَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بآخر، وَقد كذبه ابْن معِين وَتَركه غَيره، ثمَّ ظَفرت (بعد) ذَلِك بطرِيق آخر لَيْسَ فِيهِ عَمْرو بن شمر وَلَا جَابر بن (يزِيد) . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن أبي الْحسن عَلّي بن مُحَمَّد بن عقبَة الشَّيْبَانِيّ، نَا إِبْرَاهِيم بن أبي العنبس القَاضِي، نَا سعيد بن عُثْمَان (الخراز) ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن سعد الْمُؤَذّن، نَا فطر بن خَليفَة، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن عِكْرِمَة (عَن عَلّي) وعمار (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، وَكَانَ يقنت فِي صَلَاة الْفجْر، وَكَانَ يكبر يَوْم عَرَفَة من صَلَاة الصُّبْح ويقطعها صَلَاة الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، لَا أعلم فِي رُوَاته مَنْسُوبا إِلَى الْجرْح. قَالَ: وَقد رُوِيَ فِي الْبَاب عَن جَابر بن عبد الله وَغَيره، فَأَما من فعل عمر وَعلي وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن مَسْعُود فَصَحِيح عَنْهُم التَّكْبِير من غَدَاة عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق. أما حَدِيث عمر فَرَوَاهُ عَنهُ [عبيد] بن عُمَيْر قَالَ: «كَانَ عمر بن الْخطاب يكبر بعد صَلَاة الْفجْر من يَوْم عَرَفَة لَا يقطع إِلَى صَلَاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 الظّهْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق) . وَأما حَدِيث عَلّي فَرَوَاهُ عَنهُ شَقِيق «أَنه كَانَ يكبر بعد صَلَاة الْفجْر غَدَاة عَرَفَة ثمَّ لَا يقطع حَتَّى يُصَلِّي الإِمَام من آخر أَيَّام التَّشْرِيق، ثمَّ يكبر بعد الْعَصْر» . وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس فَرَوَاهُ عِكْرِمَة عَنهُ «أَنه كَانَ يكبر من غَدَاة يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق» (وَأما عبد الله بن مَسْعُود فَرَوَاهُ عَنهُ عُمَيْر بن سعيد قَالَ: «قدم علينا ابْن مَسْعُود فَكَانَ يكبر من صَلَاة الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن التَّكْبِير يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: يكبر من غَدَاة عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق) . كَمَا كبر عَلّي وَعبد الله. وَذكر (الْحَاكِم) ذَلِك عَنْهُم (بأسانيده) ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» طَريقَة الْحَاكِم السالفة (بِإِسْنَاد) الْحَاكِم، ثمَّ نقل تَصْحِيحه لَهُ وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَخَالف فِي كِتَابه «الْمعرفَة» فَقَالَ (عقب) ذَلِك: هَذَا حَدِيث مَشْهُور بِعَمْرو بن شمر، عَن جَابر الْجعْفِيّ، عَن أبي الطُّفَيْل، وكلا الإسنادين ضَعِيف، وَهَذَا أمثلهما. قلت: وَمَعَ ذَلِك فعبد الرَّحْمَن بن سعد الْمُؤَذّن ضعفه ابْن معِين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 وَانْفَرَدَ بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ ابْن مَاجَه، وَسَعِيد بن عُثْمَان لَا أعلم حَاله، وَقد أنكر جماعات عَلَى الْحَاكِم، تَصْحِيحه لَهُ (قَالَ) النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عقيب قولة الْحَاكِم السالفة: الْبَيْهَقِيّ أتقن من شَيْخه الْحَاكِم وَأَشد تحريًا. وَقَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : قَول الْحَاكِم إِن رِوَايَة عَلّي وعمار صَحِيحَة، مَرْدُود قد أنكرهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من الْمُحَقِّقين وضعفوها. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» عقيب قَول الْحَاكِم: صَحِيح. قلت: بل خبر واه كَأَنَّهُ مَوْضُوع؛ لِأَن عبد الرَّحْمَن صَاحب مَنَاكِير. (قَالَ) وَسَعِيد إِن كَانَ هُوَ الكريزي فَهُوَ ضَعِيف. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أَن ركبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يشْهدُونَ أَنهم رَأَوْا الْهلَال بالْأَمْس، فَأَمرهمْ أَن يفطروا وَإِذا أَصْبحُوا أَن يغدوا إِلَى مصلاهم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 حَدِيث (عبد الله) أبي عُمَيْر بن أنس بن مَالك، عَن عمومة لَهُ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - « (أَن ركبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) يشْهدُونَ أَنهم رَأَوْا الْهلَال بالْأَمْس فَأَمرهمْ ... » الحَدِيث. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: عَن أنس بن مَالك «أَن عمومة لَهُ شهدُوا عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى (رُؤْيَة) الْهلَال فَأَمرهمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يخرجُوا لعيدهم من (الْغَد) » وَقد شهد غير وَاحِد من الْأَئِمَّة بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث، قَالَ (ابْن الْمُنْذر:) هُوَ حَدِيث ثَابت يجب الْعَمَل بِهِ، أَفَادَهُ عَنهُ ابْن الْقطَّان فِي «علله» (وَقَالَ الْخطابِيّ: سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أولَى) وَحَدِيث [أبي] عُمَيْر صَحِيح والمصير إِلَيْهِ وَاجِب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الصَّوْم: إِسْنَاده حسن، وَأَبُو عُمَيْر رَوَاهُ عَن عمومة لَهُ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كلهم ثِقَات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 سَوَاء سموا أَو لم يسموا. وَقَالَ فِي هَذَا الْبَاب: إِسْنَاده صَحِيح. قَالَ: وعمومة أبي عُمَيْر صحابة لَا يكونُونَ إِلَّا ثِقَات - أَي لَا يضر جَهَالَة أعيانهم؛ لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول - وَقد قَالَ الشَّافِعِي: لَو ثَبت ذَلِك قُلْنَا بِهِ. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» هُنَا بعد أَن قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح: ظَاهر هَذَا أَنه أَمرهم بِالْخرُوجِ من الْغَد ليصلوا صَلَاة الْعِيد، وَذَلِكَ بيّن فِي رِوَايَة هشيم، وَلَا يجوز حمله عَلَى أَن ذَلِك كَانَ (لكَي) يجتمعوا فيدعوا ولترى كثرتهم من غير أَن يصلوا صَلَاة الْعِيد (كَمَا أَمر الْحيض أَن تخرجن وَلَا تصلين صَلَاة الْعِيد) لِأَن الْحيض يشهدنه عَلَى طَرِيق التبع لغيرهن، ثمَّ بَين [النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] أَنَّهُنَّ يعتزلن الْمُصَلى ويشهدن الْخَيْر ودعوة الْمُسلمين، وَهَا هُنَا أَمرهم أَن يخرجُوا لعيدهم من الْغَد وَلم يَأْمُرهُم باعتزال الصَّلَاة، فَكَانَ هَذَا أولَى بِالْبَيَانِ لكَوْنهم من أهل سَائِر (الصَّلَوَات) وَكَون الْحيض (بمعزل) من سَائِر الصَّلَوَات، وَقد اسْتعْمل عمر بن عبد الْعَزِيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - هَذِه السّنة بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمر مثل مَا أَمر بِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: سَنَده صَحِيح. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 «علله» : قَالَ (أبي) : رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس وَهُوَ خطأ. وَالصَّوَاب كَمَا تقدم. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي كِتَابه «الْوَهم وَالْإِيهَام» : سكت عبد الْحق عَلَى هَذَا الحَدِيث مصححًا لَهُ وَإنَّهُ [لحريّ] بِأَن لَا يُقَال فِيهِ صَحِيح؛ لِأَن أَبَا عُمَيْر لَا يعرف حَاله، وعمومة أبي عُمَيْر لم يسموا. قلت: وَكَذَا قَالَ ابْن عبد الْبر إِن أَبَا عُمَيْر مَجْهُول. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ «أَنه اجْتمع عيدَان عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي يَوْم وَاحِد فَصَلى الْعِيد (فِي) أول النَّهَار وَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِن هَذَا يَوْم قد اجْتمع لكم فِيهِ عيدَان، فَمن أحب أَن يشْهد مَعنا الْجُمُعَة فَلْيفْعَل، وَمن أحب أَن ينْصَرف فَلْيفْعَل» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: (أَحدهَا) من طَرِيق زيد بن أَرقم، رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الثَّلَاثَة أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث إِيَاس بن أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 رَملَة الشَّامي - وَلَيْسَ لَهُ فِي «السّنَن» غَيره - قَالَ: « (شهِدت) مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَهُوَ يسْأَل زيد بن أَرقم قَالَ: «هَل) شهِدت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عيدين) اجْتمعَا فِي يَوْم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَكيف صنع؟ قَالَ: صَلَّى الْعِيد ثمَّ رخص فِي الْجُمُعَة، ثمَّ قَالَ: من شَاءَ أَن (يُصَلِّي) فَليصل» هَذَا لفظ أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه. وَلَفظ النَّسَائِيّ: (قَالَ: نعم، صَلَّى الْعِيد من أول النَّهَار وَرخّص فِي الْجُمُعَة) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ الْأَوَّلين، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا وَقَالَ فِي (رِوَايَته: ثمَّ) رخص فِي الْجُمُعَة، وَقَالَ: من شَاءَ أَن يجمع فليجمع» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرط مُسلم. فَذكره من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة وَسَيَأْتِي بعد. وَقَالَ الْأَثْرَم: سُئِلَ أَبُو عبد الله - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل - عَن الْعِيدَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فِي يَوْم (وَاحِد) فَذكر هَذَا الحَدِيث. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث يعْتَمد عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه أصح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 مَا فِي الْبَاب. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِسْنَاده حسن. وَخَالف ابْن الْقطَّان: فأعله بإياس بن أبي رَملَة، وَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول الْحَال. قَالَ: وَلما ذكر ابْن الْمُنْذر هَذَا الحَدِيث قَالَ: إِنَّه لَا يثبت، وَإِن إِيَاس بن أبي رَملَة مَجْهُول. قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَأعله ابْن حزم فِي «محلاه» بإسرائيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي (رَاوِيه) عَن عُثْمَان بن الْمُغيرَة، عَن إِيَاس. وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَلَا يَصح. وَإِسْرَائِيل هَذَا من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهمَا وَعَن ابْن الْمَدِينِيّ تَضْعِيفه. الطَّرِيق الثَّانِي: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - (عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «قد اجْتمع فِي يومكم هَذَا عيدَان) فَمن شَاءَ أَجزَأَهُ عَن الْجُمُعَة، وَإِنَّا مجمعون» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» وَابْن السكن فِي (صحاحه) وَلم يعزه ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» إِلَى ابْن مَاجَه، وَعَزاهُ إِلَى النَّسَائِيّ وَلم أره فِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 وَرَوَاهُ الْخلال فِي «علله» بِلَفْظ: فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «قد أصبْتُم خيرا (فَمن) أحب أَن (يُقيم) فَليقمْ، وَمن أحب أَن ينْصَرف فلينصرف» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الأول، وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قلت: وَهُوَ من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن شُعْبَة (عَن مُغيرَة (الضَّبِّيّ) عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع الْمَكِّيّ، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، وَبَقِيَّة هَذَا قد علمت حَاله) فِي بَاب النَّجَاسَات من كتَابنَا هَذَا، وَذكرنَا أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ. قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : بَقِيَّة بن الْوَلِيد لم يخْتَلف فِي صدقه إِذا رَوَى عَن الْمَشْهُورين. وَهَذَا (حَدِيث) غَرِيب من حَدِيث شُعْبَة، والمغيرة وَعبد الْعَزِيز كلهم مِمَّن يجمع حَدِيثه. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رِوَايَة عَن شُعْبَة إِلَّا بَقِيَّة، يرويهِ بَقِيَّة (قَالَ) : أَنا شُعْبَة عَن الْمُغيرَة الضَّبِّيّ، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد رَوَاهُ عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع زِيَاد بن عبد الله البكائي، وَذكره الْبَزَّار. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف وَمِنْهُم من يكذبهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 قلت: قد رَوَاهُ غير زِيَاد أَيْضا. ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث مُغيرَة وَلم يرفعهُ (عَنهُ غير شُعْبَة) وَهُوَ أَيْضا غَرِيب عَن شُعْبَة لم يروه عَنهُ غير بَقِيَّة، وَقد رَوَاهُ زِيَاد البكائي وَصَالح بن مُوسَى الطلحي عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع مُتَّصِلا. وَرَوَاهُ [جمَاعَة] عَن عبد الْعَزِيز، عَن أبي صَالح، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مُرْسلا) وَلم (يذكرُوا) أَبَا هُرَيْرَة - قَالَ فِي «علله» : وَهُوَ الصَّحِيح - وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: إِنَّمَا رَوَاهُ النَّاس عَن [أبي] صَالح مُرْسلا، وتعجب من بَقِيَّة كَيفَ رَفعه وَقد كَانَ بَقِيَّة يروي عَن ضعفاء وَيُدَلس. قلت: قد صرح بَقِيَّة بِالتَّحْدِيثِ فَقَالَ: نَا شُعْبَة. لَكِن لَا يَنْفَعهُ ذَلِك فَإِنَّهُ مَعْرُوف بتدليس التَّسْوِيَة. (قلت: وَأَبُو صَالح) هَذَا هُوَ السمان الثِّقَة كَمَا صرح بِهِ الْبَيْهَقِيّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْعَزِيز مَوْصُولا مُقَيّدا بِأَهْل العوالي، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُقَيّدا بِأَهْل الْعَالِيَة إِلَّا أَنه مُنْقَطع. الطَّرِيق الثَّالِث: من طَرِيق نَافِع، عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ: «اجْتمع عيدَان عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصَلى بِالنَّاسِ، ثمَّ قَالَ: من شَاءَ أَن يَأْتِي الْجُمُعَة فليأتها، وَمن شَاءَ أَن يتَخَلَّف فليتخلف» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَفِي إِسْنَاده جبارَة بن الْمُغلس، قَالَ البُخَارِيّ: مُضْطَرب الحَدِيث. ومندل بن عَلّي قد ضعف، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث سعيد بن رَاشد (السماك) نَا عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عمر قَالَ: «اجْتمع عيدَان عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[يَوْم] فطر وجمعة فَصَلى بهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة الْعِيد، ثمَّ أقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم قد أصبْتُم خيرا وَأَجرا وَإِنَّا مجمعون، فَمن أَرَادَ أَن يجمع مَعنا فليجمع، و (من) أَرَادَ أَن يرجع إِلَى أَهله فَليرْجع» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 وَسَعِيد هَذَا قَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح. الطَّرِيق الرَّابِع: من طَرِيق ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: اجْتمع عيدَان فِي يومكم هَذَا، فَمن شَاءَ أَجزَأَهُ من الْجُمُعَة، وَإِنَّا مجمعون - إِن شَاءَ الله تَعَالَى» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث (بَقِيَّة) نَا شُعْبَة، نَا مُغيرَة الضَّبِّيّ، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، [عَن أبي صَالح] عَن ابْن عَبَّاس فَذكره، وَهَذَا إِسْنَاد جيد لَوْلَا بَقِيَّة، وَسَيَأْتِي لَهُ طَرِيق (آخر) جيد، وَبِالْجُمْلَةِ (فأصح) هَذِه الطّرق الطَّرِيقَة الأولَى عَلَى مَا فِيهَا - كَمَا سلف، وَنقل عبد الْحق عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: فِي هَذَا (الْبَاب) غير مَا (حَدِيث) بِإِسْنَاد جيد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 قلت: وَقد رُوِيَ هَذَا الْفِعْل أَيْضا عَن عُثْمَان بن عَفَّان وَعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أما الأول فَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي جملَة حَدِيث طَوِيل عَن عُثْمَان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - « (أَنه) خطب يَوْم عيد فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِن هَذَا يَوْم قد اجْتمع لكم فِيهِ عيدَان، فَمن أحب أَن ينْتَظر الْجُمُعَة من أهل العوالي (فلينتظر) وَمن أحب أَن يرجع فقد [أَذِنت لَهُ] » وَهَذَا الْأَثر ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» وَأما الثَّانِي فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى (الصَّحِيحَيْنِ) بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَطاء قَالَ: «صَلَّى ابْن الزبير فِي يَوْم عيد [فِي] يَوْم جُمُعَة أول النَّهَار ثمَّ (رحنا) إِلَى الْجُمُعَة فَلم يخرج إِلَيْنَا فصلينا وحدانًا، وَكَانَ ابْن عَبَّاس بِالطَّائِف، فَلَمَّا قدم ذكرنَا ذَلِك لَهُ فَقَالَ: أصَاب السّنة» . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «الْخُلَاصَة» : إِسْنَاده عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الحميد، عَن وهب بن كيسَان، عَن ابْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 عَبَّاس نَحوه مُخْتَصرا، وَأعله ابْن حزم فِي «محلاه» بِعَبْد الحميد فَإِنَّهُ قَالَ: «وَإِذا اجْتمع عيد فِي يَوْم جُمُعَة صلي الْعِيد ثمَّ الْجُمُعَة» وَلَا يَصح أثر بِخِلَاف ذَلِك؛ لِأَن فِي رُوَاته إِسْرَائِيل وَعبد الحميد بن جَعْفَر وليسا بالقويين. فَأَما إِسْرَائِيل فقد أسلفنا الْجَواب عَنهُ فِي حَدِيث زيد بن أَرقم السالف قَرِيبا، وَأما عبد الحميد فوثقه أَحْمد وجماعات وَهُوَ من رجال مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، نعم ضعفه (يَحْيَى) الْقطَّان، وَضَعفه أَيْضا سُفْيَان لأجل الْقدر. وَلما رَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق وهب بن كيسَان قَالَ: «شهِدت ابْن الزبير (بِمَكَّة) فَوَافَقَ يَوْم فطر أَو أَضْحَى يَوْم الْجُمُعَة، فَأخر الْخُرُوج حَتَّى ارْتَفع النَّهَار، فَخرج وَصعد الْمِنْبَر فَخَطب فَأطَال، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلم (يصل) الْجُمُعَة (فَعَاتَبَهُ) عَلَيْهِ نَاس من بني أُميَّة بن عبد شمس، فَبلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أصَاب (ابْن) الزبير السّنة. فَبلغ ابْن الزبير فَقَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب إِذا اجْتمع عيدَان صنع مثل هَذَا» . قَالَ: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. (هَذَا آخر كَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 وَأما آثاره فعشرة: أَولهَا: عَن جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَنه كبر ثَلَاثًا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سعيد بن أبي هِنْد عَنهُ «أَنه سَمعه يكبر فِي الصَّلَوَات أَيَّام التَّشْرِيق: الله أكبر الله أكبر الله أكبر - ثَلَاثًا» . وَقد أسلفناه مَرْفُوعا أَيْضا فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ. ثَانِيهَا: عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَنه كَانَ يكبر ثَلَاثًا» . وَهَذَا (الْأَثر رَوَاهُ) الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث سُلَيْمَان بن دَاوُد بن الْحصين، عَن أَبِيه، عَن عِكْرِمَة عَنهُ بِمثل حَدِيث جَابر السالف. وَدَاوُد هَذَا ثِقَة من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَبَاقِي السِّتَّة، لكنه قدري، وَلينه أَبُو زرْعَة، ووهاه ابْن حبَان، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن الحكم، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «يكبر (من) غَدَاة (يَوْم) عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام النَّفر، لَا يكبر فِي الْمغرب: الله أكبر الله أكبر الله أكبر (وَللَّه الْحَمد، الله أكبر وَأجل، الله أكبر عَلَى مَا هدَانَا» ) كَذَا أخبرنَا من كِتَابه ثَلَاثًا نسقًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ [عَنهُ] عَن جَابر بن عبد الله، وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ. ثَالِثهَا: عَن ابْن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَنه (ورد) عَنهُ التَّغْلِيظ فِي لبس الصّبيان الْحَرِير. وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه (عَنهُ، بل) رُوِيَ عَنهُ الْجَوَاز فِي نَحْو ذَلِك، نعم هُوَ عَن أَبِيه وَهُوَ مَا فِي نسخ الرَّافِعِيّ الصَّحِيحَة، وَفِي كتاب «تَحْرِيم الذَّهَب وَالْحَرِير» تأليف القَاضِي أبي بكر جَعْفَر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ، عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، نَا ابْن عون عَن مُحَمَّد قَالَ: «دخل ابْن عَامر عَلَى ابْن عمر فَرَأَى عَلَى ابْنة لِابْنِ عمر قَمِيصًا من حَرِير قَالَ: فَقَالَ ابْن عمر: إِن عَبدك (لرجل) بَصِير بالسنن، إِنَّا لنَرْجُو من رَحْمَة الله مَا (هُوَ) أفضل من قَمِيص بِثَلَاثَة دَرَاهِم - أَو قَالَ بأَرْبعَة دَرَاهِم - قَالَ: وَلَا عَلَيْكُم أَن تخلعوه عَنْهَا» . وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن حسان قَالَ: «رَأَى عليّ (ابْن) عمر أوضاح فضَّة فَقَالَ: إِنَّك قد بلغت - أَو كَبرت - فَأَلْقِهَا (عَنْك) » وَفِي الْكتاب السالف عَن (ابْن) رَاهَوَيْه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 نَا سُفْيَان، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه قَالَ لابنته: يَا (بنية) قولي إِن أبي لَا يحليني الذَّهَب يخْشَى عليّ من حر (اللهب) » . وَعَن قُتَيْبَة، نَا حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه كَانَ يَقُول لابنته: لَا تلبسي الذَّهَب فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك اللهب» وَفِيه عَن مُحَمَّد بن عون، عَن ابْن سِيرِين، عَنهُ كَذَلِك. الْأَثر الرَّابِع: قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَيقف بَين كل تكبيرتين بِقدر قِرَاءَة آيَة لَا طَوِيلَة (وَلَا قَصِيرَة) ، يهلل الله ويكبره ويمجده» . هَذَا لفظ الشَّافِعِي، وَقد رُوِيَ مثل ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود قولا وفعلاً. وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ترْجم: بَاب يَأْتِي بِدُعَاء الِافْتِتَاح (عقيب) تَكْبِيرَة (الِافْتِتَاح) ثمَّ يقف بَين كل تكبيرتين يهلل الله ويكبره وَيَحْمَدهُ وَيُصلي عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . من حَدِيث هِشَام، نَا حَمَّاد [عَن إِبْرَاهِيم عَن] عَلْقَمَة «أَن ابْن مَسْعُود وَأَبا مُوسَى وَحُذَيْفَة خرج إِلَيْهِم الْوَلِيد بن عقبَة قبل الْعِيد (فَقَالَ لَهُم) : إِن هَذَا الْعِيد قد دنا فَكيف التَّكْبِير فِيهِ؟ فَقَالَ عبد الله: تبدأ فتكبر تَكْبِيرَة تفتتح بهَا الصَّلَاة، وتحمد رَبك وَتصلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ تَدْعُو ثمَّ تكبر، وَتفعل مثل ذَلِك، ثمَّ تكبر (وَتفعل مثل ذَلِك، ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك، ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك) (ثمَّ تقْرَأ وتركع، ثمَّ تقوم فتكبر وتحمد رَبك وَتصلي عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ تَدْعُو ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك، ثمَّ تكبر و) تفعل مثل ذَلِك، ثمَّ تكبر وَتفعل ذَلِك، ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا من قَول ابْن مَسْعُود مَوْقُوف عَلَيْهِ، فنتابعه فِي (الذّكر) بَين كل تكبيرتين إِذْ لم يرو خِلَافه عَن غَيره، ونخالفه فِي عدد التَّكْبِيرَات وتقديمهن عَلَى الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا؛ بِحَدِيث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ فعل أهل الْحَرَمَيْنِ وَعمل الْمُسلمين إِلَى يَوْمنَا هَذَا. ثمَّ رَوَى من حَدِيث عَلّي بن عَاصِم، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر قَالَ: «مَضَت السّنة أَن يكبر للصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ سبعا وخمسًا، يذكر الله مَا بَين كل تكبيرتين» . قلت: قد عرفت قَول ابْن مَسْعُود وَبَقِي فعله، وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم «أَن الْوَلِيد بن عقبَة دخل الْمَسْجِد وَابْن مَسْعُود يَقُول: الله أكبر. ويحمد الله ويثني عَلَيْهِ، وَيُصلي عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَيَدْعُو الله، ثمَّ يكبر ويحمد الله ويثني عَلَيْهِ، وَيُصلي عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَيَدْعُو الله، (ثمَّ) يكبر ويحمد الله ويثني عَلَيْهِ وَيُصلي عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَيَدْعُو الله ثمَّ كبر) وَقَرَأَ فَاتِحَة الْكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 وَسورَة، ثمَّ (كبر و) ركع و (سجد) ثمَّ (قَامَ وَقَرَأَ) بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة، ثمَّ كبر و (حمد) الله و (أَثْنَى) عَلَيْهِ وَصَلى عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - و (ركع وَسجد) فَقَالَ حُذَيْفَة وَأَبُو مُوسَى: أصَاب» وَفِيه أَيْضا عَنهُ: «أَن بَين (التكبيرتين) قدر كلمة» . وأسنده ابْن عَسَاكِر من حَدِيث حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة «أَن ابْن مَسْعُود وَأَبا مُوسَى وَحُذَيْفَة خرج عَلَيْهِم الْوَلِيد بن عقبَة قبل الْعِيد يَوْمًا فَقَالَ (لَهُم) : إِن الْعِيد قد دنا فَكيف التَّكْبِير فِيهِ؟ قَالَ عبد الله: (تبدأ فتكبر) تَكْبِيرَة تفتتح بهَا الصَّلَاة وتحمد رَبك وَتصلي عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ تَدْعُو وتكبر وَتفعل مثل ذَلِك، ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك، ثمَّ تكبر وَتفعل مثل (ذَلِك) ثمَّ تركع. فَقَالَ أَبُو مُوسَى وَحُذَيْفَة: صدق (عبد الله) » . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 (الْأَثر الْخَامِس: عَن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَات» ) . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي زَكَرِيَّا فِي الْجِنَازَة وَالْعِيدَيْنِ، ثمَّ قَالَ: هُوَ مُنْقَطع. قلت: وَضَعِيف لأجل ابْن لَهِيعَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن بكر بن سوَادَة، عَن أبي زرْعَة اللَّخْمِيّ «أَن عمر. .» فَذكره فِي صَلَاة (الْعِيدَيْنِ) . الْأَثر السَّادِس: عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ: «السّنة أَن تبتدئ (الْخطْبَة) بتسع تَكْبِيرَات تترى (ثمَّ تخْطب ثمَّ تجْلِس، ثمَّ تقوم فتفتتح الثَّانِيَة بِسبع تَكْبِيرَات تترى) » . وَهَذَا الْأَثر ذكره هَكَذَا صَاحب «جمع الْجَوَامِع» بِزِيَادَة: قَالَ الشَّافِعِي: وَيَقُول عبيد الله: نقُول. قلت: و (رَوَاهُ) الشَّافِعِي (أَنا) إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبدٍ (الْقَارِي) عَن إِبْرَاهِيم بن (عبد الله، عَن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبَة: «السّنة أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 يخْطب الإِمَام فِي الْعِيدَيْنِ خطبتين يفصل بَينهمَا بجلوس، وَالسّنة فِي التَّكْبِير فِي يَوْم الْأَضْحَى وَالْفطر عَلَى الْمِنْبَر قبل الْخطْبَة (أَن يَبْتَدِئ الإِمَام قبل الْخطْبَة) وَهُوَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر بتسع تَكْبِيرَات تترى لَا يفصل بَينهمَا بِكَلَام، ثمَّ يخْطب (ثمَّ يجلس جلْسَة (ثمَّ يقوم) فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة فيفتتحها بِسبع تَكْبِيرَات تترى لَا يفصل بَينهمَا بِكَلَام ثمَّ يخْطب)) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن عبدٍ الْقَارِي، (أَن) إِبْرَاهِيم بن عبد الله حَدثهُ، عَن عبيد الله (بن عبد الله) بن (عتبَة) بن مَسْعُود أَنه قَالَ: «السّنة (فِي) تَكْبِير الإِمَام يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى حِين يجلس عَلَى الْمِنْبَر قبل (الْخطْبَة) تسع تَكْبِيرَات وَسبعا حِين يقوم ثمَّ يَدْعُو وَيكبر بَعْدَمَا بدا لَهُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ غَيره عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد الله «تسعا تترى إِذا قَامَ فِي الأولَى، وَسبعا تترى إِذا قَامَ فِي الْخطْبَة (الثَّانِيَة) » ثمَّ سَاق رِوَايَة الشَّافِعِي السالفة. وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد علمت أَقْوَال أهل الْفَنّ فِيهِ فِي كتاب الطَّهَارَة من كتَابنَا هَذَا، وَعبيد الله هَذَا تَابِعِيّ، وَإِذا قَالَ التَّابِعِيّ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 من (السّنة) كَذَا. فَالْأَصَحّ وَقفه، وَقيل: إِنَّه مَرْفُوع مُرْسل. وَلَا حجَّة فِيهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، أما عَلَى هَذَا فلإرساله، وَأما عَلَى الأول فَلِأَنَّهُ لم يثبت (إِسْنَاده) وَلَا حجَّة فِيهِ إِذن عَلَى الصَّحِيح. الْأَثر السَّابِع: «أَن عُثْمَان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - كَانَ يكبر من ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى صبح الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام التَّشْرِيق» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «كبر بِنَا عُثْمَان وَهُوَ مَحْصُور فِي الظّهْر يَوْم النَّحْر إِلَى أَن صَلَّى (الظّهْر) من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَكبر فِي الصُّبْح وَلم يكبر فِي الظّهْر» . الْأَثر الثَّامِن وَالتَّاسِع: «أَن ابْن عمر وَزيد بن ثَابت كَانَا (يفْعَلَانِ) كَفعل عُثْمَان» . (وَهَذَانِ) رَوَاهُمَا (الدَّارَقُطْنِيّ و) الْبَيْهَقِيّ فِي (سُنَنهمَا) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ بأسانيده عَن عُثْمَان [وَابْن عمر و] زيد بن ثَابت وَأبي سعيد نَحْو مَا روينَا عَن ابْن عمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 الْعَاشِر: عَن ابْن عَبَّاس مثل ذَلِك. وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «كتاب عَلّي وَعبد الله» كَمَا عزاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» إِلَيْهِ قَالَ: وَالرِّوَايَة عَن ابْن عَبَّاس مُخْتَلفَة فَروِيَ عَنهُ «أَنه كَانَ يكبر من (صَلَاة الظّهْر يَوْم النَّحْر) إِلَى صَلَاة الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق» وَذكر فِي «سنَنه» عَنهُ هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَابَيْنِ. قلت: وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة أَيْضا عَن ابْن عمر فَفِي «مُصَنف ابْن أبي شيبَة» (عَنهُ) (أَنه كَانَ يكبر من ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى صَلَاة الْعَصْر يَوْم النَّفر يَعْنِي الأول» وَقد اخْتلف أَيْضا عَن زيد فَفِي «المُصَنّف» الْمَذْكُور عَنهُ «أَنه كَانَ يكبر من ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 كتاب صَلَاة الْكُسُوف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا كتاب صَلَاة الْكُسُوف ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سِتَّة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول عَن أبي بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فانكسفتِ الشمسُ، فَقَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دخل الْمَسْجِد، فَدَخَلْنَا، فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انجلت الشَّمْس، فَقَالَ: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا ينكسفان لمَوْت أحد، فَإِذا (رأيتموهما) فصلوا وَادعوا حَتَّى ينْكَشف مَا بكم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، بل لم يخرج مُسلم عَن أبي بكرَة فِي الْكُسُوف شَيْئا، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» : «فَإِذا انكسف (أَحدهمَا) فافزعوا إِلَى الْمَسَاجِد» ، وَفِي رِوَايَة للبيهقي بِإِسْنَاد حسن: «فَإِذا كُسف وَاحِد مِنْهُمَا فَادعوا واذْكُرُوا الله» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 تَنْبِيه: وَقع فِي كَلَام الشَّيْخ محيي الدَّين مَا يُوهم أَن هَذَا الحَدِيث خرَّجه مُسلم أَيْضا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «خلاصته» : فِي «الصَّحِيحَيْنِ» نَحْو حَدِيث الْمُغيرَة من حَدِيث ابْن عمر وَأبي مَسْعُود وَأبي بكرَة. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة، مِنْهُم: جَابر، وَأَبُو بكرَة. وَقد علمت أَنه من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَقد شهد بِانْفِرَادِهِ (بِهِ) عبد الْحق فِي «جَمْعه» ، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» ، وَقد عزاهُ فِي «أذكاره» إِلَى البُخَارِيّ وَحده فَأصَاب، وَقد انْفَرد مُسلم أَيْضا بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث جَابر، (لَا) كَمَا زعم أَنه (من) الْمُتَّفق عَلَيْهِ، فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ركع أَربع ركوعات فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبع سَجدَات» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، رَوَاهُ مُسلم مُخْتَصرا مُنْفَردا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 بِهِ من حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن طَاوس عَنهُ بِلَفْظ: «صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين كسفت الشَّمْس ثَمَانِي رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات» وَعَن عَلّي مثل ذَلِك. وَفِي لفظ آخر لَهُ من هَذَا الْوَجْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صلَّى فِي كسوفٍ، قَرَأَ ثمَّ ركع، ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع، ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع، ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع، ثمَّ سجد، وَالْأُخْرَى مثلهَا» . وَفِي لفظ آخر لَهُ من وَجه آخر عَنهُ: «صَلَّى أَربع رَكْعَات فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبع سَجدَات» وَرَوَاهُ هُوَ وَالْبُخَارِيّ مطولا بِقصَّة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقد اشتهرت الرِّوَايَة (من) فعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهِ، يَعْنِي عَلَى أَن فِي كل (رَكْعَتَيْنِ) ركوعين. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد ثَبت ذَلِك فِي حَدِيث عَائِشَة، وَأَسْمَاء، وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر بن عبد الله، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، وَغَيرهَا من الْأَحَادِيث. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كل رَكْعَة أَربع ركوعات» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم كَمَا سلف (قَرِيبا، وَطعن فِيهِ ابْن حبَان فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 «صَحِيحه» ) ، فَقَالَ فِي «صَحِيحه» : هَذَا الْخَبَر لَيْسَ بِصَحِيح؛ لِأَنَّهُ خبر يرويهِ حبيب بن أبي ثَابت، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، وحبِيب لم يسمع من طَاوس هَذَا الْخَبَر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : هَذَا الحَدِيث مِمَّا ينْفَرد بِهِ حبيب هَذَا، وَهُوَ وَإِن كَانَ ثِقَة (فَهُوَ) يُدَلس، (وَلم) يبيِّن فِيهِ سَمَاعه عَن طَاوس، فَيُشبه لِأَن يكون حمله عَن غير موثوق بِهِ، وَقد خَالفه فِي رَفعه وَمَتنه سُلَيْمَان الْأَحول (فَرَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس) من فعله ثَلَاث رَكْعَات فِي رَكْعَة، وَلذَلِك لم يخرج البُخَارِيّ هَذِه الرِّوَايَة فِي (صَحِيحه) . وَقَالَ فِي «سنَنه» : حبيب بن أبي ثَابت وَإِن كَانَ من الثِّقَات فقد كَانَ يُدَلس، وَلم أجد ذكر سَمَاعه عَن طَاوس، وَيحْتَمل أَن يكون حمله عَن غير موثوق بِهِ عَن طَاوس. انْتَهَى كَلَامه، وَلَك أَن تَقول: حبيب هَذَا من الْأَثْبَات الأجلاء، فَلَعَلَّ إِخْرَاج مُسلم لَهُ لكَونه ثَبت عِنْده سَمَاعه من طَاوس، وَهَذَا هُوَ عذر التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي كَونه صَححهُ فِي «جَامعه» . الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كل رَكْعَة خمس ركوعات» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث (عمر) بن شَقِيق، نَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع ابْن أنس، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن أبي بن كَعْب قَالَ: «انكسفت الشَّمْس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بهم، فَقَرَأَ بِسُورَة من الطول، ثمَّ ركع خمس رَكْعَات وسجدتين، ثمَّ قَامَ الثَّانِيَة فَقَرَأَ بِسُورَة من الطول، وَركع خمس رَكْعَات وسجدتين، ثمَّ جلس كَمَا هُوَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة يَدْعُو، حَتَّى انجلى كسوفها» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، (وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ) من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن أبيًّ بِهِ. وَأَبُو جَعْفَر هَذَا قد علمت حَاله فِي حَدِيث الْقُنُوت فِي بَاب صفة الصَّلَاة، قَالَ الْحَاكِم: الشَّيْخَانِ قد هجراه وَلم يخرجَا عَنهُ، وحاله عِنْد سَائِر الْأَئِمَّة أحسن الْحَال، وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ أَلْفَاظ، وَرُوَاته صَادِقُونَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد لم يحْتَج صاحبا «الصَّحِيح» بِمثلِهِ، وَلَكِن أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «السّنَن» . قلت: وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم تَصْحِيحه لحَدِيث الْقُنُوت وَأقرهُ عَلَيْهِ. قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد آخر من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث قَتَادَة، عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى عشر رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات» . لَكِن قَالَ ابْن عبد الْبر: سَماع قَتَادَة من عَطاء عِنْدهم غير صَحِيح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَذهب جمَاعَة من أهل الحَدِيث إِلَى (تَصْحِيح) الرِّوَايَات فِي عدد الرَّكْعَات، وَحملُوهَا عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام فعلهَا مَرَّات، وَأَن الْجَمِيع جَائِز، (فَمِمَّنْ) ذهب إِلَيْهِ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَابْن خُزَيْمَة، والضبعيُّ، والخطابيُّ، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْمُنْذر، قَالَ: وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي ثمَّ البُخَارِيّ من تَرْجِيح الْأَخْبَار أولَى لما ذكرنَا من رُجُوع الْأَخْبَار إِلَى حِكَايَة صلَاته فِي يَوْم توفّي ابْنه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام. الحَدِيث الْخَامِس رَوَى الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «خسفت الشَّمْس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَصَلى وَالنَّاس مَعَه، فَقَامَ قيَاما طَويلا قَرَأَ نَحوا من سُورَة الْبَقَرَة، ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا، ثمَّ رفع فَقَامَ قيَاما طَويلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 (وَهُوَ دون الْقيام الأول [ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا وَهُوَ دون الرُّكُوع الأول] ثمَّ سجد، ثمَّ قَامَ قيَاما طَويلا وَهُوَ دون الْقيام الأول ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا) وَهُوَ دون الرُّكُوع الأول، ثمَّ رفع فَقَامَ قيَاما طَويلا وَهُوَ دون الْقيام الأول، ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا وَهُوَ دون الرُّكُوع الأول ثمَّ سجد ثمَّ انْصَرف» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي، كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ، وَسَنَده فِيهِ: أَنا مَالك، عَن زيد بن أسلم (عَن عَطاء بن يسَار، عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ عَن القعْنبِي، عَن مَالك، وَمُسلم عَن مُحَمَّد بن رَافع، عَن إِسْحَاق بن عِيسَى، عَن مَالك) . الحَدِيث السَّادِس قَالَ الرَّافِعِيّ: تَطْوِيل السُّجُود مَنْقُول فِي بعض الرِّوَايَات مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع، أوردهُ مُسلم فِي «الصَّحِيح» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه مَعَه البُخَارِيّ أَيْضا (من طَرِيقين: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 أَحدهمَا: من طَرِيق أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَثَانِيهمَا) : من طَرِيق عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث عَائِشَة، وَأَسْمَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَمُسلم من حَدِيث جَابر، وَأَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِم، وَصَححهُ من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَأغْرب صَاحب «الْمُهَذّب» فَقَالَ: إِن تَطْوِيل السُّجُود لم ينْقل فِي خبر. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ مَعَ جلالته، ثمَّ ادَّعَى أَن الشَّافِعِي لم يذكرهُ، وَقد نَص عَلَيْهِ فِي «الْبُوَيْطِيّ» فِي موضِعين مِنْهُ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره عَنهُ. الحَدِيث السَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ: تسْتَحب الْجَمَاعَة فِي صَلَاة (الخسوفين) ، أما فِي كسوف الشَّمْس فقد اشْتهر إِقَامَتهَا بِالْجَمَاعَة من فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 وَكَانَ يُنَادَى لَهَا: الصَّلَاة (جَامِعَة) . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «خسفت الشَّمْس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَبعث مناديًا يُنَادي: الصَّلَاة جَامِعَة. فَاجْتمعُوا، وَتقدم فَكبر وَصَلى أَربع رَكْعَات فِي رَكْعَتَيْنِ» . الحَدِيث الثَّامِن قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما فِي خُسُوف الْقَمَر فقد رُوي عَن الْحسن البصرى قَالَ: «خسف الْقَمَر وَابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ، فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، فِي كل رَكْعَة رَكْعَتَانِ، فَلَمَّا فرغ ركب وخطبنا وَقَالَ: صليت بكم كَمَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي بِنَا» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ الشَّافِعِي: عَن إِبْرَاهِيم (بن) مُحَمَّد، حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن الْحسن، (عَن) ابْن عَبَّاس «أَن الْقَمَر كسف وَابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ، فَخرج ابْن عَبَّاس فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، فِي كل رَكْعَة [رَكْعَتَانِ] ، ثمَّ ركب فَخَطَبنَا فَقَالَ: إِنَّمَا صليت كَمَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي. وَقَالَ: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله، لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا مِنْهَا خاسفًا فَلْيَكُن فزعكم إِلَى الله - عَزَّ وَجَلَّ» . وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد علمت (حَاله) فِي أول الْكتاب فِي حَدِيث المشمس، كَمَا سلف التَّنْبِيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 عَلَيْهِ غير مرّة. وَفِي «الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات» . وَذكر الْقَمَر غَرِيب كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» . الحَدِيث التَّاسِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما خسفت الشَّمْس صَلَّى» فوصفت صلَاته، ثمَّ قَالَت: «فَلَمَّا انجلت انْصَرف فَخَطب النَّاس، وَذكر الله - تَعَالَى - وَأَثْنَى عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أَخْرجَاهُ كَذَلِك. الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه حَكَى صَلَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صَلَاة خُسُوف الشَّمْس، فَقَالَ: قَرَأَ نَحوا من سُورَة الْبَقَرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم قَرِيبا، وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: « (كنت) إِلَى جنب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صَلَاة الْكُسُوف، فَمَا سَمِعت مِنْهُ حرفا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا يزِيد بن أبي حبيب، عَن عِكْرِمَة عَنهُ قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْكُسُوف، فَلم أسمع مِنْهُ فِيهَا حرفا من الْقُرْآن» . وَابْن لَهِيعَة قد (علمت) حَاله فِيمَا مَضَى. وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث ثَعْلَبَة بن عباد، عَن سَمُرَة قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي كسوف لَا نسْمع لَهُ صَوتا» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَقَالَ: كَانَ سَمُرَة فِي أخريات النَّاس؛ فَلذَلِك لم يسمع صَوته، وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ: لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ لم يروه إِلَّا ثَعْلَبَة بن عباد الْعَبْدي، وَهُوَ مَجْهُول، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك ابْن الْمَدِينِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: الْأسود بن قيس يروي عَن مَجَاهِيل. وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَنهُ، وَلَا يحضرني رَوَى عَنهُ غَيره، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَتَصْحِيح الْأَئِمَّة الماضين لحديثه يرفع عَنهُ الْجَهَالَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى بهم فِي كسوف الشَّمْس، وجهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَلَفظ مُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جهر فِي صَلَاة الخسوف بقرَاءَته، فَصَلى أَربع رَكْعَات فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبع سَجدَات» . وَلَفظ البُخَارِيّ نَحوه، وَقَالَ: تَابع مُحَمَّد بن مهْرَان - يَعْنِي شَيْخه وَشَيخ مُسلم - فِي هَذَا الحَدِيث شَقِيق بن حُسَيْن وَسليمَان بن كثير عَن الزُّهْرِيّ فِي الْجَهْر. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَة، عَن عَائِشَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ قِرَاءَة طَوِيلَة يجْهر بهَا» يَعْنِي فِي صَلَاة الْكُسُوف. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «كسفت الشَّمْس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَصَلى بهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَربع رَكْعَات فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبع سَجدَات، وجهر بِالْقِرَاءَةِ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: عَلَى شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدِيث عَائِشَة فِي الْجَهْر ينْفَرد بِهِ الزُّهْرِيّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث عَائِشَة (فِي الْجَهْر) أصح من حَدِيث سَمُرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لكنه لَيْسَ بأصح من حَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 ابْن عَبَّاس، أَنه قَالَ فِي قِرَاءَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «بِنَحْوِ من سُورَة الْبَقَرَة» . قَالَ الشَّافِعِي: فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنه لم يسمع مَا (قَرَأَ إِذْ) أَنه لَو سَمعه لم يقدره بِغَيْرِهِ. قَالَ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «قُمْت إِلَى جنب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي خُسُوف الشَّمْس، فَمَا سَمِعت مِنْهُ حرفا» . رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة والواقدي وَالْحكم، وَهَؤُلَاء وَإِن كَانُوا لَا يحْتَج بهم فهم عدد، وروايتهم هَذِه توَافق الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَن ابْن عَبَّاس، وتوافق حَدِيث عَائِشَة فِي الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي كسوف الشَّمْس، وَفِيه: «فحزرت قِرَاءَته، فَرَأَيْت أَنه قَرَأَ بِسُورَة الْبَقَرَة ... » وسَاق الحَدِيث، وَرُوَاته كلهم ثِقَات، وتوافق رِوَايَة سَمُرَة بن جُنْدُب، وَإِنَّمَا الْجَهْر عَن الزُّهْرِيّ فَقَط، وَهُوَ وَإِن كَانَ حَافِظًا فَيُشبه أَن يكون الْعدَد أولَى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا حَتَّى تنجلي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: «فَإِذا خسفا فصلوا حَتَّى تنجلي» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَإِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من ذَلِك فصلوا حَتَّى تنجلي» وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِلَفْظ: « (فَإِذا (رأيتموهما) فَادعوا الله وصلوا حَتَّى تنكشف» . وروياه أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 من حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظ:) «فَإِذا (رأيتموها فصلوا) حَتَّى تنفرج عَنْكُم» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «فَإِذا رَأَيْتُمْ كسوفًا فاذكروا الله حَتَّى (ينجليا) » . الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استسقى فِي خطبَته للْجُمُعَة، ثمَّ صَلَّى الْجُمُعَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أنس، أَخْرجَاهُ مطولا، ولعلنا نذكرهُ بِكَمَالِهِ فِي بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء إِن شَاءَ الله. الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «مَا هبت ريح قطّ إِلَّا جثا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَة وَلَا تجعلها عذَابا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحًا وَلَا تجعلها ريحًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) فَقَالَ: أَخْبرنِي من لَا أتهم، نَا الْعَلَاء بن رَاشد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 ابْن عَبَّاس: فِي كتاب الله تَعَالَى: [[ [إِنَّا أرسلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا]] ] ، [[ [إِذْ أرسلنَا عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم]] ] وَقَالَ تَعَالَى [[ [وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح]] ، (أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات) قَالَ الرَّافِعِيّ وَمَا سُوَى كسوف (النيرين) من الْآيَات كالزلازل وَالصَّوَاعِق والرِّيَاح الشَّدِيدَة لَا يصلى لَهَا بِالْجَمَاعَة؛ إِذْ لم يثبت ذَلِك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا. قلت: سَيَأْتِي كَلَام الشَّافِعِي عَلَى ذَلِك وَأَنه [علق القَوْل بِهِ عَلَى ثُبُوته] . الحَدِيث السَّادِس عشر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى يَوْم كسفت الشَّمْس فِي يَوْم موت إِبْرَاهِيم ابْنه» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَأبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَاسم أم إِبْرَاهِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة، وَلدته فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَتُوفِّي سنة عشر، وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 البُخَارِيّ أَنه توفّي وَله سَبْعَة عشر شهرا أَو ثَمَانِيَة عشر شهرا، كَذَا فِيهِ عَلَى الشَّك، وَفِي «الْمعرفَة» لأبي نعيم (الْأَصْبَهَانِيّ) أَنه مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء لأَرْبَع خلون من ربيع الأول سنة عشر. قَالَ الْوَاقِدِيّ وَغَيره: مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر خلون من ربيع الأول سنة عشر، وَسَيَأْتِي عَن غَيره أَيْضا، وَدفن بِالبَقِيعِ. وَقَول بعض الْمُتَقَدِّمين فِي إِبْرَاهِيم أَنه لَو عَاشَ لَكَانَ نَبيا فجسارة مِنْهُ، وَقد نبه النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» عَلَى بُطْلَانه، ووهنه. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَذكر فِيهِ عَن الزبير بن بكار أَنه قَالَ فِي كتاب «الْأَنْسَاب» : إِن إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - توفّي فِي الْعَاشِر من ربيع الأول. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد عزاهُ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ وَأَنه كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ -: فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فوفاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعده بِسنة سنة إِحْدَى عشرَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مثله عَن الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَادِهِ. هُوَ كَمَا قَالَ فقد ذكره كَذَلِك فِي (سنَنه) . (وَذكر) أَيْضا أَنه اشْتهر قتل الْحسن بن عَلّي يَوْم عَاشُورَاء. وَهُوَ كَمَا قَالَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن أبي قبيل وَغَيره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 أَن الشَّمْس كسفت يَوْم قتل الْحُسَيْن بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَكَانَ قتل يَوْم عَاشُورَاء وَرَوَى - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ - عَن قَتَادَة، أَنه قَالَ: قتل الْحُسَيْن بن عَلّي يَوْم الْجُمُعَة، يَوْم عَاشُورَاء لعشر مضين من الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْن أَربع وَخمسين سنة وَسِتَّة أشهر وَنصف. وَرَأَيْت فِي «التَّهْذِيب» للنووي أَن قَتله كَانَ يَوْم السبت سنة إِحْدَى وَخمسين بكربلاء من أَرض الْعرَاق، وقبره مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ، كَذَا رَأَيْته سنة إِحْدَى وَخمسين، وَلَعَلَّه من تَغْيِير النَّاسِخ. وَذكر أَن الْبَيْهَقِيّ رَوَى عَن أبي قبيل أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لما قتل الْحُسَيْن كسفت الشَّمْس (كسفة) بَدَت الْكَوَاكِب نصف النَّهَار حَتَّى ظننا أَنَّهَا هِيَ» . وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه كَذَلِك فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن أبي قبيل بِهِ (وقبيل بقاف مَفْتُوحَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ لَام كَذَا ضَبطه ابْن مَاكُولَا وَغَيره، قَالَ الذَّهَبِيّ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 واسْمه حييّ - مُصَغرًا، وَقيل: حييّ مكبرًا - ابْن هَانِئ بن ناضر الْمعَافِرِي الْمصْرِيّ، وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين، مَاتَ بالبرلس سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة) . وَذكر فِيهِ أَيْضا أَن الشَّافِعِي رَوَى عَن عَلّي «أَنه صَلَّى فِي زَلْزَلَة جمَاعَة» ثمَّ قَالَ: إِن صَحَّ قلت بِهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» عَنهُ بِلَفْظ: قَالَ الشَّافِعِي (فِيمَا بلغه عَن عباد، عَن عَاصِم الْأَحول، عَن قزعة، عَن عَلّي «أَنه صَلَّى فِي) زَلْزَلَة سِتّ رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات، خمس رَكْعَات وسجدتين فِي رَكْعَة، وركعة، وسجدتين فِي رَكْعَة» قَالَ الشَّافِعِي: وَلَو ثَبت هَذَا الحَدِيث عندنَا عَن عَلّي لقلنا بِهِ وهم يثبتونه وَلَا يَأْخُذُونَ بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) : هُوَ (عَن) ابْن عَبَّاس ثَابت ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» قَالَ الْمُزنِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: لَا أرَى أَن تجمع (بِهِ صَلَاة) عِنْدِي من الْآيَات غير الْكُسُوف، وَقد كَانَت آيَات فَمَا علمنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِالصَّلَاةِ عِنْد شَيْء مِنْهَا، وَلَا أحد من خلفائه، وَقد زلزلت الأَرْض فِي (زمن) عمر بن الْخطاب فَمَا علمناه صَلَّى، وَقد قَامَ خَطِيبًا فحض عَلَى الصَّدَقَة، وَأمر بِالتَّوْبَةِ (وَأَنا أحب للنَّاس أَن يُصَلِّي كل رجل مِنْهُم) مُنْفَردا عِنْد الظلمَة، والزلزلة، وَشدَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 الرّيح، والخسف، وانتثار النُّجُوم، وَغير ذَلِك من الْآيَات، وَقد رَوَى البصريون «أَن ابْن عَبَّاس صَلَّى بهم فِي زَلْزَلَة» وَإِنَّمَا تركنَا ذَلِك لما وَصفنَا من أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يَأْمر بِجمع الصَّلَاة إِلَّا عِنْد الْكُسُوف، وَأَنه لم يحفظ أَن عمر صَلَّى عِنْد زَلْزَلَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: روينَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من رِوَايَة ابْن عَبَّاس: «إِذا (رَأَيْتُمْ آيَة) فاسجدوا» قَالَ: وَذَلِكَ يرجع إِلَى مَا (استحبه) الشَّافِعِي من الصَّلَاة عَلَى الِانْفِرَاد، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: «إِذا سَمِعْتُمْ هادًّا من السَّمَاء فافزعوا إِلَى الصَّلَاة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 كتاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 كتاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث: فثمانية عشر حَدِيثا: (الحَدِيث) الأوَّل عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فَصَلى بهم رَكْعَتَيْنِ جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وحول رِدَاءَهُ، ودعا (وَرفع يَدَيْهِ) ، واستسقى، واستقبل الْقبْلَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته إِلَّا الْجَهْر فللبخاري، وَإِلَّا رفع الْيَد فللبيهقي، وَهَذَا لفظ مُسلم عَن عبد الله بن زيد - وَهُوَ عَم عباد - قَالَ: «خرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْمُصَلى، فَاسْتَسْقَى، واستقبل الْقبْلَة، وقلب رِدَاءَهُ، وَصَلى رَكْعَتَيْنِ» . وَفِي لفظ لَهُ: «أَنه خرج إِلَى الْمُصَلى (فَاسْتَسْقَى) ، وَأَنه لما أَرَادَ أَن يَدْعُو (اسْتقْبل) الْقبْلَة، وحوَّل رِدَاءَهُ» . وَفِي لفظ لَهُ: «خرج يَسْتَسْقِي، فَجعل إِلَى النَّاس ظَهره يَدْعُو الله، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 واستقبل الْقبْلَة، وحول رِدَاءَهُ، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَلَفظ البُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج إِلَى المصلَّى يُصَلِّي، وَأَنه لما دَعَا - أَو أَرَادَ أَن يَدْعُو - اسْتقْبل الْقبْلَة، وحوَّل رِدَاءَهُ» . وَفِي لفظ لَهُ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم خرج يَسْتَسْقِي، قَالَ: فحول إِلَى النَّاس ظَهره واستقبل الْقبْلَة يَدْعُو، ثمَّ حول رِدَاءَهُ، فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ» . وَفِي لفظ لَهُ: «أَنه خرج يَسْتَسْقِي بهم، فَقَامَ (فَدَعَا الله) قَائِما، ثمَّ توجه قبل الْقبْلَة، وحول رِدَاءَهُ، فأُسقوا» . وَعَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: «جعل الْيَمين عَلَى الشمَال» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «وَرفع يَدَيْهِ يَدْعُو، فَدَعَا واستسقى» . فَائِدَة: عَم عباد بن تَمِيم: هُوَ عبد الله بن زيد، كَمَا أسلفنا التَّصْرِيح بِهِ، وَهُوَ غير صَاحب الْأَذَان، لَا كَمَا وهم فِيهِ ابْن عُيَيْنَة فَقَالَ: إِنَّه هُوَ. كَمَا نبه عَلَيْهِ البُخَارِيّ وَغَيره، وَإِن كَانَ أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» رَوَاهُ من حَدِيث عَلّي بن الْمَدِينِيّ عَنهُ، عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: سَمِعت عباد بن تَمِيم يحدث، عَن عبد الله بن زيد الَّذِي أرِي النداء: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج ... » الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: كَانَ ابْن عُيَيْنَة يَقُول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 هُوَ صَاحب الْأَذَان عبد الله بن زيد. قَالَ البُخَارِيّ: وَلكنه وهم؛ لِأَن هَذَا عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني مَازِن الْأَنْصَار. قَالَ فِي «التَّارِيخ» : قتل يَوْم الْحرَّة، وَعبد الله بن زيد بن عبد ربه الْأنْصَارِيّ الخزرجي (مدنِي) ، صَاحب الْأَذَان. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا غلط من ابْن عُيَيْنَة. فَائِدَة ثَانِيَة: هَذِه العمومة الْمَذْكُورَة لَيست من النَّسَب، وَإِنَّمَا هُوَ زوج أمه، فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج إِلَى المصلَّى مُبْتَذِلا، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي العَبْد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «الْمسند» ، وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» ، وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (وَالْبَيْهَقِيّ) فِي «سُنَنهمَا» بأسانيد صَحِيحَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته مصريون ومدنيون، وَلَا أعلم أحدا مِنْهُم مَنْسُوبا إِلَى نوع من الْجرْح، وَلم يخرجَاهُ. وَلَفظ أَحْمد: عَن هِشَام (بن إِسْحَاق) بن عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج متخشعًا متضرعًا متواضعًا مبتذلا، فَصَلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا صَلَّى فِي الْعِيد، لم يخْطب (كخطبتكم) هَذِه» . وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن هِشَام أَنا أبي، قَالَ: (أَرْسلنِي الْوَلِيد بن عتبَة - وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة - إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الاسْتِسْقَاء (قَالَ: خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) مبتذلاً متواضعًا متضرعًا، حَتَّى أَتَى (الْمُصَلى) ، فرقى عَلَى الْمِنْبَر وَلم يخْطب خطبتكم هَذِه، وَلَكِن لم يزل فِي الدُّعَاء والتضرع و (التَّكْبِير) ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيد» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ مثله إِلَّا أَنه زَاد فِي إِحْدَى روايتيه: «متخشعًا» . وَلَفظ النَّسَائِيّ: «خرج متواضعًا مبتذلاً، [لم يخْطب] نَحْو خطبتكم هَذِه، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ» . وَفِي لفظ لَهُ: «متواضعًا، متذللاً متخشعًا متضرعًا فَصَلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ، وَلم يخْطب خطبتكم» . وَلَفظ الْحَاكِم: «متخشعًا متذللاً مبتذلاً فَصنعَ فِيهِ كَمَا صنع فِي الفِطْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 والأضحى» وَفِي لفظ لَهُ كَلَفْظِ النَّسَائِيّ الثَّانِي، وَزَاد فِيهِ: «مترسلاً» . وَلَفظ ابْن حبَان: «خرج متبذلاً (متمسكنًا) متضرعًا متواضعًا، لم يخْطب خطبتكم هَذِه، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيد» . رَوَاهُ من حَدِيث [هِشَام بن] عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس. وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ رِوَايَة النَّسَائِيّ الثَّانِيَة. وَلَفظ أبي عوَانَة: «خرج متخشعًا مبتذلاً يصنع فِيهِ كَمَا يصنع فِي الفطْر والأضحى» . رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن ربيعَة بن هِشَام بن إِسْحَاق أَنه سمع جدَّه هِشَام بن إِسْحَاق يحدِّث عَن أَبِيه إِسْحَاق «أَن الْوَلِيد بن عتبَة أرْسلهُ إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا ابْن أخي، سَله كَيفَ صنع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الاسْتِسْقَاء يَوْم استسقى بِالنَّاسِ؟ قَالَ إِسْحَاق: فدعي ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس، كَيفَ صنع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الاسْتِسْقَاء يَوْم استسقى بِالنَّاسِ؟ قَالَ: نعم خرج ... » فَذكره. وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ كَرِوَايَة الْحَاكِم الأولَى، وَفِي لفظ لَهُ كَرِوَايَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 النَّسَائِيّ الثَّانِيَة، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، عَن أَبِيه، عَن طَلْحَة قَالَ: «أَرْسلنِي مَرْوَان إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن سنة الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: سنة الاسْتِسْقَاء سنة الصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ، إِلَّا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قلب رِدَاءَهُ فَجعل يَمِينه عَلَى يسَاره ويساره عَلَى يَمِينه، وَصَلى رَكْعَتَيْنِ، كبر فِي الأولَى سبع تَكْبِيرَات وقرا (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَة: (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية) وَكبر فِيهَا خمس تَكْبِيرَات» . وأعل عبد الْحق هَذِه الرِّوَايَة بِأَن قَالَ: مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ أَبُو حَاتِم: هم ثَلَاثَة إخْوَة ضعفاء، لَيْسَ لَهُم حَدِيث مُسْتَقِيم: مُحَمَّد وَعبد الله وَعمْرَان بَنو عبد الْعَزِيز، (وبمشورة مُحَمَّد (هَذَا) جُلِد مَالك فِيمَا قَالَ البُخَارِيّ) . قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعبد الْعَزِيز هَذَا مَجْهُول الْحَال، يعل بِهِ الْخَبَر. قلت: وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرج هَذِه الرِّوَايَة فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. لكنه قَالَ: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك عَن أَبِيه. وَكَأَنَّهُ وهم، وَالْمَعْرُوف عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن، وَلم يُنَبه الذَّهَبِيّ فِي «اختصاره للمستدرك» عَلَى هَذَا، بل قَالَ: فِيهِ عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك وَقد ضُعِّف. وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْتَرض عَلَيْهِ من الْوَجْه الَّذِي ذكرته، فَتنبه لذَلِك. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز هَذَا غير قوي، وَهُوَ بِمَا قبله من الشواهد يقوى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 بَقِي أَمر آخر مُهِمّ وَهُوَ أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم ذكر فِي (كِتَابه) أَن إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة عَن ابْن عَبَّاس مُرْسل. وَكَذَا فِي «التَّهْذِيب» للمزي أَنه أرسل عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَكَذَا (عَن) ابْن عَبَّاس أَيْضا؛ فَإِنَّهُ لم يُدْرِكهُ. وَهَذَا غَرِيب، فالروايات الَّتِي أوردناها صَرِيحَة فِي (مشافهته) لَهُ عوضا عَن إِدْرَاكه، وَقد أسلفنا رِوَايَة أبي دَاوُد فِي ذَلِك. وَلَفظ النَّسَائِيّ: «أَرْسلنِي فلَان إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: خرج ... » الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَرْسلنِي أَمِير من الْأُمَرَاء إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا مَنعه أَن يسألني؟ ! خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - متواضعًا ... » الحَدِيث كَمَا سلف. وَلَفظ الْحَاكِم «أَن الْوَلِيد أرسل إِسْحَاق بن عبد الله إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا ابْن أخي، كَيفَ صنع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الاسْتِسْقَاء يَوْم استسقى بِالنَّاسِ؟ فَقَالَ: خرج ... » الحَدِيث. (وَلَفظ ابْن حبَان: عَن [هِشَام بن] عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه قَالَ: «أَرْسلنِي أَمِير من الْأُمَرَاء إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: خرج ... » الحَدِيث) . فَهَذِهِ الرِّوَايَات صَرِيحَة فِي مشافهته لَهُ، فاستفد ذَلِك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق حَيْثُ ذكر الحَدِيث من طَرِيق عبد الله بن كنَانَة عَن الْوَلِيد، وَقَالَ: إِنَّه خطأ فَاحش؛ فعبد الله لَا مدْخل لَهُ فِي الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا صَاحب الْقِصَّة ابْنه إِسْحَاق، وَعبد الله لَيْسَ من رُوَاة الْأَخْبَار، وَلَا مِمَّن يعرف لَهُ حَال. وَلَيْسَ كَمَا ذكر، فقد رَوَى عَن ابْن عَبَّاس، وَعنهُ ابْنه هِشَام، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَأخرج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته كَمَا أسلفناه. تَنْبِيه: وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «فرقى عَلَى الْمِنْبَر» وَالْمَعْرُوف كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِيهِ: «فَرَقي عَلَى الْمِنْبَر» . بِكَسْر الْقَاف، وَرَوَاهُ بَعضهم بِفَتْحِهَا، وَقيل: إِن فتحهَا مَعَ الْهمزَة لُغَة طَيئ، وَالْمَشْهُور الأول. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَرْجَى الدُّعَاء دُعَاء الْأَخ للْأَخ بِظهْر الْغَيْب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن (أسْرع) الدُّعَاء إِجَابَة: دَعْوَة غَائِب لغَائِب» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الله بن (عَمْرو) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمثلِهِ سَوَاء. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده الأفريقي، وَهُوَ يضعف فِي الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور عبد الله بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد، وَقَالَ: حَدِيث حسن من رِوَايَة ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «خمس دعوات لَا ترد: دَعْوَة الْحَاج (حِين) يصدر، ودعوة الْغَازِي (حَتَّى) يرجع، ودعوة الْمَظْلُوم حَتَّى ينتصر، ودعوة الْمَرِيض حَتَّى يبرأ، ودعوة الْأَخ لِأَخِيهِ بِالْغَيْبِ، أسْرع هَؤُلَاءِ الدَّعْوَات إِجَابَة دَعْوَة الْأَخ لِأَخِيهِ بِالْغَيْبِ» . وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أم الدَّرْدَاء قَالَت: حَدثنِي سَيِّدي أَبُو الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دَعْوَة الْمَرْء الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابة، عِنْد رَأسه ملك مُوكل كلما دَعَا لِأَخِيهِ قَالَ الْملك الْمُوكل بِهِ: آمين، وَلَك بِمثل» . قَالَ الْحميدِي: ذكر خلف الوَاسِطِيّ هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أم الدَّرْدَاء، وَقد أخرجه مُسلم كَمَا ذكر من حَدِيث صَفْوَان فِي كتاب الدُّعَاء، وَلَكِن فِي الحَدِيث نَفسه أَن أَبَا الدَّرْدَاء أخْبرهَا بذلك. قَالَ البرقاني: وَأم الدَّرْدَاء هَذِه هِيَ الصُّغْرَى، وَلَيْسَ لَهَا صُحْبَة وَلَا سَماع من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 وَإِنَّمَا هُوَ (من) مُسْند أبي الدَّرْدَاء، وَأما أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى فلهَا صُحْبَة، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَابَيْنِ حَدِيث. قَالَ (الْحَافِظ) محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» : وَلَو قيل: إِن الحَدِيث (عَنْهُمَا فرواية الْكُبْرَى) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (وَرِوَايَة) الصُّغْرَى عَن أبي الدَّرْدَاء. لم يبعد ذَلِك بل هُوَ الأولَى. قَالَ: وَقَوله: «بِمثل» هُوَ بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الثَّاء، وَقيل: بِفَتْحِهَا، ومعناهما وَاحِد. فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَنه إِذا انْقَطع الْمِيَاه عَن طَائِفَة من الْمُسلمين اسْتحبَّ لغَيرهم أَن يصلوا ويستسقوا لَهُم، ويسألوا الزِّيَادَة لأَنْفُسِهِمْ، وَاسْتدلَّ لذَلِك الْبَيْهَقِيّ بِحَدِيث أبي الدَّرْدَاء الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَبِحَدِيث النُّعْمَان بن بشير الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مَثَلُ الْجَسَد، إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى سَائِر الْجَسَد بالسهر والحمى» . الحَدِيث الرَّابِع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يصل صَلَاة الاسْتِسْقَاء إِلَّا عِنْد الْحَاجة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 هُوَ كَمَا قَالَ، وَمن استحضر (الْأَحَادِيث) الصَّحِيحَة (وجده) كَذَلِك. الحَدِيث الْخَامِس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخرج فِي صَلَاة الاسْتِسْقَاء إِلَى الصَّحرَاء» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد استفاض ذَلِك فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن زيد، وَقد (سلف) أول الْبَاب، وَمِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَرِيبا، وَمِنْهَا حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «شكا النَّاس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قُحُوط الْمَطَر، فَأمر بمنبر يوضع لَهُ فِي الْمُصَلى، ووعد الناسَ يَوْمًا يخرجُون فِيهِ، فَخرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين بدا حاجبُ الشَّمْس، (فَقعدَ عَلَى) الْمِنْبَر وَكبر وَحمد الله - عَزَّ وَجَلَّ - وَقَالَ: إِنَّكُم شكوتم (جَدب) دِيَاركُمْ واستئخار الْمَطَر عَن إبان زَمَانه عَنْكُم، وَقد أَمركُم الله - سُبْحَانَهُ - أَن تَدعُوهُ، ووعدكم أَن يستجيب لكم. ثمَّ قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، الرَّحْمَن الرَّحِيم، (ملك) يَوْم الدَّين، لَا إِلَه إِلَّا الله يفعلُ مَا يُرِيد، اللَّهُمَّ أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، الْغَنِيّ وَنحن الْفُقَرَاء، أنزل علينا الْغَيْث، وَاجعَل مَا أنزلت لنا قُوَّة وبلاغًا إِلَى حينٍ. ثمَّ رفع يَدَيْهِ، فَلم يزل فِي الرّفْع حَتَّى بدا بَيَاض إبطَيْهِ، ثمَّ حول إِلَى النَّاس ظَهره، وقلب - أَو حول - رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ، ثمَّ أقبل عَلَى النَّاس، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 وَنزل فَصَلى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ الله - سُبْحَانَهُ (وَتَعَالَى - سَحَابَة) فَرعدَت، وأبرقت، ثمَّ أمْطرت بِإِذن الله، فَلم يَأْتِ مَسْجده حَتَّى سَالَتْ السُّيُول، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتهمْ إِلَى الكِنِّ ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، فَقَالَ: أشهد أَن الله عَلَى كل شَيْء قدير، وَأَنِّي عبد الله وَرَسُوله» . حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَكَذَا أَبُو عوَانَة فِي «مستخرجه عَلَى مُسلم» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» بأسانيد صَحِيحَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَإِسْنَاده جيد. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَصَححهُ ابْن السكن أَيْضا. الحَدِيث السَّادِس عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاثَة لَا ترد دعوتهم: الصَّائِم حَتَّى يفْطر، وَالْإِمَام الْعَادِل، والمظلوم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَقَالَ: حسن. وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، زَاد ابْن مَاجَه: «ودعوة الْمَظْلُوم يرفعها الله - عَزَّ وَجَلَّ - دون الْغَمَام يَوْم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 الْقِيَامَة، وَيفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء، وَيَقُول: وَعِزَّتِي (وَجَلَالِي) لأنصرنك وَلَو بعد حِين» . (وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ وَفِيه «تحمل - يَعْنِي: دَعْوَة الْمَظْلُوم - عَلَى الْغَمَام، وتفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء، وَيَقُول الرب: وَعِزَّتِي لأنصرنك وَلَو بعد حِين» ) . وَأخرج ابْن حبَان هَذِه وَحدهَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وأخرجها قبل هَؤُلَاءِ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «ثَلَاث دعواتٍ مستجابات لَا شكّ فِيهِنَّ: دَعْوَة الْوَالِد، ودعوة الْمُسَافِر، ودعوة الْمَظْلُوم» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ أَيْضا، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأبي جَعْفَر الْمُؤَذّن وَقَالَ: لَا يعرف حَاله، وَلَا لَهُ غير راو وَاحِد. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: وَقيل: إِنَّه مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، فَإِن صَحَّ ذَلِك فَلَيْسَ بِأَنْصَارِيِّ. قلت: وَقد جزم بِهِ أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ لما أخرج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته قَالَ فِي آخِره: أَبُو جَعْفَر هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَلَفظه: «ثَلَاث دعوات لَا ترد: دَعْوَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 الْوَالِد، ودعوة الصَّائِم، ودعوة الْمُسَافِر» . قَوْله فِيمَا مَضَى: «الصَّائِم حَتَّى يفْطر» هُوَ (بِالْمُثَنَّاةِ) فَوق؛ كَمَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» ، قَالَ: وَإِنَّمَا ضَبطه لِئَلَّا يُصَحَّف فَيُقَال: (حِين) بِالْمُثَنَّاةِ تَحت مَعَ النُّون. وَاعْلَم: أَن هَذَا الحَدِيث لم يذكرهُ الرَّافِعِيّ لفظا، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلكُل وَاحِد من هَذِه الْأُمُور أثر فِي الْإِجَابَة للدُّعَاء، عَلَى مَا ورد فِي الْأَخْبَار وعنى بِهَذِهِ الْأُمُور: الصّيام، وَالْخُرُوج عَن الْمَظَالِم، والتقرب إِلَى الله - تَعَالَى - بِمَا يُسْتَطَاع من (الْخَيْر) . الحَدِيث السَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن الله طيب لَا يقبل إِلَّا طيِّبًا، وَإِن الله - تَعَالَى - أَمر الْمُؤمنِينَ بِمَا أَمر بِهِ الْمُرْسلين، فَقَالَ تَعَالَى: [[ [يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم]] ] ، وَقَالَ تَعَالَى: [[ [يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم]] ] ، ثمَّ ذكر الرجل يُطِيل السّفر أَشْعَث أغبر، يمد يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء: يَا رب. يَا رب. ومطعمه حرَام، ومشربه حرَام، وملبسه حرَام، وغذي بالحرام، فأنَّى يُسْتَجَاب لذَلِك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث ابْن عمر رَفعه: «لم ينقص قوم الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إِلَّا أخذُوا بِالسِّنِينَ وَشدَّة الْمُؤْنَة وجور السُّلْطَان عَلَيْهِم، وَلم يمنعوا زَكَاة أَمْوَالهم إِلَّا منعُوا الْقطر من السَّمَاء، وَلَوْلَا الْبَهَائِم لم يُمطروا» . وَفِي «الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي حَاتِم الرَّازِيّ، نَا عبيد الله بن مُوسَى، نَا بشير بن مهَاجر، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا نقض قوم الْعَهْد قطّ إِلَّا كَانَ الْقَتْل بَينهم، وَمَا ظَهرت فَاحِشَة فِي قوم قطّ إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم الْمَوْت، وَلَا يمْنَع قوم الزَّكَاة إِلَّا حبس الله عَنْهُم الْقطر» . كَذَا رَوَاهُ بشير بن المُهَاجر، وَرَوَاهُ الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن [عبد الله] بن بُرَيْدَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم عدوهم، وَلَا فَشَتْ الْفَاحِشَة فِي قوم إِلَّا أَخذهم الله بِالْمَوْتِ، وَمَا طفف قوم الْمِيزَان إِلَّا أَخذهم (الله) بِالسِّنِينَ، وَمَا منع قوم الزَّكَاة إِلَّا مَنعهم الله الْقطر من السَّمَاء، وَمَا جَار قوم فِي حكم إِلَّا كَانَ الْبَأْس بَينهم - أظنُّه قَالَ: وَالْقَتْل» . وَرَوَى الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» حَدِيث بُرَيْدَة، ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. الحَدِيث الثَّامِن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تعرض الْأَعْمَال فِي كل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 اثْنَيْنِ وخميس، فَيغْفر الله لكل امْرِئ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا، إِلَّا امْرأ كَانَ بَينه وَبَين (أَخِيه) شَحْنَاء، فَيَقُول: اتْرُكُوا هذَيْن حَتَّى يصطلحا» هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله أَشَارَ إِلَيْهِمَا الرَّافِعِيّ كَمَا أسلفناه. الحَدِيث التَّاسِع قَالَ الرَّافِعِيّ: والتقرب إِلَى الله - تَعَالَى - بِمَا يُسْتَطَاع من الْخَيْر؛ فَإِن لَهُ (أثرا) فِي الْإِجَابَة عَلَى مَا ورد فِي الْخَبَر. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ مَعْلُوم (من قصَّة الثَّلَاثَة الَّذين انطبق عَلَيْهِم فَم الْغَار وَذكر كل وَاحِد مِنْهُم مَا ذكره) من خير، وَجعله شافعًا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مَشْهُور. الحَدِيث الْعَاشِر رُوِيَ: «أَن) الْبَهَائِم تستسقي» . هُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَى الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» والدراقطني فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «خرج نَبِي من الْأَنْبِيَاء يَسْتَسْقِي، فَإِذا هُوَ بنملة رَافِعَة بعض قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 فَقَالَ: ارْجعُوا؛ فقد اسْتُجِيبَ لكم من أجل شَأْن النملة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَفِي «الْبَيَان» للعمراني - من أَصْحَابنَا - تَسْمِيَة النَّبِي بِسُلَيْمَان (وَأَن النملة وَقعت عَلَى ظهرهَا وَرفعت يَديهَا، و (قَالَت) : اللَّهُمَّ أَنْت خلقتنا فَإِن رزقتنا وَإِلَّا (هلكنا) - قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَت: «اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك، لَا غنى لنا عَن رزقك، فَلَا (تُهْلِكنَا بذنوب) بني آدم - فَقَالَ سُلَيْمَان لِقَوْمِهِ: ارْجعُوا؛ فقد كفيتم بغيركم، وَسقوا» . (وَهَذَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فِي كِتَابه «جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح» بِسَنَدِهِ إِلَى أبي الصّديق النَّاجِي قَالَ: «خرج (النَّبِي) سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يَسْتَسْقِي، فَمر بنملة (مستلقية) رَافِعَة قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء تَقول: اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك) (لَيْسَ لنا غنى عَن) سقياك ورزقك، فإمَّا أَن (تسقنا) وترزقنا، وَإِمَّا أَن تُهْلِكنَا. فَقَالَ: ارْجعُوا فقد سقيتم بدعوة غَيْركُمْ» . وَرَوَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي كِتَابه «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» بِإِسْنَادِهِ إِلَى زيد الْعمي عَن أبي الصّديق أَيْضا قَالَ: «خرج سُلَيْمَان يَسْتَسْقِي، فَمر بنملة (مستلقية) رَافِعَة قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك، لَيْسَ بِنَا غنى عَن رزقك، فإمَّا أَن ترزقنا وَإِمَّا أَن تُهْلِكنَا. قَالَ سُلَيْمَان ... » فَذكره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 (الحَدِيث الْحَادِي عشر) رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلَا رجال ركع، وصبيان رضع، وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم (الْعَذَاب) صبًّا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو يعلي الْموصِلِي فِي «مُسْنده» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ: «مهلا عَن الله مهلا، فَإِنَّهُ لَوْلَا شباب خشع، وبهائم رتع (وشيوخ ركع) ، وَأَطْفَال رضع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبًّا» . وَفِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن خثيم بن عرَاك بن مَالك وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ يَحْيَى: لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: (عِنْده) أَحَادِيث مُنكرَة. وَقَالَ الْجوزجَاني: كَانَ غير مقنع، اخْتَلَط بِأخرَة. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح (الْأَزْدِيّ) : كَذَّاب لَا يكْتب حَدِيثه. وَأما خثيم وَالِده: فَقَالَ الْأَزْدِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. قلت: لكنه من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» فَجَاز القنطرة، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» هُنَا: إِبْرَاهِيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 بن خثيم غير قوي. وَقَالَ فِي بَاب الْكفَالَة بِالْبدنِ: ضَعِيف. قَالَ هُنَا: وَله شَاهد آخر بِإِسْنَاد غير قوي، فَذكره بِإِسْنَادِهِ عَن مَالك بن عُبَيْدَة بن مسافع الديلِي، عَن أَبِيه أَنه حَدثهُ عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلَا عباد لله ركع، وصبية رضع، وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبًّا، ثمَّ لترضن رضًّا» . (قَالَ) أَبُو حَاتِم الرزاي: مَالك بن عُبَيْدَة مَجْهُول. وَقَالَ عُثْمَان الدَّارمِيّ: قلت لِابْنِ معِين: أتعرف مَالك بن عُبَيْدَة؟ فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَذكر هَذَا الحَدِيث أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة مسافع الديلِي، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ أَحْمد بن عمر: وَإِسْنَاده حسن. قلت: وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي «ثقاته» لكنه قَالَ: فِيهِ مَالك بن أبي عُبَيْدَة. وَذكر أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» أَيْضا لهَذَا الحَدِيث طَرِيقا آخر من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، ثَنَا قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا اللَّيْث بن سعد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا من يَوْم إِلَّا وينادي مُنَاد: مهلا أَيهَا النَّاس مهلا؛ فَإِن لله سطوات وبسطات، وَلكم (قُرُوح) داميات، وَلَوْلَا رجال خشع، وصبيان رضع، ودواب رتع، لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبًّا، ثمَّ رضضتم بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 رضًّا» ثمَّ قَالَ: أَبُو الزَّاهِرِيَّة رَوَى عَن أبي الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة إرْسَالًا، وَأكْثر حَدِيثه عَن جُبَير بن نفير وَكثير بن مرّة. فَائِدَة: قَوْله: «شُيُوخ ركع» فِيهِ قَولَانِ حَكَاهُمَا القَاضِي حُسَيْن فِي «تَعْلِيقه» : أَحدهمَا: أَنه جمع رَاكِع، أَي: الْمُصَلِّي. وَالثَّانِي: أَنه أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخ (الَّذين) انحنت ظُهُورهمْ من الشيخوخة. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي الْعِيد» . وَفِي رِوَايَة: «صنع فِي الاسْتِسْقَاء كَمَا صنع فِي الْعِيد» . هَذَا (الحَدِيث) تقدم بَيَانه أول الْبَاب مَبْسُوطا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وروُي «أَنه صلَّى صَلَاة الاسْتِسْقَاء وَقت صَلَاة الْعِيد» . وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس من طَرِيق عَائِشَة، وَهُوَ ظَاهر حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أَيْضا، كَمَا سلف بِلَفْظِهِ. (الحَدِيث الثَّالِث عشر) عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج إِلَى الاسْتِسْقَاء، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ خطب» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن ماجة فِي «سُنَنهمَا» ، وَأَبُو عوَانَة فِي «مستخرجه عَلَى مُسلم» بِلَفْظ « (أَن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، ثمَّ خطب ودعا الله - عَزَّ وَجَلَّ - وحول وَجهه نَحْو الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ، ثمَّ قلب رِدَاءَهُ فَجعل الْأَيْمن عَلَى الْأَيْسَر، والأيسرَ عَلَى الْأَيْمن» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات. وَقَالَ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ النُّعْمَان بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ. قلت: وَهُوَ من فرسَان مُسلم وتعاليق البُخَارِيّ، وَقَالَ: صَدُوق، فِي حَدِيثه وهم كثير. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَضَعفه يَحْيَى الْقطَّان وَابْن معِين. وَقَالَ أَحْمد: مُضْطَرب الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: كثير الْغَلَط. وَاعْلَم أَنه يُوجد فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس بدل أبي (هُرَيْرَة) ، وَقد أسلفناه أول الْبَاب. (الحَدِيث الرَّابِع عشر) عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا هَنِيئًا مريئًا مريعًا غدقًا مجللاً سحًّا طبقًا دَائِما، اللَّهُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك، اللَّهُمَّ أنبت لنا الزَّرْع، وأدر لنا الضَّرع، واسقنا من بَرَكَات (السَّمَاء وَأنْبت لنا من بَرَكَات) الأَرْض، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعري، واكشف عَنَّا من الْبلَاء مَا (لَا) يكشفه غَيْرك، اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا، فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارًا» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» وَلم يُوصل بِهِ إِسْنَاده، بل قَالَ: وروُي عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا «أَنه كَانَ إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا ... » فَذكره، وَزَاد بعد «مُجللا» : «عامًّا طبقًا سَحًّا دَائِما» وَبعد «الْبِلَاد» : «والبهائم والخلق» وَالْبَاقِي مثله سَوَاء، وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» فَقَالَ: أَنا أَبُو سعيد، نَا أَبُو الْعَبَّاس، أَنا الرّبيع، أَنا الشَّافِعِي قَالَ: ورُوي عَن سَالم ... فَذكره. ثمَّ قَالَ: وَقد روينَا بعض هَذِه الْأَلْفَاظ وَبَعض مَعَانِيهَا فِي حَدِيث أنس بن مَالك فِي الاسْتِسْقَاء، وَفِي حَدِيث جَابر وَكَعب بن مرّة، وَعبد الله بن جَراد وَغَيرهم. وَهُوَ كَمَا قَالَ، أما حَدِيث أنس فلفظه: «اللَّهُمَّ أغثنا» ، وَفِي لفظ: «اسقنا» . وأمَّا حَدِيث جَابر فلفظه: «اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا، غير ناقع وَلَا ضارّ، عَاجلا غير آجل. قَالَ: فأطبقت عَلَيْهِم السَّمَاء» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، و (الْحَاكِم) فِي «مُسْتَدْركه» عَنهُ قَالَ: «أَتَت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بواك فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا ... » فَذكره، كَذَا وَقع «بواكٍ» ، وَوَقع فِي نسخةٍ من أبي دَاوُد: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُواكئ» بِالْيَاءِ المضمومة وَآخره مَهْمُوز، قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: متحاملاً عَلَى يَدَيْهِ إِذا رفعهما ومدهما فِي الدُّعَاء. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : وَقع فِي جَمِيع نسخ أبي دَاوُد ومعظم كتب الحَدِيث: «بواكٍ» بِالْبَاء الموحَّدة، وَوَقع فِي «معالم السّنَن» للخطابي: «رأَيتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُواكئ» بِالْيَاءِ المضمومة وَآخره مَهْمُوز ثمَّ فسره، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْخطابِيّ لم تأت بِهِ الرِّوَايَة وَلَا انحصر الصَّوَاب فِيهِ، بل لَيْسَ هُوَ وَاضح الْمَعْنى. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد علمت أَن مَا ذكره الْخطابِيّ ثَابت فِي بعض نسخ أبي دَاوُد، فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ إِذن، وَقد اقْتصر عَلَى هَذِه الرِّوَايَة ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» وَلم يذكر غَيرهَا، وَرَوَى أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ: «أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هوَازن، فَقَالَ: قُولُوا ... » الحَدِيث، وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَقَالَ: إِن رِوَايَته عَن يزِيد الْفَقِير عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا أشبه بِالصَّوَابِ. وَأما حَدِيث كَعْب بن مرّة فلفظه: «اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا غدقًا طبقًا عَاجلا غير رائثٍ، نَافِعًا غير ضار» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيقين عَن كَعْب بن مرّة أَو مرّة بن كَعْب قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَدْعُو عَلَى مُضر، فَأَتَيْته، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن الله قد أَعْطَاك واستجاب لَك، وَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 فَقَالَ: اللَّهُمَّ ... » فَذكره، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، إِسْنَاده عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن مرّة بن كَعْب. من غير شكٍ، فَذكره بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَمرَّة بن كَعْب صَحَابِيّ مَشْهُور. وَذكر هَذَا الحَدِيث ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» من حَدِيث أنس، وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن كَعْب بن مرّة مَرْفُوعا. وَأما حَدِيث عبد الله بن جَراد فلفظه: «اللَّهُمَّ اسقنا غَيثًا مغيثًا مريئًا، تُوسع بِهِ لِعِبَادِك، تغزر بِهِ الضرعَ، وتُحيي بِهِ الزَّرْع» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يعْلى عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ ... » فَذكره. وَفِي لفظ: «هَنِيئًا مريئًا» وَقَول الْبَيْهَقِيّ و (غَيره) أَرَادَ بِهِ أَحَادِيث أخر (مِنْهَا) حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لقد جئْتُك من عنْدِ قوم مَا يتزود لَهُم راعٍ وَلَا يخْطر لَهُم فَحل، فَصَعدَ الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا غدقًا طبقًا عَاجلا غير رائث. ثمَّ نزل فَمَا يَأْتِيهِ أحد من وَجه من الْوُجُوه إِلَّا قَالُوا: قد (أحيينا)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 حَدِيث حسن، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَأَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» ، وَقد أَنبأَنَا بِهِ الذَّهَبِيّ (وَغَيره) ، أَنا أَحْمد بن هبة (الله) ، عَن الْقَاسِم بن أبي سعد، أَنا هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد، أَنا عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن. وَأَنا أَحْمد، عَن أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ، أَنا عبد الله بن مُحَمَّد، أَنا عُثْمَان بن مُحَمَّد المحمى قَالَا: ثَنَا أَبُو نعيم الإسفرايني، أَنا أَبُو عوَانَة الْحَافِظ، نَا أَبُو الْأَحْوَص قَاضِي عكبراء وَمُحَمّد بن يَحْيَى قَالَا: ثَنَا الْحسن بن الرّبيع، نَا ابْن إِدْرِيس، نَا حُصَيْن، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن ابْن عَبَّاس ... الحَدِيث. وَلم يرو ابْن مَاجَه عَن أبي الْأَحْوَص سواهُ. وَمِنْهَا حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا استسقى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الْمَيِّت» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُتَّصِلا، وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مُرْسلا، قَالَ ابْن (أبي) حَاتِم: والمرسل أصح. قلت: وَفِي إِسْنَاده مَعَ ذَلِك عَلّي بن قادم الْخُزَاعِيّ وَهُوَ صُوَيْلِح، ضعفه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 ابْن معِين، وَقَالَ (أَبُو) أَحْمد: نقمت عَلَيْهِ أَحَادِيث رَوَاهَا عَن الثَّوْريّ غير مَحْفُوظَة - وَحَدِيثه هَذَا عَنهُ، فاعلمه - وَقَالَ ابْن سعد: مُنكر الحَدِيث. قلت: والراوي عَنهُ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور، قَالَ ابْن عدي: حدث بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَكَانَ مُوسَى بن هَارُون يرضاه. وَقَالَ الدارقطني وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَمِنْهَا حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن عَائِشَة بنت سعد أَن أَبَاهَا حدَّثها «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نزل وَاديا دهشًا لَا مَاء فِيهِ، وَسَبقه الْمُشْركُونَ إِلَى (العلات) فنزلوا عَلَيْهَا وَأصَاب الْعَطش (الْمُسلمين) (فشكوا) إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنجم النِّفَاق، فَقَالَ بعض الْمُنَافِقين: لَو كَانَ نبيًّا كَمَا زعم لاستسقى كَمَا استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ. فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أَو قالوها؟ ! عَسى ربكُم أَن يسقيكم. ثمَّ بسط يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ (جللنا) سحابًا كثيفًا قصيفًا دلوقًا (مخلوفًا) (ضحوكاً) زبرجًا، تمطرنا مِنْهُ رذاذًا قطقطًا سجلا بعاقًا، يَا ذَا الْجلَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 وَالْإِكْرَام. فَمَا ردّ يَدَيْهِ من دُعَائِهِ حَتَّى أظلتنا السَّحَاب الَّتِي وصف، يَتلون فِي كل صفة وصف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من صِفَات السَّحَاب، ثمَّ أمطرنا كالضروب الَّتِي سَأَلَهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأنعم السَّيْل الْوَادي، فَشرب النَّاس من الْوَادي فارتووا» . رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» كَذَلِك وَقَالَ: وَهُوَ مِمَّا لم يُخرجهُ مُسلم، أَي: وَهُوَ عَلَى شَرطه. وَمِنْهَا حَدِيث عَامر بن خَارِجَة بن سعد، عَن جده سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن قوما شكوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قحط الْمَطَر، فَقَالَ: اجثوا عَلَى الركبِ، وَقُولُوا: يَا رب يَا رب. قَالَ: فَفَعَلُوا؛ فسقوا حَتَّى أَحبُّوا أَن يكْشف عَنْهُم» . رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» ، لَكِن قَالَ (خَ) : عَامر بن خَارِجَة فِي إِسْنَاده نظر. وَمِنْهَا: حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا استسقى قَالَ: أنزل عَلَى أَرْضنَا زينتها وسكنها» رَوَاهُ أَبُو عوَانَة أَيْضا من حَدِيث سُوَيْد أبي حَاتِم، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن بِهِ. وَمِنْهَا حَدِيث جَعْفَر بن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نستسقي، فَصلي بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قلب رِدَاءَهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 وَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ) (صاحت) جبالنا، واغبرت أَرْضنَا، وهامت داوبنا، معطي الْخيرَات من أماكنها، ومنزل الرَّحْمَة من معادنها، ومجري البركات عَلَى أَهلهَا بالغيث المغيث، أَنْت المستغفر الْغفار فنستغفرك (للجامات) من (ذنوبنا) ، ونتوب إِلَيْك من (عَام) خطايانا، اللَّهُمَّ فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارًا واصًلا بالغيث، واكفًا من تَحت عرشك حَيْثُ تنفعنا وتعود علينا غيثًا عامًّا طبقًا غدقًا مجللا خصيبًا رايعًا، مُمْرِعَ النَّبَات» . رَوَاهُ أَبُو عوَانَة أَيْضا فِي «صَحِيحه» . فَائِدَة فِي بَيَان ضبط مَا قد يشكل من الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث: الْغَيْث: هُوَ الْمَطَر. المُغيث - بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن -: المنقذ من الشدَّة، قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ الذى يغيث الْخلق فيرويهم ويشبعهم. والهنيء - مَهْمُوز -: الَّذِي لَا ضَرَر فِيهِ وَلَا وباء. والمَرِيء - مَهْمُوز (أَيْضا) -: وَهُوَ الْمَحْمُود الْعَاقِبَة، المسمن للحيوان المُنْمِي لَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 مَرِيعًا - بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء، وَبعدهَا مثناة تَحت سَاكِنة -: وَهُوَ من المراعة، وَهُوَ الخصب، وَرُوِيَ بِضَم الْمِيم وإبدال الْمُثَنَّاة تَحت بَاء مُوَحدَة (مَكْسُورَة، وَرُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوق، وهما بِمَعْنى الأول. والغدق - بِفَتْح الدَّال -) : الْكثير المَاء وَالْخَيْر. قَالَه الْأَزْهَرِي. مجللا - بِكَسْر اللَّام الأولَى - أَي: يُجَلل الْبِلَاد والعباد نَفعه ويتغشاهم خَيره. قَالَه الْأَزْهَرِي. وَأَيْضًا (مَأْخُوذ من تجليل الْفرس، أَو السَّاتِر للْأَرْض بالنبات) . والسيح: الشَّديد (الْوَاقِع عَلَى الأَرْض) . طبقًا: بِفَتْح الطَّاء وَالْبَاء، قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ الَّذِي يطبق البلادَ مطرُه، فَيصير كالطبق عَلَيْهَا، وَفِيه مُبَالغَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب: «عامًّا طبقًا» كَمَا أسلفناه، قَالُوا: بَدَأَ بالعامِّ ثمَّ أتبعه بالطبق؛ لِأَنَّهُ صفة زِيَادَة فِي العامِّ، فقد يكون عامًّا وَهُوَ طلٌّ يسيرٌ. والقنوط: الْيَأْس. واللأواء - بِالْهَمْز وَالْمدّ -: شدَّة المجاعة. قَالَه الْأَزْهَرِي. والجهد - بِفَتْح الْجِيم، وَقيل: يجوز ضمهَا -: قلَّة الْخَيْر، والهُزال، وَسُوء الْحَال. والضنك: الضّيق. وَقَوله: «مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك» هُوَ بالنُّون. وبركات السَّمَاء: كَثْرَة مطرها مَعَ الرّيع والنماء. وبركات الأَرْض: مَا يخرج مِنْهَا من زرع ومرعى. (والعري: بِضَم الْعين وَرَاء سَاكِنة، وَيجوز كسر الرَّاء، وَتَشْديد الْيَاء) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 وَالسَّمَاء هُنَا: (هِيَ) السَّحَاب، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي «تَفْسِيره» : يجوز أَن يكون المُرَاد بهَا هُنَا: الْمَطَر أَو السَّحَاب، وَيجوز أَن يكون المُرَاد بهَا: (المظلة) ؛ لِأَن الْمَطَر ينزل مِنْهَا إِلَى السَّحَاب. والمدرار: الْكثير (الدّرّ، و) الْقطر. قَالَه الْأَزْهَرِي. وَهُوَ من أثبت الْمُبَالغَة. وَمَعْنى: «لَا يخْطر لَهُم فحْل» : لَا يُحَرك ذَنَبَهُ هزالًا لشدَّة الْقَحْط. وَمَعْنى «غير رائث» : غير بطيء وَلَا متأخِّر. وَمَعْنى «أحيينا» : أَصَابَنَا الحيا، وَهُوَ بِالْقصرِ: الْمَطَر؛ لإحيائه الأَرْض، وَقيل: الحيا: الخصب، وَمَا يَحْتَاجهُ النَّاس. الحَدِيث (الْخَامِس) عشر عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استسقى، فَأَشَارَ بِظهْر كفيه إِلَى السَّمَاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَنقل الرَّافِعِيّ وَغَيره عَن الْعلمَاء أَن هَكَذَا السّنة لمن دَعَا لدفع الْبلَاء أَن يَجْعَل ظهر كفيه إِلَى السَّمَاء، فَإِذا سَأَلَ الله شَيْئا جعل بطن كفيه إِلَى السَّمَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 وَفِي «مُسْند أَحْمد» : نَا ابْن إِسْحَاق، نَا ابْن لَهِيعَة، عَن حبَان بن وَاسع، عَن خَلاد بن السَّائِب، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا سَأَلَ جعل بَاطِن (كفيه) إِلَيْهِ، وَإِذا استعاذ جعل ظاهرهما إِلَيْهِ» . وَقد سلف فِي الصَّلَاة (من) حَدِيث ابْن عَبَّاس: «سلوا الله ببطون أكفكم، وَلَا تسألوه بظهورها» وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف كَمَا أسلفناه هُنَاكَ، فَلَا يُعَارض هَذَا. وَقد فَسَّر الْمُفَسِّرُونَ الرهب فِي قَوْله تَعَالَى: {يدعوننا رغبًا ورهبًا} بِالثَّانِي؛ وَالْأول هُوَ: الرغب، قَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : وَكَأَنَّهُ فِي حَال الرغب يسْأَل كالمستطعم، وَفِي حَال الرهب يستعيذ ويستجير، وَإِن أَتَى بِلَفْظ السُّؤَال فَهُوَ كالمستدفع عَن نَفسه. الحَدِيث السَّادِس عشر ثَبت تَحْويل الرِّدَاء عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هُوَ كَمَا قَالَ، (وجدت) ذَلِك فِي حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم، وَقد سلف أول الْبَاب. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد فِيهِ: «حول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 رِدَاءَهُ، وقلب ظهرا لبطن، وحول النَّاس مَعَه» وَقد ورد ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث: أَحدهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف قَرِيبا عَلَى مَا فِيهِ. ثَانِيهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف فِي الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي مِنْهُ. ثَالِثهَا: حَدِيث جَابر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استسقى وحول رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّل القحطُ» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. الحَدِيث السَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَمَّ بالتنكيس، لَكِن كَانَ عَلَيْهِ خميصة فثقل عَلَيْهِ، قَلَبَهَا من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا بأسانيد صَحِيحَة من حَدِيث عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «استسقى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلِيهِ خميصة سَوْدَاء، فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ بأسفلها فَيَجْعَلهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثقلت عَلَيْهِ قَلبهَا عَلَى عَاتِقه» . وَرَوَاهُ أَيْضا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَأَبُو عوَانَة فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 «مستخرجه عَلَى مُسلم» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَقد اتفقَا عَلَى إِخْرَاج حَدِيث عباد بن تَمِيم. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : رِجَاله رجال «الصَّحِيح» ، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَقَالَ فِي آخِره: «فَثقلَتْ عَلَيْهِ فَقَلَبَهَا، الْأَيْمن عَلَى الْأَيْسَر والأيسر عَلَى الْأَيْمن» . فَائِدَة: الخميصة: كسَاء أسود لَهُ عَلَمَان فِي طرفه، قَالَ (أَبُو عُبَيْدَة) : هُوَ كسَاء مربَّع لَهُ عَلَمَان. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كسَاء من صوف أوْ خَزٍّ مُعْلمة سُود، كَانَت من لِبَاس النَّاس. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: كسَاء رَقِيق أَحْمَر، أَو أَحْمَر وأسود. الحَدِيث (الثَّامِن عشر) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يحب الفأل» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا عَدْوّى، وَلَا طِيَرَة، ويعجبني الفأل الْكَلِمَة الْحَسَنَة والكلمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 الطّيبَة» . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «قيل: وَمَا الفألُ؟ قَالَ: الْكَلِمَة الطّيبَة» . وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا طيرة، وَخَيرهَا الفأل. قيل: يَا رَسُول الله، وَمَا الفألُ؟ قَالَ: الْكَلِمَة الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَا عَدْوّى، وَلَا هَامة، وَلَا طيرة، وَأحب الفأل الصَّالح» . (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) . وأمَّا آثاره: ذكر فِيهِ «أَن عمر بن الْخطاب استسقى بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا قحطوا استسقى بِالْعَبَّاسِ بن عبد الْمطلب، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نتوسَّل إِلَيْك بنبينا (فتسقينا، وَإِنَّا نتوسل إِلَيْك بعم نَبينَا فاسقنا، فيسقون» . وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس، من حَدِيث دَاوُد بن عَطاء الْمدنِي - وَهُوَ مَتْرُوك - عَن زيد بن أسلم، عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: «استسقى عمر بن الْخطاب عَام الرَّمَادَة بِالْعَبَّاسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 بن عبد الْمطلب، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَم نبيك (نتوجه إِلَيْك بِهِ؛ فاسقنا. فَمَا برحوا حَتَّى سقاهم الله - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ: فَخَطب عمر النَّاس فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرَى للْعَبَّاس مَا يرَى الْوَلَد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أَيهَا النَّاس برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي عَمه الْعَبَّاس، واتخذوه وَسِيلَة إِلَى الله - عَزَّ وَجَلَّ - فِيمَا نزل بكم» . وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» أَيْضا من حَدِيث ثُمَامَة عَن أنس قَالَ: (كَانُوا إِذا قحطوا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استسقوا برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَاسْتَسْقَى لَهُم، فيُسقَون، فلمَّا كَانَ بعد وَفَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي إِمَارَة عمر قحطوا، فَخرج عمر بِالْعَبَّاسِ يَسْتَسْقِي بِهِ؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذا قحطنا عَلَى عهد نبيك استسقينا بِهِ فسُقينا، وَإِنَّا نتوسل (إِلَيْك) الْيَوْم بعم نبيك فاسقنا. قَالَ: فسُقوا» . وَفِي «أمالي» المُصَنّف - أَعنِي: الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ - «أَن عمر استسقى بِالْعَبَّاسِ عَام الرَّمَادَة؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن هَؤُلَاءِ عِبَادك وَبَنُو إمائك، أتوك راغبين متوسلين إِلَيْك بعم نبيك، اللَّهُمَّ إِنَّا نستسقيك بعم نبيك، ونستشفع إِلَيْك بشيبته. فسُقوا» . وَفِي ذَلِك يَقُول بعض بني هَاشم فِي أبياتٍ لَهُ: وَأَهله عَشِيَّة يَسْتَسْقِي بشيبته عمر بِعَمِّي سَقَى الله الحجازَ فَائِدَة: الرَّمَادَة - برَاء ودال مهملتين وبالميم -: الْهَلَاك. قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ أَعْوَام (جَدب) تَتَابَعَت عَلَى النَّاس، سمي بذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 لهلاك النَّاس وَالْأَمْوَال فِيهِ، يُقَال: رَمَدَ - بِالْفَتْح - يَرمد - بِالْكَسْرِ وَالضَّم - رمْدًا - بِالسُّكُونِ - ورمادة: إِذا هلك. ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا «أَن مُعَاوِيَة استسقى بِيَزِيد بن الْأسود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . وَهَذَا الْأَثر ذكره تبعا لصَاحب «الْمُهَذّب» ، فَإِنَّهُ قَالَ: «إِن مُعَاوِيَة استسقى بِيَزِيد بن الْأسود فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستسقي بخيرنا وأفضلنا، اللَّهُمَّ إِنَّا نستسقي بِيَزِيد بن الْأسود، يَا يزِيد، ارْفَعْ يَديك إِلَى الله - تَعَالَى - فَرفع يَدَيْهِ، وَرفع النَّاس أَيْديهم، فثارت سَحَابَة من الْمغرب، كَأَنَّهَا ترس، وهَبَّ لَهَا ريح، فَسُقُوا حَتَّى كَاد الناسُ أَن لَا يبلغُوا مَنَازِلهمْ» . وبيَّض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» ، وأسنده ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديثه» من حَدِيث أبي زرْعَة، عَن الحكم بن نَافِع، عَن صَفْوَان بن عَمْرو، عَن سليم بن عَامر «أَن النَّاس قحطوا بِدِمَشْق، فَخرج مُعَاوِيَة يَسْتَسْقِي بِيَزِيد بن الْأسود» قَالَ أَبُو زرْعَة: وثنا أَبُو مسْهر، نَا سعيد بن عبد الْعَزِيز «أَن الضَّحَّاك بن قيس خرج يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ فَقَالَ ليزِيد بن الْأسود: قُم يَا بكَّاءُ» . وَلم يعزه النوويُّ فِي «شَرحه» وَإِنَّمَا قَالَ: إِنَّه أثر مَشْهُور. خَاتِمَة: ذكر الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَن الاسْتِسْقَاء أَنْوَاع، أدناها: الدُّعَاء المجرَّد من غير صَلَاة وَلَا خلف صَلَاة، إمَّا فُرَادَى أَو مُجْتَمعين (لذَلِك) . وأوسطها: الدُّعَاء خلف الصَّلَاة وَفِي خطْبَة الْجُمُعَة، وَنَحْو ذَلِك. وأفضلها: الاسْتِسْقَاء بِرَكْعَتَيْنِ وخطبتين، كَمَا سنصفه، وَالْأَخْبَار وَردت بِجَمِيعِ ذَلِك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 هَذَا آخر كَلَامه، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ورد مفرَّقًا فِي الْبَاب، فتدبره تَجدهُ كَذَلِك، وَحَاصِل مَا استسقى بِهِ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام عدَّة أَنْوَاع: أَحدهَا: يَوْم الْجُمُعَة عَلَى المنبرِ فِي أثْنَاء خطبَته، كَمَا سلف (من) حَدِيث أنس. ثَانِيهَا: خرج إِلَى الْمُصَلى وَصَلى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا سلف من حَدِيث عبد الله بن زيد وَغَيره. ثَالِثهَا: استسقى عَلَى الْمِنْبَر بِالدُّعَاءِ الْمُجَرّد، كَمَا سلف من حَدِيث ابْن عَبَّاس. رَابِعهَا: استسقى وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد، كَمَا سلف من حَدِيث كَعْب بن مرّة. خَامِسهَا: فِي بعض أَسْفَاره، كَمَا سلف من رِوَايَة سعد، (وَالِد عَائِشَة) وَغير ذَلِك كَمَا سلف فِي الْبَاب، فتدبره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 كتاب الْجَنَائِز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 كتاب الْجَنَائِز ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أمَّا الْأَحَادِيث فمائة حَدِيث و (نَيف) . الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات، الْمَوْت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، (رَوَاهُ) أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو اللَّيْثِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بأسانيد صَحِيحَة عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «فَمَا ذكره عبد قطّ وَهُوَ فِي ضيق إِلَّا وَسعه عَلَيْهِ، وَلَا ذكره فِي سَعَة إِلَّا ضيَّقه عَلَيْهِ» . وَفِي لفظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يكثر أَن يَقُول: أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. ذكره فِي الزّهْد من «جَامعه» ، وَقَالَ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر «مُسْتَدْركه» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 فِي أثْنَاء كتاب الرقَاق: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْحَافِظ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيجه أَحَادِيث الشهَاب» : هَذَا حَدِيث غَرِيب صَحِيح؛ لِأَن مُسلما أخرج لمُحَمد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة حَدِيثا. وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي مَوضِع، وَالَّذين رووا عَنهُ هَذَا الحَدِيث ثِقَات، قَالَ: فَيكون عَلَى شَرط مُسلم، إِلَّا أَن يكون لَهُ عِلّة خفيت. قلت: ولعلها مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَنه رُوِيَ عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَعَن أبي سَلمَة مَرْفُوعا مُرْسلا، وَأَنه الصَّحِيح. وَأبْعد ابْن الْجَوْزِيّ فَذكر هَذَا الحَدِيث فِي «علله» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يثبت؛ فَإِن مَدَاره عَلَى مُحَمَّد بن عَمْرو اللَّيْثِيّ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: مَا زَالَ النَّاس يَتَّقُونَ حَدِيثه. هَذَا كَلَامه وَلَا يُتابع عَلَيْهِ، بل هُوَ حَدِيث حسن كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ، وصحيح كَمَا قَالَه ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَابْن طَاهِر وهم أعلم مِنْهُ وَأجل، وَمُحَمّد بن عَمْرو هَذَا من فرسَان «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَقد وَثَّقَهُ يَحْيَى مرّة أُخْرَى كَمَا نَقله عَنهُ فِي «ضُعَفَائِهِ» ، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» (وليَّنهَ) ، ذكره من حَدِيث أنس: «أَكْثرُوا ذكر هاذم اللَّذَّات - يَعْنِي: الْمَوْت» . وَأعله (بِأَنَّهُ حَدثهُ) بذلك، قَالَ ابْن أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هُوَ حَدِيث بَاطِل، لَا أصل لَهُ. عَلَى أَن (ابْن) السكن أخرجه فِي «صحاحه» ، وَهَذَا لَفظه عَن أنس قَالَ: «مر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَجْلِس من الْأَنْصَار وهم يَضْحَكُونَ، فَقَالَ: أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات» . (و) ذكره من حَدِيث خَالِد بن جميل (عَن) يَحْيَى بن سعيد (عَن سعيد) بن الْمسيب، عَن عمر. ذكره ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» (وَقَالَ: من قبل خَالِد فِيهِ) ، وَفِيهِمْ جَهَالَة، وَسَعِيد بن الْمسيب لم يلق عمر، وَلَا تصح رِوَايَته عَنهُ. وَذكره الْبَغَوِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَائِدَة: هاذم اللَّذَّات: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة لَيْسَ إِلَّا، والهذم: الْقطع، قَالَ الْجَوْهَرِي: الهاذم - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة -: الْقَاطِع (كَمَا قَالَه الفاكهي فِي (شَرحه) ، وَكَذَا ذكره السُّهيْلي فِي «رَوْضِهِ» فِي غَزْوَة أحد عِنْد قتل وَحشِي لِحَمْزَة أَن الرِّوَايَة فِيهِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. وَأما بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاه: المزيل للشَّيْء من أَصله، وَلَيْسَ مرَادا هُنَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا نَام أحدكُم فليتوسد يَمِينه» . هَذَا الحَدِيث أسْندهُ ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، عَن عبيد بن عمر، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أَوَى أحدكُم إِلَى فرَاشه فلينزع (دَاخِلَة) (إزَاره) فلينفض فرَاشه، ثمَّ ليتوسد يَمِينه ... » وَذكر الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه الْجَمَاعَة. قلت: الْجَمَاعَة أَخْرجُوهُ بِدُونِ مَوضِع الْحَاجة مِنْهُ، وَهِي «ثمَّ ليتوسد يَمِينه» . وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي «كَامِله» فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْبَاهِلِيّ، من حَدِيث الْبَراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «إِذا أَخذ أحدكُم مضجعه فليتوسد يَمِينه، وَليقل: بِسم الله، اللَّهُمَّ إِنِّي أسلمت نَفسِي إِلَيْك ... » الحَدِيث. قَالَ ابْن عدي: وَمُحَمّد هَذَا لَا يُتَابع فِي حَدِيثه، وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب «الدَّعْوَات» من حَدِيث فطر بن خَليفَة، عَن (سعد) بن عُبَيْدَة قَالَ: سَمِعت الْبَراء يَقُول: قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أويت إِلَى فراشك طَاهِرا فتوسد يَمِينك، ثمَّ قل: اللَّهُمَّ (إِنِّي) أسلمت نَفسِي إِلَيْك ... » الحَدِيث. وَحَدِيث الْبَراء ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِلَفْظ: (قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِذا أتيت مضجعك فَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة، ثمَّ اضْطجع عَلَى شقك الْأَيْمن، وَقل: اللَّهُمَّ أسلمت نَفسِي إِلَيْك ... » إِلَى آخِره. وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن الْبَراء: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه نَام عَلَى شقَّه الْأَيْمن، ثمَّ (يَقُول) : اللَّهُمَّ أسلمت نَفسِي (إِلَيْك) » الحَدِيث. وَفِي «عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة» للنسائي و «جَامع التِّرْمِذِيّ» عَن الْبَراء أَيْضا قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتوسد يَمِينه عِنْد الْمَنَام، ثمَّ يَقُول: رب قني عذابك يَوْم تبْعَث عِبَادك» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَفِي «عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة» للنسائي أَيْضا و «شمائل التِّرْمِذِيّ» و «مُسْند الإِمَام أَحْمد» عَن عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا نَام وضع يَده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 الْيُمْنَى تَحت خَدّه ... » الحَدِيث. وَفِي (الْأَوَّلين) و «ابْن مَاجَه» من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أَخذ مضجعه وضع يَمِينه تَحت خدِّه» . وَفِيه انْقِطَاع؛ لِأَن أَبَا عُبَيْدَة لم يدْرك أَبَاهُ. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يرقد وضع يَده الْيُمْنَى تَحت خدِّه ... » الحَدِيث. وَفِي «مُسْند أَحْمد» : « (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يرقد وضع يَده الْيُمْنَى تَحت خَدّه ... » الحَدِيث) وفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث حُذَيْفَة مثله، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَفِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» للبيهقي من حَدِيث أبي قَتَادَة «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا عرس وَعَلِيهِ ليل توسد يَمِينه، وَإِذا عرس قرب الصُّبْح وضع رَأسه عَلَى كَفه الْيُمْنَى وَأقَام ساعده» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لقنوا مَوْتَاكُم قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَرَوَاهُ بِدُونِ لَفْظَة «قَول» مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد، وهما من أَفْرَاده، وَغلط ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» فَجعل الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَغلط الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «شَرحه للتّنْبِيه» فَادَّعَى أَنه من الْمُتَّفق عَلَيْهِ، فاجتنب كل ذَلِك. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ مُسلم وَزِيَادَة: «فَإِنَّهُ من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله. عِنْد الْمَوْت دخل الْجنَّة يَوْمًا من الدَّهْر، وَإِن أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ» . وَله طرق أخر: أَحدهَا: من حَدِيث عَائِشَة، رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ الرَّافِعِيّ، وَفِي (لفظ) : «هلْكاكم» بدل «مَوْتَاكُم» . ثَانِيهَا: من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «لقنوا مَوْتَاكُم: لَا إِلَه إِلَّا الله، الْحَلِيم الْكَرِيم، سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْعَظِيم، الْحَمد لله رب الْعَالمين. [قَالُوا: يَا] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - 498) : كَيفَ الْأَحْيَاء؟ قَالَ: أَجود وأجود» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 ثَالِثهَا، وَرَابِعهَا، وخامسها: من حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس، وَابْن مَسْعُود، وَعَطَاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن جده، رواهن الطَّبَرَانِيّ، وَسَيَأْتِي الثَّالِث قَرِيبا. سادسها: من حَدِيث ابْن عمر، (رَوَاهُ) المستغفري فِي «دعواته» بِلَفْظ: «لقنوا مَوْتَاكُم أَن يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله. فَإِنَّهُ لَيْسَ مُؤمن يَقُولهَا عِنْد الْمَوْت إِلَّا لقن» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من لقن: لَا إِلَه إِلَّا الله. عِنْد الْمَوْت دخل الْجنَّة» . وَرُوِيَ فِي هَذَا الْكتاب حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف بِلَفْظ: «لقنوا مَوْتَاكُم: لَا إِلَه إِلَّا الله. فَإِنَّهَا خَفِيفَة عَلَى اللِّسَان، ثَقيلَة فِي الْمِيزَان، وَلَو جعلت كلمة لَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة، وَجعلت السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ فِي كفة لرجحت بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله» وَفِي لفظ لَهُ: «لقنوا مَوْتَاكُم: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَلَا تملوهم» . سابعها: من حَدِيث عُرْوَة بن مَسْعُود، رَوَاهُ الْعقيلِيّ وَقَالَ: فِي الْبَاب أَحَادِيث صِحَاح عَن غير وَاحِد من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث الرَّابِع أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (من كَانَ) آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله. دخل الْجنَّة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك لَكِن بِلَفْظ: «وَجَبت لَهُ الْجنَّة» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم بِلَفْظ المُصَنّف، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأَن قَالَ: فِيهِ صَالح بن أبي (عريب) ، وَلَا يعرف حَاله، وَلَا رَوَى عَنهُ غير عبد الحميد، وَقد غلط فِي كل مِنْهُمَا، أما الأول: فقد ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فقد عرفت حَاله، وَأما الثَّانِي: فقد رَوَى عَنهُ حَيْوَة بن شُرَيْح، وَاللَّيْث بن سعد، وَابْن لَهِيعَة، وَغَيرهم. كَمَا ذكره ابْن يُونُس والمزي، لَا جرم لما أخرجه الْحَاكِم من طَرِيقه قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قلت: وَقد (جرت فِيهِ) حِكَايَة غَرِيبَة، وَقد أَنبأَنَا بهَا الْمسند أَحْمد بن كشتغدي، أَنبأَنَا أَبُو الْفرج عبد اللَّطِيف الْحَرَّانِي، أبنا ابْن الْجَوْزِيّ، أبنا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز، أبنا أَبُو بكر الْخَطِيب، أبنا أَبُو عَلّي عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن فضَالة، أَنا أَبُو بكر (بن) مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاذان، قَالَ: سَمِعت أَبَا جَعْفَر التسترِي يَقُول: حَضَرنَا أَبَا زرْعَة وَهُوَ فِي السِّيَاق وَعِنْده أَبُو حَاتِم وَمُحَمّد بن مُسلم وَالْمُنْذر بن شَاذان وَجَمَاعَة من الْعلمَاء، فَذكرُوا حَدِيث التَّلْقِين وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «لقنوا مَوْتَاكُم: لَا إِلَه إِلَّا الله» . فاستحيوا من أبي زرْعَة وهابوا أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 يلقنوه؛ فَقَالُوا: تَعَالَوْا نذْكر الحَدِيث. فَقَالَ مُحَمَّد بن مُسلم: نَا الضَّحَّاك بن مخلد، عَن عبد الحميد بن جَعْفَر، عَن صَالح. وَلم يُجَاوز، وَقَالَ الْمُنْذر: نَا بنْدَار، نَا أَبُو عَاصِم، عَن عبد الحميد، عَن صَالح، وَلم يُجَاوز، وَالْبَاقُونَ سكتوا؛ فَقَالَ أَبُو زرْعَة وَهُوَ فِي السَّوق: نَا بنْدَار، نَا أَبُو عَاصِم، نَا عبد الحميد بن جَعْفَر، عَن صَالح بن أبي عريب، عَن كثير بن مرّة، عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله. دخل الْجنَّة» وَتُوفِّي. و (نَا) ابْن كشتغدي أَيْضا قَالَ: أَنا الشَّيْخ محيي الدَّين يَحْيَى بن شرف النَّوَوِيّ كِتَابَة من دمشق، أَنا الْحَافِظ أَبُو الْبَقَاء، أَنبأَنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد، نَا أَبُو طَاهِر السلَفِي، أَنا أَبُو عَلّي البرداني، قَالَ: سَمِعت (إِبْرَاهِيم بن هناد النَّسَفِيّ يَقُول: سَمِعت) أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْقطَّان يَقُول: سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن مُسلم بن (وارة) الرَّازِيّ يَقُول: حضرت مَعَ أبي حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ عِنْد أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَهُوَ فِي النَّزع، فَقلت لأبي حَاتِم: تعال حَتَّى نلقنه الشَّهَادَة. فَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنِّي لأستحيي من أبي زرْعَة أَن ألقنه الشَّهَادَة، وَلَكِن تعال حَتَّى نتذاكر الحَدِيث فَلَعَلَّهُ إِذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 سَمعه يَقُول. فَبَدَأت فَقلت: ثَنَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل، نَا عبد الحميد بن جَعْفَر فارتج عليَّ الحَدِيث حَتَّى كَأَنِّي مَا سمعته وَلَا قرأته، فَبَدَأَ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن بشار، نَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل، عَن عبد الحميد بن جَعْفَر، فارتج عَلَيْهِ كَأَنَّهُ مَا قَرَأَهُ، فَبَدَأَ أَبُو زرْعَة فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن بشار، نَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل، نَا عبد الحميد بن جَعْفَر، عَن صَالح بن أبي عريب، عَن كثير بن مرّة، عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله» وَخرجت روحه مَعَ الْهَاء قبل أَن يَقُول: «دخل الْجنَّة» . وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ. وأنبأنا الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه: أَنا الْخلال، أَنا الْهَمدَانِي، أَنا السلَفِي، أَنا ابْن مَالك، أَنا أَبُو يعْلى الْحَافِظ، سَمِعت مُحَمَّد بن عَلّي الفرضي (يَقُول) : سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن مَيْمُون، سَمِعت عمر بن إِسْحَاق الْحَافِظ، سَمِعت (ابْن وارة) يَقُول: حضرت أَنا وَأَبُو حَاتِم عِنْد وَفَاة أبي زرْعَة ... إِلَى آخِره بأخصر من الأول. تَنْبِيه: غلط ابْن معن فِي «تنقيبه» عَلَى «الْمُهَذّب» ، فعزا حَدِيث معَاذ هَذَا إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم، وَهَذَا عَجِيب؛ فَذَاك حَدِيث آخر لَفظه فِي «مُسلم» : «مَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرّمه الله عَلَى النَّار» . وَلَفظه فِي «البُخَارِيّ» : «مَا من أحدٍ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صِدْقًا من قلبه إِلَّا حرمه الله عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 النَّار» . وَفِي أَفْرَاد «مُسلم» من حَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان رَفعه: «من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة» . وَفِي «أَفْرَاده» (نَحوه) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعبادَة، وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة نَحوه، وَقد سلف فِي الحَدِيث قبله (برمتِهِ) وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» وَاللَّفْظ لَهُ من رِوَايَة يَحْيَى بن طَلْحَة بن عبيد الله، عَن [أَبِيه] «أَن عمر رَأَى طَلْحَة كئيبًا، فَقَالَ لَهُ: مَا لَك، لَعَلَّك ساءتك [إِمَارَة] ابْن عمك؟ قَالَ: لَا. وَأَثْنَى عَلَى أبي بكر، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: كلمة لَا يَقُولهَا عبد عِنْد مَوته إِلَّا فرج الله عَنهُ كربته وأشرق لَونه. فَمَا مَنَعَنِي أَن (أسأله) عَنْهَا إِلَّا الْقُدْرَة عَلَيْهَا، حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ عمر: إِنِّي لأعرفها. قَالَ طَلْحَة: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ لَهُ عمر: هَل تعلم كلمة هِيَ أعظم من كلمة أَمر بهَا (عَمه) لَا إِلَه إِلَّا الله؟ فَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 طَلْحَة: هِيَ وَالله (هِيَ) » . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب، عَن أَبِيه، عَن جده - وَهُوَ مَالك الثَّقَفِيّ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من لُقِّن عِنْد الْمَوْت شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة» . ذكره فِي تَرْجَمَة مَالك وَقَالَ: هُوَ أَبُو السَّائِب الثَّقَفِيّ جد عَطاء. وَفِي «تَلْخِيص الْمُتَشَابه» لِلْحَافِظِ أبي بكر الْخَطِيب عَن حُذَيْفَة: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مَرضه الَّذِي قبض فِيهِ: «من ختم لَهُ بِلَا إِلَه إِلَّا الله محتسبًا عَلَى الله - عَزَّ وَجَلَّ - دخل الْجنَّة» . وَفِيه أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود رَفعه: «من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» عَن جَابر رَفعه: «من ختم لَهُ عِنْد مَوته بِلَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رِوَايَته عَن جَابر عَن معَاذ مَرْفُوعا هُوَ الصَّوَاب، وفيهَا أَيْضا: عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «و (من) قَالَ عِنْد الْمَوْت: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَجَبت لَهُ الْجنَّة» . ثمَّ قَالَ: إرْسَاله هُوَ الصَّوَاب. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اقْرَءُوا [[ [يس]] ] عَلَى مَوْتَاكُم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد فِي «مُسْنده» و (لَفظه: «يس قلب الْقُرْآن، لَا يقْرؤهَا رجل يُرِيد الله وَالدَّار الْآخِرَة إِلَّا غفر لَهُ، واقرءوها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 عَلَى مَوْتَاكُم» ) ، وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» وَالنَّسَائِيّ فِي «عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان - وَلَيْسَ بالنهدي - عَن أَبِيه، عَن معقل بن يسَار مَرْفُوعا، إِلَّا النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فَإِنَّهُمَا قَالَا: عَن أبي عُثْمَان، عَن معقل، فأسقطا أَبَاهُ، وأعل هَذَا الحَدِيث بِالْوَقْفِ وبالجهالة وبالاضطراب، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث أوقفهُ يَحْيَى بن سعيد وَغَيره عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَالْقَوْل فِيهِ قَول ابْن الْمُبَارك؛ إِذْ الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة. ذكر ذَلِك فِي بَاب فَضَائِل الْقُرْآن من «مُسْتَدْركه» فِي ذكر فَضَائِل سور مُتَفَرِّقَة، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَن أَبَا عُثْمَان هَذَا لَا (نعرفه) وَلَا من رَوَى عَنهُ غير سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَإِذا لم يكن هُوَ مَعْرُوفا فأبوه أبعد من أَن يعرف. وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ: أَبُو عُثْمَان وَأَبوهُ ليسَا بمشهورين. وَخَالف فِي كَلَامه عَلَى «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب» فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث حسن رَوَاهُ (د س ق) وَمِنْهُم من قَالَ: عَن أبي عُثْمَان عَن أَبِيه. وَمِنْهُم من قَالَ: عَن (أبي) عُثْمَان عَن معقل، من غير ذكر أَبِيه. قلت: وَمِنْهُم من قَالَ: عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 رجل عَن معقل، وَعَن رجل عَن أَبِيه (عَن معقل) ذكرهمَا النَّسَائِيّ فِي «الْيَوْم وَاللَّيْلَة» ، وَالثَّانِي: الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «الْخُلَاصَة» و «شرح الْمُهَذّب» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَفِيه مَجْهُولَانِ، وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد. قلت: أَبُو عُثْمَان ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَعَن ابْن الْعَرَبِيّ عَن الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد مَجْهُول الْمَتْن، وَلَا يَصح فِي الْبَاب حَدِيث. (فَوَائِد) : الأولَى: لهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر، ذكر الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة سمحج الجني، وَيُقَال: سمهج بِالْهَاءِ، من حَدِيث عبد الله بن الْحُسَيْن المصِّيصِي قَالَ: «دخلت طرسوس فَقيل: هَا هُنَا امْرَأَة قد رَأَتْ الْجِنّ الَّذِي وفدوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فأتيتها، فأخبرتني بذلك، وَأَن سمحج سَمَّاهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عبد الله، وَأَنه سَمعه يَقُول: مَا من مَرِيض تقْرَأ عِنْده [[ [يس]] ] إِلَّا مَاتَ رَيَّان وَحشر يَوْم الْقِيَامَة رَيَّان» . قَالَ الْحَافِظ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي آخر «النَّوَادِر» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 الثَّانِيَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : قَوْله: « (اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُم يس» ) أَرَادَ بِهِ من حَضرته الْمنية؛ (لِأَن الْمَيِّت يقْرَأ عَلَيْهِ) ، (قَالَ: وَكَذَلِكَ: «لقنوا) مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله» وَهَذَا الَّذِي قَالَه فِي الأول قَالَه جماعات (وَهُوَ) (مُتَعَيّن) ، وَيكون ذَلِك من بَاب تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يصير إِلَيْهِ. وَأما مَا قَالَه فِي الثَّانِي: فَلَا نسلم لَهُ، وَقد اعْتَرَضَهُ فِي ذَلِك الْمُحب الطَّبَرِيّ فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» : مَا قَالَه فِي التَّلْقِين فَمُسلم. وَأما فِي قِرَاءَة [[ [يس]] ] فَذَلِك نَافِع للمحتضر وللميت. (الثَّالِثَة) : معقل رَاوِي الحَدِيث - هُوَ بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه وَكسر ثالثه - ابْن يسَار - بِفَتْح أَوله - وَمَعْقِل فِي الصَّحَابَة جمَاعَة: هَذَا، وَابْن سِنَان الْأَشْجَعِيّ، وَابْن خَالِد - وَيُقَال: خويلد - وَغَيرهم. الحَدِيث السَّادِس عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول قبل مَوته: «لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه - عَزَّ وَجَلَّ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك وَبِزِيَادَة: «أَنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 سَمعه من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل مَوته بِثَلَاث» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يحسن بِاللَّه الظَّن» . وَفِي «ثِقَات أبي حَاتِم بن حبَان» بِإِسْنَادِهِ إِلَى (خلف) بن تَمِيم (أَنه) سَأَلَ عَلّي بن (بكار) المصِّيصِي عَن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث، قَالَ: أَن لَا (يَجْمَعُكَ) والفجار فِي دَار وَاحِدَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فيظن رَحْمَة الله ويرجوها، ويتدبر الْآيَات وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كرم الله - تَعَالَى - وعفوه وَرَحمته، وَمَا وعد بِهِ أهل التَّوْحِيد وَمَا ييسره لَهُم من الرَّحْمَة يَوْم (الْقِيَامَة) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيث الصَّحِيح: «أَنا عِنْد ظن عَبدِي (بِي) » . وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الحَدِيث، وَهُوَ الَّذِي قَالَه جُمْهُور الْعلمَاء، وشذ الْخطابِيّ فَذكر مَعَه تَأْوِيلا آخر؛ أَن مَعْنَاهُ: أَحْسنُوا أَعمالكُم حَتَّى يحسن ظنكم بربكم، فَمن أحسن عمله حسن ظَنّه، وَمن سَاءَ عمله سَاءَ ظَنّه. وَهُوَ تَأْوِيل بعيد. (فَائِدَة: لهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر من طَرِيق أنس، ذكر فِيهِ زِيَادَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 حَسَنَة فِي آخِره فِي تَرْجَمَة أبي نواس الشَّاعِر الْمَشْهُور، واسْمه: الْحسن بن هَانِئ، وَهُوَ من مشاهير حَدِيثه، مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن كثير الصُّوفِي عَنهُ، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه؛ فَإِن حسن الظَّن بِاللَّه ثمن الْجنَّة» ) . الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أغمض أَبَا سَلمَة لما مَاتَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ - لَا كَمَا وهم فِيهِ من وهم - من رِوَايَة أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أبي سَلمَة وَقد شقّ بَصَره؛ فأغمضه، ثمَّ قَالَ: إِن الرّوح إِذا قبض تبعه الْبَصَر، فَضَجَّ نَاس من أَهله فَقَالَ: لَا تدعوا عَلَى أَنفسكُم إِلَّا بِخَير، فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ عَلَى مَا تَقولُونَ. ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لأبي سَلمَة، وارفع دَرَجَته فِي المهديين، واخلفه فِي عقبه فِي الغابرين، واغفر لنا وَله يَا رب الْعَالمين، وأفسح لَهُ فِي قَبره، وَنور لَهُ فِيهِ» . مَعْنَى «تبعه الْبَصَر» : ذهب أَو شخص نَاظرا إِلَيْهَا، وَجْهَان حَكَاهُمَا الْمُحب فِي «أَحْكَامه» وَقَالَ: عَلَى الثَّانِي دلّت ظواهر وَردت فِيهِ. و «الغابر» : الْبَاقِي، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَالْأَكْثَر، وَقيل: يُطلق عَلَى الْمَاضِي، فَيكون من الأضداد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لما توفّي) سجي بِبرد حبرَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَفِي رِوَايَة: «بثَوْبٍ حبرَة» . وَمَعْنى «سُجي» : غُطي، والحِبَرة - بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْبَاء -: نوع من البرود، وَالْجمع حبر وحبرات كعنبة وعنب وعنبات، وَيُقَال: بُرد حبرَة: بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْوَصْف، وبدونه عَلَى الْإِضَافَة، وَهُوَ ثوب يمانٍ يكون من قطن أَو كتَّان مخطط محبر، أَي: مزين، والتحبير: التزيين والتحسين. قَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : (وَهِي) من أشرف ثِيَابهمْ، وَلَو كَانَ عِنْدهم (شَيْء) أشرف مِنْهَا سجي بِهِ. فَائِدَة: أجمع الْعلمَاء عَلَى أَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - توفّي فِي شهر ربيع الأول، وَكَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ، وَاخْتلفُوا فِي أَي يَوْم كَانَ من الشَّهْر، فَقيل: فِي أَوله، وَقيل: فِي ثَانِيه، وَقيل: فِي ثَانِي عشره، وَقيل: فِي عاشره، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «مرج الْبَحْرين» وَسَبقه إِلَيْهِ السُّهيْلي: وَلَا يَصح كل ذَلِك؛ لإِجْمَاع الْمُسلمين عَلَى أَن وَقْفَة عَرَفَة فِي حجَّة الْوَدَاع يَوْم الْجُمُعَة، فَدخل ذُو الْحجَّة يَوْم الْخَمِيس، فَكَانَ (أول) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 الْمحرم إِمَّا الْجُمُعَة وَإِمَّا السبت، فَإِن كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فقد دخل صفر إِمَّا السبت وَإِمَّا الْأَحَد، وَإِن كَانَ السبت فقد كَانَ (أول) ربيع الْأَحَد أَو الِاثْنَيْنِ، وكيفما (كَانَ) الْحساب فَلم يكن الثَّانِي (عشر) من ربيع الأول يَوْم الِاثْنَيْنِ بِوَجْه. الحَدِيث التَّاسِع «أَن غسل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تولاه عَلّي وَالْفضل بن الْعَبَّاس، وَأُسَامَة بن زيد يناول المَاء، وَالْعَبَّاس وَاقِف ثَمَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث عَلّي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَنه قَالَ: «غسلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَذَهَبت أنظر مَا يكون من الْمَيِّت، فَلم أر شَيْئا، وَكَانَ طيبا (حيًّا وَمَيتًا، وَولي دَفنه وإجْنانهُ أَرْبَعَة: عَلّي وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَصَالح مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ولحد لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لحدًا، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذ حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَا مِنْهُ غير ذكر اللَّحْد. قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» : وَرَوَى كيسَان عَن يزِيد بن بِلَال، عَن عَلّي قَالَ: «أَوْصَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يغسلهُ إِلَّا عَلّي؛ فَإِن أحدا لَا يرَى عَوْرَته إِلَّا طمست عَيناهُ. قَالَ عَلّي: كَانَ أُسَامَة يناولني المَاء وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 مغمض عَيْنَيْهِ» . ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: قد رُوِيَ فِي غسل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْنَاد أَجود من هَذَا «أَنه غسله عَلّي وَالْعَبَّاس وَالْفضل وغيرُهم» وَلَيْسَ فِيهِ أَن أحدا مِنْهُم غمض عَيْنَيْهِ. قَالَ: وَأَخْبرنِي عبد الله بن أَحْمد قَالَ: سَأَلت أبي عَن كيسَان (أبي) عمر، فَقَالَ: شيخ ضَعِيف. قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «التَّنْوِير» : لم يخْتَلف فِي أَن الَّذين غسلوه: عَلّي وَالْفضل، وَاخْتلف فِي الْعَبَّاس وَأُسَامَة وَقثم وشقران؛ فَقيل: نعم، وَقيل: لَا، بل غسله عَلّي وَالْفضل يصب المَاء، وَقيل: أَدخل من الْأَنْصَار أَوْس بن خوَليّ، بِفَتْح الْوَاو فِيمَا ذكره الزَّمَخْشَرِيّ، وَقَبله أَبُو أَحْمد العسكري بِزِيَادَة تَشْدِيد الْيَاء، وَكَانَ الْفضل وَالْعَبَّاس (يغسلانه) وَأُسَامَة وَقثم يصبَّانِ المَاء، وَقيل: إِن الْعَبَّاس لم يحضر استحياء. الحَدِيث الْعَاشِر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام غسل فِي قَمِيص» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ إمامنا عَن مَالك، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غسل فِي قَمِيص» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن أبي بردة، عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: «لما) أخذُوا فِي غسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ناداهم مُنَاد من الدَّاخِل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 لَا تنزعوا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَمِيصه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَابْن بُرَيْدَة هَذَا هُوَ سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة (قد) سمي فِي طَرِيق آخر. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» (من طَرِيقين عَن بُرَيْدَة وَقَالَ فِي كل مِنْهُمَا: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ) وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق شَيْخه الْحَاكِم وَصرح فِيهِ بِأَن أَبَا بردة هُوَ بريد بن عبد الله بن أبي بردة، أحد الثِّقَات الْمخْرج لَهُم فِي «الصَّحِيحَيْنِ» . لَكِن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِن أَبَا بردة هَذَا هُوَ عَمْرو بن يزِيد، وَأَنه تفرد بِهِ عَن عَلْقَمَة، فَإِن كَانَ كَذَلِك فعمرو هَذَا ضَعَّفُوهُ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي حُسَيْن بن عبد الله، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه أسْند رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى صَدره وَعَلِيهِ قَمِيصه، وَكَانَ الْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم يقلّبونه مَعَ عليٍّ، وَكَانَ أُسَامَة بن زيد وَصَالح مَوْلَاهُ يصبَّانِ المَاء، وَكَانَ يغسل بِالْمَاءِ والسدر، ثمَّ كفنوه، وَحضر غسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَوْس بن خوَلي وَلم يَلِ من (غسله) شَيْئا» . وحسين هَذَا قد تكلم فِيهِ غير وَاحِد كَمَا ستعلمه. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «لمّا أَرَادوا غسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالُوا: مَا نَدْرِي، أنجرده من ثِيَابه كَمَا نجرد مَوتَانا أم نغسّله وَعَلِيهِ ثِيَابه. فَلَمَّا اخْتلفُوا ألْقَى الله - تَعَالَى - عَلَيْهِم النّوم حَتَّى مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 مِنْهُم رجل إِلَّا وذقنه فِي صَدره، ثمَّ كَلمهمْ مُكَلم من نَاحيَة الْبَيْت - لَا يَدْرُونَ من هُوَ - أَن غسلوا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلِيهِ ثِيَابه. فَقَامُوا فغسلوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلِيهِ قَمِيص، يصبون المَاء فَوق الْقَمِيص ويدلكونه بالقميص دون أَيْديهم، وَكَانَت عَائِشَة تَقول: لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا غسله إِلَّا نساؤه» . وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، وَقد صرح بِالتَّحْدِيثِ فَزَالَتْ تُهْمَة تدليسه، وَقد أخرجه الْحَاكِم كَذَلِك وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. ذكره فِي آخر وَفَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِنَحْوِهِ، وَفِيه العنعنة عَلَى عَادَته فِي قبُول حَدِيثه بهَا، وَفِي إِحْدَى روايتيه: «وَكَانَ الَّذِي أجلسه فِي حجره عَلّي بن أبي طَالب، أسْندهُ إِلَى صَدره، قَالَت: فَمَا رَأَى (من) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا يرَى من الْمَيِّت» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن جريج قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن عَلّي أَبَا جَعْفَر قَالَ: «غسل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثًا بالسدر، وَغسل وَعَلِيهِ قَمِيص، وَغسل من بِئْر يُقَال لَهَا: (الْغَرْس) بقباء، كَانَت لسعد بن خَيْثَمَة، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يشرب مِنْهَا، وَولي سُفْلَتَهُ عَلّي، وَالْفضل محتضنه، وَالْعَبَّاس يصب المَاء، فَجعل الْفضل يَقُول: أرحني قطعت (وتيني) ، إِنِّي لأجد شَيْئا يترطل عليَّ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن عَلّي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تبرز فخذك، وَلَا تنظر إِلَى فَخذ حيٍّ وَلَا ميت» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي شُرُوط الصَّلَاة؛ فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للواتي غسلن ابْنَته: «ابدأن (بميامنها) ومواضع الْوضُوء مِنْهَا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أم عَطِيَّة الْأَنْصَارِيَّة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - بِلَفْظ: «ابدأن بميامنها ومواضع الْوضُوء مِنْهَا. وَهَذِه الْبِنْت هِيَ زَيْنَب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها» كَذَا جَاءَت مُسَمَّاة فِي رِوَايَة لمُسلم. وَوَقع فِي «سنَن أبي دَاوُد» أَنَّهَا أم كُلْثُوم، فِي حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، وَفِيه نظر أَيْضا، نبه عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِن أم كُلْثُوم توفيت وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ببدر. وَأم عَطِيَّة اسْمهَا نسيبة - بِضَم النُّون وَفتحهَا. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «افعلوا بميتكم مَا تَفْعَلُونَ بعروسكم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَذكره الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» بِلَفْظ آخر: «افعلوا بموتاكم مَا تَفْعَلُونَ بأحيائكم» وَلَا يحضرني من خرج الآخر، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : بحثت عَنهُ فَلم أَجِدهُ ثَابتا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو شامة الْمَقْدِسِي فِي كتاب «السِّوَاك» : (وَمَا) يتَعَلَّق بِهِ هَذَا الحَدِيث مَذْكُور فِي كثير من كتب الْفِقْه، وَهُوَ غير مَعْرُوف. قلت: بل فِي «الْبَيْهَقِيّ» تَعْلِيقا أَنه رُوِيَ عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أَنَّهَا قَالَت: «علام تنصون ميتكم؟» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَي: تسرحون شعره. قَالَ: وَكَأَنَّهَا كرهت ذَلِك إِذا سرحه بِمشْط ضيق الْأَسْنَان. الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر غاسلات ابْنَته أَن يبدأن بميامنها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف قَرِيبا. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لغاسلات ابْنَته: اغسلها ثَلَاثًا اَوْ خمْسا أَو سبعا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا من حَدِيث أم عَطِيَّة الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: «دخل علينا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن نغسل ابْنَته، فَقَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 اغسلنها ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو أَكثر من ذَلِك، بِمَاء وَسدر، (واجعلن) فِي الْآخِرَة كافورًا (أَو شَيْئا من كافور) فَإِذا فرغتن فآذنني. فَلَمَّا فَرغْنَا آذناه، فَألْقَى إِلَيْنَا حقوه فَقَالَ: أشعرنها (إِيَّاه) (قَالَت: ومشطناها ثَلَاثَة قُرُون» وَفِي رِوَايَة لَهَا: «اغسلنها وترا ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن ذَلِك» وَفِي رِوَايَة: «فضفرنا شعرهَا) ثَلَاثَة أَثلَاث: قرنيها وناصيتها» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وألقيناها خلفهَا» ، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ بِإِسْنَاد عَلَى شَرطهمَا: «ومشطناها ثَلَاثَة قُرُون» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» : «و (اجعلن) لَهَا ثَلَاثَة قُرُون» . وَهَذِه الرِّوَايَة وَالَّتِي قبلهَا ترد قَول القَاضِي عِيَاض وَمن (مَعَه) أَن ذَلِك من فعل أم عَطِيَّة، وَترْجم عَلَيْهِ ابْن حبَان ذكر الْبَيَان بِأَن أم عَطِيَّة إِنَّمَا مشطت قرنها بِأَمْر الْمُصْطَفَى (لَا من تِلْقَاء نَفسهَا. فَائِدَة: مَعْنَى «إِن رأيتن ذَلِك» : إِن احتجتن للزِّيَادَة. والحقو - بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا - الْإِزَار. قَالَه الْخطابِيّ. قَالَ الْهَرَوِيّ: الأَصْل فِي الحقو: معقد الْإِزَار، ثمَّ قيل للإزار: حقو؛ لِأَنَّهُ يشد عَلَى الحقو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 ومعني «أشعرنها إِيَّاه» : اجعلنه مِمَّا يَلِي جَسدهَا. (الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأم عَطِيَّة - وَكَانَت من غاسلات ابْنَته -: واجعلن فِي الْأَخِيرَة كافورًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سقناه أَيْضا بِلَفْظِهِ) . الحَدِيث (السَّابِع) عشر (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعَائِشَة: «لَو مت قبلي لغسلتك وكفنتك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد، والدارمي، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «رَجَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من البقيع، وَأَنا أجد صداعًا فِي رَأْسِي وَأَقُول: وارأساه! فَقَالَ: بل أَنا يَا عَائِشَة وارأساه. ثمَّ قَالَ: مَا ضرك لَو مت قبلي فَقُمْت عَلَيْك فغسلتك وكفنتك، وَصليت عَلَيْك ودفنتك. قلت: لكَأَنِّي بك وَالله لَو فعلت ذَلِك، لقد رجعت إِلَى بَيْتِي فأعرست فِيهِ بِبَعْض نِسَائِك. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ بَدَأَ فِي وَجَعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ» . وَفِي سَنَده عنعنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 ابْن إِسْحَاق، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب تَحْرِيم قَتْل مَا لَهُ روح: الْحفاظ يتوقون مَا ينْفَرد بِهِ. قلت: وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» بعنعنته عَلَى عَادَته فِي الِاحْتِجَاج بِهِ مُطلقًا، وَذكره فِي «ثقاته» ، وَلم ينْفَرد بِهِ ابْن إِسْحَاق، بل تَابعه عَلَيْهِ صَالح بن كيسَان، كَمَا أخرجه الإِمَام أَحْمد وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» فِي رِوَايَة حَمْزَة فِي بَاب: بَدْء علته عَلَيْهِ السَّلَام، قبل الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَلَفظه فِيهَا: «فهيأتك، ودفنتك ... » الحَدِيث. وَصَالح هَذَا هُوَ الإِمَام الثِّقَة من غير ريب، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : لم يقل: «غسلتك» إِلَّا ابْن إِسْحَاق، ثمَّ أجَاب عَمَّن طعن فِيهِ. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَفْظ: «قلت: وارأساه. فَقَالَ: ذَلِك لَو كَانَ وَأَنا حَيّ؛ فأستغفر لَك وأدعو لَك» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: وَقع فِي «الرَّافِعِيّ» و «الْمُهَذّب» : «لغسلتك» بِاللَّامِ، وَالَّذِي فِي كتب الحَدِيث بِالْفَاءِ. ثَانِيهمَا: «البقيع» بِالْبَاء (الْمُوَحدَة) فِي أَوله، وَهُوَ بَقِيع الْغَرْقَد: مدفن أهل الْمَدِينَة. و «مت» : بِضَم الْمِيم وَكسرهَا. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أَن رجلا كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فوقصته نَاقَته وَهُوَ محرم فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اغسلوه بِمَاء وَسدر، وكفنوه فِي ثوبيه، وَلَا تمسوه بِطيب، وَلَا تخمروا رَأسه، فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «بَيْنَمَا رجل وَاقِف مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِعَرَفَة، إِذْ وَقع من رَاحِلَته، فأقصعته - أَو قَالَ: فأوقصته - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اغسلوه بِمَاء وَسدر، وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تحنطوه، وَلَا تخمروا رَأسه؛ فَإِن الله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا» . وَفِي لفظ لَهما: «ملبدًا» وَفِي لفظ لَهما: «وَلَا تمسُّوه طيبا» وَفِي لفظ لَهما: «وكفنوه فِي ثوبيه» وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 لفظ لمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان: «وَلَا تخمروا وَجهه وَلَا رَأسه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر الْوَجْه وهم من بعض رُوَاته فِي الْإِسْنَاد، والمتن [جَمِيعًا و] الصَّحِيح: «لَا تغطوا رَأسه» . كَذَا أخرجه البُخَارِيّ، وَذكر الْوَجْه فِيهِ غَرِيب. وللنسائي: «اغسلوا الْمحرم فِي ثوبيه اللَّذين أحرم فيهمَا، واغسلوه (فيهمَا) بِمَاء وَسدر، وكفنوه فِي ثوبيه، وَلَا تمسوه بِطيب، وَلَا تخمروا رَأسه؛ فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا» . الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خير ثيابكم الْبيَاض، فاكسوها أحياءكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْجُمُعَة وَاضحا. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة من كُرْسُف بيض، لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، زَاد مُسلم: «أما الْحلَّة فَإِنَّمَا يشْتَبه عَلَى النَّاس فِيهَا، إِنَّمَا اشْتريت لَهُ ليكفن فِيهَا، فَتركت وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة، فَأَخذهَا عبد الله بن أبي بكر فَقَالَ: لأحبسنها حَتَّى أكفن فِيهَا نَفسِي ثمَّ قَالَ: وَالله لَو رضيها الله - عَزَّ وَجَلَّ - لنَبيه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لكفنه فِيهَا فَبَاعَهَا وَتصدق بِثمنِهَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أدرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حلَّة يَمَانِية كَانَت لعبد الله بن أبي بكر، ثمَّ نزعت عَنهُ وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة يَمَانِية لَيْسَ فِيهَا عِمَامَة وَلَا قَمِيص» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَفِي رِوَايَة لَيست بمحفوظة فِي هَذَا الحَدِيث: «وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن» . وَاعْلَم أَنه ورد فِي كفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رِوَايَات مُخْتَلفَة وَهَذِه أَصَحهَا: فَمِنْهَا: عَن عَائِشَة: «كفن عَلَيْهِ السَّلَام فِي ثَلَاثَة أَثوَاب، أَحدهَا برد أَحْمَر» . وَهُوَ مُخَالف لما فِي «الصَّحِيح» كَمَا سقناه آنِفا، مَعَ أَن فِي سَنَده عبد الله بن بشر (بن نَبهَان) الرقي، وَقد اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، قَالَ الدَّارمِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي «الضُّعَفَاء» و «الثِّقَات» ، وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه عِنْدِي مُسْتَقِيمَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 وَمِنْهَا: عَن أبي هُرَيْرَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما كفن (زر) عَلَيْهِ (قَمِيصه) » . وَهُوَ حَدِيث مُنكر؛ رَوَاهُ أَحْمد بن عبيد بن نَاصح، عَن الْأَصْمَعِي، عَن مُحَمَّد بن عون عَنهُ بِهِ، وَأحمد هَذَا لَيْسَ بِحجَّة، والأصمعي فِيهِ مقَال، قَالَ (أَبُو) دَاوُد: صَدُوق. وَقَالَ ابْن معِين: لم يكن مِمَّن يكذب. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: ضَعِيف. وسَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث. وَمِنْهَا: عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي قطيفة حَمْرَاء» . وَهُوَ بَاطِل، رَوَاهُ ابْن عدي، وَكَأن الرَّاوِي تصحف عَلَيْهِ «دُفن» ب «كُفِّن» ، وَفِي سَنَده مُحَمَّد بن مُصعب القرقساني، وَهُوَ مُخْتَلف فِي ضعفه، وقبِلَهُ الإِمَام أَحْمد. وَمِنْهَا: عَن (أبي) إِسْحَاق قَالَ: « (سَأَلت) آل مُحَمَّد وَفِيهِمْ ابْن نَوْفَل: فِي أَي شَيْء كفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَقَالُوا: فِي حلَّة حَمْرَاء، لَيْسَ فِيهَا قَمِيص، وَجعل تَحت لحده سحق قطيفة كَانَت لَهُم» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن مُحَمَّد بن عبد الله (الْحَضْرَمِيّ) ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 نَا أَبُو كريب، نَا يَحْيَى بن آدم، عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، عَن أبي إِسْحَاق بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبيد الله بن مُوسَى، ثَنَا إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: «أتيت (حَلقَة) بني عبد الْمطلب فَسَأَلت أَشْيَاخهم: فِي كم كفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالُوا: فِي ثَوْبَيْنِ أحمرين، لَيْسَ فيهمَا قَمِيص» . وَهَذَا الْإِسْنَاد جيد أَيْضا، لَكِن عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي كرهه بعض الْحفاظ لفرْط تشيعه، وَإِسْرَائِيل وَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّاس، لَكِن ضعفه ابْن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: فِي حَدِيثه لين. وَمِنْهَا: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب نجرانية: الْحلَّة، وقميصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب: فِي قَمِيصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وحلة نجرانية. الْحلَّة ثَوْبَان» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لأجل يزِيد بن (أبي) زِيَاد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده فَإِنَّهُ تفرد بِهِ، وَلَا يحْتَج بِهِ لضَعْفه، لَا سِيمَا وَقد خَالف رِوَايَة الثِّقَات فِيهَا وَحَدِيث عَائِشَة الَّتِي نفت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 الْقَمِيص عَنهُ، وَلَو صَحَّ فتأويله مَا سلف عَن عَائِشَة أَنَّهَا (اشترت) الْحلَّة (لَهُ) فَلم يُكفن فِيهَا، قَالَ ابْن أبي صفرَة: قَول عَائِشَة: «لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة» يدل عَلَى أَن الْقَمِيص الَّذِي غسل فِيهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نزع عَنهُ حِين كفن؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قيل: «لَا تنزعوا الْقَمِيص» - أَي: فِي حَدِيث بُرَيْدَة السالف فِي الحَدِيث الْعَاشِر - (ليستره) وَلَا يكْشف جسده، فَلَمَّا ستر بالكفن استغني عَن الْقَمِيص، وَلَو لم ينْزع الْقَمِيص حِين كفن لخرج عَن حد الْوتر الَّذِي أَمر بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام، إشعارًا للتوحيد، وَكَانَت تكون أَرْبَعَة بِالثَّوْبِ المبلول، ويستبشع أَن يُكفن عَلَى قَمِيص مبلول. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلِأَن فِيهِ إفسادًا للأكفان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لأمور: مِنْهَا: ضعف يزِيد. وَمِنْهَا: أَن عَائِشَة أعلم بذلك. وَمِنْهَا: أَنَّهَا قد أخْبرت عَن سَبَب اشْتِبَاه ذَلِك - كَمَا تقدم - قَالَ الْحَاكِم: وَكَيف يجوز أَن يَصح مثل هَذَا الحَدِيث وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَن عليٍّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر وَعبد الله بن مُغفل وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي تكفين النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة. وَمِنْهَا: عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي ثَوْبَيْنِ أبيضين، وَفِي برد أَحْمَر» . رَوَاهُ أَحْمد عَن الْحجَّاج، حَدثنِي الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَالْحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة، وَقد سلف حَاله، وَالْحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 وَمِنْهَا: عَن الْفضل بن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ» . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث يَعْقُوب بن عَطاء، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس، (عَن الْفضل بن عَبَّاس) وَيَعْقُوب هَذَا ضَعَّفُوهُ. وَمِنْهَا: عَن أبي هُرَيْرَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي ثوب نجراني و (ريطتين) » . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَمِنْهَا: عَن عليٍّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي سَبْعَة أَثوَاب» . رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن عقيل، عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عليٍّ بِهِ، ثمَّ قَالَ: لَا نعلم أحدا تَابع ابْن عقيل عَلَى رِوَايَته هَذِه، وَلَا (نعلم أحدا) رَوَاهُ عَن ابْن عقيل بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا حَمَّاد، وَأعله ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» بِابْن عقيل، وَهُوَ حَدِيث مُنكر، وَإِن أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة وَصَححهُ، قَالَ: قد رُوِيَ فِي كفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رِوَايَات مُخْتَلفَة، وَحَدِيث عَائِشَة أصح الْأَحَادِيث الَّتِي رويت فِي كَفنه (. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين «أَن مُصعب بن عُمَيْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قتل يَوْم أحد، فَلم يخلف إِلَّا نمرة، فَكَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 إِذا غطي بهَا رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ، وَإِذا غطي بهَا رِجْلَاهُ بدا رَأسه، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: غطوا بهَا رَأسه وَاجْعَلُوا عَلَى رجلَيْهِ من الْإِذْخر» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث خباب بن الْأَرَت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «هاجرنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نلتمس وَجه الله - عَزَّ وَجَلَّ - فَوَقع أجرنا عَلَى الله؛ فمنا من مَاتَ لم يَأْكُل من أجره شَيْئا، مِنْهُم مُصعب بن عُمَيْر قتل يَوْم أحد، فَلم نجد مَا نكفنه بِهِ إِلَّا بردة، إِذا غطينا بهَا رَأسه خرجت رِجْلَاهُ، وَإِذا غطينا بهَا رجلَيْهِ خرج رَأسه، فَأمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نغطي رَأسه ونجعل عَلَى رجلَيْهِ من الْإِذْخر» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «فَلم يُوجد لَهُ شَيْء يُكفن فِيهِ إِلَّا نمرة ... » وَالْبَاقِي مثله. فَائِدَة: الْإِذْخر - بِكَسْر الْهمزَة وَالْخَاء -: نبت طيب الرَّائِحَة. والنَّمِرة - بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم -: ضرب من الأكسية، وَقيل: شملة مخططة من صوف، وَقيل: فِيهَا أَمْثَال الْأَهِلّة. وَمصْعَب بن عُمَيْر من فضلاء الصَّحَابَة والسابقين إِلَى الْإِسْلَام. وَيَوْم أحد كَانَ فِي شَوَّال سنة ثَلَاث، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «الرَّوْضَة» : وَكَانَت يَوْم السبت (سَابِع شَوَّال. وَخَالف فِي «التَّهْذِيب» و «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: كَانَت يَوْم السبت) لإحدى عشرَة خلت مِنْهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 وسنتعرض لذَلِك فِي كتاب السّير؛ حَيْثُ تعرض الرَّافِعِيّ لَهُ - (إِن شَاءَ الله) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تغَالوا فِي الْكَفَن؛ فَإِنَّهُ يسلب سلبًا سَرِيعا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِهِ سَوَاء، وَلم يُضعفهُ، وَسَمَاع (الشّعبِيّ من عليٍّ مُخْتَلف فِيهِ، وَفِيه مَعَ ذَلِك عَمْرو بن هَاشم الْجَنبي وَثَّقَهُ) ابْن معِين وَغَيره، وَضَعفه مُسلم، ووهاه ابْن حبَان، وَقَالَ خَ: فِيهِ نظر عَن أبي إِسْحَاق. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ صَدُوق، لكنه لم يكن صَاحب حَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لين الحَدِيث، يكْتب حَدِيثه. وَأما ابْن الْقطَّان وَالْمُنْذِرِي وَالنَّوَوِيّ فَإِنَّهُم قَالُوا: إِنَّه حَدِيث حسن. وَجزم عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِأَن الشّعبِيّ رَأَى عليًّا، وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ: فِيهِ نظر، وَقد قيل للدارقطني: سمع الشّعبِيّ من عليٍّ؟ قَالَ: سمع مِنْهُ حرفا، مَا سمع مِنْهُ غير هَذَا. ثمَّ بسط الْكَلَام فِي ذَلِك، وَقَالَ فِي آخِره: إِن سَمَاعه مِنْهُ مُخْتَلف فِيهِ. وَجزم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو أَحْمد الْكَرَابِيسِي: (رَآهُ) . فَائِدَة: تغَالوا: بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَرَأَيْت بِخَط بَعضهم أَنه بإهمالها أَيْضا. وَقَوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: « (فَإِنَّهُ) يسلب سلبًا سَرِيعا» أَي: ينْزع عَنهُ، فيبدل مِنْهُ، إِمَّا خيرا (مِنْهُ) إِن كَانَ من أهل الْخَيْر، (وَإِمَّا) شرًّا إِن كَانَ من أهل الشَّرّ، أَو لِأَنَّهَا تتمزق من الْمهل والصديد. قَالَه صَاحب «المستعذب عَلَى الْمُهَذّب» . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين «أَن أم عَطِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها لما غسلت أم كُلْثُوم بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَالِسا عَلَى الْبَاب؛ فناولها إزارًا وَدِرْعًا وخمارًا وثوبين» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَهُوَ فِي «مُسْنده» عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي نوح بن حَكِيم الثَّقَفِيّ، وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 عَن رجل من بني عُرْوَة بن مَسْعُود (يُقَال) لَهُ: دَاوُد - قد وَلدته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن لَيْلَى بنت قانف - بنُون ثمَّ فَاء - الثقفية الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت فِيمَن غسل أم كُلْثُوم بنت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (وَكَانَ) أول مَا أَعْطَانَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الحقا، ثمَّ الدرْع، ثمَّ الْخمار، ثمَّ الملحفة، ثمَّ أدرجت بعد فِي الثَّوْب الآخر، وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَالس عِنْد الْبَاب مَعَه كفنها، يناولنا ثوبا ثوبا» . لم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، فَهُوَ صَالح للاحتجاج بِهِ عِنْده، وَأما ابْن الْقطَّان: فَإِنَّهُ أعله بِأَن قَالَ: ابْن إِسْحَاق (لَا) يُقَال لما يرويهِ: حسن إِذا لم يكن لما يرويهِ عِلّة غَيره، فَأَما هَذَا فَإِن نوح بن حَكِيم؛ رجل مَجْهُول الْحَال، وَلم تثبت عَدَالَته بِكَوْنِهِ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ، فَمَا كل قَارِئ مرضِي، وَأما هَذَا الرجل الثَّقَفِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ «دَاوُد» (فنحدس فِيهِ حدس) لَا يقطع النزاع، وَلَا يدْخلهُ فِي بَاب من يقبل حَدِيثه، وَذَلِكَ أَن هُنَاكَ دَاوُد بن أبي عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، وَهُوَ رجل مَعْرُوف، يروي عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وجماعات، وهومكي ثِقَة. قَالَه أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ، وَلَا نجزم القَوْل بِأَنَّهُ هُوَ، وَمُوجب التَّوَقُّف فِي (ذَلِك هُوَ أَنه) الَّذِي وصف فِي الْإِسْنَاد بِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 قد وَلدته أم حَبِيبَة، وَأم حَبِيبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها إِنَّمَا كَانَت لَهَا بنت وَاحِدَة قدمت بهَا من أَرض الْحَبَشَة، كَانَت ولدتها من زَوجهَا عبيد الله بن جحش، وَاسم هَذِه الْبِنْت حَبِيبَة، فَلَو كَانَ زوج حَبِيبَة هَذِه هُوَ عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود أمكن أَن يُقَال: إِن «دَاوُد» الْمَذْكُور ابْنه مِنْهَا، فَهُوَ حفيد لأم حَبِيبَة، وَهَذَا لَا نقل بِهِ، وَلَا (تحقق) لَهُ، بل الْمَنْقُول خِلَافه، وَهُوَ أَن زوج حَبِيبَة هَذِه دَاوُد بن عُرْوَة بن مَسْعُود، كَذَا قَالَ أَبُو عَلّي بن السكن وَغَيره، فداود الَّذِي لأم حَبِيبَة عَلَيْهِ ولادَة لَيْسَ دَاوُد بن أبي عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود، إِذْ لَيْسَ أَبُو عَاصِم زوجا لحبيبة، وَلَا هُوَ بِدَاوُد بن عُرْوَة بن مَسْعُود، (الَّذِي هُوَ) زوج حَبِيبَة؛ فَإِنَّهُ لَا ولادَة لأم حَبِيبَة عَلَيْهِ؛ فَالله أعلم من هُوَ، فَالْحَدِيث من أَجله ضَعِيف، هَذَا آخر كَلَامه. ونوح الَّذِي ادَّعَى جهالته ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَجعل دَاوُد الْمَذْكُور هُوَ ابْن أبي عَاصِم الثِّقَة، وَتَبعهُ الْمزي، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده حسن، إِلَّا رجلا وَاحِدًا لَا أتحقق حَاله، وَقد سكت عَنهُ أَبُو دَاوُد فَلم يُضعفهُ، وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ نوح بن (حَكِيم) ، وَقد علمت حَاله، وَجزم فِي «خلاصته» بِأَن إِسْنَاده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 حسن، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : هَذَا حَدِيث غَرِيب. ثمَّ قَالَ: فِيهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَفِيه مقَال، وَأكْثر مَا عابوا عَلَيْهِ التَّدْلِيس، وَقد صرح فِي هَذَا الحَدِيث بِالتَّحْدِيثِ، (فيحتج) بِهِ وَيكون حسنا. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر أَيْضا فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق. فَائِدَة: الحقا: بِكَسْر الْحَاء، وَتَخْفِيف الْقَاف، مَقْصُور، كَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة، قَالَ الشَّيْخ زكي (الدَّين) : ولعلها تكون لُغَة فِي الحِقْو. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : (الحقا) : يُقَال لَهُ: الحقْو، بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَهُوَ الْإِزَار والمئزر. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمل جَنَازَة سعد بن معَاذ بَين العمودين» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَن بعض أَصْحَابه، فَقَالَ كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الرّبيع عَنهُ: قَالَ قَائِل: لَا يحمل بَين العمودين هَذَا عندنَا مستنكر، فَلم يرض أَن جهل مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن (يَنْقُلهُ) ، حَتَّى عَابَ قَول من قَالَ بِفعل هَذَا، قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 الشَّافِعِي: وَقد رَوَاهُ بعض أَصْحَابنَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه حمل فِي جَنَازَة سعد بن معَاذ بَين العمودين» . وروينا عَن بعض أَصْحَابه (أَنهم فعلوا ذَلِك، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: وروينا ثبتًا عَن بعض أَصْحَابه) دون مَا رُوِيَ فِيهِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «رَأَيْت سعد بن أبي وَقاص فِي جَنَازَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَائِما بَين العمودين المقدمين، وَاضِعا السرير عَلَى كَاهِله» . وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط (الصَّحِيحَيْنِ) . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل حمل الْجِنَازَة أَيْضا عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد عَرفته من فعل سعد، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي من فعل عُثْمَان، وَأبي هُرَيْرَة، وَابْن الزبير، وَقد ذكرته بأسانيده إِلَيْهِم فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب، فَرَاجعه مِنْهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا من فعل [ابْن] عمر، فَقَالَ: أبنا بعض أَصْحَابنَا عَن ابْن جريج، عَن يُوسُف بن مَاهك «أَنه رَأَى ابْن عمر فِي جَنَازَة رَافع - يَعْنِي ابْن خديج - قَائِما بَين قائمتي السرير» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام بن عمار، ثَنَا معن، ثَنَا هَارُون مولَى قُرَيْش قَالَ: «رَأَيْت الْمطلب بَين عمودي سَرِير جَابر بن عبد الله» . قَالَ يَعْقُوب: كَانَ عندنَا خَارِجَة، فَقَالَ هِشَام: جَابر. وَرَوَى أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن مَاهك قَالَ: «شهِدت جَنَازَة رَافع بن خديج، وفيهَا ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، فَانْطَلق ابْن عمر حَتَّى أَخذ بِمقدم السرير بَين القائمتين، فَوَضعه عَلَى كَاهِله، ثمَّ مَشَى بهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 «الْمعرفَة» : وَرَوَى الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم حَدِيث ابْن عمر عَن حَمَّاد بن مدرك، عَن ابْن جريج. وَيذكر عَن يَحْيَى بن عبد الله «أَن أُسيد بن حضير مَاتَ، ويكنى أَبَا يَحْيَى، وَحمله عمر بَين عمودي السرير حَتَّى وَضعه» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن ابْن مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «إِذا تبع أحدكُم الْجِنَازَة فليأخذ بجوانب (السرير) الْأَرْبَعَة ثمَّ ليتطوع بعد أَو ليذر؛ فَإِنَّهُ من السّنة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي «مُسْنده» ، وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن أَبِيه قَالَ: «من اتبع جَنَازَة فليحمل بجوانب السرير كلهَا؛ فَإِنَّهُ من السّنة، ثمَّ إِن شَاءَ فليتطوع، وَإِن شَاءَ فَليدع» . وَهَذَا لفظ ابْن مَاجَه، وَلَفظ (الْأَوَّلين) مَا سلف، وَلم يُضعفهُ الْبَيْهَقِيّ، وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن أَبَا عُبَيْدَة لم يدْرك أَبَاهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْدِي، قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث اخْتلف فِي إِسْنَاده؛ فَقيل: عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 عبيد بن نسطاس، عَن أبي عُبَيْدَة، رَوَاهُ كَذَلِك مَنْصُور، وحدَّث بِهِ عَنهُ جمَاعَة. وَخَالفهُم أَبُو حنيفَة رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَرَوَاهُ عَن مَنْصُور وَوهم فِي إِسْنَاده، جعله عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن عبيد بن نسطاس، عَن ابْن مَسْعُود، وَأسْقط أَبَا عُبَيْدَة، وَالصَّحِيح: عَن مَنْصُور عَن عبيد بِهِ. وَقيل: عَن مَنْصُور، عَن قيس بن السكن، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبيد بن نسطاس، عَن أَبِيه، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه. قلت: وَفِي «مُصَنف بن أبي شيبَة» : (ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، عَن ثَوْر، عَن عَامر بن جشيب وَغَيره من أهل الشَّام) قَالُوا: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: «من تَمام أجر الْجِنَازَة أَن يشيعها من أَهلهَا، وَأَن يحمل بأركانها الْأَرْبَعَة، وَأَن يحثو فِي الْقَبْر» وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَقد جَاءَ فِي فضل من حمل السرير عَلَى هَذِه الْحَالة حَدِيث ثَوْبَان الْمَرْفُوع: «من اتبع جَنَازَة فَأخذ بجوانب السرير الْأَرْبَع غفر لَهُ أَرْبَعُونَ ذَنبا كلهَا من الْكَبَائِر» . وَحَدِيث أنس الْمَرْفُوع: «من حمل قَوَائِم السرير الْأَرْبَع إِيمَانًا واحتسابًا (حط) الله - عَزَّ وَجَلَّ - عَنهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَة» . وَلَا يصحان، فِي الأول سوار بن مُصعب الْهَمدَانِي الْمَتْرُوك، وَفِي الثَّانِي: عَلّي بن أبي سارة الشَّيْبَانِيّ؛ وَهُوَ مَتْرُوك أَيْضا؛ لَا جرم ذكرهمَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبا بكر وَعمر يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة الزُّهْرِيّ، عَن سَالم عَن أَبِيه بِهِ. وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ زِيَادَة: «وَعُثْمَان» . وَرُوِيَ مُرْسلا عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَأهل الحَدِيث يرَوْنَ أَنه أصح. قَالَه ابْن الْمُبَارك، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الصَّوَاب مُرْسل، وَوَصله خطأ. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة: يَا أَبَا مُحَمَّد، خالفك النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث. فَقَالَ سُفْيَان: استيقن الزُّهْرِيّ، حَدثنِي مرَارًا لست أحصيه، سَمِعت من فِيهِ يُعِيدهُ ويبديه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 عَن سَالم، عَن أَبِيه. وَلما رَوَى الطَّبَرَانِيّ: عَن ابْن الإِمَام أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن حجاج بن مُحَمَّد، عَن ابْن جريج، عَن زِيَاد بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، حَدثنِي سَالم، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يمشي بَين يَدي الْجِنَازَة» . وَبِه «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبُو بكر وَعمر يَمْشُونَ أمامها» (قَالَ عبد الله) قَالَ أبي - يَعْنِي: أَحْمد -: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَن الزُّهْرِيّ مُرْسل، وَحَدِيث سَالم فِعْلُ ابْن عمر، وَحَدِيث ابْن عُيَيْنَة كَأَنَّهُ وهم. (وَاخْتَارَ الْبَيْهَقِيّ تَرْجِيح الْوَصْل؛ لِأَن الَّذِي وَصله سُفْيَان وَهُوَ ثِقَة حَافظ إِمَام، وَقد أَتَى بِزِيَادَة عَلَى من أرسل، فَوَجَبَ تَقْدِيم قَوْله، وتابع ابْن عُيَيْنَة عَلَى رَفعه ابنُ جريج وَزِيَاد بن سعد وَمَنْصُور وَبكر وَغير وَاحِد) وَاخْتَارَ ذَلِك ابْن حبَان قبله، فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن سُفْيَان لم يسمع هَذَا الْخَبَر من الزُّهْرِيّ. ثمَّ أخرجه من حَدِيث الْحميدِي، نَا سُفْيَان، نَا الزُّهْرِيّ - غير مرّة أشهد لَك عَلَيْهِ - قَالَ: أَخْبرنِي سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبا بكر وَعمر يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة» فَقيل لِسُفْيَان: فِيهِ «وَعُثْمَان» ؟ قَالَ: لَا أحفظه. قيل لَهُ: فَإِن بعض النَّاس لَا يَقُوله إِلَّا عَن سَالم. فَقَالَ: حدّثنَاهُ الزُّهْرِيّ أشهد لَك عَلَيْهِ. وَقيل لَهُ: كَانَ ابْن جريج يَقُوله كَمَا تَقوله وَيزِيد فِيهِ «عُثْمَان» قَالَ سُفْيَان: لم أسمعهُ ذكر «عُثْمَان» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 ثمَّ قَالَ ابْن حبَان: ذكر الْخَبَر المدحض (قَول) من زعم أَن هَذَا الْخَبَر أَخطَأ فِيهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، ثمَّ أخرجه من حَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم: «أَن عبد الله بن عمر كَانَ يمشي بَين يَديهَا، وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان» . قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَذَلِكَ السّنة. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» اخْتِلَافا كثيرا فِي هَذَا الحَدِيث. وَمن ذَلِك: رِوَايَة شُعَيْب بن حَمْزَة وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ، ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ قَول من قَالَ: عَن سَالم، عَن أَبِيه: «أَنه كَانَ يمشي، وَقد مَشَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبُو بكر وعمرُ» . قَالَ: وَرُوِيَ عَن شريك، عَن خَالِد بن ذُؤَيْب، عَن الزُّهْرِيّ: «رَأَيْت ابْن عمر (يمشي) أَمَام الْجِنَازَة» . قَالَ: وَالزهْرِيّ وَإِن كَانَ لَقِي ابْن عمر فَإِن هَذَا القَوْل وهم؛ لِأَن الْحفاظ رَوَوْهُ عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم «أَنه رَأَى ابْن عمر ... » وَهُوَ الصَّوَاب. وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أنس كَحَدِيث ابْن عمر، قَالَ البُخَارِيّ: وَهِي خطأ، ومرسلا أصح. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ آثارًا كَثِيرَة عَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي الْمَشْي أمامها، ثمَّ ذكر بَابا فِي الْمَشْي خلفهَا، أَحَادِيث كلهَا ضَعِيفَة، ثمَّ قَالَ: الْآثَار فِي الْمَشْي أمامها أَكثر و (أصح) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «قَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْجِنَازَة حَتَّى تُوضَع، وَقَامَ النَّاس مَعَه، ثمَّ قعد بعد ذَلِك وَأمرهمْ بالقعود» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِمَعْنَاهُ، وَهَذَا لَفظه: «قَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي فِي الْجِنَازَة - ثمَّ قعد» . وَفِي لفظ لَهُ: «قَامَ فقمنا، ثمَّ قعد فَقَعَدْنَا» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم (بن حبَان) فِي «صَحِيحه» بلفظين: أَحدهمَا: «قَامَ عَلَى الْجَنَائِز حَتَّى تُوضع، (ثمَّ قعد» . وَثَانِيهمَا: «كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقيامِ فِي الْجَنَائِز، ثمَّ جلس بعد ذَلِك وأمرنا بِالْجُلُوسِ» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طرق، فِي بَعْضهَا كَرِوَايَة مُسلم، وَفِي بَعْضهَا كَمَا فِي «الرَّافِعِيّ» بِحُرُوفِهِ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ مَعَ الْجِنَازَة حَتَّى تُوضَع) ، وَقَامَ النَّاس مَعَه، ثمَّ قعد، وَأمرهمْ بالقعود» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن عليًّا رَأَى نَاسا قيَاما ينتظرون الْجِنَازَة أَن تُوضَع، فَأَشَارَ إِلَيْهِم بدرة مَعَه أَو سَوط أَن اجلسوا؛ فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد جلس بَعْدَمَا كَانَ يقوم» وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» وَابْن مَاجَه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي سَبَب الْقعُود قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقوم فِي الْجِنَازَة حَتَّى تُوضَع فِي اللَّحْد، فَمر حبر من الْيَهُود فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعل. فَجَلَسَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: اجلسوا؛ خالفوهم» . وَإسْنَاد هَذَا ضَعِيف؛ فِيهِ بشر بن رَافع - وَلَيْسَ بِحجَّة - عَن ابْن جُنَادَة، وَفِيه نظر كَمَا قَالَ البُخَارِيّ، وَقَالَ أَيْضا: هَذَا حَدِيث مُنكر، لم يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا أَدْرِي البلية من سُلَيْمَان بن جُنَادَة أَو من بشر. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يحفظ ذكر الحبر إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد عَن عليٍّ قَالَ: «لم يقم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا مرّة، ثمَّ لم يعد» وإسنادها أَيْضا ضَعِيف، (و) قَالَ الشَّافِعِي (رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدِيث) عَلّي - (يَعْنِي) الَّذِي رَوَاهُ مُسلم - أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ نَاسخ لحَدِيث عَامر بن ربيعَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَغَيرهمَا من الْأَحَادِيث الثَّابِتَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِالْقيامِ لمن مرت بِهِ جَنَازَة حَتَّى تخلفه أَو تُوضَع، وَأمر من مَعهَا أَن لَا يقْعد عِنْد الْقَبْر حَتَّى تُوضَع» حَتَّى قَالَ سليم الرَّازِيّ والمحاملي وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا: يكره الْقيام لَهَا إِذا لم يُرد الْمَشْي مَعهَا. وَخَالف صَاحب «التَّتِمَّة» فِي ذَلِك وَقَالَ: يسْتَحبّ ذَلِك، وَهُوَ قوي، وَبِه صحت الْأَحَادِيث بِالْأَمر بِالْقيامِ، وَلم يثبت فِي الْقعُود إِلَّا حَدِيث عليٍّ السالف، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي النّسخ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 بل لَيْسَ فِيهِ نسخ؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل الْقعُود لبَيَان الْجَوَاز، وَهَذَا اخْتَارَهُ من الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ، وَمن الْحَنَابِلَة ابْن عقيل. ثمَّ ذكر من حَدِيث عليٍّ وَعبادَة مَا يشْهد لذَلِك، (وَلذَلِك) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» : حَدِيث (عَلّي) مُحْتَمل النّسخ، إِلَّا أَن قَوْله فِي حَدِيث سَخْبَرَة: «مَا فعل ذَلِك إِلَّا مرّة فَلَمَّا نهي انْتَهَى» صَرِيح فِي النّسخ. قلت: لَكِن فِي سَنَده لَيْث بن (أبي) سليم، وحالته وَكَلَام النَّاس فِيهِ مَعْلُوم سلف. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الْمَشْي بالجنازة، فَقَالَ: دون الخبب، فَإِن يَك خيرا عجلتموه إِلَيْهِ، وَإِن يَك شرًّا فبعدًا لأهل النَّار، الْجِنَازَة متبوعة، وَلَا تتبع، لَيْسَ (مَعهَا) من (يقدمهَا) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الله التَّمِيمِي عَن أبي ماجدة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «سَأَلنَا نَبينَا (عَن الْمَشْي مَعَ الْجِنَازَة، فَقَالَ: مَا دون الخبب، إِن يكن خيرا يُعجَّل إِلَيْهِ، وَإِن يكن غير ذَلِك فبعدًا لأهل النَّار، والجنازة متبوعة وَلَا تتبع، لَيْسَ مَعهَا من يقدمهَا» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «سَأَلنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْمَشْي خلف الْجِنَازَة، قَالَ: مَا دون الخبب، فَإِن كَانَ خيرا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 عجلتموه، وَإِن كَانَ شرًّا فَلَا يُبعد إِلَّا أهل النَّار ... » وَالْبَاقِي بِمثلِهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه مُخْتَصرا بِلَفْظ: «الْجِنَازَة متبوعة» . وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث يَحْيَى الجابر أَو الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن أبي ماجدة، وَهُوَ حَدِيث واه لأجل (يَحْيَى الجابر) و (أبي ماجدة) ، أما يَحْيَى فضعفوه، مِنْهُم أَحْمد وَيَحْيَى وَالْبُخَارِيّ، قَالَ أَحْمد: لَيْسَ بشيءِ؛ إِنَّمَا يحدث عَن أبي ماجدة، وَذَلِكَ غير مَعْرُوف. وَأما أَبُو ماجد وَيُقَال لَهُ: أَبُو ماجدة أَيْضا، واسْمه عَابِد بن نَضْلَة كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم، وَهُوَ حَنَفِيّ، وَيُقَال: عجلي؛ فمجهول مُنكر الحَدِيث، (قَالَ التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَجْهُول. زَاد الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث) رَوَى عَنهُ يَحْيَى الجابر إِن كَانَ حفظ عَنهُ، سَمِعت ابْن حَمَّاد يَقُوله عَن النَّسَائِيّ. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد بعد أَن رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي «كناه» : أرَى [أَبُو] ماجدة هَذَا غير أبي ماجدة الْحَنَفِيّ الَّذِي حَدِيثه لَيْسَ بالقائم، وَهَذَا قَول آخر فِي الْفرق بَينهمَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَسمعت البُخَارِيّ يضعِّفه، قَالَ مُحَمَّد: قَالَ ابْن عُيَيْنَة: قيل ليحيى: مَنْ أَبُو ماجدة؟ قَالَ: طَائِر طَار فحدثنا. وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى: إِنَّه مُنكر الحَدِيث. قلت: وَفِي «تَارِيخ البُخَارِيّ» هَذِه الْحِكَايَة أَيْضا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 لكنه قَالَ: «طَارِئ طَرَأَ علينا فحدثنا» بدل مَا ذكره التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله. وَخَالف ابْن حبَان فَذكره فِي «الثِّقَات» من التَّابِعين، وَقَالَ: اسْمه عَلّي بن ماجدة، أَظُنهُ أَنا هُوَ. وَأخرج الْحَاكِم حَدِيثا لأبي ماجدة فِي الْحُدُود (من) «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ يَحْيَى الجابر ضَعِيف، وَأَبُو ماجدة وَقيل: (أَبُو ماجد) مَجْهُول، وَفِيمَا مَضَى كِفَايَة. يُرِيد الحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (أَسْرعُوا بالجنازة، فَإِن تَكُ صَالِحَة فَخير تقدمونها عَلَيْهِ، وَإِن تَكُ سُوَى ذَلِك فشر تضعونه عَن رِقَابكُمْ» . وَسقط للْبُخَارِيّ: «عَلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «قربتموها إِلَى الْخَيْر» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا اسْتهلّ السقط صلي عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من حَدِيث جَابر والمغيرة بن شُعْبَة، أما حَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 جَابر فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن أبي الزبير، (عَنهُ) مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «ووُرِّثَ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث قد اضْطربَ النَّاس فِيهِ، فَرَوَاهُ بَعضهم عَن أبي الزبير عَن جَابر مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَشْعَث (بن) سوار وَغير وَاحِد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَوْقُوفا، وَكَأن الْمَوْقُوف أصح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْمَوْقُوف أولَى بِالصَّوَابِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف فِي رفع الحَدِيث عَلَى عَطاء، فرفعه عَنهُ ابْن الصَّباح، وَوَقفه مُحَمَّد بن إِسْحَاق؛ رَوَاهُ عَن عَطاء عَن جَابر قَوْله. وروُي عَن أبي الزبير عَن جَابر، أسْندهُ يَحْيَى بن أبي أنيسَة عَنهُ، وَوَقفه إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَوْله، وروُي عَن شريك، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا، وَلَا يَصح ذَلِك، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: عِلّة هَذَا الحَدِيث أَن أَبَا الزبير عنعن فِيهِ عَن جَابر، وَلَيْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَفِيه مَعَ ذَلِك إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. ورده ابْن حزم بِأبي الزبير أَيْضا وَقَالَ: إِنَّه مُدَلّس. وَلم يذكر أَنه سَمعه من جَابر، وَذكره الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» هُنَا مَرْفُوعا مستشهدًا بِهِ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. قلت: وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الْفَرَائِض بِدُونِ إِسْمَاعِيل، (رَوَوْهُ فِي حَدِيث) سُفْيَان عَن، أبي الزبير، عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا اسْتهلّ الصَّبِي وُرِّث وَصلي عَلَيْهِ» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: (وَلم) أَجِدهُ من حَدِيث الثَّوْريّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر (مَوْقُوفا، فَكنت أحكمُ بِهِ. ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث الْمُغيرَة بن مُسلم، عَن أبي الزبير، عَن جَابر) مَرْفُوعا: «إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ورث، صلي عَلَيْهِ» . ثمَّ قَالَ: لَا أعلم أحدا رَفعه عَن أبي الزبير غير الْمُغيرَة، وَقد (أوقفهُ) ابْن جريج وَغَيره، وَقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 كتبناه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن (جَابر) (مَرْفُوعا) فَذكره كَمَا سلف، وَاعْترض صَاحب «الْإِلْمَام» عَلَى الْحَاكِم فَقَالَ: أَبُو الزبير لَيْسَ من شَأْن البُخَارِيّ فِي الْأُصُول. وَأما حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي هَذَا الْبَاب، وَأحمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «الرَّاكِب يسير خلف الْجِنَازَة، والماشي عَن يَمِينهَا وشمالها قَرِيبا مِنْهَا، والسقط يصلَّى عَلَيْهِ ويدعى لوَالِديهِ بالعافية وَالرَّحْمَة» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَأقرهُ عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي آخر كِتَابه «الاقتراح» قَالَ الْحَاكِم: وَشَاهده حَدِيث جَابر - يَعْنِي السالف - قَالَ: والشيخان لم يحْتَجَّا بِإِسْمَاعِيل بن مُسلم، يَعْنِي الْمَذْكُور فِي حَدِيث جَابر. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من قَول الْمُغيرَة، ثمَّ قَالَ: لم يرفعهُ سُفْيَان. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رُوِيَ (مَرْفُوعا، وَأَنا) لَا أحفظ رَفعه (وَرَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 أَيْضا إِلَّا أَنهم قَالُوا «الطِّفْل» بدل «السقط» كَذَا هُوَ) فِي إِحْدَى روايتي أَحْمد وَالْحَاكِم، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. تَنْبِيه: ذكر الشَّيْخ فِي «الْمُهَذّب» هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَلم أر من خرجه من هَذَا الْوَجْه، وَقد بيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» لَهُ: إِنَّه غَرِيب. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ ورد فِي الْخَبَر: «أَن الْوَلَد إِذا بَقِي فِي بطن أمه أَرْبَعَة أشهر نفخ فِيهِ الرّوح» . هَذَا (الحَدِيث صَحِيح) ، خبر عَظِيم الْموقع، وَهُوَ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة (عبد الله) بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق: «إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك، ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك، ثمَّ يُرْسل الْملك فينفخ فِيهِ الرّوح، وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات: بِكَتْب رزقه، وأجله، [وَعَمله] وشقي أَو سعيد، فوالذي لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 إِلَه غَيره إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة، حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها، وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها» . الحَدِيث (الْحَادِي) بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِغسْل أَبِيه أبي طَالب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن نَاجِية بن كَعْب الْكُوفِي، عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما مَاتَ أَبُو طَالب أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: إِن عمك الضال قد مَاتَ. فَقَالَ: انْطلق فواره، وَلَا تُحدِثن حَدثا حَتَّى تَأتِينِي. فَانْطَلَقت فواريته، فَأمرنِي فاغتسلت فَدَعَا لي) زَاد الْبَزَّار بدعوات، مَا يسرني أَن لي بهَا حمر النعم وسودها» ) وَلأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: «قَالَ لي قولا مَا أحب أَن لي بِهِ الدُّنْيَا» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» : «مَا يسرني أَن لي بِهن مَا عَلَى الأَرْض من شَيْء» وَرَوَاهُ أَحْمد عَن وَكِيع عَن سُفْيَان، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 وَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن يَحْيَى بن سعيد (عَن سُفْيَان) وَالنَّسَائِيّ عَن عبيد الله بن سعيد ثَنَا يَحْيَى عَن سُفْيَان قَالَ: حَدثنِي أَبُو إِسْحَاق، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن ابْن مثنى عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق، وَهَذِه أَسَانِيد جَيِّدَة. وَنَاجِيَة قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: شيخ. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَلَا أَدْرِي لماذا توقف فِيهِ ابْن حبَان. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ شُعْبَة وَالثَّوْري وَإِسْرَائِيل وَشريك وَزُهَيْر وَقيس وورقاء وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية (عَن عَلّي) وَخَالفهُم الْحُسَيْن بن وَاقد و [أَبُو] حَمْزَة السكرِي فروياه عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَلّي، ووهما فِي ذكر (الحَدِيث) ، وَذكر فِيهِ من الِاخْتِلَاف غير هَذَا، ثمَّ قَالَ: وَالْمَحْفُوظ قَول الثَّوْريّ وَشعْبَة وَمن تابعهما عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية عَن عَلّي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فرات الْقَزاز عَن نَاجِية أَيْضا، وَرَوَى (نَحوه) عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن عَلّي وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 نَاجِية عَن عَلّي، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا الثَّوْريّ وَشعْبَة وَشريك عَن أبي إِسْحَاق (وَرَوَاهُ) الْأَعْمَش عَنهُ عَن رجل عَن عَلّي ثمَّ قَالَ: وَنَاجِيَة هَذَا لم تثبت عَدَالَته عِنْد صَاحِبي الصَّحِيح، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه غسله. قَالَ: وَلَا نعلم أحدا رَوَى عَن نَاجِية غير أبي إِسْحَاق. قلت: وَرَوَى عَنهُ أَبُو حسان الْأَعْرَج وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف هَكَذَا. ثمَّ سَاقه وَبَين ضعفه، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أُسَامَة وَقَالَ: مُنكر لَا أصل لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَلّي من أوجه أخر هَكَذَا، وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَيروَى عَن عَلّي من قَوْله وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ (ثمَّ) رَوَاهُ من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَلّي، ثمَّ قَالَ: هَذَا غلط وَالْمَشْهُور عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية عَن عَلّي. قَالَ: وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن الْحَارِث عَن عَلّي من قَوْله. وَحَاصِل كَلَام الْبَيْهَقِيّ تَضْعِيفه وَقَالَ (الإِمَام) الرَّافِعِيّ فِي كتاب «الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة» : إِنَّه حَدِيث ثَابت مَشْهُور، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَصَاحب السّنَن. هَذَا لَفظه (فَالله أعلم) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بإلقاء قَتْلَى بدر فِي القليب عَلَى هيئاتهم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ترك قَتْلَى بدر ثَلَاثًا ثمَّ أَتَاهُم فَقَامَ عَلَيْهِم فناداهم فَقَالَ: يَا أَبَا جهل بن هِشَام، يَا أُميَّة بن خلف، يَا عتبَة بن ربيعَة، يَا شيبَة بن ربيعَة، أَلَيْسَ قد وجدْتُم مَا وعد ربكُم حقًّا؟ فَإِنِّي قد وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حقًّا. فَسمع عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَول النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ يسمعُونَ أَو أنَّى يجيبون وَقد جيفوا؟ ! قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم، وَلَكِن لَا يقدرُونَ أَن يجيبوا. ثمَّ أَمر بهم فسحبوا فَألْقوا فِي قليب بدر» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا [أنس بن مَالك] عَن أبي طَلْحَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر يَوْم بدر بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا من صَنَادِيد قُرَيْش فقذفوا فِي طوى من أطواء بدر خَبِيث مخبث، وَكَانَ إِذا ظهر عَلَى قوم أَقَامَ بالعرصة ثَلَاث لَيَال، فَلَمَّا كَانَ ببدر الْيَوْم الثَّالِث أَمر براحلته فَشد عَلَيْهَا رَحلهَا، ثمَّ مَشَى وَاتبعهُ أَصْحَابه، حَتَّى قَامَ عَلَى (سَقَى) الركي فَجعل يناديهم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم ... » الحَدِيث بِنَحْوِ الَّذِي (قبله) وَفِي آخِره «قَالَ قَتَادَة: أحياهم الله حَتَّى أسمعهم قَوْله توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة وندمًا» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَيْضا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 «أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمر بمواراتهم» وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ من كتب السّير وَغَيرهَا، وَلَا يُؤْخَذ ذَلِك من إلقائهم فِي القليب لأَنهم إِنَّمَا ألقوا فِيهِ تحقيرًا لَهُم وَلِئَلَّا يتَأَذَّى النَّاس (برائحتهم) وَلَيْسَ هُوَ دفنًا كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه لمُسلم» فَإِن الْحَرْبِيّ لَا يجب دَفنه قَالَ أَصْحَابنَا: بل يتْرك فِي الصَّحرَاء إِلَّا أَن يتَضَرَّر مِنْهُ. نعم فِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» وَقَالَ: عَلَى شَرط مُسلم من حَدِيث [عمر] بن يعلي بن مرّة عَن أَبِيه قَالَ: «سَافَرت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير مرّة فَمَا رَأَيْته مر بجيفة إِنْسَان إِلَّا أَمر بدفنه، لَا يسْأَل أمسلم هُوَ أم كَافِر» . فَائِدَة: القليب هِيَ الْبِئْر مَا كَانَت، ذكره ابْن سَيّده، قَالَ: وَقيل: هِيَ قبل أَن يطوى، وَقيل: هِيَ العاذبة الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يعلم لَهَا رب وَلَا حافر تكون بالبراري. تذكر وتؤنث، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القليب مَا كَانَ (فِيهِ) عين وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا القليب حفره رجل من بني الْبَار اسْمه «بدر» من قُرَيْش بن مخلد بن النَّضر وَكَانَ مَاء لَهُم) . الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجمع بَين الرجلَيْن من قَتْلَى أحد فِي ثوب وَاحِد ثمَّ يَقُول: أَيهمْ أَكثر أخذا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذا (أُشير) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 لَهُ إِلَى أَحدهمَا قدَّمه فِي اللحدَ. وَقَالَ: (أَنا شَهِيد) عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْم الْقِيَامَة. وَأمر بدفنهم فِي دِمَائِهِمْ، وَلم يغسلوا، وَلم يصل عَلَيْهِم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ، وَمِنْه (نقلته، والرافعي أورد مُخْتَصرا بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يصل) عَلَى قَتْلَى أحد» . وَرَوَاهُ أَيْضا التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان: «وَلم يصلَّ عَلَيْهِم» وَهُوَ بِفَتْح اللَّام، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَا أعلم أحدا تَابع اللَّيْث بن سعد من ثِقَات أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد، وَاخْتلف عَلَى الزُّهْرِيّ فِيهِ. هَذَا آخر كَلَامه، وَلم يُؤثر عِنْد البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ تفرد اللَّيْث بِهَذَا الْإِسْنَاد؛ فَإِنَّهُ من الأساطين، وَأَخْرَجَاهُ فِي كِتَابَيْهِمَا وصححاه، وَسَأَلَ التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَنهُ، فَقَالَ: حَدِيث حسن، وَحَدِيث أُسَامَة بن زيد - يَعْنِي بِهِ حَدِيث أنس الْآتِي - هُوَ غير مَحْفُوظ؛ غلط فِيهِ أُسَامَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم (يصلِّ) عَلَى قَتْلَى أحد، وَلم يغسلهم» . هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي مَنَاقِب حَمْزَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تقيُّ الدَّين فِي آخر «اقتراحه» أَيْضا، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر عَلَى حَمْزَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد مُثِّل بِهِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَن تَجِد صفيةُ فِي نَفسهَا لتركته حَتَّى تَأْكُله الْعَافِيَة، حَتَّى (يحْشر) من بطونها. ثمَّ دَعَا بنمرة فَكَفنهُ فِيهَا، وَكَانَت إِذا مدت عَلَى رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ، وَإِذا مدت عَلَى رجلَيْهِ بدا رَأسه. قَالَ: فكثرت الْقَتْلَى، وَقل الثِّيَاب، فَكَانَ الرجل وَالرجلَانِ وَالثَّلَاث يكفنون فِي الثَّوْب الْوَاحِد، ثمَّ يدفنون فِي قبر وَاحِد، وَيقدم أَكْثَرهم قُرْآنًا إِلَى الْقبْلَة، فدفنهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يصلِّ عَلَيْهِم» . وَذكره الْحَاكِم مطولا ومختصرًا بِلَفْظ: «أَن شُهَدَاء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، وَلم يصل عَلَيْهِم» . فَإِن قلت: فقد جَاءَ عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 (عدَّة) من الصَّحَابَة مَا ظَاهره أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَيْهِم؛ فَفِي «مَرَاسِيل أبي دَاوُد» عَن أنس قَالَ: «مر عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى حَمْزَة وَقد مثِّل بِهِ، وَلم يصل عَلَى أحد من الشُّهَدَاء غَيره» . وَأخرجه الْحَاكِم، وَقَالَ صَاحب «الاقتراح» : إِنَّه عَلَى شَرط مُسلم. وفيهَا أَيْضا عَن أبي مَالك الْغِفَارِيّ التَّابِعِيّ: «أَمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِحَمْزَة فَوضع، وَجِيء بِتِسْعَة فَصَلى عَلَيْهِم سبع صلوَات، حَتَّى صَلَّى عَلَى سبعين رجلا، وَفِيهِمْ حَمْزَة فِي كل صلاةٍ صلاهَا» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : رَوَى أَبُو مَالك قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى قَتْلَى أحد عشرَة عشرَة، فِي كل عشرَة حَمْزَة، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سبعين صَلَاة» . ثمَّ قَالَ: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «الْمَرَاسِيل» بِمَعْنَاهُ. وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» عَن شَدَّاد بن الْهَاد التَّابِعِيّ «أَن رجلا من الْأَعْرَاب جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فآمَنَ بِهِ واتَّبَعَه ... » وَذكر الحَدِيث، وَفِيه «أَنه اسْتشْهد، فَصَلى عَلَيْهِ (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) » . وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» فِي كتاب الْجِهَاد: عَن جَابر «أَن حَمْزَة جِيءَ بِهِ، فَصَلى عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ يجاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 بِالشُّهَدَاءِ (فتوضع إِلَى) جَانب حَمْزَة، فَيصَلي عَلَيْهِم، ثمَّ ترفع وَيتْرك حَمْزَة، حَتَّى صَلَّى عَلَى الشُّهَدَاء» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج فَصَلى عَلَى قَتْلَى أحد صلَاته عَلَى الْمَيِّت» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «صَلَّى عَلَيْهِم بعد ثَمَان سِنِين، كَالْمُودعِ للأحياء والأموات» . وَهَذِه الْأَحَادِيث تعَارض حَدِيث جَابر وَأنس السالفين، لَكِن حَدِيث أنس قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارَقُطْنِيّ: هَذِه اللَّفْظَة - وَهِي قَوْله: «وَلم يصل عَلَى (أحد) من الشُّهَدَاء غَيره» - لَيست مَحْفُوظَة. وَعَن التِّرْمِذِيّ فِي كتاب «الْعِلَل» : سَأَلت البُخَارِيّ فَقَالَ: هُوَ غير مَحْفُوظ، غلط فِيهِ أُسَامَة بن زيد. وَقد أسلفنا هَذَا فِيمَا مَضَى، وَفِي «التَّحْقِيق» لِابْنِ الْجَوْزِيّ عَن الدَّارَقُطْنِيّ: لم يقلها غير عُثْمَان بن عمر، وَلَيْسَت مَحْفُوظَة. ثمَّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ مُعْتَرضًا عَلَيْهِ: [عُثْمَان] هَذَا مخرج عَنهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَحَدِيث أبي مَالك مُرْسل؛ لِأَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 أَبَا مَالك واسْمه غَزوَان من التَّابِعين، (و) فِي إِسْنَاده حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي، أعله ابْن الْجَوْزِيّ، وَنقل (عَنهُ) فِي «تَحْقِيقه» عَن يزِيد بن هَارُون أَنه كَانَ قد نسي. وَعَن (النَّسَائِيّ) أَنه تغير لكنه من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» . وَحَدِيث شَدَّاد بن الْهَاد مُرْسل أَيْضا؛ لِأَن شَدَّاد بن الْهَاد تَابِعِيّ، والْحَدِيث ضَعِيف أَيْضا، وَعَلَى تَقْدِير صِحَّته أَيْضا يحمل عَلَى أَنه لم يمت فِي المعركة. قَالَه الْبَيْهَقِيّ. وَحَدِيث جَابر فِيهِ أَبُو حَمَّاد الْفضل بن صَدَقَة، وَهُوَ مَتْرُوك كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «التَّنْوِير» : وَحَدِيث ابْن عَبَّاس ذكره مُسلم فِي مُقَدّمَة «صَحِيحه» عَن (شُعْبَة) عَن الْحسن، عَن الحكم (عَن) مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أحد، ودفنهم» . قَالَ (شُعْبَة) : كذب الْحسن بن عمَارَة؛ إِنَّمَا قلتُ للْحكم: أصلى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى قَتْلَى أحد؟ قَالَ: لم يصل عَلَيْهِم. قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (فِي (المعجم) الْكَبِير» من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَالْحكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 بن عتيبة، عَن مقسم وَمُجاهد، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر عَلَى حَمْزَة تسعا، ثمَّ جمع عَلَيْهِ الشُّهَدَاء، كلما أُتِي بِشَهِيد وضع إِلَى جنبه، فَصَلى عَلَيْهِ وَعَلَى الشُّهَدَاء (اثْنَيْنِ) وَسبعين صَلَاة» . قَالَ: وَحَدِيث أنس: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا صَلَّى عَلَى جَنَازَة كبر عَلَيْهَا أَرْبعا، وَأَنه كبر عَلَى حَمْزَة سبعين تَكْبِيرَة» لَا يَصح، فِيهِ سعيد بن ميسرَة، قَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ الْحَاكِم: رَوَى عَن أنس أَشْيَاء مَوْضُوعَة. وَكذبه يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَأَخْطَأ ابْن حبَان فِي قَوْله: «رَوَى عَنهُ يَحْيَى الْقطَّان» (فَإِنَّهُ) الْتبس عَلَيْهِ بالعطار (بالراء) ، قَالَ: وَكَيف يروي عَنهُ وَقد كذَّبه؟ ! قَالَ ابْن دحْيَة: وَكَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «أُتِي بهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم أحد، فَجعل يُصَلِّي عَلَى عشرَة عشرَة وَحَمْزَة، يرفعون وَهُوَ كَمَا هُوَ مَوْضُوع» ، فَإِن فِيهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. قلت: تبع فِيهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ؛ فَإِنَّهُ نقل ذَلِك عَن البُخَارِيّ، وَنقل عَن النَّسَائِيّ أَنه قَالَ فِيهِ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَوهم فِي ذَلِك؛ فَإِنَّمَا قَالَا ذَلِك فِي يزِيد بن زِيَاد، وَيُقَال: يزِيد بن أبي زِيَاد الشَّامي، (وَأما رَاوِي) هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ الْكُوفِي، وَلَا يُقَال فِيهِ: (ابْن) زِيَاد، وَقد أخرج لَهُ م مَقْرُونا، ووثق، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أعلم أحدا ترك حَدِيثه. وَقد جعل ابْن الْجَوْزِيّ هذَيْن الرجلَيْن فِي «الضُّعَفَاء» وَاحِدًا، وَهُوَ وهم أَيْضا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 قَالَ ابْن دحْيَة: وَكَذَا حَدِيث أبي مَالك السالف لَا يَصح بِسَبَب حُصَيْن لشدَّة ضعفه، وتخليط عقله. وَقد تقدم مَا فِي هَذَا، وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب، عَن الشّعبِيّ، عَن ابْن مَسْعُود «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وضع حَمْزَة فَصَلى عَلَيْهِ، وَجِيء بِرَجُل من الْأَنْصَار، فَوضع إِلَى جنبه فَصَلى عَلَيْهِ، فَرفع الْأنْصَارِيّ، وَترك حَمْزَة حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ سبعين صَلَاة» . وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» و «الْخُلَاصَة» أَيْضا (اتِّفَاق) الْحفاظ عَلَى ضعف هَذِه الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة - وَلم يذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود السالف - إِلَّا حَدِيث عقبَة، وَأَنه لم يَصح فِي إِثْبَات الصَّلَاة عَلَى الشَّهِيد وغسله شَيْء، قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: وَأقرب مَا فِيهِ هَذَانِ المرسلان. يَعْنِي: حَدِيث أبي مَالك وَشَدَّاد بن الْهَاد. وَأجَاب الْحفاظ عَن حَدِيث عقبَة بِأَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ الدُّعَاء، وَقَوله: «صلَاته عَلَى الْمَيِّت» أَي: دَعَا لَهُم كدعاء صَلَاة الْمَيِّت. وَهَذَا التَّأْوِيل مُتَعَيّن، وَلَيْسَ المُرَاد صَلَاة الْجِنَازَة الْمَعْرُوفَة بِالْإِجْمَاع؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا فعله بعد مَوْتهمْ (بثمان سِنِين) ، وَلَو كَانَ صَلَاة الْجِنَازَة لما (أَخّرهَا ثَمَان سِنِين) وَلِأَن عندنَا لَا يصلى عَلَى الشَّهِيد، وَعند الْمُخَالف لَا يصلى (عَلَى) الْقَبْر بعد ثَلَاثَة أَيَّام، فَوَجَبَ تَأْوِيله، وَلِأَن الْمُخَالف لَا يقبل خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبَلْوَى، وَهَذَا مِنْهَا، فَإِن قيل: حَدِيث جَابر وَأنس (السالفين) فِي الِاحْتِجَاج بهما وَقْفَة؛ لِأَنَّهَا نفي، وَشَهَادَة النَّفْي مَرْدُودَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 مَعَ مَا عارضها من هَذِه الرِّوَايَات الَّتِي فِيهَا الْإِثْبَات. فَالْجَوَاب مَا قَالَه أَصْحَابنَا: أَن شَهَادَة النَّفْي إِنَّمَا ترد إِذا لم يحط بهَا علم الشَّاهِد وَلم تكن محصورة، أما مَا أحَاط بِهِ علمه وَكَانَ محصورًا فَيقبل بالِاتِّفَاقِ. وَهَذِه قصَّة مَعْرُوفَة أحَاط بهَا جَابر وَأنس علما، وَأما رِوَايَة الْإِثْبَات فضعيفة، فوجودها كَالْعدمِ، إِلَّا حَدِيث عقبَة، وَقد سلف الْجَواب عَنهُ، وَاشْتَدَّ إِنْكَار الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «الْأُم» وتشنيعه عَلَى من يَقُول: يصلَّى عَلَى الشَّهِيد، محتجًّا بِرِوَايَة الشّعبِيّ وَغَيره «أَن حَمْزَة صُلِّي عَلَيْهِ سَبْعُونَ صَلَاة، وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَة من الْقَتْلَى وَحَمْزَة عاشرهم، ثمَّ يرفعون وَحَمْزَة مَكَانَهُ، ثمَّ يُؤْتَى بِتِسْعَة أُخْرَى، فَيصَلي عَلَيْهِم وَعَلَى حَمْزَة، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سبعين صَلَاة» . قَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ: شُهَدَاء أحد اثْنَان وَسَبْعُونَ شَهِيدا، فَإِذا صلي عَلَيْهِم عشرَة عشرَة، فالصلوات لَا تكون أَكثر من سبع صلوَات أَو ثَمَان، عَلَى أَنه صلي عَلَى كل تِسْعَة مَعَ حَمْزَة صَلَاة، فَهَذِهِ تسع، فَمن أَيْن جَاءَت سَبْعُونَ صَلَاة؟ ! وَإِن عني بِهِ أَنه كبر سبعين تَكْبِيرَة فَنحْن وهم نقُول: التَّكْبِير أَربع، فَهِيَ إِذا كَانَت تسع صلوَات تكون سِتًّا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة. قَالَ الشَّافِعِي: يَنْبَغِي لمن رَوَى هَذَا الحَدِيث أَن يستحيي عَلَى نَفسه، وَقد كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يُعَارض بِهِ الْأَحَادِيث، فقد جَاءَت من وُجُوه متواترة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يصل عَلَيْهِم. وَنقل هَذَا النَّص كُله الْبَيْهَقِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كتاب «الْمعرفَة» وَقَالَ فِي «خلافياته» : لَا يَصح عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه صَلَّى عَلَى أحد من شُهَدَاء أحد، (لَا) عَلَى حَمْزَة وَلَا عَلَى غَيره. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: من الأساليب مَا ذكر من صَلَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 قَتْلَى أحد؛ فخطأ، لم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة؛ لأَنهم رووا «أَنه كَانَ يُؤتى بِعشْرَة عشرَة وَحَمْزَة أحدهم، (فَصَلى) عَلَى حَمْزَة سبعين صَلَاة» . وَهَذَا غلط ظَاهر؛ فَإِن شُهَدَاء أحد سَبْعُونَ، وَإِنَّمَا يخص حَمْزَة بسبعين صَلَاة لَو كَانُوا سَبْعمِائة. وَقَالَ ابْن حزم: قَوْلهم إِنَّه صَلَّى عَلَى حَمْزَة سبعين صَلَاة، أَو كبر سبعين تَكْبِيرَة. بَاطِل بِلَا شكّ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رجم الغامدية، وَصَلى عَلَيْهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. فَائِدَة: تَعَارَضَت الرِّوَايَات فِي صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَاعِز، فَفِي «البخاريّ» من رِوَايَة جَابر «أَنه صَلَّى عَلَيْهِ» ذكره فِي أول كتاب الْمُحَاربين فِي بَاب الرَّجْم بالمصلى، وَفِي «أبي دَاوُد» وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بأسانيد صَحِيحَة «أَنه لم يصل عَلَيْهِ» وَلَا يخْفَى أَن الْمُثبت مقدم عَلَى النَّافِي؛ لِأَن مَعَه زِيَادَة علم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ «أَن حَنْظَلَة (بن) الراهب قتل يَوْم أحد وَهُوَ جنب، فَلم يغسلهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي يَحْيَى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن حَنْظَلَة لما قَتله شَدَّاد بن الْأسود، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن صَاحبكُم حَنْظَلَة تغسله الْمَلَائِكَة؛ فَسَلُوا صاحبته. فَقَالَت: خرج وَهُوَ جنب لما سمع (الهائعة) . فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لذَلِك غسلته الْمَلَائِكَة» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي تَرْجَمَة حَنْظَلَة من «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الْفَضَائِل مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هَذِه الطَّرِيق، وَقَالَ: مُرْسل، وَهُوَ فِيمَا بَين أهل الْمَغَازِي مَعْرُوف. قلت: وَهُوَ مُرْسل صَحَابِيّ؛ لِأَن ابْن الزبير لم يدْرك أُحُدًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْن سنتَيْن، وَالْجُمْهُور عَلَى الِاحْتِجَاج بمرسل الصَّحَابِيّ، إِلَّا من شَذَّ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (أَيْضا) من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن صَاحبكُم لتغسله الْمَلَائِكَة - (يَعْنِي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 حَنْظَلَة) فاسألوا أَهله مَا شَأْنه؟ فَسُئِلت صاحبته فَقَالَت: خرج وَهُوَ جنب حِين سمع الهائعة. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لذَلِك غسلته الْمَلَائِكَة» وَهَذَا مُرْسل أَيْضا، وَرُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه، بِلَفْظ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن الْمَلَائِكَة غسلت حَمْزَة وحَنْظَلَة، وَكَانَا جنبان» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده أَبُو شيبَة، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة حَمْزَة: «أَنه قتل وَهُوَ جنب، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: غسلته الْمَلَائِكَة» وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ مُعلى بن عبد الرَّحْمَن أحد الهلكى. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ سعد فِي حَدِيث حَنْظَلَة قَالَ: «لما قتل حَنْظَلَة بن أبي عَامر قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسل حَنْظَلَة بن أبي عَامر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بِمَاء المزن فِي صحاف الْفضة. قَالَ أَبُو (أسيد) السَّاعِدِيّ: فذهبنا، فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ، فَإِذا رَأسه يقطر مَاء، فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرته، فَأرْسل إِلَى امْرَأَته فَسَأَلَهَا؛ فَأَخْبَرته أَنه خرج وَهُوَ جنب» . فولده يُقَال لَهُم: بَنو غسيل الْمَلَائِكَة. تَنْبِيه: وَقع للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «شرح الْمُهَذّب» نوع اضْطِرَاب فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ أَولا: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد. ثمَّ قَالَ بعده بورقتين: قد قدمنَا أَنه حَدِيث ضَعِيف. وَشرع يُجيب عَنهُ عَلَى تَقْدِير ثُبُوته، فيتنبه لذَلِك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بقتلى أحد أَن ينْزع عَنْهُم الْحَدِيد و (الْجُلُود) ، وَأَن يدفنوا بدمائهم وثيابهم» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث عَلّي بن عَاصِم، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَعلي هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ أَحْمد: مَا لَهُ تكْتب أَحَادِيثه، أَخطَأ يتْرك خَطؤُهُ وَيكْتب صَوَابه، قد أَخطَأ غَيره. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: قيل ليحيى بن معِين: إِن أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِيهِ: ثِقَة. قَالَ: لَا وَالله مَا كَانَ عِنْده قطّ ثِقَة، وَلَا حدث عَنهُ بِحرف قطّ، فَكيف صَار عِنْده الْيَوْم ثِقَة؟ ! وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: مَا زلنا نعرفه بِالْكَذِبِ. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: مَا عتبت عَلَيْهِ إِلَّا أَنه كَانَ (يخلط) فيلج ويستصغر أَصْحَابه. وَقَالَ يزِيد بن زُرَيْع: أفادني عَن خَالِد الْحذاء وَهِشَام بن حسان أَحَادِيث، فأنكراها وَمَا عرفاها. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِنَّه تكلم بِكَلَام سوء وَلم يفسره. قلت: وَثمّ للْحَدِيث عِلّة أُخْرَى، وَهِي عَطاء بن السَّائِب الْمُخْتَلط بِأخرَة، وَقد أسلفنا مَا فِيهِ للحفاظ فِي بَاب الْأَحْدَاث، فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين مِنْهُ (فَتنبه لَهُ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله لَا يرد دَعْوَة ذِي الشيبة الْمُسلم» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ؛ فَإِنَّهُ أوردهُ فِي «وسيطه» ، وَهُوَ تبع إِمَامه فِي «نهايته» ، وَلَا يحضرني من خرجه، نعم رَوَى النَّسَائِيّ فِي كِتَابه «عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة» حَدِيثا قَرِيبا مِنْهُ عَن زَكَرِيَّا بن يَحْيَى، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن طَلْحَة بن يَحْيَى، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، عَن طَلْحَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ أحد أفضل عِنْد الله من مُؤمن يعمر فِي الْإِسْلَام» . وَفِي «صَحِيح أبي حَاتِم» وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «الْبركَة مَعَ أكابركم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْن حبَان: لم يحدث ابْن الْمُبَارك هَذَا الحَدِيث بخراسان، وَإِنَّمَا حدث بدرب الرّوم؛ فَسمع مِنْهُ أهل الشَّام، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث فِي كتب ابْن الْمُبَارك مَرْفُوعا. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر كتاب «الاقتراح» من الطَّرِيق الْمَذْكُور مَرْفُوعا بِلَفْظ «الْخَيْر» بدل «الْبركَة» ، ثمَّ قَالَ: هُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 «الْمَقْصد الْأَسْنَى» : إِنَّه حَدِيث حسن. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «إِن من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم» وَفِيه طول، لم (يُضعفهُ) أَبُو دَاوُد، وَكَذَا عبد الْحق، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأبي كنَانَة أحد رُوَاته وَقَالَ: لَا يعرف. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» عَن أنس مَرْفُوعا: «من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم» . ثمَّ نقل عَن ابْن حبَان أَنه لَا أصل لَهُ، (ومنام يَحْيَى بن أَكْثَم فِي «تَارِيخ بَغْدَاد» ، وَفِيه من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن جِبْرِيل عَن الله: «مَا شَاب عبد فِي الْإِسْلَام شيبَة إِلَّا [استحييت] لَهُ أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 أعذبه فِي النَّار، وَإِن الله صدق الْكل» ) . الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى عَلَى امْرَأَة مَاتَت فِي نفَاسهَا، فَقَامَ وَسطهَا» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «صَلَّى عَلَى أم كَعْب مَاتَت وَهِي نفسَاء» . فَائِدَة: وَسطهَا: بِفَتْح السِّين وسكونها، قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي «شرح مُسلم» : ضبطناه والجياني أَيْضا بِالسُّكُونِ، وَأما ابْن دِينَار فَقَالَ: وَسَط الدَّار ووسْطها مَعًا. كَذَا نَقله عَن ابْن دِينَار، وَنَقله فِي «الشهَاب» عَن ابْن دَريد. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَامَ عَلَى جَنَازَة رجل فَقَامَ عِنْد رَأسه، ثمَّ أُتِي بِجنَازَة امْرَأَة فَصَلى عَلَيْهَا، وَقَامَ عِنْد عجيزتها، فَقيل لَهُ: هَل كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقوم عِنْد رَأس الرجل وعجيزة الْمَرْأَة؟ فَقَالَ: نعم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وحسَّنه، وَلَفظ أبي دَاوُد «أَن أنسا قَامَ عِنْد رَأس رجل وَكبر أَربع تَكْبِيرَات لم يطلّ وَلم يسْرع، ثمَّ ذهب (يقْعد) فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَة، المراة الْأَنْصَارِيَّة. فقربوها وَعَلَيْهَا نعش أَخْضَر، فَقَامَ عِنْد عجيزتها، فَصَلى عَلَيْهَا نَحْو صلَاته عَلَى الرجل، ثمَّ جلس، فَقَالَ الْعَلَاء بن زِيَاد: يَا أَبَا (حَمْزَة) هَكَذَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَة كصلاتك، يكبر أَرْبعا وَيقوم عِنْد رَأس الرجل وعجيزة الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ عَن أبي غَالب نَافِع، وَقيل: رَافع، قَالَ: «صليتُ مَعَ أنس بن مَالك عَلَى جَنَازَة رجل، فَقَامَ حِيَال رَأسه، ثمَّ جَاءُوا بِجنَازَة امْرَأَة (من) قُرَيْش، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَة، صلِّ عَلَيْهَا. (فَقَامَ) حِيَال وسط السرير، فَقَالَ لَهُ الْعَلَاء بن زِيَاد: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ عَلَى الْجِنَازَة مقامك مِنْهَا، وَمن الرجل [مَقامك] مِنْهُ؟ قَالَ: نعم. فَلَمَّا فرغ قَالَ: احْفَظُوا» . وَلَفظ ابْن مَاجَه نَحوه، وَكَذَا أَحْمد، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَأَيْت أَبَا عَلّي الطَّبَرِيّ حَكَى عَن أنس فِي هَذَا الرجل «أَنه وقف عِنْد صَدره» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 قلت: هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة، لَا أعلم من خرجها. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِن هَذَا غلط صَرِيح. قَالَ: وَالصَّوَاب الْمَوْجُود فِي كتب الحَدِيث «أَنه وقف عِنْد رَأسه» . فَائِدَة: وَقع فِي هَذَا الحَدِيث فِي «سنَن أبي دَاوُد» أَن هَذِه الْمَرْأَة كَانَت أنصارية، وَوَقع فِي التِّرْمِذِيّ أَنَّهَا قرشية، كَمَا أسلفنا ذَلِك، وذكرهما الْبَيْهَقِيّ، وَيجمع بَينهمَا بِأَنَّهَا لَعَلَّهَا كَانَت من إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَلها حلف من الْأُخْرَى، أَو زَوجهَا من الْأُخْرَى، وَقد ذكره كَذَلِك النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» احْتِمَالا، وَكَذَا قَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : لَعَلَّ كَانَ نَسَبهَا من قُرَيْش وبالحلف من الْأَنْصَار، أَو عَكسه. قَالَ: وَالْقَائِل «احْفَظُوا» هُوَ الْعَلَاء بن زِيَاد. فَائِدَة: عَجِيزة الْمَرْأَة: بِفَتْح الْعين وَكسر الْجِيم (أليتاها) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين (عَن جَابر) «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر عَلَى الْمَيِّت أَرْبعا، وَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن بعد التَّكْبِيرَة الأولَى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ هَكَذَا الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَإِبْرَاهِيم هَذَا سلف بَيَانه فِي كتاب الطَّهَارَة، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل سلف فِي الْوضُوء. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه مستشهدًا بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 بِلَفْظ: «كَانَ يكبر عَلَى جنائزنا أَرْبعا، (وَيقْرَأ) بِفَاتِحَة الْكتاب فِي التَّكْبِيرَة الأولَى» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَة بِفَاتِحَة الْكتاب» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي، وَإِبْرَاهِيم بن عُثْمَان - يَعْنِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - مُنكر الحَدِيث. قلت: وَهُوَ أَبُو شيبَة الوَاسِطِيّ، جد بني شيبَة أبي بكر وَعُثْمَان، وَقد أَجمعُوا عَلَى ضعفه، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِنَّه حَدِيث لَا يثبت بِسَبَب إِبْرَاهِيم هَذَا؛ فَإِن شُعْبَة كذبه. وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث حَمَّاد بن جَعْفَر الْعَبْدي، حَدثنِي شهر بن حَوْشَب، حَدَّثتنِي أم شريك الْأَنْصَارِيَّة (قَالَت) : «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نَقْرَأ عَلَى الْجِنَازَة بِفَاتِحَة الْكتاب» وَشهر هَذَا سلف أَقْوَال أهل الْفَنّ فِيهِ فِي بَاب النَّجَاسَات، وَحَمَّاد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن حبَان، وَقَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث، لم أجد لَهُ غير حديثين (أَحدهمَا) هَذَا. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن من الْأَركان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 التَّكْبِيرَات الْأَرْبَع، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة أَحَادِيث صَحِيحَة، مِنْهَا حَدِيث أنس السالف قَرِيبا، وَمِنْهَا أَحَادِيث ثَابِتَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» (أَحدهَا) : عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى قبر وَكبر أَرْبعا» . ثَانِيهَا: عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نَعَى النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخرج بهم إِلَى الْمُصَلى، فَصف بهم وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا» . ثَالِثهَا: عَن جَابر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيّ، فَكبر أَرْبعا» . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين ثَبت «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر عَلَى الْجِنَازَة أَكثر من أَربع» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: «كَانَ زيد يكبر عَلَى جنائزنا أَرْبعا، وَأَنه كبر عَلَى جَنَازَة خمْسا فَسَأَلته، فَقَالَ: كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يكبرها) » . وَزيد هَذَا هُوَ ابْن أَرقم، كَمَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض الطّرق. وَرَوَى أَحْمد عَن عبد الصَّمد، ثَنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 عبد الْعَزِيز بن مُسلم، ثَنَا يَحْيَى بن عبد الله الجابر، عَن عِيسَى مولَى لِحُذَيْفَة «أَنه صَلَّى عَلَى جَنَازَة فكبَّر خمْسا، وَقَالَ: فعلت كَمَا فعل حُذَيْفَة. وَقَالَ حُذَيْفَة: فعلت كَمَا فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» يَحْيَى هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ، وَرَوَى ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب «الْإِعْلَام بناسخ الحَدِيث ومنسوخه» من حَدِيث الزبير بن الْعَوام «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبَّر عَلَى (حَمْزَة) سبع تَكْبِيرَات» . وَمن حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ: «حفظنا التَّكْبِير عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قد كبَّر أَرْبعا وخمسًا وَسبعا، فَمَا كبَّر إمامكم فكبروا» . وَقد جَاءَت الزِّيَادَة أَيْضا عَلَى الْأَرْبَع عَن بعض الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَعَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كبر عَلَى سهل بن حنيف سِتا، وَكَانَ شهد بَدْرًا» . رَوَاهُ البرقاني فِي «صَحِيحه» وَأَصله فِي «البُخَارِيّ» لكنه قَالَ: «يكبِّر عَلَيْهِ» وَلم يذكر عددا. وَعنهُ أَيْضا «أَنه كَانَ يكبر عَلَى أهل بدر سِتا، وَعَلَى سَائِر الصَّحَابَة خمْسا، وَعَلَى سَائِر النَّاس أَرْبعا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَعنهُ أَيْضا: «أَنه صَلَّى عَلَى أبي قَتَادَة فَكبر عَلَيْهِ سبعا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَى، وَهُوَ غلط؛ لِأَن أَبَا قَتَادَة بَقِي بعد عَلّي مُدَّة طَوِيلَة. وَأما ابْن عبد الْبر فَإِنَّهُ قَالَ فِي «تمهيده» : إِنَّه رُوِيَ من وُجُوه. وَنقل الكلاباذي عَن ابْن سعد عَن الْهَيْثَم بن عدي قَالَ: توفّي أَبُو قَتَادَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 بِالْكُوفَةِ وَعلي بهَا، وَهُوَ صَلَّى عَلَيْهِ. وَفِيه النّظر الْمَذْكُور؛ لِأَن عليًّا توفّي سنة أَرْبَعِينَ، كَمَا ذكره الكلاباذي فِي تَرْجَمته، وَأَبُو قَتَادَة توفّي سنة أَربع وَخمسين، كَمَا ذكره أَيْضا فِي تَرْجَمته، وَعَن الحكم بن عتيبة أَنه قَالَ: «كَانُوا يكبرُونَ عَلَى أهل بدر خمْسا، وستًا، وَسبعا» . رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» . تَنْبِيه: فِي «علل ابْن أبي حَاتِم» حَدِيث غَرِيب عَن مُحَمَّد بن مسلمة قَالَ: «السّنة عَلَى الْجِنَازَة أَن يكبر الإِمَام، ثمَّ يقْرَأ أم الْقُرْآن فِي نَفسه، ثمَّ يَدْعُو ويخلص الدُّعَاء للْمَيت، ثمَّ يكبر ثَلَاثًا، ثمَّ يسلم وينصرف، وَيفْعل من وَرَاءه ذَلِك» . كَذَا وجدته: «يكبر ثَلَاثًا» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: هُوَ خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ حبيب بن مسلمة. قَالَ الرَّافِعِيّ: والأربع أولَى لاستقرار الْأَمر عَلَيْهَا واتفاق الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. قلت: أما اسْتِقْرَار الْأَمر عَلَيْهَا، فَفِي «النَّاسِخ والمنسوخ» لِابْنِ شاهين، وَرَوَاهُ (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «ناسخه» أَيْضا عَنهُ عَن (مُحَمَّد بن عَلّي بن نيزك) الطوسي، نَا كثير بن شهَاب الْقزْوِينِي، نَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 عبد الله بن الْجراح، نَا زَافِر بن سُلَيْمَان، عَن أبي (الْعَلَاء) ، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن عبد الله بن عمر قَالَ: «آخر مَا كبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى (الْجَنَائِز) أَرْبعا» . قَالَ: وثنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْآدَمِيّ، نَا أَحْمد بن الْوَلَد الفحام، نَا خُنَيْس بن بكر بن خُنَيْس، ثَنَا الْفُرَات (ابْن) سُلَيْمَان الْجَزرِي، عَن مَيْمُون، عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «آخر مَا كبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْجَنَائِز أَرْبعا (وَهَذَا الْأَخير رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «آخر مَا كبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْجَنَائِز أَرْبعا) وَكبر عمر عَلَى أبي بكر (أَرْبعا) ، وَكبر (عبد الله بن عمر عَلَى) عمر أَرْبعا، وَكبر الْحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 بن عَلّي عَلَى عَلّي أَرْبعا، وَكبر الْحُسَيْن بن عَلّي عَلَى الْحسن أَرْبعا، وَكَبرت الْمَلَائِكَة عَلَى آدم صَلَّى الله عَلَيْهِ أَرْبعا» . قَالَ الْحَاكِم: لست مِمَّن يخْفَى عَلَيْهِ أَن فرات بن السَّائِب لَيْسَ من شَرط الْكتاب، وَإِنَّمَا أخرجته شَاهدا لحَدِيث أنس قَالَ: «كَبرت الْمَلَائِكَة عَلَى آدم أَرْبعا، وَكبر أَبُو بكر عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْبعا، وَكبر عمر عَلَى أبي بكر أَرْبعا، وَكبر صُهَيْب عَلَى عمر أَرْبعا، وَكبر الْحسن بن عَلّي عَلَى عَلّي أَرْبعا، وَكبر الْحُسَيْن عَلَى الْحسن أَرْبعا» . قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: ولمبارك بن فضَالة - يَعْنِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - من الزّهْد وَالْعلم بِحَيْثُ لَا يجرح مثله، إِلَّا أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَاهُ لسوء حفظه. وينجبر بِالشَّاهِدِ السَّابِق، وستعرف كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِيهِ قَرِيبا أَيْضا. وَقَالَ الْخلال فِي «علله» : أَخْبرنِي حَرْب قَالَ: سُئِلَ أَحْمد عَن أبي الْمليح، عَن مَيْمُون، عَن ابْن عَبَّاس «أَن آخر جَنَازَة صَلَّى عَلَيْهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر أَرْبعا» . قَالَ أَحْمد: هَذَا كذب، إِنَّمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن زِيَاد الطَّحَّان، وَكَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ الْأَثْرَم: رَوَاهُ مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة النَّيْسَابُورِي، عَن أبي الْمليح، عَن مَيْمُون، عَن ابْن عَبَّاس «أَن الْمَلَائِكَة صلت عَلَى آدم، فكبرت عَلَيْهِ أَرْبعا» . قَالَ أَبُو عبد الله: (رَأَيْت لمُحَمد) (هَذَا أَحَادِيث مَوْضُوعَة. فَذكر مِنْهَا) هَذَا الحَدِيث، واستعظمه أَبُو عبد الله وَقَالَ: أَبُو الْمليح كَانَ أصح حَدِيثا وَأَتْقَى لله من أَن يروي مثل هَذَا. وَأما اتِّفَاق الصَّحَابَة عَلَى ذَلِك فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : بَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 مَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى أَن أَكثر الصَّحَابَة اجْتَمعُوا عَلَى أَربع وَرَأَى بَعضهم الزِّيَادَة مَنْسُوخَة. ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَمِعت سعيد بن الْمسيب يحدث عَن عمر قَالَ: كل ذَلِك قد كَانَ، أَرْبعا وخمسًا، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى (أَربع، التَّكْبِير عَلَى الْجِنَازَة) . رَوَاهُ من حَدِيث (أبي الْجَعْد) ، أَنا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، وَأعله ابْن حزم (بِأبي الْجَعْد) وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ، ووثق. ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى أبي وَائِل قَالَ: «كَانُوا يكبرُونَ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خمْسا وَسبعا وستًا، أَو قَالَ: أَرْبعا، فَجمع عمر بن الْخطاب أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبر كل رجل بِمَا رَأَى، فَجَمعهُمْ (عمر) عَلَى أَربع تَكْبِيرَات، (كأطول) الصَّلَاة» . وَفِي رِوَايَة (عَن [وَكِيع عَن سُفْيَان] «أَرْبعا» مَكَان (سِتا) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يروي) وَكِيع، عَن مسعر، عَن عبد الْملك بن إِيَاس الشَّيْبَانِيّ، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 (فِي بَيت (أبي) مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، فَأَجْمعُوا أَن التَّكْبِير عَلَى الْجِنَازَة أَربع» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث ابْن عَبَّاس «آخر جَنَازَة صَلَّى عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كبر أَرْبعا» تفرد بِهِ النَّضر بن عبد الرَّحْمَن الخزاز عَن عِكْرِمَة، وَهُوَ ضَعِيف، وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظ من وُجُوه أخر كلهَا ضَعِيفَة، إِلَّا أَن اجْتِمَاع أَكثر الصَّحَابَة عَلَى الْأَرْبَع كالدليل عَلَى ذَلِك، ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَى عَلّي: «أَنه كبر أَرْبعا» وَكَذَلِكَ زيد بن ثَابت ثمَّ بِسَنَدِهِ إِلَى الشّعبِيّ قَالَ: «صَلَّى ابْن عمر عَلَى زيد بن عمر وَأمه أم كُلْثُوم بنت عَلّي، فَجعل [الرجل] مِمَّا يَلِي الإِمَام وَالْمَرْأَة من خَلفه، فَصَلى [عَلَيْهِمَا] أَرْبعا، و (خَلفه) ابْن الْحَنَفِيَّة وَالْحُسَيْن بن عَلّي وَابْن عَبَّاس» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمِمَّنْ روينَا عَنهُ من الصَّحَابَة أَنه كبر أَرْبعا: عبد الله بن مَسْعُود، والبراء، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعقبَة بن عَامر. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الْإِعْلَام» : اعْلَم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخْتَلف تكبيره عَلَى الْجِنَازَة، إِلَّا أَن الْأَغْلَب وَالْأَشْهر (أَنه) كَانَ أَربع تَكْبِيرَات، فروَى عَنهُ عمر بن الْخطاب، وسعيدُ بن زيد، وَعبد الله بن عمر، وَجَابِر، وَأنس بن مَالك، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَزيد بن أَرقم، وَعَمْرو بن عَوْف، وَيزِيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 بن ثَابت أَخُو زيد، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس: «أَنه كَانَ يكبِّر أَرْبعا» وَقد كَانَ أَبُو بكر، وَعمر، (و) عُثْمَان، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَغَيرهم من كبار الصَّحَابَة يكبرُونَ أَرْبعا. الحَدِيث (الثَّالِث) بعد الْأَرْبَعين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ فِيهَا - يَعْنِي فِي صَلَاة الْجِنَازَة - بِأم الْقُرْآن» . هَذَا الحَدِيث تقدم قَرِيبا الْكَلَام عَلَيْهِ، ويغني فِي الدّلَالَة عَنهُ - فَإِن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى وجوب قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة - مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب، وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّة» . قَوْله: (سنة) هُوَ كَقَوْل الصَّحَابِيّ: «من السّنة كَذَا» وَهُوَ مَرْفُوع عَلَى الْأَصَح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ والمحدثين، وَنقل الْبَيْهَقِيّ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة للبيهقي بِإِسْنَاد البُخَارِيّ: «وَقَالَ: إِنَّهَا من السّنة» . وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: «إِنَّهَا من السّنة، أَو من تَمام السّنة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «يجْهر بِالْقِرَاءَةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا جهرت لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سنة» إسنادها حسن. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : «فجهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 بِالْحَمْد لله، وَقَالَ: إِنَّمَا جهرت لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سنة» يَعْنِي: لِتَعْلَمُوا أَن الْقِرَاءَة مَأْمُور بهَا. وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلابْن حبَان: «فَقَالَ: إِنَّه حق وَسنة» . قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح، وَفِي رِوَايَة للنسائي وَالْبَيْهَقِيّ: «فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر السُّورَة غير مَحْفُوظ. وَرَوَى هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا أَبُو يعْلى فِي «مُسْنده» ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: إسنادها صَحِيح. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه مَرَّات. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صَلَاة لمن لم يصل عَلّي» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، ويُغني عَنهُ فِي الدّلَالَة مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وتلميذه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف أَنه أخبرهُ رجل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَن السّنة فِي الصَّلَاة عَلَى الْجِنَازَة أَن يكبر الإِمَام، ثمَّ يُصَلِّي عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ويخلص الدُّعَاء فِي التَّكْبِيرَات الثَّلَاث، ثمَّ يسلم تَسْلِيمًا خفِيا، وَالسّنة أَن يفعل (مَنْ) وَرَاءه مثل مَا فعل إِمَامه» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ، وَلَيْسَ فِي التسليمة الْوَاحِدَة عَلَى الْجِنَازَة أصح مِنْهُ، ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا. الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا صليتم عَلَى الْمَيِّت فأخلصوا لَهُ الدُّعَاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، وَفِيه ابْن إِسْحَاق، وعنعنته، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، فَلَعَلَّهُ يكون ثَبت عِنْد أبي دَاوُد سَمَاعه مِنْهُ. قلت: قد ثَبت بِحَمْد الله، وَصَححهُ ابْن حبَان أَيْضا؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» أَولا بالعنعنة، ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن ابْن إِسْحَاق لم يسمع هَذَا الْخَبَر من مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ... الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 فَذكره، وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم أَبُو أَحْمد أَيْضا. الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين عَن عَوْف بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى جَنَازَة، فَحفِظت من دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه، وعافه واعف عَنهُ، وَأكْرم نزله ووسع مدخله، واغسله بِالْمَاءِ والثلج وَالْبرد، ونقه من الْخَطَايَا كَمَا نقيت الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، وأبدله دَارا خيرا من دَاره، وَأهلا خيرا من أَهله، وزوجًا خيرا من زوجه، وَأدْخلهُ الْجنَّة، وأعذه من عَذَاب الْقَبْر وَمن عَذَاب النَّار. حَتَّى تمنيت أَن أكون ذَلِك الْمَيِّت؛ لدعاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عَلَى ذَلِك) الْمَيِّت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم بِهَذِهِ الْحُرُوف، وَمِنْه نقلته، وَفِيه زِيَادَة عَلَى مَا فِي الْكتاب، فَإِنَّهُ أسقط مِنْهُ: «وَأدْخلهُ الْجنَّة» وَهِي ثَابِتَة فِي «صَحِيح مُسلم» كَمَا سُقْنَاهَا، وَزَاد مُسلم أَيْضا فِي رِوَايَة لَهُ: «وقِهِ فتْنَة الْقَبْر، وَعَذَاب (الْقَبْر) » . والرافعي ذكر هَذِه الزِّيَادَة، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى ميت، ففهمت من صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه، واغسله بالبرد، واغسله كَمَا يغسل الثَّوْب» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى جَنَازَة، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا، وصغيرنا وَكَبِيرنَا، ذكرنَا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللَّهُمَّ من أحييته منا فأحيه عَلَى الْإِسْلَام، وَمن توفيته منا فتوفه عَلَى الْإِيمَان» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من هَذَا الْوَجْه، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ لفظ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَلَفظ أَحْمد: «كَانَ إِذا صَلَّى عَلَى جَنَازَة قَالَ ... » فَذكره، وَلَفظ أبي دَاوُد كالأولين إِلَّا أَنه قَالَ: «من أحييته منا فأحيه عَلَى الْإِيمَان، وَمن (توفيته) منا فتوفه عَلَى الْإِسْلَام» عكس رِوَايَة الْجُمْهُور، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» زَاد أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي آخِره: «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تضلنا بعده» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره كَذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «اقتراحه» . قَالَ الْحَاكِم: وَله شَاهد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 .. فَذكره بِإِسْنَادِهِ من رِوَايَة أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: «سَأَلت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ: كَيفَ كَانَت صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْمَيِّت؟ قَالَت: كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا ... » الحَدِيث كَمَا سلف. قلت: وَشَاهد ثَان من حَدِيث أبي إِبْرَاهِيم الأشْهَلِي عَن أَبِيه مَرْفُوعا، رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «عمل يَوْم وَلَيْلَة» وَلَفْظهمْ مثل رِوَايَة أبي هُرَيْرَة إِلَى قَوْله: و «أنثانا» . وَشَاهد ثَالِث من حَدِيث أبي قَتَادَة رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُور عَن أبي هُرَيْرَة. وَشَاهد رَابِع من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَمِعت البُخَارِيّ يَقُول: أصح الرِّوَايَات فِي هَذَا حَدِيث أبي إِبْرَاهِيم الأشْهَلِي عَن أَبِيه قَالَ: وَسَأَلته عَن اسْم أبي إِبْرَاهِيم فَلم يعرفهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أبي: (أَبُو) إِبْرَاهِيم وَأَبوهُ مَجْهُولَانِ. قَالَ: و (قد) توهم بعض النَّاس أَنه عبد الله بن أبي قَتَادَة، وَهُوَ غلط، فَإِن أَبَا قَتَادَة من بني سَلمَة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 وَأَبُو إِبْرَاهِيم رجل من بني عبد الْأَشْهَل. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ البُخَارِيّ: أصح حَدِيث فِي الْبَاب حَدِيث عَوْف بن مَالك ... وَذكره مُخْتَصرا كَمَا تقدم، وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ عَن التِّرْمِذِيّ (عَن البُخَارِيّ) أَنه قَالَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَأبي قَتَادَة فِي هَذَا الْبَاب غير مَحْفُوظ، وَأَصَح شَيْء فِيهِ حَدِيث عَوْف بن مَالك. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي (الْبَاب) عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعَائِشَة وَأبي قَتَادَة وَجَابِر وعَوْف بن مَالك. قَالَ: وَحَدِيث وَالِد أبي إِبْرَاهِيم الأشْهَلِي حَدِيث حسن صَحِيح. (قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا من رِوَايَة أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا) . قَالَ: وَرَوَى عِكْرِمَة بن عمار عَن يَحْيَى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ، وَعِكْرِمَة (مِمَّن يهم فِي الحَدِيث) وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة السَّابِق، فَقَالَ: هَذَا خطأ، الْحفاظ لَا يَقُولُونَ «أَبُو هُرَيْرَة» إِنَّمَا يَقُولُونَ «أَبُو سَلمَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: لَا يَقُول «أَبُو هُرَيْرَة» وَلَا يوصله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا غير متقن وَالصَّحِيح أَنه مُرْسل. فصل: وَأما الدُّعَاء الَّذِي ذكره الشَّافِعِي وَهُوَ: «اللَّهُمَّ إِن هَذَا عَبدك وَابْن عَبدك ... » إِلَى آخِره فَلم أره مجموعًا فِي حَدِيث وَاحِد، وَإِنَّمَا التقطه من عدَّة أَحَادِيث، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الشَّافِعِي أَخذ مَعَاني مَا جمع من الدُّعَاء. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فاقضوا» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي صَلَاة الْجَمَاعَة فَرَاجعه مِنْهُ ثمَّ. الحَدِيث (الْخَمْسُونَ) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَة جمَاعَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور متكرر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، مِنْهَا صلَاته عَلَى النَّجَاشِيّ، كَمَا ستعلمه قَرِيبا، وَمِنْهَا صلَاته عَلَى من لَا دين عَلَيْهِ، كَمَا ستعرفه فِي مَوْضِعه، وَغير ذَلِك. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْخمسين «أَن الصَّحَابَة - رضوَان الله عَلَيْهِم - صلوا عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فُرَادَى» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: إِحْدَاهَا: (من) رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لما صُلِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَدخل الرِّجَال فصلوا عَلَيْهِ بِغَيْر إِمَام أَرْسَالًا حَتَّى فرغوا، ثمَّ أَدخل النِّسَاء فصلين عَلَيْهِ، ثمَّ أَدخل الصّبيان فصلوا عَلَيْهِ، ثمَّ أَدخل العبيد فصلوا عَلَيْهِ أَرْسَالًا، لم يؤمهم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحد» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وحسين هَذَا تَركه النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه وَلَفظه: «فَلَمَّا فرغوا من جهازه يَوْم الثُّلَاثَاء وضع عَلَى سَرِيره فِي بَيته، ثمَّ دخل النَّاس عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْسَالًا يصلونَ، (حَتَّى إِذا فرغوا (دخل) النِّسَاء) حَتَّى إِذا فرغوا أدخلُوا الصّبيان، وَلم يؤم النَّاس عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحد ... » ثمَّ سَاق بَقِيَّة الحَدِيث. (الطَّرِيق الثَّانِي) : من رِوَايَة أبي عسيب «أَنه شهد الصَّلَاة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالُوا: كَيفَ نصلي (عَلَيْهِ) ؟ قَالَ: ادخُلُوا أَرْسَالًا. قَالَ: فَكَانُوا يدْخلُونَ من هَذَا الْبَاب فيصلون عَلَيْهِ، ثمَّ يخرجُون من الْبَاب الآخر. قَالَ: فَلَمَّا وضع فِي لحده قَالَ الْمُغيرَة: قد بَقِي من رجلَيْهِ شَيْء أصلحوه. قَالُوا: فَادْخُلْ فأصلحه. فَدخل وَأدْخل يَده فمس قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: أهيلوا عليَّ التُّرَاب. (فأهالوا) عَلَيْهِ حَتَّى بلغ أَنْصَاف سَاقيه، ثمَّ خرج، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 فَكَانَ يَقُول: أَنا أحدثكُم عهدا برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن بهز، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي عمرَان الْجونِي، عَن أبي عسيب بِهِ. (الطَّرِيق الثَّالِث) : من رِوَايَة جَابر بن عبد الله وَابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الْمُنعم بن إِدْرِيس، عَن أَبِيه، عَن وهب بن مُنَبّه عَنْهُمَا، فِي حَدِيث طَوِيل، وَفِيه: «فَقَالَ عَلّي: يَا رَسُول الله، إِذا أَنْت قبضت فَمن يغسلك، وفيم نكفنك، وَمن يُصَلِّي عَلَيْك، وَمن (يدْخلك) الْقَبْر؟ فَقَالَ: يَا عَلّي، أما الْغسْل فاغسلني أَنْت، وَالْفضل بن الْعَبَّاس يصب عَلَيْك المَاء، وَجِبْرِيل ثالثكما، فَإِذا أَنْتُم فَرَغْتُمْ من غسْلي فكفنوني فِي ثَلَاثَة أَثوَاب جدد، وَجِبْرِيل يأتيني بحنوط من الْجنَّة، فَإِذا أَنْتُم وضعتموني عَلَى السرير فضعوني فِي الْمَسْجِد واخرجوا عني، فَإِن أول من يُصَلِّي عليَّ الرب - عَزَّ وَجَلَّ - من فَوق عَرْشه، ثمَّ جِبْرِيل، ثمَّ مِيكَائِيل، ثمَّ إسْرَافيل، ثمَّ الْمَلَائِكَة زمرًا زمرًا، ثمَّ ادخُلُوا (فَقومُوا) صُفُوفا، لَا يتَقَدَّم عَلّي أحد» . وَهُوَ حَدِيث طَوِيل فِي (ثَلَاث) أوراق، فِيهِ قصَّة عكاشة، لكنه ضَعِيف، ثمَّ عبد الْمُنعم مَتْرُوك، قَالَ أَحْمد: يكذب عَلَى وهب وَعَلَى غَيره، مَتْرُوك. ووالده ضعفه ابْن عدي، قَالَ ابْن دحْيَة فِي «تنويره» : حَكَى الْبَزَّار والطبري أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أول (من) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 يُصَلِّي (عَلّي) رب الْعِزَّة ... » فِي حَدِيث طَوِيل، كرهت أَن أذكرهُ؛ لِأَن الْبَزَّار قَالَ فِي «علله» : إِنَّه مَوْضُوع. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الْأَزْدِيّ: فِي حَدِيث مَعْلُول «أَنهم صلوا بِصَلَاة جِبْرِيل، وَكَبرُوا بتكبيره» . وَالصَّحِيح مَا تقدم أَنهم صلوا (أفذاذًا) وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا بتوقيف، وَقد رُوِيَ أَنه أَوْصَى بِهِ، ذكره الْبَزَّار والطبري وَغَيرهمَا، حَكَاهُ عَنْهُم ابْن دحْيَة فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَرَوَى الصَّلَاة عَلَيْهِ (أفذاذًا) مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بلاغًا، وَابْن عبد الْبر فِي آخر «تمهيده» ، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث نُبَيْط بن شُرَيْط بن أنس الْأَشْجَعِيّ الصَّحَابِيّ، قَالَ ابْن عبد الْبر: وَصَلَاة النَّاس عَلَيْهِ (أفذاذًا) (الْمُجْتَمع) عَلَيْهِ عِنْد أهل [السّير] وَجَمَاعَة أهل النَّقْل لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «مرج الْبَحْرين» : وَأَنا متعجب من قَوْله عَلَى اتساع (علمه) ؛ فَإِن الْخلاف فِيهِ مَنْصُوص (هَل) كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهِ كصلاتنا عَلَى أمواتنا أم لَا، فَقيل: دُعَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 فَقَط. وَقيل: صلوا الصَّلَاة (الْمَعْهُودَة) . حَكَى ابْن الْقصار الْقَوْلَيْنِ عَن أَصْحَاب مَالك، وَاخْتلف بعدُ هَل صلوا عَلَيْهِ أفذاذًا أم جمَاعَة، وَاخْتلف بعد فِيمَن أم بهم، فَقيل: أَبُو بكر. ذكره ابْن الْقصار، وَذَلِكَ بَاطِل بِيَقِين لضعف رُوَاته وانقطاعه، وَالصَّحِيح (أَن (الْمُسلمين) صلوا عَلَيْهِ (أفذاذًا) لَا يؤمهم أحد، كلما جَاءَت طَائِفَة صلت عَلَيْهِ» وَهُوَ حَدِيث مَحْفُوظ. قلت: وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» فِي آخر وَفَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من حَدِيث سَلام بن سُلَيْمَان الْمَدَائِنِي، ثَنَا سَلام بن (سُلَيْمَان) الطَّوِيل، عَن عبد الْملك بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْحسن العرني، عَن الْأَشْعَث بن طليق، عَن مرّة بن شرَاحِيل، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «لما ثقل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قُلْنَا: من يُصَلِّي عَلَيْك يَا رَسُول الله؟ فَبَكَى وبكينا، فَقَالَ: مهلا، غفر الله لكم، وجزاكم عَن نَبِيكُم (خيرا) ، إِذا غسلتموني وكفنتموني وحنطتموني فضعوني عَلَى شَفير قَبْرِي، ثمَّ اخْرُجُوا عني سَاعَة، فَإِن أول من يُصَلِّي عَلّي خليلي وحبيبي جِبْرِيل، وَمِيكَائِيل، ثمَّ إسْرَافيل، ثمَّ ملك الْمَوْت مَعَ جنود الْمَلَائِكَة، ثمَّ ليبدأ بِالصَّلَاةِ رجال أهل بَيْتِي، ثمَّ نِسَاؤُهُم، ثمَّ ادخُلُوا أَفْوَاجًا وفرادى، وَلَا تؤذوني بباكية وَلَا برنة وَلَا بصيحة، وَمن كَانَ غَائِبا من أَصْحَابِي فأبلغوه مني السَّلَام، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 فَإِنِّي أشهدكم أَنِّي قد [سلمت] عَلَى من دخل فِي الْإِسْلَام، وَمن (تابعني) عَلَى ديني هَذَا مُنْذُ الْيَوْم إِلَى الْقِيَامَة» . ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: عبد الْملك مَجْهُول، لَا نعرفه بعدالة وَلَا جرح، وَالْبَاقُونَ كلهم ثِقَات. قلت: عبد الْملك كذبه الفلاس، وَسَلام بن سُلَيْمَان الْمَدَائِنِي قَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَسَلام بن سُلَيْمَان الطَّوِيل تَرَكُوهُ، والعرني لَيْسَ بِشَيْء كَمَا قَالَه الْأَزْدِيّ، فَأَيْنَ الثِّقَة فِي هَؤُلَاءِ؟ ! . فَائِدَة: فِي (السِّرّ) فِي كَونهم صلوا عَلَيْهِ أفذاذا، قَالَ الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَذَلِكَ لعظم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، بِأبي هُوَ وَأمي، وتنافسهم فِي أَن لَا يتَوَلَّى الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وَاحِد. قَالَ ابْن دحْيَة: وَكَانَ المصلون عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ ألفا. كَذَا قَالَ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلوا) عَلَى من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَاضحا، والرافعي ذكره دَلِيلا للقائل بِسُقُوط الْفَرْضِيَّة عِنْد صَلَاة ثَلَاثَة، فَقَالَ: وَاحْتج لَهُ ... فَذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 الحَدِيث، خَاطب بِهِ الْجمع وَأقله ثَلَاثَة، وَلَو احْتج لهَذَا الْقَائِل بالأحاديث الصَّحِيحَة، كَقَوْلِه لأَصْحَاب الْمَيِّت (الَّذِي عَلَيْهِ) الدَّين: «صلوا عَلَى صَاحبكُم» وَغَيره من الْأَحَادِيث لأفاد هَذَا الْغَرَض. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أخبر بِمَوْت النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخرج بهم إِلَى الْمُصَلى، فَصف بهم، وَكبر أَرْبعا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَعَى النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخرج (بهم) إِلَى الْمُصَلى، فَصف بهم، وَكبر أَربع تَكْبِيرَات» مُتَّفق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَقَالُوا: اسْتَغْفرُوا لأخيكم» . ثَانِيهَا: من رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيّ، فَكبر أَرْبعا» . مُتَّفق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فَكنت فِي الصَّفّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 الثَّانِي أَو الثَّالِث» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «فصففنا صفّين» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «صَلَّى عَلَى أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ» . ثَالِثهَا: من رِوَايَة عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن أَخا لكم قد مَاتَ فَقومُوا فصلوا عَلَيْهِ. يَعْنِي: النَّجَاشِيّ» رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «إِن أَخَاكُم» . وَمن الْأَحَادِيث الضعيفة: رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر عَلَى النَّجَاشِيّ خمْسا» . وَقد ذكرت فِي «شرحي للعمدة» فَوَائِد تتَعَلَّق (بِلَفْظ) «النَّجَاشِيّ» واسْمه وَغير ذَلِك؛ فَرَاجعهَا مِنْهُ؛ فَإِنَّهَا لَا تُوجد مَجْمُوعَة كَذَلِك فِي غَيره. وَذكر الرَّافِعِيّ أَنه كَانَ بَين النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالنَّجَاشِي مسيرَة شهر، وَكَانَت وَفَاته فِي رَجَب سنة تسع من الْهِجْرَة. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْخمسين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِقَبْر دفن لَيْلًا، فَقَالَ: مَتى دفن هَذَا؟ قَالُوا: البارحة. قَالَ: أَفلا آذنتموني؟ قَالُوا: دفناه فِي ظلمَة اللَّيْل؛ وكرهنا أَن نوقظك. فَقَامَ فصفنا خَلفه قَالَ ابْن عَبَّاس: وَأَنا فيهم، فَصَلى عَلَيْهِ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، (رَوَاهُ) البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَلَفظ البُخَارِيّ: «مَاتَ إِنْسَان كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعودهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فدفنوه لَيْلًا، فَلَمَّا أصبح أَخْبرُوهُ، فَقَالَ: مَا منعكم أَن تعلموني؟ قَالُوا: كَانَ اللَّيْل فكرهنا - وَكَانَت ظلمَة - أَن نشق عَلَيْك. فَأَتَى قَبره فَصَلى عَلَيْهِ» وَفِي لفظ آخر: «فصففنا خَلفه. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَأَنا فيهم» . وَلَفظ مُسلم مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى قبر بَعْدَمَا دفن، وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى عَلَى قبر الْبَراء بن معْرور بعد شهر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي مُحَمَّد بن معبد بن أبي قَتَادَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى عَلَى قبر الْبَراء بن معْرور بعد مَوته بِسنة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدته فِي كتابي، وَالصَّوَاب: «بعد شهر» قَالَ: وَهَذَا مُرْسل. قَالَ: قد رُوِيَ عَن يَحْيَى بن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه مَوْصُولا دون التَّأْقِيت. ثمَّ رَوَى من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى قبر بعد شهر» ثمَّ نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: (تفرد) بِهِ بشر بن آدم، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 وَخَالفهُ غَيره أَن نقل: «بَعْدَمَا دفن» ، وَقيل: «بعد لَيْلَتَيْنِ» وَقيل: «بِثَلَاث» . (فَائِدَة: معْرور: بِعَين وَرَاء مهملات، يُقَال: عيره بشر، أَي: لعِلَّة، فَهُوَ معرو، وَمِنْه: قَوْله تَعَالَى: (فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم تنقل الزِّيَادَة عَلَيْهِ. قلت: بلَى، وَقد سلف أَنه رُوِيَ: «بعد سنة» ، وَإِن كَانَ الصَّوَاب خِلَافه، وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب «أَن أم سعد مَاتَت وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَائِب، فَلَمَّا قدم صَلَّى عَلَيْهَا وَقد مَضَى لذَلِك شهر» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا وَلَفظه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَيْهَا بعد مَوتهَا بِشَهْر» ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُرْسل صَحِيح. الحَدِيث السَّادِس بعد الْخمسين قَالَ الرَّافِعِيّ فِي تَوْجِيه عدم الصَّلَاة عَلَى قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لِأَنَّهُ رُوِيَ (فِي الْخَبَر) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَنا أكْرم عَلَى رَبِّي من أَن يتركني فِي قَبْرِي بعد ثَلَاث» . هَذَا الحَدِيث تبع الرَّافِعِيّ فِي إِيرَاده الإِمَام؛ فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي «نهايته» ، ثمَّ قَالَ بعد: وَرُوِيَ «أَكثر من يَوْمَيْنِ» وَلَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ، وَذكره بعض من (أدركناه) مِمَّن صنف فِي حَيَاة الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - فِي قُبُورهم فَلم يعزه، وَفِي كتاب «حَيَاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 الْأَنْبِيَاء فِي قُبُورهم بعد مَوْتهمْ» لِلْحَافِظِ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الرّبيع الزهْرَانِي، نَا إِسْمَاعِيل بن طَلْحَة بن يزِيد، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، [عَن ثَابت] عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْأَنْبِيَاء لَا يتركون فِي قُبُورهم بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة، وَلَكنهُمْ يصلونَ بَين يَدي الله - تَعَالَى - حَتَّى ينْفخ فِي الصُّور» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِن صَحَّ بِهَذَا اللَّفْظ فَالْمُرَاد بِهِ - وَالله أعلم -: لَا يتركون لَا يصلونَ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَار، ثمَّ يكونُونَ مصلين فِيمَا بَين يَدي الله تَعَالَى. كَمَا أَنا ... وسَاق بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث الْحسن بن قُتَيْبَة الْمَدَائِنِي، ثمَّ حَدثنَا [المستلم] بن سعيد الثَّقَفِيّ، عَن الْحجَّاج بن الْأسود، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا يعد فِي أَفْرَاد الْحسن بن قُتَيْبَة الْمَدَائِنِي. قلت: ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَأما ابْن السكن فَذكر الحَدِيث من وَجْهَيْن فِي «سنَنه الصِّحَاح» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي بكير، عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 [المستلم] بن سعيد بِهِ، قَالَ (أَعنِي الْبَيْهَقِيّ فِي غير هَذَا الْكتاب: وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَهُوَ كَمَا قَالَ) ؛ لِأَن رِجَاله كلهم ثِقَات، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن أنس مَوْقُوفا: «الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ» . ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث مُؤَمل، نَا (عبيد الله) بن أبي حميد الْهُذلِيّ، عَن أبي الْمليح، عَن أنس بِهِ. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ رفع أَجْسَادهم مَعَ أَرْوَاحهم؛ فقد رَوَى سُفْيَان الثَّوْريّ فِي جَامعه فَقَالَ: قَالَ شيخ (لنا) عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «مَا (مكث) نَبِي فِي قَبره أَكثر من أَرْبَعِينَ ليلةٍ حَتَّى يُرْفع» . قلت: وَهَذَا مَشْهُور عَن ابْن الْمسيب، وَقد اشْتهر أَن جِدَار قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (انْهَدم) أَيَّام خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَولَايَة عمر بن عبد الْعَزِيز عَلَى الْمَدِينَة، بَدَت لَهُم قدم فخافوا أَن تكون قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وهالهم أمرهَا وجزعوا، حَتَّى رَوَى لَهُم سعيد بن الْمسيب «أَن جثث الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم لَا (تقيم) أَكثر من أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الأَرْض، ثمَّ ترفع» . وَجَاء سَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب فَعرف أَنَّهَا قدم جده عمر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فعلَى هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 يصيرون كَسَائِر الْأَحْيَاء، تكون حَيْثُ ينزلهم الله - تَعَالَى - لما روينَا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج وَغَيره: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره، ثمَّ رَآهُ مَعَ سَائِر الْأَنْبِيَاء فِي بَيت الْمُقَدّس، ثمَّ رَآهُمْ فِي السَّمَاوَات» وَالله - تَعَالَى - فعال لما يُرِيد. قلت: وَفِي «الموضوعات» لأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ من حَدِيث أنس (رَفعه) : «مَا من نَبِي يَمُوت فيقيم فِي قَبره إِلَّا أَرْبَعِينَ صباحًا، حَتَّى يرد الله إِلَيْهِ روحه» . ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن حبَان: هَذَا حَدِيث بَاطِل مَوْضُوع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ولحياة الْأَنْبِيَاء فِي قُبُورهم بعد مَوْتهمْ شَوَاهِد من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. ثمَّ ذكر حَدِيث أنس الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» : «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لَيْلَة أسرِي بِهِ مر عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبره» . وَفِي لفظ: «مَرَرْت عَلَى مُوسَى وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره» . وَفِي لفظ: «أتيت عَلَى مُوسَى لَيْلَة أسرِي بِي عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر» . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِيهِ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لقد رَأَيْتنِي فِي الْحجر وَأَنا أخبر قُريْشًا (عَن) مسراي، فسألوني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 عَن أَشْيَاء من بَيت الْمُقَدّس لم أثبتها، فكربت كربًا لم أكرب مثله قطّ، فرفعه الله لي أنظر إِلَيْهِ؛ فَمَا سَأَلُونِي (عَن) شَيْء إِلَّا أنبأتهم بِهِ، وَلَقَد رَأَيْتنِي فِي جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء، فَإِذا مُوسَى قَائِم يُصَلِّي، وَإِذا رجل ضرب جعد كَأَنَّهُ من رجال شنُوءَة، وَإِذا عِيسَى ابْن مَرْيَم قَائِم يُصَلِّي، أقرب النَّاس مِنْهُ شبها عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، وَإِذا إِبْرَاهِيم قَائِم يُصَلِّي، أشبه النَّاس بِهِ صَاحبكُم - يَعْنِي: نَفسه - فحانت الصَّلَاة، فأممتهم، فَلَمَّا فرغت من الصَّلَاة قَالَ قَائِل: يَا مُحَمَّد، هَذَا مالكٌ صَاحب النَّار يسلم عَلَيْك، فَالْتَفت إِلَيْهِ فبدأني بِالسَّلَامِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي حَدِيث ابْن الْمسيب «أَنه لَقِيَهُمْ فِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس» . وَفِي حَدِيث أبي (ذَر) وَمَالك بن صعصعة فِي قصَّة الْمِعْرَاج «أَنه لَقِيَهُمْ فِي جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء فِي السَّمَوَات، [وكلمهم وكلموه] ) . وكل ذَلِك صَحِيح، لَا يُخَالف بعضه بَعْضًا، فقد يرَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره، ثمَّ يُسرى بمُوسَى وَغَيره إِلَى بَيت الْمُقَدّس كَمَا أسرِي بنبينا، فَرَآهُمْ فِيهِ، ثمَّ يعرج بهم إِلَى السَّمَوَات كَمَا عرج بنبينا (فَرَآهُمْ) فِيهَا،، كَمَا أخبر (بحلولهم) فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 أَوْقَات، (بمواضع) مختلفات، جَائِز فِي الْعقل، كَمَا ورد بِهِ الْخَبَر الصَّادِق، وَفِي كل ذَلِك دلَالَة عَلَى حياتهم. قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى ذَلِك حَدِيث أَوْس بن أَوْس قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة؛ فِيهِ خُلق آدم، وَفِيه قبض، وَفِيه النفخة، وَفِيه الصعقة، فَأَكْثرُوا عَلّي من الصَّلَاة فِيهِ، فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَلّي قَالُوا: وَكَيف تعرض صَلَاتنَا عَلَيْك وَقد أرمت - يَقُولُونَ: بليت -؟ قَالَ: فَإِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - حرم عَلَى الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» قَالَ: وَله شَوَاهِد، مِنْهَا: حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «أَكْثرُوا الصَّلَاة عَلّي فِي يَوْم الْجُمُعَة، فَإِنَّهُ لَيْسَ يُصَلِّي عَلّي أحد يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا عرضت عَلّي صلَاته» . وَحَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «أَكْثرُوا الصَّلَاة عليَّ يَوْم الْجُمُعَة، فَإِنَّهُ مشهود، تشهده الْمَلَائِكَة، وَإِن أحدا لن يُصَلِّي عَلّي إِلَّا عرضت عَلّي صلَاته حَتَّى يفرغ مِنْهَا. قَالَ: قلت: بعد الْمَوْت؟ قَالَ: إِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - حرم عَلَى الأَرْض أكل أجساد الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم السَّلَام - فَإِن نَبِي الله حَيّ يرْزق» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث زيد بن (أَيمن) ، عَن عبَادَة بن نسي، عَن أبي الدَّرْدَاء، وَإِسْنَاده حسن، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 إِلَّا أَنه غير مُتَّصِل، قَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» : زيد عَن (عبَادَة) مُرْسل. وَحَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «أَكْثرُوا عَلَى من الصَّلَاة فِي كل يَوْم (جُمُعَة) ؛ فَإِن صَلَاة أمتِي تعرض عَلّي فِي كل يَوْم (جُمُعَة) ، من كَانَ أَكْثَرهم عَلّي صَلَاة كَانَ أقربهم مني منزلَة يَوْم الْقِيَامَة» . وَحَدِيث أنس بن مَالك مَرْفُوعا: «إِن أقربكم مني يَوْم الْقِيَامَة فِي كل موطن أَكْثَرَكُم صَلَاة عَلّي فِي (الدُّنْيَا) ، من صَلَّى عَلّي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة قَضَى الله لَهُ مائَة حَاجَة؛ سبعين من حوائج (الدُّنْيَا) ، وَثَلَاثِينَ من حوائج (الْآخِرَة) ، ثمَّ يُوكل الله بذلك ملكا يدْخلهُ فِي قَبْرِي كَمَا تدخل عَلَيْكُم الْهَدَايَا، يُخْبِرنِي من صَلَّى عَلّي باسمه وَنسبه إِلَى (عشيرته) ، فأثبته عِنْدِي فِي صحيفَة بَيْضَاء» . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبورًا وَلَا تجْعَلُوا قَبْرِي عيدًا، وصلوا عَلّي فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُ كُنْتُم» وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا مَرْفُوعا «مَا من أحد يسلم عَلّي إِلَّا رد الله إِلَيّ روحي حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد جيد، وَالْمرَاد بِالروحِ هُنَا النُّطْق مجَازًا، فَتنبه لَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي هَذَا الْمَعْنى حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود مَرْفُوعا: «إِن لله - تَعَالَى - مَلَائِكَة سياحين فِي الأَرْض، يبلغوني عَن أمتِي السَّلَام» . وحَدِيث ابْن عَبَّاس «لَيْسَ أحد من أمة مُحَمَّد (يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَاة إِلَّا وَهِي تبلغه، (يَقُول) : فلَان يُصَلِّي عَلَيْك كَذَا وَكَذَا صَلَاة» . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من صَلَّى عَلّي عِنْد قَبْرِي سمعته، وَمن صلي عَلّي نَائِيا (بلغته) » . فِي إِسْنَاد هَذَا نظر، و (مَضَى) مَا يؤكده، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُلَيْمَان بن (عُثْمَان) قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي النّوم، فَقلت: يَا رَسُول الله، هَؤُلَاءِ الَّذين يأتونك فيسلمون عَلَيْك؛ أتفقه سلامهم؟ قَالَ: نعم، وأرد عَلَيْهِم» . قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى حياتهم مَا (رَوَاهُ) البُخَارِيّ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 «الصَّحِيح» (عَن) أبي هُرَيْرَة «فِي الرجلَيْن اللَّذين اسْتَبَّا، حِين قَالَ الْمُسلم: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالمين. واليهودي الَّذِي قَالَ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالمين. وصكه الْمُسلم، قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تخيروني عَلَى مُوسَى؛ فَإِن النَّاس يصعقون، فَأَكُون أول من يفِيق، فَإِذا مُوسَى باطش بِجَانِب الْعَرْش، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ مِمَّن صُعق [فأفاق] من قبلي، أم كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله - عَزَّ وَجَلَّ -» . وَحَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تفضلوا بَين (أَنْبيَاء) الله - تَعَالَى - فَإِنَّهُ ينْفخ فِي الصُّور فيصعق من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله، ثمَّ ينْفخ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُون أول من بعث، فَإِذا مُوسَى آخذ بالعرش، لَا أَدْرِي أحوسب (بصعقته) يَوْم الطّور، أم بعث قبلي» . فَهَذَا إِنَّمَا يَصح عَلَى (أَن الله - تَعَالَى، جلّ ثَنَاؤُهُ - رد) إِلَى الْأَنْبِيَاء أَرْوَاحهم، وهم أَحيَاء عِنْد رَبهم كالشهداء، فَإِذا نفخ فِي الصُّور النفخة الأولَى صعقوا فِيمَن صعق، وَلَا يكون ذَلِك موتا فِي جَمِيع مَعَانِيه إِلَّا فِي ذهَاب (الِاسْتِثْنَاء) ، فَإِن كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَن اسْتثْنى الله - تَعَالَى - بقوله: (إِلَّا من شَاءَ الله) فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يذهب اسْتِثْنَاؤُهُ فِي تِلْكَ الْحَالة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 وَيُحَاسب بصعقة يَوْم الطّور. وَيُقَال: إِن الشُّهَدَاء مِمَّن اسْتثْنى الله - عَزَّ وَجَلَّ - بقوله: (إِلَّا مَنْ شَاءَ الله) وروينا فِيهِ خَبرا مَرْفُوعا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي كِتَابه «دَلَائِل النُّبُوَّة» : الْأَنْبِيَاء أَحيَاء عِنْد رَبهم كالشهداء. وَقَالَ فِي كتاب «الِاعْتِقَاد» : والأنبياء بَعْدَمَا قبضوا ردَّتْ إِلَيْهِم أَرْوَاحهم، فهم أَحيَاء عِنْد رَبهم كالشهداء. قلت: وَقد أطلنا فِي هَذَا الْموضع لكَونه من الْمَوَاضِع المهمة، فَلَا تسأم من طوله، ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك أمرا غَرِيبا فِي كَلَام الْغَزالِيّ فِي كتاب «كشف عُلُوم الْآخِرَة» فَإِنَّهُ ذكر الحَدِيث الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ بِلَفْظ: قَالَ (: «إِنِّي أكْرم عِنْد الله من أَن يدعني فِي الأَرْض أَكثر من ثَلَاث» . ثمَّ قَالَ: وَكَأن الثَّلَاث عشرات، لِأَن الْحُسَيْن قتل عَلَى رَأس السِّتين، فَغَضب عَلَى أهل الأَرْض، وعرج بِهِ إِلَى أهل السَّمَاء. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب غَرِيب؛ ذكرته ليعرف. الحَدِيث السَّابِع بعد الْخمسين قَالَ الرَّافِعِيّ فِي تَوْجِيه عدم الصَّلَاة عَلَى قَبره أَيْضا: لما رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى؛ اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أَخْرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 حَدِيث ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَفِيهِمَا أَنه قَالَ ذَلِك عِنْد وَفَاته. وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جُنْدُب بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل أَن يَمُوت بِخمْس وَهُوَ يَقُول: «أَلا (فَلَا) تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد، إِنِّي أنهاكم عَن ذَلِك» . وَرَوَى مُسلم أَيْضا عَن أبي مرْثَد الغنوي، واسْمه كناز - بالنُّون الْمُشَدّدَة وَالزَّاي - بن الْحصين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تجلسوا عَلَى الْقُبُور، وَلَا تصلوا إِلَيْهَا» . الحَدِيث الثَّامِن بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يدْفن أَصْحَابه فِي الْمَقَابِر» . هَذَا (الحَدِيث) صَحِيح متواتر، وَمن تدبر الْأَحَادِيث وجد ذَلِك، وَمِنْهَا الحَدِيث الصَّحِيح: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى الْمقْبرَة فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دفن فِي حجرَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها» . هَذَا (الحَدِيث) أَيْضا صَحِيح متواتر مَعْرُوف، فَهُوَ (فِي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي حَدِيثهَا فِي الْوَفَاة (قَالَت) : «فَلَمَّا كَانَ [يومي] قَبضه الله بَين سحرِي وَنَحْرِي، وَدفن فِي بَيْتِي» وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» عَن عَائِشَة قَالَت: «لما قبض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اخْتلفُوا فِي دَفنه، فَقَالَ أَبُو بكر: سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا مَا نَسِيته، قَالَ: مَا قبض الله نبيًّا إِلَّا فِي الْموضع الَّذِي يحب أَن يدْفن فِيهِ. ادفنوه فِي مَوضِع فرَاشه» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب، وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْمليكِي (يضعف) ، وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير هَذَا الْوَجْه، قد رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عَن أبي بكر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: أخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي حُسَيْن بن عبد الله، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي حَدِيث طَوِيل: «لقد اخْتلف الْمُسلمُونَ فِي الْموضع الَّذِي يحْفر لَهُ، فَقَالَ (قَائِلُونَ) : يدْفن فِي مَسْجده. وَقَالَ قَائِلُونَ: يدْفن مَعَ أَصْحَابه. فَقَالَ أَبُو بكر: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: مَا قبض نَبِي إِلَّا دفن حَيْثُ يقبض. قَالَ: فَرفعُوا فرَاش رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (الَّذِي توفّي عَلَيْهِ، ثمَّ دفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وسط اللَّيْل من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء» . وحسين هَذَا تَركه النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ مَالك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 بِنَحْوِهِ بلاغًا، وَفِي «مُسْند أَحْمد» عَن عبد الرَّزَّاق، أَخْبرنِي ابْن جريج، أَخْبرنِي أبي أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لم يدروا أَيْن يقبرون النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى قَالَ أَبُو بكر: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) [يَقُول] : لم يقبر نَبِي إِلَّا حَيْثُ يَمُوت. فأخروا (رَأسه) ، وحفروا لَهُ تَحت فرَاشه» . الحَدِيث السِّتُّونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث هِشَام بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُم يَوْم أحد ذَلِك، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لَهُم، خلا ابْن ماجة فَإِنَّهُ قَالَ: «أَحْسنُوا» بدل «أعمقوا» ، وخلا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: «احفروا، وأوسعوا» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 قَالَ: «جَاءَت الْأَنْصَار إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم أحد فَقَالُوا: أَصَابَنَا قرح وَجهد فَكيف (تَأْمُرنَا) ؟ فَقَالَ: احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا، وَاجْعَلُوا الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة فِي الْقَبْر. قيل: فَأَيهمْ نقدم؟ قَالَ: أَكْثَرهم قُرْآنًا» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي كتاب الْبيُوع من «سنَنه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب من «سنَنه» من حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه - وَهُوَ تَابِعِيّ - عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي جَنَازَة، فَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْقَبْر يُوصي الْحَافِر: أوسع من قبل رجلَيْهِ، أوسع من قبل رَأسه» . إِسْنَاده صَحِيح، وَعَاصِم من رجال مُسلم، وَهُوَ ثِقَة، كَمَا شهد لَهُ بذلك ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي الحَدِيث الأول: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، (رَوَاهُ) سُفْيَان الثَّوْريّ وَغَيره عَن أَيُّوب، عَن حميد بن هِلَال، عَن هِشَام بن (عَامر) . يُرِيد بذلك أَنه لَيْسَ بَين حميد وَهِشَام وَاسِطَة، وَقد أخرجه كَذَلِك النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد فِي «سُنَنهمَا» ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، عَن حميد، عَن أبي الدهماء قرفة بن بهيس - تَابِعِيّ انْفَرد بِهِ مُسلم - عَن هِشَام. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي: أَي هذَيْن الْحَدِيثين أصح؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 فَقَالَ: حَدِيث حميد عَن هِشَام. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن حميد، عَن هِشَام (بِهِ) . فَائِدَة: هِشَام بن عَامر هَذَا أَنْصَارِي، كَانَ اسْمه شهابًا، فَغَيره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِشَام، وَاسْتشْهدَ أَبوهُ يَوْم أحد، وَهُوَ من الصَّحَابَة (الَّذين) انْفَرد مُسلم بِإِخْرَاج حَدِيثهمْ، أخرج لَهُ حَدِيثا وَاحِدًا فِي ذكر الدَّجَّال، وَلم يخرج لَهُ أَصْحَاب «السّنَن» سُوَى هَذَا الحَدِيث الَّذِي أوردناه عَنهُ، سكن الْبَصْرَة وَمَات بهَا، وَلما أخرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» حَدِيث هِشَام هَذَا بِزِيَادَة ذكر الدَّجَّال فِي آخِره قَالَ: انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم. وَمرَاده بِذكر الدَّجَّال) لَا بِالْحَدِيثِ بِكَمَالِهِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مُسلم أصلا، فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) قَالَ: «اللَّحْد لنا، والشق لغيرنا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب «السّنَن» الْأَرْبَعَة بِهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 اللَّفْظ، وَإِسْنَاده ضَعِيف، فَإِن فِي إِسْنَاده عبد الْأَعْلَى بن عَامر، ومدار الحَدِيث عَلَيْهِ، وَهُوَ غير مُحْتَج بحَديثه، كَانَ ابْن مهْدي لَا يحدث عَنهُ، وَوصف اضطرابه، وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث. زَاد أَبُو زرْعَة: رُبمَا رفع الحَدِيث وَرُبمَا وَقفه. قَالَ يَحْيَى: تعرف وتنكر. وَقَالَ مرّة: ثِقَة. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم، وَقَالَ ابْن عدي: حدث بأَشْيَاء لَا يُتَابع عَلَيْهَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: أرَى هَذَا الحَدِيث لَا يَصح من أَجله. قلت: وَأغْرب ابْن السكن فَذكره فِي «سنَنه الصِّحَاح» وَقد رُوِيَ من غير حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، رَوَى ابْن مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» فِي حَدِيث جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَلَا يَصح أَيْضا؛ فَإِن فِي إِسْنَاده عُثْمَان بن عُمَيْر البَجلِيّ الْكُوفِي الرَّاوِي عَن زَاذَان، عَن جرير، وكنيته أَبُو الْيَقظَان، وَلَا يحْتَج بحَديثه، قَالَ أَحْمد: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ (يَحْيَى) : حَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط حَتَّى لَا يدْرِي مَا يَقُول، لَا يجوز الِاحْتِجَاج (بِهِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 وَأغْرب ابْن السكن فَذكره فِي «سنَنه الصِّحَاح» ، وَذكر ابْن عدي أَنه لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ أحد. وَلَيْسَ كَمَا ذكر؛ فقد تَابعه عَلَيْهِ عَمْرو بن مرّة؛ فَرَوَاهُ الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَنهُ، عَن زَاذَان، عَن جرير، كَذَا أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ، وَعَمْرو بن مرّة هُوَ الْجملِي حجَّة أخرجُوا لَهُ، ووثق، ورماه أَبُو حَاتِم بالإرجاء، وَتَابعه أَيْضا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا عَن الدبرِي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن الثَّوْريّ، عَن سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن زَاذَان، عَن جرير. وَتَابعه أَيْضا ثَابت، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن أسود بن عَامر، ثَنَا عبد الحميد، عَن ثَابت، عَن زَاذَان، عَن جرير بِنَحْوِهِ. وَتَابعه أَيْضا أَبُو جناب، رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا من حَدِيثه عَن زَاذَان عَنهُ. وَفِي رِوَايَة للْإِمَام أَحْمد (ضعفه بِسَبَب) أبي الْيَقظَان السالف: «اللَّحْد لنا، والشق لغيرنا لأهل الْكتاب» . فَوَائِد: الأولَى: لما رَوَى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن جرير، وَعَائِشَة، وَابْن عمر، وَجَابِر. قَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : وَفِيه أَيْضا عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب وَابْن مَسْعُود. الثَّانِيَة: يعضد هَذَا الحَدِيث فِي تَقْدِيم اللَّحْد عَلَى الشق أَنه الَّذِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 اخْتَارَهُ الله - تَعَالَى - لنَبيه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، كَمَا ستعلمه، وَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عَلّي اللَّبن نصبا، كَمَا صنع برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الثَّالِثَة: الشق: بِفَتْح الشين (واللحد: بِفَتْح اللَّام وَضمّهَا لُغَتَانِ) ، قَالَ الْجَوْهَرِي: الضريح، الشق فِي وسط الْقَبْر، واللحد فِي الْجَانِب. الحَدِيث (الثَّانِي) بعد السِّتين رُوِيَ «أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ رجلَانِ، أَحدهمَا يلْحد والأخر يشق، فَبعث الصَّحَابَة فِي طلبهما، وَقَالُوا: أَيهمَا جَاءَ أَولا عمل عمله لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فجَاء الَّذِي يلْحد، فلحد لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ بِالْمَدِينَةِ رجل يلْحد وَآخر يضرح، فَقَالُوا: نستخير رَبنَا ونبعث إِلَيْهِمَا، فَأَيّهمَا سبق تَرَكْنَاهُ. فَأرْسل إِلَيْهِمَا، فَسبق صَاحب اللَّحْد؛ فلحد لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، إِلَّا مبارك بن فضَالة؛ فَإِن النَّسَائِيّ ضعفه، وَقَالَ عَفَّان: ثِقَة من النساك [وَكَانَ وَكَانَ] . وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِذا قَالَ: (ثَنَا) فَهُوَ ثِقَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 قلت: قد صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: ثَنَا حميد. ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما أَرَادوا أَن يحفروا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعثوا إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وَكَانَ يضرح كضريح أهل مَكَّة، وبعثوا إِلَى أبي طَلْحَة، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يحْفر لأهل الْمَدِينَة وَكَانَ يلْحد، فبعثوا إِلَيْهِمَا رسولين، وَقَالَ: اللَّهُمَّ خر لِرَسُولِك. فوجدوا أَبَا طَلْحَة، فجيء بِهِ - وَلم يُوجد أَبُو عُبَيْدَة - فلحد لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث، وَهُوَ قِطْعَة من الحَدِيث السالف فِي دَفنه فِي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة، وَقد أسلفنا أَن فِي سَنَده حُسَيْن بن عبد الله، وَأَن النَّسَائِيّ تَركه، وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَا بَأْس بِهِ، يكْتب حَدِيثه. وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «ثمَّ دَعَا الْعَبَّاس رجلَيْنِ، فَقَالَ: (ليذْهب أَحَدكُمَا إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح - وَكَانَ يُصَرح لأهل مَكَّة -) وليذهب الآخر إِلَى أبي طَلْحَة - وَكَانَ يلْحد لأهل الْمَدِينَة - قَالَ: ثمَّ قَالَ الْعَبَّاس لَهما حِين سرحهما: اللَّهُمَّ خر لِرَسُولِك. فذهبا، فَلم يجد صَاحب أبي عُبَيْدَة أَبَا عُبَيْدَة، وَوجد صَاحب أبي طَلْحَة أَبَا طَلْحَة، فجَاء فلحد لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة عَن عَائِشَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَعبد الرَّحْمَن يضعف من قبل حفظه، (وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك) . وَقَالَ البُخَارِيّ: ضَعِيف ذَاهِب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، فَلَا أَدْرِي كثر الْوَهم مِنْهُ أَو من ابْنه مُحَمَّد، وَابْنه فَاحش الْخَطَأ وَأكْثر رواياته تَدور عَلَى ابْنه؛ فَوَجَبَ تَركه لاشتباه أمره. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ بِالْمَدِينَةِ رجلَانِ، أَحدهمَا يشق، والأخر يلْحد، فجَاء الَّذِي يلْحد، فلحد لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، من طَرِيق [يَحْيَى بن] عُرْوَة بن الزبير، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه مُرْسلا، وَهُوَ الْمَحْفُوظ، قَالَ: كَذَلِك رَوَاهُ مَالك وَابْن عُيَيْنَة. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث عَائِشَة هَذَا، فَقَالَ: الصَّحِيح عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، بِإِسْقَاط عَائِشَة. - قلت: الَّذِي رَوَاهُ (بإثباتها) هُوَ أَبُو الْوَلِيد عَن حَمَّاد بن سَلمَة - فالخطأ من أَيهمَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَفِي كتاب «أَسمَاء رُوَاة مَالك» للخطيب الْحَافِظ من حَدِيث ابْن عمر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لحد لَهُ» . ثمَّ قَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ إِسْمَاعِيل بن يَحْيَى، وَهُوَ ضَعِيف، مَتْرُوك الحَدِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 الحَدِيث (الثَّالِث) بعد السِّتين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سل من قبل رَأسه [سلًّا] » . هَذَا الحَدِيث غَرِيب عَن (ابْن عمر) ، لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، ومشهور عَن ابْن عَبَّاس، وَلَعَلَّ هَذَا من سبق الْقَلَم. رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فَقَالَ: أَنا الثِّقَة، عَن عمر بن عَطاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ (بِدُونِ قَوْله «سلا) ً» ، وَهُوَ (بِهَذَا عَن) مُسلم بن خَالِد الزنْجِي وَغَيره، عَن ابْن جريج، عَن عمرَان بن مُوسَى «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سل من قبل رَأسه» . قَالَ: وأنبأنا بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الزِّنَاد وَرَبِيعَة وَأبي النَّضر - لَا اخْتِلَاف بَينهم فِي ذَلِك - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سل من قبل رَأسه، وَأَبُو بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» . قَالَ (الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أخرج هَذِه الثَّلَاثَة بِسَنَدِهِ إِلَى الرّبيع إِلَى الشَّافِعِي: وَهَذَا هُوَ) الْمَشْهُور فِيمَا بَين أهل الْحجاز. قلت: وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الِاحْتِجَاج بقول الرَّاوِي: أَنا الثِّقَة. وَاخْتَارَ بعض الْمُحَقِّقين من أَصْحَابنَا الِاحْتِجَاج بِهِ إِن كَانَ الْقَائِل مِمَّن يُوَافقهُ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل، فعلَى هَذَا يَصح احتجاج أَصْحَابنَا بِهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 الحَدِيث، وَالظَّاهِر أَن الثِّقَة فِي كَلَام الشَّافِعِي هُنَا هُوَ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِذا قَالَ الشَّافِعِي: (أَخْبرنِي الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب) فَهُوَ ابْن أبي فديك، وَإِذا قَالَ: (أَخْبرنِي الثِّقَة عَن اللَّيْث بن سعد) فَهُوَ يَحْيَى بن حسان، وَإِذا قَالَ: «أَخْبرنِي) الثِّقَة عَن الْوَلِيد بن كثير) فَهُوَ عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَإِذا قَالَ: (أَخْبرنِي الثِّقَة عَن ابْن جريج) فَهُوَ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، وَإِذا قَالَ: (أَخْبرنِي الثِّقَة عَن صَالح مولَى التوءمة) فَهُوَ إِبْرَاهِيم بن يَحْيَى، وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ عبد المحسن بن غَانِم فِي كِتَابه «الْوَاضِح النفيس فِي فَضَائِل مُحَمَّد بن إِدْرِيس» : إِذا قَالَ الشَّافِعِي: (أَخْبرنِي الثِّقَة) فَإِنَّهُ يُرِيد يَحْيَى بن حسان، وَإِذا قَالَ: (أَنا الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب) فَهُوَ الزنْجِي، أَو (عَن الْأَوْزَاعِيّ) (فَإِنَّهُ) عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَرُبمَا كَانَ أَيُّوب بن سُوَيْد، أَو (عَن أَيُّوب) فَهُوَ ابْن علية، أَو (عَن يَحْيَى بن سعيد) فَهُوَ الدَّرَاورْدِي، أَو (عَن ابْن شهَاب) فَهُوَ مَالك بن أنس، وَرُبمَا كَانَ إِبْرَاهِيم بن سعد، أَو (عَن الْوَلِيد بن كثير) ، أَو (هِشَام بن عُرْوَة) ، أَو (عبيد الله بن عمر) فَإِنَّهُ حَمَّاد بن أُسَامَة، أَو (عَن سُفْيَان الثَّوْريّ) ، أَو (يُونُس بن يزِيد) ، أَو (أُسَامَة بن زيد) فَهُوَ أَيُّوب بن سُوَيْد. قَالَ الرّبيع: وَإِنَّمَا يكني عَن ذكرهم للاختصار؛ لِأَن الْمُحدث قد يسأم الرِّوَايَة عَن شيخ وَاحِد، وَلَا سِيمَا إِذا كثرت عَنهُ، فَيَقُول: وَحَدِيث، وَنَحْو ذَلِك. قَالَ الرّبيع: (وَإِذا قَالَ الشَّافِعِي: (أَخْبرنِي من لَا أتهم فِيهِ) يُرِيد: (ابْن) إِبْرَاهِيم بن أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 يَحْيَى، وَإِذا قَالَ: بعض أَصْحَابنَا) . فَهُوَ يُرِيد أهل الْحجاز، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَهُوَ يُرِيد أَصْحَاب مَالك. فَائِدَة: [اخْتلفت] الرِّوَايَات فِي كَيْفيَّة إِدْخَال النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَبره، فروَى الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنهم سلوه سلًّا من عِنْد رجل الْقَبْر» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَابْن عَبَّاس، وَبُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم «أَنهم أدخلوه (فِي قَبره من جِهَة الْقبْلَة» . وَهِي رِوَايَات ضَعِيفَة، بَين الْبَيْهَقِيّ ضعفها، وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ حسن حَدِيث ابْن عَبَّاس، وأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ؛ لِأَن مدَار رِوَايَته فِيهِ وَرِوَايَة غَيره عَلَى الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَهُوَ ضَعِيف، وَنقل النَّوَوِيّ اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى ذَلِك، وَهَذَا الْجَواب إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَو تصور إِدْخَاله عَلَيْهِ السَّلَام من جِهَة الْقبْلَة، وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَالْأَصْحَاب: إِن هَذَا غير مُمكن. وَأَطْنَبَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَغَيره فِي الشناعة عَلَى من يَقُول ذَلِك، وَنسبه إِلَى الْجَهَالَة ومكابرة (الْحسن) وإنكار الْعَنَان، فَقَالَ: أَنا الثِّقَات من أَصْحَابنَا أَن قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى يَمِين الدَّاخِل من الْبَيْت، لاصق بالجدار، والجدار الَّذِي (اللَّحْد تَحْتَهُ قبْلَة) ، واللحد تَحت الْجِدَار فَكيف يدْخل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 مُعْتَرضًا، واللحد لاصق بالجدار، لَا يقف عَلَيْهِ شَيْء (وَلَا) يُمكن إِلَّا أَن يسل سلاًّ، أَو يدْخل من غير الْقبْلَة. قَالَ: وَأُمُور الْمَوْتَى وإدخالهم الْقَبْر من الْأُمُور الْمَشْهُورَة عندنَا لِكَثْرَة الْمَوْت، وَحُضُور الْأَئِمَّة وَأهل (الثِّقَة) ، وَهُوَ [من] الْأُمُور الْعَامَّة الَّتِي يُسْتَغْنَى فِيهَا عَن الحَدِيث، وَيكون الحَدِيث فِيهَا كالتكلف؛ لاشتراك النَّاس فِي مَعْرفَتهَا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والمهاجرون وَالْأَنْصَار بَين أظهرنَا، ينْقل إِلَيْنَا الْعَامَّة عَن الْعَامَّة، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك أَن الْمَيِّت يسلُّ سلاًّ، ثمَّ جَاءَنَا آتٍ من غير بلدنا يعلمنَا [كَيفَ ندخل] الْمَيِّت، ثمَّ لم (يرض) حَتَّى رُوِيَ عَن حَمَّاد (عَن) إِبْرَاهِيم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَدخل مُعْتَرضًا» . هَذَا آخر كَلَام الشَّافِعِي، وَرِوَايَة إِبْرَاهِيم مُرْسلَة ضَعِيفَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الَّذِي ذكره الشَّافِعِي أشهر فِي أَرض الْحجاز بِأخذ الْخلف عَن السّلف، فَهُوَ أولَى بالاتباع. قَالَ: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي قَالَ: «أَوْصَى الْحَارِث (أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ عبيد الله بن يزِيد الخطمي، فَصَلى عَلَيْهِ، ثمَّ أدخلهُ الْقَبْر من قبل (رجْلي)) الْقَبْر، وَقَالَ: هَذَا من السّنة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد قَالَ (هَذَا من السّنة) فَصَارَ كالمسند. قَالَ: وَقد روينَا هَذَا القَوْل عَن ابْن عمر، وَأنس بن مَالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 الحَدِيث الرَّابِع بعد السِّتين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دَفنه عَلّي وَالْعَبَّاس وَأُسَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن عَامر - هُوَ الشّعبِيّ - قَالَ: «غسل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلّي وَالْفضل وَأُسَامَة بن زيد، وهم أدخلوه قَبره» . قَالَ: وحَدثني مرحب - أَو ابْن (أبي مرحب - «أَنهم أدخلُوا مَعَهم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَلَمَّا فرغ عَلّي قَالَ: إِنَّمَا يَلِي) الرجل أَهله» . وَعَن الشّعبِيّ عَن أبي مرحب «أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف نزل فِي قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِم أَرْبَعَة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «ولي دفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْبَعَة: عَلّي وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَصَالح مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَمَا سلف فِي أَوَائِل الْبَاب، وَصَححهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ الَّذين نزلُوا فِي قبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عَلَى وَالْفضل وَقثم وشقران مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقد قَالَ أَوْس بن خوليّ لعَلي: يَا عَلّي، أنْشدك الله وحظنا من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ. فَنزل مَعَ الْقَوْم، فَكَانُوا خَمْسَة» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وشقران هُوَ صَالح مولَى رَسُول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 الله (، ولقبه شقران. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «دخل قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل، وَسوى لحده رجل من الْأَنْصَار، وَهُوَ الَّذِي سُوَى لحود الْأَنْصَار يَوْم بدر» . تَنْبِيه: يجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات بِأَن كل وَاحِد رَوَى مَا رَأَى، أَو من نقص أَرَادَ بِهِ أول الْأَمر، وَمن زَاد أَرَادَ بِهِ آخِره، وَالله أعلم. فَائِدَة: اخْتلف الْعلمَاء مَتى دفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : يَوْم الثُّلَاثَاء. وَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء: لَيْلَة الْأَرْبَعَاء. الحَدِيث الْخَامِس بعد السِّتين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما دفن سعد بن معَاذ ستر قَبره بِثَوْب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن عقبَة (عَن عَلّي بن بذيمة الْجَزرِي، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جلل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبر سعد بِثَوْبِهِ» ثمَّ قَالَ: لَا أحفظه إِلَّا من حَدِيث يَحْيَى بن عقبَة) بن أبي الْعيزَار، وَهُوَ ضَعِيف. قلت: بِمرَّة، نسبه يَحْيَى إِلَى الْكَذِب، وَالْبُخَارِيّ إِلَى نَكَارَة الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، كَانَ يفتعل الحَدِيث. وَقد رويت هَذِه السّنة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي «أَنه حضر جَنَازَة الْحَارِث الأعورِ، (فَأمر) عبدُ الله بن يزِيد أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 يبسطوا عَلَيْهِ ثوبا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، وَإِن كَانَ مَوْقُوفا. قلت: وَقد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَلَى خلاف هَذَا، فروَى من حَدِيث عمر بن مُحَمَّد، نَا أبي، نَا زُهَيْر، عَن أبي إِسْحَاق «أَن عبد الله بن يزِيد صَلَّى عَلَى الْحَارِث الْأَعْوَر، ثمَّ تقدم إِلَى الْقَبْر، فَدَعَا بالسرير، فَوضع (عِنْد) رجل الْقَبْر، ثمَّ أَمر بِهِ، فَسُلَّ سلاًّ، ثمَّ لم يدعهم يمدون ثوبا عَلَى الْقَبْر وَقَالَ: هَكَذَا السّنة» . (الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين) قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيسْتَحب لمن يدْخلهُ الْقَبْر أَن يَقُول: «باسم الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ (أَحْمد و) أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَالنَّسَائِيّ فِي «عمل يَوْم وَلَيْلَة» ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 «الْمُسْتَدْرك» من الْوَجْه الْمَذْكُور، وَلَفظ ابْن حبَان فِي إِحْدَى روايتيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا وضع الْمَيِّت فِي الْقَبْر قَالَ: باسم الله وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَلَفظه فِي الْأُخْرَى: «باسم الله، وَعَلَى سنة رَسُول الله» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد أَيْضا. وَلَفظ ابْن مَاجَه: «كَانَ إِذا أَدخل الْمَيِّت الْقَبْر قَالَ: بِسم الله، وَفِي سَبِيل الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «كَانَ إِذا دخل الْمَيِّت الْقَبْر ... » وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا وضع الْمَيِّت فِي لحده قَالَ: بِسم الله وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَعَلَى سنة» بدل «مِلَّة» (وَلَفظ الْحَاكِم: «إِذا وضعتم مَوْتَاكُم فِي (قبوركم) فَقولُوا: بِسم الله، وَعَلَى (سنة) رَسُول الله» ) . وَلَفظ النَّسَائِيّ: «إِذا وضعتم مَوْتَاكُم فِي الْقَبْر فَقولُوا: بِسم الله، وَعَلَى سنة رَسُول الله» . وَلَفظ أَحْمد: «إِذا وضعتم مَوْتَاكُم فِي الْقَبْر فَقولُوا: بِسم الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير هَذَا الْوَجْه أَيْضا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَبُو الصّديق النَّاجِي عَن ابْن عمر (مَرْفُوعا، وَقد رُوِيَ عَن أبي الصّديق النَّاجِي عَن ابْن عمر) مَوْقُوفا أَيْضا. قلت: أخرج أَحْمد الْمَرْفُوع كَمَا سلف، وَقَالَ النَّسَائِيّ: وَقفه شُعْبَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِنَّه الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِرَفْعِهِ همام بن يَحْيَى، وَوَقفه عَلَى ابْن عمر شُعْبَة وَهِشَام، لَكِن همام ثِقَة حَافظ فَتكون زِيَادَته مَقْبُولَة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (الْإِلْمَام) : هما أحفظ من همام، والشيخان قد احتجا بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَهَمَّام بن يَحْيَى ثَبت مَأْمُون إِذا أسْند مثل هَذَا الحَدِيث لَا يُعلل بِأحد إِذا أوقفهُ، وَقد أوقفهُ شُعْبَة. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا وضع الْمَيِّت فِي قَبره قَالَ: باسم الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله» . ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر البياضي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الْمَيِّت إِذا وضع فِي قَبره فَلْيقل الَّذين يضعونه حِين يوضع فِي اللَّحْد: بِسم الله وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله» . قَالَ الْحَاكِم: وَهَذَا مَشْهُور فِي الصَّحَابَة، شَاهد لحَدِيث همام عَن قَتَادَة مُسْندًا. وَرَوَى ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «حضرت ابْن عمر فِي جَنَازَة فَلَمَّا وَضعهَا فِي اللَّحْد قَالَ: بِسم الله، وَفِي سَبِيل الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله. فَلَمَّا أَخذ فِي تَسْوِيَة اللَّبن قَالَ: اللَّهُمَّ أجرهَا من الشَّيْطَان. (و) من عَذَاب الْقَبْر، اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جانبيها، وَصعد روحها، ولقها مِنْك رضواناً. قلتُ: يَا ابْن عمر، أَشَيْء سمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أم قلته بِرَأْيِك؟ قَالَ: إِنِّي إِذا لقادر عَلَى القَوْل؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 (بل) شَيْء سمعته (من) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة حَمَّاد بن عبد الرَّحْمَن الْكَلْبِيّ، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُوَ مَجْهُول، مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر. تَنْبِيه: وَقع هَذَا الحَدِيث فِي «الْهِدَايَة» و «الْخُلَاصَة» عَلَى مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى غير وَجهه، أما صَاحب «الْهِدَايَة» فَإِنَّهُ قَالَ الَّذِي يَضَعهُ: (يَقُول) باسم الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله. وَكَذَا قَالَه عَلَيْهِ السَّلَام حِين وضع أَبَا دُجَانَة فِي الْقَبْر وَهَذَا عَجِيب، فَإِن أَبَا دُجَانَة توفّي بعده عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْيَمَامَة فِي خلَافَة (أبي) بكر. وَأما صَاحب «الْخُلَاصَة» فَإِنَّهُ قَالَ: (يَقُول) الَّذِي يَضَعهُ: باسم الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ويوجهه إِلَى الْقبْلَة، لقَوْل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بذلك) لما حضر دفن رجل مطلبي. وَهَذَا غَرِيب عَن عَلّي؛ لَا أعرفهُ بعد الْبَحْث عَنهُ. فَائِدَة: رَوَى أَحْمد فِي «الْمسند» ، وَالْحَاكِم فِي التَّفْسِير من «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبيد الله بن زحر، عَن [عَلّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 بن يزِيد الْأَلْهَانِي] ، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: «لما وضعت أم كُلْثُوم بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْقَبْر قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى) ، فَلَمَّا بني لحدها قَالَ: سدوا خلال اللَّبِن. ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا لشَيْء، وَلكنه تطييب لنَفس الْحَيّ» . زَاد الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ: «بِسم الله، وَفِي سَبِيل الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف. قلت بِمرَّة: لِأَن الثَّلَاث الأول ضعفاء لكنه من بَاب الْفَضَائِل. الحَدِيث السَّابِع بعد السِّتين قَالَ الرَّافِعِيّ: «إِذا دخل الْمَيِّت الْقَبْر أضجع فِي اللَّحْد عَلَى جنبه الْأَيْمن، مُسْتَقْبل الْقبْلَة، كَذَلِك فعل برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَله» . هَذَا هُوَ الظَّاهِر من أفعالهم، وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ من قِبَلِ الْقبْلَة، واستقبل بِهِ اسْتِقْبَالًا» وَفِي إِسْنَاده عَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف بإجماعهم، قَالَ ابْن حبَان: سمع من أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَحَادِيث، فَلَمَّا مَاتَ جعل (يُجَالس) الْكَلْبِيّ، فَإِذا قَالَ الْكَلْبِيّ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. حفظ ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 وَرَوَاهُ عَنهُ، وكناه أَبَا سعيد، فيظن أَنه أَرَادَ الْخُدْرِيّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْكَلْبِيّ، لَا يحل كتْب حَدِيثه إِلَّا عَلَى (سَبِيل) التَّعَجُّب. وَفِي «تَارِيخ الْعقيلِيّ» من حَدِيث بُرَيْدَة قَالَ: «أَخذ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من قبل الْقبْلَة، وألحد لَهُ، وأنصب لَهُ اللَّبن نصبا» . وَفِي إِسْنَاده (عَمْرو) بن يزِيد التَّمِيمِي، وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. قَالَ: فَأَما اللَّحْد للنَّبِي (فَروِيَ، وَسَائِر الْكَلَام لَيْسَ بِمَعْرُوف إِلَّا فِي هَذِه الرِّوَايَة أَو مَا يشبهها. الحَدِيث الثَّامِن بعد السِّتين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه جعل فِي قبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قطيفة حَمْرَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «وضع» بدل «جعل» ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن مَنْصُور بن زَاذَان عَن الْحسن قَالَ: «جعل فِي لحد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قطيفة حَمْرَاء، أَصَابَهَا يَوْم خَيْبَر، لِأَن الْمَدِينَة أَرض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 سبخَة» . وَفِي الْجُزْء الأول من الصَّحِيح تَخْرِيج الدَّارَقُطْنِيّ عَن وَكِيع قَالَ: «وَكَانَ هَذَا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَاصَّة» . وَفِي «الِاسْتِيعَاب» أَن تِلْكَ القطيفة أخرجت قبل أَن يهال التُّرَاب. لَكِن فِي «الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنَّهَا دفنت مَعَه» وَفِي إسنادها حُسَيْن بن عبد الله السالف. فَائِدَة: الْجَاعِل لهَذِهِ القطيفة هُوَ شقران مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فعل هَذَا بِرَأْيهِ، وَلم يُوَافقهُ أحد من الصَّحَابَة، وَلَا علمُوا بِفِعْلِهِ، وَفِي «التِّرْمِذِيّ» إِشَارَة إِلَى هَذَا، فَإِن فِيهِ: قَالَ ابْن أبي رَافع: سَمِعت شقران يَقُول: «أَنا وَالله طرحت القطيفة تَحت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَقيل: إِنَّمَا فعلهَا شقران لِأَنَّهُ قَالَ: «كرهت أَن يلبسهَا أحد بعده عَلَيْهِ السَّلَام» وَفِي «التِّرْمِذِيّ» و «الْبَيْهَقِيّ» وَغَيرهمَا: عَن ابْن عَبَّاس «أَنه كره أَن يَجْعَل تَحت الْمَيِّت ثوب فِي قَبره» . الحَدِيث التَّاسِع بعد السِّتين عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «اصنعوا بِي كَمَا صَنَعْتُم برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، انصبوا عَلّي اللَّبِن، وأهيلوا عَلّي التُّرَاب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك بلاغًا، فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ: «بَلغنِي أَنه قيل لسعد بن أبي وَقاص: أَلا نتخِذ لَك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 شَيْئا (كَأَنَّهُ) الصندوق من الْخشب؟ فَقَالَ: بل اصنعوا بِي كَمَا صَنَعْتُم برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ انصبوا عَلّي اللَّبِن، وأهيلوا عَلّي التُّرَاب» (وَهُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» بِدُونِ قَول: «وأهيلوا عَلّي التُّرَاب» ) ، وَقد سبق بِلَفْظِهِ قَرِيبا فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين. فَائِدَة: مَعْنَى نَصْب اللَّبِن أَن لَا تكون مائلة؛ تسْقط فِي اللَّحْد عَلَى الْمَيِّت. وأهيلوا: (صبوا) ، وَهِي لُغَة قَليلَة فِي هلتُ، فَهُوَ مُهَال ومهيل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (كثيبًا مهيلا) أَي (مصبوبًا) سَائِلًا. الحَدِيث السبعون رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حثى عَلَى الْمَيِّت ثَلَاث حثياتٍ بيدَيْهِ جَمِيعًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَلّي بن حَفْص الْمَدَائِنِي، عَن الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن (عبد الله) بن عَامر بن ربيعَة، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين دفن عُثْمَان بن مَظْعُون صَلَّى عَلَيْهِ، وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا، وحثى عَلَى قَبره بِيَدِهِ ثَلَاث حثيات من التُّرَاب، وَهُوَ قَائِم عِنْد رَأسه» . وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف، الْقَاسِم بن عبد الله واه، قَالَ أَحْمد: كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 يكذب وَيَضَع الحَدِيث، ترك النَّاس حَدِيثه. وَأما عَاصِم بن عبيد الله بن عَاصِم بن عمر فضعفه مَالك وَغَيره، وَأما عَلّي بن حَفْص فقد أخرج لَهُ م، وَوَثَّقَهُ د وس، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وأجمل الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه فَقَالَ لما رَوَاهُ: إِسْنَاده ضَعِيف، إِلَّا أَن لَهُ شَاهدا من جِهَة جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. قلت: رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن جَعْفَر بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيروَى عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قلت: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن أَحْمد بن منيع، عَن حَمَّاد بن خَالِد، عَن هِشَام بن سعد، عَن [زِيَاد] ، عَن أبي الْمُنْذر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حثى فِي قبر ثَلَاثًا» . وَذكر هَذَا ابْن أبي حَاتِم فِي «مراسيله» ، وَقَالَ: قَالَ أبي: أَبُو الْمُنْذر وَالَّذِي قبله مَجْهُولَانِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حثى من قبل رَأس الْمَيِّت ثَلَاثًا» . إِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ، وَخَالف أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث بَاطِل، وَفِيه زِيَادَة لَطِيفَة وَهِي: «من قبل رَأسه» . فَيكون الحثي من قبل الرَّأْس مستحبًّا. الحَدِيث الْحَادِي بعد السّبْعين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه ألحد لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لحدًا، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا، وَرفع قَبره عَن الأَرْض قدر شبر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُلحد لَهُ لحدًا، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا ... » وَذكر الحَدِيث، قَالَ: «وَرفع قَبره (عَن) الأَرْض نَحوا من شبر» . ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدته. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رُشَّ عَلَى قَبره المَاء، وَوضع عَلَيْهِ (حَصْبَاء) من (حَصْبَاء) الْعَرَصَة، وَرفع قَبره قدر شبر» ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَاد لَهُ عَن جَابر، وَسَيَأْتِي قَرِيبا، وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ أَولا، وَهَذَا لَفظه: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر بن عبد الله «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 ألحد لَهُ، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبِن (نصبا) ، وَرفع قَبره نَحوا من شبر» . الحَدِيث الثَّانِي بعد السّبْعين عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: «دخلت عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَقلت: يَا أُمَّاهُ، اكشفي لي عَن قبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وصاحبيه. فَكشفت لي عَن ثَلَاثَة قُبُور، لَا مشرفة وَلَا لاطئة، مبطوحة ببطحاء الْعَرَصَة الْحَمْرَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، زَاد الْحَاكِم فِي رِوَايَته: «فَرَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مقدما، وَأَبا بكر رَأسه بَين كَتِفي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَعمر رَأسه عِنْد رجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . فَائِدَة: قَوْله: «لَا مشرفة) أَي: لَا مُرْتَفعَة ارتفاعًا كَبِيرا، و «لَا لاطئة» أَي: لَا لاصقة بِالْأَرْضِ، وَهُوَ بِهَمْزَة آخِره. فَائِدَة: إِن قلت: كَيفَ يجمع بَين حَدِيث سُفْيَان التمار - الَّذِي انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ البُخَارِيّ، بل لم يرو البُخَارِيّ لِسُفْيَان هَذَا غَيره، وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فَعَزاهُ إِلَى مُسلم - «أَنه رَأَى قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسنمًا» . زَاد ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» : «وقبر أبي بكر، وقبر عمر» وَفِي «مَرَاسِيل أبي دَاوُد» عَن صَالح بن أبي صَالح قَالَ: «رَأَيْت قبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شبْرًا أَو نَحوا من شبر» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 قلت: جمع بَينهمَا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره - رَحْمَة الله عَلَيْهِم -: بِأَن الْقَبْر كَانَ أَولا مسطحًا كَمَا قَالَ الْقَاسِم، ثمَّ لما سقط الْجِدَار فِي زمن الْوَلِيد بن عبد الْملك - وَقيل فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز - أصلح - فَجعل مسنمًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث الْقَاسِم أصح وَأولَى أَن يكون مَحْفُوظًا. الحَدِيث الثَّالِث بعد السّبْعين «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يجصص الْقَبْر، و (أَن) يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَن يكْتب عَلَيْهِ، وَأَن يُوطأ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِهَذِهِ الْجُمْلَة التِّرْمِذِيّ، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، و (أَبُو حَاتِم) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تجصص الْقُبُور، وَأَن يكْتب عَلَيْهَا، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَن تُوطأ» . وَلَفظ الْحَاكِم: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُبْنَى عَلَى الْقَبْر، أَو يجصص، أَو يقْعد عَلَيْهِ، وَنَهَى أَن يكْتب عَلَيْهِ» . وَلَفظ ابْن حبَان «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن تجصيص الْقُبُور، وَالْكِتَابَة عَلَيْهَا، وَالْبناء عَلَيْهَا، وَالْجُلُوس عَلَيْهَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نهَى أَن تقصص الْقُبُور» . وَكَانَ يسمون الجص الْقِصَّة، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الزبير سمع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 (جَابر) «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن تقصيص الْقُبُور، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهَا، أَو يجلس عَلَيْهَا» . وَرَوَاهُ مُخْتَصرا بِذكر الْبناء لَيْسَ إِلَّا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد رُوِيَ من غير وَجه عَن جَابر. قَالَ: وَقد رخص بعض أهل الْعلم فِي تطيين الْقُبُور، مِنْهُم: الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا بَأْس أَن يطين الْقَبْر. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَقد خرج بِإِسْنَادِهِ غير «الْكِتَابَة» فَإِنَّهَا لَفْظَة صَحِيحَة غَرِيبَة، وَقد رويت من وَجه آخر ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى جَابر، قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن تجصيص الْقُبُور، وَالْكِتَابَة فِيهَا، وَالْبناء عَلَيْهَا، وَالْجُلُوس عَلَيْهَا» . قَالَ الْحَاكِم: وَهَذِه الْأَسَانِيد صَحِيحَة، وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهَا؛ فَإِن أَئِمَّة الْمُسلمين من الشرق إِلَى الغرب مَكْتُوب عَلَى قُبُورهم، وَهُوَ عمل أَخذ بِهِ الْخلف عَن السّلف. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي «سنَنه» ، وَلَفظه: عَن جَابر قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يْقعد عَلَى الْقَبْر وَأَن يُقصص ويبنى عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَو يُزَاد عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَو يكْتب عَلَيْهِ» وَفِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث - أَعنِي حَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 أبي دَاوُد - عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن جَابر وَهَذِه الطَّرِيق مُنْقَطِعَة؛ فَإِن سُلَيْمَان هَذَا لم يسمع من جَابر شَيْئا، كَمَا نبه الْمُنْذِرِيّ عَلَيْهِ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» وَلذَلِك أضْرب مُسلم عَن ذكرهَا، وَالصَّوَاب: عَن أبي الزبير عَن جَابر، كَمَا هُوَ رِوَايَة البَاقِينَ، وَلَفظ رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن جَابر «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن تقصيص الْقُبُور، وَأَن يكْتب عَلَى الْقَبْر شَيْء، وَأَن يُبْنَى عَلَى الْقَبْر شَيْء» وَلَفظ رِوَايَة مُسلم عَنهُ «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يجصص الْقَبْر، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَن يقْعد عَلَيْهِ» . فَائِدَة: التجصيص: بناؤها بالجص وَهُوَ النورة الْبَيْضَاء، والتقصيص: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ التجصيص وَذَلِكَ أَن الجصة يُقَال لَهَا: الْقِصَّة، والجصاص وَالْقصاص وَاحِد، وَالْقعُود: الْجُلُوس قَالَ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) والهروي: المُرَاد بِهِ (الْحَدث) وَالصَّوَاب الأول، ويوضحه رِوَايَة مُسلم «لَا تجلسوا عَلَى الْقُبُور ... » وَرِوَايَة أُخْرَى لَهُ «لِأَن يجلس أحدكُم عَلَى جَمْرَة فتحرق ثِيَابه فتخلص إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 جلده خير لَهُ من أَن يجلس عَلَى قبر» وَقيل: المُرَاد بِهِ الْجُلُوس للإحداد وملازمة الْحزن. حَكَاهُ ابْن الْأَثِير فِي (نهايته) وَحَكَى مَعَه قولا آخر أَن المُرَاد بِالْجُلُوسِ أَيْضا للْحَدَث، وَوَقع فِي أَكثر نسخ (الْمُهَذّب) : (وَأَن يعْقد عَلَيْهِ) بِتَقْدِيم الْعين عَلَى الْقَاف، وَهُوَ تَصْحِيف، وَفَسرهُ صَاحب (المستعذب) فَقَالَ: أَي يُبْنَى عَلَيْهِ عقد كَمَا يفعل فِي أَبْوَاب بعض الْمَسَاجِد وَبَين الأساطين والقباب ومحراب الْقبَّة. الحَدِيث الرَّابِع بعد السّبْعين رُوِيَ عَن فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه رش قبر ابْنه إِبْرَاهِيم وَوضع عَلَيْهِ (الْحَصْبَاء) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رش عَلَى قبر ابْنه إِبْرَاهِيم وَوضع عَلَيْهِ حَصْبَاء» والحصباء لَا تثبت (إِلَّا عَلَى قبر مسطح، وَهَذَا مَعَ إرْسَاله فِيهِ إِبْرَاهِيم هَذَا، وَقدمنَا أَنه ثِقَة) عَلَى رَأْي إمامنا ورأي جمَاعَة (ضَعِيف) عِنْد الْجُمْهُور وَرُوِيَ الرش عَلَى قبر ابْنه إِبْرَاهِيم من طرق (أُخْرَى ذكرتها) فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 الحَدِيث الْخَامِس بعد السّبْعين عَن بِلَال رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه رش عَلَى قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» لَكِن من رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رش عَلَى قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - المَاء رشًّا، وَكَانَ الَّذِي رش عَلَى قَبره بِلَال بن رَبَاح، بَدَأَ من قبل رَأسه من شقَّه الْأَيْمن حَتَّى انْتَهَى إِلَى رجلَيْهِ» وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف فَإِن فِي إِسْنَاده الْوَاقِدِيّ، وَقد ضعفه الْجُمْهُور وَنسبه إِلَى الْوَضع الرَّازِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ عَلَى بن الْمَدِينِيّ: رَوَى ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث لَا تعرف. وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة وَالْبَلَاء مِنْهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رُش عَلَى قَبره المَاء، وَوضع عَلَيْهِ حَصْبَاء من حَصْبَاء الْعَرَصَة، وَرفع قَبره قدر شبر» هَذَا مُرْسل، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا من حَدِيث جَعْفَر الْمَذْكُور عَن أَبِيه أَن الرش عَلَى الْقَبْر كَانَ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث السَّادِس بعد السّبْعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وضع صَخْرَة عَلَى قبر عُثْمَان بن مَظْعُون وَقَالَ: أعلم بهَا قبر أخي، وأدفن إِلَيْهِ من مَاتَ من أَهلِي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث كثير بن زيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 الْمدنِي عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب التَّابِعِيّ قَالَ: «لما مَاتَ عُثْمَان بن مَظْعُون أخرج بجنازته فَدفن، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا أَن يَأْتِي بِحجر فَلم يسْتَطع حمله، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وحسر عَن ذِرَاعَيْهِ - (قَالَ كثير) : قَالَ الْمطلب: قَالَ الَّذِي (يُخْبِرنِي) : كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض ذراعي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين حسر عَنْهُمَا - ثمَّ حملهَا فوضعها عِنْد رَأسه وَقَالَ: أتعلم بهَا قبر أخي وأدفن إِلَيْهِ من مَاتَ من أَهلِي» إِسْنَاده حسن مُتَّصِل؛ لِأَن الْمطلب بَين فِي كَلَامه أَنه أخبرهُ (بِهِ) صَحَابِيّ حضر الْقِصَّة، وَالصَّحَابَة كلهم عدُول لَا تضر الْجَهَالَة بأعيانهم، وَكثير هَذَا وَإِن ضعفه النَّسَائِيّ فقد وَثَّقَهُ يَحْيَى (بن معِين) وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: صَالح وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» مُخْتَصرا من رِوَايَة أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَعْلَمَ قبر عُثْمَان بن مَظْعُون بصخرة» وَفِي إِسْنَاده كثير هَذَا، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن كثير بن زيد، عَن زَيْنَب ابْنة نبيط، عَن أنس ... فَذكره كَلَفْظِ ابْن مَاجَه، فَقَالَ: هَذَا خطأ يُخَالف الدَّرَاورْدِي فِيهِ، يرويهِ حَاتِم وَغَيره عَن كثير بن زيد، عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب، وَهُوَ الصَّحِيح. يُشِير أَبُو زرْعَة إِلَى رِوَايَة أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 دَاوُد، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عُثْمَان بن مَظْعُون، بِإِسْنَاد لَيْسَ فِيهِ كثير بن زيد، لَكِن فِيهِ بدله الْوَاقِدِيّ، وحالته مَعْرُوفَة سلفت قَرِيبا، وَأَبُو بكر بن عبد الله بن أبي سُبْرَة الْمَدِينِيّ وَهُوَ تَالِف، ذكره من حَدِيث عبيد الله بن رَافع عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يرتاد) لأَصْحَابه مَقْبرَة يدفنون فِيهَا، فَكَانَ قد طلب نواحي الْمَدِينَة وأطرافها؛ ثمَّ قَالَ: أمرت بِهَذَا الْموضع - يَعْنِي: البقيع - وَكَانَ أَكثر نَبَاته الْغَرْقَد، وَكَانَ أول من قبر هُنَاكَ عُثْمَان بن مَظْعُون، فَوضع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجرا عِنْد رَأسه. و (قَالَ) : هَذَا قبر فرطنا. وَكَانَ إِذا مَاتَ المُهَاجر بعده قيل: يَا رَسُول الله، أَيْن ندفنه؟ فَيَقُول: عِنْد فرطنا عُثْمَان بن مَظْعُون» . فَائِدَة: عُثْمَان بن مَظْعُون - بالظاء (الْمُعْجَمَة) وَالْعين الْمُهْملَة - من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام، وَأول من توفّي من الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ، وَأول من دفن بِالبَقِيعِ مِنْهُم، وَأول من دفن (من) الْأَنْصَار كُلْثُوم بن الْهدم. قَالَه رزين. فَائِدَة ثَانِيَة: رَوَى الْبَزَّار «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر برش المَاء عَلَى قبر عُثْمَان بن مَظْعُون» . أَيْضا رَوَاهُ من حَدِيث الْعمريّ، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة، عَن أَبِيه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ عَلَى قبر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 عُثْمَان بن مَظْعُون بَعْدَمَا دَفنه، وَأمر (فرش عَلَيْهِ المَاء) » . قَالَ ابْن الْقطَّان: والعمري هَذَا هُوَ الْقَاسِم بن (عبد الله) ، وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، قَالَ أَحْمد: هُوَ مدنيّ كَذَّاب، وضَّاع للْحَدِيث، ترك النَّاس حَدِيثه. الحَدِيث السَّابِع بعد السّبْعين رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سطح قبر ابْنه إِبْرَاهِيم» . هَذَا الحَدِيث تقدم قَرِيبا مُرْسلا من رِوَايَة الشَّافِعِي قبل هَذَا بحديثين. الحَدِيث الثَّامِن بعد السّبْعين عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: «رَأَيْت قبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وقبر أبي بكر مسطحة» . هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا بِخَمْسَة أَحَادِيث. الحَدِيث التَّاسِع بعد السّبْعين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقوم إِذا بَدَت جَنَازَة، فأُخبر أَن الْيَهُود تفعل ذَلِك، فَترك الْقيام بعد ذَلِك مُخَالفَة لَهُم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت بِإِسْنَاد ضَعِيف، كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين مِنْهُ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَبشر بن رَافع - يَعْنِي الَّذِي فِي إِسْنَاده - لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث مُنكر. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَا يَصح. الحَدِيث الثَّمَانُونَ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من صَلَّى عَلَى الْجِنَازَة وَرجع فَلهُ قِيرَاط، وَمن صَلَّى عَلَيْهَا وَلم يرجع حَتَّى دفن فَلهُ قيراطان، أصغرُهما - وَيروَى: أَحدهمَا - مثل أحد» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من شهد الْجِنَازَة حَتَّى يصلى عَلَيْهَا فَلهُ قِيرَاط، وَمن شَهِدَهَا حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان، (قيل) وَمَا القيراطان؟ قَالَ: مثل الجبلين العظيمين» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم مُنْفَردا بهَا (أصغرهما مثل أحد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قَالَ أَبُو حَازِم: قلتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَة، وَمَا القيراط؟ قَالَ: مثْل أحد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ مَرْفُوعا: «كل قِيرَاط مثل أحد» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «من تبع جَنَازَة مُسلم إِيمَانًا واحتسابًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 وَكَانَ مَعَه حَتَّى يصلى عَلَيْهَا ويفرغ من دَفنهَا فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر بقيراطين، كل قِيرَاط مثل أُحُد، وَمن صَلَّى عَلَيْهَا ثمَّ رَجَعَ قبل أَن تدفن فَإِنَّهُ يرجع بقيراط» . تفرد البُخَارِيّ بقوله: «إِيمَانًا واحتسابًا» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «من صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن اتبعها حَتَّى تُوضَع فِي الْقَبْر فقيراطان» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «حَتَّى تُوضَع فِي اللَّحْد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «حَتَّى يفرغ من دَفنهَا» . وتتأول رِوَايَة: «حَتَّى تُوضَع فِي الْقَبْر» أَي: ويفرغ مِنْهَا. (وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان «من صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن شهد دَفنهَا فَلهُ قيراطان، القيراط مثل أحد» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «سُئِلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن القيراط فَقَالَ: مثل أحد» ) . وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» : عَن ابْن عمر حِين بلغه حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (بعث إِلَى عَائِشَة، فَسَأَلَهَا، فصدقته، فَقَالَ ابْن عمر: لقد فرطنا فِي قراريط كَثِيرَة» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ قريب من لفظ الرَّافِعِيّ، فَإِن لَفظه: «من صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن تبعها حَتَّى يُقْضَى دَفنهَا فَلهُ قيراطان، أَحدهمَا - أَو أصغرهما - مثل أحد» . ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 رِوَايَة للْحَاكِم فِي كتاب الْفَضَائِل من «الْمُسْتَدْرك» ، فِي فَضَائِل أبي هُرَيْرَة، عَن ابْن عمر «أَنه مر بِأبي هُرَيْرَة وَهُوَ يحدث عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من تبع جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، فَإِن شهد دَفنهَا فَلهُ قيراطان، القيراط أعظم من أحد. فَقَالَ ابْن عمر: يَا أَبَا هُرَيْرَة، انْظُر (مَا تحدث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَة حَتَّى انْطلق) إِلَى عَائِشَة؛ فَقَالَ لَهَا: يَا أم الْمُؤمنِينَ، أنْشدك الله هَل سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من تبع جَنَازَة فَصَلى عَلَيْهَا فَلهُ قِيرَاط، وَإِن شهد دَفنهَا فَلهُ قيراطان؟ فَقَالَت: اللَّهُمَّ نعم. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِنَّه لم يكن يشغلنا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غرس وَلَا صفق بالأسواق، إِنَّمَا كنت أطلب كلمة من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعلمنيها، أَو أَكلَة يطعمنيها. فَقَالَ ابْن عمر: يَا أَبَا هُرَيْرَة، كنت ألزمنا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَعْلَمنَا بحَديثه» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه إِسْنَاد صَحِيح ذكره فِي «مدخله إِلَى السّنَن» ، فِي بَاب: مَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى حفظ أبي هُرَيْرَة. الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا فرغ من دفن الْمَيِّت وقف عَلَيْهِ، وَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لأخيكم، واسألوا لَهُ التثبيت؛ فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث هِشَام بن يُوسُف عَن عبد الله بن بحير، عَن هَانِئ مولَى عُثْمَان، عَن عُثْمَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا فرغ من دفن الْمَيِّت وقف عَلَيْهِ فَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لأخيكم وسلوا لَهُ التثبيت؛ فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَهَذَا لَفظه: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِجنَازَة عِنْد قبر وَصَاحبه يدْفن، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اسْتَغْفرُوا لأخيكم، وسلوا الله لَهُ التثبيت؛ فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن. وَقَالَ الْبَزَّار بعد أَن أخرجه بِلَفْظ: «وسلوا لَهُ التثبيت» لَا يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم لَهُ عَن عُثْمَان إِسْنَادًا إِلَّا هَذَا الْإِسْنَاد، وَكَذَا ذكره فِي حَدِيث: «كَانَ عُثْمَان إِذا وقف عَلَى قبر بَكَى ... » الحَدِيث. وذكرهما الدَّارَقُطْنِيّ. والْحَدِيث الآخر: «مَا رَأَيْت شَيْئا إِلَّا والقبر أفظع مِنْهُ» . وَقَالَ: تفرد بهَا - وَهِي حَدِيث وَاحِد - عبد الله بن بحير، عَن هَانِئ، وَلم يروه عَنهُ غير هِشَام بن يُوسُف القَاضِي. قلت: وَعبد الله بن بحير هَذَا هُوَ ابْن ريسان الْمرَادِي الصَّنْعَانِيّ، رَوَى عَن جمَاعَة، وَعنهُ جمَاعَة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، كَذَا هُوَ فِي أصل «التذهيب» للذهبي، ثمَّ قَالَ: من زياداته، قَالَ ابْن حبَان: عبد الله بن بحير الصَّنْعَانِيّ أَبُو وَائِل الْقَاص وَلَيْسَ هُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 بِعَبْد الله بن بحير بن ريسان، ذَاك ثِقَة، وَأَبُو وَائِل واهٍ. ثمَّ قَالَ: لم يفرق بَينهمَا أحد (قبل) ابْن حبَان، وهما وَاحِد. إِذا علمت ذَلِك، فقد قَالَ هُوَ فِي كِتَابه «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء» : عبد الله بن بحير الصَّنْعَانِيّ مُنكر الحَدِيث، ثمَّ أعلم لَهُ د ت ق، كَمَا أعلمهُ فِي «تذهيبه» ، فَكيف ينْقل فِي «تذهيبه» أَن ابْن معِين وَغَيره وَثَّقَهُ، و (يَقُول) فِي «الْمُغنِي» : (واه، مُنكر الحَدِيث بِمرَّة) . وَأغْرب من هَذَا مَا اتّفق لَهُ فِي «مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» ؛ فَإِنَّهُ ذكر حَدِيث عُثْمَان «أَنه كَانَ إِذا وقف عَلَى قبر بَكَى حَتَّى يبل لحيته ... » الحَدِيث. قَالَ: فِيهِ عبد الله بن بحير، وَلَيْسَ بالعمدة، [وهانئ] رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَلَا ذكر لَهُ فِي الْكتب السِّتَّة. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب إِن أَرَادَ بقوله: «وَلَا ذكر لَهُ» عبدَ الله بن بحير دون الحَدِيث فَهُوَ من رجال د. ت. ق، وَذكر هُوَ فِي (تذهيبه) أَن أَرْبَعَة أنفس رووا عَنهُ وَإِن أَرَادَ بقوله: «وَلَا ذكر لَهُ فِي الْكتب السِّتَّة» الحديثَ. فَهُوَ وهم، فَحَدِيثه هَذَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 فَائِدَة: رُوِيَ «التثبت» و «التثبيت» ، بِإِثْبَات الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت قبل الْمُثَنَّاة فَوق آخرا وحذفها، وهما صَحِيحَانِ. و (التثبيت) : الْأَمْن من الْفَزع، والثبات عِنْد مسائلة الْملكَيْنِ، يُقَال: «ثَبت فِي الْقِتَال» إِذا لم يفزع وَلم يفر، وَرجل ثَبت: إِذا كَانَ لَا يزل لِسَانه. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّمَانِينَ قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَيسْتَحب أَن يلقن الْمَيِّت بعد الدّفن، فَيُقَال: يَا عبد الله، (يَا) ابْن أمة الله، اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا، شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَأَن الْجنَّة حق، وَالنَّار حق، وَأَن الْبَعْث حق، وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا، وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور، وَأَنَّك رضيت بِاللَّه ربًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قبْلَة، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا» . ورد بِهِ الْخَبَر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» عَن أبي عقيل أنس بن [سلم] ، ثَنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْعَلَاء الْحِمصِي، نَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، نَا عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن سعيد بن عبد الله (الأودي) قَالَ: «شهِدت أَبَا أُمَامَة وَهُوَ فِي النزع، فَقَالَ: إِذا أَنا مت فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نصْنَع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 بموتانا؛ أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِذا مَاتَ أحد من إخْوَانكُمْ فسويتم التُّرَاب عَلَى قَبره فَليقمْ أحدكُم عَلَى رَأس قَبره، ثمَّ ليقل: يَا فلَان بن (فلَان) ، (فَإِنَّهُ يسمعهُ وَلَا يُجيب) ، ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدا، (ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة) ؛ (فَإِنَّهُ يَقُول) : أرشدنا يَرْحَمك الله. وَلَكِن لَا تشعرون، فَلْيقل: اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، وَأَنَّك رضيت بِاللَّه ربًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا. فَإِن مُنْكرا ونكيرًا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بيد صَاحبه وَيَقُول: انْطلق بِنَا، مَا (يقعدنا) عِنْد من قد لقن حجَّته. فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، فَإِن لم يعرف أمه؟ قَالَ: ينْسب إِلَى أمه حَوَّاء؛ يَا فلَان بن حَوَّاء» . إِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا، وَذكره الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فِي «جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح» ، وَزَاد بعد قَوْله: «قد لقن حجَّته» : «وَيكون الله (حجَّته) دونهمَا» . قَالَ: وَقد أرخص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي تلقين الْمَيِّت، وَأَعْجَبهُ ذَلِك، وَقَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 (أهل) الشَّام يَفْعَلُونَهُ. قَالَ أَبُو مَنْصُور: وَهُوَ من العزمات والتذكير بِاللَّه، و (السماح) بذلك مأثور عَن السّلف، وَقَالَ الْحَافِظ زَكى الدَّين فِي الْجُزْء الَّذِي خرجه فِي التَّلْقِين بعد أَن سَاقه: وَفِيه بعد الشَّهَادَتَيْنِ «وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا، وَأَن الله (يبْعَث) من فِي الْقُبُور» . قَالَ أَبُو نعيم الْحداد: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، مَا كتبته إِلَّا من حَدِيث سعيد (الْأَزْدِيّ) ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سعيد (الْأَزْدِيّ) عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَوَى عَنهُ ... سَمِعت أبي يَقُول ذَلِك. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَكَذَا قَالَ: (الْأَزْدِيّ) وَوَقع فِي روايتنا «الأودي» ، وَهُوَ مَعْنَى الْمَجْهُول، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء» : سعيد (الْأَزْدِيّ) لم أر لَهُ ذكر فِي الضُّعَفَاء وَلَا غَيرهم. قلت: لَكِن حَدِيثه هَذَا لَهُ شَوَاهِد يعتضد بهَا - والغريب أَن الشَّيْخ زَكى الدَّين لم يذكر فِي مُصَنفه الْمَذْكُور مِنْهَا غير حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ وَحده - مِنْهَا حَدِيث: «واسألوا لَهُ (التثبيت) » وَقد سلف. وَمِنْهَا: حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِذا دفنتموني فسنوا عَلّي التُّرَاب سنّا، ثمَّ أقِيمُوا حول قَبْرِي قدر مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحمهَا؛ حَتَّى أستأنس بكم، وَأعلم مَاذَا أراجع رسل رَبِّي» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» فِي كتاب الْإِيمَان، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 «سنوا» : رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ وبالمهملة، وَكِلَاهُمَا مُتَقَارب الْمَعْنى صَحِيح. وَالْجَزُور - بِفَتْح الْجِيم - من الْإِبِل، والجزرة من غَيرهَا. ذكره عِيَاض، وَفِي كتاب «الْعين» : الجزرة من الضَّأْن والمعز خَاصَّة. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن حمْرَان، عَن عَطِيَّة الرعاء، عَن الحكم بن الْحَارِث السّلمِيّ «أَنه غزا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاث غزوات، قَالَ: قَالَ لنا: إِذا دفنتموني ورششتم عَلَى قَبْرِي المَاء فَقومُوا عَلَى قَبْرِي، واستقبلوا الْقبْلَة، وَادعوا لي» . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» قَالَ: سَأَلت (أبي عَن حَدِيث) ثُمَامَة بن النَّضر بن أنس (قَالَ: (كَانَ أنس) إِذا شهد جَنَازَة الْأَخ من إخوانه وقف عَلَى قَبره بعد أَن يدْفن، فَيَقُول: جَاف الأَرْض عَن (جَنْبَيْهِ) » . فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا، من حَدِيث مُبشر بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ أبي: «يَا بني، إِذا أَنا مت فألحدني، فَإِذا وَضَعتنِي فِي لحدي فَقل: باسم الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله. ثمَّ سنّ عليّ التُّرَاب سنًّا، ثمَّ اقْرَأ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 عِنْد رَأْسِي بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول ذَلِك» . (وَعبد الرَّحْمَن هَذَا هُوَ مُبشر بن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي) ، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث (إِبْرَاهِيم بن بكر بن عبد الرَّحْمَن) ، عَن إِدْرِيس الأودي، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «حضرت ابْن عمر فِي جَنَازَة، فَلَمَّا وَضعهَا فِي اللَّحْد قَالَ: باسم الله، وَفِي سَبِيل الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله، فَلَمَّا أَخذ فِي اللَّبِن عَلَى اللَّحْد قَالَ: اللَّهُمَّ أجرهَا من الشَّيْطَان، وَمن عَذَاب الْقَبْر. فَلَمَّا سُوَى اللَّبن عَلَيْهَا قَامَ إِلَى جَانب الْقَبْر، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جنبيها، وَصعد روحها، ولقها مِنْك رضواناً. فَقلت: أشيئًا سمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أم شَيْئا قلته من رَأْيك؟ قَالَ: إِنِّي إِذا لقادر عَلَى القَوْل، بل سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَإِدْرِيس هَذَا مَجْهُول. قَالَه أَبُو حَاتِم، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 وَقد أسلفنا لهَذَا طَرِيقا آخر من رِوَايَة ابْن مَاجَه فِي الْجُزْء الَّذِي قبله، وَهُوَ الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين من أَحَادِيث هَذَا الْبَاب. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» عَن رَاشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وَحكم بن عُمَيْر، قَالُوا: «إِذا سوي عَلَى الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ؛ كَانُوا يستحبون أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره: يَا فلَان، قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - ثَلَاث مَرَّات - قل: رَبِّي الله، وديني الْإِسْلَام، ونبيي مُحَمَّد (. (ثمَّ ينْصَرف)) . فَهَذِهِ شَوَاهِد لحَدِيث أبي أُمَامَة الْمَذْكُور، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم، وَلكنه (يعتضد) بشواهد وبعمل أهل الشَّام بِهِ قَدِيما. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا فيستأنس بِهِ، وَقد اتّفق عُلَمَاء الْمُحدثين وَغَيرهم عَلَى الْمُسَامحَة فِي أَحَادِيث الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب، لَا سِيمَا وَقد اعتضد بشواهد، وَلم يزل أهل الشَّام عَلَى الْعَمَل بِهَذَا فِي زمن من يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآن. قلت: لَكِن قَالَ الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله - يَعْنِي: ابْن حَنْبَل -: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 فَهَذَا الَّذِي تصنعونه إِذا دفن الْمَيِّت! يقف الرجل وَيَقُول: يَا فلَان ابْن فُلَانَة، اذكر مَا فَارَقت عَلَيْهِ؛ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا فعل هَذَا إِلَّا أهل الشَّام حِين مَاتَ أَبُو الْمُغيرَة، (جَاءَ إِنْسَان فَقَالَ ذَلِك وَكَانَ أَبُو الْمُغيرَة) يرْوَى مَتنه عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم، عَن أَشْيَاخهم أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَكَانَ ابْن عَيَّاش يروي بِهِ. يُشِير بذلك إِلَى حَدِيث أبي أُمَامَة السالف. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّمَانِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يدْفن فِي كل قبر إِلَّا وَاحِدًا» . هَذَا صَحِيح مَعْرُوف فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأمر بذلك. قلت: لَا يحضرني نَص فِي ذَلِك، بل هُوَ الظَّاهِر من فعله بِأَصْحَابِهِ. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّمَانِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للْأَنْصَار يَوْم أحد: «احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا، وَاجْعَلُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة فِي الْقَبْر الْوَاحِد، وَقدمُوا أَكْثَرهم قُرْآنًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الْجُزْء قبله، وَهُوَ الحَدِيث السِّتُّونَ مِنْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّمَانِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لِأَن يجلس أحدكُم عَلَى جَمْرَة، فتحرق ثِيَابه، فتخلص إِلَى جلده: خير لَهُ من أَن يجلس عَلَى قبر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد تقدم فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد السّبْعين النَّهْي عَن الْقعُود عَلَيْهِ أَيْضا. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّمَانِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها، فَإِنَّهَا تذكركم الْآخِرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق كَثِيرَة. أَحدهَا: من طَرِيق: (بُرَيْدَة) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قد (كنت) نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فقد أذن لمُحَمد فِي زِيَارَة قبر أمه، فزوروها فَإِنَّهَا تذكركم الْآخِرَة» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بلفظين: أَحدهمَا: «إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَن ثَلَاث: عَن زِيَارَة الْقُبُور، وَعَن لُحُوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 الْأَضَاحِي أَن (تبقوها) فَوق ثَلَاثَة أَيَّام، وَعَن الظروف إِلَّا مَا كَانَ سقاءٍ، فقد رخص لمحمدٍ فِي (زِيَارَة قبر) أمه» . الثَّانِي: « (إِنِّي اسْتَأْذَنت) فِي الاسْتِغْفَار (لأمي) فَلم يَأْذَن لي، فَدَمَعَتْ عَيْني رَحْمَة لَهَا من النَّار، وَإِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ عَن ثَلَاث: عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها، ولتزدكم زيارتها خيرا ... » وَذكر بَاقِي الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم (بِلَفْظ) : «إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزورها، ولتردكم زيارتها خيرا» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ أَيْضا فِي مَنَاقِب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام زار قبر أمه فِي ألف مقنع، فَمَا رُئي باكيًا أَكثر من ذَلِك الْيَوْم» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، إِنَّمَا أخرج مُسلم وَحده حَدِيث محَارب بن دثار، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه: «اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي الاسْتِغْفَار، فَلم يُؤذن لي» . قلت: لم يخرج مُسلم هَذَا اللَّفْظ من حَدِيث بُرَيْدَة هَذَا؛ إِنَّمَا أخرجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَمَا ستعلمه بعد هَذَا، وَلَفظه فِي حَدِيث بُرَيْدَة: «نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها ... » الحَدِيث، وَأغْرب من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 هَذَا قَوْله فِي الْجَنَائِز من «مُسْتَدْركه» لما أخرج حَدِيث بُرَيْدَة: «كنت نَهَيْتُكُمْ) كَمَا سقناه: إنّ هَذَا الحَدِيث مخرج فِي الْكِتَابَيْنِ «الصَّحِيحَيْنِ» لِلشَّيْخَيْنِ. وَقد عرفت أَنه من أَفْرَاده، كَمَا قَالَه مرّة أُخْرَى. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زار قبر أمه، فَبَكَى؛ وأبكى من حوله، فَقَالَ: (اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي أَن أسْتَغْفر لَهَا، فَلم يُؤذن لي، واستأذنته فِي أَن أَزور قبرها، فَأذن لي، فزوروا الْقُبُور؛ فَإِنَّهَا تذكركم الْمَوْت» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ، وَلم يَقع فِي رِوَايَة عبد الغافر الْفَارِسِي، وَوَقع لغيره من الروَاة عَن الجلودي، وَعَزاهُ إِلَى «مُسلم» : الْبَيْهَقِيّ، وَعبد الْحق، وَالْمُنْذِرِي، وَغَيرهم، وَأما الْحَاكِم فاستدركه وَقَالَ: إِنَّه عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه مُخْتَصرا بِلَفْظ: «زوروا الْقُبُور؛ فَإِنَّهَا تذكركم الْآخِرَة» . الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها، فَإِنَّهَا تزهد فِي الدُّنْيَا وتذكر فِي الْآخِرَة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَفِيه أَيُّوب بن هَانِئ ضعفه ابْن معِين، وَقواهُ أَبُو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 حَاتِم، وَاقْتصر الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» (عَلَى) مقَالَة ابْن معِين. وَقَالَ فِي «الكاشف» : إِنَّه صَدُوق. وَلم يذكر غير ذَلِك، وَرَوَاهُ أَحْمد بِنَحْوِهِ. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها، فَإِنَّهَا عِبْرَة» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك، لَكِن قَالَ بدل: «فَإِنَّهَا عِبْرَة» : «وَلَا تَقولُوا هجرًا» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فَإِن زرتموها فَلَا تَقولُوا هجرًا» . الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نهيت عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها؛ فَإِنَّهَا تذكركم الْمَوْت» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَفِيه يَحْيَى الجابر، وَقد ضعَّفوه كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين مِنْهُ. ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق آخر جيد، عَن أنس بِلَفْظ: «نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها، فَإِنَّهَا ترق الْقلب، وتدمع الْعين، وتذكركم الْآخِرَة، وَلَا تَقولُوا هجرًا» . وَرَوَاهُ أَحْمد بِنَحْوِهِ. الطَّرِيق السَّادِس: من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 «زر الْقُبُور، تذكر بهَا الْآخِرَة» . رَوَاهُ الْحَاكِم هُنَا، و (فِي) بَاب الرقَاق من «مُسْتَدْركه» ، وَقَالَ هُنَا: رُوَاته عَن آخِرهم ثِقَات. قلت: لَكِن فِي سَنَده يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَهُوَ واه، وَيَحْيَى بن سعيد عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ، وَيَحْيَى لم يدْرك أَبَا مُسلم، فَهُوَ مُنْقَطع، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «اختصاره للمستدرك» : أَبُو مُسلم هَذَا رجل مَجْهُول، وَالْخَبَر مُنكر. الطَّرِيق السَّابِع: من حَدِيث عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ نهَى عَن زِيَارَة الْقُبُور، ثمَّ قَالَ: إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زيارتها؛ فزوروها؛ فَإِنَّهَا تذكركم الْآخِرَة» . رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن يزِيد، عَن ربيعَة بن النَّابِغَة، عَن أَبِيه، عَن عَلّي بِهِ. قَالَ البُخَارِيّ: ربيعَة بن النَّابِغَة، عَن أَبِيه عَن عَلّي لَا يَصح حَدِيثه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 قَالَ الْحَاكِم: قد استقصيت (عَلَى) الْحَث عَلَى زِيَارَة الْقُبُور تحريًا للمشاركة فِي التَّرْغِيب، وليعلم الشحيح (بِدِينِهِ) أَنَّهَا سنة مسنونة. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّمَانِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن زاورات الْقُبُور» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: من حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن زوارات الْقُبُور» . رَوَاهُ أَحْمد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قلت: وَعمر هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق، وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بِهِ. وَوَثَّقَهُ غَيرهمَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وَلَفظه: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زائرات الْقُبُور» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد رَأَى بعض أهل الْعلم أَن هَذَا قبل أَن يرخص النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي زِيَارَة الْقُبُور، فَلَمَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 رخص دخل فِي رخصته [الرِّجَال و] النساءُ، (قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: وَإِنَّمَا كره زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء) لقلَّة صبرهن وَكَثْرَة جزعهن. قلت: وَهَذَا الْجَواب مَبْنِيّ عَلَى أَن النِّسَاء دخلن فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور» وَالْمُخْتَار عِنْد أَصْحَابنَا عدم دخولهن فِي ضمير الرِّجَال، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» جوز جعل هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخا بِحَدِيث: «كنت نَهَيْتُكُمْ» ، وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى الأول. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن زوارات الْقُبُور» رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم، وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن حسان بن ثَابت، وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث (أبي صَالح عَن) ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زوارات الْقُبُور، والمتخذات عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج» . رَوَاهُ أَحْمد، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه، وَاخْتلف كَلَام الْحفاظ فِي أبي صَالح هَذَا: هَل هُوَ باذام مولَى أم هَانِئ الضَّعِيف، أَو ذكْوَان السمان الرواي عَن أبي هُرَيْرَة، الثِّقَة المحتج بِهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أم غَيرهمَا، فَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَبُو صَالح هَذَا اسْمه (ميزَان) ، بَصرِي ثِقَة، لَيْسَ بِصَاحِب الْكَلْبِيّ، ذَاك اسْمه باذام. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فِي «صَحِيحه» فِي حَدِيث أبي صَالح عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَفعه فِي النَّهْي عَن الدُّخُول عَلَى المغيبات: أَبُو صَالح هَذَا اسْمه (ميزَان) ، من اهل الْبَصْرَة، (ثِقَة) سمع ابْن عَبَّاس، وَعَمْرو بن الْعَاصِ، وَرَوَى عَنهُ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَمُحَمّد بن جحادة، مَا رَوَى عَنهُ غير هذَيْن. قلت: بل رَوَى عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، وَابْن أَخِيه عمار بن مُحَمَّد، وَمَالك بن مغول. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِصَاحِب الْكَلْبِيّ، ذَاك واهي ضَعِيف. وَخَالف فِي ذَلِك جماعات، مِنْهُم الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه» ، فَإِنَّهُ قَالَ بعد أَن رَوَاهُ: أَبُو صَالح هَذَا لَيْسَ بالسمان المحتج بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 (باذان) ، وَلم يحْتَج بِهِ الشَّيْخَانِ، لكنه حَدِيث متداول فِيمَا بَين الْأَئِمَّة، قَالَ: وَقد وجدت لَهُ مُتَابعًا من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ فِي متن الحَدِيث، فخرجته. ثمَّ ذكر حَدِيث (حسان) السالف. وَمِنْهُم ابْن عَسَاكِر؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي «أَطْرَافه» فِي تَرْجَمته، ثمَّ رَوَاهُ عَلَى بن مُسلم الطوسي، عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن جحادة، سَمِعت أَبَا صَالح مولَى أم هَانِئ. وَمِنْهُم عبد الْحق؛ فَإِنَّهُ لما ذكره عقبه (بِأَن قَالَ: هَذَا يرويهِ أَبُو صَالح صَاحب الْكَلْبِيّ، وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف جدا،) وَأنكر هَذِه الْعبارَة عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان، وَقَالَ: إِنَّمَا يُقَال مثلهَا فِي الْوَاقِدِيّ وَنَحْوه من المتروكين الْمجمع عَلَيْهِم، وَأما أَبُو صَالح هَذَا فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَد، وَلَا من هَذَا النمط، وَلَا أَقُول إِنَّه ثِقَة، لكني أَقُول: إِنَّه لَيْسَ كَمَا توهمه هَذِه الْعبارَة، بل قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سَمِعت يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان يَقُول: لم أر أحدا من أَصْحَابنَا تَركه، وَمَا سَمِعت أحدا من النَّاس يَقُول فِيهِ شَيْئا وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: إِذا رَوَى عَنهُ غير الْكَلْبِيّ لَا بَأْس بِهِ. وَقد أسلفنا تَرْجَمَة أبي صَالح مستوفاة فِي بَاب الإحداث، فَرَاجعهَا من ثمَّ. وَمِنْهُم الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «مُخْتَصره لسنن أبي دَاوُد» عقب قَول التِّرْمِذِيّ: «إِنَّه حَدِيث حسن» : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 فِيهِ نظر، فَإِن فِي إِسْنَاده أَبُو صَالح، وَهُوَ باذام، وَيُقَال: باذان، مكي، مولَى أم هَانِئ بنت أبي طَالب، وَهُوَ صَاحب الْكَلْبِيّ، وَقد قيل: إِنَّه لم يسمع من ابْن عَبَّاس شَيْئا، وَقد تكلم فِيهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَقَالَ ابْن عدي: لم أر أحدا من الْمُتَقَدِّمين رضيه. وَقد نقل عَن يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَغَيره تَحْسِين أمره، فَلَعَلَّهُ يُرِيد: رضيه حجَّة، أَو قَالَ: هُوَ ثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي «موافقاته» . وَمِنْهُم النَّوَوِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «خلاصته» : هَذَا الحَدِيث حسنه التِّرْمِذِيّ، وَسكت عَنهُ أَبُو دَاوُد فَلم يُضعفهُ، وَأَبُو صَالح هَذَا هُوَ باذام، وَاخْتلفُوا فِيهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يحْتَج بِهِ. وَمِنْهُم ابْن دحْيَة فِي كتاب «مرج الْبَحْرين» ، فَإِنَّهُ قَالَ عقيب تَحْسِين التِّرْمِذِيّ لَهُ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح من هَذَا الْوَجْه، وَلَا من غَيره؛ لأجل أبي صَالح باذان أَو باذام. قَالَ الْأَزْدِيّ: كَذَّاب وَذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» فِي تَرْجَمَة أبي صَالح باذام، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو مَنْصُور الْحسن (بن السكين الْبَلَدِي عَن يعلي بن عباد الْبَصْرِيّ عَن شُعْبَة وَالْحسن) بن أبي جَعْفَر، وَالْحسن بن دِينَار، وَأبي الرّبيع السمان، وَمُحَمّد بن طَلْحَة بن مصرف، كلهم عَن مُحَمَّد بن جحادة، عَن أبي صَالح السمان، عَن ابْن عَبَّاس. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّمَانِينَ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالسّنة أَن يَقُول الزائر: «سَلام عَلَيْكُم دَار قوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 مُؤمنين، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجرهم، وَلَا تفتنا بعدهمْ» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج إِلَى الْمقْبرَة، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين، وَإِنَّا أَن شَاءَ الله بكم لاحقون» . وَفِيه أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كلما كَانَت لَيْلَتهَا مِنْهُ يخرج من آخر اللَّيْل إِلَى البقيع، فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين، وأتاكم مَا توعدون، غَدا (مؤجلون) ، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون، اللَّهُمَّ اغْفِر لأهل بَقِيع الْغَرْقَد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام علمهَا هَذَا عِنْد زِيَارَة البقيع: السَّلَام عَلَى أهل الديار من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ، وَيرْحَم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ منا (والمستأخرين) ، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون» . وَفِيه أَيْضا من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يعلمهُمْ) إِذا خَرجُوا إِلَى الْمَقَابِر فَكَانَ قَائِلهمْ يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون، أسأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة» . زَاد النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: «أَنْتُم لنا فرط، وَنحن لكم تبع» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 وَفِي «السّنَن» الثَّلَاثَة «سنَن أبي دَاوُد» وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج إِلَى الْمقْبرَة، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون» . وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِقبُول الْمَدِينَة، فَأقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور، يغْفر الله لنا وَلكم، أَنْتُم سلفنا، وَنحن بالأثر» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَفِي كتاب ابْن السّني عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى البقيع؛ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين، أَنْتُم لنا فرط، وَإِن بكم لاحقون، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجرهم، وَلَا تضلنا بعدهمْ» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّمَانِينَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من عزى مصابًا فَلهُ مثل أجره» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث عَلّي بن عَاصِم (حَدثنَا) وَالله مُحَمَّد بن سوقة، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عَلّي بن عَاصِم قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا مَوْقُوفا. قَالَ: وَيُقَال: أَكثر مَا ابْتُلِيَ بِهِ عَلّي بن عَاصِم بِهَذَا الحَدِيث، نقموا عَلَيْهِ. قلت: وَقَالَ يَحْيَى بن زَكَرِيَّا: عَلّي بن عَاصِم من أهل الحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث، عابوا عَلَيْهِ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن سوقة، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عبد الله: «من عزى مصابًا» وَقيل لوكيع: إِن عَلّي بن عَاصِم غلط فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود. فَقَالَ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: حَدِيث مُحَمَّد بن سوقة، فَقَالَ وَكِيع: أَنا إِسْرَائِيل، عَن مُحَمَّد بن سوقة، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن عبد الله بن مَسْعُود ... فَذكره. قَالَ ابْن عدي: (والضعف) عَلَى حَدِيثه بَين. وَقَالَ يَحْيَى بن جَعْفَر: كَانَ يجلس عِنْد عَلّي بن عَاصِم ثَلَاثُونَ ألفا، وَكَانَ يجلس عَلَى سطح، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة مستملين. وَقَالَ أَبُو عَلّي المفلوج: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيمَا يرَى النَّائِم، وَأَبُو بكر عَن يَمِينه، و (عمر) عَن شِمَاله، وَعُثْمَان أَمَامه، وَعلي خَلفه، فَقَالَ عَلَيْهِ (الصَّلَاة و) السَّلَام: أَيْن عَلّي بن عَاصِم؟ أَيْن عَلّي بن عَاصِم؟ فجيء بِهِ، (فَقبل) بَين عَيْنَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أَحييت سنتي. قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّهُم يَقُولُونَ: غلط فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: «من عزى مصابا فَلهُ مثل أجره» . فَقَالَ (لنا: حدثت ابْن مَسْعُود، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 وَابْن مَسْعُود حدث الْأسود بن يزِيد، وَالْأسود (بن يزِيد) حدث إِبْرَاهِيم، وَإِبْرَاهِيم حدث مُحَمَّد بن سوقة، وَعلي بن عَاصِم صَدُوق؛ صدق عَلّي بن عَاصِم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ عَلّي بن عَاصِم، وَهُوَ أحد مَا أنكر عَلَيْهِ، قَالَ: وَيروَى أَيْضا عَن غَيره. قلت: إِذا رُوِيَ عَن غَيره فَلم ينْفَرد بِهِ، وَقد رَوَاهُ جماعات غَيره: أحدهم: إِسْرَائِيل، كَمَا سلف، وَقد سَاقه كَمَا أسلفناه عَنهُ صَاحب «الْكَمَال» . وثانيهم: الثَّوْريّ، رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيثه عَن مُحَمَّد بن سوقة: «من عزى مصابًا كَانَ لَهُ مثل أجره» . (ثالثهم: شُعْبَة رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيثه عَن مُحَمَّد بن سوقة: «من عزى مصابًا لَهُ مثل أجره» . ذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» وَقَالَ: هما طَرِيقَانِ لَا يصحان، تفرد بِالْأولِ حَمَّاد بن الْوَلِيد عَن الثَّوْريّ، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ يسرق الحَدِيث، وَيلْزق بالثقات مَا لَيْسَ من حَدِيثهمْ، لَا يحْتَج بِهِ بِحَال. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَتفرد بِالثَّانِي نصر بن حَمَّاد عَن شُعْبَة، قَالَ يَحْيَى: كَذَّاب وَقَالَ مُسلم: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَذكر أَيْضا فِي «مَوْضُوعَاته» طَرِيق عَلّي بن عَاصِم السالفة، وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تصح. قَالَ: وَقد تفرد بِهِ عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 مُحَمَّد بن سوقة، وَقد كذبه شُعْبَة وَيزِيد بن هَارُون وَيَحْيَى بن معِين. وَقَالَ فِي (تَحْقِيقه) : هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ حَمَّاد بن الْوَلِيد عَن الثَّوْريّ، وَهُوَ ضَعِيف جدا. قَالَ: وَقد رُوِيَ من طرق (لَا تثبت) . وَقَالَ ابْن عدي: قد رَوَى هَذَا الحَدِيث مَعَ عَلّي بن عَاصِم عَن ابْن سوقة: مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة، وَعبد الرَّحْمَن بن مَالك بن مغول. قلت: وَهَذِه مُتَابعَة رَابِعَة وخامسة. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن: الثَّوْريّ، وَإِسْرَائِيل، وَقيس، وَغَيرهم عَن ابْن سوقة. قلت: وَقيس مُتَابعَة سادسة. قَالَ: وَمِنْهُم من يزِيد فِي الْإِسْنَاد (عَلْقَمَة) ، وَأنكر النَّاس عَلَى عَلّي بن عَاصِم حَدِيث (ابْن) سوقة هَذَا، قَالَ: والضعف عَلَى حَدِيث عَلّي بَين. وَقَالَ الْخَطِيب: قد رَوَى حَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 ابْن سوقة عبد الحكم بن مَنْصُور مِثْلَمَا رَوَاهُ عَلّي بن عَاصِم. قلت: وَهَذِه مُتَابعَة سابعة. قَالَ: وَرُوِيَ كَذَلِك عَن: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَشعْبَة، وَإِسْرَائِيل، وَمُحَمّد بن الْفضل بن عَطِيَّة، وَعبد الرَّحْمَن بن مَالك بن مغول، والْحَارث بن عمرَان الْجَعْفَرِي كلهم عَن ابْن سوقة. قلت: والْحَارث مُتَابعَة ثامنة. قَالَ: وَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا ثَابتا. قلت: وَله شَاهد من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من عزى مصابًا فَلهُ مثل أجره» . لكنه (شَاهد) واه، ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» ، وَقَالَ: مُحَمَّد هَذَا هُوَ الْعَرْزَمِي، قَالَ يَحْيَى: لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. الحَدِيث التِّسْعُونَ رُوِيَ «أَنه لما جَاءَ نعي جَعْفَر الصَّادِق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اصنعوا لآل جَعْفَر طَعَام؛ فقد جَاءَهُم أَمر يشغلهم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَأحمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، من رِوَايَة جَعْفَر بن خَالِد - هُوَ ابْن سارة - عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: «لما جَاءَ نعي جَعْفَر قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اصنعوا لآل جَعْفَر طَعَاما؛ فَإِنَّهُ قد جَاءَهُم مَا يشغلهم» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث (حسن) . وَقَالَ بعد ذَلِك: وجعفر بن خَالِد هُوَ ابْن سارة، وَهُوَ ثِقَة، رَوَى عَنهُ (ابْن) جريج. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ لِأَن خَالِد بن سارة لَا يعرف حَاله، وَرَوَى عَنهُ ابْنه، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح قَالَه البخاريُّ، وَأَهْمَلَهُ ابْن أبي حَاتِم كَسَائِر من يجهل أَحْوَالهم. قَالَ: وَلَا أعلم لَهُ إِلَّا حديثين، أَحدهمَا هَذَا، والأخر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حمل غلامين من بني عبد الْمطلب عَلَى دَابَّة» . رَوَاهُ أَيْضا جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن (عبد الله) بن جَعْفَر كَذَلِك. قلت: لَكِن خَالِد هَذَا وَثَّقَهُ ابْن حبَان، فَإِنَّهُ ذكره فِي «ثقاته» ، فَزَالَتْ عَنهُ إِذن جَهَالَة الْعين وَالْحَال، وَلما أخرجه الْحَاكِم فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 «مُسْتَدْركه» من طَرِيقه قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وخَالِد بن جَعْفَر بن سارة المَخْزُومِي من أكَابِر مَشَايِخ قُرَيْش، وَهُوَ كَمَا قَالَ شُعْبَة: اكتُبوا عَن الْأَشْرَاف؛ فَإِنَّهُم لَا يكذبُون. قَالَ: وَقد رُوِيَ غير هَذَا الحَدِيث مُفَسرًا. ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: «مسح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي - قَالَ: أَظُنهُ قَالَ: ثَلَاثًا - كلما مسح قَالَ: اللَّهُمَّ أخلف جعفرًا فِي وَلَده» . قَالَ الْحَاكِم: قد أَتَى جَعْفَر بن خَالِد بشيئين عزيزين، أَحدهمَا مسح رَأس الْيَتِيم، وَالْآخر تفقد أهل الْمُصِيبَة بِمَا يتقوتون ليلتهم، وفقنا الله لاستعماله بمنه. وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» وَقَالَ: «جَاءَهُم أَمر (أشغلهم) » . قلت: وَله شَاهد أَيْضا من حَدِيث أَسمَاء بنت عُمَيْس، رَوَاهُ أَحْمد، وَالطَّبَرَانِيّ، وَابْن مَاجَه عَنْهَا: «لما أُصِيب جَعْفَر رَجَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أَهله فَقَالَ: إِن أهل جَعْفَر قد شغلوا بشأن ميتهم، فَاصْنَعُوا (لَهُم) طَعَاما» . فَائِدَة: النعي: بِكَسْر الْعين مُشَدّدَة (الْيَاء) وبإسكانها مُخَفّفَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: النعي: خبر الْمَوْت، يُقَال: نعاه لَهُ نَعْيًا ونُعيانًا - بِالضَّمِّ - وَكَذَلِكَ النعي عَلَى فعل، يُقَال: جَاءَ نعي فلَان، والنعي أَيْضا الناعي، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِخَبَر الْمَوْت، وَقَالَ صَاحب «الْمطَالع» : نعي (أبي سُفْيَان بِإِسْكَان) الْعين وبكسرها وَتَشْديد الْيَاء وَقَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 «تصاحيف الروَاة» : النعيّ: بتَشْديد الْيَاء الِاسْم، فَأَما النعْيُ: فَهُوَ مصدر نَعيتُ الْمَيِّت (أَنعَاةُ) ، قَالَ ابْن بري: النعْي قد يَأْتِي بِمَعْنى النعيّ، فَيُقَال: قد أَتَى نَعْيُه أَي: نَعِيُّه، والنعي: الَّذِي يَأْتِي بِخَبَر الْمَيِّت، والنعي أَيْضا: الْمَيِّت نَفسه. فَائِدَة ثَانِيَة: يشغلهم: بِفَتْح الْيَاء، وحُكى ضمُّها، وَهُوَ شَاذ، وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» : «يشغلهم عَنهُ» ، وَالَّذِي رَأَيْته فِي كتب الحَدِيث: «يشغلهم» بِحَذْف «عَنهُ» . فَائِدَة ثَالِثَة: كَانَ قتل جَعْفَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي جماد سنة ثَمَان من الْهِجْرَة فِي غَزْوَة مُؤْتَة، وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف بِالشَّام عِنْد الكرك، رَوَى البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن ابْن عمر قَالَ: «كنت فِي غَزْوَة مُؤْتَة، فالتمسنا جعفرًا فوجدناه فِي الْقَتْلَى، وَوجدنَا فِي جسده بضعًا و (تسعين) من طعنة ورمية» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فعددت بِهِ خمسين بَين طعنة (وضربة) لَيْسَ فِيهَا شَيْء فِي دبره» . الحَدِيث الْحَادِي بعد التسعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فَإِذا وَجَبت فَلَا تبكين باكية» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي «مسنديهما» ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث جَابر بن عتِيك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَاءَ يعود عبد الله بن ثَابت، فَوَجَدَهُ قد غلب، فصاح بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يجبهُ، فَاسْتَرْجع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: فلنا عَلَيْك يَا أَبَا الرّبيع. فصاح النسْوَة وبكين، فَجعل ابْن عتِيك يسكتهن؛ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: دَعْهُنَّ، فَإِذا وَجَبت فَلَا تبكين باكية، قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَمَا الْوُجُوب؟ قَالَ: الْمَوْت» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، رُوَاته مدنيون قرشيون. وللنسائي فِي بعض الرِّوَايَات من غير حَدِيث مَالك عَن (جبر) : «أَنه دخل مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » الحَدِيث. قَالَ ابْن عَسَاكِر: وَحَدِيث مَالك أشهر، وَمَعْنى «وَجَبت» : خرجت روحه. الحَدِيث الثَّانِي بعد التسعين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جعل ابْنه إِبْرَاهِيم فِي حجره وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ، فذرفت عَيناهُ (، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّهَا رَحْمَة، وَإِنَّمَا يرحم الله من عباده الرُّحَمَاء، ثمَّ قَالَ: «) الْعين تَدْمَع، وَالْقلب يحزن، وَلَا نقُول إِلَّا مَا يُرْضِي رَبنَا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «دخلت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أبي سيف الْقَيْن وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَأخذ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِبْرَاهِيم فَقبله وشمَّه، ثمَّ دَخَلنَا عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَإِبْرَاهِيم يجود بِنَفسِهِ، فَجعلت عينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: وَأَنت يَا رَسُول الله؟ ! فَقَالَ: يَا ابْن عَوْف، إِنَّهَا رَحْمَة، ثمَّ أتبعهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ: إِن الْعين تَدْمَع، وَالْقلب يحزن، وَلَا نقُول إِلَّا مَا يُرْضِي رَبنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ» . الْقَيْن: الحدّاد، والظِّئْر: بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا همزَة زوج الْمُرضعَة. وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء، عَن جَابر قَالَ: «خرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِعَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَى النّخل، فَإِذا ابْنه إِبْرَاهِيم يجود بِنَفسِهِ؛ فَوَضعه فِي حجره، فَفَاضَتْ عَيناهُ، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: اتبكي وَأَنت تنْهَى النَّاس؟ ! فَقَالَ: إِنِّي لم أَنه عَن الْبكاء، إِنَّمَا نهيت عَن النوح، صَوْتَيْنِ (أَحْمَقَيْنِ) فاجرين: صَوت عِنْد (نعْمَة) لَهو وَلعب وَمَزَامِير شَيْطَان، وَصَوت عِنْد (معصيه) خَمْش وُجُوه، وشق جُيُوب، ورنَّة، وَهَذَا هُوَ رَحْمَة، وَمن لَا يرحم لَا يرحم، يَا إِبْرَاهِيم، لَوْلَا أَنه أَمر حق، ووعد صدق، وَأَن آخِرنَا سيلحق بأولنا؛ لحزنا عَلَيْك حزنا هُوَ أَشد من هَذَا، وَإِنَّا بك لمحزنون، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 تبْكي الْعين، (ويحزن) الْقلب، وَلَا نقُول مَا يسْخط (الرب) » . وَخرج التِّرْمِذِيّ بعضه وَحسنه، وَقد عرفت أَنه من رِوَايَة ابْن أبي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيف وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أُسَامَة بن زيد «أَن بِنْتا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أرْسلت إِلَيْهِ أَن ابْنا لَهَا فِي الْمَوْت، فَقَالَ للرسول: ارْجع إِلَيْهَا واقرأ عَلَيْهَا قل: إِن لله مَا أَخذ، وَله مَا أعْطى، وكل شَيْء عِنْده إِلَى أجل. فَأرْسلت تقسم عَلَيْهِ، فَأَتَاهَا، فَوضع الصَّبِي فِي حجره وَنَفسه تتقعقع؛ فَفَاضَتْ عَيناهُ، فَقَالَ لَهُ سعد: (مَا هَذَا) ؟ ! قَالَ: إِنَّهَا رَحْمَة يَضَعهَا الله فِي قُلُوب من يَشَاء، وَإِنَّمَا يرحم الله من عباده الرُّحَمَاء» . فَائِدَة: مَعْنَى «يجود بِنَفسِهِ» : يُخرجهَا، وَالَّذِي يجود بِمَالِه فيخرجه، ومصدره عَلَى وزن فعول. و «ذرفت» - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة - أَي: سَالَتْ، (يُقَال) : ذرف يذرف ذرفًا، كضرب يضْرب ضربا. «وَغسل إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الْفضل بن الْعَبَّاس، وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالْعَبَّاس، وَجعل عَلَى سَرِير، وَنزل فِي قَبره الْفضل وَأُسَامَة بن زيد» . كَذَا سَاقه أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» بِسَنَدِهِ، فِي تَرْجَمَة سِيرِين الْقبْطِيَّة أُخْت مَارِيَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 الحَدِيث الثَّالِث بعد التسعين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لعن الله النائحة والمستمعة» . هَذَا الحَدِيث هَكَذَا هُوَ فِي بعض نسخ «الرَّافِعِيّ» وَفِي بَعْضهَا: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن النائحة والمستمعة» وَهُوَ مَرْوِيّ بِهَذَا اللَّفْظ من طرق ضَعِيفَة: أَحدهَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن الْحسن بن عَطِيَّة، عَن أَبِيه، عَن جده عَطِيَّة وَهُوَ الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النائحة والمستمعة» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة ضعفاء: مُحَمَّد بن الْحسن، ووالده، وجده، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدِيث مُنكر، وَمُحَمّد بن الْحسن بن عَطِيَّة وَأَبوهُ وجده ضعفاء الحَدِيث. ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن الْحسن بن عَطِيَّة، عَن عَطِيَّة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده (بَقِيَّة) بن الْوَلِيد، وَقد علمت حَاله فِي أَوَائِل الْكتاب. ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، رَوَاهُ ابْن عدي، وَعبد الْحق، وَابْن طَاهِر من حَدِيث (عَمْرو) بن يزِيد الْمَدَائِنِي، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة، وَالْمعْنَى لَهُ، قَالَ ابْن طَاهِر: (عَمْرو) هَذَا قَالَ ابْن عدي فِيهِ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث، وَالْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة شَيْئا، والْحَدِيث غير مَحْفُوظ. وَاعْلَم ان الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى تَحْرِيم النوح، ويغني عَنهُ حَدِيث أم عَطِيَّة الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» قَالَت: «نَهَانَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن النِّيَاحَة» . الحَدِيث الرَّابِع بعد التسعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ منا من ضرب الخدود، وشق الْجُيُوب» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك، وَزَادا فِي آخِره: «ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم فِي كتاب الْإِيمَان: «أَو شقّ الْجُيُوب، أَو دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة» . الحَدِيث الْخَامِس بعد التسعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا من حَدِيث عمر بن الْخطاب وَابْنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَأنْكرت ذَلِك عَائِشَة وَقَالَت: «رحم الله عمر، وَالله مَا حدث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الله ليعذب الْمُؤمن ببكاء أَهله عَلَيْهِ، وَلكنه قَالَ: إِن الله ليزِيد الْكَافِر عذَابا ببكاء أَهله عَلَيْهِ. وَقَالَت: حسيكم الْقُرْآن: (وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى) . وَله طرق (فيهمَا) . الحَدِيث السَّادِس بعد التسعين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة: (إِن الله - تَعَالَى - يزِيد الْكَافِر عذَابا ببكاء أَهله عَلَيْهِ» . هُوَ كَمَا قَالَ، فقد أسلفناه أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 (الحَدِيث السَّابِع بعد التسعين رَوَى عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها) أَنَّهَا قَالَت: «رحم الله (ابْن عمر) ، مَا كذب، وَلكنه نسي أَو أَخطَأ، إِنَّمَا مر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى يَهُودِيَّة وهم يَبْكُونَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: إِنَّهُم يَبْكُونَ، وَإِنَّهَا لتعذب فِي قبرها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْضا فِي «صَحِيحهمَا» ، ورويا أَيْضا إنكارها عَلَى (عمر) ذَلِك أَيْضا، كَمَا سلف. الحَدِيث الثَّامِن بعد التسعين إِلَى الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة وَكَانَ من (حَقه) أَن نذْكر فِي أثْنَاء الْبَاب، (فَإِنَّهُ) موضعهَا. قَالَ الرَّافِعِيّ: ورد لفظ (الشَّهَادَة) عَلَى: المبطون، والغريق، والغريب، وَالْمَيِّت عشقًا، و (الْميتَة) طلقًا. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فالمبطون والغريق: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا تَعدونَ الشَّهِيد فِيكُم؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد. (قَالَ: إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل! قَالُوا: فَمن هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد) ، (وَمن مَاتَ فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد) . وَمن مَاتَ فِي الطَّاعُون فَهُوَ شَهِيد، وَمن مَاتَ فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد، وَمن مَاتَ بالبطن فَهُوَ شَهِيد، والغريق شَهِيد» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» . وَفِي رِوَايَة مَالك وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: الشُّهَدَاء خَمْسَة المطعون، والمبطون، (والغريق) ، (وَصَاحب الْهدم) ، والشهيد فِي سَبِيل الله» . وَفِي «النَّسَائِيّ» من حَدِيث عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خمس من قبض فِي شَيْء مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيد: الْمَقْتُول فِي سَبِيل الله شَهِيد، والغريق فِي سَبِيل الله شَهِيد، وَالنُّفَسَاء فِي سَبِيل الله شهيده» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أم حرَام أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «المائد فِي الْبَحْر الَّذِي يُصِيبهُ الْقَيْء لَهُ أجر شَهِيد، و (الغريق) لَهُ أجر شهيدين» . وَأما الْغَرِيب: فمروي من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي روَّاد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «موت الْغَرِيب شَهَادَة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن جميل بن الْحسن، عَن أبي الْمُنْذر الْهُذيْل بن الحكم، عَن عبد الْعَزِيز بِهِ، وَهَذَا سَنَد ضَعِيف؛ جميل كَذَّاب فَاسق كَمَا قَالَ عَبْدَانِ، وَقَالَ ابْن عدي: لَا أعلم لَهُ حَدِيثا مُنْكرا. وهذيل بن الحكم مُنكر الحَدِيث كَمَا قَالَ البُخَارِيّ، وَعبد الْعَزِيز صَالح الحَدِيث، وَضَعفه عَلّي بن الْجُنَيْد وَابْن حبَان. قلت: (وَله إِسْنَاد آخر) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن بكر الشَّيْبَانِيّ عَن عمر بن ذَر (عَن) عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «موت الْغَرِيب شَهَادَة» . وَإِبْرَاهِيم هَذَا تَرَكُوهُ كَمَا قَالَ الْأَزْدِيّ، وَقَالَ ابْن عدي: يسرق الحَدِيث. وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه تفرد بِهِ. وَنقل فِي «ضُعَفَائِهِ» عَن الدَّارَقُطْنِيّ: (أَنه) قَالَ فِيهِ: مَتْرُوك. وَرَوَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 الْعقيلِيّ من هَذَا الْوَجْه وَقَالَ: رَوَاهُ طَاوس مُرْسلا، وَهُوَ أولَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من طَرِيق آخر عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا مَرْفُوعا: «موت الْغَرِيب شَهَادَة، إِذا احْتضرَ فَرَمَى ببصره عَن يَمِينه وَعَن يسَاره، فَلم ير إِلَّا غَرِيبا، وَذكر أَهله وَولده، فتنفس؛ فَلهُ بِكُل نَفْس تنَفَسَه يمح الله عَنهُ ألفي ألف سَيِّئَة وَيكْتب لَهُ ألفي ألف حَسَنَة» . فِي إِسْنَاده: عَمْرو بن الْحصين الْعقيلِيّ، وَقد تَرَكُوهُ. وَله طَرِيق آخر من حَدِيث أبي رَجَاء الْخُرَاسَانِي، عَن هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه بِمثل حَدِيث ابْن عَبَّاس سَوَاء، رَوَاهُ الْعقيلِيّ ثمَّ قَالَ: أَبُو رَجَاء مُنكر الحَدِيث. قَالَ: وَفِي هَذَا رِوَايَة من غير هَذَا الْوَجْه شَبيهَة بِهَذِهِ فِي الضعْف. وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث ابي هُرَيْرَة وَمن حَدِيث ابْن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ حَدِيث مُنكر. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عبد الله بن نَافِع، قَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ عبد الْحق فِي «احكامه الصغري» و «الْوُسْطَى» : ذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا مَرْفُوعا فِي «علله» فِي حَدِيث ابْن عمر وَصَححهُ، وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لم يُصَحِّحهُ الدَّارَقُطْنِيّ، إِنَّمَا ذكر الِاخْتِلَاف الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ عَلَى الْهُذيْل بن الحكم، فصحح عَنهُ قَول من قَالَ: عَن عبد الْعَزِيز، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَبَقِي: هَل هُوَ صَحِيح من الْهُذيْل إِلَى رَسُول الله؟ لم يتَعَرَّض لذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا حكم لَهُ بِصِحَّة وَلَا ضعف، وَكَيف يُصَحِّحهُ الدَّارَقُطْنِيّ اَوْ غَيره وَفِيه أَبُو الْمُنْذر الْهُذيْل بن الحكم وَهُوَ مُنكر الحَدِيث؟ ! [كَمَا] قَالَ البُخَارِيّ. قلت: وَهُوَ (كَمَا قَالَ ابْن عدي: هَذَا الحَدِيث يُعرف بالهذيل، وَكَانَ إِبْرَاهِيم بن بكر - يَعْنِي: فِي الرِّوَايَة - يسرق الحَدِيث) ، قَالَ البُخَارِيّ: رَوَى الْهُذيْل، عَن عبد الْعَزِيز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس: «موت الْغَرِيب شَهَادَة» . وَهُوَ مُنكر، قَالَ: ورأيته فِي مَوضِع (مَرْفُوعا) . قلت: وَله طَرِيق آخر من حَدِيث عبد الْملك بن هَارُون بن عنترة، عَن أَبِيه، عَن جده عنترة الشَّيْبَانِيّ مَرْفُوعا: « (التردي شَهَادَة) ، والسل شَهَادَة، والحريق شَهِيد، والغريب شَهِيد» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» ، وَعبد الْملك (ووالده) ضعيفان، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 وجده لم يذكرهُ فِي الصَّحَابَة إِلَّا الطَّبَرَانِيّ، وَسَيَأْتِي قَرِيبا من حَدِيث عَلّي بن [الْأَقْمَر] ، عَن أَبِيه أَيْضا. وَأما الْمَيِّت عشقًا: فَهُوَ مَرْوِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من طرق عَنهُ: إِحْدَاهَا: من حَدِيث أَحْمد بن مَحْمُود الْأَنْبَارِي، نَا سُوَيْد بن سعيد، نَا عَلّي بن مسْهر، عَن أبي يَحْيَى القَتَّات، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من عشق وكتم وعف فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد» . ثَانِيهَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا، نَا سُوَيْد بن سعيد بِهِ: «من عشق فعف وكتم ثمَّ مَاتَ مَاتَ شَهِيدا» . ثَالِثهَا: من حَدِيث يَعْقُوب بن عِيسَى، عَن ابْن (أبي) نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من عشق فعف فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، أما الطريقان الْأَوَّلَانِ: فمدارهما عَلَى سُوَيْد بن سعيد، قَالَ ابْن حبَان: من رَوَى مثل هَذَا عَن عَلّي بن مسْهر تجب مجانبة رِوَايَته. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَو كَانَ لي فرس ورمح لَكُنْت أغزو سُوَيْد بن سعيد. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ سُوَيْد لما كبر يقْرَأ عَلَيْهِ حَدِيث فِيهِ بعض النكارة فيجيزه. وَقَالَ: وَهَذَا الحَدِيث البلية فِيهِ مِمَّن رَوَى عَن سُوَيْد، وَهُوَ مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا، وَكَانَ يضع الحَدِيث. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لم ينْفَرد مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بِهِ، فقد رَوَاهُ جماعات مِنْهُم أَحْمد بن مَحْمُود الْأَنْبَارِي وَصدقَة بن مُوسَى، وَالقَاسِم بن أَحْمد، وَإِبْرَاهِيم بن جَعْفَر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 الْفَقِيه، وَأَبُو الْعَبَّاس بن مَسْرُوق، وَالْحسن بن عَلّي الْأُشْنَانِي، وَدَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ. وَأما الطَّرِيق الثَّالِث: فَقَالَ أَحْمد: يَعْقُوب بن عِيسَى لَيْسَ بِشَيْء. قلت: ومتابعة دَاوُد ذكرهَا نفطويه، قَالَ: (دخلت) عَلّي مُحَمَّد بن دَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقلت لَهُ: كَيفَ أجدك؟ قَالَ: حب من تعلم أورثني مَا ترَى. فَقلت: مَا مَنعك عَن الِاسْتِمْتَاع بِهِ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: الِاسْتِمْتَاع عَلَى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: النّظر الْمُبَاح. وَالثَّانِي: اللَّذَّة المحظورة، فَأَما النّظر الْمُبَاح فأورثني مَا ترَى، وَأما اللَّذَّة المحظورة: فَإِنَّهُ مَنَعَنِي (مِنْهَا) مَا [أحَدثك] أَنِّي أَنا سُوَيْد بن سعيد، أَنا عَلّي بن مسْهر، عَن أبي يَحْيَى القَتَّات، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من عشق فكتم وعف وصبر غفر الله لَهُ، وَأدْخلهُ الْجنَّة» . وَأعله الْجَمَاعَة بِسُوَيْدِ، وَإِن كَانَ من رجال (صَحِيح مُسلم) وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: قَالَ أبي: اكْتُبْ عَنهُ حَدِيث ضمام. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: (صَدُوق) كَانَ حَافِظًا، وَكَانَ أَحْمد ينتقي لِوَلَدَيْهِ عَلَيْهِ صَالح وَعبد الله، فَكَانَا يَخْتَلِفَانِ إِلَيْهِ، وَقَالَ: (سَلمَة ثِقَة) ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: صَدُوق، وَأكْثر مَا عيب عَلَيْهِ التَّدْلِيس والعمى، وَقد صرح بِالتَّحْدِيثِ، وَرَوَى الأكابر عَنهُ قبل ضرارته فانتفيا. وَقَالَ ابْن عدي فِي «كَامِله» عقب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 إِخْرَاجه هَذَا الحَدِيث: إِنَّه أحد مَا أنكر عَلَى سُوَيْد. وَكَذَا ذكره الْبَيْهَقِيّ وَابْن طَاهِر وَغَيرهمَا، قَالَ الْحَاكِم فِي «تَارِيخ نيسابور» : أَنا أتعجب من هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ لم يحدث بِهِ غير سُوَيْد، وَهُوَ وَدَاوُد وَابْنه مُحَمَّد ثِقَات. وَهَذَا الْعجب عَجِيب، فسويد لم ينْفَرد بِهِ، فقد رَوَاهُ الزبير بن بكار، عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَاجشون، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «من عشق فعف فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد» وَهَذِه مُتَابعَة حَسَنَة. وَأما (الْميتَة) طلقًا: فَفِي «سنَن أبي دَاوُد» و «صحيحي ابْن حبَان وَالْحَاكِم» من حَدِيث جَابر بن (عتِيك) قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الشَّهَادَة سبع سُوَى الْقَتْل فِي سَبِيل الله: المطعون شَهِيد، والغريق شَهِيد، وَصَاحب ذَات الْجنب شَهِيد، و (المبطون) شَهِيد، وَصَاحب الْحَرِيق شَهِيد، وَالَّذِي يَمُوت تَحت الْهدم شَهِيد، وَالْمَرْأَة تَمُوت بِجمع شهيدة» . قَالَ الْحَاكِم: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 صَحِيح الْإِسْنَاد، رُوَاته قرشيون مدنيون. وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي هَذَا الحَدِيث: «وسادن بَيت الْمُقَدّس» وَجمع - بِضَم الْجِيم وَكسرهَا -: الْمَرْأَة تَمُوت وَفِي بَطنهَا الْوَلَد، وَقيل: هِيَ الْبكر قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «أَسد الغابة» . وللبزار عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَذكر الشُّهَدَاء، ثمَّ قَالَ: «وَالنُّفَسَاء شَهَادَة» ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عبَادَة إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ ابْن الْقطَّان: فِيهِ الْأسود بن ثَعْلَبَة، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال. قلت: ستعلم مَا فِي هَذِه الْمقَالة - إِن شَاءَ الله - فِي كتاب النَّفَقَات. قَالَ: وَفِيه الْمُغيرَة بن زِيَاد، وَفِيه مقَال، وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي مُوسَى الْحَافِظ: عَن عَلّي بن الْأَقْمَر عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «المطعون شَهِيد، وَالنُّفَسَاء شهيدة، والغريب شَهِيد، وَمن مَاتَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله فَهُوَ شَهِيد» . قلت: وَهُوَ من بلايا عبد الْعَظِيم بن حبيب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. تَنْبِيه: قد عرفت أَنه ورد إِطْلَاق لفظ الشَّهَادَة عَلَى غير مَا ذكره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضا، فَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَبِيه عَن جدِّه أبي لَيْلَى مَرْفُوعا: «من أكله السَّبع فَهُوَ شَهِيد، وَمن أدْركهُ الْمَوْت وَهُوَ يكد عَلَى عِيَاله من حَلَال فَهُوَ شَهِيد» . فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَفِي حَدِيث آخر من طَرِيق ابْن عَبَّاس رَفعه: «اللديغ شَهِيد، والشريق شَهِيد، وَالَّذِي يفترسه السَّبع شَهِيد، والخار عَن دَابَّته شَهِيد» . علقه عَمْرو بن عَطِيَّة الوادعي، ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ. (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله ومنِّه. وأمَّا آثاره فخمسة عشر أثرا) : الأول: «أَن عليَّا غسل فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم، (عَن) عمَارَة، عَن أم مُحَمَّد بنت مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي طَالب، عَن جدَّتهَا أَسمَاء بنت عُمَيْس «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أوصت أَن تغسلها إِذا مَاتَت هِيَ وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فغسلتها هِيَ وَعلي» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث عبد الله بن نَافِع الْمدنِي، عَن مُحَمَّد بن مُوسَى، عَن عون بن مُحَمَّد، عَن [أمه] ، عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس «أَن فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أوصت أَن يغسلهَا زَوجهَا عَلّي وَأَسْمَاء، فغسلاها» . وَإِبْرَاهِيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الأول هُوَ ابْن أبي يَحْيَى، وَقد ضعفه الْأَكْثَرُونَ، كَمَا سلف فِي الطَّهَارَة. وَعبد الله بن نَافِع الْمَذْكُور فِي الثَّانِي من فرسَان مُسلم، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين. وَقَالَ البُخَارِيّ: فِي حفظه شَيْء. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد (ثَنَا مُحَمَّد بن مُوسَى المَخْزُومِي) نَا عون بن مُحَمَّد بن عَلّي بن أبي طَالب، عَن أمه أم جَعْفَر بنت مُحَمَّد بن جَعْفَر - أَظُنهُ: وَعَن عمَارَة بن المُهَاجر عَن أم جَعْفَر - «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: يَا أَسمَاء، إِذا أَنا مت فاغسليني أَنْت وَعلي بن أبي طَالب. فغسلها عَلّي وَأَسْمَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» . (وَرَوَاهُ أَيْضا) من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن مُحَمَّد بن مُوسَى، عَن عون بن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن عمَارَة بن المُهَاجر، عَن أم جَعْفَر بنت مُحَمَّد بن عَلّي، (عَن بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) . وَهَذَا وَالَّذِي قبله متابع للأولين. وَعَن الْبَيْهَقِيّ أَنه قَالَ: هَذَا (الْأَثر) عَجِيب؛ فَإِن أَسمَاء كَانَت فِي ذَلِك الْوَقْت عِنْد أبي بكر، وَقد ثَبت أَنه لم يعلم بوفاة فَاطِمَة، لما فِي «الصَّحِيح» «أَن عليا دَفنهَا لَيْلًا، وَلم يعلم أَبَا بكر» . فَكيف يُمكن أَن تغسلها زَوجته وَلَا يعلم؟ ! وورع أَسمَاء يمْنَعهَا أَن تفعل ذَلِك وَلَا تستأذن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 زَوجهَا، إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون علم واحب أَن لَا يرد غَرَض عَلّي فِي كِتْمَانه مِنْهُ، لَكِن الْأَشْبَه أَنه يحمل عَلَى أَن أَسمَاء ستعلمه، وَأَنه علم أَنه علم وَنَوَى حُضُوره، وَالْأولَى لمن يثبت هَذَا أَن يُقَال: يحْتَمل - وَالله أعلم - أَن أَبَا بكر علم، وَأَن عليا علم بِعِلْمِهِ بذلك، وَظن أَنه (يحضر) من غير استدعاء مِنْهُ لَهُ، وَظن أَبُو بكر أَنه سيدعوه، أَو أَنه لَا يُؤثر حُضُوره. هَذَا آخر كَلَامه. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ محتجًا بِهِ عَلَى أبي حنيفَة فِي قَوْله: لَا يجوز للرجل أَن يغسل زَوجته. ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ هبة الله الطَّبَرِيّ عَن أَسمَاء «أَن عليا غسل فَاطِمَة، قَالَت أَسمَاء: (وأعنته) أَنا عَلَيْهَا» . وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد من الصَّحَابَة، فَصَارَ كالإجماع، ثمَّ قَالَ: فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث أنكرهُ أَحْمد، ثمَّ فِي إِسْنَاده عبد الله بن نَافِع، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. ثمَّ أجَاب بِأَن يَحْيَى قَالَ فِي رِوَايَة: يكْتب حَدِيثه. ثمَّ نقل عَن بعض المتفقهة أَنه لَو صَحَّ هَذَا فَإِنَّمَا غسلهَا؛ لِأَنَّهَا زَوجته فِي الْآخِرَة، فَمَا انْقَطَعت عَنهُ الزَّوْجِيَّة، ثمَّ أجَاب بِأَنَّهَا لَو بقيت لما تزوج بنت أُخْتهَا أُمَامَة بنت زَيْنَب بعد مَوتهَا، وَقد مَاتَ عَن أَربع حرائر. قلت: وَأما حَدِيث: «أَنَّهَا اغْتَسَلت وَمَاتَتْ، فاكتفوا بغسلها ذَلِك» فَفِيهِ مقَال، بَينته وَاضحا فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب، فَليُرَاجع مِنْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 الْأَثر الثَّانِي: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَوْصَى أَن يُكفن فِي ثَوْبه الخَلِق، فنفذت وَصيته» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن أَبَا بكر الصّديق قَالَ لَهَا: فِي كم كفنتم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَت: فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض، لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة. قَالَ: فِي أَي يَوْم توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قلت: (فِي) يَوْم الِاثْنَيْنِ. قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بيني وَبَين اللَّيْل. فَنظر إِلَى ثوب عَلَيْهِ كَانَ يمرض فِيهِ، بِهِ ردع من زعفران، فَقَالَ: اغسلوا ثوبي هَذَا وزيدوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ، فكفنوني فِيهَا. قلت: إِن هَذَا خَلِق قَالَ: إِن الْحَيّ أولَى بالجديد من الْمَيِّت، إِنَّمَا هُوَ للمهلة. فَلم يتوف حَتَّى أَمْسَى من لَيْلَة الثُّلَاثَاء، وَدفن قبل أَن يصبح» . وَرَوَاهُ أَبُو (حَاتِم) بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَنْهَا، قَالَت: «كنت عِنْد أبي بكر حِين حَضرته الْوَفَاة فتمثلت بِهَذَا الْبَيْت: يُوشك ان يكون مدفوقًا من لَا يزالُ دمعُةُ [مقنعا] فَقَالَ: يَا بنية، لَا تقولي هَكَذَا، (وَلَكِن قولى) (وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بالحقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد) ثمَّ قَالَ: فِي كم كفن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَقلت: فِي ثَلَاثَة أَثوَاب. فَقَالَ: كَفِّنُوني فِي ثوبيَّ هذَيْن واشتروا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 (إِلَيْهِمَا) ثوبا جَدِيدا؛ فَإِن الْحَيّ أحْوج إِلَى الْجَدِيد من الْمَيِّت، وَإِنَّمَا هِيَ للمهنة أَو للمهلة» ، (وَرَوَاهُ الإِمَام [أَحْمد] فِي (مُسْنده) وَقَالَ فِيهِ «وَكَانَ عَلَيْهِ ثوب من مشق» بدل «زعفران» . فَائِدَة: الردع بالحروف المهملات: « (الْأَثر» . والمهلة) مثلث الْمِيم. صديد الْمَيِّت، و (الْمشق: بِكَسْر الْمِيم) ، وَهِي (المغرّة) . قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» . الْأَثر الثَّالِث: «أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم صلوا عَلَى يَد الرَّحْمَن بن عتاب بن أسيد، أَلْقَاهَا طَائِر بِمَكَّة فِي وقْعَة الْجمل، وَعرفُوا أَنَّهَا يَده بِخَاتمِهِ» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي بِنَحْوِهِ بلاغًا فَقَالَ فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ -: وبلغنا «أَن طائرًا ألْقَى يدا بِمَكَّة فِي وقْعَة الْجمل، فعرفوها بالخاتم، فغسلوها وصلوا عَلَيْهَا» . وَذكره الزبير بن بكار فِي «الْأَنْسَاب» وَقَالَ: «كَانَ الطَّائِر نسرًا» . قلت: وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: «كَانَ (عقَابا) » وَتقدم أَنه أَلْقَاهَا بِمَكَّة، وَقَالَ غَيره: أَلْقَاهَا بِالْيَمَامَةِ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره: أَلْقَاهَا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَت وقْعَة الْجمل فِي جمادي الأولَى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، وَبعدهَا صفّين سنة سبع وَثَلَاثِينَ، وَكِلَاهُمَا فِي خلَافَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 ابْن الْأَثِير فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة يعْلى بن أُميَّة أَن اسْم الْجمل الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ عَائِشَة يَوْم الْجمل: عَسْكَر وعتاب: بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ بمثناة فَوق. وأَسيد: بِفَتْح الْهمزَة. وَعبد الرَّحْمَن عده أَبُو مُوسَى فِي الصَّحَابَة، وَأَبوهُ صَحَابِيّ أَيْضا. الْأَثر الرَّابِع: «أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لم يغسل من قتل مَعَه» . هَذَا مَشْهُور عَنهُ. الْأَثر الْخَامِس: «ان عمار بن يَاسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَوْصَى بِأَن لَا يغسل» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن) و (الْمعرفَة) من حَدِيث قيس بن أبي حَازِم أَن عمّارًا قَالَ: «ادفنوني فِي ثِيَابِي؛ فَإِنِّي مخاصم» . وَذكره ابْن السكن أَيْضا فِي «صحاحه» . فَائِدَة: فِي الْبَيْهَقِيّ عَن عَلّي «أَنه صَلَّى عَلَى عمار» . الْأَثر السَّادِس: «أَن أَسمَاء غسلت ابْنهَا ابْن الزبير، وَلم يُنكر عَلَيْهَا أحد» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ فِي «سنَنه» من حَدِيث أَيُّوب عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: «دخلت عَلَى أَسمَاء بنت أبي بكر بعد قتل عبد الله بن الزبير، قَالَ: وَجَاء كتاب عبد الْملك: أَن يدْفع إِلَى أَهله، فَأتيت بِهِ أَسمَاء فغسلتْه وكفنتْه وحنطتْه ودفَنتْه - قَالَ أَيُّوب: وَأَحْسبهُ قَالَ: فَمَا عاشت بعد ذَلِك إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام، ثمَّ مَاتَت» . زَاد غَيره فِيهِ: «وصلت عَلَيْهِ» . وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 «الِاسْتِيعَاب» عَن أبي عَامر الخزاز، عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: «كنت [أول] من بشر أَسمَاء بنزول ابْنهَا عبد الله بن الزبير من الْخَشَبَة، فدعَتْ بمركن وشب يمَان، وأمرتني بِغسْلِهِ، فَكُنَّا لَا نتناول عضوا إِلَّا جَاءَ مَعنا، فَكُنَّا نغسل الْعُضْو ثمَّ نضعه فِي أَكْفَانه، حَتَّى فَرغْنَا مِنْهُ، ثمَّ قَامَت فصلت عَلَيْهِ، وَكَانَت تَقول قبل: اللَّهُمَّ لَا تمتني حَتَّى تقر عَيْني بجثته. فَمَا أَتَت عَلَيْهَا جُمُعَة حَتَّى مَاتَت» . تَنْبِيه: فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» للْحَاكِم، من حَدِيث صاعد بن مُسلم عَن الشّعبِيّ قَالَ: «بعث عبد الْملك بِرَأْس ابْن الزبير إِلَى حَازِم بخراسان، فَكَفنهُ، وَصَلى عَلَيْهِ. قَالَ الشّعبِيّ: أَخطَأ، لَا يُصَلِّي عَلَى الرَّأْس» . قلت: خبر مُنكر، وصاعد واه. الْأَثر السَّابِع: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه غُسِّل وصُلِّي عَلَيْهِ، وَقد قتل ظلما بالمحدد» . هَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ، وَمِمَّنْ رَوَاهُ: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ) عَن ابْن عمر «أَن عمر بن الْخطاب غُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدا» . وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ: «وحُنِّط» وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه» فِي أَبْوَاب الْقصاص: «أَنه عَاشَ ثَلَاثًا بَعْدَمَا طعن» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 الْأَثر الثَّامِن: «أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه غُسل وصُلي عَلَيْهِ، وَقد قتل ظلما بالمحدد» . هَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ دون (غسله) . رَوَى أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الْملك بن الْمَاجشون قَالَ: سَمِعت مَالِكًا يَقُول: «وَقتل عُثْمَان، فَأَقَامَ مطروحًا عَلَى كناسَة بني فلَان ثَلَاثًا، فَأَتَاهُ اثْنَا عشر رجلا، مِنْهُم: جدي مَالك بن أبي عَامر، وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى، وَحَكِيم بن حزَام، وَعبد الله بن الزبير، وَعَائِشَة بنت عُثْمَان، مَعَهم مِصْبَاح فِي حُقٍّ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَاب وَإِن رَأسه يَقُول عَلَى الْبَاب طق طق، حَتَّى أَتَوا بِهِ البقيع، فَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ، فَصَلى عَلَيْهِ حَكِيم بن حزَام أَو حويطب بن عبد الْعُزَّى - شكّ عبد الرَّحْمَن أحد رُوَاته - ثمَّ أَرَادوا دَفنه، فَقَامَ رجل من بني مَازِن فَقَالَ: وَالله لَئِن دفنتموه مَعَ الْمُسلمين لأخبرن النَّاس، فَحَمَلُوهُ حَتَّى أَتَوا بِهِ حش كَوْكَب، وَلما دلوه فِي قَبره صاحت عَائِشَة بنت عُثْمَان، فَقَالَ لَهَا ابْن الزبير: اسكتي؛ فوَاللَّه إِن عدت لَأَضرِبَن الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك. فَلَمَّا دفنوه وسووا عَلَيْهِ التُّرَاب قَالَ لَهَا ابْن الزبير: صيحى مَا بدا لَك أَن تصيحي» قَالَ مَالك: «وَكَانَ عُثْمَان بن عَفَّان قبل ذَلِك يمر بحش كَوْكَب، فَيَقُول ليدفن هُنَا رجل صَالح» ثمَّ رَوَى الْحَافِظ أَبُو نعيم إِلَى إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن فروخ عَن أَبِيه قَالَ: «شهِدت عُثْمَان دفن فِي ثِيَابه بدمائه» . زَاد الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» فِي رِوَايَته: «وَلم يغسل» . وَسَنَده كل رِجَاله ثِقَات، إِلَّا إِبْرَاهِيم بن عبد الله، فَإِن أَبَا حَاتِم لم (يعقبه) بِجرح وَلَا تَعْدِيل. وَرَوَى أَبُو نعيم أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن قَتَادَة قَالَ: «صَلَّى الزبير عَلَى عُثْمَان وَدَفنه، وَكَانَ قد أَوْصَى إِلَيْهِ» . ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَى الْوَاقِدِيّ: ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، نَا السَّائِب بن يزِيد الْكِنْدِيّ قَالَ: «خرجت نائلة بنت الفرافصة وَقد شقَّتْ جيبها قبلا ودُبُرًا وَهِي تصيح، وَمَعَهَا سراج، وأمير الْمُؤمنِينَ واه، فَقَالَ جُبَير بن مطعم: اطفئي السراج. وانتهوا إِلَى البقيع، فَصَلى عَلَيْهِ جُبَير وَخَلفه حَكِيم بن حزَام وأبوجهم بن حُذَيْفَة ونيار بن مكرم الْأَسْلَمِيّ، ونائلة وأُمُّ الْبَنِينَ بنت عُيَيْنَة امرأتاه، وَنزل فِي حفرته نيار وأبوجهم وجعفر، وَكَانَ حَكِيم ونائلة وَأم الْبَنِينَ يدلونه عَلَى الرِّجَال، حَتَّى لحد وَبني عَلَيْهِ وغيبوا قَبره، وَتَفَرَّقُوا» . وَرَوَى أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى يَحْيَى بن سعيد الْأمَوِي، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه قَالَ (لما قتل عُثْمَان جَاءَ أبوجهم بن حُذَيْفَة ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فمنعوه من الصَّلَاة، فَقَالَ: لَئِن منعتموني من الصَّلَاة عَلَيْهِ لقد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَمَلَائِكَته» . وَرَوَى بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه قَالَ: «مكث عُثْمَان فِي حش كَوْكَب مطروحًا ثَلَاثَة، لَا يصلى عَلَيْهِ، حَتَّى هتف بهم هَاتِف: ادفنوه وَلَا يُصلى عَلَيْهِ؛ فَإِن الله قد صَلَّى عَلَيْهِ» . قَالَ ابْن عبد الحكم: خرج من مصر سِتّمائَة رجل عَلَيْهِم أَربع قواد، كل رجل مِنْهُم عَلَى خمسين وَمِائَة، فَأَقْبَلُوا إِلَى عُثْمَان فحصروه أَرْبَعِينَ لَيْلَة، ثمَّ دخلُوا فَضَربهُ سودان بن حمْرَان الماردي بهراوة من شبة، فدق جنَاحه فَخر مَيتا، وَقَامَ غُلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 لعُثْمَان أسود فَضرب سودان فَنقرَ دماغه، وَقتل المصريون الْغُلَام الْأسود، فأغلق النَّاس عَلَى عُثْمَان وسودان وَالْأسود، فأرادوا الصَّلَاة عَلَى عُثْمَان؛ فَأَبَى المصريون ذَلِك، وَقَالُوا: لَا يصلى عَلَيْهِ وَلَا يدْفن مَعَ الْمُسلمين. فَقَالَ حَكِيم بن حزَام: ادفنوه، فَإِن الله قد صَلَّى عَلَيْهِ» . فَائِدَة: حش كَوْكَب الَّذِي تقدم ذكره أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دفن فِيهِ، الْجَارِي عَلَى (ألسنتنا) فِيهِ فتح الْحَاء، وَإِنَّمَا هُوَ بضَمهَا، كَذَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» فِيمَا رَأَيْته من كِتَابه، فَقَالَ: حش كَوْكَب - بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الشين -: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْموضع الَّذِي دفن فِيهِ عُثْمَان. والحُش: الْبُسْتَان. وكوكب: الَّذِي أضيف إِلَيْهِ رجل من الْأَنْصَار، وَقيل: من الْيمن، وَلما ظهر مُعَاوِيَة هدم حَائِطه وأفضى بِهِ إِلَى البقيع، وَكَانَ عُثْمَان يمر بِهَذَا الحش وَيَقُول: يدْفن هُنَا رجل صَالح. كَمَا سلف، وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: «كَانَ عُثْمَان قد اشْتَرَى حش كَوْكَب، وَكَانَ أول من دفن فِيهِ و (غيب) قَبره» . وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «مرج الْبَحْرين» . الحش: هُوَ الْبُسْتَان - مثلث الْحَاء - اشْتَرَاهُ عُثْمَان، وزاده فِي البقيع، وَكَانَ أول من قُبر فِيهِ. الْأَثر التَّاسِع: «أَن حُسَيْنًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قدم سعيد بن الْعَاصِ أَمِير الْمَدِينَة فَصَلى عَلَى الْحسن» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن سَالم بن أبي حَفْصَة قَالَ: سَمِعت أَبَا حَازِم يَقُول: «إِنِّي لشاهد يَوْم مَاتَ الْحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 بن عَلّي، فَرَأَيْت الْحُسَيْن بن عَلّي يَقُول لسَعِيد بن الْعَاصِ ويطعن فِي عُنُقه: تقدم، فلولا أَنَّهَا سنة مَا قُدمت. وَكَانَ بَينهم شَيْء، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اتنفسون عَلَى ابْن نَبِيكُم بتربة تدفنونه فِيهَا، وَقد سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من أحبهما فقد أَحبَّنِي، وَمن أبغضهما فقد أبغضني» . وَسَالم هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ وَعَمْرو بن عَلّي وَابْن حبَان، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث قبيصَة، عَن سُفْيَان، عَن أبي الجحاف، عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء الزبيدِيّ، قَالَ: اخبرني من شهد الْحُسَيْن بن عَلّي حِين مَاتَ الْحسن وَهُوَ يَقُول لسَعِيد بن الْعَاصِ: «اقدم، (فلولا) أَنَّهَا سنة مَا قدمت» . الْأَثر الْعَاشِر: «أَن سعيد بن الْعَاصِ صَلَّى عَلَى زيد بن عمر بن الْخطاب وَأمه أم كُلْثُوم بنت عَلّي، فَوضع الْغُلَام بَين يَدَيْهِ وَالْمَرْأَة خَلفه، وَفِي الْقَوْم نَحْو من ثَمَانِينَ نفسا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فصوبوه، قَالُوا: هَذِه السّنة» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح، من حَدِيث عمار بن عمار التَّابِعِيّ - مولَى لبني هَاشم، الثِّقَة بِالْإِجْمَاع - «أَنه شهد جَنَازَة أم كُلْثُوم وَابْنهَا، فَجعل الْغُلَام مِمَّا يَلِي الإِمَام، فأنكرت ذَلِك، وَفِي الْقَوْم ابْن عَبَّاس، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَأَبُو قَتَادَة، وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَقَالُوا: هَذِه السّنة» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «وَكَانَ فِي الْقَوْم الْحسن، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 وَالْحُسَيْن، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عمر، وَنَحْو من ثَمَانِينَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (أَن الإِمَام) كَانَ ابْن عمر، وَخَلفه ابْن الْحَنَفِيَّة، وَالْحُسَيْن، وَابْن عَبَّاس» وَفِي رِوَايَة: «عبد الله بن جَعْفَر» . فَائِدَة: أم كُلْثُوم هَذِه هِيَ بنت عَلّي بن أبي طَالب، زوج عمر بن الْخطاب، وَابْنهَا هُوَ زيد - الْأَكْبَر - بن عمر بن الْخطاب، كَمَا سَيَأْتِي بعد هَذَا، وَكَانَ مَاتَ هُوَ وَأم كُلْثُوم بنت عَلّي فِي وَقت وَاحِد، وَلم يدر أَيهمَا مَاتَ أَولا، فَلم يُورث أَحدهمَا من الآخر. الْأَثر الْحَادِي عشر: «أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صَلَّى عَلَى (تسع) جنائز، فَجعل الرِّجَال يلونه، وَالنِّسَاء يلين الْقبْلَة» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن، من رِوَايَة نَافِع عَنهُ «أَنه صَلَّى عَلَى (تسع) جنائز جَمِيعًا رجال وَنسَاء، فَجعل الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِمَام، وَجعل الْمسَاء مِمَّا يَلِي الْقبْلَة، وَصفهم صفا وَاحِدًا، وَوضعت جَنَازَة أم كُلْثُوم بنت عَلّي امْرَأَة عمر بن الْخطاب وَابْن لَهَا يُقَال: زيد بن عمر بن الْخطاب، وَالْإِمَام يَوْمئِذٍ سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي النَّاس يَوْمئِذٍ ابْن عَبَّاس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأَبُو سعيد، وَأَبُو قَتَادَة، فَوضع الْغُلَام مِمَّا يَلِي الإِمَام، فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 السّنة» . وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «فأنكرت ذَلِك؛ فَنَظَرت إِلَى ابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة، وَأبي سعيد، وَأبي قَتَادَة؛ فقلتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: السّنة» وَرَوَاهُ كَذَلِك ابْن الْجَارُود فِي «المنتقي» . الْأَثر الثَّانِي عشر: «عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي جَمِيع تَكْبِيرَات الْجِنَازَة» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، أَنا مُحَمَّد بن عمر، عَن عبد الله، بن عمر بن حَفْص، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ كلما كبر عَلَى الْجِنَازَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (فِي (سنَنه) من حَدِيث) عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي كل تَكْبِيرَة من تَكْبِير الْجِنَازَة، وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ - يَعْنِي فِي الْمَكْتُوبَة» . الْأَثر الثَّالِث عشر: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَنه كَانَ يفعل كَذَلِك) . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، فَقَالَ: انا من سمع سَلمَة بن وردان يذكر عَن أنس بن مَالك «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ كلما كبر عَلَى الْجِنَازَة» . وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «وَيذكر عَن أنس ... » إِلَى آخِره. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن عُرْوَة وَابْن الْمسيب مثله. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ الشَّافِعِي: بَلغنِي عَن سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير مثل ذَلِك، وَعَلَى ذَلِك أدركنا اهل الْعلم ببلدنا. نَقله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ، قَالَ فِي «السّنَن» : ورويناه عَن قيس بن ابي حَازِم، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَالْحسن، وَمُحَمّد بن سِيرِين. قلت: وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَة رفع يَدَيْهِ فِي أول تَكْبِيرَة» . زَاد ابْن عَبَّاس: «ثمَّ لَا يعود» . وَزَاد أَبُو هُرَيْرَة: «ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فضعيفان، وَفِي الْكتاب الْمُسَمَّى «بالمغني عَن الْحِفْظ وَالْكتاب بقَوْلهمْ لم يَصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب) . لِابْنِ بدر الْموصِلِي، بَاب رفع الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَات الْجَنَائِز: لَا يَصح فِيهِ شَيْء عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَا أَنه لم يرفع. الْأَثر الرَّابِع عشر: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أعمقوا إِلَى قدر قامة وَبسطه» . هَذَا الْأَثر ذكره ابْن الْمُنْذر فِي «الاشراف» بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: وروينا عَن عمر بن الْخطاب «أَنه أَوْصَى أَن يعمق قدر قامة وَبسطه» . الْأَثر الْخَامِس عشر: رُوِيَ عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أَمر الذِّمِّيَّة إِذا مَاتَت وَفِي بَطنهَا جَنِين مُسلم ميت أَن تدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سُفْيَان عَن عَمْرو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 «أَن امْرَأَة نَصْرَانِيَّة مَاتَت وَفِي بَطنهَا ولد مُسلم؛ فَأمر عمر أَن تدفن مَعَ الْمُسلمين من أجل وَلَدهَا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار، ان شَيخا من أهل الشَّام أخبرهُ «أَن عمر بن الْخطاب دفن امْرَأَة من اهل الْكتاب فِي بَطنهَا ولد مُسلم، فِي مَقْبرَة الْمُسلمين» . انْتَهَى الْكَلَام عَلَى آثَار الْبَاب أَيْضا بِحَمْد الله ومنّه (وَكَرمه) . وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل الْبَاب عَن بعض التَّابِعين اسْتِحْبَاب قِرَاءَة سُورَة (الرَّعْد) عِنْد الْمَيِّت أَيْضا، وَهَذَا التَّابِعِيّ هُوَ جَابر بن زيد أَبُو الشعْثَاء قَالَ: «فَإِنَّهَا تهون عَلَيْهِ خُرُوج الرّوح» . ذكره صَاحب «الْبَيَان» عَنهُ، وأسنده الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس جَعْفَر بن مُحَمَّد المستغفري فِي كتاب «فَضَائِل الْقُرْآن» فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، نَا حَمَّاد بن أَحْمد، نَا هناد بن السّري، نَا وَكِيع، عَن حسان بن إِبْرَاهِيم، عَن أُميَّة الْأَزْدِيّ، عَن جَابر بن زيد قَالَ: «كَانَ يسْتَحبّ أَن يقْرَأ عِنْد الْمَيِّت سُورَة (الرَّعْد) ، قَالَ: وَيُقَال: إِن ذَلِك يُخَفف أَيْضا» . وَقد كنت ذكرت هُنَا خَاتِمَة تتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد، ثمَّ ذكرتها فِي أثْنَاء تعليقي عَلَى حَدِيث: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ، الْحل ميتَته» فَرَاجعهَا مِنْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 بَاب تَارِك الصَّلَاة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث (أَحدهَا) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خمس صلوَات كتبهن الله عَلَيْكُم فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، فَمن جَاءَ بِهن فَلم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد، إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان، عَن بن محيريز «أَن رجلا من بني كنَانَة يُدعَى المخدجي سمع رجلا بِالشَّام يكنى أَبَا مُحَمَّد يَقُول: إِن الْوتر وَاجِب. قَالَ المخدجي: فَرُحتُ إِلَى عبَادَة بن الصَّامِت، فعرضت لَهُ وَهُوَ رائح إِلَى الْمَسْجِد. فَأَخْبَرته بِالَّذِي، قَالَ أَبُو مُحَمَّد. قَالَ عبَادَة: كذب أَبُو مُحَمَّد؛ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: خمس صلوَات كتبهن الله عَلَى الْعباد، فَمن جَاءَ بِهن، لَا يُضيع مِنْهُنَّ شَيْئا، اسْتِخْفَافًا بحقهن؛ كَانَ لَهُ عهد عِنْد الله (أَن يدْخلهُ الْجنَّة. وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد إِن) شَاءَ عذبه، وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وَرَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن أَيْضا، رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث مَالك أَيْضا، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث شُعْبَة، عَن عبد ربه بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان، عَن ابْن محيريز، عَن المخدجي، عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «خمس صلوَات افترضهن الله عَلَى عباده، فَمن جَاءَ بِهن لم ينتقص مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن فَإِن الله جَاعل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة عهدا أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن جَاءَ بِهن قد نقص مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن؛ لم يكن لَهُ عِنْد الله عهد، إِن شَاءَ عذبه، وَإِن شَاءَ غفر لَهُ» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» فَقَالَ: نَا يزِيد، أَنا يَحْيَى بن سعيد. فَذكره كَرِوَايَة مَالك، إِلَّا أَنه قَالَ فِي آخِره: «وَإِن شَاءَ غفر لَهُ» . قَالَ ابْن عبد الْبر: وَعبد الله بن محيريز من جلة التَّابِعين، وَهُوَ مَعْدُود فِي الشاميين، قَالَ: والمخدجى مَجْهُول لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ مَالك: المخدجي لقب وَلَيْسَ ينْسب فِي شي من قبائل الْعَرَب، وَقيل: إِن المخدجي اسْمه رفيع، وَذكر ذَلِك عَن يَحْيَى بن معِين. وَأما أَبُو مُحَمَّد فَيُقَال: إِنَّه مَسْعُود بن أَوْس الْأنْصَارِيّ، وَيُقَال: سعيد بن أَوْس، وَيُقَال: إِنَّه بَدْرِي. وَاعْترض الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَلَى ابْن عبد الْبر فِيمَا قَالَه، فَقَالَ: هَكَذَا ذكر أَبُو عمر أَن المخدجي مَجْهُول، وَقد كَانَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 (قدم) قبل ذَلِك أَنه لم يخْتَلف عَن مَالك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَأَنه حَدِيث صَحِيح ثَابت، فَتَأمل تَصْحِيح أبي عمر مَعَ حكمه بِأَن المخدجي مَجْهُول. قلت: والمخدجي ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، فَقَالَ: أَبُو رفيع المخدجي من بني كنَانَة، يروي عَن عبَادَة بن الصَّامِت، رُوِيَ عَنهُ: ابْن محيريز، ثمَّ سَاق لَهُ الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأخرجه فِي «صَحِيحه» من طَرِيقين إِلَيْهِ، وَلَفظه: «من جَاءَ بالصلوات الْخمس قد كملهن لم ينقص من حقهن شَيْئا كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد أَن لَا يعذبه، وَمن جَاءَ بِهن وَقد أنقص من حقهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد، إِن شَاءَ رَحمَه، وَإِن شَاءَ عذبه» . ثمَّ قَالَ: وَأَبُو مُحَمَّد هَذَا اسْمه مَسْعُود بن زيد بن سبيع الْأنْصَارِيّ، من بني دِينَار بن النجار، لَهُ صُحْبَة، سكن الشَّام. قَالَ: وَقَول عبَادَة: كذب أَبُو مُحَمَّد يُرِيد بِهِ أَخطَأ، وَهَذِه لَفْظَة مستعملة لأهل الْحجاز، إِذا أَخطَأ أحدهم يُقَال لَهُ: كذب، وَالله - تَعَالَى جلّ وَعلا - نزه أقدار الصَّحَابَة عَن إلزاق الْقدح بهم، حَيْثُ قَالَ: (يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم ... ) ، فَمن (أخبر) الله - جلّ وَعز - أَن لَا يخزيه فِي الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 فبالحري أَن لَا يُجَرح، وَكَذَا قَالَ: أَرَادَ بقوله: «كذب» أَخطَأ فِي الْفَتْوَى؛ لِأَن الْكَذِب إِنَّمَا يكون فِي الْإِخْبَار، وَلم يخبر عَن غَيره. قلت: وَلِحَدِيث عبَادَة هَذَا طرق أُخْرَى، تركناها خوف الطول، ومتابع من حَدِيث أبي قَتَادَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَكَعب بن عجْرَة رَوَاهُ أَحْمد. تَنْبِيه: تحصلنا فِي اسْم المخدجي عَلَى قَوْلَيْنِ، وَفِي اسْم أبي مُحَمَّد عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضا، وَفِي اسْم وَالِده عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضا، وَلما ذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَن الْخطابِيّ أَنه قَالَ: أَبُو مُحَمَّد صَحَابِيّ، اسْمه مَسْعُود بن زيد بن سبيع، اعْتَرَضَهُ فَقَالَ: كَذَا قَالَ، وَلَا نعرفه فِي الصَّحَابَة. قلت: عرفه أَبُو عمر، وَابْن حبَان، وَغَيرهمَا، كَمَا أسلفناه. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك الصَّلَاة فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي (: أَن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا، وَإِن قطعت وَحرقت، وَأَن لَا تتْرك صَلَاة مَكْتُوبَة مُتَعَمدا، فَمن تَركهَا مُتَعَمدا فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة، وَلَا تشرب الْخمر؛ فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث رَاشد الْحمانِي، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء. وَرَاشِد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: رُبمَا أَخطَأ. وَشهر تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب: النَّجَاسَات، وَأَن التِّرْمِذِيّ صحّح حَدِيثا من جِهَته. وَأم الدَّرْدَاء: هجيمة، من بَنَات التَّابِعين وصالحيهم، ذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثهَا. (الطَّرِيق الثَّانِي) : من حَدِيث جُبَير بن نفير قَالَ: «دخلت عَلَى أُمَيْمَة مولاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: حدثيني بِشَيْء سمعتيه من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: كنت يَوْمًا أفرغ عَلَى يَدَيْهِ وَهُوَ يتَوَضَّأ، إِذْ دخل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد الرُّجُوع إِلَى أَهلِي؛ فأوصني بِوَصِيَّة أحفظها. فَقَالَ: لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا، وَإِن قطعت وَحرقت بالنَّار، وَلَا تعصين والديك، وَإِن أمراك أَن تخلي من أهلك ودنياك فتخل، وَلَا تتْرك صَلَاة مُتَعَمدا، فَمن تَركهَا مُتَعَمدا بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله - عَزَّ وَجَلَّ - وَذمَّة رَسُوله، وَلَا تشربن الْخمر؛ فَإِنَّهُ رَأس كل خَطِيئَة» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الْفَضَائِل مِنْهُ؛ فِي تَرْجَمَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 أُمَيْمَة مولاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهُوَ حَدِيث فِيهِ (طول) ، وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن سِنَان بن أبي فَرْوَة الرهاوي وَقد تَرَكُوهُ، وَهَذَا السَّائِل للْوَصِيَّة إِن كَانَ أَبَا الدَّرْدَاء فَهُوَ الطَّرِيق الأول. (الطَّرِيق الثَّالِث) : من حَدِيث أم أَيمن أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مَكْحُول عَنْهَا، ثمَّ قَالَ: فِيهِ إرْسَال؛ مَكْحُول لم يُدْرِكهَا. وَرَوَاهُ أَحْمد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «وَلَا (تتْرك) الصَّلَاة مُتَعَمدا؛ فَإِن من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله (وَرَسُوله) » . (الطَّرِيق الرَّابِع) : من حَدِيث معَاذ بن جبل مَرْفُوعا: «من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد بَرِئت ذمَّة (الله) » . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَفِي إِسْنَاده «بَقِيَّة» : حَالَته مَعْلُومَة، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بدونهما. (الطَّرِيق الْخَامِس) : من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أوصانا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِسبع خلال، فَقَالَ: لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَإِن قطعْتُمْ وحرقتم أَو صلبتم، وَلَا تتركوا الصَّلَاة متعمدين، فَمن تَركهَا مُتَعَمدا فقد خرج من الْملَّة، وَلَا تركبوا الْمعْصِيَة؛ فَإِنَّهَا سخط الله - تَعَالَى - وَلَا تقربُوا الْخمر؛ فَإِنَّهَا رَأس الْخَطَايَا كلهَا، وَلَا تَفِرُّوا من الْمَوْت أَو الْقَتْل وَإِن كُنْتُم فِيهِ وَلَا تَعْصِي والديك، وَإِن أمراك أَن تخرج من الدُّنْيَا كلهَا فَاخْرُج، وَلَا تضع عصاك عَن أهلك، وأنصفهم من أهلك» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا، وَفِي إِسْنَاده من لَا يحضرني حَاله. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك صَلَاة مُتَعَمدا فقد كفر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث رَاشد بن نجيح الْحمانِي، عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 شهر بن حَوْشَب، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي (أَن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا وَإِن حرقت، وَلَا أترك صَلَاة مُتَعَمدا، فَمن تَركهَا (مُتَعَمدا) فقد كفر» الحَدِيث. قَالَ الْبَزَّار: هَذَا حَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهَذَا اللَّفْظ (إِلَّا من) هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: وَرَاشِد: لَيْسَ بِهِ بَأْس؛ قد حدث عَنهُ غير وَاحِد، وَشهر قد رَوَى عَنهُ النَّاس، وَتَكَلَّمُوا فِيهِ، وَاحْتَملُوا حَدِيثه. قلت: وَقد سلف الْكَلَام عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد فِي الحَدِيث قبله، وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَقَالَ فِي «علله» يرويهِ أَبُو النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم، عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس مَرْفُوعا: «من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد كفر جهارًا» . وَخَالفهُ ابْن الْجَعْد فَرَوَاهُ عَن أبي جَعْفَر، عَن الرّبيع مُرْسلا، وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ. قلت: وَله طَرِيق ثَالِث مُنكر، ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن مُوسَى الْبَصْرِيّ، قَالَ: لم أر فِي حَدِيثه شَيْئا (تنكره) الْقُلُوب إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا، فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تَارِك الصَّلَاة كَافِر» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 وَاعْلَم أَن الإِمَام فِي «نهايته» وَالْغَزالِيّ فِي «وسيطه» و «بسيطه» ، وتبعهما الرَّافِعِيّ، جعلا هَذَا الحَدِيث مُسْتَندا للصحيح من الْمَذْهَب: أَنه يقتل بترك صَلَاة وَاحِدَة نظرا إِلَى كَون الصَّلَاة مُنكرَة، فَاعْترضَ ابنُ الصّلاح وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَا نعرفه، وَقد (عَرفته أَنْت) فِي «مُسْند الْبَزَّار» و «علل الدَّارَقُطْنِيّ» ، وَللَّه الْحَمد، وَوَقع فِي كَلَام النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : أَنه حَدِيث مُنكر، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ؛ قَالَ ابْن الصّلاح: وَلَكِن مُعْتَمد الْمَذْهَب مَا ثَبت من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «بَين العَبْد وَبَين الْكفْر ترك الصَّلَاة» . أخرجه مُسلم. وَأخرج التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث بُرَيْدَة بن الْحصيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبينهمْ الصَّلَاة فَمن تَركهَا فقد كفر) قَالَ (التِّرْمِذِيّ) : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا نَعْرِف لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 عِلّة. قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرطهمَا فَذكره، وَفِي التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْإِيمَان بِإِسْنَاد صَحِيح رِجَاله رجال الصَّحِيح، عَن [عبد الله بن شَقِيق العقيلى]- التَّابِعِيّ الْمُتَّفق عَلَى جلالته - قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يرَوْنَ من الْأَعْمَال شَيْئا تَركه كفرا غير الصَّلَاة» وَذكره الْحَاكِم عَن شَقِيق، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ سَوَاء ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ قبل، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب حَدِيث الْوَادي وَحَدِيث الغابة، وَقد سلفا فِيمَا مَضَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 كتاب الزَّكَاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 كتاب الزَّكَاة بَاب زَكَاة النّعم ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا؛ أما الْأَحَادِيث فعشرة الحَدِيث الأول رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَانع الزَّكَاة فِي النَّار» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ؛ تبعا للغزالي فِي «وسيطه» ، وَقَالَ ابْن الصّلاح: (بحثتُ) عَنهُ فَلم أجد لَهُ أصلا. قلت: قد وجدته بِحَمْد الله وَمِنْه فِي الطَّبَرَانِيّ؛ قَالَ فِي «أَصْغَر معاجمه» : (ثَنَا مُحَمَّد) بن أَحْمد بن أبي يُوسُف الْخلال الْمصْرِيّ، ثَنَا بَحر بن (نصر) الْخَولَانِيّ، ثَنَا أَشهب بن عبد الْعَزِيز، (نَا) اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن (سَعْد) بن سِنَان، عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَانع الزَّكَاة يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 وَذكره أَبُو طَاهِر السلَفِي الْحَافِظ فِيمَا خرَّجه لأبي عبد الله الرَّازِيّ، وَقد سلف إسنادنا إِلَيْهِ فِي الْكَلَام عَلَى السِّوَاك، عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن (سعيد) بن عبد الله الْحَافِظ، نَا أَبُو الْعَبَّاس مُنِير بن أَحْمد بن الْحسن الْبَصْرِيّ، نَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن وردان الْمعَافِرِي، نَا بَحر بن نصر. فَذكره كَمَا سلف، وَزَاد مَعَ اللَّيْث، ابْن لَهِيعَة مُتَابعَة. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» من هَذَا الْوَجْه؛ فَقَالَ: قرأتُ عَلَى أبي الْحُسَيْن الْحَافِظ عَن أبي الطَّاهِر الشفيقي - بشين مُعْجمَة، ثمَّ، فَاء ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ قَاف، ثمَّ يَاء - نِسْبَة إِلَى مَسْجِد شفيق (الْملك) تَحت القلعة، أَنا أَبُو عبد الله الرَّازِيّ. فَذكره كَمَا أسلفناه ثمَّ قَالَ: وَسعد بن سِنَان (مُخْتَلف فِي اسْمه وَفِي ثوثيقه، وَهُوَ كَمَا ذكر، فَإِنَّهُ قيل اسْمه سعد بن سِنَان) وَقيل عَكسه؛ هَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي «الْأَدَب» ، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَالْأول ذكره أَبُو دَاوُد، وَغَيره، قَالَ ابْن حبَان: وَأَرْجُو أَن يكون الثَّانِي هُوَ الصَّحِيح (و) صَححهُ البُخَارِيّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وَأما الْخلف فِي توثيقه؛ فَقَالَ أَحْمد: رُوِيَ خَمْسَة عشر حَدِيثا مُنكرَة كلهَا مَا عرفت مِنْهَا وَاحِدًا، وَقَالَ مرّة: لم أكتب أَحَادِيثه؛ لأَنهم اضْطَرَبُوا فِيهِ وَفِي حَدِيثه، وَنقل ابْن الْقطَّان أَن أَحْمد (وَثَّقَهُ) ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ الْجوزجَاني: أَحَادِيثه واهية، وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة أَحْمد بن زُهَيْر: ثِقَة. وَأخرج لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث: «المعتدي فِي الصَّدَقَة كمانعها» ثمَّ قَالَ: حسن؛ فَيكون هَذَا الحَدِيث حسنا عَلَى شَرطه، وَمَعَ أنّ لَهُ شَوَاهِد فِي الصَّحِيح تقويه؛ مِنْهَا: قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حقّها إِلَّا إِذا (كَانَت) يَوْم الْقِيَامَة صفحت لَهُ صَفَائِح من نَار، فأحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم، فيكوى بهَا (جنبه وجبينه) وظهره» مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل وَمِنْهَا: قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «بني الْإِسْلَام عَلَى خمس» وعدَّ مِنْهَا: «إيتَاء الزَّكَاة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر، وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث الثَّابِتَة. الحَدِيث الثانى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسلم فِي عَبده وَلَا فرسه صَدَقَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَأما حَدِيث أبي يُوسُف، عَن غورك بن الحصرم، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر مَرْفُوعا «فِي الْخَيل السَّائِمَة فِي كل فرسٍ دِينَار» فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ. (قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ) : تفرد بِهِ غورك عَن جَعْفَر، وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، وَمن دونه ضعفاء. وَقَالَ ابْن (الْقطَّان) : أَبُو يُوسُف هُوَ القَاضِي، وَهُوَ مَحْمُول عَلَيْهِ عِنْدهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِسْنَادِهِ إِلَى أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «هَذِه الصَّدَقَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذِه فَرِيضَة (الصَّدَقَة) الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عَلَى الْمُسلمين) الَّتِي أَمر الله بهَا، فَمن سئلها عَلَى وَجههَا من الْمُؤمنِينَ (فليعطها) ، وَمن سئلها فَوق حَقه، فَلَا يُعْطهَا: فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل، فَمَا دونهَا (من) الْغنم، فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين، إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا ابْنة مَخَاض أُنْثَى، فَإِن لم يكن فِيهَا ابْنة مَخَاض، فَابْن لبون ذكر، فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا ابْنة لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت ستًّا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ، فَفِيهَا حقة طروقة (الْجمل) ، فَإِذا بلغت وَاحِدًا وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين، فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت ستًّا وَسبعين إِلَى تسعين، فَفِيهَا (ابنتا) لبون، فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا حقتان طروقتا الْجمل، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت (لبون) ، وَفِي كل خمسين حقةٍ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَهُوَ عُمْدَة الْبَاب، وَعَلِيهِ وَعَلَى حَدِيث ابْن عمر الآتى (مدَار) نصب زَكَاة الْمَاشِيَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا ذكرنَا بأطول من هَذَا عَن الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر، عَن الْمثنى بن أنس، أَو ابْن فلَان بن أنس، (عَن أنس) : «هَذِه الصَّدَقَة ... » فَذكره كَمَا سقناه، وَزِيَادَة «وَإِن بَين أَسْنَان الْإِبِل فِي فَرِيضَة الصَّدَقَة، من بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَت عِنْده الجزعة، وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا عَلَيْهِ، أَو عشْرين درهما، وَإِذا بلغت عَلَيْهِ حقة، وَلَيْسَت عِنْده حقة، وَعِنْده جَذَعَة، فَإِنَّهَا (تقبل مِنْهُ الْجَذعَة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما، أَو شَاتين» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ) فِي «الْمعرفَة» : كَذَا رَوَى هَذَا الحَدِيث (عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن الْمثنى بن أنس وَهُوَ الْمثنى بن) عبد الله بن أنس، (نسب إِلَى جده، وَالشَّافِعِيّ (ذكر) هَذِه (الرِّوَايَة) بِرِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس) ، عَن أنس، وَجعل اعْتِمَاده عَلَيْهَا وَعَلَى مَا بعْدهَا من (حَدِيث ابْن) عمر، قَالَ: أَخْبرنِي عددٌ ثِقَات كلهم، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثُمَامَة (بن عبد الله) بن أنس، عَن أنس (بن) مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، مثل مَعْنَى هَذَا لَا يُخَالِفهُ، إِلَّا أَنِّي لم أحفظ فِيهِ «إِلَّا يُعْطَى شَاتين، أَو عشْرين درهما» لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 أحفظ: « (إِن) اسْتَيْسَرَ عَلَيْهِ» . قَالَ: وأحسب فِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أنس، أَنه قَالَ: «دفع إليَّ أَبُو بكر الصّديق كتاب الصَّدَقَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» ، وَذكر هَذَا الْمَعْنى كَمَا وصفتُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث حَمَّاد، عَن ثُمَامَة، عَن أنس؛ حَدِيث صَحِيح مَوْصُول، وَقد قصر بِهِ بعض الروَاة، فَرَوَاهُ عَن حَمَّاد، قَالَ: «أخذت من ثُمَامَة كتابا زعم أَن أَبَا بكر [كتبه] لأنس» ، فَتعلق بِهِ بعض من ادّعى الْمعرفَة بالآثار؛ و (قَالَ) : هَذَا مُنْقَطع وَأَنْتُم لَا تثبتون الْمُنْقَطع، وَإِنَّمَا وَصله عبد الله بن الْمثنى، عَن ثُمَامَة، عَن أنس، وَأَنْتُم لَا تَجْعَلُونَ عبد الله بن الْمثنى حجَّة. وَلم يعلم أَن [يُونُس بن مُحَمَّد] الْمُؤَدب قد رَوَاهُ عَن حَمَّاد، قَالَ: أخذت هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة عَن أنس، «أَن أَبَا بكر كتب لَهُ ... » . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُرَيج بن النُّعْمَان، عَن حَمَّاد. وَقد أوردهُ ابْن الْمُنْذر فِي كِتَابه محتجًّا بِهِ. وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه - وَهُوَ إِمَام - عَن النَّضر بن شُمَيْل - وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ فِي الْعَدَالَة والإتقان والتقدم عَلَى أَصْحَاب حَمَّاد - قَالَ: ثَنَا حَمَّاد ابْن سَلمَة، قَالَ: أَخذ هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة (يحدثه) عَن أنس، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، وَكلهمْ ثِقَات. قلت: وَبِهَذَا يظْهر (رد) مَا نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي كتاب «التتبع عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» : إِن ثُمَامَة لم يسمعهُ من أنس، وَلَا سَمعه عبد الله بن الْمثنى من ثُمَامَة. وَمَا فِي «الْأَطْرَاف» للمقدسي: (قيل لِابْنِ) معِين: حَدِيث ثُمَامَة عَن أنس فِي الصَّدقَات؟ قَالَ: لَا يَصح، وَلَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث الصَّدقَات. فَإِن قلت: قد تكلم جمَاعَة فِي عبد الله بن الْمثنى، فَقَالَ الساجى: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ (د) : لَا أخرج حَدِيثه، وَقَالَ أَبُو سَلمَة: كَانَ ضَعِيفا. قلت: قد أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَلَى وَجه الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقَالَ أبوحاتم: صَالح الحَدِيث، وَوَثَّقَهُ غَيره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَلَا نعلم من حَملَة الحَدِيث وحفاظهم من استقصى فِي انتقاد (الروَاة) مَا استقصى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، مَعَ إِمَامَته، وتقدمه فِي معرفَة الرِّجَال، وَعلل الْأَحَادِيث، ثمَّ (إِنَّه) اعْتمد فِي هَذَا الْبَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن الْمثنى، عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 ثُمَامَة، عَن أنس، وَأخرجه فِي «صَحِيحه» وَذَلِكَ لِكَثْرَة الشواهد لحديثه هَذَا بِالصِّحَّةِ. قلت: وَقد ذكره البُخَارِيّ مفرقًا فِي كتاب الزَّكَاة، فِي عشرَة مَوَاضِع (مِنْهُ) ، فأجمعه لَك هُنَا ليحال مَا يَقع بعد عَلَيْهِ، فَأَقُول: رَوَاهُ عَن مُحَمَّد [بن عبد الله] بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ، حَدثنِي أبي، قَالَ: (حَدثنِي) ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، أَن أنسا حَدثهُ «أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كتب لَهُ هَذَا الْكتاب لما وَجهه إِلَى الْبَحْرين: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة، الَّتِي فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْمُسلمين، وَالَّتِي أَمر الله رَسُوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بهَا) ، فَمن سئلها (عَلَى وَجههَا من الْمُسلمين) ؛ فليعطها، وَمن سُئِلَ فَوْقهَا؛ فَلَا يُعْط، فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا (من الْغنم) فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بنت مَخَاض أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقَّةُُ طروقةُ الْجمل، فَإِذا بلغت وَاحِدَة وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين، فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت، - يعْنى - سِتا وَسبعين إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 تسعين، فَفِيهَا بِنْتا لبون، فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا حقَّتان (طروقتا) الْجمل، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت (لبون) ، وَفِي كل خمسين حقة، وَمن لم يكن (مَعَه) إِلَّا أَربع من الْإِبِل، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَة، إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا، فَإِذا بلغت خمْسا من الْإِبِل فَفِيهَا شَاة، وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها، إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شَاة، فَإِذا زَادَت (عَلَى) عشْرين و (مائَة إِلَى مِائَتَيْنِ) فَفِيهَا شَاتَان، فَإِذا زَادَت عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه، فَإِذا زَادَت عَلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِي كل مائَة شَاة، فَإِذا كَانَت سَائِمَة الرجل نَاقِصَة من أَرْبَعِينَ شَاة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَة، إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا وَفِي الرقة ربع الْعشْر، فَإِن لم تكن إِلَّا تسعين وَمِائَة، فَلَيْسَ فِيهَا (شي) إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا» . وَفِي هَذَا الْكتاب: «وَمن بلغت صدقته بنت الْمَخَاض وَلَيْسَت عِنْده، وَعِنْده بنت لبون، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين، فَإِن لم يكن (عِنْده) بنت مَخَاض عَلَى وَجههَا، وَعِنْده ابْن لبون، فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَه شَيْء، وَمن بلغت عِنْده من الْإِبِل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَت عِنْده جَذَعَة وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيجْعَل مَعهَا شَاتين، إِن استيسرتا لَهُ، أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت (عِنْده) صَدَقَة الحقة، وَلَيْسَت عِنْده (الحقة، وَعِنْده الْجَذعَة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الْجَذعَة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما، أَو شَاتين، وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة، وَلَيْسَت عِنْده) إِلَّا بنت لبون، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت لبون، وَيُعْطَى شَاتين أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت صدقته بنت لبون، وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين، وَمن بلغت صدقته بنت لبون، وَلَيْسَت عِنْده، وَعِنْده بنت مَخَاض، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت مَخَاض، وَيُعْطَى مَعهَا عشْرين درهما أَو شَاتين وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار، وَلَا تَيْس، إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق، (وَلَا يجمع) بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مجتمعٍ خشيَة الصَّدَقَة، وَمَا كَانَ من خليطين، فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ» هَذَا كُله لفظ البُخَارِيّ، مفرقًا، وَقد رَوَاهُ بِطُولِهِ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . قَالَ الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا حَدِيث ثَابت وَبِه نَأْخُذ. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 الْحَاكِم: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. فَائِدَة: فِي الْإِشَارَة إِلَى ضبط أَلْفَاظ وَقعت فِي هَذَا الحَدِيث، وطرف من فَوَائده، وَقد تعرض الرَّافِعِيّ لطرف لطيف مِنْهَا؛ فَذكر الْبَسْمَلَة فِي أَوله يُسْتَدلُّ بِهِ عَلَى ابتدائها فِي (أول) الْكتب كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ، قَالَ: بِخِلَاف مَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من قَوْلهم (بِاسْمِك) اللَّهُمَّ، (قَالَ) ودلَّ أَيْضا (عَلَى) أَن الِابْتِدَاء بِالْحَمْد لله لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا شَرط، وأنّ مَعْنَى الحَدِيث: «كل أمرٍ ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أَجْزم» أَي: لم يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله أَو مَعْنَاهُ وَنَحْوه من ذكر الله تَعَالَى. وَقَوله: «هَذِه فَرِيضَة» بَدَأَ بِإِشَارَة التَّأْنِيث؛ لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ مؤنثًا، قَالَ الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا: وَقَوله «فَرِيضَة» أَي: نُسْخَة فَرِيضَة الصَّدَقَة، فَحذف لَفْظَة «نُسْخَة» وهومن حذف (الْمُضَاف) وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. وَقَوله: «هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة» ، هُوَ تَرْجَمَة الْكتاب فِي عنوانه، كَمَا يكْتب هَذَا مُخْتَصر كَذَا، وَكتاب كَذَا (قَالَه) الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَقَوله: «فَرِيضَة الصَّدَقَة» فِيهِ دلَالَة عَلَى أَن اسْم الصَّدَقَة يُطلق عَلَى الزَّكَاة، خلافًا لأبي حنيفَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 وَقَوله: «وَالَّتِي أَمر بهَا رَسُوله» يَعْنِي قَوْله: (خُذ من أَمْوَالهم) الْآيَة. وَمَعْنى «فرض» : قدر، وَقيل: سنّ، وَقيل: أوجب، والرافعي ذكر الأول والأخير فِي الْكتاب، فعلَى الثَّالِث مَعْنَاهُ: إِن الله أوجبهَا ثمَّ بلغَهَا إِلَيْنَا رَسُوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَسَمَّى أمره وتبليغه فرضا، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ: (شرعها) بِأَمْر الله تَعَالَى. وَعَلَى الأول: (بيَّنها) ؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: (قد فرض الله لكم تحَّلة أَيْمَانكُم) ، أَو يكون مَعْنَاهُ من قَوْلهم: فرض القَاضِي النَّفَقَة (أَي) قدرهَا. وَقَوله: «عَلَى الْمُسلمين» فِيهِ دلَالَة لمن يَقُول: إِن الْكَافِر لَيْسَ مُخَاطبا بِالزَّكَاةِ وَسَائِر الْفُرُوع، وَمن قَالَ إِنَّه مُخَاطب بهَا - وَهُوَ الصَّحِيح - قَالَ: مَعْنَى «فرض عَلَى الْمُسلمين» أَن تُؤْخَذ مِنْهُم فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِر لَا تُؤْخَذ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِن يعذب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة. وَقَوله: «وَالَّتِي أَمر الله تَعَالَى رَسُوله» ، هَكَذَا هُوَ فِي (رِوَايَة) البُخَارِيّ، وَغَيره، من كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة. وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب، وَأبي دَاوُد فِي «سنَنه» : «الَّتِي» بِغَيْر وَاو، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. فَأَما رِوَايَة الْجُمْهُور؛ فعطف عَلَى قَوْله «الَّتِي فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» ، يَعْنِي أَن فَرِيضَة الصَّدَقَة اجْتمع فِيهَا تَقْدِير رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَأمر الله تَعَالَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 وَأما عَلَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة؛ فَتكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة بَدَلا من الأولَى وَقَوله: «فَمن سُئلها عَلَى وَجههَا؛ فليعطها، وَمن سُئل فَوْقهَا (فَلَا) هُوَ بِضَم السِّين فيهمَا عَلَى مَا لم يسم فَاعله، وبكسر الطَّاء، كَذَا هُوَ مَوْجُود فِي البُخَارِيّ وَغَيره من كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة. وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» : «فَمن سَأَلَهَا» بِفَتْح السِّين فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وبفتح الطَّاء. وَمَعْنى «من سَأَلَهَا عَلَى وَجههَا» أَي (عَلَى) حسب مَا شرعت. وَقَوله: «فَلَا يُعْطه» اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الضَّمِير فِي «لَا يُعْطه» عَلَى وَجْهَيْن، أصَحهمَا: أَن مَعْنَاهُ لَا يُعْطي الزَّائِد، بل يُعْطي الْوَاجِب عَلَى وَجهه، وَنَقله الرَّافِعِيّ عَن اتِّفَاق الشَّارِحين. وَثَانِيهمَا: أَن مَعْنَاهُ لَا يُعْط فرض الزَّكَاة وَلَا شَيْء مِنْهُ، لهَذَا السَّاعِي، بل يخرج الْوَاجِب بِنَفسِهِ، أَو يَدْفَعهُ إِلَى ساعٍ آخر؛ لِأَن السَّاعِي (بِطَلَبِهِ) الزَّائِد عَلَى الْوَاجِب يكون مُتَعَدِّيا فَاسِقًا، وَشرط الساعى أَن يكون أَمينا. وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل، فَمَا دونهَا الْغنم» هَذِه جملَة من مُبْتَدأ وَخبر، (فالغنم مُبْتَدأ) ، «وَفِي أَربع وَعشْرين» خبر مقدم. قَالَ بَعضهم: الْحِكْمَة هُنَا فِي تَقْدِيمه عَلَى الْمُبْتَدَأ: أَن الْمَقْصُود بَيَان النّصاب، وَالزَّكَاة إِنَّمَا تجب بعد وجود النّصاب، فَكَانَ تَقْدِيمه أحسن، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 ثمَّ ذكر الْوَاجِب، وَكَذَا اسْتعْمل هَذَا الْمَعْنى فِي كل النصب؛ حَيْثُ قَالَ: «فِيهَا ابْنة مَخَاض» ، «فِيهَا (بنت) لبون» ، «فِيهَا حقة» إِلَى آخِره. وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين، فَمَا دونهَا الْغنم» (مُجمل، ثمَّ فسّره بِأَن فِي كل خمس شَاة. وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين، فَمَا دونهَا» ) وَقَوله: «إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، إِلَى خمس وَأَرْبَعين، إِلَى سِتِّينَ» كل ذَلِك دَلِيل عَلَى أَن الأوقاص لَيست بِعَفْو، وَأَن الْفَرْض يتَعَلَّق بِالْجَمِيعِ، وَالْمَشْهُور عندنَا خِلَافه. وَالْإِبِل: بِكَسْر الْبَاء، وَيجوز إسكانها، وَهِي مُؤَنّثَة، وَكَذَلِكَ الْبَقر، وَالْغنم. وطروقة: بِمَعْنى مطروقة، (كحلوبة وركوبة بِمَعْنى) محلوبة ومركوبة، وَهِي طروقة الْجمل كَمَا سلف. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «طروقة الْفَحْل» قلت: هُوَ لفظ أبي دَاوُد. والرقة بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف (كل) الْفضة، كَمَا سيأتى وَاضحا، فِي بَاب زَكَاة الْمَعْدن - إِن شَاءَ الله. وَقَوله: «بنت مَخَاض أُنْثَى» وَكَذَا «ابْن لبون» قيل: إِنَّه احْتِرَاز من الْخُنْثَى، وَالأَصَح أَنه تَأْكِيد لشدَّة الاعتناء؛ كَقَوْلِهِم: رَأَيْت بعيني، وَسمعت بأذني. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 والعوار: بِفَتْح الْعين أفْصح من ضمهَا وَأشهر، وَهُوَ الْعَيْب. وَقَوله: «وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار، وَلَا تَيْس إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق» وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق» . فَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ؛ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: «المصّدق» هُنَا بتَشْديد الصَّاد، وَهُوَ ربّ المَال، وَالِاسْتِثْنَاء عَائِد إِلَى «التيس» خَاصَّة، وَمَعْنَاهُ: لَا يخرج هرمة، وَلَا ذَات عيب أبدا، وَلَا يُؤْخَذ التيس إِلَّا برضى الْمَالِك، قَالُوا: ولابد من هَذَا التَّأْوِيل؛ لِأَن الهرمة وذَات الْعَيْب لَا يجوز للْمَالِك إخراجهما، وَلَا لِلْعَامِلِ الرضَى بهَا، وَأما التيس فالمنع من أَخذه لحق الْمَالِك، وَهُوَ كَونه فَحل الْغنم، الْمعد لضرابها، فَإِذا تبرع بِهِ الْمَالِك جَازَ، وَصورته إِذا كَانَت الْغنم كلهَا ذُكُورا (بِأَن) مَاتَت الْإِنَاث وَبقيت الذُّكُور فَيجب فِيهَا ذكر، وَيُؤْخَذ من وَسطهَا، وَلَا يجوز أَخذ تَيْس الْغنم إِلَّا برضى الْمَالِك. والتأويل الثَّانِي أَن الْمُصدق بِفَتْح الصَّاد المخففة: السّاعي، وَهُوَ الظَّاهِر؛ وَيعود الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع، وَهُوَ أَيْضا الْمَعْرُوف (من مَذْهَب الشَّافِعِي) أَن الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جُملاً عَاد إِلَى جَمِيعهَا، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ. وَقَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه «تصاحيف الروَاة» : أَخْبرنِي الْحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 بن صَالح، عَن ابْن الْمُنْذر قَالَ: كَانَ أَبُو عبيد يُنكر قَوْله: «إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق» يَقُول: هَكَذَا يَقُوله المحدثون، وَأَنا أرَاهُ «الْمُصدق» يَعْنِي رب الْمَاشِيَة، وَقَوله فِي أول الْكتاب: «لمَّا وَجهه إِلَى الْبَحْرين» هُوَ اسْم لبلاد مَعْرُوفَة، وإقليم مَشْهُور، مُشْتَمل عَلَى مدن، قاعدتها هجر، قَالُوا: وَهَكَذَا ينْطق بِهِ «الْبَحْرين» بِلَفْظ التَّثْنِيَة، وينسب إِلَيْهِ بحراني. وذكرالرافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن «الْوَجِيز» ثمَّ أنكرها، فَقَالَ: قَوْله «فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة وَاحِدَة، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، ثمَّ فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون» لَا يُوجد هَكَذَا فِي حَدِيث أبي بكر (وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالَّذِي فِيهِ كَمَا أسلفه وَرَأَيْت فِي نُسْخَة من الْوَجِيز عزو هَذِه إِلَى أبي بكر) بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَلم أرها فِي كِتَابه أَيْضا. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فَإِذا زَادَت وَاحِدَة عَلَى الْمِائَة وَالْعِشْرين، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون» . هَذِه الرِّوَايَة مَذْكُورَة فِي حَدِيث ابْن عمر رضى الله عَنهُ، وَقد أسلفنا أَن مدَار نصب الزَّكَاة عَلَيْهِ، وَعَلَى حَدِيث أنس، وَقد فَرغْنَا بِحَمْد الله ومنِّه من الْكَلَام عَلَى حَدِيث (أنس) ، فلنذكر طرق حَدِيث ابْن عمر، فَنَقُول: هُوَ حَدِيث لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي أَحدهمَا، نعم رَوَاهُ الْأَئِمَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ. أما أَحْمد فَإِنَّهُ (أخرجه) عَن مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، عَن سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، بِنَحْوِ من سِيَاقَة التِّرْمِذِيّ الْآتِيَة، كَمَا ستقف عَلَيْهَا. وَأما أَبُو دَاوُد فَأخْرجهُ من حَدِيث عباد بن العوَّام، نَا سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «كتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتاب الصَّدَقَة، فَلم يُخرجهُ إِلَى عماله حَتَّى قبض، فقرنه بِسَيْفِهِ، فَعمل بِهِ أَبُو بكر حَتَّى قبض، ثمَّ عمل بِهِ عمر حَتَّى قبض، فَكَانَ فِيهِ: فِي خمس من الْإِبِل شَاة، وَفِي عشر شَاتَان، وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه، وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه، وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض، إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة، فَفِيهَا ابْنة لبون، إِلَى خمس وَأَرْبَعين، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة، فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة (فجذعة إِلَى خمس وَسبعين، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة) فَفِيهَا ابنتا لبون إِلَى تسعين، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة، فَفِيهَا حقتان، إِلَى عشْرين وَمِائَة، (فَإِن) كَانَت الْإِبِل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 أَكثر من ذَلِك، فَفِي كل خمسين حقة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة، إِلَى عشْرين وَمِائَة، (فَإِن) زَادَت وَاحِدَة، فشاتان، إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذا زَادَت عَلَى الْمِائَتَيْنِ، فَفِيهَا ثَلَاث، إِلَى ثَلَاثمِائَة، فَإِن كَانَت الْغنم أَكثر من ذَلِك، فَفِي كل مائَة شَاة، شَاة، لَيْسَ فِيهَا شَيْء، إِلَى أَن تبلغ الْمِائَة، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع، وَلَا يجمع بَين متفرق، مَخَافَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يسترجعان بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة وَلَا ذَات عيب» قَالَ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا جَاءَ الْمُصدق قسم الشَّاء أَثلَاثًا، (ثلث) شرار، وَثلث خِيَار، وَثلث وسط يَأْخُذ الْمُصدق من الْوسط، وَلم يذكر الزُّهْرِيّ الْبَقر. ثمَّ أخرجه من حَدِيث عُثْمَان بن أبي شيبَة، نَا مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، ثَنَا سُفْيَان بن حُسَيْن، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ «فَإِن لم يكن ابْنة مَخَاض فَابْن لبون» وَلم يذكر كَلَام الزُّهْرِيّ. ثمَّ أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء، نَا ابْن الْمُبَارك، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن ابْن شهَاب قَالَ: هَذِه نُسْخَة كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، الَّذِي كتب فِي الصَّدَقَة، وَهِي عِنْد آل عمر بن الْخطاب قَالَ ابْن شهَاب: أَقْرَأَنيهَا سَالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها عَلَى وَجههَا، وَهِي الَّتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 انتسخ عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وَسَالم ابْن عبد الله بن عمر، فَذكر الحَدِيث قَالَ: «فَإِذا كَانَت إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَعشْرين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَفِيهَا بِنْتا لبون وحقة، حَتَّى تبلغ تسعا وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَإِذا كَانَت أَرْبَعِينَ وَمِائَة، فَفِيهَا حقتان، وَبنت لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَأَرْبَعين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت خمسين وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث حقاق حَتَّى تبلغ تسعا وَخمسين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت سِتِّينَ وَمِائَة، فَفِيهَا أَربع بَنَات لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَسِتِّينَ وَمِائَة، فَإِذا كَانَت (سبعين) وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون (و) حقة، حَتَّى تبلغ تسعا وَسبعين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت ثَمَانِينَ وَمِائَة، فَفِيهَا حقتان وابنتا لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَثَمَانِينَ وَمِائَة، فَإِذا كَانَت تسعين وَمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث حقاق وَبنت لبون، حَتَّى تبلغ تسعا وَتِسْعين وَمِائَة، فَإِذا كَانَت مِائَتَيْنِ، فَفِيهَا أَربع حقاق، أَو خمس بَنَات لبون، أَي السنين وجدت أخذت، وَفِي سَائِمَة الْغنم» فَذكر نَحْو حَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن، وَفِيه: «وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار من الْغنم، وَلَا تَيْس (الْغنم) ، إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق» . وَأما التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث عباد بن الْعَوام، عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه؛ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب كتاب الصَّدَقَة، فَلم يُخرجهُ إِلَى عماله، حَتَّى قبض، فقرنه بِسَيْفِهِ، فَلَمَّا قبض عمل بِهِ أَبُو بكر حَتَّى قبض، ثمَّ عمل بِهِ عمر حَتَّى قبض وَكَانَ فِيهِ: فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 خمس من الْإِبِل شَاة، وَفِي (عشر) شَاتَان، وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه، وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه، وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَإِذا زَادَت فَفِيهَا بنت لبون إِلَى خمس وَأَرْبَعين، فَإِذا زَادَت فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ، فَإِذا زَادَت فجذعة إِلَى خمس و (سبعين) ، فَإِذا زَادَت فَفِيهَا (ابنتا) لبون، إِلَى تسعين، (فَإِذا) زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا حقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل خمسين حقة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي الشَّاء فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة، إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِذا زَادَت فشاتان، إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذا زَادَت فَثَلَاث شِيَاه، إِلَى ثَلَاثمِائَة شَاة، فَإِذا زَادَت عَلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِي كل مائَة شَاة شَاة، ثمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْء حَتَّى تبلغ (مائَة) وَلَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع مَخَافَة الصَّدَقَة، وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذ من الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عيب» . وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا جَاءَ الْمُصدق قسم الشياه أَثلَاثًا؛ ثلث خِيَار (وَثلث أوساط) وَثلث شرار، وَأخذ الْمُصدق من الثُّلُث [الْوسط] . وَأما الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَإِنَّهُ أخرجه بِكَمَالِهِ، من حَدِيث عبد الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 بن الْمُبَارك، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: هَذِه نُسْخَة كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، الَّتِي كتب فِي الصَّدَقَة، هُوَ عِنْد آل عمر بن الْخطاب. قَالَ ابْن شهَاب: أَقْرَأَنيهَا سَالم بن عبد الله بن عمر، (فوعيتها عَلَى وَجههَا، وَهِي الَّتِي انتسخ عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله بن [عبد الله] بن عمر) وَسَالم بن عبد الله (بن عمر) حِين أَمر عَلَى الْمَدِينَة، فَأمر عماله بِالْعَمَلِ بهَا (وَكتب بهَا إِلَى ابْن عبد الْملك، فَأمر الْوَلِيد عماله بِالْعَمَلِ بهَا) ثمَّ لم يزل الْخُلَفَاء يأمرون بذلك بعده، ثمَّ أَمر بهَا (هِشَام) بن هَانِئ فنسخها إِلَى كل عَامل من الْمُسلمين، وَأمرهمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا، وَلَا يتعدونها، وَهَذَا الْكتاب كتاب تَفْسِيرهَا لَا يُؤْخَذ فِي شَيْء من الْإِبِل الصَّدَقَة حَتَّى يبلغ خمس ذود، فَإِذا بلغت خمْسا فَفِيهَا شَاة، حَتَّى تبلغ عشرا، فَإِذا بلغت عشرا فَفِيهَا شَاتَان، حَتَّى (تبلغ) خمس عشرَة، (فَإِذا بلغت خمس عشرَة) فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه، حَتَّى تبلغ عشْرين (فَإِذا بلغت عشْرين) فَفِيهَا أَربع شِيَاه، حَتَّى تبلغ خمْسا وَعشْرين ... » ثمَّ ذكر بَاقِيه بِنَحْوِ سِيَاقَة (أبي دَاوُد إِلَى قَوْله) : «أَي السنين وجدت مِنْهَا أخذت» ، وَزَاد: «ثمَّ كل شَيْء من الْإِبِل عَلَى ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 يُؤْخَذ عَلَى نَحْو مَا كتبنَا (فِي) هَذَا الْكتاب. وَلَا يُؤْخَذ من الْغنم صَدَقَة حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ شَاة ... » فَذكره كَمَا سلف «إِلَى ثَلَاثمِائَة» ، وَزَاد: «حَتَّى تبلغ أَرْبَعمِائَة شَاة، فَإِذا بلغت أَرْبَعمِائَة شَاة، فَفِيهَا أَربع شِيَاه، حَتَّى تبلغ خَمْسمِائَة شَاة، فَإِذا بلغت خَمْسمِائَة شَاة، فَفِيهَا خمس شِيَاه، حَتَّى تبلغ سِتّمائَة شَاة، فَإِذا بلغت سِتّمائَة (شَاة) فَفِيهَا (سِتّ شِيَاه، حَتَّى تبلغ سَبْعمِائة شَاة، فَإِذا بلغت سَبْعمِائة شَاة فَفِيهَا) سبع شِيَاه، حَتَّى تبلغ ثَمَانمِائَة شَاة، فَإِذا بلغت ثَمَانمِائَة شَاة، فَفِيهَا ثَمَان شِيَاه، حَتَّى تبلغ تِسْعمائَة شَاة، فَإِذا بلغت تِسْعمائَة شَاة، فَفِيهَا تسع شِيَاه، حَتَّى تبلغ ألف شَاة، فَإِذا بلغت ألف شَاة، فَفِيهَا عشر شِيَاه، ثمَّ فِي كل مَا زَادَت مائَة شَاة (شَاة) » . وَأما الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث عباد بن الْعَوام، عَن سُفْيَان، كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ إِسْنَادًا ومتنًا. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَإِذا زَادَت عَلَى أَرْبَعمِائَة فَفِيهَا أَربع شِيَاه، فَفِي كل مائَة شَاة» . وأخرجها أَيْضا الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» . قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث حسن، وَقَالَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 «علله» : سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: أَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا، وسُفْيَان بن الْحُسَيْن صَدُوق. وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا الحَدِيث أحْسن شَيْء رُوِيَ فِي أَحَادِيث الصَّدقَات. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : قد رَوَى يُونُس وَغير وَاحِد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم هَذَا الحَدِيث فَلم يرفعوه، وَإِنَّمَا رَفعه سُفْيَان بن حُسَيْن قلت: لَا يضرّهُ؛ فَإِن سُفْيَان وَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن سعد وَالنَّسَائِيّ، وَأخرج لَهُ مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا لَكِن (ضعف) فِي الزُّهْرِيّ، وَقد ارْتَفع ذَلِك هُنَا فَإِنَّهُ توبع قَالَ ابْن عدي فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ: وَافق سُفْيَان بن حُسَيْن عَلَى هَذِه الرِّوَايَة عَن سَالم عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن كثير. قلت: وَبِهَذَا يظْهر الرَّد عَلَى مَا نقل عَن ابْن معِين حَيْثُ ضعف هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: لم يُتَابع سُفْيَان أحد عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث كَبِير فِي الْبَاب شَاهد لحَدِيث أنس الْمُتَقَدّم إِلَّا أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَا لِسُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ فِي الْكِتَابَيْنِ، وسُفْيَان بن حُسَيْن أحد أَئِمَّة، الحَدِيث وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَدخل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 خرسان مَعَ يزِيد بن الْمُهلب، وَدخل نيسابور سمع مِنْهُ جمَاعَة من مَشَايِخنَا مثل مُبشر بن عبد الله بن رزين وأخيه عمر بن عبد الله وَغَيرهمَا قَالَ: ويصححه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك، عَن يُونُس بن يزِيد عَن، الزُّهْرِيّ، وَإِن كَانَ فِيهِ أدنَى إرْسَال فَإِنَّهُ شَاهد صَحِيح لحَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن، ثمَّ سَاقه كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الحَدِيث بِالصِّحَّةِ حَدِيث عَمْرو بن حزم - وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِطُولِهِ فِي الدِّيات - ثمَّ قَالَ: قد بذلت مَا أَدَّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي إِخْرَاج هَذِه الْأَحَادِيث المفسرة (الملخصة) فِي الذكوات وَلَا يَسْتَغْنِي هَذَا الْكتاب عَن شرحها، واستدللت عَلَى صِحَّتهَا (بِالْأَسَانِيدِ) الصَّحِيحَة عَن الْخُلَفَاء وَالتَّابِعِينَ بقبولها واستعمالها بِمَا فِيهِ غنية لمن تأملها، وَكَانَ إمامنا شُعْبَة يَقُول فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ فِي الْوضُوء: لِأَن يَصح (فِي) مثل هَذَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ أحب إِلَيّ من نَفسِي وَأَهلي وَمَالِي، وَذَاكَ حَدِيث فِي صَلَاة التَّطَوُّع، فَكيف بِهَذِهِ السّنَن الَّتِي هِيَ قَوَاعِد الْإِسْلَام وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث «أَن فِي خَمْسَة وَعشْرين شَاة خمس شِيَاه» لَكِنَّهَا ضَعِيفَة ثمَّ قَالَ: رَوَاهَا سُلَيْمَان بن أَرقم وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِي فَهُوَ لأولى رجل ذكر» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا. الحَدِيث السَّادِس عَن معَاذ بن جبل رضى الله عَنهُ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ عَن معَاذ من وُجُوه أَحدهَا: من رِوَايَة أبي وَائِل عَنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَلَفظ أبي دَاوُد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما وَجهه إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من الْبَقر من (كل) ثَلَاثِينَ تبيعًا (أَو تبيعة) ، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل حالم - يَعْنِي محتلم - دِينَارا أَو عدله من (المعافر - ثِيَاب) تكون بِالْيمن -» وَلَفظ أَحْمد نَحوه، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين بَعَثَنِي إِلَى الْيمن أَن لَا آخذ من الْبَقر شَيْئا حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 تبلغ ثَلَاثِينَ (فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فَفِيهَا عجل تَابع جَذَعَة حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ) فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بقرة مُسِنَّة» وَهَذِه الطَّرِيقَة مُنْقَطِعَة فَإِن أَبَا وَائِل إِنَّمَا أَخذه عَن مَسْرُوق عَن معَاذ كَمَا ستعلمه بعد. الْوَجْه الثَّانِي: من رِوَايَة شَقِيق، عَن مَسْرُوق وَالْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم - وَهُوَ النَّخعِيّ - كِلَاهُمَا عَنهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ والدارمي وَلَفظ النَّسَائِيّ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن وَأَمرَنِي أَن آخذ من كل أَرْبَعِينَ بقرة ثنية، وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا، وَمن كل حالم دِينَار أَو عدله معافر» وَلَفظ الدَّارمِيّ: «من كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا أَو تبيعة» قَالَ صَاحب «الإِمَام» : وَهَذِه الطَّرِيقَة - يَعْنِي طَريقَة إِبْرَاهِيم عَن - معَاذ لَا شكّ فِي انقطاعها. الْوَجْه الثَّالِث: من رِوَايَة طَاوس عَنهُ رَوَاهُ مَالك وَلَفظه «أَن معَاذًا أَخذ من ثَلَاثِينَ بقرة تبيعًا، وَمن أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وَأَتَى بِمَا دون ذَلِك فأبي أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَقَالَ: لم أسمع من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فِيهِ] شَيْئا حَتَّى أَلْقَاهُ [فأسأله] فَتوفي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل أَن يقدم معَاذ بن جبل قَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث طَاوس عِنْدهم عَن معَاذ غير مُتَّصِل وَيَقُولُونَ أَن طاوسًا لم يسمع من معَاذ شَيْئا وَقد رَوَاهُ قوم عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس عَن معَاذ، إِلَّا أَن الَّذين أَرْسلُوهُ أثبت من الَّذين أسندوه. وَقَالَ عبد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 الْحق: هَذَا هُوَ الصَّحِيح أَن معَاذًا قدم بَعْدَمَا توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. (قلت: يُشِير إِلَى رِوَايَة الْبَزَّار أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) قَالَ لَهُ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْء» ، قَالَ عبد الْحق: وَطَاوُس لم يلق معَاذًا. إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ: إِنَّه عَالم بِأَمْر معَاذ، وَإِن كَانَ لم يلقه عَلَى كَثْرَة من لقِيه مِمَّن أدْرك معَاذًا من أهل الْيمن. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: طَاوس وَإِن لم يلق معَاذًا إِلَّا أَنه يماني وسيرة معَاذ بَينهم مَشْهُورَة. الْوَجْه الرَّابِع: من رِوَايَة يَحْيَى بن الحكم أَن معَاذًا قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أصدق أهل الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من الْبَقر من كل ثَلَاثِينَ تبيعًا وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة ... » . الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، (عَن) مُعَاوِيَة (بن) عَمْرو، [عَن عبد الله بن وهب] ، عَن (حَيْوَة) ، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن سَلمَة بن (أُسَامَة) ، عَن يَحْيَى بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 الْوَجْه الْخَامِس: من رِوَايَة مَسْرُوق عَنهُ رَوَاهَا الدَّارمِيّ وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَلَفظ الدَّارمِيّ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من الْبَقر (من كل ثَلَاثِينَ) تبيعًا حوليًا، وَمن (كل) أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن فَأمرنِي أَن آخذ من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعًا أَو تبيعة، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر» وَلَفظ أبي دَاوُد مثله وَقَالَ: «من كل حَال - يَعْنِي محتلمًا - دِينَارا أَو عدله (معافر) » المعافر ثِيَاب تكون بِالْيمن، وَلَفظ النَّسَائِيّ «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين بَعَثَنِي إِلَى الْيمن أَن لَا آخذ من الْبَقر شَيْئا حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ، فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فَفِيهَا عجل تَابع جذع (أَو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 جَذَعَة) حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ، فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ بقرة فَفِيهَا مُسِنَّة» . وَلَفظ ابْن مَاجَه «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن، وَأَمرَنِي أَن آخذ من الْبَقر من كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل ثَلَاثِينَ (تبيع) أَو تبيعة» وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ كَلَفْظِ التِّرْمِذِيّ وَفِي لفظ (لَهُ) «من كل ثَلَاثِينَ بقرة (تبيع) ، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر» وَلَفظ الْحَاكِم عَن معَاذ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَعثه إِلَى الْيمن وَأمره أَن يَأْخُذ من الْبَقر من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعًا، وَمن كل أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر» وَفِي لفظ للبيهقي «وَأَمرَنِي أَن آخذ من كل أَرْبَعِينَ بقرة (ثنية) ، وَمن كل ثَلَاثِينَ تبيعًا أَو تبيعة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن قَالَ: وَرُوِيَ مُرْسلا وَهُوَ أصح. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : أَن الْمُرْسل أصح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث (صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : إِن كَانَ) مَسْرُوق سمع من معَاذ فَالْأَمْر كَمَا قَالَ الْحَاكِم. وَقَالَ (أَبُو مُحَمَّد) ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» لما ذكر حَدِيث أبي وَائِل وَإِبْرَاهِيم: كِلَاهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 عَن مَسْرُوق عَن معَاذ «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن، وَأَمرَنِي أَن آخذ من كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيعًا وَمن كل أَرْبَعِينَ (بقرة) مُسِنَّة - وَقَالَ بَعضهم: ثنية» وَذكر أَن مسروقًالم يلق معَاذًا، إِن قيل إِن مسروقًا وَإِن كَانَ لم يلق معَاذًا فقد كَانَ بِالْيمن رجلا أَيَّام (كَون) معَاذ هُنَالك وَشَاهد أَحْكَامه فَهَذَا عِنْده عَن معَاذ ينْقل الكافة قُلْنَا: لوأن مسروقًا ذكر أَن الكافة أخْبرته بذلك عَن معَاذ لقامت بِهِ الْحجَّة بذلك، فمسروق هُوَ الثِّقَة الإِمَام غير الْمُتَّهم لكنه لم يقل قطّ هَذَا، وَلَا يحل أَن يُقَول مَسْرُوق مَا لم يقل فيكذب عَلَيْهِ، وَلَكِن لما أمكن فِي ظَاهر الْأَمر أَن يكون عِنْد مَسْرُوق هَذَا الْخَبَر عَن تَوَاتر (أَو) عَن ثِقَة أَو عَن من لَا تجوز الرِّوَايَة عَنهُ، لم يجز الْقطع فِي دين (الله) وَلَا عَلَى رَسُوله بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أكذب الحَدِيث، وَنحن نقطع أَن هَذَا الْخَبَر لَو كَانَ عِنْد مَسْرُوق عَن ثِقَة لما كتمه، وَلَو كَانَ صَحِيحا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا طمسه الله تَعَالَى (المتكفل) بِحِفْظ الذّكر الْمنزل عَلَى نبيه عَلَيْهِ السَّلَام المتم لدينِهِ هَذَا الطمس، حَتَّى لَا يَأْتِي إِلَّا من طَرِيق واهية هَذَا لَفظه بِحُرُوفِهِ. وَنقل عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» (عَن أبي عمر) أَنه قَالَ: مَسْرُوق لم يلق معَاذًا، وغلطه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك وَقَالَ: لم يقل أَبُو عمر هَذَا قطّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «تمهيده» : إِن إِسْنَاده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 مُتَّصِل صَحِيح ثَابت، وَقَالَ فِي «استذكاره» : أَن الحَدِيث (عَن مَسْرُوق) عَن معَاذ ثَابت مُتَّصِل، قَالَ: وَالَّذِي قَالَ أَنه مُنْقَطع هُوَ ابْن حزم، فَقَالَ (فِي) أول الْمَسْأَلَة: إِنَّه حَدِيث مُنْقَطع وَأَن مسروقًا لم يلق معَاذًا واستدركه فِي آخر الْمَسْأَلَة فَقَالَ: وجدنَا حَدِيث مَسْرُوق إِنَّمَا ذكر فِيهِ فعل معَاذ بِالْيمن فِي زَكَاة الْبَقر، ومسروق بِلَا شكّ عندنَا أدْرك معَاذًا بسنه وعقله، [وَأدْركَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ رجل] ، وَشَاهد أَحْكَامه يَقِينا، وَأَفْتَى فِي أَيَّام عُمر وَهُوَ رجل، وَكَانَ بِالْيمن أَيَّام معَاذ يُشَاهد أَحْكَامه هَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ همداني النّسَب يماني الدَّار، فصح أَن مسروقًا وَإِن لم يسمعهُ من معَاذ فَإِنَّهُ عِنْده بِنَقْل الكافة من أهل بَلَده كَذَلِك عَن معَاذ فِي أَخذه لذَلِك عَن عهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الكافة هَذَا آخر كَلَام ابْن حزم عَلَى مَا نَقله ابْن الْقطَّان عَنهُ قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم أقل بعد أَن مسروقًا سمع من معَاذ وَإِنَّمَا أَقُول إِنَّه يجب عَلَى أصولهم أَن يحكم بحَديثه عَن معَاذ، بِحكم حَدِيث المتعاصرين الَّذين لم يعلم انْتِفَاء اللِّقَاء بَينهمَا، فَإِن الحكم فِيهِ أَن يحكم لَهُ بالاتصال عِنْد الْجُمْهُور. وَشرط البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ أَن يعلم اجْتِمَاعهمَا، (وَلَو) مرّة وَاحِدَة (فهما) - أَعنِي البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ - إِذا لم يعلمَا لِقَاء أَحدهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 للْآخر لَا يَقُولَانِ فِي حَدِيث أَحدهمَا عَن الآخر مُنْقَطع؛ إِنَّمَا يَقُولَانِ (لم يثبت) سَماع فلَان من فلَان، فَإِذن لَيْسَ فِي حَدِيث المتعاصرين إِلَّا رأيان، أَحدهمَا: أَنه مَحْمُول عَلَى الِاتِّصَال، وَالْآخر: أَن يُقَال: لم يعلم اتِّصَال مَا بَينهمَا، وَأما الثَّالِث: وَهُوَ أَنه مُنْقَطع فَلَا. هَذَا آخر كَلَام ابْن الْقطَّان. وَقد أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه كَمَا مَضَى، وَمن شَرطه الِاتِّصَال. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: (إِن من (رَوَاهُ) عَن أبي وَائِل) ، (عَن مَسْرُوق) ، عَن معَاذ. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: صَلَّى مَسْرُوق خلف أبي بكر و (لَقِي) عمر وعليًّا وَسَمَّى جمَاعَة من الصَّحَابَة. وَكَانَت وَفَاة معَاذ سنة ثَمَانِي عشرَة، فِي طاعون عمواس، فالسن واللقاء مُحْتَمل لإدراك مَسْرُوق معَاذًا، وَالِاخْتِلَاف السائر فِيهِ لَا يضرّهُ. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: رَوَى معمر، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن معَاذ. الحَدِيث، وَفِيه: «وَمن كل حالم أَو حالمة دِينَار» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: معمر إِذا رَوَى عَن غير الزُّهْرِيّ يغلط كثيرا، يُشِير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 بذلك إِلَى غلطه فِي زِيَادَة قَوْله: «أَو حالمة» . ثَانِيهَا: قَالَ عبد الْحق: لَيْسَ فِي (زَكَاة) الْبَقر حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته. قلت: أَي فِي النصب، لَا فِي الأَصْل؛ فَإِن فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي ذَر: «مَا من صَاحب إبل وَلَا بقر وَلَا غنم لَا يُؤَدِّي زَكَاتهَا ... » الحَدِيث. وَقَالَ (ابْن حزم) : صَحَّ الْإِجْمَاع الْمُتَيَقن الْمَقْطُوع بِهِ الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَن فِي كل خمسين بقرة بقرة، فَوَجَبَ الْأَخْذ بِهَذَا، وَمَا دون ذَلِك فمختلف فِيهِ، وَلَا نَص فِي إِيجَابه. وَاعْتَرضهُ صَاحب «الإِمَام» بِحَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي كل ثَلَاثِينَ (باقورة تبيع جذع أَو جَذَعَة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ) باقورة بقرة» . قَالَ: وَهِي مُتَّصِلَة ظَاهرا فَإِذا صحت عَن الزُّهْرِيّ (فَيعْمل) بهَا. قلت: حَتَّى يَصح عَنهُ، وستعلم مقالات الْحفاظ فِيهِ فِي الدِّيات - إِن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 شَاءَ الله تَعَالَى - فَإِن الرَّافِعِيّ تعرض لَهُ هُنَاكَ. قلت: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس مثل حَدِيث معَاذ، لَكِن فِي إِسْنَاده بَقِيَّة عَن المَسْعُودِيّ، مُدَلّس ومختلط. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «الاستذكار» فِي بَاب صَدَقَة الْمَاشِيَة: لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن السّنة فِي زَكَاة الْبَقر عَلَى مَا (فِي) حَدِيث معَاذ هَذَا، وَأَنه النّصاب الْمجمع عَلَيْهِ فِيهَا. ثَالِثهَا: الْبَقر اسْم جنس، يَقع عَلَى الذّكر وَالْأُنْثَى، واحدتها بقرة وباقورة، وَهُوَ مُشْتَقّ من بقرت الشَّيْء إِذا شققته؛ لِأَنَّهَا تشق الأَرْض بالحراثة. وَقد تَكَلَّمت عَلَى لفظ الْعدْل والمعافر فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» فَرَاجعه مِنْهُ. رَابِعهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ عَن «نِهَايَة الإِمَام» : إِنَّه ورد فِي الْأَخْبَار الْجذع مَكَان التبيع. قلت: وَقد (سلف) : «عجل تبيع جذع أَو جَذَعَة» وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس (السالفة) «لما بعث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - معَاذًا إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيعًا أَو تبيعة جذعًا أَو جَذَعَة، وَمن كل أَرْبَعِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 (بقرة) بقرة مُسِنَّة» . الحَدِيث السَّابع عَن أنس بن مَالك «أَن أَبَا بكر كتب لَهُ فَرِيضَة الصَّدَقَة، الَّتِي أَمر الله - تَعَالَى - رَسُوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه قَرِيبا بِطُولِهِ. الحَدِيث الثَّامِن عَن سُوَيْد بن غَفلَة؛ قَالَ: سَمِعت مُصدق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالجذع من الضَّأْن، والثنية من الْمعز» وَفِي رِوَايَة: أَن مُصدق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا حَقنا فِي الْجَذعَة من الضَّأْن والثنية من الْمعز» . وَفِي رِوَايَة: «أمرنَا بأخذها» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا لنا عَلَى مَالك، فِي عدم إِجْزَاء الْجَذعَة من الْمعز، وَاشْتِرَاط الثَّنية، (وَعَلَى) أبي حنيفَة (فِي) إِيجَاب الثَّنية فِي النصابين، وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِدُونِ ذكر الْجَذعَة والثنية، وَهُوَ مَوضِع الْحَاجة مِنْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 وَلَفظ أَحْمد: عَن هِلَال بن خباب، عَن ميسرَة أبي صَالح، عَن سُوَيْد بن غَفلَة؛ قَالَ: «أَتَانَا مُصدق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَجَلَست إِلَى جنبه، فَسَمعته يَقُول: إِن فِي عهدي أَن لَا آخذ من راضع لبن (شَيْئا) [وَلَا يجمع بَين متفرق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع] وَأَتَاهُ رجل بِنَاقَة (كوماء) ، فَقَالَ: (خُذ هَذِه) ، فأبي أَن (يقبلهَا) » . وَلَفظ أبي دَاوُد: «فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، أَن لَا تَأْخُذ من راضع لبن، (فَعمد) رجل مِنْهُم إِلَى نَاقَة (كوماء) وَهِي عَظِيمَة السَّنام، فَأَبَى أَن يقبلهَا ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. وَلَفظ النَّسَائِيّ: «إِن فِي عهدي أَن لَا نَأْخُذ راضع لبن، (فَأَتَاهُ) رجل بِنَاقَة (كوماء) ، فَقَالَ: خُذْهَا، فأباها» . وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ كَلَفْظِ أَحْمد، بِزِيَادَة: «وَلَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع» . وَهَذِه فِي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَرِوَايَة أبي دَاوُد، وكرواية النَّسَائِيّ. ومداره عَلَى هِلَال بن خَبَّاب، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَتَشْديد الْبَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 الْمُوَحدَة، وَثَّقَهُ المزكيان أَحْمد وَيَحْيَى. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة صَدُوق، وَكَانَ يُقَال تغيّر قبل مَوته من كبر السن. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: أَتَيْته وَقد تغير قبل مَوته. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» (وَقَالَ: يُخطئ) ، وَذكره فِي «ضُعَفَائِهِ» فَقَالَ: اخْتَلَط فِي آخر عمره، وَكَانَ يحدث عَلَى الشَّيْء بالتوهم لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد، وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (كَذَلِك) ، وَلَكِن حسنه الْمُنْذِرِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي «خلاصته» و «مَجْمُوعه» . وَلم يتفرد هِلَال بِهِ، فقد رَوَاهُ ابْن مَاجَه، من حَدِيث شريك، عَن عُثْمَان الثَّقَفِيّ، عَن أبي لَيْلَى الْكِنْدِيّ، عَن سُوَيْد. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَلَفْظهمْ: عَن سُوَيْد؛ قَالَ: « (أَتَى) مُصدق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَأخذت بِيَدِهِ، وَأخذ بيَدي، فَقَرَأت فِي عَهده: أَن لَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع، خشيَة الصَّدَقَة. قَالَ: فَأَتَاهُ رجل بِنَاقَة عَظِيمَة ململمة فَأَبَى أَن يَأْخُذهَا ... » الحَدِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 وَأخرجه أَبُو دَاوُد كَذَلِك فِي رِوَايَة لَهُ. وَنقل ابْن عبد الْبر عَن ابْن معِين أَنه سُئل عَن أبي لَيْلَى الْكِنْدِيّ، فَقَالَ: كَانَ ضَعِيفا. والململمة: المستديرة؛ قَالَه (الْهَرَوِيّ) قلت: وَسَيَأْتِي ذكر الْجَذعَة والثنية فِي آخر الْبَاب، عَن عمر رضى الله عَنهُ مَوْقُوفا ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك ذكرهمَا مَرْفُوعا فِي حَدِيث آخر؛ قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» : نَا مُوسَى بن هَارُون، نَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي، نَا عبد الله بن مُوسَى التَّيْمِيّ، عَن أُسَامَة بن زيد، عَن أبي [مرَارَة] الْجُهَنِيّ، عَن ابْن سعر) الدؤَلِي، عَن أَبِيه؛ قَالَ: «كنت فِي نَاحيَة [مَكَّة] فجَاء رجل فَسلم، وَأَنا بَين ظهراني غنمي، فَقلت: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا (رَسُول) رَسُول الله. فَقلت: مرْحَبًا برَسُول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأهلا، فَمَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أُرِيد (صَدَقَة) غنمك. قَالَ: فَجِئْته بِشَاة ماخض حِين ولدت، فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا قَالَ: لَيْسَ حَقنا فِي هَذِه. قَالَ: فَفِيمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 حَقك؟ قَالَ: فِي الثَّنية والجذعة اللجبة» (واللجبة الشَّاة قل لَبنهَا وَكثر عَلَى الضِّدّ، وخاص بالمعز، وَالْجمع لجاب ولجبات) . وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : نَا (الْحسن) بن عَلّي، نَا وَكِيع، عَن زَكَرِيَّا (بن إِسْحَاق) الْمَكِّيّ عَن عَمْرو بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي، عَن مُسلم بن (ثفنة) الْيَشْكُرِي؛ قَالَ: «اسْتعْمل ابْن عَلْقَمَة أبي عَلَى عرافة قومه، فَأمره أَن يُصدقهُمْ قَالَ: فَبَعَثَنِي أبي فِي طَائِفَة مِنْهُم، فَأتيت شَيخا كَبِيرا، يُقَال لَهُ (سعر) ، فَقلت: إِن أبي بَعَثَنِي إِلَيْك، يَعْنِي لأصدقك، قَالَ: ابْن أخي ... » فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: «قلت: فَأَي (شَيْء) تأخذان؟ قَالَا: عنَاقًا جَذَعَة أَو ثنية» . وَقَالَ أَحْمد نَا روح، نَا زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عَمْرو بن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم بن شُعْبَة، عَن سعر، فَذكره كَذَلِك. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَقَالَ: لَا أعلم أحدا تَابع وكيعًا فِي قَوْله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 ابْن ثفنة. وَقَالَ أَحْمد: أَخطَأ فِيهِ وَكِيع، حَدثنَا روح فَقَالَ: مُسلم بن شُعْبَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم وَكِيع فِي ذَلِك، وَالصَّوَاب مُسلم بن شُعْبَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه الصَّوَاب (أَيْضا) ، قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَغَيره من الْحفاظ. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي خمس من الْإِبِل شَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدم بِطُولِهِ (فِي) أول الْبَاب، وَقد فرق الرَّافِعِيّ مِنْهُ قطعا، وَهُوَ محَال عَلَى مَا ذكرنَا أَولا (وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق) . الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إياك وكرائم أَمْوَالهم» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما؛ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِمعَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما بَعثه إِلَى الْيمن: إِنَّك ستأتي قوما أهل كتاب، فَإِذا جئتهم فادعهم إِلَى أَن يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَإِن هم أطاعوا لَك (بذلك) فَأخْبرهُم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 (أَن الله قد فرض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة، فَإِن هم أطاعوا لَك بذلك فَأخْبرهُم) أَن الله قد فرض عَلَيْهِم صَدَقَة؛ تؤاخذ من أغنيائهم، فَترد (عَلَى) فقرائهم، فَإِن هم أطاعوا لَك بذلك، فإياك وكرائم أَمْوَالهم، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينه وَبَين الله حجاب» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِنَّك تقدم عَلَى قوم أهل كتاب، فَلْيَكُن أول مَا تدعوهم إِلَيْهِ عبَادَة الله، فَإِذا عرفُوا الله فَأخْبرهُم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم خمس صلوَات» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن ابْن عَبَّاس، عَن معَاذ بن جبل، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَقَالَ: إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب، فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ... » . وَذكر الحَدِيث بِنَحْوِهِ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «زَكَاة تُؤْخَذ من أَمْوَالهم، فَترد عَلَى فقرائهم» . كرائم المَال: خِيَاره. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب وَأما آثاره؛ فاثنان: الأول: «أَن أَبَا بكر الصّديق رضى الله عَنهُ قَاتل مانعي الزَّكَاة» وَهَذَا أثر صحيحٌ، اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 قَالَ: «لما توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، واستخلف أَبُو بكر، وَكفر من كفر من الْعَرَب؛ قَالَ عمر: كَيفَ تقَاتل النَّاس وَقد قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله، فَمن قَالَهَا فقد عصم مني مَاله وَنَفسه إِلَّا بِحقِّهِ، وحسابه عَلَى الله؟ فَقَالَ أَبُو بكر: (وَالله) لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا كَانُوا يؤدونه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لقاتلتهم عَلَى مَنعه قَالَ عمر: فوَاللَّه مَا هُوَ (إِلَّا) أَن رَأَيْت الله عَزَّ وَجَلَّ قد شرح صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ (فَعرفت) أَنه الْحق» . وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: «عنَاقًا» بدل «عقَالًا» . فَائِدَة: العقال قيل: هُوَ صَدَقَة (عَام) ، وَقيل: الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير، وَقيل: إِنَّمَا أَرَادَ الشَّيْء التافه الحقير، فَضرب العقال مثلا لَهُ، حَكَاهُ صَاحب «المستعذب عَلَى الْمُهَذّب» . والعناق: الْأُنْثَى من ولد الْمعز، وَهِي الَّتِي رعت وقويت، وَهِي فَوق الجفرة وَهِي الَّتِي لَهَا أَرْبَعَة، وَدون العنز، وَهِي الَّتِي تمّ لَهَا حول؛ وَكَانَ قتال الصّديق أهل الرِّدَّة فِي أول خِلَافَته، سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة. الْأَثر الثَّانِي: «أَن عمر رضى الله عَنهُ قَالَ لساعيه سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ: اعْتد عَلَيْهِم بالسخلة الَّتِي يروح بهَا الرَّاعِي عَلَى يَده وَلَا تأخذها، وَلَا تَأْخُذ الأكولة، والرُّبَا، والماخض، وفحل الْغنم، وَخذ الْجَذعَة والثنية، فَذَلِك عدل بَين غذَاء المَال وخياره» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم عَنهُ، عَن ثَوْر بن زيد [الديلِي] ، عَن ابْن لعبد الله بن سُفْيَان الثَّقَفِيّ، عَن جده سُفْيَان بن عبد الله «أَن عمر بن الْخطاب بَعثه مُصدقا، فَكَانَ يعد عَلَى النَّاس السخل، (فَقَالُوا) : تعد علينا السخل وَلَا تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا؟ فَلَمَّا قدم عَلَى عمر بن الْخطاب ذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ عمر: نعم؛ تعد عَلَيْهِم السخلة يحملهَا الرَّاعِي وَلَا يَأْخُذهَا (الْمُصدق) وَلَا يَأْخُذ الأكولة، وَلَا الرُّبى وَلَا الماخض، وَلَا فَحل الْغنم، وَيَأْخُذ الْجَذعَة والثنية، وَذَلِكَ عدل بَين أدنَى المَال وخياره» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن سُفْيَان، نَا بشر بن عَاصِم، عَن أَبِيه، «أَن عمر اسْتعْمل (أَبَاهُ) سُفْيَان بن عبد الله عَلَى الطَّائِف ومخالفيها، فَخرج مُصدقا فاعتد عَلَيْهِم بالغذاء وَلم يَأْخُذهُ مِنْهُم، فَقَالُوا (لَهُ) : إِن كنت تَعْتَد علينا بالغذاء (فَخذ مِنْهُ) فَأمْسك حَتَّى لَقِي عمر، فَقَالَ لَهُ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 (اعْلَم أَنهم) يَزْعمُونَ أَنا نظلمهم، نعتد عَلَيْهِم بالغذاء وَلَا نَأْخُذهُ مِنْهُم، فَقَالَ لَهُ عمر: اعْتد عَلَيْهِم بالغذاء حَتَّى بالسخلة يروح بهَا الرَّاعِي عَلَى يَده، وَقل لَهُم: لَا آخذ مِنْكُم الربى، وَلَا الماخض، وَلَا ذَات الدّرّ، وَلَا الشَّاة الأكولة، وَلَا فَحل الْغنم، وَخذ العناق الْجَذعَة، والثنية، فَذَلِك عدل بَين غذَاء المَال وخياره» . قلت: وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن سُفْيَان. قَالَ ابْن حزم: لم يرو هَذَا عَن عمر من طَرِيق مُتَّصِلَة، إِلَّا من طَرِيقين؛ إِحْدَاهمَا: من طَرِيق بشر بن عَاصِم بن سُفْيَان، عَن أَبِيه، وَكِلَاهُمَا غير مَعْرُوف، أَو من طَرِيق ابْن لعبد الله، لم يسم. وَالثَّانيَِة: من طَرِيق عِكْرِمَة بن خَالِد، وَهُوَ ضَعِيف. وَوَقع فِي «الْكِفَايَة» أَن اسْم هَذَا السَّاعِي سعد بن رستم، وَهُوَ غَرِيب، وَالصَّوَاب سُفْيَان كَمَا سلف، وَهُوَ مَا ذكره (صَاحب) الْحَاوِي أَيْضا. فَائِدَة: الأكولة: بِفَتْح الْهمزَة، الشَّاة الْمعدة للْأَكْل المسمنة، فِي قَول أبي عبيد. وَقَالَ شمر: أكولة غنم الرجل الْخصي والهرمة: العاقر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 «والرُبّا» : بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الْبَاء، وَجَمعهَا أَرْبَاب، والمصدر ربَاب بِكَسْرِهَا. قَالَ الْجَوْهَرِي: قَالَ الْأمَوِي: هِيَ ربى من وِلَادَتهَا إِلَى شَهْرَيْن، قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: الرُبى من الْمعز، وَقَالَ غَيره: من الْمعز والضأن، وَرُبمَا جَاءَت فِي الْإِبِل. والماخض: الْحَامِل. والغِذا بالغين الْمَكْسُورَة الْمُعْجَمَة ثمَّ ذال مُعْجمَة أَيْضا وَالْمدّ - جمع غذي بتَشْديد الْيَاء السخال: الصغار، (قَالَه) الرَّافِعِيّ: وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه الشَّيْء الرَّدِيء والسخلة تقع عَلَى الذّكر وَالْأُنْثَى من أَوْلَاد الْمعز سَاعَة مَا تضعه الشَّاة، ضأنًا كَانَت أَو معزًا، وَالْجمع سخال وسخل. وَذَات الدّرّ: مَعْنَاهُ ذَات اللَّبن. وَقَوله: اعْتد، هُوَ بِفَتْح الدَّال عَلَى الْأَمر، خطاب من عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لساعيه سُفْيَان الْمَذْكُور، وَهُوَ سُفْيَان بن عبد الله بن أبي ربيعَة الثَّقَفِيّ الطَّائِفِي، كَانَ عَامل عمر عَلَى الطَّائِف، وَهُوَ صحأبي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 بَاب صَدَقَة الخلطاء ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث. الأول وَالثَّانِي حَدِيث أنس وَابْن عمر، وَغَيرهمَا، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يجمع بَين مفترق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع، خشيَة الصَّدَقَة، وَمَا كَانَ من خليطين ... » . الحَدِيث. هَذَانِ الحديثان سلفا فِي الْبَاب قبله بطولهما. وَقَوله: وَغَيرهمَا، أَرَادَ بِهِ حَدِيث (عَمْرو) بن حزم؛ أخرجه ابْن حبَان وَالْحَاكِم، كَمَا سَيَأْتِي فِي (الْجِنَايَات) - إِن شَاءَ الله - وَلَفظه: «وَلَا يجمع بَين مفترق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع، خشيَة الصَّدَقَة، وَمَا أَخذ من الخليطين، فانهما يتراجعان (بَينهمَا) بِالسَّوِيَّةِ» . الحَدِيث الثَّالِث عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا يجمع بَين مفترق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع، خشيَة الصَّدَقَة، والخليطان مَا اجْتمعَا فِي الْحَوْض والفحل والراعي» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث الْوَلِيد، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن السَّائِب (بن يزِيد) ؛ قَالَ: «صَحِبت سعد بن أبي وَقاص؛ فَذكر كلَاما، وَقَالَ (أَلا) إِنِّي سمعته ذَات يَوْم يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا يفرق بَين مُجْتَمع، وَلَا يجمع بَين مفترق، والخليطان مَا (اجْتمع) عَلَى الْحَوْض والراعي والفحل» . وَرَوَاهُ كَذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ؛ وَقَالَ: أجمع أَصْحَاب الحَدِيث عَلَى ضعف ابْن لَهِيعَة وَترك الِاحْتِجَاج بِمَا ينْفَرد بِهِ وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل عِنْدِي، وَلَا أعلم أحدا رَوَاهُ (غير) ابْن لَهِيعَة. قَالَ: وَيروَى هَذَا من كَلَام سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَقد أوضح ضعفه الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل» فأجاد فِيهِ وشفى فَذكره بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك إِلَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 أَنه عَن السَّائِب «صَحِبت سَعْدا زَمَانا فَلم اسْمَعْهُ يحدث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا ... » فَذكره، (ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر عَن السَّائِب: «صَحِبت سَعْدا عشْرين سنة مَا سمعته يَقُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا فِي حَدِيث وَاحِد ... » فَذكره) . ثمَّ قَالَ: لم يسمع ابْن لَهِيعَة هَذَا الحَدِيث من يَحْيَى بن سعيد إِنَّمَا كَانَ يرويهِ عَن كِتَابه إِلَيْهِ ذكره أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام، عَن أبي الْأسود، عَن ابْن لَهِيعَة قَالَ: كتب إِلَيّ (يَحْيَى) بن سعيد أَنه سمع السَّائِب بن يزِيد يحدث عَن سعد عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الخليطان مَا اجْتمعَا عَلَى الْفَحْل والمرعى والحوض» قَالَ أَبُو الْأسود: وكل شَيْء حدث بِهِ ابْن لَهِيعَة عَن يَحْيَى بن سعيد فَإِنَّمَا هُوَ كتاب كتب (إِلَيْهِ) قَالَ الْخَطِيب: وَمَتنه لَا يثبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام يَحْيَى بن سعيد (قَالَ ابْن (أبي) مَرْيَم: لم يسمع ابْن لَهِيعَة من يَحْيَى بن سعيد) شَيْئا وَلَكِن كتب إِلَيْهِ يَحْيَى وَكَانَ فِيمَا كتب إِلَيْهِ يَحْيَى هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث السَّائِب صَحِبت ابْن أبي وَقاص كَذَا وَكَذَا سنة فَلم أسمعهُ يحدث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا حَدِيثا (وَاحِدًا) وعقبه عَلَى إثره «لَا يفرق بَين مُجْتَمع وَلَا يجمع بَين متفرق فِي الصَّدَقَة» (فَظن ابْن لَهِيعَة أَنه من حَدِيث سعد يَعْنِي بقوله: «إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا لايفرق بَين مُجْتَمع وَلَا يجمع بَين متفرق) (فِي الصَّدَقَة) » ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا كلَاما مُبْتَدأ من الْمسَائِل الَّتِي كتب بهَا إِلَيْهِ. قَالَ يَحْيَى بن معِين: الحَدِيث الَّذِي حدث بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 ابْن لَهِيعَة، عَن يَحْيَى (بن) سعيد، عَن السَّائِب «صَحِبت طَلْحَة بن عبيد الله وسعدًا فَلم أسمعهم يحدثُونَ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالُوا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا يجمع (بَين) متفرق» بَاطِل إِنَّمَا هُوَ من قَول يَحْيَى بن سعيد «لَا يفرق بَين مُجْتَمع وَلَا يجمع بَين متفرق» هَكَذَا حدث بِهِ اللَّيْث بن (سعد) وَغَيره قَالَ الْخَطِيب: وَقد رَوَى سُلَيْمَان بن بِلَال وَحَمَّاد بن زيد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن السَّائِب بن يزِيد، عَن سعد هَذَا الحَدِيث، فَلم يذكرَا فصل الْجمع و (لَا) التَّفْرِيق، وَلَا ذكرا الخليطين، وَرَوَى اللَّيْث بن سعد عَن (يَحْيَى بن سعيد فِي) الخليطين مثل رِوَايَة (ابْن) لَهِيعَة غير أَن اللَّيْث جعله من قَول يَحْيَى بن سعيد ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك قَالَ أَبُو عبيد: لم يسْندهُ اللَّيْث. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة «الرَّعْي» بدل «الرَّاعِي» قلت: رَوَاهَا كَذَلِك الْخَطِيب فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَلَفظه: «الْمرْعَى» بدل «الرَّعْي» . قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَابْن الصّلاح (قبله) فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : رَوَى «الرَّعْي» بِلَفْظ الْمصدر، والراعي عَلَى اسْم الْفَاعِل. وَذكر الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثا فِي الْبَاب قبله، كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 فِيهِ، وَهُوَ النَّهْي عَن الْمَرِيضَة والمعيبة، ذكره فِي الْكَلَام عَلَى رداءة النَّوْع، وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: (قَرَأت) فِي كتاب عبد الله بن سَالم بحمص، عِنْد آل عَمْرو بن الْحَارِث الْحِمصِي، عَن الزبيدِيّ، قَالَ: وَأَخْبرنِي يَحْيَى بن جَابر، عَن جُبَير بن نفير، عَن عبد الله بن مُعَاوِيَة الغاضري، من غاضرة قيس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ثَلَاث من فعلهن فقد طعم طعم الْإِيمَان، من عبد الله وَحده وَأَنه لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأعْطَى زَكَاة مَاله، طيبَة بهَا نَفسه، رافدة عَلَيْهِ كل عَام، وَلم يُعْط الهرمة وَلَا (الدرنة) وَلَا الْمَرِيضَة وَلَا الشَّرْط اللئيمة وَلَكِن (من) وسط أَمْوَالكُم، فَإِن الله لم يسألكم خَيره، وَلم يَأْمُركُمْ بشره» . وجوده الطَّبَرَانِيّ بِزِيَادَة عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه وأسقطه أَبُو دَاوُد، وَفِي آخِره: «وزكى عَن نَفسه، فَقَالَ رجل: مَا تَزْكِيَة الْمَرْء (عَن) نَفسه يَا رَسُول الله؟ قَالَ: يعلم أَن الله مَعَه حَيْثُ مَا كَانَ» (قَوْله: رافدة هِيَ فاعلة) من الرفد رفدته أرفده إِذا أعنته: أَي تعينه نَفسه عَلَى أَدَائِهَا قَالَه ابْن الْأَثِير، قَالَ: وَمِنْه حَدِيث عبَادَة: «أَلا ترَوْنَ أَنِّي لَا أقوم إِلَّا رافدًا» أَي إِلَّا أَن أعَان عَلَى الْقيام، وَيروَى بِفَتْح الرَّاء، وَهُوَ الْمصدر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 والغاضر: بالغين وَالضَّاد المعجمتين، وَهِي مُشْتَقّ من الغضارة (وَهِي النضارة) وَالشّرط: بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة مَعًا أَي: رذال المَال وَالنَّاس وَالْخَيْل، يُقَال: الْغنم أَشْرَاط المَال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 بَاب لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فثمانية: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . هَذَا الحَدِيث مريٌّ من طرق (أحْسنهَا) من حَدِيث عَلّي رضى الله عَنهُ، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، من حَدِيث الْحَارِث الْأَعْوَر وَعَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، والْحَارث ضعفه الْجُمْهُور وَوَثَّقَهُ بَعضهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب فرض التَّشَهُّد: هُوَ غير مُحْتَج بِهِ، وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يُضعفهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 وَعَاصِم وَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَالنَّسَائِيّ فَقَالَ فِي تَمْيِيزه: لَا بَأْس بِهِ، وَالْحَاكِم يصحح حَدِيثه، وَأما ابْن عدي وَابْن حبَان فضعفاه، وَاعْتمد عَلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» لأجل عَاصِم. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «خلاصته» : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد حسن (أَو صَحِيح) وَخَالف فِي «شَرحه للمهذب» فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف. قَالَ: وَلذَلِك احْتج صَاحب «الْمُهَذّب» فِي الْمَسْأَلَة بالآثار المنتشرة عَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم دونه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الِاعْتِمَاد فِي اشْتِرَاط الْحول عَلَى الْآثَار الصَّحِيحَة فِيهِ، عَن أبي بكر وَعُثْمَان وَابْن عمر (وَغَيرهم. قلت: وَالصَّوَاب الأول وَيَكْفِي رِوَايَة غَيره - يَعْنِي الْحَارِث الْأَعْوَر) وَقد نحى الْقُرْطُبِيّ فِي «مفهمه» إِلَى تَصْحِيحه أَيْضا فَقَالَ: يعْتَمد عَلَى رِوَايَة الثِّقَة - يَعْنِي عَاصِم بن ضَمرَة. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث ثَابت عَنهُ؛ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِي مَال زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 إِسْنَاده ضَعِيف؛ لِأَن فِيهِ حسان بن سياه الْبَصْرِيّ؛ (رَاوِيه) عَن ثَابت، ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان، وَكَذَا ابْن عدي وَقَالَ: حدث (عَن) ثَابت وَعَاصِم بن بَهْدَلَة (وَالْحسن) بن ذكْوَان وَغَيرهم بِمَا لَا يتابعونه عَلَيْهِ. وَلما أورد هَذَا الحَدِيث قَالَ: لَا أعلم يرويهِ عَن ثَابت غير [حسان بن سياه] . الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث عَائِشَة رضى الله عَنْهَا، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» بِلَفْظ: «لَيْسَ فِي المَال زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . إِسْنَاده ضَعِيف؛ لِأَن فِيهِ حَارِثَة بن أبي الرِّجَال، (وَهُوَ ضَعِيف) . قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ. قَالَ: وَرَوَاهُ (الثَّوْريّ) عَن حَارِثَة مَوْقُوفا عَلَى عَائِشَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع حَارِثَة عَلَى هَذَا الحَدِيث إِلَّا من هُوَ دونه أَو مثله. قَالَ: وَله غير حَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا عَلَى عَائِشَة وَمَرْفُوعًا، وَيُشبه أَن يكون هَذَا من عمل حَارِثَة. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث بَقِيَّة، عَن إِسْمَاعِيل، عَن عبيد الله (بن عمر) ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا زَكَاة فِي مَال امْرِئ حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن عَيَّاش، وَهُوَ ضَعِيف فِي رِوَايَته عَن غير الشاميين، وَعبيد الله هَذَا مدنِي. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن نمير، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «لَيْسَ فِي مَال زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف. قَالَ: رَوَاهُ بَقِيَّة، عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبيد الله بن عمر مَرْفُوعا، وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ مُعْتَمر وَغَيره مَوْقُوفا. وَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه الصَّحِيح وَإنَّهُ لَا يَصح رَفعه. قلت: والاعتماد فِي (هَذِه) الْمَسْأَلَة عَلَى الحَدِيث الأول وأقوال الصَّحَابَة، وَإِن كَانَ الْبَيْهَقِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتمد فِيهَا عَلَى الْآثَار كَمَا سلف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِي مَال المستفيد زَكَاة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من اسْتَفَادَ مَالا فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ، وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ السالف. وَعبد الرَّحْمَن هَذَا ضَعِيف، (كَمَا أسلفته فِي بَاب «النَّجَاسَات» قَالَ التِّرْمِذِيّ: عبد الرَّحْمَن هَذَا ضَعِيف) فِي الحَدِيث، ضعفه أَحْمد وَعلي وَغَيرهمَا من أهل الحَدِيث، وَهُوَ كثير الْغَلَط. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن غير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَن لَا زَكَاة فِي المَال الْمُسْتَفَاد حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» ، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَاد عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 قَالَ: «من اسْتَفَادَ مَالا فَلَا زَكَاة فِيهِ (حَتَّى) يحول عَلَيْهِ الْحول (عِنْد ربه) » . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا أصح من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، قَالَ: وَرَوَاهُ أَيُّوب، وَعبيد الله بن عمر، وَغير وَاحِد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِن الصَّحِيح (وَقفه) ، وَإِن عبد الرَّحْمَن ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. وَكَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : إِنَّه لَا يَصح رَفعه، وَإِن عبد الرَّحْمَن ضعفه الْكل. قلت: وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم (الحنيني) ، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالصَّحِيح عَن مَالك مَوْقُوف. قلت: والحنيني ضَعَّفُوهُ. وَرُوِيَ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عَلّي وَالصديق وَعَائِشَة مَوْقُوفا عَلَيْهِم، مثل مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر رضى الله عَنْهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ، وَلَفظه: «وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شَاة ... » الحَدِيث بِطُولِهِ كَمَا سلف فِي الْبَاب قبله من حَدِيث أنس رضى الله عَنهُ. وَقد ذكره الرَّافِعِيّ إِثْر هَذَا من هَذِه الطَّرِيق. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «فِي سَائِمَة الْغنم إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاة» . وَفِي حَدِيث عَمْرو بن حزم: «فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة سَائِمَة شَاة» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَغَيره، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الدِّيات - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف - مَوْجُود مَعْنَاهُ فِي صَحِيح البُخَارِيّ، وأحسب أَن قَول (الْفُقَهَاء) والأصوليين: «فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة» اخْتِصَار مِنْهُم للمفصل فِي لفظ الحَدِيث من مقادير الزَّكَاة الْمُخْتَلفَة باخْتلَاف النُصب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِي الْبَقر العوامل صَدَقَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق إِحْدَاهَا: من حَدِيث سوار، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد وَطَاوُس، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا كَذَلِك سَوَاء، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، سوار هُوَ ابْن مُصعب مَتْرُوك كَمَا قَالَه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ، (وَلَيْث قد علمت حَاله فِي الْوضُوء قَالَ (أَحْمد) : هُوَ) مُضْطَرب الحَدِيث لَكِن قد حدث عَنهُ النَّاس. وأجمل الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه، فَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف. ثَانِيهَا: من حَدِيث غَالب الْقطَّان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا، إِلَّا أَنه قَالَ: «الْإِبِل» بدل «الْبَقر» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا قَالَ: غَالب الْقطَّان، وَهُوَ عِنْدِي غَالب بن عبيد الله. قلت: (ليته) الْقطَّان (فَإِنَّهُ) ثِقَة، وجرحه ابْن حبَان بِلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 حجَّة، أما غَالب بن عبيد الله فَهُوَ (الْجَزرِي) تَرَكُوهُ. قَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث مُنكر. ثَالِثهَا: من حَدِيث الصَّقْر بن حبيب، عَن أبي رَجَاء العطاردي، يحدث عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي؛ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِي العوامل صَدَقَة، وَلَا فِي الْجَبْهَة صَدَقَة» . قَالَ الصَّقْر: الْجَبْهَة الْخَيل وَالْبِغَال وَالْعَبِيد وَقَالَ أَبُو عبيد: الْجَبْهَة الْخَيل. قلت: والصقر هَذَا ضَعِيف، وَابْن حبَان يُسَمِّيه الصَّعق، وَالدَّارَقُطْنِيّ يُسَمِّيه الصَّقْر. قَالَ ابْن حبَان: لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَإِنَّمَا يعرف بِإِسْنَاد مُنْقَطع (فقلبه) الصَّعق (عَلَى) أبي رَجَاء و (هُوَ) يَأْتِي بالمقلوبات عَن الْأَثْبَات. رَابِعهَا: من حَدِيث جَابر، رَفعه: «لَيْسَ فِي المثيرة صَدَقَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي (إِسْنَاده) ضعف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 خَامِسهَا - وَهُوَ أمثلها، بل هُوَ عِنْدِي صَحِيح -: من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبيد الله بن المنادى، نَا أَبُو بدر - هُوَ شُجَاع بن الْوَلِيد - نَا زُهَيْر، نَا أَبُو إِسْحَاق، عَن الْحَارِث وَعَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ فِي الْبَقر العوامل شَيْء» . وَفِي حَدِيث الْحَارِث: «لَيْسَ عَلَى الْبَقر العوامل شَيْء» . وَقد أسلفنا الْكَلَام عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد فِي الحَدِيث الأول وَابْن الْقطَّان لما ذكره من حَدِيث الصَّقْر (قَالَ: الصَّقْر) هَذَا مَجْهُول. قلت: لَا، بل ضَعِيف كَمَا مر. قَالَ: وَأحمد بن الْحَارِث الْبَصْرِيّ - بِالْبَاء - الَّذِي يرويهِ عَنهُ مثله. قلت: بل مَتْرُوك كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَهُوَ الغساني، مَعْرُوف. قَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد أَجود من هَذَا، بل هُوَ صَحِيح، إِلَّا أَنه (لَيْسَ (فِيهِ) ذكر الْجَبْهَة، ثمَّ سَاقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، كَمَا أسلفناه، ثمَّ قَالَ: لم أعن) إِلَّا رِوَايَة عَاصِم لَا رِوَايَة الْحَارِث. قَالَ: وكل من فِي هَذَا الْإِسْنَاد ثِقَة مَعْرُوف، وَابْن الْمُنَادِي أحد الْأَثْبَات. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : ابْن الْقطَّان لَيْسَ يُعلل الحَدِيث بالاختلاف فِي رَفعه وَوَقفه، فَلذَلِك قَالَ بِالصِّحَّةِ، وَقد رَوَاهُ ابْن أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 شيبَة مَوْقُوفا، وَبَنَى ابْن الْقطَّان تَصْحِيحه عَلَى تَوْثِيق عَاصِم بن ضَمرَة والاحتجاج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَأشهر مَا رُوِيَ فِي ذَلِك مُسْندًا وموقوفًا حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي مَرْفُوعا، ثمَّ رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي مَرْفُوعا، باللفظين السَّالفين، ثمَّ قَالَ: رَفعه أَبُو الْبَدْر شُجَاع بن الْوَلِيد، عَن زُهَيْر (من) غير شكّ، وَرَوَاهُ النُّفَيْلِي، عَن زُهَيْر بِالشَّكِّ، فَقَالَ: قَالَ زُهَيْر: أَحْسبهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَرَوَاهُ غَيره عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَلّي (مَوْقُوفا) عَلَيْهِ: «لَيْسَ عَلَى العوامل من الْبَقر الحراثة شَيْء» وَفِي لفظ (لَهُ) : «لَيْسَ فِي الْإِبِل العوامل، وَلَا فِي الْبَقر العوامل صَدَقَة» ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي الزبير، عَن جَابر أَنه قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مثير الأَرْض زَكَاة» . قَالَ: وَرُوِيَ عَن جَابر مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَقد أسلفنا هَذَا عَنهُ، وَالصَّوَاب مَوْقُوف، ثمَّ (رُوِيَ) بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر قَالَ: «لَا يُؤْخَذ من الْبَقر الَّتِي يحرث عَلَيْهَا من الزَّكَاة شَيْء» . قَالَ: وَإِسْنَاده صَحِيح. قَالَ: وَهُوَ قَول مُجَاهِد، وَسَعِيد بن جُبَير، وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. قَالَ: وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: لَيْسَ فِي الْبَقر العوامل صَدَقَة إِذا كَانَت فِي مصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 الحَدِيث الْخَامِس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فدين الله أَحَق بِالْقضَاءِ» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) ، أخرجه الشَّيْخَانِ، من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا؛ «أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِن أُمِّي (مَاتَت) وَعَلَيْهَا صَوْم شهر؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَيْهَا دين أَكنت تقضينه؟ قَالَت: نعم. قَالَ: فدين الله أَحَق بِالْقضَاءِ» . وَفِي رِوَايَة: «فدين الله أَحَق بِأَن يُقْضَى» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: من حَدِيث ابْن عَبَّاس (أَيْضا) «أَن امْرَأَة من جُهَيْنَة (جَاءَت) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِن أُمِّي نذرت أَن تحج فَلم تحج حَتَّى مَاتَت، أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ: نعم، حجي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَى أمك دين أَكنت قاضيته؟ اقضوا الله فَالله أَحَق بِالْوَفَاءِ» . هَذَا لَفظه فِي كتاب الْحَج، فِي بَاب: الْحَج (وَالنُّذُور) عَن الْمَيِّت وَالرجل يحجّ عَن الْمَرْأَة. وَفِي النَّسَائِيّ: «أَمَرَتِ امْرَأَة سِنَان بن سَلمَة الْجُهَنِيّ أَن يَسْأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 وَرَوَاهُ - أَعنِي - البُخَارِيّ أَيْضا، فِي بَاب: من مَاتَ وَعَلِيهِ نذر، فِي أَبْوَاب الأَيمَان وَالنُّذُور، عَن ابْن عَبَّاس «جَاءَ رجل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهُ: إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج، وَإِنَّهَا مَاتَت، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو كَانَ عَلَيْهَا دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم قَالَ: فَاقْض الله؛ فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: عَن ابْن عباسٍ؛ قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: إِن أُخْتِي مَاتَت وَلم تحج، أفأحج عَنْهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَيْهَا دين (تقضيه) فَالله أَحَق (بِالْقضَاءِ) » . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «إِن أبي قد مَاتَ وَلم يحجّ، أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فدين الله أَحَق» . الحَدِيث السَّادِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ولي يَتِيما فليتجر لَهُ وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده؛ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب النَّاس فَقَالَ: «أَلا من ولي يَتِيما لَهُ مَال فليتجر فِيهِ، وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رُوِيَ من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده مقَال؛ لِأَن الْمثنى بن الصبَّاح يضعَّف فِي الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَى بَعضهم هَذَا الحَدِيث، عَن عَمْرو بن شُعَيْب؛ أَن عمر بن الْخطاب (قَالَ) : ... فَذكره. قَالَ: وَعَمْرو بن شُعَيْب هُوَ (ابْن) مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، وَشُعَيْب قد سمع من جده عبد الله بن عَمْرو، (وَقد تكلم يَحْيَى بن سعيد فِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، وَقَالَ: هُوَ عندنَا واهٍ، وَمن ضعّفه فَإِنَّمَا ضعفه من قبل أَنه يحدث من صحيفَة جده عبد الله بن عَمْرو) ، وَأما (أَكثر) أهل الحَدِيث فيحتجون بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب ويثبتونه، مِنْهُم: أَحْمد وَإِسْحَاق وَغَيرهمَا. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد أسلفنا فِي بَاب الْوضُوء (أَقْوَال) أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ فِيهِ مَبْسُوطا، وَذكرنَا هُنَاكَ أَن الْجُمْهُور احْتَجُّوا بِهِ، وَأَنه سمع من جده (عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي) ، وَذكرنَا (هُنَاكَ) عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: لَا يَصح حَدِيثه وَيسلم من الْإِرْسَال إِلَّا أَن يَقُول فِيهِ عَن جده (عبد الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 بن عَمْرو) ، وَهَذَا الحَدِيث قد سَمّى فِيهِ جده عبد الله بن عَمْرو، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك، لَكِن الطَّرِيق إِلَيْهِ كَمَا قد علمت فِيهِ الْمثنى بن الصَّباح وَهُوَ مَتْرُوك (كَمَا) ، قَالَ النَّسَائِيّ: وَله عَن عَمْرو طَرِيقَانِ آخرَانِ. رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، إِحْدَاهمَا من حَدِيث منْدَل، (عَن أبي إِسْحَاق) الشَّيْبَانِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «احْفَظُوا الْيَتَامَى فِي أَمْوَالهم لَا تأكلها الزَّكَاة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: منْدَل هَذَا لَيْسَ بِقَوي. ثَانِيهمَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا: «فِي مَال الْيَتِيم الزَّكَاة» . وَمُحَمّد هَذَا تَرَكُوهُ، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَن كتبه ذهبت وَكَانَ يحدث من حفظه فَيهِم. وَله طَرِيق ثَالِث: قَالَ عبد الْحق: (رَوَاهُ) عبد الله بن عَلّي بن مهْرَان، عَن (عَمْرو بن شُعَيْب، وَهُوَ ضَعِيف أَو مَجْهُول) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب هَذَا يرويهِ حُسَيْن الْمعلم، عَن مَكْحُول، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن (عمر) ، وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر، وَلم يذكر ابْن الْمسيب. وَخَالفهُ حَمَّاد بن زيد، فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن مَكْحُول، عَن (عمر) وَلم يذكر فِيهِ عَمْرو بن شُعَيْب وَلَا ابْن الْمسيب، وَرَوَاهُ الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. قَالَ: وَحَدِيث عمر أصح. (وَقَالَ) مهنا: سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اتَّجرُوا (بأموال) الْيَتَامَى لَا تأكلها الزَّكَاة» فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح، هَذَا يرويهِ الْمثنى بن الصَّباح عَن عَمْرو. الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ابْتَغوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى لَا تأكلها الزَّكَاة» . (مَعْنَاهُ: اطْلُبُوا الرِّبْح بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالتِّجَارَة) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن يُوسُف بن ماهَكَ أنّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ابْتَغوا فِي مَال الْيَتِيم - أَو فِي مَال الْيَتَامَى - لَا تذهبها - أَو (لَا) تستهلكها - الصَّدَقَة» . وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي «الْأَمْوَال» عَن حجاج، عَن ابْن جريج بِهِ: «ابْتَغوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى لَا تذهبها الزَّكَاة» . قلت لحجاج: عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: نعم. وَهَذَا مُرْسل؛ لِأَن يُوسُف تَابِعِيّ، وَمَعَ إرْسَاله فعبد الْمجِيد هَذَا فِيهِ مقَال، أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِهِشَام بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ، وَالْأَرْبَعَة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي حَقه: ثِقَة دَاعِيَة إِلَى الإرجاء. وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ الحميدى يتَكَلَّم فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي، يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يعْتَبر بِهِ وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَحْمد: ثِقَة، وَكَانَ فِيهِ غلوّ فِي الإرجاء. (وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ الإرجاء) وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَخْبَار، ويروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير فَاسْتحقَّ التّرْك. وأكّد الشَّافِعِي (هَذَا) الْمُرْسل بِعُمُوم الحَدِيث الصَّحِيح فِي إِيجَاب الزَّكَاة مُطلقًا، وَبِمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم فِي ذَلِك، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 مِنْهُم عمر بن الْخطاب، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث (ابْن) الْمسيب عَنهُ أَنه قَالَ: «ابْتَغوا بأموال الْيَتَامَى لَا تأكلها الصَّدَقَة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَله شَوَاهِد عَن عمر. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : كَأَنَّهُ أَرَادَ ثِقَة رُوَاته، وَفِيه من النّظر مَا قيل فِي سَماع سعيد (من) عمر أَو عدم سَمَاعه. قلت: وَسَعِيد ولد لثلاث سِنِين مضين من خلَافَة عمر، قَالَه مَالك وَأنكر سَمَاعه مِنْهُ، وَقَالَ ابْن معِين: رَآهُ وَكَانَ صَغِيرا، وَلم يثبت لَهُ سَماع مِنْهُ. قلت: وَمَعَ ذَلِك فَاخْتلف فِيهِ، فَقيل: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر. وَقيل: عَن (عَمْرو) بن دِينَار، عَن مَكْحُول. ذكرهمَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» كَمَا سلف فِي الحَدِيث قبله. ثمَّ رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) من طَرِيقين آخَرين عَنهُ، وَقَالَ: كِلَاهُمَا مَحْفُوظ. وَمِنْهُم: ابْنه رضى الله عَنهُ، ذكره الْبَيْهَقِيّ وَابْن عبد الْبر بِإِسْنَاد صَحِيح «أَنه كَانَ يُزكي مَال الْيَتِيم» . وَقَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَنهُ، فَذكره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 وَمِنْهُم: جَابر رضى الله عَنهُ ذكره ابْن عبد الْبر بِإِسْنَادِهِ، وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: وَرُوِيَ (ذَلِك) ، عَن الْحسن بن عَلّي وَجَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَمِنْهُم: عَائِشَة رضى الله عَنْهَا رَوَى مَالك عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَت عَائِشَة تليني وأخًا لي (يَتِيم) فِي حجرها، وَكَانَت تخرج من أَمْوَالنَا الزَّكَاة» . وَمِنْهُم: عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رُوِيَ عَنهُ من طرق ذكرهَا ابْن عبد الْبر وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ. وَقَالَ الْمروزِي: قَالَ أَبُو عبد الله - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل -: خَمْسَة من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانُوا) يزكون مَال الْيَتِيم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَأَما (مَا) رُوِيَ عَن مُعَمَّر - أَي بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَتَشْديد ثالثه - ابْن سُلَيْمَان، عَن عبد الله بن (بشر) - أى بالشين الْمُعْجَمَة - عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «من ولي مَال يَتِيم فليحص عَلَيْهِ السنين، فَإِذا دفع إِلَيْهِ مَاله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 (أخبرهُ) بِمَا عَلَيْهِ من الزَّكَاة، فَإِن شَاءَ زَكى، وَإِن شَاءَ لم يزك» فقد ضعفه الشَّافِعِي من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه مُنْقَطع لِأَن مُجَاهدًا لم يدْرك ابْن مَسْعُود. وَالثَّانِي: (أَن لَيْث بن) أبي سليم ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضعف أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ ليثًا. قَالَ: وَقد رُوِيَ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، إِلَّا أَنه انْفَرد بِهِ ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا زَكَاة فِي مَال الْمكَاتب حَتَّى يعْتق» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، عَن عبد الْبَاقِي بن قَانِع وَعبد الصَّمد بن عَلّي، (نَا الْفضل بن الْعَبَّاس) الصَّواف، نَا يَحْيَى بن غيلَان، نَا (عبد الله) بن بزيع، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَهَذَا حَدِيث مَعْلُول من أوجه: أَحدهَا: عبد الْبَاقِي بن قَانِع شيخ الدَّارَقُطْنِيّ، فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ فِي حَقه: إِنَّه كَانَ يُخطئ كثيرا ويصر عَلَى الْخَطَأ. ثَانِيهَا: عبد الله بن بزيع الْأنْصَارِيّ قَاضِي تستر؛ قَالَ ابْن عدي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 لَيْسَ هُوَ عِنْدِي مِمَّن يحْتَج بِهِ، قَالَ: وَأَحَادِيثه (أَو عامتها) لَيست مَحْفُوظَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لين الحَدِيث لَيْسَ بمتروك. ثَالِثهَا: يَحْيَى بن غيلَان، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، نبه عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان فِي «علله» قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يروي عَن مَالك، ذَاك ثِقَة. رَابِعهَا: تَدْلِيس أبي الزبير، وَقد عنعن عَنهُ فِي هَذَا الحَدِيث. وأجمل الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه، فَقَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث رَفعه ضَعِيف، وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى جَابر. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر قَالَ: «لَيْسَ فِي مَال الْمكَاتب وَلَا العَبْد زَكَاة حَتَّى يعْتق» (ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «لَيْسَ فِي مَال الْمكَاتب وَلَا العَبْد زَكَاة) » قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وبالأول قَالَ (مَسْرُوق) وَسَعِيد بن الْمسيب وَسَعِيد ابْن جُبَير وَعَطَاء وَمَكْحُول. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فاثنان: أَحدهمَا: أثر عمر، وَقد تقدم فِي آخر الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا. وَثَانِيهمَا: أثر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «اعْتد عَلَيْهِم بالصغار والكبار» . وَهُوَ غَرِيب، لَا يحضرني من خرجه، وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» بِلَفْظ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 «عد الصغار مَعَ الْكِبَار» . وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه، وَأوردهُ الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» مَرْفُوعا؛ فَقَالَ: رَوَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق (عَن) ابْن حزم، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ لساعيه: «عد عَلَيْهِم صغارها وكبارها، وَلَا تَأْخُذ هرمة وَلَا ذَات عوار» . كَذَا رَأَيْته (فِيهِ) . قلت: وَقد سلف فِي الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث الْبَاب عَن (عليّ) أَنه قَالَ: «من اسْتَفَادَ مَالا فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . وَهُوَ يُخَالف مَا ذكره الرَّافِعِيّ وَغَيره عَن عَلّي. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَقَوله: «عد الصغار» هُوَ بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا وَضمّهَا، وَكَذَا مَا أشبهه مِمَّا هُوَ مضعف مضموم الأول كشد وَشبهه، وَهُوَ كَمَا قَالَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 بَاب: أَدَاء الزَّكَاة وتعجيلها ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثاراً. أما الْأَحَادِيث فأحد عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْخُلَفَاء بعده كَانُوا يبعثون السعاة لأخذ الزَّكَاة» . هَذَا صَحِيح مَشْهُور عَنْهُم؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عمر بن الْخطاب عَلَى الصَّدَقَة» . وَفِيهِمَا أَيْضا: عَن أبي حميد عبد الرَّحْمَن السَّاعِدِيّ قَالَ: «اسْتعْمل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا من الأزد عَلَى صدقَات بني سليم يُدعَى ابْن اللتبية فَلَمَّا جَاءَ حَاسبه» . وَفِيهِمَا أَيْضا: عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه اسْتعْمل (ابْن) السَّعْدِيّ، واسْمه عَمْرو بن وقدان (الْمَالِكِي) عَلَى الصَّدَقَة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث أَبَا مسعودٍ الْأنْصَارِيّ ساعيًا» وَفِيه: «إِن زيادًا أَو بعض الْأُمَرَاء أرسل عمرَان بن حُصَيْن ساعيًا» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم، وَقَالَ: «إِن زيادًا - أَو ابْن زِيَاد - بعث عمرَان بن الْحصين ساعيًا، فجَاء وَلم يرجع مَعَه دَرَاهِم، فَقَالَ لَهُ: أَيْن المَال؟ قَالَ: وللمال أرسلتني؟ أخذناها كَمَا [كُنَّا] نأخذها عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ووضعناها فِي الْموضع الَّذِي كُنَّا نضعها عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . (ثمَّ) قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة لما قَالَ عمر: «إِنِّي أعْتَذر إِلَيْكُم من خَالِد بن الْوَلِيد، وَإِنِّي أَمرته أَن يحبس هَذَا المَال عَلَى ضعفة الْمُهَاجِرين، فَأعْطَاهُ ذَا الْبَأْس، و (ذَا) الشّرف، وَذَا اللِّسَان، فنزعته وأمَّرت أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح. قَالَ: وَالله لقد نزعت عَاملا اسْتَعْملهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » الحَدِيث. وَفِيه أَيْضا: من حَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث أَبَا جهم بن حُذَيْفَة (مُصدقا) فلاجَّه رجل بِصَدَقَتِهِ فَضَربهُ [أَبُو جهم] فَشَجَّهُ» . الحَدِيث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 وَفِيه أَيْضا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث عقبَة بن عَامر ساعيًا، قَالَ: فاستأذنته أَن آكل من الصَّدَقَة فَأذن لي» . فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة. وَفِيه أَيْضا: من حَدِيث (قُرَّة) بن دعموص النميري قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الضَّحَّاك بن قيس ساعيًا» . وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث قيس بن سعد (بن) عبَادَة ساعيًا» . ثمَّ قَالَ: إِنَّه عَلَى شَرط مُسلم. وَفِيه نظر؛ فَإِن رَاوِيه عَن قيس بن (سعد) هُوَ عَاصِم بن عمر، وَهُوَ لم يدْرك قيسا، نبه عَلَيْهِ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره لَهُ. وَفِيه أَيْضا فِي كتاب الْفَضَائِل، فِي تَرْجَمَة (عبَادَة) بن الصَّامِت: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَعثه عَلَى (أهل) الصَّدقَات» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَتعقبه الذَّهَبِيّ فَقَالَ: (إِنَّه) مُنْقَطع؛ لِأَنَّهُ عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَنهُ. قَالَ أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» : «وَبعث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْوَلِيد بن عقبَة بن (أبي) معيط إِلَى بني المصطلق ساعيًا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 وَرَوَى الشَّافِعِي: «أَن أَبَا بكر وَعمر كَانَا يبعثان عَلَى الصَّدَقَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ» هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف أول الْوضُوء. الحَدِيث الثَّالِث يرْوَى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِي المَال حق سُوَى الزَّكَاة» . هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : أَصْحَابنَا يَرْوُونَهُ فِي تعاليقهم، لست أحفظ لَهُ إِسْنَادًا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدًّا لَا يعرف. قلت: قد أخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، من حَدِيث شريك، عَن أبي حَمْزَة - بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة - عَن الشّعبِيّ، عَن فَاطِمَة بنت قيس أَنَّهَا سَمِعت تَعْنِي - النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَيْسَ فِي المَال حق سُوَى الزَّكَاة» . وَكَذَا عزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» إِلَيْهِ، وَقَالَ: هَكَذَا هُوَ فِي النُّسْخَة الَّتِي فِيهَا روايتنا بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد (أدرجه تَحت) تَرْجَمَة: مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، قَالَ: وَهُوَ دَلِيل عَلَى أَن لفظ الحَدِيث كَذَلِك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 قلت: وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» سَوَاء، وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد رُوِيَ بِهِ حَدِيث (فِي ضد) هَذَا الْمَعْنى وَهَذَا لَفظه: «إِن فِي المَال حقًّا سُوَى الزَّكَاة» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، وَأَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر يضعف. قَالَ: وَرَوَاهُ بَيَان وَإِسْمَاعِيل بن سَالم عَن الشّعبِيّ قَوْله، وَهَذَا أصح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : يرويهِ رجلَانِ ضعيفان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب مقَالَته السالفة: وَرُوِيَ فِي مَعْنَاهُ أَحَادِيث (مِنْهَا) حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس «أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَو قَالَت: سُئل - عَن هَذِه الْآيَة: (فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم) قَالَ: «إِن فِي المَال حقًّا سُوَى الزَّكَاة» وتلا هَذِه الْآيَة: (لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم (إِلَى قَوْله تَعَالَى: (وَآتَى الزَّكَاة (. ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث يعرف بِأبي حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر كُوفِي، وَقد جرحه أَحْمد وَيَحْيَى فَمن بعدهمَا من حفاظ الحَدِيث. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، عَن هشيم، عَن عذافر، عَن الْحسن، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا: «من أَدَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 زَكَاة مَاله فقد أدّى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ، وَمن زَاد فَهُوَ أفضل» . وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَفعه: «إِذا أدّيت الزَّكَاة فقد قضيت مَا عَلَيْك، وَمن جمع مَالا حَرَامًا ثمَّ تصدق بِهِ، لم يكن لَهُ فِيهِ أجر، وَكَانَ (إصره) عَلَيْهِ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ هَذَا، وَقَالَ: غَرِيب. وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، (رَفعه) : «إِذا أدّيت زَكَاة مَالك فقد أذهبت عَنْك شَره» . قَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا، وَالْمَوْقُوف أصح، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَهُوَ شَاهد صَحِيح. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي كل أَرْبَعِينَ من الْإِبِل السَّائِمَة بنت لبون، (من أَعْطَاهَا) مُؤْتَجِرًا فَلهُ أجرهَا، وَمن منعهَا فإِنَّا آخِذُوهَا وَشطر مَاله، عَزمَة من عَزمَات رَبنَا، لَيْسَ لآل مُحَمَّد مِنْهَا شَيْء» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث بهز - بالزاي - ابْن (حَكِيم) - بِفَتْح أَوله - بن مُعَاوِيَة بن حيدة - بِفَتْح الْحَاء (الْمُهْملَة) ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة - عَن أَبِيه، عَن جده، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لَهُم، إِلَّا أَن أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ قَالُوا: «شطر (إبِله» بدل) «مَاله» وَإِلَّا أَحْمد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فَقَالُوا: «لَا يحل لآل مُحَمَّد مِنْهَا شَيْء» بدل «لَيْسَ» . وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح إِلَى بهز، وَاخْتلف الْحفاظ فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث بهز، فَقَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ثِقَة. وَسُئِلَ أَيْضا عَن أَبِيه عَن جده؟ فَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح إِذا كَانَ دونه ثِقَة. قلت: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَنهُ أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَيَحْيَى بن سعيد، ومعتمر، وَعبد الْوَارِث. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: ثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي: هُوَ عِنْدِي حجَّة. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: أَحَادِيثه صِحَاح وَحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 وَالسَّلَام حبس رجلا فِي تُهْمَة فخلى سَبيله» وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى مَا قدمنَا ذكره من تَصْحِيح هَذِه الصَّحِيفَة وَلم يخرجَاهُ. وَأَشَارَ الْحَاكِم بذلك إِلَى مقَالَته فِي أول كتاب الْإِيمَان: لَا أعلم خلافًا بَين أَكثر أَئِمَّة أهل النَّقْل فِي عَدَالَة بهز بن حَكِيم وَأَنه يجمع حَدِيثه. قَالَ: وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح. قلت: وَإِن كَانَ (قَالَ) فِي حَقه: خَارِجَة مُخْتَلفُونَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «الضُّعَفَاء» : بهز كَانَ يُخطئ كثيرا. (فَأَما أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَإِنَّهُمَا يحتجان بِهِ ويرويان عَنهُ) ، وَتَركه جمَاعَة من أَصْحَابنَا وأئمتنا، وَلَوْلَا هَذَا الحَدِيث لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَات، وَهُوَ مِمَّن أستخير الله فِيهِ. وَاعْترض الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ فِي هَذِه الْعبارَة، فَقَالَ فِي «الْمِيزَان» : مَا تَركه عَالم قطّ، وَإِنَّمَا (اخْتلفُوا) فِي الِاحْتِجَاج بِهِ. قلت: سَيَأْتِي (أَي) عَن بَعضهم عدم الِاحْتِجَاج بِهِ (كَمَا) قَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ فِي رواياته، وَلم أر أحدا تخلف عَنهُ فِي الرِّوَايَة من الثِّقَات، وَلم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، وَأَرْجُو أَنه إِذا حدث عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بحَديثه، وَرَوَى عَنهُ ثِقَات النَّاس وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 وعدهم، وَقَالَ صَالح جزرة: بهز عَن أَبِيه عَن جده إِسْنَاد أَعْرَابِي. وَقَالَ أَحْمد بن بشير: أَتَيْته فَوَجَدته يلْعَب بالشطرنج. وَنقل الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» عَن الْحَاكِم أَنه (قَالَ) : هُوَ ثِقَة، إِنَّمَا أسقط من الصَّحِيح؛ لِأَن رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده شَاذَّة لَا متابع لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُوَ شيخ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَالح وَلكنه لَيْسَ بالمشهور. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ بِحجَّة. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : هَذَا خبر لَا يَصح؛ لِأَن بهز بن حَكِيم غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ ووالده كَذَلِك. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر (مِنْهُ) : بهز لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَحَكِيم ضَعِيف. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى أبي حَاتِم فِي قَوْله: «لَا يحْتَج بِهِ» ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَن لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا بِحجَّة، وبهز ثِقَة عِنْد من علمه. وَقد وَثَّقَهُ غير من ذكر؛ كَابْن الْجَارُود وَالنَّسَائِيّ، وَصحح التِّرْمِذِيّ رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده وَقَالَ (أَبُو) جَعْفَر السبتي: إِسْنَاد بهز عَن أَبِيه عَن جده صَحِيح. قَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن: سَأَلت ابْن معِين: هَل رَوَى شُعْبَة عَن بهز؟ قَالَ: نعم رَوَى عَنهُ حَدِيث « (أَتَرْعَوْنَ) عَن ذكر الْفَاجِر» وَقد كَانَ شُعْبَة متوقفًا عَنهُ، فَلَمَّا رَوَى هَذَا الحَدِيث كتبه وأبرأه مِمَّا اتهمه بِهِ. قلت: فكم لَهُ عَن أَبِيه عَن جده؟ قَالَ: أَحَادِيث. قلت لأبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل: مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 تَقول فِي بهز؟ قَالَ: سَأَلت غندرًا عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة كَانَ شُعْبَة مَسّه، ثمَّ تبين مَعْنَاهُ فَكتب عَنهُ. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَانَ من خِيَار النَّاس. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَيْسَ بضار لَهُ حِكَايَة الشطرنج الْمُتَقَدّمَة فَإِن استباحته مَسْأَلَة فقهية (مشتبهة) . قلت: وَمن أغرب الْعبارَات (فِيهِ) قَول ابْن الطلاع فِي أَوَائِل «أَحْكَامه» : بهز بن حَكِيم مَجْهُول عِنْد بعض أهل الْعلم، وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْوضُوء فَدلَّ عَلَى أَنه مَعْرُوف. وَلَا أعلم أحدا أطلق هَذِه الْعبارَة عَلَيْهِ، وَأما طعن (ابْن) حزم فِي وَالِده فَفِيهِ وَقْفَة، فقد قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة. وعلق عَنهُ البُخَارِيّ وَعَن وَالِده فِي الصَّحِيح، وَرَوَى لَهما فِي الْأَدَب خَارجه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا يثبت أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن تُؤْخَذ الصَّدَقَة وَشطر إبل (الغال) لصدقته، وَلَو ثَبت قُلْنَا بِهِ. وَهَذَا تَصْرِيح من الإِمَام الشَّافِعِي بِأَن أهل الحَدِيث ضعفوا هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث قد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، فَأَما البُخَارِيّ وَمُسلم فَإِنَّهُمَا لم [يخرجَاهُ جَريا عَلَى عَادَتهمَا فِي أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد لم] يخرّجا حَدِيثه فِي الصَّحِيح، وَمُعَاوِيَة بن حيدة [الْقشيرِي] لم يثبت عِنْدهمَا رِوَايَة ثِقَة عَنهُ، غير ابْنه، فَلم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح. وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك الْمُنْذِرِيّ، فَقَالَ فِي «حَوَاشِي السّنَن» : بهز ثِقَة، وجده مُعَاوِيَة بن حيدة (الْقشيرِي) صحبته مَشْهُورَة، وَمُعَاوِيَة بن حيدة لم تثبت عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم رِوَايَة ثِقَة عَنهُ، غير ابْنه. وَهَذَا الْكَلَام معترض عَلَيْهِ من وَجْهَيْن؛ أَحدهمَا: أَن دَعْوَى عَادَتهمَا فِي أَن الصحأبي أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو واحدٍ لم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح لم يثبت، وَقد أبطل ذَلِك الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ فِي كِتَابه الَّذِي يبين فِيهِ أَوْهَام «الْمدْخل» للْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ فِي هَذِه الْمقَالة [مَعَ] الْحَاكِم، وَذكر ابْن الصّلاح فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» جمَاعَة خرج لَهُم فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُم إِلَّا راو وَاحِد، لَكِن (نقضته) عَلَيْهِ فِي اختصاري لَهُ، فراجع ذَلِك مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات. وَمِمَّنْ أبطل مقَالَة الْحَاكِم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» فَإِنَّهُ قَالَ: هَذِه مجازفة مِنْهُ وَظن، وَهُوَ ظن غلط. ثمَّ ذكر الْأَمْثِلَة الَّتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 نقلناها عَن ابْن الصّلاح والِاعْتِرَاض عَلَيْهِ. الْوَجْه الثَّانِي: أَن قَوْله لم تثبت (عِنْدهمَا) رِوَايَة (ثِقَة) عَنهُ، غير ابْنه، لَيْسَ عَلَى جِهَة النَّقْل عَنْهُمَا بذلك، وَكَأَنَّهُ من بَاب الظَّن. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَلَا يتعيَّن أَن يكون تَركهمَا لتخريجه هَذِه الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا، فَيجوز أَن يكون ذَلِك لِأَنَّهُمَا لم يريَا بَهْزًا من شَرطهمَا. تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: بهز بالزاي كَمَا سلف، وبإسكان الْهَاء وَفتح الْبَاء. وَقَوله: «مُؤْتَجِرًا» أَي طَالبا لِلْأجرِ. وَقَوله: «عَزمَة» هُوَ بِإِسْكَان الزَّاي، وَهُوَ مَرْفُوع؛ لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: ذَلِك عَزمَة. وَقَوله: « (من) عَزمَات» هُوَ بِفَتْح الزَّاي؛ أَي حقّ لابد مِنْهُ. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «عَزِيمَة» بِكَسْر الزَّاي، ثمَّ يَاء (مثناة تَحت) ، وَالْمَشْهُور «عَزمَة» . وَقَوله: «وَمن منعهَا» هَكَذَا هُوَ بِالْوَاو «وَمن» مَعْطُوف عَلَى أول الحَدِيث وَهُوَ «من أَعْطَاهَا» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث جعله الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب، وَمِنْهُم الْبَيْهَقِيّ فِي كتبه مَنْسُوخا؛ ذكره فِي «سنَنه» و «خلافياته» و «مَعْرفَته» ، وَأَنه كَانَ حِين كَانَت الْعقُوبَة بِالْمَالِ، قَالَ فِي «سنَنه» : وَقد كَانَ تضعف الغرامة عَلَى من سرق فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، ثمَّ صَار مَنْسُوخا. وَاسْتدلَّ الشَّافِعِي عَلَى نسخه بِحَدِيث الْبَراء بن عَازِب فِيمَا أفسدت نَاقَته، فَلم ينْقل عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي تِلْكَ الْقِصَّة أَنه أَضْعَف الغرامة، بل نقل فِيهَا حكمه بِالضَّمَانِ فَقَط، فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا من ذَلِك. وضعَّفَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» القَوْل بذلك فَقَالَ: أجَاب الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» - قلت: و «السّنَن» و «الخلافيات» - عَن حَدِيث بهز بِأَنَّهُ مَنْسُوخ. قَالَ: و (هَذَا) الْجَواب ضَعِيف من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَا ادعوهُ من كَون الْعقُوبَة كَانَت بالأموال فِي أول الْإِسْلَام لَيْسَ بِثَابِت وَلَا مَعْرُوف. وَالثَّانِي: أَن النّسخ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ إِذا علم التَّارِيخ، وَلَيْسَ هُنَا علم بذلك. قَالَ: وَالْجَوَاب الصَّحِيح تَضْعِيف الحَدِيث كَمَا قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ - رَحمهَا الله تَعَالَى - هَذَا آخر كَلَامه. وَالظَّاهِر حسن الحَدِيث، (فَلهَذَا) احْتج بِهِ (الْأَكْثَرُونَ) كَمَا سلف، وَقد قَالَ هُوَ فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْأَسْمَاء» : إِن يَحْيَى بن معِين وَالْجُمْهُور وثقوه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 وَاحْتَجُّوا بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. كَمَا سلف، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: حَدِيث حسن. وَذكر هَذَا الحَدِيث الإِمَام أَحْمد فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا وَجهه. وَسُئِلَ عَن إِسْنَاده؟ فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَالح الْإِسْنَاد. وَنقل ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه «جَامع الْأُصُول» وَكَذَلِكَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «جَامع المسانيد» ، عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ الْحَافِظ؛ أَنه قَالَ: غلط الرَّاوِي فِي لفظ رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا هُوَ «شطر مَاله» يَعْنِي أَنه يَجْعَل (مَاله) شطرين فَيتَخَيَّر عَلَيْهِ الْمُصدق، (وَيَأْخُذ) الصَّدَقَة من خير الشطرين؛ عُقُوبَة لمَنعه الزَّكَاة، فَأَما مَا لَا يلْزمه فَلَا. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَنقل عَن الشَّافِعِي أَنه رَجَعَ إِلَى هَذَا الحَدِيث فِي الْقَدِيم، وَخَالفهُ فِي الْجَدِيد وَجعله مَنْسُوخا؛ فَإِن ذَلِك كَانَ حَيْثُ كَانَت الْعقُوبَة بِالْمَالِ ثمَّ نسخ. قَالَ: وَهَذَا القَوْل من الشَّافِعِي يرد مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَرْبِيّ (من تغليط) الرَّاوِي، فَإِن الشَّافِعِي جعله (حجَّة) لقَوْله الْقَدِيم. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا جلب وَلَا جنب» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا جلب وَلَا جنب، وَلَا تُؤْخَذ صَدَقَاتهمْ إِلَّا فِي دُورهمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاة من «سنَنه» كَذَلِك (ثمَّ) رُوِيَ (عَن) مُحَمَّد بن إِسْحَاق (أَن) مَعْنَى «لَا جلب» أَن تصدق الْمَاشِيَة فِي موَاضعهَا، وَلَا تجلب إِلَى الْمُصدق، و «لَا جنب» (لَا) يكون الْمُصدق بأقصى مَوَاضِع أَصْحَاب الصَّدَقَة فتجنب إِلَيْهِ، وَلَكِن تُؤْخَذ فِي مَوْضِعه. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، من حَدِيث ابْن إِسْحَاق أَيْضا، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «لما دخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْفَتْح قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاس ... » فَذكر حَدِيثا، وَفِيه: «لَا جلب وَلَا جنب» (وَفِيه) : «وَلَا تُؤْخَذ صَدَقَاتهمْ إِلَّا فِي دَارهم» . ثَانِيهَا: من حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ، عَن عمرَان بن الْحصين، مَرْفُوعا بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 (النِّكَاح) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي النِّكَاح بِزِيَادَة: «وَلَا شغار فِي الإِسْلام، و (من) انتهب نهبة فَلَيْسَ منا» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا. قلت: وَسَمَاع الْحسن من عمرَان مُخْتَلف فِيهِ، ذكر (عَلّي) بن الْمَدِينِيّ وَأَبُو حَاتِم الرازى وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة أَنه لم يسمع مِنْهُ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم يثبت مَا رُوِيَ (من قَوْله) : «أَخذ عمرَان بيدى» قَالَ: وَقد أنكر أَحْمد بن حَنْبَل عَلَى مبارك بن فضَالة قَوْله فِي غير حَدِيث: (عَن) الْحسن، ثَنَا عمرَان. وَأَصْحَاب الْحسن غَيره لَا يَقُولُونَ ذَلِك، وَكَانَ كثير التَّدْلِيس. وَقَالَ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر كِتَابه: الَّذِي عِنْدِي أَنه سمع مِنْهُ، ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ مَا يدل عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 قَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : زَاد يَحْيَى بن خلف: «فِي الرِّهَان» . (يَعْنِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا جلب وَلَا جنب فِي الرِّهَان» . وأعلَّ ابْن الْقطَّان هَذِه الرِّوَايَة بِعَنْبَسَةَ بن سعيد الْقطَّان الْمَذْكُور فِي إسنادها، وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تصح قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ ضَعِيف الحَدِيث يَأْتِي بالطامات. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: كَانَ مختلطًا لَا يرْوَى عَنهُ. ثَالِثهَا: من حَدِيث أنس رضى الله عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا جلب وَلَا جنب وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام» . رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي «مسنديهما» ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «علله» ، وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» (ثمَّ) قَالَ: إِنَّه خطأ فَاحش وَالصَّوَاب حَدِيث بشر. يَعْنِي حَدِيث عمرَان؛ ذكره فِي النِّكَاح، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ إِلَّا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، وَلَا أعلم أحدا رَوَاهُ عَن ثَابت غير معمر، وَرُبمَا قَالَ عبد الرَّزَّاق فِي هَذَا الحَدِيث [عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 معمر] عَن ثَابت وَأَبَان (عَن) أنس. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ عَن ثَابت عَن أنس (إِلَّا معمر. قلت: وَقد أخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير عَن الْفَزارِيّ عَن حميد عَن أنس) كَمَا سقناه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ؟ فَقَالَ: مُنكر جدًّا. وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ صَححهُ من حَدِيث ثَابت عَن أنس؛ فَقَالَ فِي «صَحِيحه» : حَدثنَا ابْن خُزَيْمَة، نَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، نَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن ثَابت، عَن أنس، رَفعه: « (لَا إسعاد فِي الْإِسْلَام) ، وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام، وَلَا عقر فِي الْإِسْلَام، وَلَا جلب وَلَا جنب، وَمن انتهب فَلَيْسَ منَّا» . رَابِعهَا: من حَدِيث ابْن عمر رضى الله عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا جلب وَلَا جنب وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن قراد (أبي) نوح، أَنا عبد الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر (فَذكره) . فَائِدَة: فسَّر الرافعيُّ هُنَا «الجلب وَالْجنب» بِأَن قَالَ: أَي لَا يكلفوا بِأَن يجلبوها إِلَى الْبَلَد، وَلَيْسَ لَهُم أَن يجنبوها السَّاعِي فيشقوا عَلَيْهِ. وَقد أسلفنا تَفْسِير ابْن إِسْحَاق أَيْضا. وَقَالَ مَالك: «الجلب» أَن يتَخَلَّف الْفرس فِي السباق فيحرك وَرَاءه الشَّيْء يستحث بِهِ فَيَسْبق، و «الْجنب» أَن يجنب مَعَ الْفرس الَّذِي يسابق بِهِ فرسا آخر، حَتَّى إِذا دنى تحول (رَاكب الْفرس عَلَى) المجنوب، فَأخذ (السَّبق) ، وَبِهَذَا التَّفْسِير فسّره الرَّافِعِيّ فِي بَاب السَّبق وَالرَّمْي، وَجزم بِهِ (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» . وَقَالَ ابْن الْأَثِير: لَهُ تفسيران؛ أَحدهمَا فِي الزَّكَاة وَالثَّانِي فِي السَّبق، فذكرهما بِمَعْنى قَول مَالك وَابْن إِسْحَاق. وَفِي كتاب «الْجِهَاد» للْقَاضِي أبي بكر أَحْمد بن (عَمْرو) بن أبي عَاصِم النَّبِيل، عِنْد ذكر حَدِيث أنس السالف: «لَا جلب وَلَا جنب» الجلب: الرجل يجلب الْفرس خلف الآخر وَهُوَ يعدو، وَالْجنب: الْفرس. . بِجنب الآخر وَهُوَ يَعْدو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 الحَدِيث السَّادس عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَتَاهُ قوم بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صلِّ عَلَيْهِم، فَأَتَاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ) صلِّ عَلَى آل أبي أَوْفَى» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَذَلِك، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ فِي الأول: «اللَّهُمَّ صلِّ عَلَى آل أبي أوفي» أَيْضا، وَقد أصلح (فِي بعض النّسخ كَمَا) ذَكرْنَاهُ أَولا. وَأوردهُ القَاضِي حُسَيْن، وَالْمَاوَرْدِيّ بِلَفْظ: «جِئْت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بصدقات [قومِي] فَقلت: يَا رَسُول الله، ادْع لي. فَقَالَ: اللَّهُمَّ صلِّ عَلَى آل أبي أوفي» . فَائِدَة: اسْم أبي أوفي عَلْقَمَة بن خَالِد، وَعبد الله ووالده صحابيان، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْكُوفَةِ، مَاتَ بعد الثَّمَانِينَ. وَمَعْنى الصَّلَاة هُنَا الرَّحْمَة، وَآل أبي أوفي قيل: المُرَاد نَفسه، وَمثله: «من مَزَامِير آل دَاوُد» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 الحَدِيث السَّابِع عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن الْعَبَّاس سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي تَعْجِيل صدقته قبل أَن تحل فرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث حجاج بن دِينَار، عَن الحكم بن عتيبة، عَن حُجَيَّة - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، وَفتح الْجِيم، وَتَشْديد الْمُثَنَّاة تَحت وَفتحهَا، ثمَّ هَاء - عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وحجاج هَذَا هُوَ الوَاسِطِيّ، وَثَّقَهُ ابْن الْمُبَارك وَيَعْقُوب بن شيبَة وَالْعجلِي، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين وَغَيره: هُوَ صَدُوق. وَخَالف أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَالدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وحُجَيَّة هُوَ ابْن عدي، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: (لَا) يحْتَج بحَديثه، شَبيه الْمَجْهُول، شَبيه بشريح بن النُّعْمَان وهبيرة بن يريم. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 فِي بابهما حَقّهمَا: شبيهان بالمجهولين لَا يحْتَج بحديثهما. وَقَالَ ابْن حزم (فِي محلاه) فِي حَقه: هُوَ غير مَعْرُوف بِالْعَدَالَةِ. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: مَا علمت أحدا رَوَى عَنهُ غير سَلمَة بن كهيل. قلت: قد رَوَى عَنهُ الحكم بن عتيبة كَمَا تقدم، وَأَبُو إِسْحَاق السبيعى. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يحْتَج بِهِ. وَأنكر ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق هَذِه الْعبارَة وَقَالَ: حُجَيَّة رجل مَشْهُور رُوِيَ عَنهُ جماعات، وعددهم كَمَا أسلفت قَالَ: رَوَوْا عَنهُ عدَّة أَحَادِيث، وَهُوَ فِيهَا مُسْتَقِيم لم يعْهَد مِنْهُ خطأ وَلَا اخْتِلَاط وَلَا نَكَارَة وَقَالَ فِيهِ الْكُوفِي: إِنَّه تَابِعِيّ ثِقَة. قَالَ: والعالم حجَّة عَلَى الْجَاهِل. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» فَقَالَ بعد مقَالَة أبي حَاتِم فِيهِ: رَوَى (عَنهُ) (جمَاعَة) وعددهم، وَهُوَ صَدُوق - إِن شَاءَ الله - وَقد قَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة. قلت: وَلما أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من هَذَا الْوَجْه قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن حَدِيث حُجَيَّة هَذَا فَقَالَ فِي «علله» : يرويهِ الحكم بن عتيبة، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ حجاج بن دِينَار، وَاخْتلف عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 حجاج، فَقَالَ: إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا عَنهُ عَن الحكم عَن حُجَيّة عَن عَلّي، (وَقَالَ إِسْرَائِيل: عَن حجاج عَن الحكم عَن (حجر) عَن عَلّي) . وَقَالَ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي: عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس. وَكلهمْ وهم وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ مَنْصُور عَن الحكم عَن الْحسن بن مُسلم بن ينَّاق مُرْسلا، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَطَرِيقَة الحكم عَن (حجر) ذكرهَا التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحجَّاج بن دِينَار عَنهُ عَن عَلّي «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ لعمر: إنَّا أَخذنَا من الْعَبَّاس صَدَقَة (الْعَام) عَام الأول» وَالْحكم هَذَا وَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ غير مَنْسُوب، وَنسبه التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته فَقَالَ: (ابْن) جحل وَهُوَ (ثِقَة) كَمَا قَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة. قَالَ (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا الحَدِيث أَقْوَى من الأول. قلت: لَكِن حجر الْعَدوي هَذَا لَا أعرفهُ أصلا، وَهُوَ مِمَّا انْفَرد التِّرْمِذِيّ بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : حجر (عَن) عليّ لَا يعرف. وَقَالَ فِي «الكاشف» : حجر عَن عَلّي وَعنهُ رجل وَلم يَصح. وَالتِّرْمِذِيّ خَالف فِي هَذَا فَقَالَ: لَا أعرف حَدِيث تَعْجِيل الزَّكَاة (إِلَّا) من حَدِيث إِسْرَائِيل، عَن حجاج بن دِينَار، إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَحَدِيث إِسْمَاعِيل - يَعْنِي الأول - عِنْدِي أصح من حَدِيث إِسْرَائِيل عَن الْحجَّاج بن دِينَار [وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث] عَن الحكم بن عتيبة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[مُرْسلا] . وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : رَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا هشيم، عَن مَنْصُور بن زَاذَان، عَن الحكم، عَن الْحسن بن مُسلم، التَّابِعِيّ - يَعْنِي فَيكون مُرْسلا - قَالَ: وَهَذَا أصح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، كَمَا أسلفناه عَنهُ: إِنَّه الصَّوَاب. وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي قَالَ: وَيروَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَا أَدْرِي أيثبت أم لَا؟ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تسلف صَدَقَة مَال الْعَبَّاس، قبل أَن تحل» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عَنى بِهِ حَدِيث حجية بن عدي عَن عَلّي السالف، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 ثمَّ ذكر (مثل) مَا أسلفناه عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَهَذِه لَفظه: وَهَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى الحكم بن عتيبة، فَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا، عَن حجاج، عَن الحكم هَكَذَا، وَخَالفهُ إِسْرَائِيل، عَن حجاج فَقَالَ: عَن الحكم عَن حجر الْعَدوي عَن عَلّي. وَخَالفهُ فِي لَفظه فَقَالَ: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعمر: إِنَّا قد أَخذنَا من الْعَبَّاس زَكَاة الْعَام عَام الأول» . وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن (عبيد الله) ، هُوَ الْعَرْزَمِي، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس فِي قصَّة عمر، وَرَوَاهُ الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم، عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن طَلْحَة، وَرَوَاهُ هشيم، عَن مَنْصُور (بن) زَاذَان، عَن الحكم، عَن الْحسن بن مُسلم، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، إِلَّا أَنه قَالَ لعمر فِي هَذِه (الْقِصَّة: «إنّا) كُنَّا تعجلنا صَدَقَة مَال الْعَبَّاس لِعَامِنَا هَذَا عَام أول» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَح من هَذِه الرِّوَايَات، قَالَ: وَاعْتمد الشَّافِعِي فِي هَذَا الْبَاب عَلَى مَا ثَبت (عَن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي «الْيَمين» : «فليكفّر عَن يَمِينه، وليأتِ الَّذِي هُوَ خير» ، (ثمَّ) عَلَى مَا ثَبت عَن (بعض) أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ذَلِك، مِنْهُم عبد الله بن عمر بن الْخطاب: «رُبمَا كفر (عَن) يَمِينه قبل أَن يَحْنَث وَرُبمَا كفّر بَعْدَمَا يَحْنَث» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (تسلفت) من الْعَبَّاس صَدَقَة عَاميْنِ) . هَذَا الحَدِيث مرويٌّ من طرق؛ إِحْدَاهَا: من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن عَم الرجل صنو أَبِيه، وَإِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تعجل صَدَقَة الْعَبَّاس عَاميْنِ فِي عَام» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، من حَدِيث ابْن ذكْوَان، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله (بِهِ) . وَمُحَمّد بن ذكْوَان هَذَا قَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف كثير الْخَطَأ. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن حبَان فِي «ثقاته» . ثَانِيهَا: من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة، عَن طَلْحَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا عمر، أما علمت أَن عَم الرجل صنو أَبِيه، إنَّا كُنَّا احتجنا إِلَى مَال فتعجلنا من الْعَبَّاس صَدَقَة مَاله لِسنتَيْنِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث وليد بن حَمَّاد، عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 الْحسن بن زِيَاد، عَن الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم، (عَن) مُوسَى بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، الْحسن (بن) زِيَاد كَذَّاب، قَالَه غير واحدٍ، وَالْحسن بن عمَارَة أحد الهلكى. قَالَ السَّاجِي: أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. وَأغْرب الْبَزَّار فَقَالَ فِي «مُسْنده» فِي هَذَا الحَدِيث: سكت أهل الْعلم عَن حَدِيثه. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: اخْتلفُوا فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى الحكم فِي إِسْنَاده، وَالصَّحِيح عَن الْحسن بن مُسلم مُرْسل. ثَالِثهَا: من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس؛ قَالَ: بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عمر ساعيًا، قَالَ: فَأَتَى الْعَبَّاس يطْلب صَدَقَة مَاله، قَالَ: فَأَغْلَظ لَهُ الْعَبَّاس (القَوْل) ، فَخرج إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ، (فَقَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الْعَبَّاس قد أسلفنا زَكَاة مَاله الْعَام وَالْعَام الْمقبل» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا كَذَلِك، وَإِسْنَاده أَيْضا ضَعِيف، فِيهِ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي وَقد تَرَكُوهُ. رَابِعهَا: من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث عمر عَلَى الصَّدَقَة، فَرجع (وَهُوَ) يشكو الْعَبَّاس، فَقَالَ: إِنَّه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 مَنَعَنِي صدقته. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا عمر، أما علمت أَن عمّ الرجل صِنْو أَبِيه، إِن الْعَبَّاس أسلفنا صَدَقَة عَاميْنِ فِي عَام» . وَإِسْنَاده أَيْضا ضَعِيف؛ لأجل منْدَل بن عَلّي رَاوِيه عَن الحكم، وَقد ضعفه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ. خَامِسهَا: من حَدِيث أبي البخْترِي، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّا كُنَّا احتجنا فأسلفنا الْعَبَّاس صَدَقَة عَاميْنِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، ثمَّ قَالَ: فِيهِ إرْسَال بَين أبي البخترى وَعلي. قلت: لِأَنَّهُ لم يُدْرِكهُ كَمَا نصَّ عَلَيْهِ شُعْبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم. وَاحْتج الْبَيْهَقِيّ للتعجيل بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «وَأما الْعَبَّاس فَهِيَ عليَّ وَمثلهَا مَعهَا ... » الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 الحَدِيث بِطُولِهِ. (قَالَ) الْبَيْهَقِيّ: حملُوا هَذَا الحَدِيث عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أخر عَنهُ الصَّدَقَة (عَاميْنِ) من حَاجَة (بِالْعَبَّاسِ) إِلَيْهَا، وَالَّذِي رَوَاهُ وَرْقَاء عَلَى أَنه تسلف مِنْهُ صَدَقَة عَاميْنِ. قَالَ: وَفِي كل ذَلِك دَلِيل عَلَى جَوَاز تَعْجِيل الصَّدَقَة. أما حَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الَّذِي قَالَ فِيهِ: «فَهِيَ (عَلّي) صَدَقَة وَمثلهَا مَعهَا» فَإِنَّهُ يبعد من أَن يكون مَحْفُوظًا، (لِأَن) الْعَبَّاس كَانَ (رجلا) من (صلبية) بني هَاشم تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، فَكيف يَجْعَل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا عَلَيْهِ من صَدَقَة عَاميْنِ صَدَقَة عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَرَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي الزِّنَاد؛ فَقَالَ فِي الحَدِيث: «فَهِيَ لَهُ وَمثلهَا مَعهَا» وَقد يُقَال: «لَهُ» بِمَعْنى «عَلَيْهِ» ، فروايته مَحْمُولَة عَلَى سَائِر الرِّوَايَات، وَقد يكون المُرَاد بقوله «فَهِيَ عَلَيْهِ» : أَي عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَيكون مُوَافقا لرِوَايَة وَرْقَاء، وَرِوَايَة وَرْقَاء أولَى بِالصِّحَّةِ؛ لموافقتها الرِّوَايَات الصَّحِيحَة بالاستسلاف والتعجيل. قَالَ: وَقد رَوَى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع «أَن عبد الله بن عمر كَانَ يبْعَث زَكَاة الْفطر إِلَى الذى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 تجمع عِنْده قبل الْفطر بيومين أَو ثَلَاثَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَذهب أَكثر أهل الْعلم إِلَى جَوَاز تَعْجِيل الزَّكَاة. قلت: فَحصل الِاسْتِدْلَال إِذن من مَجْمُوع مَا ذَكرْنَاهُ عَلَى جَوَاز التَّعْجِيل، وَالشَّافِعِيّ يحْتَج بالمرسل إِذا اعتضد بِأحد أُمُور مِنْهَا: أَن يسند من جِهَة أُخْرَى أَو يُرْسل، أَو يَقُول بِهِ بعض الصَّحَابَة أَو أَكثر الْعلمَاء. وَقد (وجدنَا) هَذِه الْأُمُور؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مَعْنَاهُ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَمَا سلف، وَرُوِيَ مُرْسلا وَمُسْندًا كَمَا سلف فِي الحَدِيث (الَّذِي) قبله أَيْضا، وَقَالَ بِهِ بعض الصَّحَابَة كَمَا سلف عَن ابْن عمر، وَقَالَ بِهِ أَكثر الْعلمَاء كَمَا أسلفناه عَن (التِّرْمِذِيّ) ، فَللَّه الْحَمد. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (فِي) خمس من الْإِبِل شَاة، وَلَا شَيْء فِي زيادتها حَتَّى تبلغ عشرا» . هَذَا الحَدِيث تقدم (بَيَانه) فِي بَاب زَكَاة النعم من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي حَدِيث أنس: «فِي خمس من الْإِبِل شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مَخَاض» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه بِطُولِهِ فِي الْبَاب الْمَذْكُور أَيْضا. الحَدِيث الْحَادِي عشر قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة» . هَذَا الحَدِيث هُوَ بعض من حَدِيث ابْن عمر، وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره مطولا كَمَا أسلفناه أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. وَأما آثَار الْبَاب فخمسة: أَولهَا: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَنه قَالَ فِي الْمحرم: «هَذَا شهر زَكَاتكُمْ، فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليقض دينه، ثمَّ ليزك مَاله» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن السَّائِب بن يزِيد؛ أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يَقُول: «هَذَا شهر زَكَاتكُمْ، فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليؤد دينه حَتَّى (تخلص) أَمْوَالكُم، فتؤدون مِنْهَا الزَّكَاة» . وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي «أَحْكَام الْقُرْآن» بِلَفْظ: «فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 فليقضه، وأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، عَن الشَّافِعِي كَمَا سلف، وَمن طَرِيق آخر بِإِسْنَاد صَحِيح أَيْضا، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي السَّائِب بن يزِيد «أَنه سمع عُثْمَان بن عَفَّان خَطِيبًا عَلَى مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: هَذَا شهر زَكَاتكُمْ - وَلم يسم (لي) السَّائِب الشَّهْر، وَلم أسأله عَنهُ، قَالَ: فَقَالَ عُثْمَان: - فَمن كَانَ مِنْكُم عَلَيْهِ دين فليقض دينه حَتَّى تخلص أَمْوَالكُم فتؤدوا مِنْهَا الزَّكَاة» . ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب (الدَّين هَل يمْنَع) الصَّدَقَة، من كتاب الزَّكَاة، قَالَ: وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «الصَّحِيح» ، عَن أبي الْيَمَان، عَن شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ، وَكَذَا عزاهُ إِلَى البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه: الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث «الْمُهَذّب» ، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (الإِمَام) ، وَأنكر النَّوَوِيّ فِي «شَرحه للمهذب» عَلَى الْبَيْهَقِيّ هَذَا الْعزو، وَقَالَ: البُخَارِيّ لم يذكرهُ فِي «صَحِيحه» هَكَذَا، وَإِنَّمَا ذكر عَن السَّائِب بن يزِيد؛ أَنه سمع عُثْمَان بن عَفَّان عَلَى مِنْبَر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، لم يزدْ عَلَى هَذَا، ذكره فِي كتاب الِاعْتِصَام فِي ذكر الْمِنْبَر، وَكَذَا ذكره الْحميدِي فِي «جمعه» عَن البُخَارِيّ، كَمَا ذكرنَا. قَالَ: ومقصود البُخَارِيّ بِهِ إِثْبَات الْمِنْبَر. قَالَ: وَكَأن الْبَيْهَقِيّ أَرَادَ: رَوَى البُخَارِيّ أَصله لَا كُله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 قلت: لَكِن الْبَيْهَقِيّ نَفسه فِي «خلافياته» سرده بِلَفْظِهِ السالف عَن «سنَنه» فَقَالَ: وَعند البُخَارِيّ فِي «الصَّحِيح» ، عَن السَّائِب بن يزِيد؛ أَنه سمع عُثْمَان ... فَذكره سَوَاء. فلعلَّ الْبَيْهَقِيّ ظفر بِهِ كَذَلِك فِي نُسْخَة من نسخ البُخَارِيّ. الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع: «أَن سعد بن أبي وَقاص، وَأَبا هُرَيْرَة، وَأَبا سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، سئلوا عَن الصّرْف إِلَى الْوُلَاة الجائرين فَأمروا بِهِ» . هَذِه الْآثَار مَشْهُورَة عَنْهُم، رَوَاهَا سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، قَالَ: «اجْتمع (عِنْدِي) نَفَقَة فِيهَا صدقتى - يَعْنِي بلغت نِصَاب الزَّكَاة - فَسَأَلت (سعد) بن وَقاص وَابْن عمر وَأَبا هُرَيْرَة وَأَبا سعيد الْخُدْرِيّ؛ أَن أقسمها أَو أدفعها إِلَى السُّلْطَان (فأمروني جَمِيعًا أَن أدفعها إِلَى السُّلْطَان) مَا اخْتلف عليَّ (مِنْهُم) أحد» . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «فَقلت لَهُم: هَذَا السُّلْطَان يفعل مَا ترَوْنَ، فأدفع إِلَيْهِ زكاتي؟ فَقَالُوا كلهم: نعم» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَنْهُم وَعَن غَيرهم. الْأَثر الْخَامِس: «أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَانَ يبْعَث صَدَقَة الْفطر إِلَى الَّذِي تجمع عِنْده قبل الْفطر بيومين» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ كَمَا سلف، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَلَفظ (الشَّافِعِي وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ) : «بيومين أَو ثَلَاثَة» وَلَفظ البَاقِينَ: «بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ» . وَفِي البُخَارِيّ: «أَن ابْن عمر كَانَ يُعْطِيهَا الَّذين يقبلونها، وَكَانُوا يُعْطون قبل الْفطر بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 بَاب زَكَاة المعشرات ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَادِيث واثارًا، أما الْأَحَادِيث فثمانية عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِيمَا سقت السَّمَاء والبعل والسيل الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر» يكون ذَلِك فِي التَّمْر وَالْحِنْطَة والحبوب، فَأَما القثاء والبطيخ وَالرُّمَّان والقصب والخضروات فعفو، عَفى عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ، كَمَا (سقناه) الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث (ابْن) نَافِع، قَالَ: حَدثنِي إِسْحَاق بن يَحْيَى بن طَلْحَة، عَن عَمه مُوسَى (بن طَلْحَة) ، عَن معَاذ بِهِ. والرافعي لم يذكرهُ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ: تجب الزَّكَاة فِي الأقوات، وعدَّد جملَة مِنْهَا، ثمَّ قَالَ: إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أَخذ الزَّكَاة فِي كثير مِنْهَا، وَألْحق الْبَاقِي بِهِ لشُمُوله مَعْنَى الاقتيات فَذكرت لَك الحَدِيث برمتِهِ. وَابْن نَافِع هَذَا هُوَ عبد الله بن نَافِع (الصَّائِغ) ، وَهُوَ ثِقَة من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 فرسَان مُسلم وَلينه جماعات، وَإِسْحَاق بن يَحْيَى بن طَلْحَة مَتْرُوك، كَمَا قَالَه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ. ثمَّ فِيهِ انْقِطَاع أَيْضا؛ لِأَن مُوسَى بن طلحةلم يُدْرِكهُ كَمَا ستعلمه بَعْدُ وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» (بِالْإِسْنَادِ) الْمَذْكُور (ثمَّ) قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور. نعم ذكر شَاهدا من حَدِيث أبي مُوسَى ومعاذ، وَسَيَأْتِي، ثمَّ قَالَ: هَذَا شَاهد صَحِيح. وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة - أحد الهلكى - عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبيد، عَن عِيسَى بن طَلْحَة، عَن معَاذ «أَنه كتب إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْأَله عَن الخضروات، (وَعَن) الْبُقُول؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء» . (ثمَّ) قَالَ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح، وَلَيْسَ يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي هَذَا الْبَاب شَيْء - يعْنى فِي الخضروات - وَالْحسن بن عمَارَة ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، ضعفه شُعْبَة وَغَيره، وَتَركه ابْن الْمُبَارك، وَإِنَّمَا يرْوَى عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 وَقَالَ ابْن حزم: ذكرُوا آثاًرا فِي إِيجَاب الزَّكَاة فِي (الزَّبِيب) لَيْسَ مِنْهَا شَيْء يَصح، مِنْهَا حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة «عندنَا كتاب معَاذ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه إِنَّمَا أَخذ الصَّدَقَة من التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير» ثمَّ (قَالَ) هَذَا مُنْقَطع؛ لِأَن مُوسَى بن طَلْحَة لم يدْرك معَاذًا (يَعقله) . الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الصَّدَقَة فِي أَرْبَعَة: فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير، وَلَيْسَ فِيمَا سواهَا صَدَقَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» من حَدِيث (أبي) بُرْدَة، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، ومعاذ بن جبل، رضى الله عَنْهُمَا، حِين بعثهما رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن، يعلمَانِ النَّاس أَمر دينهم: «لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَة (إِلَّا) من هَذِه الْأَرْبَعَة: الشّعير، وَالْحِنْطَة، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب» . قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : رُوَاته ثِقَات، وَهُوَ مُتَّصِل. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث مُوسَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 بن طَلْحَة، عَن عمر بن الْخطاب؛ قَالَ: «إِنَّمَا سنّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الزَّكَاة فِي هَذِه الْأَرْبَعَة: فِي الْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالزَّبِيب، وَالتَّمْر» . وَمن حَدِيث الْعَرْزَمِي - وَهُوَ واه - عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، قَالَ: «سُئِلَ عبد الله بن عَمْرو عَن الْجَوْهَر والدر والفصوص والخرز، وَعَن نَبَات الأَرْض؛ البقل والقثاء وَالْخيَار، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحجر زَكَاة، وَلَيْسَ فِي الْبُقُول زَكَاة، إِنَّمَا سنّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب» . (وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه مُخْتَصرا؛ وَهَذَا لَفظه: عَن جده عبد الله بن (عَمْرو) قَالَ: «إِنَّمَا سنّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الزَّكَاة فِي هَذِه الْخَمْسَة: فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب) والذرة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة؛ قَالَ: «عندنَا كتاب معَاذ بن جبل عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ أَنه إِنَّمَا أَخذ الصَّدَقَة من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد احْتج بِجَمِيعِ (رُوَاته) . قَالَ: (و) مُوسَى بن طَلْحَة تَابِعِيّ كَبِير (لَا) يُنكر لَهُ (أَنه) يدْرك أَيَّام معَاذ. وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 «الْإِلْمَام» ؛ فَقَالَ بعد أَن نقل عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِيهِ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَزعم أَن مُوسَى بن طَلْحَة تَابِعِيّ كَبِير لَا يُنكر أَن يدْرك أَيَّام (معَاذ) : وَفِيمَا قَالَ نظر كَبِير؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ من حَدِيث مُوسَى أَنه قَالَ: «عندنَا كتاب معَاذ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه إِنَّمَا أَخذ الصَّدَقَة من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر» وَهَذَا يشْعر أَنه كتاب، وَذكر أَبُو زرْعَة أَن مُوسَى عَن عمر مُرْسل؛ فَإِن كَانَ لم يدْرك (عمر فَلم يدْرك) معَاذًا. وَقَالَ فِي «الإِمَام» : فِي قَول الْحَاكِم نظر - أَعنِي فِي الِاتِّصَال مَا بَين مُوسَى ومعاذ - وَقد ذكرُوا فِي وَفَاة مُوسَى (أَنَّهَا) كَانَت فِي سنة ثَلَاث وَمِائَة وَقيل: أَربع. قلت: وَأما ابْن عبد الْبر فَقَالَ فِي «استذكاره» : لم يلق معَاذًا وَلَا أدْركهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد تَخْرِيجه: رَوَى هَذَا الحَدِيث عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي، عَن سُفْيَان، وَزَاد فِيهِ: قَالَ: «بعث الْحجَّاج بمُوسَى بن الْمُغيرَة عَلَى الْخضر والسواد، فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ من الْخضر الرطاب والبقول، فَقَالَ مُوسَى بن طَلْحَة: عندنَا كتاب معَاذ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه أمره أَن يَأْخُذ من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب. قَالَ: فَكتب إِلَى الْحجَّاج فِي ذَلِك، فَقَالَ: صدق» وَفِي رِوَايَة لَهُ: إِن مُوسَى بن طَلْحَة أعلم من مُوسَى بن الْمُغيرَة. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن مُجَاهِد؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 قَالَ: «لم تكن الصَّدَقَة فِي عهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا فِي خَمْسَة (أَشْيَاء) : الْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب، والذرة» . ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن قَالَ: «لم يفْرض النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا فِي عشرَة أَشْيَاء: الْإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم، وَالذَّهَب، وَالْفِضَّة، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب» قَالَ ابْن عُيَيْنَة: أرَاهُ قَالَ - والذرة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْحسن؛ قَالَ: «لم يَجْعَل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الصَّدَقَة إِلَّا فِي عشرَة ... » فَذَكرهنَّ، وَذكر (فِيهِنَّ) «السُلت» وَلم يذكر: «الذّرة» . وَفِيه (عَمْرو) بن عبيد، رَأس الاعتزال، الْمَتْرُوك. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن الشّعبِيّ؛ قَالَ: «كتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أهل الْيمن: إِنَّمَا الصَّدَقَة فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب» . ثمَّ رَوَى أَيْضا حَدِيث معَاذ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الأول، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا مَرَاسِيل، إِلَّا (أَنَّهَا) من طرق مُخْتَلفَة فيؤكّد بَعْضهَا بَعْضًا، وَمَعَهَا حَدِيث أبي مُوسَى، وَمَعَهَا قَول بعض الصَّحَابَة؛ كَقَوْل عمر: «لَيْسَ فِي الخضروات صَدَقَة» ، (وَقَول عَلّي: لَيْسَ فِي الخضروات [والبقول] صَدَقَة» ) وَقَول عَائِشَة فِيمَا ذكرت أَن السّنة جرت بِهِ: «وَلَيْسَ فِيمَا أنبتت الأَرْض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 من الخضروات زَكَاة» ، وَقَول عَطاء: «لَا صَدَقَة إِلَّا فِي نخل (أَو) عِنَب أَو حب، وَلَيْسَ فِي شَيْء من (الْخضر) بعد [و] الْفَوَاكِه كلهَا صَدَقَة» . الحَدِيث الثَّالِث قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الْخَبَر - يَعْنِي الْمَذْكُور قبله - يَنْفِي الزَّكَاة فِي غير الْأَرْبَعَة، لَكِن ثَبت أَخذ الصَّدَقَة من الذّرة وَغَيرهَا بِأَمْر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. أما أَخذ الذّرة فقد سلف فِي الحَدِيث قبله، من حَدِيث الْحسن وَمُجاهد، وهما مرسلان، وَمَعَ ذَلِك فَفِي إِسْنَاد حَدِيث الْحسن: عَمْرو بن عبيد، الْمَتْرُوك، كَمَا سلف. وَفِي إِسْنَاد حَدِيث مُجَاهِد: خصيف الْجَزرِي، وَهُوَ مُخْتَلف (فِيهِ) ، وَسلف أَيْضا (فِي) حَدِيث عبد الله بن (عَمْرو) وَهُوَ ضَعِيف كَمَا سلف فِي الحَدِيث قبله. وَأما غير الذّرة، مَا عدا الْأَرْبَعَة، فقد سلف فِي الحَدِيث قبله أَيْضا: «السُلت» ، وَهُوَ مُرْسل. إِذا علمت ذَلِك فَفِي قَول الرَّافِعِيّ إِذن: ثَبت أَخذ الصَّدَقَة من الذّرة وَغَيرهَا بِأَمْر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فِيهِ نظر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 الحَدِيث الرَّابِع عَن معَاذ (بن جبل) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه [لم يَأْخُذ] زَكَاة الْعَسَل، وَقَالَ: لم يَأْمُرنِي فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِشَيْء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث طَاوس عَن معَاذ أَنه أُتِي بوقص الْبَقر (وَالْعَسَل) ، فَقَالَ معَاذ: كِلَاهُمَا لم يَأْمُرنِي فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِشَيْء» . قلت: وَهَذَا مُرْسل؛ طَاوس لم يدْرك معَاذًا كَمَا سلف فِي الحَدِيث السَّادِس من بَاب زَكَاة النعم. الحَدِيث الْخَامِس ورد فِي الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي أَخذ الزَّكَاة من الْعَسَل» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ورد فِي عدَّة أَخْبَار؛ (أَحدهَا) : خبر ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْعَسَل فِي كل عشرَة أزق زق» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، من حَدِيث عَمْرو بن أبي سَلمَة التنيسِي، عَن صَدَقَة بن عبد الله، عَن مُوسَى بن يسَار، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر (بِهِ) كَذَلِك. وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «أزقاق» بدل «أزق» . وَصدقَة هَذَا هُوَ السمين، وَهُوَ ضَعِيف، وَقد سلف حَاله فِي كتاب الطَّهَارَة فِي أثر عمر فِي المشمس. وَعَمْرو هَذَا من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَإِن ضعفه ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد (بن) يُوسُف، عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن مُوسَى بن يسَار؛ قَالَ ابْن حبَان: إِسْمَاعِيل هَذَا يقلب الْأَسَانِيد، وَيسْرق الحَدِيث لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. قَالَ يَحْيَى بن معِين: وَعَمْرو بن أبي سَلمَة وَزُهَيْر ضعيفان. وعلَّل ابْن الْجَوْزِيّ هَذِه الطَّرِيقَة بِهَذَا، وَقَالَ فِي «علله» : إِنَّهَا لَا تصح لأجل ذَلِك. وَزُهَيْر هَذَا من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَفِيه لين. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده مقَال، وَلَا يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي هَذَا (الْبَاب) كَبِير شَيْء، وَصدقَة لَيْسَ بحافظ، وَقد خُولِفَ فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن نَافِع. وَقَالَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 «علله» : سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فَقَالَ: (هُوَ) عَن نَافِع، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسل. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ هَكَذَا صَدَقَة، وَهُوَ ضَعِيف، قد ضعفه أَحْمد وَيَحْيَى وَغَيرهمَا. ثَانِيهَا: خبر عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «جَاءَ هِلَال - أحد بني مُتعَانَ - إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعشور (نحلٍ) لَهُ، قَالَ: وَسَأَلَهُ أَن يحمي وَاديا يُقَال لَهُ سَلبَهْ، فحمى لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَلِك الْوَادي، فَلَمَّا تولى عمر بن الْخطاب كتب سُفْيَان بن وهب إِلَى عمر بن الْخطاب (يسْأَله) عَن ذَلِك، فَكتب عمر: إِن أَدَّى إِلَيْك مَا كَانَ (يُؤَدِّي) إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عشور (نحله) فَاحم لَهُ سَلبَه، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَاب غيث يَأْكُلهُ من يَشَاء» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وسَلبه بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَاللَّام (مَعًا) ، كَمَا قَيده الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِن شَبابَة - بطن من فهم - ... » فَذكر نَحوه، وَقَالَ: «فِي (كل) عشر قرب قربَة» وَقَالَ سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ: «وَكَانَ يحمى لَهُم واديين» زَاد: «فأدوا إِلَيْهِ مَا كَانُوا يؤدون إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَحمى لَهُم (وَادِيهمْ)) . وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عبد الله بن عَمْرو. وَهَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده احْتج بهَا الْأَكْثَرُونَ، كَمَا أسلفناه فِي بَاب الْوضُوء، لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين لما ذكره فِي «إلمامه» قَالَ: إِن ابْن مَاجَه رَوَاهُ من حَدِيث نعيم بن حَمَّاد، وَهُوَ حَافظ أخرج لَهُ البُخَارِيّ - وَقد (مُس) - عَن ابْن الْمُبَارك - وَهُوَ إِمَام - عَن أُسَامَة بن زيد، وَأخرج لَهُ مُسلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله بن عَمْرو «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ من الْعَسَل الْعشْر» . قَالَ: وَمن يحْتَج بنسخة عَمْرو يحْتَج بِهِ. قلت: لَا جرم حسنه ابْن عبد الْبر فِي «استذكاره» ، وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن عمر، قصَّة بني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 شَبابَة الحَدِيث؛ فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَعبد الله بن لَهِيعَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مُسْندًا عَن عمر، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب مُرْسلا عَن عمر. ثَالِثهَا: خبر سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن أبي سيارة (المتعي) ؛ قَالَ: «قلت يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن لي نحلاً قَالَ: أدّ العشور. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله) احم لي جبلها فحمى (لي) جبلها» . رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» ، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي سيارة (المتَعي) وَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع؛ لِأَن سُلَيْمَان بن مُوسَى لم يدْرك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 أَبَا سيارة (المتَعي) ، وَمَعَ ذَلِك فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ أصح مَا رُوِيَ فِي وجوب الْعشْر فِيهِ مَعَ انْقِطَاعه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُرْسل وَسليمَان بن مُوسَى لم يدْرك أحدا من (أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) ، وَلَيْسَ فِي زَكَاة الْعَسَل شَيْء يَصح. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا حَدِيث مُنْقَطع، وَلَا يعرف أَبُو سيارة بِغَيْر هَذَا، وَلَا تقوم لأحد بِمثلِهِ حجَّة. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي «الْكَمَال» : أَبُو سيارة [المتعي الْقَيْسِي] ، قيل: اسْمه عميرَة بن الأعلم، وَقيل: إِنَّه شَامي، وَحَدِيثه فِي الشاميين، رَوَى عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَدِيثا فِي الْعَسَل، وَلَيْسَ لَهُ سواهُ. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» فِي تَرْجَمَة: من عرف بكنيته دون اسْمه. رَابِعهَا: خبر أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ قَالَ: «كتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أهل الْيمن: أَن يُؤْخَذ من (الْعَسَل الْعشْر)) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث عبد الله بن مُحَرر، [عَن الزُّهْرِيّ] ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة. وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة. وَعبد الله هَذَا تَرَكُوهُ، قَالَ ابْن حزم: (هُوَ) أسقط من كل سَاقِط مُتَّفق عَلَى (إطراحه) . خَامِسهَا: خبر (سعد) بن أبي ذُبَاب قَالَ: «قدمت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأسْلمت، (ثمَّ) قلت: يَا رَسُول الله اجْعَل لقومي مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ من أَمْوَالهم فَفعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فاستعملني عَلَيْهِم، ثمَّ استعملني أَبُو بكر، ثمَّ عمر. قَالَ: وَكَانَ سعد من أهل السراة، قَالَ: فكلمت قومِي فِي الْعَسَل، فَقلت لَهُم: زكوه فَإِنَّهُ لَا خير فِي ثَمَرَة لَا تزكَّى. (فَقَالُوا:) كم؟ فَقلت: الْعشْر. فَأخذت مِنْهُم الْعشْر، فَأتيت عمر بن الْخطاب فَأَخْبَرته بِمَا كَانَ، قَالَ: فَقَبضهُ عمر فَبَاعَهُ ثمَّ جعل (ثمنه) فِي صدقَات الْمُسلمين» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: عبد الله (وَالِد) مُنِير عَن سعد بن أبي ذُبَاب لَا يَصح حَدِيثه. (وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ:) مُنِير هَذَا لَا نعرفه إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مُنِير لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ هُوَ ضَعِيف. قَالَ الشَّافِعِي: وَسعد بن أبي ذُبَاب يَحْكِي مَا يدل عَلَى (أَن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يَأْمُرهُ بِأخذ الصَّدَقَة من الْعَسَل، وَأَنه شَيْء رَآهُ فتطوع لَهُ أَهله. فَهَذِهِ أَحَادِيث إِيجَاب زَكَاة الْعَسَل مطعون فِي كلهَا وأجودها: (ثَانِيهَا) وَقد صرح جماعات من الْحفاظ بِأَنَّهُ لَا يَصح شَيْء فِي إِيجَاب زَكَاته، قَالَ الزَّعْفَرَانِي: قَالَ الشَّافِعِي: الحَدِيث فِي أَن فِي الْعَسَل الْعشْر ضَعِيف، وَفِي أَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُ الْعشْر ضَعِيف، إِلَّا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، أَنا مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: « (جَاءَنِي) كتاب من عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي و (هُوَ) بمنى: أَلا تَأْخُذ من الْخَيل وَلَا من الْعَسَل صَدَقَة» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 قَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ: واختياري أَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُ؛ لِأَن السّنَن والْآثَار ثَابِتَة فِيمَا يُؤْخَذ مِنْهُ، وَلَيْسَت فِيهِ ثَابِتَة، فَكَأَنَّهُ عَفْو. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح فِي زَكَاة الْعَسَل شَيْء، وَقد أسلفنا ذَلِك عَن التِّرْمِذِيّ أَيْضا. وَكَذَا قَالَ ابْن الْمُنْذر: لَيْسَ فِي وجوب صَدَقَة الْعَسَل حَدِيث (يثبت) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَا إِجْمَاع، فَلَا زَكَاة فِيهِ، وروينا ذَلِك عَن ابْن عمر، وَعمر بن عبد الْعَزِيز. الحَدِيث السَّادِس عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة» . هَذَا الحَدِيث (كَرَّرَه) الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَاللَّفْظ (للْبُخَارِيّ، وَلَفظ) مُسلم: «لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق من تمر وَلَا حب صَدَقَة» ، وَأخرجه بِاللَّفْظِ الأول مُسلم من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الحَدِيث السَّابِع وَالثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الوسق سِتُّونَ صَاعا» . رَوَاهُ جَابر وَغَيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» . وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، الْمَتْرُوك. وَأما حَدِيث غير جَابر؛ فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، من (طَرِيق) أبي البخْترِي الطَّائِي الْكُوفِي واسْمه سعيد بن فَيْرُوز - عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الوسق سِتُّونَ صَاعا» . وَهَذَا مُنْقَطع [أَبُو] البخْترِي لم يسمع من أبي سعيد؛ قَالَه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لم يُدْرِكهُ. قلت: وَله طَرِيق آخر مُتَّصِل؛ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 الْأنْصَارِيّ، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة، وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود صَدَقَة، وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس أوسق صَدَقَة، والوسق سِتُّونَ صَاعا» . وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع عَلَى أَن الوسق سِتُّونَ (صَاعا) . فَائِدَة: الْأَشْهر الْأَفْصَح فتح وَاو الوسق، وَفِي لُغَة أُخْرَى كسرهَا. الحَدِيث التَّاسِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، أَنَّهَا قَالَت: «جرت السّنة أَنه لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من هَذَا الْوَجْه، (من حَدِيث) إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود عَنْهَا قَالَت: «جرت السّنة من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة (أوساق) زَكَاة، والوسق سِتُّونَ صَاعا، فَذَلِك ثَلَاثمِائَة صَاع، من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب، وَلَيْسَ فِيمَا أنبتت الأَرْض من الْخضر زَكَاة» . وَفِيه صَالح بن مُوسَى وَقد ضَعَّفُوهُ. وَأما أَبُو عوَانَة فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» من جِهَته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (بِلَفْظ آخر) عَنْهَا: «جرت السّنة من نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيمَا أخرجت الأَرْض من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق، الوسق سِتُّونَ صَاعا، فَذَلِك ثَلَاثمِائَة صَاع» . أخرجه مطولا ثمَّ قَالَ: لم يروه بِهَذَا الْإِسْنَاد (غير صَالح) الطلحي وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. الحَدِيث الْعَاشِر عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما؛ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريًا الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «مَا كَانَ بعًلا أَو سقِِي بنهر أَو عثري يُؤْخَذ من كل عشرَة وَاحِد» (ثمَّ) قَالَ: فِيهِ (دحض) لقَوْل من زعم أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِلَفْظ: «فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار والعيون أَو كَانَ بعًلا (الْعشْر) وَمَا سقِِي بالسواني أَو النَّضْح نصف الْعشْر» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ؟ فَقَالَ: الصَّحِيح وَقفه عَلَى ابْن عمر. قلت: وَرُوِيَ أَيْضا [من غير] حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر؛ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِيمَا سقت الْأَنْهَار والغيم العشور، وَفِيمَا سقِِي بالسانية نصف (الْعشْر)) . وَرَوَاهُ الترمذى وَابْن مَاجَه، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث معَاذ بِلَفْظ: «وَمَا سقِِي بالدوالي نصف الْعشْر» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 قَالَ ابْن عبد الْبر: (وَأَحَادِيث) ابْن عمر وَجَابِر ومعاذ (صَحِيحَة ثَابِتَة) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ قَول الْعَامَّة لَا أعلم فِيهِ خلافًا. وَأَشَارَ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر (إِلَى) أَنه مجمع عَلَيْهِ. فَائِدَة: العثري، بِعَين مُهْملَة ثمَّ (ثاء) مُثَلّثَة مفتوحتين، ثمَّ يَاء (مثناة تَحت) مُشَدّدَة، وَيُقَال: بِإِسْكَان الثَّاء، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور فتحهَا. وَنقل الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب عَن ابْن (المرابط) أَنه حَكَى سُكُون الْعين، وَكَأن مُرَاده (عين) الْكَلِمَة فيوافق (حِكَايَة) من حَكَى إسكان الثَّاء. قَالَ القلعي: والعثري هُوَ مَا سقت السَّمَاء لَا خلاف بَين أهل اللُّغَة فِيهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَه لَيْسَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ نَقله عَن جَمِيع أهل اللُّغَة صَحِيحا، وَإِنَّمَا هُوَ قَول قَائِل مِنْهُم، وَذكر ابْن فَارس فِي «الْمُجْمل» فِيهِ قَوْلَيْنِ لأهل اللُّغَة قَالَ: العثري مَا سقِِي من النّخل سيحًا، والسيح المَاء الْجَارِي. قَالَ: وَيُقَال: هُوَ العِذْيُ، والعذي الزَّرْع الَّذِي لَا يسْقِيه إِلَّا مَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 الْمَطَر. وَلم يذكر الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» إِلَّا هَذَا القَوْل، وَالأَصَح مَا قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره من أهل اللُّغَة: (أَن) العثري مَخْصُوص بِمَا سقِِي من مَاء السَّيْل، فَيجْعَل عاثور، وَهُوَ شبه ساقية تحفر وَيجْرِي (فِيهَا) المَاء إِلَى أُصُوله، وَسمي عاثورًا؛ لِأَنَّهُ يتعثر بِهِ الْمَار الَّذِي لَا يشْعر بِهِ. والنضح: السَّقْي من مَاء بِئْر أَو نهر بسانية وَنَحْوهَا؛ قَالَه أهل اللُّغَة. والسانية والناضح اسْم للبعير (وَالْبَقر) الَّذِي يستقى عَلَيْهِ من الْبِئْر وَالنّهر، وَالْأُنْثَى ناضحة؛ وَجمع الناضحْ: نَواضِح. والبعل: (هُوَ) مَا شرب بعروقه وَلم يتعنَّ فِي سقيه؛ قَالَه أَبُو دَاوُد. قَالَ: وَقَالَ وَكِيع هُوَ مَا ينْبت من مَاء السَّمَاء. والدوالي: الدواليب. قَالَ الْجَوْهَرِي: (هُوَ) الدولاب فَارسي مُعرب. الحَدِيث الحادى عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَمَا سقِِي بنضح أَو غرب فَفِيهِ نصف الْعشْر» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من حَدِيث الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَلَفظه: «وَمَا سقِِي بالغرب فَفِيهِ نصف الْعشْر» . والْحَارث مُخْتَلف فِيهِ، مِنْهُم من وَثَّقَهُ، وَبَعْضهمْ كذبه. وَرَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي «مُسْند أَبِيه» : حَدثنِي عُثْمَان بن أبي شيبَة، نَا جرير، عَن مُحَمَّد بن سَالم، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب والدالية فَفِيهِ نصف الْعشْر» . قَالَ عبد الله: فَحدثت أبي بِحَدِيث عُثْمَان، عَن جرير؛ فَأنكرهُ (أبي) جدًّا، وَكَانَ أبي لَا يحدثنا عَن مُحَمَّد بن سَالم؛ لضَعْفه عِنْده لنكارة حَدِيثه. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَاصِم، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَنه قَالَ: «مَا (سقت) السَّمَاء فَمن كل عشرَة وَاحِد، وَمَا سقِِي بالغرب فَمن كل عشْرين وَاحِد» . وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَن أبي مُطِيع الْبَلْخِي، عَن أبي حنيفَة، عَن أبان بن أبي عَيَّاش، عَن رجل، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بنضح أَو غرب نصف الْعشْر، فِي قَلِيله وَكَثِيره» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 قَالَ: وَهَذَا إِسْنَاد لَا يُسَاوِي شَيْئا، أما أَبُو مُطِيع فَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَنْبَغِي أَن يروي عَنهُ شَيْئا. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تركُوا حَدِيثه. وَأما أبان فَكَانَ (شُعْبَة) يَقُول: لِأَن أزني أحب إليَّ من أَن أحدث عَنهُ. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث عَاصِم عَن عَلّي مَرْفُوعا، السالف عَن رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد: «فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب والدالية نصف الْعشْر» فَقَالَ: يرويهِ أَبُو إِسْحَاق، وَاخْتلف عَنهُ، فرفعه (ابْن) سَالم (الْعَبْسِي) أَبُو سهل، وَهُوَ ضَعِيف، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَلّي، مَرْفُوعا. وَوَقفه الثَّوْريّ، عَن (أبي) إِسْحَاق. قَالَ: وَالصَّحِيح مَوْقُوف، قَالَ: وَأنكر أَحْمد بن حَنْبَل حَدِيث مُحَمَّد بن سَالم، وَقَالَ: أرَاهُ مَوْضُوعا. قلت: وَأَشَارَ الْبَزَّار إِلَى أَن مُحَمَّد بن سَالم (لم) يتفرد بِرَفْعِهِ، ثمَّ ذكر بعده طَريقَة الْوَقْف (عَلَى) عليٍّ وَلَفظه فِي الْمَرْفُوع: «فِيمَا سقت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 السَّمَاء (أَو) كَانَ (فتحا) فَفِيهِ الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب فَفِيهِ نصف الْعشْر» . وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، مَرْفُوعا: «وَعَلَى مَا سَقَى الغرب نصف الْعشْر» . فَائِدَة: الغرْب بِسُكُون الرَّاء الدَّلْو الْعَظِيمَة الَّتِي تتَّخذ من جلد ثَوْر، فَإِذا فتحت الرَّاء فَهُوَ المَاء السَّائِل من الْبِئْر والحوض؛ قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ وَابْن الْأَثِير، وَحَكَى المطرزي عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه يُقَال للدلو الْكَبِيرَة الغرب، وَقَالَ ابْن سَيّده عَن يَعْقُوب: الغرب: الدَّلْو الْعَظِيمَة من مسك ثَوْر يسنو بهَا الْبَعِير. وَقَالَ عَن غَيره: هُوَ (ذكر) ، وَالْجمع غرُوب. وَقَالَ (عَن) صَاحب «الْعين» : الغرب الراوية. الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «خُذ الْإِبِل من الْإِبِل» الْخَبَر. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سنَنَيْهِمَا» ، من حَدِيث شريك بن أبي نمر، عَن عَطاء بن يسَار، عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَعثه إِلَى الْيمن فَقَالَ: خُذ الْحبّ من الْحبّ، وَالشَّاة من الْغنم، وَالْبَعِير من الْإِبِل، وَالْبَقر من الْبَقر» هَذَا (لفظ) أبي دَاوُد، وَلَفظ ابْن مَاجَه: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ (بَعثه) إِلَى الْيمن، وَقَالَ لَهُ: خُذ ... » . فَذكره بِمثلِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «الشَّاء وَالْبَقر» (بِدُونِ تَاء) . واستدركه الْحَاكِم عَلَى الشَّيْخَيْنِ، فَذكره فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: (هَذَا) إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ إِن صَحَّ سَماع عَطاء (عَن) معَاذ، فَإِنِّي لَا أتقنه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث (رُوَاته) ثِقَات. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : عَطاء بن يسَار لم يدْرك معَاذ بن جبل. قلت: لِأَن عَطاء ولد سنة تسع عشرَة، ومعاذ توفّي فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة، وَقيل: سنة سبع عشرَة. وَأما ابْن الْقطَّان فأعلَّهُ بِشريك بن أبي نمر، وَهُوَ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَكَفَى بهما أُسْوَة. الحَدِيث الثَّالِث عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقت وجوب الصَّدَقَة فِي النّخل وَالْكَرم: الزهو، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 وَهُوَ بَدو الصّلاح؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حِينَئِذٍ بعث الخارص للخرص. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره بعد من حَدِيث عَائِشَة، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ، وَبَعثه الخارص للخرص مرويٌّ من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عمر أَنه «عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى خَيْبَر يخرص عَلَيْهِم ثمَّ خَيرهمْ أَن يَأْخُذُوا أَو يردوا، فَقَالُوا: هَذَا الْحق؛ بِهَذَا قَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن وَكِيع، نَا الْعمريّ، عَن نَافِع عَنهُ بِهِ. ثَانِيهَا: من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر؛ قَالَ: « (أَفَاء) الله خَيْبَر عَلَى رَسُوله فأقرهم، وَجعلهَا بَينه وَبينهمْ، فَبعث عبد الله بن رَوَاحَة فخرصها عَلَيْهِم، ثمَّ قَالَ: يَا معشر يهود أَنْتُم أبْغض الْخلق إليَّ؛ قتلتم أَنْبيَاء الله، وكذبتم عَلَى الله، وَلَيْسَ يحملني (بغضي) إيَّاكُمْ أَن أحيف عَلَيْكُم، قد خرصت عشْرين ألف وسق من تمر، فَإِن شِئْتُم فلكم، وَإِن (أَبَيْتُم) فلي. قَالُوا: بِهَذَا قَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض، قد أخذناها. قَالَ: فاخرجوا (عَنْهَا) » . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، كَذَلِك، وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ. قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 الْمُنْذِرِيّ: وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات. ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِمثلِهِ. رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث جَعْفَر بن برْقَان، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس (بِهِ) . رَابِعهَا: من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بَعثه) خارصًا، فجَاء رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا حثْمَة قد زَاد عليَّ فِي الْخرص. فَدَعَاهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن ابْن عمك زعم أَنَّك زِدْت عَلَيْهِ فِي الْخرص فَقلت: يَا رَسُول الله، لقد تركت لَهُ قدر خرفة أَهله وَمَا يطعم الْمَسَاكِين. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قد زادك ابْن عمك وأنصف» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك. خَامِسهَا: من حَدِيث عَتاب (بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ مثناة فَوق) بن أَسيد - بِفَتْح الْهمزَة - أَمِير مَكَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يبْعَث عَلَى النَّاس من يخرص [عَلَيْهِم] كرومهم وثمارهم» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن الزبير بن بكار، عَن عبد الله بن نَافِع الصَّائِغ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 وَهُوَ من رجال مُسلم، وَفِيه لين - عَن مُحَمَّد بن صَالح - هُوَ التمار، قَالَ أَحْمد: ثِقَة ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ لَيْسَ بِالْقَوِيّ - عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بِهِ. وَرَوَاهُ كَذَلِك التِّرْمِذِيّ إِسْنَادًا ومتنًا، (ثمَّ) قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن حَدِيث عَائِشَة - يَعْنِي الْآتِي - فَقَالَ: حَدِيث عتاب أثبت وَأَصَح. وَذكر أَبُو دَاوُد إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث دون مَتنه محيًلا لَهُ عَلَى مَا قبله. قَالَ عبد الْحق: وَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع وَلَا يتَّصل من وجهٍ صَحِيح. قلت: (لِأَن) (سعيد) بن الْمسيب لم يسمع من عتاب بن أسيد - كَمَا ستعلمه فِي الحَدِيث الْآتِي بعد، إِن شَاءَ الله - وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه، وَمن شَرطه الِاتِّصَال. الحَدِيث الرَّابِع عشر (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي زَكَاة الْكَرم: (إِنَّهَا تخرص كَمَا يخرص لنخل، ثمَّ تُؤَدَّى زَكَاته زبيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاة النّخل تَمرا) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بن أسيد رَضي الله عَنهُ. (أما أَبُو دَاوُد فَرَوَاهُ من حَدِيث بشر بن مَنْصُور، عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بن أسيد) قَالَ: (أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يخرص الْعِنَب كَمَا يخرص النّخل، وَتُؤْخَذ زَكَاته زبيبًا، كَمَا تُؤْخَذ (صَدَقَة) النّخل تَمرا) . وَأما التِّرْمِذِيّ فَرَوَاهُ بِإِسْنَاد الحَدِيث الَّذِي قبله - وَقد تقدم - ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَأما النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع وَغَيره، عَن عبد الرَّحْمَن - كَمَا سلف - بِلَفْظ: (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر عتاب بن أسيد (أَن) يخرص الْعِنَب ... ) الحَدِيث كَمَا سلف - وَعبد الرَّحْمَن هَذَا ثِقَة صَالح الحَدِيث، كَمَا قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه: لَيْسَ بِهِ بَأْس. (فَقَالَ لَهُ: يَحْيَى بن سعيد يَقُول: سَأَلت عَنهُ بِالْمَدِينَةِ فَلم يحمدوه) فَسكت عَنهُ. وَرَوَى أَبُو طَالب عَنهُ قَالَ: سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الْمَدِينِيّ فَقَالَ: رَوَى عَن أبي الزِّنَاد أَحَادِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 مُنكرَة، وَكَانَ يَحْيَى لَا يُعجبهُ. قلت: كَيفَ هُوَ؟ قَالَ: صَالح الحَدِيث. وَذكره ابْن حَيَّان فِي ثِقَات أَتبَاع الأتباع. وَتَابعه عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز (الأُمامي) بِضَم الْهمزَة، نِسْبَة إِلَى أبي أُمَامَة، فَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقه، وَعبد الرَّحْمَن (هَذَا) من رجال مُسلم وَفِيه شَيْء. قلت: وَمَعَ ذَلِك فَفِيهِ انْقِطَاع بَين سعيد بن الْمسيب وعتاب بن أسيد. قَالَ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) : سعيد لم يسمع من عتاب شَيْئا. وَقَالَ عبد الْبَاقِي بن قَانِع: لم يُدْرِكهُ. وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا إِسْنَاد مُنْقَطع. وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي (مُخْتَصر السّنَن) و «الموافقات» : إِنَّه مُنْقَطع. قَالَ: وانقطاعه ظَاهر جدًّا؛ لِأَن عتاب بن أسيد مَاتَ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ الصّديق، ومولد سعيد بن الْمسيب فِي خلَافَة عمر، وَقيل: كَانَ مولده سنة عشر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي (الإِمَام) : هَذَا حَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بِمُتَّصِل؛ فَإِن سعيد بن الْمسيب لم يدْرك عتاب بن أسيد؛ لِأَن الْمَشْهُور فِي مولد سعيد أَنه (سنة) خمس عشرَة من الْهِجْرَة بعد وَفَاة عتاب بِسنتَيْنِ. وَقد قيل: إِن مولده بعد سنة عشْرين. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : هَذَا الحَدِيث مُرْسل؛ لِأَن عتابًا توفّي سنة ثَلَاث عشرَة، وَسَعِيد بن الْمسيب ولد بعد ذَلِك بِسنتَيْنِ، وَقيل: بِأَرْبَع. قلت: وَمِمَّا يُؤَكد إرْسَال هَذَا (الحَدِيث) وانقطاعه أَن الدَّارَقُطْنِيّ أخرجه من حَدِيث الْوَاقِدِيّ بِزِيَادَة الْمسور بن مخرمَة (بَين) سعيد وعتاب. وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب، فَقيل: إِنَّهَا حجَّة مُطلقًا. وَالأَصَح أَنَّهَا حجَّة إِذا اعتضدت بِأحد أُمُور: إِمَّا أَن يسند أَو يُرْسل من جِهَة أُخْرَى، أَو يَقُول بِهِ بعض الصَّحَابَة، أَو أَكثر الْعلمَاء، وَقد وجد ذَلِك هُنَا؛ فقد أجمع الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ عَلَى وجوب الزَّكَاة فِي التَّمْر وَالزَّبِيب. وَخَالف ابْن حبَان فَذكر الحَدِيث فِي (صَحِيحه) من طَرِيق ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَلَفظه: (الْكَرم يخرص كَمَا يخرص النّخل ثمَّ (تُؤْخَذ) زَكَاته زبيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاة النّخل تَمرا) . وَمن شَرطه الِاتِّصَال، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 كَمَا ذكره فِي خطْبَة (صَحِيحه) . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عَلّي سعيد بن عُثْمَان بن السكن: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من وَجه غير هَذَا، وَهَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر عتابًا) وَلم (يقل) : عَن عتاب. ويحكى أَن أَبَا حَاتِم وَأَبا زرْعَة سئلا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَا: هُوَ خطأ. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَالصَّحِيح عَن سعيد أَنه مُرْسل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَعبد الله بن نَافِع، وَكِلَاهُمَا فِي غَايَة الضعْف. (وَمن طَرِيق مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، وَهُوَ فِي غَايَة الضعْف) وَمن طَرِيق عبد الْملك بن حبيب الأندلسي، عَن أَسد بن مُوسَى - وَهُوَ مُنكر الحَدِيث - عَن نصر بن طريف، وَهُوَ (أَبُو جُزْء) ، وَهُوَ سَاقِط الْبَتَّةَ، كلهم يذكر عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب (أَنه أَمر بخرص الْعِنَب) وَسَعِيد لم يُولد إِلَّا بعد موت عتَّاب بِسنتَيْنِ، وعتاب لم يوله النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إلاَّ مَكَّة، وَلَا زرع بهَا، وَلَا عِنَب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ فِي آخر هَذَا الحَدِيث: (ثمَّ ينجلي بَينه وَبَين أَهله) . قلت: وَهَذِه الراوية غَرِيبَة لَا أعلم من خرجها بعد الْبَحْث عَنْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرص حديقة امْرَأَة بِنَفسِهِ» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غزونا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَزْوَة تَبُوك، فَلَمَّا (جَاءَ) وَادي الْقرى إِذا امْرَأَة فِي حديقة لَهَا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لأَصْحَابه) : اخرصوا. وخرص النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عشرَة أوسق، فَقَالَ لَهَا: أحصي مَا يخرج مِنْهَا ... » ثمَّ ذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَلَمَّا أَتَى وَادي الْقرى قَالَ للْمَرْأَة: كم (جَاءَ) حديقتك؟ قَالَت: عشرَة أوسق خرص رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الحَدِيث السَّادِس عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة خارصًا (أول) مَا تطيب الثَّمَرَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، من حَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج قَالَ: أخْبرت عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا قَالَت وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يبْعَث عبد الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 542 بن رَوَاحَة إِلَى يهود فيخرص النّخل حِين يطيب قبل أَن يُؤْكَل مِنْهُ» . وَفِي هَذَا جَهَالَة الْمخبر لِابْنِ جريج عَن ابْن شهَاب. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا قَالَت وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى الْيَهُود فيخرص النّخل حِين تطيب [أول] الثَّمَرَة قبل أَن يُؤْكَل مِنْهَا، ثمَّ يُخَيّر يهود، يأخذونها بذلك الْخرص (أَو يدفعونها إِلَيْهِم بذلك الْخرص) وَإِنَّمَا كَانَ أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالخرص لكَي تحصى الزَّكَاة قبل أَن (تُؤْكَل) الثِّمَار وتفرق» . (ثمَّ) ذكر إِسْنَاد أبي دَاوُد وَلم يذكر مَتنه، وَهِي تَقْتَضِي إِثْبَات وَاسِطَة بَين ابْن جريج وَالزهْرِيّ. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «استذكاره» : وَقَوله: «وَإِنَّمَا كَانَ أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » إِلَى آخِره، يُقَال: إِنَّه من قَول ابْن شهَاب، وَقيل: من قَول عُرْوَة، وَقيل: من قَول عَائِشَة. الحَدِيث السَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عبد الله بن رَوَاحَة خارصًا» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا، سَابِقًا ولاحقًا، مُسْتَوفى وَاضحا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَنه بعث مَعَه غَيره، فَيجوز أَن يكون ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 فِي وَقْتَيْنِ، وَيجوز أَن يكون الْمَبْعُوث مَعَه معينا أَو كَاتبا. قلت: بَعثه (مَعَه) غَيره غَرِيب، وَإِن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام خُرَّاص غَيره؛ إِذْ فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث جَابر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يبْعَث رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: فَرْوَة بن عَمْرو، فيخرص ثَمَرَة أهل الْمَدِينَة» . وَفِي إِسْنَاده حرَام بن عُثْمَان، وَالرِّوَايَة عَنهُ حرَام، وَفِيه أَيْضا من حَدِيث رَافع بن خديج «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يبْعَث فَرْوَة بن عَمْرو يخرص النّخل، فَإِذا دخل الْحَائِط حسب مَا فِيهِ من الأقناء، ثمَّ ضرب بَعْضهَا عَلَى بعض عَلَى مَا يرَى فِيهَا وَلَا يُخطئ» وَفِي إِسْنَاده إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة، وَهُوَ مَتْرُوك، وَفِيه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: «إِنَّمَا خرص عبد الله بن رَوَاحَة عَلَى أهل خَيْبَر عَاما وَاحِدًا، ثمَّ إِن (جَبَّار) بن صَخْر كَانَ يَبْعَثهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد ابْن رَوَاحَة فيخرص عَلَيْهِم» . وَرَوَى ابْن مَنْدَه (من) حَدِيث مُحَمَّد بن [مغيث] الجرشِي - وَلَا أعرفهُ - عَن الصَّلْت بن زبيد بن الصَّلْت الْمدنِي، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَعْملهُ عَلَى الْخرص، فَقَالَ: أثبت لنا النّصْف وأبق لَهُم النّصْف؛ فَإِنَّهُم يسرقون وَلَا يصل إِلَيْهِم» . وَقد أسلفنا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث سهل بن أبي حثْمَة خارصًا» أَيْضا، وَفِي «شرح التَّعْجِيز» لمصنفه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَهُ خراص معينون: حويصة ومحيصة وفروة وَغَيرهم. الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا خرصتم فاتركوا لَهُم الثُّلُث، فَإِن لم تتركوا لَهُم الثُّلُث فاتركوا (لَهُم) الرّبع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث، فَإِن لم تدعوا الثُّلُث فدعوا الرّبع» . وَلَفظ أَحْمد كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «فَإِن لم تدعوا فدعوا الرّبع» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 وَلَفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان: «جَاءَ سهل بن أبي حثْمَة إِلَى مَجْلِسنَا، فَقَالَ: أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث، فَإِن لم تدعوا (أَو تَجدوا) الثُّلُث فدعوا الرّبع» . وللنسائي أَيْضا وَالْحَاكِم: «فَإِن لم تَأْخُذُوا أَو تدعوا - شكّ (شُعْبَة) - فدعوا الرّبع» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث الْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم فِي الْخرص، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد مُتَّفق عَلَى صِحَّته؛ أَن عمر بن الْخطاب أَمر بِهِ. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى سهل بن أبي حثْمَة «أَن عمر بن الْخطاب بَعثه عَلَى خرص التَّمْر، وَقَالَ: إِذا أتيت أَرضًا فاخرصها ودع لَهُم قدر مَا يَأْكُلُون» . وَأما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود بن (نيار) ، قَالَ الْبَزَّار: لم يروه عَن سهل إِلَّا هُوَ، وَهُوَ مَعْرُوف. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا غير كَاف فِيمَا يَنْبَغِي من عَدَالَته فكم من مَعْرُوف غير ثِقَة، وَالرجل لَا يعرف لَهُ حَال وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلم يزدْ ذاكروه عَلَى مَا أخذُوا من هَذَا الْإِسْنَاد من رِوَايَته عَن سهل وَرِوَايَة خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ، وَلم يتَعَرَّض التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث بقولٍ، لَا تَصْحِيح وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 تَحْسِين، وَلَا تسقيم ذَلِك. قَالَ: وَسَهل لَا يبعد أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ لَيْسَ من يضْبط، وَلَعَلَّه سمع ذَلِك آخر حَيَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُوله لِأَبِيهِ، فَإِنَّهُ كَانَ خارص رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَو لغيره، وَقد جَاءَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنه بَعثه خارصًا لَكِن بسندٍ فِيهِ مَجَاهِيل، أَو أَنه تَصْحِيف وَصَوَابه (أَنه) بعث أَبَاهُ. قلت: عبد الرَّحْمَن هَذَا وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ ذكره فِي «ثقاته» ، وَأخرج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم صحّح إِسْنَاده، فقد عرف حَاله كَمَا قَالَه الْبَزَّار، وَللَّه الْحَمد. وَقَول النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح، إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود بن نيار الرَّاوِي عَن سهل بن أبي حثْمَة، فَلم يتكلموا فِيهِ بِجرح وَلَا تَعْدِيل، وَلَا هُوَ مَشْهُور، وَلم (يُضعفهُ) أَبُو دَاوُد. فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ من كَونه ثِقَة. وَقَول صَاحب «الْإِلْمَام» بعد أَن نقل تَصْحِيحه عَن الْحَاكِم: فِيمَا قَالَ نظر. مُرَاده بِهِ مَا ذَكرْنَاهُ عَن ابْن الْقطَّان، فَإِنَّهُ نَقله عَنهُ فِي كتاب «الإِمَام» وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَقد عرفت مَا فِيهِ. فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : لهَذَا الحَدِيث مَعْنيانِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 أَحدهمَا: أَن يتْرك الثُّلُث أَو الرّبع من الْعشْر. وَثَانِيهمَا: أَن يتْرك ذَلِك من نَفْس التَّمْر قبل أَن يعشر إِذا كَانَ ذَلِك حَائِطا كَبِيرا يحْتَملهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: مَعْنَاهُ يدع ثلث الزَّكَاة أَو ربعهَا ليفرقها هُوَ بِنَفسِهِ عَلَى أَقَاربه وجيرانه. وَقَالَ فِي «الْأُم» : (مَعْنَاهُ) يدع لَهُ ولأهله قدر مَا يَأْكُلُون وَلَا يخرصه. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنه إِذا احْتَاجَ وَأَهله إِلَى الْجَمِيع أَنه يتْرك الْجَمِيع. وَقد حَكَاهُ كَذَلِك الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» . (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه) . وَأما آثاره فسبعة: الأول: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَغَيره: «فِي الزَّيْتُون الْعشْر» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَقَالَ: إِسْنَاده مُنْقَطع، وَرَاوِيه لَيْسَ بِقَوي. رَوَاهُ من جِهَة الْوَلِيد - يَعْنِي: ابْن مُسلم - أَخْبرنِي عُثْمَان بن عَطاء، عَن أَبِيه عَطاء الْخُرَاسَانِي «أَن عمر بن الْخطاب لما قدم الْجَابِيَة رفع إِلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنهم اخْتلفُوا فِي عشر الزَّيْتُون، فَقَالَ عمر: فِيهِ الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق حبه، عصره وَأخذ عشر زيته» . وَمُرَاد الْبَيْهَقِيّ بالانقطاع بَين عَطاء الْخُرَاسَانِي (وَعمر) ، وَقَوله: (وَرَاوِيه) لَيْسَ بِالْقَوِيّ، يُرِيد: عُثْمَان بن عَطاء؛ فَإِنَّهُم ضَعَّفُوهُ، وَقد نبه عَلَى ذَلِك صَاحب «الإِمَام» ، وَعبارَته فِي «الْمعرفَة» - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ -: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 548 وَرَاوِيه (ضَعِيف) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَصَح مَا رُوِيَ فِي الزَّيْتُون قَول ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي زَكَاة الزَّيْتُون أَن تُؤْخَذ مِمَّن عصر زيتونه حِين يعصره، فِيمَا سقت السَّمَاء [والأنهار] أَو كَانَ بعلاً الْعشْر، وَمَا سقِِي برشاء الناضح نصف الْعشْر. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَهَذَا مَوْقُوف لَا نعلم اشتهاره فَلَا يحْتَج بِهِ عَلَى الصَّحِيح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث معَاذ بن جبل وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَعلَى وَأولَى أَن يُؤْخَذ بِهِ. يَعْنِي: روايتهما «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهما لما بعثهما إِلَى الْيمن: لَا تأخذا الصَّدَقَة إِلَّا من هَذِه الْأَرْبَعَة: الْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : الْبَيْهَقِيّ لَا يَقُول بِمُقْتَضَاهُ فِي الِاقْتِصَار عَلَى هَذِه (الْأَجْنَاس) الْأَرْبَعَة. وَقَول الرَّافِعِيّ عَن ابْن عمر وَغَيره: «إِن فِي الزَّيْتُون الْعشْر» لَعَلَّه أَشَارَ بقوله: «وَغَيره» إِلَى قَول ابْن شهَاب: إِن فِيهِ الْعشْر. (رَوَاهُ) الْبَيْهَقِيّ، أَو إِلَى قَوْله: «مَضَت السّنة ... » إِلَى آخِره. وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» من قَول ابْن عَبَّاس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 549 أَيْضا، وَلَا يحضرني من خرجه. (وَقَالَ) النَّوَوِيّ: إِنَّه ضَعِيف. الْأَثر الثَّانِي: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل فِي الْقَدِيم أَنه يجب فِيهِ الزَّكَاة إِن صَحَّ حَدِيث أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنه كتب إِلَى بني خفاش أَن أَدّوا زَكَاة الذّرة والورس» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي بِنَحْوِهِ وَضَعفه؛ فَقَالَ: أَخْبرنِي هِشَام بن يُوسُف «أَن أهل خُفَّاش أخرجُوا كتابا من أبي بكر الصّديق فِي قِطْعَة أَدِيم إِلَيْهِم، يَأْمُرهُم بِأَن يؤدوا عشر الورس» . قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا أَدْرِي أثابت هَذَا، وَهُوَ يعْمل بِهِ بِالْيمن، فَإِن كَانَ ثَابتا عشر قَلِيله وَكَثِيره. قَالَ (الْبَيْهَقِيّ) : لم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد تقوم (بِمثلِهِ) حجَّة، وَالْأَصْل أَن لَا وجوب، فَلَا يُؤْخَذ من غير مَا ورد بِهِ خبر صَحِيح، أَو كَانَ فِي غير (مَعْنَى) مَا ورد بِهِ خبر صَحِيح. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (اتِّفَاق) الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الْأَثر، وَأَن الْأَصْحَاب فِي كتب (الْمَذْهَب) أطبقوا عَلَى تَضْعِيفه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 550 فَائِدَة: خُفَّاش بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء الْمُشَدّدَة، وَغلط من ضَبطه بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : الصَّوَاب الأول، وَهَذَا غلط، والورس (شجر) مَعْرُوف يصْبغ بِهِ. الْأَثر الثَّالِث: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «لَيْسَ فِي الْعَسَل زَكَاة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث حُسَيْن بن زيد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن عَلّي بِهِ. وحسين هَذَا فِي حَدِيثه بعض (النكرَة) ، كَمَا قَالَه ابْن عدي. الْأَثر الرَّابِع: عَن (ابْن) عمر، مثله. وَهَذَا الْأَثر أسلفناه فِي آخر الحَدِيث الْخَامِس عَن حِكَايَة (ابْن) الْمُنْذر، وَقد أسلفناه مَرْفُوعا من حَدِيثه وضعفناه. الْأَثر الْخَامِس: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة مِنْهُ» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 551 الْأَثر السَّادِس: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَيْضا كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة من القرطم» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ أَيْضا. الْأَثر السَّابِع: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه فتح سَواد الْعرَاق، وَوَقفه عَلَى الْمُسلمين وَضرب عَلَيْهِ خراجًا» . وَهَذَا الْأَثر سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَابه - إِن شَاءَ الله - فَإِنَّهُ أليق بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 552 بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة ذكر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فاثنى عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن أبي سعيد الخدرى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دون خمس (أَوَاقٍ) من الْوَرق صَدَقَة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه (الشَّيْخَانِ) بِهَذَا اللَّفْظ من هَذَا الْوَجْه، وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، فَذكره فِي كَلَامه عَلَى النّصاب، فَقَالَ: لنا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَيْسَ فِيمَا دون خمس (أَوَاقٍ) من الْوَرق صَدَقَة» وَسَائِر الْأَخْبَار. فَائِدَة: الْأُوقِيَّة الحجازية أَرْبَعُونَ درهما. وَفِي الْوَرق أَربع لُغَات: فتح الْوَاو وَكسر الرَّاء (وإسكانها، وبكسر الْوَاو) وَإِسْكَان الرَّاء، ثَلَاث لُغَات مشهورات. وَحَكَى الصغاني فِي (كِتَابه) «الشوارد من اللُّغَات» فَفتح الْوَاو وَالرَّاء، قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو (عَمْرو) : (فَابْعَثُوا أحدكُم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 553 بورقكم) وَالْوَرق الدَّرَاهِم المضروبة وَكَذَلِكَ الرقة، وَقيل: الْوَرق: المسكوك خَاصَّة، والرقة: الْفضة كَيْفَمَا كَانَت، وَقيل: الْوَرق والرقة سَوَاء يقعان عَلَى مسكوك وَغير مسكوك، وَقيل: لَا يُقَال لما (لم) يضْرب من الدَّرَاهِم ورق، وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ فضَّة؛ حكاهن الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه، وَفِي «تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ» فِي أثْنَاء سُورَة الْفَاتِحَة: الْوَرق بِكَسْر الرَّاء الدَّرَاهِم، وَبِفَتْحِهَا المَال. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا بلغ مَال أحدكُم خمس أَوَاقٍ مِائَتي دِرْهَم فَفِيهِ خَمْسَة دَرَاهِم» . هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» من رِوَايَة ابْن عمر، وَلم يعزه الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه إِلَى أحد، وَاسْتَغْرَبَهُ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَقَالَ: (يُغني) عَنهُ الْإِجْمَاع، فالمسلمون مجمعون عَلَى مَعْنَاهُ. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 554 ابْن (معن) فِي «تنقيبه» : (رَاوِيه) أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَاهُ، وَقد سلف فِي الحَدِيث الأول. ورأيته أَنا فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث يزِيد بن سِنَان، عَن زيد بن أبي أنيسَة، عَن أبي الزبير، عَن جابرٍ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا زَكَاة فِي شَيْء من الْفضة حَتَّى تبلغ خمس (أَوَاقٍ) ، وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما» . وَيزِيد هَذَا مَتْرُوك. وفيهَا أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن عبد الْكَرِيم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ فِي أقل من خمس ذود شَيْء [وَلَا فِي أقل من أَرْبَعِينَ من الْغنم شَيْء، وَلَا فِي أقل من ثَلَاثِينَ من الْبَقر شَيْء] وَلَا فِي أقل من عشْرين مِثْقَالا [من الذَّهَب] شَيْء، وَلَا فِي أقل من مِائَتي دِرْهَم شَيْء [وَلَا فِي أقل من خَمْسَة أوسق شَيْء، وَالْعشر فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير، وَمَا سقِِي سيحًا فَفِيهِ الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب فَفِيهِ نصف الْعشْر] » الجزء: 5 ¦ الصفحة: 555 وَابْن أبي لَيْلَى سيئ الْحِفْظ، وَعبد الْكَرِيم ضَعَّفُوهُ. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم (بن ضَمرَة) ، عَن عَلّي قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، (فهاتوا صَدَقَة الرقة، من كل أَرْبَعِينَ درهما (درهما) ، وَلَيْسَ فِي تسعين وَمِائَة شَيْء، فَإِذا بلغت مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» كَذَلِك، وَكَذَا أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالْبَزَّار أَيْضا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق) ، فأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم، فِي كل مِائَتَيْنِ خَمْسَة» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، وَلَيْسَ فِيمَا دون مِائَتَيْنِ زَكَاة» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث (عَن) عَلّي بِلَفْظ: « (قد) عَفَوْت لكم عَن صَدَقَة الْخَيل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 556 وَالرَّقِيق، وَلَكِن هاتوا (ربع) العشور من كل أَرْبَعِينَ [درهما] دِرْهَم» . قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن (رَوَاهُ) : رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة وَغير وَاحِد عَن (أبي) إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي قَالَ: وَسَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي: البُخَارِيّ - عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيح عَن أبي إِسْحَاق، يحْتَمل أَن يكون عَنْهُمَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب وَقفه عَلَى عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقَالَ الْبَزَّار: لَا يرويهِ غير عَاصِم عَن عَلّي. قلت: قد رَوَاهُ الْحَارِث عَنهُ، وَلَا يعرف مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عليٍّ. الحَدِيث الثَّالِث عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «هاتوا ربع الْعشْر من الْوَرق، وَلَا شَيْء (فِيهِ) حَتَّى يبلغ (مِائَتي) دِرْهَم وَمَا زَاد فبحسابه» . وَرُوِيَ مثله فِي الذَّهَب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 557 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِي، نَا زُهَيْر، قَالَ: نَا أَبُو إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة وَعَن الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي - قَالَ زُهَيْر: أَحْسبهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «هاتوا ربع (العشور) ، من كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم، وَلَيْسَ عَلَيْكُم شَيْء حَتَّى تتمّ مِائَتي دِرْهَم، فَإِذا كَانَت عِنْده مِائَتي دِرْهَم فَفِيهَا خَمْسَة (دَرَاهِم) ، فَإِن زَاد فعلَى حِسَاب ذَلِك» ثمَّ ذكر صَدَقَة الْغنم وَغَيرهَا. ثمَّ رَوَى عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي جرير بن (حَازِم) ، وَسَمَّى آخر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة والْحَارث الْأَعْوَر، عَن عَلّي (عَن) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِبَعْض أول الحَدِيث، قَالَ: «فَإِذا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَم، وَحَال عَلَيْهَا الْحول، فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْء - يَعْنِي فِي الذَّهَب - حَتَّى يكون لَك عشرُون دِينَارا، فَإِذا كَانَت لَك عشرُون دِينَارا، وَحَال عَلَيْهَا الْحول، فَفِيهَا نصف دِينَار، فَمَا زَاد (فبحساب) ذَلِك» . قَالَ: لَا أَدْرِي أعليٌّ يَقُول: [فبحساب] ذَلِك، أَو رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 558 ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الحَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي إِسْحَاق، كَمَا قَالَ أَبُو عوَانَة، وَرَوَاهُ شَيبَان [أَبُو مُعَاوِيَة] وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، (عَن عَلّي) ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرَوَى حَدِيث النُّفَيْلِي: شُعْبَة وسُفْيَان وَغَيرهمَا، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ لم يرفعوه. وَقَالَ (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فِي «محلاه» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن وهب، عَن جرير بن حَازِم، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة والْحَارث الْأَعْوَر، قرن فِيهِ أَبُو إِسْحَاق (بَين) عَاصِم والْحَارث، والْحَارث كَذَّاب، وَكثير من الشُّيُوخ يجوز عَلَيْهِ مثل هَذَا، وَهُوَ أَن الْحَارِث أسْندهُ وَعَاصِم لم يسْندهُ، فجمعهما جرير، وَأدْخل حَدِيث أَحدهمَا فِي الآخر، وَقد رَوَاهُ شُعْبَة وسُفْيَان وَمعمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ، مَوْقُوفا عَلَى عليٍّ، وَكَذَلِكَ كل ثِقَة رَوَاهُ عَن عَاصِم إِنَّمَا وَقفه عَلَى عليٍّ، وَقد بيَّنَّا أَنه حَدِيث هَالك، فَلَو أَن جَرِيرًا أسْندهُ عَن عَاصِم وَحده لأخذنا بِهِ، وَلَكِن لما (لم) يسْندهُ إِلَّا عَن الْحَارِث مَعَه لم يَصح لنا إِسْنَاده من طَرِيق عَاصِم. هَذَا آخر كَلَامه. وَلما نَقله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عَنهُ نقل عَن غَيره أَن هَذَا لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 559 يلْزم؛ لِأَن جَرِيرًا ثِقَة، وَقد أسْندهُ عَنْهُمَا، وَقد أسْندهُ (أَيْضا) أَبُو عوَانَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ مَرْفُوعا فِي زَكَاة الْوَرق؛ ذكر حَدِيثه التِّرْمِذِيّ، وَأَبُو عوَانَة ثِقَة. قلت: وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن سَلمَة بن صَالح وَأَيوب بن جَابر رَفَعَاهُ عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَلّي فهذان قد رَفَعَاهُ أَيْضا، ثمَّ إِن ابْن حزم نَاقض كَلَامه فِي آخر الْمَسْأَلَة فَقَالَ: ثمَّ استدركنا فَرَأَيْنَا أَن حَدِيث جرير بن حَازِم مُسْند صَحِيح، لَا يجوز خِلَافه، وَأَن الاعتلال فِيهِ بِأَن عَاصِم بن ضَمرَة أَو أَبَا إِسْحَاق أَو جَرِيرًا خلط إِسْنَاد الْحَارِث بإرسال عَاصِم، وَهُوَ الظَّن الَّذِي لَا يجوز، وَمَا علينا من مُشَاركَة الْحَارِث لعاصم، وَجَرِير ثِقَة، وَالْأَخْذ بِمَا أسْندهُ لَازم. هَذَا لَفظه وَلَا يلتئم مَعَ الأول. وَأما قَوْله: « (فبحساب) ذَلِك» فقد أسْندهُ زيد بن حبَان (الرقي) - وَأَصله كُوفِي - عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ مَرْفُوعا. وَزيد هَذَا وَثَّقَهُ (يَحْيَى) ، وَقَالَ أَحْمد: تركُوا حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: لَا أرَى بروايته بَأْسا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 560 قَالَ ابْن حزم: وَرَوَى [الْمنْهَال بن الْجراح]- وَهُوَ كَذَّاب - عَن حبيب (بن) نجيح - وَهُوَ مَجْهُول - عَن عبَادَة بن نسي، عَن معَاذ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمره حِين وَجهه إِلَى الْيمن: أَن لَا يَأْخُذ من الكسور شَيْئا إِذا بلغ الْوَرق مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم، وَلَا يَأْخُذ (مِمَّا) زَاد حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ درهما) . ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، قَالَ: وَلم يسمع (عبَادَة) من معَاذ. قَالَ: وَرُوِيَ من طَرِيق الْحسن بن عمَارَة - وَهُوَ مَتْرُوك - عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَلّي مَرْفُوعا، فِي صَدَقَة الْوَرق: «لَا زَكَاة فِيمَا زَاد عَلَى المائتي دِرْهَم حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ درهما» . قَالَ: وَرُوِيَ مثله من طَرِيق أبي أويس، عَن عبد الله وَمُحَمّد ابْني أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيهِمَا، عَن جدهما. قَالَ: وَهَذِه صحيفَة مُنْقَطِعَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي زَكَاة الذَّهَب شَيْء من جِهَة نقل الْآحَاد الْعُدُول الثِّقَات. وَكَلَامه هَذَا يحمل عَلَى تَقْدِير نصابه، لَا عَلَى أصل إِيجَاب الزَّكَاة فِيهِ، كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 561 تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: غَالب مَا (كَانُوا) يتعاملون بِهِ من أَنْوَاع الدَّرَاهِم فِي عصر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (والصدر الأول بعده نَوْعَانِ: بغليَّة وَهُوَ ثَمَانِيَة دوانق، وطبريَّة) وَهُوَ أَرْبَعَة، فَأخذُوا وَاحِدًا من هَذِه وواحدًا من هَذِه وقسموها نِصْفَيْنِ، وَجعلُوا كل وَاحِد درهما، يُقَال: فعل ذَلِك فِي زمَان بني أُميَّة. وَنسبه الْمَاوَرْدِيّ إِلَى فعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهَذَا لم أره عَن عمر فِي كتاب حَدِيثي فليبحث عَنهُ. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمِيزَان ميزَان أهل مَكَّة، والمكيال مكيال (أهل) الْمَدِينَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع، وَالنَّسَائِيّ هُنَا، من حَدِيث سُفْيَان عَن حَنْظَلَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا (بِهِ وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «عَلَى مكيال» «وَعَلَى ميزَان» ، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح (من) سُفْيَان إِلَى آخِره، لَا جرم قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِسْنَاده عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : رِجَاله رجال الصَّحِيح. وَفِي رِوَايَة لَهما: «وزن الْمَدِينَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 562 ومكيال مَكَّة» . قَالَ أَبُو دَاوُد: (وَرَوَاهُ) بَعضهم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس فَأَخْطَأَ. قلت: وَمن هَذَا الطَّرِيق أخرجهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَلَفظه: «الْوَزْن وزن مَكَّة، والمكيال مكيال [أهل] الْمَدِينَة» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنْهُمَا فَقَالَ: أَخطَأ أَبُو نعيم فِي حَدِيث ابْن عمر، وَالصَّحِيح حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَهَذَا مُخَالف لما ذكره أَبُو دَاوُد، وَلَكِن وَافقه الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» : الصَّحِيح حَدِيث ابْن عمر. قَالَ: وَرَوَاهُ الْفرْيَابِيّ عَن الثَّوْريّ، وَخَالفهُ فِي الْمَتْن، فَقَالَ: «الْمِكْيَال (مكيال) أهل مَكَّة، وَالْوَزْن وزن أهل الْمَدِينَة» وَالصَّحِيح اللَّفْظ الآخر. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا: إِن الصَّوَاب الآخر. وَرَوَاهُ مَالك بن دِينَار عَن عَطاء، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالصَّوَاب مَا تقدم. فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَى الحَدِيث أَن الْوَزْن الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ حق الزَّكَاة وزن أهل مَكَّة، و (هِيَ) دَار الْإِسْلَام. قَالَ ابْن حزم: وبحثت غَايَة الْبَحْث (عَن) كل من (وثقت) بتمييزه، فَكل اتّفق لي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 563 عَلَى أَن دِينَار الذَّهَب بِمَكَّة وَزنه اثْنَان وَثَمَانُونَ حَبَّة، وَثَلَاثَة أعشار حَبَّة بالحب من الشّعير الْمُطلق، وَالدِّرْهَم سَبْعَة أعشار المثقال، فوزن الدِّرْهَم الْمَكِّيّ سَبْعَة وَخَمْسُونَ حَبَّة وَسِتَّة أعشار حَبَّة وَعشر عشر حَبَّة، فالرطل مائَة دِرْهَم وَاحِدَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما (بالدرهم) الْمَذْكُور. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَابه وَاضحا. الحَدِيث السَّادِس «أنّ امْرَأتَيْنِ أتتا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَفِي أَيْدِيهِمَا (سواران) من ذهب؛ فَقَالَ لَهما: أتؤديان زَكَاته؟ قَالَتَا: لَا فَقَالَ لَهما رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أتحبان أَن يسوركما الله بسوارين من نَار؟ قَالَتَا: لَا. قَالَ: فأديا زَكَاته» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، عَن قُتَيْبَة، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن امْرَأتَيْنِ ... » فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد رَوَاهُ الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب نَحْو هَذَا، والمثنى وَابْن لَهِيعَة يُضعفَانِ فِي الحَدِيث، قَالَ: وَلَا يَصح (فِي هَذَا الْبَاب) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء - أَي فِي زَكَاة الْحلِيّ - وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك صَاحب الْمُغنِي من الْحفاظ والكبار فَقَالَ: بَاب زَكَاة الْحلِيّ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 564 يَصح فِيهِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَبِير شَيْء. وَهَذَا من التِّرْمِذِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا ذكره لِأَنَّهُ لم يَقع (لَهُ) الحَدِيث إِلَّا من طَرِيق الْمثنى بن الصَّباح وَابْن لَهِيعَة عَن عَمْرو، وَإِلَّا فَلهُ طَريقَة أُخْرَى صَحِيحَة رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث حُسَيْن الْمعلم، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن (حميد بن مسْعدَة وَأبي كَامِل الجحدري، عَن خَالِد بن الْحَارِث) عَن حُسَيْن. وَالنَّسَائِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، عَن خَالِد، (عَن) حُسَيْن، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمَعَهَا ابْنة لَهَا، وَفِي يَد ابْنَتهَا مسكتان غليظتان من ذهب، فَقَالَ لَهَا: أتعطين زَكَاة هَذَا؟ قَالَت: لَا. قَالَ: أَيَسُرُّك أَن يسورك الله (بهما) يَوْم الْقِيَامَة بسوارين من نَار؟ قَالَ: فخلعتهما فألقتهما إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (وَقَالَت) : هما لله وَلِرَسُولِهِ» . اللَّفْظ لأبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ. والمسكتان: - بِفَتْح الْمِيم وَالسِّين - تَثْنِيَة مَسَكة، وَهِي السوار. وحسين الْمعلم وَمن قبله ثِقَات احْتج بهم فِي الصَّحِيح، خلا شيخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 565 النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ لم يخرج لَهُ فِيهِ، وَهُوَ صَدُوق، فَهُوَ حَدِيث صَحِيح، وَلَا (يقبل) تَضْعِيف ابْن الْجَوْزِيّ لَهُ بقوله: حُسَيْن بن ذكْوَان أخرج لَهُ فِي الصِّحَاح لَكِن قَالَ يَحْيَى ابْن معِين: فِيهِ اضْطِرَاب. وَقَالَ الْعقيلِيّ: ضَعِيف. هَذَا كَلَامه، فالعقيلي ضعفه بِلَا حجَّة ذكر لَهُ حَدِيثا وَاحِدًا غَيره يُرْسِلهُ فَكَانَ مَاذَا؟ وَقَول ابْن الْجَوْزِيّ: قَالَ (يَحْيَى بن معِين) : فِيهِ اضْطِرَاب؛ مِمَّا وهم فِيهِ، وَصَوَابه: قَالَ يَحْيَى بن سعيد. كَمَا نَقله غَيره، وَقد قَالَه يَحْيَى بن سعيد مرّة. وَلَا يقبل أَيْضا تَضْعِيف ابْن حزم لَهُ فِي «مُحلاَّه» حَيْثُ قَالَ: احْتج من رَأَى إِيجَاب الزَّكَاة فِي الْحلِيّ بآثار واهية، وَهُوَ خبر رَوَيْنَاهُ من حَدِيث خَالِد بن الْحَارِث عَن حُسَيْن الْمعلم ... فَذكره، وَقَوله هُوَ (الواهي) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ (عَمْرو) . قلت: لَا يضرّهُ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 566 لِأَنَّهُ ثِقَة، وَقد نقل هُوَ فِي كتاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح عَن ابْن رَاهَوَيْه (أَنه) إِذا كَانَ الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة فَهُوَ كأيوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَذكر عَن جمَاعَة من الْحفاظ أَنهم يحتجون بحَديثه فَلَا يضر حينئذٍ تفرده بِالْحَدِيثِ. وَأما الإِمَام الشَّافِعِي فَقَالَ فِي الْقَدِيم: قَالَ بعض النَّاس: فِي الْحلِيّ زَكَاة، وَرَوَى (فِيهِ) شَيْئا ضَعِيفا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَأَن الشَّافِعِي أَرَادَ حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو كَمَا سلف، وَمن طَرِيق الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَضَعفه، (ثمَّ) قَالَ: حُسَيْن أوثق من الْحجَّاج، غير أَن الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ (كالمتوقف) فِي رِوَايَة عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، إِذا لم يَنْضَم إِلَيْهَا مَا يؤكدها؛ لِأَنَّهُ قيل: إِن رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده صحيفَة كتبهَا عبد الله بن عَمْرو. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْحَج مَا يدل عَلَى صِحَة سَماع عَمْرو (من) أَبِيه، وَسَمَاع أَبِيه (من) جده عبد الله بن عَمْرو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 567 قَالَ: وَقد انْضَمَّ إِلَى حَدِيثه هَذَا حَدِيث أم سَلمَة وَحَدِيث عَائِشَة فِي مثل ذَلِك. قلت: وَكَذَا حَدِيث أَسمَاء. قَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» : نَا عَلّي بن عَاصِم، عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: «دخلت أَنا وخالتي عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وعلينا) أسورة من ذهب، فَقَالَ لنا: أتعطيان زَكَاته؟ فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: أما تخافان أَن يسوركما الله بأسورة من نَار؟ أديا زَكَاته» . وعليٌّ ضَعَّفُوهُ، وَعبد الله من رجال مُسلم، وَهُوَ ثِقَة، وَلينه ابْن معِين مرّة، وَشهر تَرَكُوهُ، وَقَول الْبَيْهَقِيّ: «حُسَيْن الْمعلم أوثق من الْحجَّاج» فِيهِ وَقْفَة؛ فحسين أخرج لَهُ فِي الصِّحَاح مستقلاًّ، وحجاج أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا وَتَكَلَّمُوا فِيهِ كثيرا. وَقَول الْبَيْهَقِيّ: «إِن الشَّافِعِي كالمتوقف فِي عَمْرو بن شُعَيْب» قد نقل عَنهُ غَيره أَنه صرَّح بذلك، فَقَالَ: لَا أحتج بحَديثه حَتَّى أعلم عَن أَي جديه يروي، فَإِن رَوَاهُ عَن جده مُحَمَّد بن عبد الله فَهُوَ مُرْسل لَا أحتج بِهِ، وَإِن رَوَاهُ عَن جد أَبِيه، فجد أَبِيه عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، فَهُوَ صَحِيح، يجب الْعَمَل بِهِ. كَذَا نَقله عَنهُ ابْن (معن) فِي «تنقيبه» والقلعي أَيْضا. وَرَوَى النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث مرّة من حَدِيث مُعْتَمر بن سُلَيْمَان مُرْسلا، ثمَّ قَالَ: خَالِد أثبت عندنَا من مُعْتَمر، (وَحَدِيث مُعْتَمر أولَى بِالصَّوَابِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 568 الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا زَكَاة فِي الْحلِيّ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» من حَدِيث عَافِيَة بن أَيُّوب، عَن اللَّيْث، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: لَا أصل لَهُ. وَقَالَ: وفقهاؤنا يَرْوُونَهُ مَرْفُوعا وَلَا أصل لَهُ. (قَالَ) : وَإِنَّمَا (يرْوَى) عَن جَابر من قَوْله غير مَرْفُوع. قَالَ: وعافية بن أَيُّوب مَجْهُول، فَمن احْتج بِهِ كَانَ مغررًا بِدِينِهِ، دَاخِلا فِيمَا نعيب بِهِ الْمُخَالفين من الِاحْتِجَاج بِرِوَايَة الْكَذَّابين، وَالله يعصمنا من أَمْثَاله. وَقَالَ فِي «خلافياته» : لَا أصل لَهُ مَرْفُوعا (وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى جَابر. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَرَوَاهُ فِي «تَحْقِيقه» مَرْفُوعا) ثمَّ قَالَ: إِن قيل: (إِن) عَافِيَة ضَعِيف. قُلْنَا: مَا عرفنَا أحدا طعن فِيهِ. ثمَّ قَالَ: فَإِن قيل: فقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث (مَوْقُوفا) عَلَى جَابر. قُلْنَا: الرَّاوِي (قد) يسند الشَّيْء تَارَة، ويفتي بِهِ أُخْرَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَافِيَة بن أَيُّوب، وَلم يبلغنِي عَنهُ مَا يُوجب تَضْعِيفه. وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، فَقَالَ فِي «الإِمَام» : يحْتَاج المحتج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 569 بِهِ أَن يبلغهُ (فِيهِ) مَا يُوجب تعديله. قلت: قد عدل وَللَّه الْحَمد، ذكره ابْن أبي حَاتِم، وَقَالَ: رَوَى عَن أُسَامَة بن زيد بن أسلم، رَوَى عَنهُ عبد الْعَزِيز بن عمرَان. ثمَّ نقل عَن أبي زرْعَة أَنه قَالَ: هُوَ أَبُو عُبَيْدَة مصري، لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَفِي «الْإِكْمَال» لِابْنِ مَاكُولَا: عَافِيَة بن أَيُّوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُسلم مولَى دوس أَبُو عُبَيْدَة، يروي عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، وَمُعَاوِيَة بن صَالح، وَالْمُحَرر بن بِلَال بن أبي هُرَيْرَة، وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز، وَاللَّيْث بن سعد، وَمَالك بن أنس، وَغَيرهم، آخر من حدث عَنهُ (بِمصْر) بَحر بن نصر. قلت: فقد زَالَت عَنهُ الْجَهَالَة العينية والحالية إِذا، والحافظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» تبع الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: عَافِيَة بن أَيُّوب رَوَى عَن اللَّيْث بن سعد، تكلم فِيهِ، مَا هُوَ بِحجَّة، وَفِيه جَهَالَة. هَذَا لَفظه. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الذَّهَب وَالْحَرِير: هَذَانِ حرَام عَلَى ذُكُور أمتِي حلٌّ لإناثها» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الْآنِية وَاضحا فَرَاجعه من ثَم. الحَدِيث التَّاسِع «أَن رجلا قطع أَنفه يَوْم الْكلاب، فَاتخذ أنفًا من فضَّة، فَأَنْتن عَلَيْهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 570 فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتَّخذ (أنفًا) من ذهبٍ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن طرفَة «أَن جده عرْفجَة - بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، ثمَّ رَاء سَاكِنة، ثمَّ فَاء، ثمَّ جِيم، ثمَّ هَاء - بن (أسعد) أُصِيب أَنفه يَوْم الْكلاب فِي الْجَاهِلِيَّة، فَاتخذ أنفًا من ورق ... » الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث أبي الْأَشْهب عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة، وَقد رَوَى (سَلم) بن (زَرير) - أَي بِفَتْح الزَّاي - عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة، نَحْو حَدِيث أبي الْأَشْهب، وزرير أصح. وَقَالَ ابْن مهْدي: سلم بن (وَزِير) وَهُوَ وهم، وَقد رَوَى غير وَاحِد من أهل الْعلم أَنهم شدوا أسنانهم بِالذَّهَب، وَفِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لَهُم. قلت: (سلم) هَذَا ثِقَة من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَإِن ضعفه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 571 ابْن معِين. وَأَبُو الْأَشْهب جَعْفَر بن الْحَارِث ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ (البُخَارِيّ) : مُنكر الحَدِيث. وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي «ثقاته» ، وَقَالَ: إِنَّه ثِقَة. قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ بِأبي الْأَشْهب (العطاردي) ، ذَلِك بَصرِي وَهَذَا واسطي. قَالَ: وهما جَمِيعًا ثقتان. وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وَخَالف ابْن الْقطَّان فضعفه، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة أبي الْأَشْهب، وَاخْتلف عَنهُ؛ فالأكثر يَقُول: عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة (بن) عرْفجَة عَن جده، وَابْن عليَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 572 يَقُول: عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة (عَن أَبِيه عَن) عرْفجَة. فعلَى طَريقَة الْمُحدثين يَنْبَغِي أَن تكون رِوَايَة الْأَكْثَرين مُنْقَطِعَة؛ فَإِنَّهَا معنعنة، وَقد زَاد فِيهَا ابْن علية وَاحِدًا، وَلَا يدْرَأ هَذَا قَوْلهم: إِن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة سمع من جده. وَقَول يزِيد بن زُرَيْع: إِنَّه سمع من جده. فَإِن هَذَا الحَدِيث لم يقل فِيهِ: إِنَّه سَمعه مِنْهُ، وَقد أَدخل بَينهمَا فِيهِ (الْأَب) ، وأنى هَذَا؟ فَإِن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة الْمَذْكُور لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَلَا يعرف (رَوَى) عَنهُ غير أبي الْأَشْهب، فَإِن احْتِيجَ فِيهِ إِلَى أَبِيه طرفَة - عَلَى مَا قَالَ ابْن علية عَن أبي الْأَشْهب - كَانَ الْحَال أَشد؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْرُوف الْحَال وَلَا مَذْكُور فِي رُوَاة الْأَخْبَار. فَائِدَتَانِ: (الأولَى) : رَوَى ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» فِي تَرْجَمَة أبان (بن) سُفْيَان وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن (عبد الله) بن أبيّ «أَنه أُصِيب ثنيته - (أَعنِي) عبد الله هَذَا - يَوْم أحد، فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتَّخذ ثنية من ذهب» . قَالَ ابْن حبَان: وَأَبَان هَذَا يروي عَن الثِّقَات أَشْيَاء مَوْضُوعَة. قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 573 وَهَذَا الْخَبَر مَوْضُوع، وَكَيف يَأْمر المصطفي (باتخاذ ثنية من ذهب و (قد) قَالَ: «إِن الذَّهَب وَالْحَرِير محرمان عَلَى ذُكُور أمتِي، و (حل) لإناثهم» ؟ لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهَذَا الشَّيْخ و (لَا) الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار. قلت: وَحكمه عَلَى الْوَضع بِمُجَرَّد هَذَا غير جيد، وَقد أخرج هُوَ فِي «صَحِيحه» حَدِيث اتِّخَاذ الْأنف من ذهب، وَأي فرق بَينهمَا؛ وَخص ذَلِك من النَّهْي كَمَا خص لبس الْحَرِير للحكة وَغَيرهَا، نعم أبان هَذَا مُتَّهم، وَفِي إِسْنَاد الْحَاكِم: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْكذَّاب. الثَّانِيَة: الكُلاَب - (بِضَم) الْكَاف وَفتح اللَّام المخففة -: اسْم لماءٍ من مياه الْعَرَب، كَانَت عِنْده وقْعَة فسمّي ذَلِك الْيَوْم بِهِ. وَقيل: كَانَ عِنْده يَوْمَانِ مشهوران يُقَال فيهمَا: الْكلاب الأول وَالْكلاب الثَّانِي. حَكَاهُ ابْن الصّلاح ثمَّ النَّوَوِيّ. وَقَالَ الْحَازِمِي بعد أَن ضَبطه كَمَا أسلفته: هُوَ مَاء بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة، عَلَى سبع لَيَال من الْيَمَامَة، يذكر فِي أَيَّام الْعَرَب. قَالَ: وكُلاب أَيْضا اسْم وَاد بثهلان بِهِ نخل، وثهلان جبل لباهلة؛ ذكره فِي كِتَابه «الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» . وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي «مُعْجم مَا استعجم» : الكُلاب - بِضَم أَوله وبالباء الْمُوَحدَة - هُوَ قِدَةُ بِعَينهَا، وَبَين أدناه وأقصاه مسيرَة يَوْم، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 574 أَعْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْيمن، وأسفله مِمَّا يَلِي الْعرَاق. وَقَالَ ابْن (معن) فِي «تنقيبه» : الْكلاب - بِضَم الْكَاف - اسْم لموضعين: أَحدهمَا: مَاء بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة عَلَى سبع لَيَال من الْيَمَامَة، وَفِيه كَانَ الكُلاب الأول، وَأما الْمَكَان الثَّانِي، وَهُوَ الكُلاب الثَّانِي: فَهُوَ اسْم لماء بَين جبلة وشمام وَهُوَ جبل. قَالَ: وَقيل: الكُلاب اسْم مَوضِع من الْيَمَامَة بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة، وَقعت فِيهِ وقعتان: إِحْدَاهمَا بَين مُلُوك كِنْدَة، وَالْأُخْرَى بَين الْحَارِث وَتَمِيم. فَائِدَة ثَالِثَة: العرفج (شجرٌ) مَعْرُوف (وَبِه) سمي (عرْفجَة) هَذَا. الحَدِيث الْعَاشِر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اتخذ خَاتمًا من فضَّة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته؛ أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس وَابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 575 الحَدِيث الْحَادِي عشر ثَبت أَن قبيعة سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَت من فضَّة. هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه مَبْسُوطا فِي الْأَوَانِي فَرَاجعه مِنْهُ وتأمَّل قَوْله: «ثَبت» هُنَاكَ. الحَدِيث الثَّانِي عشر ورد فِي الْخَبَر ذمّ تحلية الْمُصحف بِالذَّهَب. الَّذِي يحضرني الذَّم فِي تحليته مُطلقًا، وَذَلِكَ فِي عدَّة أَحَادِيث وآثار، أما الْأَحَادِيث فأولها: عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَفعه: «من اقتراب السَّاعَة اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ خصْلَة: إِذا رَأَيْتُمْ النَّاس أماتوا الصَّلَاة ... » إِلَى أَن قَالَ: «وحليت الْمَصَاحِف، وصورت الْمَسَاجِد ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي «الْحِلْية» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، من حَدِيث فرج بن فضَالة عَنهُ، عَن حُذَيْفَة، (بِهِ) ثمَّ قَالَ: غَرِيب من حَدِيث عبد الله بن (عُمَيْر) عَن حُذَيْفَة، لم يروه عَنهُ - فِيمَا أعلم - إِلَّا فرج بن فضَالة. قلت: قد ضَعَّفُوهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 576 ثَانِيهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «إِن من (أَشْرَاط) السَّاعَة (أَن) تحلى الْمَصَاحِف ... » الحَدِيث. رَوَاهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي كِتَابه «ذكر شُمُول الدَّلَائِل عِنْد حُلُول الزلازل» من حَدِيث جرير، عَن عَطاء عَنهُ، وَقد أسلفنا الْكَلَام عَلَى هَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي جرير عَن عَطاء، فِي بَاب الْأَحْدَاث، فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين مِنْهُ. ثَالِثهَا: عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «إِذا زخرفتم مَسَاجِدكُمْ وحليتم مصاحفكم فالدبار عَلَيْكُم» . ذكره الْقُرْطُبِيّ فِي «تَفْسِيره» ، عَن الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي «نَوَادِر الْأُصُول» ، وَلم يبرز إِسْنَاده، وَسَيَأْتِي مَوْقُوفا. وَأما الْآثَار فَمِنْهَا: عَن أُبَيِّ بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَنه قَالَ: «إِذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مَسَاجِدكُمْ فالدبار عَلَيْكُم» . رَوَاهُ ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب «الْمَصَاحِف» بسندٍ لَا بَأْس بِهِ، وَرُوِيَ مثله عَن أبي الدَّرْدَاء وَأبي هُرَيْرَة، وَفِي إِسْنَاد أبي الدَّرْدَاء مَجْهُول. وَذكر هَذَا الْخَطِيب فِي «تلخيصه» (وَلَفظه: «فالدبار عَلَيْكُم» وَعَزاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» فِي بَاب الْمَسَاجِد إِلَى الْبَغَوِيّ بِلَفْظ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 577 «زخرفتم» بدل «زوقتم» ثمَّ قَالَ: الدبار - بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة -: أَي الْهَلَاك. وَرَوَى ابْن أبي دَاوُد (أَيْضا) فِي الْكتاب الْمَذْكُور، بسندٍ جيد، عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكره أَن يُحلَّى الْمُصحف، و (قَالَ) : تغرون بِهِ السَّارِق وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «أَنه رَأَى مُصحفا قد زُيِّنَ بِفِضَّة، فَقَالَ: تغرون السَّارق؟ زينته فِي جَوْفه» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله وقوته. وَأما آثاره فثمانية: أَولهَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «لَا زَكَاة فِي اللُّؤْلُؤ» . وَهَذَا (الْأَثر) لَا يحضرني من خرجه عَنْهَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن سعيد بن جُبَير، أَنه قَالَ: «لَيْسَ فِي حجر زَكَاة إِلَّا مَا كَانَ لتِجَارَة من جوهرٍ، وَلَا ياقوت وَلَا لُؤْلُؤ وَلَا غَيره إِلَّا الذَّهَب وَالْفِضَّة» . وَرَوَاهُ أَيْضا عَن الحكم، عَن عَلّي قَالَ: «لَيْسَ فِي جَوْهَر زَكَاة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع وَمَوْقُوف. قَالَ: وروينا نَحْو هَذَا عَن عَطاء وَسليمَان بن يسَار وَعِكْرِمَة وَالزهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَمَكْحُول. فَائِدَة: اللُّؤْلُؤ (فِيهِ) أَربع لُغَات، قُرِئَ بهنَّ فِي السَّبع، بهمزتين، ودونهما، وبهمز (أَوله) دون ثَانِيه، وَعَكسه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 578 قَالَ جُمْهُور أهل اللُّغَة: اللُّؤْلُؤ: الْكِبَار، والمرجان: الصغار، وَقيل عَكسه. ثَانِيهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَا شَيْء فِي العنبر» . وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَنهُ، تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، وَهَذَا لَفظه: قَالَ ابْن عَبَّاس: «لَيْسَ العنبر بركاز، إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر» . وأسنده الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ صَحِيحا، بِلَفْظ: «لَيْسَ فِي العنبر زَكَاة، إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر» . وَفِي لَفْظَة لَهُ كَلَفْظِ البُخَارِيّ، وَفِي آخر لَهُ: «أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن العنبر؛ فَقَالَ: إِن كَانَ فِيهِ شَيْء فَفِيهِ الْخمس» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَابْن عَبَّاس علق القَوْل فِيهِ فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقطع بِأَن لَا زَكَاة فِيهِ فِي الرِّوَايَة الأولَى، وَالْقطع أولَى. ودسره (الْبَحْر) - بدال وسين مهملتين مفتوحتين - أَي: قذفه وَدفعه. ثَالِثهَا، وَرَابِعهَا، وخامسها: عَن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم «أَنهم أوجبوا الزَّكَاة فِي الْحلِيّ الْمُبَاح» . أما أثر عمر فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مساور الْوراق، عَن شُعَيْب ابْن يسَار قَالَ: «كتب عمر إِلَى أبي مُوسَى أَن مُر مَن قِبلك من نسَاء (الْمُسلمين) أَن (يصدقن) من حليهن» ثمَّ قَالَ: هَذَا مرسلٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 579 (شُعَيْب) بن يسَار لم يدْرك عمر، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن مساور، عَن شُعَيْب «أَن عمر بن الْخطاب (كتب) أَن يزكَّى الْحلِيّ» . قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا مُرْسل. وَأما أثر ابْن عَبَّاس؛ فحكاه ابْن الْمُنْذر عَنهُ، عَلَى مَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ. قَالَ الشَّافِعِي: (وَيروَى) عَن ابْن عَبَّاس وَأنس بن مَالك، وَلَا أَدْرِي (أيثبت) عَنْهُمَا أَنه لَيْسَ فِي الْحلِيّ زَكَاة. وَأما أثر (ابْن مَسْعُود) ؛ فحكاه ابْن الْمُنْذر، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، وأسنده الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث حجاج بن منهال، نَا حَمَّاد بن سَلمَة، [عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم] عَن ابْن مَسْعُود «أَن امْرَأَته (أَتَتْهُ) فَقَالَت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، هَل من حليي زَكَاة؟ قَالَ: نعم. قَالَت: فَإِن بني أخي أَيْتَام أفأجعله فيهم؟ قَالَ: اجعليه فيهم» . وأسنده الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، من حَدِيث سُفْيَان، (عَن) حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة «أَن امْرَأَة عبد الله - يَعْنِي ابْن مَسْعُود - سَأَلته عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 580 حُلِيٍّ لَهَا؟ فَقَالَ: إِذا بلغ مِائَتي دِرْهَم فَفِيهِ الزَّكَاة. قَالَت: أضعها فِي بني أَخ لي فِي حجري؟ قَالَ: نعم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَيْسَ بِشَيْء. (قلت) أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث قبيصَة، عَن سُفْيَان، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله «أَن امْرَأَة أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِن لي حليًّا وَإِن زَوجي خَفِيف ذَات الْيَد، وَإِن لي بني أَخ، أفيجزئ (عني) أَن أجعَل زَكَاة الْحلِيّ فِيهِ؟ قَالَ: نعم» . ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله، مُرْسل مَوْقُوف. الْأَثر السَّادِس وَالسَّابِع وَالثَّامِن: عَن ابْن عمر وَجَابِر وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم «أَنهم لم يوجبوا الزَّكَاة فِي الْحلِيّ الْمُبَاح» . أما أثر ابْن عمر فَصَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يحلي بَنَاته وجواريه بِالذَّهَب فَلَا يخرج مِنْهُ الزَّكَاة» . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَنهُ: «إِنَّه كَانَ يحلي بَنَاته بأربعمائة دِينَار وَلَا يخرج زَكَاته» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَيْسَ فِي (الْحلِيّ زَكَاة) » . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «زَكَاة الْحلِيّ عاريته» . وَأما أثر جَابر فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (بِإِسْنَادِهِ) الصَّحِيح، عَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 581 الشَّافِعِي، قَالَ: أَنا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: «سَمِعت رجلا يسْأَل جَابر بن عبد الله عَن الْحلِيّ: أفيه زَكَاة؟ فَقَالَ جَابر: لَا. فَقَالَ: وَإِن كَانَ يبلغ ألف دِينَار؟ فَقَالَ جَابر: كثير» . وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر من حَدِيث دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر «أَنه سُئِلَ عَن زَكَاة الْحلِيّ فَقَالَ: زَكَاته عاريته» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث أبي حَمْزَة، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر: «لَيْسَ فِي الْحلِيّ زَكَاة» . ثمَّ قَالَ: أَبُو حَمْزَة هَذَا ضَعِيف الحَدِيث. وَأما أثر عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَصَحِيح؛ رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن [عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم] ، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا كَانَت تلِي بَنَات (أَخِيهَا) - يتامى فِي حجرها لَهُنَّ الْحلِيّ، فَلَا تخرج مِنْهُ الزَّكَاة» . لَكِن فِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، أَنا حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «لَا بَأْس بِلبْس الْحلِيّ إِذا أعطي زَكَاته» . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قلت: وَرُوِيَ مثل مقالتهم عَن أنس بن مَالك وَأَسْمَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 582 أما أثر أنس فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (و) الْبَيْهَقِيّ؛ بِإِسْنَاد جيد، من حَدِيث عَلّي بن سليم (قَالَ) : «سَأَلت أنس بن مَالك عَن الْحلِيّ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ زَكَاة» . وَأما أثر أَسمَاء (فروياه) أَيْضا، بإسنادٍ جيد، عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، عَن أَسمَاء بنت أبي بكر «أَنَّهَا كَانَت تحلي بناتها الذَّهَب وَلَا تزكيه، نَحْو من خمسين ألف» . قَالَ الْأَثْرَم: سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول فِي زَكَاة الْحلِيّ عَن خَمْسَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يرَوْنَ فِيهِ زَكَاة، وهم أنس وَجَابِر وَابْن عمر وَعَائِشَة وَأَسْمَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَمن قَالَ: لَا زَكَاة فِي الْحلِيّ زعم أَن الْأَحَادِيث والْآثَار الْوَارِدَة فِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ حِين كَانَ التحلي بِالذَّهَب حَرَامًا عَلَى النِّسَاء، فَلَمَّا أُبِيح لَهُنَّ سَقَطت زَكَاته. قَالَ: وَكَيف يَصح هَذَا القَوْل مَعَ حَدِيث عَائِشَة - إِن كَانَ ذكر الْوَرق فِيهِ مَحْفُوظًا - وَهُوَ مَا رَوَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 583 أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَنْهَا «أَنَّهَا دخلت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَرَأَى فِي يَدهَا صخابًا من ورق، فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا عَائِشَة؟ فَقَالَت: صنعتهن أتزين لَك بهنَّ يَا رَسُول الله. قَالَ:) أتؤدين زكاتهن؟ قَالَت: لَا، قَالَ: هُوَ حَسبك من النَّار» . وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ مَجْهُول. (وَتَبعهُ ابْن الْجَوْزِيّ) ، وَخَالفهُ الْبَيْهَقِيّ وَابْن الْقطَّان (فَقَالَا) : هُوَ مَعْرُوف. وَهُوَ الصَّوَاب، فَهُوَ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» . وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ أعلَّه بِيَحْيَى بن أَيُّوب الغافقي، وَهُوَ من رجال مُسلم، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى فِي رِوَايَة، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، لَا جرم قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: غير أَن رِوَايَة الْقَاسِم وَابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 584 فِي تَركهَا إِخْرَاج زَكَاة الْحلِيّ، مَعَ مَا ثَبت من مَذْهَبهمَا من إِخْرَاج [الزَّكَاة عَن] أَمْوَال الْيَتَامَى، فَوَقع رِيبَة فِي هَذِه الرِّوَايَة المرفوعة، فَهِيَ لَا تخَالف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيمَا ترويه إِلَّا فِيمَا عَلمته مَنْسُوخا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 585 بَاب: زَكَاة التِّجَارَة ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَادِيث وأثرًا وَاحِدًا. أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة: الحَدِيث الأول عَن أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْإِبِل صدقتها، (وَفِي الْبَقر صدقتها، وَفِي الْغنم صدقتها) وَفِي الْبَز صدقته» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، من طرق (عَن أبي ذَر، إِحْدَاهَا) : من حَدِيث أبي عَاصِم، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي، قَالَ: حَدثنِي عمرَان بن أبي أنس، عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان، عَنهُ مَرْفُوعا، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء. وَقَالَ عِنْد قَوْله: «وَفِي الْبَز صدقته» قَالَهَا بالزاي. ثَانِيهَا: من حَدِيث (سعيد) بن سَلمَة، نَا مُوسَى، عَن عمرَان، عَن مَالك، عَنهُ مَرْفُوعا (بِهِ) سَوَاء، ثمَّ قَالَ: كتبته من الأَصْل الْعَتِيق، وَفِي الْبَز مُقَيّد. ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الله بن مُعَاوِيَة، نَا مُحَمَّد بن بكر، عَن ابْن جريج، عَن عمرَان، عَن مَالك، عَنهُ مَرْفُوعا بِهِ، سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: لم يذكر الْبَقر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 586 وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن مُحَمَّد بن بكر، عَن ابْن جريج، عَن عمرَان، بلغه عَنهُ، عَن مَالك بن أَوْس (بِهِ) ، وَذكر الْبَقر. والطريقان الْأَوَّلَانِ معللان بمُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي، وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ أَحْمد: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. وَالطَّرِيق الثَّالِث مُعَلل بِعَبْد الله بن مُعَاوِيَة، وَلَا أعلم حَاله، وَلَا أتحقق أَنه عبد الله بن مُعَاوِيَة بن عَاصِم الضَّعِيف، وَإِن كَانَ ابْن حبَان ذكره فِي «ثقاته» وَقَالَ: رُبمَا يُخَالف، يعْتَبر بحَديثه إِذا بيَّنَ السماع فِي رِوَايَته. فَإِن سلم أَنه هُوَ فقد صرح (هُنَا) بِالتَّحْدِيثِ، فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن بكر. كَمَا سلف، وَجزم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بِأَنَّهُ المضعف، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إسنادها حسن وَإِن (كَانَ) عبد الله فِيهِ أدنَى كَلَام. قلت: وَلم ينْفَرد بِهِ، بل تَابعه عَلَيْهِ يَحْيَى بن مُوسَى كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف إِلَّا بمُوسَى بن عُبَيْدَة وَهُوَ ضَعِيف، عَن عمرَان بن أبي أنس. قَالَ: فَأَما رِوَايَة ابْن جريج عَن عمرَان فَلَا تصح إِلَى ابْن جريج. قَالَ: وَعبد الله بن مُعَاوِيَة هَذَا لَا يعرف حَاله. وَأقرهُ صَاحب «الإِمَام» عَلَى هَذِه الْمقَالة. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَإِن قلت: قد رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن بكر غَيره، وَهُوَ يَحْيَى بن مُوسَى الْبَلْخِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 587 الْمَعْرُوف بخت وَهُوَ ثِقَة. فَالْجَوَاب: أَن الْمُؤَاخَذَة إِنَّمَا هِيَ عَلَى رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، عَلَى أَن لرِوَايَة ابْن جريج عَن عمرَان لَو صحت من رِوَايَة يَحْيَى بن مُوسَى شَأْنًا آخر وَهُوَ الِانْقِطَاع. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب «الْعِلَل» : نَا يَحْيَى بن مُوسَى، نَا مُحَمَّد بن (بكر) ثَنَا ابْن جريج، عَن عمرَان، عَن مَالك، عَن أبي ذَر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «فِي الْإِبِل صدقتها، وَفِي الْغنم صدقتها، وَفِي الْبَقر صدقتها، وَفِي الْبَز صدقته» ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث؟ فَقَالَ: ابْن جريج لم يسمع من عمرَان بن أبي أنس، يَقُول: حدثت عَن عمرَان بن أَبَى أنس. انْتَهَى. (وَقد أسلفنا ذَلِك عَن رِوَايَة أَحْمد) . قَالَ ابْن الْقطَّان: فَالْحَدِيث عَلَى هَذَا مُنْقَطع، وَابْن جريج لم يقل: «نَا عمرَان» وَهُوَ مُدَلّس. قلت: قد أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث سعيد بن سَلمَة بن أبي الحسام، نَا عمرَان بن أبي أنس، عَن مَالك بن أَوْس، عَن أبي ذَر، مَرْفُوعا كَمَا سلف. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 588 الْوَجْه أَيْضا، فَهَذِهِ الطَّرِيقَة سَالِمَة (من) الِانْقِطَاع. ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: تَابعه ابْن (جريج) عَن عمرَان، ثمَّ سَاقه كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: كلا الإسنادين صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَاعْترض الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَلَى ابْن الْقطَّان، فَقَالَ: مَا ذكره من جِهَة التِّرْمِذِيّ عَن يَحْيَى بن مُوسَى، يَقْتَضِي صِحَّته إِلَى ابْن جريج، لَا كَمَا ذكر أَولا، وَالتَّعْلِيل بالانقطاع غير التَّعْلِيل بِعَدَمِ الصِّحَّة إِلَى ابْن جريج. قَالَ: وَطَرِيق ابْن جريج أخرجهَا الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من (غير) جِهَة عبد الله بن مُعَاوِيَة، عَن مُحَمَّد بن بكر، فتزول الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا ابْن الْقطَّان فِي كَون الحَدِيث لَا يَصح إِلَى ابْن جريج، ثمَّ سَاقه من حَدِيث الْحَاكِم، (من) طَرِيق ابْن جريج، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا وَإِن كَانَ يزِيل مَا اعْترض بِهِ من عدم الصِّحَّة إِلَى ابْن (جريج) ، فَلَا يزِيل مَا ذكر عَن البُخَارِيّ من أَن ابْن جريج لم يسمع من عمرَان، فَمن هَذَا الْوَجْه يسْتَدرك عَلَى «الْمُسْتَدْرك» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَاكِم من جِهَة سعيد بن سَلمَة، ثَنَا عمرَان بن أبي أنس، فَهَذَا الْوَجْه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 589 خرج مِنْهُ ابْن جريج عَن عمرَان، وَقد وَقع فِيهِ التَّصْرِيح بِسَمَاع سعيد مِنْهُ، وَهُوَ من رجال مُسلم. ثمَّ اعْترض عَلَى الْحَاكِم فِي قَوْله: «إِن الإسنادين عَلَى شَرطهمَا» بِأَن قَالَ: كِلَاهُمَا يرجع إِلَى عمرَان (بن) أبي أنس، وَهُوَ مَذْكُور فِيمَن انْفَرد (مُسلم بِهِ فَكيف يكون عَلَى شَرطهمَا؟ قلت: قد أسلفنا فِي أَوَائِل كتَابنَا هَذَا أَن مُرَاد) الْحَاكِم بقوله: «عَلَى شَرطهمَا» أَو «عَلَى شَرط أَحدهمَا» أَن رِجَاله ثِقَات احْتج الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا بمثلهم (لَا أَنهم) أنفسهم، فَلَا إِيرَاد عَلَيْهِ إِذن. ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر الطّرق الثَّلَاثَة الأول، من (عِنْد) الدَّارَقُطْنِيّ، عَلَى وَجه الِاحْتِجَاج بهَا، و (قَالَ) إِن الطَّرِيق الَّتِي فِيهَا عبد الله بن مُعَاوِيَة أصلح من اللَّتَيْنِ قبلهَا؛ لأجل مُوسَى بن عُبَيْدَة؛ فَإِنَّهُ أَشد ضعفا. وَعِنْدِي أَن طَريقَة الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ من جِهَة سعيد بن سَلمَة أولَى مِنْهَا وَلم (يعْتَبر) بهَا ابْن الْجَوْزِيّ. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «وَفِي الْبَز صدقته» هُوَ بِفَتْح الْبَاء وبالزاي، هَكَذَا رَوَاهُ، وَصرح بالزاي الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا سلف، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» . قَالَ أهل اللُّغَة: الْبَز: هِيَ الثِّيَاب الَّتِي هِيَ أَمْتعَة الْبَزَّاز. قَالَ النَّوَوِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 590 فِي «تهذيبه» : وَهَذَا التَّقْيِيد وَإِن كَانَ ظَاهرا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ، فَإِنَّمَا قيدته بِهِ لِأَن بَعضهم صحفه بِالْبرِّ بِالْبَاء وَالرَّاء. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : (ثمَّ) اعْلَم أَن (هُنَا) أَمر لَا بُد من التَّنْبِيه عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ أَن الأَصْل الَّذِي نقلت مِنْهُ (من) كتاب «الْمُسْتَدْرك» لَيْسَ (فِيهِ) الْبَز بالزاي الْمُعْجَمَة، وَفِيه ضم الْبَاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَيحْتَاج إِلَى كشف من أصل آخر مُعْتَبر، فَينْظر إِلَى الْمُوَافقَة والمخالفة، فَإِن اتّفق عَلَى (ضمة الْبَاء) فَلَا يكون دَلِيلا عَلَى مَسْأَلَة زَكَاة التِّجَارَة، فَليعلم ذَلِك، فَإِنَّمَا قصدنا الْخُرُوج عَن الْعهْدَة. قلت: الْوَاقِع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة وَالْبَيْهَقِيّ التَّقْيِيد بِأَنَّهُ بالزاي يزِيل هَذَا التَّوَقُّف. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. الحَدِيث الثَّانِي عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْمُرنَا أَن نخرج الزَّكَاة مِمَّا نعده للْبيع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث جَعْفَر بن سعد ابْن سَمُرَة بن جُنْدُب، قَالَ: حَدثنِي خبيب - يَعْنِي بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة - ابْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب: «أما بعد، فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمُرنَا أَن نخرج الصَّدَقَة من الَّذِي يعد للْبيع» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 591 وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي (عمر) مَرْوَان ابْن جَعْفَر بن سعد بن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن [جَعْفَر بن] سعد بن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن خبيب بن سُلَيْمَان بن (سَمُرَة) بن جُنْدُب، عَن أَبِيه، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب: «بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (من سَمُرَة بن جُنْدُب) إِلَى بنيه سَلام عَلَيْكُم، أما بعد، فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمُرنَا برقيق الرجل وَالْمَرْأَة الَّذِي هُوَ تلاد لَهُ وهم عملة لَا يُرِيد بيعهم، فَكَانَ يَأْمُرنَا أَن لَا نخرج عَنْهُم من الصَّدَقَة شَيْئا، وَكَانَ يَأْمُرنَا أَن نخرج من الرَّقِيق الَّذِي يعد للْبيع» . وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث جيد، وَخَالف (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم (فَقَالَ: سَاقِط) ؛ لِأَن جَمِيع رُوَاته مَا بَين سُلَيْمَان (بن مُوسَى) وَسمرَة مَجْهُولُونَ، لَا يعرف من هم. وَتَبعهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: مَا من هَؤُلَاءِ من يعرف حَاله، وَقد جهد المحدثون فيهم جهدهمْ، وَهُوَ إِسْنَاد تروى بِهِ جملَة أَحَادِيث، ذكر الْبَزَّار مِنْهَا نَحْو الْمِائَة. وَلَيْسَ كَمَا قَالَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 592 فسليمان هَذَا الَّذِي (هَذَا) الحَدِيث عِنْده عَن جَعْفَر هُوَ الزُّهْرِيّ، رَوَى عَنهُ مَرْوَان (الطاطري) - وَقَالَ: ثِقَة - وَجَمَاعَة أُخر، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: حَدِيثه مُسْتَقِيم مَحَله الصدْق، صَالح الحَدِيث. وجعفر بن سعد وخبيب (ووالده) سُلَيْمَان بن سَمُرَة ذكرهم ابْن حبَان فِي «ثقاته» فَقَالَ: جَعْفَر بن سعد بن سَمُرَة الْفَزارِيّ، يروي عَن خبيب ابْن سُلَيْمَان، رَوَى عَنهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خبيب. وَقَالَ فِي تَرْجَمَة خبيب: خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة بن جُنْدُب الْفَزارِيّ، يروي عَن أَبِيه، رَوَى عَنهُ جَعْفَر بن سعد أَبُو سُلَيْمَان. وَقَالَ فِي تَرْجَمَة وَالِده (سُلَيْمَان بن سَمُرَة بن جُنْدُب الْفَزارِيّ، يروي عَن أَبِيه، رَوَى عَنهُ عَلّي بن ربيعَة وخبيب بن) سُلَيْمَان ابْنه. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : جَعْفَر بن سعد عَن أَبِيه، وَعنهُ سُلَيْمَان بن مُوسَى وَغَيره، لَهُ هَذَا الحَدِيث وَغَيره عَن خبيب، ردّه ابْن حزم فَقَالَ: هما مَجْهُولَانِ. وخبيب هَذَا يجهل حَاله عَن أَبِيه. قلت: قد ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . قَالَ: وَقَالَ عبد الْحق: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 593 خبيب ضَعِيف وَسكت عَنهُ فِي الْجِهَاد، وَقَالَ مرّة: إِنَّه لَيْسَ بالمشهور، وَلَا أعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا جَعْفَر بن سعد، وَلَيْسَ جَعْفَر مِمَّن يعْتَمد عَلَيْهِ. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَسليمَان هَذَا زهري من أهل الْكُوفَة لَيْسَ بالمشهور. وَقَالَ فِي تَرْجَمَة خبيب: إِنَّه - أَعنِي خبيبًا - لَا يعرف. قَالَ: وَبِكُل حَال هَذَا إِسْنَاد مظلم لَا ينْهض بِحكم. قلت: لَا يسلم لَهُ ذَلِك، فقد قَالَ ابْن عبد الْبر: ذكره أَبُو دَاوُد وَغَيره بِالْإِسْنَادِ الْحسن، عَن سَمُرَة. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي «عمدته الْكُبْرَى» : إِسْنَاده مقارب، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : فِيهِ رجال لَا أعرف حَالهم، وَلَكِن لم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حسن أَو صَحِيح عَلَى قَاعِدَته. وَقَالَ شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي: هَذَا إِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ، وَأَقل مراتبه أَن يكون حسنا؛ فَإِن جَعْفَر بن سعد مَسْتُور الْحَال، وخبيب وَأَبوهُ (وثقهما) ابْن حبَان. قلت: وَكَذَا جَعْفَر أَيْضا كَمَا أسلفناه عَنهُ. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَابه وَاضحا. (انتهي الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 594 وَأما الْأَثر: مَا اعْتَمدهُ الشَّافِعِي عَن [أبي] عَمْرو بن حماس، أَن أَبَاهُ حماسًا قَالَ: «مَرَرْت عَلَى عمر بن الْخطاب وَعَلَى عنقِي أدمة أحملها، فَقَالَ: أَلا تُؤدِّي زكاتك يَا حماس؟ فَقلت: مَا لي غير هَذَا وَأهب فِي الْقرظ. قَالَ: ذَلِك مَال فضع. فَوَضَعتهَا بَين يَدَيْهِ، فحسبها، فَوجدت قد وَجب فِيهَا الزَّكَاة، فَأخذ مِنْهَا الزَّكَاة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن أبي عَمْرو بن حماس، أَو [عَن] عبد الله بن أبي سَلمَة، عَن أبي عَمْرو بن حماس، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: «كنت أبيع (الْأدم والجعاب) ، فمرّ بِي عمر بن الْخطاب، فَقَالَ لي: أدِّ صَدَقَة مَالك. فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّمَا هُوَ (فِي) الْأدم. قَالَ: قوّمه ثمَّ أخرج صدقته» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، نَا يَحْيَى (بن سعيد) عَن عبد الله بن أبي سَلمَة، عَن أبي عَمْرو بن حماس؛ أَن أَبَاهُ قَالَ: «مَرَرْت بعمر بن الْخطاب ... » فَذكره، وَقَالَ فِيهِ «فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا لي غير هَذِه الَّتِي عَلَى ظَهْري وأهبة فِي الْقرظ. فَقَالَ: (ذَاك) مَال (بدل مَا) ذكر وَالْبَاقِي بِمثلِهِ سَوَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 595 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ جَعْفَر بن (عون) ، عَن يَحْيَى مُخْتَصرا قَالَ: «كَانَ حماس يَبِيع الْأدم و (الجعاب) ، فَقَالَ لَهُ عمر: أدِّ زَكَاة مَالك. فَقَالَ: إِنَّمَا مَالِي (جعاب) وأدم فَقَالَ: قوِّمه وأدّ زَكَاته» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن سُفْيَان، نَا ابْن عجلَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن أبي (عَمْرو) بن حماس، عَن أَبِيه. مثل رِوَايَة سُفْيَان الأولَى. وَفِي رِوَايَة لسَعِيد بن مَنْصُور عَن حماس - وَكَانَ يَبِيع الْأدم - قَالَ: «قَالَ لي عمر بن الْخطاب: يَا حماس، أدّ زَكَاة مَالك. فَقلت: مَا لي مَال، إِنَّمَا أبيع الْأدم. قَالَ: قوّمه وأدّ زَكَاة مَالك. فَفعلت. وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق كَمَا حَكَاهُ أَبُو عمر عَنهُ، عَن الثَّوْريّ [عَن يَحْيَى بن سعيد] عَن أبي سَلمَة، عَن ابْن حماس، عَن أَبِيه. وجَهَّلَ ابنُ حزمٍ حماسًا وَابْنه، فَقَالَ: أَبُو عَمْرو ابْن حماس مَجْهُول (كأبيه) فَقَالَ: وروينا من طَرِيق عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، نَا عَارِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 596 بن الْفضل، قَالَ: سَمِعت أَبَا الْأسود - هُوَ حميد بن الْأسود - يَقُول: ذكرت لمَالِك بن أنس حَدِيث ابْن حماس فِي الْمَتَاع يزكَّى، عَن يَحْيَى بن سعيد. فَقَالَ مَالك: يَحْيَى قماش. قَالَ ابْن حزم: مَعْنَاهُ أَنه يجمع القماش، وَهُوَ الكناسة، أَي يروي عَمَّن لَا قدر لَهُ وَلَا يسْتَحق. فَائِدَة: حِمَاس بِكَسْر الْحَاء وَتَخْفِيف الْمِيم وَآخره سين مُهْملَة. (وَقَوله: «أدمة» اعْلَم أَن الْأَدِيم يجمع عَلَى أَدم، بِفَتْح الْهمزَة، وَعَلَى آدمة بِأَلف بعد الْهمزَة، كرغيف وأرغفة. وَأما الأَدمة بِفَتْح الْهمزَة وَالدَّال وبالتاء فَهُوَ بَاطِن الْجلد الَّذِي يَلِي اللَّحْم و [الْبشرَة] ظَاهرهَا، كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي، وحينئذٍ فَيتَعَيَّن عَلَى مَا نَقله أَن تكون اللَّفْظَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هِيَ جمع الْأَدِيم؛ فَإِن الْمَفْتُوحَة لَا يظْهر ضمهَا هُنَا. والإهاب: الْجلد، وَجمعه أَهَب، بِفَتْح الْهمزَة وَالْهَاء، عَلَى غير الْقيَاس، كأديم وأدم. وَقد قَالُوا أَيْضا: أُهب بِالضَّمِّ. [قَالَه] الْجَوْهَرِي وَمُقْتَضَى كَلَامه أَن الأول هُوَ الْمَعْرُوف) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 597 بَاب: زَكَاة الْمَعْدن والركاز ذكر رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ ثَمَانِيَة أَحَادِيث: الحَدِيث الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطع بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ (الْمَعَادِن) الْقبلية وَأخذ مِنْهَا الزَّكَاة» . (هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك) فِي «موطئِهِ» عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن غير وَاحِد من عُلَمَائهمْ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطع لِبلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ معادن الْقبلية، وَهِي من نَاحيَة الْفَرْع» فَتلك الْمَعَادِن لَا يُؤْخَذ (مِنْهَا) إِلَّا الزَّكَاة إِلَى الْيَوْم. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي «سنَنه» كَذَلِك. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن الْحُسَيْن بن إِسْحَاق، عَن هَارُون بن عبد الله، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، (عَن حميد) بن صَالح، عَن عمَارَة وبلال ابْني يَحْيَى بن بِلَال بن الْحَارِث، عَن أَبِيهِمَا، عَن جدهما بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطعه هَذِه الْقطعَة، وَكتب لَهُ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، هَذَا مَا أعْطى مُحَمَّد رَسُول الله بِلَال بن الْحَارِث، أعطَاهُ معادن الْقبلية غوريها وجلسيها وَذَات النصب وَحَيْثُ صلح للزَّرْع من قدس (إِن كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 598 للزَّرْع صَالحا) وَكتب مُعَاوِيَة» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة بِلَال بن الْحَارِث بِسَنَدِهِ إِلَى حميد، وَقَالَ: بدل «عمَارَة» : «الْحَارِث» وَذكر الْبَاقِي مَعَ اخْتِلَاف يسير. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك بِلَفْظِهِ السالف، ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُثبتهُ أهل الحَدِيث، وَلَو ثبتوه لم تكن [فِيهِ] رِوَايَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا إقطاعه، فَأَما الزَّكَاة فِي الْمَعَادِن دون الْخمس فَلَيْسَتْ مروية عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي، فِي رِوَايَة مَالك. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن ربيعَة مَوْصُولا. فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن نعيم بن حَمَّاد، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن الْحَارِث بن بِلَال بن الْحَارِث، (عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ من الْمَعَادِن الْقبلية الصَّدَقَة، [وَإنَّهُ] أقطع بِلَال بن الْحَارِث) العقيق أجمع، فَلَمَّا كَانَ عمر بن الْخطاب قَالَ لِبلَال: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يقطعك إِلَّا لتعمل. قَالَ: فأقطع عمر بن الْخطاب للنَّاس العقيق» . وَرَوَاهُ من (هَذَا) الْوَجْه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 599 «الصَّحِيحَيْنِ» ، (ثمَّ) قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ، وَقد احْتج البخارى بنعيم بن حَمَّاد، وَمُسلم بالدراوردي. قلت: نعيم والدراوردي لَهما مَا يُنكر، والْحَارث لَا أعرف حَاله، لَا جرم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : لعلّ الْحَاكِم علم حَال الْحَارِث. وَرَوَاهُ أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة بِلَال، من وَجه آخر كَمَا سلف. قَالَ (أَبُو عمر) بن عبد الْبر: هَكَذَا هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» عِنْد جَمِيع الروَاة مُرْسلا، وَلم يخْتَلف فِيهِ عَن مَالك، وَذكر أَن الدَّرَاورْدِي رَوَاهُ عَن ربيعَة، عَن الْحَارِث بن بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، وَقَالَ أَيْضا: وَإسْنَاد ربيعَة فِيهِ صَالح حسن. وَقَالَ (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فِي «محلاه» : هَذَا لَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَنَّهُ مُرْسل. وَمنع ابْن الْجَوْزِيّ تَسْمِيَته بذلك، فَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» بعد استدلاله بِهِ: إِن قيل قَوْله: «عَن غير وَاحِد» يَقْتَضِي الْإِرْسَال. قُلْنَا: ربيعَة قد لَقِي الصَّحَابَة، وَالْجهل بالصحابي لَا يضر، وَلَا يُقَال: هَذَا مُرْسل. قَالَ: ثمَّ قد رَوَاهُ الدَّرَاورْدِي، عَن ربيعَة، عَن الْحَارِث بن بِلَال، عَن بِلَال؛ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَخذ مِنْهُ زَكَاة الْمَعَادِن الْقبلية، (قَالَ) : قَالَ ربيعَة: وَهَذِه الْمَعَادِن تُؤْخَذ مِنْهَا الزَّكَاة إِلَى هَذَا الْوَقْت. قَالَ: وَرَوَاهُ ثَوْر، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، مثل حَدِيث بِلَال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 600 قلت: وَله طَرِيق آخر أخرجه أَبُو دَاوُد، من حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطع بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ معادن الْقبلية جلسيها وغوريها، وَحَيْثُ يصلح الزَّرْع من قدس وَلم (يُعْطه) حق مُسلم، وَكتب لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، هَذَا مَا أعْطى مُحَمَّد رَسُول الله بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ، أعطَاهُ معادن الْقبلية جلسها وغورها، وَحَيْثُ يصلح الزَّرْع من قدس، وَلم يُعْطه حق مُسلم» . قَالَ أَبُو دَاوُد: ونا غير وَاحِد، عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد، نَا أَبُو أويس، قَالَ: وحَدثني ثَوْر بن يزِيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله. زَاد ابْن النَّضر: «وَكتب أبي بن كَعْب» . وَكثير هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَأَبُو أويس عبد الله بن عبد الله أخرج لَهُ مُسلم، وَضَعفه غير وَاحِد. قَالَ (ابْن) عبد الْبر فِي «تمهيده» : كثير مجمع عَلَى ضعفه لَا يحْتَج بِمثلِهِ، (وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث ابْن عَبَّاس، لَيْسَ يرويهِ غير أبي أويس عَن ثَوْر) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 601 قلت: وَأَبُو أويس قد علمت حَاله. قَالَ (الْحَافِظ جمال الدَّين) الْمزي: وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن أَبِيه أبي أويس، وَعَن عَمه مُوسَى ابْن يسَار جَمِيعًا عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس. وَنقل عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» [عَن ابْن عبد الْبر] أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه مُنْقَطع. وَلم أر ذَلِك فِي «تمهيده» وَلَا «استذكاره» ، وَقد تعقبه ابْن الْقطَّان [فَقَالَ:] نعم هُوَ مُنْقَطع؛ من أجل أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: نَا غير وَاحِد عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد. فَائِدَة فِي ضبط مَا وَقع من الْأَلْفَاظ الغريبة الَّتِي قد تصحف: الْفَرْع بِضَم الْفَاء وَبعدهَا رَاء سَاكِنة؛ كَذَا قيدها (الْحَافِظ أَبُو بكر) الْحَازِمِي فِي «المؤتلف» ، قَالَ: وَهُوَ قَرْيَة من نَاحيَة الربذَة عَن يسَار السقيا، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ثَمَانِيَة برد، وَقيل: أَربع لَيَال، بهَا مِنْبَر ونخل ومياه، وَهِي لقريش وَالْأَنْصَار وَمُزَيْنَة. وضبطها الْبكْرِيّ بِضَم الأول وَالثَّانِي وَالْعين الْمُهْملَة، وَقَالَ: حجازي من أَعمال الْمَدِينَة (الواسعة) والصفراء، وأعمالها من الْفَرْع ومضافة إِلَيْهِمَا. وَكَذَا ضَبطهَا الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» ثمَّ قَالَ: وسكَّن الْفَاء بَعضهم. قَالَ: وَهُوَ مَوضِع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 602 بِأَعْلَى الْمَدِينَة، وَاسع، عَلَى طَرِيق مَكَّة، وَفِيه مَسَاجِد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ومنابره، وقرى كَثِيرَة. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : هُوَ مَوضِع بَين نَخْلَة وَالْمَدينَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هِيَ قَرْيَة ذَات نخل وَزرع ومياه جَامِعَة، بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، عَلَى نَحْو أَربع مراحل من الْمَدِينَة. قَالَ الْبكْرِيّ: وَالْفرع من أشرف ولايات الْمَدِينَة. والقبلية: بِفَتْح الْقَاف، وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة أَيْضا وَكسر اللَّام بعْدهَا، كَذَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» ، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَالنَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» و «مَجْمُوعه» وَادَّعَى فِي «مَجْمُوعه» أَنه لَا خلاف فِي هَذَا الضَّبْط، قَالَ: وَقد تصحف، قَالَ: وَهُوَ مَوضِع (من) نَاحيَة الْفَرْع. وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَاهُ من نفي الْخلاف؛ فقد نقل الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» عَن كتاب «الْأَمْكِنَة» أَن الْقبلية بِكَسْر الْقَاف (وَفتح الْبَاء ثمَّ قَالَ: وَالْمَحْفُوظ فِي الحَدِيث أَن الْقبلية مَنْسُوب إِلَى قبل بِفَتْح الْقَاف) وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي نَاحيَة من سَاحل الْبَحْر، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة خَمْسَة أَيَّام. وجَلْس: بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون اللَّام ثمَّ سين مُهْملَة، قَالَ الْأَصْمَعِي: كل مُرْتَفع جلْس. والغوْر: مَا (انخفض) من الأَرْض، يُرِيد أَنه أقطعه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 603 وِهَادَهَا ورُبَاها، هَذَا كَلَامه. وَيُقَال (لنجد) جَلْس، قَالَ أَبُو عبيد وَابْن قُتَيْبَة: الغَوْريُّ: مَا كَانَ من بِلَاد تهَامَة، والجلْس: مَا (كَانَ) من بِلَاد نجد. وقُدْس: (بِضَم) الْقَاف وَسُكُون الدَّال، جبل مَعْرُوف من جبال تهَامَة، قَالَه الْبكْرِيّ. وَهُوَ جبل العَرْج. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قُدس مُؤَنّثَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قدس جبل مَعْرُوف، وَقيل: هُوَ الْموضع (الْمُرْتَفع) الَّذِي يصلح للزِّرَاعَة. قَالَ: وَفِي كتاب «الْأَمْكِنَة» إِنَّه (قديس، وَقدس) جبلان، وَأما قَدَس بِفَتْح الْقَاف وَالدَّال فموضع بِالشَّام. وَوَقع فِي أبي دَاوُد: (جِرسها) بِكَسْر الْجِيم ثمَّ رَاء مُهْملَة، وَالْمَحْفُوظ بِاللَّامِ وَفتح الْجِيم. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا زَكَاة فِي حجر» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 604 هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي (سعد) الْمَالِينِي، عَن ابْن عدي الْحَافِظ، عَن زيد بن عبد الله، عَن كثير بن عبيد، عَن بَقِيَّة، عَن عمر الكلَاعِي الدِّمَشْقِي، عَن عَمْرو (بن) شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَيْضا عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الوقاصي، عَن عَمْرو بن (شُعَيْب) ، عَن أَبِيه، عَن جده (مَرْفُوعا) . قَالَ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده (مَرْفُوعا) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (ورواة) هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو كلهم ضَعِيف. وَهُوَ كَمَا قَالَ (فعمر هُوَ) ابْن أبي عمر الكلَاعِي (الدِّمَشْقِي) . قَالَ ابْن عدي: إِنَّه مَجْهُول، وَإِن أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة. وَعُثْمَان الوقاصي تَرَكُوهُ، والعرزمي واه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 605 الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الرقة ربع الْعشْر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، من رِوَايَة أنس، وَقد سلف بِطُولِهِ أَوله الزَّكَاة. والرِّقة: بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف هِيَ الْوَرق، وَهُوَ كل الْفضة، وَقيل: الدَّرَاهِم خَاصَّة، وَنقل صَاحب الْبَيَان عَن أَصْحَابنَا أَن الرقة الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه غلط فَاحش، قَالَ: وَلم أر لِأَصْحَابِنَا وَلَا لغَيرهم من أهل اللُّغَة أَن الرقة تطلق عَلَى الذَّهَب. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الرِّكَاز الْخمس، وَفِي الْمَعْدن الصَّدَقَة» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى الْفرق بَين الرِّكَاز والمعدن، ورد بِهِ عَلَى من (جَعلهمَا) وَاحِدًا، وَهُوَ غَرِيب كَذَلِك، لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، أَعنِي بِذكر الْقطعَة الثَّانِيَة مَعَ (الأولَى) . أما الأولَى فثابتة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «العجماء جَبَّار، والبئر جَبَّار، والمعدن جَبَّار، وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 606 قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْإِعْلَام» : وَهَكَذَا رُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، قَالَ: وَأما حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: «فِي الرِّكَاز الْعشْر» فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَل، وَالْأول أثبت مِنْهُ. قلت: لم يجتمعا فِي الثُّبُوت الْبَتَّةَ، بل هَذَا واه، كَمَا بَينه ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَفِي الرِّكَاز (الْخمس) قيل: يَا رَسُول الله، وَمَا الرِّكَاز؟ قَالَ: هُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة المخلوقان فِي الأَرْض يَوْم خلق (الله) السَّمَاوَات وَالْأَرْض» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي يُوسُف، عَن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «فِي الرِّكَاز الْخمس. قيل: وَمَا الرِّكَاز يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الذَّهَب وَالْفِضَّة (الَّذِي) خلقه (الله) فِي الأَرْض يَوْم خلقت» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» أَيْضا و «الْمعرفَة» من حَدِيث حبَان - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة - بن عَلّي (الْعَنزي) ، عَن عبد الله بن سعيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 607 بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الرِّكَاز (الذَّهَب) الَّذِي ينْبت فِي الأَرْض» . وَعبد الله بن (سعيد) هَذَا هُوَ المَقْبُري، وَهُوَ واه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. وَقد جرحه أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين وَجَمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث. وَلما ذكره عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» من الطَّرِيق الأولَى بِلَفْظ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الرِّكَاز فَقَالَ: هُوَ الذَّهَب الَّذِي خلقه الله فِي الأَرْض يَوْم خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض» قَالَ: عبد الله هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث؛ قَالَه ابْن أبي حَاتِم. وَوَقع فِي «كِفَايَة» ابْن الرّفْعَة عقب ذكر الحَدِيث: (وَرَاوِيه) مَتْرُوك الحَدِيث. كَمَا نَقله عبد الْحق عَن أبي حَامِد الْقزْوِينِي، وَهَذَا وهم، وَصَوَابه عَن ابْن أبي حَاتِم، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي - فِيمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ -: قد رَوَى أَبُو سَلمَة وَسَعِيد وَابْن سِيرِين وَمُحَمّد بن زِيَاد وَغَيرهم عَن أبي هُرَيْرَة (حَدِيثه) ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي الرِّكَاز الْخمس» . لم يذكر أحد مِنْهُم شَيْئا من الَّذِي ذكره (المَقْبُري فِي حَدِيثه قَالَ: وَالَّذِي رَوَى فِي ذَلِك شيخ ضَعِيف، إِنَّمَا رَوَاهُ [عبد الله بن سعيد] المَقْبُري، وَعبد الله قد اتَّقَى النَّاس حَدِيثه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 608 فَلَا يَجْعَل (خبر) رجل قد اتَّقَى النَّاس حَدِيثه (حجَّة) . هَذَا آخر كَلَام. الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ. وحبان الْعَنزي الْمَذْكُور فِي الطَّرِيقَة الْأَخِيرَة قَالَ يَحْيَى بن معِين فِي رِوَايَة: صَدُوق. و (قَالَ) فِي رِوَايَة: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ ابْن نمير: فِي حَدِيثه وَحَدِيث أَخِيه منْدَل بعض الْغَلَط. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لين. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا أكتب حَدِيثه، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء، وَقَالَ النَّسَائِيّ والدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ عِنْدهم بِالْقَوِيّ. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِي «علله» : هُوَ وهم [لِأَن هَذَا] لَيْسَ من حَدِيث الْأَعْمَش، و [لَا] من حَدِيث أبي صَالح، إِنَّمَا يرويهِ رجلٌ مَجْهُول، عَن آخر، عَن أبي هُرَيْرَة. وَنقل عبد الْحق عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: (إِنَّه) حَدِيث لَا يَصح. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 609 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي الذَّهَب شَيْء حَتَّى يبلغ عشْرين مِثْقَالا» . هَذَا (الحَدِيث) تقدم بَيَانه فِي بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَاضحا، وكرره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَيْضا. الحَدِيث السَّابع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن رَسُول (قَالَ: «فِي الرِّكَاز الْخمس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مُتَّفق عَلَيْهِ، كَمَا تقدم قَرِيبا، وَقد (ذكره) الرَّافِعِيّ بَعْدُ أَيْضا. الحَدِيث الثَّامِن «أَن رجلا وجد كنزًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن وجدته فِي قَرْيَة مسكونة أَو طَرِيق ميتاء فَعرفهُ، وَإِن وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة، أَو قَرْيَة غير مسكونة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن دَاوُد (بن) شَابُور - بالشين الْمُعْجَمَة - وَيَعْقُوب بن عَطاء، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي كنزٍ وجده رجل فِي خربة جَاهِلِيَّة: إِن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 610 وجدته فِي قَرْيَة مسكونة أَو سَبِيل ميتاء فَعرفهُ، وَإِن وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة أَو (فِي) قَرْيَة غير مسكونة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد قبل ذَلِك بورقتين، من حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث وَهِشَام بن سعد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رجلا من مزينة أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ ترَى فِي (حريسة) الْجَبَل وَالثَّمَر الْمُعَلق؟ - فَذكر حكمهمَا - قَالَ: فَكيف ترَى فِيمَا يُوجد فِي الطَّرِيق الميتاء (أَو) الْقرْيَة المسكونة؟ قَالَ: عرفه سنة، فَإِن جَاءَ باغيها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فشأنك (بهَا) ، فَإِن جَاءَ طَالبه يَوْمًا من الدَّهْر فأدها (إِلَيْهِ) ، وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيق غير الميتاء وَفِي الْقرْيَة غير المسكونة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من حَدِيث ابْن عجلَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 611 سُئِلَ عَن الثَّمر الْمُعَلق والجرين ... » الحَدِيث. قَالَ: «وَسُئِلَ عَن اللّقطَة، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيق الميتاء أَو الْقرْيَة الجامعة فعرفها سنة، فَإِن جَاءَ طالبها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك، وَمَا كَانَ فِي الخراب فَفِيهَا وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، من حَدِيث عبيد الله بن الْأَخْنَس، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن اللّقطَة، فَقَالَ: مَا كَانَ فِي طَرِيق مأتي أَو (فِي) قَرْيَة عامرة فعرفها سنة، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فلك، وَمَا لم يكن فِي طَرِيق مأتي وَلَا (فِي) قَرْيَة عامرة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: «إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي كنزٍ وجده رجل: إِن كنت وجدته فِي قَرْيَة مسكونة أَو فِي سَبِيل ميتاء فَعرفهُ، وَإِن كنت وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة، أَو فِي قَرْيَة غير مسكونة، أَو (فِي) غير سَبِيل ميتاء، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أجَاب من قَالَ بِالْأولِ - أَي أَن الْمَعْدن لَيْسَ بركاز - عَن هَذَا بِأَن الْخَبَر ورد فِيمَا يُوجد من أَمْوَال الْجَاهِلِيَّة، ظَاهرا فَوق الأَرْض فِي الطَّرِيق غير الميتاء، وَفِي الْقرْيَة غير المسكونة، فَيكون فِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس، وَلَيْسَ ذَلِك من الْمَعْدن بسبيل. ثمَّ حَكَى عَن الشَّافِعِي مَا ملخصه: إِن كَانَ حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب [حجَّة] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 612 فالمخالف احْتج مِنْهُ بِشَيْء وَاحِد، إِنَّمَا هُوَ توهم، (وَخَالفهُ فِي غير حكم، وَإِن (كَانَ) غير حجَّة، فالحجة بِغَيْر حجَّة جهل. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله: إِنَّمَا هُوَ توهم) أَشَارَ إِلَى مَا ذكرنَا أَنه لَيْسَ بوارد فِي الْمَعْدن، إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الرِّكَاز من أَمْوَال الْجَاهِلِيَّة. فَائِدَة: الميتاء - بِكَسْر الْمِيم وبالمد -: الطَّرِيق المسلوك الَّذِي يَأْتِيهِ النَّاس. قَالَه الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» قَالَ: وَقيل: ميتاء الطَّرِيق وميداؤه: محجته. (وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هُوَ بِكَسْر الْمِيم وَبعدهَا همزَة وبالمد، وتسهل فَيُقَال بياء سَاكِنة، كَمَا فِي نَظَائِره، قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : مَعْنَاهُ كثير السلوك، فَيُقَال من الْإِتْيَان) . قَالَ (الْمُنْذِرِيّ) : وَقَوله: «وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الخراب» يُرِيد بالخراب العادي الَّذِي لَا يعرف لَهُ مَالك، وسبيله سَبِيل الرِّكَاز، وَفِيه الْخمس، (فَالْمَال الْمَوْجُود فِيهِ) وسائره لواجده، فَأَما الخراب الَّذِي كَانَ (مرّة) عَامِرًا ملكا لمَالِكه ثمَّ خرب فَالْمَال الْمَوْجُود فِيهِ ملك لصَاحب الخراب، فَإِن لم يعرف صَاحبه فَهُوَ لقطَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 613 بَاب: زَكَاة الْفطر ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ عشرَة أَحَادِيث الحَدِيث الأول عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ: «فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَكَاة الْفطر من رَمَضَان عَلَى النَّاس صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير، عَلَى كل حر أَو عبدٍ، ذكرٍ أَو أُنْثَى، من الْمُسلمين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق عَن ابْن عمر. أَولهَا: من طَرِيق عمر ابْن نَافِع، عَن أَبِيه عَنهُ، قَالَ: «فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير، عَلَى العَبْد وَالْحر، وَالذكر وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير وَالْكَبِير من الْمُسلمين، و (أَمر بهَا) أَن (تُؤَدَّى) قبل خُرُوج النَّاس إِلَى الصَّلَاة» . رَوَاهُ البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه. ثَانِيهَا: من طَرِيق الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان، عَلَى كل نَفْس من الْمُسلمين، حر أَو عبد، (رجل) أَو امْرَأَة، صَغِير أَو كَبِير، صَاعا من (تمر) أَو صَاعا من شعير» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 614 رَوَاهُ مُسلم من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (من هَذَا الْوَجْه) بِلَفْظ: « (فرض) زَكَاة الْفطر من رَمَضَان، عَلَى (كل) نَفْس من الْمُسلمين» وَالثَّانِي بِلَفْظ مُسلم، وَترْجم عَلَيْهِ: ذكر الْبَيَان بِأَن هَذِه اللَّفْظَة «من الْمُسلمين» لم يكن مَالك بالمتفرد بهَا. ثَالِثهَا: من طَرِيق [عبيد الله] ، عَن نَافِع، عَنهُ: «فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (صَدَقَة الْفطر) صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، عَلَى كل عبد أَو حر، صَغِير أَو كَبِير» . رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك، وَالْبُخَارِيّ وَلَفظه: «عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر والمملوك» بدل: « (عَلَى) كل عبد ... » إِلَى آخِره. وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: «وَالذكر وَالْأُنْثَى» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع، عَنهُ: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرض زَكَاة الْفطر عَلَى النَّاس من رَمَضَان صَاعا من تمر، أَو صَاعا من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 615 شعير، عَلَى كل حر (أَو) عبد، ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين» . وَفِي رِوَايَة لَهُ خَارج «الْمُوَطَّأ» زِيَادَة: «عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير» ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «غرائب مَالك» ، وَقَالَ: رَوَاهُ (عَنهُ فقيهان) أَحدهمَا: ابْن (قُتَيْبَة) ، وَالثَّانِي: إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، من حَدِيث قُتَيْبَة عَنهُ، وَسقط فِيهَا قَوْله: «من الْمُسلمين» . وَاعْلَم أَن هَذِه اللَّفْظَة - أَعنِي (قَوْله) «من الْمُسلمين» - اشتهرت من رِوَايَة مَالك، حَتَّى قيل: إِنَّه تفرد بهَا. قَالَ أَبُو قلَابَة عبد الْملك (بن) مُحَمَّد: لَيْسَ أحد يَقُول فِيهِ «من الْمُسلمين» غير مَالك. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد تَخْرِيج رِوَايَة مَالك: وَرَوَى غير وَاحِد عَن نَافِع، وَلم يذكرُوا فِيهِ «من الْمُسلمين» . والتفرد الَّذِي قيل عَن مَالك فِي هَذِه اللَّفْظَة لَيْسَ بِصَحِيح، فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : رَوَاهُ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي، عَن عبيد الله ابْن عمر (بِهِ) ، وَقَالَ فِيهِ: «من الْمُسلمين» . قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالك بن أنس، وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان، وَعمر بن نَافِع، والمعلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 616 بن إِسْمَاعِيل، و (عبيد الله) ابْن عمر الْعمريّ، وَكثير بن فرقد، وَيُونُس بن يزِيد، وَرُوِيَ عَن ابْن شَوْذَب عَن أَيُّوب عَن نَافِع كَذَلِك. قلت: أما رِوَايَة مَالك وَالضَّحَّاك وَعمر بن نَافِع فقد سلفت. وَأما رِوَايَة الْمُعَلَّى فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ، بإسنادٍ صَحِيح، وَلَفظه: «أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِزَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير، عَن كل مُسلم، صَغِير أَو كَبِير، حر أَو عبد» . وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك. وَأما رِوَايَة الْعمريّ فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، بِإِسْنَاد جيد، وَلَفظه: « (فرض) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَدَقَة الْفطر، عَلَى كل مُسلم، صَاعا من تمر ... » الحَدِيث. وَأخرجه ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» بِزِيَادَة فِيهِ: «من الْمُسلمين» وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «عَن الصَّغِير وَالْكَبِير» . وَأما رِوَايَة كثير فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظه: «زَكَاة الْفطر عَلَى كل حر وَعبد من الْمُسلمين صَاع من تمر، أَو صَاع من شعير» . (وأخرجها الْحَاكِم بِلَفْظ: «عَلَى كل مُسلم، حر وَعبد، ذكر وَأُنْثَى من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 617 الْمُسلمين، صَاع من تمر، أَو صَاع من شعير» ) ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأما رِوَايَة يُونُس بن يزِيد فأخرجها الطَّحَاوِيّ فِي «بَيَان الْمُشكل» . بِلَفْظ: «عَلَى النَّاس زَكَاة الْفطر، من رَمَضَان، صَاع من تمر أَو صَاع من شعير، عَلَى كل إِنْسَان، ذكر أَو أُنْثَى، أَو حر أَو عبد من الْمُسلمين» . قلت: وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر صَارِخًا بِبَطن مَكَّة يُنَادي أَن صَدَقَة الْفطر حق وَاجِب عَلَى كل مُسلم، صَغِير أَو كَبِير، ذكر أَو أُنْثَى، حر أَو مَمْلُوك، حَاضر أَو باد، صَاع من شعير أَو تمر» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ. الحَدِيث الثانى عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرض زَكَاة الْفطر طهرة للصَّائِم من اللَّغْو والرفث، وطعمة للْمَسَاكِين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، من حَدِيث مَرْوَان، عَن أبي يزِيد الْخَولَانِيّ، عَن سيار بن عبد الرَّحْمَن، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 618 قَالَ: «فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَكَاة (الْفطر) » فذكروه بِزِيَادَة فِي آخِره: (من أدَّاها قبل الصَّلَاة فَهِيَ زَكَاة مَقْبُولَة) ، وَمن أدَّاها بعد الصَّلَاة فَهِيَ صَدَقَة من الصَّدقَات» . قَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ عَلَى شَرطه أَنه من رِوَايَة عِكْرِمَة؛ فَإِنَّهُ احْتج بِهِ فِي غير مَا مَوضِع من (صَحِيحه) ، وَلم يخرج لسيار و (لَا) لأبي يزِيد، وَقد أَثْنَى مَرْوَان عَلَى أبي يزِيد وَوَصفه بِأَنَّهُ شيخ (صدق) ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِي سيار: لَا بَأْس بِهِ. وَاعْترض الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» عَلَى الْحَاكِم، وَقَالَ: فِيمَا زَعمه نظر؛ فَإِن يزِيد وسيارًا لم يخرج لَهما البُخَارِيّ. وَقد أسلفنا قَرِيبا أَن مُرَاد الْحَاكِم بقوله: «إِن الحَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا» أَن رِجَاله فِي الثِّقَة كهم لَا هم أنفسهم، وَقد صرَّح بذلك فِي خطبَته. قلت: وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر، ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث حَازِم الْبَصْرِيّ قَالَ: «فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَكَاة الْفطر طهُورا للصَّائِم من اللَّغْو والرفث، من أَدَّاهَا قبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 619 الصَّلَاة كَانَت لَهُ زَكَاة، وَمن أَدَّاهَا بعد الصَّلَاة كَانَت لَهُ صَدَقَة» . الحَدِيث الثَّالِث «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرض زَكَاة الْفطر، وَأمر بهَا أَن تُؤَدَّى قبل (خُرُوج) النَّاس إِلَى الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أغنوهم عَن الطّلب فِي هَذَا الْيَوْم» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، فَذكره فِي آخِره أَيْضا، وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، من رِوَايَة أبي معشر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَكَاة الْفطر، وَقَالَ: أغنوهم فِي هَذَا الْيَوْم» . هَذَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ من حَدِيث (وَكِيع) ، عَن أبي معشر (بِهِ) ، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «أغنوهم عَن طواف هَذَا الْيَوْم» رَوَاهُ من حَدِيث أبي الرّبيع، عَن أبي معشر بِهِ، ثمَّ قَالَ: أَبُو معشر هَذَا نجيح السندي الْمَدِينِيّ، وَغَيره أوثق مِنْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 620 قلت: بل هُوَ واه، وَقد ضعفه فِي «سنَنه» فِي بَاب: انْتِظَار الْعَصْر بعد الْجُمُعَة، وَبَاب: الْحَج عَن المعضوب، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه لأحاديث (الْمُهَذّب) ، بِلَفْظ: (أغنوهم عَن السُّؤَال» ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب جدًّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ. فَائِدَة: «أغنوهم» بِهَمْزَة قطع مَفْتُوحَة لَيْسَ إِلَّا؛ لِأَنَّهُ رباعي، فَالْأَمْر مِنْهُ بِالْفَتْح. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أدُّوا صَدَقَة الْفطر عَمَّن تمونون» . هَذَا الحَدِيث مرويٌّ من طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِصَدقَة الْفطر، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر وَالْعَبْد، مِمَّن تمونون» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الْهَمدَانِي، نَا الْقَاسِم بن عبد الله بن عَامر بن زُرَارَة، نَا [عُمَيْر] بن عمار الْهَمدَانِي، ثَنَا الْأَبْيَض ابْن الْأَغَر، قَالَ: حَدثنِي الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَنهُ، (بِهِ) سَوَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 621 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذِه الطَّرِيق، ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : [عُمَيْر] بن عمار لم أره فِي كتاب أبي حَاتِم، وَلم يخل الْإِسْنَاد من مس بِكَلَام، وَمِمَّنْ يحْتَاج إِلَى معرفَة حَاله قَالَ: والأبيض ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يعرف بِحَالهِ. قلت: (رَوَى) أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ - فِيمَا حَكَاهُ صَاحب «الْمِيزَان» - عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي حَقه: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: يكْتب حَدِيثه. وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا أَنه قَالَ: رَفعه هَذَا الشَّيْخ (الْقَاسِم) وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَالصَّوَاب مَوْقُوف. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَلّي بن مُوسَى الرضي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن آبَائِهِ عَلَيْهِم السَّلَام «أَن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرض زَكَاة الْفطر، عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالذكر وَالْأُنْثَى، مِمَّن تمونون» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، نَا مُحَمَّد ابْن [الْمفضل] بن إِبْرَاهِيم الْأَشْعَرِيّ، نَا إِسْمَاعِيل بن همام، حَدثنِي عَلّي بن مُوسَى الرِّضَى فَذكره. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : لم يخل بعض رُوَاته من كَلَام، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 622 وَبَعْضهمْ يحْتَاج إِلَى معرفَة حَاله. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُرْسل؛ فَإِن جَدَّ عَلّي بن مُوسَى (الرضي) هُوَ جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن بن عَلّي بن أبي طَالب، وجعفر الصَّادِق لم يدْرك الصَّحَابَة، قَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» : يحْتَج بحَديثه مَا كَانَ من غير رِوَايَة أَوْلَاده عَنهُ؛ لِأَن فِي حَدِيث وَلَده عَنهُ مَنَاكِير كَثِيرَة. قلت: وَسَتَأْتِي رِوَايَة الشَّافِعِي، من رِوَايَة غير وَلَده (عَنهُ) . الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرض زَكَاة الْفطر، عَلَى الْحر وَالْعَبْد، وَالذكر وَالْأُنْثَى، مِمَّن تمونون» . رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن شَيْخه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن جَعْفَر بِهِ. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من جِهَته، وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد عرفت حَاله فِي الطَّهَارَة، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُرْسل. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «فرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى كل صَغِير أَو كَبِير (أَو حر) أَو عبد مِمَّن تمونون، صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، أَو صَاعا من زبيب، عَن كل إِنْسَان» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا مُرْسل. وَهَذَا طَرِيق رَابِع. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : يَعْنِي بالمرسل الْمُنْقَطع، والانقطاع فِيمَا بَين مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، وجد أَبِيه عَلّي بن أبي طَالب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 623 وَرَوَى (الثَّوْريّ) عَن عبد الْأَعْلَى، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن عليٍّ قَالَ: «من جرت عَلَيْهِ نَفَقَتك [فأطعم عَنهُ] نصف صَاع (من) بر، أَو صَاع من تمر» . وَهَذَا مَوْقُوف. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعبد الْأَعْلَى غير قوي، إِلَّا أَنه إِذا انْضَمَّ إِلَى مَا قبله (يَعْنِي حَدِيث عَلّي بن مُوسَى الرضي السالف) قَوِيا فِيمَا اجْتمعَا فِيهِ. تَنْبِيه: وَقع فِي «شرح التَّنْبِيه» للشَّيْخ نجم الدَّين البالسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصف هَذَا الحَدِيث بالثبوت، فَقَالَ فِي كتاب النَّفَقَات مِنْهُ: أما وجوب فطْرَة الْخَادِم فللحديث الثَّابِت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَدّوا الْفطْرَة عَمَّن تمونون» . هَذَا لَفظه، وَهُوَ وهم، فَمن أَيْن (لَهُ) الثُّبُوت (وَهَذِه) حَالَته؟ ! فاحذر ذَلِك. الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَمر) بِصَدقَة الْفطر، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر وَالْعَبْد، مِمَّن تمونون» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الحَدِيث قبله وَاضحا. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسلم فِي عَبده، وَلَا فرسه صَدَقَة، إِلَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 624 صَدَقَة الْفطر (عَنهُ) » . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بِدُونِ الِاسْتِثْنَاء، كَمَا سلف فِي بَاب زَكَاة النعم، وَأما الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهُ لمسلمٍ خَاصَّة، بِلَفْظ: «لَيْسَ فِي العَبْد صَدَقَة إِلَّا صَدَقَة الْفطر» . وَأما لَفْظَة: «عَنهُ» فَلَا أعلم من خرجها فِيهِ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء من رِوَايَة مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، عَن عرَاك بن مَالك، عَن أبي هُرَيْرَة. ومخرمة لم يسمع من أَبِيه، كَمَا قَالَه غير وَاحِد من الْحفاظ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَاب اللّعان، إِن شَاءَ الله. وَقد تَابع مخرمَة عَلَى رِوَايَته: نَافِع (بن) يزِيد، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عرَاك بن مَالك، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صَدَقَة عَلَى الرجل فِي فرسه وَلَا عَبده إِلَّا زَكَاة الْفطر» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ كَذَلِك، بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، إِلَّا (لَفْظَة «عَنهُ» ) . وقاسم بن أصبغ بِلَفْظ: «لَا صَدَقَة فِي فرس الرجل وَلَا عَبده إِلَّا صَدَقَة الْفطر» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن (عبيد الله) بن عمر، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 625 (قَالَ) : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ فِي الْخَيل وَالرَّقِيق صَدَقَة، إِلَّا أَن فِي الرَّقِيق صَدَقَة الْفطر» . وَذكره [ابْن الْقطَّان] من هَذِه الطّرق (الثَّلَاث) ، وَقَالَ: هَذِه كلهَا صِحَاح. الحَدِيث الثَّامِن قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول» . هَذَا الحَدِيث يتَكَرَّر عَلَى أَلْسِنَة جماعات من أصاحبنا، كَالْإِمَامِ، وَالْغَزالِيّ، وَصَاحب «الْمُهَذّب» ، وَغَيرهم، وَلم أره كَذَلِك فِي حَدِيث وَاحِد؛ نعم فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث جَابر، فِي قصَّة بيع الْمُدبر: «ابدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا، فَإِن فضل شَيْء فلأهلك» . وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أفضل الصَّدَقَة مَا كَانَ (عَن) ظهر غنى، وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلَى، وابدأ بِمن تعول» . زَاد البُخَارِيّ: «تَقول الْمَرْأَة: إِمَّا أَن تطعمني، وَإِمَّا أَن تُطَلِّقنِي. وَيَقُول العَبْد: أَطْعمنِي واستعملني. وَيَقُول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 626 (الابْن) : أَطْعمنِي، إِلَى من تدعني؟» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَة، هَذَا من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سمعته؟ قَالَ: لَا؛ هَذَا من كيس أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَفِيه: «وابدأ بِمن تعول. فَقيل: من أعول يَا رَسُول الله؟ قَالَ: (امْرَأَتك) [مِمَّن تعول] ، تَقول أَطْعمنِي: وَإِلَّا فارقني ... » الحَدِيث، وَسَيَأْتِي مطولا فِي النَّفَقَات إِن شَاءَ الله. الحَدِيث التَّاسِع عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا نخرج زَكَاة الْفطر إِذْ كَانَ فِينَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَاعا من طَعَام، أَو صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير، أَو صَاعا من زبيب، أَو صَاعا من أقط، فَلَا أَزَال أخرجه كَمَا كنت أخرجه مَا عِشْت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ عَنهُ بِأَلْفَاظ، فَفِي لفظٍ: «كُنَّا نخرج زَكَاة الْفطر صَاعا من طعامٍ، أَو صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، أَو صَاعا من أقط، أَو صَاعا من زبيب» . (وَفِي رِوَايَة) : «فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَة وَجَاءَت السمراء قَالَ: أرَى مدًّا من هَذَا يعدل مَدين» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 627 وَفِي أُخْرَى: «كُنَّا نخرج فِي عهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْفطر صَاعا من طَعَام» . وللبخاري: «قَالَ أَبُو سعيد: وَكَانَ طعامنا الشّعير وَالزَّبِيب والأقط وَالتَّمْر» وَفِي أُخْرَى: «كُنَّا نطعم الصَّدَقَة صَاعا من شعير» وَفِي أُخْرَى: «كُنَّا نخرج زَكَاة الْفطر وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِينَا، عَن كل صَغِير وكبير، حر ومملوك، من ثَلَاثَة أَصْنَاف، صَاعا من تمر، صَاعا من أقط، صَاعا من شعير، فَلم نزل نخرجهُ حَتَّى كَانَ مُعَاوِيَة، فَرَأَى أَن مَدين من بر تعدل صَاعا من تمر. قَالَ أَبُو سعيد: أما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه كَذَلِك» . وَفِي أُخْرَى: «فَلَا أَزَال أخرجه كَمَا كنت أخرجه مَا عِشْت» . وَلم يذكر البُخَارِيّ الأقط فِيمَا كَانُوا يخرجونه فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَلَا) ذكر قَول أبي سعيد: «لَا أَزَال أخرجه» . الحَدِيث الْعَاشِر (حَدِيث) أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الأقط. هُوَ حَدِيث صَحِيح، وَقد فَرغْنَا مِنْهُ آنِفا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر عَن أبي إِسْحَاق أَن الشَّافِعِي (علق) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 628 القَوْل فِي جَوَاز إِخْرَاجه بِصِحَّة الحَدِيث، فَلَمَّا صَحَّ قَالَ بِهِ، وَقَالَ فِي «تذنيبه» عقيب هَذِه القولة بعد أَن أخرجه من رِوَايَة الشَّافِعِي عَن مَالك، والشيخين: لَيْسَ فِي صِحَة الحَدِيث تردد. قلت: وَأما ابْن حزم فضعفه فِي «محلاه» ، وَقد بيّنت وهمه فِيهِ فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ. تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: فَإِن جَوَّزنَا - يَعْنِي إِخْرَاج الأقط - فقد ذكر فِي الْكتاب أَن اللَّبن و (الْجُبْن) فِي مَعْنَاهُ. وَهَذَا أظهر الْوَجْهَيْنِ، وَفِيه وَجه أَن الْإِخْرَاج مِنْهُمَا لَا يُجزئ؛ لِأَن الْخَبَر لم يرد بهما. قلت: أما (الْجُبْن) فَهُوَ كَمَا (ذكر) ، وَأما اللَّبن فقد ورد الْخَبَر بِهِ، لكنه ضَعِيف، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أَحْمد بن رشدين، عَن سعيد بن عفير، عَن الْفضل بن الْمُخْتَار، حَدثنِي (عبيد الله) بن موهب، عَن عصمَة بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي صَدَقَة الْفطر: مدان من قَمح، أَو صَاع من شعير أَو تمر أَو زبيب، فَمن لم يكن عِنْده أقط وَعِنْده لبن فصاعين من لبن» . وَالْفضل (هَذَا) قَالَ أَبُو حَاتِم (فِي حَقه) : مَجْهُول يحدث بالأباطيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 629 الثَّانِي: قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا يُجزئ الدَّقِيق وَلَا السويق وَلَا الْخبز؛ لِأَن النَّص ورد بالحب، فَإِنَّهُ يصلح (لما لَا تصلح) لَهُ هَذِه الْأَشْيَاء، فَوَجَبَ اتِّبَاع مورد النَّص. قلت: قد ورد النَّص فِي الدَّقِيق (والسويق) ، أما الدَّقِيق فمرويٌّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، أما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة، من حَدِيث نصر بن عَلّي، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن هِشَام، (عَن) مُحَمَّد بن سِيرِين، عَنهُ قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نُؤَدِّي زَكَاة رَمَضَان، صَاعا من طَعَام، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر والمملوك، من أَدَّى سلتًا - وَأَحْسبهُ قَالَ: من أَدَّى دَقِيقًا - قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى سويقًا قبل مِنْهُ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث (الثَّقَفِيّ) ، عَن هِشَام، وَلَفظه: «أمرنَا أَن نعطي صَدَقَة رَمَضَان، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر والمملوك، صَاعا من طَعَام، من أَدَّى برًّا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى شَعِيرًا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى زبيبًا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى سلتًا قَالَ: قبل مِنْهُ، وَأَحْسبهُ قَالَ: وَمن أَدَّى دَقِيقًا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى سويقًا قبل مِنْهُ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 630 قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ نصر بن عَلّي فَذكره كَمَا سَاقه ابْن خُزَيْمَة، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر. ولعلَّ ابْن خُزَيْمَة اعْتبر عَدَالَة الروَاة، وهم كَذَلِك، وَلم يلْتَفت إِلَى غرابته، نعم هُوَ مُنْقَطع فِيمَا بَين مُحَمَّد بن سِيرِين وَابْن عَبَّاس. قَالَ أَحْمد: لم يسمع مِنْهُ، كلهَا يَقُول: نبئت عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ خَالِد الْحذاء: كل شَيْء يَقُول: نبئت عَن ابْن عَبَّاس إِنَّمَا سَمعه من عِكْرِمَة أَيَّام الْمُخْتَار. قيل: وَذَلِكَ فِي حَيَاة ابْن عَبَّاس. قلت: وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس أَيْضا، رَوَاهُ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، نَا أَيُّوب، عَن مُحَمَّد، عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول: «صَدَقَة رَمَضَان صَاعا من طَعَام من جَاءَ ببرٍّ قُبِل مِنْهُ، وَمن جَاءَ بشعير قبل مِنْهُ، وَمن جَاءَ بِتَمْر قبل (مِنْهُ) ، وَمن جَاءَ بسلتٍ قبل مِنْهُ، وَمن جَاءَ بزبيب قبل مِنْهُ، وَأَحْسبهُ قَالَ: وَمن جَاءَ بسويق أَو دَقِيق قبل مِنْهُ» . وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من حَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 631 ابْن عجلَان، عَن عِيَاض، عَنهُ: «لَا أخرج أبدا إِلَّا صَاعا، إنَّا كُنَّا نخرج عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَاع تمر أَو شعير أَو أقط أَو زبيب» : زَاد (سُفْيَان) فِيهِ: «أَو صَاع من دَقِيق» . قَالَ حَامِد بن يَحْيَى: فأنكروا عَلَيْهِ فَتَركه سُفْيَان. قَالَ أَبُو دَاوُد: فَهَذِهِ الزِّيَادَة وهم من ابْن عُيَيْنَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أحدا قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث «دَقِيق» غير ابْن عُيَيْنَة، وَلَفظ النَّسَائِيّ فِيهِ: «أَو صَاعا من سلت» . قَالَ: ثمَّ شكّ سُفْيَان فَقَالَ: دَقِيق أَو سلت. وَأما السويق فمرويٌّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَمَا عَلمته. تَنْبِيه ثَالِث: رَوَى أَبُو دَاوُد مُعَلّقا، وَالدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلا، (من) حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ: «أَو صَاعا من حِنْطَة» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. وَخَالف الْحَاكِم فَقَالَ: صَحِيح. وأخرجها ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَقَالَ: ذكر الْحِنْطَة غير مَحْفُوظ وَلَا أَدْرِي مِمَّن الْوَهم. وأخرجها ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِسَنَد ابْن خُزَيْمَة، ثمَّ قَالَ: فِيهِ بَيَان أَن قَول أبي سعيد فِي الحَدِيث (الآخر) : «صَاعا من طَعَام» أَرَادَ: صَاع حِنْطَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 632 وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «نصف صَاع من بر» ثمَّ قَالَ: وَهُوَ وهم. وللحاكم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كَانَ النَّاس يخرجُون [صَدَقَة الْفطر] عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير، أَو سلت، أَو زبيب» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَعبد الْعَزِيز ثِقَة عَابِد. وَخَالفهُ ابْن عبد الْبر فِي تَصْحِيحه. وَلابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «صَدَقَة الْفطر صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، أَو صَاعا من سلت» . خَاتِمَة: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَن الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث فَقَط بِنَقْل أهل الْمَدِينَة خلفا عَن سلف، ثمَّ قَالَ: ولمالك مَعَ أبي يُوسُف - رحمهمَا الله - فِيهِ قصَّة مَشْهُورَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي أَحْمد (بن) مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب، قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: سَأَلَ أَبُو يُوسُف مَالِكًا عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن الصَّاع كم هُوَ رطلا؟ قَالَ: السّنة عندنَا أَن الصَّاع لَا يُرطَل. ففحمه. قَالَ أَبُو أَحْمد: سَمِعت الْحُسَيْن بن الْوَلِيد يَقُول: (قَالَ أَبُو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 633 يُوسُف) : فَقدمت الْمَدِينَة فجمعنا (أَبنَاء) أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ودعوت بصاعاتهم، فَكل (حَدثنِي) عَن آبَائِهِم، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن هَذَا (صاعه فقدرتها) فَوَجَدتهَا مستوية، فَتركت قَول أبي حنيفَة وَرجعت إِلَى هَذَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْحُسَيْن بن الْوَلِيد قَالَ: قدم علينا أَبُو يُوسُف من الْحَج، فأتيناه، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أفتح عَلَيْكُم بَابا من الْعلم همني ففحصت (عَنهُ) ، فَقدمت الْمَدِينَة، فَسَأَلت عَن الصَّاع فَقَالُوا: [صاعنا] هَذَا صَاع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت لَهُم: مَا حجتكم فِي ذَلِك؟ فَقَالُوا: نَأْتِيك بِالْحجَّةِ غَدا. فَلَمَّا أَصبَحت أَتَانِي نَحْو من خمسين شَيخا من أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، مَعَ كل رجل مِنْهُم الصَّاع تَحت رِدَائه، كل رجل مِنْهُم يخبر عَن أَبِيه أَو أهل بَيته أَن هَذَا صَاع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَنَظَرت فَإِذا هِيَ سَوَاء، قَالَ: فَعَيَّرْته فَإِذا هُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، ينقصان مَعَه يَسِيرا، فَرَأَيْت أمرا قويًّا فقد تركت قَول أبي حنيفَة فِي الصَّاع، وَأخذت بقول أهل الْمَدِينَة. قَالَ الْحُسَيْن: فحججت من عَامي ذَلِك فَلَقِيت مَالك بن أنس فَسَأَلته عَن الصَّاع، فَقَالَ: صاعنا هَذَا صَاع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَقلت: كم رطلا (هُوَ) ؟ قَالَ: إِن الْمِكْيَال لَا يرطل، هُوَ هَذَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 634 قَالَ الْحُسَيْن: فَلَقِيت عبد الله بن زيد بن أسلم فَقَالَ: حَدثنِي أبي، عَن جدي، أَن هَذَا صَاع عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي مَعْنَاهُ أَيْضا من حَدِيث إِسْحَاق بن سُلَيْمَان، ورد مَالك عَلَى أبي حنيفَة فِي قَوْله. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قيل لَهُ: إِن صاعنا أَصْغَر الصيعان، فَدَعَا لَهُم بِالْبركَةِ» . بَيَان وَاضح أَن صَاع الْمَدِينَة أَصْغَر الصيعان، وَلم يخْتَلف أهل الْعلم من لدن الصَّحَابَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا فِي الصَّاع وَقدره، إِلَّا مَا قَالَه الحجازيون من أَنه خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، والعراقيون من أَنه ثَمَانِيَة، (فَكَمَا) لم نجد بَين أهل الْعلم خلافًا فِي قدر الصَّاع إِلَّا مَا وَصفنَا، صَحَّ أَن صَاع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، إِذْ هُوَ أَصْغَر الصيعان، وَبَطل قَول من زعم أَن الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال من غير دَلِيل يثبت لَهُ عَلَى صِحَّته. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: وجدنَا أهل الْمَدِينَة لَا يخْتَلف مِنْهُم اثْنَان فِي أَن مُدَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّذِي يُؤدى بِهِ الصَّدقَات لَيْسَ أَكثر من رَطْل وَنصف وَلَا أقل من رَطْل وَربع. وَقَالَ بَعضهم: رَطْل وَثلث، وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافا وَلكنه عَلَى حسب (رزانة) الْمكيل من التَّمْر وَالْبر وَالشعِير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 635 وَصَاع ابْن أبي ذِئْب خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، [قَالَ أَبُو دَاوُد:] وَهُوَ صَاع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 636 كتاب الصّيام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 637 كتاب الصّيام ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثاراً. أما الْأَحَادِيث فأحد وَسِتُّونَ حَدِيثا؟ الحَدِيث الأول أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " بني الْإِسْلَام عَلَى خمس ... " (1) الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ (2) من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " بني الْإِسْلَام عَلَى خمس: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وإقام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وَحج الْبَيْت، وَصَوْم رَمَضَان ". وَفِي رِوَايَات (3) تَقْدِيم الْحَج عَلَى الصَّوْم، وَفِي رِوَايَة (4) : " خَمْسَة " بدل " خمس ". الحَدِيث الثَّانِي " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: قَالَ للأعرابي الَّذِي سَأَلَهُ عَن الْإِسْلَام ... ". فَذكر لَهُ شهر رَمَضَان، وَقَالَ: " هَل عليَّ غَيره؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوع " (5) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا، أخرجه الشَّيْخَانِ (6) من   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 172) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (1 / 64 رقم 8) ، «صَحِيح مُسلم» (1 / 45 رقم 16 / 22) . (3) «صَحِيح مُسلم» (1 / 45 رقم 16 / 20، 21) . (4) «صَحِيح مُسلم» (1 / 45 رقم 16 / 19) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 172) . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (1 / 130 - 131 رقم 46) و «صَحِيح مُسلم» (1 / 40 - 41 رقم 11 / 8) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 639 حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: " جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أهل نجد ثَائِر الرَّأْس، نسْمع دوِي صَوته وَلَا نفقه مَا يَقُول، حَتَّى دنا من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَإِذا هُوَ يسْأَل عَن الْإِسْلَام، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة. قَالَ: هَل عَلّي غَيْرهنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوع. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وَصِيَام شهر رَمَضَان. قَالَ: هَل عليَّ غَيره؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوع. وَذكر لَهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الزَّكَاة، قَالَ: هَل عَلّي غَيرهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوع. فَأَدْبَرَ الرجل وَهُوَ يَقُول: وَالله لَا أَزِيد عَلَى هَذَا وَلَا أنقص. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أَفْلح إِن صدق ". وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ (1) (ذكرهَا) (2) فِي أول كتاب الصّيام: " أَخْبرنِي مَاذَا فرض الله عليَّ من الصَّلَاة؟ فَقَالَ (3) : الصَّلَوَات الْخمس إِلَّا أَن تطوع شَيْئا. فَقَالَ: أَخْبرنِي (بِمَا) (4) فرض الله عليَّ من الصّيام؟ فَقَالَ: شهر رَمَضَان إِلَّا أَن تطوع شَيْئا. [فَقَالَ: أَخْبرنِي مَا فرض الله عليَّ من الزَّكَاة؟] (5) قَالَ: فَأخْبرهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بشرائع الْإِسْلَام، قَالَ: وَالَّذِي أكرمك بِالْحَقِّ لَا أتطوع شَيْئا وَلَا أنقص مِمَّا فرض الله عليَّ شَيْئا. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: (أَفْلح إِن صدق. أَو دخل الْجنَّة إِن صدق) (6) (وَهَذِه الزِّيَادَة وَهِي " لَا أتطوع شَيْئا " نفيسة لِأَن) (7) الرِّوَايَة الأولَى لَيست ناصة عَلَى امْتِنَاعه من التَّطَوُّع، بل كَانَ يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ لَا أَزِيد عَلَى هَذَا وَلَا أنقص أَي: أبلغ كَمَا سمعته من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان.   (1) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 123 رقم 1891) . (2) من «م» . (3) زَاد فِي «م» : النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. (4) فِي «أ، م» : مَاذَا. والمثبت من «ل» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . (5) من «صَحِيح البُخَارِيّ» . (6) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م» ، «صَحِيح البُخَارِيّ» ، وَفِي «ل» : أَفْلح إِن صدق. (7) فِي «أ، ل» : تَنْبِيه إِن. والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 640 فَائِدَة: قَوْله: «ثَائِر» هُوَ مَرْفُوع صفة للرجل، وَقيل: يجوز نَصبه عَلَى الْحَال. وَمَعْنى ثَائِر الرَّأْس: قَائِم شعره منتفشه. وَقَوله: «نسْمع» و «نفقه» هَا هُنَا بنُون مَفْتُوحَة، وَرُوِيَ بياء مَضْمُومَة و (الدوي) (1) بِفَتْح الدَّال عَلَى الْمَشْهُور، وَحَكَى (صَاحب) (2) «الْمطَالع» ضمهَا. فَائِدَة ثَانِيَة: هَذَا السَّائِل اسْمه ضمام بن ثَعْلَبَة، كَذَا قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ فِي «سباعياته» ، وَالْمُنْذِرِي فِي «حَوَاشِيه» ، وَابْن باطيش فِي «الْمُغنِي» وَابْن معن فِي «تنقيبه» عَلَى «الْمُهَذّب» ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» (3) : فِيهِ (نظر، ووفادة) (4) ضمام، وَحَدِيثه مَعْرُوف فِي «الصَّحِيحَيْنِ» [بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ] وَإِن كَانَ يُقَارِبه. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث مَعْنَاهُ ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (6) وَأنس (7) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الحَدِيث الثَّالِث عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذكر رَمَضَان فَقَالَ: " لَا تَصُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال، وَلَا تفطروا حَتَّى تروه، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ " (8) .   (1) فِي «أ، ل» : الَّذِي. والمثبت من «م» . (2) فِي «م» : صابع. وَهُوَ خطأ: والمثبت من «أ، ل» . (3) «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» : (المجلد الثَّانِي / 1 / 309) . (4) فِي «أ، ل» تطرد زِيَادَة، والمثبت من «م» و «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» . (5) من «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» وَسقط من «أ، ل، م» . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (3 / 308 رقم 1397) و «صَحِيح مُسلم» (1 / 44 رقم 14) . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (1 / 179 رقم 63) و «صَحِيح مُسلم» (1 / 41 - 42 رقم 12) . (8) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 173) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 641 هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (1) من هَذَا الْوَجْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا، وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فأفطروا، فَإِن غم عَلَيْكُم (فصوموا ثَلَاثِينَ يَوْمًا) (2) . وَفِي لفظ آخر (3) : «صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا (الْعدة) (4) . [وَفِي لفظ آخر (5) : «فَإِن غمي عَلَيْكُم الشَّهْر فعدوا ثَلَاثِينَ» ] (6) . وَفِي لفظ آخر (7) كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «فاقدروا لَهُ» بدل: «فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ» (وَفِي لفظ آخر (8) : «فَإِن غم عَلَيْكُم الشَّهْر فعدوا ثَلَاثِينَ» للْبُخَارِيّ (9» (10) : «فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ» وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» غير ذَلِك من الْأَلْفَاظ. فَائِدَة: قَوْله: «فاقدروا لَهُ» هُوَ بالوصل وَكسر الدَّال وَضمّهَا. قَالَه صَاحب «الْمطَالع» ، وَقَالَ المطرزي: الضَّم خطأ. وَمَعْنَاهُ: قدرُوا لَهُ تَمام   (1) فِي «أ، ل» : صَحِيحهمَا. والمثبت من «م» . والْحَدِيث فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 135 رقم 1900) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 760 رقم 1080 / 8) كِلَاهُمَا من حَدِيث ابْن عمر. وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (2 / 762 رقم 1081 / 17) . (2) فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : فاقدروا لَهُ. (3) «صَحِيح مُسلم» (2 / 762 رقم 1081 / 18) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. (4) فِي «صَحِيح مُسلم» : الْعدَد. (5) «صَحِيح مُسلم» (2 / 762 رقم 1081 / 19) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. (6) من «م» . (7) «صَحِيح مُسلم» (2 / 759 رقم 1080 / 3) من حَدِيث ابْن عمر. (8) «صَحِيح مُسلم» (2 / 762 رقم 1081 / 19) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَفِيه «غمي» بدل «غم» . (9) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 143 رقم 1907) من حَدِيث ابْن عمر. (10) فِي «م» : وَفِي البُخَارِيّ. والمثبت من «أ، ل» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 642 الْعدَد ثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَالَه مَالك وَأَبُو حنيفَة، وَالشَّافِعِيّ، وَقيل: مَعْنَاهُ ضيقوا لَهُ وقدروه تَحت السَّحَاب. قَالَه الإِمَام أَحْمد، وَأوجب صِيَام لَيْلَة الْغَيْم، وَأغْرب الْحَافِظ أَبُو نعيم فَقَالَ فِي «مستخرجه» (1) عَلَى «صَحِيح مُسلم» : قَوْله: «فاقدروا لَهُ» أَي (اقصدوا) (2) بِالنّظرِ و (الطّلب) (3) الْموضع الَّذِي تقدرون أَنكُمْ تَرَوْنَهُ فِيهِ. الحَدِيث الرَّابِع أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " صُومُوا لرُؤْيَته " (4) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا فَرغْنَا مِنْهُ آنِفا. الحَدِيث الْخَامِس (رُوِيَ) (5) أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَّا أَن يشْهد شَاهِدَانِ» (6) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ كُله النَّسَائِيّ (7) ، عَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، ثَنَا سعيد بن شبيب أَبُو عُثْمَان - وَكَانَ شَيخا صَالحا بِطَرْسُوسَ - نَا ابْن أبي زَائِدَة، عَن حُسين بن الْحَارِث الجدليِّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب «أَنه خطب النَّاس فِي الْيَوْم الَّذِي يشك (فِيهِ) (8) فَقَالَ:   (1) «الْمُسْتَخْرج» (3 / 146) . (2) فِي «ل» : أتعبدوا. والمثبت من «أ، م» و «الْمُسْتَخْرج» . (3) فِي «م» : الْمطلب. والمثبت من «أ، ل» و (الْمُسْتَخْرج» . (4) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 173» . (5) من «أ، ل» . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 173) . (7) «سنَن النَّسَائِيّ» 4 / 438 رقم (2115) . (8) سقط من «أ» والمثبت من «ل، م» و «سنَن النَّسَائِيّ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 643 أَلا إِنِّي جالستُ أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وساءلتهم، وَإِنَّهُم حَدثُونِي أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: صُومُوا لرُؤْيَته، وأفطروا لرُؤْيَته، وانسكوا لَهَا، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا ثَلَاثِينَ (فَإِن) (1) شهد شَاهِدَانِ فصوموا وأفطروا ". وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد (2) ، عَن يَحْيَى بن زَكَرِيَّا، عَن حجاج، عَن (حُسَيْن بن) (3) الْحَارِث بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «فَإِن شهد شَاهد، أَو شَاهِدَانِ (مسلمان) (4) فصوموا وأفطروا» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (5) من حَدِيث حجاج بِهِ وَقَالَ: " (فَإِن) (6) شهد ذَوا عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا» . وحجاج هَذَا هُوَ ابْن أَرْطَاة، وَقد سلف حَاله فِي غير مَا مرّة، وَقد تَابعه ابْن أبي زَائِدَة كَمَا سلف. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (7) من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن حُسَيْن (بن) (8) الْحَارِث بن حَاطِب أَمِير مَكَّة خطب ثمَّ قَالَ: «عهد إِلَيْنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن ننسك للرؤية، فَإِن لم (نره) (9) وَشهد شَاهدا عدل نسكنا بِشَهَادَتِهِمَا» [فَسَأَلت الْحُسَيْن بن الْحَارِث: من أَمِير مَكَّة؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. ثمَّ لَقِيَنِي بعد فَقَالَ: هُوَ الْحَارِث بن حَاطِب   (1) فِي «أ، م» : وَإِن. والمثبت من «ل» و «سنَن النَّسَائِيّ» . (2) «الْمسند» (4 / 321) . (3) سقط من «م» ، والمثبت من «أ، ل» و «الْمسند» . (4) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» و «الْمسند» . (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 167 - 168 رقم 3) . (6) فِي «ل» : إِن. وَفِي «م» : وَإِن. والمثبت من «أ» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (7) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 139 - 140 رقم 2331) . (8) فِي «أ، ل» أَن. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «م» وَسبق عَلَى الصَّوَاب. (9) فِي «سنَن أبي دَاوُد» : تروه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 644 أَخُو مُحَمَّد بن حَاطِب] (1) ثمَّ قَالَ الْأَمِير: إِن فِيكُم من هُوَ أعلم بِاللَّه وَرَسُوله مني، وَشهد هَذَا من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى [رجل، قَالَ الْحُسَيْن: فَقلت لشيخ إِلَى جَنْبي: من هَذَا الَّذِي أَوْمَأ إِلَيْهِ؟ قَالَ: هَذَا عبد الله] (2) بن عمر [وَصدق، كَانَ أعلم بِاللَّه مِنْهُ] (3) فَقَالَ: بذلك أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4) أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد مُتَّصِل صَحِيح. وَأما ابْن حزم فأعله فِي «محلاه» (5) بِحُسَيْن بن الْحَارِث، وَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. وَهُوَ وهم مِنْهُ، فقد رَوَى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَرَوَى (عَنهُ) (6) جمَاعَة (أَيْضا) (7) وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: إِنَّه مَعْرُوف. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» (8) . الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت الْهلَال. فَقَالَ: أَتَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَتَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم. قَالَ فَأذن فِي النَّاس يَا بِلَال أَن يَصُومُوا غَدا» (9) .   (1) من «سنَن أبي دَاوُد» . (2) من «سنَن أبي دَاوُد» . (3) من «سنَن أبي دَاوُد» . (4) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 167 رقم 1) . (5) «الْمُحَلَّى» (6 / 238) . (6) من «م» وَسقط من «أ، ل» . (7) سقط من «م» والمثبت من «أ، ل» . (8) «الثِّقَات» (4 / 155) . (9) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 173) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 645 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1) ، وَالتِّرْمِذِيّ (2) ، وَالنَّسَائِيّ (3) ، وَابْن مَاجَه (4) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (4) ، وَالْبَيْهَقِيّ (6) فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (7) ، وَابْن خُزَيْمَة (8) ، وَابْن حبَان (9) فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ جمَاعَة [عَن سماك] (10) عَن عِكْرِمَة مُرْسلا، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ أَنه رُوِيَ مُرْسلا عَن عِكْرِمَة عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من غير ذكر ابْن عَبَّاس. وَقَالَ النَّسَائِيّ: إِنَّه أولَى بِالصَّوَابِ. قَالَ: وَسماك يَتَلَقَّن، فَإِذا أنفرد بِأَصْل لم يكن حجَّة. ورده ابْن حزم بسماك كعادته، وَقَالَ (11) : رِوَايَته لَا يحْتَج بهَا. وَأما رده بِالْإِرْسَال فقد علم مَا فِي تعَارض (الْوَصْل) (12) والإرسال، وَلَا شكّ أَن الْوَصْل زِيَادَة، وَهِي من الثِّقَة مَقْبُولَة، لَا جرم صححها ابْن   (1) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 140 - 141 رقم 2333) . (2) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 74 - 75 رقم 691) . (3) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 437 - 438 رقم 2111، 2112) وَقَول النَّسَائِيّ فِي «التُّحْفَة» (5 / 137 - 138 رقم 1604) . (4) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 529 رقم 1652) . (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 158 - 159 رقم 8 - 12) . (6) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 211، 212) . (7) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 424) . (8) «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» (3 / 208 رقم 1923، 1924) . (9) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 229 - 230 رقم 3446) . (10) من «سنَن أبي دَاوُد» . (11) «الْمُحَلَّى» (6 / 237) . (12) فِي «أ، ل» : الْوُصُول. والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 646 حبَان وَالْحَاكِم، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد (1) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (2) عَن عِكْرِمَة مُرْسلا " فَأمر بِلَالًا فَنَادَى (فِي النَّاس) (3) أَن يقومُوا وَأَن يَصُومُوا " قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يذكر (الْقيام) (4) أحد إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة. تَنْبِيه: أورد صَاحب «الْهِدَايَة» (5) الْحَنَفِيّ هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ: " شهد أَعْرَابِي بِرُؤْيَة الْهلَال فَقَالَ لله: من أكل فَلَا يَأْكُل بَقِيَّة يَوْمه، وَمن لم يَأْكُل فليصم " وَأوردهُ صَاحب «الْخُلَاصَة» الْحَنَفِيّ أَيْضا بِلَفْظ: " شهد بعد ارْتِفَاع الشَّمْس فصَام لله وَأمر النَّاس بالصيام " وَلم أره بِهَذِهِ السِّيَاقَة فِي كتب الحَدِيث، وَالْمَوْجُود فِيهَا مَا قَدمته. الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: " ترَاءَى النَّاس الْهلَال فَأخْبرت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنِّي رَأَيْته، فصَام وَأمر النَّاس بالصيام» (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» (7) ، وَأَبُو دَاوُد (8) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (9) ، وَالْبَيْهَقِيّ (10) فِي «سُنَنهمْ» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (11) ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (12) كَذَلِك قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث   (1) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 141 رقم 2334) . (2) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 159 رقم 14) . (3) فِي «أ، ل» : بِالنَّاسِ. والمثبت من «م» ومصدري التَّخْرِيج. (4) فِي «أ» : الْعَام. والمثبت من «م، ل» و «سنَن أبي دَاوُد» . (5) «الْهِدَايَة» (1 / 118) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 173) . (7) «سنَن الدَّارمِيّ» (2 / 9 رقم 1691) . (8) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 141 رقم 2335) . (9) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 156 رقم 1) . (10) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 212) . (11) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 423) . (12) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 231 رقم 3447) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 647 صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ مَرْوَان بن مُحَمَّد عَن ابْن وهب، وَهُوَ ثِقَة. قلت: لَا؛ فقد رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي، عَن ابْن وهب وَصَححهُ كَمَا سلف. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث يعد فِي أَفْرَاد (مَرْوَان) (1) ثمَّ ذكر رِوَايَة الْحَاكِم هَذِه، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم (2) : هَذَا خبر صَحِيح. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: رجال إِسْنَاده احْتج بهم مُسلم فِي «صَحِيحه» ، وَفِيه رجلَانِ احْتج بهما البُخَارِيّ أَيْضا، وهما: عبد الله بن وهب، وَنَافِع. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (3) : هَذَا الْخَبَر مدحض لقَوْل من زعم أَن خبر ابْن عَبَّاس - يَعْنِي الَّذِي قبله - تفرد بِهِ سماك بن حَرْب وَأَن رَفعه غير مَحْفُوظ فِيمَا زعم. الحَدِيث الثَّامِن عَن كريب قَالَ: «رَأينَا الْهلَال بِالشَّام لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ قدمت الْمَدِينَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَتى رَأَيْتُمْ الْهلَال؟ قلت: (لَيْلَة) (4) الْجُمُعَة. قَالَ: أَنْت رَأَيْت؟ قلت: نعم، وَرَآهُ النَّاس وصاموا وَصَامَ مُعَاوِيَة. فَقَالَ: لَكنا رَأَيْنَاهُ لَيْلَة السبت فَلَا نزال نَصُوم حَتَّى نكمل (الْعدَد) (5) أَو نرَاهُ. قلت: أَولا تكتفي بِرُؤْيَة مُعَاوِيَة (6) ؟ قَالَ: لَا، هَكَذَا أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» (7) .   (1) فِي «أ» : م وَالنَّسَائِيّ. وَفِي «ل» : م وس. والمثبت من «م» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (2) «الْمُحَلَّى» (6 / 236) . (3) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 231) . (4) فِي «أ، م» : يَوْم. والمثبت من «ل» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (5) فِي «م» : الْعدة. والمثبت من «أ، ل» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (6) زَاد فِي «م» : وَأَصْحَابه. (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 179) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 648 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم (1) مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث كريب «أَن أم الْفضل بعثته إِلَى مُعَاوِيَة بِالشَّام (قَالَ: فَقدمت الشَّام) (2) فَقضيت (حَاجَتهَا) (3) واستهل عَلّي رَمَضَان وَأَنا بِالشَّام، فَرَأَيْت الْهلَال (لَيْلَة) (4) الْجُمُعَة، ثمَّ قدمت الْمَدِينَة فِي آخر الشَّهْر، فَسَأَلَنِي عبد الله بن عَبَّاس، ثمَّ ذكر الْهلَال فَقَالَ: مَتى رَأَيْتُمْ الْهلَال؟ فَقلت: رَأَيْنَاهُ لَيْلَة الْجُمُعَة. فَقَالَ: أَنْت رَأَيْت؟ قلت: نعم، وَرَآهُ النَّاس فصاموا وَصَامَ مُعَاوِيَة (فَقَالَ: لَكنا رَأَيْنَاهُ لَيْلَة السبت، فَلَا نزال نَصُوم حَتَّى نكمل (ثَلَاثِينَ) (5) أَو نرَاهُ فَقلت: (أَولا) (6) تكتفي بِرُؤْيَة مُعَاوِيَة) (7) وصيامه؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» شكّ (أحد رُوَاته) (8) فِي «نكتفي» أَو «تكتفي» . وَرَوَاهُ أَحْمد (9) ، وَأَبُو دَاوُد (10) ، وَالتِّرْمِذِيّ (11) ، وَالنَّسَائِيّ (12) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (13) وَكلهمْ قَالُوا: « [رَأَيْنَاهُ] (14) (لَيْلَة) (15) الْجُمُعَة» وَوَقع   (1) «صَحِيح مُسلم» (2 / 765 رقم 1087) . (2) من «م» و «صَحِيح مُسلم» . (3) فِي «أ» : حَاجته. والمثبت من «م، ل» و «صَحِيح مُسلم» . (4) فِي «أ، م» : يَوْم. والمثبت من «ل» و «صَحِيح مُسلم» . (5) فِي «ل» : الْعدة. والمثبت من «أ، م» و «صَحِيح مُسلم» . (6) فِي «ل» : أَلا. والمثبت من «أ، م» و «صَحِيح مُسلم» . (7) سَقَطت من «أ» والمثبت من «ل، م» و «صَحِيح مُسلم» . (8) فِي «صَحِيح مُسلم» : يَحْيَى بن يَحْيَى. (9) «الْمسند» (1 / 306) . (10) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 137 - 138 رقم 2326) . (11) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 76 - 77 رقم 693) . (12) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 436 - 437 رقم 2110) . (13) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 171 رقم 21) . (14) فِي «أ، ل» : رَأَيْت الْهلَال. وَفِي «م» : رَأينَا الْهلَال. والمثبت من مصَادر التَّخْرِيج. (15) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» ومصادر التَّخْرِيج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 649 فِي كتاب الْحميدِي: « (يَوْم) (1) الْجُمُعَة» . وَقَالَ النَّسَائِيّ: «أَولا نكتفي بِرُؤْيَة مُعَاوِيَة (وَأَصْحَابه) (2» وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: «فَقلت: رَآهُ النَّاس وصاموا» وَلم يقل عَن نَفسه أَنه رَآهُ. فَائِدَة: كريب (هَذَا) (3) بِضَم الْكَاف، قَالَ القَاضِي حُسَيْن: وَاخْتلف فِي قَوْله: «هَكَذَا أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» فَمنهمْ من قَالَ: أَرَادَ بِهِ قَوْله «صُومُوا لرُؤْيَته. .» الْخَبَر. وَمِنْهُم من قَالَ: كَانَ يحفظ حَدِيثا أخص مِنْهُ فِي هَذِه الْحَادِثَة. وَذكر هَذَا فِي «الْبَحْر» عَلَى سَبِيل (الْإِجْمَال) (4) . قَالَ الرَّافِعِيّ (5) : وَيروَى «أَن ابْن عَبَّاس أَمر كريباً أَن يَقْتَدِي بِأَهْل الْمَدِينَة» وَهَذَا غَرِيب. الحَدِيث التَّاسِع عَن حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من لم يُجمع الصّيام قبل الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ» وَيروَى: " من لم ينْو الصّيام (من اللَّيْل) (6) فَلَا صِيَام لَهُ " (7) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد (8) من حَدِيث ابْن لَهِيعَة: نَا عبد الله بن أبي بكر، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن حَفْصَة مَرْفُوعا (بِهِ بِاللَّفْظِ الأول هَكَذَا) (9) هُوَ فِي «الْمسند» من حَدِيث سَالم، عَن حَفْصَة، وَرَوَاهُ   (1) فِي «أ، ل» ثمَّ. والمثبت من «م» . (2) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «سنَن النَّسَائِيّ» . (3) من «م» . (4) فِي «م» : الِاحْتِمَال. والمثبت من «أ، ل» . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 180) . (6) سقط من «م» . والمثبت من «أ، ل» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 184 - 185) . (8) «الْمسند» (6 / 287) . (9) فِي «أ، ل» : بِاللَّفْظِ كَذَا. والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 650 أَبُو دَاوُد (1) من حَدِيث ابْن لَهِيعَة أَيْضا، وَيَحْيَى بن أَيُّوب عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن حَفْصَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الأول أَيْضا، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (2) من حَدِيث يَحْيَى ابْن أَيُّوب، عَن عبد الله بِهِ أَيْضا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ (3) من حَدِيث يَحْيَى بِهِ بِلَفْظ «يُبَيِّتِ» بدل «يُجْمِع» وَمن حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، وَذكر آخر أَن عبد الله بن أبي بكر. . فَذكره بِلَفْظ (4) : " من لم يُجْمِع الصّيام قبل طُلُوع الْفجْر فَلَا يَصُوم ". وَمن (5) حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن ابْن شهَاب بِهِ، بِلَفْظ: " من لم يبيت الصّيام من اللَّيْل فَلَا صِيَام لَهُ ". وَمن (6) حَدِيث مُعْتَمر عَن عبيد الله، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن حَفْصَة أَنَّهَا كَانَت تَقول: " من لم يجمع الصَّوْم من اللَّيْل فَلَا يَصُوم ". وَمن (7) حَدِيث ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن حَمْزَة بن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَت حَفْصَة: " لَا صِيَام لمن (لم) (8) يُجْمِع قبل الْفجْر، وَمن (9) حَدِيث سُفْيَان وَمعمر، عَن الزُّهْرِيّ (عَن حَمْزَة، عَن   (1) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 190 رقم 2446) . (2) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 108 رقم 370) . (3) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 509 - 510 رقم 2330 - 2331) . (4) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 510 رقم 2332) . (5) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 510 رقم 2333) . (6) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 510 - 511 رقم 2334) . (7) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 511 رقم 2335) . (8) سقط من «أ» والمثبت من «ل، م» و «سنَن النَّسَائِيّ» . (9) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 511 رقم 2337) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 651 أَبِيه عَنْهَا (مَوْقُوفا) (1) سَوَاء. وَمن (2) حَدِيث مَالك، عَن الزُّهْرِيّ) (3) عَن عَائِشَة وَحَفْصَة مَوْقُوفا: " لَا يَصُوم إِلَّا من أجْمَعَ الصّيام قبل الْفجْر " وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه (4) من حَدِيث إِسْحَاق بن حَازِم، عَن عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن حَفْصَة مَرْفُوعا: " لَا صِيَام لمن لم يَفْرِضْهُ من اللَّيْل ". وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (5) بِأَلْفَاظ مِنْهَا: " لَا صِيَام لمن لم [يفرضه] (6) قبل الْفجْر» . وَمِنْهَا (7) : " لمن لم يفرضه من اللَّيْل " وَمِنْهَا (8) : كَلَفْظِ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ. وَهَذَا الحَدِيث كَمَا علمت رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفاً، وَاخْتلف الْحفاظ فِي أَيهمَا أرجح، فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» (9) : قَالَ أبي: لَا أَدْرِي أَيهمَا أصح، لَكِن الثَّانِي أشبه. وَقَالَ أَبُو دَاوُد (10) : أوقفهُ (معمر والزبيدي وَابْن عُيَيْنَة وَيُونُس الْأَيْلِي عَلَى حَفْصَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: (11) : لَا يعرف مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ (12) : وَقد رُوِيَ عَن نَافِع عَن ابْن عمر من قَوْله وَهُوَ أصح. وَقَالَ النَّسَائِيّ (13) :   (1) فِي «م» : مَرْفُوعا. خطأ، والمثبت من «أ، ل» . (2) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 512 رقم 2340) . (3) تَكَرَّرت فِي «أ، ل» . (4) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 542 رقم 1700) . (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 172 رقم 2) . (6) فِي «أ، ل، م» يورضه. والمثبت من «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (7) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 172 رقم 2) . (8) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 172 رقم 3) . (9) «علل ابْن أبي حَاتِم» (1 / 225) . (10) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 190) . (11) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 108) . (12) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 108) . (13) لم أَجِدهُ فِي الصُّغْرَى وَلَا الْكُبْرَى وَلَا التُّحْفَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 652 الصَّوَاب فِي هَذَا أَنه مَوْقُوف) (1) وَلم يَصح رَفعه. وَقَالَ أَحْمد: مَا لَهُ عِنْدِي ذَلِك الْإِسْنَاد إِلَّا أَنه عَن ابْن عمر وَحَفْصَة إسنادان جيدان. وَقَالَ مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَائِشَة، عَن حَفْصَة قَوْلهمَا: مُرْسل. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «أربعينه» الَّتِي خرجها فِي شعار أهل الحَدِيث. وَقد أخرجه بِاللَّفْظِ الأول: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَالزِّيَادَة عِنْدهمَا جَمِيعًا من الثِّقَة مَقْبُولَة. قَالَ: وَقد أخرجه ابْن خُزَيْمَة محتجًّا بِهِ فِي «صَحِيحه» (2) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (3) فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث قد اخْتلف عَلَى الزُّهْرِيّ فِي إِسْنَاده، وَفِي رَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ: وَعبد الله بن أبي بكر أَقَامَ إِسْنَاده وَرَفعه، وَهُوَ من الثِّقَات الْأَثْبَات. وَقَالَ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث رُوَاته ثِقَات. قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح عَنْهَا مَرْفُوعا: «من لم يبيت الصّيام من اللَّيْل فَلَا صِيَام لَهُ» . قَالَ: وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا أَنه قد رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى حَفْصَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ (4) : (رَفعه) (5) عبد الله بن أبي بكر، عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ من الثِّقَات الرفعاء. وَقَالَ الْخطابِيّ (6) : عبد الله ابْن أبي بكر قد أسْندهُ، وزيادات الثِّقَة مَقْبُولَة. وَقَالَ عبد الْحق (7) : الَّذِي أسْندهُ ثِقَة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (8) : عبد الله من الثِّقَات   (1) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» . (2) «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» (3 / 212 رقم 1933) . (3) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 202) . (4) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 172) . (5) فِي «أ، ل» : وَقفه، والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (6) «معالم السّنَن» (3 / 333) . (7) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 214) ؟ (8) «التَّحْقِيق» (2 / 66) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 653 (الرفعاء) (1) وَالرَّفْع زِيَادَة وَهِي من الثِّقَة مَقْبُولَة. وَقَالَ ابْن حزم (2) : لَا يضر إِسْنَاد ابْن جريج لَهُ - أَي الَّذِي رَفعه - أَن أوقفهُ معمر، وَمَالك، وَعبد الله، وَيُونُس، وَابْن عُيَيْنَة، وَابْن جريج لَا يتَأَخَّر عَن أحد من هَؤُلَاءِ فِي الثِّقَة وَالْحِفْظ، وَالزهْرِيّ وَاسع الرِّوَايَة، فَمرَّة يرويهِ عَن سَالم، عَن أَبِيه، وَمرَّة عَن حَمْزَة عَن أَبِيه وَكِلَاهُمَا ثِقَة، وَابْن عمر كَذَلِك، مرّة [يرويهِ] (3) مُسْندًا وَمرَّة رَوَى أَن حَفْصَة أفتت بِهِ، وَمرَّة أفتَى هُوَ بِهِ، وكل هَذَا قُوَّة للْخَبَر. قلت: وَرُوِيَ أَيْضا من وَجه آخر، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4) من حَدِيث أبي الزِّنْبَاع روح بن الْفرج، عَن عبد الله بن عباد، عَن (الْمفضل) (5) بن فضَالة قَالَ حَدثنِي يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من لم يبيت الصّيام قبل الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ " ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عبد الله بن عباد (عَن) (6) الْمفضل بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَكلهمْ ثِقَات. وَنَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «خلافياته» و «سنَنه» (7) وَأقرهُ عَلَيْهِ. و [عبد الله بن] (8) عباد هَذَا قَالَ ابْن حبَان (9) فِيهِ: رَوَى عَنهُ روح   (1) لَيْسَ فِي «التَّحْقِيق» . (2) «الْمُحَلَّى» (6 / 162) . (3) من «الْمُحَلَّى» . (4) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 171 - 172 رقم 1) . (5) فِي «ل» : الْفضل. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «أ، م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (6) فِي «أ، ل» : بن. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (7) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 213) . (8) سَقَطت من «أ، ل، م» وَالصَّوَاب إِثْبَاتهَا. (9) «الْمَجْرُوحين» (2 / 46) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 654 نُسْخَة مَوْضُوعَة، وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: هَذَا مقلوب، إِنَّمَا هُوَ عِنْد يَحْيَى بن أَيُّوب (عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن حَفْصَة [صَحِيح من غير هَذَا الْوَجْه] (1) فِيمَا يشبه هَذَا. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الضُّعَفَاء» (2) : عبد الله هَذَا واه. قلت: وَيَحْيَى بن أَيُّوب) (3) من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَفِيه لين. فَائِدَة: «يُجَمِّع» بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه، وَكسر ثالثه، مشدداً. وَرُوِيَ بتَخْفِيف (الثَّالِث) (4) مَعَ فتح أَوله، وَهُوَ بِمَعْنى يبيت، وَرُوِيَ «يثبت» أَي يجْزم، وَرُوِيَ «من لم يورضه من اللَّيْل» أَي: يهيئه. الحَدِيث الْعَاشِر " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يدْخل عَلَى بعض أَزوَاجه فَيَقُول: هَل من غداء؟ فَإِن (قَالُوا) (5) : لَا، قَالَ: إِنِّي إِذا صَائِم " (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (7) من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: " قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذَات يَوْم: يَا عَائِشَة، هَل عنْدكُمْ شَيْء؟ (قَالَت) (8) فَقلت: يَا رَسُول الله، مَا عندنَا شَيْء. قَالَ:   (1) من «الْمَجْرُوحين» . (2) «الْمُغنِي» (1 / 546 رقم 3228) وَقَالَ: ضَعِيف. (3) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (4) فِي «ل» : الْمِيم. والمثبت من «أ، م» . (5) فِي «الشَّرْح الْكَبِير» : قَالَت. (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 186) . (7) «صَحِيح مُسلم» (2 / 808 - 809 رقم 1154 / 169) . (8) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «صَحِيح مُسلم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 655 فَإِنِّي صَائِم (قَالَت) (1) : فَخرج رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (فأهديت لنا هَدِيَّة - أَو جَاءَنَا زور - قَالَت: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) (2) قلت: يَا رَسُول الله، أهديت لنا هَدِيَّة - أَو جَاءَنَا زور - وَقد خبأت لَك شَيْئا. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قلت: حيس. قَالَ: هاتيه. فَجئْت بِهِ فَأكل، ثمَّ قَالَ: قد كنت أَصبَحت صَائِما ". قَالَ طَلْحَة: فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث مُجَاهدًا فَقَالَ: (ذَاك) (3) بِمَنْزِلَة الرجل يخرج الصَّدَقَة من مَاله، فَإِن شَاءَ أمضاها، وَإِن شَاءَ أمْسكهَا. وَفِي رِوَايَة لَهُ (4) قَالَت: " دخل عليّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذَات يَوْم فَقَالَ: هَل عنْدكُمْ من شَيْء؟ فَقُلْنَا: لَا. فَقَالَ: إِنِّي إِذا صَائِم. ثمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخر فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أهدي لنا حيس. قَالَ (أرينيه) (5) فَلَقَد أَصبَحت صَائِما فَأكل ". زَاد النَّسَائِيّ (6) ثمَّ قَالَ: " إِنَّمَا مثل صَوْم (المتطوع) (7) مثل الرجل يخرج من مَاله الصَّدَقَة، فَإِن شَاءَ أمضاها، وَإِن شَاءَ حَبسهَا ". وَفِي رِوَايَة لَهُ (8) : " يَا عَائِشَة، إِنَّمَا منزلَة من صَامَ فِي غير رَمَضَان [أَو غير قَضَاء رَمَضَان] (9) أَو فِي التَّطَوُّع بِمَنْزِلَة رجل أخرج صَدَقَة (10) مَاله فجاد مِنْهَا بِمَا   (1) فِي «أ، م» : قَالَ. والمثبت من «ل» و «صَحِيح مُسلم» . (2) سقط من «م» . والمثبت من «أ، ل» و «صَحِيح مُسلم» . (3) فِي «أ، م» : ذَلِك. والمثبت من «ل» و «صَحِيح مُسلم» . (4) «صَحِيح مُسلم» (2 / 809 رقم 1154 / 170) . (5) فِي «أ، ل» : أرنيه. والمثبت من «م» و «صَحِيح مُسلم» . (6) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 506 - 507 رقم 2321) . (7) فِي «م» : التَّطَوُّع. والمثبت من «أ، ل» و «صَحِيح مُسلم» . (8) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 507 رقم 2322) . (9) من «سنَن النَّسَائِيّ» . (10) زَاد فِي «م» : من. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 656 شَاءَ فأمضاه، وبخل مِنْهَا بِمَا شَاءَ فأمسكه» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد (1) ، وَابْن حبَان (2) بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَت عَائِشَة: " فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أهدي لنا حيس [فخبأناه لَك] (3) فَقَالَ: أدْنيه. فَأصْبح صَائِما ثمَّ أفطر " وَفِي رِوَايَة (للدارقطني) (4) عَنْهَا قَالَت: " كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يأتينا فَيَقُول: هَل عنْدكُمْ من غداء؟ فَإِن قُلْنَا: نعم. تغدى، وَإِن قُلْنَا: لَا. قَالَ: إِنِّي صَائِم. وَإنَّهُ أَتَانَا ذَات يَوْم وَقد أهدي لنا حيس [فَقلت: يَا رَسُول الله، قد أهدي لنا حيس] (5) وَإِنَّا قد خبأنا لَك. قَالَ: (أما) (6) إِنِّي أَصبَحت صَائِما. فَأكل ". ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَهَذِه الرِّوَايَة مُطَابقَة لما أوردهُ الرَّافِعِيّ لأجل (لَفْظَة الْغَدَاء) (7) فِيهَا، وَهِي مَوضِع الشَّاهِد، فَإِن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بهَا عَلَى أَن النِّيَّة فِي التَّطَوُّع تُجزئ قبل الزَّوَال (حَيْثُ قَالَ: أَلا ترَى أَنه طلب الْغَدَاء أَي - وَهُوَ بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والدَّال الْمُهْملَة -: مَا يُؤْكَل قبل الزَّوَال) (8) وَمَا يُؤْكَل بعده يُسمى عشَاء. فَائِدَة: الحيس - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة، ثمَّ سين مُهْملَة - هُوَ: التَّمْر وَالسمن والأقط. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: " إِنِّي   (1) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 191 رقم 2447) . (2) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 391 - 392 رقم 3628) . (3) من «صَحِيح ابْن حبَان» وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» : فحبسناه لَك. (4) فِي «أ، ل» : الدَّارَقُطْنِيّ. والمثبت من «م» والْحَدِيث فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 176 - 177 رقم 21) . (5) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (6) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (7) فِي «م» : لفظ أتغذا. والمثبت من «أ، ل» . (8) من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 657 إِذن صَائِم ". قلت: صَحِيحَة رَوَاهَا مُسلم كَمَا سبق، وَفِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (1) ، وَالْبَيْهَقِيّ (2) ، من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دخل عَلَيْهَا ذَات يَوْم فَقَالَ: هَل عنْدك شَيْء؟ قلت: لَا. قَالَ: (فَإِنِّي) (3) إِذا أَصوم. قَالَت: وَدخل عليَّ [يَوْمًا] (4) آخر، فَقَالَ: أعندك شَيْء؟ قلت: نعم. قَالَ: إِذا (أفطر) (5) وَإِن كنت قد فرضت الصَّوْم " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: (إِسْنَاد حسن صَحِيح) (6) . وَخَالف أَبُو حَاتِم (7) فَقَالَ - فِيمَا حَكَاهُ ابْنه عَنهُ - أَنه مُنكر. وَكَانَ سَببه أَن فِي إسنادها سُلَيْمَان (8) بن قرم الضَّبِّيّ الرافضي، خرج لَهُ خَ تَعْلِيقا، وم مُتَابعَة، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَغَيره، ووهاه ابْن معِين وَابْن حبَان، وَفِي إسنادها أَيْضا سماك بن حَرْب (9) ، وَهُوَ من رجال مُسلم، وَهُوَ صَالح الحَدِيث، وَكَانَ شُعْبَة يُضعفهُ. وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ (10) ، وَالْبَيْهَقِيّ (11) : " قرِّبيه وأقضي يَوْمًا مَكَانَهُ " قَالَا: وَهَذِه الزِّيَادَة غير مَحْفُوظَة.   (1) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 175 - 176 رقم 18) . (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 275) . (3) لَيست فِي مصدري التَّخْرِيج. (4) فِي «أ، ل، م» : يَوْم. والمثبت من مصدري التَّخْرِيج. (5) فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» : أطْعم. (6) فِي «أ، ل» : إِسْنَاده. والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» : إِسْنَاد صَحِيح. (7) «علل ابْن أبي حَاتِم» (1 / 243) . (8) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (12 / 51 - 54) . (9) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (12 / 115 - 121) . (10) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 177 رقم 22) . (11) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 275) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 658 الحَدِيث الْحَادِي عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من ذرعه الْقَيْء وَهُوَ صَائِم فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَمن استقاء فليقض " (1) . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات) (2) وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لأبي دَاوُد (3) ، وَابْن حبَان (4) ، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ (5) : " من ذرعه الْقَيْء فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء، وَمن استقاء عمدا فليقض " وَلَفظ ابْن مَاجَه (6) : " من ذرعه الْقَيْء فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَمن استقاء فَعَلَيهِ الْقَضَاء ". وَلَفظ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» (7) : " إِذا ذرع الصَّائِم الْقَيْء فَلَا إفطار عَلَيْهِ، وَإِذا تقيأ فَعَلَيهِ الْقَضَاء " ثمَّ قَالَ: وَقفه عَطاء بن أبي رَبَاح عَلَى أبي هُرَيْرَة: " من قاء وَهُوَ صَائِم فليفطر ". وَلَفظ الدَّارمِيّ (8) : " إِذا ذرع الصَّائِم الْقَيْء وَهُوَ لَا يُريدهُ فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِذا استقاء فَعَلَيهِ الْقَضَاء ". وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِأَلْفَاظ (مِنْهَا) (9) : " من استقاء عمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء، وَمن ذرعه الْقَيْء فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ ". وَمِنْهَا (10) : " إِذا ذرع الصَّائِم الْقَيْء فَلَا فطر عَلَيْهِ وَلَا قَضَاء   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 191) . (2) من «م» . (3) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 156 - 157 رقم 2372) . (4) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 284 - 285 رقم 3518) . (5) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 98 رقم 720) . (6) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 536 رقم 1676) . (7) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 215 رقم 3130، 3131) . (8) «سنَن الدَّارمِيّ» (2 / 24 - 25 رقم 1729) . (9) من «م» والْحَدِيث فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 184 رقم 20) . (10) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 184 - 185 رقم 21) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 659 (عَلَيْهِ) (1) ، وَإِذا تقيأ فَعَلَيهِ الْقَضَاء " وَمِنْهَا (2) : " من ذرعه الْقَيْء فليتم (عَلَى) (3) صَوْمه وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَمن قاء مُتَعَمدا فليقض " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ (عقب) (4) الرِّوَايَة الأولَى: رُوَاته كلهم ثِقَات. وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِث: (عبد الله) (5) بن سعيد بن أبي سعيد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقه: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: بل تَرَكُوهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» (6» : هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه من حَدِيث هِشَام، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عِيسَى بن يُونُس (و) (7) قَالَ البُخَارِيّ: لَا أرَاهُ مَحْفُوظًا. قَالَ التِّرْمِذِيّ (8) : وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَلَا يَصح إِسْنَاده. وَقَالَ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» (9) : قَالَ عِيسَى بن يُونُس - يَعْنِي الرَّاوِي عَن هِشَام بن حسان -: زعم أهل الْبَصْرَة أَن هشاماً أوهم فِيهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (10) : هَذَا (حَدِيث) (11) تفرد بِهِ هِشَام ابْن حسان القردوسي، وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَبَعض الْحفاظ لَا يرَاهُ مَحْفُوظًا، قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: لَيْسَ من ذَا شَيْء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة " أَنه قَالَ فِي الْقَيْء: لَا يفْطر " قَالَ: وَرُوِيَ   (1) سقط من «م» . والمثبت من «أ، ل» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (2) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 185 رقم 22) . (3) سقط من «م» . والمثبت من «أ، ل» . (4) فِي «م» عقيب. والمثبت من «أ، ل» . (5) فِي «م» : عبيد الله. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «أ، ل» وَعبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (15 / 31 - 35) . (6) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 99) . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» . (8) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 99» . (9) «سنَن الدَّارمِيّ» (2 / 25) . (10) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 219 - 220) . (11) لَيست فِي «م» و «السّنَن الْكُبْرَى» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 660 فِي ذَلِك عَن عَلّي. ثمَّ سَاقه من حَدِيث الْحَارِث عَنهُ، قَالَ: " إِذا تقيأ وَهُوَ صَائِم فَعَلَيهِ الْقَضَاء (و) (1) إِذا ذرعه الْقَيْء فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاء ". قلت: وَقد أسلفنا عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: رُوَاته كلهم ثِقَات. وَتَابعه عَلَى ذَلِك عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» (2) ، وَصَاحب «الْإِلْمَام» (3) وَقد صَححهُ ابْن حبَان كَمَا سلف، واستدركه الْحَاكِم (4) من حَدِيث حَفْص بن غياث، عَن هِشَام بِهِ بِلَفْظ: " إِذا استقاء الصَّائِم أفطر، وَإِذا ذرعه الْقَيْء لم يفْطر " ثمَّ قَالَ: تَابعه عِيسَى بن يُونُس، عَن هِشَام، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " من ذرعه الْقَيْء فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء، وَمن استقاء فليقض " ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقد حسنه من الْمُتَأَخِّرين الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب» ، وَالنَّوَوِيّ فِي «شَرحه» (5) وَقَالَ: إِسْنَاده إِسْنَاد الصَّحِيح، وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ عِنْده حجَّة إِمَّا صَحِيح أَو حسن. وَله شَوَاهِد، مِنْهَا: حَدِيث ثَوْبَان وَأبي الدَّرْدَاء، كَمَا ستعلمه عَلَى الإثر. قَالَ (6) : وَكَذَا نَص عَلَى حسنه غير وَاحِد من الْحفاظ. قلت: وَقَول التِّرْمِذِيّ بعد تحسينه " لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث (عِيسَى) (7) بن يُونُس " غير قَادِح فِيهِ، (فَإِنَّهُ (8) ثِقَة كَمَا شهد لَهُ بذلك ابْن معِين وَابْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة، وَاحْتج بِهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَهُوَ أحد الْحفاظ، وَكَذَا قَول الْبَيْهَقِيّ " أَنه حَدِيث تفرد بِهِ هِشَام بن حسان (9) " غير قَادِح فِيهِ أَيْضا،   (1) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (2) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 221) . (3) «الْإِلْمَام» (ص 244) . (4) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 426 - 427) . (5) «الْمَجْمُوع» (6 / 323 - 324) . (6) «الْمَجْمُوع» (6 / 325) . (7) فِي «أ» : يُونُس. وَكتب فَوْقهَا «لَعَلَّه عِيسَى» . والمثبت من «م، ل» وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (23 / 62 - 76) . (8) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» . (9) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (30 / 181 - 193) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 661 لِأَنَّهُ ثِقَة حَافظ، وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة عِنْد الْجُمْهُور من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول، قَالَ التِّرْمِذِيّ (1) : وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم أَن الصَّائِم إِذا ذرعه الْقَيْء لَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِذا استقاء عمدا قَضَى. قَالَ الرَّافِعِيّ (2) : وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ مَالك (3) ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَنه قَالَ: «من استقاء وَهُوَ صَائِم فَعَلَيهِ الْقَضَاء، وَمن ذرعه الْقَيْء فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاء " وَرَوَاهُ الشَّافِعِي (4) من طَرِيقه أَيْضا. فَائِدَة: ذرعه - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة -: غَلبه. واستقاء: طلب الْقَيْء. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قاء فَأفْطر - أَي: استقاء - قَالَ ثَوْبَان: صدق أَنا صببت لَهُ الْوضُوء " (5) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (6) ، وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه) (7) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» (8) ، وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» (9) ، وَابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» (10) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (11) وَالْبَيْهَقِيّ (12) فِي «سُنَنهمَا» ،   (1) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 99) . (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 191) . (3) «الْمُوَطَّأ» (1 / 252 رقم 47) . (4) «الْأُم» (2 / 100) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 191 - 192) . (6) «الْمسند» (6 / 443) . (7) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 157 - 158 رقم 2373) . (8) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (1 / 142 - 146 رقم 87) . (9) «السّنَن الْكُبْرَى» (2 / 214 - 215 رقم 3123 - 3127) . (10) «الْمُنْتَقَى» (24 رقم 8) . (11) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (1 / 158 - 159 رقم 36 - 39) . (12) «السّنَن الْكُبْرَى» (1 / 144، 4 / 220) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 662 وَالطَّبَرَانِيّ (1) ، وَابْن مَنْدَه، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (2) ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (3) من حَدِيث معدان بن أبي طَلْحَة، عَن أبي الدَّرْدَاء " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قاء فَأفْطر، قَالَ معدان: فَلَقِيت ثَوْبَان مولَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي مَسْجِد دمشق فَقلت لَهُ: إِن أَبَا الدَّرْدَاء أَخْبرنِي أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قاء فَأفْطر، فَقَالَ: صدق، أَنا صببت عَلَيْهِ وضوءه " قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (4) فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده. قَالَ: فَإِن صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْقَيْء عَامِدًا، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ صَائِما تَطَوّعا. قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن ثَوْبَان. . فَذكره بِإِسْنَادِهِ. وَقَالَ فِي أَوَائِل «سنَنه» (5) : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، وَاخْتلفُوا فِيهِ اخْتِلَافا شَدِيدا. وَكَذَا قَالَ فِي «خلافياته» أَن إِسْنَاده مُضْطَرب، وَأَن فِيهِ يعِيش بن الْوَلِيد، وَأَن بعض الْعلمَاء تكلم فِيهِ، وَأَنه لَيْسَ لَهُ ذكر فِي الصَّحِيح قَالَ: وبمثل هَذَا لَا تقوم الْحجَّة. هَذَا كَلَام الْبَيْهَقِيّ، وَخَالفهُ فِي ذَلِك جماعات، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: إِسْنَاده مُتَّصِل صَحِيح عَلَى رسم أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. قَالَ: وَتَركه الشَّيْخَانِ لاختلافٍ فِي إِسْنَاده. وَصَححهُ ابْن حبَان كَمَا سلف وَسكت التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب (6) . وَقَالَ فِي كتاب الطَّهَارَة (7) : جَوَّد حُسَيْن الْمعلم هَذَا   (1) «المعجم الْأَوْسَط» (4 / 99 رقم 3702) ، وَفِي «المعجم الْكَبِير» (2 / 100 رقم 1440) حَدِيث ثَوْبَان «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قاء فَأفْطر» . (2) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 426) . (3) «صَحِيح ابْن حبَان» (3 / 377 رقم 1097) . (4) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 220) . (5) «السّنَن الْكُبْرَى» (1 / 144) . (6) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 99) . (7) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (1 / 146) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 663 الحَدِيث (و) (1) هُوَ أصح شَيْء فِي الْبَاب. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (2) عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه حسن صَحِيح. وَلم أره كَذَلِك فِيهِ، وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ مَا سلف، وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَن الْأَثْرَم، أَنه قَالَ لِأَحْمَد: قد اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الحَدِيث. فَقَالَ: حُسَيْن الْمعلم يجوده. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَالِاخْتِلَاف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ أَن التِّرْمِذِيّ رَوَاهُ من حَدِيث حُسَيْن الْمعلم، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ، عَن يعِيش بن الْوَلِيد المَخْزُومِي، عَن أَبِيه، عَن معدان، عَن أبي الدَّرْدَاء (3) ثمَّ قَالَ: قد جود حُسَيْن الْمعلم هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَى معمر هَذَا الحَدِيث، عَن يَحْيَى بن أبي كثير فَأَخْطَأَ فِيهِ فَقَالَ: عَن يعِيش بن الْوَلِيد، عَن خَالِد بن معدان (عَن أبي الدَّرْدَاء وَلم يذكر فِيهِ الْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ: عَن خَالِد بن معدان، وَإِنَّمَا هُوَ معدان) (4) بن أبي طَلْحَة. وَهَذَا مَعْنَى قَول ابْن حزم فِي «محلاه» (5) : هَذَا تَدْلِيس لم يسمعهُ يَحْيَى (من) (6) يعِيش. وَرَوَاهُ ابْن الْجَارُود وَالدَّارَقُطْنِيّ كَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَفِي رِوَايَته عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ أَن يعِيش بن الْوَلِيد حَدثهُ أَن أَبَاهُ حَدثهُ، قَالَ: حَدثنِي معدان بن أبي طَلْحَة، عَن أبي الدَّرْدَاء. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد   (1) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» . (2) «الْمَجْمُوع» (6 / 325) . (3) زَاد فِي «أ» : وَلم يذكر فِيهِ الْأَوْزَاعِيّ. وَهِي خطأ. (4) سقط من «م» والمثبت من «أ، ل» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» (1 / 146) . (5) «الْمُحَلَّى» (1 / 258) . (6) فِي «أ» : بن. والمثبت من «ل، م» و «الْمُحَلَّى» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 664 الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن خَالِد بن معدان، عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ الشَّيْخ: وَقيل أَيْضا: عَن يَحْيَى، عَن رجل، عَن يعِيش. وَقيل: عَن يَحْيَى، حدث الْوَلِيد (بن) (1) هِشَام، عَن معدان (وَقيل:) (2) بِإِسْقَاط وَالِد يعِيش مَعَ التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ عَن معدان، ذكره النَّسَائِيّ، وَقيل: عَن هِشَام الدستوَائي، عَن يَحْيَى بِإِسْقَاط وَالِد يعِيش، ذكره النَّسَائِيّ أَيْضا. ثمَّ شرع الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين يُجيب عَن هَذَا الِاخْتِلَاف فَقَالَ: أما رِوَايَة من رَوَى عَن يَحْيَى، عَن رجل، عَن يعِيش فَغير ضارة؛ لِأَن هَذَا الرجل الْمُبْهم فِي هَذِه الرِّوَايَة قد تبين فِي غَيرهَا أَنه الْأَوْزَاعِيّ، وَكَذَلِكَ (من) (3) قَالَ عَن يَحْيَى: حَدِيث الْوَلِيد بن هِشَام لَا يضر أَيْضا؛ لِأَنَّهَا تتفق مَعَ الْأُخْرَى بِأَن يكون يَحْيَى ذكرهَا مُرْسلَة بترك من حَدثهُ وَهُوَ الْأَوْزَاعِيّ عَن يعِيش، ثمَّ بَين مرّة أُخْرَى من حَدثهُ، وَكَذَلِكَ مَا زعم فِي الِاخْتِلَاف فِي معدان بن طَلْحَة ومعدان بن أبي طَلْحَة لَا يضر؛ لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا قَول صَحِيح. قَالَ: وَفِي الحَدِيث عِلّة أُخْرَى، وَهِي أَن ابْن حزم (4) قَالَ فِي يعِيش بن الْوَلِيد وَأَبِيهِ: إنَّهُمَا ليسَا (مشهورين) (5) . وَالْجَوَاب (عَنْهَا) (6) أَن الْعجلِيّ (7) قَالَ فِي يعِيش: هُوَ شَامي ثِقَة. وَقد صَححهُ ابْن مَنْدَه.   (1) فِي «أ، ل» : عَن. خطأ، والمثبت من «م» . (2) سَقَطت من «أ، ل» ، والمثبت من «م» . (3) سَقَطت من «أ، ل» ، والمثبت من «م» . (4) «الْمُحَلَّى» (1 / 258) . (5) فِي «أ، ل» : بمشهورين والمثبت من «م» و «الْمُحَلَّى» . (6) فِي «ل» : عَنْهُمَا. والمثبت من «أ، م» . (7) «ثِقَات الْعجلِيّ» (485 رقم 1872) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 665 قلت: وَابْن حبَان وَالْحَاكِم كَمَا سلف، وَقَالَ عبد الْحق فِي الرَّد عَلَى «الْمُحَلَّى» : هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن حزم خطأ بَين؛ فالوليد بن هِشَام قَالَ فِيهِ ابْن أبي حَاتِم (1) : رَوَى عَن (أم) (2) الدَّرْدَاء، وَعبد الله بن محيريز، ومعدان (بن) (3) طَلْحَة. وَرَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ، وَابْنه يعِيش بن الْوَلِيد، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَمُحَمّد بن عمر الطَّائِي. سَمِعت أبي يَقُول ذَلِك، ذكره أبي عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: الْوَلِيد بن [هِشَام] (4) ثِقَة. فَانْظُر قَوْله فِي هَذَا أَنه غير مَشْهُور، وَقد خرج عَنهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَلم يذكرهُ الْحَاكِم فِيمَن عيب عَلَيْهِ التَّخْرِيج عَنهُ (فقد) (5) رَوَى عَنهُ الْأَئِمَّة وَوَثَّقَهُ إمامان: يَحْيَى بن معِين، وَمُسلم بن الْحجَّاج، وَيَقُول فِيهِ: لَيْسَ بِمَشْهُور! وَأما ابْنه يعِيش فروَى عَنهُ يَحْيَى بن أبي كثير وَالْأَوْزَاعِيّ (وَعِكْرِمَة وَإِسْمَاعِيل بن رَافع وَمن رَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ) (6) وَيَحْيَى بن أبي كثير كَيفَ يكون غير مَشْهُور؟ ! الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اكتحل فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم " (7) .   (1) «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (9 / 20 رقم 84) . (2) فِي «م» أبي. والمثبت من «أ، ل» و «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» . (3) فِي «م» بن أبي. والمثبت من «أ، ل» و «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» . (4) فِي «أ، ل، م» : مُسلم. خطأ، والمثبت من «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» . (5) فِي «أ، ل» : عله. والمثبت من «م» . (6) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 194) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 666 هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: (أَحدهَا) (1) من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: " اكتحل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ صَائِم ". رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» (2) من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، نَا الزبيدِيّ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْها) (3) مَرْفُوعا كَذَلِك. والزبيدي هَذَا هُوَ سعيد بن أبي سعيد كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن عدي (4) فَإِنَّهُ ذكره فِي تَرْجَمته، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ (5) ، وَقَالا: إِنَّه مَجْهُول. لَكنا أسلفنا فِي الحَدِيث الرَّابِع من بَاب بَيَان النَّجَاسَات أَن ابْن حبَان والخطيب وثقاه، وَصرح بِأَنَّهُ سعيد بن أبي سعيد أَيْضا من الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (6) فَقَالَ: رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد ضَعِيف من رِوَايَة بَقِيَّة، عَن سعيد بن أبي سعيد الزبيدِيّ، عَن شيخ بَقِيَّة، عَن هِشَام بِهِ. ثمَّ ذكر كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي سعيد ثمَّ قَالَ (7) : وَقد اتّفق الْحفاظ عَلَى أَن رِوَايَة بَقِيَّة عَن المجهولين مَرْدُودَة، وَاخْتلفُوا فِي رِوَايَته عَن المعروفين، فَلَا يحْتَج بحَديثه هَذَا بِلَا خلاف. قلت: قد وَثَّقَهُ الْخَطِيب وَابْن حبَان فالجهالة زائلة عَنهُ إِذن، وَخَالف الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي (8) فَقَالَ: الزبيدِيّ هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد، وَهُوَ ثِقَة من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» . وَلم يذكر للْأولِ تَرْجَمَة فِي كِتَابه، وَالْقلب إِلَى مَا قَالَه ابْن عدي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ، أَنه إِلَى الأول أميل، وَالله - تَعَالَى - أعلم.   (1) فِي «أ، ل» : إِحْدَاهَا. والمثبت من «م» . (2) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 536 رقم 1678) . (3) من «م» . (4) «الْكَامِل» (4 / 463 - 464 رقم 830) . (5) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 262) . (6) «الْمَجْمُوع» (6 / 362) . (7) «الْمَجْمُوع» (6 / 362) . (8) «التَّهْذِيب» (26 / 586 - 591) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 667 (الطَّرِيق الثَّانِي) (1) : من (طَرِيق) (2) مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي رَافع مولَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن أَبِيه، عَن جده " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يكتحل بالإثمد وَهُوَ صَائِم ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (3) وَإِسْنَاده ضَعِيف؛ بِسَبَب مُحَمَّد بن [عبيد الله بن] (4) أبي رَافع هَذَا قَالَ عبد الرَّحْمَن (5) : سَأَلت أبي عَنهُ (فَقَالَ) (6) : ضَعِيف الحَدِيث، مُنكر الحَدِيث جدّاً، ذَاهِب. وَقَالَ (7) : مُنكر الحَدِيث. وألان الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِيهِ، فَقَالَ فِي «سنَنه» : إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. (و) (8) أما شَيْخه الْحَاكِم فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ وَأخرج لَهُ فِي «مُسْتَدْركه» (9) فِي مَنَاقِب الْحسن وَالْحُسَيْن. (الطَّرِيق الثَّالِث) (10) : من حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: " خرج علينا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعَيناهُ مملوءتان من الْكحل من الإثمد، وَذَلِكَ فِي رَمَضَان، كحلته أم سَلمَة، وَكَانَ ينْهَى عَن كل كحل لَهُ طعم ". ذكره ابْن طَاهِر فِي «تَذكرته» (11) وَأعله بِسَعِيد بن زيد، وَقَالَ: هُوَ أَخُو حَمَّاد بن زيد. وَذكره النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (12) بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَى قَوْله: «فِي رَمَضَان» وَزِيَادَة: «وَهُوَ صَائِم» وَلم يعزه لأحد، ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده   (1) فِي «ل» : ثَانِيهَا. والمثبت من «أ، م» . (2) فِي «م» حَدِيث. والمثبت من «أ، ل» . (3) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 262) . (4) سَقَطت من «أ، ل، م» والسياق يقتضيها. (5) «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (8 / 2) . (6) فِي «أ، ل» : وَإِسْنَاده. والمثبت من «م» و «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» . (7) «التَّارِيخ الْكَبِير» (1 / 171 رقم 512) . (8) من «م» . (9) «الْمُسْتَدْرك» (3 / 165) . (10) فِي «ل» : ثَالِثهَا. والمثبت من «أ، م» . (11) «تذكرة الْحفاظ» (ص 186) . (12) «الْمَجْمُوع» (6 / 362) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 668 من اخْتلف فِي توثيقه. وَفِي التِّرْمِذِيّ (1) من حَدِيث أنس مَرْفُوعا فِي الْإِذْن فِيهِ لمن اشتكت عينه، ثمَّ قَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ، وَلَا يَصح عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي هَذَا الْبَاب شَيْء. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (2) : رُوِيَ عَن أنس مَرْفُوعا بِإِسْنَاد ضَعِيف بِمرَّة أَنه لم ير بِهِ بَأْسا. قلت: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» (3) من فعل أنس بِإِسْنَاد جيد. الحَدِيث الرَّابِع عشر " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ احْتجم وَهُوَ صَائِم محرم فِي حجَّة الْوَدَاع " (4) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ (5) من حَدِيث أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ احْتجم وَهُوَ محرم، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (6) من هَذَا الْوَجْه بِدُونِ (الْقطعَة) (7) الأولَى، وَكَذَا التِّرْمِذِيّ (8) وَلَفظه: " وَهُوَ محرم صَائِم " وَكَذَا النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» بِلَفْظ البُخَارِيّ (9) وبلفظ أبي دَاوُد (10) ، وَفِي السّنَن الْأَرْبَعَة (11) من حَدِيث يزِيد بن أبي (زِيَاد) (12) ، عَن مقسم عَن ابْن   (1) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 105 رقم 726) . (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 262) . (3) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 156 رقم 2370) . (4) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 195) . (5) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 205 رقم 1938) . (6) «سنَن أبي دَاوُد (3 / 154 رقم 2364) . (7) فِي «م» : اللَّفْظَة. والمثبت من «أ، ل» . (8) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 146 رقم 775) . (9) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 233 رقم 3219) . (10) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 233 رقم 3215 - 3218) (11) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 155 رقم 2365) و «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 147 رقم 777) و «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 234 رقم 3225) و «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 537 رقم 1682) . (12) فِي «أ، ل» : الزِّنَاد. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «م» ومصادر التَّخْرِيج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 669 عَبَّاس " أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ احْتجم وَهُوَ صَائِم محرم " وَاللَّفْظ لَهُم خلا التِّرْمِذِيّ، فَإِن لَفظه: " احْتجم فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَهُوَ محرم صَائِم " وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» (1) من حَدِيث (شُعْبَة) (2) عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " احْتجم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ صَائِم ". وَحَكَى أَحْمد، عَن شُعْبَة أَنه قَالَ: لم يسمع الحكم حَدِيث مقسم فِي الْحجامَة فِي الصّيام. وَقَالَ النَّسَائِيّ (3) : يزِيد بن أبي زِيَاد لَا يحْتَج بحَديثه، وَالْحكم [لم] (4) يسمعهُ من مقسم. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ (5) أَيْضا من حَدِيث خصيف، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " احْتجم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ صَائِم محرم ". وَرَوَاهُ (6) أَيْضا من حَدِيث حبيب بن الشَّهِيد، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنكر، وَلَا أعلم رَوَاهُ عَن حبيب غير مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَلَعَلَّه (أَرَادَ) (7) أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوج مَيْمُونَة. وَقَالَ مهنا: سَأَلت أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح، قد أنكرهُ يَحْيَى بن سعيد (8) الْأنْصَارِيّ، إِنَّمَا كَانَت أَحَادِيث (مَيْمُون) (9) ، عَن ابْن عَبَّاس خَمْسَة عشر حَدِيثا. وَقَالَ الْأَثْرَم: سَمِعت أَبَا   (1) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 234 رقم 3224) . (2) فِي «أ، ل» : شُعَيْب. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «م» ، و «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» وَشعْبَة هُوَ ابْن الْحجَّاج تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (12 / 479 - 495) . (3) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 135) . (4) فِي «أ، ل، م» : فَلم. والمثبت من «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» . (5) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 235 رقم 3228) . (6) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 235 - 236 رقم 3231) . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» . (8) زَاد فِي «م» : عَلَى. وَهِي مقحمة. (9) فِي «م» مَيْمُونَة. خطأ، والمثبت من «أ، ل» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 670 عبد الله ذكر هَذَا الحَدِيث وَضَعفه. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ (1) أَيْضا من حَدِيث (قبيصَة) (2) ، عَن الثَّوْريّ، عَن حَمَّاد، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس " أَنه لله احْتجم وَهُوَ صَائِم ". ثمَّ قَالَ: هَذَا خطأ لَا نعلم أَن أحدا رَوَاهُ عَن سُفْيَان، غير قبيصَة، وَقبيصَة كثير الْخَطَأ، وَقد رَوَاهُ أَبُو هَاشم عَن حَمَّاد مُرْسلا. وَقَالَ مهنا: سَأَلت أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: هُوَ خطأ من قبل قبيصَة، وَسَأَلت يَحْيَى، عَن قبيصَة بن عقبَة، فَقَالَ: صَدُوق، وَهَذَا الحَدِيث خطأ من قبله، وَأَصْحَاب ابْن عَبَّاس لَا يذكرُونَ " صَائِما ". وَأما حَدِيث: " أفطر الحاجم والمحجوم " فطرقه ابْن مَنْدَه عَن ثَمَانِيَة وَعشْرين من الصَّحَابَة. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (3) ، وَالنَّسَائِيّ (4) ، وَابْن مَاجَه (5) من حَدِيث ثَوْبَان، وَصَححهُ ابْن حبَان (6) وَالْحَاكِم (7) ، وَقَالَ: (8) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ أَحْمد: إِنَّه أصح مَا رُوِيَ فِي [هَذَا] (9) الْبَاب. وَصَححهُ ابْن حبَان (10) من حَدِيث شَدَّاد، وَقَالَ الْحَاكِم: قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي: إِن إِسْنَاده صَحِيح تقوم بِهِ الْحجَّة. وصححاه أَيْضا الدَّارمِيّ (11) وَأحمد (12) ،   (1) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 235 رقم 3229) . (2) فِي «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» قُتَيْبَة. وَهُوَ تَحْرِيف، وَانْظُر «التُّحْفَة» (4 / 411 - 412 رقم 5500) . (3) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 152 - 154 رقم 2359، 2362، 2363) . (4) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 216 - 217 رقم 3134 - 3137) . (5) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 537 رقم 1680) . (6) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 301 رقم 3532) . (7) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 427) . (8) زَاد فِي «م» : إِنَّه. (9) من «م» و «الْمُسْتَدْرك» (10) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 302 - 304 رقم 3533، 3534) . (11) «سنَن الدَّارمِيّ» (2 / 25 رقم 1730) . (12) «الْمسند» (4 / 123، 124) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 671 وَصَححهُ ابْن حبَان (1) وَالْحَاكِم (2) أَيْضا من حَدِيث رَافع بن خديج، قَالَ الْحَاكِم: هُوَ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا أعلم فِي الْبَاب أصح مِنْهُ. وَأجَاب الشَّافِعِي والخطابي وَالْبَيْهَقِيّ وَسَائِر أَصْحَابنَا أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِحَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أَولا وَمَا أشبهه من الْأَحَادِيث. بَيَانه أَن الشَّافِعِي (3) ، وَالْحَاكِم (4) ، وَابْن حبَان (5) ، وَالْبَيْهَقِيّ (6) رووا بإسنادهم الصَّحِيح عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ زمَان الْفَتْح فَرَأَى رجلا يحتجم لثمان عشرَة خلت من رَمَضَان، فَقَالَ وَهُوَ آخذ بيَدي: أفطر الحاجم والمحجوم " وَثَبت كَمَا سلف من حَدِيث ابْن عَبَّاس " أَنه لله احْتجم وَهُوَ محرم صَائِم " قَالَ الشَّافِعِي (7) : وَابْن عَبَّاس إِنَّمَا صحب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ محرما فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة، وَلم يَصْحَبهُ محرما قبل ذَلِك، وَكَانَ الْفَتْح سنة ثَمَان بِلَا شكّ، فَحَدِيث ابْن عَبَّاس بعد حَدِيث شَدَّاد بِسنتَيْنِ وَزِيَادَة. قَالَ: فَحَدِيث ابْن عَبَّاس نَاسخ (8) قَالَ الْبَيْهَقِيّ (9) : وَيدل عَلَى النّسخ أَيْضا حَدِيث أنس قَالَ: " (أول) (10) مَا كرهت الْحجامَة للصَّائِم؛ أَن جَعْفَر بن أبي طَالب احْتجم وَهُوَ صَائِم، فَمر بِهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: أفطر هَذَانِ. ثمَّ رخص النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد للصَّائِم فِي الْحجامَة، وَكَانَ (أنس) (11) يحتجم وَهُوَ صَائِم ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (12) ، وَقَالَ: رُوَاته كلهم   (1) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 306 - 307 رقم 3535) . (2) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 428) . (3) «مُسْند الشَّافِعِي» (ص 179) . (4) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 428) . (5) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 302 رقم 3533) . (6) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 265) . (7) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 268) . (8) زَاد فِي «أ، ل» : كَمَا. (9) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 268) . (10) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (11) فِي «أ، ل» : النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (12) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 182 رقم 7) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 672 ثِقَات، وَلَا أعلم لَهُ عِلّة، وَحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " رخص رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْقبْلَة للصَّائِم والحجامة ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (1) من طَرِيقين، وَقَالَ: كل مِنْهُمَا إِسْنَاده كلهم ثِقَات. قَالَ الْبَيْهَقِيّ (2) : وغالب مَا يسْتَعْمل الترخيص بعد النَّهْي. وَنقل الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (3) عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ (4) : ثبتَتْ الْأَخْبَار عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قَالَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " فَقَالَ (بعض) (5) من خَالَفنَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: إِن الْحجامَة لَا تفطر الصَّائِم. وَاحْتج بِأَنَّهُ لله (6) احْتجم وَهُوَ صَائِم محرم (7) ، وَهَذَا الْخَبَر غير دَال عَلَى أَن الْحجامَة لَا تفطر الصَّائِم؛ لِأَنَّهُ لله إِنَّمَا احْتجم وَهُوَ صَائِم محرم فِي سفر لَا فِي حضر؛ لِأَنَّهُ لم يكن قطّ محرما مُقيما بِبَلَدِهِ إِنَّمَا كَانَ محرما وَهُوَ مُسَافر، وَالْمُسَافر وَإِن كَانَ نَاوِيا للصَّوْم وَقد مَضَى عَلَيْهِ بعض النَّهَار وَهُوَ (صَائِم) (8) لَهُ الْأكل وَالشرب، وَإِن كَانَ الْأكل وَالشرب يفطرانه، لَا كَمَا توهم بعض الْعلمَاء أَن الْمُسَافِر إِذا دخل فِي الصَّوْم لم يكن لَهُ أَن يفْطر إِلَى أَن يتم صَوْمه ذَلِك الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ، فَأَما إِذا كَانَ لَهُ أَن يَأْكُل وَيشْرب [وَقد دخل] (9) فِي الصَّوْم ونواه وَمَضَى بعض النَّهَار وَهُوَ صَائِم جَازَ لَهُ أَن يحتجم وَهُوَ مُسَافر فِي بعض نَهَار الصَّوْم، وَإِن كَانَت الْحجامَة (مفطرة) (10) . وَقد أجَاب بِهَذَا الْجَواب   (1) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 182 - 183 رقم 10، 15) . (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 268) . (3) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 429) . (4) «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» (3 / 227 - 228) . (5) سَقَطت من «ل» . والمثبت من «أ، م» . (6) زَاد فِي «م» : إِنَّمَا. (7) زَاد فِي «م» : فِي سفر. (8) فِي «الْمُسْتَدْرك» : مُبَاح. (9) فِي «أ، ل، م» : وَيدخل. والمثبت من «الْمُسْتَدْرك» . (10) فِي «م» : تفطر. وَفِي «الْمُسْتَدْرك» : تفطره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 673 أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (1) . تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن الْحجامَة غير مفطرة، و (فِيهِ الحدس) (2) الَّذِي أسلفناه عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه كَانَ مُسَافِرًا. الحَدِيث الْخَامِس عشر رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " ثَلَاث لَا يفطرن الصَّائِم: الْقَيْء، والحجامة، والاحتلام " (3) . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (4) ، وَالْبَيْهَقِيّ (5) من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا كَذَلِك سَوَاء. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (6) من حَدِيث زيد بن أسلم، عَن رجل من أَصْحَابه، عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " لَا يفْطر من (قاء) (7) وَلَا من احْتَلَمَ وَلَا من احْتجم ". وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (8) من حَدِيث هِشَام بن (سعد) (9) ، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: " ثَلَاثَة لَا يفطرن الصَّائِم: الْقَيْء،   (1) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 306 - 307) . (2) كَذَا فِي «أ، ل، م» وَلَعَلَّ الصَّوَاب: فِي الحَدِيث. (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 195) . (4) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 97 رقم 719) . (5) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 264) . (6) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 155 رقم 2368) . (7) فِي «م» : سَافر. والمثبت من «أ، ل» و «سنَن أبي دَاوُد» . (8) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 183 رقم 16) . (9) فِي «م» سعيد. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «أ، ل» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» وَهِشَام بن سعد أَبُو عباد الْمدنِي من رجال «التَّهْذِيب» (30 / 204 - 209) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 674 والحجامة، والاحتلام ". وَعبد الرَّحْمَن بن (زيد) (1) بن أسلم ضَعَّفُوهُ، وَهِشَام بن (سعد) (2) من رجال مُسلم لكنه لين. وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بهما، وَقَالَ فِي الأول (3) : أَجمعُوا عَلَى ضعفه. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» (4) : هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ، وَقد رَوَى (5) عبد الله بن زيد بن أسلم وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَغير وَاحِد هَذَا الحَدِيث، عَن زيد بن أسلم مُرْسلا، وَلم يذكرُوا فِيهِ: عَن أبي سعيد. وَعبد الرَّحْمَن يضعف فِي الحَدِيث، قَالَ: وَسمعت أَبَا دَاوُد يَقُول: سَأَلت أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ: أَخُوهُ عبد الله لَا بَأْس بِهِ. وَسمعت مُحَمَّدًا يذكر عَن عَلّي بن عبد الله قَالَ: عبد الله ابْن زيد بن أسلم ثِقَة، وَعبد الرَّحْمَن أَخُوهُ (ضَعَّفُوهُ) (6) . قَالَ مُحَمَّد - يَعْنِي البُخَارِيّ -: وَلَا أروي عَنهُ شَيْئا. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» (7) : سَأَلت أبي، وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث عبد الرَّحْمَن هَذَا، وَحَدِيث أُسَامَة، عَن أَبِيه، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد (الْخُدْرِيّ) (8) أَيْضا، فَقَالَا: هَذَا خطأ، رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن زيد بن أسلم، عَن رجل من أَصْحَابه، عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ (9) الصَّحِيح. قَالَ:   (1) فِي «م» : يزِيد. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «أ، ل» وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم الْمدنِي تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (17 / 114 - 119) . (2) فِي «م» سعيد وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «أ، ل» وَهِشَام بن سعد أَبُو عباد الْمدنِي من رجال «التَّهْذِيب» (30 / 204 - 209) . (3) «الْعِلَل المتناهية» (2 / 542) . (4) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 97 - 98) . (5) زَاد فِي «أ، ل، م» عَن. وَهُوَ خطأ. (6) فِي (جَامع التِّرْمِذِيّ» : ضَعِيف. (7) «علل ابْن أبي حَاتِم» (2 / 239 - 240) (8) من «م» و «علل ابْن أبي حَاتِم» . (9) زَاد فِي «م» : فِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 675 وسألتهما مرّة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ أبي: إِنَّه أشبه بِالصَّوَابِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِنَّه أصح. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه) (1) : عبد الرَّحْمَن ضَعِيف، وَالْمَحْفُوظ عَن زيد بن أسلم ... فَذكر لفظ أبي دَاوُد وَإِسْنَاده، ثمَّ قَالَ: هُوَ مَحْمُول - إِن صَحَّ - عَلَى من ذرعه الْقَيْء. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ (2) عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: يرويهِ زيد بن أسلم، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ أَوْلَاد زيد بن أسلم (3) : أُسَامَة وَعبد الله وَعبد الرَّحْمَن، عَن والدهم زيد، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد، وَحدث بِهِ كَامِل بن طَلْحَة (عَن مَالك) (4) ، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء، عَن أبي سعيد، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ، وَلَيْسَ هَذَا من حَدِيث مَالك، وَحدث بِهِ شيخ يعرف بِمُحَمد بن أَحْمد بن أنس السَّامِي - وَكَانَ ضَعِيفا - عَن أبي عَامر الْعَقدي، عَن هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم بِهِ، وَلَا يَصح عَن هِشَام. (وَرَوَاهُ) (5) سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن زيد بن أسلم، عَن رجل، عَن آخر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَهُوَ الصَّحِيح. وَرَوَاهُ الدَّرَاورْدِي، عَن زيد بن أسلم، (عَمَّن حَدثهُ أَن) (6) النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن زيد بن أسلم مُرْسلا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَالصَّحِيح مَا قَالَه الثَّوْريّ. قلت: وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة (7) ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن زيد بن   (1) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 220) . (2) «علل الدَّارَقُطْنِيّ» (11 / 267 - 269) . (3) زَاد فِي «م» : بن. وَهُوَ خطأ. (4) لَيست فِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» . (5) فِي «أ، ل» : وَرَوَى. والمثبت من «م» و «علل الدَّارَقُطْنِيّ» . (6) فِي «أ، ل» : عَن حَدثهُ عَن. والمثبت من «م» و «علل الدَّارَقُطْنِيّ» . (7) «مُصَنف ابْن أبي شيبَة» (2 / 467 رقم 5) . (8) «الْكَامِل» (8 / 410 - 411) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 676 أسلم، عَن عَطاء بن يسَار يرفعهُ: " ثَلَاث لَا يفطرن الصَّائِم ... " الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن عدي (1) من حَدِيث هِشَام بن (سعد) (2) السالف، عَن عَطاء بن يسَار، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا يَقُول هِشَام، وَغَيره يرويهِ عَن أبي سعيد، وَمِنْهُم من يُرْسِلهُ، وَقَالَ: «الرعاف» بدل «الْحجامَة» وَهِشَام يكْتب حَدِيثه (لَا يحْتَج بِهِ) (3) . الحَدِيث السَّادِس عشر " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم " (4) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم (5) كَذَلِك من حَدِيث حَفْصَة رَضِي الله عَنْهَا وَهُوَ من أَفْرَاده، واتفقا (6) عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أم سَلمَة " أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ كَانَ يقبلهَا وَهُوَ صَائِم ". الحَدِيث السَّابِع عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يقبل بعض نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِم، وَكَانَ أملككم لإربه " (7) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته عَنْهَا (8) : " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقبل   (1) فِي «م» : سعيد. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «أ، ل» وَسبق التَّنْبِيه عَلَيْهِ. (2) لَيست فِي «الْكَامِل» . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 201) . (4) «صَحِيح مُسلم» (2 / 778 - 779 رقم 1107) . (5) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 180 رقم 1929) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 779 رقم 1108) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 201) . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 180 رقم 1928) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 776 رقم 1106 / 62) . (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 176 رقم 1927) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 777 رقم 1106 / 65) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 677 إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِم. ثمَّ تضحك ". وَفِي لفظ (1) : " كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم، ويباشر وَهُوَ صَائِم، وَلكنه أملككم لإربه " وَفِي لفظ: " كَانَ يقبل فِي شهر الصَّوْم " وَفِي آخر (2) : " كَانَ يقبل فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم " وَفِي آخر لمُسلم (3) : " كَانَ يقبلني وَهُوَ صَائِم، وَأَيكُمْ يملك إربه (كَمَا) (4) كَانَ يملك إربه " وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد (5) " كَانَ يقبلني وَهُوَ صَائِم ويمص لساني " وَهِي معلولة - كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان (6) - بِأبي يَحْيَى مصدع الْأَعْرَج المعرقب فِي التَّشَيُّع، (قَالَ السَّعْدِيّ:) (7) كَانَ زائغاً (جائراً) (8) عَن الطَّرِيق. وَقَالَ عبد الْحق (9) : لَا تصح هَذِه الزِّيَادَة فِي مص اللِّسَان. ثمَّ أعلها بِمَا نازعه ابْن الْقطَّان فِيهِ، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: بَلغنِي عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة لَيست صَحِيحَة. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» (10) من حَدِيث أبي سَلمَة عَنْهَا قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (يقبل بعض نِسَائِهِ) (11) وَهُوَ صَائِم. قَالَ أَبُو سَلمَة: قلت لعَائِشَة: فِي   (1) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 176 رقم 1927) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 777 رقم 1106 / 65) . (2) «صَحِيح مُسلم» (2 / 778 رقم 1106 / 71) . (3) «صَحِيح مُسلم» (2 / 177 رقم 1106 / 64) . (4) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «صَحِيح مُسلم» . (5) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 160 رقم 2378) . (6) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (3 / 111) . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «الْوَهم وَالْإِيهَام» . (8) فِي «م» : حائداً. والمثبت من «أ، ل» و «الْوَهم وَالْإِيهَام» . (9) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 218 - 219) . (10) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 314 - 315 رقم 3545) . (11) فِي «أ» : بعض نِسَائِهِ. وَفِي «ل» : يمص لساني. والمثبت من «م» و «صَحِيح ابْن حبَان» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 678 الْفَرِيضَة والتطوع؟ قَالَت عَائِشَة: فِي كل ذَلِك فِي الْفَرِيضَة والتطوع " ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ (1) عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لَا (يمس) (2) من وَجْهي من شَيْء وَأَنا صَائِمَة ". قَالَ ابْن حبَان (3) : كَانَ الْمُصْطَفَى أملك النَّاس لإربه، وَكَانَ يقبل نِسَاءَهُ إِذا كَانَ صَائِما، أَرَادَ بِهِ التَّعْلِيم أَن مثل هَذَا الْفِعْل مِمَّن يملك إربه وَهُوَ صَائِم جَائِز، (وَكَانَ يتنكب) (4) اسْتِعْمَال مثله إِذا كَانَت هِيَ صَائِمَة علما مِنْهُ بِمَا ركب (فِي) (5) النِّسَاء من الضعْف عِنْد الْأَسْبَاب الَّتِي ترِدُ عَلَيْهِنَّ، فَكَانَ يُبقي عَلَيْهِنَّ بترك اسْتِعْمَال ذَلِك الْفِعْل إِذا كن بِتِلْكَ الْحَالة من غير أَن يكون بَين هذَيْن (الْخَبَرَيْنِ) (6) تضادٌّ أَو (تهاتر) (7) . فَائِدَة: قَوْلهَا " لإربه " هُوَ بِكَسْر الْهمزَة مَعَ إسكان الرَّاء، وَرُوِيَ أَيْضا بفتحهما جَمِيعًا، مَعْنَاهُ: لِحَاجَتِهِ. الحَدِيث الثَّامِن عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ " (8) . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة، فَرَاجعه من ثمَّ.   (1) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 315 رقم 3546) . (2) فِي «صَحِيح ابْن حبَان» : يلمس. (3) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 316) . (4) فِي «أ، ل» : وَكَانَت تتنكب. والمثبت من «م» و «صَحِيح ابْن حبَان» . (5) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «صَحِيح ابْن حبَان» . (6) فِي «م» : الْحَدِيثين. والمثبت من «أ، ل» و «صَحِيح ابْن حبَان» . (7) فِي «م» : تبَاين. والمثبت من «أ، ل» و «صَحِيح ابْن حبَان» . (8) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 202) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 679 الحَدِيث التَّاسِع عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من نسي وَهُوَ صَائِم فَأكل أَو شرب فليتم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه " (1) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته (2) أخرجه الشَّيْخَانِ (3) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِهَذَا اللَّفْظ، وَعند البُخَارِيّ: " فَأكل وَشرب " وللدارقطني (4) - وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح، وَرِجَاله كلهم ثِقَات: " إِذا أكل الصَّائِم نَاسِيا (أَو شرب نَاسِيا) (5) فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ " وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (6) بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهما (7) وللحاكم (8) : " من أفطر فِي شهر رَمَضَان نَاسِيا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة " قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تفرد بِهِ ابْن مَرْزُوق وَهُوَ ثِقَة (عَن الْأنْصَارِيّ: قلت) : (9) لم ينْفَرد بِهِ، بل تَابعه أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ (10) .   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 203) . (2) زَاد فِي «أ» : أخرجه البُخَارِيّ. وَهِي مقحمة. (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 183 - 184 رقم 1933) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 809 رقم 1155) . (4) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 178 رقم 27) . (5) من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (6) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 286 رقم 3519) . (7) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 178 رقم 28) و «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 287 - 288 رقم 3521) . (8) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 430) . (9) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (10) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 229) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 680 الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن صَوْم يَوْمَيْنِ: يَوْم الْفطر، وَيَوْم الْأَضْحَى " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ (2) من هَذَا الْوَجْه، واتفقا عَلَى إِخْرَاجه أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ (3) وَعمر (4) وَابْنه (5) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَانْفَرَدَ بِهِ مُسلم (6) من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها " أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رخص للمتمتع إِذا لم يجد الْهَدْي وَلم يصم الثَّلَاثَة فِي الْعشْر، أَن يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق " (7) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي " سنَنه " (8) من حَدِيث يَحْيَى بن أبي أنيسَة عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: " من لم يكن مَعَه هدي فليصم ثَلَاثَة أَيَّام قبل يَوْم النَّحْر، وَمن لم يكن صَامَ تِلْكَ الْأَيَّام الثَّلَاثَة فليصم أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام منى ". وَيَحْيَى (9) .   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 210 - 211) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 282 رقم 1993) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 799 رقم 1138) . (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 283 رقم 1995) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 799 - 800 رقم 827) . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 280 - 281 رقم 1990) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 799 رقم 1137) . (5) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 283 رقم 1994) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 800 رقم 1139) . (6) «صَحِيح مُسلم» (2 / 800 رقم 1140) . (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 211) . (8) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 186 رقم 32) . (9) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (31 / 223 - 229) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 681 هَذَا مَتْرُوك، كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره، وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: كَانَ صَدُوقًا لكنه كَانَ يهم. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (ضَعِيف. وَرَوَاهُ (1) أَيْضا - أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ -) (2) من حَدِيث عبد الْغفار بن الْقَاسِم، عَن الزُّهْرِيّ، حَدثنِي عُرْوَة بن الزبير قَالَ: قَالَت عَائِشَة، وَابْن عمر (3) " لم يرخص رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأحد فِي صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق إِلَّا لمتمتع أَو محصر " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَخطَأ فِي إِسْنَاده عبد الْغفار (4) وَهُوَ ضَعِيف. قلت: وَكذبه سماك بن حَرْب وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِثِقَة، كَانَ يحدث ببلايا فِي عُثْمَان بن عَفَّان، وَعَامة أَحَادِيثه بَوَاطِيلُ. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، كَانَ من رُؤَسَاء الشِّيعَة. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (5) من حَدِيث يَحْيَى بن سَلام، عَن شُعْبَة، عَن [عبد الله] (6) بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر قَالَ: " رخص رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للمتمتع إِذا لم يجد الْهَدْي أَن يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق " ثمَّ قَالَ: يَحْيَى بن سَلام لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ فِي «علله» (7) : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَسَالم عَن ابْن عمر، قَالَا: " لم يرخص فِي صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق إِلَّا لمن لم يجد الْهَدْي "   (1) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 186 رقم 31) . (2) سقط من «م» والمثبت من «أ، ل» . (3) زَاد فِي «أ، ل» : قَالَا. (4) تَرْجَمته فِي «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (6 / 53 - 54 رقم 284) و «ميزَان الِاعْتِدَال» (2 / 640 - 641 رقم 5147) . (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 186 رقم 29) . (6) فِي «أ، ل، م» : عبيد الله. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» وَعبد الله بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (15 / 412 - 415) . (7) «علل الدَّارَقُطْنِيّ» (5 / ق 139 - أ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 682 فجعلاه كالمرفوع (وَرَوَاهُ) (1) قعنب بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِمَا ونحا بِهِ نَحْو الرّفْع، [وَوهم فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن عِيسَى] (2) وقعنب (ضَعِيف) (3) . وَرَوَاهُ عبد الْغفار بن الْقَاسِم من حَدِيث عَائِشَة وَابْن عمر مَرْفُوعا، وَوهم فِيهِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سَلام بِإِسْنَادِهِ إِلَى سَالم عَن أَبِيه مَرْفُوعا، وَيَحْيَى لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَرَوَاهُ عُرْوَة عَنْهَا من فتواها. قلت: وَمَا ذكره أَيْضا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» (4) من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَسَالم عَن ابْن عمر قَالَا: " لم يرخص فِي أَيَّام التَّشْرِيق أَن يصمن إِلَّا (لمن (لم) (5) يجد الْهَدْي " وَفِي رِوَايَة لَهُ (6) عَن ابْن عمر قَالَ: " الصّيام ") (7) لمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج إِلَى يَوْم عَرَفَة، فَإِن لم يجد هَديا وَلم يصم صَامَ أَيَّام منى " وَلما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (8) من طَرِيق البُخَارِيّ (9) بِلَفْظ: " لم يرخص فِي صَوْم هَذِه الْأَيَّام - أَيَّام التَّشْرِيق - إِلَّا لمن (لم) (10) يجد الْهَدْي ". قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَلما رَوَاهُ (11)   (1) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (2) من «علل الدَّارَقُطْنِيّ» . (3) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «علل الدَّارَقُطْنِيّ» . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 284 رقم 1997، 1998) . (5) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 284 - 285 رقم 1999) . (7) تَكَرَّرت فِي «م» . (8) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 185 - 186 رقم 27) . (9) أَي من طَرِيق شُعْبَة عَن عبد الله بن عِيسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَعَن سَالم عَن ابْن عمر. (10) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (11) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 186 رقم 30) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 683 من طَرِيق عُرْوَة عَنْهَا وَحدهَا: " لم يرخص فِي صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق إِلَّا لمتمتع لم يجد الْهَدْي ". قَالَ: إِسْنَاد صَحِيح. قلت: وَهَذَا كُله فِي حكم الْمَرْفُوع؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا بِكَذَا، ونهينا عَن كَذَا، وَرخّص لنا فِي كَذَا. وكل هَذَا وَشبهه مَرْفُوع بِمَنْزِلَة قَوْله: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ والحافظ أَبُو الْحسن ابْن الْفضل الْمَقْدِسِي فِي كتاب الصَّوْم: هَذَا شَبيه بالمسند. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي رِوَايَة حَرْمَلَة: بَلغنِي أَن ابْن شهَاب يرويهِ مُرْسلا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. تَنْبِيه: ذكر صَاحب «الشَّامِل» هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ (السالفة) (1) (وَلم يعرج) (2) عَلَى رِوَايَة البُخَارِيّ (السالفة) (3) فينكر ذَلِك عَلَيْهِ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَا تَصُومُوا فِي هَذِه الْأَيَّام فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال " (4) . هَذَا الحَدِيث (صَحَّ) (5) من طرق بِدُونِ هَذِه اللَّفْظَة (الْأَخِيرَة) (6) : الطَّرِيق الأول: من حَدِيث نُبَيْشَةَ - بِضَم النُّون، وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة، ثمَّ شين مُعْجمَة - الْهُذلِيّ الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ   (1) سَقَطت من «م» والمثبت من «أ، ل» . (2) فِي «أ» : السالف، والمثبت من «ل، م» . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 211) . (4) فِي «م» : صَحِيح. والمثبت من «أ، ل» . (5) فِي «أ» : الآخر. والمثبت من «ل، م» . (6) فِي «صَحِيح مُسلم» : وَذكر لله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 684 رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب (وَذكر الله) (1) رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (2) مُنْفَردا بِهِ. ثَانِيهَا: من حَدِيث كَعْب بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (بَعثه و) (3) أَوْس بن الْحدثَان أَيَّام التَّشْرِيق (منادياً) (4) أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب " رَوَاهُ مُسلم (5) مُنْفَردا بِهِ أَيْضا. ثَالِثهَا: عَن ابْن شهَاب " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعث عبد الله بن حذافة أَيَّام منى يطوف، يَقُول: إِنَّمَا هِيَ أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله " رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» (6) ، وَعَزاهُ خلف الوَاسِطِيّ إِلَى مُسلم، وَقَالَ الْحميدِي: لم أَجِدهُ فِيمَا عندنَا من كتاب مُسلم. وَهُوَ كَمَا قَالَ. رَابِعهَا: من حَدِيث عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " يَوْم عَرَفَة، وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق، عيدنا أهل الْإِسْلَام، وَهِي أَيَّام أكل وَشرب» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (7) ، وَالتِّرْمِذِيّ (8) ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَالنَّسَائِيّ (9) ، وَابْن حبَان (10) ، وَالْحَاكِم (11) وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.   (1) فِي «صَحِيح مُسلم» : وَذكر لله. (2) «صَحِيح مُسلم» (2 / 800 رقم 1141) . (3) فِي «أ، ل» : بعث. والمثبت من «م» و «صَحِيح مُسلم» . (4) فِي «صَحِيح مُسلم» : فَنَادَى. (5) «صَحِيح مُسلم» (2 / 800 رقم 1142) . (6) «الْمُوَطَّأ» (1 / 376 رقم 135) . (7) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 174 - 175 رقم 2411) . (8) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 143 رقم 773) . (9) «سنَن النَّسَائِيّ» (5 / 278 رقم 3004) . (10) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 368 رقم 3603) . (11) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 434) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 685 خَامِسهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " أَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب ". رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (1) ، وَفِي رِوَايَة لَهُ (2) : «أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام طعم وَذكر» . سادسها: من حَدِيث بشر بن سحيم مَرْفُوعا: " لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن، وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب " رَوَاهُ النَّسَائِيّ (3) . سابعها: (4) وَأما هَذِه الزِّيَادَة الْأَخِيرَة، وَهِي: «وبعال» فرواها الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقين: إِحْدَاهمَا (5) : من حَدِيث مَسْعُود بن الحكم الزرقي قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن حذافة السَّهْمِي قَالَ: " بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى رَاحِلَته أَيَّام منى أنادي: أَيهَا النَّاس، إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال " رَوَاهَا فِي آخر كتاب الصَّوْم، وَفِي سندها الْوَاقِدِيّ و (حَالَته) (6) مَشْهُورَة، ثمَّ قَالَ: الْوَاقِدِيّ ضَعِيف. ثَانِيهمَا (7) : من حَدِيث سعيد بن سَلام الْعَطَّار، نَا عبد الله بن بديل الْخُزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: " بعث رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ عَلَى جمل أَوْرَق يَصِيح فِي فجاج منى: أَلا إِن الذَّكَاة فِي الْحلق واللبة، أَلا وَلَا تعجلوا الْأَنْفس أَن   (1) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 366 - 367 رقم 3601) . (2) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 367 - 368 رقم 3602) . (3) «سنَن النَّسَائِيّ» (8 / 478 رقم 5009) . (4) زَاد فِي «أ، ل» : سابعها. (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 212 رقم 32) . (6) فِي «أ، ل» : حَاله. والمثبت من «م» . (7) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (4 / 283 رقم 45) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 686 تزهق، وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب وبعال» وَهَذِه الطَّرِيقَة أخرجهَا فِي أَوَاخِر «سنَنه» بأوراق (1) . وَكَذَا الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب «معرفَة الصَّحَابَة» وَهِي ضَعِيفَة جدًّا؛ سعيد بن سَلام (2) هَذَا وَضاع مَتْرُوك، قَالَ أَحْمد وَابْن نمير: كَذَّاب. وَقَالَ خَ: يذكر بِوَضْع الحَدِيث. وَأطلق التّرْك عَلَيْهِ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَخَالف (الْعجلِيّ) (3) فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ. وَأما عبد الله بن بديل (4) فَفِيهِ خلف، غمزه الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ (أَحَادِيث) (5) مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ [الزِّيَادَة] (6) فِي مَتنه أَو إِسْنَاده. وَقَالَ ابْن معِين: (صَالح) (7) وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ولهذه اللَّفْظَة طرق أُخْرَى: (أَولهَا) (8) من طَرِيق عمر بن (خلدَة) (9) ، عَن [أمه] (10) " أَن النَّبِي   (1) زَاد فِي «م» : لَطِيفَة. (2) تَرْجَمته فِي «ميزَان الِاعْتِدَال» (2 / 141 رقم 3195) . (3) فِي «أ، ل» : النَّخعِيّ. والمثبت من «م» و «ميزَان الِاعْتِدَال» . (4) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (14 / 325 - 326) . (5) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «التَّهْذِيب» . (6) سَقَطت من «أ، ل، م» والمثبت من «التَّهْذِيب» . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «التَّهْذِيب» . (8) فِي «ل، م» : إِحْدَاهَا. والمثبت من «أ» . (9) فِي «م» : خَالِد. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «أ، ل» و «معرفَة الصَّحَابَة» وَعمر بن خلدَة الْأنْصَارِيّ أَبُو حَفْص تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (21 / 328 - 330) . (10) فِي «أ، ل، م» : أَبِيه، وَهُوَ خطأ؛ فَالْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» ، وَابْن أبي عَاصِم كَمَا فِي «الْإِصَابَة» (13 / 259) من طَرِيق الْمُنْذر بن الجهم، عَن عمر بن خلدَة، عَن أمه بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 687 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعث عليًّا يُنَادي بمنى: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال ". رَوَاهُ الحافظان أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» (1) والخطيب فِي «تلخيصه» كَذَلِك، وَالطَّبَرَانِيّ وَلَفظه «أَنه لله بعث منادياً يُنَادي: أَيهَا النَّاس، إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال " وَعبد بن حميد (2) عَن مُوسَى بن (عُبَيْدَة) (3) الربذي، حَدثنِي مُنْذر بن (الجهم) (4) ، عَن عمر بن (خلدَة) (5) الْأنْصَارِيّ، عَن (أمه) (6) وَلَفظه (كَلَفْظِ الْأَوَّلين) (7) ومُوسَى هَذَا ضَعَّفُوهُ. ثَانِيهَا: من حَدِيث يُوسُف بن مَسْعُود بن الحكم الْأنْصَارِيّ الزرقي أَن جدته حدثته «أَنَّهَا رَأَتْ وَهِي بمنى فِي زمَان رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رَاكِبًا يَصِيح يَقُول: أَيهَا النَّاس، إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وَنسَاء وبعال وَذكر الله. قَالَت: فَقلت: من هَذَا؟ فَقَالُوا: عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (8) بِدُونِ هَذِه اللَّفْظَة، وَهَذَا (سِيَاقه) (9) : " إِنَّهَا لَيست أَيَّام صِيَام، إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وَذكر " رَوَاهُ من حَدِيث مَسْعُود بن الحكم   (1) «معرفَة الصَّحَابَة» (6 / 3538 رقم 7997) . (2) «مُسْند عبد بن حميد» (1 / 451 رقم 1562) . (3) فِي «م» : عَبدة. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «أ، ل» و «مُسْند عبد بن حميد» ومُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (29 / 104 / 114) . (4) فِي «ل» : جهيم. تَحْرِيف، والمثبت من «أ، ل» و «مُسْند عبد بن حميد» وترجمة مُنْذر بن الجهم فِي «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (8 / 243 - 244 رقم 1103) . (5) فِي «م» : خلد. والمثبت من «أ، ل» وَقد سبق التَّنْبِيه عَلَيْهِ. (6) فِي «م» : أَبِيه. والمثبت من «أ، ل» و «مُسْند عبد بن حميد» . (7) فِي «أ، ل» : الْأَوليين. والمثبت من «م» . (8) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 434 - 435) . (9) فِي «أ، ل» : سياقته. والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 688 الزرقي، عَن (أمه) (1) ، وَذكر أَبُو نعيم (2) الِاخْتِلَاف فِي سَنَد حَدِيث ابْن مَسْعُود الزرقي، وَقَالَ فِي رِوَايَته إِن الْمُنَادِي بِلَالًا. ثَالِثهَا: من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي (حَبِيبَة) (3) عَن دَاوُد ابْن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أرسل أَيَّام منى صائحاً يَصِيح أَن لَا تَصُومُوا هَذَا الْأَيَّام فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال " والبعال: وقاع النِّسَاء. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (4) كَذَلِك. وَإِبْرَاهِيم (5) هَذَا مُخْتَلف فِيهِ، وَثَّقَهُ أَحْمد وَضَعفه غَيره، وَدَاوُد (6) من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَهُوَ ثِقَة قدري، لينه أَبُو زرْعَة، واستغرب الْمُنْذِرِيّ هَذِه اللَّفْظَة (فَقَالَ) (7) فِي «اختصاره للسنن» (8) : هَذِه اللَّفْظَة غَرِيبَة. فَائِدَتَانِ: الأولَى: البعال - بباء مُوَحدَة، ثمَّ عين مُهْملَة -: وقاع النِّسَاء. كَمَا سلف فِي الحَدِيث السَّابِق فِي آخِره. وَفِي «النِّهَايَة» (9) : البعال: النِّكَاح وملاعبة الرجل أَهله. وَكَذَا قَالَه أَبُو عبيد (10) وَغَيره، وَكَذَا   (1) فِي «ل» : أَبِيه. والمثبت من «أ، م» و «الْمُسْتَدْرك» . (2) «معرفَة الصَّحَابَة» (6 / 3568 رقم 8056، 8057) وَفِيه من حَدِيث مَسْعُود بن الحكم الزرقي عَن أمه. (3) فِي «أ، ل» : حبيب. والمثبت من «م» و «المعجم الْكَبِير» وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة الْأنْصَارِيّ الأشْهَلِي تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (2 / 42 - 44) . (4) «المعجم الْكَبِير» (11 / 232 رقم 11587) . (5) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (2 / 42 - 44) . (6) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (8 / 379 - 382. (7) من «م» . (8) «مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد» (3 / 296) . (9) «النِّهَايَة» (1 / 141) . (10) «غَرِيب الحَدِيث» (1 / 113) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 689 فِي «الصِّحَاح» (1) (البعال) (2) : ملاعبة الرجل أَهله. وَذكر الحَدِيث، وَالْمَرْأَة تباعل زَوجهَا أَي تلاعبه (3) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «فَضَائِل الْأَوْقَات» لما ذكر حَدِيث جدة يُوسُف الزرقي: المُرَاد - وَالله أعلم - بِالنسَاء والبعال: أَن إِبَاحَة مباشرتهن للْحَاج بعد التَّحَلُّل الثَّانِي، وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) (4) يَعْنِي بِهِ الْإِبَاحَة بعد التَّحْرِيم. (وَنقل ابْن حزم (5) عَن أهل اللُّغَة أَن البعل اسْم الزَّوْج وَالسَّيِّد، وَذكر ذَلِك فِي حَدِيث النَّهْي عَن الصَّوْم إِلَّا بِإِذن بَعْلهَا إِذا كَانَ حَاضرا ") (6) . الثَّانِيَة: ذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي تَرْجَمَة أبي الْغَنَائِم النَّرْسِي الْحَافِظ من «ذيله» ، قَالَ: قَرَأت بِخَط الإِمَام وَالِدي: سَمِعت أَبَا الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَلّي بن مَيْمُون النَّرْسِي يَقُول فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: " أَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب " قَالَ: هُوَ شَرب بِفَتْح الشين، وَاسْتشْهدَ بقوله تَعَالَى: (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ) (7) قَالَ: وسمعته يَقُول فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " وَمن يرع حول الْحمى يُوشك أَن (يحتش) (8) " قَالَ: هُوَ بالشين الْمُعْجَمَة من قَوْلهم: (حَش) (9) إِذا رعى. وَهَذَا أَيْضا ضبط غَرِيب، والضبط الأول حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الْكسَائي - أَعنِي فتح الشين - قَالَ: وَلم أر من الْمُحدثين أحدا يقف عَلَى شُرب، وشَرب.   (1) «الصِّحَاح» (4 / 1342) . (2) من «م» و «الصِّحَاح» . (3) زَاد فِي «أ» : الثَّانِيَة ذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي تَرْجَمَة. وَهِي مقحمة فِي هَذَا الْموضع، وَسَتَأْتِي عَلَى الصَّوَاب. (4) الْمَائِدَة: 2. (5) «الْمُحَلَّى» (7 / 30) . (6) سقط من «م» ، والمثبت من «أ، ل» . (7) الْوَاقِعَة: 55. وَقَرَأَ المدنيان وَعَاصِم وَحَمْزَة بِضَم الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا. النشر (2 / 286) . (8) فِي «أ، ل» : يحْشر. والمثبت من «م» . (9) فِي «أ، ل» : حشر. والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 690 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن عمار بن يَاسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: " من صَامَ يَوْم الشَّك فقد عَصَى أَبَا الْقَاسِم " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2) ، وَالتِّرْمِذِيّ (3) ، وَالنَّسَائِيّ (4) ، وَابْن مَاجَه (5) وَالدَّارَقُطْنِيّ (6) ، وَالْبَيْهَقِيّ (7) فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (8) وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (9) من حَدِيث صلَة بن زفر، قَالَ: " كُنَّا عِنْد عمار فِي الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ من شعْبَان أَو رَمَضَان، فأتيناه بشاةٍ مَصْلية، فَتنَحَّى بعض الْقَوْم، فَقَالَ: إِنِّي صَائِم. فَقَالَ عمار: من صَامَ هَذَا الْيَوْم فقد عَصَى أَبَا الْقَاسِم " قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث (حسن غَرِيب صَحِيح) (10) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن [صَحِيح] (11) ، وَرِجَاله كلهم ثِقَات. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ (12) تَعْلِيقا بِلَفْظ: قَالَ صلَة بن زفر، عَن عمار: " من صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ فقد عَصَى أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ". وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْجَوْهَرِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " فقد   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 211) . (2) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 138 رقم 2327) . (3) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 70 رقم 686) . (4) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 462 رقم 2187) . (5) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 527 رقم 1645) . (6) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 157 رقم 5) . (7) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 208) . (8) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 351 رقم 3585) . (9) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 423 - 424) . (10) فِي «م» : حسن غَرِيب. وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «التُّحْفَة» (7 / 476) : حسن صَحِيح. والمثبت من «أ، ل» . (11) من «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (12) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 143) بقريب من اللَّفْظ الْمَذْكُور. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 691 عَصَى الله وَرَسُوله " أَنه مَوْقُوف، وَذكر ابْن عبد الْبر (1) أَن هَذَا مُسْند عِنْدهم وَلَا يَخْتَلِفُونَ - يَعْنِي فِي ذَلِك - وَمن الأوهام القبيحة عزو صَاحب «التنقيب» عَلَى «الْمُهَذّب» حَدِيث عمار هَذَا إِلَى مُسلم. الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ، وَلَا تستقبلوا (رَمَضَان) (2) بِصَوْم يَوْم من شعْبَان " (3) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» (4) عَن قُتَيْبَة بن سعيد، ثَنَا ابْن أبي عدي، عَن (أبي يُونُس) (5) ، عَن سماك بن حَرْب، قَالَ: " دخلت عَلَى عِكْرِمَة فِي يَوْم يَعْنِي قد أشكل من رَمَضَان هُوَ أَو من شعْبَان وَهُوَ يَأْكُل خبْزًا وبقلاً ولبناً، فَقَالَ لي: هَلُمَّ. فَقلت: إِنِّي صَائِم. ثمَّ قَالَ وَحلف بِاللَّه: لتفطرن. قلت: سُبْحَانَ الله - مرَّتَيْنِ - فَلَمَّا رَأَيْته يحلف لَا يَسْتَثْنِي تقدّمت، فَقلت: هَات الْآن مَا عنْدك. قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: صُومُوا لرُؤْيَته (وأفطروا لرُؤْيَته) (6) فَإِن حَال بَيْنكُم وَبَينه سَحَابَة أَو ظلمَة فأكملوا الْعدة عدَّة شعْبَان، وَلَا تستقبلوا الشَّهْر اسْتِقْبَالًا، وَلَا تصلوا رَمَضَان بِصَوْم يَوْم من شعْبَان ". وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (7) ، عَن ابْن خُزَيْمَة، ثَنَا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن   (1) انْظُر «الِاسْتِيعَاب» (10 / 234) . (2) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 212) . (4) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 462 - 463 رقم 2188) . (5) فِي «أ» : ابْن يُونُس. وَفِي «م» : أبي أَيُّوب. وهما خطأ، والمثبت من «م» و «سنَن النَّسَائِيّ» وَأَبُو يُونُس هُوَ حَاتِم بن أبي صَغِيرَة، تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (5 / 194 - 195) . (6) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» ، و «سنَن النَّسَائِيّ» . (7) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 356 - 357 رقم 3590) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 692 السكن، نَا يَحْيَى بن (1) كثير، ثَنَا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب قَالَ: " دخلت عَلَى عِكْرِمَة فِي الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ من رَمَضَان وَهُوَ يَأْكُل فَقَالَ: أدن وكل. قلت: إِنِّي صَائِم. قَالَ: وَالله لَتَدْنونَّ [قلت] (2) : فَحَدثني. قَالَ: حَدثنِي ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: لَا تستقبلوا الشَّهْر اسْتِقْبَالًا، صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته، فَإِن حَال بَيْنكُم وَبَينه غبرة سَحَاب أَو قترة فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ ". وَرَوَاهُ الْحَاكِم (3) من حَدِيث شُعْبَة، عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: " لَا تستقبلوا الشَّهْر اسْتِقْبَالًا ... " الحَدِيث، إِلَّا أَن فِي (رِوَايَته) (4) : " وَبَين منظره سَحَابَة أَو قترة " بدل مَا ذكره، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَا تستقبلوا الشَّهْر بِصَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يُوَافق ذَلِك صياما كَانَ يَصُومهُ أحدكُم " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (6) من هَذَا الْوَجْه، وَلَفظ مُسلم: " لَا تقدمُوا رَمَضَان بِصَوْم يَوْم (أَو) (7) يَوْمَيْنِ إِلَّا رجل كَانَ يَصُوم صوما فليصمه ". وَلَفظ البُخَارِيّ: " لَا يتقدمن أحدكُم رَمَضَان بِصَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَن يكون رجلا كَانَ يَصُوم (صوما) (8) فليصم ذَلِك الْيَوْم "   (1) زَاد فِي «م» : أبي. وَهُوَ خطأ، وَيَحْيَى بن كثير هُوَ ابْن دِرْهَم الْعَنْبَري، تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (31 / 499 - 500) . (2) فِي «أ، ل، م» : قَالَ. وَكتب فَوْقهَا فِي «م) : كَذَا والمثبت من «صَحِيح ابْن حبَان» . (3) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 425 - 426) . (4) فِي «أ، ل) : رِوَايَة. والمثبت من «م» . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 212) . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 152 رقم 1914) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 762 رقم 1082) . (7) فِي «صَحِيح مُسلم» : وَلَا. (8) فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» : صَوْمه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 693 وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ (1) بِلَفْظ: " (أَلا لَا تتقدموا) (2) قبل الشَّهْر بصيام إِلَّا رجلا كَانَ يَصُوم (صياما) (3) أَتَى ذَلِك الْيَوْم عَلَى صِيَامه ". وَفِي النَّسَائِيّ (4) أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه: " لَا تتقدموا الشَّهْر بصيام يَوْم أَو يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يُوافق ذَلِك يَوْمًا كَانَ يَصُومهُ أحدكُم ". ثمَّ قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة خطأ. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن صِيَام سِتَّة أَيَّام أَحدهَا الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ " (5) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (6) من حَدِيث الْوَاقِدِيّ: نَا دَاوُد بن خَالِد بن دِينَار وَمُحَمّد بن مُسلم، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: " نهَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن صَوْم سِتَّة أَيَّام: الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ من رَمَضَان، وَيَوْم الْفطر، وَيَوْم الْأَضْحَى، وَأَيَّام التَّشْرِيق " ثمَّ قَالَ: الْوَاقِدِيّ غَيره أثبت مِنْهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (7) من حَدِيث الثَّوْريّ، عَن أبي عباد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن صِيَام قبل رَمَضَان بِيَوْم، والأضحى، وَالْفطر، وَأَيَّام التَّشْرِيق ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر " ثمَّ قَالَ: أَبُو عباد (هَذَا) (8) هُوَ عبد الله بن سعيد المَقْبُري غير قوي. وَقَالَ فِي كتاب   (1) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 457 رقم 2171) . (2) فِي «سنَن النَّسَائِيّ» : لَا تَقَدَّموا. (3) فِي «م» : صوما. (4) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 458 رقم 2173) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 212) . (6) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 157 رقم 6) . (7) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 208) . (8) من «ل، م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 694 الزَّكَاة (1) : ضَعِيف جدّاً (جَرَّحَهُ) (2) أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة. وَقَالَ فِي أثْنَاء أَبْوَاب الْجُمُعَة (3) : مُنكر الحَدِيث، مَتْرُوك الحَدِيث، قَالَه ابْن حَنْبَل. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» (4) : هَذَا مِمَّا يتفرد بِهِ أَبُو عباد وَهُوَ غير مُحْتَج بِهِ. قَالَ (5) : وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَاد لَهُ وَهُوَ ضَعِيف. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ " (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه أول الْبَاب. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر " (7) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (8) بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» (9) : " لَا تزَال أمتِي عَلَى سنتي مَا لم تنْتَظر بفطرها النُّجُوم ". قَالَ الْخَطِيب فِي «المدرج» : وَفِي رِوَايَة زِيَادَة فِي آخِره: " وَلم يؤخروا تَأْخِير أهل الْمشرق " ثمَّ قَالَ: قَالَ عَلّي بن عمر: قَالَ لنا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي   (1) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 152) . (2) فِي «ل» : أخرجه. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «أ، م» . (3) «السّنَن الْكُبْرَى» (3 / 176) . (4) «الْمعرفَة» (3 / 353) . (5) «الْمعرفَة» (3 / 353) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 212) . (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 214) . (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 234 رقم 1957) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 771 رقم 1098) . (9) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 277 - 278 رقم 3510) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 695 هَذِه الزِّيَادَة وهم عِنْدِي من مطرف. قَالَ الْخَطِيب: الْأَمر كَمَا قَالَه. قلت: وَأخرجه الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر، وَلم (يؤخروا) (1) تَأْخِير الْمُشْركين " وَفِي سَنَده عبد الْعَزِيز بن عبد الله الْأَصَم (2) وَفِيه جَهَالَة. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ أَيْضا من حَدِيث أبي ذَر: " لَا تزَال أمتِي بِخَير ... " الحَدِيث. رَوَاهُ أَحْمد (3) ، وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة (4) ، وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب «الْمُهَذّب» وَقد أوضحته فِي تخريجي لأحاديثه. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من وجد التَّمْر فليفطر عَلَيْهِ، وَمن لم يجد التَّمْر فليفطر عَلَى المَاء فَإِنَّهُ طهُور " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (6) وَأَبُو دَاوُد (7) وَالتِّرْمِذِيّ (8) وَالنَّسَائِيّ (9) وَابْن مَاجَه (10) فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (11) وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (12) من حَدِيث حَفْصَة بنت   (1) فِي «أ» : يُؤَخر. وَفِي «م» : يُؤَخِّرهُ. والمثبت من «ل» . (2) تَرْجَمته فِي «الْمِيزَان» (2 / 630 رقم 5110) . (3) «الْمسند» (5 / 147) . (4) «الْمسند» (2 / 450) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 214) . (6) «الْمسند» (4 / 17) . (7) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 148 رقم 2347) . (8) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 46 - 48 رقم 658) . (9) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 254 رقم 3320) . (10) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 542 رقم 1699) . (11) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 281 رقم 3514) . (12) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 431 - 432) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 696 سِيرِين، عَن الربَاب بنت صُلَيع، عَن عَمها سلمَان بن عَامر الضَّبِّيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " إِذا أفطر أحدكُم فليفطر عَلَى تمر فَإِنَّهُ بركَة، فَإِن لم يجد تَمرا فالماء فَإِنَّهُ طهُور " هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ وَلَفظ أَحْمد وَأبي دَاوُد وَالْحَاكِم: " إِذا كَانَ أحدكُم صَائِما فليفطر عَلَى التَّمْر، فَإِن لم يجد التَّمْر فعلَى المَاء فَإِنَّهُ طهُور ". وَلَفظ النَّسَائِيّ كَلَفْظِ التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: وَلَا أعلم أحدا قَالَ: " فَإِنَّهُ بركَة " غير سُفْيَان. وَلَفظ ابْن مَاجَه: " إِذا أفطر أحدكُم فليفطر عَلَى تمر، فَإِن لم يجد فليفطر عَلَى المَاء فَإِنَّهُ طهُور ". وَلَفظ ابْن حبَان: " من وجد تَمرا فليفطر عَلَيْهِ، وَمن لم يجد فليفطر عَلَى المَاء فَإِنَّهُ طهُور " وَفِي رِوَايَة لَهُ (1) : " إِذا أفطر أحدكُم فليفطر عَلَى تمر فَإِن لم يجد (فليحسو حسوات) (2) من مَاء " ذكر هَذِه (اللَّفْظَة) (3) من الطَّرِيق (الأولَى) (4) ، وَالْأولَى (5) من حَدِيث حَفْصَة عَن سلمَان، كَذَا وجدته، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن (صَحِيح) (6) . وَلَعَلَّه علم حَال الربَاب بنت صليعٍ فَإِنَّهَا مستورة، وَقد ذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» (7) . وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» (8) : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: صَحِيح من طريقيه. وَقَالَ   (1) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 281 - 282 رقم 3515) . (2) «صَحِيح ابْن حبَان» : فليحس حسوة. (3) من «م» . (4) فِي «م» : الأول. والمثبت من «أ، ل» ويقصد بِهِ طَرِيق حَفْصَة، عَن الربَاب، عَن سلمَان الضَّبِّيّ. (5) أَي طَرِيق اللَّفْظ الأول لِابْنِ حبَان. (6) لَيست فِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» . وَفِي التُّحْفَة (4 / 25) كَمَا هُوَ مُثبت. (7) «الثِّقَات» (4 / 244 - 245) . (8) «علل ابْن أبي حَاتِم» (1 / 237 رقم 687) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 697 الْبَيْهَقِيّ (1) ، وَرَوَاهُ هِشَام الدستوَائي، عَن حَفْصَة بنت سِيرِين، عَن الربَاب، عَن سلمَان فَلم يرفعهُ. قلت: غَرِيب عَن الدستوَائي لم نره إِلَّا عِنْد الْبَيْهَقِيّ، وَهُوَ عِنْد ابْن مَنْدَه فِي «معرفَة الصَّحَابَة» عَن هِشَام بن حسان، عَن حَفْصَة مَوْقُوفا، وَفِي النَّسَائِيّ (2) كَذَلِك عَن هِشَام لكنه لم ينْسبهُ، وَهُوَ هُوَ. قَالَ الْحَاكِم (3) : وَله شَاهد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى أنس بن مَالك، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يفْطر عَلَى رطبات قبل أَن يُصَلِّي، فَإِن لم يكن رطبات فعلَى تمرات، فَإِن لم يكن تمرات حسا حسوات من مَاء " وَفِي رِوَايَة لَهُ: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لَا يُصَلِّي الْمغرب حَتَّى يفْطر وَلَو كَانَ عَلَى شربة من مَاء ". وَرَوَى حَدِيث أنس هَذَا أَحْمد (4) وَالتِّرْمِذِيّ (5) وَالنَّسَائِيّ (6) وَالدَّارَقُطْنِيّ (7) بِاللَّفْظِ الأول. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حسن غَرِيب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ خطأ، وَإِن الصَّوَاب حَدِيث سلمَان. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاد صَحِيح. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا أعلم من رَوَاهُ عَن ثَابت، عَن أنس إِلَّا جَعْفَر بن سُلَيْمَان. وَذكره ابْن عدي (8) أَيْضا فِي أَفْرَاد جَعْفَر، عَن ثَابت. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» (9) : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَنهُ فَقَالَا: لم يرفع إِلَّا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، وَلَا نَدْرِي من أَيْن جَاءَ بِهِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيّ (10)   (1) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 238) . (2) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 254 - 255 رقم 3321 - 3326) . (3) الْمُسْتَدْرك» (1 / 432) . (4) «الْمسند» (3 / 164) . (5) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 79 رقم 696) . (6) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 253 رقم 3317) . (7) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 185 رقم 24) . (8) «الْكَامِل» (2 / 386 - 387) . (9) «علل ابْن أبي حَاتِم» (1 / 224 - 225 رقم 652) . (10) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 77 - 78 رقم 694) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 698 وَالْحَاكِم (1) من حَدِيث أنس أَيْضا أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من وجد تَمرا ... " الحَدِيث، بِمثل لفظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. تَنْبِيه: حَدِيث مُوسَى الطَّوِيل، عَن أنس الْمَرْفُوع: " من أفطر عَلَى تَمْرَة حَلَال زيد فِي صلَاته أَرْبَعمِائَة صَلَاة " مَوْضُوع، ذكره ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» (2) . وَقَالَ: مُوسَى رَوَى عَن أنس أَشْيَاء مَوْضُوعَة كَانَ يَضَعهَا أَو وضعت لَهُ، لَا يحل كتب حَدِيثه إِلَّا تَعَجبا. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» (3) وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح فَتنبه لَهُ. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " تسحرُوا فَإِن (فِي) (4) السّحُور بركَة " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (6) من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» (7) و (أَبُو زرْعَة فِي «صَحِيحه» أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَابْن مَسْعُود، وَرَوَاهُ) (8) أَبُو عوَانَة فِي «صَحِيحه» (9) .   (1) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 431) . (2) فِي «أ، ل» : مَوْضُوعَاته. والمثبت من «م» والْحَدِيث فِي «كتاب الضُّعَفَاء والمجروحين» (2 / 243) . (3) «الموضوعات» (2 / 558) . (4) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 214) . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 165 رقم 1923) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 770 رقم 1095) . (7) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 448 رقم 2145) . (8) من «م» . وَلَعَلَّ الصَّوَاب «أَبُو عوَانَة» بدل «أَبُو زرْعَة» فَإِن أَبَا عوَانَة رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي «مُسْنده» (2 / 178 رقم 2745 - 2747) من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَفِي (2 / 178، 179 رقم 2744، 2751 - 2753) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. (9) «مُسْند أبي عوَانَة» (2 / 179 رقم 2755) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 699 أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه، عَن أَبِيه، عَن أبي لَيْلَى، عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِمثلِهِ. فَائِدَة: فِي سنَن ابْن مَاجَه (1) و «مُسْتَدْرك» الْحَاكِم (2) عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: " اسْتَعِينُوا بِطَعَام السحر عَلَى صِيَام النَّهَار، وبقيلولة النَّهَار عَلَى قيام اللَّيْل ". قَالَ الْحَاكِم: هَذَا من (عَزِيز) (3) الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» (4) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: " اسْتَعِينُوا بالقيلولة عَلَى (الْقيام) (5) ، وبالسحور عَلَى الصّيام ". ثمَّ قَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: إِسْنَاده مَجْهُول. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ " أَنه كَانَ بَين تسحر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَعَ زيد بن ثَابت ودخوله فِي (الصَّلَاة) (6) قدر مَا يقْرَأ الرجل خمسين آيَة " (7) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي " صَحِيحَيْهِمَا " (8) من حَدِيث قَتَادَة، عَن أنس، عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: " تسحرنا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ قمنا إِلَى الصَّلَاة. قَالَ أنس: فَقلت: كم كَانَ قدر مَا بَينهمَا؟ قَالَ: خمسين آيَة " وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ (9) فِي بَاب وَقت الْفجْر: " خمسين   (1) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 540 رقم 1693) . (2) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 425) . (3) فِي «الْمُسْتَدْرك» : غرر. (4) «علل ابْن أبي حَاتِم» (1 / 241 رقم 701) . (5) فِي «أ» : الصّيام. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «ل، م» و «الْعِلَل» . (6) فِي «الشَّرْح الْكَبِير» : صَلَاة الصُّبْح. (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 214) . (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 164 رقم 1921) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 771 رقم 1097) . (9) «صَحِيح البُخَارِيّ» (2 / 64 - 65 رقم 575) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 700 أَو سِتِّينَ " (وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي (1) : " قدر قِرَاءَة خمسين آيَة " وَفِي رِوَايَة للنسائي (2) : " قدر مَا يقْرَأ الرجل خمسين آيَة ") (3) . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ (4) عَن أنس " أَن نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَزيد بن ثَابت تسحرا، فَلَمَّا فرغا من سحورهما قَامَ نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى الصَّلَاة (فَصَلى) (5) . قَالَ: قُلْنَا لأنس: كم كَانَ بَين فراغهما من سحورهما ودخولهما فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: قدر مَا يقْرَأ الرجل خمسين آيَة ". الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن الْوِصَال فَقيل: يَا رَسُول الله، إِنَّك تواصل! فَقَالَ: إِنِّي لست مثلكُمْ، إِنِّي أطْعم وأسقى " (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (7) من هَذَا الْوَجْه " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن الْوِصَال، قَالُوا: إِنَّك تواصل! قَالَ: إِنِّي لست كهيئتكم إِنِّي أطْعم وأسقى " وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (8) ، وَعَائِشَة (9) ،   (1) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 84 - 85 رقم 703 - 704) . (2) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 450 - 451 رقم 2154 - 2155) . (3) تَكَرَّرت فِي «أ» . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (2 / 65 رقم 576) . (5) فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» : فَصَليَا. (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 214) . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 238 رقم 1962) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 774 رقم 1102) . (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 242 رقم 1965) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 774 رقم 1103) . (9) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 238 رقم 1964) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 776 رقم 1105) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 701 وَأنس (1) ، وَانْفَرَدَ بِهِ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ (2) ، وَقد ذكرتها فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» فَرَاجعهَا مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ قَالَ الرَّافِعِيّ (3) : وكراهية الْوِصَال كَرَاهِيَة تَحْرِيم؛ لظَاهِر النَّهْي ولمبالغة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي منع من وَاصل. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» (4) من حَدِيث أنس: «وَاصل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي آخر شهر رَمَضَان، فواصل نَاس من الْمُسلمين، فَبَلغهُ ذَلِك فَقَالَ: لَو مد لنا الشَّهْر لواصلنا وصالاً يدع (المتعمقون) (5) تعمقهم، إِنَّكُم لَسْتُم مثلي - أَو قَالَ: إِنِّي لست مثلكُمْ - إِنِّي أظل يطعمني رَبِّي ويسقيني ". و (فيهمَا) (6) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَنه لما نهَى عَن الْوِصَال، فَلَمَّا أَبَوا أَن ينْتَهوا عَنهُ وَاصل بهم يَوْمًا ثمَّ يَوْمًا ثمَّ رَأَوْا الْهلَال (فَقَالَ: (7) لَو تَأَخّر الْهلَال لزدتكم. كالمنكل لَهُم حِين أَبَوا أَن ينْتَهوا» وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «كالمنكر» بالراء (8) .   (1) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 238 رقم 1961) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 775 رقم 1104) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 238 رقم 1963) . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 214 - 215) . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (13 / 237 - 238 رقم 7241) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 776 رقم 1104 / 60) وَاللَّفْظ لَهُ. (5) فِي «أ، ل» : المعمقون. والمثبت من «م» و «صَحِيح مُسلم» . (6) فِي «أ، ل» : فِيهَا. والمثبت من «م» . والْحَدِيث فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 242 رقم 1965) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 774 رقم 1103 / 57) . (7) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل» ومصدري التَّخْرِيج. (8) قَالَ ابْن حجر فِي «الْفَتْح» (4 / 243) : وَوَقع فِيهَا عِنْد الْمُسْتَمْلِي: «كالمنكر» بالراء وَسُكُون النُّون - من الْإِنْكَار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 702 الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ أَجود النَّاس بِالْخَيرِ (1) ، وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان» (2) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (3) من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة فِي آخِره: " حِين يلقاه جِبْرِيل لله وَكَانَ جِبْرِيل لله يلقاه كل لَيْلَة فِي رَمَضَان حَتَّى يَنْسَلِخ، يعرض عَلَيْهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْقُرْآن فَإِذا لقِيه جِبْرِيل كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة ". فَائِدَة: «أَجود» رُوِيَ (وَكَانَ أجودُ) (4) بِرَفْع الدَّال ونصبها، وَالرَّفْع أَجود (5) وَقَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفضل السّلمِيّ الْمُفَسّر الْمُحدث الْفَقِيه الأصولي النَّحْوِيّ: (هُوَ) (6) بِالرَّفْع وَلَا يجوز نَصبه؛ لِأَن «مَا» مَصْدَرِيَّة مُضَافَة (إِلَى) (7) «أَجود» وَتَقْدِير الْكَلَام: وَكَانَ جوده الْكثير فِي رَمَضَان. وَإِذا (قيل: وَكَانَ جوده) (8) فِي رَمَضَان بِالنّصب عَلَى الْخَبَر لم يجز ذَلِك إِلَّا اتساعاً (وَهُوَ قَبِيح) (9) وَلَو قَدرنَا «مَا» نكرَة مُضَافَة لدخل فِي ذَلِك من يتَصَوَّر مِنْهُ الْجُود وَمن لَا يتَصَوَّر، وَذَلِكَ غير شَائِع فِي اللِّسَان. قَالَ (الْمُحب) (10) : وَيُمكن أَن   (1) زَاد فِي «أ» : الْمُرْسلَة. وَفِي «ل» : كَالرِّيحِ الْمُرْسلَة. (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 215) . (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 139 رقم 1902) وَاللَّفْظ لَهُ، و «صَحِيح مُسلم» (4 / 1803 رقم 2308) . (4) من «أ، ل» . (5) زَاد فِي «أ، ل» : وَقَوله كَالرِّيحِ. (6) فِي «م» : هَذَا. والمثبت من «أ، ل» . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (8) فِي «أ» : قيل وَكَانَ وجوده. وَفِي «م» : قيله فَكَانَ هُوَ وجوده. والمثبت من «ل» . (9) من «أ، ل» . (10) من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 703 يُقَال: يخص النكرَة باقتران الْجُود بهَا فَلَا يدْخل (فِيهَا) (1) إِلَّا من يتَصَوَّر مِنْهُ الْجُود وَحِينَئِذٍ يجوز النصب. قَالَ أَبُو عبد الله: وَالرَّفْع من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن تكون بَدَلا من (الْمُضمر) (2) بدل اشْتِمَال (كَقَوْلِك) (3) نَفَعَنِي زيد علمه (الغزير) (4) . وَالثَّانِي: أَن يكون مُبْتَدأ و «فِي رَمَضَان» خَبره، وَالْجُمْلَة خبر اسْم كَانَ الْمُضمر. وَالثَّالِث: (أَن) (5) يكون (هُوَ) (6) نَفسه اسْم كَانَ، وَالْخَبَر «فِي رَمَضَان» . (وَقَوله: كَالرِّيحِ) (7) الْمُرْسلَة: يَعْنِي فِي الْإِسْرَاع والعموم، قد جَاءَ فِي «مُسْند أَحْمد» (8) «وَهُوَ أَجود من الرّيح الْمُرْسلَة لَا يسْأَل عَن شَيْء إِلَّا أعطَاهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّهْر الَّذِي هلك بعده عرضه عَلَيْهِ عرضتين» وَحَكَى صَاحب «الْمطلب» فِي آخر قسم الصَّدقَات فِي ذَلِك وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه أسْرع إِلَى الْخَيْر من الرّيح تهب. (وَثَانِيهمَا: أَنه أَعم بِالْخَيرِ من) (9) غَيره؛ فخيره يعم الْبر والفاجر وكل أحدٍ، كَالرِّيحِ تهب عَلَى كل صعُود وهبوط، وخبيث وَطيب، وَرطب ويابس. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ " أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يلقى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي كل لَيْلَة (من) (10)   (1) من «م» . (2) فِي «أ، ل» : الضَّمِير. والمثبت من «م» . (3) فِي «أ، ل» : كَذَلِك. والمثبت من «م» . (4) فِي «ل» : الْعَزِيز. وَفِي «م» : الْقَرِيب. والمثبت من «أ» . (5) من «م» . (6) من «م» . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (8) «الْمسند» (1 / 326) . (9) تَكَرَّرت فِي «أ» . (10) فِي «أ، ل» : فِي. والمثبت من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 704 رَمَضَان (فيتدراسان) (1) الْقُرْآن " (2) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَهُوَ بعض من الحَدِيث الَّذِي قبله كَمَا (ترَاهُ) (3) . الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان ويواظب عَلَيْهِ " (4) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (5) من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى توفاه الله - عَزَّ وَجَلَّ - ثمَّ اعْتكف أَزوَاجه من بعده ". وَأَخْرَجَاهُ (6) أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعْتَكف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان» وَأَخْرَجَاهُ (7) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتكف الْعشْر الْأَوْسَط مَعَه ". الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من لم يدع قَول الزُّور   (1) فِي «أ، ل» : فيدارسان. والمثبت من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 215) . (3) فِي «أ، ل» : ستراه. والمثبت من «م» . (4) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 215) . (5) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 318 رقم 2026) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 831 رقم 1172 / 5) . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 318 رقم 2025) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 830 رقم 1172) . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 318 - 319 رقم 2027) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 824 - 827 رقم 1167) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 705 وَالْعَمَل بِهِ فَلَيْسَ لله حَاجَة فِي أَن يدع طَعَامه وَشَرَابه " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ (2) كَذَلِك مُنْفَردا بِهِ، وَزَاد بعد: " وَالْعَمَل بِهِ ": " وَالْجهل ". خرجه هُنَا، وَفِي الْأَدَب من " صَحِيحه " (3) ، وَرَوَاهُ أَيْضا أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة (4) . وَقَالَ ابْن تَيْمِية فِي «الْمُنْتَقَى» (5) : لم يروه النَّسَائِيّ وَهُوَ غَرِيب. وَمِمَّنْ عزاهُ إِلَى النَّسَائِيّ ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» . الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " الصّيام جُنة، فَإِذا كَانَ أحدكُم صَائِما فَلَا يرْفث وَلَا يجهل، فَإِن امْرُؤ شاتمه أَو قَاتله فَلْيقل إِنِّي صَائِم " (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (7) مُخْتَصرا بِلَفْظ: " إِذا أصبح أحدكُم يَوْمًا صَائِما فَلَا يرْفث، وَلَا يجهل، فَإِن امْرُؤ شاتمه أَو قَاتله فَلْيقل: إِنِّي صَائِم " وَأَخْرَجَاهُ (8) أَيْضا فِي أثْنَاء حَدِيث   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 215) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 139 رقم 1903) بِدُونِ الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة. (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (10 / 488 رقم 6057) بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة. (4) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 150 رقم 2354) و «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 87 رقم 707) و «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 138 - 239 رقم 3245 - 3248) و «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 539 رقم 1689) . (5) «نيل الأوطار» (4 / 207) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 215) . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 125 رقم 1894) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 806 رقم 1151 / 160) وَاللَّفْظ لَهُ، وَفِيه " إِنِّي صَائِم " مرَّتَيْنِ. (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 141 رقم 1904) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 807 رقم 1151 / 163) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 706 طَوِيل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " قَالَ الله: كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصّيام فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ. وَالصِّيَام جنَّة، فَإِذا كَانَ يَوْم صَوْم أحدكُم فَلَا يرْفث يَوْمئِذٍ وَلَا يصخب، فَإِن (سابه) (1) أحد أَو قَاتله فَلْيقل: إِنِّي امْرُؤ صَائِم، إِنِّي صَائِم. وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله عَزَّ وَجَلَّ - زَاد مُسلم: " يَوْم الْقِيَامَة " - من ريح الْمسك، وللصائم فرحتان يفرحهما إِذا أفطر فَرح بفطره، وَإِذا لَقِي الله - تبَارك وَتَعَالَى - فَرح بصومه ". فَائِدَة: قَوْله: " الصّيام جنَّة " أَي: ستر من النَّار ومانع. و " الرَّفَث ": الْكَلَام الْقَبِيح. و " الصخب ": الصياح. و " لَا يجهل ": وَلَا يقل قَول أهل الْجَهْل من رفث الْكَلَام وَشبهه. وَمَعْنى " شاتمه ": شَتمه (متعارضاً بمشاتمته) (2) . وَاخْتلفُوا فِي قَوْله: " فَلْيقل إِنِّي صَائِم ": هَل يَقُوله بِلِسَانِهِ أَو بِقَلْبِه، أَو يجمع بَينهمَا، أَو يفرق بَين الْفَرْض والتطوع؟ عَلَى آراء، وَقد ذكرتها فِي «شرح الْمِنْهَاج» وَغَيره، فَرَاجعهَا مِنْهُ إِن شِئْت. وَجزم بِالثَّانِي ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (3) مستدلاًّ بِمَا أخرجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: " لَا تسابَّ وَأَنت صَائِم وَإِن سَابَّك أحَدٌ فَقل: إِنِّي صَائِم، وَإِن كنت قَائِما فاجلس ". الحَدِيث التَّاسِع بعد (الثَّلَاثِينَ) (4) عَن خباب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " إِذا صمتم فاستاكوا بِالْغَدَاةِ، وَلَا   (1) فِي «ل، م» : شاتمه. والمثبت من «أ» ومصدري التَّخْرِيج. (2) فِي «أ، ل» : متعرضاً لشاتمه. والمثبت من «م» . (3) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 259 رقم 3483) . (4) فِي «أ» : الْأَرْبَعُونَ. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 707 تستاكوا بالْعَشي، فَإِنَّهُ لَيْسَ من صَائِم تيبس شفتاه بالْعَشي إِلَّا كَانَتَا نورا بَين عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " (1) . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (2) ثمَّ الْبَيْهَقِيّ (3) كَذَلِك وضعفاه بِسَبَب كيسَان [أبي] (4) عمر [الْقصار] (5) رَاوِيه عَن عَمْرو بن عبد الرَّحْمَن، عَن خباب وَقَالا: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ يَحْيَى: ضَعِيف الحَدِيث. وَضَعفه أَيْضا السَّاجِي فِي «كِتَابه» وروياه (6) عَن عَلّي مَوْقُوفا كَذَلِك وَفِي إِسْنَاده كيسَان الْمَذْكُور، عَن يزِيد بن بِلَال، عَن عَلّي. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وكيسان لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَمن بَينه وَبَين عَلّي غير مَعْرُوف - يَعْنِي يزِيد بن بِلَال. وَقد وهاه الْأَزْدِيّ وَابْن حبَان (7) وَقَالا: إِنَّه مُنكر الحَدِيث. قَالَ ابْن حبَان (8) : يروي عَن عَلّي مَا لَا يشبه حَدِيثه، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد، وَإِن اعْتبر بِهِ مُعْتَبر فِيمَا وَافق الثِّقَات من غير أَن يحْتَج بِهِ لم أر بِهِ بَأْسا. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يصبح جنبا من جماع أَهله ثمَّ يَصُوم " (9) .   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 215) . (2) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 204 رقم 8) . (3) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 274) . (4) فِي «أ، ل» : بن. وَفِي «م» : إِلَى. والمثبت هُوَ الصَّوَاب، وكيسان أَبُو عمر الْقصار مولَى يزِيد بن بِلَال بن الْحَارِث الْفَزارِيّ تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (24 / 242 - 243) . (5) فِي «أ، ل، م» : القصاب. انْظُر تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (3 / 27 رقم 2809) . (6) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 204 رقم 7) و «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 274) . (7) «الْمَجْرُوحين» (3 / 105) . (8) «الْمَجْرُوحين» (3 / 105) . (9) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 216) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 708 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (1) من حَدِيث عَائِشَة (وَأم سَلمَة) (2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما " أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يصبح جنبا من جماع غير احْتِلَام ثمَّ يَصُوم فِي رَمَضَان " وَمن حَدِيث أم سَلمَة (3) أَيْضا قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصبح جنبا من جماع لَا حلم ثمَّ لَا يفْطر " زَاد مُسلم: ( " وَلَا يقْضِي " وَفِي رِوَايَة " (4) لِابْنِ حبَان (5) من حَدِيث عَائِشَة: " كَانَ يصبح جنبا من طروقه ثمَّ يَصُوم ". الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من أصبح جنبا فَلَا صَوْم لَهُ " (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (7) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (وَهُوَ مذْهبه) (8) ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك لما أخبر عَن عَائِشَة وَأم سَلمَة " بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام (كَانَ) (9) يصبح جنبا من غير حلم ثمَّ يَصُوم ". وَقَالَ: سَمِعت ذَلِك من الْفضل وَلم أسمعهُ من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ (10) : روينَا   (1) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 169 - 170 رقم 1925، 1926) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 780 - 781 رقم 1109 / 78) . (2) من «أ، ل» . (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 182 رقم 1932) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 780 - رقم 1109 / 77) . (4) تَكَرَّرت فِي «أ، ل» . (5) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 267 رقم 3493، 3494) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 216) . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 169 - 170 رقم 1925، 1926) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 779 - 780 رقم 1109 / 75) . (8) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (9) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (10) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 215) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 709 عَن ابْن الْمُنْذر أَنه قَالَ: أحسن مَا سَمِعت فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مَنْسُوخ؛ لِأَن الْجِمَاع فِي أول الْإِسْلَام كَانَ محرما عَلَى الصَّائِم فِي اللَّيْل بعد النّوم كالطعام وَالشرَاب، فَلَمَّا أَبَاحَ الله - تَعَالَى - الْجِمَاع إِلَى طُلُوع الْفجْر جَازَ للْجنب إِذا أصبح قبل الِاغْتِسَال أَن يَصُوم، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُفْتِي بِمَا سَمعه من الْفضل بن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى الْأَمر الأول، وَلم يعلم النّسخ، فَلَمَّا سمع خبر عَائِشَة وَأم سَلمَة رَجَعَ إِلَيْهِ، وَأجَاب الرَّافِعِيّ (1) فِي الْكتاب وَغَيره بِأَنَّهُ مَحْمُول عِنْد الْأَئِمَّة عَلَى مَا إِذا أصبح مجامعاً واستدامه مَعَ علمه بِالْفَجْرِ. وَأجَاب ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» بِحمْلِهِ عَلَى من أجنب من الْجِمَاع بعد طُلُوع الْفجْر، وَفِيه بعد. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين عَن معَاذ: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا أفطر قَالَ: اللَّهُمَّ لَك صمت وَعَلَى رزقك أفطرت " (2) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» (3) بِهَذَا اللَّفْظ عَن مُسَدّد، نَا هشيم، عَن حُصَيْن، عَن معَاذ بن زهرَة أَنه بلغه " أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ إِذا أفطر قَالَ ... " (فَذكره) (4) وَهَذَا إِسْنَاد حسن لكنه مُرْسل؛ معَاذ بن زهرَة لم يدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَأخرجه الْبَغَوِيّ فِي «شرح السّنة» (5) كَذَلِك وَلم يذكر فِيهِ أَنه بلغه، وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مُتَّصِلا أَيْضا، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (6) من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَقَالَ: " صمنا وأفطرنا " بدل:   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 216) . (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 216) . (3) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 149 رقم 2350) . (4) فِي «أ، ل» : ذكره. والمثبت من «م» . (5) «شرح السّنة» (6 / 265 رقم 1741) . (6) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 185 رقم 26) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 710 " صمت وَأَفْطَرت " وَزَاد فِي آخِره: " فَتقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (1) بِلَفْظ: " كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أفطر قَالَ: لَك صمت وَعَلَى رزقك أفطرت " وَفِي إسنادهما عبد الْملك بن هَارُون (2) ، وَقد ضَعَّفُوهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ وَأَبوهُ ضعيفان. وَقَالَ يَحْيَى (3) : عبد الْملك كَذَّاب. زَاد السَّعْدِيّ: دجال. وَقَالَ ابْن حبَان: وَضاع. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: عبد الْملك بن أبي عَمْرو حَتَّى لَا يعرف. وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» (4) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ثمَّ بيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ، و (استغربه) (5) النَّوَوِيّ وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف. وَقد ذكرته فِي تخريجي (لأحاديثه) (6) مُسْندًا فاستفده مِنْهُ. فَائِدَة: فِي «سنَن أبي دَاوُد» (7) ، وَالنَّسَائِيّ (8) ، و «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» (9) ، و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (10) من حَدِيث ابْن عمر (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ:) (11) " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا أفطر قَالَ: ذهب الظمأ وابتلت الْعُرُوق، وَثَبت الْأجر إِن شَاءَ الله - تَعَالَى " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.   (1) «المعجم الْكَبِير» (12 / 146 رقم 12720) . (2) تَرْجَمته فِي «ميزَان الِاعْتِدَال» (2 / 666 - 667 رقم 5259) . (3) زَاد فِي «م» : بن. وَهُوَ خطأ، فيحيى هُوَ ابْن معِين، وَعبد الْملك هُوَ ابْن هَارُون بن عنتر. (4) «الْمُهَذّب» (1 / 187) . (5) فِي «أ، ل» : أستغرب. والمثبت من «م» وَقَول النَّوَوِيّ فِي «الْمَجْمُوع» (6 / 382) . (6) فِي «أ، ل» : لأحاديث. والمثبت من «م» وَمَعْنَاهُ أَي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب. (7) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 148 - 149 رقم 2349) . (8) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 255 رقم 3329، 6 / 82 رقم 10131) . (9) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 422) . (10) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 185 رقم 25) . (11) من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 711 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " إِن الله وضع عَن الْمُسَافِر الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة " (1) . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين: إِحْدَاهمَا: عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: " قدمت عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ لي: (أَلا تنْتَظر) (2) الْغَدَاء يَا أَبَا أُميَّة؟ قلت: إِنِّي صَائِم (ثمَّ قَالَ) (3) : تعال أخْبرك عَن الْمُسَافِر، إِن الله وضع عَنهُ يَعْنِي: الصّيام وَنصف الصَّلَاة " رَوَاهُ النَّسَائِيّ (4) . ثَانِيهمَا: عَن أنس بن مَالك الكعبي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: " إِن الله وضع شطر الصَّلَاة عَن الْمُسَافِر، وأرخص لَهُ فِي الْإِفْطَار، وأرخص فِيهِ للمرضع والحبلى إِذا خافتا عَلَى ولديهما " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (5) ، وَهَذَا لَفظه، وَفِي آخر لَهُ: " إِن الله (وضع) (6) شطر الصَّلَاة عَن الْمُسَافِر، وَوضع عَنهُ الصَّوْم، وَوضع عَن الْحَامِل والمرضع الصّيام. وَالله لقد قالهما رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كليهمَا، أَو (أَحدهمَا) (7) وَالتِّرْمِذِيّ (8) ، وَلَفظه: " إِن الله وضع عَن الْمُسَافِر [الصَّوْم و] (9) شطر الصَّلَاة، وَعَن الْحَامِل أَو الْمُرْضع الصَّوْم [أَو   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 217) . (2) فِي «أ» : لَا تنظر. وَفِي «ل» : لَا تنْتَظر. والمثبت من «م» و «سنَن النَّسَائِيّ» . (3) فِي «سنَن النَّسَائِيّ» : فَقَالَ. (4) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 490 رقم 2267) . (5) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 169 - 170 رقم 2400) . (6) سَقَطت من «أ» والمثبت من «ل، م» . (7) فِي «أ، ل» : إِحْدَاهمَا. والمثبت من «م» . (8) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 94 - 95 رقم 715) . (9) من «جَامع التِّرْمِذِيّ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 712 الصّيام] (1» . وَالنَّسَائِيّ (2) وَلَفظه كَمَا فِي الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَفِي آخر لَهُ (3) : " إِن الله وضع عَن الْمُسَافِر الصَّوْم وَنصف (الصَّلَاة) (4) وَرخّص للحبلى والمرضع ". وَفِي آخر لَهُ (5) : " إِن الله وضع عَن الْمُسَافِر (6) الصَّلَاة - يَعْنِي نصفهَا - وَالصَّوْم وَعَن الحبلى والمرضع " وَابْن مَاجَه (7) وَلَفظه: " إِن الله وضع عَن الْمُسَافِر شطر الصَّلَاة، وَعَن الْمُسَافِر وَالْحَامِل والمرضع الصَّوْم، أَو الصّيام. وَالله لقد (قالهما) (8) النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كلتاهما أَو (إِحْدَاهمَا) (9» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (10) بِلَفْظ الْكتاب وَزِيَادَة: " وَعَن الحبلى أَو الْمُرْضع " وَالْبَيْهَقِيّ (11) وَلَفظه كَلَفْظِ النَّسَائِيّ الثَّانِي إِلَّا أَنه قَالَ: «شطر» بدل «نصف» . وَرَوَاهُ فِي «خلافياته» بِلَفْظ: " إِن الله وضع عَن الْمُسَافِر وَالْحَامِل والمرضع الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة " قَالَ التِّرْمِذِيّ (12) : هَذَا حَدِيث حسن، وَلَا نَعْرِف لأنس هَذَا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غير هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ عبد الْحق (13) : فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اخْتِلَاف كثير. قلت: سنداً ومتناً. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» : اخْتلف   (1) من «جَامع التِّرْمِذِيّ» . (2) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 492 رقم 2275) . (3) (4 / 492 رقم 2276) من حَدِيث أبي قلَابَة عَن رجل. (4) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل) . (5) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 491 رقم 2273) . (6) زَاد فِي «ل» : شطر. (7) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 533 رقم 1667) . (8) فِي «أ، ل» قَالَهَا. والمثبت من «م» و «سنَن ابْن مَاجَه» . (9) فِي «أ، ل» : أَحدهمَا. والمثبت من «م» و «سنَن ابْن مَاجَه» . (10) «الْمسند» (5 / 29) . (11) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 231) . (12) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 95) . (13) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 234) . وَلَكِن ذكر الحَدِيث عَن عبد الله بن الشخير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 713 فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث (اخْتِلَاف كثير) (1) ، وَفِي اسْم (رَاوِيه) (2) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» (3) : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ، وَالصَّحِيح أنس بن مَالك (الْقشيرِي) (4) . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خرج عَام الْفَتْح إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان فصَام حَتَّى بلغ كرَاع الغميم فصَام النَّاس، ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء فرفعه حَتَّى نظر النَّاس ثمَّ شرب، فَقيل لَهُ بعد ذَلِك: إِن بعض النَّاس قد صَامَ. فَقَالَ: أُولَئِكَ العصاة، أُولَئِكَ العصاة " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (6) من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سقته لَك، وَفِي رِوَايَة لَهُ (7) : «فَقيل: إِن النَّاس قد شقّ عَلَيْهِم الصّيام، وَإِنَّمَا ينظرُونَ فِيمَا فعلت. فَدَعَا بقدح من مَاء بعد الْعَصْر» . والرافعي (8) ذكره (بعد) (9) مُخْتَصرا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَاحْتج الْمُزنِيّ بِجَوَاز الْفطر للْمُسَافِر بعد أَن أصبح صَائِما مُقيما " بِأَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صَامَ فِي مخرجه إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان حَتَّى بلغ كرَاع الغميم ثمَّ أفطر " (وَبَنَى هَذَا) (10)   (1) كَذَا فِي «أ، ل، م» وَالصَّوَاب: اخْتِلَافا كثيرا. (2) فِي «م» : رُوَاته. والمثبت من «أ، ل» . (3) «علل ابْن أبي حَاتِم» (1 / 266 رقم 784) . (4) فِي «ل» : الْعَنزي. والمثبت من «أ، م» و «علل ابْن أبي حَاتِم» . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 217) . (6) «صَحِيح مُسلم» (2 / 785 رقم 1114 / 90) . (7) «صَحِيح مُسلم» (2 / 785 رقم 1114 / 91) . (8) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 217) . (9) من «م» . (10) فِي «أ، ل» : فَهَذَا. والمثبت من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 714 الِاحْتِجَاج عَلَى ظَنّه أَن ذَلِك كَانَ فِي يَوْم وَاحِد. قَالَ الْأَصْحَاب: وَهُوَ وهم؛ فَإِن بَين الْمَدِينَة وكراع الغميم ثَمَانِيَة أَيَّام، وَالْمرَاد من الحَدِيث أَنه صَامَ أَيَّامًا فِي سَفَره، ثمَّ أفطر. وَقيل: إِن الْمُزنِيّ تبين لَهُ ذَلِك فَرجع عَن هَذَا الِاحْتِجَاج وَإِن لم يرجع عَن مذْهبه. هَذَا لَفظه، وَذكر غَيره أَن كرَاع الغميم عِنْد عسفان، وَأَن بَينه وَبَين الْمَدِينَة نَحْو سَبْعَة أَيَّام، أَو ثَمَانِيَة. وَعبارَة بَعضهم أَنه وادٍ أَمَام عُسفان بِثمَانِيَة أَمْيَال، وَعبارَة الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» (1) : كُراع - بِضَم أَوله وبعين مُهْملَة فِي آخِره - منزل من منَازِل بني عبس. وَقَالَ (2) فِي رسم العقيق: الغميم: وادٍ، والكراع: جبل أسود عَن يسَار الطَّرِيق شَبيه بِالْكُرَاعِ. وَقَالَ صَاحب «الْمطَالع» : كرَاع الغميم: بِفَتْح الْغَيْن وَكسر الْمِيم، وبضم الْغَيْن أَيْضا وَفتح الْمِيم. وَفرق الْحَازِمِي بَينهمَا فِي «أَسمَاء الْأَمَاكِن» ، فَقَالَ: هُوَ بِفَتْح الْغَيْن، مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، لَهُ ذكر فِي الحَدِيث والمغازي، وَبِضَمِّهَا وبفتح الْمِيم: وادٍ فِي ديار حَنْظَلَة من بني تَمِيم. وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ (3) من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان (فصَام) (4) حَتَّى بلغ (الكديد) (5) أفطر فَأفْطر النَّاس ". قَالَ أَبُو عبد الله: (الكديد) (6) مَاء بَين عسفان وقديد. وَفِي رِوَايَة (7) لَهُ: " خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة (فصَام) (8)   (1) «مُعْجم مَا استعجم» (4 / 14) . (2) «مُعْجم مَا استعجم» (3 / 216) . (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 213 رقم 1944) . (4) سَقَطت من «م» وَفِي «أ» : فَقَامَ. والمثبت من «ل» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . (5) فِي «أ، ل» : الكدية. والمثبت من «م» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . (6) فِي «أ، ل» : الكدية. والمثبت من «م» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 220 رقم 1948) . (8) سَقَطت من «م» وَفِي «أ» : فَقَامَ، والمثبت من «ل» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 715 حَتَّى بلغ عُسفان، ثمَّ دَعَا بِمَا فرفعه إِلَى (فِيهِ يرِيه) (1) النَّاس فَأفْطر حَتَّى قدم مَكَّة، وَذَلِكَ فِي رَمَضَان، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: قد صَامَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأفْطر، فَمن شَاءَ صَامَ، وَمن شَاءَ أفطر ". فَائِدَة: (هَذَا) (2) الَّذِي وَقع للمزني رَأَيْته فِي الْبُوَيْطِيّ أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: «من أصبح فِي حضر صَائِما ثمَّ سَافر فَلَيْسَ لَهُ أَن يفْطر " إِلَّا أَن يثبت حَدِيث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه أفطر يَوْم (الكديد) (3» انْتَهَى. وَهُوَ وكراع الغميم متقاربان. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أفطر بعد الْعَصْر بكراع الغميم بقدح مَاء لما قيل: إِن النَّاس (شقّ) (4) عَلَيْهِم الصّيام " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سقناه أَيْضا من حَدِيث جَابر. الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: " غزونا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لست عشرَة مَضَت من رَمَضَان، فمنا من صَامَ، وَمنا من أفطر، فَلم يعب الصَّائِم عَلَى الْمُفطر، وَلَا الْمُفطر عَلَى الصَّائِم " (6) هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (7) كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ (8) .   (1) فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» : يَده ليراه. (2) من «م» . (3) فِي «أ، ل» : الكدية. والمثبت من «م» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . (4) فِي «أ» و «الشَّرْح الْكَبِير» يشق. والمثبت من «م، ل» . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 218) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 218) . (7) «صَحِيح مُسلم» (2 / 786 رقم 1116 / 93) . (8) «صَحِيح مُسلم» (2 / 787 رقم 1116 / 96) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 716 " (يرَوْنَ) (1) أَن من وجد قُوَّة فصَام إِن ذَلِك حسن، ويرون أَن من وجد ضَعفاً فَأفْطر، فَإِن ذَلِك حسن " وَفِي رِوَايَة لَهُ (2) : " لثمان عشرَة خلت " وَفِي أُخْرَى لَهُ (3) : " فِي ثِنْتَيْ عشرَة "، وَفِي أُخْرَى لَهُ (4) : " لسبع عشرَة أَو تسع عشرَة ". الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لِحَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ: " إِن شِئْت فَصم، وَإِن شِئْت فَأفْطر " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (6) من حَدِيث عَائِشَة «أَن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ سَأَلَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أَصوم فِي السّفر؟ - وَكَانَ كثير الصّيام - فَقَالَ: إِن (شِئْت) (7) فَصم، وَإِن شِئْت فَأفْطر ". وَفِي رِوَايَة (8) : " إِنِّي أسرد الصَّوْم " وَفِي رِوَايَة (9) : " سَأَلَهُ عَن صَوْم السّفر ". وَادَّعَى ابْن   (1) فِي «أ، ل» : يروي. والمثبت من «م» . و «صَحِيح مُسلم» . (2) «صَحِيح مُسلم» (2 / 787 رقم 1116 / 94) . (3) «صَحِيح مُسلم» (2 / 787 رقم 1116 / 94) . (4) «صَحِيح مُسلم» (2 / 787 رقم 1116 / 94) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 218) . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 211 رقم 1943) وَاللَّفْظ لَهُ و «صَحِيح مُسلم» (2 / 789 - رقم 1121 / 103) . (7) فِي «أ» : سم. والمثبت من «ل، م» . ومصدري التَّخْرِيج. (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 211 رقم 1942) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 789 - رقم 1121 / 104، 105) . (9) لم أَجِدهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَالله أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 717 (حزم) (1) أَنه إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن التَّطَوُّع لرِوَايَة " إِنِّي أسرد الصَّوْم " وَلَيْسَ كَمَا ذكره فَفِي سنَن أبي دَاوُد (2) أَنه سَأَلَهُ عَن الْفَرْض، وأعلها ابْن حزم بِمَا رددت عَلَيْهِ فِي «تحفة الْمُحْتَاج إِلَى أَدِلَّة الْمِنْهَاج» (3) فراجع ذَلِك مِنْهُ. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ زمَان غَزْوَة تَبُوك فَمر بِرَجُل فِي ظلّ شجر يرش المَاء عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا بَال هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِم. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر " (4) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه، وَلَفظ البُخَارِيّ (5) ، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سفر فَرَأَى زحاماً و [رجلا] (6) قد ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِم. قَالَ: لَيْسَ من الْبر الصَّوْم فِي السّفر ". وَلَفظ مُسلم (7) : " فَرَأَى رجلا قد اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس، وَقد ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: رجل صَائِم. فَقَالَ لله: لَيْسَ [من] (8) الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر " وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان (9) من حَدِيث (عمَارَة بن غزيَّة، عَن مُحَمَّد) (10) بن عبد   (1) فِي «أ، ل» : حَمْزَة. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «م» وتلخيص الحبير» وَانْظُر قَول ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» (6 / 253) . (2) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 167 - 168 رقم 2395) . (3) «تحفة الْمُحْتَاج» (116 - 117) . (4) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 218 - 219) . (5) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 216 رقم 1946) . (6) فِي «أ، ل، م» : رجل. والمثبت من «صَحِيح البُخَارِيّ» . (7) «صَحِيح مُسلم» (2 / 786 رقم 1115) . (8) من «صَحِيح مُسلم» . (9) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 321 - 322 رقم 3553) . (10) فِي «أ، ل» : الْمجد. والمثبت من «م» و «صَحِيح ابْن حبَان» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 718 الرَّحْمَن بن زُرارة، عَن جَابر، قَالَ: " خرجنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي تَبُوك و [كَانَت] (1) تُدعَى غَزْوَة [الْعسرَة] (2) فَبَيْنَمَا (رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يسير) (3) بَعْدَمَا أَضْحَى [النَّهَار] (4) فَإِذا هُوَ بِرَجُل تَحت ظلّ شَجَرَة، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله [رجل] (5) صَامَ فجهده الصَّوْم. فَقَالَ لله: لَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» (6) من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ، حَدثنِي يَحْيَى ابْن أبي كثير، قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: أَخْبرنِي جَابر بن عبد الله " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مر بِرَجُل فِي ظلّ شَجَرَة يرش عَلَيْهِ المَاء، فَقَالَ: مَا بَال صَاحبكُم؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، صَائِم. قَالَ: إِنَّه لَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر، وَعَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم (فاقبلوها) (7» . قَالَ ابْن الْقطَّان (8) : وإسنادها صَحِيح مُتَّصِل. قلت: وَمُحَمّد هَذَا الْوَاقِع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ هُوَ (ابْن) (9) ثَوْبَان. كَذَا ذكرُوا هَذَا الحَدِيث فِي (تَرْجَمته) (10) . وَقَالَ النَّسَائِيّ: لم يسمعهُ من جَابر، وَوَقع فِي «صَحِيح ابْن حبَان» : ابْن زُرَارَة، كَمَا سلف وَهُوَ مُمكن؛ لِأَنَّهُ فِي الطَّبَقَة. وَفِي مُسلم (11) قَالَ شُعْبَة: وَكَانَ يبلغنِي عَن يَحْيَى بن أبي كثير أَنه كَانَ   (1) فِي «أ، ل، م» : كَانَ. والمثبت من «صَحِيح ابْن حبَان» . (2) فِي «أ، ل، م» : الْعَشِيرَة. وَكتب فَوْقهَا فِي «م» : الْعسرَة. والمثبت من «صَحِيح ابْن حبَان» . (3) فِي «صَحِيح ابْن حبَان) : نسير. (4) من «صَحِيح ابْن حبَان» . (5) من «صَحِيح ابْن حبَان» . (6) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 486 - 487 رقم 2257) . (7) فِي «أ» : فاقبلوا. والمثبت من «م، ل» و «سنَن النَّسَائِيّ» . (8) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (2 / 579) . (9) من «م» . (10) فِي «أ، ل» : ترجمتهم. والمثبت من «م» . (11) «صَحِيح مُسلم» (2 / 786 رقم 1115) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 719 يزِيد فِي هَذَا الحَدِيث أَنه قَالَ: " عَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم " قَالَ: (فَلَمَّا) (1) سَأَلته لم يحفظه. قلت: وَهَذَا الْبَلَاغ قَدمته من رِوَايَة النَّسَائِيّ مُسْندًا من غير طَرِيق شُعْبَة، عَن يَحْيَى فاستفدها. فَائِدَة: فِي «مُسْند أَحْمد» (2) و «مُعْجم الطَّبَرَانِيّ» (3) من حَدِيث كَعْب ابْن عَاصِم مَرْفُوعا: " لَيْسَ من امبر (4) (امصيام) (5) فِي امسفر ". الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَمر النَّاس بِالْفطرِ عَام الْفَتْح وَقَالَ: تقووا لعدوكم " (6) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (7) من حَدِيث قزعة قَالَ: " أتيت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ وَهُوَ مكثور عَلَيْهِ، فَلَمَّا تفرق النَّاس عَنهُ قلت: [إِنِّي] (8) لَا أَسأَلك عَمَّا يَسْأَلك هَؤُلَاءِ (عَنهُ) (9) فَسَأَلته عَن الصَّوْم فِي   (1) فِي «أ، ل» : قد. والمثبت من «م» و «صَحِيح مُسلم» . (2) «الْمسند» (5 / 434) . (3) «المعجم الْكَبِير» (19 / 172 رقم 387) . (4) قَالَ ابْن حجر فِي «التَّلْخِيص» (2 / 393) : وَهَذِه لُغَة لبَعض أهل الْيمن، يجْعَلُونَ لَام التَّعْرِيف ميماً، وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خَاطب بهَا هَذَا الْأَشْعَرِيّ كَذَلِك لِأَنَّهَا لغته، وَيحْتَمل أَن يكون الْأَشْعَرِيّ هَذَا نطق بهَا عَلَى مَا ألف من لغته، فحملها عَنهُ الرَّاوِي عَنهُ، وأداها بِاللَّفْظِ الَّذِي سَمعهَا بِهِ، وَهَذَا الثَّانِي أوجه عِنْدِي، وَالله أعلم. (5) فِي «أ، ل» : صِيَام. والمثبت من «م» ومصدري التَّخْرِيج. (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 219) . (7) «صَحِيح مُسلم» (2 / 789 رقم 1120) . (8) من «صَحِيح مُسلم» . (9) من «م» و «صَحِيح مُسلم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 720 السّفر، فَقَالَ: سافرنا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى مَكَّة وَنحن صِيَام، قَالَ: فنزلنا منزلا فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنَّكُم قد دنوتم من عَدوكُمْ وَالْفطر أَقْوَى لكم. فَكَانَت رخصَة، فمنا من صَامَ وَمنا من أفطر، ثمَّ نزلنَا منزلا آخر فَقَالَ: إِنَّكُم مصبحو عَدوكُمْ وَالْفطر أَقْوَى لكم فأفطروا. فَكَانَت عَزمَة فأفطرنا. ثمَّ [قَالَ] (1) لقد رَأَيْتنَا نَصُوم بعد ذَلِك مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي السّفر ". الحَدِيث الْخَمْسُونَ " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (سُئِلَ) (2) عَن قَضَاء رَمَضَان، فَقَالَ: إِن شَاءَ فرقه، وَإِن شَاءَ تَابعه " (3) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه) (4) من حَدِيث سُفْيَان بن بشر، ثَنَا عَلّي بن مسْهر، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (قَالَ فِي قَضَاء رَمَضَان: إِن شَاءَ فرق، وَإِن شَاءَ تَابع) . ثمَّ قَالَ: لم يسْندهُ غير سُفْيَان بن بشر. قَالَ: وَرَوَى (5) عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) (6) مثله. وَعَن عَطاء عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مثله، قَالَ: وَفِي إِسْنَاد حَدِيث عبيد بن عُمَيْر: عبد الله بن خرَاش، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: وَرَوَى «7) عَن (عبد الله بن) (8) عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه قَالَ: " فرق قَضَاء رَمَضَان، إِنَّمَا قَالَ الله: (فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرٌ) (9) وَفِي   (1) من «صَحِيح مُسلم» . (2) سَقَطت من «أ» والمثبت من «ل، م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 221) . (4) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 193 رقم 74) . (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 193 رقم 75) . (6) تَكَرَّرت فِي «أ» . (7) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 194 رقم 76) . (8) لَيست فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (9) الْبَقَرَة: 184، 185. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 721 إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: وَرَوَى (1) عَنهُ مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده الْوَاقِدِيّ وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ وَرَوَى (2) عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: " بَلغنِي أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سُئِلَ عَن تقطيع قَضَاء صِيَام شهر رَمَضَان، فَقَالَ: ذَلِك إِلَيْك، أَرَأَيْت (3) لَو كَانَ عَلَى أحدكُم دين فَقَضَى الدِّرْهَم وَالدِّرْهَمَيْنِ ألم يكن قَضَاء؟ فَالله أَحَق أَن يعْفُو - أَو يغْفر ". ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده حسن إِلَّا أَنه مُرْسل. قَالَ: وَقد وَصله (غير) (4) أبي بكر، عَن يَحْيَى بن سليم، وَلَا يثبت مُتَّصِلا. وَرَوَاهُ (5) عَن جَابر مَرْفُوعا بِمثل حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر. وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (6) حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، وَنقل (كَلَام) (7) الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَمن وَجه آخر عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا فِي جَوَاز التَّفْرِيق وَلَا يَصح شَيْء من ذَلِك. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فصحح فِي «تَحْقِيقه» (8) حَدِيث ابْن عمر السالف أَولا فَإِنَّهُ ذكر عقب قَول الدَّارَقُطْنِيّ: " لم يسْندهُ غير سُفْيَان بن بشر " قُلْنَا: مَا عرفنَا أحدا طعن فِيهِ، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة. وَأما ابْن الْقطَّان (9) فَقَالَ: سُفْيَان هَذَا غير مَعْرُوف الْحَال. وَأعله أَيْضا بِعَبْد الْبَاقِي بن قَانِع شيخ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد قدم عبد الْحق تَضْعِيفه واختلاطه قبل مَوته بِسنة وَترك أَصْحَاب الحَدِيث لَهُ، وَابْن   (1) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 198 رقم 62) عَن عبد الله بن عَمْرو. (2) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 194 رقم 77) . (3) زَاد فِي «م» : أَن. (4) فِي «م» : عَن. والمثبت من «أ، ل» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 194 رقم 78) . (6) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 259) . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (8) «التَّحْقِيق» (2 / 99 رقم 1130) . (9) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (3 / 214) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 722 الْجَوْزِيّ نَفسه ذكر عبد الْبَاقِي هَذَا فِي «كتاب الضُّعَفَاء» (1) وَنقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي حَقه إِنَّه كَانَ يُخطئ كثيرا ويصر عَلَى الْخَطَأ. الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من كَانَ عَلَيْهِ صَوْم من رَمَضَان فليسرده وَلَا يقطعهُ " (2) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (3) من ثَلَاث طرق عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء، ومدارها عَلَى عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم (القَاضِي) (4) الْكرْمَانِي وَفِيه مقَال، قَالَ أَحْمد (5) : لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين (6) مرّة: ثِقَة. وَمرَّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو زرْعَة (7) : لَا بَأْس بِهِ، أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَحَكَى البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» (8) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (9) فِي نَفْس هَذَا الحَدِيث عَن حبَان بن هِلَال رَاوِيه عَنهُ أَنه ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي فِي «كَامِله» (10) وَذكر حَدِيثا لعبد الرَّحْمَن هَذَا عَن الْعَلَاء (بن) (11) عبد الرَّحْمَن: هَذَا قد رَوَى عَن الْعَلَاء غير هَذَا الحَدِيث، وَلم يتَبَيَّن فِي حَدِيثه   (1) «الضُّعَفَاء والمتروكون» (2 / 82 رقم 1810) . (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 221) . (3) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 191 - 192 رقم 57، 58، 59) . (4) كَذَا فِي «أ، ل، م» وَفِي كتب التراجم و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» : الْقَاص. (5) «ميزَان الِاعْتِدَال» (2 / 545 رقم 4803) . (6) «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (5 / 211) . (7) «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (5 / 211) . (8) «التَّارِيخ الْكَبِير» (5 / 257) . (9) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 191 رقم 57) . (10) «الْكَامِل» (5 / 501 رقم 1135) . (11) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 723 ورواياته حَدِيث مُنكر فأذكره بِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (1) : (هَذَا حَدِيث لَا يَصح) (2) ، وَعبد الرَّحْمَن ضعفه يَحْيَى بن معِين وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقد علمت عَن يَحْيَى أَنه اخْتلف قَوْله (فِيهِ) (3) ، وَقَالَ عبد الْحق (4) : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن [إِبْرَاهِيم] (5) الْقَاص، وَقد أنكرهُ عَلَيْهِ أَبُو حَاتِم ووثق وَضعف. قَالَ ابْن الْقطَّان (6) : كَذَا قَالَ، وَهُوَ يروي عَنهُ أَحَادِيث، وَلم يبين أَبُو حَاتِم أَن الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه، وَلَعَلَّه حَدِيث آخر. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سُئِلَ أبي عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، رَوَى حَدِيثا (مُنْكرا) (7) عَن الْعَلَاء. قَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان (8) : وَرِجَاله لَا بَأْس بهم، وَلَيْسَ فيهم من يوضع النّظر فِيهِ إِلَّا هَذَا (الْقَاص) (9) ، وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ، وَمَا جَاءَ من ضعفه بِحجَّة. قَالَ (10) : وَإِذا وجدت عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ قَلِيل الرِّوَايَات، وَقد يُفَسر ذَلِك عَنهُ فِي رجال هَكَذَا، وَإِلَّا فَهَذَا توثيقه إِيَّاه، نَقله عَنهُ الدوري. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالْمَقْصُود أَن يعلم أَنه مُخْتَلف فِيهِ، والْحَدِيث من رِوَايَته حسن.   (1) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 259) . (2) لَيست فِي «السّنَن الْكُبْرَى» . (3) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (4) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 238) . (5) سَقَطت من «أ، ل، م» والمثبت من «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» . (6) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (5 / 375 - 376) . (7) فِي «أ» : مُنكر. والمثبت من «ل، م» و «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» . (8) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (5 / 375 - 376) . (9) فِي «م» : القَاضِي. والمثبت من «أ، ل» و «الْوَهم وَالْإِيهَام» . (10) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (5 / 377) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 724 الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: هَلَكت. قَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: واقعت امْرَأَتي فِي رَمَضَان. قَالَ: تَسْتَطِيع تعْتق رَقَبَة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل تَسْتَطِيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فاجلس. فَأتي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعرق فِيهِ تمر - والعرق: المكتل الضخم - فَقَالَ: خُذ هَذَا فَتصدق بِهِ. قَالَ: عَلَى أفقر منا؟ فَضَحِك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، وَقَالَ: أطْعمهُ عِيَالك " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (2) من هَذَا الْوَجْه وَزَادا فِيهِ: " فوَاللَّه مَا بَين لابتيها - يُرِيد الحرتين - أهل بَيت أفقر من أهل بَيْتِي " وَفِي رِوَايَة لَهما (3) " أنيابه " بدل " نَوَاجِذه " وَأَخْرَجَاهُ (4) أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَقد ذكرته بِطُولِهِ فِي تخريجي لأحاديث «الْوَسِيط» بِزِيَادَة فَوَائِد فَرَاجعه مِنْهُ. فَائِدَة: «العَرَق» بِفَتْح الْعين وَالرَّاء، وَيُقَال: بإسكانها، وَالصَّحِيح الأول، وَيُقَال لَهُ: المكتل والزنبيل، والقفة، والسفيفة - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وبفاء مكررة - وَكله اسْم لهَذَا الْوِعَاء الْمَعْرُوف، لَيْسَ لسعته قدر مضبوط بل يصغر وَيكبر، وَلِهَذَا اخْتلفت الرِّوَايَات فِي قدر مَا يسع.   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 226) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (11 / 604 رقم 6709) ، و «صَحِيح مُسلم» (2 / 782 رقم 1111 / 81) . (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 193 رقم 1936، 9 / 423 - 424 رقم 5368، 10 / 568 رقم 6164) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 781 - 782 رقم 1111 / 81) . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (12 / 134 - 135 رقم 6822) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 783 - 784 رقم 1112) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 725 وَقَوله: " مَا بَين لابتيها " يُرِيد (حرتيها) (1) والحرة: أَرض يركبهَا حِجَارَة سود. و «النواجذ» - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة -: هِيَ الأنياب، هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي اللُّغَة، وَهُوَ مُتَعَيّن جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته. . " (2) الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث تقدم أول الْبَاب. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْخمسين أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لم يَأْمر الْأَعرَابِي بِالْقضَاءِ مَعَ الْكَفَّارَة، وَرُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه قَالَ للرجل: " واقض يَوْمًا مَكَانَهُ " (3) . هُوَ كَمَا قَالَه؛ فقد رُوِيَ الْأَمر بِالْقضَاءِ من أوجه: أَحدهَا: من حَدِيث (أبي هُرَيْرَة، وَرُوِيَ عَنهُ من أوجه: أَحدهَا: من حَدِيث) (4) هِشَام بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة عَنهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (5) ، وَأعله ابْن حزم (6) ثمَّ ابْن الْقطَّان (7) بِهِشَام هَذَا، لكنه من رجال الصَّحِيح فَجَاز القنطرة، وَتَابعه إِبْرَاهِيم بن سعد، كَمَا أخرجه أَبُو عوَانَة (فِي صَحِيحه) (8) .   (1) فِي «أ» : حرمتهَا. والمثبت من «ل، م» . (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 232) . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 234) . (4) تَكَرَّرت فِي «أ» . (5) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 164 رقم 2385) . (6) «الْمُحَلَّى» (6 / 181) . (7) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (3 / 435) . (8) فِي «ل» : فِي صَحِيح. وَفِي «م» : وَصَححهُ. والمثبت من «أ» . والْحَدِيث فِي «مُسْند أبي عوَانَة» (2 / 206 رقم 2859) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 726 ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي أويس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (1) ، وَقَالَ: تَابعه عبد الْجَبَّار بن عمر، عَن الزُّهْرِيّ، وَأعله ابْن حزم (2) بِأبي أويس لكنه من رجال مُسلم ووثق. ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن عمر، عَن يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب عَنهُ، وَعبد الْجَبَّار هَذَا ضَعَّفُوهُ وَإِن وَثَّقَهُ ابْن سعد (3) . الْوَجْه الثَّانِي: من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا بِهِ. رَوَاهُ الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عَطاء، عَن عَمْرو بِهِ. وَالْحجاج حَالَته مَعْلُومَة. الثَّالِث: من حَدِيث مَالك، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن الْمسيب مُرْسلا. الرَّابِع: من حَدِيث ابْن جريج، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم مُرْسلا. الْخَامِس: من حَدِيث أبي معشر الْمدنِي، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ مُرْسلا. إِذا عرف ذَلِك فَقَوْل الرَّافِعِيّ أَولا " أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لم يَأْمر الْأَعرَابِي بِالْقضَاءِ " مُرَاده بِهِ أَنه لم يَأْمُرهُ بِهِ فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة، و (ورد) (4) فِي بعض الرِّوَايَات الْأَمر بِهِ، وَقد علمت مَا فِيهِ.   (1) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 210 رقم 24) . (2) «الْمُحَلَّى» (6 / 182) . (3) «الطَّبَقَات الْكُبْرَى» (7 / 520) . (4) من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 727 الحَدِيث الْخَامِس بعد الْخمسين " رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ للأعرابي الَّذِي جَاءَهُ وَقد وَاقع: صم شَهْرَيْن. فَقَالَ: هَل أتيت إِلَّا من قبل الصَّوْم. . " (1) ثمَّ ذكر الْبَاقِي. هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة لَا أعرفهَا فِي هَذَا الحَدِيث، وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى " الْوَسِيط ": إِنَّهَا لَا تعرف. قَالَ: وَالْمَذْكُور (بدلهَا) (2) فِي الرِّوَايَات الْمَعْرُوفَة (أَنه) (3) لَا يَسْتَطِيع ذَلِك. قلت: لَكِن فِي «سنَن أبي دَاوُد» (4) من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار، عَن سَلمَة بن صَخْر البياضي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للمظاهر من زَوجته حَتَّى يَنْسَلِخ رَمَضَان، ثمَّ وطئ فِي أَثْنَائِهِ: " صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين. قَالَ: وَهل أصبت الَّذِي أصبت إِلَّا من الصّيام " وَهَذَا المجامع فِي رَمَضَان، هُوَ سَلمَة ابْن صَخْر، أَو (سلمَان) (5) بن صَخْر الَّذِي ظَاهر من امْرَأَته أَنه لَا يَطَؤُهَا فِي رَمَضَان. كَمَا حَكَاهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد، فَقَالَ: إِنَّه سَلمَة بن صَخْر البياضي. ثمَّ ذكر بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ أَنه قَالَ: " لما دخل شهر رَمَضَان ظَاهَرت من امْرَأَتي. . " وَذكر الْقِصَّة، وَفِي النَّفس من كَونهَا وَاقعَة وَاحِدَة موقف عِنْدِي. وَفِي " الْجمع بَين مبهمات ابْن طَاهِر وَابْن بشكوال " للشَّيْخ قطب الدَّين ابْن (الْقُسْطَلَانِيّ) (6) حِكَايَة قَوْلَيْنِ فِي اسْم هَذَا المجامع:   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 234) . (2) فِي «م» تَركهَا. والمثبت من «أ، ل» . (3) فِي «م» لِأَنَّهُ. والمثبت من «أ، ل» . (4) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 81 - 82 رقم 2208) . (5) فِي «أ، ل» : سُلَيْمَان. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «م» وسلمان بن صَخْر البياضي تَرْجَمته فِي سَلمَة بن صَخْر فِي «التَّهْذِيب» (11 / 288 - 290) . (6) فِي «أ، ل» : القسطاني. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 728 أَحدهمَا: أَنه سَلمَة بن صَخْر البياضي، وَالثَّانِي: (سلمَان) (1) بن صَخْر وَحَقِيقَة الْقَوْلَيْنِ قولا وَاحِدًا؛ فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: سَلمَة وسلمان كَمَا أسلفناه، وَسَلَمَة أصح وَأشهر. تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ (2) : وَإِذا جرينا عَلَى الْقيَاس حملنَا قصَّة الْأَعرَابِي عَلَى (خاصيته وخاصية) (3) أَهله. قَالَ الإِمَام: وَكَثِيرًا مَا كَانَ يفعل ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَمَا فِي الْأُضْحِية، وإرضاع الْكَبِير وَنَحْوهمَا. وَأَشَارَ الإِمَام بالأضحية إِلَى حَدِيث أبي بردة بن نيار فِي الْجذع وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " وَلنْ تُجزئ عَن أحد بعْدك " وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله فِي بَابه. وَأَشَارَ بإرضاع الْكَبِير إِلَى قصَّة سَالم الثَّابِتَة فِي صَحِيح مُسلم (4) عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: " جَاءَت سهلة بنت سُهَيْل إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (فَقَالَت) (5) : يَا رَسُول الله، إِنِّي أرَى فِي وَجه أبي حُذَيْفَة من دُخُول سَالم - وَهُوَ حليفه - فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أرضعيه. قَالَت: وَكَيف أرضعه وَهُوَ رجل كَبِير؟ ! فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقَالَ: قد علمت أَنه رجل كَبِير ". وَفِي رِوَايَة لَهُ (6) : " فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أرضعيه تحرمي عَلَيْهِ، وَيذْهب الَّذِي فِي نَفْس أبي حُذَيْفَة. فَرَجَعت فَقَالَت: (إِنِّي) (7) قد أَرْضَعَتْه فَذهب الَّذِي فِي نَفْس   (1) فِي «أ، ل» : سُلَيْمَان. وَهُوَ تَحْرِيف، والمثبت من «م» وَسبق التَّنْبِيه عَلَيْهِ. (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 236) . (3) فِي «أ، ل» : خاصته وخاصة. والمثبت من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (4) «صَحِيح مُسلم» (2 / 1076 رقم 1453 / 26) . (5) فِي «أ» . فَقلت: والمثبت من «م، ل» و «صَحِيح مُسلم» . (6) «صَحِيح مُسلم» (2 / 1076 رقم 1453 / 27) . (7) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «صَحِيح مُسلم» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 729 أبي حُذَيْفَة " وَفِي رِوَايَة لَهُ (1) : " أرضعيه حَتَّى يدْخل عَلَيْك ". وَفِي رِوَايَة لَهُ (2) : " فَقَالَت: إِنَّه ذُو لحية! فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أرضعيه يذهب مَا فِي وَجه أبي حُذَيْفَة ". وَفِي رِوَايَة لَهُ (3) عَن أم سَلمَة أَنَّهَا كَانَت تَقول: " أَبَى [سَائِر] (4) أَزوَاج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يدخلن عَلَيْهِنَّ أحدا بِتِلْكَ الرضَاعَة، وقلن لعَائِشَة: مَا نرَى هَذِه إِلَّا رخصَة أرخصها رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خَاصَّة، فَمَا هُوَ بداخل علينا أحد بِهَذِهِ [الرضَاعَة] (5) وَلَا رائينا " وَفِي رِوَايَة لمَالِك (6) وَأحمد (7) " أَنَّهَا أَرْضَعَتْه خمس رَضعَات فَكَانَ وَلَده ". الحَدِيث السَّادِس بعد الْخمسين عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفاً عَلَيْهِ: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم فليطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم مِسْكين " (8) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (9) من حَدِيث قُتَيْبَة، ثَنَا عَبْثَر بن الْقَاسِم، عَن أَشْعَث، عَن مُحَمَّد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام شهر فليطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم مِسْكينا " وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه (10) من حَدِيث قُتَيْبَة أَيْضا وَقَالَ: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.   (1) «صَحِيح مُسلم» (2 / 1077 رقم 1453 / 29) . (2) «صَحِيح مُسلم» (2 / 1077 - 1078 رقم 1453 / 30) . (3) «صَحِيح مُسلم» (2 / 1078 رقم 1454) . (4) من «صَحِيح مُسلم» . (5) فِي «أ، ل، م» : الرُّخْصَة. والمثبت من «صَحِيح مُسلم» . (6) «الْمُوَطَّأ» (2 / 472 رقم 12) . (7) «الْمسند» (6 / 201، 255، 271) . (8) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 237) . (9) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 96 - 97 رقم 718) . (10) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 558 رقم 1757) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 730 وَهُوَ وهم؛ وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى ابْن عمر. قَالَ: وَأَشْعَث هُوَ ابْن سوار، وَمُحَمّد هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي لَيْلَى. قلت: وَكِلَاهُمَا ضَعِيف، أما أَشْعَث بن سوار فالأكثر عَلَى أَنه غير مرضِي وَلَا مُخْتَار كَمَا ستعلمه فِي بَاب حج الصَّبِي - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَأما ابْن أبي لَيْلَى (1) فصدوق سيئ الْحِفْظ، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق، شغل بِالْقضَاءِ فسَاء حفظه، لَا يتهم بِشَيْء من الْكَذِب، إِنَّمَا يُنكر عَلَيْهِ كَثْرَة الْخَطَأ. وَقَالَ الْعجلِيّ: كَانَ فَقِيها صَاحب سنة جَائِز الحَدِيث. وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى ابْن عمر كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ وَغَيره من الْحفاظ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْمَحْفُوظ وَقفه عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (2) : إِنَّه الصَّحِيح. قَالَ: وَقد رَوَاهُ ابْن أبي لَيْلَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه " فِي الَّذِي يَمُوت وَعَلِيهِ رَمَضَان لم يقضه قَالَ: يطعم عَنهُ لكل يَوْم نصف صَاع [من برّ] (3» قَالَ: وَهَذَا خطأ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: رَفعه فَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف. وَالثَّانِي: قَوْله: " نصف صَاع " وَإِنَّمَا قَالَ ابْن عمر: " مدًّا من حِنْطَة " قَالَ: وَرُوِيَ من (وَجه) (4) آخر عَن ابْن أبي لَيْلَى لَيْسَ فِيهِ ذكر الصَّاع. ثمَّ ذكر الرِّوَايَة الَّتِي (رويناها) (5) أَولا.   (1) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (25 / 622 - 627) (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 254) . (3) من «السّنَن الْكُبْرَى» . (4) فِي «أ» : أوجه. والمثبت من «م، ل» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (5) فِي «م» : بدأنا بهَا. والمثبت من «أ، ل» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 731 الحَدِيث السَّابِع بعد الْخمسين أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم صَامَ عَنهُ وليه " (1) . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (2) كَذَلِك من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ (3) : إِسْنَاده حسن. قَالَ عبد الْحق (4) : وَعلله بَعضهم بالاختلاف فِي إِسْنَاده وَلَا يضر؛ لِأَن (الَّذين) (5) أسندوه ثِقَات. وَقَالَ الشَّافِعِي (6) فِي الْقَدِيم: قد رُوِيَ فِي الصَّوْم عَن الْمَيِّت شَيْء، فَإِن كَانَ ثَابتا صيم عَنهُ (كَمَا يحجّ) (7) عَنهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد ثَبت ذَلِك. وَفِي رِوَايَة للبزار (8) من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام فليصم عَنهُ وليه إِن شَاءَ " وَفِي إسنادها ابْن لَهِيعَة وَهُوَ مَعْرُوف الْحَال، ودونه يَحْيَى بن كثير الزيَادي، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْخمسين " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِي الْحَامِل والمرضع: إِذا خافتا عَلَى (ولديهما) (9)   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 237) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 226 - 227 رقم 1952) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 803 رقم 1147) . (3) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 195 رقم 80، 81) . وَلم يقل: إِسْنَاده حسن. (4) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 236) . (5) فِي «أ، ل» الَّذِي. والمثبت من «م» و «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» . (6) نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» (3 / 402) . (7) فِي «أ، ل» : كَالْحَجِّ. والمثبت من «م» و «الْمعرفَة» . (8) «كشف الأستار» (1 / 481 - 482 رقم 1023) . (9) فِي «أ» : ولديها. والمثبت من «م، ل» و «الشَّرْح الْكَبِير» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 732 أفطرتا وافتدتا " (1) . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين إِلَّا قَوْله: " وافتدتا " وَسَيَأْتِي ذَلِك من قَول ابْن عَبَّاس فِي الْآثَار إِن شَاءَ الله. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من أدْرك رَمَضَان فَأفْطر لمَرض ثمَّ صَحَّ وَلم يقضه حَتَّى (دخل) (2) رَمَضَان آخر صَامَ الَّذِي أدْركهُ ثمَّ يقْضِي مَا عَلَيْهِ، ثمَّ يطعم عَن كل يَوْم مِسْكينا " (3) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4) من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن نَافِع الْجلاب، ثَنَا عمر بن مُوسَى بن وجيه، حَدثنَا الحكم، عَن مُجَاهِد، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ " فِي رجل أفطر فِي رَمَضَان [من] (5) مرض، ثمَّ صَحَّ وَلم يصمه حَتَّى أدْركهُ رَمَضَان آخر، قَالَ: يَصُوم الَّذِي أدْرك، ثمَّ يَصُوم الشَّهْر الَّذِي أفطر فِيهِ، وَيطْعم مَكَان كل يَوْم مِسْكينا " ثمَّ قَالَ: إِبْرَاهِيم بن نَافِع وَابْن وجيه ضعيفان. زَاد عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» (6) : وَلَا يَصح فِي الْإِطْعَام شَيْء. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (7) : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء، إِبْرَاهِيم وَعمر مَتْرُوكَانِ. وَقَالَ فِي «خلافياته» : لَا يَصح   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 240) . (2) فِي «الشَّرْح الْكَبِير» : أدْرك. (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 242) . (4) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 197 رقم 89) . (5) فِي «أ، ل، م» : فِي. والمثبت من «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (6) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 238) . (7) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 253) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 733 لضعفهما. ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (1) مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة من طرق، ثمَّ قَالَ فِي كل (مِنْهَا) (2) : هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» أَيْضا قَالَ: وَصَحَّ عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا عَلَيْهِ مثله. الحَدِيث السِّتُّونَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: " دخل (عليَّ) (3) رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقلت: إِنَّا خبأنا لَك حَيْسًا. قَالَ: أما إِنِّي كنت أُرِيد الصَّوْم (و) (4) لَكِن قربيه " (5) . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْعَاشِر مِنْهُ وَمَعْنى قربيه: أدنيه مني لأشرب مِنْهُ. الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين عَن أم هَانِئ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: " دخل عليَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأَنا صَائِمَة، فناولني فضل شرابه، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت صَائِمَة، وَإِنِّي كرهت أَن أرد سؤرك. فَقَالَ: إِن كَانَ قَضَاء من رَمَضَان فصومي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِن كَانَ تَطَوّعا فَإِن شِئْت فاقضيه، وَإِن شِئْت فَلَا تقضيه " (6) .   (1) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 196 - 198 رقم 87، 88، 90، 92) . (2) فِي «أ، م» : مِنْهُمَا. والمثبت من «ل» . (3) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (4) من «م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 244) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 244) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 734 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (1) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (2) وَأَبُو دَاوُد (3) ، وَالتِّرْمِذِيّ (4) ، وَالنَّسَائِيّ (5) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ (6) ، وَالْبَيْهَقِيّ (7) فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن هَارُون بن أم هَانِئ، عَن أم هَانِئ، قَالَ (التِّرْمِذِيّ) (8) : فِي إِسْنَاده مقَال. وَقَالَ النَّسَائِيّ (9) : اخْتلف عَلَى سماك فِيهِ، وَسماك لَيْسَ يعْتَمد عَلَيْهِ إِذا انْفَرد بِالْحَدِيثِ. وَقَالَ عبد الْحق (10) بعد أَن رَوَاهُ من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن حَمَّاد ابْن سَلمَة، عَن سماك بِهِ: هَذَا أحسن أَسَانِيد هَذَا الحَدِيث، وَإِن كَانَ لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان (11) : هُوَ كَمَا ذكر إِلَّا أَن الْعلَّة لم يبينها وَهِي الْجَهْل بهَارُون بن أم هَانِئ (12) أَو ابْن ابْنة أم هَانِئ فَكل ذَلِك قيل فِيهِ، وَهُوَ لَا يعرف أصلا. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» (13) : فِي إِسْنَاده   (1) «الْمسند» (6 / 343 - 344) . (2) «المعجم للكبير» (24 / 407 - 409 رقم 990 - 993) . (3) كتب حَاشِيَة فِي «م» نَصهَا: «رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق عُثْمَان بن أبي شيبَة. قَالَ: نَا جرير بن عبد الحميد، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن أم هَانِئ ... فَذكره، وَكلهمْ ثِقَات إِلَّا يزِيد بن أبي زِيَاد فمختلف فِيهِ، قَالَ ابْن حجر: كبر فَتغير حفظه. وَفِيه: " لما كَانَ فتح يَوْم مَكَّة ... فَذكره ". قلت: هُوَ فِي «سنَن أبي دَاوُد» من هَذَا الطَّرِيق (3 / 191 رقم 2448) . (4) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 109 - 110 رقم 731، 732) . (5) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 250 - 252 رقم 3304 - 3309) . (6) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 174 - 175 رقم 8، 12) . (7) «سنَن الْبَيْهَقِيّ (4 / 278 - 279) . (8) فِي «أ، ل» : الْبَيْهَقِيّ. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «م» وَالْكَلَام لِلتِّرْمِذِي (3 / 110) . (9) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 252) . (10) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (3 / 230) . (11) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (3 / 434) . (12) زَاد فِي «أ، ل» : أَو ابْن أم هَانِئ. (13) «مُخْتَصر السّنَن» (3 / 334) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 735 مقَال وَلَا يثبت. قَالَ (1) : وَفِي إِسْنَاده اخْتِلَاف كثير أَشَارَ إِلَيْهِ النَّسَائِيّ. قلت: وَحَاصِل الِاخْتِلَاف فِيهِ أَنه اخْتلف عَلَى سماك، فَتَارَة رَوَاهُ عَن أبي صَالح باذان، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا مر فِي الْجَنَائِز، وَتارَة عَن جعدة وَهُوَ مَجْهُول. قَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» (2) : جعدة من ولد أم هَانِئ، عَن أبي صَالح، عَن أم هَانِئ رَوَى عَنهُ شُعْبَة، لَا يعرف إِلَّا بِحَدِيث فِيهِ نظر. وَقَالَ النَّسَائِيّ: (3) لم يسمعهُ جعدة من أم هَانِئ وَتارَة عَن هَارُون، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان (4) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ (5) من طرق عَن سماك و (6) فِيهِ قَوْله: " فَإِن شِئْت فاقضيه وَإِن شِئْت فَلَا تقضيه ". وَرَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ من طَرِيق حَمَّاد عَنهُ (فَقَط، وَحَمَّاد هَذَا هُوَ ابْن سَلمَة ثِقَة ثَبت من رجال مُسلم، لَكنا) (7) أسلفنا عَن الْبَيْهَقِيّ أَنه قَالَ فِي الحَدِيث الثَّالِث عشر من بَاب شُرُوط الصَّلَاة (إِن حماداً) (8) اخْتلف فِي عَدَالَته، وَقَالَ فِي بَاب من أَدَّى الزَّكَاة: سَاءَ حفظه فِي آخر عمره، فالحفاظ لَا يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ، ويتجنبون مَا ينْفَرد بِهِ عَن قيس بن ثَابت وَأَمْثَاله. قلت: ووراء ذَلِك كُله أَمر آخر وَهُوَ أَن هَذَا من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يَوْم الْفَتْح (9) - كَمَا أخرجه النَّسَائِيّ، وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا من حَدِيث يَحْيَى بن   (1) «مُخْتَصر السّنَن» (3 / 334) . (2) «التَّارِيخ الْكَبِير» (2 / 239 رقم 2316) . (3) «السّنَن الْكُبْرَى» للنسائي (2 / 252) . (4) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (3 / 434) . (5) «السّنَن الْكُبْرَى» للنسائي (2 / 250 رقم 3305) . (6) زَاد فِي «أ، ل، م» : لَيْسَ. وَهِي خطأ. (7) جعلهَا فِي «ل» حَاشِيَة؛ فَكتب فَوق «حَمَّاد» : حش من. وَفَوق «مُسلم» : إِلَى. (8) فِي «أ» : حَمَّاد. وَفِي «م» : أَنه. والمثبت من «ل» . (9) زَاد فِي «م» : بل وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه يزِيد بن أبي زِيَاد تغير حَال كبر لكنه رَوَى لَهُ مُسلم. وَلَا أعلم موضعهَا لِأَنَّهَا كتبت بَين السطرين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 736 جعدة السالف عَن أم هَانِئ " أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ دخل عَلَيْهَا يَوْم الْفَتْح فَأتي بِإِنَاء فَشرب مِنْهُ، ثمَّ ناولني فَقلت: إِنِّي صَائِمَة؟ فَقَالَ: إِن المتطوع أَمِير عَلَى نَفسه، فَإِن شِئْت فصومي، وَإِن شِئْت فافطري " هَذَا لفظ النَّسَائِيّ، وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: " فَشرب مِنْهُ وسقاها. قَالَت: إِنِّي كنت صَائِمَة وَلَكِن كرهت أَن أرد عَلَيْك (شرابك. قَالَ: كنت تقضين؟ قلت: لَا. قَالَ: لَا يَضرك " انْتَهَى. فَلْيتَأَمَّل ذَلِك) (1) وَكَيف يَقع الْقَضَاء فِي رَمَضَان. فَائِدَة: السؤر بِالْهَمْزَةِ. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله وَمِنْه. وَأما الْآثَار فخمسة عشر أثرا. الأول: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: " لِأَن أَصوم يَوْمًا من شعْبَان أحب إليَّ من أَن أفطر يَوْمًا من رَمَضَان " (2) . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي (3) ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ (4) من جِهَته: أَنا عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان، عَن أمه فَاطِمَة بنت حُسَيْن " أَن رجلا شهد عِنْد عَلّي بِرُؤْيَة هِلَال رَمَضَان فصَام - وَأَحْسبهُ قَالَ: وَأمر النَّاس أَن يَصُومُوا - وَقَالَ: أَصوم يَوْمًا من شعْبَان أحب إليَّ من أَن أفطر يَوْمًا من رَمَضَان ". الثَّانِي: عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: " أَتَانَا كتاب عمر بن الْخطاب وَنحن بخانقين: إِن الْأَهِلّة بَعْضهَا أكبر من بعض، فَإِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال نَهَارا   (1) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «المعجم الْكَبِير» . (2) الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 173 - 174) . (3) «الْأُم» (2 / 94، 7 / 48) . (4) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 212) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 737 فَلَا تفطروا حَتَّى تمسوا " وَفِي رِوَايَة: " فَإِذا رَأَيْتُمْ [الْهلَال] (1) من أول النَّهَار فَلَا تفطروا حَتَّى يشْهد شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رأياه بالْأَمْس " (2) . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (3) ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح باللفظين الْمَذْكُورين، وَزَاد فِي آخر الأول: " إِلَّا أَن يشْهد (شَاهِدَانِ) (4) رجلَانِ مسلمان أَنَّهُمَا أهلاه بالْأَمْس عَشِيَّة " ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي بَابَيْنِ من «سنَنه» : أَحدهمَا (5) : فِي بَاب الْهلَال يرَى بِالنَّهَارِ. وَالثَّانِي (6) : فِي بَاب من لم يقبل عَلَى رُؤْيَة هِلَال الْفطر إِلَّا شَاهِدين عَدْلَيْنِ. وَقَالَ فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا أثر صَحِيح عَنهُ. وَرَوَى (7) عَنهُ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ - التَّفْرِقَة بَين رُؤْيَته قبل الزَّوَال وَبعده، ثمَّ قَالَ: إِنَّه مُنْقَطع وَحَدِيث شَقِيق أصح مِنْهُ. (وَرَوَى (8) عَنهُ أَيْضا " إِنَّمَا يَكْفِي الْمُسلمين الرجل " وَهُوَ من رِوَايَة عبد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ) (9) عَن ابْن أبي لَيْلَى عَنهُ، وَنقل (10) عَن يَحْيَى بن معِين أَنه لم يثبت سَماع ابْن أبي لَيْلَى من عمر، وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَن عبد الْأَعْلَى غَيره أثبت مِنْهُ، وَحَدِيث شَقِيق أصح إِسْنَادًا مِنْهُ. فَائِدَة: قَوْله «بخانقين» هُوَ بخاء مُعْجمَة، ثمَّ نون ثمَّ قَاف مكسورتين: بَلْدَة بالعراق قريبَة من بَغْدَاد، وَفِي «أَسمَاء الْأَمَاكِن»   (1) سَقَطت من «أ، ل، م» والمثبت من «الشَّرْح الْكَبِير» . (2) الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 182) . (3) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 168 - 169 رقم 7، 8 - 11) . (4) لَيست فِي «السّنَن الْكُبْرَى» . (5) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 212 - 213) . (6) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 248) . (7) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 212 - 213) . (8) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 248 - 249) . (9) سقط من «أ، ل» والمثبت من «م» . (10) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 249) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 738 للبكري (1) خانقون عَلَى وزن فاعلون: مَوضِع من بِلَاد فَارس، وَهُوَ طَسُّوج من طساسيج حُلْوان. قَالَ كرَاع: سمي خانقين لِأَن عديًّا خُنق فِيهِ. وَقيل: الخانق مضيق فِي الْوَادي. وَقيل: شعب ضيق فِي أَعلَى الْجَبَل، وَبِه سمي خانقون. وَقَوله: " إِن الْأَهِلّة بَعْضهَا أكبر من بعض " أَرَادَ ارْتِفَاع الْمنَازل لَا عظم الدارة. وَوَقع فِي بعض نسخ الْكتاب «سُفْيَان) بدل «شَقِيق» وَهُوَ من تَحْرِيف النَّاسِخ. الثَّالِث: أثر ابْن عمر فِي الاستقاءة (2) تقدم فِي آخر الحَدِيث الْحَادِي عشر. الرَّابِع: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: " الْفطر مِمَّا دخل، وَالْوُضُوء مِمَّا خرج " (3) . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ (4) عَنهُ تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم وَلَفظه: قَالَ ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة: " [الصَّوْم] (5) مِمَّا دخل، وَلَيْسَ مِمَّا خرج ". وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (6) أَيْضا وَلَفظه عَن ابْن عَبَّاس: " أَنه ذكر عِنْده الْوضُوء من الطَّعَام - قَالَ الْأَعْمَش مرّة: والحجامة للصَّائِم - فَقَالَ: إِن الْوضُوء مِمَّا يخرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل، وَإِنَّمَا الْفطر مِمَّا دخل وَلَيْسَ مِمَّا خرج ". وَقد ذكره الرَّافِعِيّ مَرْفُوعا فِي الإحداث، وتكلمنا عَلَيْهِ هُنَاكَ. الْخَامِس: " أَن النَّاس أفطروا فِي زمَان عمر ثمَّ انْكَشَفَ السَّحَاب وَظَهَرت الشَّمْس ". (7) .   (1) «مُعْجم مَا استعجم» (1 / 114) . (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 191) . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 192) . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 205) . (5) فِي «أ، ل، م» : الْوضُوء. والمثبت من «صَحِيح البُخَارِيّ» . (6) «السن الْكُبْرَى» (1 / 116) . (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 205) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 739 وَهَذَا أثر صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي (1) ، وَالْبَيْهَقِيّ (2) عَنهُ، عَن زيد بن أسلم، عَن أَخِيه خَالِد بن أسلم " أَن عمر بن الْخطاب أفطر فِي رَمَضَان فِي يَوْم ذِي غيم، وَرَأَى أَنه قد أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْس، فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: قد طلعت الشَّمْس. فَقَالَ: الخَطْب يسير وَقد اجتهدنا " قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: يَعْنِي قَضَاء يَوْم مَكَانَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من وَجْهَيْن آخَرين عَن عمر مُفَسرًا فِي الْقَضَاء. فذكرهما بِإِسْنَادِهِ. إِحْدَاهمَا: عَن عَلّي بن حَنْظَلَة، عَن أَبِيه - وَكَانَ أَبوهُ صديقا لعمر - قَالَ: " كنت عِنْد عمر فِي رَمَضَان فَأفْطر وَأفْطر النَّاس، فَصَعدَ الْمُؤَذّن ليؤذن فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، هَذِه الشَّمْس (مَا) (3) تغرب. فَقَالَ عمر: [كفانا الله شرك، إِنَّا لم نبعثك رَاعيا. ثمَّ قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه] (4) : من كَانَ قد أفطر فليصم يَوْمًا مَكَانَهُ " وَفِي الْأُخْرَى " فَقَالَ عمر: مَا نبالي وَالله نقضي يَوْمًا مَكَانَهُ " ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي (نَظَائِر) (5) هَذِه الرِّوَايَات عَن عمر فِي الْقَضَاء دَلِيل عَلَى خطأ رِوَايَة زيد بن وهب فِي ترك الْقَضَاء. ثمَّ سَاقهَا وَبَين (ضعفها) (6) . السَّادِس وَالسَّابِع: رُوِيَ عَن عَلّي وَابْن عمر " أَنه لَا بَأْس بِالسِّوَاكِ الرطب " (7) . أما أثر عَلّي فَلَا يحضرني من خرجه، وَأما أثر ابْن عمر فَذكره البُخَارِيّ (8) بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفظه: وَقَالَ ابْن عمر: " يستاك أول النَّهَار وَآخره " وَفِي الْبَيْهَقِيّ (9) عَنهُ «أَنه كَانَ يستاك وَهُوَ صَائِم» وَرُوِيَ عَنهُ   (1) «الْأُم» (2 / 96) . (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 217) . (3) فِي «السّنَن الْكُبْرَى» : لم. (4) من «السّنَن الْكُبْرَى» . (5) فِي «السّنَن الْكُبْرَى» : تظاهر. (6) فِي «أ، ل» : صفتهَا والمثبت من «م» . (7) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 216) . (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 181) . (9) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 273) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 740 مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده أَحْمد بن عبد الله بن ميسرَة النهاوندي (1) ، قَالَ ابْن حبَان: لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: يحدث عَن الثِّقَات بِالْمَنَاكِيرِ وَيسْرق حَدِيث النَّاس. وَالصَّحِيح وَقفه عَلَى ابْن عمر. الثَّامِن وَالتَّاسِع والعاشر وَالْحَادِي عشر: عَن ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَأنس، وَأبي هُرَيْرَة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وجوب الْفِدْيَة عَلَى الشَّيْخ الْكَبِير الْمُفطر بِعُذْر الْهَرم) (2) . أما أثر ابْن عمر: فَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» (3) وَلم يعزه النَّوَوِيّ (4) وَلَا الْمُنْذِرِيّ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ (5) من حَدِيث نَافِع مولَى ابْن عمر «أَنه سُئِلَ عَن رجل مرض فطال عَلَيْهِ مَرضه حَتَّى مرَّ عَلَيْهِ رمضانان أَو ثَلَاثَة، فَقَالَ نَافِع: كَانَ ابْن عمر يَقُول: من أدْركهُ رَمَضَان وَلم يكن صَامَ رَمَضَان (الجائي) (6) فليطعم مَكَان كل يَوْم مِسْكينا مدًّا من حِنْطَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء " وَفِي البُخَارِيّ (7) من حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر " أَنه قَرَأَ (فَدِيَة طَعَامُ مَسَاكِينَ) (8) قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة ". وَأما أثر ابْن عَبَّاس، فَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» (9) فِي كتاب التَّفْسِير مِنْهُ، عَن عَطاء «سمع ابْن عَبَّاس يقْرَأ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقونَهُ فِدْية   (1) تَرْجَمته فِي «ميزَان الِاعْتِدَال» (1 / 108 رقم 423) . (2) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . وَانْظُر «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 238) . (3) «الْمُهَذّب» (1 / 178) . (4) «الْمَجْمُوع» (6 / 393) . (5) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 196 رقم 85) . (6) فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» الْخَالِي. (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 221 رقم 1949) . (8) الْبَقَرَة: 184. وَهِي قِرَاءَة المدنيَّيْن وَابْن عَامر. انْظُر النشر (2 / 170) . (9) «صَحِيح البُخَارِيّ» (8 / 28 رقم 4505) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 741 طَعَامُ مِسْكِين) (1) قَالَ ابْن عَبَّاس: لَيست مَنْسُوخَة، وَهُوَ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة لَا يستطيعان أَن يصوما فيطعمان مَكَان كل يَوْم مِسْكينا ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2) من حَدِيث سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) (3) قَالَ: كَانَت رخصَة للشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة وهما يطيقان الصّيام أَن يفطرا (و) (4) يطعما مَكَان كل يَوْم مِسْكينا، والحبلى والمرضع إِذا خافتا - قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي (عَلَى) (5) أولادهما - أفطرتا وأطعمتا ". وَفِي أبي دَاوُد (6) أَيْضا من حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " (أَثْبَتَت) (7) للحبلى والمرضع ". وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (8) من هَذَا الْوَجْه عَنهُ بِلَفْظ: " رخص للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز (الْكَبِيرَة) (9) فِي ذَلِك، وهما يطيقان الصَّوْم أَن (يفطرا إِن شاءا) (10) ويطعما مَكَان كل يَوْم مِسْكينا، ثمَّ نسخ ذَلِك فِي هَذِه الْآيَة (فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (11) . وَثَبت للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِيرَة إِذا كَانَا لَا يطيقان الصَّوْم، وَالْحَامِل والمرضع إِذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مَكَان كل يَوْم مِسْكينا " وَفِي رِوَايَة لَهُ (12) من حَدِيث مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس: «يطعم   (1) الْبَقَرَة: 184. (2) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 132 رقم 2312) . (3) الْبَقَرَة: 184. (4) فِي «أ» : أَو. والمثبت من «م، ل) و «سنَن أبي دَاوُد» . (5) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «سنَن أبي دَاوُد» . (6) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 131 رقم 2311) . (7) فِي «أ، ل» ، أثبت. والمثبت من «م» و «سنَن أبي دَاوُد» . (8) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 230) . (9) فِي «أ» : الْكَبِير. والمثبت من «م، ل» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (10) فِي «أ» : يفْطر إِن شَاءَ. والمثبت من «م، ل» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (11) الْبَقَرَة: 185. (12) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 271) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 742 نصف صَاع [من حِنْطَة] (1) مَكَان يَوْم " ثمَّ قَالَ: كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة " نصف صَاع من حِنْطَة " وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: " مدًّا لطعامه، ومدًّا لإدامه " وَفِي رِوَايَة لَهُ: " إِذا عجز الشَّيْخ الْكَبِير عَن الصّيام أطْعم عَن كل [يَوْم مدًّا مدًّا] (2» وَفِي رِوَايَة لَهُ: " رخص للشَّيْخ الْكَبِير أَن يفْطر وَيطْعم عَن كل يَوْم مِسْكينا وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ ". (وَرَوَاهُ) (3) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (4) بِهَذَا اللَّفْظ الْأَخير ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَفِي رِوَايَة لَهُ (5) عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وَاحِد (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) (قَالَ: و) (6) زَاد مِسْكينا آخر (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) (7) وَلَيْسَت بمنسوخة إِلَّا أَنه قد وضع للشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصّيام وَأمر أَن يطعم الَّذِي [يعلم أَنه] (8) لَا يطيقه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأما أثر أنس، فَرَوَاهُ الشَّافِعِي (9) عَن مَالك " أَن أنس بن مَالك كبر حَتَّى كَانَ لَا يقدر عَلَى الصّيام فَكَانَ يفتدي " قَالَ الشَّافِعِي: وَخَالفهُ مَالك فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» (10) : هَذَا مُنْقَطع، وَقد رَوَيْنَاهُ عَن قَتَادَة مَوْصُولا عَن أنس " أَنه ضعف عَاما قبل مَوته فَأفْطر وَأمر أَهله أَن يطعموا مَكَان كل يَوْم مِسْكينا ". قلت: وَأخرج هَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (11) .   (1) سَقَطت من «أ، ل، م» والمثبت من «السّنَن الْكُبْرَى» . (2) فِي «أ، ل» : مد يَوْمًا يَوْمًا. فِي «م» : مدًّا. والمثبت من «السّنَن الْكُبْرَى» . (3) فِي «م» : وَفِي رِوَايَة. والمثبت من «أ، ل» . (4) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 440) . (5) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 440) . (6) فِي «الْمُسْتَدْرك» : فَإِن. (7) الْبَقَرَة: 184. (8) سَقَطت من «أ، ل، م» والمثبت من «الْمُسْتَدْرك» . (9) «الْأُم» (7 / 245) . (10) «الْمعرفَة» (3 / 415) . (11) «المعجم الْكَبِير» (1 / 242 رقم 675) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 743 وَالدَّارَقُطْنِيّ (1) وَالْبَيْهَقِيّ (2) فِي «سُنَنهمَا» . وَأما أثر أبي هُرَيْرَة، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (3) من حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: " من أدْركهُ الْكبر فَلم يسْتَطع صِيَام شهر رَمَضَان فَعَلَيهِ لكل يَوْم مد من قَمح ". الْأَثر الثَّانِي عشر: أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ " وَعَلَى الَّذين (يطوقونه) (4) فديَة طَعَام مِسْكين " (5) وَمَعْنَاهُ يكلفون الصَّوْم فَلَا يطيقُونَهُ (6) . وَهَذِه الْقِرَاءَة مَشْهُورَة عَنهُ فِي كتب التَّفْسِير. الْأَثر الثَّالِث عشر: عَن ابْن عَبَّاس " أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) (7) : إِنَّهَا مَنْسُوخَة الحكم إِلَّا فِي حق الْحَامِل والمرضع " (8) . وَهَذَا الْأَثر سلف بَيَانه قَرِيبا. الْأَثر الرَّابِع عشر: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما " أَنه قَالَ: فِيمَن عَلَيْهِ صَوْم فَلم يصمه حَتَّى أدْركهُ رَمَضَان آخر: يطعم عَن الأول " (9) . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (10) من رِوَايَة نَافِع عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: " من أدْركهُ رَمَضَان وَعَلِيهِ من رَمَضَان شَيْء فليطعم (مَكَان كل يَوْم مِسْكينا) (11) مدًّا من حِنْطَة " وَفِي رِوَايَة لَهُ (12) مثلهَا تقدّمت فِي الْأَثر   (1) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 207 - 208 رقم 17) . (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 271) . (3) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 271) . (4) فِي «م، ل» : يطيقُونَهُ. والمثبت من «أ» . (5) الْبَقَرَة: 184. (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 238) . (7) الْبَقَرَة: 184. (8) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 240) . (9) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 242) . (10) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 196 رقم 86) . (11) فِي «أ، ل» : كل مِسْكين يَوْمًا. والمثبت من «م» و «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» . (12) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 196 رقم 85) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 744 الثَّامِن. قَالَ ابْن حزم (1) : روينَا - يَعْنِي الْإِطْعَام - عَن عمر وَابْن عمر من طَرِيق (2) مُنْقَطِعَة، وَبِه يَقُول الْحسن، وَعَطَاء، وروينا عَن ابْن عمر من طَرِيق صَحِيحَة " أَنه يَصُوم رَمَضَان الآخر وَلَا يقْضِي الأول بصيام لَكِن يطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم مِسْكينا مِسْكينا مًدًّا مدًّا " قَالَ: وروينا عَنهُ أَيْضا " يهدي (مَكَان) (3) كل (يَوْم) (4) فرط فِي قَضَائِهِ بَدَنَة مقلدة ". الْأَثر الْخَامِس عشر: عَن ابْن عَبَّاس مثله (5) . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (6) من رِوَايَة مَيْمُون بن مهْرَان عَنهُ " فِي رجل أدْركهُ رَمَضَان وَعَلِيهِ رَمَضَان آخر قَالَ: يَصُوم (عَن) (7) هَذَا، وَيطْعم عَن ذَاك كل يَوْم مِسْكينا ويقضيه ".   (1) «الْمُحَلَّى» (6 / 261) . (2) زَاد فِي «م» : صَحِيحَة. (3) فِي «أ، ل» : مَكَانَهُ. والمثبت من «م» و «الْمُحَلَّى» . (4) فِي «الْمُحَلَّى» : رَمَضَان. (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 242) . (6) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 253) . (7) لَيست فِي «السّنَن الْكُبْرَى» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 745 بَاب صَوْم التَّطَوُّع ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " صِيَام يَوْم عَرَفَة كَفَّارَة سنتَيْن " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم (2) مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: يكفر السّنة الْمَاضِيَة والباقية، وَسُئِلَ عَن صَوْم يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: يكفر السّنة الْمَاضِيَة " وَفِي رِوَايَة لَهُ (3) : " صِيَام يَوْم عَرَفَة أحتسب عَلَى الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالسّنة الَّتِي بعده، وَصِيَام يَوْم عَاشُورَاء أحتسب عَلَى الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله ". قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» (4) : هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْبَاب. قَالَ: وَرُوِيَ من طَرِيق عَائِشَة " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعدل صَوْمه بِصَوْم ألف يَوْم - يَعْنِي يَوْم عَرَفَة " قَالَ: وَفِي إِسْنَاد هَذَا سُلَيْمَان بن مُوسَى الْكُوفِي وَلَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه، وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ. قلت: وَرُوِيَ من طرق أُخْرَى: إِحْدَاهَا: عَن زيد بن أَرقم " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن صِيَام يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: يكفر السّنة الَّتِي أَتَت فِيهَا وَالسّنة الَّتِي بعْدهَا " (5) . ثَانِيهَا: عَن سهل بن سعد مَرْفُوعا: " من صَامَ يَوْم عَرَفَة غفر لَهُ ذَنْب   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 245 - 246) . (2) «صَحِيح مُسلم» (2 / 819 رقم 1162 / 197) . (3) «صَحِيح مُسلم» (2 / 819 رقم 1162 / 196) . (4) «الضُّعَفَاء الْكَبِير» (3 / 140 - 141) . (5) «المعجم الْكَبِير» (5 / 202 رقم 5089) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 746 سنتَيْن متتابعتين " (1) . ثَالِثهَا: عَن قَتَادَة (بن) (2) النُّعْمَان مَرْفُوعا: " (من صَامَ) (3) يَوْم عَرَفَة غفر لَهُ سنة أَمَامه، وَسنة خَلفه " (4) . رَابِعهَا: عَن ابْن عمر قَالَ: " كُنَّا نعدل صَوْم (يَوْم) (5) عَرَفَة وَنحن مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِصَوْم سنة " (6) . رواهن الطَّبَرَانِيّ. خَامِسهَا: عَن عَائِشَة رفعته: " صَوْم يَوْم عَرَفَة يكفر الْعَام (الَّذِي) (7) قبله " رَوَاهُ أَحْمد (8) من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر عَنْهَا بِهِ. سادسها: عَن أنس عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ " أَنه كَانَ فِي جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم: أَي يَوْم هَذَا؟ قَالُوا: يَوْم عَرَفَة. فَقَالَ: كَذَلِك يعرف الله بَين أهل التَّقْوَى فِي الْقِيَامَة، وَهُوَ يَوْم صَوْمه ثَوَاب أَرْبَعِينَ سنة ". ذكره الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فِي تَرْجَمَة عبد الْمُؤمن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الإسكاف فِي «العقد الْمُثمن فِيمَن تسمى بِعَبْد الْمُؤمن» من حَدِيث حبيب ابْن الشَّهِيد، عَن الْحسن، عَن أنس بِهِ.   (1) «المعجم الْكَبِير» (6 / 179 رقم 5923) . (2) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «المعجم الْكَبِير» . (3) فِي «أ، ل» : إِن صِيَام. والمثبت من «م» و «المعجم الْكَبِير» . (4) «المعجم الْكَبِير» (19 / 504 رقم 6، 8) . (5) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل» و «المعجم الْأَوْسَط» . (6) «المعجم الْأَوْسَط» (1 / 229 رقم 751) وَفِيه «سنتَيْن» بدل «سنة» . (7) فِي «أ، ل» : الَّتِي. والمثبت من «م» و «الْمسند» . (8) «الْمسند» (6 / 128) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 747 الحَدِيث الثَّانِي " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يصم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (2) من حَدِيث أم الْفضل بنت الْحَارِث " أَن نَاسا اخْتلفُوا عِنْدهَا يَوْم عَرَفَة فِي صَوْم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ بَعضهم: (هُوَ صَائِم. وَقَالَ بَعضهم) (3) لَيْسَ بصائم. فَأرْسلت إِلَيْهِ بقدح لبن وَهُوَ وَاقِف عَلَى بعيره فَشرب " وَأَخْرَجَا (4) مثله من حَدِيث أُخْتهَا مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ (5) مصححاً لَهُ، وَالنَّسَائِيّ (6) من حَدِيث ابْن عَبَّاس " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفطر بِعَرَفَة، وَأرْسلت إِلَيْهِ أم الْفضل بِلَبن فَشرب " قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» (7) : وَهُوَ عَلَى شَرط البُخَارِيّ. تَنْبِيه: اقْتصر ابْن الْأَثِير فِي «جَامع الْأُصُول» (8) عَلَى عزو حَدِيث أم الْفضل إِلَى البُخَارِيّ وَحده وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ. فَائِدَة: اسْم أم الْفضل: لبَابَة الْكُبْرَى، وَهِي أم ابْن عَبَّاس وَإِخْوَته وَكَانُوا سِتَّة نجباء، وَلها أُخْت يُقَال لَهَا: لبَابَة الصُّغْرَى، وَهِي أم خَالِد بن الْوَلِيد، وَكن عشر أَخَوَات، ومَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ إِحْدَاهُنَّ، وَذكر ابْن   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 246) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 278 رقم 1988) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 791 رقم 1123) . (3) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» و «الصَّحِيحَيْنِ» . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 278 رقم 1989) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 791 رقم 1124) . (5) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 124 - 125 رقم 750) . (6) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 153 رقم 2815، 2816) . (7) «الاقتراح» (ص 386) . (8) «جَامع الْأُصُول» (6 / 358 رقم 4522) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 748 سعد وَغَيره أَن أم الْفضل أول امْرَأَة أسلمت بعد خَدِيجَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة " (1) . هَذَا الحَدِيث (2) رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (3) ، وَأَبُو دَاوُد (4) ، وَابْن مَاجَه (5) ، وَالنَّسَائِيّ (6) فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث حَوْشَب بن عقيل، عَن مهْدي الهجري الْعَبْدي، عَن عِكْرِمَة مولَى ابْن عَبَّاس، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وحوشب (7) هَذَا وَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ، وَضَعفه الْأَزْدِيّ وَابْن حزم (8) . ومهدي رَوَى عَن عِكْرِمَة، وَعنهُ حَوْشَب بن عقيل فَقَط. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «كِتَابه» (9) عَن ابْن معِين: أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَنقل الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» (10) عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ: لَا أعرفهُ. وَالَّذِي فِي كِتَابه مَا حكيته، وَقَالَ ابْن حزم: مَجْهُول. إِلَّا أَنه سَمَّاهُ مهْدي بن هِلَال. وَسَماهُ عبد الْحق (11) مهْدي بن حَرْب وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف. وَسَماهُ الْحَاكِم (12) مهْدي بن حسان، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (13) (وَأخرج) (14) .   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 246) . (2) زَاد فِي «م» : صَحِيح. (3) «الْمسند» (2 / 304، 446) . (4) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 185 رقم 2432) . (5) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 551 رقم 1732) . (6) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 155 - 156 رقم 2830 - 2831) . (7) تَرْجَمته فِي «ميزَان الِاعْتِدَال» (1 / 622 رقم 2380) . (8) «الْمُحَلَّى» (7 / 18) . (9) «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (8 / 337 رقم 1549) . (10) «ميزَان الِاعْتِدَال» (4 / 195 رقم 8824) . (11) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 246) . (12) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 434) . (13) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 284) . (14) فِي «أ، ل» : بِإِخْرَاج. والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 749 الْحَاكِم الحَدِيث الْمَذْكُور فِي «مُسْتَدْركه» (1) من طَرِيقه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» (2) ، ثمَّ قَالَ: وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ (3) : وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأسانيد جِيَاد " أَنه لم يصم يَوْم عَرَفَة " وَلَا يَصح عَنهُ أَنه نهَى عَن صَوْمه، وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: " صَوْم عَرَفَة كَفَّارَة سنتَيْن سنة مَاضِيَة، وَسنة مُسْتَقْبلَة ". الحَدِيث الرَّابِع أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " صِيَام يَوْم عَاشُورَاء يكفر سنة " (4) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي أول الْبَاب وَلَفظه: " يكفر السّنة الْمَاضِيَة " وَفِي لفظ: " السّنة الَّتِي قبله " وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (5) بِلَفْظ الْكتاب. الحَدِيث الْخَامِس أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأصومن التَّاسِع " (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم (7) من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَئِن بقيت إِلَى قَابل لأصومن التَّاسِع ". وَفِي رِوَايَة لَهُ (8) : " فَلم يَأْتِ الْعَام الْمقبل حَتَّى توفّي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ". قَالَ   (1) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 434) . (2) «الضُّعَفَاء الْكَبِير» (1 / 298) . (3) «الضُّعَفَاء الْكَبِير» (1 / 298) . (4) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 246) . (5) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 395 رقم 3632) . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 246) . (7) «صَحِيح مُسلم» (2 / 798 رقم 1134 / 134) . (8) «صَحِيح مُسلم» (2 / 797 - 798 رقم 134 / 133) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 750 الرَّافِعِيّ (1) : وَفِي (صَوْم) (2) التَّاسِع مَعْنيانِ منقولان عَن ابْن عَبَّاس. أَحدهمَا: الِاحْتِيَاط؛ فَإِنَّهُ رُبمَا يَقع فِي الْهلَال غلط فيظن الْعَاشِر التَّاسِع. وَثَانِيهمَا: مُخَالفَة الْيَهُود فَإِنَّهُم لَا يَصُومُونَ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، فعلَى هَذَا لَو لم يصم التَّاسِع مَعَه اسْتحبَّ أَن يَصُوم الْحَادِي عشر. قلت: المعنيان رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، الأول (3) : من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن شُعْبَة مولَى ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ ابْن عَبَّاس يَصُوم عَاشُورَاء يَوْمَيْنِ ويوالي بَينهمَا مَخَافَة أَن يفوتهُ ". وَالثَّانِي (4) : من حَدِيث الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان أَنه سمع عبيد الله بن أبي يزِيد يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: " صُومُوا التَّاسِع والعاشر وَلَا تشبهوا باليهود ". وَفِي الْبَيْهَقِيّ (5) أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن دَاوُد بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " (لَئِن) (6) بقيت لآمرن بصيام يَوْم قبله أَو يَوْم بعده، يَوْم عَاشُورَاء " وَفِي رِوَايَة لَهُ (7) عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: " صُومُوا يَوْم عَاشُورَاء وخالفوا فِيهِ الْيَهُود وصوموا قبله يَوْمًا أَو بعده يَوْمًا " وَفِي رِوَايَة لَهُ (8) : " صُومُوا قبله يَوْمًا وَبعده يَوْمًا ". الحَدِيث السَّادِس أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ (بست) (9) من شَوَّال فَكَأَنَّمَا   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 246) . (2) فِي «م» : صَوْمه. والمثبت من «أ، ل» . (3) «الْمعرفَة» (3 / 430) . (4) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 287) . (5) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 287) . (6) فِي «أ، ل» : إِن. والمثبت من «م» و «السّنَن الْكُبْرَى» (7) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 287) . (8) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 287) . (9) فِي «م» : ستًّا. والمثبت من «أ، ل» . و «الشَّرْح الْكَبِير» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 751 صَامَ الدَّهْر " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح حفيل جليل من حَدِيث سعد بن سعيد الْأنْصَارِيّ أخي يَحْيَى (و) (2) عبد ربه ابْني سعيد، رَوَاهُ عَن عمر بن ثَابت، عَن أبي أَيُّوب خَالِد بن زيد الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا. وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لأبي دَاوُد (3) ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (4) وَلَفظ مُسلم (5) : " ثمَّ أتبعه ستًّا من شَوَّال» بدل " بست من شَوَّال " وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن سعد بن سعيد هَذَا (تِسْعَة) (6) وَعِشْرُونَ رجلا أَكْثَرهم ثِقَات حفاظ أثبات، وَقد ذكرت كل ذَلِك عَنْهُم موضحاً فِي «تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب» مَعَ الْجَواب عَمَّن طعن فِي سعد بن سعيد وَأَنه لم ينْفَرد بِهِ وتوبع عَلَيْهِ، وَذكرت لَهُ ثَمَان شَوَاهِد، وأجبت عَن كَلَام ابْن دحْيَة الْحَافِظ فَإِنَّهُ طعن فِيهِ، فراجع ذَلِك جَمِيعه مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات الَّتِي يرحل إِلَيْهَا. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: " بست من شَوَّال " أَو " ستًّا من شَوَّال " هُوَ بِغَيْر هَاء التَّأْنِيث فِي آخِره، هَذِه لُغَة الْعَرَب الفصيحة الْمَعْرُوفَة (تَقول) (7) : صمنا خمْسا، وصمنا ستًّا، وصمناً عشرا وَثَلَاثًا، وَشبه ذَلِك بِحَذْف الْهَاء، وَإِن كَانَ المُرَاد مذكراً وَهُوَ الْأَيَّام، فَمَا لم يصرحوا بِذكر الْأَيَّام، يحذفون الْهَاء، فَإِن ذكرُوا الْمُذكر أثبتوا الْهَاء فَقَالُوا: صمنا سِتَّة   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 246) . (2) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» وَهُوَ الصَّوَاب، وَانْظُر «التَّهْذِيب» (10 / 262) ، تَرْجَمَة سعد بن سعيد الْأنْصَارِيّ. (3) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 182 رقم 2425) . (4) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 396 - 397 رقم 3634) . (5) «صَحِيح مُسلم» (2 / 822 رقم 1164) (6) فِي «ل» : سَبْعَة. والمثبت من «أ، م» . (7) من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 752 أَيَّام، وَعشرَة أَيَّام، وَشبهه. وَنقل ذَلِك عَن الْعَرَب: الفرَّاء، ثمَّ ابْن السّكيت، وَغَيرهمَا. الحَدِيث السَّابِع " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَوْصَى أَبَا ذَر بصيام أَيَّام الْبيض الثَّالِث عشر، وَالرَّابِع عشر، وَالْخَامِس عشر " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ (2) وَالتِّرْمِذِيّ (3) وَحسنه من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ " إِذا صمت من الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام فَصم ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة ". وَفِي رِوَايَة للنسائي (4) : " أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن نَصُوم من الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام الْبيض: ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة ". وَرَوَاهَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (5) وَفِي رِوَايَة لَهُ (6) : " أمرنَا بِصَوْم ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة ". وللنسائي (7) من حَدِيث ابْن الحوتكية قَالَ: قَالَ أبي: " جَاءَ أَعْرَابِي ... " أَي فَذكر قصَّة، وَفِي آخرهَا قَالَ لله: " إِن كنت صَائِما فَعَلَيْك بالغر الْبيض: ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة ". ثمَّ قَالَ النَّسَائِيّ: وَالصَّوَاب عَن أبي ذَر، وَيُشبه أَن يكون وَقع من الْكَاتِب   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 247) . (2) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 540 رقم 2421) . (3) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 134 رقم 761) . (4) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 540 رقم 2422» . (5) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 415 - 416 رقم 3656) . (6) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 414 - 415 رقم 3655) . (7) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 541 رقم 2426) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 753 «ذَر» فَقيل «أبي» . وَله (1) - أَعنِي النَّسَائِيّ - وَكَذَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (2) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، إِلَى قَوْله: «الغر» قَالَ ابْن حبَان: سمع هَذَا (الْخَبَر) (3) مُوسَى بن طَلْحَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وسَمعه ابْن الحوتكية عَن أبي ذَر والطريقان جَمِيعًا محفوظان. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» (4) : عَن جرير مَرْفُوعا: " صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صِيَام الدَّهْر، الْأَيَّام الْبيض ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، (وَخمْس عشرَة) (5) " قَالَ أَبُو زرْعَة: رُوِيَ مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا وَهُوَ أصح الحَدِيث الثَّامِن " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يتَحَرَّى صِيَام يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس " (6) . هَذَا الحَدِيث لم أره فِي النّسخ الثَّابِتَة من الرَّافِعِيّ، ورأيته فِي بَعْضهَا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ التِّرْمِذِيّ (7) ، وَالنَّسَائِيّ (8) ، وَابْن مَاجَه (9) فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (10) من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث   (1) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 539 رقم 2420) . (2) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 410 - 411 رقم 3650) . (3) فِي «م» : الحَدِيث. والمثبت من «أ، ل» و «صَحِيح ابْن حبَان» . (4) «علل ابْن أبي حَاتِم» (1 / 266 - 267 رقم 785) . (5) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل» و «علل ابْن أبي حَاتِم» . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 247) . (7) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 121 رقم 745) . (8) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 517 - 518 رقم 2359 - 2362) . (9) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 553 رقم 1739) . (10) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 404 - 405 رقم 4643) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 754 حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَفِي رِوَايَة للنسائي (1) وَابْن حبَان (2) " أَن رجلا سَأَلَ عَائِشَة عَن الصّيام فَقَالَت: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يَصُوم شعْبَان كُله [حَتَّى يصله برمضان] (3) ويتحرى صِيَام الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ". وَأعله ابْن الْقطَّان (4) بِأَن رَاوِيه عَن عَائِشَة ربيعَة الجرشِي وَهُوَ إِن لم يكن لَهُ صُحْبَة فَلَا يعرف أَنه ثِقَة، وَقد قَالَ بعض النَّاس إِن لَهُ صُحْبَة، وَكَانَ فَقِيه النَّاس أَيَّام مُعَاوِيَة، قَالَه أَبُو المتَوَكل النَّاجِي، وَلَكِن لَيْسَ كل فَقِيه ثِقَة فِي الحَدِيث. قَالَ: وَلست أرَى هَذَا الحَدِيث صَحِيحا من أَجله، وَمن أجل الِاخْتِلَاف فِي ثَوْر بن يزِيد الرَّاوِي عَن خَالِد بن معدان عَنهُ وَمَا رمي بِهِ من الْقدر. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه كُله. الحَدِيث التَّاسِع أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " تعرض الْأَعْمَال عَلَى الله يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَأحب أَن يعرض عَمَلي وَأَنا صَائِم " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (6) وَابْن مَاجَه (7) بِهَذَا اللَّفْظ   (1) «سنَن النَّسَائِيّ» (4 / 462 رقم 2186) وَلَفظه: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَصُوم شعْبَان ورمضان ويتحرى الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس» . (2) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 404 - 405 رقم 3643) . (3) من «صَحِيح ابْن حبَان» . (4) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (4 / 270 - 271) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 247) . (6) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 122 رقم 747) . (7) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 553 رقم 1740) بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 755 من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1) وَالنَّسَائِيّ (2) من حَدِيث أُسَامَة بن زيد قَالَ: " قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك تَصُوم حَتَّى لَا تكَاد تفطر، وتفطر حَتَّى لَا تكَاد [أَن] (3) تَصُوم إِلَّا يَوْمَيْنِ إِن دخلا فِي صيامك وَإِلَّا صمتهما. قَالَ: أَي يَوْمَيْنِ؟ قلت: يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس. قَالَ: ذَاك يَوْمَانِ تعرض فيهمَا الْأَعْمَال عَلَى رب الْعَالمين، فَأحب أَن يعرض عَمَلي وَأَنا صَائِم " هَذَا لفظ النَّسَائِيّ، وَلَفظ أبي دَاوُد نَحوه، وَرَوَاهُ أَحْمد (4) بِلَفْظ النَّسَائِيّ بِزِيَادَة: " وَلم أرك [تَصُوم] (5) من شهر من الشُّهُور مَا تَصُوم من شعْبَان. قَالَ: ذَاك شهر يغْفل النَّاس عَنهُ بَين رَجَب ورمضان، وَهُوَ شهر ترفع فِيهِ الْأَعْمَال إِلَى رب الْعَالمين فَأحب أَن يرفع عَمَلي وَأَنا صَائِم ". وَرَوَى النَّسَائِيّ (6) هَذِه الزِّيَادَة وَحدهَا من حَدِيث أُسَامَة أَيْضا، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد (7) " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَكثر مَا يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَقيل لَهُ فَقَالَ: الْأَعْمَال تعرض كل اثْنَيْنِ وخميس [- أَو كل يَوْم اثْنَيْنِ وخميس -] (8) فَيغْفر [الله] (9) لكل مُسلم - أَو لكل مُؤمن - إِلَّا (المتهاجرين) (10) فَيُقَال: أخروهما ".   (1) «سنَن أبي دَاوُد (3 / 183 رقم 2428) . (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (2 / 121 رقم 3667) . (3) من «السّنَن الْكُبْرَى» للنسائي. (4) «الْمسند» (5 / 201) . (5) سَقَطت من «أ، ل، م» . والمثبت من «الْمسند» . (6) «السّنَن الْكُبْرَى» للنسائي (2 / 120 رقم 2666) . (7) «الْمسند» (2 / 329) . (8) من «الْمسند» . (9) من «الْمسند» . (10) فِي «أ، ل» : الْمُهَاجِرين. والمثبت من «م» و «الْمسند» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 756 الحَدِيث الْعَاشِر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَا (يَصُوم) (1) أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم قبله أَو يَصُوم بعده " (2) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (3) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " لَا يصم أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم قبله أَو يَصُوم بعده " وَهَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: " لَا (يصومن) (4) أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم يَوْمًا قبله أَو بعده " وَفِي رِوَايَة لمُسلم (5) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا: " لَا (تخصوا) (6) لَيْلَة الْجُمُعَة (بِصَلَاة) (7) من بَين اللَّيَالِي، وَلَا تخصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام إِلَّا أَن يكون فِي صَوْم يَصُومهُ أحدكُم " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (8) أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن عباد قَالَ: " سَأَلت جَابر بن عبد الله وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ: أنهَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن صِيَام يَوْم الْجُمُعَة " قَالَ: نعم وَرب هَذَا الْبَيْت ". زَاد البُخَارِيّ (9) فِي رِوَايَة مُنْقَطِعَة " يَعْنِي أَن ينْفَرد بصومه " وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ (10) من حَدِيث (جوَيْرِية) (11) " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهَا   (1) فِي «الشَّرْح الْكَبِير» : يصومن. (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 247) . (3) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 273 رقم 1985) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 801 رقم 1144 / 147) . (4) فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» : يَصُوم. (5) «صَحِيح مُسلم» (2 / 801 رقم 1144 / 148) . (6) فِي «مُسلم» : تختصوا. (7) فِي «مُسلم» : بِقِيَام. (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 273 رقم 1984) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 801 رقم 1143) وَاللَّفْظ لَهُ. (9) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 273 رقم 1984) . (10) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 273 رقم 1986) . (11) فِي «أ» : جويرة. والمثبت من «م، ل» وَجُوَيْرِية بنت الحارثة زوج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 757 يَوْم الْجُمُعَة وَهِي صَائِمَة، فَقَالَ لَهَا: أصمت أمس؟ قَالَت: لَا. قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَن (تصومي) (1) غَدا؟ قَالَت: لَا. قَالَ: فأفطري ". وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (2) عَن عبد الله بن (عَمْرو) (3) قَالَ: " دخل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى جوَيْرِية بنت الْحَارِث [يَوْم جُمُعَة] (4) وَهِي صَائِمَة ... " الحَدِيث. وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» (5) فِي تَرْجَمَة سَواد بن قَارب، وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط [مُسلم] (6) من حَدِيث جُنَادَة بن أبي أُميَّة قَالَ: " دخلت عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي نفر من الأزد يَوْم الْجُمُعَة فَدَعَانَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى طَعَام بَين يَدَيْهِ (فَقُلْنَا: إِنَّا صِيَام) (7) فَقَالَ: أصمتم أمس؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: أفتصومون غَدا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: فأفطروا. ثمَّ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْم الْجُمُعَة مُفردا ". وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَحْمد فِي «مُسْنده» (8) بِنَحْوِهِ. وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَصُوم من غرَّة كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، وقلما كَانَ يفْطر يَوْم الْجُمُعَة " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (9) ، وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَقَالَ ابْن عبد الْبر (10) : صَحِيح لَا يُخَالف هَذِه الْأَحَادِيث؛ فَإِنَّهُ مَحْمُول عَلَى أَنه لله كَانَ يصله بِيَوْم الْخَمِيس. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «استذكاره» (11) : اخْتلفت   (1) فِي «أ، ل» : تصومين. والمثبت من «م» و «صَحِيح البُخَارِيّ» . (2) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 375 - 376 رقم 3611) . (3) فِي «أ، ل» : عمر. والمثبت من «م» و «صَحِيح ابْن حبَان» . (4) من «صَحِيح ابْن حبَان» . (5) «الْمُسْتَدْرك» (3 / 608) وَذكره فِي تَرْجَمَة جُنَادَة بن أبي أُميَّة الْأَزْدِيّ. (6) «أ، ل، م» : الشَّيْخَيْنِ. والمثبت عَن «الْمُسْتَدْرك» . (7) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل» و «الْمُسْتَدْرك» . (8) «الْمسند» (6 / 324، 430) . (9) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 118 - 119 رقم 742) . (10) «الاستذكار» (10 / 260) . (11) «الاستذكار» (10 / 260 - 261) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 758 الْآثَار عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي صِيَام يَوْم الْجُمُعَة. فَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا، وَذكر عَن ابْن عمر (أَنه) (1) قَالَ: " مَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ (مُفطرا) (2) يَوْم الْجُمُعَة قطّ " وَعَزاهُ إِلَى ابْن أبي شيبَة، وَأَنه رَوَاهُ عَن حَفْص بن غياث، عَن (لَيْث) (3) بن أبي سليم، عَن عُمَيْر بن أبي عُمَيْر، عَن ابْن عمر. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس " أَنه كَانَ يَصُوم يَوْم الْجُمُعَة ويواظب عَلَيْهِ " وَرَوَى الدَّرَاورْدِي عَن صَفْوَان بن سليم، عَن رجل من بني (حثْمَة) (4) أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " من صَامَ يَوْم الْجُمُعَة كتبت لَهُ عشرَة أَيَّام (غُرر زهر) (5) من أَيَّام الْآخِرَة لَا تشاكلهن أَيَّام الدُّنْيَا ". رَوَاهُ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَغَيره عَن الدَّرَاورْدِي. الحَدِيث الْحَادِي عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَا تَصُومُوا يَوْم السبت إِلَّا فِيمَا افْترض عَلَيْكُم " (6) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد (7) وَأَبُو دَاوُد (8) وَالتِّرْمِذِيّ (9) وَالنَّسَائِيّ (10) وَابْن مَاجَه (11) فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (12) و (الدَّارمِيّ) (13) .   (1) من «م» و «الاستذكار» . (2) فِي «أ، ل» : يفْطر. والمثبت من «م» و «الاستذكار» . (3) فِي «أ، ل» : كثير. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «م» و «الاستذكار» . (4) فِي «الاستذكار» : جشم. (5) فِي «الاستذكار» : عددهن. (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 247) . (7) «الْمسند» (6 / 368) . (8) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 175 - 176 رقم 2413) . (9) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 120 رقم 744) . (10) «سنَن النَّسَائِيّ الْكُبْرَى» (2 / 143 - 144 رقم 2762 - 2764) . (11) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 550 رقم 1726) . (12) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 435) . (13) فِي «م» : الدَّارَقُطْنِيّ. والمثبت من «أ، ل» والْحَدِيث فِي «مُسْند الدَّارمِيّ» (2 / 32 رقم 1749) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 759 فِي «مُسْنده» وَالطَّبَرَانِيّ (1) وَالْبَيْهَقِيّ (2) من حَدِيث عبد الله بن بُسر - بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان السِّين الْمُهْملَة - عَن أُخْته الصماء أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَا تَصُومُوا يَوْم السبت إِلَّا فِيمَا افْترض عَلَيْكُم فَإِن لم يجد أحدكُم إِلَّا لحاء عنبة أَو عود شَجَرَة فليمضغه ". وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: " إِلَّا لحاء شَجَرَة فليقضمه " وَلَفظ الدَّارمِيّ كَذَلِك وَقَالَ: " إِلَّا (كفًّا) (3) أَو لحاء شَجَرَة (فليمضغه) (4) ". وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» (5) من حَدِيث عبد الله بن بسر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» (6) كَذَلِك من طَرِيقين، وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي «صحاحه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: " لَا تَصُومُوا يَوْم السبت إِلَّا فِي فَرِيضَة فَإِن لم يجد أحدكُم إِلَّا عود كرم أَو لحاء شَجَرَة فليمضغه ". قَالَ التِّرْمِذِيّ عقب إِخْرَاجه (لَهُ) (7) من حَدِيث الصماء: (هَذَا) (8) حَدِيث حسن. قَالَ: وَمَعْنى الْكَرَاهِيَة فِي هَذَا أَن يخص الرجل يَوْم السبت بصيام؛ لِأَن الْيَهُود يعظمون يَوْم السبت. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (9) : قَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَا زلت بِهَذَا الحَدِيث كَاتِما ثمَّ رَأَيْته انْتَشَر. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (10) : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط   (1) «المعجم الْكَبِير» (24 / 325 - 329 رقم 818) . (2) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 302) . (3) فِي «ل» لقا. وَفِي «مُسْند الدَّارمِيّ» : كَذَا. والمثبت من «أ، ل» . (4) فِي «م» : فليمصه. والمثبت من «أ، ل» و «مُسْند الدَّارمِيّ» . (5) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 379 رقم 3615) . (6) «الْمسند» (4 / 189) . (7) فِي «أ، ل» : أَنه. والمثبت من «م» . (8) فِي «أ، ل» : وَقَالَ. والمثبت من «م» . (9) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 302 - 303) . (10) «الْمُسْتَدْرك» (1 / 435 - 436) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 760 [البُخَارِيّ] (1) . قَالَ: وَله معَارض بِإِسْنَاد صَحِيح، وَقد أَخْرجَاهُ. فَذكر حَدِيث (جوَيْرِية السالف فِي) (2) الحَدِيث الَّذِي قبله، وَقد علمت أَنه من أَفْرَاد البُخَارِيّ، ثمَّ رَوَى عَن الزُّهْرِيّ أَنه كَانَ إِذا ذكر لَهُ أَنه نهي عَن صِيَام يَوْم السبت قَالَ: هَذَا حَدِيث حمصي. قَالَ الْحَاكِم: وَله معَارض بِإِسْنَاد صَحِيح. فَذكر بِإِسْنَادِهِ عَن كريب مولَى ابْن عَبَّاس " أَن [ابْن عَبَّاس] (3) وناساً من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعثوني إِلَى أم سَلمَة أسألها عَن ] أَي] (4) الْأَيَّام [كَانَ] (5) رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَكثر لَهَا صياما. فَقَالَت: يَوْم السبت والأحد. فَرَجَعت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ، فكأنهم أَنْكَرُوا ذَلِك، فَقَامُوا بأجمعهم إِلَيْهَا (فَقَالُوا: إِنَّا) (6) بعثنَا إِلَيْك هَذَا فِي كَذَا وَكَذَا. فَذكر أَنَّك قلت كَذَا وَكَذَا فَقَالَت: صدق، إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَكثر مَا كَانَ يَصُوم من الْأَيَّام يَوْم السبت والأحد، وَكَانَ يَقُول: إنَّهُمَا يَوْمًا عيد للْمُشْرِكين وَأَنا أُرِيد أَن أخالفهم ". هَذَا آخر كَلَامه. وَحَدِيث أم سَلمَة هَذَا أخرجه النَّسَائِيّ (7) وَالْبَيْهَقِيّ (8) فِي «سُنَنهمَا» وَأعله ابْن الْقطَّان (9) بِأَن قَالَ: فِيهِ مَجْهُولَانِ. وَأما الْحَاكِم فقد صَححهُ كَمَا علمت، وَكَذَا ابْن حبَان (10) فَإِنَّهُ   (1) فِي «أ، ل، م» : الشَّيْخَيْنِ. والمثبت من «الْمُسْتَدْرك» . (2) من «م» . (3) فِي «أ، ل، م» : كريباً. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «الْمُسْتَدْرك» . (4) من «الْمُسْتَدْرك» . (5) فِي «أ، ل، م» : أَكَانَ. والمثبت من «الْمُسْتَدْرك» . (6) فِي «أ، ل» : فَقَالَ إِنَّمَا. والمثبت من «م» و «الْمُسْتَدْرك» . (7) «السّنَن الْكُبْرَى للنسائي» (2 / 146 رقم 2776) . (8) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 303) . (9) انْظُر «الْوَهم وَالْإِيهَام» (4 / 265 - 267 رقم 1806) . (10) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 407 - 408 رقم 3646) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 761 أخرجه (فِي صَحِيحه) (1) عَن الْحسن بن سُفْيَان، نَا حبَان بن مُوسَى [أخبرنَا عبد الله] (2) ، أَنا عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي بن أبي طَالب، حَدثنِي [أبي] (3) عَن كريب ... فَذكره، وَقَول الْحَاكِم " إِنَّه معَارض لحَدِيث الصماء " لَيْسَ كَذَلِك بل يحمل حَدِيث الصماء عَلَى إِفْرَاده بِالصَّوْمِ، وَحَدِيث أم سَلمَة وَحَدِيث جوَيْرِية عَلَى مَا إِذا مَا صَامَ يَوْمًا قبله أَو يَوْمًا بعده، وَحَدِيث جوَيْرِية صَرِيح فِي ذَلِك كَمَا سلف. وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ (4) - وَقَالَ: حسن - من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: " كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَصُوم من الشَّهْر: السبت والأحد والاثنين، وَمن الشَّهْر الآخر: الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس ". ثمَّ اعْلَم أَن حَدِيث الصماء أعل بِأُمُور: أَحدهَا: بِالِاضْطِرَابِ حَيْثُ رُوِيَ عَن عبد الله بن بسر (عَنْهَا) (5) ، وَعنهُ عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعَن أَبِيه بسر عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعَن الصماء، عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ النَّسَائِيّ: وَهَذِه أَحَادِيث مضطربة. قلت: وَلَك أَن تَقول وَإِن كَانَت مضطربة فَهُوَ اضْطِرَاب غير قَادِح؛ فَإِن عبد الله ابْن بسر صَحَابِيّ (6) ، وَكَذَا وَالِده (7) والصماء (8) مِمَّن ذكرهم فِي الصَّحَابَة ابْن حبَان فِي أَوَائِل «الثِّقَات» فَتَارَة سَمعه من أَبِيه، وَتارَة من أُخْته، وَتارَة من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَتارَة سمعته أُخْته من عَائِشَة، وسمعته من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ عبد الْحق (9) : وَقيل فِي هَذَا الحَدِيث: عَن عبد الله بن بسر، عَن   (1) فِي «م» : وَصَححهُ. والمثبت من «أ، ل» . (2) سَقَطت من «أ، ل، م» والمثبت من «صَحِيح ابْن حبَان» . (3) سَقَطت من «أ، ل، م» والمثبت من «صَحِيح ابْن حبَان» . (4) «جَامع التِّرْمِذِيّ» (3 / 122 رقم 746) . (5) سَقَطت من «أ، ل) والمثبت من «م» . (6) «الثِّقَات» (3 / 232 - 233) . (7) «الثِّقَات» (3 / 35) . (8) «الثِّقَات» (3 / 197 - 198) . (9) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 225) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 762 عمته الصماء. قَالَ: وَهُوَ أصح. قلت: وَأخرجه من هَذَا الطَّرِيق الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (1) وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : إِن الصَّحِيح عَن عبد الله بن بسر، عَن أُخْته الصماء. ثَانِيهَا: أَنه حَدِيث كذب، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» (2) ، قَالَ مَالك: هَذَا الحَدِيث كذب. وَتَبعهُ ابْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ فِي «القبس» : وَأما يَوْم السبت فَلم يَصح فِيهِ الحَدِيث، وَلَو صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ مُخَالفَة أهل الْكتاب (وَفِيه نظر) (3) . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (4» : وَهَذَا القَوْل لَا يقبل من مَالك فقد صَححهُ الْأَئِمَّة. وَاعْتذر عَنهُ عبد الْحق (5) فَقَالَ: لَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا جعله كذبا من أجل رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد الكلَاعِي، فَإِنَّهُ كَانَ يُرْمَى بِالْقدرِ، وَلكنه كَانَ ثِقَة فِيمَا رَوَى، قَالَه يَحْيَى وَغَيره، وَقد رَوَى عَنهُ الجلة مثل: يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَابْن الْمُبَارك، و [الثَّوْريّ] (6) وَغَيرهم. ثَالِثهَا: أَنه مَنْسُوخ، قَالَه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» (7) وَفِيه نظر، قَالَ (النَّوَوِيّ) (8) فِي «شَرحه» (9) : هَذَا القَوْل (10) لَيْسَ بمقبول وَأي دَلِيل عَلَى نسخه؟ ! قلت: وَالْحق أَنه حَدِيث صَحِيح غير مَنْسُوخ. فَائِدَة: فِي اسْم الصماء أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه اسْمهَا صمية فسميت   (1) «السّنَن الْكُبْرَى» (4 / 302) . (2) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 177 رقم 2416) . (3) من «م» . (4) «الْمَجْمُوع» (6 / 451) . (5) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 225) . (6) فِي «أ، ل» : النَّوَوِيّ. وَفِي «م» : النواوي. وهما خطأ، والمثبت من «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» . (7) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 176) . (8) فِي «م» : الثَّوْريّ. وَهُوَ خطأ، والمثبت من «أ، ل» . (9) «الْمَجْمُوع» (6 / 451) . (10) زَاد فِي «م» : لَيْسَ بِالْقَوِيّ و. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 763 الصماء، قَالَه ابْن حبَان فِي «ثقاته» (1) . ثَانِيهَا: بُهية بِضَم الْبَاء، حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَحَكَاهُ عبد الْحق (2) أَيْضا. ثَالِثهَا: بَهِيمَة، حَكَاهُ عبد الْحق (3) فَقَالَ: اسْمهَا بهية، وَقيل: بَهِيمَة. وَهِي أُخْت عبد الله بن بسر، وَقيل: إِنَّهَا أُخْت بسر. وَالْأول أصح. تَنْبِيه: لم يعز هَذَا الحَدِيث ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» (4) إِلَى النَّسَائِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي «سنَنه الصُّغْرَى» ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي «الْكُبْرَى» كَمَا عزيته لَك أَولا فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الثَّانِي عشر أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لعبد الله بن عَمْرو: " لَا صَامَ من صَامَ الدَّهْر، صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صَوْم الدَّهْر " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (6) من هَذَا الْوَجْه (بِلَفْظ) (7) " لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد ثَلَاثًا " وَفِي آخر (8) " صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام ... " إِلَى آخِره. كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَسَقَطت الْوَاو فِي بعض نسخ الْكتاب، وَهُوَ من النساخ، وَهُوَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.   (1) «الثِّقَات» (3 / 197 - 198) . (2) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 225) . (3) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (2 / 225) . (4) «جَامع الْأُصُول» (6 / 360 رقم 4528) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 248) . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 260 رقم 1977) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 814 - 815 رقم 1159 / 186) . (7) من «م» . (8) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 260 رقم 1977) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 815 - 816 رقم 1159 / 187) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 764 الحَدِيث الثَّالِث عشر " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن صِيَام الدَّهْر " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بِلَفْظ: " لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد " كَمَا سلف، وَفِي أَفْرَاد مُسلم (2) من حَدِيث أبي قَتَادَة " أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ بِمن يَصُوم الدَّهْر؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أفطر - أَو لم يصم وَلم يفْطر ". وَفِي «مُسْند أَحْمد» (3) و «صَحِيح ابْن حبَان» (4) من حَدِيث عبد الله بن الشخير رَفعه: «من صَامَ الْأَبَد فَلَا صَامَ وَلَا أفطر ". وَمن حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن (5) " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قيل لَهُ: إِن فلَانا لَا يفْطر نَهَار الدَّهْر إِلَّا لَيْلًا. فَقَالَ لله: لَا صَامَ وَلَا أفطر ". وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» (6) من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من صَامَ الدَّهْر (ضيقت) (7) عَلَيْهِ جَهَنَّم هَكَذَا. وَعقد (تسعين) (8) " وَرَوَاهُ (9) مَوْقُوفا (عَلَى) (10) أبي مُوسَى أَيْضا. وَهَذَا الحَدِيث احْتج بِهِ الْبَيْهَقِيّ عَلَى أَنه لَا كَرَاهَة فِي صَوْم الدَّهْر، وَمَعْنى (ضيقت) (11) .   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 248) . (2) «صَحِيح مُسلم» (2 / 818 - 819 رقم 1162 / 196) . (3) «الْمسند» (4 / 25، 26) . (4) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 348 - 349 رقم 3583) . (5) «مُسْند أَحْمد» (4 / 25، 26) و «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 348 رقم 3582) . (6) «السّنَن الْكُبْرَى» للبيهقي (4 / 300) . (7) فِي «أ» : صبَّتْ. والمثبت من «ل، م» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (8) فِي «م» سفين. والمثبت من «أ، ل» و «السّنَن الْكُبْرَى» . (9) «السّنَن الْكُبْرَى» للبيهقي (4 / 300) . (10) فِي «م» : عَن. والمثبت من «أ، ل» . (11) فِي «أ، ل» : صبَّتْ. والمثبت من «م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 765 عَلَيْهِ؛ أَي: عَنهُ فَلم يدخلهَا. أَو (ضيقت) (1) عَلَيْهِ أَي لَا يكون لَهُ فِيهَا مَوضِع. وَلما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (2) قَالَ فِي آخِره: قَالَ أَبُو الْوَلِيد يَعْنِي: أَن يدخلهَا (وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَأَشَارَ غَيره إِلَى الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى كَرَاهَته. و) (3) أوردهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» (4) فِي بَاب من كره صَوْم الدَّهْر. وَاسْتدلَّ بِهِ أَيْضا كَذَلِك ابْن حزم (5) ، وَقَالَ: إِنَّمَا أوردهُ رُوَاته كلهم عَلَى التَّشْدِيد وَالنَّهْي عَن صَوْمه. وَلما رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (6) حمله عَلَى من صَامَ الدَّهْر الَّذِي فِيهِ أَيَّام التَّشْرِيق وَالْعِيدَيْنِ.   (1) فِي «أ» : صبَّتْ. والمثبت من «ل، م» . (2) رَوَاهُ فِي «الْأَوْسَط» (3 / 83 رقم 2562) بِدُونِ قَول الطَّبَرَانِيّ: قَالَ أَبُو الْوَلِيد. . الخ. (3) لَيست فِي «أ، ل» والمثبت من «م» . (4) «مُصَنف ابْن أبي شيبَة» (2 / 491 رقم 5، 6) . (5) «الْمُحَلَّى» (7 / 16) . (6) «صَحِيح ابْن حبَان» (8 / 350) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 766 كتاب الِاعْتِكَاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 767 (صفحة فارغة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 768 كتاب الِاعْتِكَاف ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ اثْنَي عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " من اعْتكف فوَاق نَاقَة فَكَأَنَّمَا أعتق نسمَة " (1) . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعرفهُ بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ، ورأيته بِلَفْظ: " من رابط " بدل " من اعْتكف " (وَذكره الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» (2) بِلَفْظ: " العيادة قدر فوَاق نَاقَة ". قَالَ: والفواق - بِالضَّمِّ وَالْكَسْر -: مَا بَين الحلبتين من الْوَقْت؛ لِأَنَّهَا تحلب ثمَّ تتْرك سويعة يرضعها الفصيل لتدر، ثمَّ تحلب فَيُقَال: مَا أَقَامَ [عِنْده] (3) إِلَّا فواقاً. ثمَّ قَالَ: وَفِي الحَدِيث ... فَذكره كَمَا أوردناه) (4) . وَفِي «ضعفاء الْعقيلِيّ» (5) من حَدِيث أنس بن عبد الحميد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، (عَن) (6) عَائِشَة مَرْفُوعا: " من رابط فوَاق (نَاقَة) (7) حرمه الله عَلَى النَّار " ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَقد رَأَيْت لأنس هَذَا غير حَدِيث من هَذَا النَّحْو. ثمَّ رَوَاهُ (8) من طَرِيق آخر عَنْهَا (مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يعرف إِلَّا   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 249) . (2) «الصِّحَاح» (4 / 1272) . (3) فِي «أ، ل» : عَنهُ. والمثبت من «الصِّحَاح» . (4) سقط من «م» والمثبت من «أ، ل» . (5) «الضُّعَفَاء الْكَبِير» (1 / 22) . (6) سَقَطت من «أ» والمثبت من «م، ل» . (7) فِي «م» . نَاقَته. والمثبت من «أ، ل» و (الضُّعَفَاء الْكَبِير» . (8) «الضُّعَفَاء الْكَبِير» (2 / 143) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 769 بِسُلَيْمَان وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ) (1) وَكَانَ سُلَيْمَان مُنكر الحَدِيث. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ من هَذَا الْوَجْه فِي «علله» (2) ووهاه أَيْضا. وَورد فِي فضل الِاعْتِكَاف حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَرْفُوع: " الْمُعْتَكف هُوَ يعكف الذُّنُوب، ويجرى لَهُ من الْحَسَنَات كعامل الْحَسَنَات كلهَا ". رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه) (3) من حَدِيث فرقد السبخي، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، بعد أَن ترْجم عَلَيْهِ بَاب فِي ثَوَاب الِاعْتِكَاف. وفرقد (4) هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَضَعفه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَحَدِيث الْحُسَيْن مَرْفُوعا: " اعْتِكَاف عشر فِي رَمَضَان كحجتين وعمرتين " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (5) بِإِسْنَاد ضَعِيف، بِسَبَب الْهياج بن بسطَام (6) الْمَتْرُوك، وَغَيره. وَأثر عبد الله بن عمر أَنه قَالَ: " حق (عَلَى) (7) الله - عَزَّ وَجَلَّ - من عكف نَفسه فِي الْمَسْجِد بعد الْمغرب إِلَى الْعشَاء لَا يتَكَلَّم إِلَّا (بقرآن) (8) أَو دُعَاء، أَو صَلَاة أَن يُبْنَى لَهُ (قصران) (9) فِي الْجنَّة عرض كل قصر (مِنْهُمَا) (10) مائَة عَام ". رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» .   (1) سَقَطت من «أ، ل» والمثبت من «م» . (2) «الْعِلَل المتناهية» (2 / 581 رقم 953) . (3) «سنَن ابْن مَاجَه» (1 / 566 - 567 رقم 1781) . (4) تَرْجَمته فِي «التَّهْذِيب» (23 / 164 - 169) . (5) «المعجم الْكَبِير» (3 / 128 رقم 2888) . (6) تَرْجَمته فِي «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» (9 / 112 رقم 474) . (7) من «م» . وَسَقَطت من «أ، ل» . (8) فِي «م» . بِقِرَاءَة. والمثبت من «ل، أ» . (9) فِي «م» : قصراً. والمثبت من «أ، ل» . (10) فِي «أ» : مِنْهَا. والمثبت من «ل، م» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 770 فَائِدَة: فوَاق - بِضَم الْفَاء وَفتحهَا - مَا بَين الحلبتين من الْوَقْت؛ لِأَنَّهَا تحلب ثمَّ تتْرك سويعة ثمَّ يرضعها الفصيل لتدر ثمَّ تحلب. وَقيل: مَا بَين الشخبتين. الحَدِيث الثَّانِي " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى قَبضه الله " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (2) من حَدِيث عَائِشَة " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى توفاه الله، ثمَّ اعْتكف أَزوَاجه من بعده " وَقد تقدم فِي أثْنَاء كتاب الصّيام أَيْضا. الحَدِيث الثَّالِث أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " تحروا لَيْلَة الْقدر فِي الْوتر من الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان " (3) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (4) من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا كَذَلِك، وَلم يذكر مُسلم لَفْظَة «فِي الْوتر» . الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يعْتَكف   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 349) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 318 رقم 2026) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 831 رقم 1172 / 5) . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 350) . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 305 رقم 2017) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 228 رقم 1169) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 771 (الْعشْر) (1) الْأَوْسَط من رَمَضَان، فاعتكف عَاما فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي يخرج فِي صبيحتها من اعْتِكَافه قَالَ: من كَانَ اعْتكف معي فليعتكف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر. قَالَ: فَأريت هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ أنسيتها، وَرَأَيْت (أَنِّي) (2) أَسجد فِي صبيحتها فِي مَاء وطين، فالتمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر، والتمسوها فِي كل وتر. فأمطرت السَّمَاء تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَ الْمَسْجِد عَلَى عَرِيش، فوكف الْمَسْجِد. قَالَ أَبُو سعيد: فَأَبْصَرت عَيْنَايَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ انْصَرف وَعَلَى جَبهته وَأَنْفه أثر المَاء والطين من صَبِيحَة إِحْدَى وَعشْرين " (3) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (4) من هَذَا الْوَجْه من طرق بِأَلْفَاظ. الحَدِيث الْخَامِس عَن عبد الله بن أنيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه " أَنه قَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنِّي أكون بباديتي وَإِنِّي أُصَلِّي بهم فمرني بليلة فِي هَذَا الشَّهْر أنزلهَا فِي الْمَسْجِد فأصلي فِيهِ. فَقَالَ: أنزل فِي لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين ". هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» (5) مُنْفَردا بِهِ. والسياق الْمَذْكُور لأبي دَاوُد (6) من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن   (1) سَقَطت من «أ» والمثبت من «ل، م» و «الشَّرْح الْكَبِير» . (2) من «م» وَسَقَطت من «أ، ل» . (3) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 250) . (4) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 305، 318 - 319 رقم 2018، 2027) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 824 - 827 رقم 1167) . (5) «صَحِيح مُسلم» (2 / 827 رقم 1168) . (6) «سنَن أبي دَاوُد» (2 / 232 رقم 1375) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 772 إِبْرَاهِيم، عَن ابْن عبد الله بن أنيس (عَن أَبِيه) (1) أَنه قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِن لي بادية أكون فِيهَا وَأَنا أُصَلِّي فِيهَا بِحَمْد الله، فمرني بليلة أنزلهَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد (فَقَالَ) (2) : انْزِلْ لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين " ثمَّ ذكر فِيهِ قصَّة. وسياقة مُسلم (3) عَن عبد الله بن أنيس أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " أريت لَيْلَة الْقدر ثمَّ أنسيتها، وَأرَانِي (صبحتها) (4) أَسجد فِي مَاء وطين. فمطرنا لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين فَصَلى بِنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَانْصَرف وَإِن أثر المَاء والطين عَلَى جَبهته وَأَنْفه. (قَالَ) (5) : وَكَانَ عبد الله بن أنيس يَقُول: ثَلَاث وَعِشْرُونَ ". الحَدِيث السَّادِس أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: " يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف لَيْلَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أوف بِنَذْرِك " (6) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (7) من حَدِيث ابْن عمر " أَن عمر قَالَ. . " الحَدِيث. زَاد البُخَارِيّ: " فاعتكف لَيْلَة ". وَفِي رِوَايَة للدارقطني (8) ، وَالْبَيْهَقِيّ (9) " أَن عمر نذر أَن يعْتَكف فِي   (1) من «م» و «صَحِيح مُسلم» وَسقط من «ل، أ» . (2) فِي «أ، ل» : قَالَ. والمثبت من «م» و «سنَن أبي دَاوُد» . (3) «صَحِيح مُسلم» (2 / 827 رقم 1168) . (4) فِي «ل» : صبيحتها. وَفِي «صَحِيح مُسلم» صبحها. والمثبت من «أ، م» . (5) من «م» و «صَحِيح مُسلم» وَسقط من «أ، ل» . (6) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 256) . (7) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 321 - 322 رقم 2032) و «صَحِيح مُسلم» (3 / 1277 - 1278 رقم 1656) . (8) «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» (2 / 201 رقم 13) . (9) «السّنَن الْكُبْرَى» (10 / 76) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 773 الشّرك ويصوم، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أوف بِنَذْرِك ". قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر نذر الصَّوْم غَرِيب تفرد بِهِ عبد الله بن بشر. وَقَالَ عبد الْحق (1) : إِسْنَاد حسن، تفرد بِهَذَا اللَّفْظ سعيد بن بشير، عَن [عبيد الله] (2) بن عمر. قَالَ ابْن الْقطَّان (3) وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن سعيد بن بشير يخْتَلف فِيهِ. وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (4) فَقَالَ: تفرد بِهِ سعيد هَذَا، قَالَ يَحْيَى وَابْن نمير: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. الحَدِيث السَّابِع " أَن نسَاء رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كن يعتكفن فِي الْمَسْجِد " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (6) من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا أَرَادَ أَن يعْتَكف صَلَّى الْفجْر، ثمَّ دخل مُعْتَكفه وَأَنه أُمر بخبائها فَضرب - أَرَادَ الِاعْتِكَاف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان - فَأمرت زَيْنَب بخبائها فَضرب، وَأمر غَيرهَا من أَزوَاج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بخبائهم فَضرب، فَلَمَّا صَلَّى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْفجْر نظر فَإِذا الأخبية، فَقَالَ: آلبر تردن؟ فَأمر بخبائه فقوض وَترك الِاعْتِكَاف فِي شهر رَمَضَان حَتَّى اعْتكف فِي الْعشْر الأول من شَوَّال ".   (1) «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» (3 / 250) . (2) من «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» وَسقط من «أ، ل، م» . (3) «الْوَهم وَالْإِيهَام» (3 / 442) . (4) «التَّحْقِيق» (2 / 110) . (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 262) . (6) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 332 - 333 رقم 2041) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 831 رقم 1173 / 6) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 774 الحَدِيث الثَّامِن أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: مَسْجِدي هَذَا، وَالْمَسْجِد الْحَرَام، وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى ". هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (1) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَذَلِك. الحَدِيث التَّاسِع " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَمر ضباعة (بالإهلال بِشَرْط التَّحَلُّل " (2) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح (3) أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا كَمَا ستعلمه فِي الْحَج " (4) إِن شَاءَ الله فَهُوَ أليق بِهِ. الحَدِيث الْعَاشِر " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يُدْني رَأسه إِلَى عَائِشَة فترجِّله وَهُوَ معتكف فِي الْمَسْجِد " (5) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كَمَا ستعلمه بَعْدُ (6) . والترجيل: التسريح.   (1) «صَحِيح البُخَارِيّ» (3 / 76 رقم 1189) و «صَحِيح مُسلم» (2 / 1014 رقم 1397 / 511) . (2) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 269) . (3) من «م» . (4) يَأْتِي تَخْرِيجه فِي «الْحَج» قَرِيبا إِن شَاءَ الله. (5) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 271) . (6) يُخرَّج فِي الحَدِيث الْآتِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 775 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها " أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ إِذا اعْتكف لَا يدْخل الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان " (1) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (2) من حَدِيثهَا قَالَت: " إِنْ كانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليُدْخل عليَّ رَأسه وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فأُرَجِّله، وَكَانَ لَا (يدْخل) (3) (الْبَيْت) (4) إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان إِذا كَانَ معتكفاً " (وَلَفظ) (5) " الْإِنْسَان " لَيست فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وموجودة فِي «صَحِيح مُسلم» فِي «كتاب الطَّهَارَة» و (ثَبت لفظ) (6) " الْإِنْسَان " (أَيْضا) (7) فِي «سنَن أبي دَاوُد» (8) بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، (قَالَت) (9) : " كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا اعْتكف يُدني إليَّ رَأسه، وَكَانَ لَا يدْخل الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة الْإِنْسَان ". وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» (10) أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح قَالَت: " إِن   (1) «الشَّرْح الْكَبِير» (3 / 272) . (2) «صَحِيح البُخَارِيّ» (4 / 320 - 321 رقم 2029) و «صَحِيح مُسلم» (1 / 244 رقم 297 / 7) . (3) وَقع فِي «أ» : يدْخلهُ. محرف، والمثبت من «م، ل» . (4) سَقَطت من «ل» والمثبت من «أ، م» . (5) وَقع فِي «ل» : فلفظة. والمثبت من «أ، م» . (6) فِي «ل» : ثبتَتْ لَفْظَة. والمثبت من «أ، م» . (7) سَقَطت من «ل» والمثبت من «أ، م» . (8) «سنَن أبي دَاوُد» (3 / 196 رقم 2459) . (9) فِي «م» : قَالَ. محرف. والمثبت من «أ، ل» . (10) «السّنَن الْكُبْرَى» للنسائي (2 / 265 - 266 رقم 3370) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 776 كتاب الْحَج كتاب الْحَج قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نزلت (فَرِيضَة الْحَج سنة) خمس من الْهِجْرَة، وأخره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من غير مَانع، فَإِنَّهُ خرج إِلَى مَكَّة سنة سبع لقَضَاء الْعمرَة وَلم يحجّ، وَفتح مَكَّة سنة ثمانٍ، وبعثَ أَبَا بكر أَمِيرا عَلَى (الحاجِّ) سنة تسع، وَحج هُوَ سنة عشر وعاش بعْدهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا ثمَّ قبض. هَذَا لَفظه، وَمَا جزمَ بِهِ من كونِ الْحَج فُرِضَ سنة خمس مُخَالف لما رَجحه فِي «كتاب السِّير» فَإِنَّهُ قَالَ: فُرِض سنة ستٍّ، وَقيل: سنة خمس. (وَتَبعهُ فِي «الرَّوْضَة» عَلَيْهَا، وصَحَّحَ ابْن (الرّفْعَة) أَيْضا أَنه سنة سِتّ، وَنَقله فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن الْأَصْحَاب، وَقيل: إِنَّه فُرض سنة ثَمَان. قَالَ الماورديُّ فِي «الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة» : وَقيل: سنة تسع. حَكَاهُ فِي «الرَّوْضَة» فِي السّنَن، وَقيل: قبل الْهِجْرَة. حَكَاهُ فِي «النِّهَايَة» ، وَقَوله: «وعاش بعْدهَا» أَي: بعد عَوْدِهِ من الْحَج لَا (بعد) الْحَج نفسِه، فَإِن الْحَج انْقَضَى ثَالِث عشر، وَتُوفِّي الشَّارِع ثَانِي عشر ربيع الأول، وَهَذِه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 الْأُمُور الَّتِي نقلهَا (الرَّافِعِيّ) (هُنَا) عَنهُ؛ كلهَا صَحِيحَة) ثمَّ ذكر فِي الْبَاب أَحَادِيث وأثرًا وَاحِدًا، أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «بني الْإِسْلَام عَلَى خمس ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَمَا سلف فِي الصَّوْم، وَهُوَ حَدِيث عَظِيم الْموقع كثير الْفَوَائِد. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِن الله كتب عَلَيْكُم الْحَج. فَقَامَ الْأَقْرَع بن حَابِس فَقَالَ: أَفِي كل عَام يَا رَسُول الله؟ قَالَ: لَو قلتهَا لَوَجَبَتْ، وَلَو وَجَبت لم تعملوا بهَا، (وَلم تستطيعوا أَن تعملوا بهَا) ، الْحَج مرّة، فَمن زَاد (فمتطوع) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ لفظ أَحْمد، أخرجه من حَدِيث سُلَيْمَان بن كثير، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سِنَان الدؤَلِي، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس ... » فَذكره، وَقَالَ: «فَهُوَ تطوع» بدل «فمتطوع» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء ثمَّ قَالَ: تَابعه سُفْيَان بن حُسَيْن، وَمُحَمّد بن أبي حَفْصَة، عَن الزُّهْرِيّ عَن (أبي سِنَان) ، وَقَالَ: عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سِنَان، وَهُوَ أَبُو سِنَان الدؤَلِي. قلت: (أما) مُتَابعَة سُفْيَان، فأخرجها أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه بِلَفْظ: «أَن الْأَقْرَع بن حَابِس سَأَلَ رَسُول الله فَقَالَ: يَا رَسُول الله، الْحَج فِي كل سنة أَو مرّة وَاحِدَة؟ (فَقَالَ: بل مرّة وَاحِدَة) فَمن زَاد (فتطوع) » . وَأما مُتَابعَة مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة؛ فأخرجها الْحَاكِم كَمَا سَيَأْتِي. قلت: وتابعهما أَيْضا سُلَيْمَان بن كثير كَمَا سلف، وَعبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 (الْجَلِيل) بن حُمَيْد، عَن الزُّهْرِيّ، وَلَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (قَامَ) (فَقَالَ) : إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - كتب عَلَيْكُم الْحَج. فَقَالَ الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي: كل عَام يَا رَسُول الله؟ فَسكت فَقَالَ: لَو قلت نعم لوَجَبت ثُمَّ إِذا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تطيعون، وَلكنه حجَّة وَاحِدَة» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث مُوسَى بن سَلمَة عَنهُ بِهِ، وأَعلَّه ابْن الْقطَّان بِجَهَالَة مُوسَى وَعبد الْجَلِيل. وَقَالَ: (فَالْحَدِيث) إِذا لَا يَصح من (أجلهما) . قلت: عبد الْجَلِيل رَوَى عَن الزُّهْرِيّ وَأَيوب، وَعنهُ جمَاعَة، وَهُوَ صَدُوق. ومُوسَى (قَالَ) النَّسَائِيّ فِي حَقه: صَالح الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي موضِعين من كتاب الْحَج من «مُسْتَدْركه» : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 أَحدهمَا: فِي أَوله من حَدِيث سُفْيَان (بن) حُسَيْن. كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه؛ إِلَّا أَنه قَالَ: «فَمن أَرَادَ (يتَطَوَّع) بدل «فَمن (زَاد) فمتطوع» ثَانِيهمَا: (بعد هَذَا) الْموضع بِنَحْوِ (كراسة) من حَدِيث عبد الله بن صَالح، نَا اللَّيْث، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن [مُسَافر] عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سِنَان الدؤَلِي، عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «يَا قوم، كتب الله عَلَيْكُم الْحَج. فَقَالَ الْأَقْرَع بن حَابِس: (أكل) عَام يَا رَسُول الله؟ فَصمت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ قَالَ: لَا، بل حجَّة وَاحِدَة، ثمَّ من حج بعد ذَلِك فَهُوَ تطوع، وَلَو قلت: نعم. لَوَجَبَتْ عَلَيْكُم، ثمَّ إِذا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تطيعون» ثمَّ قَالَ فِي الْإِسْنَاد الأول: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ (فَإِنَّهُمَا) لم يخرجَا (لِسُفْيَان) بن حُسَيْن وَهُوَ من الثِّقَات الَّذين يجمع حَدِيثهمْ. وَقَالَ فِي الحَدِيث الثَّانِي: هَذَا حَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَلم يخرجَاهُ. ثمَّ ذكره قبل هَذَا الحَدِيث من حَدِيث روح بن عبَادَة، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سِنَان، (عَن ابْن عَبَّاس) «أَن الْأَقْرَع بن حَابِس سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الْحَج كل عَام؟ قَالَ: (لَا) حجَّة وَاحِدَة، وَلَو قلت نعم لَوَجَبَتْ، وَلَو وَجَبت لم تسمعوا وَلم تطيعوا» وَذكره أَيْضا فِي كتاب «التَّفْسِير» من «مُسْتَدْركه» فِي تَفْسِير سُورَة «آل عمرَان» من حَدِيث سُلَيْمَان بن كثير بِهِ كَمَا سَاقه أَحْمد، إِلَّا أَنه زَاد: (أَو لم) تستطيعوا أَن تعملوا بهَا، الْحَج مرّة؛ فَمن زَاد فتطوع» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم (يخرجَاهُ) . قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، ثمَّ سَاقه بِلَفْظ: «سَأَلَ الْأَقْرَع بن حَابِس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: الْحَج فِي كل عَام مرّة؟ قَالَ: لَا بل مرّة وَاحِدَة فَمن زَاد (فتطوع) » ، ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَلّي بن أبي طَالب بالشرح وَالْبَيَان عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ عَن عَلّي بن عبد الْأَعْلَى، عَن أَبِيه، عَن أبي البخْترِي، عَن عَلّي قَالَ: «لما نزلت هَذِه الْآيَة (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَفِي كل عَام؟ فَسكت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 ثمَّ قَالُوا: أَفِي كل (عَام) ؟ فَسكت ثمَّ قَالُوا: أَفِي كل عَام؟ قَالَ: لَا، وَلَو قلت: نعم لَوَجَبَتْ. فَأنْزل الله (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء) الْآيَة» . قلت: وَهَذَا الحَدِيث ضَعِيف مُنْقَطع، أَبُو البخْترِي لم يسمع من عَلّي، قَالَ ابْن عبد الْبر: (لَهُ) (مَرَاسِيل) عَنهُ، وَلم يسمع مِنْهُ عبد الْأَعْلَى ضَعَّفوه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث رُبمَا رفع الحَدِيث وَرُبمَا وَقفه. وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس. وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي سُفْيَان. وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة مَتْرُوك. ثمَّ اعْلَم أَن ابْن حزم ذكر هَذَا الحَدِيث فِي محلاه من طَرِيق أبي دَاوُد (ثمَّ) قَالَ: لَا حجَّة فِيهِ؛ لِأَن رَاوِيه أَبُو سِنَان الدؤَلِي قَالَ فِيهِ عقيل: سِنَان مَجْهُول غير مَعْرُوف. انْتَهَى (وَهَذَا يُوهم) أنَّ عُقيلاً - أحد (رُوَاته) - قَالَ: «سِنَان مَجْهُول» وَلَيْسَ كَذَلِك، فَالَّذِي قَالَه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 أَبُو دَاوُد، وَهُوَ أَبُو سِنَان الدؤَلِي، وَكَذَا (قَالَه) عبد الْجَلِيل بن حميد وَسليمَان بن كثير جَمِيعًا، عَن الزُّهْرِيّ، وَقَالَ عُقيل: سِنَان؛ يَعْنِي: فِي رِوَايَة عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سِنَان، فعُرِف بِهَذَا أَن المُضَعِّف لأبي سِنَان: ابْن حزم لَا عُقيلاً، وَلَيْسَ هُوَ حِينَئِذٍ مَجْهُول؛ فقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره (الرَّافِعِيّ) دَلِيلا عَلَى أَن الْحَج لَا يجب بِأَصْل الشَّرْع إِلَّا مرّة وَاحِدَة، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث ثَابت فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، قد فرض الله عَلَيْكُم الْحَج فحجوا. فَقَالَ (رجل) : يَا رَسُول الله، أكل عَام؟ فَسكت حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلما اسْتَطَعْتُم. ثمَّ قَالَ: (ذروني) مَا تركتكم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِكَثْرَة سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائهمْ، فَإِذا أَمرتكُم (بِأَمْر) فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم، وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَدَعوهُ» . قَالَ صَاحب «الإِمَام» : وَرَوَاهُ أَبُو الجهم الْمَالِكِي (من) هَذَا الْوَجْه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 وَفِيه: «أَفِي كل عَام؟ فَسكت ثمَّ أعَاد، فَسكت (فَأَعَادَ) الثَّالِثَة، فَقَالَ نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو قلت (نعم) لَوَجَبَتْ، وَلَو وَجَبت مَا قُمْتُم بهَا» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (أَيّمَا) صبي حج ثمَّ بلغ فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام، وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ عتق فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ مُرْسلا ومتصلاً، أما المرسلُ؛ فَمن حَدِيث مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِنِّي أُرِيد أَن أجدد فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ، أَيّمَا صبي حجَّ بِهِ أَهله فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنهُ، وَإِن أدْرك فَعَلَيهِ الْحَج، وَأَيّمَا مَمْلُوك حج بِهِ أَهله فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنهُ، وَإِن أعتق فَعَلَيهِ الْحَج» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» هَكَذَا، قَالَ عبد الْحق: وَهُوَ مُرْسل ومنقطع وَلَيْسَ بِمُتَّصِل السماع. قلت: وَسَببه أَن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ (عَن) أَحْمد، ثَنَا وَكِيع، عَن يُونُس، قَالَ: سَمِعت شَيخا يحدث أَبَا إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن كَعْب، وَمُحَمّد تَابِعِيّ وَلم يذكر عَمَّن أَخذه. وَأما الْمُتَّصِل؛ فَمن حَدِيث عبد الله (بن عَبَّاس) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ الْحِنْث فَعَلَيهِ أَن يحجّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 حجَّة أُخْرَى، وَأَيّمَا أَعْرَابِي حج ثمَّ هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ أعتق فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» ، وَأَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمنْهَال، عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ لفظ الْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ الْحَاكِم: «إِذا حج الصَّبِي (فَلهُ) حجَّة حَتَّى يعقل، (وَإِذا) عقل فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَإِذا حج الْأَعرَابِي (فَلهُ) حجَّة، وَإِذا هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى» وَلَفظ ابْن حزم: «إِذا حج الصَّبِي فَهِيَ لَهُ حجَّة صبي حَتَّى يعقل (فَإِذا) عقل فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَإِذا حج الْأَعرَابِي (فَهِيَ لَهُ حجَّة أَعْرَابِي (فَإِذا) هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى» ثمَّ ذكره بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ إِلَّا أَنه أسقط ذكر «الْأَعرَابِي» ) ، نعم ذكره كَذَلِك بِإِسْقَاط الصَّبِي فِي «كتاب الْإِعْرَاب» عَلَى مَا حَكَاهُ عبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 الْحق فِي «أَحْكَامه» عَنهُ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن حزم: هَذَا حَدِيث صَحِيح ورواتُه ثِقَات. وَقَالَ فِي (كتاب) «الْإِعْرَاب» : هَذَا إِسْنَاد رِجَاله أَئِمَّة وثقات. و (قَالَ) الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بعد مقَالَة شَيْخه الْحَاكِم هَذِه: أَظن أَن شَيخنَا حمل حَدِيث عَفَّان وَغَيره عَلَى حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع (فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ أَصْحَاب شُعْبَة عَنهُ مَوْقُوفا سُوَى ابْن زُرَيْع) (فَإِن) مُحَمَّد بن الْمنْهَال (ينْفَرد) بِرَفْعِهِ عَنهُ. وَرَوَاهُ فِي «سنَنه» أَيْضا كَذَلِك مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَقَالَ: تفرد بِرَفْعِهِ مُحَمَّد بن الْمنْهَال، عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن (الْأَعْمَش) مَوْقُوفا، وَهُوَ الصَّوَاب. قلت: وَلَك أَن تَقول: مُحَمَّد بن الْمنْهَال ثِقَة ضَابِط من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» (فَلَا) يضر تفرده بِرَفْعِهِ، عَلَى أَنه لم ينْفَرد بِهِ؛ بل توبع. قَالَ ابْن (أبي) شيبَة فِي «مُصَنفه» : نَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «احْفَظُوا عني - وَلَا تَقولُوا: قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 ابْن عَبَّاس - أَيّمَا عبد حجَّ بِهِ أَهله ثمَّ أُعتق (فَعَلَيهِ) الْحَج، وَأَيّمَا صبي حج بِهِ أَهله صبيًّا ثمَّ أدْرك فَعَلَيهِ حجَّة الرجل، وَأَيّمَا أَعْرَابِي حج (أعرابيًّا) ثمَّ هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة المُهَاجر» وَهَذَا ظَاهر فِي الرّفْع؛ بل قَطْعِيّ. وَكَذَا أخرجه الطَّحَاوِيّ (بِسَنَدِهِ) ، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «جمعه لحَدِيث الْأَعْمَش» من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمنْهَال، عَن يزِيد بن زُرَيْع، وَمن حَدِيث الْحَارِث بن سُرَيج أبي عمر الْخَوَارِزْمِيّ (قَالَ) : نَا (يزِيد) بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة بِهِ. (وَذكره) الْخَطِيب فِي «تَارِيخ بَغْدَاد» من حَدِيث ابْن الْمنْهَال والْحَارث قَالَا: ثَنَا يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة ... فَذكره بِلَفْظ الْحَاكِم، ثمَّ قَالَ: لم يرفعهُ إِلَّا يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، وَهُوَ غَرِيب. قلت: والْحَارث هَذَا هُوَ النقال - بالنُّون - ضعفه النَّسَائِيّ وَغَيره، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: تكلمُوا فِيهِ حَسَدًا. فَائِدَة: المُرَاد بالأعرابي هُنَا الْكَافِر إِذْ كَانَ الْكفْر هُوَ الْغَالِب حِينَئِذٍ عَلَى الْأَعْرَاب، وَقد نَبَّهَ عَلَى ذَلِك ابنُ الصّلاح فِي «مشكله» (قَالَ) : وَقد (جَاءَ) (إِطْلَاق) الْأَعْرَاب، وَالْمرَاد (بهم) الْكفَّار فِي غير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : احتجَّ مَن لم يَرَ للعبدِ حجًّا بِهَذَا الحَدِيث (قَالَ) : وَلَا يخلُو أَن يكونَ صَحِيحا أَو غيرَ صحيحٍ، فَإِن كَانَ الثَّانِي (فقد) كفيناه، وَإِن كَانَ الأول - وَهُوَ الْأَظْهر؛ لِأَن رُوَاته ثِقَات - فإنَّه خبر مَنْسُوخ بِلَا شكّ، برهانُ ذَلِك: أنَّ هَذَا الْخَبَر بِلَا شكّ كَانَ قبل فتح مَكَّة؛ لِأَن فِيهِ إِعَادَة الْحَج (عَلَى من) حجَّ من الْأَعْرَاب قبل هجرته، وَرَوَى مُسلم من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا: «لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح» فَإِذا قد صحَّ - بِلَا شكّ - أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ قبل الْفَتْح. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئل عَن تَفْسِير السَّبِيل، (قَالَ) : زَاد وراحلة» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرقٍ: (إِحْدَاهَا) : (من) طَرِيق أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث (عَلّي بن سعيد بن (مَسْرُوق) الْكِنْدِيّ) (ثَنَا) ابْن أبي زَائِدَة، عَن سعيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة (عَن) أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي قَوْله تَعَالَى (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَقد تَابع حَمَّاد بن سَلمَة (سعيدًا عَلَى رِوَايَته عَن قَتَادَة. ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث أبي قَتَادَة ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة) عَن قَتَادَة، عَن أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن (قَول الله) - تَعَالَى -: (من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) فَقيل: مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. ورواهما الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» وَلم يَسُقْ لَفْظهمَا؛ بل أحَال بِلَفْظ مثله عَلَى مَا قبله. وَعلي بن سعيد بن مَسْرُوق قَالَ أَبُو حَاتِم فِي حقِّه: هُوَ صَدُوق. و (وَثَّقَهُ) النَّسَائِيّ أَيْضا، وَأَبُو قَتَادَة هُوَ عبد الله بن وَاقد الْحَرَّانِي، قَالَ أَبُو حَاتِم: تكلمُوا فِيهِ، مُنكر الحَدِيث، وَذهب حَدِيثه. وَقَالَ (أَبُو) زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ مُنكر الحَدِيث مَتْرُوك، إِلَّا أَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يَصِفه بالنُّسُكِ وَالْفضل ويُثني عَلَيْهِ. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد: سُئل أبي عَنهُ فَقَالَ: مَا بِهِ بَأْس، رجل صَالح يُشبه أهل النّسك وَالْخَيْر إِلَّا أَنه كَانَ رُبمَا أَخطَأ. قيل لَهُ: إِن قوما يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. قَالَ: لم يكن بِهِ بَأْس. قلت لَهُ: إِنَّه لم يفصل بَين سُفْيَان وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة. قَالَ: لَعَلَّه اخْتَلَط، أما هُوَ فَكَانَ (ذكيًّا) فَقلت لَهُ: إِن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن (صبيح) ذكر أَن أَبَا قَتَادَة الْحَرَّانِي كَانَ يكذب، فَعظم ذَلِك عِنْده جدًّا، وَقَالَ: كَانَ أَبُو قَتَادَة الْحَرَّانِي يتَحَرَّى الصدْق (أَثْنَى) عَلَيْهِ (وَذكره بِخَير) وَقَالَ: قد رَأَيْته يشبه أَصْحَاب الحَدِيث، وَأَظنهُ كَانَ يُدَلس، وَلَعَلَّه كبر وَاخْتَلَطَ قلت: قد صرَّح فِي هَذَا الحَدِيث - فِي رِوَايَة الْحَاكِم - بِالتَّحْدِيثِ، فَقَالَ: نَا حَمَّاد بن سَلمَة. وَأنكر النَّوَوِيّ (عَلَى الْحَاكِم) تَصْحِيحه لحَدِيث أنس، وَقَالَ: إِنَّه يتساهل فِي التَّصْحِيح. وَهَذَا الْإِنْكَار يَنْبَغِي أَن يكون مَخْصُوصًا، بطرِيق أبي قَتَادَة هَذَا، وَأما الأول فَلَا أعلم فِيهَا طَعنا. (وَلما) ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» مقَالَة شيخهِ الحاكمِ قَالَ: هَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن قَتَادَة عَن أنس، وَالْمَحْفُوظ: عَن قَتَادَة وَغَيره، عَن الْحسن، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ فِي «سنَنه» : رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس مَرْفُوعا، وَلَا أرَاهُ إِلَّا وهما، وَالصَّوَاب: عَن قَتَادَة، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ مَرْفُوعا وَهُوَ مُرْسل. قلت: وَلَك أَن تَقول لم لَا يحمل (عَلَى) أَن لِقَتَادَة فِيهِ إسنادين فَإِنَّهُ أولَى من الحكم بالوهم؟ . (الطَّرِيق الثَّانِي) : طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا يُوجب الْحَج؟ فَقَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم أَن الرجل إِذا ملك زادًا وراحلةً وَجب عَلَيْهِ الْحَج. قَالَ: وَفِي إِسْنَاده: إِبْرَاهِيم، وَهُوَ ابْن يزِيد الخوزي، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الحَدِيث من قبل حفظه. قلت: ضَعَّفُوهُ، وَقيل لَهُ: الخُوزيُ - بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ وَاو، ثمَّ زَاي (مُعْجمَة) - لِأَنَّهُ سكن شعب (الخوزة وَهُوَ شعب بِمَكَّة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 و) (بِالضَّمِّ) (وَهُوَ) جيل من النَّاس ينْسب إِلَيْهِ. قَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا: (هُوَ) مَتْرُوك. وَضَعفه يَحْيَى، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ (ابْن الْمُنْذر) : (هُوَ) مَتْرُوك الحَدِيث عِنْدهم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : قَالَ الشَّافِعِي: قد رُوي أَحَادِيث عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (تدل عَلَى) أَنه لَا يجب الْمَشْي عَلَى أحد فِي الْحَج وَإِن أطاقه، غير أَن (مِنْهَا) مَا هُوَ مُنْقَطع وَمِنْهَا (مَا) يمْتَنع أهل الحَدِيث من تثبيته. ثمَّ رَوَى الشَّافِعِي عَن سعيد بن سَالم، عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد، عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قَالَ: «قعدنا إِلَى عبد الله بن عمر فَسَمعته يَقُول: سَأَلَ رجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَا الْحَاج؟ فَقَالَ: الشعث التفل. فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَي الْحَج أفضل؟ فَقَالَ: العج والثج. فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: زَاد وراحلة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الَّذِي عَنى الشَّافِعِي بقوله: مِنْهَا مَا يمْتَنع أهل الحَدِيث من تثبيته. قَالَ: وَإِنَّمَا امْتَنعُوا مِنْهُ؛ لِأَن الحَدِيث يعرف بإبراهيم بن يزِيد الخُوزي، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 وَقد ضعفه أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: إِبْرَاهِيم بن يزِيد رَوَى حَدِيث مُحَمَّد بن عباد هَذَا لَيْسَ بِثِقَة. قَالَ: و (قد) رَوَاهُ [مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد] بن عُمَيْر (عَن مُحَمَّد) بن عباد إِلَّا أَنه أَضْعَف من إِبْرَاهِيم بن يزِيد. (قَالَ) : وَرَوَاهُ (أَيْضا) مُحَمَّد (بن الْحجَّاج) عَن جرير بن حَازِم، عَن مُحَمَّد بن عباد، وَمُحَمّد بن (الْحجَّاج) مَتْرُوك. قلت: وَلِحَدِيث (ابْن) عمر هَذَا طَرِيق آخر واه، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سألتُ عليَّ بن الْجُنَيْد، عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن سَلام الْعَطَّار بن عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «فِي قَوْله (تَعَالَى) (من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (قَالَ) : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» فَقَالَ: حَدِيث بَاطِل. (الطَّرِيق الثَّالِث) : طَرِيق ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 الله (قَالَ: «الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . يَعْنِي قَوْله: (من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا» ) رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عِكْرِمَة (عَنهُ) وَفِي إِسْنَاده هِشَام بن سُلَيْمَان بن عِكْرِمَة بن خَالِد بن العَاصِي، قَالَ أَبُو حَاتِم: مُضْطَرب الحَدِيث وَمحله الصدْق، مَا أرَى (بِهِ) بَأْسا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث هِشَام بن سُلَيْمَان وَعبد الْمجِيد (عَن) ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي عمر بن عَطاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مثل قَول عمر بن الْخطاب: «السَّبِيل: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث حُصَيْن بن مُخَارق، عَن مُحَمَّد بن خَالِد، عَن سماك بن حَرْب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «قيل: يَا رَسُول الله، الْحَج كل عَام؟ قَالَ: لَا، بل حجَّة. (قيل) : فَمَا السَّبِيل إِلَيْهِ؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . ثمَّ أخرجه من حَدِيث دَاوُد بن (الزبْرِقَان) ، عَن عبد الْملك (عَن عَطاء) ، عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 مَرْفُوعا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا من قَوْله. قلت: قد أخرجه ابْن الْمُنْذر كَذَلِك. (الطَّرِيق الرَّابِع) : طَرِيق عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن جده عَنهُ مَرْفُوعا « (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالَ: فَسئلَ عَن ذَلِك، قَالَ: أَن تَجِد ظهر بعير» . وحسين هَذَا هُوَ ابْن عبد الله بن ضميرَة، وَهُوَ واه وَسَيَأْتِي (لَهُ) طَرِيق (آخر) عَن عَلّي فِي الحَدِيث السَّابِع - إِن شَاءَ الله. (الطَّرِيق الْخَامِس) : طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما نزلت هَذِه الْآيَة (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من (حَدِيث) مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي الزبير أَو عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر (بِهِ) . وَمُحَمّد هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 اخُتلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَعَهُ فِي الْإِسْنَاد عبد الْملك بن زِيَاد النصيبي قَالَ الْأَزْدِيّ: مُنكر الحَدِيث. (الطَّرِيق السَّادِس) : طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: السَّبِيل (إِلَى الْبَيْت) : الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا وَفِيه ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ مَشْهُور الْحَال، وَقد عَقَدتُ لَهُ فصلا فِي «الْوضُوء» ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر عَنهُ بِلَفْظ: «قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، مَا يُوجب الْحَج؟ قَالَ: (الزَّاد) وَالرَّاحِلَة» وَفِيه (الْعَرْزَمِي) الْمَتْرُوك. (الطَّرِيق السَّابِع) : طَرِيق عَلْقَمَة، (عَن) عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي قَوْله تَعَالَى: (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قيل: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث بهْلُول بن عبيد، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة (بِهِ) . وبهلول هَذَا الظَّاهِر أَنه [التاهرتي] صَاحب مَالك، قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 ابْن الْجَوْزِيّ: مَا عرفنَا فِيهِ قدحًا. وأَقَرَّه الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ، وَإِن يكن بهْلُول بن عبيد الْكُوفِي فقد ضَعَّفُوهُ. (الطَّرِيق الثَّامِن) : (من) طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا كَذَلِك، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عتاب بن أعين، عَن الثَّوْريّ، عَن يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن، (عَن أمه) عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. قَالَ الْعقيلِيّ: عتاب فِي حَدِيثه وهم. وَضعف هَذِه الطّرق غير وَاحِد من الْحفاظ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عمر: رُوِيَ فِي الْمَسْأَلَة أَحَادِيث أُخَر لَا يَصح مِنْهَا شَيْء وأشهرها حَدِيث الخوزي، وينضم إِلَيْهِ مُرْسل الْحسن فيتأكد بِهِ (و) إِن كَانَ مُنْقَطِعًا. وَقَالَ عبد الْحق: خرج هَذَا الحَدِيث الدارقطني من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَجَابِر، وَعبد الله بن عمر، وَابْن مَسْعُود، وَأنس، وَعَائِشَة، وَغَيرهم، وَلَيْسَ فِيهَا إِسْنَاد يحْتَج بِهِ. (الطَّرِيق التَّاسِع) : طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: «لما نزلت (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالَ رجل: يَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، عَن يُونُس بن (عبيد) الْبَصْرِيّ عَنهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» ، عَن هِشَام، عَن يُونُس (بِهِ) ، وَمن حَدِيث خَالِد بن عبد الله عَن يُونُس بِهِ، وَمن حَدِيث هشيم، عَن مَنْصُور، عَن الْحسن، وَأَسَانِيده صَحِيحَة إِلَى الْحسن إِلَّا أَنه مُرْسل، أرْسلهُ الْحسن وَلم يذكر من حَدثهُ (بِهِ) (و) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورويناه من أوجه صَحِيحَة، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَفِيه قُوَّة لهَذَا الْمسند، وَأَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث ابْن عمر الَّذِي فِي إِسْنَاده: الخوزي، وَاعْتَرضهُ صَاحب «الإِمَام» (فَقَالَ: فِي قَوْله) هَذَا نظر؛ لِأَن الطَّرِيق الْمَعْرُوف أَنه إِذا كَانَ الطَّرِيق وَاحِدًا رَوَاهُ الثِّقَات مُرْسلا، وَانْفَرَدَ ضَعِيف بِرَفْعِهِ، أَن يعللوا هَذَا (الْمسند بالمرسل) ويحملوا الْغَلَط عَلَى رِوَايَة (الضَّعِيف) ، وَإِذا كَانَ ذَلِك مُوجبا لضعف الْمسند فَكيف يكون تَقْوِيَة لَهُ؟ ! قلت: وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا يثبت الحَدِيث الَّذِي ورد فِيهِ (ذِكْر) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلَيْسَ بِمُتَّصِل؛ لِأَن الصَّحِيح من الرِّوَايَات رِوَايَة الْحسن الْبَصْرِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَأما أَنا فَأرَى أَن حَدِيث أنس جيد الْإِسْنَاد صَالح (للاحتجاج) بِهِ كَمَا أسلفته. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين (الْمَقْدِسِي) فِي «أَحْكَامه» : لَا أرَى بِبَعْض طرقه بَأْسا. الحَدِيث الْخَامِس (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يركبن أحد الْبَحْر إِلَّا غازيًا أَو مُعْتَمِرًا أَو حاجًّا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا بِزِيَادَة: «فَإِن تَحت الْبَحْر نَارا، وَتَحْت النَّار بحرًا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ (بِصَحِيح) . وَقَالَ أَحْمد: هَذَا حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ (أَبُو دَاوُد) : رُوَاته مَجْهُولُونَ. وَقَالَ الْخطابِيّ: ضعفوا إِسْنَاده. وَقَالَ صاحبُ «الإِمَام» : اخْتلف فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 إِسْنَاده. أَي فَإِنَّهُ رُوِيَ من حَدِيث بشير بن مُسلم الْكِنْدِيّ، عَن عبد الله بن عَمْرو، كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ (وَمن حَدِيث بشير عَن رجل عَن عبد الله بن عَمْرو، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ) مَوْقُوفا عَلَى (عبد الله بن عَمْرو) : «مَاء الْبَحْر لَا يُجزئ من وضوء، وَلَا من جَنَابَة، إِن تَحت الْبَحْر نَارا ثمَّ مَاء ثمَّ نَارا. حَتَّى عَدَّ سَبْعَة أَبْحُرٍ وَسَبْعَة أَنْيَار» . الحَدِيث السَّادِس عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: يَا عدي، إِن طَالَتْ بك الْحَيَاة لترين الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف (بِالْكَعْبَةِ) لَا تخَاف إِلَّا الله. قَالَ عدي: فَرَأَيْت ذَلِك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي بَاب: عَلَامَات النُّبُوَّة من حَدِيث مُحِل - بِضَم الْمِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة - ابْن خَليفَة، عَن عدي قَالَ: «بَيْنَمَا أَنا عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (إِذْ) أَتَاهُ رجل فَشَكا إِلَيْهِ الْفَاقَة، ثمَّ أَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ قطع السَّبِيل، فَقَالَ: يَا عدي، هَل رَأَيْت الْحيرَة؟ قلت: لم أرها وَقد أنْبئت عَنْهَا. قَالَ: فَإِن طَالَتْ بك حَيَاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 لترينَّ (الظعينة) ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف أحدا إِلَّا الله. (قَالَ عدي: فَرَأَيْت الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف إِلَّا الله) » . هَذَا لفظهُ مُخْتَصرا، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من هَذَا الْوَجْه وَفِيه: «أما قطع السَّبِيل فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْك إِلَّا (قَلِيل) حَتَّى (تخرج) العير من (الْحيرَة) إِلَى مَكَّة بِغَيْر خفير» . وَرَوَاهُ عَن عدي جماعات أُخر: أحدهم ابْن سِيرِين، رَوَاهُ الدارقطني من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَنهُ «أَن عدي بن حَاتِم وقف عَلَى (رَسُول) الله «فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : يُوشك أَن تخرج الْمَرْأَة من الْحيرَة بِغَيْر (جوَار) أحد حَتَّى تحج» وَلَيْسَ ظَاهر لَفظه يَقْتَضِي أَنه مُسْند (فَتَأَمّله كَمَا) قَالَه صَاحب «الإِمَام» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن سِيرِين، عَن حُذَيْفَة، عَن عدي رَفعه: «فوالذي (نَفسِي) بِيَدِهِ ليتمّن الله - عَزَّ وَجَلَّ - هَذَا الْأَمر حَتَّى تخرج الظعينة من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 (الْحيرَة) حَتَّى تَطوف (بِالْبَيْتِ) فِي غير جوَار أحد. قَالَ عدي: فَهَذِهِ الظعينة تخرج من الْحيرَة تَطوف بِالْبَيْتِ فِي غير (جوَار) . ثانيهم: عباد بن حُبَيْش، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب قَالَ: سَمِعت عباد بن حُبَيْش يَقُول: سَمِعت عدي بن حَاتِم يَقُول: « (جَاءَت خيل) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكر حَدِيثا فِيهِ «إِنِّي (لَا أخْشَى) عَلَيْكُم الْفَاقَة، لينصرنكم الله - تَعَالَى - وليعطينكم - أَو (ليُسَخّرَنَّ) لكم - حَتَّى تسير الظعينة بَين الْحيرَة ويثرب (إِن أَكثر) مَا تخَاف السرق عَلَى ظعينتها» . ثالثهم: مُحَمَّد بن حُذَيْفَة، رَوَاهُ (الدَّارَقُطْنِيّ) من حَدِيث ابْن عون، عَن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي ابْن حُذَيْفَة - شكّ [ابْن عون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 اسْمه] مُحَمَّد بن حُذَيْفَة - عَن عدي ... فَذكر حَدِيثا، وَفِي آخِره: ثمَّ قَالَ: أتيت (الْحيرَة) ؟ قلت: لَا، وَقد علمت مَكَانهَا. قَالَ: فتوشك الظعينة أَن تخرج مِنْهَا بِغَيْر جوَار حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ. قَالَ: فَرَأَيْت الظعينة (تخرج) من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ» وَقد أسلفنا رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، (عَن) ابْن سِيرِين، عَن حُذَيْفَة، من طَرِيق الإِمَام أَحْمد. وَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ من حَدِيث [أبي عُبَيْدَة] بن حُذَيْفَة، قَالَ: كنت أسأَل النَّاس عَن عدي بن حَاتِم وَهُوَ إِلَى جَنْبي (لَا أسأله) فَأَتَيْته فَسَأَلته فَقَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » وَفِيه: «هَل أتيت الْحيرَة؟ قلت: لم آتِهَا (و) قد علمت مَكَانهَا. قَالَ: توشك الظعينة أَن ترتحل من الْحيرَة بِغَيْر جوَار حَتَّى تَطوف بِالْبَيْتِ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : قيل: سَنَده حسن. رابعهم: عبد الْملك بن عُمَيْر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 إِسْمَاعِيل (الْمُؤَدب) ، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر (عَنهُ) ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ليَأْتِيَن عَلَى النَّاس زمَان تسير الظعينة من مَكَّة إِلَى الْحيرَة لَا يَأْخُذ أحد بِخِطَام راحلتها» . خامسهم: تَمِيم بن عبد الرَّحْمَن، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ عَنهُ. وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من طَرِيق جَابر بن سَمُرَة. (قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» ، قَالَ أبي: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق جَابر بن سَمُرَة) ، وَمن طَرِيق عدي بن حَاتِم، وَهَذَا كَأَنَّهُ (أشبه) . فَائِدَة: الْحيرَة - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة - (بَلْدَة مَعْرُوفَة بِظهْر الْكُوفَة سكنها مُلُوك قحطان. قَالَه الْحَازِمِي فِي «أماكنه» وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: هِيَ مَدِينَة النُّعْمَان مَعْرُوفَة من بِلَاد الْعرَاق) (قَالَ ابْن دحْيَة: سميت بذلك) لِأَن بخت (نصَّر) لما سلطه الله عَلَى الْعَرَب وقتلهم، وسبى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 من سَبَى مِنْهُم (فسكن) السَّبي فِي هَذَا الْمَكَان فتحيروا هُنَالك فسُمِّيت: الْحيرَة. وَقَالَ صَاحب «التنقيب» : هِيَ مَدِينَة ملاصقة (للكوفة) سميت بذلك؛ لِأَن تُبَّع الْأَكْبَر لما قصد خُرَاسَان (ترك) (ضعفة جنده) بِهَذَا الْموضع، وَقَالَ لَهُم: حِيروا فِيهِ؛ أَي: أقِيمُوا. قَالَ: وَقيل: أول من نزلها مَالك بن زُهَيْر فَلَمَّا نزلها وَجعلهَا مَسْكَنه وأقطعها (قومه) فسميت (الْحيرَة) لذَلِك. قَالُوا: وثَمَّ حيرة أُخْرَى بخراسان (من) عمل نيسابور، وَلَيْسَت الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : هِيَ اسْم مُشْتَرك بَين مَوَاضِع أشهرها هَذَا الْموضع، وَهُوَ حيرة الْكُوفَة الَّتِي كَانَ ينزلها (الْمُلُوك) إِلَى (نصر) اللخميون، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: حيري، وحاري، والحيرة محلّة كَانَت بنيسابور كَبِيرَة (ينْسب) إِلَيْهَا طَائِفَة (جمة) من أهل الْعلم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 والحيرة قَرْيَة بِأَرْض فَارس، والحيرة بَلْدَة من أعالي (سقِِي الْفُرَات) قريبَة من (فرغانة) . ثمَّ قَالَ: ذكر هَذِه الْمَوَاضِع ياقوت الْحَمَوِيّ، (و) رَأَيْتهَا بعد (فِيهِ) . والظعينة: الْمَرْأَة، وَأَصله الهَوْدَج وتُسمَّى الْمَرْأَة بِهِ، وَقيل: لَا تسمى إِلَّا الْمَرْأَة الراكبة، وَكثر حَتَّى اسْتعْمل فِي كل امْرَأَة حَتَّى (يَشْمَل) الْجمل الَّذِي ركب عَلَيْهِ ظَعِينَة، وَلَا يُقَال ذَلِك إِلَّا لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج. وَقيل: إِنَّمَا سميت ظَعِينَة؛ لِأَنَّهُ يظعن (بهَا) ويرحل. (وَعبارَة الْجَوْهَرِي: هِيَ الْمَرْأَة فِي الهودج فَإِن لم تكن فِيهِ فَلَيْسَتْ بظعينة) . والجوار: بِالْكَسْرِ أفْصح من الضَّم. تَنْبِيه: الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: احْتج للقائل بِأَن الْمَرْأَة لَهَا أَن تخرج وَحدهَا عِنْد الْأَمْن بِهَذَا الحَدِيث، وشُوحِح فِي الدّلَالَة عَلَى ذَلِك. وَقَالُوا: إِنَّمَا هَذَا إِخْبَار عَمَّا سيقع وَلَا يلْزم من إِخْبَار وُقُوعه جَوَازه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من لم يحْبسهُ مرض، أَو (مشقة) ظَاهِرَة، أَو سُلْطَان جَائِر، فَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا وَإِن شَاءَ نصرانيًّا» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا من حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعا: «من لم يحْبسهُ مرض، أَو حَاجَة ظَاهِرَة، أَو سُلْطَان جَائِر، وَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا أَو نصرانيًّا» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شَاذان، عَن شريك، عَن لَيْث، عَن ابْن (سابط) ، عَن أبي أُمَامَة (بِهِ) . (و) قَالَ: هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ إِسْنَاده غير قوي (فَلهُ) شَاهد من قَول عمر بن الْخطاب ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ أَنه قَالَ: «ليمت يهوديًّا أَو نصرانيًّا - يَقُولهَا ثَلَاث مَرَّات -: رجل مَاتَ وَلم يحجّ، وجد لذَلِك سَعَة وخليت سَبيله» . وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور بِلَفْظ: «لقد هَمَمْت أَن أبْعث رجَالًا إِلَى هَذِه الْأَمْصَار فينظروا كل من كَانَ لَهُ جِدَة وَلم يحجّ؛ فيضربوا عَلَيْهِم الْجِزْيَة (مَا هم بمسلمين) » . وَقَالَ الْحَافِظ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن، شَاهد لحَدِيث أبي أُمَامَة. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «كتاب الْإِيمَان» : عَن وَكِيع، عَن (سُفْيَان) عَن لَيْث، عَن ابْن سابط قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من مَاتَ وَلم يحجّ وَلم يمنعهُ من ذَلِك مرض حَابِس، أَو سُلْطَان ظَالِم، أَو حَاجَة ظَاهِرَة، فليمت عَلَى أَي حَال شَاءَ (إِن شَاءَ) يهوديًّا، وَإِن شَاءَ نصرانيًّا» . وَهَذَا مُرْسل، وَرَوَاهُ فِي «مُسْنده» مُتَّصِلا (فِيهِ من لَا أعرف حَاله) - بِلَفْظ: «من كَانَ ذَا يسَار فَمَاتَ وَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا (و) إِن شَاءَ نصرانيًّا» . (و) (من رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «لقد هَمَمْت أَن أبْعث رجَالًا ... » إِلَى آخِره، تقدم) . وَاعْلَم أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر هَذَا الحَدِيث فِي «تَحْقِيقه» من حَدِيث أبي عرُوبَة الْحَرَّانِي، نَا الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، نَا يزِيد بن هَارُون، نَا شريك، عَن لَيْث، عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ، ثمَّ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بن معِين: الْمُغيرَة لَيْسَ بِشَيْء. وَلَيْث قد تَركه يَحْيَى بن معِين وَابْن مهْدي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 وَأحمد، وَقد رَوَاهُ (عمار) بن (نصر) ، عَن شريك، عَن سَالم، عَن أبي أُمَامَة، قَالَ العقيليُّ: عمار يحدث عَن الثِّقَات بِالْمَنَاكِيرِ. وَقَالَ ابْن عدي: مَتْرُوك الحَدِيث. هَذَا آخر كَلَامه، وَفِيه نظر من وُجُوه: أَحدهَا: يَحْيَى إِنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَام فِي الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن [الْحزَامِي] وَهُوَ مُتَقَدم عَلَى رَاوِي هَذَا الحَدِيث، يروي عَن أبي الزِّنَاد وَغَيره، ويروي عَنهُ قُتَيْبَة وَغَيره، وَهُوَ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَأما رَاوِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ الْحَرَّانِي شيخ متأخِّر، رَوَى عَنهُ النَّسَائِيّ وَوَثَّقَهُ وَلَا (نَعْرِف) أحدا تكلم فِيهِ. وَقد ذكر هُوَ - أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ - الْحزَامِي فِي «ضُعَفَائِهِ» ، وَحَكَى كَلَام يَحْيَى فِيهِ، (و) قَالَ: وَجُمْلَة من فِي الحَدِيث اسْمه (مُغيرَة) بن عبد الرَّحْمَن سِتَّة لَا نَعْرِف قدحًا فِي أحد مِنْهُم غَيره. قلت: وَلم ينْفَرد الْمُغيرَة عَن يزِيد (بِهَذَا) الحَدِيث؛ بل تَابعه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 مُحَمَّد بن أسلم الطوسي، عَن يزِيد. وَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي «تَفْسِير سُورَة آل عمرَان» من رِوَايَة سهل بن عمار، عَن (يزِيد) . وَسَهل كذبه الْحَاكِم، وَقد رَوَاهُ عَن شريك غير يزِيد، رَوَاهُ أَبُو يعْلى، عَن بشر بن الْوَلِيد (الْكِنْدِيّ) ، (عَن شريك) ، عَن لَيْث بِهِ بِلَفْظ: «من لم (يمنعهُ) من الْحَج مرض حَابِس أَو حَاجَة؛ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا، وَإِن شَاءَ نصرانًّيا» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شَاذان، نَا شريك، عَن لَيْث بِهِ، كَمَا سلف، وَقد رَوَاهُ عَن لَيْث غير شريك (رَوَاهُ) سُفْيَان عَنهُ كَمَا سلف، عَن رِوَايَة الإِمَام أَحْمد فِي «كتاب (الْإِيمَان) » ، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم - وَهُوَ ابْن عُلية - عَنهُ، عَن ابْن سابط رَفعه: «من مَاتَ وَلم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام وَلم يمنعهُ من ذَلِك حَاجَة ظَاهِرَة، أَو مرض حَابِس، أَو سُلْطَان ظَالِم، فليمت عَلَى أَي حَال شَاءَ إِن شَاءَ يهوديًّا، وَإِن شَاءَ نصرانيًّا» رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور. الثَّانِي (قَوْله) : «لَيْث قد تَركه يَحْيَى بن معِين وَابْن مهْدي وَأحمد» تبع فِيهِ ابْن حبَان، وَقد رَوَى ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان وَغَيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 عَنهُ، كَمَا (قَالَه) الفلاس، وَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُضْطَرب الحَدِيث لَكِن حدث عَنهُ النَّاس. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَأَلت يَحْيَى عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. الثَّالِث (قَوْله) : «وَقد رَوَاهُ عمار بن نصر، عَن شريك» صَوَابه ابْن مطر، (وجد فِي بعض نسخه وَكَذَا ذكره فِي «مَوْضُوعَاته» وَهُوَ عمار بن مطر الرهاوي، كَذَا أخرجه ابْن عدي فِي تَرْجَمَة عمار بن مطر) وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث عَن شريك غير مَحْفُوظ، وعمار بن مطر (الضعْف) عَلَى رِوَايَته بَين، وَكَذَا أخرجه أَبُو يعْلى الْموصِلِي، عَن عمار، عَن شريك. الرَّابِع: قَوْله: «عَن شريك، عَن سَالم، عَن أبي أُمَامَة» سقط بَين شريك وَسَالم رجل، وَهُوَ مَنْصُور، كَذَا أخرجه أَبُو يعْلى فَتنبه لهَذِهِ الْأُمُور، وَقد ذكر ابْن الْجَوْزِيّ حَدِيث أبي أُمَامَة هَذَا فِي «مَوْضُوعَاته» من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ و (ضعفهما) بِمَا تقدم، وَلَا أَدْرِي مَا (مُسْتَنده) فِي وضعهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَلّي - كرم الله وَجهه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ملك زادًا وراحلة تبلغه إِلَى بَيت الله (الْحَرَام) وَلم يحجّ فَلَا عَلَيْهِ أَن يَمُوت يهوديًّا (أَو نصرانيًّا) ، وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه: (وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث هِلَال بن عبد الله مولَى ربيعَة بن عَمْرو بن مُسلم الْبَاهِلِيّ، عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا (الْوَجْه) . قَالَ: وَفِي إِسْنَاده مقَال. قَالَ: والْحَارث (يضعف) ، وهلال مَجْهُول. قلت: وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. قَالَ: وَهَذَا الْمَتْن يُروى عَن عَلّي مَوْقُوفا (وَيروَى) مَرْفُوعا من طَرِيق (أصلح) من هَذَا. وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ: حَدِيث أبي أُمَامَة عَلَى مَا فِيهِ أصلحها. (وَأبْعد) ابْن الْجَوْزِيّ، فَذكر هَذَا الحَدِيث فِي «مَوْضُوعَاته» ، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله. وَلَو ذكره فِي «علله» لَكَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 أنسب، وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر بن الجهم الْمَالِكِي بعد تَخْرِيجه: سَأَلت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ عَنهُ فتبسَّم وَقَالَ: من هِلَال بن عبد الله؟ ! وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ مَعْرُوف بِهَذَا الحَدِيث وَلَيْسَ الحَدِيث بِمَحْفُوظ. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «من مَاتَ وَلم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام فِي غير وجع حَابِس، أَو (حجَّة) ظَاهِرَة، أَو سُلْطَان جَائِر فليمت (أَي الْميتَتَيْنِ) شَاءَ (إِمَّا) يهوديًّا أَو نصرانيًّا» رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث عبد الرَّحْمَن الْقطَامِي، عَن أبي المُهَزِّم - بِضَم الْمِيم وَفتح الْهَاء وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة (وَآخره مِيم) ، كَمَا ضَبطه صَاحب «الإِمَام» - عَن أبي هُرَيْرَة (بِهِ) ، وَأَبُو المهزم اسْمه يزِيد بن سُفْيَان وَهُوَ واه قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ شُعْبَة: رَأَيْته وَلَو أعطي درهما لوضع خمسين حَدِيثا. وَقَالَ أَيْضا: كَانَ فِي مَسْجِد ثَابت مطروحًا لَو أعطَاهُ إِنْسَان فلسين حَدثهُ سبعين حَدِيثا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: (شبه) الْمَتْرُوك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (ضَعِيف) . و (أما) عبد الرَّحْمَن الْقطَامِي فَهُوَ واه، قَالَ الفلاس: كَانَ كذابا. وَقَالَ ابْن حبَان: يجب تنكب رواياته. قلت: وَكَانَ السَّاجِي يَقُول: عبد الرَّحْمَن الْقطَامِي. وَالصَّوَاب: ابْن الْقطَامِي وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» أَيْضا، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَفِي الْكتاب الْمُسَمَّى « (الْمُغنِي) عَن الْحِفْظ وَالْكتاب بقَوْلهمْ لم يَصح شَيْء فِي الْبَاب» لأبي حَفْص الْموصِلِي بَاب حجُّوا قبل أَن لَا تَحُجُّوا: «وَمن أمكنه الْحَج فَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا (و) إِن شَاءَ نصرانيًّا» . قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يَصح فِي هَذَا شَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح (فِيهَا) شَيْء. الحَدِيث الثَّامِن عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سمع رجلا يَقُول: لبيْك عَن شبْرمَة. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من شبْرمَة؟ قَالَ: أَخ لي - أَو قريب لي - قَالَ: أحججت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: حج عَن نَفسك، ثمَّ عَن شبْرمَة» (وَفِي) رِوَايَة: «هَذِه عَنْك ثمَّ عَن شبْرمَة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي (سُنَنهمَا) من حَدِيث عَبدة بن سُلَيْمَان، عَن ابْن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن عزْرَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ بِاللَّفْظِ الأول، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الثَّانِي وَإِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» و «الخلافيات» بعد تَخْرِيجه لَهُ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب أصح مِنْهُ. ثمَّ رَوَاهُ من طرق كَذَلِك مَرْفُوعا، قَالَ: وَرُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس. قَالَ: وَمن رَوَاهُ مَرْفُوعا حَافظ ثِقَة فَلَا يضرّهُ خلافُ مَن خَالفه، قَالَ يَحْيَى بن معِين: سمعته من عَبدة بن سُلَيْمَان مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ غنْدر، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة (فَوَقفهُ) (وَرُوِيَ) عَن ابْن عَبَّاس من وَجه آخر مَوْقُوفا، وَعَبدَة بن سُلَيْمَان رَفعه وَهُوَ مُحْتَج بِهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَرَوَاهُ عَنهُ (مَرْفُوعا جمَاعَة من) الثِّقَات، وَتَابعه عَلَى رَفعه مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 وَمُحَمّد بن بشر، قَالَ يَحْيَى بن معِين: أثبت النَّاس سَمَاعا (من) سعيد عَبدة بن سُلَيْمَان. وَقَالَ عبد الْحق: علل بَعضهم هَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفا. قَالَ: وَالَّذِي أسْندهُ ثِقَة فَلَا يضرّهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: الرافعون لَهُ ثِقَات فَلَا يضرهم وقف الواقفين لَهُ، إِمَّا (لأَنهم) حفظوا مَا لم يحفظوا، وَإِمَّا لِأَن (الواقفين) رووا عَن ابْن عَبَّاس (رَأْيه) ، (والرافعين) رووا عَنهُ رِوَايَته. وَخَالف الطَّحَاوِيّ فَقَالَ فِي «مشكله» : الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف، قَالَ أَحْمد: رَفعه خطأ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا يثبت. (قلت: وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ من قَوْله: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا. قد أخرجه من حَدِيث الشَّافِعِي، كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ) : نَا سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة: «سمع ابْن عَبَّاس رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة، قَالَ: وَمَا شبْرمَة؟ فَذكر (قرَابَة) قَالَ: أحججت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا. (قَالَ) : فحج عَن نَفسك، ثمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 حج عَن شبْرمَة» وَفِي هَذَا استبعاد تعدد الْقِصَّة بِأَن يكون فِي (زَمَنه) عَلَيْهِ السَّلَام وزمن ابْن عَبَّاس عَلَى سِيَاقَة وَاحِدَة (واتفاق لَفظه) . نَبَّه عَلَى ذَلِك صَاحب «الإِمَام» وأعلَّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا بِالْإِرْسَال؛ فَإِن سعيد بن مَنْصُور رَوَاهُ عَن سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه أصح. قلت: هَذِه طَرِيقَته وَطَرِيقَة جمَاعَة، وَرَأَى جماعات تَقْدِيم الْوَصْل (إِذا اجْتمع) مَعَ الْإِرْسَال، وَأعله بَعضهم (بِأَنَّهُ) رُوِيَ عَن قَتَادَة عَن ابْن جُبَير بِإِسْقَاط «عزْرَة» ذكره صَاحب «الاستذكار» ، وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بِأَن قَالَ: فِيهِ مقَال، فَإِن فِيهِ عزْرَة وَهُوَ لَا شَيْء. وَهَذَا غلط مِنْهُ (وَكَأَنَّهُ) ظن أَن عزْرَة هَذَا هُوَ ابْن قيس الَّذِي قَالَ فِيهِ يَحْيَى: لَا شَيْء. وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ من رجال مُسلم، وَوَثَّقَهُ عَلّي بن المدينى وَيَحْيَى بن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأخرجه فِي «صَحِيحه» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 من (جِهَته) وَلما ذكر صَاحب «الْإِلْمَام» هَذَا الحَدِيث قَالَ: رَأَيْت فِي كتاب «التَّمْيِيز» للنسائي: عزْرَة الَّذِي رَوَى عَنهُ قَتَادَة لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. ثمَّ (ذكره) - أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ - من طَرِيقين آخَرين عَن الدَّارَقُطْنِيّ: أَحدهمَا: من حَدِيث يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن، عَن حميد بن الرّبيع، عَن مُحَمَّد بن بشر، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن عزْرَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (رجلا) يُلَبِّي عَن شبْرمَة، قَالَ: أحججت؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لَبِّ عَن نَفسك، ثمَّ لبِّ عَن شبْرمَة» ثمَّ أعلَّها بحميد بن الرّبيع وَنقل عَن يَحْيَى أَنه قَالَ فِي حَقه: كذَّاب. وأغفل (رَاوِيه) يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن، وَفِي (حَدِيثه) وهم كَبِير مَعَ أَن البرقاني قَالَ: رَأَيْت الدَّارَقُطْنِيّ يحسن القَوْل فِي حميد. وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة: أَنا أعلم النَّاس بِهِ، هُوَ ثِقَة لكنه شَرِه يُدَلس. قلت: قد صرح فِي هَذَا الحَدِيث بِالتَّحْدِيثِ فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن بشر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث (الْحسن) بن ذكْوَان، ثَنَا عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا يَقُول: لبيْك عَن شبْرمَة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل حججْت قطّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَذِه عَنْك وَحج عَن شبْرمَة» . ثمَّ أعلَّها بالْحسنِ بن ذكْوَان. وَنقل عَن أَحْمد أَن أَحَادِيثه أباطيل، وَعَن يَحْيَى (أَنه) ضَعِيف. قلت: لكنه من فرسَان البُخَارِيّ، فاحتجَّ بِهِ فِي «صَحِيحه» ، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس (بِهِ) . وليت ابْن الْجَوْزِيّ أعلَّه بالراوي عَنهُ (و) هُوَ أَبُو بكر الْكَلْبِيّ فَإِنَّهُ مَتْرُوك، وأعلَّهُ ابْن الْمُغلس الظَّاهِرِيّ بِوَجْه آخر وَهُوَ أَن قَتَادَة رَاوِيه عَن عزْرَة لم يقل: «ثَنَا» وَلَا «سَمِعت» وَهُوَ إِمَام فِي التَّدْلِيس. قَالَ: وَقد قَالَ بعض أهل الْعلم: إِن هَذَا (الْخَبَر) لَيْسَ بِثَابِت؛ لِأَن سعيد بن أبي عرُوبَة كَانَ يحدث هَذَا الحَدِيث بِالْبَصْرَةِ فَيجْعَل هَذَا الْكَلَام من قَول ابْن عَبَّاس وَلَا يسْندهُ، وبالكوفة يَجعله مُسْندًا. قَالُوا: وَقد (رَوَاهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة (مَرْفُوعا) قَالُوا: وَقد رَوَاهُ ابْن جريج وَهُوَ أثبت من ابْن أبي لَيْلَى، فَلم يقل «عَن عَائِشَة» وأرسله، وَرَوَاهُ أَبُو قلَابَة عَن ابْن عَبَّاس، وَأَبُو قلَابَة لم يسمع مِنْهُ شَيْئا، قَالُوا: فَالْخَبَر بذلك غير ثَابت. قلت: فِي «تَقْيِيد المهمل» للجياني: (قَالَ البُخَارِيّ: عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ) كُوفِي، عَن سعيد بن جُبَير وَسَعِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، سمع مِنْهُ قَتَادَة. فقد صرح البُخَارِيّ بِسَمَاع قَتَادَة (من عزْرَة) فقد يُقَال: زَالَت تُهْمَة تدليسه وَقد أسلفنا الْجَواب عَمَّن أوقفهُ. فَائِدَتَانِ: الأولَى: عزْرَة الْمُتَقَدّم فِي الحَدِيث هُوَ عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ، كَذَا ذكره الْأَئِمَّة البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان فِي «تواريخهم» ، وَكَذَا ذكره صَاحب «الْكَمَال» ، والمزي فِي «تهذيبه» ، و «أَطْرَافه» . وَوَقع فِي «سنَن أبي دَاوُد» ، و «ابْن مَاجَه» : عزْرَة. غير مَنْسُوب، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هُوَ عزْرَة بن يَحْيَى. وَنَقله عَن الْحَاكِم، عَن أبي عَلّي الْحَافِظ، قَالَ: وَقد رَوَى قَتَادَة أَيْضا عَن عزْرَة بن تَمِيم، وَعَن عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 قلت: ونصَّ (عَلَى) أَنه عزْرَة بن يَحْيَى الجيانيُّ فِي «تَقْيِيد المهمل» قَالَ: وَقَالَ أَحْمد: هُوَ عزْرَة بن دِينَار وَلَا أرَاهُ يَصح. الْفَائِدَة الثَّانِيَة: قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي «مبهماته» : اسْم (المُلَبى) عَنهُ «شبْرمَة» . وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد جَاءَ صَرِيحًا كَمَا قدمْنَاهُ، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (تلقيحه) : وَفِي حَدِيث تفرد بِهِ ابْن عمَارَة أَن اسْمه: «نُبَيْشَة» قَالَ: وَهُوَ خطأ، وَيُقَال: إِن ابْن عمَارَة رَجَعَ عَن تِلْكَ الرِّوَايَة. قَالَ الْخَطِيب: وَلَا أحفظ اسْم (الملبي) . وَقَالَ ابْن باطيش فِي كِتَابه «الْمُغنِي فِي غَرِيب الْمُهَذّب» : اسْمه «نُبَيْشَة» . قلت: فِيهِ نظر، وَكَأَنَّهُ وهم فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ رويا من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة، عَن عبد الْملك بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس أَنه (الملبى) عَنهُ، وَهُوَ خطأ كَمَا (أسلفناه) لَا (الملبي) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الرِّوَايَة وهم، وَالصَّوَاب مَا تقدم عَن ابْن عَبَّاس. وَيُقَال: إِن الْحسن بن عمَارَة كَانَ يرويهِ ثمَّ رَجَعَ عَنهُ إِلَى الصَّوَاب، يحدث بِهِ عَلَى الصَّوَاب مُوَافقا لرِوَايَة غَيره عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث عَلَى كل حَال. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : إِنَّه حَدِيث بَاطِل. وَقَالَ (ابْن) الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : تفرد بِهَذَا الحَدِيث بلفظَيْه «هِيَ (عَن) نُبَيْشَة واحجج عَن نَفسك» و «هَذِه (عَن) نُبَيْشَة واحجج عَن نَفسك» الحسنُ بن عمَارَة، وَهُوَ الَّذِي (كَانَ) (يَقُول) مَكَان «شبْرمَة» : «نُبَيْشَة» ثمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّوَاب فِي آخر عمره، وَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. فَائِدَة ثَالِثَة: «شبْرمَة» بِضَم الشين وَالرَّاء، ذكره ابْن مَنْدَه، وَأَبُو نعيم فِي «الصَّحَابَة» ، وَهُوَ من الْأَفْرَاد، و «نُبَيْشَة» غير مَنْسُوب أَيْضا، توفّي فِي حَيَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَيْسَ «نُبَيْشَة الْهُذلِيّ» وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة نُبَيْشَة غَيرهمَا. فَائِدَة رَابِعَة (غَرِيبَة) : أَن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَمن رِوَايَة عَائِشَة، وظفرت لَهُ بطرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر، «سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا وَهُوَ يُلَبِّي: لبيْك عَن شبْرمَة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أحججت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفلا حججْت عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 نَفسك ثمَّ حججْت عَن شبْرمَة» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «مُعْجَمه» ، عَن أَحْمد بن يُوسُف (بن) الضَّحَّاك، نَا عمر بن يَحْيَى، نَا ثُمَامَة، نَا أَبُو الزبير ... فَذكره. الحَدِيث التَّاسِع عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَتَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِن أُمِّي مَاتَت وَلم تحج. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: حجي عَن أمك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» ، وَكَذَا التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَاقْتصر ابْن (الْأَثِير) فِي «جَامعه» عَلَى عَزْوِه إِلَى التِّرْمِذِيّ فَقَط (وَلَيْسَ) بجيد مِنْهُ. الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن امْرَأَة من خثعم قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن فَرِيضَة الله عَلَى عباده أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يسْتَمْسك عَلَى الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: «لَا يثبت عَلَى الرَّاحِلَة» بدل «يسْتَمْسك» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «يَسْتَوِي» قَالَا: وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع. وَفِي رِوَايَة للبيهقي «يسْتَمْسك» كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَمن الروَاة من جعل هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس، عَن أَخِيه الْفضل، (فَجعله [من] مُسْند الْفضل) . وَفِي رِوَايَة للنسائي « (أَن) امْرَأَة من خثعم سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَدَاة جَمْعٍ ... » الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَنْدَه فِي «كتاب الإرداف» لَهُ فِي آخر الحَدِيث: «فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن هَذَا يَوْم من ملك فِيهِ سَمعه (وبصره) وَلسَانه غفر لَهُ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «كَمَا لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين (فقضيته) » قلت: رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ «أَن رجلا قَالَ: يَا نَبِي الله، إِن ابي مَاتَ وَلم يحجّ أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فدين الله أَحَق بِالْوَفَاءِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ نَحْو هَذِه، وَقَالَ فِيهَا: «وَهُوَ شيخ كَبِير لَا يثبت عَلَى الرَّاحِلَة، وَإِن شددته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 خشيت أَن يَمُوت» وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْفضل وَجعل عوض الْمَرْأَة رجلا، وَأَنه استفتى عَن أمه. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه (أَيْضا) من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أَخِيه الْفضل «أَنه كَانَ (رِدْف) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَدَاة النَّحْر فَأَتَتْهُ امْرَأَة من خثعم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن فَرِيضَة الله فِي الْحَج (عَلَى عباده) أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يركب أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم فَإِنَّهُ لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين (قَضيته) » . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا بِلَفْظ «فَقَالَت: يَا رَسُول الله، فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك؟ قَالَ: (نعم) ، كَمَا لَو كَانَ عَلَيْهِ دين (فقضيته) نَفعه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الرِّوَايَة لم يذكر فِيهَا أَبُو بكر وَأَبُو زَكَرِيَّا «ابْن عَبَّاس» وَذكره (غَيرهمَا) . قَالَ ابْن حزم: وَأما رِوَايَة «حجي عَنهُ وَلَيْسَ لأحد بعده» فَفِيهَا مَجْهُولَانِ. فَائِدَة: رَوَى (ابْن) مَاجَه فِي «سنَنه» «أَن أَبَا الْغَوْث - رجل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 من الْفَرْع - استفتى أَيْضا فِي الْحَج عَن أَبِيه، فَقَالَ: (لَهُ) عَلَيْهِ السَّلَام: حج عَن أَبِيك. قَالَ: وَكَذَلِكَ الصّيام (فِي النّذر) يُقْضَى عَنهُ» . (وَرَوَاهُ) الدولابي فِي «كناه» وَقَالَ: «رجل من خثعم» : (بدل «من الْفَرْع» ) وَفِيه: «يتَصَدَّق عَن الرجل و (يصام) عَنهُ وَلَده إِن كَانَ لَهُ، وَأَخُوهُ وَذُو قرَابَته مِنْهُ، وَالصَّدَََقَة أفضل» وَرَوَاهُ أطول من هَذَا أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» . تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن ذكر أَن الْإِنْسَان (إِذا مَاتَ) وَلم يجب عَلَيْهِ الْحَج لعدم الِاسْتِطَاعَة هَل يجوز أَن يحجّ عَنهُ، وَذكر أَنه قَالَ فِي «الْوَسِيط» بِالْجَوَازِ، وَاحْتج بِمَا رُوِيَ «أَن امْرَأَة قَالَت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن فَرِيضَة الْحَج عَلَى الْعباد أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ هَذَا الِاحْتِجَاج بِقَوي؛ لِأَن الحَدِيث هُوَ حَدِيث الخثعمية، وَاللَّفْظ الْمَشْهُور فِي حَدِيثهَا: «لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت عَلَى الرَّاحِلَة» وَذَلِكَ يدل عَلَى أَن اللَّفْظَة الَّتِي نقلهَا « (أَن) يثبت» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 (مَحْمُول) عَلَى نفي استطاعته الْمُبَاشرَة، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي وجوب (الْحَج وَالْمَسْأَلَة) فِيمَن لَا وجوب عَلَيْهِ. قَالَ: وَيجوز أَن يحْتَج لَهُ بِحَدِيث بُرَيْدَة فَإِن الْمَرْأَة قَالَت: «إِن أُمِّي مَاتَت وَلم تحج» وَلم يفصل الْجَواب انْتَهَى. قلت: فِي الْبَيْهَقِيّ نَحْو (لفظ) «الْوَسِيط» فَإِنَّهُ رَوَى من حَدِيث زيد بن عَلّي بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه، عَن (عبيد الله) بن (أبي) رَافع عَن عَلّي «أَن امْرَأَة من خثعم شَابة قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أبي شيخ كَبِير أَدْرَكته فَرِيضَة الله عَلَى عباده فِي الْحَج لَا يَسْتَطِيع أداءها، فَيُجزئ عني أَن أؤديها عَنهُ؟ قَالَ: نعم» . (وَرَوَاهُ) التِّرْمِذِيّ فِي بَاب «مَا جَاءَ أَن عَرَفَة كلهَا موقف» من هَذَا (الْوَجْه فِي) أثْنَاء حَدِيث طَوِيل «فَقَالَت: إِن أبي شيخ كَبِير وَقد (أَدْرَكته) فَرِيضَة الله فِي الْحَج، أفيجزئ أَن أحج عَنهُ؟ (قَالَ) : حجي عَن أَبِيك» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح لَا نعرفه من حَدِيث عَلّي إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث مُجَاهِد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 عَن مولَى لِابْنِ الزبير، عَن ابْن الزبير عَن سَوْدَة قَالَت: «جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن أبي شيخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ. قَالَ: أرأيتك لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين (فَقضيت) عَنهُ قبل مِنْك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَالله أرْحم، حج عَن أَبِيك» . الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج وَمَاتَتْ قبل أَن تحج. فَقَالَ: لَو كَانَ عَلَى (أختك) دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: (فاقضوا) الله فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف فِي «الزَّكَاة» فِي بَاب: «لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، عَن يزِيد الْأَصَم، عَن ابْن عَبَّاس، وَفِيه ذِكْر «الْأَب» بدل «الْأُخْت» وَفِيه « (نعم) حج عَن أَبِيك، فَإِن لم يزده خيرا لم يزده شرًّا» . وَقَالَ ابْن عبد الْبر: تفرد (بِهِ) عبد الرَّزَّاق، وَلَا يُوجد فِي الدُّنْيَا عِنْد أحد غَيره، وخطؤه فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 لانفراده بِهِ وَإِن كَانَ ثِقَة، وَهُوَ لفظ مُنكر لَا يشبه لفظ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلمهُ رَوَاهُ إِلَّا الثَّوْريّ من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة؛ فَجعل الْمُنْفَرد بِهِ هُوَ الثَّوْريّ. الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : «إِن الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت» . وَهُوَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن (سعيد الْعَطَّار، عَن مُحَمَّد بن) كثير الْكُوفِي، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن زيد بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، مُحَمَّد بن كثير لم يَرْضَهُ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ: (خرقنا حَدِيثه) . وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَإِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ المَخْزُومِي الْمَكِّيّ، وَقد ضَعَّفُوهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مَوْقُوفا عَلَى زيد بن ثَابت، رَوَاهُ من حَدِيث هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين «أَن زيد بن ثَابت سُئِلَ: الْعمرَة قبل الْحَج؟ قَالَ: صلاتان لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت» ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن سَالم، عَن ابْن سِيرِين مَرْفُوعا، وَالصَّحِيح مَوْقُوف. قلت: كَذَا وَقع فِي الْبَيْهَقِيّ إِسْمَاعِيل بن سَالم، وَالْمَعْرُوف (ابْن) مُسلم كَمَا قَدمته، وَكَذَا صحّح الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقفه عَلَى زيد بن ثَابت، وَعبد الْحق فِي «أَحْكَامه» أَيْضا صحّح وَقفه، وَله طَرِيق ثَان من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن عَطاء، عَن جَابر مَرْفُوعا: «الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان واجبتان» . رَوَاهُ ابْن عدي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من جِهَته ثمَّ قَالَ: ابْن لَهِيعَة غير مُحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: غير مَحْفُوظ عَن عَطاء. قَالَ عبد الْحق: وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب - يَعْنِي: فِي إِيجَاب الْعمرَة - (إِلَّا حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ. وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أعلم فِي إِيجَاب الْعمرَة) حَدِيثا أَجود مِنْهُ وَلَا أصح مِنْهُ. وَقد ذكرته فِي « (تحفة) دَلَائِل الْمِنْهَاج» مَعَ عدَّة أَحَادِيث أخر فِي ذَلِك، فَرَاجعهَا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 الحَدِيث (الثَّالِث) عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الْعمرَة: أَوَاجِبَة؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا فَهُوَ أولَى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ إِلَّا أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ: «فَهُوَ أفضل» بدل «فَهُوَ أولَى» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: «وَأَن تعتمر خير لَك» . وَكَذَا لفظ أَحْمد إِلَّا أَنه قَالَ فِي أَوله: « (أَتَى) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي عَن الْعمرَة، أَوَاجِبَة هِيَ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَن تعتمر خير لَك» . (وَذكره) ابْن حزم فِي «محلاه» بِلَفْظ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْعمرَة: أفريضة هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَأَن تعتمر فَهُوَ خير لَك» . ومداره عَلَى الْحجَّاج بن أَرْطَاة أَبُو أَرْطَاة النَّخعِيّ الْكُوفِي وَقد عرفت حَاله فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين من بَاب الْأَذَان، وَمِمَّا لم أقدمه هُنَاكَ أَن مُسلما أخرج لَهُ (مَقْرُونا) وَرَوَى لَهُ ابْن حبَان فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 «صَحِيحه» وَوَصفه الْخَطِيب بِأَنَّهُ أحد الْحفاظ، وَقَالَ الْعجلِيّ: كَانَ فَقِيها أحد مُفِْتيّ أهل الْكُوفَة، وَكَانَ (فِيهِ تيه) وَكَانَ يَقُول: أهلكني حبُّ الشَّرَف. وَولي قَضَاء الْبَصْرَة، وَكَانَ جَائِز الحَدِيث إِلَّا أَنه صَاحب إرْسَال، وَإِنَّمَا يعيب النَّاس (مِنْهُ) التَّدْلِيس. وَقَالَ ابْن حبَان: تَركه ابْن الْمُبَارك وَيَحْيَى الْقطَّان وَابْن مهْدي وَيَحْيَى بن معِين وَأحمد بن حَنْبَل، وَكَانَ زَائِدَة يَأْمر بترك حَدِيثه، وَقَالَ أَحْمد: يزِيد فِي الْأَحَادِيث ويروي عَمَّن لم يلقهُ لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو طَالب عَن أَحْمد: كَانَ من الْحفاظ. قيل (لَهُ) : فلِمَ لَيْسَ هُوَ عِنْد النَّاس بِذَاكَ؟ قَالَ: (لِأَن) فِي (حَدِيثه) زِيَادَة عَلَى أَحَادِيث النَّاس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: يُدَلس عَن الضُّعَفَاء فَإِذا قَالَ: نَا فلَان (فَلَا) يرتاب. وَقَالَ ابْن عدي: عابوا عَلَيْهِ تدليسه عَن الزُّهْرِيّ وَغَيره، وَرُبمَا أَخطَأ، فَأَما أَن يتَعَمَّد الْكَذِب فَلَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يحْتَج (بِهِ) . وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: رَأَيْته فِي مَسْجِد الْكُوفَة يُحَدِّثهُمْ بِأَحَادِيث الْعَرْزَمِي ويدلسها عَلَى شُيُوخ الْعَرْزَمِي، (والعرزمي) قَائِم يُصَلِّي لَا يعرفهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 أحد وَالنَّاس عَلَى حجاج. وَقَالَ ابْن حزم: هُوَ سَاقِط. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: (ناهيك) (فِيهِ) أَي: فِي الضعْف. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: كَانَ لَا يُصَلِّي مَعَ الْمُسلمين فِي الْمَسْجِد، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: أكره مزاحمة البقالين لَا (ينبل) الْإِنْسَان حَتَّى يدع الصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة. وَأَنه أنكر السَّلَام عَلَى الْمَسَاكِين وَقَالَ: عَلَى مثل هَؤُلَاءِ (يسلم!) . (فَهَذِهِ أَقْوَال) الْحفاظ فِي الْحجَّاج مصرحة بضعفه وبتدليسه، وَقدمنَا توثيقه فِي بَاب الْأَذَان عَن الثَّوْريّ وَشعْبَة وَغَيرهمَا. وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَنهُ، أحدهم: عمر بن عَلّي الْمقدمِي، أخرجه التِّرْمِذِيّ من جِهَته، ومعتمر بن سُلَيْمَان وَأَبُو مُعَاوِيَة، وَعبد الله بن الْمُبَارك، أخرجه عَنْهُم الْحَافِظ أَبُو نعيم (الْأَصْبَهَانِيّ) فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 «جمعه لأحاديث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر» وَقَالَ التِّرْمِذِيّ (عقب) إِخْرَاجه لَهُ من الْوَجْه الْمَذْكُور: هَذَا حَدِيث حسن. وَوَقع فِي رِوَايَة (الْكَرْخِي) دون غَيره كَمَا أَفَادَهُ صَاحب «الإِمَام» عَنهُ زِيَادَة الصِّحَّة أَيْضا وَهُوَ مَا نَقله صَاحب «الْأَحْكَام» عَنهُ، وَفِي تَصْحِيحه نظر كَبِير، قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» : هَذَا حَدِيث (بَاطِل) حجاج سَاقِط. وَقَالَ الشَّافِعِي - فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ -: الْعمرَة سنة، لَا نعلم أحدا رخص فِي تَركهَا، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء ثَابت أَنَّهَا وَاجِبَة، قَالَ الشَّافِعِي: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[بِإِسْنَاد] (وَهُوَ) ضَعِيف لَا تقوم بِمثلِهِ الْحجَّة، وَقد بلغنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يُوجِبهَا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ حجاج بن أَرْطَاة مَرْفُوعا، وَالْمَحْفُوظ إِنَّمَا هُوَ عَن جَابر مَوْقُوف عَلَيْهِ غير مَرْفُوع. قَالَ: وَرُوِيَ عَن جَابر مَرْفُوعا (خلاف) ذَلِك. قَالَ: وَكِلَاهُمَا ضَعِيف. ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من رِوَايَة غير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 الْحجَّاج بن أَرْطَاة، رَوَاهُ من طَرِيق سعيد بن (عُفَيْر) الْأنْصَارِيّ، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب (عَن عبيد الله (عَن) أبي الزبير) عَن جَابر أَنه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، الْعمرَة فَرِيضَة كَالْحَجِّ؟ قَالَ: لَا، وَأَن تعتمر فَهُوَ خير لَك» كَذَا قَالَ: «عَن عبيد الله» ، وَهُوَ «عبيد الله بن الْمُغيرَة» تفرد بِهِ عَن أبي الزبير، ذكره يَعْقُوب بن سُفْيَان وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم البرقي وَغَيرهمَا، عَن ابْن عفير، عَن يَحْيَى [عَن] (عبيد الله) بن الْمُغيرَة. (وَرَوَاهُ) الباغندي، عَن جَعْفَر بن مُسَافر، عَن (ابْن) عفير (وَقَالَ) عَن يَحْيَى (عَن) عبيد الله بن عمر. وَهَذَا وهم من الباغندي، وَقد رَوَاهُ ابْن أبي دَاوُد، عَن جَعْفَر كَمَا رَوَاهُ النَّاس، وَإِنَّمَا يعرف هَذَا الْمَتْن بالحجاج بن أَرْطَاة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الْعمرَة تطوع» وَكِلَاهُمَا ضَعِيف. وَكَذَا قَالَ الطَّبَرَانِيّ (لما أخرجه من حَدِيث) سعيد بن عفير: عبيد الله هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 هُوَ ابْن أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ، وَلم يرو هَذَا الحَدِيث عَن (أبي) الزبير إِلَّا هُوَ، تفرد بِهِ يَحْيَى بن أَيُّوب، وَالْمَشْهُور: حَدِيث الْحجَّاج، عَن (مُحَمَّد) بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت، وحجاج بن أَرْطَاة يتفرد بِسَنَدِهِ، وَرَفعه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من هَذَا الْوَجْه، وَخَالفهُ عبد الْملك بن جريج وَغَيره، فَرَوَوْه عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر من قَوْله، وَهُوَ الصَّوَاب، وحجاج لَيْسَ يقبل مِنْهُ مَا ينْفَرد بِهِ من الرِّوَايَات لسوء حفظه، وَقلة مراعاته لما يحدث بِهِ، وَكَثْرَة تدليسه، فَكيف إِذا خَالف الثِّقَات وَرفع الْمَوْقُوفَات والمعضلات؟ ! وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : رَفعه ضَعِيف. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : فِي تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث (نظر) ، فَإِن الْحجَّاج بن أَرْطَاة لم يحْتَج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَقد ضعفه الْأَئِمَّة. وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : صحّح التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث وَاعْترض عَلَيْهِ بالْكلَام فِي الْحجَّاج بن أَرْطَاة رافعه، وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا من قَول جَابر. وَقَالَ الإِمَام الظَّاهِرِيّ: اعْترض عَلَى هَذَا الحَدِيث بِأَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : قَول التِّرْمِذِيّ: «إِن هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح» غير مَقْبُول، وَلَا تغتر بِكَلَامِهِ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 فقد اتّفق الْحفاظ عَلَى أَنه حَدِيث ضَعِيف، وَدَلِيل ضعفه أَن مَدَاره عَلَى الْحجَّاج بن أَرْطَاة لَا يعرف إِلَّا من جِهَته، وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا رَوَاهُ من جِهَته، وَالْحجاج ضَعِيف ومدلس بِاتِّفَاق الْحفاظ، وَقد قَالَ فِي حَدِيثه «عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر» والمدلس إِذا قَالَ فِي رِوَايَته «عَن» (فَلَا) يحْتَج بهَا بِلَا خلاف، كَمَا هُوَ مُقَرر فِي كتب أهل الحَدِيث وَأهل (الْأُصُول) وَلِأَن جُمْهُور الْعلمَاء عَلَى تَضْعِيف الْحجَّاج بِسَبَب آخر غير التَّدْلِيس (فَإِذا) كَانَ (فِيهِ سببان يمْنَع) كل وَاحِد مِنْهُمَا الِاحْتِجَاج بِهِ - وهما الضعْف والتدليس - فَكيف يكون حَدِيثا صَحِيحا، أَو حسنا! وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيمَا تقدم عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي الْعمرَة شَيْء ثَابت أَنَّهَا تطوع. فَالْحَاصِل من هَذَا كُله أَنه حَدِيث ضَعِيف، وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» أَن هَذَا الحَدِيث رَفعه ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف فِيمَا يتفرد بِهِ، وَصَوَابه رَفعه الْحجَّاج بن أَرْطَاة كَمَا أوضحته فِي «تخريجي لأحاديثه» فَرَاجعه مِنْهُ، وَاعْترض عَلَى هَذِه الْعبارَة من وَجْهَيْن آخَرين كَمَا ذكرته فِيهِ. تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: هَذَا الحَدِيث قد أسلفناه من حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَاعْترض عَلَيْهِ بِتَضْعِيف عبيد الله الْعمريّ المصغر. ورُويَ من طرق أُخْرَى: إِحْدَاهَا: من حَدِيث أبي صَالح الْحَنَفِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 «الْحَج جِهَاد، وَالْعمْرَة تطوع» رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد بن سَالم، عَن الثَّوْريّ، عَن مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح بِهِ ثمَّ قَالَ: قلت لَهُ - يَعْنِي بعض المشرقيين - أيثبت (مثل) هَذَا (عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) ؟ فَقَالَ: هُوَ مُنْقَطع. وَكَذَا قَالَ ابْن حزم أَيْضا: إِنَّه مُرْسل. قَالَ: وَأَبُو صَالح ماهان ضَعِيف كُوفِي قد رَوَى عَنهُ جمَاعَة مشاهير، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ من حَدِيث شُعْبَة، عَن مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْصُولا وَالطَّرِيق فِيهِ إِلَى شُعْبَة طَرِيق ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حزم: رَوَاهُ عبد الْبَاقِي مُسْندًا بِزِيَادَة أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ كذب بحت من بلايا عبد الْبَاقِي. وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» ، فَقَالَ: عبد الْبَاقِي من كبار الْحفاظ. قلت: لَكِن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يُخطئ كثيرا (ويُصِرّ) . ثَانِيهَا: من حَدِيث طَلْحَة بن (عبيد الله) مَرْفُوعا رَوَاهُ ابْن قَانِع أَيْضا وتَورَّكَ ابْن حزم عَلَيْهِ، (فَقَالَ) : اتّفق أَصْحَاب الحَدِيث عَلَى تَركه، وَهُوَ رَاوِي كل بلية وكذبة. وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين (أَيْضا) فَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء فَلم ينْفَرد بِهِ. (فَأخْرجهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 ابْن مَاجَه عَمَّن رَوَى (عَنهُ) عبد الْبَاقِي. ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة، عَن سَالم الْأَفْطَس، عَن ابْن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَمُحَمّد هَذَا مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حزم: رُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِيه عبد الْبَاقِي (وَيَكْفِي) ثمَّ هُوَ عَن ثَلَاثَة مجهولين فِي نَسَقٍ لَا يُدْرى [من هم] . ثمَّ أَطَالَ ابْن حزم فِي ذَلِك بأَشْيَاء أُخَر. (التَّنْبِيه الثَّانِي) : هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أحد الْقَوْلَيْنِ أَن الْعمرَة سنة، قَالَ الْأَصْحَاب: وَلَو صَحَّ لم يلْزم مِنْهُ عدم وجوب الْعمرَة عَلَى النَّاس كلهم؛ لاحْتِمَال أَن المُرَاد لَيست وَاجِبَة فِي حق السَّائِل لعدم استطاعته. (انْتَهَى) الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَذكر (فِيهِ) اسْتِطْرَادًا حَدِيث «واشترطي الْخِيَار ثَلَاثًا» وسنتكلم عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - (فَإِنَّهُ أليق بِهِ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 وَذكر فِيهِ من الْآثَار: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله - تَعَالَى» . وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا فَقَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله (وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله) » . وأسنده الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان (عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «وَالله إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله (وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله» ) . ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان) بن عُيَيْنَة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن جريج قَالَ: أخْبرت عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «الْعمرَة وَاجِبَة كوجوب الْحَج من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قَالَ الْحَاكِم: وَإِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ (وَرَوَاهُ) سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبد الله بن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «الْحَج وَالْعمْرَة واجبتان» وَعَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس (قَالَ) فِي الْعمرَة وَالْحج: «إِنَّمَا أُمِرَ (بهما) فِي كتاب الله - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 تَعَالَى» . وَرَوَاهُ ابْن حزم من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس (أَنه قَالَ فِي الْعمرَة وَالْحج: «إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا عَن ابْن عَبَّاس) من طرق فِي غَايَة الصِّحَّة أَنَّهَا وَاجِبَة كوجوب الْحَج. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 بَاب الْمَوَاقِيت ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث (سِتَّة) عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) كَذَلِك من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لامْرَأَة من الْأَنْصَار - سَمَّاهَا ابْن عَبَّاس -: مَا مَنعك أَن تَحُجِّي مَعنا؟ قَالَت: لم يكن لنا إِلَّا ناضحان فحج أَبُو وَلَدهَا وَابْنهَا عَلَى ناضحٍ، وَترك لنا ناضحًا ننضح عَلَيْهِ. فَقَالَ: إِذا جَاءَ رَمَضَان فاعتمري (فَإِن) عمْرَة فِيهِ تعدل حجَّة» هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ: « (فَإِن) عمْرَة فِي رَمَضَان حجَّة» أَو نَحوا مِمَّا قَالَ، قَالَ عبد الْحق: وَخرج أَيْضا - أَعنِي فِي هَذَا الحَدِيث - من حَدِيث جَابر تَعْلِيقا، وَلمُسلم فِي طَرِيق أُخْرَى من حَدِيث ابْن عَبَّاس «تقضي حجَّة أَو حجَّة معي» وَسَمَّى الْمَرْأَة: أم سِنَان. قَالَ عبد الْحق: وَأخرج البُخَارِيّ هَذِه الطَّرِيقَة، وَقَالَ: أم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 سِنَان الْأَنْصَارِيَّة. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» ، وللإسماعيلي فِي «مُعْجَمه» ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: حج أَبُو طَلْحَة وَابْنه وتركاني. فَقَالَ (لي) : يَا أم سليم، عمْرَة فِي رَمَضَان تجزئك من حجَّة» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي « (مُسْتَدْركه» ) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر «معاجمه» «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة معي» روياها من حَدِيث مُسَدّد، (و) عَن عبد الْوَارِث بن سعيد، عَن عَامر الْأَحول، عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الْحَاكِم: (صَحِيح) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قلت: وعامر هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَرَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ، ثمَّ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» من حَدِيث أنس أَيْضا «عمْرَة فِي رَمَضَان حجَّة معي» ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: الرِّوَايَة فِي هَذَا ثَابِتَة من غير هَذَا الْوَجْه. وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى رِوَايَة ابْن عَبَّاس، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 وَرَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أبي طليق «أَن امْرَأَته أم طليق قَالَت: يَا نَبِي الله، مَا يعدل الْحَج مَعَك؟ قَالَ: عمْرَة فِي رَمَضَان» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة أم معقل الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب، وَقَالَ (الْحَاكِم: صَحِيح) عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: هَذَا الحَدِيث ثَابت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب - يَعْنِي: عمْرَة رَمَضَان - عَن ابْن عَبَّاس، وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة [وَأنس] ، ووهب بن خنبش. وَيُقَال: هرم بن خنبش، قَالَ الْخَطِيب فِي «الموضح» : ونقلته (من) خطه: وهب (هَذَا) هُوَ الصَّوَاب، وهرم وهم. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ إِسْحَاق: مَعْنَى هَذَا الحَدِيث مثل مَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «من قَرَأَ: (قل هُوَ الله أحد (فقد قَرَأَ ثلث الْقُرْآن» . فَائِدَة: قد ذكرت لَك أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 لجَماعَة: أم سِنَان، وَأم سليم، وَأم طليق، وَأم معقل، زَاد الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : وَأم الْهَيْثَم. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَعْمَرَ) عَائِشَة من التَّنْعِيم لَيْلَة المحصّب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من حَدِيثهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أرْدف أختك - يَعْنِي: عَائِشَة - (فَأَعْمِرْها) من التَّنْعِيم؛ فَإِذا هَبَطت (بهَا) إِلَى الأَكَمَةِ فمُرْهَا فلتُحْرِم؛ فإنَّهَا عمْرَة متقبَّلَة» . وَرَوَى هَذِه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا. فَائِدَة: التَّنْعِيم - بِفَتْح التَّاء - من الحِلِّ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة عَلَى ثَلَاثَة أميالٍ من مَكَّة، وَقيل: أَرْبَعَة. حَكَاهُ النَّوَوِيّ، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّه عَلَى فَرسَخ من مَكَّة. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» : عَلَى فرسخين مِنْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 وعبارةُ المنذريِّ وَصَاحب «الإِمَام» : هُوَ بَين مَكَّة وسرف عَلَى فرسخين من مَكَّة. وَقيل: عَلَى أَرْبَعَة أَمْيَال، سُمِّي بذلك؛ لِأَن عَن يَمِينه جبلا يُقَال لَهُ: نعيم، وَعَن شِمَاله جبل يُقَال لَهُ: ناعم، والوادي: نعْمَان. قَالَه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» : وَتَبعهُ النوويُّ، ثمَّ المنذريُّ، ثمَّ صَاحب «الإِمَام» . الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعمر عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي سنة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ مطولا ومختصرًا «أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (أَحرمت) بِعُمْرَة عَام حجَّة الْوَدَاع فَحَاضَت فَأمرهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تحرم بِحَجّ فَفعلت، وَصَارَت قارنة ونسكت الْمَنَاسِك كلهَا، فَلَمَّا طهرت طافت وسعت فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَام: قد حللت من حجك وعمرتك، فطلبت من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يعمرها عمْرَة أُخْرَى، (فَأذن) لَهَا فَاعْتَمَرَتْ من التَّنْعِيم عُمرة أُخْرَى» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: كَانَت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 عمرتها فِي ذِي الْحجَّة ثمَّ سَأَلته أَن يعمرها فأعمرها فِي ذِي الْحجَّة، فَكَانَت هَذِه عمرتان فِي شهر. وَفِي «سنَن سعيد بن مَنْصُور» عَن سُفْيَان، عَن صَدَقَة بن يسَار، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد «أنَّ عائشةَ اعتمرتْ فِي سنة ثلاثَ مراتٍ، فَقلت: (تعيب) ذَلِك عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: أَعلَى أم الْمُؤمنِينَ؟ !» نَا سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عَائِشَة اعْتَمَرت من الْجحْفَة وَذي الحليفة فِي سنة» وَهَؤُلَاء ثِقَات مشاهير. الحَدِيث الرَّابِع (يُرْوَى) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (إِن) أفضل الْحَج أَن يحرم من دويرة أَهله» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ من حَدِيث جَابر بن نوح، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، (عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) «فِي قَوْله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله) قَالَ: من تَمام الْحَج أَن تُحْرِم من دُوَيْرة (أهلك) » ثمَّ قَالَ: وَفِي رَفعه نظر. وَذكره الْغَزالِيّ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 «وسيطه» بِلَفْظ «من تَمام الْحَج وَالْعمْرَة أَن تحرم (بهما) من دُوَيْرة أهلك» . قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ (يُرْوَى) بِإِسْنَاد (ضَعِيف) . قلت: وَصَحَّ مَوْقُوفا عَلَى عَلِيٍّ كَمَا سَيَأْتِي (فِي) آخر الْبَاب. الحَدِيث الْخَامِس عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة، وَلأَهل نجد قرن الْمنَازل، وَلأَهل الْيمن (يَلَمْلَمَ) وَقَالَ: هن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن مِمَّن أَرَادَ الْحَج وَالْعمْرَة، وَمن كَانَ (دون) ذَلِك فَمن حَيْثُ أنشأ حَتَّى أهل مَكَّة يهلون مِنْهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ وَفِي رِوَايَة لَهما «فَمن كَانَ دُونهن فمِنْ أَهْلِه، وَكَذَلِكَ حَتَّى أهل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 مَكَّة يُهلون مِنْهَا» وَأَخْرَجَا قَرِيبا مِنْهُ من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب قطعا مِنْهُ، فَذكر مِنْهُ مرّة «هن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غَيْرهنَّ» وَمرَّة «فَمن كَانَ يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة» وَمرَّة «فَمن كَانَ دونهن (فمهلُّه) من أَهله» . فَائِدَة: هَذِه الْمَوَاضِع قد بينتها وَاضِحَة فِي «شرح الْمِنْهَاج» و «تَخْرِيج أَحَادِيث المهذّب» فَرَاجعه مِنْهُمَا. وَوَقع من الرَّافعي أَن بَين الْمَدِينَة وَذي الحليفة ميل (وَهُوَ غَرِيب) وَالْمَعْرُوف أَن بَينهمَا سِتَّة (و) قيل: سَبْعَة. نعم لم ينْفَرد بذلك؛ فقد سبقه إِلَى ذَلِك صَاحب «الشَّامِل» و «الْبَحْر» والبندنيجي فِي «تَعْلِيقه» ، وَقد حَكَى فِي «الشَّرْح الصَّغِير» الْخلاف فِيهِ فَقَالَ: إِنَّه (عَلَى) ميل من الْمَدِينَة، وَقيل: عَلَى سِتَّة أَمْيَال، أَو (سَبْعَة) . وَفِي «الْبَسِيط» (أَنه عَلَى فَرْسَخَيْن مِنْهَا) وَفِي «مَنَاسِك ابْن الْحَاج» : أَنه عَلَى خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة مِنْهَا. قَالَ الْمُحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 الطَّبَرِيّ: والحِسُّ يَرُدُّ مَا قَالُوهُ؛ بل هِيَ فَرسَخ أَو يزِيد قَلِيلا. قلت: وَأما من جِهَة مَكَّة فَهِيَ عَلَى عشر مراحِل مِنْهَا. قَالَه ابْن الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ، قَالَ الرَّافِعِيّ، (و) النَّوَوِيّ: وَهُوَ أبعد الْمَوَاقِيت من مَكَّة، وَفِي حَدِيث رَافع بن خديج: «كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِذِي الحليفة من تهَامَة» . قَالَ (الرَّازِيّ) : ذُو الحليفة هَذِه لَيست الْمهل الَّتِي (بِقرب) الْمَدِينَة. (أُخْرَى: قَالَ الرَّافِعِيّ: السماع الْمُعْتَمد عَن المتقنين فِي قرن هُوَ التسكين، ورأيته مَنْقُولًا عَن أبي عُبَيْدَة وَغَيره، وَرَوَاهُ صَاحب «الصِّحَاح» بِالتَّحْرِيكِ، وَادَّعَى أَن أويسًا مَنْسُوب إِلَيْهِ. قلت: قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : اتّفق الْعلمَاء عَلَى تغليط الْجَوْهَرِي فِي فتح الرَّاء، وَفِي نِسْبَة أويس إِلَيْهِ. قَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَى «قرن» قَبيلَة من مُرَاد بِلَا خلاف بَين أهل الْمعرفَة، وَقد ثَبت فِي «صَحِيح مُسلم» عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «أويس بن عَامر من مُرَاد (ثمَّ من مُرَاد إِلَى قَرَنٍ)) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 الحَدِيث السَّادِس عَن طَاوس أَنه قَالَ: « [لم يُوَقت] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (ذَات عرق) [وَلم] يكن حِينَئِذٍ أهل الشرق أَي مُسلمين» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم وَسَعِيد، عَن ابْن جريج [قَالَ] : فراجعت عَطاء، فَقلت (لَهُ) : «إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام - زَعَمُوا - لم يُوَقت ذَات عرق، وَلم يكن أهل مشرق حِينَئِذٍ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ) سمعنَا أَنه وَقت ذَات عرق أَو العقيق لأهل الْمشرق. قَالَ: (وَلم) يكن عراق وَلَكِن لأهل الْمشرق. وَلم يعزه إِلَى أحد دون النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَلكنه يَأْبَى إِلَّا أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَقَّتَهُ» . قَالَ الشَّافِعِي: و (أَنا) مُسلم (بن) خَالِد، عَن ابْن جريج (عَن عَمْرو بن دِينَار) ، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، قَالَ: «لم يُوَقت رَسُول الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 (ذَات عرق وَلم يكن أهل (مشرق) حِينَئِذٍ فوقت (النَّاس) ذَات عرق» . قَالَ الشافعيُّ: وَلَا أَحْسبهُ إِلَّا كَمَا قَالَ طَاوس. ذكرهمَا عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» ، وَذكر الأول فِي «سنَنه» ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح (عَن عَطاء) ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. وَقد (رَوَاهُ) الْحجَّاج بن أَرْطَاة، - وضَعْفُه ظَاهر - عَن عَطاء وَغَيره فوصله. فَائِدَة: ذَات عرق عَلَى مرحلَتَيْنِ من مَكَّة. كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ، قَالَ الْحَازِمِي: وَهِي الْحَد بَين نجد وتهامة. الحَدِيث السَّابِع فِي «الصَّحِيح» عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لما فتح هَذَانِ المصران (أَتَوْا عُمَر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَدَّ لأهل نجد قرنا، وَهُوَ جور عَن طريقنا، وَإِنَّا إِن أردناه شقّ علينا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 (قَالَ) : فانظروا حذوها من طريقكم. فحدَّ لَهُم ذَات عرق» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ، والمصران: الْبَصْرَة والكوفة. (وَالْمرَاد بفتحهما لِأَنَّهُمَا إسلاميتان بُنيا فِي خلَافَة عمر) . وَقَوله: «جور عَن طريقنا» أَي: مائل منحرف، وَمِنْه جور فِي الْأُمُور وَغَيرهَا. وَقَوله: «حذوها» أَي: مَا يدانيها وَيقرب مِنْهَا، وأصل الْمُحَاذَاة الْمُقَابلَة. الحَدِيث الثَّامِن عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقت لأهل الْمشرق ذَات عرق» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أَفْلح بن حميد (الْمدنِي) ، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقت لأهل الْعرَاق ذَات عرق» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وَقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 وَلأَهل الشَّام ومصر الْجحْفَة، وَلأَهل الْعرَاق ذَات عرق، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم» وأفلح هَذَا نقل ابْن عدي وَغَيره، عَن (أَحْمد) بن حَنْبَل أَنه أنكر عَلَيْهِ (رِوَايَته) هَذَا الحَدِيث وانفراده بِهِ، (لكنه) ثِقَة (فَلَا يضر تفرده) . فقد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَنقل عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه سَأَلَ أَبَاهُ عَنهُ، فَقَالَ: صَالح. وَقَالَ ابْن عدي: (هُوَ عِنْدِي) صَالح، وَهَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ الْمعَافى بن عمرَان، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : هُوَ حَدِيث صَحِيح غَرِيب. قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من (طرق) أُخْرَى غير (طَرِيق) عَائِشَة. (إِحْدَاهَا) : من طَرِيق جَابر، رَوَاهُ مُسلم وَابْن مَاجَه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 ثَانِيهَا: من طَرِيق الْحَارِث (بن) عَمْرو السَّهْمي الصَّحَابِيّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» . ثَالِثهَا: من طَرِيق أنس، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي «أَحْكَام الْقُرْآن» . رَابِعهَا: من طَرِيق ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» . خَامِسهَا: من طَرِيق (عبد الله) بن عَمْرو، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَفِيه: حجاج بن أَرْطَاة. سادسها: من طَرِيق عَطاء مُرْسلا، (وَهُوَ) كَمَا سلف، وَعَطَاء من كبار التَّابِعين، وَمذهب الشَّافِعِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاحْتِجَاج بمرسل كبار التَّابِعين إِذا اعتضد بِأحد أُمُور: مِنْهَا أَن يَقُول بِهِ بعض الصَّحَابَة أَو أَكثر الْعلمَاء، وَقد اتّفق عَلَى الْعَمَل بِهِ الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ، وَقد وَصله عَطاء بِضعْف كَمَا تقدم. الحَدِيث التَّاسِع عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقت لأهل الْمشرق العقيق» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 هَذَا الحَدِيث (رَوَاهُ) أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، من طَرِيق يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، كَذَلِك قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قلت: يزِيد هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقد تفرد بِهِ كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، قَالَ ابْن (فُضَيْل) : كَانَ من أَئِمَّة الشِّيعَة الْكِبَار. وَقَالَ أَحْمد: لم يكن بِالْحَافِظِ لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ ابْن معِين: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف الحَدِيث. قيل لَهُ: أَيّمَا أحب إِلَيْك هُوَ أَو عَطاء بن السَّائِب؟ قَالَ: (مَا أقربهما) . وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: (لَيِّن) يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ ضَعِيف. وَقَالَ الْجوزجَاني: سمعتهم يضعفون حَدِيثه. (وَأخرج) لَهُ مُسلم (مَقْرُونا) ، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا. وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث وَكَانَ بِأخرَة [يُلقَّن] . وَقَالَ جرير: كَانَ أحسن حفظا من عَطاء بن السَّائِب. وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: أَكْرِمْ بِهِ. ووقعَ فِي كلامِ ابْن حزم وَابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ: «ارْمِ بهِ» بدل «أَكْرِمْ بِهِ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أعلم أحدا ترك حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. وَاعْترض النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» ، فَقَالَ: يزِيد هَذَا ضَعِيف بِاتِّفَاق الْمُحدثين. قَالَ: وَقَول التِّرْمِذِيّ «هَذَا حَدِيث حسن» لَيْسَ كَمَا قَالَ. وَأَشَارَ إِلَى الْإِنْكَار عَلَى التِّرْمِذِيّ أَيْضا الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» وَلَا إِنْكَار (عَلَيْهِ) فِي ذَلِك؛ فَإِنَّهُ لأجل اخْتِلَاف الْأَئِمَّة فِيهِ حسن حَدِيثه، نعم الشَّأْن فِيمَا أبداه ابْن الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 وَالْإِيهَام» وَهُوَ أَن هَذَا الحَدِيث مَشْكُوك فِي اتِّصَاله؛ لِأَن مُحَمَّد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف بالرواية عَن أَبِيه، عَن جده ابْن عَبَّاس، وَبِذَلِك ذكر فِي كتب الرِّجَال وَفِي حديثين (ذكرهمَا) كَذَلِك، أَحدهمَا فِي كتاب مُسلم، وَالْآخر فِي كتاب الْبَزَّار، ثمَّ قَالَ: وَلَا أعلمهُ يروي عَن جده إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وأخاف أَن يكون مُنْقَطِعًا وَلم يذكر البُخَارِيّ. وَلَا ابْن أبي حَاتِم أَنه يروي عَن جده، وَقد ذكر أَنه رَوَى عَن أَبِيه، وَقَالَ مُسلم فِي «كتاب الكنى» : لَا يعلم لَهُ سَماع من جده (و) لَا أَنه لَقِيَهُ. هَذَا (آخر) مَا أبداه، ولقاؤه لَهُ مُمكن؛ فَإِنَّهُ ولد (فِي) سنة سِتِّينَ وجده توفّي سنة سبعين، أَو سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، أَو تسع وَسِتِّينَ. تَنْبِيه: جملَة مَا يَجِيء فِي رُوَاة الحَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد أَرْبَعَة: أحدهم هَذَا وَأَهْمَلَهُ (الْحَافِظ جمال الدَّين) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» . (ثانيهم) : الشَّامي الْمَتْرُوك. وَاقْتصر عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 (ثالثهم) : يروي عَن الشّعبِيّ، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا تقوم بِهِ حجَّة. (رابعهم) : (الْوَاقِع) فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة «كَانَ يَمِين رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا وَأَسْتَغْفِر الله» يرويهِ عَن مُحَمَّد بن هِلَال، عَن أَبِيه عَنهُ بِهِ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: ضَعِيف، وَكَانَ هَذَا مَوْضُوعا. فَائِدَة: العَقِيقُ وادٍ يدفق مَاؤُهُ فِي غَوْرَى تهَامَة، كَذَا ذكره الْأَزْهَرِي فِي «تَهْذِيب اللُّغَة» ، وَفِي بِلَاد الْعَرَب أَرْبَعَة أَعِقَّة، وَهِي أَوديَة عَارِية، وَالْمَذْكُور هُنَا أبعد من ذَات عرق بِقَلِيل، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «نكته عَلَى مُخْتَصره لصحيح مُسلم» : العقيق: وَاد عَلَيْهِ أَمْوَال أهل الْمَدِينَة، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال، وَقيل: ميلين، وَقيل: أَرْبَعَة، وَقيل: سِتَّة، وَقيل: سَبْعَة، وهما عقيقان: أَحدهمَا عقيق الْمَدِينَة عَقَّ (عَن) (حَرَّتِها) أَي: قطع، فَهُوَ عقيق (بِمَعْنى) معقوق، وَهُوَ العَقيق الْأَصْغَر (وَفِيه بِئْر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 رومة) وَالْآخر أكبر من هَذَا، وَفِيه بِئْر عُرْوَة (الَّذِي) ذكره الشُّعَرَاء، وثَمَّ عَقِيق (بقُرْبه) وَهُوَ من بِلَاد مزينة، وَهُوَ الَّذِي أَقْطَعَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بلالَ بن الْحَارِث، ثمَّ أَقْطَعَهُ عُمر (بن الْخطاب) الناسَ، والعَقِيق الَّذِي جَاءَ فِيهِ أَنه مهلّ أهل الْعرَاق هُوَ من ذَات عرق، وكل (مَسِيلٍ) شقَّهُ ماءُ السَّيْل يوسّعه فَهُوَ عقيق، وَالْجمع أَعِقَّة، وعَقَائِق، والمواضع الَّتِي تسمى بالعقيق عشرَة مَوَاضِع أشهرها عقيق الْمَدِينَة، وَأكْثر مَا يذكر فِي الْأَشْعَار، وإيَّاه يعنون. الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا: «من ترك نسكا فَعَلَيهِ دم» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ مَرْفُوعا بعد الْبَحْث عَنهُ، وَوَقفه عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي نعرفه عَن ابْن عَبَّاس، كَذَلِك رَوَاهُ إِمَام دَار الْهِجْرَة مَالك فِي «موطئِهِ» عَن أَيُّوب - هُوَ ابْن (أبي تَمِيمَة) - عَن سعيد بن جُبَير، أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «من نسي من نُسكه شَيْئا أَو تَركه، فليهرق دَمًا» قَالَ (مَالك) : لَا أَدْرِي قَالَ: «ترك» (أم) «نسي» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 (فَكَأَنَّهُ) قالهما (جَمِيعًا. وَفِي) الْبَيْهَقِيّ أَن «أَو» لَيست للشَّكّ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مَالك؛ بل للتقسيم، وَالْمرَاد: يريق دَمًا سَوَاء تَركه عمدا أم سَهوا. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك كَمَا سلف، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ من جِهَته، ثمَّ قَالَ: وَرَوَى لَيْث بن أبي سليم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: « (إِذا) جَاوز الْوَقْت فَلم يحرم فَإِن خشِي أَن يرجع إِلَى الْوَقْت فَإِنَّهُ يحرم وأهراق (دَمًا لذَلِك) » . الحَدِيث الْحَادِي الْعشْر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يحرم إِلَّا من الْمِيقَات» . هَذَا لَا شكّ فِيهِ وَلَا ريب، وَمن تَأمل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَغَيرهمَا فِي حجَّته حجَّة الْوَدَاع وجده مطابقًا لذَلِك. الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أحرم من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام بِحجَّة أَو عمْرَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، عَن أم حَكِيم السلمِيَّة، عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) قَالَ: «من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 أَحْرَمَ من بَيت الْمُقَدّس غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» وَفِي لفظ: «من أَهَلَّ من الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِعُمْرَة، أَو (بِحجَّة) » وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن أَحْمد بن صَالح نَا ابْن أبي فديك، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يُحَنَّس، عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي، عَن جدَّته حُكيمة أم حَكِيم، عَن أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من أَهَلَّ بحجةٍ أَو عُمرةٍ من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام؛ غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، أَو وَجَبت لَهُ الْجنَّة» شكّ عبد الله السالف أَيهمَا قَالَ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيقين، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، إِحْدَاهمَا: عَنهُ قَالَ: حَدثنِي سُلَيْمَان بن سحيم، عَن أم حَكِيم بنت أُميَّة، عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَهَلَّ بِعُمْرَة من بَيت الْمُقَدّس غفر لَهُ» . (ثَانِيهمَا) : عَنهُ، عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان، عَن أمه أم حَكِيم بنت أُميَّة، عَن أم سَلمَة، (قَالَت) : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «من أهل بِعُمْرَة من بَيت الْمُقَدّس، كَانَت كَفَّارَة لما قبلهَا من الذُّنُوب. (قَالَت) : فَخَرَجْتُ - (أَي) من بيتِ المقدسِ - بعمرةٍ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طرق إِحْدَاهَا: طَرِيق أبي دَاوُد وَلَفظه، إِلَّا أَنه قَالَ: «بحجٍّ» بدل «بحجَّةٍ» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 وَقَالَ: «وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة» من غير شكّ. ثَانِيهَا كَذَلِك إِلَّا أَنه (قَالَ) : عَن يَحْيَى، عَن أمه، عَن أم سَلمَة - رفعته -: «من (أقدم) (من) بَيت الْمُقَدّس بِحَجّ أَو عمْرَة كَانَ من ذنُوبه (كَيَوْم) وَلدته أمه» وَفِي سَنَد هَذِه: الْوَاقِدِيّ، عَن عبد الله بن يحنس. ثَالِثهَا: من طَرِيق ابْن مَاجَه الأولَى، لكنه قَالَ: عَن سُلَيْمَان بن سليم، عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان، عَن أمه أم حَكِيم، عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا: «من أهل بِحجَّة أَو عمْرَة من بَيت الْمُقَدّس غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» وأعل هَذَا الحَدِيث (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فَإِنَّهُ ذكره فِي «محلاه» من طَرِيق أبي دَاوُد وَمن طَرِيق ابْن مَاجَه الأولَى، ثمَّ قَالَ: (هَذَانِ) الأثران لَا يشْتَغل بهما من لَهُ أدنَى علم بِالْحَدِيثِ (لِأَن) يَحْيَى بن [أبي] سُفْيَان الأخنسي، وجدته حكيمة، وَأم حَكِيم بنت أُميَّة لَا يُدْرى من هم من النَّاس، وَلَا يجوز مُخَالفَة مَا صَحَّ بِيَقِين بِمثل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 هَذِه المجهولات الَّتِي لم تصح قطّ. هَذَا آخر كَلَامه ومقتضاهُ أنَّ أم حَكِيم غير حكيمة وَهِي هِيَ؛ فَإِنَّهَا أم حَكِيم حكيمة بنت أُميَّة بن الْأَخْنَس بن عبيد جدة يَحْيَى بن أبي سُفْيَان، وَقيل: أمه، وَقيل: خَالَته، رَوَى عَنْهَا (يَحْيَى) بن أبي سُفْيَان، (وَسليمَان) بن سحيم ذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَيَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ من شُيُوخ الْمَدِينَة لَيْسَ بالمشهور. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، رَوَى عَن أم حَكِيم فارتفعت (عَنْهَا) الْجَهَالَة العينية والحالية، لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق سُلَيْمَان بن سُحيم [عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي] عَن أمه أم حَكِيم، عَن أم سَلمَة سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يَقُول) : «من أهل من الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِعُمْرَة غُفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. (قَالَ) : (فركبَتْ) أمُّ حَكِيم إِلَى بَيت الْمُقَدّس (حَتَّى) (أَهَلَّتْ) بِعُمْرَة» . وأعلَّه عبد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 الْحق بِمَا ناقشهُ فِيهِ ابْن الْقطَّان فَإِن (عبد الْحق) قَالَ: فِي إِسْنَاده يَحْيَى الأخنسي، قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: إِنَّه شيخ من شُيُوخ الْمَدِينَة، لَيْسَ بالمشهور مِمَّن يحْتَج بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: كَذَا ذكر عَن أبي حَاتِم، وَلَيْسَ عِنْده فِي كِتَابه لَفْظَة: «مِمَّن يحْتَج بِهِ» . وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَلَعَلَّ الإشبيلي ظَفَر بِهَذِهِ اللَّفْظَة فِي غير «الْجرْح وَالتَّعْدِيل» ، وأَعَلَّه غَيرهمَا بأمرٍ آخر، ذكر الدارقطني فِي «علله» أَنه اختُلِف فِي إِسْنَاده، وَهُوَ كَمَا قَالَ كَمَا شاهدته، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: اخْتلفت (الروَاة) فِي مَتنه وَإِسْنَاده اخْتِلَافا كثيرا. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» : إِنَّه حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. ثمَّ أنكر عَلَى صَاحب «الْمُهَذّب» حَيْثُ رَوَى حَدِيث أم سَلمَة هَذَا بِلَفْظ: «وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة» بِالْوَاو، فَقَالَ: كَذَا وَقع فِي أَكثر كتب الْفِقْه. قَالَ: وَالصَّوَاب «أَو وَجَبت» ب «أَو» بِالشَّكِّ، أَي كَمَا تقدم عَن أبي دَاوُد، قَالَ: وَكَذَا هُوَ ب «أَو» فِي كتب الحَدِيث، وصرحوا بِأَنَّهُ شكّ من عبد الله بن عبد الرَّحْمَن. وَقد (أسلفناه) لَك من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث (عبد الله) الْمَذْكُور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 (من) غير شكّ، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» : مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يحنس حَدِيثه فِي الْإِحْرَام من بَيت الْمُقَدّس (لَا يثبت) . وجزمَ بِهَذَا الذَّهَبِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» ، فِي حرف الْمِيم، لكنه قَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَلم أر أَنا هَذَا فِي طَرِيق الحَدِيث، وَالَّذِي فِيهِ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن لَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فَلْيتَأَمَّل. الحَدِيث الثَّالِث عشر «أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها لما أَرَادَت أَن تعتمر بعد التحلُّل أمرهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأَن تخرج إِلَى الْحل فتُحْرِم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيثهَا. الحَدِيث الرَّابِع عشر نقلوا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة مرَّتَيْنِ: مرّة (عمْرَة) الْقَضَاء، وَمرَّة عمْرَة هوَازن» . هَذَا (الحَدِيث) غَرِيب (غير مُسْتَقِيم فِي عمْرَة الْقَضَاء مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 عَلَيْهِ السَّلَام خرج من الْمَدِينَة عَلَى قصد الْإِحْرَام، وميقاتها: ذُو الحليفة حجًّا وَعمرَة) وَالْمَعْرُوف فِي الْأَحَادِيث «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة مرّة وَاحِدَة» . فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أنس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر أَربع عُمَر، كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حجَّته عمْرَة من الْحُدَيْبِيَة - أَو زمن الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة - وَعمرَة (من) الْعَام الْمقبل فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة من الْجِعِرَّانَة حَيْثُ قسّم غَنَائِم حنين فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة مَعَ حجَّته» . وَقَالَ البُخَارِيّ: «من الْحُدَيْبِيَة» وَلم يقل «أَو زمن الْحُدَيْبِيَة» وَله فِي لفظ آخر « (عمْرَة) الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة حَيْثُ صده الْمُشْركُونَ، وَعمرَة من الْعَام الْمقبل فِي ذِي الْقعدَة حَيْثُ صَالحهمْ ... » (وَذكر) الحَدِيث، وأَتْبَعَه مُسلم بِحَدِيث قَتَادَة «سَأَلت أنسا: كم حج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: حجَّة وَاحِدَة، وَاعْتمر أَربع عمر» ثمَّ أَحَالَ فِي تَمام الحَدِيث عَلَى مَا تقدَّم، وَسَاقه البخاريُّ (بِطُولِهِ) ، وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ: «اعْتَمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ذِي الْقعدَة قبل أَن يحجّ مرَّتَيْنِ» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» و «ابْن مَاجَه» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ «اعْتَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَربع عُمَر: عمْرَة (الْحُدَيْبِيَة) ، وَالثَّانيَِة: حِين تواطئوا عَلَى عمْرَة قَابل، وَالثَّالِثَة: من الْجِعِرَّانَة، وَالرَّابِعَة: الَّتِي قرن مَعَ حجَّته» وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، (وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح) الْإِسْنَاد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الاقتراح» : إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَذكر التِّرْمِذِيّ أَنه رُوِيَ مُرْسلا. وَرَوَى الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ اعتماره عَلَيْهِ السَّلَام من الْجِعِرَّانَة من رِوَايَة مُحَرِّش الكعبي الْخُزَاعِيّ (الصَّحَابِيّ) ، ثمَّ حسنه، قَالَ: (وَلَا يعرف لَهُ) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَيره. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِيهِ مُزَاحم بن أبي مُزَاحم وَهُوَ لَا يعرف لَهُ حَال. قلت: بلَى ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَقد أسلفنا فِي بَاب (صَلَاة) الْمُسَافِر عَن (أبي حَاتِم) بن حبَان أَن عمْرَة الْجِعِرَّانَة كَانَت فِي شَوَّال وَأَن عمْرَة الْقَضَاء فِي رَمَضَان، وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ وَالْمَعْرُوف أَنَّهُمَا كَانَتَا فِي ذِي الْقعدَة. وَذكر ابْن سعد بِسَنَدِهِ إِلَى (عتبَة) مولَى ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «لما قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الطَّائِف نزل الْجِعِرَّانَة فقسم بهَا الْغَنَائِم، ثمَّ اعْتَمر مِنْهَا، وَذَلِكَ لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال» وكأَنَّ ابْن حبَان تَبِع هَذَا، وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل السِّير «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام انْتَهَى إِلَى الْجِعِرَّانَة لَيْلَة الْخَمِيس لخمس لَيَال خلون من ذِي الْقعدَة، فَأَقَامَ (بهَا) (ثَلَاث) عشرَة لَيْلَة، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف إِلَى الْمَدِينَة خرج لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة (بقيت) من ذِي الْقعدَة لَيْلًا، فَأحْرم بِعُمْرَة وَدخل مَكَّة» وَمن الْغَرِيب رِوَايَة نَافِع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يعْتَمر من الْجِعِرَّانَة» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَهُوَ وهم، وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عَائِشَة الْإِنْكَار عَلَى ابْن عمر فِي (كَونه) عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر فِي رَجَب، وَأجَاب ابْن حبَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 فِي «صَحِيحه» بِأَن (الْحَبْر الْفَاضِل قد ينسَى بعض مَا يسمع من السّنَن أَو يشهدها) . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» عَنْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر عمرتين: عمْرَة فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة فِي شَوَّال» . فَائِدَة: الجِعْرانة بِكَسْر الْجِيم وَإِسْكَان الْعين، وَتَخْفِيف الرَّاء، وَكَذَا الْحُدَيْبِيَة بتَخْفِيف الْبَاء، هَذَا قَول الشَّافِعِي فيهمَا، وَبِه قَالَ أهل اللُّغَة وَالْأَدب وَبَعض الْمُحدثين، وَقَالَ ابْن وهب - صَاحب مَالك -: هما بِالتَّشْدِيدِ. وَهُوَ قَول أَكثر الْمُحدثين، وَالصَّحِيح تخفيفهما، قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : الْجِعِرَّانَة مَا بَين الطَّائِف وَمَكَّة وَهِي إِلَى مَكَّة أقرب. قَالَ: وَالْحُدَيْبِيَة عَلَى نَحْو مرحلة من مَكَّة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الْجِعِرَّانَة وَالْحُدَيْبِيَة كِلَاهُمَا عَلَى (سِتّ) فراسخ من مَكَّة، وَالْحُدَيْبِيَة قَرْيَة لَيست بالكبيرة، سميت ببئر هُنَاكَ عِنْد مَسْجِد الشَّجَرَة، وَقد جَاءَ فِي (الحَدِيث) هِيَ بِئْر، قَالَ مَالك: هِيَ من الْحرم، وَقيل: بَعْضهَا من الحِلِّ. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أَن عَائِشَة لما أَرَادَت أَن تعتمر أَمر أخاها عبد الرَّحْمَن أَن يعمرها من التَّنْعِيم فأعْمَرَها مِنْهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ وَقد سلف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحرم عَام الْحُدَيْبِيَة وَأَرَادَ الدُّخُول مِنْهَا للْعُمْرَة، فَصَدَّه الْمُشْركُونَ عَنْهَا» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج مُعْتَمِرًا، فحال كفارُ قُرَيْش بَينه وَبَين الْبَيْت، فَنحر هَدْيه وحَلَق رَأسه بِالْحُدَيْبِية» وَوَقع فِي «بسيط الْغَزالِيّ» (وَغَيره) : «أَنه هَمَّ بِالْإِحْرَامِ بالعُمرة من الْحُدَيْبِيَة فصد» وَهُوَ غلط؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام وردهَا بعد أَن أحرم من (ذِي) الحليفة، رَوَى ذَلِك البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي «كتاب الْمَغَازِي» عَن الْمسور ومروان قَالَا: «خرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة (مائَة) من أَصْحَابه فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحليفة قلد الْهَدْي وأشعر وَأحرم بِالْعُمْرَةِ بهَا» وخرجه فِي الْحَج أَيْضا من «صَحِيحه» (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) . وَذكر فِيهِ من الْآثَار: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (فسر) الْإِتْمَام فِي قَوْله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 تَعَالَى: (وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله) أَن يحرم بهما من دويرة أَهله» . وَهَذَا أثر صَحِيح، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي كتاب التَّفْسِير من «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة «سُئِلَ عَلّي عَن قَوْله تَعَالَى: (وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله) قَالَ: يحرم (بهما) من دُوَيْرةِ أَهْلِهِ» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَذكر فِيهِ أَيْضا عَن عمر مثله (وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «الْمعرفَة» ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 بَاب (بَيَان) وُجُوه الْإِحْرَام وآدابه وسننه ذكر فِيهِ أَحَادِيث وأثرًا وَاحِدًا، أما الْأَحَادِيث (فتسعة) عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: « (خرجنَا) مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام حجَّة الْوَدَاع، فمِنَّا منَ أهلَّ بِالْحَجِّ، (وَمنا من أهل بِالْعُمْرَةِ) وَمنا من أهل بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك بِزِيَادَة «وأَهَلَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحَجِّ (فَأَما) من أهل بِعُمْرَة (فحلّ) ، وَأما من أهل بِالْحَجِّ أَو جمع الْحَج وَالْعمْرَة فَلم يحلّوا حَتَّى كَانَ يَوْم النَّحْر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 الحَدِيث الثَّانِي عَن (أنس) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يصْرخ بهما صراخًا: لبيْك (بِحجَّة) وَعمرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ) بِمَعْنَاهُ من حَدِيث بكر بن عبد الله عَن أنس قَالَ: «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا. قَالَ بكر: فَحدثت بذلك ابْن عمر فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحده. فَلَقِيت أنسا فَحَدَّثته بقول ابْن عمر، فَقَالَ أنس: مَا تعدوننا إِلَّا صبيانًا، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لبيْك عمْرَة وحجًّا» وَهَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَسَأَلت ابْن عمر فَقَالَ: أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» . وَقَالَ البُخَارِيّ عَن أنس: «كنت رِدْفَ أبي طَلْحَة (وَإِنَّهُم) يصرخون بهما جَمِيعًا الْحَج وَالْعمْرَة» خرَّجَهُ فِي «الْجِهَاد» فِي «الارْتداف فِي الْغَزْو» (عَن أبي قلَابَة) عَنهُ، فِي بَاب «الْخُرُوج بعد الظّهْر» من «كتاب الْجِهَاد» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الظّهْر بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا، وَالْعصر بِذِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 الحليفة رَكْعَتَيْنِ، وسمعتهم يصرخون بهما جَمِيعًا» وخرَّجَهُ فِي (الْحَج) أَيْضا وَقَالَ: «بهما» . وَلمُسلم عَن يَحْيَى بن أبي إِسْحَاق وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب وَحميد الطَّوِيل، وَهُوَ حميد بن عبد الرَّحْمَن أَنهم سمعُوا أنسا قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهل بهما: لبيْك عمْرَة وحجًّا» . وَرَوَاهُ حميد بن هِلَال أَيْضا، رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أنس قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لبيْك بِحَجّ وَعمرَة مَعًا» رَوَاهُ أَبُو يُوسُف القَاضِي، وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو أَسمَاء عَن أنس قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُلبِّي بهما» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. (وَرَوَاهُ أَيْضا الْحسن وَسليمَان التَّيْمِيّ عَن أنس مثله، رَوَاهُمَا النَّسَائِيّ) أَيْضا. (وَرَوَاهُ) وَكِيع من حَدِيث مُصعب بن (سليم) وثابت (عَن أنس) مثله، وَرَوَاهُ أَيْضا قَتَادَة، وَزيد (بن أسلم) ، وَأَبُو قدامَة عَاصِم عَنهُ، وَوَافَقَ أنسا من الصَّحَابَة فِي كَونه عَلَيْهِ السَّلَام قرن: عَائِشَة، وَجَابِر، وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة عَنْهُم، وَعمر، وَعلي، وَعُثْمَان وَعمْرَان بن (الْحصين) والبراء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 بن عَازِب، وَحَفْصَة، وَأَبُو قَتَادَة، وَابْن أبي أَوْفَى، والهرماس بن زِيَاد الْبَاهِلِيّ، وَأم سَلمَة، وَسعد بن (أبي) وَقاص، قَالَ ابْن حزم: ذكر اثْنَا عشر من الصَّحَابَة بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ قَارنا» وهم: عمر، وَابْنه، وَعلي، وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر، وَعمْرَان، والبراء، وَأنس، وَعَائِشَة، وَحَفْصَة، وَأَبُو قَتَادَة، وَابْن أبي أَوْفَى، وَرُوِيَ أَيْضا عَن سراقَة و (أبي) طَلْحَة، وَأم سَلمَة، والهرماس. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي، ولجعلتها عمْرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (من) حَدِيث جَابر بن عبد الله مَرْفُوعا بِلَفْظ: «لَو اسْتقْبلت من أمرى مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي. فحلوا» وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ فِي «كتاب الشّركَة» : «لَو أَنِّي اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا أهديت، وَلَوْلَا أَن معي الْهَدْي لأحللت» . وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل بِلَفْظ «لَو أَنِّي اسْتقْبلت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 من أَمْرِي (مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي وجعلتها عمْرَة) » . الحَدِيث الرَّابِع عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أفرد الْحَج» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرجح الشَّافِعِي رِوَايَته عَلَى رِوَايَة من رَوَى الْقرَان والتمتع؛ فَإِن جَابِرا أقدم صُحْبَة وَأَشد عناية بضبط الْمَنَاسِك وأفعال النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من لدن خُرُوجه من الْمَدِينَة إِلَى أَن يحلل. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أَخْرجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» (من) حَدِيثه (بِلَفْظ) : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أهل هُوَ وَأَصْحَابه بِالْحَجِّ» . وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل (بِلَفْظ) : «خرجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لسنا ننوي إِلَّا الْحَج» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن جَابر «قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُهِلِّين (بِحَجّ) مُفْرد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا عَنهُ قَالَ: «أَهْلَلْنَا أَصْحَاب مُحَمَّد (بِالْحَجِّ خَالِصا وَحده (فقدمنا) صَبِيحَة رَابِعَة من ذِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 الْحجَّة، فَأمرنَا أَن (نحل) » وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد، وَابْن مَاجَه «أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحَجِّ خَالِصا لَا نخلطه بِغَيْرِهِ» . وَحَدِيث جَابر هَذَا هُوَ ظَاهر حَدِيثه كَمَا ستعلمه، وَرَأَيْت أَن أذكرهُ هُنَا بِطُولِهِ؛ فَإِن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر قطعا مِنْهُ فِي مَوَاضِع، وَهُوَ حَدِيث كثير الْفَوَائِد مُشْتَمل عَلَى حجَّةِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من أَولهَا إِلَى آخرهَا أَو غالبها. وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أَبِيه، قَالَ: «دَخَلنَا عَلَى جَابر بن عبد الله فَسَأَلَ عَن الْقَوْم حَتَّى انْتَهَى إليَّ فَقلت: أَنا مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنزع زِرِّي الْأَعْلَى، ثمَّ نزع زِرِّي الْأَسْفَل، ثمَّ وضع كفَّه بَين ثديي، وَأَنا يَوْمئِذٍ غُلَام شَاب، فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا ابْن أخي، سل عَمَّا شِئْت. فَسَأَلته - وَهُوَ أَعْمَى - وَقد (حضر) وَقت الصَّلَاة، فَقَامَ فِي نساجة ملتحفًا بهَا كلما وَضعهَا عَلَى مَنْكِبه رَجَعَ طرفاها إِلَيْهِ مِن صِغَرِها، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جنبه عَلَى المشجب فصلَّى بِنَا، فَقلت: أَخْبرنِي عَن حجَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعقدَ بِيَدِهِ تِسعًا فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مكث تسع سِنِين لم يحجّ، ثمَّ أذن فِي النَّاس الْعَاشِرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَاج، فَقدم الْمَدِينَة بشر كثير، كلهم يلْتَمس أَن يأتم برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَيعْمل مثل عمله، فخرجنا مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الحليفة، فَولدت أَسمَاء بنت عُمَيْس مُحَمَّد بن أبي بكر، فَأرْسلت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 كَيفَ أصنع؟ قَالَ: اغْتَسِلِي (واستثفري) بِثَوْب وأَحْرِمي. فَصَلى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْمَسْجِد وَركب الْقَصْوَاء، حَتَّى إِذا اسْتَوَت بِهِ نَاقَته عَلَى الْبَيْدَاء نظرت إِلَى مد بَصرِي بَين يَدَيْهِ من رَاكب وماش، وَعَن يَمِينه مثل ذَلِك، وَعَن يسَاره مثل ذَلِك، وَمن خَلفه مثل ذَلِك، وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين أظهرنَا وَعَلِيهِ ينزل الْقُرْآن وَهُوَ يعرف (تَأْوِيله) ، وَمَا عمل من شَيْء عَملنَا بِهِ، فَأهل بِالتَّوْحِيدِ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك (لبيْك) لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك. وَأهل النَّاس بِهَذَا الَّذِي يهلون بِهِ، فَلم يرد عَلَيْهِم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا مِنْهُ، وَلزِمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تلبيته، قَالَ جَابر: لسنا نَنْوِي إِلَّا الْحَج، لسنا نَعْرِف الْعمرَة، حَتَّى إِذا أَتَيْنَا الْبَيْت مَعَه اسْتَلم الرُّكْن فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا، ثمَّ (نفذ) إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام (فَقَرَأَ) : (وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى) فَجعل الْمقَام بَينه وَبَين الْبَيْت، فَكَانَ أبي يَقُول: وَلَا أعلم (ذكره) إِلَّا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: (قل هُوَ الله أحد (و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْن فاستلمه، ثمَّ خرج من الْبَاب إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دنا من الصَّفَا قَرَأَ (إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله) أبدأ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 بِمَا بَدَأَ الله بِهِ. فَبَدَأَ بالصفا فرقى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْت، فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَوحد الله وَكبره وَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده. ثمَّ دَعَا بَين ذَلِك قَالَ (مثل) هَذَا ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ نزل إِلَى الْمَرْوَة حَتَّى إِذا (انصبت) قدماه فِي بطن الْوَادي (رمل) حَتَّى إِذا صعدنا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَة فَفعل عَلَى الْمَرْوَة كَمَا فعل عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذا كَانَ آخر (طواف) عَلَى الْمَرْوَة قَالَ: لَو (أَنِّي) اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي وجعلتها عُمرة؛ فَمن كَانَ مِنْكُم لَيْسَ مَعَه هدي فليحل وليجعلها عمْرَة. فَقَامَ سراقَة بن جعْشم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ألعامنا هَذَا أم لأبد؟ فشبك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَصَابِعه وَاحِدَة فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دخلت الْعمرَة فِي الْحَج مرَّتَيْنِ (لَا) بل لأبد (أَبَد) ، وَقدم عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من الْيمن ببدن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوجدَ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مِمَّن حلَّ ولبست ثيابًا صبيغًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 واكتحلت، فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهَا فَقَالَت: أبي أَمرنِي بِهَذَا. (قَالَ) : وَكَانَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وعنها يَقُول بالعراق: فَذَهَبت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - محرشًا عَلَى فَاطِمَة للَّذي صنعت مستفتيًا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيمَا ذكرت عَنهُ، فَأَخْبَرته أَنِّي أنْكرت ذَلِك عَلَيْهَا، فَقَالَ: صدقت. (مَاذَا) قلت (حِين) فرضت الْحَج؟ قَالَ: قلت: اللَّهُمَّ إِنِّي أهل بِمَا أهل بِهِ (رَسُولك) (. قَالَ: فَإِن معي الْهَدْي. قَالَ: (فَلَا) تحل. (قَالَ) : فَكَانَ جمَاعَة الْهَدْي الَّذِي قدم بِهِ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من الْيمن، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائَة. قَالَ: فَحل النَّاس كلهم وَقصرُوا إِلَّا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن كَانَ مَعَه هدي، فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة توجهوا إِلَى منى (فأهلوا) بِالْحَجِّ، وَركب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصَلى بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالْفَجْر، ثمَّ مكث قَلِيلا حَتَّى طلعت الشَّمْس، وَأمر بقبة من شعر فَضربت لَهُ بنمرة فَسَار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا تشك قُرَيْش [إِلَّا] أَنه وَاقِف عِنْد الْمشعر الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَت قُرَيْش تصنع فِي الْجَاهِلِيَّة، فَأجَاز رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى أَتَى عَرَفَة فَوجدَ الْقبَّة قد ضربت لَهُ بنمرة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 فَنزل بهَا حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس أَمر بالقصواء فرحلت لَهُ، فَأَتَى بطن الْوَادي فَخَطب النَّاس، وَقَالَ: إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ حرَام عَلَيْكُم كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا، أَلا كل شَيْء من أَمر الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمي مَوْضُوع، وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّة (مَوْضُوعَة) ، وَإِن أول دم (أَضَعهُ) من دمائنا: دم ابْن ربيعَة بن الْحَارِث كَانَ مسترضعًا فِي بني سعد فَقتلته هُذَيْل، وَربا الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة، وَأول رَبًّا أَضَع [ربانا] رَبًّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوع كُله، فَاتَّقُوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَان الله - سُبْحَانَهُ - واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله، وَلكم عَلَيْهِنَّ أَن لَا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه؛ فَإِن فعلن ذَلِك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ، وَقد تركت فِيكُم (مَا لن) تضلوا (بعده) إِن (اعْتَصَمْتُمْ) بِهِ: كتاب الله، وَأَنْتُم تسْأَلُون عني فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ؟ ! قَالُوا: (نشْهد) أَنَّك قد بلغت وَأديت وَنَصَحْت. (فَقَالَ) بإصبعه السبابَة يرفعها إِلَى السَّمَاء وينكتها إِلَى النَّاس اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 (اشْهَدْ) - ثَلَاث مَرَّات - ثمَّ أذن (بِلَال فَأَقَامَ) فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا، ثمَّ ركب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى (أَتَى) الْموقف فَجعل (بطن) نَاقَته الْقَصْوَاء إِلَى الصخرات، وَجعل حَبل المشاة بَين يَدَيْهِ واستقبل الْقبْلَة فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى غربت الشَّمْس وَذَهَبت الصُّفْرَة قَلِيلا حَتَّى غَابَ القرص وَأَرْدَفَ أُسَامَة خَلفه، وَدفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد شنق (للقصواء) الزِّمَام حَتَّى إِن رَأسهَا ليصيب مورك رَحْله وَيَقُول بِيَدِهِ [الْيُمْنَى] : أَيهَا النَّاس، السكينَة السكينَة. كلما أَتَى حبلاً من الحبال أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تصعد، حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فَصَلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا شَيْئا، ثمَّ اضْطجع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى طلع الْفجْر فَصَلى الْفجْر (حِين) تبين [لَهُ] الصُّبْح بِأَذَان وَإِقَامَة ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْمشعر الْحَرَام (اسْتقْبل الْقبْلَة) فَدَعَاهُ وكبّره وهلّله ووحّده، فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى (أَسْفر) جدًّا، فَدفع قبل أَن تطلع الشَّمْس وَأَرْدَفَ الْفضل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 بن الْعَبَّاس وَكَانَ رجلا حسن الشّعْر أَبيض وسيمًا، فَلَمَّا (دفع) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مرّت ظُعُن يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفضل ينظر إلَيْهِنَّ (فَوضع) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَده عَلَى (وَجه) الْفضل، فحول الْفضل وَجهه إِلَى الشق الآخر ينظر، فحول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَده من الشق الآخر عَلَى وَجه الْفضل (فصرف) وَجهه من الشق الآخر (ينظر) حَتَّى أَتَى بطن محسر فحرك قَلِيلا، ثمَّ سلك الطَّرِيق الْوُسْطَى الَّتِي تخرج عَلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الشَّجَرَة (فَرَمَاهَا) بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة مِنْهَا - حَصى الْخذف - رَمَى من بطن الْوَادي، ثمَّ انْصَرف إِلَى المنحر فَنحر ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثمَّ أعْطى عليًّا فَنحر مَا غبر وأشركه فِي هَدْيه، ثمَّ أَمر من كل بَدَنَة ببضعة فَجعلت فِي قدر فطبخت فأكلا من لَحمهَا وشربا من مرقها، ثمَّ ركب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْت فَصَلى بِمَكَّة الظّهْر (فَأَتَى) بني عبد الْمطلب يسقون عَلَى زَمْزَم، فَقَالَ: انزعوا بني عبد الْمطلب؛ فلولا أَن يغلبكم النَّاس عَلَى سِقَايَتكُمْ لنزعت مَعكُمْ، فناولوه دلوًا فَشرب مِنْهُ» هَذَا كُله لفظ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِحُرُوفِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 الحَدِيث الْخَامِس عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» عَنهُ قَالَ: «أهلّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحَجِّ؛ فَقدم لأَرْبَع مضين من ذِي الْحجَّة (فَصَلى) الصُّبْح، وَقَالَ لما صَلَّى الصُّبْح: من شَاءَ أَن يَجْعَلهَا عمْرَة فليجعلها عمْرَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الظّهْر بِذِي الحليفة، ثمَّ أَتَى (ببدن) فأشعر صفحة سنامها الْأَيْمن وسَلَتَ (الدَّم) وقلدها نَعْلَيْنِ، ثمَّ ركب رَاحِلَته فَلَمَّا اسْتَوَت [بِهِ] عَلَى (الْبَيْدَاء) أهلّ بِالْحَجِّ» . الحَدِيث السَّادِس عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 قَالَت: «أهلّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحَجِّ» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحرم) بِالْحَجِّ مُفردا» وَفِي رِوَايَة لَهما، (قَالَت) : «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَلَا) نذْكر إِلَّا الْحَج، فَلَمَّا جِئْنَا سرف طمثت) وذكَرَتْ تمامَ الحَدِيث إِلَى قَوْلهَا: « (ثمَّ) راحوا مهلّين بِالْحَجِّ - يَعْنِي: إِلَى منى» وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ مَالك عَن عبد الرَّحْمَن. ثمَّ أخرجه من حَدِيث الثَّوْريّ، عَن عبد الرَّحْمَن ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذِه اللَّفْظَة تفرد بهَا الْقَاسِم. ثمَّ أخرجه من حَدِيث مَالك عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة بِهِ. (الحَدِيث السَّابِع) قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما قَوْله: «لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت ... » الْخَبَر (فَإِنَّمَا) ذكره تطييبًّا لقلوب أَصْحَابه واعتذارًا لَهُم؛ وَتَمام الْخَبَر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 مَا رُوِيَ عَن جَابر: «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحرم إحرامًا (مُبْهما) ، وَكَانَ ينْتَظر الْوَحْي فِي اخْتِيَار الْوُجُوه الثَّلَاثَة، فَنزل الْوَحْي بِأَن من سَاق الْهَدْي فليجعله حَجًّا، وَمن لم يَسُقْ فليجعله عمْرَة، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد سَاق الْهَدْي دون (غَيره) (فَأَمرهمْ) أَن (يجْعَلُوا) إحرامهم عمْرَة ويتمتعوا، وَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِحْرَامه حجًّا فشق عَلَيْهِم ذَلِك؛ لأَنهم (كَانُوا) يَعْتَقِدُونَ من قبل أَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج من أكبر الْكَبَائِر (وَأظْهر) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الرَّغْبَة فِي موافقتهم، وَقَالَ: لَو لم أسق الْهَدْي» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب من طَرِيق جَابر وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، أَنا ابْن طَاوس وَإِبْرَاهِيم بن ميسرَة وَهِشَام بن حُجَيْر، سمعُوا طاوسًا يَقُول: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْمَدِينَة لَا يُسَمِّي حجًّا وَلَا عمْرَة ينْتَظر الْقَضَاء - يَعْنِي نزُول جِبْرِيل (بِمَا) يصرف إِحْرَامه الْمُطلق إِلَيْهِ - فَنزل عَلَيْهِ الْقَضَاء بَين الصَّفَا والمروة، فَأمر أَصْحَابه من كَانَ مِنْهُم أهلّ بِالْحَجِّ وَلم يكن مَعَه هدي أَن يَجْعَلهَا عمْرَة، وَقَالَ: لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي وَلَكِنِّي لبدت رَأْسِي وسقت هَدْيِي فَلَيْسَ (لي) مَحل إلاّ محلّ هَدْيِي. فَقَامَ إِلَيْهِ سراقَة بن مَالك فَقَالَ: يَا رَسُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 الله، اقْضِ لنا قَضَاء قوم كَأَنَّمَا ولدُوا الْيَوْم، أعمرتنا هَذِه لِعَامِنَا هَذَا أم لِلْأَبَد؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بل لِلْأَبَد (دخلت) الْعمرَة فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ: فَدخل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من الْيمن فَسَأَلَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَا أهللتَ؟ فَقَالَ (أَحدهمَا) : لبّيك إهلال النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ الآخر: لبيْك حجَّة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر: «أهلّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ (أحد) مِنْهُم هدي غير النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الحَدِيث (الثَّامِن) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أحرم مُتَمَتِّعا» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: «تمتّع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأهْدَى فساق الْهَدْي من ذِي الحليفة، وَبَدَأَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَأهل) بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ ... » فَذكر الحَدِيث، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن، قَالَ: «تمتّع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وتمتعنا مَعَه» وحسَّنَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس: «تمتّع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، وَأول من نهَى عَنْهَا مُعَاوِيَة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 الحَدِيث (التَّاسِع) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعَائِشَة: طوافك بِالْبَيْتِ وسعيك بَين الصَّفَا والمروة يَكْفِيك لحجك وعمرتك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» عَنْهَا بِلَفْظ « (يسعك) طوافك لحجك وعمرتك» وَفِي رِوَايَة لَهُ «يُجزئ عَنْك طوافك بالصفا والمروة عَن حجك وعمرتك» . الحَدِيث (الْعَاشِر) «أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَحرمت بِالْعُمْرَةِ لما خرجت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام حجَّة الْوَدَاع فَحَاضَت وَلم يُمكنهَا أَن تَطوف للْعُمْرَة وخافت فَوَات الْحَج لَو أخرت إِلَى أَن تطهر، فَدخل عَلَيْهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهَا: مَا بالك، أنفست؟ قَالَت: بلَى. قَالَ: ذَلِك شَيْء كتبه الله عَلَى بَنَات آدم، أهلّي بِالْحَجِّ واصنعي مَا يصنع الْحَاج، غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ وطوافك يَكْفِيك لحجك وعمرتك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم بِنَحْوِهِ من حَدِيثهَا، وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 البُخَارِيّ (و) رَوَاهُ أَيْضا (مُسلم) بِنَحْوِهِ من حَدِيث جَابر، وَكَذَا البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث جَابر: «غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ وَلَا تصلي» . الحَدِيث (الْحَادِي عشر) عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أهْدَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بقرة وَنحن قارنات» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ عَنْهَا، قَالَت: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة لَا نرَى إِلَّا أَنه الْحَج، حَتَّى إِذا دنونا من مَكَّة أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من لم يكن مَعَه هدي إِذا طَاف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة أَن يحل، قَالَت: فَدُخِلَ علينا يَوْم النَّحْر بِلَحْم بقرٍ، فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقيل: ذبح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أَزوَاجه» وَفِي حَدِيث آخر عَنْهَا «فأتينا بِلَحْم بقرٍ فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أهْدَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 نِسَائِهِ الْبَقر» أَخْرجَاهُ أَيْضا، (وَأخرج) مُسلم من حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر، قَالَ: «ذبح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن عَائِشَة بقرة يَوْم النَّحْر» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «نحر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن نِسَائِهِ» وَفِي رِوَايَة عَن عَائِشَة: «بقرة فِي حجَّته» ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَلَى هذَيْن الْحَدِيثين بَاب الْقَارِن يهريق دَمًا، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث أبي الزبير عَن جَابر قَاطع بِكَوْن عَائِشَة قارنة. ثمَّ قَالَ: بَاب الْعمرَة قبل الْحَج. وسَاق فِيهِ: «أَن عَائِشَة أهلّت من التَّنْعِيم بِعُمْرَة مَكَان عمرتها فَقَضَى الله عمرتها» . وَلم يكن فِي ذَلِك هدي وَلَا صِيَام وَلَا صَدَقَة، قَالَ: وَقَوله: «وَقَضَى (الله) عمرتها» من قَول عُرْوَة. (قَالَ) : وَإِنَّمَا لم يكن فِي ذَلِك هدي؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ قد أهْدَى عَنْهَا وَعَمن اعْتَمر من أَزوَاجه بقرة بَينهُنَّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» و «صَحِيح الْحَاكِم» عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «ذبح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَمَّن اعْتَمر من نِسَائِهِ فِي حجَّة الْوَدَاع بقرة بَينهُنَّ» قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ الْوَلِيد بن مُسلم وَلم يذكر سَمَاعه فِيهِ، وَالْبُخَارِيّ كَانَ يخَاف أَن يكون أَخذه عَن يُوسُف بن السّفر. ثمَّ رَوَاهُ مرّة أُخْرَى بالتصريح بِالتَّحْدِيثِ، ثمَّ قَالَ: (فَإِن) كَانَ قَوْله: « (ثَنَا) الْأَوْزَاعِيّ» مَحْفُوظًا صَار الحَدِيث جيدا. وَفِي «النَّسَائِيّ» عَن عَائِشَة قَالَت: «ذبح عَنَّا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم حجِّنا (بقرة بقرة) » . الحَدِيث (الثَّانِي) عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر أَصْحَابه أَن يحرموا من مَكَّة وَكَانُوا متمتعين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: «حجَجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام سَاق الْهَدْي مَعَه - يَعْنِي حجَّة الْوَدَاع - وَقد أهلوا بِالْحَجِّ مُفردا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أحلُّوا من إحرامكم فطوفوا بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة وَقصرُوا وَأقِيمُوا حَلَالا، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة فأهلوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتم (بهَا) مُتْعَة. قَالُوا: كَيفَ نَجْعَلهَا مُتْعَة وَقد سمّينا الْحَج؟ ! قَالَ: افعلوا مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 (أَمرتكُم) بِهِ، فلولا أَنِّي سقت الْهَدْي لفَعَلت مثل الَّذِي أَمرتكُم بِهِ، وَلَكِن لَا يحل مني حرَام حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله. فَفَعَلُوا» وَقَالَ البُخَارِيّ: «حلوا من إحرامكم بِطواف (الْبَيْت) وَبَين الصَّفَا والمروة» وَقَالَ: «قبل التَّرويَة بِثَلَاثَة أَيَّام» وَلَهُمَا أَيْضا من حَدِيثه قصَّة (الْإِحْلَال) ، قَالَ: « (فأحللنا) ووطئنا النِّسَاء وَفعلنَا مَا يفعل الْحَلَال، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَجَعَلنَا مَكَّة بظهرٍ أَهْلَلْنَا بالحجِّ» . الحَدِيث (الثَّالِث) عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْمُسْتَحب لَهُ أَن يحرم يَوْم التَّرويَة بعد الزَّوَال مُتَوَجها إِلَى (منى) ، لما رُوِيَ (عَن) جَابر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا توجهتم إِلَى منى فأهلوا بِالْحَجِّ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما أَحللنَا أَن نحرم إِذا توجهنا إِلَى منى. قَالَ: فأهللنا من الأبطح» . وللبخاري قَالَ أَبُو الزبير: عَن جَابر: «أَهْلَلْنَا من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 الأبطح» . وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ مطابقًا لما اسْتدلَّ بِهِ، بل السّنة الثَّابِتَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الظّهْر بمنى» كَمَا (أسلفناه) من حَدِيث جَابر، ثمَّ مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ هُنَا من كَون خُرُوجهمْ بعد الزَّوَال خلاف مَا ذكره بعد ذَلِك فِي كَلَامه عَلَى الْوُقُوف بِعَرَفَة من أَن الْمَشْهُور أَن خُرُوجهمْ قبله بِحَيْثُ يصلونَ الظّهْر بمنى. الحَدِيث (الرَّابِع) عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للمتمتعين: من كَانَ مَعَه هدي فليهد، وَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «تمتّع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وسَاق (الْهَدْي) » . الحَدِيث بِطُولِهِ إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ ليهد، فَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 الحَدِيث (الْخَامِس) عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رجعتم إِلَى أمصاركم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم من حَدِيث عِكْرِمَة عَنهُ مطولا وَذكر هَذَا فِي آخِره، قَالَ الْحميدِي: قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: هَذَا الحَدِيث عَزِيز لم أره إِلَّا عِنْد مُسلم، وَلم يُخرجهُ فِي «صَحِيحه» من أجل عِكْرِمَة؛ فَإِنَّهُ لم (يَرْوِ) عَنهُ فِي «صَحِيحه» وَعِنْدِي أَن البُخَارِيّ أَخذه عَن مُسلم. الحَدِيث (السَّادِس) عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحرم إحرامًا مُطلقًا وانتظر الْوَحْي» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي السَّابِع. الحَدِيث (السَّابِع) عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قدمنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن نقُول: لبيْك بِالْحَجِّ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن التَّعْيِين أفضل من الْإِطْلَاق، (وَهَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَقد سلف فِي الْبَاب بِلَفْظِهِ) . وَذكره الرَّافِعِيّ بعد دَلِيلا عَلَى اسْتِحْبَاب (التَّلَفُّظ) بِمَا عَيَّنَهُ. الحَدِيث (الثَّامِن) عشر «أَن عليًّا قدم من الْيمن مهلاًّ بِمَا أهل بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يُنكر عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح (أخرجه) الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من (حَدِيث أنس، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر وَكَذَا مُسلم فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث النزال بن سُبْرَة عَن عَلّي، وَأحمد من حَدِيث ابْن عمر. الحَدِيث التَّاسِع عشر «أَن أَبَا مُوسَى قدم من الْيمن مهلاًّ بِمَا أهل بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يُنكر عَلَيْهِ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من) حَدِيثه (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) . وَأما أَثَره فَذكر فِيهِ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعتمرون فِي أشهر الْحَج؛ فَإِذا لم يحجوا من عَامهمْ ذَلِك لم يهدوا» . وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث مُسلم بن (إِبْرَاهِيم) نَا هِشَام، نَا قَتَادَة، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتمتعون فِي أشهر الْحَج؛ فَإِذا لم يحجوا عَامهمْ ذَلِك لم يهدوا شَيْئا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 بَاب سنَن الْإِحْرَام ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث (إِحْدَى) وَعشْرين حَدِيثا. الحَدِيث الأول «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تجرّد لإهلاله واغتسل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن يَعْقُوب الْمدنِي، عَن ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن خَارِجَة بن زيد، عَن أَبِيه زيد بن ثَابت «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تجرّد (لإهلاله) واغتسل» ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: « (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اغْتسل لإحرامه حَيْثُ أحرم» ) . قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : وَإِنَّمَا حسَّنَه التِّرْمِذِيّ للِاخْتِلَاف فِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، قَالَ: وَلَعَلَّه عرف عبد الله بن يَعْقُوب الْمدنِي وَمَا أَدْرِي كَيفَ ذَلِك؟ وَلَا أرَى أَنِّي يلْزَمنِي صِحَّته؛ فَإِنِّي أجهدت نَفسِي فِي مَعْرفَته فَلم أر أحدا ذكره، وَفِي حَدِيث النَّهْي عَن الصَّلَاة خلف (النَّائِم) عبد الله بن يَعْقُوب (الْمدنِي) وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 أَيْضا لَا أعرفهُ مَذْكُورا (بِهَذَا) . قلت: صرح بَعضهم بِأَنَّهُ هُوَ، وَلَيْسَ فِي سنَن د ت سواهُ، نعم هُوَ مَجْهُول الْحَال، وَقد تَابعه الْأسود بن عَامر شَاذان فَرَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تجرد لإهلاله واغتسل» وَالْأسود هَذَا (ثِقَة) من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَتَابعه أَيْضا أَبُو غزيَّة مُحَمَّد بن مُوسَى بن مِسْكين القَاضِي، (فَرَوَاهُ) عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اغْتسل لإحرامه» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيقه وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يسرق الحَدِيث وَيحدث بِهِ، يروي عَن الثِّقَات الموضوعات. وَقَالَ ابْن صاعد: هَذَا حَدِيث غَرِيب مَا سمعناه إِلَّا مِنْهُ. قَالَ الْعقيلِيّ - بعد أَن أخرجه فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» من طَرِيقه -: لَا يُتَابع عَلَيْهِ إِلَّا من طَرِيق فِيهَا (ضعف) وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» قَالَ: أَبُو غزيَّة لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْحَاكِم: ثِقَة، وَله شَاهد من حَدِيث يَعْقُوب بن عَطاء، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 قَالَ: «اغْتسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ لبس ثِيَابه، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحليفة صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قعد عَلَى بعيره، فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ عَلَى الْبَيْدَاء أحرم بِالْحَجِّ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ ثمَّ قَالَ: يَعْقُوب بن عَطاء غير قوي. الحَدِيث الثَّانِي «أَن أَسمَاء بنت عُميس امْرَأَة أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْها نفست بِذِي الحليفة، فَأمرهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تَغْتَسِل للْإِحْرَام» . هَذَا الحَدِيث أخرجه مَالك فِي «موطئِهِ» عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس «أَنَّهَا ولدت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق بِالْبَيْدَاءِ، فَذكر ذَلِك أَبُو بكر لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مرها (فلتغتسل) ثمَّ لتهل» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنَّهَا ولدت مُحَمَّدًا بِذِي الحليفة (فَأمرهَا) أَبُو بكر أَن تَغْتَسِل ثمَّ تهلّ» و (فِي) رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن مسلمة والْحَارث بن مِسْكين، عَن (ابْن) الْقَاسِم، عَن مَالك بِاللَّفْظِ الأول، وَهُوَ مُرْسل كَمَا صرح (بِهِ) الْبَيْهَقِيّ (فَلِأَن) الْقَاسِم هَذَا هُوَ (ابْن) مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَلم يلق أَسمَاء، كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَن عَائِشَة كَمَا سَيَأْتِي، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، عَن أَبِيه، عَن أَسمَاء. وَهُوَ مُرْسل أَيْضا، قَالَ ابْن حزم: مُحَمَّد هَذَا لم يسمع من أَبِيه، مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ ابْن عَاميْنِ وَسَبْعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام. رَوَاهُ مُسلم مُتَّصِلا من حَدِيث [عبيد الله] بن عمر الْعمريّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَت: «نفست أَسمَاء بنت عُميس بِمُحَمد بن أبي بكر الصّديق بِالشَّجَرَةِ، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا بكر فَأمرهَا أَن تَغْتَسِل [وتهل] » وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَذَلِك، وَابْن مَاجَه فِي إِحْدَى روايتيه، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : الصَّحِيح قَول مَالك وَمن وَافقه - يَعْنِي: مُرْسلا - (و) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أَسمَاء، قَالَ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن أبي بكر الصّديق، وَهُوَ حَافظ ثِقَة، وَقد سلف أَيْضا هَذَا الحَدِيث من حَدِيث جَابر الطَّوِيل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 (فَائِدَة) : أَسمَاء هَذِه زَوْجَة الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه و (أَبُو) عُميس بِعَين مُهْملَة مَضْمُومَة، ثمَّ مِيم مَفْتُوحَة، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ سين مُهْملَة (والعميس أَنَّك تُظهِر أَنَّك لَا تعرف الْأَمر وَأَنت عَارِف بِهِ، قَالَه الْجَوْهَرِي) ، وَقَوله: «ثمَّ لتهل» يجوز فِي لَام «لتهل» الْكسر والإسكان وَالْفَتْح، وَهُوَ غَرِيب. و «نفست» بِضَم النُّون وَفتحهَا: ولدت وحاضت، لُغَتَانِ فيهمَا، وَقيل: بِالْفَتْح فِي الْحيض لَا غير. والبيداء - بِفَتْح الْبَاء وبالمد - وَالْمرَاد بِهِ هُنَا: (مَكَان) بِذِي الحليفة، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَفِي الْأُخْرَى «بِالشَّجَرَةِ» وَكَانَت سَمُرَة، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام ينزلها من الْمَدِينَة وَيحرم مِنْهَا، وَهِي عَلَى سِتَّة أَمْيَال من الْمَدِينَة. نبه عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» . (الحَدِيث الثَّالِث «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ اغْتسل لدُخُول مَكَّة» ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة نَافِع قَالَ: «كَانَ ابْن عمر إِذا دخل أدنَى الْحرم أمسك عَن التَّلْبِيَة ثمَّ يبيت بِذِي طوى، ثمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْح ويغتسل وَيحدث أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 (يفعل) ذَلِك» . هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَلَفظ مُسلم عَن نَافِع: «أَن ابْن عمر كَانَ لَا يقدم مَكَّة إِلَّا بَات بِذِي طوى حَتَّى يصبح ويغتسل ثمَّ يدْخل مَكَّة نَهَارا، وَيذكر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه فعله» وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث ابْن عمر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اغْتسل لدُخُول مَكَّة بفخ» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث (غَرِيب) غير مَحْفُوظ، وَالصَّحِيح مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر: «أَنه كَانَ يغْتَسل لدُخُول مَكَّة» وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَالْأول لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم وَهُوَ ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَلَا نَعْرِف هَذَا مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيثه. (فَائِدَة: قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فِي «بَاب: الْغسْل لدُخُول مَكَّة» : «وَإِذا اغْتسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْفَتْح لدُخُول مَكَّة وَهُوَ حَلَال يُصِيب الطّيب (فَلَمَّا) أرَاهُ - إِن شَاءَ الله - ترك الِاغْتِسَال ليدخلها حَرَامًا لَا يُصِيب الطّيب» أَنا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه كَانَ يغْتَسل لدُخُول مَكَّة» انْتَهَى، وَهِي مَسْأَلَة نفيسة، قل من تعرض لَهَا أَنه يسْتَحبّ الْغسْل لدخولها وَإِن كَانَ غير محُرم) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 الحَدِيث الرَّابِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت أطيب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لإحرامه قبل أَن يحرم ولحله قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِأَلْفَاظ مِنْهَا هَذَا. وَمِنْهَا: «طيبته لحرمه» بدل «إِحْرَامه» وَمِنْهَا: «أَنا طيبته عِنْد إِحْرَامه ثمَّ طَاف فِي نِسَائِهِ ثمَّ أصبح محرما» وَفِي لفظ: «ينضح طيبا» ، وَاعْترض ابْن حزم عَلَى هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ: قَول عَائِشَة «ثمَّ أصبح محرما» لفظ مُنكر وَلَا خلاف أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا أحرم بعد (صَلَاة) الظّهْر بِذِي الحليفة، كَمَا قَالَ جَابر فِي (حَدِيثه) الطَّوِيل السالف (قَالَ) : وَلَعَلَّ قَول عَائِشَة هَذَا إِنَّمَا كَانَ من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي عمْرَة الْقَضَاء (أَو) الْحُدَيْبِيَة أَو الْجِعِرَّانَة. فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ فِي «تصاحيف الروَاة» : قَوْلهَا: «لحرمه» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 هُوَ مضموم الْحَاء «والحُرم» (و) الْإِحْرَام، (فَأَما) «الحِرم» بِكَسْر الْحَاء فَهُوَ (بِمَعْنى) الْحَرَام، يُقَال: حِرم وَحرَام، كَمَا يُقَال حِلٌّ وحلال، وخالَفَهُ غَيره (وَأنكر) ثَابت الضَّم عَلَى الْمُحدثين، وَقَالَ: الصوابُ الْكسر. فَائِدَة ثَانِيَة: جَاءَ فِي «الصَّحِيح» : أَن الطّيب كَانَ ذريرة، وَسَيَأْتِي الْمسك وَالطّيب، وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة: «بالغالية» (أخرجهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «طيبت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالغالية) الجيدة عِنْد إِحْرَامه» فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» : تفرد بِهِ يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة. الحَدِيث الْخَامِس عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَأَنِّي أنظر إِلَى وبيص الْمسك فِي مفرق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ محرم» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ (فِي صَحِيحَيْهِمَا) عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها والسياق لمُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «الطّيب» بدل «الْمسك» و «مفارق» بدل «مفرق» وَأخرجه مُسلم كَذَلِك، زَاد: «ويهل» . وَفِي لفظ «وَهُوَ (يُلَبِّي) » وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وبيص الدّهن فِي رَأسه ولحيته بعد ذَلِك» وللنسائي وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : وبيص الْمسك بعد ثَلَاث وَهُوَ محرم» . فَائِدَة: الوبيص - بالصَّاد الْمُهْملَة -: البريق واللمعان (يُقَال: وبص الْبَرْق، أَي: لمع) (والمفرِق) بِكَسْر الرَّاء جمعه مفارق، وَهُوَ وسط الرَّأْس حَيْثُ يتفرق الشّعْر يَمِينا وَشمَالًا. الحَدِيث السَّادِس رُوِيَ «من السّنة (أَن) تمسح الْمَرْأَة يَديهَا للْإِحْرَام بِالْحِنَّاءِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة مُوسَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 بن عُبَيْدَة (الرَّبَذِيّ) وَهُوَ (واهٍ) عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: «من السّنة أَن تدلك الْمَرْأَة بِشَيْء من الْحِنَّاء عَشِيَّة الْإِحْرَام وتغلف (رَأسهَا) بغسلة لَيْسَ فِيهَا طيب وَلَا تحرم (عطلاً) » وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي عَن سعيد بن سَالم، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة - وَهُوَ (واهٍ) كَمَا سلف - عَن (أَخِيه) عبد الله بن عُبَيْدَة - وَهُوَ كأخيه - وَعبد الله بن دِينَار قَالَا: «من السّنة أَن تمسح الْمَرْأَة يَديهَا عِنْد الْإِحْرَام بِشَيْء من الْحِنَّاء، وَلَا تحرم وَهِي غفل» قَالَ الشَّافِعِي: وَكَذَلِكَ أحب لَهَا. قَالَه الْبَيْهَقِيّ وَقد رُوِيَ عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة ... فَذكر مثل رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة، ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ « (أَن) امْرَأَة بَايَعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأخرجت يَدهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أَيْن الْحِنَّاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مُسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 بن إِبْرَاهِيم، حَدَّثتنِي غبطةُ بنت عمر المجاشعية، قَالَت: حَدَّثتنِي عَمَّتي أم الْحسن، عَن جدَّتهَا، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (أَن (هِنْد) بنت عتبَة قَالَت: يَا نَبِي الله، بايعني. قَالَ: لَا أُبَايِعك حَتَّى تغيري كفيك كَأَنَّهُمَا كفّا سَبُع» وغبطة وعمتها وَجدّة أم الْحسن (لَا) يعرف حالهن بعد الفحص عَنهُ، قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : هَذَا حَدِيث فِي غَايَة الضعْف، فِيهِ ثَلَاث نسْوَة لَا يعرفن (كُلهنَّ) عدم. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث مُطِيع بن مَيْمُون، ثَنَا صَفِيَّة بنت عصمَة، عَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت: « (أَوْمَأت) امْرَأَة مِن وراءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كتاب (إِلَى) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقبض النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَده فَقَالَ: مَا أَدْرِي أيد رجل أم يَد امْرَأَة؟ ! قَالَت: بل امْرَأَة. قَالَ: (لَو) كنت امْرَأَة لغيرت أظفارك - يَعْنِي بِالْحِنَّاءِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا (وقبلهما) الإِمَام أَحْمد وَصفِيَّة هَذِه مَجْهُولَة، قَالَ ابْن الْقطَّان فِي الْكتاب الْمَذْكُور: هَذَا حَدِيث فِي غَايَة (الضعْف) صَفيّة هَذِه عدم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 قلت: لَا تعرف، رَوَى عَنْهَا مُطِيع بن مَيْمُون، قَالَ ابْن عدي: لَهُ حديثان غير محفوظين. ومطيع (قد علمت) حَاله، وَلم يذكرهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» وَلَا الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» ، وَقَالَ فِي «الكاشف» : إِنَّه ضَعِيف. وَاقْتصر فِي «الْمِيزَان» عَلَى قَول ابْن عدي فِيهِ، وَقَالَ أَحْمد - فِيمَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» -: إِنَّه حَدِيث مُنكر. وَفِي «مُسْند الْبَزَّار» من حَدِيث عبد الله بن عبد الْملك الفِهري، عَن (لَيْث، عَن) مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس «أَن أمراة أَتَت رَسُول الله تبايعه وَلم تكن مختضبة فَلم يبايعها حَتَّى اختضبت» ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. والفهري لَيْسَ بِهِ بَأْس وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : (لَيْث) ضَعِيف، وَفِيه نَكَارَة. وَفِي «مُسْند الْبَزَّار» أَيْضا و «المعجم الْكَبِير» للطبراني من حَدِيث عباد بن كثير - وَهُوَ ضَعِيف - عَن شميسة بنت نَبهَان - وَلَا تعرف - عَن مَوْلَاهَا مُسلم بن عبد الرَّحْمَن، (قَالَ) : « (رَأَيْت) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 يُبَايع النِّسَاء عَلَى الصَّفَا، فَجَاءَت امْرَأَة يَدهَا كيد الرجل فَلم يبايعها حَتَّى ذهبت فغيرت يَدهَا بصفرة أَو بحمرة، وجاءه رجل عَلَيْهِ خَاتم حَدِيد، فَقَالَ: مَا طهر الله يدا فِيهَا خَاتم حَدِيد» قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» الْمَذْكُور: هَذَا حَدِيث فِي غَايَة (الضعْف) . وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم عَن سَوْدَاء بنت عَاصِم قَالَت: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُبَايِعهُ، فَقَالَ: اختضبي. فاختضبت، ثمَّ (جِئْت) فَبَايَعته» وَفِي سَنَده من لَا أعرفهُ، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (بِنَحْوِهِ) لَكِن من رِوَايَة أم عَاصِم عَن السَّوْدَاء، وَلم يذكر أَنه بَايَعَهَا بَعْدُ. الحَدِيث الثَّامِن قَالَ الرَّافِعِيّ: وَحَيْثُ يسْتَحبّ (الخضب بِالْحِنَّاءِ) إِنَّمَا يسْتَحبّ تَعْمِيم الْيَد بالخضاب دون النقش والتسويد والتطريف، فقد رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن التطريف وَعَن أَن تخضب أَطْرَاف الْأَصَابِع» . هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من خرجه كَذَلِك وَفِي «المعجم الْكَبِير» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 للطبراني (من) حَدِيث مُحَمَّد بن [عمرَان] بن أبي لَيْلَى - (قَالَ أَبُو حَاتِم: كُوفِي صَدُوق. وَأخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي «كتاب الْأَدَب» وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ) - قَالَ: حَدَّثتنِي عمَّتي حمادة بنت مُحَمَّد، عَن عَمَّتهَا آمِنَة بنت عبد الرَّحْمَن - وَلَا أعرف حَالهمَا - عَن جدَّتهَا أم لَيْلَى قَالَت: «بَايعنَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَكَانَ) فِيمَا أَخذ علينا أَن نختضب الغمس و (نمتشط) بِالْغسْلِ وَلَا (نقحل) أَيْدِينَا من خضاب» . وَحَدِيث عصمَة، عَن عَائِشَة - السالف -: «لغيرت أظفارك» قد يُخَالف هَذَا. الحَدِيث التَّاسِع أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «ليُحْرِم أحدكُم فِي إِزَار ورداء (و) نَعْلَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر، وبَيَّضَ لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» وَذكره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَلم يَعْزه، وَعَزاهُ بعض المصريين إِلَى (الْبَيْهَقِيّ) فَوَهم، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِنَّه غَرِيب (ويُغْني عَنهُ) مَا ثَبت عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «انْطلق النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْمَدِينَة (بعد) مَا ترجَّلَ وادَّهَن وَلبس إزَاره (ورداءه) هُوَ وَأَصْحَابه، وَلم يَنْه عَن شَيْء من الأُزُرِ والأردية تُلْبَس إِلَّا المزعفرة الَّتِي تردع عَلَى الْجلد، حَتَّى إِذا أصبح بِذِي الحليفة فَركب رَاحِلَته حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاء أهل هُوَ وَأَصْحَابه ... » ثمَّ ذكر تَمام الحَدِيث، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِيمَن لم يجد نَعْلَيْنِ: فليلبس خُفَّيْنِ، وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ» وَثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «وَمن لم يجد الْإِزَار فليلبس السَّرَاوِيل، وَمن لم (يجد) النَّعْلَيْنِ فليلبس الْخُفَّيْنِ» وَمثله فِي «صَحِيح مُسلم» عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَذكره ابْن الْمُنْذر بِلَفْظ الرَّافِعِيّ و «الْمُهَذّب» بِغَيْر إِسْنَاد، وَهَذَا لَفظه ثَبت أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 «وليحرم أحدكُم فِي إِزَار ورداء ونعلين» قَالَ: وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي وَمن تَبِعَهُمْ يَقُولُونَ: يلبس الَّذِي يُرِيد الْإِحْرَام إزارًا ورداء. قلت: وَعَزاهُ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» إِلَى رِوَايَة الإِمَام أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر كَمَا ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» بِلَفْظ: «ليحرم أحدكُم فِي إِزَار ورداء ونعلين، فَإِن لم يجد نَعْلَيْنِ فليلبس خُفَّيْنِ وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ» وراجعت «الْمسند» فَلم أره، ثمَّ بعد سِنِين كَثِيرَة فَوق (الْعشْر) ظَفرت بِهِ فِي «صَحِيح (أبي) عوَانَة» ، (فَرَوَاهُ) عَن أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أبنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن ابْن (عمر) : «أَن رجلا نَادَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَا يجْتَنب الْمحرم من الثِّيَاب؟ فَقَالَ: لَا يلبس السَّرَاوِيل وَلَا الْقَمِيص وَلَا البرانس وَلَا الْعِمَامَة، وَلَا (ثوب) مسّه زعفران وَلَا ورس، وليحرم أحدكُم فِي إِزَار ورداء ونعلين، فَإِن لم يجد نَعْلَيْنِ فليلبس خُفَّيْنِ وليقطعهما حَتَّى يَكُونَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ» فاستفده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 الحَدِيث الْعَاشِر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلي بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أحرم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا سلف (لَكِن) لَفظه « (فَصَلى» ) وَلم يذكر عددا، وَفِي بَعْضهَا « (فَصَلى) رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ركب» وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر «أَنه كَانَ يَأْتِي مَسْجِد ذِي الحليفة فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يركب؛ فَإِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قَائِمَة أحرم ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . (و) أخرجه مُسلم من هَذَا الْوَجْه، وَلَفظه عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرْكَع بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ إِذا اسْتَوَت بِهِ النَّاقة قَائِمَة عِنْد مَسْجِد ذِي الحليفة أهل» وَأخرجه أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَصَححهُ الْحَاكِم عَلَى شَرط مُسلم. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يهل حَتَّى انبعثت بِهِ رَاحِلَته» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق: إِحْدَاهَا: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن إهلال رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من ذِي الحليفة (حِين) اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته» رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ: رَوَاهُ أنس وَابْن عَبَّاس. ثَانِيهَا: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يهل حَتَّى تنبعث بِهِ رَاحِلَته» رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، ورويا أَيْضا عَنهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا (أَدْخَلَ) رجله فِي الغرز واستوتْ بِهِ نَاقَته أَهَلَّ من مَسْجِد ذِي الحليفة» . الغرز: ركاب كور الْبَعِير سَوَاء كَانَ من خشب أَو حَدِيد، وَقيل: إِن كَانَ من حَدِيد فَهُوَ إكاف. ورويا أَيْضا (عَنهُ) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أهل حِين اسْتَوَت بِهِ (رَاحِلَته) قَائِمَة» ثَالِثهَا: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَات بِذِي الحليفة، فَلَمَّا أصبح واستوت بِهِ رَاحِلَته أهل» رَوَاهُ البُخَارِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 رَابِعهَا: عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «اغْتسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ لبس ثِيَابه، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحليفة صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قعد عَلَى بعيره، فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ عَلَى الْبَيْدَاء أحرم بِالْحَجِّ» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَله شَاهد صَحِيح عَلَى شَرطهمَا. خَامِسهَا: عَن عَائِشَة بنت سعد بن أبي وَقاص، قَالَت: قَالَ سعد بن أبي وَقاص: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَخذ طَرِيق الْفَرْع أهل إِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبَزَّار وَقَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن سعد إلاّ من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم رَوَى أَبُو الزِّنَاد عَن عَائِشَة عَن أَبِيهَا إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَلَا نعلم رَوَى (هَذَا اللَّفْظ) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا سعد بن أبي وَقاص. وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» . وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهل فِي دبر الصَّلَاة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ كَذَلِك مُخْتَصرا، وَأَبُو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَفِي إِسْنَاده خصيف بن عبد الرَّحْمَن الْجَزرِي وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، ضعفه يَحْيَى الْقطَّان، وَقَالَ: كُنَّا نتجنبه. وَضَعفه أَحْمد أَيْضا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: صَالح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ صَالح. وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو زرْعَة، وَقد أسلفنا ذَلِك فِي كتاب الْحيض فِي الحَدِيث الْحَادِي عشر مِنْهُ، وبحسب اخْتِلَاف (أَقْوَال) هَؤُلَاءِ، اخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث وتضعيفه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ غير عبد السَّلَام بن حَرْب. قلت: هُوَ ثِقَة من فرسَان «الصَّحِيحَيْنِ» وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي: فِي ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا؛ فَإِنَّهُ أخرج لَهُ لَكِن مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا، وَصرح بِالتَّحْدِيثِ فِي هَذَا الحَدِيث عَن خصيف فَانْتَفَى تدليسه، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد؛ لِأَن خصيفًا غير قوي. وَتَبعهُ الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» وكَنَّاه أَبَا عبد الرَّحْمَن، وَصَوَابه: ابْن عبد الرَّحْمَن، وكنيته: أَبُو عون، وَقَالَ عبد الْحق: خصيف، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم وَيَحْيَى بن معِين: صَالح. وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة، وَضَعفه غير هَؤُلَاءِ. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من طَرِيق الإِمَام أَحْمد وَلم يُضعفهُ (لكنه) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 ذكر خصيفًا فِي «ضُعَفَائِهِ» ، وَاعْترض النَّوَوِيّ فِي «شَرحه للمهذب» (عَلَى الْبَيْهَقِيّ) ، فَقَالَ: قَول الْبَيْهَقِيّ إِن خصيفًا ضَعِيف، قد قَالَه غَيره لَكِن (قد) خَالفه فِيهِ كَثِيرُونَ من الْحفاظ وَالْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين فِي هَذَا الشَّأْن، فوثقه يَحْيَى بن معِين (وَابْن) سعد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالح. قَالَ: وَلَعَلَّه اعتضد عِنْد التِّرْمِذِيّ بطرِيق آخر فَصَارَ حسنا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب إِخْرَاجه لَهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مطولا وتليين خصيف: وَقد رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَاد لَهُ عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا أَنه لَا تَنْفَع مُتَابعَة الْوَاقِدِيّ. قَالَ: وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي ذَلِك عَن ابْن عمر وَغَيره أسانيدها قَوِيَّة ثَابِتَة - يَعْنِي: فِي (إهلاله) حِين انبعثت بِهِ رَاحِلَته، وَاعْلَم أَن رِوَايَة ابْن عَبَّاس (المطولة) فِيهَا جمع بَين اخْتِلَاف الروَاة (فِي ابْتِدَاء إِحْرَامه، جمع بَينهمَا ابْن عَبَّاس و) قَالَ: أَنا أعلم النَّاس بذلك «وَأَنه أهل بِهِ حِين فرغ من ركعتيه ثمَّ ركب، فَلَمَّا اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته أهل، فَلَمَّا علا عَلَى شرف البَيْداء أَهَلَّ» (فَكل) رَوَى مَا قَد سَمِع، لَا جرم قَالَ الطَّحَاوِيّ: إِنَّه حَدِيث جَامع لجَمِيع الْأَحَادِيث يقْضِي عَلَى جَمِيعهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 وَقَول الرَّافِعِيّ إِن طَائِفَة من الْأَصْحَاب (حملُوا) اخْتِلَاف الرِّوَايَة عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعَاد التَّلْبِيَة عِنْد (انبعاث) الدَّابَّة، فَظن من سمع أَنه حِينَئِذٍ لَبَّى، يساعده مَا ذكره ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الحَدِيث الثَّالِث عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعَائِشَة - وَقد حَاضَت -: افعلي مَا يفعل الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَقد سلف فِي الْحيض أَيْضا، وَفِي رِوَايَة لمَالِك بعد ذَلِك « (وَلَا) بَين الصَّفَا والمروة حَتَّى [تَطْهُرِين] » وَهَذِه الزِّيَادَة ثَابِتَة من طَرِيق يَحْيَى بن يَحْيَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُلَبِّي فِي حَجِّه إِذا لَقِي ركبًا أَو عَلا أَكَمَةً أَو هَبَطَ وَاديا، وَفِي أَدْبار الْمَكْتُوبَة وَآخر اللَّيْل» . هَذَا الحَدِيث (ذكره) كَذَلِك صَاحب «الْمُهَذّب» وَلم أره فِي شَيْء من كتب «السّنَن» وَلَا «المسانيد» (و) لم يعزه النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» لَهُ، وبَيَّضَ لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيثه» وَذكره كَذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» وَلم يَعْزه لأحد، وَرَوَاهُ عبد الله بن نَاجِية فِي «فَوَائده» بِإِسْنَاد غَرِيب لَا يثبت مثله عَن صباح بن مَرْوَان أبي سهل، عَن عبد الله بن سِنَان (الزُّهْرِيّ عَن أَبِيه سِنَان) عَن ابْن أبي سِنَان عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، عَن جَابر، قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُلَبِّي إِذا لَقِي ركبًا أَو صعد أكمة أَو هَبَط وَاديا، وَفِي أدبار المكتوبات (و) من آخر اللَّيْل» وَلما أخرجه ابْن عَسَاكِر من هَذَا الْوَجْه قَالَ: غَرِيب جدًّا، وَلم أكتبه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ. وَرَوَى الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يكثر من التَّلْبِيَة» وَفِي «الْكِفَايَة» (للفقيه نجم الدَّين) (ابْن) الرّفْعَة أَن الشَّافِعِي رَوَى بِسَنَدِهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُلَبِّي قَائِما وراكبًا وماشيًا ومضطجعًا» وَفِي «الْبَيْهَقِيّ» من طَرِيق الشَّافِعِي، أَنا سعيد بن سَالم، عَن عبد الله بن (عمر) عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 كَانَ يُلَبِّي رَاكِبًا ونازلاً ومضطجعًا» . الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيل فَأمرنِي أَن آمُر أَصْحَابِي فيرفعوا أَصْوَاتهم بِالتَّلْبِيَةِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة خَلاد بن السَّائِب، (عَن أَبِيه) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَفْظهمْ خلا أَحْمد وَالنَّسَائِيّ (وَابْن مَاجَه) وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن جِبْرِيل أَتَانِي (فَأمرنِي) (أَن) آمُر أَصْحَابِي - أَو من معي - أَن يرفعوا أَصْوَاتهم بِالتَّلْبِيَةِ أَو بالإهلال، يُرِيد أَحدهمَا» وَلَفظ أَحْمد: «بِالتَّلْبِيَةِ والإهلال» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بالإهلال» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: كن عجاجًا ثجاجًا» والعجّ: التَّلْبِيَة، والثّجّ: نحر الْبدن. وَلَفظ النَّسَائِيّ: «جَاءَنِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، مُر أَصْحَابك أَن يرفعوا (أَصْوَاتهم) بِالتَّلْبِيَةِ» وَلَفظ ابْن مَاجَه وَابْن حبَان: « (أَتَانِي) جِبْرِيل (فَأمرنِي) أَن آمُر أَصْحَابِي أَن يرفعوا أَصْوَاتهم بالإهلال» وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، مُر أَصْحَابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتهم بِالتَّلْبِيَةِ؛ فَإِنَّهُ من شعار الْحَج» وَلَفظ الْحَاكِم: «أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: مر أَصْحَابك أَن يرفعوا أَصْوَاتهم بالإهلال» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مر أَصْحَابك فَلْيَرْفَعُوا صِيَاحهمْ (بِالتَّلْبِيَةِ) فَإِنَّهَا (من) شعار الْحَج» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «أَتَانِي جِبْرِيل (فَأمرنِي) أَن آمُر أَصْحَابِي أَن يرفعوا أَصْوَاتهم بالإهلال (أَو) بِالتَّلْبِيَةِ أَو أَحدهمَا» وَفِي (رِوَايَة) لَهُ: «وَأَمرَنِي أَن آمُر أَصْحَابِي (أَو من معي) أَن يرفعوا أَصْوَاتهم بِالتَّلْبِيَةِ أَو بالإهلال، يُرِيد أَحدهمَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ كَرِوَايَة ابْن حبَان الأولَى. وَفِي رِوَايَة لَهُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 «جَاءَنِي جِبْرِيل فَقَالَ: مُر أَصْحَابك أَن يرفعوا أَصْوَاتهم بِالتَّلْبِيَةِ؛ فَإِنَّهَا شعار الْحَج» (وَرَوَاهُ) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة خَلاد بن السَّائِب أَيْضا عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه أَيْضا قَالَ (التِّرْمِذِيّ عقيب حَدِيث) خَلاد، عَن أَبِيه: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَرَوَى بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَن خَلاد بن السَّائِب، عَن زيد بن خَالِد، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا يَصح. قَالَ: وَالصَّحِيح هُوَ عَن خَلاد بن السَّائِب، عَن أَبِيه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الصَّحِيح رِوَايَة مَالك وَابْن عُيَيْنَة عَن خَلاد، عَن أَبِيه، كَذَلِك قَالَه البُخَارِيّ وَغَيره. وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : قيل: جوّده مَالك وَابْن جريج وَمعمر، وَلم يروه عَن السَّائِب غير (ابْنه) خَلاد. وَخَالف ابْن حبَان فَقَالَ فِي «صَحِيحه» : سمع هَذَا الْخَبَر خَلاد بن السَّائِب من أَبِيه وَمن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ ولفظاهما مُخْتَلِفَانِ، وهما طَرِيقَانِ محفوظان. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيق زيد بن خَالِد أَيْضا، وَمن طَرِيق ثَالِث عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَمرنِي جِبْرِيل بِرَفْع الصَّوْت بالإهلال؛ فَإِنَّهُ من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 شَعَائِر الْحَج» ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة، وَلَيْسَ يُعلل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر؛ فَإِن السّلف (كَانَ يجْتَمع) عِنْدهم الْأَسَانِيد لمتن وَاحِد كَمَا (يجْتَمع) عندنَا الْآن. قلت: وَله طَرِيق رَابِع رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن دِينَار، ثَنَا أَبُو حَازِم، عَن جَعْفَر (بن عَبَّاس) ، عَن ابْن عَبَّاس ان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَأمرنِي أَن أعلن (بِالتَّلْبِيَةِ) » . الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أفضل الْحَج: العج والثج» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك عَن الضَّحَّاك (بن) عُثْمَان، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع، عَن أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 الْبَزَّار بِلَفْظ: «سُئِلَ مَا برّ الْحَج؟ (قَالَ) : العجّ والثج» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر لم يسمع من عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع، وَهَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث ابْن أبي فديك عَن الضَّحَّاك عَنهُ. قَالَ: وَقد رَوَى مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن (بن) يَرْبُوع، عَن أَبِيه غير هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَى أَبُو نعيم الطَّحَّان ضرار بن صرد هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي فديك، عَن (الضَّحَّاك بن) عُثْمَان، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع، عَن أَبِيه، عَن أبي بكر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَخْطَأ فِيهِ ضرار. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن الْحُسَيْن يَقُول: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: من قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث (عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر (عَن) ابْن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع، عَن أَبِيه» فقد أَخطَأ. قَالَ: وَسمعت مُحَمَّدًا - يَعْنِي: البُخَارِيّ - يَقُول (وَذكرت) لَهُ حَدِيث ضرار بن صرد عَن ابْن أبي فديك فَقَالَ: هُوَ خطأ. فَقلت: قد رَوَاهُ [غَيره عَن] ابْن أبي فديك أَيْضا مثل رِوَايَته. فَقَالَ: لَا شَيْء؛ إِنَّمَا [رَوَوْهُ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 عَن (ابْن) أبي فديك وَلم يذكرُوا فِيهِ عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن (ورأيتُه يُضَعِّف) ضرار بن صرد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَا قَالَ أَحْمد (بن حَنْبَل) فِيمَا بلغنَا عَنهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : (الْأَشْبَه) بِالصَّوَابِ رِوَايَة من رَوَاهُ عَن الضَّحَّاك (بن) عُثْمَان، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع، عَن أبي بكر قَالَ: وَقَالَ أهل النّسَب إنَّ مَن قَالَ: سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع. فقد وهم؛ وَإِنَّمَا هُوَ عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن يَرْبُوع. قَالَ: وَيروَى هَذَا الحَدِيث (أَيْضا) من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا (وموقوفًا) (وَرَفعه) هُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع مَا رَوَى عَنهُ سُوَى مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر حَدِيثا فِي العج والثج. (وَقد قَالَ) التِّرْمِذِيّ: لم يسمعهُ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر مِنْهُ. وَقيل: رَوَاهُ عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه. وَكَأن هَذَا أصح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 قلت: هَذَا الَّذِي قَالَ: «كَأَنَّهُ أصح» خطأه أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ كَمَا سلف، فَخَالف النَّاس. وَقَوله: «مَا رَوَى عَنهُ سُوَى مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر» لَيْسَ كَذَلِك، قَالَ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» عقب هَذَا الحَدِيث: عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع قديم، حدث عَنهُ عَطاء بن يسَار وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَغَيرهمَا. وَذكر الحَدِيث فِي مَوضِع آخر، ثمَّ قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع مَعْرُوف (رَوَى عَنهُ) عَطاء بن يسَار وَغَيره. وَأخرجه الْبَزَّار من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع، أَو عَن عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع، هَكَذَا عَلَى الشَّك. قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طرق (أُخْرَى) : إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن عمر: «أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (مَا الْحَج؟) قَالَ: العجّ والثجّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَهَذَا لَفظه، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «أَي الْحَج أفضل؟» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن يزِيد الخُوزِيّ الْمَكِّيّ، وَقد تكلم بعض أهل الْعلم (فِيهِ) من قِبَلِ حفظه. ثَانِيهَا: من حَدِيث جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا بر الْحَج؟ قَالَ: العج والثج» ذكره التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن (جَابر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 وَرَوَاهُ) أَبُو الْقَاسِم الْأَصْبَهَانِيّ فِي «ترغيبه وترهيبه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر (بِهِ) وَإِسْحَاق هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَإِسْمَاعِيل إِذا رَوَى عَن الْحِجَازِيِّينَ لَا يحْتَج بِهِ، و [إِسْحَاق] مدنِي. ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الله بن شُعَيْب، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أفضل الْأَعْمَال العج والثج؛ فَأَما العج فالعجيج بِالتَّلْبِيَةِ، وَأما الثج فَنحر الْبدن» رَوَاهُ ابْن أبي الْعَوام فِي «فَضَائِل الإِمَام أبي حنيفَة» كَمَا أَفَادَهُ صَاحب «الإِمَام» من حَدِيث أبي أُسَامَة (عَن) أبي حنيفَة، عَن قيس بن مُسلم، عَن طَارق بن شهَاب، عَن عبد الله بن شُعَيْب بِهِ. فَائِدَة: الثج: سيلان دِمَاء الْهَدْي، والعج: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. قَالَه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 الْهَرَوِيّ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد إِن الثج إِرَاقَة الدِّمَاء، وَكَذَا التِّرْمِذِيّ، وَلَفظه «الثج: نحر الْبدن» وَقد (أوردناه) كَذَلِك مفَسرًا فِي الطَّرِيق الْأَخِيرَة من طرق الحَدِيث. الحَدِيث السَّابِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: «والأحب أَن لَا يزِيد فِي التَّلْبِيَة عَلَى تَلْبِيَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والتلبية: لبيْك (اللَّهُمَّ) لبيْك، لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك، لَا شريك لَك» . هَذَا صَحِيح فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن تَلْبِيَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذِه ... » فَذكرهَا كَذَلِك، وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث عَائِشَة مثله إِلَى قَوْله «وَالنعْمَة لَك» وَفِي «صَحِيح مُسلم» ، عَن جَابر مثله كَامِلا وَقد سلف بِطُولِهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَكَانَ ابْن عمر يزِيد فِيهَا: لبيْك لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر بيديك لبيْك، وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل» (هُوَ) كَمَا قَالَ، وَقد أخرجهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 كَذَلِك فِي آخر الحَدِيث الْمَرْفُوع، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «وَكَانَ ابْن عمر يزِيد فِيهَا: لبيْك لبيْك (لبيْك) وَسَعْديك، وَالْخَيْر فِي يَديك لبيْك، وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل» وَفِي بعض نسخ مُسلم بِخَط بعض الْحفاظ ذكر التَّلْبِيَة ثَلَاث مَرَّات (أَيْضا) . فَائِدَة: قد تكلمنا عَلَى لفظ التَّلْبِيَة فِي غير هَذَا الْكتاب، فأغنى عَن ذكره هُنَا، وَتكلم الرَّافِعِيّ عَلَى قَوْله: «إِن الْحَمد» فَقَالَ: قد تكسر عَلَى الِابْتِدَاء، وَقد تفتح عَلَى مَعْنَى: لِأَن الْحَمد. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَاخْتَارَ ثَعْلَب الْكسر، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّه الْأَحْسَن (و) إِن الْفَتْح رِوَايَة الْعَامَّة. (وَذكر فِي «الرَّوْضَة» أَن الْكسر أصح وَأشهر. وَاخْتِيَار الشَّافِعِي الْفَتْح كَمَا نَقله الزَّمَخْشَرِيّ فِي آخر تَفْسِير سُورَة «يس» حَيْثُ كسر أَبُو حنيفَة وَفتح الشَّافِعِي) . وَقَوله: «وَالنعْمَة» هِيَ بِالنّصب عَلَى الْمَشْهُور، وَيجوز رَفعهَا. وَقَوله: «وَسَعْديك» أَي: مساعدة بعد مساعدة. قَالَ الْحَرْبِيّ: وَلم يسمع (بسعديك) مُفردا. وَقَوله: «والرَغباء إِلَيْك» رُوِيَ بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا، فَمن فتح مد، وَمن قصر ضم، كالنَعماء والنُّعمى، وَمَعْنَاهُ هُنَا الطّلب وَالْمَسْأَلَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 الحَدِيث الثَّامِن عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: «فَإِن رَأَى شَيْئا يُعجبهُ، قَالَ: لبيْك، إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة» ثَبت ذَلِك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - انْتَهَى. كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ بِلَفْظ الثُّبُوت، وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وقف بِعَرَفَات، فَلَمَّا قَالَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، قَالَ: إِنَّمَا الْخَيْر خير الْآخِرَة» قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج البُخَارِيّ بِعِكْرِمَةَ، وَمُسلم بِدَاوُد، وَهَذَا الحَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن شَيْخه الْحَاكِم، عَن أبي أَحْمد يُوسُف بن (مُحَمَّد، عَن ابْن) خُزَيْمَة، عَن نصر بن عَلّي الْجَهْضَمِي، عَن مَحْبُوب بن الْحسن، عَن دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب بِعَرَفَات، فَلَمَّا قَالَ: لبيْك ... » الحَدِيث، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن عِكْرِمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نظر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حوله وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة، فَقَالَ: لبيْك ... » (فَذكره) وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن (سعيد) - هُوَ ابْن سَالم - عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي حميد الْأَعْرَج، عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يظْهر من التَّلْبِيَة: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك (لبيْك) لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة (لَك) وَالْملك، لَا شريك لَك. قَالَ: حَتَّى إِذا كَانَ ذَات يَوْم وَالنَّاس يصرفون عَنهُ - كَأَنَّهُ أعجبه مَا هُوَ فِيهِ - فَزَاد فِيهَا: لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة» قَالَ ابْن جريج: وحسبت أَن ذَلِك كَانَ يَوْم عَرَفَة. وَسَعِيد هَذَا هُوَ القداح، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين (وَلينه) غَيره، وَهُوَ مُرْسل أَيْضا، وسمَّاهُ الْمُنْذِرِيّ مُنْقَطِعًا، وَفِي «الْأُم» : أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ذَلِك فِي أسرّ حَاله؛ وَفِي أَشد حَاله، فَأَما الأشد فَفِي حفر الخَنْدَق، وَأما الأسرّ فحين وقف بِعَرَفَات وَرَأَى (جَمِيع) الْمُسلمين. وَسَيَأْتِي هَذَا فِي «الخصائص» من «النِّكَاح» وَاضحا - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (فَائِدَة: مَعْنَى «إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة» : إِن الْحَيَاة الْمَطْلُوبَة الهنية الدائمة هِيَ حَيَاة الدَّار الْآخِرَة) . الحَدِيث التَّاسِع عشر رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي تلبيته: (لبيْك) حقًّا تعبدًا ورقًّا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» ، فَقَالَ: سَمِعت بعض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 أَصْحَابنَا يحدث عَن النَّضر بن (شُمَيْل، نَا) هِشَام بن حسان، عَن ابْن سِيرِين، عَن أَخِيه، عَن أنس، قَالَ: «كَانَت تَلْبِيَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: [لبيْك] حجًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا» ثمَّ أخرجه بِسَنَدِهِ مُتَّصِلا عَن فعل أنس ثمَّ قَالَ: لم يحدث يَحْيَى بن سِيرِين عَن أنس إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث. وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أنس بن سِيرِين، عَن أنس، قَالَ: «سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُلَبِّي: لبيْك حجًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا» فَأجَاب فِي «علله» بِأَن قَالَ: يرويهِ هِشَام بن حسان وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ النَّضر بن شُمَيْل، عَن هِشَام (عَن) مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أَخِيه يَحْيَى، عَن أَخِيه أنس، عَن أنس، وَرُوِيَ عَن الْفضل بن مُوسَى نَحْو هَذَا، (وَرَوَاهُ) يَحْيَى بن يمَان، عَن هِشَام بن حسان، عَن حَفْصَة بنت سِيرِين، عَن أُخْت لَهَا، عَن أنس، (قَالَت) : عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: لَا. وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقطَّان وروح بن عبَادَة وَحَمَّاد بن زيد، عَن هِشَام، عَن حَفْصَة، عَن يَحْيَى بن سِيرِين، عَن أنس (بن مَالك) فعله وَقَوله. وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن هِشَام، عَن أم الْهُذيْل، عَن أنس قَوْله. قَالَ: وَالصَّحِيح من ذَلِك قَول حَمَّاد بن زيد وَيَحْيَى الْقطَّان. (ثمَّ) قَالَ: نَا مُحَمَّد بن مخلد، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 نَا يَحْيَى (بن مُحَمَّد) بن أعين الْمروزِي، نَا النَّضر بن شُمَيْل، نَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أَخِيه يَحْيَى بن سِيرِين، عَن أَخِيه أنس بن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لبيْك حجًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا» وَهَذِه غَرِيبَة عَايَا بهَا بَعضهم، فَقَالَ: ثَلَاثَة إخْوَة، رَوَى بَعضهم عَن بعض. وَرَوَاهُ ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي الْحَافِظ فِي تَخْرِيجه لأبي مَنْصُور (عبد المحسن) بن مُحَمَّد بن عَلّي الْبَغْدَادِيّ بِزِيَادَة أَخ رَابِع، وَهُوَ معبد (أَخُو) يَحْيَى وَأنس. الحَدِيث الْعشْرُونَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا فرغ من تلبيته فِي حج أَو عمْرَة سَأَلَ الله رضوانه وَالْجنَّة، واستعاذ برحمته من النَّار» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة، عَن عمَارَة بن خُزَيْمَة (بن) ثَابت، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا فرغ من تلبيته سَأَلَ الله رضوانه وَالْجنَّة (واستعفاه) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 برحمته من النَّار» كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: تَابعه عبد الله بن عبد الله الْأمَوِي، عَن صَالح. قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد «أَنَّ القاسمَ بن مُحَمَّد كَانَ يَأْمر إِذا فرغ من التَّلْبِيَة أَن يصلى عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبد الله الْأمَوِي، عَن صَالح، (عَن) الْقَاسِم قَالَ: «كَانَ يُؤْمَر ... » وَاقْتصر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَلَى مُتَابعَة عبد الله (الْأمَوِي) وَلَفظه: «سَأَلَ الله رضوانه ومغفرته، واستعاذ برحمته من النَّار» قَالَ صَالح: وسمعتُ الْقَاسِم بن مُحَمَّد يَقُول: «كَانَ يُؤْمر إِذا فرغ من تلبيته أَن يصلى عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَكَذَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» (سَوَاء) ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَقَالَ: « (استعتقه) من النَّار» وَعَزاهُ صَاحب «الإِمَام» إِلَى رِوَايَة أبي (ذَر) الْهَرَوِيّ بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ، وَإِبْرَاهِيم شيخ الشَّافِعِي قد عرفتَ حَاله فِي أول الْكتاب فِي حَدِيث (المشمس) ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 وَصَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة قَالَ أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَضَعفه يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَعبد الله الْأمَوِي قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَقَالَ: يُخَالف فِي رِوَايَته. الحَدِيث الْحَادِي (بعد) الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يحرم غسل رَأسه بأشنان وخطمي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَفِي إِسْنَاده: عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَفِيه لين، وَقد أسلفنا أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي بَاب الْوضُوء (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) . وَذكر فِيهِ من الْآثَار (أثر) عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَأَى عَلَى طَلْحَة ثَوْبَيْنِ مصبوغين وَهُوَ حرَام، فَقَالَ: أَيهَا الرَّهْط، إِنَّكُم أَئِمَّة (يُقْتَدَى) بكم؛ فَلَا يلبس أحدكُم من هَذِه الثِّيَاب المصبغة فِي الْإِحْرَام» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن نَافِع أَنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 سمع أسلم مولَى عمر بن الْخطاب يحدث عبد الله بن عمر «أَن عمر بن الْخطاب رَأَى عَلَى طَلْحَة بن عبيد الله ثوبا مصبوغًا وَهُوَ محرم، فَقَالَ عمر: مَا هَذَا الثَّوْب الْمَصْبُوغ يَا طَلْحَة؟ ! فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّمَا هُوَ مدر. فَقَالَ عمر: (إِنَّكُم) أَيهَا الرَّهْط (أَئِمَّة) يَقْتَدِي بكم النَّاس، فَلَو أَن رجلا جَاهِلا رَأَى هَذَا الثَّوْب لقَالَ إِن طَلْحَة بن عبيد الله كَانَ يلبس الثِّيَاب المصبغة فِي الْإِحْرَام؛ فَلَا تلبسوا أَيهَا الرَّهْط شَيْئا من هَذِه الثِّيَاب المصبغة» . وَذكر فِيهِ من الْآثَار، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «لَا يُلَبِّي الطَّائِف» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ (بِإِسْنَادِهِ) عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب أَنه كَانَ يَقُول: «كَانَ عبد الله بن عمر لَا يُلَبِّي وَهُوَ يطوف حول الْبَيْت» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 بَاب دُخُول مَكَّة وَمَا يتَعَلَّق بِهِ ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فستة وَتسْعُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَكَّة ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى عَرَفَة» . هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور مستفيض عَنهُ (وَمن ذَلِك حَدِيث جَابر الطَّوِيل السالف، وَكَذَلِكَ فَعَله الْخلف وَالسَّلَف. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه كَانَ لَا يقدم مَكَّة إِلَّا بَات بِذِي طوى حَتَّى يصبح ويغتسل، ثمَّ يدْخل مَكَّة، وَيذكر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَفْعَله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم فِي «بَاب: سنَن الْإِحْرَام» وَهُو َ الحَدِيث الثَّالِث (مِنْهُ) . فَائِدَة: طوى مثلث الطَّاء، حكاهن صَاحب «الْمطَالع» وجماعات (قَالُوا) : وَالْفَتْح أَجود وَهُوَ مَقْصُور، وَلَا يجوز (مَدّه) قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : وَوَقع فِي كتاب الْمُسْتَمْلِي (ذُو) الطواء (مَمْدُود) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 وَيصرف وَلَا يصرف، قيل: سُمِّي بذلك؛ لِأَن بِئْرهَا كَانَ مطويًّا (بِالْحِجَارَةِ) فنُسِب (الْوَادي إِلَيْهَا) وَهُوَ مَوضِع عِنْد بَاب مَكَّة من أَسْفَلهَا فِي طَرِيق الْعمرَة الْمُعْتَادَة من مَسَاجِد عَائِشَة بَين الثَّنية السُّفْلَى والعليا. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يدْخل مَكَّة من الثَّنية الْعليا وَيخرج من الثَّنية السُّفْلَى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل مَكَّة من كداء من الثَّنية الْعليا الَّتِي عِنْد الْبَطْحَاء وَخرج من الثَّنية السُّفْلَى» هَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلمُسلم عَنهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يخرج من طَرِيق الشَّجَرَة (وَيدخل) من طَرِيق المعرس» زَاد البُخَارِيّ: «وَأَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا خرج إِلَى مَكَّة يُصَلِّي فِي مَسْجِد الشَّجَرَة (فَإِذا) رَجَعَ صَلَّى بِذِي الحليفة بِبَطن الْوَادي وَبَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 حَتَّى يصبح» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «وَإِذا دخل مَكَّة يدْخل من الثَّنية الْعليا الَّتِي بالبطحاء وَيخرج من الثَّنية السُّفْلَى» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْعليا الَّتِي بالبطحاء» وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْفَتْح من كداء الَّتِي (بِأَعْلَى) مَكَّة» وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما جَاءَ إِلَى مَكَّة دَخلهَا من أَعْلَاهَا وَخرج من أَسْفَلهَا» وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «دخل من كداء وَخرج من كداء من أَعلَى مَكَّة» (كداء عِنْده) بِالضَّمِّ فِي الأولَى وَالْفَتْح فِي الثَّانِيَة كَمَا نَقله عبد الْحق، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا مقلوب، وكداء بِالضَّمِّ إِنَّمَا هِيَ السُّفْلَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَائِدَة: أصل الثَّنية فِي اللُّغَة: الطَّرِيق الضّيق بَين الجبلين، وَأما كداء الْعليا (فَهِيَ) بِفَتْح الْكَاف وبالمد مَصْرُوف، وَوَقع فِي «الإِمَام» (للشَّيْخ تَقِيّ الدَّين أَنه) غير مَصْرُوف وَأَنه مَمْدُود، وَأما السُّفْلَى فبالضم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 وَالْقصر والتنوين. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الَّذِي (يشْعر) بِهِ كَلَام المصنفين: أَن السُّفْلَى أَيْضا بِالْمدِّ، (ورد) عَلَيْهِ ذَلِك النَّوَوِيّ، (وَقَول الرَّافِعِيّ وَيدل عَلَيْهِ أَنهم كتبوها بِالْألف، وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا بِالْيَاءِ، وَرَوَى فِيهِ شعرًا. قلت: استدلاله بِالْكِتَابَةِ عَجِيب، فَإِن الْكِتَابَة بِالْألف لَا تَسْتَلْزِم أَن يكون ممدودًا؛ بل كل مَقْصُور لَا يمال كَمَا يعْصَى وَنَحْوه بِالْألف، وَكَذَلِكَ مَا أميل أَيْضا. وَكَلَامه فِي «الشَّرْح الصَّغِير» ظَاهر فِي تَرْجِيح الْقصر، وَهُوَ الصَّوَاب الَّذِي قطع بِهِ الْمُحَقِّقُونَ. فَائِدَة (ثَانِيَة) : كدى - بِالتَّصْغِيرِ -: جبل مُرْتَفع قريب من مَكَّة فِي صوب الْيمن، وَفِيه أَيْضا ثنية ضيقَة، وَهِي فِي ذهَاب الشَّخْص إِلَى جبل ثَوْر، وَلَيْسَ بلغةٍ كَمَا توهَّمَه بَعضهم) . الحَدِيث (الرَّابِع) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا رَأَى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابةً، وزِدْ من شرَّفَه وعظَّمَه ممَّنْ حَجَّه أَو اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبِرًّا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي أَنا سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا رَأَى الْبَيْت رفع (يَدَيْهِ) وَقَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 اللَّهُمَّ ... » فَذكره كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ بدل: «وعظمه» : «وَكَرمه» وَسَيَأْتِي بِلَفْظ: «وعظمه» أَيْضا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع. وَقَالَ ابْن الصّلاح وَالنَّوَوِيّ: مُرْسل معضل. وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : معضل فِيمَا بَين ابْن جريج وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَكَذَا حدث بِهِ الشَّافِعِي مُنْقَطِعًا. وَقَالَ: لَيْسَ فِي رفع الْيَدَيْنِ شَيْء أكرهه وَلَا أستحبه عِنْد رُؤْيَة الْبَيْت وَهُوَ عِنْدِي حسن. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَأَنَّهُ لم يعْتَمد عَلَى الحَدِيث لانقطاعه. قلت: وَسَعِيد بن سَالم هُوَ القداح، وَقد علمتَ حَاله فِي أَوَاخِر الْبَاب قبله، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَله شَاهد مُرْسل عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي سعيد الشَّامي، عَن مَكْحُول، قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا دخل مَكَّة (فَرَأَى) الْبَيْت رفع يَدَيْهِ وَكبر وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام، فحيِّنا رَبنَا بِالسَّلَامِ، اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا (ومهابة، وزد من حجه أَو اعتمره تَشْرِيفًا وتكريمًا) (وتعظيمًا) وبِرًّا» . قلت: وَله شَاهد مُتَّصِل من حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن مُحَمَّد بن مُوسَى الْأَيْلِي الْمُفَسّر، ثَنَا عمر بن يَحْيَى الْأَيْلِي، نَا عَاصِم بن سُلَيْمَان الكوزي، عَن زيد بن أسلم، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 أبي الطُّفَيْل، عَن حُذَيْفَة بن أسيد «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا نظر إِلَى الْبَيْت قَالَ: اللَّهُمَّ زد بَيْتك هَذَا تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبرًّا ومهابة» . وَعَاصِم (هَذَا) كذبوه. وَفِي «سنَن سعيد بن مَنْصُور» : نَا (مُعْتَمر) بن سُلَيْمَان، حَدثنِي برد بن سِنَان أَبُو الْعَلَاء، قَالَ: سَمِعت عباد بن قسَامَة يَقُول: «إِذا رَأَيْت الْبَيْت فَقل: اللَّهُمَّ زد بَيْتك هَذَا تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من شرفه وعظمه وَكَرمه مِمَّن حجه (واعتمره) تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبرًّا» وفيهَا أَيْضا عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ: سَمِعت هَذَا من عمر، وَمَا بَقِي عَلَى الأَرْض سمع هَذَا مِنْهُ غَيْرِي «أَنه نظر إِلَى الْبَيْت فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام (فحيِّنا) رَبنَا بِالسَّلَامِ» وَفِي هَذَا إِثْبَات سَماع سعيد (من عمر) وَالْمَشْهُور خِلَافه. فَائِدَة: وَقع فِي «مُخْتَصر الْمُزنِيّ» ذكر المهابة فِي هَذَا الحَدِيث فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وغلطه الْأَصْحَاب فِي ذَلِك وَقَالُوا: إِنَّمَا يُقَال فِي الثَّانِي «وبرًّا» لِأَن المهابة تلِيق بِالْبَيْتِ وَالْبر يَلِيق بالإنسان، (قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالثَّابِت فِي الْخَبَر إِنَّمَا هُوَ الِاقْتِصَار عَلَى الْبر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 قلت: أَيْن الثُّبُوت؟ فَالْحَدِيث فِي نَفسه رَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا ومعضلاً) . وَوَقع فِي «الْوَجِيز» ذِكْر المهابة وَالْبر جَمِيعًا فِي (الأول) وَذكر الْبر وَحده ثَانِيًا، وَاعْتَرضهُ الرَّافِعِيّ فَقَالَ: لم (يَرَ) الْجمع بَينهمَا إِلَّا لَهُ، وَلَا ذكر لَهُ فِي الحَدِيث الْوَارِد بِهَذَا الدُّعَاء، وَلَا فِي كتب الْأَصْحَاب، وَالْبَيْت لَا يتَصَوَّر مِنْهُ بر، وَلَا يَصح إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يَعْنِي الْبر عَلَيْهِ. وَأجَاب النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «تهذيبه» : لإِطْلَاق الْبر عَلَى الْبَيْت وَجه صَحِيح وَهُوَ أَن يكون (مَعْنَاهُ) أَكثر زائريه، فبِرّه بزيارته كَمَا أَن من جملَة بِرّ الْوَالِدين والأقارب والأصدقاء زيارتهم واحترامهم. وَلَكِن الْمَعْرُوف مَا تقدم، وَقد رَوَى الْأَزْرَقِيّ فِي «تَارِيخ مَكَّة» حَدِيثا عَن مَكْحُول، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - « (أَنه) كَانَ إِذا رَأَى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وبِرًّا وزِدْ مَن شَرَّفه ... » إِلَى آخِره، هَكَذَا ذكره، جمع أَولا بَين المهابة والبِرّ كَمَا وَقع فِي «الْوَجِيز» لَكِن هَذِه الرِّوَايَة مُرْسلَة، وَفِي (إسنادها) رجل مَجْهُول وَآخر ضَعِيف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 الحَدِيث الْخَامِس (رُوِيَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لقد حج هَذَا الْبَيْت (سَبْعُونَ) نبيًّا لَهُم، خلعوا نعَالهمْ من ذِي طوى تَعْظِيمًا للحرم» . هَذَا الحَدِيث رُوِيَ بِمَعْنَاهُ من طَرِيقين: إِحْدَاهمَا: عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لقد مرّ بالصخرة من الروحاء (سَبْعُونَ) نبيًّا حُفَاة، عَلَيْهِم العباء يؤمُّونَ الْبَيْت الْعَتِيق فيهم مُوسَى» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» والعقيلي فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» فِي تَرْجَمَة أبان الرَّقاشي، وَقَالَ: حَدثنِي آدم، قَالَ: سَمِعت البُخَارِيّ، قَالَ: أبان الرقاشِي، عَن أبي مُوسَى رَوَى عَنهُ يزِيد، وَلم يَصح حَدِيثه. قَالَ الْعقيلِيّ: والْحَدِيث هُوَ هَذَا. (الطَّرِيق الثَّانِي) : عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مَوْقُوفا عَلَيْهِ، قَالَ: «كَانَت الْأَنْبِيَاء يدْخلُونَ الْحرم مشَاة حُفَاة يطوفون بِالْبَيْتِ ويقضون الْمَنَاسِك حُفَاة مشَاة» رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 «سنَنه» كَذَلِك وَفِي إِسْنَاده مبارك بن حسان الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، لَا يحْتَج بِهِ، يُرْمَى بِالْكَذِبِ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَلَى نمطٍ آخر فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، نَا زَمعَة بن صَالح، عَن سَلمَة بن وهرام، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «لما مرّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بوادي عسفان حِين حج (قَالَ) : يَا أَبَا بكر، أَي وادٍ هَذَا؟ قَالَ: وَادي عسفان. قَالَ: لقد مرّ بِهِ هود وَصَالح عَلَى بكرات حمرٍ خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون نَحْو الْبَيْت الْعَتِيق» وَزَمعَة ضعفه أَحْمد، وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بآخر، وَسَلَمَة بن وهرام مُخْتَلف فِيهِ، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَضَعفه أَبُو دَاوُد، وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» ، عَن ابْن عمر قَالَ: «وقف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعسفان، فَقَالَ: لقد مر (بِهَذِهِ) الْقرْيَة سَبْعُونَ نبيًّا، ثِيَابهمْ العباء، ونعالهم الخوص» قَالَ ابْن أبي حَاتِم: [قَالَ أبي:] هَذَا حَدِيث مَوْضُوع بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَلما ذكر ابْن الرّفْعَة عَن (النَّوَوِيّ) اسْتِحْبَاب دُخُول مَكَّة حافيًا، قَالَ: وَهُوَ مَا ذكره فِي «الْبَحْر» عَن بعض النَّاس مستدلاًّ بقوله تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: (اخلع نعليك) (وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام: «لقد حج هَذَا الْبَيْت ... » فَذكر الحَدِيث، وَهُوَ كَمَا ذكره عَن (الْبَحْر) ، وَكَأَنَّهُ سقط شَيْء من الِاسْتِدْلَال وَأَصله (لقَوْله تَعَالَى: (اخلع نعليك) الْآيَة) . الحَدِيث السَّادِس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة» . هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن بوب دُخُول الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة: وَرَوَى عَن ابْن عمر مَرْفُوعا (فِي) دُخُوله من بَاب بني شيبَة وَخُرُوجه من بَاب الخياطين. قَالَ: وَإِسْنَاده غير مَحْفُوظ. قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَلَفظه عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: «دخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ودخلنا مَعَه من بَاب بني عبد منَاف، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس: بَاب بني شيبَة، وَخَرجْنَا مَعَه إِلَى الْمَدِينَة من بَاب الْحَزْوَرَة، وَهُوَ بَاب الخياطين» وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن نَافِع وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورويناه عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ: «يدْخل الْمحرم من حَيْثُ شَاءَ، وَدخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من بَاب بني شيبَة، وَخرج من بَاب بني مَخْزُوم إِلَى الصَّفَا» ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ -: هَذَا مُرْسل جيد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 وصَدَّرَ الْبَاب بِحَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما أَن هُدِم الْبَيْت بعد جُرْهم بَنَتْه قُرَيْش، فَلَمَّا أَرَادوا وضع الْحجر تشاجروا، من يَضَعهُ؟ (فاتفقوا) أَن يَضَعهُ أول من يدْخل (من) هَذَا الْبَاب، فَدخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من بَاب بني شيبَة (فَأمر) بِثَوْب فَوضع الْحجر فِي وَسطه، وَأمر كلَّ فَخذ أَن يَأْخُذُوا بطائفةٍ من الثَّوْب (فيرفعوه) وَأَخذه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوَضعه» ثمَّ عقبه بِحَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام [لما قدم] فِي عهد قُرَيْش دخل من هَذَا الْبَاب الْأَعْظَم، وَقد جَلَست قُرَيْش مِمَّا يَلِي الْحجر» . الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حج فَأول شَيْء بَدَأَ بِهِ حِين قدم أَن تَوَضَّأ (ثمَّ) طَاف (بِالْبَيْتِ) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (مطولا) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل مَكَّة عَام الْفَتْح غير محرم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (من) حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء بِغَيْر إِحْرَام) هَذَا لفظ إِحْدَى رِوَايَات مُسلم، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: « (أَن) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل مَكَّة عَام الْفَتْح وَعَلَى رَأسه المِغْفر» قَالَ مَالك: وَلم يكن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيمَا نرَى، وَالله أعلم - محرما. وَاعْلَم أَن (الرَّافِعِيّ) ذكر هَذَا الحَدِيث (دَلِيلا) عَلَى أَن الْخَائِف من الْقِتَال وَنَحْوه لَا يلْزمه الْإِحْرَام، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فَإِن من خَصَائِصه عَلَيْهِ السَّلَام دُخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام، كَمَا ذكره صَاحب «التَّلْخِيص» وَغَيره وَالْخلاف فِي حق غَيره. الحَدِيث التَّاسِع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الطّواف (بِالْبَيْتِ) مثل الصَّلَاة إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون فِيهِ؛ فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير» . هَذَا (الحَدِيث) تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب الْأَحْدَاث، فَرَاجعه من ثمّ. الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلَا حدثان قَوْمك بالشرك لهدمت الْبَيْت ولبنيته عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، فَأَلْصَقته بِالْأَرْضِ وَجعلت لَهُ بَابَيْنِ شرقيًّا وغربيًّا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْحجر: أهوَ من الْبَيْت؟ قَالَ: نعم. قلت: فَمَا لَهُم (لم) يدخلوه فِي الْبَيْت؟ ! قَالَ: إِن قَوْمك قصرت بهم النَّفَقَة. قلت: فَمَا شَأْن بَابه مرتفعًا؟ قَالَ: فعل ذَلِك قَوْمك ليدخلوا من شَاءُوا ويمنعوا من (شَاءُوا) وَلَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث عَهدهم بالجاهلية وأخاف أَن (ينكروا) أَن أَدخل الْجدر فِي الْبَيْت وَأَن ألصق بَابه بِالْأَرْضِ» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «الحِجْر» بدل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 «الْجدر» (والجَدْر) بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْملَة: (الحِجْر) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لعَائِشَة: لَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث (عَهدهم) بجاهلية لأمرت بِالْبَيْتِ فهُدِم (فأُدْخِل) فِيهِ مَا أُخْرِج مِنْهُ (وأَلْزَقْته) بِالْأَرْضِ، وَجعلت لَهُ بَابَيْنِ: بَابا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، وَبَلغت بِهِ أساس إِبْرَاهِيم» وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَنْهَا، قَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَوْلَا أَن قَوْمك حديثو عهدٍ بجاهلية - أَو قَالَ بِكفْر - لأنفقت كنز الْكَعْبَة فِي سَبِيل الله، ولجعلت بَابهَا بِالْأَرْضِ، ولأدخلت فِيهَا الحِجْر» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا: «يَا عَائِشَة، لَوْلَا أَن قَوْمك (حديثو) عهد بشرك لنقَضْتُ الْكَعْبَة فألزقتها بِالْأَرْضِ، وَجعلت لَهَا بَابَيْنِ: بَابا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، وزدت فِيهَا سِتَّة أَذْرع (من الحِجْر؛ فَإِن قُريْشًا اقتصرتها حِين بنت الْكَعْبَة» وَفِي رِوَايَة «خمس أَذْرع» ) وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن قَوْمك استقصروا من بُنيان الْبَيْت وَلَوْلَا حَدَاثَة عَهدهم بالشرك أعدت مَا تركُوا مِنْهُ، فَإِن بدا لقَوْمك من بعدِي أَن يبنوه (فهلمي) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 لأريك مَا تركُوا مِنْهُ. فأراها قَرِيبا من سَبْعَة أَذْرع» . الحَدِيث الْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر قَالَ الرَّافِعِيّ - بعد اعْتِبَار جعل الْبَيْت عَلَى يسَار الطَّائِف ومحاذاة الحَجَر بِجَمِيعِ الْبدن -: وَإِنَّمَا اعْتبر لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَذَلِك طَاف وَقَالَ: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» . هَذَا (الحَدِيث) كُله صَحِيح، فَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لما قدم مَكَّة أَتَى الْحجر فاستلمه، ثمَّ مَشَى عَلَى يَمِينه فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا» وَفِيه أَيْضا من حَدِيث جَابر، قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَرْمِي عَلَى رَاحِلَته يَوْم النَّحْر وَيَقُول: لِتَأْخُذُوا (عني) مَنَاسِككُم؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه» وَفِي رِوَايَة للبيهقي بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح فِي بَاب الْإِسْرَاع فِي وَادي محسر: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم، لعَلي لَا أَرَاكُم بعد عَامي هَذَا» وَفِي رِوَايَة للنسائي بِإِسْنَادِهِ فِي بَاب الرّكُوب إِلَى الْجمار «رَأَيْت رَسُول الله يَرْمِي الْجَمْرَة وَهُوَ عَلَى بعيره وَهُوَ يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس، خُذُوا عني مَنَاسِككُم (فَإِنِّي) لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد عَامي هَذَا» . الحَدِيث الثَّالِث عشر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «نذرت أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي الْبَيْت، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (صلي) فِي الْحجر؛ فَإِن سِتَّة أَذْرع مِنْهُ من الْبَيْت» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب كَذَلِك، وَالْمَعْرُوف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَنْهَا، قَالَت: «كنت أحب (أَن) أَدخل الْبَيْت فأصلي فِيهِ، فَأخذ رَسُول الله بيَدي فَأَدْخلنِي فِي الْحجر، فَقَالَ لي: صلي فِيهِ إِن أردْت دُخُول الْبَيْت؛ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَة مِنْهُ، وَإِن قَوْمك اقتصروا حِين بنوا الْكَعْبَة (فأخرجوه) من الْبَيْت» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة للنسائي: «قلت: يَا رَسُول الله، (أَأدْخل) الْبَيْت؟ قَالَ: ادخلي الْحجر؛ فَإِنَّهُ من الْبَيْت» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه (بِلَفْظِهِ) عَن عَائِشَة: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْحجر، فَقَالَ: هُوَ من الْبَيْت. قلت: مَا مَنعهم أَن يدخلوه فِيهِ؟ ! قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 عجزت بهم النَّفَقَة» وَفِي «مُعْجم الْإِسْمَاعِيلِيّ» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الترجماني، نَا شُعَيْب بن صَفْوَان، عَن عَطاء، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَائِشَة، قَالَت: (قلت: يَا رَسُول الله، كل نِسَائِك قد دَخَلْنَ البيتَ غَيْرِي! قَالَ: (فاذهبي) إِلَى ذِي قرابتك - إِلَى شيبَة - فليفتح لَك (الْبَاب) (قَالَت) : فذهبتُ إِلَى شيبَة فَقلت: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْمُرك أَن تفتحَ لي الْبَاب (قَالَ) : رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمَرَك؟ قلت: نعم. فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا نَبِي الله، أمرت عَائِشَة أَن يُفْتَحَ لَهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: واللهِ مَا فتحتُ فِي جَاهِلِيَّة وَلَا (إِسْلَام) بليلٍ قطّ. قَالَ: فاذْهَبْ فاصَنَعْ مَا كنت تفعل؛ واذْهبي أنتِ يَا عَائِشَة فصلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي الْحجر، فَإِن طَائِفَة مِنْهُ فِي الْبَيْت، وإنَّ قَوْمك قصرت بهم النَّفَقَة فتركوا طَائِفَة من الْبَيْت فِي الْحجر» وَرَوَاهُ ابْن الْمُغلس عَن (أَحْمد) بن أبي خَيْثَمَة، عَن سُرَيج (بن) النُّعْمَان، نَا أَبُو (معشر) ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «إِن أهل الْجَاهِلِيَّة اقتصروا فِي بِنَاء (هَذَا) الْبَيْت فادخلي الحِجْر وصَلِّي عندَ الْبَيْت؛ فإنَّ ذَلِك من الْبَيْت» . وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ ذكر هَذَا الحَدِيث فِي (تَقْرِيره) أَن سِتَّة أذرعٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 من الحِجْر فَقَط من الْبَيْت، ويغني عَنهُ الحَدِيث الصَّحِيح عَنْهَا فِي تَقْرِيره بذلك، وَقد (أسلفت) فِي الحَدِيث الْعَاشِر اضْطِرَاب الرِّوَايَات فِيهِ. الحَدِيث الرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - طَاف سبعا وَقَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم» . أما كَونه «طَاف سبعا» فَأخْرجهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر و (مُسلم) من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا سلف. وَأما قَوْله: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» فَتقدم بَيَانه قَرِيبا. الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما فرغ من طَوَافه صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: «قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا ثمَّ صَلَّى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ» . وَأخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، كَمَا سلف فِي الْبَاب قبله. الحَدِيث السَّابِع عشر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[لما] صَلَّى بعد الطّواف رَكْعَتَيْنِ تَلا قَوْله تَعَالَى: (وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى» ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَقد سلف فِي الْبَاب قبله، لَكِن ظَاهره أَنه تَلا هَذِه الْآيَة قبل الصَّلَاة كَمَا مرّ، وَكَذَا رِوَايَة ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : «فَلَمَّا فرغ من طَوَافه انْتقل إِلَى الْمقَام، فَقَالَ: قَالَ الله: (وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى) (وَصَلى) خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ» (وَكَذَلِكَ رِوَايَة) الْبَيْهَقِيّ: «فَلَمَّا طَاف ذهب إِلَى الْمقَام، وَقَالَ (: (وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى) فَصَلى رَكْعَتَيْنِ» . الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي حَدِيث الْأَعرَابِي: «لَا إلاّ أنْ تَطَّوع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه (فِي) أول الصّيام. الحَدِيث التَّاسِع عشر (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْرَأ فِي رَكْعَتي الطّواف فِي الأولَى: (قل يأيها الْكَافِرُونَ ( الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 وَفِي الثَّانِيَة: (قل هُوَ الله أحد) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح؛ رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا أسلفناه، وَرَوَاهُ البيهقيُّ بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طافَ بِالْبَيْتِ، فَرَمَلَ من الحَجَر الْأسود ثَلَاثًا ثمَّ، صلّى رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا: (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (و (قل هُوَ الله أحد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدتُهُ، وَإسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - طَاف رَاكِبًا فِي حَجَّة الْوَدَاع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف فِي حجَّة الْوَدَاع عَلَى بعيرٍ، يسْتَلم الركنَ بمحجن» . أَخْرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: وَقع ذكر الْبَعِير فِي «أبي دَاوُد» دون «مُسلم» ، وَاعْترض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 بذلك عَلَى عبد الْحق، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ؛ (فَهِيَ) ثَابِتَة فِيهِ كَمَا فِي «البُخَارِيّ» أَيْضا وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَنهُ: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - طَاف بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بعير، كلما أَتَى عَلَى الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْء فِي يَده، وكبَّرَ» . (ثَانِيهَا: من) حَدِيث جَابر بْنِ عبد الله قَالَ: «طَاف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بِالْبَيْتِ) فِي حجَّة الْوَدَاع عَلَى (رَاحِلَته) ، يسْتَلم الْحجر بِمِحْجَنِهِ لِأَن يرَاهُ النَّاس، (وليشرف) ، وليسألوه؛ فَإِن النَّاس غشوه» . رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وبالصفا والمروة» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ إِلَى قَوْله: «بِمِحْجَنِهِ» . ثَالِثهَا: من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «طَاف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حجَّة الْوَدَاع حول الْكَعْبَة عَلَى بعير يسْتَلم الركنَ، كَرَاهِيَة أَن يُصْرَفَ عَنْهُ الناسُ» . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 رَابِعهَا: من حَدِيث أبي الطُّفَيْل قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يطوف بِالْبَيْتِ، ويستلم الرُّكْن بمحجن مَعَه، وَيُقَبِّلُ المحجنَ» . رَوَاهُ مُسلم، وَقد ذكره الرافعيُّ بعد، قَالَ الرَّافِعِيّ: (وَكَانَ) أَكثر طَوَافه مَاشِيا، وَإِنَّمَا ركب فِي حجَّة الْوَدَاع ليراه النَّاس فيستفتونه. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد تقدم كَذَلِك فِي حَدِيث جَابر (الطَّوِيل) السالف. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا طَاف رَاكِبًا لشكوى عرضت لَهُ» . فَرَوَاهُ أَحْمد (وَأَبُو دَاوُد) ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد تفرد بهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: وَلَا (أعلمهُ) اشْتَكَى فِي تِلْكَ الْحجَّة. وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث ابْن عمر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف رَاكِبًا يَوْم الْفَتْح، وَهَذَا لَفظه: «طَاف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى رَاحِلَته الْقَصْوَاء يَوْم الْفَتْح، واستلم الرُّكْن بِمِحْجَنِهِ» . وَهُوَ حَدِيث طَوِيل، وَفِي «الْأُم» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف طواف الْقدوم عَلَى (عقبه) » . وَفِي «الْمَاوَرْدِيّ» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف مرّة فِي عمره طواف الْإِفَاضَة رَاكِبًا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَدَأَ بالحَجَرِ فاستلمه، وفاضت عَيناهُ من البُكاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة أبي جَعْفَر محمدِ بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «دَخَلنَا مَكَّة عِنْد ارْتِفَاع الضُّحَى، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَاب الْمَسْجِد، فَأَنَاخَ رَاحِلَته، ثمَّ دخل الْمَسْجِد، فَبَدَأَ بِالْحجرِ فاستلمه وفاضت عَيناهُ بالبكاء، ثمَّ رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا حَتَّى فرغ، فلمّا فرغ قبَّل الحَجَرَ، وَوضع يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَمسح بهما وَجهه» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي: فِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا، لكنه عنعن فِيهِ وَهُوَ مُدَلّس. قلت: وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر ذكرته فِي أَحَادِيث (الْمُهَذّب) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ - وَهُوَ يطوف بالركن -: «إِنَّمَا أَنْت حَجَر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رأيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقبِّلُك لَمَا قبَّلْتُك، ثمَّ تقدم فقبَّله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَلَفظ البُخَارِيّ: «أَن عمر قبَّل الحَجَرَ وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 (يقبِّلك (مَا) قبَّلْتُك» . وَلَفظ مُسلم: عَن ابْن عمر قَالَ: «قبَّل عمرُ بْنُ الْخطاب الحَجَرَ، ثمَّ قَالَ: (أما) واللهِ لقد علمتُ أَنَّك حَجَر، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقبِّلك مَا قبَّلتك» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عبد الله بن سرجس الصحابيِّ قَالَ: «رَأَيْت الأَصْلع - يَعْنِي: عمر بن الْخطاب - يُقبِّل الحَجَر وَيَقُول: واللَّهِ (إِنِّي) لأُقَبِّلُك، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَر (وَأَنَّك) لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يقبِّلك) مَا قبَّلتك» وَفِي رِوَايَة لَهُ (وللبخاري) عَن عَابس - بِالْبَاء الْمُوَحدَة - بن ربيعَة التَّابِعِيّ قَالَ: «رَأَيْت عمر يُقبِّل الْحجر وَيَقُول: إِنِّي لأقبلك وَإِنِّي لأعْلم أَنَّك حجر، وَلَوْلَا (أَنِّي) رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقبلك لم أقبلك» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن سُوَيْد بن غَفلَة - بِفَتْح الْغَيْن وَالْفَاء - قَالَ: « (رَأَيْت عمر قبَّل الحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ) : رَأَيْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بك حفيًّا» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «حجَجنَا مَعَ عمر بن الْخطاب، فَلَمَّا دخل الطّواف اسْتقْبل الْحجر فَقَالَ: إِنِّي أعلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قبَّلك) مَا قبَّلتك. ثمَّ قَبَّله» . والْحَدِيث فِيهِ طول، ذكرتُه برمَّتِهِ فِي تخريجي لأحاديث «الْوَسِيط» ، فراجِعْهُ مِنْهُ. (تَنْبِيه) : إِنَّمَا قَالَ عُمَرُ مَا قَالَ ليسمع ذَلِك الناسُ مِنْهُ ويشيع بَينهم، وَقد كَانَ عَهْدُ كثيرٍ مِنْهُم قَرِيبا بعبادةِ الْأَحْجَار وتعظيمها، واعتقاد نَفعهَا وضرها، فخاف أَن يغتر بَعضهم بذلك فَقَالَ مَا قَالَ. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسْتَلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ والحَجَرَ الْأسود فِي كل طوفةٍ، وَلَا يسْتَلم الرُّكْنَيْنِ اللَّذين يليان الْحجر» . هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه، وَلَفظ البُخَارِيّ: «لم أَرَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْتَلم من الْبَيْت إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانيين» . وَلَفظ مُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يسْتَلم إِلَّا الحَجَرَ والركنَ الْيَمَانِيّ» . وَفِي رِوَايَة لَهما: قَالَ ابْن عمر: «مَا تركتُ استلام هذَيْن الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيّ وَالْحجر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 الْأسود مُنْذُ رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستلمهما بِيَدِهِ» . وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا عَنهُ أَنه قَالَ حِين بلغه حَدِيث عَائِشَة السَّابِق «لَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث عهدٍ بكفرٍ ... » الحَدِيث، قَالَ ابْن عمر: «لَئِن كَانَت عَائِشَة سَمِعت هَذَا من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا أرَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ترك استلام الرُّكْنَيْنِ اللَّذين يليان الحَجَرَ، إلاَّ أَن الْبَيْت لم يتم عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم» . وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَنهُ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يسْتَلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر فِي كل طوفةٍ، وَكَانَ عبد الله بْنُ عمر يَفْعَله» . قَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاد حسن. وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حجاج عَن عَطاء وَابْن أبي مُليكة وَعَن نَافِع عَن ابْن عمر: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين دخل مَكَّة اسْتَلم الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ، وَلم يسْتَلم (غَيرهمَا) من الْأَركان» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين عَن أبي الطُّفَيْل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يطوف بِالْبَيْتِ عَلَى بعيرٍ، ويستلم (الرُّكْن) بمحجنٍ، وَيقبل المحجن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم، وَقد سبق بِلَفْظِهِ قَرِيبا، وَلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 أر فِيهِ ذكر الْبَعِير. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (بِهِ) ، وَهَذَا لَفظه عَن أبي الطُّفَيْل: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يطوف بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَته، (و) يسْتَلم (الرُّكْن) بِمِحْجَنِهِ، ثمَّ يقبّله» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ثمَّ خرج (إِلَى) الصَّفَا والمروة فَطَافَ (سبعا) عَلَى رَاحِلَته» . فَائِدَة: المِحْجَن - بميم مَكْسُورَة، ثمَّ حاء مُهْملَة، ثمَّ جِيم مَفْتُوحَة، ثمَّ نون - عَصَى معقفةُ الرأسِ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن عبد الله بن السَّائِب (رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) « (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كَانَ يَقُول فِي ابْتِدَاء الطّواف: بِسم الله واللَّهُ أكبر، اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك، وَتَصْدِيقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنَّة نبيك مُحَمَّد» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، لَا يحضرني من خرجه مَرْفُوعا بعد الْبَحْث عَنهُ، (وَذكره) صَاحب «المهذَّب» من رِوَايَة جَابر، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 (وَلم يعزه الْمُنْذِرِيّ، وَلَا النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» ، وَلَا صَاحب «الإِمَام» وَرَوَاهُ ابْن نَاجِية) فِي «فَوَائده» بِإِسْنَاد غَرِيب (عَنهُ) ؛ رَوَاهُ عَن صباح بن مَرْوَان أبي سهل، نَا عبد الله بن سِنَان الزُّهْرِيّ، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن عليّ بن حُسَيْن، عَن جَابر بن عبد الله: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَضَى إِلَى الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر، وكبَّر (فاستلم) ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ وَفَاء بعهدك، وَتَصْدِيقًا بكتابك. قَالَ جَابر: وأمرنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن (نقُول) : وَاتِّبَاع سنَّة نبيك» . قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث المهذَّب» : هَذَا مُخْتَصر من حَدِيث جَابر فِي الْمَنَاسِك، وَهُوَ غَرِيب من هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَفِي كتاب « (الْقرى) » لِلْحَافِظِ محب الدَّين الطَّبَرِيّ أَن الشَّافِعِي أخرج عَن (سعيد بن سَالم، عَن) ابْن أبي نجيح قَالَ: أُخْبرت أَن بعض أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا رَسُول الله، كَيفَ نقُول إِذا استلمنا؟ قَالَ: قُولُوا: بِسم الله، واللَّهُ أكبر، إِيمَانًا بِاللَّه، وَتَصْدِيقًا لإجابة محمدٍ» . وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» عَن عليّ مَوْقُوفا: «أَنه كَانَ إِذا (مَرَّ) بِالْحجرِ الْأسود فَرَأَى عَلَيْهِ زحامًا استقبله وكبَّر، وَقَالَ: اللَّهُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 تَصْدِيقًا بكتابك وَسنة نبيك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ «أَنه كَانَ يَقُول إِذا اسْتَلم الْحجر: اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك، وَتَصْدِيقًا (بكتابك) ، واتباعًا لسنَّة نبيك مُحَمَّد» . ومدارها وَالَّتِي قبلهَا عَلَى الْحَارِث الْأَعْوَر، وحالته سلفت. وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» أَيْضا من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل، عَن ابْن (عُليَّة) عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه كَانَ إِذا اسْتَلم الْحجر قَالَ: بِسم الله، وَالله أكبر» . وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» أطول من هَذَا، وَهَذَا لَفظه: «كَانَ ابْن عمر إِذا أَرَادَ أَن يسْتَلم يَقُول: اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك، وَتَصْدِيقًا بكتابك وسنَّة نبيك (. ثمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ يستلمه» . وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن (مهَاجر) عَن نَافِع، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: «يَا عمر، إِنَّك رجل قوي، لَا تُزاحم عَلَى الْحجر فتؤذي الضَّعِيف، إِن وجدت خلْوَة فاستلمه، وَإِلَّا فَاسْتَقْبلهُ وهلِّل وكبِّر» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اضطبع، فاستلم وكبَّر، ثمَّ رمل ثَلَاثَة أطواف» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 وَاعْلَم أَن الرافعَّي رَحِمَهُ اللَّهُ بعد أَن ذكر أنواعًا من الْأَدْعِيَة قَالَ: وَلَا بَأْس بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِي الطّواف، بل هِيَ أفضل من الدُّعَاء (الَّذِي) لم يُؤثر، وَالدُّعَاء الْمسنون أفضل مِنْهَا تأسيًا برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا كَلَامه، وَأَشَارَ (إِلَى الْأَحَادِيث) الْوَارِدَة فِي الْأَدْعِيَة فِي الطّواف، وأمثلها حَدِيث عبد الله بن السَّائِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي الطّواف مَا بَين الرُّكْنَيْنِ: (رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك، والنسائيُّ وَقَالَ: «بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر» وابنُ حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: «بَين ركن بني جمح والركن الْأسود» وأحمدُ فِي «مُسْنده» كَذَلِك، وَكَذَا الشَّافِعِي، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد كَالنَّسَائِيِّ، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ فِي كتاب التَّفْسِير من «مُسْتَدْركه» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» قَالَ أبي: هَكَذَا صَوَاب هَذَا الحَدِيث: عبد الله بن السَّائِب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 وَأَخْطَأ أَبُو نعيم فَقَالَ: السَّائِب بن عبد الله. وَقَالَ البخاريُّ أَيْضا فِي «تَارِيخه» : إِنَّه وهْم. وَأما ابْن الْقطَّان فَإِنَّهُ أَعَلَّه بِأَن قَالَ: رَوَاهُ يَحْيَى بن عبيد، عَن أَبِيه، عَن (عبد الله) بن السَّائِب، (ووالد) هَذَا لَا يُعرف لَهُ حَال، وَلَا يُعرف (بِغَيْر) رِوَايَة ابْنه يَحْيَى عَنهُ، وَابْنه يَحْيَى أَيْضا لَا يُعرف رَوَى عَنهُ غيرُ ابْن جريج، وَلَكِن قد قَالَ فِيهِ النسائيُّ: إِنَّه ثِقَة. فاللَّهُ أعلم إِن كَانَ كَذَلِك، فَإِن تَعْدِيل غير المعاصر وتجريحه فِيهِ نظر. هَذَا كَلَامه، و «عبيد» ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَكَذَا وَلَده وَقَوله: «إِن يَحْيَى لَا يعرف رَوَى عَنهُ غير ابْن جريج» لَيْسَ كَمَا (ذكر) ؛ فقد رَوَى عَنهُ أَيْضا وَاصل مولَى (أبي) عُيَيْنَة، ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي تَرْجَمَة يَحْيَى (وَأخرج حَدِيثه) ، وَقد صحَّح ابنُ الْقطَّان غير مَا حديثٍ ضعفها أَبُو مُحَمَّد، وَاعْتمد فِي تصحيحها عَلَى تَوْثِيق غير المعاصر: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 مِنْهَا: حَدِيث جسرة بنت دجَاجَة الراوية عَن عَائِشَة حَدِيث «لَا أُحل المسجدَ لحائضٍ وَلَا جُنُب» السالف فِي الغُسل، ردَّ عبدُ الْحق حَدِيثهَا، وصحَّحَه ابنُ الْقطَّان لقَوْل الْعجلِيّ: إِنَّهَا تابعية ثِقَة. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء بَين الرُّكْنَيْنِ: اللَّهُمَّ (قَنِّعْنِي) بِمَا رزقتني، وَبَارك (لي فِيهِ) ، واخلف عليَّ كل غائبةٍ لي بخيرٍ» . رَوَاهُ ابْن (مَاجَه) ، وَالْحَاكِم ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، فَإِنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بِسَعِيد بن زيد أخي حَمَّاد بن زيد. قلت: (قد) احْتج بِهِ مُسلم، ووثَّقه البخاريُّ عَلَى مَا نَقله (ابْن) الجوزيّ عَنهُ، وَوَثَّقَهُ أَيْضا غير البخاريّ، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس (نعم) ضعَّفَه يَحْيَى الْقطَّان، وَقَالَ السعديُّ: يضعفون حَدِيثه وَلَيْسَ بحُجة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من طَاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 بِالْبَيْتِ سبعا وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بسبحان الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، مُحِيَتْ عَنهُ عشرُ سيئات، وكتبتْ لَهُ عشر حسناتٍ، وَرفعت لَهُ (بهَا) عشر درجاتٍ، وَمن طَاف فَتكلم فِي تِلْكَ الْحَال خَاضَ فِي الرَّحْمَة بِرجْليه (كخائض المَاء برجليه) » . رَوَاهُ ابْن مَاجَه بإسنادٍ ضَعِيف، كَمَا أوضحته فِي تخريجي لأحاديث «المهذَّب» ، وَفِي أوَّله: « (وكِّلَ) بِهِ - يَعْنِي: الرُّكْن الْيَمَانِيّ - (سَبْعُونَ) ملكا، فَمن قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة، وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة، وقِنَا عَذَاب (النَّار) قَالُوا: آمين» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لمَّا قَدِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَكَّة لعُمرة الزِّيَارَة؛ قَالَت قُرَيْش: إِن أَصْحَاب محمدٍ قد أوهنتهم حمى يثرب. فَأَمرهمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالرَّمَل والاضطباع ليري الْمُشْركين قوتَّهم، فَفَعَلُوا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «قَدِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأصحابُه مكةَ وَقد وهنتهم حمى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 يثرب. فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِنَّه يَقْدُم عَلَيْكُم (غَدا) قوم (قد) وهنتهم الحمَّى، ولقوا مِنْهَا شدَّة. فجلسوا مِمَّا يَلِي الْحجر، وَأمرهمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن (يرملوا) ثَلَاثَة أَشْوَاط، ويمشوا مَا بَين (الرُّكْنَيْنِ) ليرَى الْمُشْركُونَ جلدهمْ، فَقَالَ الْمُشْركُونَ - (زَاد البُخَارِيّ) -: هَؤُلَاءِ الَّذين زعمتم أَن الْحمى قد وهنتهم، هَؤُلَاءِ أجْلَدُ من كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «وَلم يمنعهُ أَن يَأْمُرهُم أَن (يرملوا) الأشواط كلهَا (إِلَّا) الْإِبْقَاء عَلَيْهِم» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِنَّمَا سَعَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْبَيْتِ ليرَى الْمُشْركُونَ قوته» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: « (لما) قَدِمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعامه الَّذِي استأمن فِيهِ، قَالَ: ارملوا؛ ليُرِي (الْمُشْركين) قوتهم، وَالْمُشْرِكُونَ من قبل قعيقعان» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم مَكَّة، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه لَا (يَسْتَطِيعُونَ) أَن يطوفوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 بِالْبَيْتِ من الهزال. (فَكَانُوا) يحسدونه، (قَالَ) فَأَمرهمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يرملوا ثَلَاثًا ويمشوا أَرْبعا» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِن هَؤُلَاءِ أجلدُ منَّا» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد قَالَ أَبُو الطُّفَيْل: وَأَخْبرنِي ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام فعل ذَلِك فِي حجَّة الْوَدَاع» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَأطلع الله نَبِيَّهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ فَأَمرهمْ بذلك» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اضطبع، فاستلم وكبَّر، ثمَّ رمل ثَلَاثَة أطوافٍ، فَكَانُوا إِذا بلغُوا الرُّكْن الْيَمَانِيّ وتغيبوا (من) قُرَيْش مَشوا، ثمَّ يطلعون عَلَيْهِم يرملون، فَتَقول قُرَيْش: كَأَنَّهُمْ (الغزلان) . قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكَانَت سُنَّة» . فَائِدَة: الحِجْر السالف فِي الحَدِيث: هُوَ بِكَسْر الْحَاء. وقعيقعان: هُوَ الْجَبَل المطل عَلَى مَكَّة. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «فيمَ الرَّمَل الْآن وَقد نَفَى الله الشركَ وأهلَه، وأعز الْإِسْلَام (وَأَهله) ؟ ! إِلَّا أَنِّي لَا أحب أَن أَدَعَ شَيْئا كُنَّا نفعله عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ (أَبُو دَاوُد) فِي «سنَنه» من رِوَايَة أسلم، قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: «فيمَ الرّملان والكشف عَن المناكب وَقد (أَطَأ) الله الْإِسْلَام، وَنَفَى الكفرَ وأهلَه؟ ! لَكِن مَعَ ذَلِك لَا نَدع شَيْئا كُنَّا نفعله (عَلَى عهد) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت عُمَرَ يَقُول: «فيمَ الرّملان الْآن وَقد (أطَّأ) الله الْإِسْلَام، وَنَفَى الكفرَ وَأَهله؟ ! وايْمُ الله، مَا نَدَعُ شَيْئا كُنَّا نفعله عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أسلم «أَن عُمَرَ قَالَ للركن: أَمَا واللَّهِ إِنِّي لأعْلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَكِنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استلمك، وَأَنا أستلمك. فاستلمه وَقَالَ: مَا لنا وللرمل؛ إِنَّمَا راءينا بِهِ الْمُشْركين، وَقد أهلكهم الله؟ ! ثمَّ قَالَ: شَيْء صنعه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَلَا نحب أَن نتركه. ثمَّ رمل» . ثمَّ قَالَ البيهقيُّ: رَوَاهُ البخاريُّ فِي «صَحِيحه» . وَهُوَ كَمَا قَالَ بِدُونِ لَفْظَة: «رمل» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا عَن أسلم قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: «فيمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 الرملان الْآن والكشف عَن المناكب، وَقد (أَضَاء) الله الْإِسْلَام، وَنَفَى الْكفْر وَأَهله؟ ! وَمَعَ ذَلِك لَا نَتْرُك شَيْئا كُنَّا نصنعه مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» بِلَفْظ أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يُرْوى إِلَّا عَن عُمَرَ بِهَذَا الْإِسْنَاد. فَائِدَة: قَوْله فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: « (أَطَّأَ) الله الْإِسْلَام» قَالَ المُحِبُّ فِي «أَحْكَامه» : إِنَّمَا هُوَ «وطَّأ» أَي: ثَبَّتَهُ وأَرْسَاهُ، (وَالْوَاو) قد تبدل ألفا، وَرَأَيْت فِي نُسْخَة قديمَة من «ابْن مَاجَه» : «أَطَالَ» بِاللَّامِ. وَقَوله: «الرملان» قَالَ الْحَرْبِيّ: هُوَ بِكَسْر النُّون تَثْنِيَة الرَّمَل فِي الطّواف، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَلم يُقَلْ: «السعيان» تَغْلِيبًا للأخف (كالقمرين والعمرين) . وَقَالَ غَيره: (إِنَّمَا هُوَ) بِضَم النُّون، مصدر رمل، (فكثيرًا) مَا يَجِيء الْمصدر عَلَى هَذَا الْوَزْن، خُصُوصا فِي أَنْوَاع الْمَشْي وَالْحَرَكَة (كالرَّسَفان) فِي مشي المُقَيَّد، واللوذان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 والنَّزَوان والسَّيلان فِي أشباهٍ لَهَا، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى وَغَيره. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما قدم مَكَّة أَتَى الْحجر فاستلمه، ثمَّ مَشَى عَلَى يَمِينه، فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ كُله. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رمل من الْحجر إِلَى الْحجر ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عمر، وَاللَّفْظ لإحدى روايتي مُسلم، وَلَفظ البخاريِّ وَمُسلم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى -: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا طَاف بِالْبَيْتِ الطّواف الأوَّل خبَّ (ثَلَاثًا) ومشي أَرْبعا» وَمَعْنى خَبَّ: رمل. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَن ابْن عمر رمل من الْحجر إِلَى الْحجر، وَذكر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فعل) ذَلِك» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «أَن ابْن عمر كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 يرمل ثَلَاثًا وَيَمْشي أَرْبعا، وَيَزْعُم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَفْعَله، وَكَانَ يمشي (مَا) بَين الرُّكْنَيْنِ» وَإِنَّمَا كَانَ يمشي بَينهمَا ليَكُون أيسر لاستلامه. وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سَعَى ثَلَاثَة أطواف وَرمل أَرْبَعَة» ثمَّ قَالَ: صَحِيح. وَفِيه نظر؛ فَإِن فِيهِ عبد الله بن نَافِع وَقد ضُعِّفَ. وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رمل من الْحجر الْأسود حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ ثَلَاثَة أطواف» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رمل الثَّلَاثَة (الأطواف) من الْحجر إِلَى الْحجر» . هَكَذَا الرِّوَايَة: «الثَّلَاثَة الأطواف» ، وَهُوَ جَائِز، وَإِن كَانَ أَكثر أهل الْعَرَبيَّة يبطلونه، وَقد جَاءَت لَهُ نَظَائِر فِي «الصَّحِيح» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد مُسلم من حَدِيث جَابر بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر «معاجمه» من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس كَذَلِك. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث (عبيد الله) بن أبي زِيَاد - وحالته مُخْتَلف فِيهَا - قَالَ: سمعنَا أَبَا الطُّفَيْل يحدِّث: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رمل ثَلَاثًا من الْحجر إِلَى الْحجر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 فَائِدَة: حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَرِيبا فِيهِ (عدم اسْتِيعَاب) الْبَيْت بالرمل، وَالْأَحَادِيث الَّتِي ذَكرنَاهَا مُخَالفَة لَهُ، وَيجمع بَينهمَا بِأَن حَدِيث ابْن عَبَّاس (السالف قَرِيبا) كَانَ فِي عمْرَة الْقَضَاء سنة سبع من الْهِجْرَة قبل الْفَتْح، وَكَانَ أَهلهَا مُشْرِكين حِينَئِذٍ، وَهَذِه الْأَحَادِيث كَانَت فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة، فَتعين الْأَخْذ بهَا لتأخرها. فَائِدَة: الرَّمَل: بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم، (وَهُوَ) : سرعَة الْمَشْي مَعَ تقَارب الخطا، وَهُوَ الخبب، وَمن قَالَ: إِن الرمل دون الخبب. فَهُوَ غالط. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ «أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانُوا (يتئدون) بَين الرُّكْنَيْنِ اليمانيين» وَذَلِكَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ قد شَرط عَلَيْهِم عَام الصد أَن ينجلوا عَن بطحاء مَكَّة إِذا عَادوا لقَضَاء الْعمرَة، فَلَمَّا عَادوا وفارقوا «قعيقعان» - وَهُوَ جبل فِي (مُقَابل) الْحجر والميزاب - (فَكَانُوا) يظهرون الْقُوَّة (والجلادة) حَيْثُ تقع أَبْصَارهم عَلَيْهِم، (فَإِذا) صَارُوا بَين الرُّكْنَيْنِ اليمانيين كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 الْبَيْت حَائِلا بَينهم وَبَين أبصار الْكفَّار. هُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف. وَقَوله: «لقَضَاء الْعمرَة» صَوَابه: «لعمرة الْقَضَاء» ، أَي: الشَّرْط، أَنهم قَاضَوْهُ - أَي: شارطوه - فِي عَام الْحُدَيْبِيَة عَلَى أَن يتَحَلَّل، وَيعود الْعَام الْقَابِل فِي شُرُوط أُخْرَى، وَتسَمَّى أَيْضا «عمْرَة الْقَضِيَّة» كَذَلِك، قَالَ الْعلمَاء: وَلَيْسَ تَسْمِيَتهَا بِهَذَا الِاسْم من الْقَضَاء، بِمَعْنى (اسْتِدْرَاك) الْعِبَادَة، وَمَا يُؤَيّدهُ أَن الْقَضَاء لَا يجب عَلَى الْمحصر. وَقَوله: (يتئدون) كَذَا رَأَيْته وَهُوَ من [التؤدة] ، وَذكره بعض شُيُوخنَا بِلَفْظ: « (يبازون) » ثمَّ قَالَ: وَهُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وزاي مُعْجمَة بعْدهَا ألِف يَقُول: يبازي فلَان فِي مَشْيه، أَي: حرَّك عجيزته. قَالَ: وَيُقَال أَيْضا بالراء الْمُهْملَة من المباراة وَهِي الْمُسَابقَة والمجاراة، قَالَ: وَهَذَا الثَّانِي مُنَاسِب فِي الْمَعْنى للدليل) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (لم) يرمل فِي طَوَافه بَعْدَمَا أَفَاضَ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يرمل فِي السَّبع الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رمل فِي طواف عُمَره كلِّها وَفِي بعض أَنْوَاع الطّواف فِي الْحَج» . أما «أَنه رمل فِي طواف عُمَره كلِّها» فَأخْرجهُ كَذَلِك أَحْمد فِي «مُسْنده» فَقَالَ: نَا أَبُو مُعَاوِيَة، نَا ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رمل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِي) حجِّه، (وَفِي) عُمَرِهِ كلِّها، وَأَبُو بكر وعمرُ وَعُثْمَان وَالْخُلَفَاء» . قلت: وَقد أسلفنا أَنه اعْتَمر أَربع عمر كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حجَّته، وَمِنْهَا: عمْرَة الْحُدَيْبِيَة وَلَا طواف فِيهَا عوضا (عَن) الرمل؛ لِأَنَّهُ صد عَن الْبَيْت فَتنبه لذَلِك، أما عمْرَة الْقَضَاء، (فَهِيَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 سَبَب مَشْرُوعِيَّة الرَّمَل، وَأما عمْرَة الْجِعِرَّانَة، فَرمَلَ أَيْضا فِيهَا كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد صَحِيح، (وَأما) عمرته الَّتِي مَعَ حجَّته، فَهُوَ كَانَ أَولا أحرم مُفردا ثمَّ أَدخل الْعمرَة (عَلَيْهِ) ، وَرمل فِي طواف قدومه كَمَا سلف من حَدِيث (جَابر، وَأما «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ رمل فِي بعض أَنْوَاع الطّواف فِي الْحَج» فقد أسلفنا قَرِيبا من حَدِيث) ابْن عَبَّاس: «أَنه لم يرمل فِي طواف الْإِفَاضَة» ، وَذكرنَا آنِفا: «أَنه رمل فِي طواف الْقدوم» وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» (من حَدِيث) ابْن عمر قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا طَاف فِي الْحَج (أَو) الْعمرَة أول مَا يقدم فَإِنَّهُ يسْعَى ثَلَاثَة (أطواف) بِالْبَيْتِ وَيَمْشي أَرْبعا» وَفِي رِوَايَة لَهما: «كَانَ إِذا طَاف بِالْبَيْتِ (الطّواف الأول) خب ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا» . وَفِي «الْبَزَّار» قَالَ: «طَاف سعيًا ليري الْمُشْركين قوته» . قَالَ صَاحب «الاقتراح» : إِسْنَاده عَلَى شَرط خَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَدْعُو فِي رمله: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب، (لم) أر من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَلم يذكرهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «مَعْرفَته» (مَعَ) كَثْرَة إطلاعه إِلَّا من كَلَام الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ. وَرُوِيَ هَذَا مَوْقُوفا، لَكِن فِي غير هَذَا الموطن، قَالَ سعيد بن مَنْصُور (فِي «سنَنه» ) : نَا إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا، عَن لَيْث، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «لما رَمَى جَمْرَة الْعقبَة قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا» . قَالَ: وثنا سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن أبي حرَّة «سمع ابْن عمر وَهُوَ يَرْمِي الْجمار وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا» . قَالَ: ونا (هشيم، أَنا) مُغيرَة، عَن إِبْرَاهِيم: «كَانُوا يحبونَ للرجل إِذا رَمَى الْجمار أَن يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا. قَالَ: قلت: أَقُول ذَلِك عِنْد كل جَمْرَة؟ قَالَ: نعم، إِن شِئْت» . وَأما الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الإِمَام» فَإِنَّهُ ذكر هَذِه الْآثَار فِي هَذَا الْفَصْل، (فَإِنَّهُ) قَالَ: فصل فِيمَن قَالَ لَا رمل بَين الرُّكْنَيْنِ. ثمَّ ذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف فِي الرمل، وَذكر هَذِه الْآثَار عقب ذَلِك، فَلَعَلَّهُ سقط من النُّسْخَة هُنَا شَيْء. (وَقَوله: «وذنبًا» هُوَ [مَنْصُوب] بإضمار فعل، أَي: وَاجعَل ذَنبي ذَنبا مغفورًا، وسعيي سعيًا مشكورًا) . الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَدَأَ بالصفا، وَقَالَ: ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ» . هَذَا الحَدِيث سلف عَن «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، لكنه لَفظه: «أبدأ» عَلَى الْخَبَر. وَكَذَا أخرجه أَبُو نعيم فِي «مستخرجه» عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَحْمد وَمَالك وسُفْيَان وَابْن الْجَارُود وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «نبدأ» وَكَذَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَرَوَاهُ النسائيُّ فِي «سنَنه الْكَبِير» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 بِلَفْظ: «ابدءوا» كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَصَححهُ ابْن حزم وَاحْتج بِهِ عَلَى وجوب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء، وَقَالَ: هُوَ عُمُوم لَا يجوز أَن يخص مِنْهُ شَيْء. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إسنادها عَلَى شَرط مُسلم. وخرّجها الدَّارَقُطْنِيّ من طرق أَيْضا. قَالَ صَاحب « (الإِمَام» ) فِي الْوضُوء: الحَدِيث وَاحِد والمخرج وَاحِد، (وَقد) اجْتمع مَالك وسُفْيَان وَيَحْيَى بن سعيد، (عَن) جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر عَلَى صِيغَة «نبدأ» ، وَرَوَاهُ حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن جَعْفَر عَلَى صِيغَة الْإِخْبَار إِمَّا بِلَفْظ «أبدأ» أَو «نبدأ» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ «الطّواف صَلَاة» بالْخبر. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف هَذَا الْخَبَر مَبْسُوطا فِي بَاب الْأَحْدَاث فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ وَهُوَ مُشْتَمل عَلَى أَرْبَعَة أَحَادِيث: قَالَ الرَّافِعِيّ فِي آخر الْفَصْل الْمَعْقُود للسعي: وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 من وظائف السَّعْي، (قولا وفعلاً) أَي: من التهليل وَالتَّكْبِير (مِمَّا) يَقُوله عَلَى الصَّفَا، والرقي عَلَى الصَّفَا حَتَّى رَأَى الْبَيْت، وَالْمَشْي بَينه وَبَين الصَّفَا والمروة، (وَالْمَشْي) فِي الْبَعْض، (والعدو) فِي الْبَعْض، وَالدُّعَاء فِي السَّعْي مَشْهُور فِي الْأَخْبَار. هَذَا كَلَامه أما مَا (يَقُوله) عَلَى الصَّفَا من التهليل وَالتَّكْبِير فقد سلف فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل بِنَحْوِهِ، وَفِيه أَيْضا: «أَنه رقى عَلَى الصَّفَا حَتَّى (رَأَى) الْبَيْت» ، وَفِيه الْمَشْي بَين الصَّفَا والمروة فِي بعضه، (والعدو) فِي الْبَاقِي أَيْضا. وَأما الدُّعَاء فِي السَّعْي ب: «اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ، وَتجَاوز عمّا تعلم، إِنَّك أَنْت الْأَعَز الأكرم» فَذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» ، وَالرُّويَانِيّ فِي «بحره» من غير تعْيين راو كَمَا فعل الرَّافِعِيّ، وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» من حَدِيث صَفِيَّة بنت شيبَة عَن امْرَأَة من بني نَوْفَل: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول بَين الصَّفَا والمروة: رب اغْفِر وَارْحَمْ، إِنَّك أَنْت الْأَعَز الأكرم» . وبيَّض لَهُ الْمُنْذِرِيّ، وَلم يعزه النَّوَوِيّ، وَعَزاهُ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» إِلَى المُلا فِي «سيرته» ، وَهَذَا لَفظه: (عَن) امْرَأَة من بني نَوْفَل ... » إِلَى آخر مَا ذكره الشَّيْخ سَوَاء، وَعَن أُمِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 سَلمَة قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي سَعْيه: رب اغْفِر وَارْحَمْ، واهد السَّبِيل الأقوم» . ثمَّ قَالَ: أخرجهَا المُلا فِي «سيرته» ، وَهُوَ فِي «الْبَيْهَقِيّ» من فعل ابْن مَسْعُود وَابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أما أثر ابْن مَسْعُود؛ فَرَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان، عَن مَنْصُور، (عَن) أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق عَنهُ: «أَنه لمَّا هَبَط إِلَى الْوَادي سَعَى؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ (وَأَنت) الْأَعَز الأكرم» . وَرَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي فِي «الْجُزْء التَّاسِع من جملَة أَحَادِيث رَوَاهَا إِسْحَاق عَن أبي حُذَيْفَة، عَن سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله أَنه قَالَ: «إِذا أتيت عَلَى بطن المسيل فَقل: رب اغْفِر وَارْحَمْ، وَأَنت الْأَعَز الأكرم» . وَفِي نُسْخَة: «إِنَّك أَنْت» ، وَلما ذكره الْبَيْهَقِيّ كَمَا مَضَى قَالَ: هَذَا أصح الرِّوَايَات فِي ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود. (وَلَعَلَّه يُشِير إِلَى تَضْعِيف مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب «الدُّعَاء» من حَدِيث لَيْث بن أبي سليم، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود) : «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا سَعَى بَين الصَّفَا والمروة فِي بطن المسيل قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ، وَأَنت الْأَعَز الأكرم» . وَهُوَ كَذَلِك؛ فَإِن لَيْث بن أبي سليم قد ضُعِّف، وَأما إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَادَّعَى فِي «نهايته» : أَنه صَحَّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول فِي سَعْيه: اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ، واعف (عَمَّا) تعلم، وَأَنت الْأَعَز الأكرم، (رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 النَّار» . وَأما أثر ابْن عمر؛ (فَرَوَاهُ) من طَرِيق زُهَيْر، نَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: «سَمِعت ابْن عمر يَقُول بَين الصَّفَا والمروة: رب اغْفِر وَارْحَمْ، وَأَنت - أَو: إِنَّك - الْأَعَز الأكرم» . الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَمن بعده لم يسعوا إِلَّا بعد الطّواف» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ مستفيض فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة استفاضة (تغني عَن تدوينها) . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَدَأَ بالصفا، وَختم بالمروة» . هَذَا صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا (سلف) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث أَبَا بكر أَمِيرا عَلَى الحجيج فِي السّنة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن (أَبَا بكر) بَعثه فِي الْحجَّة الَّتِي أمره عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قبل حجَّة الْوَدَاع فِي رهطٍ يُؤذنُونَ فِي النَّاس يَوْم النَّحْر: أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان» . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب النَّاس قبل التَّرويَة بِيَوْم، وَأخْبرهمْ (بمناسكهم) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا كَانَ قبل التَّرويَة خطب النَّاس فَأخْبرهُم مناسكهم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. (فَائِدَة) : (يَوْم) التَّرويَة: هُوَ ثامن ذِي الْحجَّة، سمي بذلك لأَنهم كَانُوا (يتروون) (بِحمْل) المَاء مَعَهم من مَكَّة إِلَى عَرَفَات. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل غير ذَلِك مِمَّا أوضحته فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مكث بمنى حَتَّى طلعت الشَّمْس، ثمَّ ركب، وَأمر بقبة من شعر أَن تضرب لَهُ بنمرة فَنزل بهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَقد سلف. ونَمِرة: بِفَتْح (أَوله) وَكسر ثَانِيه، كَمَا ضَبطه الْبكْرِيّ وَغَيره، وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف بِقرب عَرَفَات. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين (رُوِيَ «أَنه) (رَاح إِلَى الْموقف؛ فَخَطب النَّاس الْخطْبَة الأولَى، ثمَّ أذن بِلَال، ثمَّ أَخذ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة، ففرغ من الْخطْبَة وبلال من الْأَذَان، ثمَّ أَقَامَ بِلَال؛ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فصلَّى الْعَصْر» . هَذَا الحَدِيث أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ، وَقد رَوَاهُ كَذَلِك الشَّافِعِي (و) الْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَغَيره، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ هَكَذَا إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 قلت: كَيفَ يَقُول: تفرد بِهِ وَالشَّافِعِيّ يَقُول: (نَا) إِبْرَاهِيم وغيرُه؟ ! إِلَّا أَن يكون مُرَاده: أَنه لم يشْتَهر عَن غَيره. وَفِي «مُسْند الشَّافِعِي» عقب هَذَا الحَدِيث: أَنا الرّبيع، أَنا الشَّافِعِي، أَنا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل (أَو) عبد الله بن نَافِع، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس - يَعْنِي بذلك - وَأَبُو الْعَبَّاس هَذَا هُوَ الْأَصَم، فَالَّذِي أبْهَمَه الشَّافِعِي فِي الأول قد فسَّرهُ ثَانِيًا بِأحد هذَيْن الرجلَيْن، لَكِن سَمِعت من ينْقل أَن هَذَا من أَوْهَام «الْأَصَم» وَإِنَّمَا حَدِيث سَالم هَذَا عَن أَبِيه فِي «الْجمع بِمُزْدَلِفَة» لَا (يعرف) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل مَا دَلَّ عَلَى أَنه (خطبه) ثمَّ أذن بِلَال إِلَّا أَنه لَيْسَ فِيهِ ذِكْر: « (ثمَّ) أَخذ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة» . وَقَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : رِوَايَة الشَّافِعِي مُغَايرَة (لرِوَايَة) مُسلم من وَجْهَيْن: وَقت الْأَذَان وَمَكَان الْخطْبَة، فَإِن مُسلما ذكر أَن الْخطْبَة كَانَت بِبَطن الْوَادي قبل إتْيَان عَرَفَة، وَرِوَايَة الشَّافِعِي تخالفها، وحديثُ مُسلم أصح، ويتوجَّه بأمرٍ معقولٍ وَهُوَ: أنَّ الْمُؤَذّن قد أُمِرَ بالإنصات للخطبة كَمَا أُمِر غَيره، فَكيف يُؤذن مَن قد أُمِرَ بالإنصات ثمَّ لَا يَبْقَى (للخطبة) مَعَه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 فَائِدَة: إِذْ يفوت الْمَقْصُود فِيهَا أَكثر النَّاس لاشتغال سمعهم بِالْأَذَانِ عَن استماعها، وَذكر الملا فِي «سيرته» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما فرغ من خطبَته أذن بِلَال، وَسكت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَلَمَّا فرغ بِلَال من الْأَذَان تكلم بِكَلِمَات، ثمَّ أَنَاخَ رَاحِلَته، وَأقَام بِلَال الصَّلَاة» . وَهَذَا أقرب مِمَّا ذكره الشَّافِعِي؛ إِذْ لَيْسَ يفوت بِهِ سَماع الْمُؤَذّن (بِهِ) وَلَا غَيره. تَنْبِيه: فِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث ابْن عمر: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، ثمَّ خطب النَّاس، ثمَّ رَاح فَوقف عَلَى الْموقف من عَرَفَة» . وَفِيه مُخَالفَة لحَدِيث جَابر فِي (تَقْدِيم) الصَّلَاة عَلَى الْخطْبَة، (فَإِن) فِي حَدِيث جَابر تَقْدِيم الْخطْبَة عَلَى الصَّلَاة، وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، قَالَ عبد الْحق: وَتَقْدِيم الْخطْبَة هُوَ الْمَشْهُور الَّذِي عمل بِهِ الْمُسلمُونَ وَالْأَئِمَّة. الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَليقل الإِمَام إِذا سلم أَتموا يَا أهل مَكَّة؛ فَإنَّا قوم سفر. كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هُوَ كَمَا قَالَ، (وَقَالَ هَذَا عَام الْفَتْح، كَمَا) رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن عليّ بن زيد بن جدعَان، (عَن أبي نَضْرة) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غزوت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَلم يصل إِلَّا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة، وَحَجَجْت مَعَه فَلم يصل إِلَّا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة، وَشهِدت (مَعَه) الْفَتْح فَأَقَامَ بِمَكَّة ثَمَان عشرَة لَيْلَة لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يَقُول لأهل الْبَلَد: أَتمُّوا؛ فإنَّا سفر» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَلّي بن زيد أَيْضا كَمَا ذكرته فِي بَاب صَلَاة الْمُسَافِر. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفظه: «حججْت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أبي بكر فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عمر فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُثْمَان سِتّ سِنِين من خِلَافَته - أَو ثَمَان سِنِين - فصلَّى رَكْعَتَيْنِ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث (حسن) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: «فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يَقُول: يَا أهل مَكَّة أَتموا فصلُّوا رَكْعَتَيْنِ؛ فَإنَّا قوم سفر» . ثَانِيهَا: «يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقُول: (أَتموا) الصَّلَاة يَا أهل مَكَّة؛ فَإنَّا سفر» . ثَالِثهَا: «يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب، ثمَّ يَقُول: يَا أهل مَكَّة، أَتموا صَلَاتكُمْ، فَإنَّا قوم سفر» . ومداره من هَذِه الطّرق كلهَا (عَلَى) عليِّ بن زيد بن جدعَان، وَقد حسنه التِّرْمِذِيّ من طَرِيقه، وَهُوَ صَاحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 غرائب كَمَا أسلفناه فِي بَاب بَيَان النَّجَاسَات، مَعَ كَلَام الْأَئِمَّة (فِيهِ) (وَظَاهر إِيرَاد الرَّافِعِيّ وُرُوده وَهُوَ غَرِيب، وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» من قَول عمر نَفسه فِي مَكَّة. وسفر: بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْفَاء، كَمَا سلف إيضاحه فِي بَاب مسح الْخُف) . الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين «أَن سَالم بن عبد الله قَالَ (للحجاج) : إِن كنت تُرِيدُ تصيب السّنة: فأقصر الْخطْبَة وَعجل الْوُقُوف. فَقَالَ ابْن عمر: صدق» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) ، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث (سَالم) بن عبد الله قَالَ: «كتب عبد الْملك (بن مَرْوَان) (إِلَى) الْحجَّاج أَن لَا تخَالف ابْن عمر فِي الْحَج، فجَاء ابْن عمر وَأَنا مَعَه يَوْم عَرَفَة حِين زَالَت الشَّمْس، فصاح عِنْد سرادق الْحجَّاج، فَخرج وَعَلِيهِ ملحفة معصفرة فَقَالَ: مَا لَك يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن؟ فَقَالَ: الرواح إِن كنتَ تُرِيدُ السّنة. قَالَ: هَذِه السَّاعَة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأَنْظرْنِي حَتَّى أُفِيض عَلَى رَأْسِي ثمَّ أَخْرُج. فَنزل حَتَّى خرج الْحجَّاج فَسَار بيني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 وَبَين أبي، فَقلت: إِن كنت تُرِيدُ السّنة فأقصر الْخطْبَة وَعجل الْوُقُوف. فَجعل ينظر إِلَى عبدِ الله، فلمَّا رَأَى ذَلِك عبد الله قَالَ: صدق» . فَائِدَة: السرادق: الخباء وَشبهه، وكل مَا أحَاط بالشَّيْء. وَقيل: مَا يدار حول الخباء. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وقف واستقبل الْقبْلَة، وَجعل (بطن) نَاقَته للصخرات» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَقد سلف. قَالَ الرَّافِعِيّ (بعد ذَلِك) فِي كَلَامه عَلَى الْوُقُوف وموقف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عِنْد جبل الرَّحْمَة، مَعْرُوف. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وقف بِعَرَفَة رَاكِبًا» . هَذَا (الحَدِيث) صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أم الْفضل بنت الْحَارِث زوج الْعَبَّاس وَرَوَاهُ مُسلم (من حَدِيث جَابر) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 الحَدِيث الْخَمْسُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أفضل الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَأفضل مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن زِيَاد بن أبي زِيَاد مولَى ابْن عَبَّاس، عَن طَلْحَة بن (عبيد الله) بن كريز - بِفَتْح الْكَاف وَآخره زَاي - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أفضل الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَأفضل مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ» . وَهَذَا مُرْسل، طَلْحَة (هَذَا) تَابِعِيّ كُوفِي، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَقد رُوِيَ عَن مَالك بِإِسْنَاد آخر مَوْصُولا، قَالَ: وَوَصله ضَعِيف. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» مطولا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خير الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَخير مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَحَمَّاد بن أبي حميد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ أَبُو إِبْرَاهِيم الْمدنِي الْأنْصَارِيّ، وَلَيْسَ (هُوَ) بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث. وَرَوَاهُ أَحْمد من هَذَا الطَّرِيق بِلَفْظ: «كَانَ أَكثر دُعَاء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم عَرَفَة: لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 إِلَه إِلَّا الله، وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير» . وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» من حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أفضل دعائي وَدُعَاء الْأَنْبِيَاء قبلي عَشِيَّة عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير» . قَالَ الْعقيلِيّ: فِي إِسْنَاده فرج بن فضَالة، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مَنَاسِكه» من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أفضل مَا قلت والأنبياء (قبلي) عَشِيَّة عَرَفَة: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك (وَله الْحَمد) وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير» . وَفِي إِسْنَاده قيس بن الرّبيع القَاضِي وَقد سَاءَ حفظه بِأخرَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وأضيف (إِلَيْهِ) : «لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا، (وَفِي سَمْعِي نورا) وَفِي بَصرِي نورا، اللَّهُمَّ اشرح لي صَدْرِي، وَيسر لي أَمْرِي» . قلت: أما قَوْله: «لَهُ الْملك» إِلَى قَوْله: «قدير» فقد أسلفناه فِي عدَّة أَحَادِيث، وَأما قَوْله: «اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا ... » إِلَى آخِره فَرَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن أَخِيه (عبد الله) بن عُبَيْدَة، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَكثر دعائي وَدُعَاء الْأَنْبِيَاء قبلي (بِعَرَفَة) : لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا، وَفِي سَمْعِي نورا، وَفِي بَصرِي نورا، اللَّهُمَّ اشرح لي صَدْرِي وَيسر لي أَمْرِي، وَأَعُوذ بك من وسواس الصَّدْر، وشتات الْأَمر، وفتنة الْقَبْر، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ مَا يلج فِي اللَّيْل، (وَشر مَا يلج فِي النَّهَار) ، وَشر مَا تهب بِهِ الرِّيَاح، وَمن شَرّ بوائق الدَّهْر» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي، وَهُوَ ضَعِيف وَلم يدْرك أَخُوهُ عليًّا. قلت: فَصَارَ الحَدِيث ضَعِيفا بِوَجْهَيْنِ، وَعبد الله أَخُو مُوسَى: ضَعِيف أَيْضا (و) قَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث جدًّا، لَيْسَ (لَهُ) راوٍ غير أَخِيه مُوسَى، ومُوسَى لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث، وَلَا أَدْرِي الْبلَاء من أَيهمَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 الحَدِيث الْحَادِي بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يسير حِين دفع فِي حجَّة الْوَدَاع العَنَقَ، فَإِذا وجد (فُرْجَة) نَص» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (كَذَلِك) ، وَفِي رِوَايَة لَهما: «فجوة» بدل «فُرْجَة» وهما بِمَعْنى. والفجوة: السعَة من الأَرْض. والفُّرجة: بِضَم الْفَاء وَفتحهَا. والعَنَق: بِفَتْح النُّون -: ضرب مَعْرُوف من السّير فِيهِ إسراع يسير. والنَصَّ: - بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة - " أَكثر من العَنَق. (والفرجة: يُقَال: فرج بِلَا هَاء أَيْضا. ورُوِيَ فِي الحَدِيث بدلهَا: «فجوة لَهَا» وَهِي الْمَكَان المتسع يخرج إِلَيْهِ من مضيق) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى الْمزْدَلِفَة فَجمع (بهَا) بَين الْمغرب وَالْعشَاء» . هَذَا الحَدِيث وجدتُه فِي المبيضة من هَذَا (الْكتاب) ، وَلم أره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 (الْآن) فِي «الرَّافِعِيّ» ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَأُسَامَة بن زيد، (و) رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين قَالَ الرَّافِعِيّ: «وسلكَ الناسُ طريقَ المأْزمين، - وَهُوَ الطَّرِيق الضيّق بَين الجبلين - اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالصَّحَابَة» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أُسَامَة بن زيد قَالَ: «دفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عَرَفَة، حَتَّى إِذا كَانَ بِالشعبِ نزل فَبَال (ثمَّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 تَوَضَّأ وَلم يسبغ الْوضُوء، (فَقلت لَهُ) : الصَّلَاة يَا رَسُول الله. فَقَالَ: الصَّلَاة أمامك» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «ردفت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عَرَفَات، فَلَمَّا بلغ الشّعب الْأَيْسَر الَّذِي دون الْمزْدَلِفَة أَنَاخَ رَاحِلَته، فَبَال ثمَّ جَاءَ فصببتُ عَلَيْهِ الْوضُوء فَتَوَضَّأ وضُوءًا خَفِيفا، فَقلت: الصَّلَاة يَا رَسُول الله. فَقَالَ: الصَّلَاة أمامك» . ترْجم عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : من اسْتحبَّ سلوك طَرِيق المأْزمين دون (طَرِيق) ضبٍّ. والمأْزم: بِهَمْزَة بعد الْمِيم، وَكسر الزَّاي، وَقد فسَّرَهُ الرَّافِعِيّ (كَمَا سلف) . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْخمسين قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْحَج عَرَفَة، فَمن أدْرك عَرَفَة فقد أدْرك الْحَج» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَصْحَاب «السّنَن» الْأَرْبَعَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 «مُسْتَدْركه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن يعمر (الدِّيليِّ) قَالَ: «شهِدت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَات، وَأَتَاهُ نَاس من أهل نجد، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، كَيفَ الْحَج؟ فَقَالَ: الْحَج عَرَفَة، من جَاءَ قبل صَلَاة الْفجْر من لَيْلَة جمع فقد تمّ حجه، وَأَيَّام منى ثَلَاثَة أَيَّام، فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَأَرْدَفَ رجلا خَلفه فَجعل يُنَادي بِهن» هَذَا لفظ أَحْمد. وَلَفظ أبي دَاوُد: «فجَاء نَاس - أَو نفر - من أهل نجد، فَأمروا رجلا فَنَادَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كَيفَ الْحَج؟ فَأمر رجلا فَنَادَى: الْحَج يَوْم عَرَفَة، وَمن جَاءَ قبل (صَلَاة) الصُّبْح من لَيْلَة جمع يتم حجه» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْحَج عَرَفَات، (الْحَج عَرَفَات) ، أَيَّام منى ثَلَاث ... » إِلَى قَوْله: «فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَمن أدْرك عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك الْحَج» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: «الْحَج عَرَفَة» وَالْبَاقِي بِنَحْوِهِ، وَفِي لفظ للنسائي: «الْحَج عَرَفَة، فَمن أدْرك عَرَفَة قبل طُلُوع الْفجْر من لَيْلَة جمع فقد تمّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 حجه» . وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ أَحْمد، وَلَفظ ابْن حبَان: «الْحَج عَرَفَات، فَمن أدْرك عَرَفَة لَيْلَة جمع قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك، أَيَّام منى ... » إِلَى قَوْله: «فَلَا إِثْم عَلَيْهِ» . وَلَفظ الْحَاكِم كَلَفْظِ ت س وَلَفظه فِي كتاب التَّفْسِير: «الْحَج عَرَفَة - (أَو عَرَفَات) - فَمن أدْرك عَرَفَة قبل طُلُوع الْفجْر فقد أدْرك الْحَج، أَيَّام منى ثَلَاث» بِمثل رِوَايَة ابْن حبَان. وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «الْحَج عَرَفَات، الْحَج عَرَفَات، فَمن أدْرك لَيْلَة جمع قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك ... » وَالْبَاقِي بِمثلِهِ. وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «الْحَج عَرَفَة، (الْحَج عَرَفَة) ، من أدْرك عَرَفَة قبل طُلُوع الْفجْر فِي يَوْم النَّحْر فقد تمّ حجه، أَيَّام منى ثَلَاثَة ... » الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: هَذَا أَجود حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ. وَفِي «ابْن مَاجَه» : قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى: مَا أرَى (للثوري) حَدِيثا أشرف مِنْهُ. وَفِي «التِّرْمِذِيّ» (عَن) وَكِيع أَن هَذَا الحَدِيث أُمّ الْمَنَاسِك. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل (عَلَى هَذَا الحَدِيث) عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَغَيرهم. وَقَالَ (ابْن حبَان) وَالْبَيْهَقِيّ: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: قلت لِسُفْيَان الثَّوْريّ: لَيْسَ عنْدكُمْ بِالْكُوفَةِ [حَدِيث] أحسن وَلَا أشرف من هَذَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا (حَدِيث) صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. ذكره فِي أثْنَاء تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة من «مُسْتَدْركه» . فَائِدَة: عبد الرَّحْمَن هَذَا لَهُ صُحْبَة، بكري، ديلي - بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْمُثَنَّاة تَحت - وَقَالَ ابْن [معن] فِي «تنقيبه» : هُوَ بِكَسْر الدَّال وهمز الْيَاء وَفتحهَا، وَأَبوهُ يَعْمر، بِفَتْح الْمُثَنَّاة تَحت، وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَفتح الْمِيم وَضمّهَا، ثمَّ رَاء مُهْملَة. وَذكر أَبُو عمر بن عبد الْبر: أَنه لم يرو عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث. قلت: أخرج لَهُ ت ق ن حَدِيثا آخر فِي النَّهْي عَن الدُّبَّاء والحنتم، وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» أَنه رَوَى حديثين، وَذكر هذَيْن. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» : رَوَى هَذَا الحَدِيث ابْن شاهين فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» وَقَالَ: عَن «أبي الْأسود الديلِي» بدل «عبد الرَّحْمَن بن يعمر الديلِي» وَهُوَ خطأ، لَا مدْخل لأبي الْأسود فِي هَذَا الحَدِيث. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْخمسين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (عَرَفَة كلهَا موقف» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نحرت هَاهُنَا وَمنى كلهَا منحر، فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ، ووقفت هَاهُنَا وعرفة كلهَا موقف، ووقفت هَاهُنَا وَجمع كلهَا موقف» . وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَلّي مَرْفُوعا: «عَرَفَة كلهَا موقف، وَجمع كلهَا موقف، وَمنى كلهَا منحر» . فَائِدَة: جمع، والمشعر الْحَرَام، والمزدلفة، ثَلَاثَة أَسمَاء لموْضِع وَاحِد. قَالَه ابْن عبد الْبر. الحَدِيث السَّادِس بعد الْخمسين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَرَفَة كلهَا (موقف) ، وارتفعوا عَن وَادي عُرَنَة» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: عَن جَابر مَرْفُوعا، إِلَّا أَنه قَالَ: «عَن بطن عُرَنَة» بدل «وَادي عُرَنَة» وَزِيَادَة: «وَكَذَلِكَ الْمزْدَلِفَة موقف، وارتفعوا عَن بطن محسر، وكل منى منحر إِلَّا مَا (وَرَاء) الْعقبَة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَإِسْنَاده ضَعِيف بِسَبَب الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده فَإِنَّهُ واهٍ، قَالَ أَحْمد: كَانَ يكذب، وَيَضَع الحَدِيث، ترك النَّاس حَدِيثه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 ثَانِيهَا: عَن ابْن الْمُنْكَدر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن عُرَنَة، والمزدلفة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن محسر» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، قَالَ ابْن جريج: (وَأَخْبرنِي) مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر ... فَذكره، وَهُوَ مُرْسل، (وَيَأْتِي) مَوْصُولا من طَرِيقه عَن أبي هُرَيْرَة. ثَالِثهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (ارْفَعُوا) عَن بطن عُرَنَة، و (ارْفَعُوا) عَن بطن محسر» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَن فِيهِ تقصيرًا فِي سَنَده. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس (قَالَ) : «كَانَ يُقَال: ارتفعوا عَن محسر، وارتفعوا عَن عرنات» أما قَوْله: « (العرنات) » فالوقوف [بعرنة] (أَي) لَا تقفوا (بعرنة) . وَأما قَوْله: «عَن محسر» فالنزول (بِجمع) أَن لَا تنزلوا محسرًا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن شَيْخه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 الْحَاكِم مَرْفُوعا وموقوفًا، وَاعْترض النَّوَوِيّ عَلَى الْحَاكِم فِي تَصْحِيحه وَأَنه عَلَى شَرط مُسلم؛ فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قَالَ، فَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرط مُسلم، وَلَا إِسْنَاده صَحِيح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة مُحَمَّد بن (كثير) وَلم يرو لَهُ مُسلم، وَقد ضعفه جُمْهُور الْأَئِمَّة. قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من طَرِيق أُخْرَى، لَكِنَّهَا ضَعِيفَة، رَوَاهُ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْمليكِي - وَهُوَ تَالِف، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث - عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «عَرَفَة كلهَا موقف، (وارتفعوا) عَن بطن عُرَنَة، ومزدلفة كلهَا موقف، (وارتفعوا) عَن بطن محسر» . وَعَزاهُ عبد الْحق من رِوَايَة ابْن عَبَّاس إِلَى الطَّحَاوِيّ بِلَفْظ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، ومزدلفة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن محسر، وشعاب منى كلهَا منحر» زَاد ابْن وهب: «وَمن جَازَ عَرَفَة قبل أَن تغيب الشَّمْس فَلَا حج لَهُ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 رَابِعهَا: عَن مَالك: أَنه بلغه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، والمزدلفة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن محسر» . كَذَا هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» ، قَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا الحَدِيث يرْوَى من حَدِيث عَلّي وَابْن عَبَّاس، وأكثرها لَيْسَ فِيهِ ذكر «بطن عُرَنَة» ، واستثناؤه صَحِيح عِنْد الْفُقَهَاء، ومحفوظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ذكره عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن (أبي) هُرَيْرَة. خَامِسهَا: عَن حبيب بن (خماشة) قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «عَرَفَة كلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة، والمزدلفة كلهَا موقف إِلَّا بطن محسر» . رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» : عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن آدم الشَّاشِي، ثَنَا أَحْمد بن جَعْفَر بن سلم الْجمال، نَا مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد، نَا صَالح بن خَوات، عَن يزِيد بن رُومَان، عَن حبيب بن عُمَيْر، عَن حبيب بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا فِي «معرفَة الصَّحَابَة» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 عَن أبي بكر بن خَلاد، نَا الْحَارِث بن أبي أُسَامَة، نَا مُحَمَّد بن عمر بِهِ سَوَاء، وَزَاد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ذَلِك بِعَرَفَة» . قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» : حبيب هَذَا أوسي خطمي، لَهُ هَذَا الحَدِيث الْغَرِيب. وَقَالَ بعد ذَلِك: حبيب بن عَمْرو ذكره عَبْدَانِ. وسَاق حَدِيثا عَن أبي جَعْفَر الخطمي عَنهُ (ثمَّ قَالَ: حبيب بن عُمَيْر) الخطمي سَاق لَهُ عَبْدَانِ عَن أبي جَعْفَر الخطمي عَن جدّه حبيب، وَهُوَ الأول، وَهُوَ حَدِيث ابْن (خماشة) الخطمي، إِذْ الرَّاوِي عَنْهُم وَاحِد. قلت: وَمُحَمّد بن عمر (بن) وَاقد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده وَضاع. سادسها: عَن عَمْرو بن شُعَيْب وَسَلَمَة بن كهيل أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «هَذَا الْموقف، وكل عَرَفَة موقف، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، (وَمن) جَازَ بطن عُرَنَة قبل أَن تغيب الشَّمْس فَعَلَيهِ حج قَابل» . رَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 ابْن وهب فِي «موطئِهِ» عَلَى مَا حَكَاهُ ابْن الْقطَّان وَغَيره عَنهُ، عَن يزِيد بن عِيَاض، عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن عَمْرو بن شُعَيْب بِهِ، وَأعله عبد الْحق ب «يزِيد» هَذَا، وَقَالَ: إِنَّه مَتْرُوك. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَابْن الْقطَّان ب «إِسْحَاق» هَذَا، وَقَالَ: إِنَّه ابْن أبي فَرْوَة، وَهُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ، وَكَذَا يزِيد بن عِيَاض. سابعها - وَكَانَ يتَعَيَّن تَقْدِيمهَا -: عَن جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «كل عَرَفَات موقف، (وَارْفَعُوا) عَن (عُرَنَة، وكل مُزْدَلِفَة موقف، وارتفعوا عَن) محسر، وكل فجاج منى منحر، وَفِي كل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن أَحْمد بن الْحسن بن عبد الْجَبَّار الصُّوفِي، عَن أبي نصر التمار، عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن، عَن جُبَير بِهِ. واحتجَّ بِهِ ابْن حزم فِي «محلاه» ؛ فَأخْرجهُ من حَدِيث سُلَيْمَان بِهِ بِلَفْظ: «كل عَرَفَات موقف، وَارْفَعُوا عَن بطن عُرَنَة، والمزدلفة كُله موقف، وَارْفَعُوا عَن بطن محسر» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الْأَضَاحِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ سُلَيْمَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 بن مُوسَى عَن جُبَير بن مطعم، وَهُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ مُرْسل بِإِسْقَاط عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن. قلت: وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» ، و (أخرجه) الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سُلَيْمَان أَيْضا عَن نَافِع بن جُبَير عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «كل عَرَفَة موقف، وَارْفَعُوا عَن عُرَنَة، وكل مُزْدَلِفَة موقف وَارْفَعُوا عَن بطن محسر» . تَنْبِيه: عُرَنة: بِضَم أَوله و (فتح) ثَانِيه ثمَّ نون ثمَّ هَاء، كَذَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» قَالَ: وَهُوَ وَادي عُرَنَة، قَالَ: وَالْفُقَهَاء (يَقُولُونَهُ) بِضَم الرَّاء وَهُوَ خطأ. قَالَ: وَذكر أَبُو بكر « (عُرَنَة» ) بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه، مَوضِع، وَلم يُحَدِّده وَأرَاهُ غير الَّذِي بِعَرَفَة. الحَدِيث السَّابِع بعد الْخمسين عَن (عُرْوَة) بن مضرِّس الطَّائِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من صَلَّى مَعنا هَذِه الصَّلَاة - يَعْنِي: الصُّبْح يَوْم النَّحْر - وَأَتَى عَرَفَات قبل ذَلِك لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه، وَقَضَى تفثه» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه. وَلَفظ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: عَن عُرْوَة بن مُضرس قَالَ: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين أَقَامَ الصَّلَاة (بالموقف) - يعْنى: بِجمع - فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي جِئْت من جبلي طَيئ، أكللت راحتي - وَلَفظ د ن: مطيتي - وأتعبت نَفسِي، وَالله يَا رَسُول الله، مَا تركت من حَبْل - وَفِي لفظ: من جَبَل - إِلَّا (وقفت) عَلَيْهِ؛ فَهَل لي من حج؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من شهد صَلَاتنَا هَذِه، ووقف مَعنا حَتَّى ندفع وَقد وقف بِعَرَفَة قبل ذَلِك لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه» وَلَفظ أَحْمد نَحْو هَذَا، وَفِي رِوَايَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 للنسائي «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاقِفًا بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: من صَلَّى مَعنا صَلَاتنَا هَذِه هَاهُنَا، ثمَّ أَقَامَ مَعنا وَقد وقف قبل ذَلِك بِعَرَفَة لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من أدْرك جمعا مَعَ الإِمَام وَالنَّاس حَتَّى يفِيض (مِنْهَا) فقد أدْرك الْحَج، وَمن لم يدْرك مَعَ النَّاس وَالْإِمَام فَلم (يُدْرِكهُ) » . وَلَفظ ابْن مَاجَه عَن عُرْوَة: «أَنه حج عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يدْرك النَّاس إِلَّا وهم بِجمع، قَالَ: فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: يَا رَسُول الله، أنصبت رَاحِلَتي وأتعبت نَفسِي، وَالله مَا تركت من جبل إِلَّا وقفت عَلَيْهِ؛ فَهَل لي من حج؟ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: من شهد (مَعنا) الصَّلَاة، وأفاض من عَرَفَات لَيْلًا أَو نَهَارا فقد قَضَى تفثه وَتمّ حجه» وَلَفظ ابْن حبَان: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ بجمْع، فَقلت: هَل (عَلّي) من حج؟ قَالَ: من شهد مَعنا هَذَا الْموقف حَتَّى يفِيض، وَقد أَفَاضَ قبل ذَلِك من عَرَفَات لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه» . وَفِي لفظ (لَهُ) : «وَهُوَ وَاقِف بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ: من صَلَّى صَلَاتنَا هَذِه، ثمَّ أَقَامَ مَعنا وَقد وقف قبل ذَلِك بِعَرَفَة لَيْلًا أَو نَهَارا، فقد تمّ حجه» . وَلَفظ الْحَاكِم: «أتيت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ بِجمع، فَقلت: هَل لي من حج؟ فَقَالَ: من صَلَّى مَعنا هَذِه الصَّلَاة بِهَذَا الْمَكَان، ثمَّ وقف مَعنا هَذَا الْموقف حَتَّى يفِيض الإِمَام قبل ذَلِك من عَرَفَات لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه» . وَفِي رِوَايَتَيْنِ لَهُ نَحْو هَذِه. وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «من صَلَّى مَعنا صَلَاة الْغَدَاة، ووقف هَا هُنَا حَتَّى نفيض، وَقد (أُتِي) عَرَفَات قبل ذَلِك لَيْلًا (أَو) نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من وقف مَعنا بِعَرَفَة فقد تمّ حجه» وَفِي رِوَايَة لأبي يعْلى فِي «مُسْنده» : «ومَنْ لم يدْرك جمْعًا فَلَا حج لَهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عِنْد كَافَّة أَئِمَّة الحَدِيث، وَهُوَ قَاعِدَة من قَوَاعِد الْإِسْلَام، وَقد أمسك عَن إِخْرَاجه الشَّيْخَانِ عَلَى أَصلهمَا أَن عُرْوَة بن مُضرس لم يحدِّث عَنهُ غير عَامر الشّعبِيّ. قَالَ: وَقد وجدنَا عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام حدَّث عَنهُ. (قلت) : وَقد حدَّث عَنهُ أَيْضا غَيرهمَا، كَمَا ذكرته فِي (كتابي) : «الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث» اختصارُ كتاب أبي عَمرو بْنِ الصّلاح، فراجعْهُ مِنْهُ، (قَالَ الْحَاكِم) : وتابع (عُرْوَة) بن المضرس فِي رِوَايَة هَذِه السُّنة من الصَّحَابَة: عبدُ الرَّحْمَن بن يعمر الديلِي. ثمَّ ذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 حَدِيثه السالف، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْمعَافِرِي: هَذَا الحَدِيث من لَوَازِم «الصَّحِيحَيْنِ» و (إِن) لم يخرجَاهُ. فَائِدَة: عُرْوَة بن مُضرس هَذَا طائي، وَكَانَ سيدًا فِي قومه يضاهي عديَّ بْنَ حَاتِم فِي الرياسة، وَكَانَ أَبوهُ مُضَرِّس - بِضَم الْمِيم، وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وتشديدها، ثمَّ سين مُهْملَة - عَظِيم الرياسة أَيْضا، وجدُّه أَوْس بن حَارِثَة بن لَام، (وَعُرْوَة) صَحَابِيّ وَشهد مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجَّة الْوَدَاع، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لم يروِ عَنهُ غير الشّعبِيّ. وَقد أسلفنا أَن جمَاعَة رووا عَنهُ أَيْضا غَيره. فَائِدَة ثَانِيَة: الْحَبل - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، ثمَّ لَام - قَالَ التِّرْمِذِيّ (فِي) «جَامعه» : الحَبْل - بِالْحَاء - هُوَ مَا كَانَ من رمْلٍ، فَإِن كَانَ من حِجَارَة يُقَال لَهُ: جبل - يَعْنِي: بِالْجِيم. وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال للرمل المستطيل: حبْل. وَكَذَا قَالَ القَاضِي عِيَاض: الْحَبل - بِالْحَاء الْمُهْملَة - مَا طَال من الرمل وضَخُم، وَيُقَال: الحبال دون الْجبَال. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» : الْحَبل - بِالْحَاء الْمُهْملَة - هُوَ المستطيل من الرمل، وَقيل: مَا ضخم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 مِنْهُ، (وَقيل: مَا طَال وضخم) وَقيل: الَّذِي يسلكونه فِي الرمل، قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَه. فَائِدَة ثَالِثَة: (جبليّ) طَيئ: هما «سلْمَى» و «أجا» . قَالَه الْمُنْذِرِيّ. والتفث: بمثناة ثمَّ فَاء ثمَّ مُثَلّثَة، قَالَ الْأَزْهَرِي: لَا يُعرف من كَلَام الْعَرَب إِلَّا من قَول ابْن عَبَّاس وَأهل التَّفْسِير. قَالَ: وَهُوَ الْأَخْذ من الشَّارِب وقص الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة، هَذَا عِنْد الْخُرُوج من الْإِحْرَام. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: التفث فِي كَلَام الْعَرَب إذهابُ الشَّعَث. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وقف بعد الزَّوَال» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف لَك فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَكَذَا وقف الْخُلَفَاء فَمن بعدهمْ وهلُمَّ جرّا، وَمَا نُقِلَ عَن أحدٍ أَنه (وقف) قبل الزَّوَال، وَأجَاب أَصْحَابنَا عَن حَدِيث عُرْوَة الْمَذْكُور قبله: أَنه مَحْمُول عَلَى مَا بعد الزَّوَال. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك نُسُكًَا فَعَلَيهِ دم» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الْمَوَاقِيت، من قَول ابْن عَبَّاس، وَلَا يُعرف رَفعه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 الحَدِيث السِّتُّونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَوْم عَرَفَة الْيَوْم الَّذِي يعرف النَّاس فِيهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» كَذَلِك من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُرْسل جيد. قلت: وَعبد الْعَزِيز هَذَا ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» وَقَالَ: أوردهُ ابْن شاهين فِي «الصَّحَابَة» وَقَالَ: كَذَا قَالَ ابْن أبي دَاوُد، وَقد اختُلف فِيهِ. وَذكره أَبُو نُعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن خَالِد بن أسيد المخزومى، من رِوَايَة وَلَده عبد الْعَزِيز (عَنهُ) ، ثمَّ قَالَ: «عبد الله» فِي صحبته (ورؤيته) نظر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ مَرْفُوعا، رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، عَن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «عَرَفَة يَوْم يعرف الإِمَام، والأضحى يَوْم يُضحي الإِمَام، و (الْفطر) يَوْم يفْطر الإِمَام» . قَالَ: و (مُحَمَّد) هَذَا يعرف بالفارسي، وَهُوَ كُوفِي، قَاضِي فَارس، تفرد بِهِ عَن سُفْيَان. وَقَالَ فِي «خلافياته» : مُحَمَّد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 بن الْمُنْكَدر عَن عَائِشَة مُرْسل. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد الزنْجِي - إِمَام أهل مَكَّة (ومفتيها) - عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: رجل حجَّ أول مَا حَجَّ فَأَخْطَأَ الناسَ بِيَوْم النَّحْر، أيجزئ عَنهُ؟ (قَالَ: نعم أَي لعمري إِنَّهَا لتجزئ عَنهُ) قَالَ - وَأَحْسبهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فطركم يَوْم تفطرون، وأضحاكم يَوْم تضحون - وَأرَاهُ قَالَ - وعرفة: يَوْم تعرفُون» . وَمُسلم هَذَا مُخْتَلف فِيهِ، وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا: «يَوْم النَّحْر يَوْم ينْحَر النَّاس وَالْإِمَام، وَيَوْم عَرَفَة يَوْم يعرف النَّاس وَالْإِمَام» . ثمَّ قَالَ: (وَقْفه) عَلَيْهَا هُوَ الصَّوَاب. وَرَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَيْضا بِلَفْظ آخر: «الْفطر يَوْم يفْطر النَّاس، والأضحى يَوْم يُضحي النَّاس» . ثمَّ قَالَ: (حسن صَحِيح) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الْفطر يَوْم تفطرون، والأضحى يَوْم تضحون» . وَمُحَمّد هَذَا لم يسمع من أبي هُرَيْرَة وَلم يَلْقَه؛ كَمَا قَالَه ابْن معِين وَأَبُو زُرْعة. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة (وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، وَحسنه مَعَ الغرابة) وَزَاد فِي أَوله: «الصَّوْم يَوْم تصومون» . الحَدِيث الحادى بعد السِّتين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حجُّكم يَوْم تحجون» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرَّجه بِهَذَا اللَّفْظ، ويُغْني عَنهُ الحَدِيث الَّذِي قبله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 الحَدِيث الثَّانِي بعد السِّتين رَوَى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة فَلَا حجَّ لَهُ» . هَذَا الحَدِيث أَيْضا غَرِيب، لَا أعلم من خرَّجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» : إِنَّه لَيْسَ بِثَابِت وَلَا مَعْرُوف. قَالَ: وَيُجَاب عَنهُ عَلَى تَقْدِير ثُبُوته أَن المُرَاد: لَا حجَّ كَامِل. وَقَالَ الْحَافِظ محبُّ الدَّين الطَّبَرِيّ فِي «شرح التَّنْبِيه» : (لَا) أَدْرِي مِنْ أَيْن أَخذه الرافعيُّ؟ . الحَدِيث الثَّالِث بعد السِّتين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْحَج عَرَفَة، فَمَنْ أدْركهَا فقد أدْرك الحجَّ» . هَذَا الحَدِيث قد تقدم بَيَانه قَرِيبا وَاضحا. الحَدِيث الرَّابِع بعد السِّتين «أَن سَوْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أفاضتْ فِي النّصْف الْأَخير من مُزْدَلِفَة بِإِذن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يأمرها بِالدَّمِ، وَلَا النَّفَر الَّذين كَانُوا مَعهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «اسْتَأْذَنت سَوْدَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة (جمع) ، وَكَانَت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 ثَقيلَة ثبطة، فأذِنَ لَهَا» . هَذَا لفظ إِحْدَى رواياتهم، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَت سَوْدَة امْرَأَة ضخمة ثبطة؛ فاستأذنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَن تفيض من جمع بلَيْل، فَأذن لَهَا، قَالَت عَائِشَة: فليتني كنت اسْتَأْذَنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) (كَمَا استأذنتْهُ سودةُ) » . وَفِي لفظ لَهُ: «فأصلي الصُّبْح بمنى، فأرمي الجمرةَ قبل أَن يَأْتِي النَّاس» (وَكَانَت عَائِشَة لَا تفيض إِلَّا مَعَ الإِمَام) . الحَدِيث الْخَامِس بعد السِّتين «أَن أُمَّ سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أفاضت فِي النّصْف الْأَخير من مُزْدَلِفَة بِإِذن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يأمُرُها وَلَا مَنْ مَعهَا بِالدَّمِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الضَّحَّاك - يَعْنِي: ابْن عُثْمَان - عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «أرسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بأُمِّ سَلمَة لَيْلَة النَّحْر فرمت الجمرةَ قبل الْفجْر، ثمَّ مَضَت فأفاضت، وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم (الْيَوْم) الَّذِي يكون رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَعْنِي عِنْدهَا» وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، لَا جَرَمَ أخرجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى (شَرط مُسلم) وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة «السّنَن» و «الْمعرفَة» وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ. و «الخلافيات» وَقَالَ: رُوَاته ثِقَات. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا، فَقَالَ - وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من جِهَته (أَيْضا) -: أَنا دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار وعبدُ الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن هِشَام، عَن أَبِيه قَالَ: «دَار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أم سَلمَة يَوْم النَّحْر وأمَرَها أَن تتعجَّل الْإِفَاضَة من جمع حَتَّى ترمي الجمرةَ (و) توافي (صَلَاة) الصُّبْح بِمَكَّة، وَكَانَ يَوْمهَا فَأحب أَن توافقه أَو توافيه» . قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» : وَهَذَا لَا يكون إِلَّا وَقد رمت الْجَمْرَة قبل الْفجْر بساعة. قَالَ: وَأَخْبرنِي من أَثِق من المشرقيين عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، عَن أم سَلمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله. هَكَذَا رَوَاهُ فِي «الْإِمْلَاء» ، وَرَوَاهُ فِي «الْمُخْتَصر الْكَبِير» بالإسنادين جَمِيعًا، إِلَّا أَنه قَالَ: «ترمي الجمرةَ وتوافي صلاةَ الصُّبْح بِمَكَّة، وَكَانَ يَوْمهَا، فَأحب أَن توافقه أَو توافيه» . وَقَالَ فِي الْإِسْنَاد الثَّانِي: أَخْبرنِي الثِّقَة عَن هِشَام. وَكَانَ الشَّافِعِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 أَخذه (من) أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير، وَقد رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة مَوْصُولا فَذكره وَقَالَ فِي (سنَنه) أَيْضا: وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِير عَن هِشَام بن عُرْوَة مَوْصُولا، يَعْنِي: وَفِيه: «صلَاتهَا الصُّبْح بِمَكَّة» ثمَّ سَاقه (عَن) الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى (أبي) مُعَاوِيَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، عَن أم سَلمَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمَرَها أَن (توافيه) صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة يَوْم النَّحْر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن أبي مُعَاوِيَة، وَرَوَاهُ أَسد بن مُوسَى عَن أبي مُعَاوِيَة بِإِسْنَادِهِ، قَالَت: «أمرهَا يَوْم النَّحْر أَن توافي مَعَه صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة» . قلت: وَهَذَا أنكرهُ الإِمَام أَحْمد وَغَيره، أَعنِي: الموافاة بهَا فِي صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة، وَهُوَ لائح؛ فَإِنَّهُ لَا يُمكن أَن توافي مَعَه صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة، فَإِنَّهُ صلَّى الصبحَ يَوْمئِذٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وأفاض يَوْم النَّحْر، وَأما حَدِيث (أبي الزبير عَن) عَائِشَة وَابْن (عَبَّاس) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أخر طواف) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل» فَفِيهِ نظر ثمَّ اعْلَم أَن الرافعيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر حَدِيث أمِّ سَلمَة هَذَا، وَحَدِيث سَوْدَة الَّذِي قبله، دَلِيلا عَلَى أَنه إِذا دفع من مُزْدَلِفَة بعد انتصاف اللَّيْل لَا شَيْء عَلَيْهِ مَعْذُورًا كَانَ أَو غير مَعْذُور، وَلَيْسَ فِيهَا التَّحْدِيد بذلك، نعم فِي حَدِيث أَسمَاء فِي «الصَّحِيحَيْنِ» التَّوْقِيت بغيبوبة الْقَمَر فَقَط. فَائِدَة: قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي «الْبَحْر» : قَوْله توافي تجوز قِرَاءَته بِالْيَاءِ وَالتَّاء، يَعْنِي الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت وَالتَّاء الْمُثَنَّاة فَوق، قَالَ: لِأَن قَوْله «وَكَانَ يَوْمهَا» فِيهِ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: أَنه أَرَادَ: وَكَانَ يَوْمهَا من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فأحبَّ عَلَيْهِ السَّلَام أَن يوافي التَّحَلُّل وَهِي قد فرغت. ثَانِيهمَا: أَنه أَرَادَ: وَكَانَ يَوْم حَيْضهَا، (فأحبَّ) أَن توافي أُمُّ سَلمَة التَّحَلُّل قبل أَن تحيض. قَالَ: فَيقْرَأ عَلَى (الأوَّل) بِالْمُثَنَّاةِ تَحت، وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُثَنَّاةِ فَوق. فَائِدَة ثَانِيَة: رَوَى النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَيْضا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمَرَ إِحْدَى نِسَائِهِ أَن تنفر من جمع [لَيْلَة جمع] ، فتأتي جَمْرَة الْعقبَة فترميها، (وَتصلي) فِي منزلهَا» . هَكَذَا رَوَاهُ، وَلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 يسم الْمَرْأَة، فَيحْتَمل (حِينَئِذٍ) أَن تكون أمَّ سَلمَة، وَيحْتَمل أَن تكون سودةَ، وَيحْتَمل أَن تكون أمَّ حَبِيبَة. فَفِي «صَحِيح مُسلم» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث بهَا من جمع بلَيْل» . (تَنْبِيه: لمَّا ذكر الرَّافِعِيّ أَنه يكره أَن يُرْمَى من المرمى قيل: «إِن من تقبل حجّه يرفع حجره، وَمَا بَقِي فَهُوَ مَرْدُود» . وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا، لَكِن بِإِسْنَاد ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ويُرْوى من وَجه آخر ضَعِيف أَيْضا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُور عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا عَلَيْهِ) . الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كنتُ فِيمَن قدَّمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ضعفةِ أَهله (من الْمزْدَلِفَة) إِلَى منى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنهُ، قَالَ: «أَنا (مِمَّن) قَدَّمَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فِي ضعفة أَهله» . وَاللَّفْظ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ رِوَايَة الإِمَام الشَّافِعِي كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، وَفِي رِوَايَة للنسائي: وَقَالَ لَهُم: «لَا ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَرْسلنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَعَ ضعفة أَهله، فصلينا الصُّبْح بمنى، ورمينا (الْجَمْرَة) » . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم ضعفةَ أَهله وَقَالَ: لَا ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس» ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح، وَقَالَ بِهِ أَكثر أهل الْعلم، ورخَّص بعض أهل الْعلم فِي أَن يرموا بليلٍ، وَالْعَمَل عَلَى حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي «الإشراف» : الرَّمْي قبل الْفجْر مُخَالف لسُنَّته عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا يُجزئ. وَكَأَنَّهُ تشبث بِحَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا، لَكِن حَدِيث أم سَلمَة وَسَوْدَة يُخَالِفهُ. الحَدِيث السَّابِع بعد السِّتين عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى منى، فَأَتَى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا، ثمَّ أَتَى منزله بمنى وَنحر، ثمَّ قَالَ للحلاَّق: خُذْ. وَأَشَارَ إِلَى جَانِبه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر، ثمَّ جعل يُعْطِيهِ النَّاس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، وَهَذَا الحَدِيث لم يذكرهُ الرَّافِعِيّ، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بعد ذَلِك بقوله: (ثمَّ) إِذا رموا جَمْرَة الْعقبَة نحرُوا إِن كَانَ مَعَهم هدي، فَذَلِك سُنّة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 (فَائِدَة) : هَذَا الحالقُ هُوَ: معمر بن (عبد الله) بن نَافِع بن نَضْلَة الْعَدوي، كَذَا سَاقه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَأَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» ، (هَذَا) هُوَ الْمَشْهُور، وَبِه (جزم) ابْنُ (نقطة) فِي « (تكملته» ) . وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» : «زَعَمُوا أَنه معمر بن عبد الله» ، وَقيل: اسْمه «خرَاش بن أُميَّة بن ربيعَة الْكَلْبِيّ» مَنْسُوب إِلَى (كُلَيْب) بن (حبشية) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 (الحَدِيث الثَّامِن بعد السِّتين) قَالَ الرَّافِعِيّ: «فَإِذا انْتَهوا إِلَى وَادي محسر فالمستحب للراكبِيْن أَن يُحركوا دوابَّهم، وللماشِيْن أَن يُسرعوا. قدر رمية بِحجر» . رُوِيَ ذَلِك عَن جَابر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم من حَدِيث جابرٍ الطَّوِيل بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى بطن محسر، فحرك قَلِيلا، ثمَّ سلك الطَّرِيق [الْوُسْطَى] الَّتِي تخرج عَلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى» . وَقد سبق بِطُولِهِ، وَفِي «السّنَن» الْأَرْبَعَة من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي الزبير، (عَن) جَابر أَيْضا. «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أوضع فِي وَادي محسر - زَاد بشر بن السّري أحد رُوَاته -: وأفاض من جَمْع وَعَلِيهِ السكينَة (وَأمرهمْ بِالسَّكِينَةِ) - وَزَاد فِيهِ أَبُو نعيم أحد رُوَاته -: وَأمرهمْ أَن يرموا بِمثل حَصى الْخذف، وَقَالَ: لعَلي لَا أَرَاكُم بعد عَامي هَذَا» . الحَدِيث التَّاسِع بعد السِّتين قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَلَا ينزل الراكبون حَتَّى يرموا كَمَا فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد صحَّ ذَلِك من طرق: (أَحدهَا) : عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَرْمِي عَلَى رَاحِلَته يَوْم النَّحْر، وَهُوَ يَقُول: خُذُوا عني مَنَاسِككُم، لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه» . أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ (أَيْضا) وَقَالَ: «إِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أعيش بعد عَامي هَذَا» . وَقد سلف حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَظَاهر سِيَاقه أَنه رَمَاهَا رَاكِبًا. ثَانِيهَا: من حَدِيث أم الْحصين قَالَت: «حجَجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجَّة الْوَدَاع، فَرَأَيْت أُسَامَة وبلالاً، أَحدهمَا آخذ بِخِطَام نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالْآخر رَافع ثَوْبه يستره من الحرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَة الْعقبَة» . أخرجه مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَسَيَأْتِي أول مُحرمَات الْإِحْرَام. ثَالِثهَا: من حَدِيث قدامَة بن عبد الله بن عمار الْكلابِي قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَرْمِي الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر عَلَى نَاقَة صهباء، لَا ضرب وَلَا طرد وَلَا إِلَيْك إِلَيْك» . أخرجه الشَّافِعِي وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا، لَكِن لَفظه: «يَرْمِي الْجمار» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَعَزاهُ عبد الْحق إِلَى أبي دَاوُد، وَهُوَ غلط، فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ، وَقد تعقبه ابْن الْقطَّان. وَورد أَيْضا من طَرِيقين (آخَرين) أَحدهمَا: من طَرِيق ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَمَى الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر رَاكِبًا» رَوَاهُ أَحْمد، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِي إِسْنَاده الْحجَّاج بن أَرْطَاة؛ وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مُدَلّس وَلم يذكر سَمَاعا. ثَانِيهمَا: من طَرِيق سُلَيْمَان بن عَمْرو بن الْأَحْوَص عَن أمه (أم) جُنْدُب، وَقد ذكره صَاحب «المهذَّب» ، وأوضحته فِي «تخريجي لأحاديثه» ؛ فَليُرَاجع مِنْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 الحَدِيث السبْعون «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قطع التَّلْبِيَة عِنْد أول حَصَاة رَمَاهَا» . هَذَا الحَدِيث متَّفق عَلَى صِحَّته، من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن أُسَامَة بن زيد كَانَ ردف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عَرَفَة إِلَى الْمزْدَلِفَة، ثمَّ أرْدف الْفضل من الْمزْدَلِفَة إِلَى مِنًى وَكِلَاهُمَا قَالَ: وَلم يَزَلِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُلبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَة الْعقبَة» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أرْدف الْفضل، فَأخْبر الْفضل أَنه لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَة الْعقبَة» . (وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث الْفضل: «فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَة الْعقبَة) ، وَكبر مَعَ كل حَصَاة، ثمَّ قطع التَّلْبِيَة مَعَ آخر حَصَاة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: و (تكبيره) مَعَ كل حَصَاة كالدلالة عَلَى قطعه بِأول حَصَاة، وَأما (مَا) فِي رِوَايَة الْفضل من الزِّيَادَة فَإِنَّهَا غَرِيبَة، أوردهَا ابْن خُزَيْمَة، واختارها وَلَيْسَت فِي الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة عَن ابْن عَبَّاس [عَن الْفضل بن الْعَبَّاس] . تَنْبِيه: قَالَ ابْن المُغلِّس الظَّاهِرِيّ: يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة إِذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 اسْتَلم الْحجر، قَالَ: (و) بذلك ثَبت الْخَبَر، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ أسْند حَدِيثا عَن ابْن عَبَّاس فِيهِ ابْن أبي لَيْلَى، وَهُوَ مَشْهُور الْحَال. الحَدِيث الْحَادِي بعد السّبْعين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا رميتم وحلقتم حل لكم كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث حجاج عَن أبي بكر [بن] مُحَمَّد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطّيب وَالثيَاب وكل شَيْء إِلَّا النِّسَاء» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فَقَالَ: (ثَنَا) مُسَدّد، نَا (عبد الْوَاحِد) بن زِيَاد، نَا الْحجَّاج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا رَمَى أحدكُم جَمْرَة الْعقبَة فقد حل لَهُ كل شَيْء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 إِلَّا النِّسَاء» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا رَمَى (و) حلق وَذبح فقد حل لَهُ كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء» وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا رميتم (وحلقتم وذبحتم) [فقد] حل لكم كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء» وَعَن الْحجَّاج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن (عَمْرو بن) حزم، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطّيب وَالثيَاب وكل شَيْء إِلَّا النِّسَاء» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن أبي (بكر) - يَعْنِي: ابْن حزم - عَن يزِيد بن هَارُون؛ وَزَاد فِيهِ: «وذبحتم فقد حل لكم كل شَيْء الطّيب وَالثيَاب إِلَّا النِّسَاء» . هَذِه أَلْفَاظ رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، ومدارها عَلَى الْحجَّاج، وَهُوَ ابْن أَرْطَاة كَمَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي «الدَّارَقُطْنِيّ» و «الْبَيْهَقِيّ» كَمَا مَرَّ، وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ، ثمَّ فِيهِ عِلّة أُخْرَى و (هِيَ) الِانْقِطَاع؛ فَإِن الْحجَّاج لم يَرَ الزُّهْرِيّ وَلَا سمع مِنْهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْحفاظ، وَقد ضعف أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 الحَدِيث من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ؛ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَالْحجاج لم يَرَ الزُّهْرِيّ وَلم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ المنذريُّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : ذكر عباد بن الْعَوام وَيَحْيَى بن معِين وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان أَن الْحجَّاج لم يسمع من الزُّهْرِيّ شَيْئا، وَذكر عَن الْحجَّاج نَفسه أَنه لم يسمع مِنْهُ شَيْئا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث من تخليطات الْحجَّاج بن أَرْطَاة. قَالَ: وَإِنَّمَا الحَدِيث عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، كَمَا رَوَاهُ سَائِر النَّاس عَن عَائِشَة، ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ عَن الضَّحَّاك، عَن أبي الرِّجَال، عَن أمه، عَن عَائِشَة قَالَت: «طيبت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (لحرمه) حِين أحرم، ولحله قبل أَن يفِيض بأطيب مَا وجدت» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» ، وَأم [أبي] الرِّجَال هِيَ «عمْرَة» قَالَ - أَعنِي: الْبَيْهَقِيّ -: وَقد رويتُ (تِلْكَ اللَّفْظَة) فِي حَدِيث أُمِّ سَلمَة مَعَ حكم (آخر) ، لَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء قَالَ بذلك. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى أُمِّ سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَت (اللَّيْلَة) الَّتِي يَدُور فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسَاء لَيْلَة النَّحْر، فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عِنْدِي؛ فَدخل عليَّ وهبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 بن زَمعَة وَرجل من (آل) أبي أُميَّة (متقمصين) ، فَقَالَ لَهما رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أفضتما؟ (قَالَا) : لَا. قَالَ: فانزعا قميصكما. (فنزعاهما) ، قَالَ وهب: ولِمَ يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: هَذَا يَوْم أرخص لكم فِيهِ إِذا رميتم الْجَمْرَة، ونحرتم هَديا إِن كَانَ لكم فقد حللتم من كل شيءٍ حُرِمْتُم مِنْهُ إِلَّا النِّسَاء حَتَّى تطوفوا بِالْبَيْتِ، فَإِذا أمسيتم وَلم تفيضوا صرتم حرما كَمَا كُنْتُم أوَّل مرةٍ، حَتَّى تفيضوا بِالْبَيْتِ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن هَذَا يَوْم (رخَّص) لكم إِذا رميتم الْجَمْرَة أَن تَحِلُّوا من كل مَا حرمتم مِنْهُ إِلَّا النِّسَاء، فَإِذا أمسيتم قبل أَن تطوفوا بِهَذَا الْبَيْت (صرتم) حُرُمًا كهيئتكم قبل أَن ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطوفوا» . وَهَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ثمَّ الحاكمُ فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الْحَج بِاللَّفْظِ الأول، وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، (و) لَكِن صرَّح (بِالتَّحْدِيثِ) فَقَالَ: «ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله بن زَمعَة» . وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ عَن عبد الله بن الزبير (أَنه) قَالَ: (مِنْ سُنَّة الْحَج أَن يُصَلِّي الإِمَام الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعشاءَ الآخرةَ، والصبحَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 بمنى، ثمَّ يَغْدُو إِلَى عَرَفَة فيقيل حَيْثُ قضي لَهُ، حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس خطب الناسَ، ثمَّ صلَّى الظّهْر وَالْعصر (جَمِيعًا) ، ثمَّ وقف بِعَرَفَات حَتَّى تغيب الشَّمْس، ثمَّ يفِيض فيصلِّي بِالْمُزْدَلِفَةِ أَو حَيْثُ قَضَى الله، ثمَّ يقف بِجمع حَتَّى (أَسْفر دفع) قبل طُلُوع الشَّمْس، فَإِذا رَمَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى حلَّ لَهُ كلُّ شَيْء حرم عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاء وَالطّيب، حَتَّى يزور الْبَيْت» . وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «سنَن النَّسَائِيّ» وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا رميتم الْجَمْرَة فقد حلّ لكم كلُّ شيءٍ إِلَّا النِّسَاء، فَقَالَ (لَهُ) (رجل) : يَا ابْن عَبَّاس، وَالطّيب؟ فَقَالَ: أما أَنا فقد رأيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يضمح رَأسه بالطيب، (فَلَا أَدْرِي) أطيب ذَلِك أم لَا» . إِسْنَاده حسن كَمَا قَالَه الْمُنْذِرِيّ وَغَيره، إِلَّا أَن يَحْيَى بْنَ معِين وَغَيره قَالُوا: يُقَال: إِن الْحسن العرني لم يسمع من ابْن عَبَّاس نعم فِي «مُسْند أَحْمد» عَنهُ قَالَ: ذُكِرَ عِنْد ابْن عَبَّاس: «يقطع الصلاةَ المرأةُ والكلبُ والحمارُ؟ قَالَ: بئس مَا (عدلتم) بامرأةٍ مسلمة كَلْبا وَحِمَارًا ... » (و) ذكر الحَدِيث بِطُولِهِ، وَظَاهر هَذَا سَمَاعه مِنْهُ. ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 كُله أَن الرافعيَّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن الْحلق نسك، قَالَ: فعلق الْحل بِالْحلقِ كَمَا علقه بِالرَّمْي. وَقد علمتَ ضعف الحَدِيث، فَإِن فِي بعض الرِّوَايَات علقه بِالذبْحِ، وَلَا قَائِل بِأَن التَّحَلُّل يقف عَلَيْهِ، وَلَو اسْتدلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الآتى الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من طَرِيق عبد الله بن عَمرو: «أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: حلقتُ قبل أَن أرمي؟ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حرج» . وَجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه لَو لم يكن نُسكًا لما جَازَ تَقْدِيمه عَلَى الرَّمْي، وَفِي «صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان» (فِي) حَدِيث طَوِيل: «أَن للحالق بِكُل شَعْرَة سَقَطت من رَأسه نورا يَوْم الْقِيَامَة» وَوَقع لِابْنِ الرّفْعَة فِي هَذَا الحَدِيث شَيْء غَرِيب، فَإِنَّهُ لما ذكر قولَ صَاحب «التَّنْبِيه» : فَإِن قُلْنَا إِن الْحلق نسك، حصل لَهُ التَّحَلُّل الأول بِاثْنَيْنِ من ثَلَاثَة وَهِي: الرَّمْي وَالْحلق وَالطّواف. ثمَّ اسْتدلَّ بِلَفْظ أبي دَاوُد السالف، ثمَّ قَالَ: وَفِي كتب الْفُقَهَاء: « (إِذا) رميتم وحلقتم ... » الحَدِيث، وَهُوَ غَرِيب؛ (فَإِنَّهُ عزاهُ) إِلَى كتب الْفُقَهَاء، ونفيه عَن كتب الحَدِيث هُوَ مَا أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وغيرُه كَمَا عَرفته، فتنبَّهْ (لذَلِك) ؛ فَإِنَّهُ من الْغَرِيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 الحَدِيث الثَّانِي بعد السّبْعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاء حلق وَإِنَّمَا (يقصرن) » . (هَذَا الحَدِيث) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن الْحسن (الْعَتكِي) ، نَا مُحَمَّد بن بكر، نَا ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي عَن صَفِيَّة بنت شيبَة قَالَت: أَخْبَرتنِي أم عُثْمَان: أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاء حلق، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاء التَّقْصِير» . قَالَ أَبُو دَاوُد: (و) نَا رجل ثِقَة يكنى: أَبَا يَعْقُوب، نَا هِشَام بن يُوسُف، عَن ابْن جريج، عَن (عبد الحميد) بن جُبَير بن شيبَة، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة قَالَت: أَخْبَرتنِي أم عُثْمَان بنت أبي سُفْيَان أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله. سكت أَبُو دَاوُد عَلَيْهِ وَلم يُضعفهُ، فَهُوَ حُجَّة عَلَى قَاعِدَته، وَتَبعهُ عَلَى سُكُوته (عَلَيْهِ) عبدُ الْحق فِي «أَحْكَامه» ، وصرَّح النوويُّ فِي «شرح المهذَّب» بحُسْن إِسْنَاده، وَتعقب ابْنُ الْقطَّان عبد الْحق فَقَالَ: سكت عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِك تَصْحِيحا لَهُ مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 مُنْقَطع، (أما) ضَعْفُه فإنَّ أُمَّ عُثْمَان بنت أبي سُفْيَان لَا يعرف لَهَا حَال - قلت: لَا يُحْتاج إِلَى معرفَة حَالهَا، فَإِنَّهَا صحابية، وَهِي (أم بني) شيبَة الأكابر - وَأما انْقِطَاعه فبيِّن، أما طَرِيق أبي دَاوُد الأول فموضعه قَول ابْن جريج: «بَلغنِي عَن صَفِيَّة» ، وَأما الثَّانِي: فموضعه قَول أبي دَاوُد: «نَا رجل ثِقَة يكنى أَبَا يَعْقُوب» (فَإنَّا) لَا نَعْرِف الَّذِي حدَّث بِهِ حَتَّى يوضع فِيهِ النّظر، فَهُوَ بِمَثَابَة من لم يذكر، فَإِن فسَّر مُفَسّر (بِأَنَّهُ) أَبُو يَعْقُوب (إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن أبي إِسْرَائِيل) ؛ فَإِنَّهُ يَرْوي هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام بن يُوسُف، لم يقنع مِنْهُ بذلك، وَهُوَ أَيْضا رجل قد عُلم لَهُ رَأْي فَاسد يتجرح بِهِ تَركه النَّاس من أَجله، وَهُوَ الْوَقْف فِي أَن الْقُرْآن مَخْلُوق، وَإِن كَانَ لَا يُؤْتَى من جِهَة الصدْق، (و) من طَرِيقه ذكر الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث عَن الْبَغَوِيّ عَنهُ. قلت: وَتَابعه إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، عَن هِشَام وَسَعِيد القداح، عَن ابْن جريج، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سألتُ أبي عَن حديثٍ رَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، عَن هِشَام بن يُوسُف، عَن ابْن جريج، عَن عبد الحميد، عَن صَفِيَّة، عَن أم عُثْمَان، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ سعيد القداح عَن ابْن جريج عَن صَفِيَّة بِهِ. وَلم يذكر «عبد الحميد» فَقَالَ: هِشَام بن يُوسُف ثِقَة متقن. قلت: وَتَابعه يَعْقُوب (بن) عَطاء، عَن صَفِيَّة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي بكر بن عَيَّاش عَن يَعْقُوب بن عَطاء، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن أم عُثْمَان، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا (بِهِ) ، وَيَعْقُوب هَذَا ضَعَّفه أَحْمد، (وَيَحْيَى) وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان. الحَدِيث الثَّالِث بعد السّبْعين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر أَصْحَابه أَن يَحْلِقُوا أَو يقصِّرُوا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم عَنهُ: «أَنه حج مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام سَاق الْهَدْي مَعَه، وَقد أهلوا بِالْحَجِّ مُفردا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: حلوا من إحرامكم، وطوفوا بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة، وَأقِيمُوا (حَلَالا) » الحَدِيث. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا بِلَفْظ: «أحلُّوا من إحرامكم بِطواف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 (الْبَيْت) وَبَين الصَّفَا والمروة، وقصِّرُوا، ثمَّ أقِيمُوا (حَلَالا) » (الحَدِيث) . الحَدِيث الرَّابِع بعد السّبْعين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رحم الله المحلقين. قيل: يَا رَسُول الله، والمقصرين؟ قَالَ: رحم الله المحلقين. قيل: يَا رَسُول الله، والمقصرين؟ قَالَ: رحم الله المحلقين. قيل: يَا رَسُول الله، والمقصرين؟ (قَالَ: والمقصرين) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ اللَّيْث عَن نَافِع: «رحم الله المحلقين. مرّة أَو مرَّتَيْنِ» وَقَالَ: حَدثنِي عبيد الله عَن نَافِع قَالَ فِي الرَّابِعَة: «والمقصرين» . وَأَخْرَجَاهُ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة بِمثلِهِ، وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة أم الْحصين، وَأخرجه أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَقد ذكرتُها فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» مَعَ ذكر سَبَب الحَدِيث، فَليُرَاجع مِنْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 الحَدِيث الْخَامِس بعد السّبْعين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أوَّل مَا قَدِم (من) منًِى رَمَى جَمْرَة الْعقبَة، ثمَّ ذبح، ثمَّ حلق، ثمَّ طَاف للإفاضة» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه مُسلم كَذَلِك من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا سلف إِلَّا الْحلق، فَإِنَّهُ ثَابت من حَدِيث أنس كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيثه كَمَا سلف أَيْضا، وَأما حَدِيث عَائِشَة وَابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أخَّر (طَوَافه) يَوْم النَّحْر إِلَى اللَّيْل» فمخالف (لهَذَا، وَقد سلف) ، وَهُوَ مؤوَّل كَمَا أوضحته فِي «تخريجي لأحاديث المهذَّب» . الحَدِيث السَّادِس بعد السّبْعين عَن عبد الله بن عَمرو قَالَ: «وقف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حجَّة الْوَدَاع بمنى للنَّاس يسألونه، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، إِنِّي حلقتُ قبل أَن أرمي؟ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حرج. وَأَتَاهُ آخرُ فَقَالَ: إِنِّي ذبحتُ قبل أَن أرمي؟ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حرج. وَأَتَاهُ آخرُ فَقَالَ: إِنِّي أفضتُ إِلَى الْبَيْت قبل أَن أرمي؟ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حرج. فَمَا سُئِلَ عَن شيءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: افعلْ وَلَا حرج» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 طرق، وَأَخْرَجَا نَحوه من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الحَدِيث السَّابِع بعد السّبْعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمَرَ أُمَّ سَلمَة لَيْلَة النَّحْر، فرمت جَمْرَة الْعقبَة قبل (الْفجْر) ، ثمَّ أفاضت، وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم يَوْمهَا من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سبق فِي الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس بعد السِّتين. الحَدِيث الثَّامِن بعد السّبْعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا رميتم وحلقْتُم فقد حلَّ لكم الطيبُ واللباسُ وكلُّ شيءٍ إِلَّا النِّسَاء» . هَذَا الحَدِيث (تقدم) قَرِيبا وَاضحا. الحَدِيث التَّاسِع بعد السّبْعين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «طيَّبْتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لإحرامه قبل أَن يُحْرِمَ، ولحلِّه قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف فِي بَاب سنَن الْإِحْرَام، وَاضحا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 الحَدِيث الثَّمَانُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك نُسُكًَا فَعَلَيهِ دم» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الْمَوَاقِيت، وَأَنه مَوْقُوف. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّمَانِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَات بمنى ليَالِي التَّشْرِيق، وَقَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم» . هُوَ كَمَا ذكر، أما مبيته بمنى فَصَحِيح مَشْهُور، (وبَيَّنَه) حديثُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أَفَاضَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من آخر يَوْمه يَوْم النَّحْر (حِين) صلَّى الظهرَ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى فَمَكثَ بهَا ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق، يَرْمِي الجمرَةَ إِذا زَالَت الشَّمْس ... » الحَدِيث. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَححهُ ابْنُ حبَان، وَالْحَاكِم وَقَالَ: عَلَى شَرط مُسلم. وَأما قَوْله: «خُذُوا عنِّي مناسكَكم» فقد سلف فِي أَوَائِل الْبَاب. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّمَانِينَ (عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) «أَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 استأذنَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يبيت بِمَكَّة ليَالِي منى لأجْلِ سقايته؛ فأذِنَ لَهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه كَذَلِك. وَفِي رِوَايَة (للْبُخَارِيّ) : «رخَّص النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » كَذَا قَالَ من غير زِيَادَة. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّمَانِينَ عَن عَاصِم بن عدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رخَّص للرعاة أَن (يتْركُوا) الْمبيت بمنى، ويرموا يَوْم النَّحْر جمرةَ الْعقبَة، ثمَّ يرموا يَوْم النَّفْر الأوَّل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الأئمةُ: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وأحمدُ فِي «الْمسند» وأصحابُ «السّنَن» الْأَرْبَعَة وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» والحاكمُ فِي «مُسْتَدْركه» . رَوَاهُ مَالك عَن عبد الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن (أبي) البدَّاح عَاصِم بن عدي، عَن أَبِيه. كَذَا فِي رِوَايَة يَحْيَى بن يَحْيَى، كَمَا قَالَ أَحْمد بن خَالِد قَالَ: وَيَحْيَى وَحده من بَين أَصْحَاب مَالك قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث عَن مَالك بِإِسْنَادِهِ «أَن أَبَا البدَّاح عَاصِم بن عدي» فَجعل أَبَا البدَّاح كنية عَاصِم بن عدي، وجَعَل الحَدِيث لَهُ. (قَالَ ابْن عبد الْبر: والْحَدِيث) إِنَّمَا (هُوَ) لعاصم بن عدي، هُوَ الصاحب، وَأَبُو البدَّاح ابْنُه يرويهِ عَنهُ، وَهُوَ الصَّحِيح فِيهِ: عَن أبي البدَّاح بن عَاصِم بن عدي عَن أَبِيه. قيل: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وهب وابْنُ الْقَاسِم، قَالَ أَبُو عمر: لم نجد عِنْد شُيُوخنَا فِي كتب يَحْيَى إلاَّ عَن أبي البداح بن عَاصِم بن عدي، كَمَا رَوَاهُ جماعةُ الروَاة عَن مَالك، وَهُوَ الصَّحِيح فِي إِسْنَاد هَذَا (الْبَاب) كَمَا قَالَ أَحْمد - يَعْنِي: ابْن خَالِد - فَإِن كَانَ [يَحْيَى] رَوَاهُ كَمَا قَالَ أَحْمد فَهُوَ غلط من يَحْيَى، وَالله أعلم، أَو من غَيره، وَلم يَخْتَلِفُوا فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَن مَالك إِلَّا مَا ذكر أَحْمد عَن يَحْيَى. وَرَوَاهُ أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن، عَن مَالك، كَمَا فِي رِوَايَة يَحْيَى بن يَحْيَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمرو بن حزم، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 أَبِيه، عَن أبي البدَّاح بن عدي، عَن أَبِيه، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ مَالك (بن أنس، عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن أبي البداح بن عَاصِم بن عدي، عَن أَبِيه. قَالَ: وَرِوَايَة مَالك) أصح. قَالَ: وَهُوَ حَدِيث حسن صَحِيح. قلت: وَمَعْنى قَوْله: «رِوَايَة مَالك أصح» : أَن سُفْيَان اختُلف عَلَيْهِ فَرُبمَا قيل: عَن أبي البداح بن عدي، بِدُونِ ذكر أَبِيه، نبَّه (عَلَيْهِ) صاحبُ «الإِمَام» ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَالك، وَفِيه: عَن أبي البداح بن عَاصِم عَن أَبِيه، وَمن حَدِيث أبي البداح بن عدي، عَن أَبِيه، (وَرَوَاهُ النسائيّ من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي البداح بن عدي عَن أَبِيه) ، (و) من حَدِيث أبي البداح بن عَاصِم، عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ ابْن حبَان كَمَا رَوَاهُ مَالك أوَّلاً، وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث أبي البداح بن عدي عَن أَبِيه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَأَبُو البداح هُوَ ابْن عَاصِم بن عدي، وَهُوَ مَشْهُور فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 (التَّابِعين) ، وَعَاصِم بن عدي مَشْهُور فِي الصَّحَابَة، وَهُوَ صَاحب اللِّعَان، فَمن قَالَ: «عَن أبي البداح بن عدي» فَإِنَّهُ نسبه إِلَى جدِّه. قَالَ: (وبصحة) مَا ذكرتُه حَدثنِي أَبُو (عَلّي الْحسن) بن عَلّي بن دَاوُد. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى مَالك عَن عبد الله بن أَبَى بكر بن مُحَمَّد بن عَمرو بن حزم، عَن أَبِيه أَن ابْن عَاصِم بن عدي أخبرهُ، عَن أَبِيه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره. (هَذَا) مَا ذكره الْحَاكِم فِي كتاب الْحَج، وَذكره فِي كتاب المناقب فِي تَرْجَمَة عَاصِم بن عدي، فَقَالَ: ولعاصمٍ حَدِيث مَشْهُور. فَذكره بِإِسْنَاد مَالك الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، جوَّده مَالك بن أنس، وزلق فِيهِ غيرُه. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ فِي حَدِيث أبي البداح بن عَاصِم بن عدي: يرويهِ مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن (أبي) البداح بن عَاصِم بن عدي، عَن أَبِيه (مَرْفُوعا) . (قَالَ: وَحدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن أبي البداح بن (عَاصِم) ، عَن أَبِيه مَرْفُوعا) . قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ مَالك. قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ سُفْيَان إِذا حدّثنا بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: ذهب عني فِي هَذَا الحَدِيث شَيْء. قلت: هَذَا مَا يتَعَلَّق بِإِسْنَادِهِ، وَأما أَلْفَاظه، فَلفظ مَالك: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أرخص لرعاء الْإِبِل فِي البيتوتة عَن منى، يرْمونَ يَوْم النَّحْر، ثمَّ يرْمونَ الْغَد ومِنْ بعد الْغَد ليومين، ثمَّ يرْمونَ يَوْم النَّفْرِ» . هَذَا مَا رأيتُه من طَرِيق يَحْيَى بن يَحْيَى. وَذكر أَبُو عُمر: أَن الْقطَّان لم يقل فِي حَدِيثه هَذَا عَن مَالك: «ثمَّ يرْمونَ يَوْم النَّفْر» ، وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» . قَالَ صَاحب «الإِمَام» : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى الْقطَّان «رخَّص للرعَاء فِي البيتوتة» وَلم يقل: «عَن منى» ، وَفِي رِوَايَة: «يرْمونَ يَوْم النَّحْر واليومين (اللَّذَيْن) بعده» . قَالَ مَالك بعد سِيَاقه مَا نقلتُه لَك من رِوَايَته: نرَى - واللَّهُ أعلم - فِي تَفْسِير ذَلِك: أَنهم يرْمونَ يَوْم النَّحْر، فَإِذا مَضَى الْيَوْم الَّذِي يَلِي يَوْم النَّحْر رموا من الْغَد، وَذَلِكَ يَوْم النَّفر الأوَّل، ويرمون لليوم الَّذِي مَضَى، ثمَّ يرْمونَ ليومهم (ذَلِك) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضي أحد شَيْئا حَتَّى يجب عَلَيْهِ، فَإِذا وَجب عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ القضاءُ بعد ذَلِك، فَإِن بدا لَهُم فِي النَّفر فقد فرغوا، وَإِن أقامُوا إِلَى الْغَد رَمَوا مَعَ النَّاس يَوْم النَّفر الآخر، ونفروا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 وَلَفظ أَحْمد كَرِواية مَالك (الأولَى) ، إِلَّا أَنه قَالَ: «يرْمونَ الْغَد أَو من (بعد) الْغَد ليومين» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «أرخِص لرعاء الْإِبِل فِي البيتوتة عَن منى، يرْمونَ يَوْم النَّحْر (ثمَّ) يجمعُونَ رمْيَ يَوْمَيْنِ بعد يَوْم النَّحْر، فيرمونه فِي أَحدهمَا» . قَالَ: قَالَ مَالك: ظننا أَنه قَالَ فِي الأول مِنْهُمَا: «ثمَّ يرْمونَ يَوْم النَّفْر» ، وَفِي أُخْرَى (لَهُ) وَلأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام (رخَّص) للرعاء أَن يرموا يَوْمًا ويَدَعُوا يَوْمًا» . وَفِي رِوَايَة للنسائي: «أَنه رخَّص للرعاء فِي البيتوتة، يرْمونَ يَوْم النَّحْر واليومين (اللَّذين) بعده، (يجمعونه) فِي أَحدهمَا» . وَلَفظ ابْن مَاجَه فِي الأولَى: «رخص للرعاء أَن يرموا يَوْمًا ويَدَعُوا يَوْمًا» . وَفِي الثَّانِيَة: «رخص لرعاء الْإِبِل فِي البيتوتة أَن يرموا يَوْم النَّحْر، ثمَّ يجمعوا رمي يَوْمَيْنِ بعد النَّحْر فيرمونه فِي أَحدهمَا» . قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 مَالك: ظننتُ أَنه قَالَ فِي الأوَّل مِنْهُمَا: «ثمَّ يرْمونَ يَوْم النَّفر» . وَلَفظ ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَلَفْظِ أبي دَاوُد، (وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم كَلَفْظِ مَالك) ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رخص لَهُم أَن يرموها لَيْلًا» . فَائِدَة: البَدَّاح: بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، ثمَّ دَال مُهْملَة مُشَدّدَة، ثمَّ ألِف، ثمَّ حاء مُهْملَة، وَأَبُو البداح هَذَا مَشْهُور فِي التَّابِعين، ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، قَالَ: وَيُقَال: إِن لَهُ صُحْبَة. قَالَ: وَفِي الْقلب مِنْهُ شَيْء لِكَثْرَة الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده. وَقَالَ الصريفيني: الْأَصَح أَن لَهُ صُحْبَة. وَكَذَا صَححهُ ابْن عبد الْبر فِي كتاب « (الِاسْتِيعَاب» وَفِي) كتاب أبي مُوسَى: أَنه زوج جُمَيْل بنت يسَار أُخْت معقل الَّتِي عضلها، ووالده: عَاصِم بن عدي صَحَابِيّ مَشْهُور بَدْرِي (أُحُدِي) سيد بني العجلان. فَائِدَة أُخْرَى: رِعاء الْإِبِل: بِكَسْر الرَّاء وبالمد، جمع رَاع، كصاحب وصِحَاب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّمَانِينَ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَمَى الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر ضُحًى، ثمَّ لم يَرْمِ فِي سَائِر الْأَيَّام حَتَّى زَالَت الشَّمْس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك من حَدِيث أبي الزبير عَنهُ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِسَمَاع أبي الزبير مِنْهُ، وَقد ثَبت سَمَاعه مِنْهُ فِي رِوَايَة أبي ذرّ الهرويِّ، فَذكره عَن أبي الزبير قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول: «رَأَيْت النبى (رَمَى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر ضُحًى، وَأما بَعْدُ فَإِذا زالتِ الشمسُ» . وَقد أخرجه ابنُ حزم فِي كِتَابه «حجَّة الْوَدَاع» من طَرِيق مُسلم، وَلم (يتعقبه) ، وَلَعَلَّ سَببه مَا ذَكرْنَاهُ من التَّصْرِيح بِسَمَاع أبي الزبير من جَابر عَلَى طَرِيقَته، وَذكره البخاريُّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا بِصِيغَة (جَزْمٍ) فَقَالَ: وَقَالَ جَابر: «رَمَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم النَّحْر ضُحًى، وَرَمَى بعد ذَلِك بعد الزَّوَال» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ: «لَا أرمي حَتَّى (تزِيغ) الشَّمْس؛ إِن جَابر بن عبد الله قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَرْمِي يَوْم النَّحْر قبل الزَّوَال، فَأَما بعد ذَلِك فَعِنْدَ الزَّوَال» . (ثمَّ قَالَ) : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّمَانِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَمَى بالأحجار، وَقَالَ: بِمثل هَذَا فارموا» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن الْفضل بن عَبَّاس، وَكَانَ رَدِيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَالَ فِي عَشَّيةِ عَرَفَة وغداة جمْع للنَّاس حِين دفعُوا: عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ. وَهُوَ كَاف نَاقَته حَتَّى دخل محسرًا، وَهُوَ من منى قَالَ: عَلَيْكُم بحصى الْخذف الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَة» . (وَرَوَاهُ أَبُو ذَر الهرويُّ بإسنادٍ حسنٍ كَمَا قَالَه صَاحب «الإِمَام» ، وَلَفظه: عَن الْفضل قَالَ: «كنت (رَدِيف) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم النَّحْر فَقَالَ: القط لي حَصَيَات. (فَلَقَطْتُ) لَهُ حَصَيَات هن قدر الْخذف، فَقَالَ بِهِنَّ فِي يَده: بأمثالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُم والغُلُو فِي الدِّين؛ فَإِنَّمَا (أَهْلَك) مَنْ كَانَ (قبلكُمْ الغلو فِي الدَّين) » . وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» و «سنَن ابْن مَاجَه» و (صحيحي) ابْن حبَان وَالْحَاكِم من (حَدِيث) ابْن عَبَّاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَدَاة الْعقبَة وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته: هاتِ - القط - (لي) فلقطت (لَهُ) حَصَيَات مثل حَصى الْخذف، فلمَّا وضعتهم فِي يَده قَالَ: بأمْثال هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُم والغلو فِي الدَّين، فَإِنَّمَا هلك مَنْ كَانَ قبلكُمْ بالغلو فِي الدَّين» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أَخِيه الْفضل بن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: (رَوَاهُ) جمَاعَة عَن عَوْف مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ، فَلم يقل مِنْهُم أحد: عَن ابْن عَبَّاس عَن أَخِيه إِلَّا جَعْفَر بن سُلَيْمَان، وَلَا رَوَاهُ عَنهُ إِلَّا عبد الرَّزَّاق. قلت: (قد) أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي الزبير، عَن أبي (معبد) ، عَن ابْن عَبَّاس، عَن الْفضل بن عَبَّاس: «أَنه كَانَ رَدِيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَوقف يهلل (وَيكبر وَيَدْعُو فَلَمَّا دفع) النَّاس صَاح: عليكمُ السكينةَ. فلمَّا بلغ الشِّعْبَ أهْرَاقَ الماءَ، وَتَوَضَّأ ثمَّ ركب، فَلَمَّا قدم الْمزْدَلِفَة جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْح وقف، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 فلمَّا نَفَرَ دَفَعَ النَّاس، فَقَالَ حِين دفعُوا: عَلَيْكُم السكينَة. وَهُوَ كافّ راحلتَهُ، حَتَّى إِذا دخل بطن منى، قَالَ: عَلَيْكُم بحصى الْخذف (أَن) يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَة. وَهُوَ فِي ذَلِك يُهلل، حَتَّى رَمَى الْجَمْرَة» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْفضل بِنَحْوِهِ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي «مُسْند أَحْمد» : نَا عَفَّان، نَا [وُهَيْب] ، نَا عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن يَحْيَى بن هِنْد أَنه سمع حَرْمَلَة بن عَمْرو قَالَ: «حججْت حجَّة الْوَدَاع (مُرْدِفي) عمي سِنَان بن (سَنَّة) ، فَلَمَّا وقفنا بِعَرَفَات رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاضِعا إِحْدَى أصبعيه عَلَى الْأُخْرَى؛ فَقلت لعمِّي: مَاذَا يَقُول رَسُول الله؟ قَالَ: يَقُول: ارموا الْجَمْرَة بِمثل حَصى الْخذف» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث سُلَيْمَان بن عَمْرو بن الْأَحْوَص عَن أمه مَرْفُوعا: «يَا أَيهَا النَّاس، لَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا، وَإِذا رميتم الْجَمْرَة فارموا بِمثل حَصى الْخذف» . وَإِسْنَاده جيد كَمَا قَرّرته فِي «تخريجي (لأحاديث) الْمُهَذّب» ، وَفِيه غير ذَلِك من الْأَحَادِيث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 (فَائِدَة: الْخذف: (بِالْخَاءِ) والذال المعجمتين) . الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّمَانِينَ (أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «عَلَيْكُم بحصى الْخذف» ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا عَرفته آنِفا، قَالَ الرَّافِعِيّ قبل هَذَا بِوَرَقَة: وَجُمْلَة مَا يُرْمَى فِي الْحَج سَبْعُونَ حَصَاة، يَرْمِي إِلَى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر سبع حَصَيَات، وَإِحْدَى وَعشْرين فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق إِلَى الجمرات الثَّلَاث، إِلَى كل (وَاحِدَة) سبع، تَوَاتر النَّقْل بِهِ قولا وفعلاً. هَذَا لَفظه، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالْأَحَادِيث مَشْهُورَة بذلك. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّمَانِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَمَى الحصيات فِي سبع رميات، وَقَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم» . هَذَا (الحَدِيث) كُله صَحِيح، أما الأول: فَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث جَابر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الشَّجَرَة - يَعْنِي: جَمْرَة الْعقبَة - فَرَمَاهَا بِسبع حَصَيَات، يكبر مَعَ كل حَصَاة» . وَسَيَأْتِي بعده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 (من) حَدِيث ابْن عمر أَيْضا. وَأما الثَّانِي: وَهُوَ قَوْله: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» فسلف غير مرّة. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّمَانِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَتَّبَ بَين الجمرات الثَّلَاث، وَقَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن سَالم بن عبد الله: «أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَة الدُّنْيَا بِسبع حَصَيَات، يكبر (مَعَ كل حَصَاة) ، ثمَّ يتَقَدَّم فيُسْهِل فَيقوم مُسْتَقْبل الْقبْلَة طَويلا، وَيَدْعُو وَيرْفَع يَدَيْهِ، ثمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثمَّ يَأْخُذ (ذَات) الشمَال، فيسهل فَيقوم مُسْتَقْبل الْقبْلَة، ثمَّ يَدْعُو وَيرْفَع يَدَيْهِ، وَيقوم طَويلا، ثمَّ يَرْمِي الْجَمْرَة ذَات الْعقبَة من بطن (الْوَادي) وَلَا يقف عِنْدهَا، ثمَّ ينْصَرف وَيَقُول: هَكَذَا رأيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يَفْعَله» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الزُّهْرِيّ «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) إِذا رَمَى الْجَمْرَة الَّتِي تلِي المنحر وَمَسْجِد منى رَمَاهَا بِسبع حصياتٍ، يكبر كلما رَمَى بحصاةٍ، ثمَّ تقدَّم أمامها فَوقف مُسْتَقْبل الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو (ويطيل الْوُقُوف، ثمَّ يَأْتِي الْجَمْرَة الثَّانِيَة فيرميها بِسبع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 حَصَيَات يكبر كلما رَمَى بحصاة، ثمَّ ينحرف ذَات الشمَال فيقف مُسْتَقْبل الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو) ثمَّ يَرْمِي الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الْعقبَة فيرميها بِسبع حَصَيَات وَلَا يقف عِنْدهَا» قَالَ الزُّهْرِيّ: سمعتُ سالما يحدِّث بِهَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله. وَرَوَى النسائيُّ وَالْحَاكِم (هَذِه) الرِّوَايَة، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقد عرفت أَنه فِي «البُخَارِيّ» ؛ فَيكون الِاسْتِدْرَاك عَلَى مُسلم فَقَط، وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «سنَن أبي دَاوُد» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أَفَاضَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من آخر يَوْمه يَوْم النَّحْر (حِين) صلَّى الظهرَ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى فَمَكثَ بهَا ليَالِي أيامِ التَّشْرِيق، يَرْمِي الجمرةَ إِذا زَالَت الشَّمْس، كل جَمْرَة بِسبع حصياتٍ، يكبِّر مَعَ كل حَصَاة، وَيقف عِنْد الأولَى وَالثَّانيَِة ويتضرع وَيَرْمِي الثَّالِثَة وَلَا يقف عِنْدهَا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي: فِي ابْن إِسْحَاق مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا، لكنه عنعن، نعم صرَّح بِالتَّحْدِيثِ فِي «صَحِيح ابْن حبَان» وَفِيه: «يقف عِنْد الأولَى وَعند الْوُسْطَى بِبَطن الوداي، فيطيل الْقيام، وينصرف إِذا رَمَى الْكُبْرَى، وَلَا يقف عِنْدهَا، وَكَانَت الجِمَارُ من آثَار (أَمر مُحَمَّد) صلوَات الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 وَسَلَامه عَلَيْهِ» وَأما قَوْله: (وَقَالَ) : «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» فسلف غير مرةٍ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّمَانِينَ قَالَ الرَّافِعِيّ: «والسُّنة أَن يرفع الْيَد عِنْد الرَّمْي، فَهُوَ (أَهْون) عَلَيْهِ، وَأَن يَرْمِي أَيَّام التَّشْرِيق مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَفِي يَوْم النَّحْر مستدبرها» . كَذَلِك ورد فِي الْخَبَر. هُوَ كَمَا قَالَ، أما رفع الْيَد فقد سلف من حَدِيث ابْن عمر، وَأما رمي أَيَّام التَّشْرِيق مُسْتَقْبل الْقبْلَة فسلف من حَدِيثه أَيْضا. وَأما رمي (يَوْم) النَّحْر فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى، فَجعل الْبَيْت عَن يسَاره (وَمنى) عَن يَمِينه، وَرَمَى بِسبع وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة» وَلمُسلم فِي رِوَايَة: «جَمْرَة الْعقبَة» (وَلأَحْمَد فِي رِوَايَة «أَنه انْتَهَى إِلَى جَمْرَة الْعقبَة) فَرَمَاهَا من بطن الْوَادي ... » وَذكر الحَدِيث، وَرَوَى أَبُو معمر، عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «رَأَيْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَمَى الجمرةَ يَوْم النَّحْر وظهره مِمَّا يَلِي مَكَّة» . وَعَاصِم هَذَا قَالَ ابْن عدي: يعد مِمَّن يضع الحَدِيث. الحَدِيث التِّسْعُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلَّى الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء بالبطحاء، ثمَّ هجع بهَا هجعة، ثمَّ دخل مَكَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث نَافِع: «أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي بهَا - يَعْنِي: المحصب - الظّهْر وَالْعصر» . أَحْسبهُ قَالَ: «وَالْمغْرب» قَالَ خَالِد بن الْحَارِث - أحد رُوَاته -: لَا أَشك فِي الْعشَاء (ويهجع هجعة. وَيذكر) ذَلِك عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. (و) رَوَاهُ مُسلم عَن نَافِع: «أَن ابْن عمر كَانَ يَرْمِي التحصيب سنة، وَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر يَوْم النَّفر بالحصبة، وَقَالَ نَافِع: قد حصب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْخُلَفَاء بعده» . وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء، ثمَّ رقد رقدة بالمحصب» (وَقَالَ نَافِع: «قد حصب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلَّى الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعشاءَ، ثمَّ رقد رقدةً بالمحصب) ، ثمَّ ركب إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 الحَدِيث الْحَادِي بعد التسعين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (أَنَّهَا) قَالَت: «نزل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - المحصب وَلَيْسَ بسُنَّة، فَمن شَاءَ نزله، وَمن شَاءَ فليتركه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة: «أَنَّهَا لم تكن تفعل ذَلِك - يَعْنِي: تنزل الأبطحَ - وَقَالَت: إِنَّمَا نزله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَنْزِلاً أسمح لِخُرُوجِهِ» . وللطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا انْتظر بِهِ عَائِشَة حَتَّى تَأتي» . وَلمُسلم عَنْهَا: «نزُول الأبطح لَيْسَ بسُنَّةٍ» وَله (و) للْبُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس: «لَيْسَ التحصيب بِشَيْء؛ إِنَّمَا هُوَ منزل نزله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . فَائِدَة: المحصب: اسْم لمَكَان متسع بَين مَكَّة وَمنى، قَالَ صَاحب «الْمطَالع» وغيرُه: وَهُوَ إِلَى منى أقرب. وَأقرهُ النوويُّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَلَى ذَلِك، وَاعْترض عَلَيْهِ فِي «تهذيبه» وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 بِصَحِيح، بل هُوَ (بقُرْب) مَكَّة. قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : وَيُقَال لَهُ: الأبطح والبطحاء، وَخيف بني كنَانَة. والمحصب أَيْضا: مَوضِع الْجمار من منى. وَلَكِن لَيْسَ مرَادا هُنَا، قَالَ الرَّافِعِيّ وغيرُه: وَسمي ب «المحصب» لِاجْتِمَاع الْحَصَى فِيهِ (يحمل) السَّيْل، فَإِنَّهُ مَوضِع منهبط. وَعبارَة البكريِّ فِي «مُعْجَمه» : المحصب - بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه - مُفعل من الْحَصْبَاء، مَوضِع بِمَكَّة. الحَدِيث الثَّانِي بعد التسعين «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمَّا فرغ من أَعمال الْحَج طَاف للوداع» . هَذَا صَحِيح مَشْهُور، وَقد أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس كَمَا سلف قَرِيبا. الحَدِيث الثَّالِث بعد التسعين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يَنْفِرَنَّ أحدُكم حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنه رخَّص للحائض» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّاس يَنْصَرِفُونَ فِي كل وَجه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا يَنْفِرَنَّ أحد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس: «رخص للحائض أَن تنفر إِذا أفاضتْ» . قَالَ: وَسمعت ابْنَ عُمر يَقُول: «إِنَّهَا لَا تنفر» ، ثمَّ (سمعته) بعد يَقُول: «إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أرخص لَهُنَّ» وَأَخْرَجَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَمر النَّاس أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنه خفف عَن الْمَرْأَة الْحَائِض» . وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث ابْن عمر: «من حَجَّ هَذَا الْبَيْت فَلْيَكُن آخر عَهده بِالْبَيْتِ، إِلَّا الحيَّض؛ رخَّص لَهُنَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . (وَالِاسْتِدْلَال للْوُجُوب بِالْأولِ أَوْلى؛ لِأَن لفظ (الْأَمر) لَا يدل عَلَى الْإِيجَاب بِخُصُوصِهِ، بل يحْتَمل لَهُ وللندب كَمَا هُوَ مُقَرر فِي «الْأُصُول» ) . الحَدِيث الرَّابِع بعد التسعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا ينصرفن أحد حَتَّى يكون آخر عَهده الطّواف بِالْبَيْتِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سقناه أَيْضا من رِوَايَة ابْن عَبَّاس من «صَحِيح مُسلم» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 الحَدِيث الْخَامِس بعد التسعين «أَن صَفِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها حَاضَت، فأمَرَها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تَنْصَرِف بِلَا وداع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها من طرق عَنْهَا. الحَدِيث السَّادِس بعد التسعين رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ زارني بعد موتِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي، ومَنْ زار قَبْرِي فَلهُ الجَنَّة» . هَذَا الحَدِيث مَأْخُوذ من حديثين: أَحدهمَا: من حَدِيث هَارُون أبي قزعة، عَن رجل من آل حَاطِب، عَن حَاطِب (قَالَ) : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَنْ زارني بعد موتِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي، ومَنْ مَاتَ فِي أحد الحرمَيْن بُعِثَ من الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة» . (أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك) ، وَهَذَا الرجل مَجْهُول كَمَا (ترَى) ، وَله طَرِيق ثانٍ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بعد وفاتي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث حَفْص بن أبي دَاوُد، عَن لَيْث بن أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 سُليم، عَن مُجَاهِد، عَن (ابْن عمر) ، وَرَوَاهُ ابْن عدي بِلَفْظ: «مَنْ حج (فزارني) بعد موتِي كَانَ كَمَنْ زارني فِي حَياتِي وصحبني» . وَلَيْث هَذَا حسن الحَدِيث، ومَنْ ضعَّفه إِنَّمَا ضعَّفه لاختلاطه بِأخرَة، وَحَفْص هَذَا هُوَ (ابْن سُلَيْمَان) ، قَالَ ابْن عدي: وَأَبُو الرّبيع الزهْرَانِي يُسَمِّيه حفصَ بن أبي دَاوُد لضَعْفه، وَهُوَ حَفْص (بن سُلَيْمَان) (الغَاضِرِيّ) الْمُقْرِئ (الإِمَام. قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ) (وَوَثَّقَهُ وَكِيع، قَالَ أَحْمد: صالحُ. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: مَا بِهِ بَأْس) وَقَالَ يَحْيَى بن معِين فِي رِوَايَة أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ: لَيْسَ بشيءٍ، وَمن أَحَادِيثه: «صنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء، وَصدقَة السِّرِّ تطفئُ غضبَ الرَّبِّ» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ حَفْص، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي بِزِيَادَة «كثير بْنِ شنظير» (بَين) «حَفْص» و «لَيْث» بِلَفْظ: «مَنْ حَجَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 فزارني بعد وفاتي (عِنْد) قَبْرِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي» . و «كثير» هَذَا من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وإنْ ليَّنَه أَبُو زرْعَة، وصوَّب ابنُ عَسَاكِر الرِّوَايَة الَّتِي بإسقاطه، عَلَى أَن «حفصًا» هَذَا تَابعه عليُّ بن الْحسن بن هَارُون الْأنْصَارِيّ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» و «أكبرها» من حَدِيث أَحْمد بن رشدين عَنهُ، عَن اللَّيْث ابْن بنت اللَّيْث بن أبي سليم قَالَ: حَدَّثتنِي جدتي عَائِشَة بنت يُونُس امْرَأَة اللَّيْث، عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «مَنْ زار قَبْرِي كَانَ كَمَنْ زارني فِي حَياتِي» . ووَهِمَ بَعضهم فَجعل «حَفْصًا» جَعْفَرَ بن سُلَيْمَان الضبعِي، كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْنُ عَسَاكِر أَبُو اليُمْن بن أبي الْحسن فِي كِتَابه «إتحاف الزائر» ، قَالَ: وَتفرد بقوله: «وصحبني» الحسنُ بْنُ الطّيب، وَفِيه نظر. قلت: (و) رُوي أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ العقيليُّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» من حَدِيث فضَالة بن سعيد أبي زميل (المأربي) ، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى (المأربي) ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «مَنْ زارني فِي مماتي (فَكَانَ) كَمَنْ زارني فِي حَياتِي، ومَنْ زارني حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى قَبْرِي كنت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شَهِيدا - أَو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 قَالَ: شَفِيعًا» . قَالَ العقيليُّ: فضَالة بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى لَا يُتابع عَلَى حَدِيثه، وَلَا يُعْرف إِلَّا بِهِ. وَفِيه أَيْضا من حَدِيث هَارُون بن قزعة عَن رجل من آل الْخطاب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ زارني (مُتَعَمدا) كَانَ فِي (جِوَاري) يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ البُخَارِيّ: (هَارُون) مديني، لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وأمَّا الحَدِيث الثَّانِي: فَهُوَ (مَنْ زار قَبْرِي فَلهُ الجَنَّة ... » (فَرَوَاهُ) بِنَحْوِهِ الدَّارَقُطْنِيّ (عَن) القَاضِي الْمحَامِلِي (نَا) عبيد الله بن مُحَمَّد الْوراق، ثَنَا مُوسَى بن هِلَال الْعَبْدي، عَن عبيد الله بن عُمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر مَرْفُوعا: «مَنْ زار قَبْرِي وجبتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَهَذَا إِسْنَاد جيد، لَكِن مُوسَى هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ بعد أَن ذكر أَن جمَاعَة رووا عَنهُ: هُوَ مَجْهُول. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «مُخْتَصر الْمُخْتَصر» عَن: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأحمسي، عَن مُوسَى بن هِلَال الْعَبْدي، عَن عبد الله بن (عمر، عَن) نَافِع، عَن ابْن عمر بِهِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يَصح حَدِيث مُوسَى وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَالرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 (قلت: قد تَابعه عبدُ الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن ابْن عُمر، أخرجه من طَرِيقه الْبَزَّار كَمَا سَتَعْلَمُهُ) . وَأما ابْن عدي فَقَالَ: (لَهُ غير هَذَا، وَأَرْجُو أَنه) (لَا) بَأْس بِهِ. لَكِن تعقبه ابْنُ الْقطَّان قَالَ: والحقُّ أَنه (لم) تثبت عَدَالَته. قَالَ: وَفِيه «الْعمريّ» أَيْضا. قلت: لَكِن رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِيهَا الْعمريّ المصغر وَهُوَ ثِقَة، وَكَذَا أخرجه مِنْ هَذَا الْوَجْه الخطيبُ الحافظُ فِي «تَلْخِيص الْمُتَشَابه» بِلَفْظ: «مَنْ زراني بعد موتِي وجبتْ لَهُ شَفَاعَتِي» . وَذكره عبدُ الْحق فِي «أَحْكَامه» من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا. وَسكت عَلَيْهِ، فَاعْترضَ عَلَيْهِ ابنُ الْقطَّان بِمَا تقدم، وَإسْنَاد الْبَزَّار لَيْسَ فِيهِ مُوسَى هَذَا، وَإِنَّمَا فِيهِ عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن أبي [عَمْرو] الْغِفَارِيّ. قَالَ البزارُّ: حدث بِأَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. و (عبد الرَّحْمَن) بن زيد (بن) أسلم، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من وَجه آخر؛ رَوَاهُ من حَدِيث أبي دَاوُد، نَا سوار بن مَيْمُون أَبُو الجرَّاح الْعَبْدي، حَدثنِي رجل من آل عمر، عَن عُمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 «مَنْ زار قَبْرِي - أَو قَالَ: من زارني - كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا، وَمن مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ بَعثه الله فِي الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِي إِسْنَاده نظر. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، (عَن سَالم) عَن ابْن عُمر مَرْفُوعا: «من جَاءَنِي زَائِرًا لَا (تعمله) حَاجَة إِلَّا زيارتي كَانَ حقًّا عليَّ أَن أكون (لَهُ) شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة» . أخرجه عَن عَبْدَانِ بن (أَحْمد) ، نَا عبد الله بن مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الْبَصْرِيّ، ثَنَا (مسلمة) بن سَالم الْجُهَنِيّ، ثَنَا عبيد الله بن عُمر بِهِ، وَعَزاهُ الضياءُ فِي «أَحْكَامه» إِلَى رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «من جَاءَنِي زَائِرًا لَا يَنْزعهُ غير زيارتي، كَانَ حقًّا عَلَى الله أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ من رِوَايَة عَبْد الله بن عمر الْعمريّ. قَالَ الإِمَام أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَالَّذِي رَأَيْته فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» : عُبَيْدَ الله بِالتَّصْغِيرِ كَمَا أسلفْتُه، فَلَعَلَّهُ فِي غير «المعجم الْكَبِير» وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 الصِّحَاح المأثورة» بِلَفْظ: «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تنزعه حَاجَة إِلَّا زيارتي كَانَ حقًّا عليَّ أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة» وصدَّرَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» لاستحباب زِيَارَة قَبره - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام - بِحَدِيث أَبَى هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: «مَا مِنْ أحد يُسلِّم عليَّ: إِلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حَتَّى أردَّ عَلَيْهِ السَّلَام» . (و) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيدٍ، ثمَّ أردفه بِحَدِيث ابْن عمر السالف. وَمن ضَعِيف الْبَاب: حَدِيث «مَنْ حَجَّ وَلم يَزُرْني فقد جفاني» رَوَاهُ الخطيبُ فِي كتاب «مَنْ رَوَى عَن مَالك» من حَدِيث مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، (و) قَالَ: تفرد بِهِ النُّعْمَان بن شبْل عَن مَالك. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب (بِحَمْد الله ومنِّه) وَذكر فِيهِ قبل حَدِيث الزِّيَارَة: أَنه يسْتَحبّ الشّرْب من مَاء زَمْزَم، وَلم يسْتَدلّ لَهُ، وَرَأَيْت أَن (أتبرع بِهِ) فَأَقُول: هُوَ حَدِيث مَشْهُور، وَله طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: من رِوَايَة عبد الله بن المؤمل، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفَعَهُ: «ماءُ زَمْزَم لِمَا شُربَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وابنُ أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، وابنُ مَاجَه والبيهقيُّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عبد الله بن المؤمل. قلت: لَا، بل تَابعه إبراهيمُ بن طهْمَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ، كَذَا أوردهُ الْبَيْهَقِيّ نَفسه فِي «سنَنه» فِيمَا بعد، فِي بَاب الرُّخْصَة فِي الْخُرُوج بِمَاء زَمْزَم. وتَبِعَ فِي الْعبارَة الأولَى العقيليَّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَاهُ عبد الله بن المؤمل، وَلَا يُتابع عَلَيْهِ. وَكَذَا ابْن حبَان (فَإِنَّهُ) قَالَ ذَلِك (فِي) تَرْجَمته، وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : إِنَّه حَدِيث حسن، أخرجه ابنُ مَاجَه. وأَعَلَّهُ ابْن الْقطَّان بِأبي الزبير عَن جَابر، وَقَالَ: تَدْلِيس أبي الزبير مَعْلُوم. قلت: قد صرّح (بِالتَّحْدِيثِ) فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب الرُّخْصَة فِي الْخُرُوج بِمَاء زَمْزَم. قلت: وَله طَرِيق آخر عَن جَابر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي « (شعب) الْإِيمَان» من حَدِيث سُوَيْد بن سعيد، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن ابْن أبي الموال، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: غَرِيب من حَدِيث ابْن أبي الموال، تفرد بِهِ سُوَيْد بن سعيد، عَن ابْن الْمُبَارك، وَرَوَى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى سُوَيْد بن سعيد قَالَ: «رَأَيْت عبد الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 بن الْمُبَارك أَتَى زَمْزَم، (فاستقى) مِنْهُ شربةً، واستقبل الْقبْلَة» . وَقَالَ ابْن أبي الموال: حُدِّثنا عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «مَاء زَمْزَم لِمَا شُرِب لَهُ. وَهَذَا أشربه (لعطش) الْقِيَامَة، ثمَّ شربه» . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «طبقاته» : ابْن أبي الموال صَدُوق عِنْدهم، واسْمه عبد الرَّحْمَن. قلت: وَذكره الشَّيْخ شرف الدَّين الدمياطي أَيْضا من حَدِيث سُوَيْد بن سعيد أَيْضا قَالَ: «رَأَيْت عبد الله بن الْمُبَارك بِمَكَّة أَتَى مَاء زَمْزَم فاستقى مِنْهُ شربةً، ثمَّ اسْتقْبل الْكَعْبَة، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن ابْن أبي الموال نَا عَن مُحَمَّد ... » فَذكره (بِهِ) سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث عَلَى رَسْمِ الصَّحِيح، فَإِن عبد الرَّحْمَن بن أبي الموال انْفَرد بِهِ البخاريُّ، وسُويد بن سعيد انْفَرد بِهِ مُسلم. قلت: لكِنهمْ تكلمُوا فِيهِ. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث مُحَمَّد بن حبيب الجارودي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 عَنْهُمَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ، فَإِن شربته تستشفي شفاكَ الله، وَإِن شربته مستعيذًا أَعَاذَك الله، وَإِن شربته لتقطع ظمأك قطعه» . قَالَ: (وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذا شرب مَاء زَمْزَم قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك علما نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وشفاءً من كل دَاء» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَهَذَا لَفظه، وَلَفظ الدارقطني مثله إِلَى قَوْله: «قَطَعَه» ، وَزَاد: «وَهِي هَزْمة جِبْرِيل، وسقيا الله عَزَّ وَجَلَّ إِسْمَاعِيل» وأبدل قَوْله: «وَإِن شربته مستعيذًا أَعَاذَك الله» بقوله: «وَإِن شربته (مستشبعًا أشبعك الله) » . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد إِن سَلِمَ من مُحَمَّد بن حبيب الجارودي. قلت: قد سَلِمَ مِنْهُ؛ قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : مُحَمَّد هَذَا قَدِمَ بغدادَ وحدَّث بهَا، وَكَانَ صَدُوقًا، لَكِن الرَّاوِي عَنهُ لَا يُعْرف حَاله وَهُوَ مُحَمَّد بن هِشَام بن عَلّي الْمروزِي. قلت: لَكِن ظَاهر كَلَام الْحَاكِم يدل عَلَى أَنه (يعرف حَاله) إِذْ لم يتَوَقَّف إِلَّا عَن الجارودي فَقَط. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن [عمر] بن الْحسن الْأُشْنَانِي القَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 صَاحب ذَاك الْمجْلس، وَضَعفه الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحسن بن أَحْمد الْخلال، ويُرْوى عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه كَذَّاب، وَلم يَصح هَذَا، وَلَكِن هَذَا الْأُشْنَانِي صَاحب بلايا، (من) ذَلِك هَذَا الحَدِيث. ثمَّ سَاقه، (و) قَالَ: ابْن حبيب صَدُوق، فآفتُه هُوَ. قَالَ: فَلَقد أَثِمَ الدَّارَقُطْنِيّ بسكوته عَنهُ، فَإِنَّهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد بَاطِل، مَا رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة قطّ بل الْمَعْرُوف حَدِيث جَابر. وَفِي «الأذكياء» لِابْنِ الْجَوْزِيّ: عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث: «مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ» فَقَالَ: حَدِيث صَحِيح. وصحَّ فِي زَمْزَم: «إِنَّهَا مباركة، إِنَّهَا طعامُ طعم» أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» ، زَاد أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده: «وشفاء سقم» . وَأما آثَار الْبَاب (فستة) : أوَّلها: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن ذكر أَن من السّنَن إِذا وَقع بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْت أَن يَقُول: «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت ... » إِلَى آخِره، وَيسْتَحب أَن يضيف إِلَيْهِ: «اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام فَحَيِّنَا ربّنَا بِالسَّلَامِ» يُرْوى ذَلِك عَن عُمر. وَفِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ: عَن ابْن عمر، وَالصَّوَاب: عَن عمر. كَذَلِك رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم، ثَنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 الْعَبَّاس بن مُحَمَّد، (نَا يَحْيَى بن معِين) ، نَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، نَا إِبْرَاهِيم بن طريف، عَن حميد بن يَعْقُوب، سمع سعيد بن الْمسيب (يَقُول: سَمِعت) من عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول (كلمة) مَا بَقِي أحد من النَّاس سَمعهَا غَيْرِي، سمعته يَقُول إِذا رَأَى الْبَيْت: «اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام، فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ» . قَالَ الْعَبَّاس: قلت ليحيى - يَعْنِي ابْن معِين -: من إِبْرَاهِيم بن طريف هَذَا؟ قَالَ: (يماني) . قلت: فَمن [حميد بن يَعْقُوب] هَذَا؟ قَالَ: رَوَى عَنهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك، وَهُوَ شَاهد لسَمَاع سعيد من عمر. كَمَا قَالَ صَاحب «الإِمَام» وَأما الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى (أَحَادِيث) «الْمُهَذّب» (عقبه) : فِي سَماع سعيد (من) عمر نظر. قلت: ورَوَاهُ عَن سعيد ابْنُه مُحَمَّد، ذكره ابْنُ الْمُغلس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 الظَّاهِرِيّ فِي كِتَابه، قَالَ: وَقد ذكر هشيم، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه: «أَن عمر كَانَ إِذا نظر إِلَى الْبَيْت قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام، حَيِّنَا رَبنَا بِالسَّلَامِ» . وَرَوَى أَيْضا من حَدِيث سعيد بِإِسْقَاط عمر، رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، نَا أَبُو الْأَحْوَص، أَنا يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ أبي إِذا دخل الْمَسْجِد اسْتقْبل القِبْلة ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام، فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ» . قَالَ: ونا سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن ابْن سعيد، عَن أَبِيه «أَنه كَانَ إِذا نظر إِلَى الْبَيْت قَالَ ... » فَذكر مثله، وَلَا مُنَافَاة بَين هَذَا وَبَين مَا سلف، قَالَ الرَّافِعِيّ: ويؤثر أَن يَقُول: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نحل عقدَة ونشدّ أُخْرَى ... » إِلَى آخِره. وَهَذَا شَيْء ذكره الشَّافِعِي حِكَايَة عَن بعض السّلف؛ (فَقَالَ) : وَقد كَانَ بعض من مَضَى من أهل الْعلم يتَكَلَّم بِكَلَام عِنْد رُؤْيَة الْبَيْت، وَرُبمَا تكلم بِهِ (عَلَى) الصَّفَا والمروة، (و) يَقُول: «مَا زلنا نحل عقدَة ... » (فَذكر نَحْوَهُ) . الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «لَا يدْخل أحد مَكَّة إِلَّا محرما» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن عبد الْملك، عَن عَطاء، (عَن) ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا يدْخل مَكَّة أحد من أَهلهَا وَلَا من غير أَهلهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 إِلَّا بِإِحْرَام» . وَقَالَ الشَّافِعِي: ثَنَا ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو، عَن أبي الشعْثَاء «أَنه رَأَى ابْن عَبَّاس يرد من جَاوز الْمَوَاقِيت غير محرم» ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ، ثمَّ ذكر الأول تَعْلِيقا. وَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «لَا يدْخل أحد مَكَّة إِلَّا بِإِحْرَام، من أَهلهَا وَمن غير أَهلهَا» . وَفِي إِسْنَاده الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَقد سلف حَاله، وَمُحَمّد بن خَالِد الوَاسِطِيّ وَهُوَ كذَّاب، رجل سوء. كَمَا قَالَه يَحْيَى، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ (إِسْمَاعِيل بن) مُسلم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «فوَاللَّه مَا دَخلهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا حاجًّا أَو مُعْتَمِرًا» . وَإِسْمَاعِيل (هَذَا) هُوَ الْمَكِّيّ وَهُوَ ضَعِيف. الْأَثر الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه كَانَ يقبل الْحجر الْأسود وَيسْجد عَلَيْهِ بجبهته» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث جَعْفَر بن عبد الله - وَهُوَ ابْن الحكم - قَالَ: «رَأَيْت مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قبل الْحجر، وَسجد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت خالَكَ ابْن عَبَّاس يقبله وَيسْجد عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: رَأَيْت عمر بن الْخطاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 قبله وَسجد (عَلَيْهِ) ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل هَكَذَا؛ فَفعلت» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: وجعفر هَذَا تَابِعِيّ أخرجَا لَهُ، فَيَنْبَغِي أَن يكون عَلَى شَرطهمَا، لَكِن الْبَزَّار أخرجه من حَدِيث جَعْفَر بن عبد الله بن عُثْمَان المَخْزُومِي، وَهُوَ ثِقَة كَمَا قَالَ أَحْمد وَأَبُو خَالِد، وَرَأَيْت من يُوهم الْحَاكِم فِي كَونه ابْن الحكم، ويصوب مَا ذكره الْبَزَّار، (وَكَذَا) رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو عَاصِم والعقيلي، وَقَالَ: فِي حَدِيثه وهم واضطراب. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق فِي عزوه إِلَى الْبَزَّار؛ فَقَالَ: لَا ذكر لَهُ من حَدِيث عمر بن الْخطاب، من كتاب الْبَزَّار، وَلَعَلَّه من بعض أَمَالِيهِ، وَإِنَّمَا أعرفهُ عِنْد ابْن السكن. فَذكره من حَدِيث جَعْفَر بن عبد الله الْحميدِي - رجل من بني حميد (من) قُرَيْش - قَالَ: (رَأَيْت) مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قبل الْحجر ثمَّ سجد عَلَيْهِ [فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت خَالك عبد الله بن عَبَّاس قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ] ثمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 قَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: واللَّهِ (إِنِّي) لأعْلم أَنَّك حجر، وَلَكِن رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل هَكَذَا ففعلتُه» . وَرَوَى الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ عَن مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قَالَ: «رَأَيْت ابْن عَبَّاس جَاءَ يَوْم التَّرويَة مسبدًا رَأسه، فَقبل الرُّكْن ثمَّ سجد عَلَيْهِ، ثمَّ قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ (ثَلَاث مَرَّات) وَرَوَى الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَ: «رأيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْجد عَلَى الْحجر» . قَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. الْأَثر الرَّابِع: يُؤثر عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا والمروة: «اللَّهُمَّ اعصمني بِدينِك وطواعيتك وطواعية رَسُولك، اللَّهُمَّ حببني إِلَيْك وَإِلَى ملائكتك ورسلك وعبادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي ممّن يحبك وَيُحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ آتني من خير مَا تؤتي بِهِ عِبَادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الْمُتَّقِينَ، واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم، واغفر لي خطيئتي يَوْم الدِّين» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ: «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ اعصمنا بِدينِك وطواعيتك وطواعية رَسُولك، وجنبنا حدودك، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نحبك ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 عِبَادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ حببنا إِلَيْك وَإِلَى ملائكتك وَإِلَى أنبيائك ورسلك وعبادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ يسرنَا لليسرى وجنبنا (العسرى) ، واغفر لنا فِي الْآخِرَة وَالْأولَى، واجعلنا من أَئِمَّة الْمُتَّقِينَ» . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ أحينا عَلَى سُنَّةِ نبيك (، (وتوفنا) عَلَى مِلَّته، (وأعذنا) من مُضِلاَّت الْفِتَن» . وَفِي رِوَايَة: «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ إِنَّك قلتَ: (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم) وَإنَّك لَا تخلف الميعاد؛ فإنى أَسأَلك كَمَا هديتني لِلْإِسْلَامِ أَن لَا تنزعه مني حَتَّى تتوفاني وَأَنا مُسلم» رَوَاهَا مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَنهُ. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي (كتاب) الْمَنَاسِك نقلهَا عَنهُ الضياء فِي «أَحْكَامه» - وَقَالَ: إسنادها جيد -: «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ اعصمني بِدينِك وطواعيتك وطواعية رَسُولك، اللَّهُمَّ جنبني حدودك، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي مِمَّن يحبك وَيُحب ملائكتك، وَيُحب رسلك، وَيُحب عِبَادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ يَسِّرْني لليُسْرى وجَنِّبْي العُسْرى، واغفر لي فِي الْآخِرَة وَالْأولَى، واجعلني من أَئِمَّة الْمُتَّقِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّك قلتَ: (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم) ، وَإنَّك لَا تخلف الميعاد، اللَّهُمَّ (إذْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 هديتني) لِلْإِسْلَامِ فَلَا تنزعه مِنِّي وَلَا تنزعني مِنْهُ» . قَالَ نَافِع: وَكَانَ يَدْعُو بِهَذَا مَعَ دعاءٍ لَهُ طويلٍ عَلَى الصَّفَا والمروة، وبعرفاتٍ وبجمْعٍ وَبَين الْجَمْرَتَيْن وَفِي الطّواف. الْأَثر الْخَامِس: اشْتهر السَّعْي من غير رقي عَلَى الصَّفَا عَن عُثْمَان وَغَيره من الصَّحَابَة من غير إِنْكَار. ذكره الرَّافِعِيّ ردًّا عَلَى أبي حَفْص بن (الْوَكِيل) فِي وجوب الرقي قدر قامة عَلَى الصَّفَا، وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، عَن سُفْيَان، عَن ابْن أبي نجيح، عَن أَبِيه قَالَ: أَخْبرنِي من رَأَى عُثْمَان بن عَفَّان يقوم فِي حَوْض فِي أَسْفَل الصَّفَا وَلَا يصعد عَلَيْهِ. قلت: وَقد سَعَى عَلَيْهِ السَّلَام رَاكِبًا، كَمَا أخرجه مُسلم وَغَيره، وَلَا يُمكن الرقي مَعَه عَلَى الصَّفَا قدر مَا ذكر. الْأَثر السَّادِس: عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من أدْركهُ الْمسَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق فَليقمْ إِلَى الْغَد حَتَّى [ينفر مَعَ] النَّاس» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» (لكنه) عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 نَافِع عَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: «من غربت عَلَيْهِ الشَّمْس وَهُوَ بمنى، فَلَا ينفرن حَتَّى يَرْمِي الْجمار من الْغَد (من أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق) » . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ عمر ... فَذكر مَعْنَاهُ. قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن الْمُبَارك، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَرَفعه ضَعِيف. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب أَنه قيل: «من تقبل حجه رفع حَجَره، وَمَا بَقِي فَهُوَ مَرْدُود» . وَهَذَا حَدِيث مَشْهُور رَوَاهُ الْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (قَالَ) : «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذِه الْجمار الَّتِي يُرْمَى بهَا كل عَام فنحسب أَنَّهَا تنقص. قَالَ: (أما) إِنَّه مَا تقبل مِنْهَا رفع، وَلَوْلَا ذَلِك لرأيتها أَمْثَال الْجبَال» . هَذَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظ (الآخرين) : «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذِه الْأَحْجَار الَّتِي يُرْمَى بهَا تحمل فنحسب أَنَّهَا (تنقعر) . (قَالَ) : أما إِنَّه (مَا) يُقْبل مِنْهَا يرفع، وَلَوْلَا ذَلِك لرأيتها مثل الْجبَال» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ: وَيزِيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 بن سِنَان الرهاوي - يَعْنِي الَّذِي فِي إِسْنَاده -: لَيْسَ بالمتروك. وَقَالَ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَيزِيد لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه (آخر) ضَعِيف عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُور عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا: «مَا تقبل مِنْهَا رفع، وَمَا لم يتَقَبَّل ترك، وَلَوْلَا ذَلِك لسد مَا بَين الجبلين» . وَفِي رِوَايَة عَنهُ (أَنه) قَالَ: «وكل بِهِ ملك، مَا تقبل مِنْهُ رفع، وَمَا لم يتَقَبَّل ترك» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ عَن أبي سعيد مَوْقُوفا عَلَيْهِ: «أَنه سُئِلَ عَن رمي الْجمار، فَقَالَ (لي) : مَا تقبل (مِنْهُ) رفع، وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ أطول من ثبير» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 بَاب حَجّ الصَّبِي ذكر فِيهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَحَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَهُوَ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر بِامْرَأَة وَهِي فِي محفتها، فَأخذت بعضد صبي كَانَ مَعهَا؛ فَقَالَت: أَلِهَذَا حَجّ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: نعم، وَلَك أجر» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مُرْسلا عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب مولَى ابْن عَبَّاس: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِامْرَأَة وَهِي فِي محفتها، فَقيل لَهَا: هَذَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فأخذتْ بضبعي صبي كَانَ مَعهَا، فَقَالَت: أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: «نعم، وَلَك أجر» . قَالَ ابْن عبد الْبر: وصل هَذَا الحَدِيث عَن مَالك: ابْن وهب وَالشَّافِعِيّ وَابْن عَثْمَة وَأَبُو (المصعب) وَعبد الله بن يُوسُف التنيسِي، رَوَوْهُ عَن مَالك، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب، (عَن) ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. (قلت: وَلَفظ رِوَايَة الشَّافِعِي: «بعضد صبي» بدل «بضبعي صبي» ، وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 عَن ابْن عَبَّاس) [عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] «لَقِي ركبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: من الْقَوْم؟ قَالَ: الْمُسلمُونَ. فَقَالُوا: من أَنْت؟ قَالَ: رَسُول الله. فَرفعت إِلَيْهِ امْرَأَة صبيًّا فَقَالَت: أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . ثمَّ رَوَاهُ (من حَدِيث سُفْيَان) عَن مُحَمَّد بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رفعت امْرَأَة صبيًّا لَهَا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب: «أَن امْرَأَة رفعت صبيًّا صَغِيرا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس مثله. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ كَلَفْظِ مُسلم الأول، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِأَلْفَاظ، أَحدهَا: كَرِوَايَة الشَّافِعِي. ثَانِيهَا: «بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يمشى فِي بطن الروحاء، (إِذْ) أقبل وَفد، فَقَالَ رجل مِنْهُم: من أَنْتُم؟ فَقَالَ: نَحن الْمُسلمُونَ، ثمَّ قَالَت امْرَأَة: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا رَسُول الله. فأخرجت صبيًّا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ فَقَالَ: نعم، وَلَك أجر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 ثَالِثهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صدر من مَكَّة، فَلَمَّا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، استقبله ركب فَسلم عَلَيْهِم، فَقَالَ: من الْقَوْم؟ قَالُوا: الْمُسلمُونَ. من أَنْتُم؟ (قَالَ) : رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ففرغتْ امْرَأَة مِنْهُم، فَرفعت صبيًّا لَهَا من محفة، وَأخذت بعضده، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، (هَل لهَذَا) حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . قَالَ إِبْرَاهِيم بن عقبَة: حدثت بِهَذَا الحَدِيث ابْن الْمُنْكَدر، فحجَّ بأَهْله أَجْمَعِينَ. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «أَن امْرَأَة رفعت صبيًّا لَهَا فِي خرقَة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله ... » الحَدِيث. (و) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث جَابر وَقَالَ: غَرِيب. فَائِدَة: المِحَفة: بِكَسْر الْمِيم، وَفتح الْحَاء، كَذَا قَيده النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «المهذَّب» : المحفة: بِكَسْر الْمِيم وَبِفَتْحِهَا، وَهِي شبه الهودج، إِلَّا أَنه لَا قبَّة عَلَيْهَا. والرَّوْحاء: بِفَتْح الرَّاء وَإِسْكَان الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة (ممدودة) ، مَوضِع من عمل الفُرْع - بِضَم الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء - (بَينهَا) وَبَين الْمَدِينَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 النَّبَوِيَّة سِتَّة وَثَلَاثُونَ ميلًا، كَذَا جَاءَ فِي «صَحِيح مُسلم» من كَلَام طَلْحَة بن نَافِع التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، (و) حَكَى صَاحب «الْمطَالع» (أَن بَينهمَا أَرْبَعُونَ) ميلًا، وَأَن فِي كتاب ابْن أبي شيبَة: بَينهمَا ثَلَاثُونَ ميلًا. وَكَانَ سُؤال الْمَرْأَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة، قبل وَفَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِنَحْوِ ثَلَاثَة أشهر. ذكره النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» . تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد ذَلِك فِي (تَوْجِيهه) الطَّرِيقَة القاطعة بِأَن الْأُم تحرم عَن الصَّبِي: أَنهم احْتَجُّوا بِخَبَر ابْن عَبَّاس هَذَا، وَقَالُوا: الظَّاهِر أَنَّهَا كَانَت تحرم عَن الَّذِي رفعته فِي محفتها. انْتَهَى. أما كَونهَا أمه، فَهُوَ ظَاهر رِوَايَة ابْن حبَان الثَّانِيَة وَرِوَايَة الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَأما أَنَّهَا الَّتِي أحْرمت عَنهُ فَلَيْسَ فِي الرِّوَايَات التَّصْرِيح بذلك، نعم هُوَ الظَّاهِر كَمَا قَالُوهُ. وَأما حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «حجَجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ومعنا النِّسَاء وَالصبيان فلبينا عَن الصّبيان ورمينا عَنْهُم» . فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث أَشْعَث بن سوار، عَن أبي الزبير، عَنهُ (بِهِ) ، وَاللَّفْظ لِابْنِ مَاجَه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «كُنَّا إِذا حجَجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَكُنَّا نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان» . وَهُوَ حَدِيث مَعْلُول من أوجه، أَحدهَا: أَن أَشْعَث بن سوار (هَذَا) كوفيّ كِنْديّ، يعرف بالنجار التوابيتي الأفرق القَاضِي، من رجال مُسلم مُتَابعَة، وَلينه جمَاعَة، قَالَ أَبُو زرْعَة: فِيهِ لين. وَقَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. (وَاخْتلف النَّقْل عَن يَحْيَى فِيهِ فَنقل عَبَّاس عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ: ضَعِيف) . وَنقل (ابْن) الدَّوْرَقِي (عَنهُ) أَنه قَالَ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن حبَان: فَاحش الْخَطَأ، كثير الْوَهم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ عبد الْحق: أحسن مَا سَمِعت فِيهِ قَول ابْن عدي: لم أجد لَهُ متْنا مُنْكرا، إِنَّمَا يخلط فِي الْأَسَانِيد فِي الْأَحَايِين. الثَّانِي: أَن أَبَا الزبير مُدَلّس، وَقد عنعن. الثَّالِث: أَنه مُضْطَرب الْمَتْن، فمتن التِّرْمِذِيّ فِيهِ كَمَا مر: «نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان» أَي: يُلَبِّي الرِّجَال عَن النِّسَاء، ويرمون عَن الصّبيان. وَلَفظ ابْن مَاجَه كَمَا مر، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة سَوَاء - أَعنِي: التَّلْبِيَة عَن الصّبيان أَيْضا - وَلم يذكر التَّلْبِيَة عَن النِّسَاء. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا أولَى بِالصَّوَابِ وأشبه بِهِ؛ فَإِن الْمَرْأَة لَا يُلَبِّي عَنْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 غَيرهَا، أجمع أهل الْعلم عَلَى ذَلِك، حَكَاهُ هَكَذَا التِّرْمِذِيّ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَا ترفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ فَقَط. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» : لَعَلَّ أَنه يُرِيد أَنه لما كره لَهَا رفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ (رفع) أصواتنا بهَا كَأَنَّهَا عَنْهُن، وَكَأَنَّهُم لبوا عَنْهُن؛ إِذْ هَذَا الشعار مَقْصُود فِي الْحَج. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا؛ أما الْأَحَادِيث فستة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْمحرم الَّذِي خر من بعيره: «لَا تخمروا رَأسه؛ فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف بَيَانه فِي أوَّل (الْجَنَائِز) . الحَدِيث الثَّانِي عَن أم الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «حججْت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجَّة الْوَدَاع، فَرَأَيْت أُسَامَة بن زيد وبلالاً، أَحدهمَا آخذ بِخِطَام نَاقَته، وَالْآخر رَافع ثَوْبه يستره من الْحر حَتَّى رَمَى جَمْرَة الْعقبَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، زَاد النسائيُّ: «فَحَمدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ... » وَذكر قولا كثيرا، وَأغْرب ابْنُ الْجَوْزِيّ فَذكره فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» من طَرِيق أبي دَاوُد وَقَالَ: احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ بِجَوَاز تظليل الْمحرم بالمحمل. ثمَّ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 : وَالْجَوَاب: أَن أَبَا عبد الرَّحِيم - الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - (ضَعِيف) . كَذَا قَالَ، وَأَخْطَأ فِي تَضْعِيفه، فَأَبُو عبد الرَّحِيم هَذَا ثِقَة، واسْمه: خَالِد بن (يزِيد) ، وَيُقَال: ابْن أبي يزِيد، وَقد احْتج بِهِ مُسلم فِي «صَحِيحه» ، وَأخرج الحديثَ المذكورَ فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - احْتجم عَلَى رَأسه وَهُوَ محرم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الله بن (مَالك ابْن) بُحَيْنَة قَالَ: «احْتجم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ محرم بِلحي جمل - من طَرِيق مَكَّة - فِي وسط رَأسه» . وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام احْتجم وَهُوَ محرم» . وللبخاري: «احْتجم وَهُوَ محرم، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم» . وَله أَيْضا: «احْتجم فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 رَأسه وَهُوَ محرم من وجع كَانَ بِهِ، بِمَاء يُقَال: لحي جمل» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من شَقِيقَة كَانَت (بِهِ) » واستدركه الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: « (أَنه) - عَلَيْهِ السَّلَام - احْتجم وَهُوَ محرم عَلَى رَأسه» . ثمَّ (قَالَ) : هَذَا حَدِيث مخرج بِإِسْنَادِهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» دون (ذكر) الرَّأْس» وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرطهمَا، وَقد علمت أَنه فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» وَرَوَاهُ أَحْمد (أَيْضا) بعد أَن ذكر الشَّاة المسمومة: «فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا وجد من ذَلِك شَيْئا احْتجم، فسافر مرَّةً، فلمَّا أحرم وَجَدَ من ذَلِك شَيْئا فاحتجم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «احْتجم وَهُوَ محرم فِي رَأسه من صداع كَانَ بِهِ، أَو شَيْء كَانَ بِهِ (بماءٍ) يُقَال: لحي جملٍ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْحجَّاج، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - احْتجم صَائِما محرما فَغشيَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَلذَلِك (كره) الْحجامَة للصَّائِم» . الحَدِيث الرَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَمَّا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب، فَقَالَ: لَا يلبس الْقَمِيص وَلَا السَّرَاوِيل، وَلَا العمائم، وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 البرانس، وَلَا الْخفاف، إِلَّا أحد لَا يجد نَعْلَيْنِ فليلبس الْخُفَّيْنِ، (وليقطعهما) أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِزِيَادَة: «وَلَا يلبس ثوبا مَسّه زعفران أَو ورس» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وَلَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة وَلَا تلبس القفازين» . وَوَقع للمحب الطَّبَرِيّ أَن هَذِه الزِّيَادَة فِي «مُسلم» وَهُوَ من النَّاسِخ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي «البُخَارِيّ» وَحده، وَنقل الْحَاكِم عَن أبي عَلّي الْحَافِظ أَن: «لَا تنتقب الْمَرْأَة» من قَول ابْن عمر وَقد أدرج فِي الحَدِيث، وَأقرهُ الْبَيْهَقِيّ عَلَيْهِ، وَهَذَا [يحْتَاج] إِلَى دَلِيل؛ فَإِنَّهُ خلاف الظَّاهِر كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب «الإِمَام» ، وَحَكَى ابْن الْمُنْذر خلافًا فِي أَن هَذِه الزِّيَادَة من الحَدِيث أَو من كَلَام ابْن عمر. وَادَّعَى بَعضهم أَن قَوْله: «وليقطعهما» من كَلَام نَافِع، كَذَلِك رَوَاهُ ابْنُ بَشرَان فِي «أَمَالِيهِ» بِإِسْنَاد جيد، وَفِيه النّظر السالف، وَزَاد الْبَيْهَقِيّ فِيهِ: «وَلَا تلبس القباء» . قَالَ: وَهَذِه (الزِّيَادَة) مَحْفُوظَة. وَزَاد أَبُو مُعَاوِيَة بعد قَوْله «زعفران» : «إِلَّا أَن يكون غسيلاً» . قَالَ ابْن أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 حَاتِم: سَأَلت (أبي) عَن هَذِه الزِّيَادَة؛ فَقَالَ: أَخطَأ أَبُو مُعَاوِيَة فِيهَا. وَخَالف الطحاويُّ فَقَالَ: قَالَ ابْن (أبي) عمرَان: عجب [يَحْيَى من] الْحمانِي (أَن) يحدث بِهَذَا، يَعْنِي: بِهَذِهِ اللَّفْظَة «إِلَّا أَن يكون غسيلاً» فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ: هَذَا عِنْدِي. ثمَّ وثب من فوره فجَاء بِأَصْلِهِ، فَأخْرج مِنْهُ هَذَا الحَدِيث عَن أبي مُعَاوِيَة كَمَا ذكره يَحْيَى الْحمانِي، فَكَتبهُ (يَحْيَى) بن معِين. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَثَبت بِهَذَا الْإِسْنَاد الغسيل مِمَّا مَسّه ورس أَو زعفران. تَنْبِيه: وَقع فِي «الْخُلَاصَة» عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة النَّهْي عَن المعصفر أَيْضا، وَهُوَ غَرِيب، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب عَكسه وَهُوَ إِبَاحَته للنِّسَاء. فَائِدَة: الْبُرْنُس: قلنسوة طَوِيلَة، كَانَ الزهاد يلبسونها فِي صدْر الْإِسْلَام. والورس: نبت أصفر يكون بِالْيمن، يتَّخذ مِنْهُ (الغمرة) للْوَجْه، وتصبغ بِهِ الثِّيَاب. قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 والقُفَّاز: بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء، قَالَ الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» : هُوَ شَيْء يعْمل لِلْيَدَيْنِ، يحشى بِقطن، يكون لَهُ أزرار (تزر) عَلَى الساعدين من البَرْد، تلبسه الْمَرْأَة فِي يَديهَا. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْمحرم الَّذِي خر (عَن) بعيره وَمَات: «خمروا (وَجهه) وَلَا تخمروا رَأسه» . هَذَا الحَدِيث أَصله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، وَقد سلف أول الْبَاب بِلَفْظ: «وَلَا تخمروا رَأسه» . (و) قدَّمنا أَنه سلف فِي الْجَنَائِز، وَأما بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف فَلَيْسَ بالمشهور، حَتَّى إِن ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» لم يعزه لأحد عَلَى خلاف عَادَته، وَإِنَّمَا قَالَ: رَوَاهُ أَصْحَابنَا. نعم رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الْجَنَائِز من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي حرَّة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خمروا وَجهه وَلَا تخمروا رَأسه، وَلَا تمسوه طيبا، فَإِن الله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا» . ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «خمروا وُجُوه مَوْتَاكُم، وَلَا تشبهوا بيهود» . ثمَّ قَالَ: إِن صَحَّ هَذَا يشْهد لرِوَايَة إِبْرَاهِيم بن أبي حرَّة فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 الْأَمر بتخمير الْوَجْه. (قَالَ) : إِلَّا أَن عبد الله بن أَحْمد قَالَ: (حدثت) أبي بِهَذَا (الحَدِيث) فَأنكرهُ وَقَالَ: هَذَا أَخطَأ فِيهِ حَفْص فرفعه، وَرَوَاهُ غيرُه مُرْسلا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَلِك رَوَاهُ الثَّوْريّ وَغَيره عَن ابْن جريج مُرْسلا. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عليّ بن عَاصِم، عَن ابْن جريج كَمَا رَوَاهُ حَفْص، وَهُوَ وهم. قلت: وَإِبْرَاهِيم بن أبي حرَّة ضعفه السَّاجِي، لَكِن وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأحمد وَأَبُو حَاتِم، وَزَاد: لَا بَأْس بِهِ. وَعلي بن عَاصِم: ضَعِيف، كثير الْغَلَط، وَكَانَ فِيهِ لُجَاج، وَلم يكن مُتَّهمًا. كَمَا قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل. قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: قيل لِابْنِ معِين: إِن أَحْمد يَقُول فِيهِ: ثِقَة. قَالَ: لَا واللَّهِ، مَا كَانَ عِنْده قطّ ثِقَة، وَلَا حدَّث عَنهُ بحرفٍ قطّ، فَكيف صَار عِنْده الْيَوْم ثِقَة؟ ! . ولمَّا ذكره ابْنُ الْقطَّان من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حَفْص بن غياث، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس رَفَعَهُ: «خَمِّرُوا وُجُوهَ (مَوْتَاكُم) ، وَلَا تشبَّهُوا باليهود» . قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ - (رَاوِيه) عَن حَفْص بن غياث - صَدُوق. قَالَه أَبُو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 حَاتِم الرَّازِيّ، وباقى الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ، قَالَ: وَهُوَ أَعم من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ الأولَى - يَعْنِي: روايةَ عَلّي بن عَاصِم عَن ابْن جريج، فِي المُحْرم يَمُوت؛ فَقَالَ: «خمِّروهم وَلَا تشبَّهوا باليهود» - (وَأَصَح مِنْهَا) وَقَالَ ابْن حزم فِي كِتَابه «حجَّة الْوَدَاع» فِي رِوَايَة عَطاء الْمُرْسلَة: هَذَا مُرْسل، لَا يقوم بمِثْله حُجَّة. ورواهُ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: «أَن مُحْرِمًا ... » الحَدِيث، وَفِيه: «وَلَا تخمِّرُوا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْم الْقِيَامَة يُلبِّي» . ثمَّ قَالَ: ذكْرُ «الْوَجْه» تَصْحِيف من بعض الروَاة؛ لإِجْمَاع الثِّقَات (الْأَثْبَات) مِنْ أَصْحَاب عَمرو بن دِينَار عَلَى رِوَايَته عَنهُ «وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَه» ، وَهُوَ الْمَحْفُوظ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سألتُ أبي عَنهُ؛ فَقَالَ: حَدِيْث مُنْكَر. الحَدِيث السَّادِس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَا تَنْتَقِبُ المرأةُ، وَلَا تَلْبَسُ القُفَّازَيْن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدم بَيَانه فِي أثْنَاء الحَدِيث الرَّابِع. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَهَى النساءَ فِي إحرامهن عَن النقاب، و (لتلبس) بعد ذَلِك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 مَا أحبت من ألوان الثِّيَاب مُعَصْفَرًا أَو خَزًّا أَو حليًّا أَو سَرَاوِيل أَو قَمِيصًا أَو خفًّا» . هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة عبد الله بن عُمر: «أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى النساءَ فِي إحرامهن عَن القفازين، والنقاب، وَمَا مس الورس والزعفران من الثِّيَاب، (ولتلبس) بعد ذَلِك مَا (أحبَّتْ) من ألوان الثِّيَاب من معصفرٍ أَو خَز أَو حُليّ أَو سَرَاوِيل أَو قميصٍ أَو خُفٍّ» . هَذَا لفظ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم، وَلَفظ أبي دَاوُد كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ الَّذِي أوردناه (بِزِيَادَة) : «وَمَا مس الورس والزعفران» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» إِلَى قَوْله: «والزعفران من الثِّيَاب» وَهُوَ مَا قَالَ أَبُو دَاوُد: (رَوَاهُ) عَن ابْن إِسْحَاق (عَبْدَة) بن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن سَلمَة إِلَى قَوْله: «وَمَا مس الورس والزعفران من الثِّيَاب» . وَلم يذكرَا مَا بعده، وَرِجَال إِسْنَاده مُحْتَج (بهم) فِي «الصَّحِيحَيْنِ» خلا محمدُ بن إِسْحَاق صَاحب «الْمَغَازِي» ، فَإِنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بِهِ، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة، لَا جرم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَمرَاده: أَنه عَلَى شَرط مُسلم فِي ابْن إِسْحَاق؛ فَإِنَّهُ أخرج لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ، لكنه لم يخرج لَهُ مُسْتَقلاًّ، نَعَمْ أَكثر مَا عَابُوا عَلَى ابْن إِسْحَاق التَّدْلِيس، وَقد صرَّح فِي هَذَا الحَدِيث بِالتَّحْدِيثِ من نَافِع، والمدلِّس إِذا صرَّح بِالتَّحْدِيثِ احْتُجَّ بحَديثه؛ فَيكون حَدِيثه هَذَا حسنا، وَقد رُوِيَ بعضه مَوْقُوفا، أخرجه مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: «لَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة، وَلَا تَلْبَس القفازين» . وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» ، وَرَوَاهُ أَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع مَوْقُوفا عَلَى ابْن عُمر. الحَدِيث الثَّامِن قَالَ الرَّافِعِيّ: وَإِن تأتى اتِّخَاذ إِزَار - أَي: من السَّرَاوِيل - (فلبسه) عَلَى هَيئته - أَي: سراويلاً - فَهَل يلْزمه الْفِدْيَة؟ [فِيهِ] وَجْهَان: أَحدهمَا: (لَا) ، لإِطْلَاق الخَبَر. قلت: مُرَاده بذلك مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ لم يجدْ إزارًا فَلْيَلْبَسْ سروايلَ، وَمن لم يجدْ نعلَيْن فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْن» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «سمعتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب بعرفاتٍ وَهُوَ يَقُول ... » الحَدِيث، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ لم يَجِدْ نَعْلَيْن فليلبسْ خُفَّيْن، ومَنْ لم يجدْ إزارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيل» . الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِحْرَام الْمَرْأَة (فِي) وَجههَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطبرانيُّ فِي «أكبر معاجمه» وابْنُ عدي فِي «كَامِله» وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من رِوَايَة ابْن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى المرأةِ حرم إِلَّا فِي وَجههَا» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، فِي إِسْنَاده أَيُّوب بن (مُحَمَّد أَبُو) سُهَيْل الْعجلِيّ اليمامي، يلقب: أَبَا الْجمل، قَالَ أَبُو زرْعَة: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: ضَعِيف. وَقَالَ مَرَّةً: لَا شَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: لَا أعلمهُ يرفعهُ عَن عبيد الله - (يَعْنِي: رَاوِيه) عَن نَافِع، عَن ابْن عمر - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 غير أبي الْجمل (هَذَا) . وَقَالَ فِي إِسْنَاده كَمَا سَيَأْتِي: إِنَّه ثِقَة. وَقَالَ العُقيلي فِي «ضُعَفَائِهِ» : لَا يُتابع أَيُّوب بن مُحَمَّد عَلَى رَفْعِهِ؛ فَإِنَّهُ يَهِم فِي بعض حَدِيثه، إِنَّمَا يرْوَى مَوْقُوف. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : الصَّوَاب وَقْفُهُ عَلَى ابْن عُمر. قَالَ: وَأَيوب هَذَا من أهل الْيمن ضَعِيف. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَقِبَ إِخْرَاجه من طَرِيق ابْن عدي، وذكْرِ توثيقه فِي إِسْنَاده: أَيُّوب هَذَا ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، ضعفه يَحْيَى بْنُ معِين وغيرُه. وَقَالَ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم: هَكَذَا رَوَاهُ أَيُّوب عَن ابْن عُمر مُسْندًا مَرْفُوعا، وحاله عِنْد أَئِمَّة (أهل) النَّقْل بِخِلَاف مَا عدَّله بِهِ عبد الله بن رَجَاء، قَالَ ابْن معِين: شيخ يماني ضَعِيف. وَنقل الذهبيُّ فِي «مِيزَانه» عَن الْفَسَوِي توثيقَه. وَقَالَ فِي «ضُعَفَائِهِ» : ضعفه ابْنُ معِين وَوَثَّقَهُ غيرُه. وَقَالَ عبد الْحق: (أحسن) مَا سمعتُ فِي أَيُّوب هَذَا أَنه لَا بَأْس بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ (قَوْلَةُ) أبي حَاتِم فِيهِ. قَالَ: وَقد سمع فِيهِ أحسن مِمَّا سَمعه أَبُو مُحَمَّد؛ (فَإِن) ابْن عدي ذكر توثيقَه فِي إِسْنَاده، فَإِنَّهُ لمَّا وصل فِي إِسْنَاده إِلَى يَعْقُوب بن سُفْيَان قَالَ: نَا عبيد الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 بن رَجَاء، نَا أَيُّوب بن مُحَمَّد أَبُو الْجمل ثِقَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَقد رُوي هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر مجهولٍ عَن عبيد الله بن عُمر مَرْفُوعا. قَالَ: وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى ابْن عُمر أَنه قَالَ: «إِحْرَام الْمَرْأَة فِي وَجههَا، وإحرام الرجل فِي رَأسه» هَكَذَا رَوَاهُ جماعةُ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة» بعد أَن رَوَاهُ هَكَذَا مَوْقُوفا عَلَيْهِ: ورُوي عَنهُ مَرْفُوعا، ورَفْعه ضَعِيف. الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي المُحْرِم: «لَا يَلْبَسُ من الثِّيَاب شَيْئا مَسّه زعفران وَلَا ورس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدم فِي الحَدِيث الرَّابِع. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلِيهِ جُبَّة، وَهُوَ متُضَمِّخ بالخلوق، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَحْرَمْتُ (بِالْعُمْرَةِ) وَهَذِه عليَّ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: مَا كُنْتَ (تصنعُ فِي حجتك؟ قَالَ: كنت أنزع هَذِه وأغسلُ هَذَا الخلوق. فَقَالَ (: مَا كنت) صانعًا فِي حجتك فَاصْنَعْ فِي عمرتك» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث يعْلى بن أُمَيَّةَ - بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْمُثَنَّاة تَحت، وَهُوَ أَبوهُ، وَيُقَال: ابْن مُنْية - بِضَم الْمِيم وَسُكُون النُّون وَتَخْفِيف الْمُثَنَّاة تَحت، وَهِي أُمُّه - «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ بالجِعْرَانة قد أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ مصفّر لحيته وَرَأسه، وَعَلِيهِ جُبَّة، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَحْرَمْتُ بِعُمَرةٍ وَأَنا كَمَا ترَى. قَالَ: انْزعْ عَنْك الجُبَّةَ واغْسِلْ عَنْك الصُّفْرَةَ ... » . وَفِي رِوَايَة لَهما: «وَهُوَ مُتَضَمِّخ بِطيب» ، وفيهَا: «إِن الْوَحْي جَاءَهُ إِذْ ذَاك وَأَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ: اغْسِلْ الطّيب الَّذِي بك ثَلَاث مراتٍ، وانْزع (عَنْك) الجُبَّةَ، واصْنَعْ فِي عُمْرَتك مَا تَصْنَعُ فِي (حَجِّك) » . قلتُ لعطاء: أَرَادَ الإنقاء حِين أَمَرَه أَن يغسل ثَلَاث مراتٍ؟ قَالَ: نعم» . زَاد النَّسَائِيّ بعد قَوْله: «ثَلَاث مراتٍ» : «ثمَّ أَحْدِثْ (إحرامًا) » . (ثمَّ) قَالَ: لَا أحْسبُ هَذِه الزِّيَادَة مَحْفُوظَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ: لَا أعلم أَن أحدا قَالَ: «ثمَّ أَحْدِث إحرامًا» غَيْرَ نوح بن حبيب، وَلَا أَحْسبهُ مَحْفُوظًا بِهَذِهِ الزِّيَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ جماعات فَلم يذكرُوا هَذِه الزِّيَادَة، وَلم يقبلهَا أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ من نوح. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 «اخْلَعْ جُبَّتَك. (فخلعها) من رَأسه» . فَائِدَة: الخَلُوق - بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة - طِيْب مَعْرُوف يُتَّخذ من الزَّعْفَرَان وَغَيره من أَنْوَاع الطِّيْب، وتَغْلُبُ عَلَيْهِ الحُمْرَةُ أَو الصُّفْرَةُ. قَالَه الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السُّنن» . (فَائِدَة: المهمل الَّذِي وَقع فِي الحَدِيث الظَّاهِر أَنه عَمْرو بن سَواد إِذْ فِي كتاب «الشِّفَاء» لعياض عَنهُ قَالَ: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا متخلق فَقَالَ: ورس ورس، حط حط. وغشيني بقضيب فِي يَده فِي بَطْني فأوجعني ... » الحَدِيث) . الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن أبي أَيُّوب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يغْتَسل وَهُوَ مُحْرم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» مطولا (بِقِصَّةٍ) . (بِلَفْظ) : «أَنه رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يغْتَسل وَهُوَ محرم» لَا بِلَفْظ: «كَانَ» . وبذكر الْكَيْفِيَّة: «أَنه صَبَّ عَلَى رَأسه، (ثمَّ حرَّك رأسَهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 (بيدَيْهِ) ؛ فأَقْبَلَ بهما وأدْبَر، وَقَالَ: هَكَذَا (رأيتُه) (يفعلُ» . الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه كَانَ يُوقد تَحت قدر، والهوام تنتثر من رَأسه، فَمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَاحْلِقْ رَأسك، وانسك بِدَم، أَو صم ثَلَاثَة أَيَّام، أَو تصدق بفرق من طَعَام عَلَى سِتَّة مَسَاكِين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» برواياتٍ فِي بَعْضهَا: « (فَاحْلِقْ) وصُم ثَلَاثَة أَيَّام، أَو أطْعم سِتَّة مَسَاكِين، أَو انسك نسيكةً» . قَالَ أَيُّوب - أحد رُوَاته -: فَلَا أَدْرِي بِأَيّ ذَلِك بَدَأَ. وَفِي بَعْضهَا: «قَالَ كَعْب: فيَّ نزلتْ هَذِه الْآيَة: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه) فأتيتُه، فَقَالَ: ادنه. فدنوتُ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك؟ - قَالَ ابْن عون: (أَظُنهُ) قَالَ: نعم - قَالَ: فَأمرنِي بِصَدقَة أَو صِيَام أَو نسك مَا تيَسّر» . وَفِي بَعْضهَا: « (أَنه) عَلَيْهِ السَّلَام وقف عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 وَرَأسه تتهافتْ قملاً، قَالَ: أَيُؤْذِيك هَوَامك؟ قلت: نَعَمْ. قَالَ: فاحْلِقْ رَأسك، ففيَّ نزلت هَذِه الْآيَة: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَرِيضا (إِلَى قَوْله: (أَو نسك) ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: صُمْ ثَلَاثَة أَيَّام، أَو تصدَّقْ بِفِرْقٍ بَين سِتَّةٍ، أَو انْسك مَا تَيسَّر» . وَفِي بَعْضهَا: «فَاحْلِقْ رَأسك، وأطْعِمْ فِرْقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِين - وَالْفرق ثَلَاثَة آصُع - أَو صُمْ ثَلَاثَة أيامٍ، أَو (انسك نسيكة» وَفِي بَعْضهَا «صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام أَو) إطْعَام سِتَّة مَسَاكِين (نصف صاعٍ، نصف صَاع) طَعَاما لكل مِسْكين. قَالَ: فنزلَتْ فيَّ خَاصَّة، وَهِي لكم عَامَّة» . وَفِي بَعْضهَا: «أَنه خرج مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - محرِمًا، فَقَمُلَ رأسُهُ ولحيتُه، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فأرْسلَ إِلَيْهِ، فَدَعَا الحلاَّقَ فَحَلَقَ رأسَهُ، ثمَّ قَالَ (لَهُ) : هَل عنْدك نُسُك؟ قَالَ: مَا أقدرُ عَلَيْهِ. فَأمره أَن يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام، أَو يطعم سِتَّة مَسَاكِين كلَّ مسكينٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 نصف صَاع» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «احْلِقْ ثمَّ اذْبَحْ شَاة نُسُكًا، أَو صُمْ ثَلَاثَة أَيَّام، أَو أَطْعِمْ ثَلَاثَة آصُع من تَمْر عَلَى سِتَّة مَسَاكِين» (وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» «فَأمرنِي بصيام أَو صَدَقَة أَو نسك أَو أَيّمَا تيَسّر لَك» ) (كَذَا) رأيتُه، وَصَوَابه: «أَو نسك مَا تيسَّر» . الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاتَتْه صلاةُ الصُّبْح فَلم يُصَلِّها حَتَّى خرج من الْوَادي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي بَاب الْأَذَان، فراجِعْه مِنْهُ. واعْلَمْ: أَن الرافعيَّ ذكر هَذَا دَلِيلا للمشهور أنَّ غير المتعدِّي لَا يلْزمه الْفَوْر فِي الْقَضَاء، وَلَك أَن تَقول: إِنَّمَا أخَّر لأمرٍ آخر وَهُوَ أَن فِي الْوَادي شَيْطَانا، كَمَا أخْبَر بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْفَائِتَة: فَلْيُصَلِّها إِذا ذكرهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي بَاب التَّيَمُّم، فراجِعْهُ مِنْهُ. الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الحَرَم: لَا ينفر صَيْدُه» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم فتح مَكَّة: «إنَّ هَذَا الْبَلَد حرَّمه الله يَوْم خلق السَّمَاوَات، لَا يعضد شَوْكُهُ، وَلَا يُخْتلى خَلاَهُ، وَلَا ينفر صيدُه، وَلَا تُلْتقط لُقَطَتُهُ إِلَّا لمعَرِّف. فَقَالَ الْعَبَّاس: إِلَّا الْإِذْخر؛ فَإِنَّهُ لَا بُد مِنْهُ (للقُيُون) والبيوت. فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخر» وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمَّا فتح مكةَ قَالَ: «لَا ينفر صيدُها، وَلَا يُخْتَلى خَلاهَا، وَلَا تَحِلُّ ساقطتها إِلَّا لِمُنْشِد. فَقَالَ الْعَبَّاس: إِلَّا الْإِذْخر؛ فَإنَّا نجعله لِقُبُورِنَا وَبُيُوتنَا. فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخر» . فَائِدَة: الْعَضُد: القطْع. والإِذْخر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، كَذَا قيَّدَهُ (غيرُ واحدٍ) ، مِنْهُم صاحبُ «الإِمَام» وَهُوَ نَبْت طيب الرّيح، قَالَ الْخطابِيّ: وَهُوَ مكسور الأوَّل، والعامَّةُ تفتحه وَلَيْسَ بصوابٍ. والقَيْن: الحَدَّاد. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي بَيْضِ نعَامٍ أَصَابَهُ المُحْرِمُ بِقِيمَتِهِ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عباد بن يَعْقُوب، نَا إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن حُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عباسٍ، عَن كَعْب بن عجْرَة: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي بَيْضِ النَّعَام أَصَابَهُ مُحْرِم بِقَدْر ثمنه» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ مُوسَى بن دَاوُد، عَن إِبْرَاهِيم وَقَالَ: «بِقِيمَتِه» وَهَذَا مَا فِي «الرَّافِعِيّ» وَعباد هَذَا هُوَ الروَاجِنِي، من رجال البُخَارِيّ، لَكِن قَالَ ابْن حبَان: هُوَ رَافِضِي دَاعِيَة، يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير؛ فَاسْتحقَّ التركَ. وَقَالَ ابْن عدي: يروي أَحَادِيث أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ فِي فَضْلِ أهل البَيْتِ ومثالبِ غيرِهم. وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد علمتَ حالَهُ فِي كتاب «الطَّهَارَة» وحُسَين هَذَا تَركه النسائيُّ وابْنُ الْمَدِينِيّ، وَقَالَ يَحْيَى: ضَعِيف. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس، يُكْتَبُ حديثُه. لَا جرم قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بشيءٍ. قلت: وَرُوِيَ من طَرِيق آخر، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي المهزم، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي بَيْضٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 يُصِيبهُ الْمحرم ثمنه» . وَأَبُو المهزم هَذَا فتح الأميرُ (ابْن مَاكُولَا) الزايَ مِنْهُ، وَقَالَ ابْن نَاصِر: بِكَسْرِهَا. حَكَاهُ ابْن قُتَيْبَة فِيمَا غيَّرَهُ أَصْحَاب الحَدِيث من الْأَسْمَاء، واسْمه يزِيد بن سُفْيَان بَصرِي ضعَّفوه، قَالَ شُعْبَة: لَو أَعْطَوه فِلْسًا لَحَدَّثهم سبعين حَدِيثا. وَقَالَ ابْن حزم فِي «مُحَلاه» : هَالك. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالَّذِي رَوَاهُ عَن أبي المهزم هُوَ عَلّي بن غرابٍ، (وَقد) عنعن وَلم يُصَرح (بِالتَّحْدِيثِ) ، وَهُوَ مَشْهُور بالتدليس وإنْ كَانَ صَدُوقًا. قلت: بَين عَلّي بن غراب وَأبي المهزم «حسينُ المُعَلم» (كَذَا) هُوَ فِي «الدَّارَقُطْنِيّ» . وأمَّا ابْن مَاجَه فَفِي سَنَده بدل «عَلّي بن غرابٍ» : «عَلّي بن عبد الْعَزِيز» ، وَقيل: إِنَّه هُوَ، فتنبّه لذَلِك. قَالَ الرّبيع: قلت للشَّافِعِيّ: (هَل) تروي (فِي) هَذِه المسألةِ شَيْئا عَالِيا؟ فَقَالَ: أما شَيْء يَثْبُتْ مِثْلُه فَلَا. فَقلت: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَخْبرنِي الثِّقَة عَن أبي الزِّنَاد أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ «فِي بَيْضِ النعام يُصِيبهَا المُحْرِمُ قيمتهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي هَذَا مَوْصُولا، إِلَّا أَنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 مُخْتَلف فِيهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : وأجودُ مَا ورد فِي هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن يَحْيَى بن خلف، نَا أَبُو عَاصِم، عَن ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي زِيَاد، عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: بَلغنِي عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حكم فِي بيض النعام فِي كلِّ بَيْضَة صيامُ يَوْم» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقد أسْند هَذَا الحَدِيث، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : إِن الصَّحِيح رِوَايَة زِيَاد، عَن أبي الزِّنَاد، عَن رجل، عَن عَائِشَة، قَالَه أَبُو دَاوُد السجستانيُّ وغيرُه من الحُفَّاظِ. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يُسْنَدُ من وَجه صَحِيح. قلت: وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا رَوَاهُ الدارقطنيُّ، وَقَالَ فِيهِ: زِيَاد بن سعد، عَن أبي الزِّنَاد، عَن رجل، عَن عَائِشَة. وَهَذَا فِي حُكْم الْمُنْقَطع، وَوَصله من حَدِيث أبي الزِّنَاد، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سألتُ أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الوليدُ بن مُسلم، عَن ابْن جريج قَالَ: أحسن مَا سمعتُ فِي بيض النعام حَدِيث أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا فِي بَيْضِ النعامِ: «فِي كل بَيْضَةٍ صِيَام يومٍ، أَو إطْعَام مسكينٍ» . فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح عِنْدِي، وَلم يسمع ابْنُ جريج من أبي الزِّنَاد شَيْئا، يُشْبِهُ أَن يكون ابْن جريج أَخذه من إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : ذكر لِأَحْمَد بن حَنْبَل هَذَا الحديثُ فَقَالَ: لم يسمع ابْن جريج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 من أبي الزِّنَاد، إِنَّمَا يُرْوى عَن زِيَاد بن سعد عَن أبي الزِّنَاد. الحَدِيث الثَّامِن عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَقْتُلُ المُحْرِمُ السَّبُعَ العَادِي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ كَذَلِك أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي «سنَنَيْهِمَا» ، والترمذيُّ فِي «جَامعه» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عمَّا يَقْتُلُ المُحْرِمُ؟ قَالَ: الحَيَّة، وَالْعَقْرَب، والفُوَيسقة، وَيَرْمِي الغرابَ وَلَا يقْتله، وَالْكَلب الْعَقُور، والسَّبع العادي، والحدأة» . وَهُوَ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، وَقد تكلم فِيهِ غيرُ واحدٍ، وَأخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة، وحسَّن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه هَذَا وَلم يُصَحِّحهُ لأَجْلِهِ، وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : لم نَأْخُذ بِهَذَا الْخَبَر فِي النَّهْي عَن قَتْلِ الْغُرَاب؛ لِأَن (رَاوِيه) يزِيد بن أبي زِيَاد، وَقد قَالَ فِيهِ ابنُ الْمُبَارك: ارمِ بِهِ. عَلَى جمود لِسَان ابْن الْمُبَارك وَشدَّة توقيه، وَتكلم فِيهِ شعبةُ وأحمدُ، وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى: لَا يحْتَج بحَديثه. وكذَّبه أَبُو أُسَامَة وَقَالَ: لَو حلف خمسين يَمِينا مَا صدقته. قلت: وَمَا نَقله عَن ابْن الْمُبَارك من قَوْله: «ارْم بِهِ» كَذَا نَقله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ أَيْضا. لَكِن الَّذِي نَقله الحافظُ جمالُ الدِّين (الْمزي) عَنهُ أَنه قَالَ: أَكْرِم بِهِ. كَذَا هُوَ بخَطِّهِ، وَبَينهمَا تفَاوت لائح، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» : إِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث حُمِلَ قَوْلُهُ: «ويَرْمي الغرابَ وَلَا يقْتله» عَلَى أَنه لَا يتَأَكَّد ندب قَتله كتأكُّدِه فِي الحيَّة والفأرة وَالْكَلب الْعَقُور. الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خَمْسُ فواسق يقتلن فِي الحَرَم: الْغُرَاب، والحدأة، وَالْعَقْرَب، والفأرة، وَالْكَلب الْعَقُور» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَفِي رِوَايَة (لَهما) : «فِي الحِلِّ وَالْحرم» . وَلمُسلم عد «الْحَيَّة» منهُن، وَلم يذكرهَا البخاريُّ فِي هَذَا الحَدِيث، إِنَّمَا قَالَ: «الْعَقْرَب» وَلَا (قيد) الغرابَ بالأبقع، وَقَيده مُسلم بِهِ فِي رِوَايَة. فَائِدَة: «خَمْس فواسق» : هُوَ بِإِضَافَة خمس لَا بتنوينه، كَمَا ذكره النوويُّ فِي «شَرحه لمُسلم» . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّين فِي «شرح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 العُمْدة» : الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة «خمس» بِالتَّنْوِينِ، (أَي) : و «فواسق» صفة لَهُ، وَتجوز بِالْإِضَافَة من غير تَنْوِين. الحَدِيث الْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خَمْس من الدَّوَابّ لَيْسَ عَلَى المُحْرم فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاح ... » فَذكر (هَذَا) الحَدِيث الْمَذْكُور. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهما: «فِي الحِلِّ وَالْإِحْرَام» ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «خمس من قتلهن وَهُوَ محرم فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن زيد بن جُبَير قَالَ: «سَأَلَ رجل ابْن عمر: مَا يقتل الرجل مِنَ الدَّواب وَهُوَ مُحْرِم؟ قَالَ: حدَّثني إحْدَى نِسْوَةِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه كَانَ يأمرُ بقتْل الْكَلْب، والفأرة، وَالْعَقْرَب، والحدأة، والغراب، والحيَّة. قَالَ: وَفِي الصَّلَاة أَيْضا» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي مَعْنَى هَذِه الْمَذْكُورَات الْحَيَّة وَالذِّئْب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 قلت: قد ورد النصُّ فيهمَا، أمَّا الْحَيَّة؛ فقد أسلفناها فِي حَدِيث عَائِشَة قَرِيبا عِنْد مسلمٍ، وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر [محرما] بقَتْلِ حَيَّةٍ بمنى» قَالَ الْحَاكِم: وَهُوَ عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَعند أَحْمد من حَدِيث (جرير) عَن لَيْث، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خمس كُلهنَّ فاسقة، يقتلهن المُحْرِمُ ويُقْتَلْنَ فِي الْحرم: الْفَأْرَة، وَالْعَقْرَب، والحية، وَالْكَلب الْعَقُور، والغراب» . وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ ذكرهَا، وَقد (أسلفناه) فِي الحَدِيث الثَّامِن عشر. وَأما الذِّئْب: فَفِي «مَرَاسِيل أبي دَاوُد» عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يقتل المُحْرِمُ الذئبَ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَن (وبرة) ونافعٍ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين ورد «النَّهْي عَن قَتْلِ النَّحْل والنمل» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 هَذَا صَحِيح، فَفِي «مُسْند أَحْمد» و «سنَن أبي دَاوُد» فِي بَاب الْأَدَب - فِي آخِره - و «ابْنِ مَاجَه» فِي الصَّيْد، و «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن قَتْلِ أَربع مِنَ الدَّوَابّ: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد» . إِسْنَاده صَحِيح، قَالَ صَاحب «الإِمَام» : رِجَاله رجال الصَّحِيح. وَخَالف أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة، فَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سألتُ أبي عَنهُ فَقَالَ: هُوَ حَدِيث مُضْطَرب. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح أَنه مُرْسل. وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي أَوَائِل بَاب الْأَطْعِمَة من طرق عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ: إِنَّه أَقْوَى مَا ورد فِي هَذَا الْبَاب. قَالَ: وَقد رُوي من حَدِيث عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل بن سعد (السَّاعِدِيّ) قَالَ: سمعتُ أبي يذكر عَن (جَدِّي) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه نهَى عَن قَتْلِ الْخَمْسَة: عَنِ النملة، والنحلة، والضفدع، والصرد، والهدهد» . قَالَ: وَهَذِه الطَّرِيق تفرد بهَا عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس (وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : ورُوي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 هَذَا الحَدِيث أَيْضا من طَرِيق أبي هُرَيْرَة) ، وَهُوَ وهم، وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَنه عَن عبد الله بن عَبَّاس. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين ورد «النَّهْي عَن قَتْل الخطاف» . هُوَ كَمَا قَالَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة أبي الْحُوَيْرِث عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة - وَهُوَ من تَابِعِيّ التَّابِعين (أَو من التَّابِعين) - عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه نهَى عَن قَتْل الخطاطيف، وَقَالَ: لَا تقتلُوا هَذِه العوذ، إِنَّهَا تعوذ بكم من غَيْركُمْ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن عباد بن إِسْحَاق، عَن أَبِيه قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن (الخطاطيف) عُوَّذِ البيوتِ» . وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كِلَاهُمَا مُنْقَطع. قَالَ: وَرَوَى حَمْزَة النصيبي فِيهِ حَدِيثا مُسْندًا، إِلَّا أَنه كَانَ يُرْمى بِالْوَضْعِ. وصَحَّ عَن عبد الله بن عَمرو بن الْعَاصِ (مَوْقُوفا) عَلَيْهِ أَنه قَالَ: «لَا تقتلُوا الضفادع؛ فَإِن نقيقها تَسْبِيح، وَلَا تقتلُوا الخفاش؛ فَإِنَّهُ لمَّا خَرِبَ بيتُ المقْدِسِ قَالَ: يَا ربِّ سَلطنِي (عَلَى) الْبَحْر حَتَّى أُغْرِقَهُمْ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 بعض نُسَخ «التَّذْكِرَة» لِابْنِ طَاهِر الْحَافِظ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «النهيُّ عَن قَتْلِ الخطاطيف والأمرُ بقَتْل العنكبوت، وَكَانَ يُقَال: إِنَّهَا مسخ» . أعلَّه ب «عَمرو بْنِ جُمَيْع» ، قَالَ يَحْيَى: كَانَ كذابا خبيثًا. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين وَرَدَ «النَّهْي عَن قَتْل الضُّفْدَع» . هُوَ كَمَا قَالَ، رَوَاهُ أَحْمد فِي «الْمسند» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن عبيد الله التَّيْمِيّ الصَّحَابِيّ، وَهُوَ ابْن أخي طَلْحَة بن عبيد الله، قَالَ: «ذكر طَبِيب عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دَوَاء وذَكَرَ الضفدعَ يُجْعَلُ فِيهِ؛ فَنَهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن قَتْلِ الضفدع» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه أَقْوَى مَا رُوِيَ فِي النهْي. وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن قَتْلِ: الصرد، والضفدع، والنملة، والهدهد» . وَفِي سَنَدِهِ إِبْرَاهِيم بن الْفضل المَخْزُومِي، وَقد تَركه غيرُ واحدٍ، وَقَالَ خَ وغيرُه: مُنْكَر الحَدِيث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 تَنْبِيه: وَقع فِي «الْخُلَاصَة» عَلَى مَذْهَب الْحَنَفِيَّة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن الضفدع يَجْعَل شحمه فِي الدَّوَاء؟ فَقَالَ: خَبِيث من الْخَبَائِث» . وَلم أره بِهَذَا اللَّفْظ؛ (نعم اللَّفْظ) الْأَخير وَرَدَ فِي (القنفد) ، كَمَا سَتَعْلَمُهُ فِي كتاب الْأَطْعِمَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَحْمُ الصَّيْد حَلَال لكم فِي الْإِحْرَام مَا لم تصطادوا (أَو) لم يُصد لكم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وابْنُ حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث عَمرو بن أبي عَمرو ميسرةَ مولَى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب، عَن مَوْلَاهُ الْمطلب، عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «صَيْدُ البَرِّ لكم حَلَال مَا لم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 تصيدوه أَو يُصَاد لكم» هَذَا لفظ د، س، ت، إِلَّا أَن ت، س قَالَا: «يصد لكم» بِحَذْف الألِف، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وحَذَفَ ابْن حبَان لَفْظَة «لكم» وَلَفظ الْحَاكِم مثل رِوَايَة الْأَوَّلين وَقَالَ: «يُصاد» بالألِف، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لحم صيد البَرِّ لكم حَلاَل وَأَنْتُم حرم مَا لم تصيدوه أَو يصاد لكم» . وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كهاتين الرِّوَايَتَيْنِ. وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث إِلَى عَمرو (بن أبي عَمرو) صَحِيح، وأمَّا عَمرو بن أبي عَمرو فقد ليَّنَهُ جَماعة، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِقَوي وَإِن كَانَ قد رَوَى عَنهُ مَالك. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِقَوي وَلَيْسَ بحُجَّةٍ. وَقَالَ السَّعْدِيّ: مُضْطَرب الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بالقويّ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ مستضعف، وَأَحَادِيثه تدل عَلَى حالِهِ. (وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» : هَذَا خبر سَاقِط لأَجله) . وَأَشَارَ الترمذيُّ إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث من وَجْهٍ آخَر فَقَالَ: لَا نَعْرِف للمطلَّب سَمَاعا من جابرٍ. وَقَالَ فِي موضعٍ آخر: قَالَ مُحَمَّد: لَا أعرف للمطلب سَمَاعا من أحدٍ من الصَّحَابَة إِلَّا قَوْله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 «حدَّثني مَنْ شهد خُطْبةَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَسمعت عبد الله بن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي: الدَّارمِيّ - يَقُول: لَا نَعْرف لَهُ سَمَاعا من أحدٍ من الصَّحَابَة. وطَعَنَ فِي الْمطلب ابْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: لَيْسَ يُحتج بحَديثه؛ لِأَنَّهُ يُرْسل عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كثيرا (و) لَيْسَ لَهُ لِقَاء، وعامَّة أَصْحَابه يدلِّسُون. وَالْجَوَاب عَن هَذِه التعليلات: أما تَضْعِيف عَمرو فَلَا يقبل؛ فَإِنَّهُ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» ، و «السّنَن الْأَرْبَعَة» رووا عَنهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ، وَاحْتج بِهِ أَيْضا الإمامُ مَالك، ورَوى عَنهُ وَهُوَ الْقدْوَة، وَقد عُلِم من عَادتِهِ أَنه لَا يروي فِي كِتَابه إِلَّا عَن ثِقَة، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِيهِ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو زُرْعة: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ؛ لِأَن مَالِكًا رَوَى عَنهُ، وَلَا يروي مَالك إلاَّ عَن صَدُوق ثِقَة. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: رُبمَا أَخطَأ، يُعْتَبَرُ بحَديثه من رِوَايَة الثِّقَات عَنهُ. وَهَذَا الحَدِيث كل من رَوَاهُ عَنهُ فَهُوَ ثِقَة، وَقد أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من جِهَته، (والحاكمُ) فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَرَوَاهُ عَن عَمرو يعقوبُ بن عبد الرَّحْمَن الإسْكَنْدراني وَيَحْيَى بن عبد الله بن سَالم، ومالكُ بْنُ أنسٍ، وسليمانُ بْنُ بِلَال مسنَدًا مُتَّصِلا، وهم ثِقَات. قَالَ: وَلَا يُعلل هَذَا بِحَدِيث الشَّافِعِي، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن عَمرو بن أبي عَمْرو، عَن رجلٍ مِنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 الْأَنْصَار، عَن جَابر مَرْفُوعا، فَإِن الْأَوَّلين وصَلُوه، وهم ثِقَات. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدِيث صَحِيح عَن عَمرو بن أبي عَمرو. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : أَقَامَ ثَلَاثَة من الثِّقَات إِسْنَاد هَذَا الحديثِ عَن عَمرو، وهُمْ: يَحْيَى بْنُ عبد الله بن سَالم، ويعقوبُ بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ، وَسليمَان بن بِلَال. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشافعيُّ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد (عَن) عَمرو، وَعَن الثِّقَة عِنْده، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمروٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، عَن مَالك (بن) أنس، عَن عَمرو. قَالَ: ورَوَاهُ عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن عَمرو، عَن رجل من بني سَلمَة، عَن جابرٍ مَرْفُوعا. قَالَ الشَّافِعِي: وَابْن أبي يَحْيَى أحفظ من الدراورديِّ وَسليمَان مَعَ ابْن أبي يَحْيَى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن وَيَحْيَى بن عبد الله بن سَالم وهما مَعَ سُلَيْمَان من الْأَثْبَات. قلت: (فَحصل) من ذَلِك كُله تَوْثِيق عَمرو، (وَتَصْحِيح) هَذَا الحَدِيث، ومَنْ جرح عَمرو بْنَ أبي (عَمرو) فَلم (يفسِّرْ) جرحه، وَقد عُرف أَن الْجرْح لَا يقبل إِلَّا مُفَسرًا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث أَحْسَنُ شَيْء رُوي فِي هَذَا الْبَاب وأَقيس. وأمَّا إِدْرَاك الْمطلب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 لجابرٍ، فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: رَوَى (عَن) جَابر، وَيُشبه أَن يكون أدْرَكَهُ. هَذَا كَلَامه؛ فَحصل شكّ فِي إِدْرَاكه، وَمذهب مُسلم بن الْحجَّاج الَّذِي ادَّعَى فِي مُقَدّمَة «صَحِيحه» الْإِجْمَاع عَلَيْهِ أَنه لَا يُشْتَرَطُ فِي اتِّصَال الحَدِيث اللِّقَاء (بل) يَكْفِي إِمْكَانه. والإمكان حَاصِل قطعا، وَمذهب عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ والأكثرين اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء. فَعَلَى مَذْهَب مُسلم الحَدِيث مُتَّصِل، وَعَلَى مَذْهَب الْأَكْثَرين يكون مُرْسل بعض التَّابِعين. ومرسل التَّابِعِيّ الْكَبِير حُجَّة إِذا اعتضد بِأحد أمورٍ، مِنْهَا: قَول بعض الصَّحَابَة بِهِ. وَقد قَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَة عثمانُ بْنُ عَفان، كَمَا نَقله (ابْن) الْمُنْذر عَنهُ. وَمِنْهَا: أَن يسند من جِهَة أُخْرَى. وَقد وُجدَ ذَلِك أَيْضا؛ فقد رَوَاهُ الخطيبُ فِي كتاب «مَنْ رَوى عَن مَالك» من حَدِيث عُثْمَان بن خَالِد الْمدنِي، نَا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر (قَالَ) : قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الصَّيْد يَأْكُلهُ الْمحرم مَا لم يصده أَو يصد لَهُ» . ثمَّ قَالَ الْخَطِيب: تفرَّد بروايته عُثْمَان عَن مَالك. قلت: وَعُثْمَان ضعَّفوه، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 حَدِيث يُوسُف بن خَالِد (السَّمْتِي) ، عَن عَمرو بن أبي عَمرو، عَن الْمطلب، عَن (أبي) مُوسَى الْأَشْعَرِيّ (مَرْفُوعا) : «لحمُ الصَّيْد حَلَال لكم مَا لم تصيدوه أَو يُصَدْ لكم وَأَنْتُم حُرُم» . ويوسف هَذَا واهٍ. وَأما الْكَلَام فِي الْمطلب (فقد خَالف) ابْنَ سعد أَبُو زرْعَة فَقَالَ: ثِقَة. وَكَذَا وثَّقه الدارقطنيُّ وغيرُه. فَائِدَة: رِوَايَة: «أَو يصاد لكم» بالألفِ، لَا إِشْكَال فِيهَا، وَرِوَايَة مَنْ رَوَى: «أَو يُصَدْ» بحذفها، جَائِزَة عَلَى لُغَة، وَمن ذَلِك: قَوْله تَعَالَى: (إِنَّه من يتقِ ويصبر) عَلَى قِرَاءَة من قَرَأَ بِالْيَاءِ، وَمِنْه قَول الشَّاعِر: بِمَا لاقتْ لَبُونُ بني زِياد ألَمْ يَأْتيكَ والأَنْبَاءُ تَنْمى الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه خرج مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتخلف مَعَ بعض أَصْحَابه، وَهُوَ حَلَال وهم محرمون، فَرَأَوْا حمر وَحش، فَاسْتَوَى عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 فَرَسه ثمَّ سَأَلَ أصحابَه أَن يناولوه سَوْطًا فَأَبَوا فسألَهُم رمْحَه، فَأَبَوا، فَأَخذه وَحمل عَلَى الْحمر فعقر مِنْهَا أَتَانَا، فَأكل مِنْهَا بَعضهم وأَبَى بَعضهم، فلمَّا أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَأَلُوهُ، فَقَالَ: هَل مِنْكُم أحد أمره أَن يحمل عَلَيْهَا أَو أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِي من لَحمهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنهُ، قَالَ: «كُنْتُ يَوْمًا جَالِسا مَعَ رجالٍ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي منزلٍ فِي طَرِيق مَكَّة، وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[نَازل] أمامنا، وَالْقَوْم مُحْرِمُون وَأَنا غيرُ مُحْرِم، عَام الْحُدَيْبِيَة، فأبْصَرُوا حمارا وحشيًّا وَأَنا مَشْغُول أَخْصِفُ نَعْلي، فَلم (يُؤْذِنُوني) وأحبوا لَو أَنِّي (أبصرته) ، فقمتُ إِلَى الفرسِ فأسرجته (ثمَّ) ركبتُ ونسيتُ السَّوْطَ والرُّمْحَ؛ فَقلت لَهُم: نَاوِلُوني السَّوْطَ والرُّمْحَ، قَالُوا: لَا واللهِ لَا نُعِينكَ عَلَيْهِ [بِشَيْء] ، فغضبتُ فنزلتُ (فأخذتُهما) ، ثمَّ ركبتُ، فشددتُ عَلَى الْحمار فعقرتُه، ثمَّ جئتُ بِهِ وَقد مَاتَ، فوقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ، ثمَّ إنَّهُمْ شكُّوا فِي أكْلِهم إِيَّاه وهم حُرُم، فرحنا وخبَّأتُ العضدَ (معي) فأدركْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 (فسألنَْاهُ) عَن ذَلِك، فَقَالَ: هَل مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء؟ فَقلت: نَعَمْ. فناولْتُه العَضُدَ، فَأكلهَا [حَتَّى نَفَّدَها] وَهُوَ مُحْرِم» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِنَّمَا هِيَ طعمة أطعمكموها اللَّهُ» . وَفِي أُخْرَى لَهما: «فَهُوَ حَلَال، فَكُلُوا» . وَفِي رِوَايَة لَهما من حَدِيث أبي قَتَادَة: فَقَالَ لَهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «هَل مِنْكُم أحد أمره أَن يَحْمِل عَلَيْهَا، أَو أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فكُلُوا مَا بَقِي مِنْ لَحمهَا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: « (هَل) أَعنتم أَو أَشرتم أَو أصدتم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ قَالَ: «هَل مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء؟ قَالَ: مَعنا رِجله. فَأَخذه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأكلهَا» . وَفِي رِوَايَة للطحاويِّ فِي «شرح الْآثَار» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث أَبَا قَتَادَة (عَلَى) الصَّدَقَة، وَخرج عَلَيْهِ السَّلَام وأصحابُه وهُمْ مُحْرِمُون، حَتَّى نزلُوا عسفانَ، وَجَاء أَبُو قَتَادَة وَهُوَ حل ... » الحَدِيث. وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 رِوَايَة للدارقطني وَالْبَيْهَقِيّ فِي حَدِيث أبي قَتَادَة أَنه قَالَ حِين اصطاد الْحمار الوحشي: « (فذكرتُ) شَأْنه لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (وذكرتُ) أَنِّي لم أَكُن أحرمتُ، وَأَنِّي إِنَّمَا اصطدته لَك، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَصْحَابه، فأكَلُوا وَلم يأكُلْ حِين أخبرتُه أَنِّي اصطدتُه لَهُ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ أَبُو (بكر) النيسابوريُّ: قَوْله: «إِنَّمَا اصطدتُه لَك» وَقَوله: « (و) لم يأكلْ مِنْهُ» لَا أعلم أحدا ذكَرَه فِي هَذَا الحَدِيث غير معمر، وَهُوَ مُوَافق لِمَا رُوي عَن عُثْمَان. قَالَ ابْن حزم فِي «مُحَلاَّه» : وَلم يذكر سماعَه من عبد الله بن أبي قَتَادَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الزِّيَادَة غَرِيبَة، وَالَّذِي فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أكل مِنْهُ» ، وَإِن كَانَ الإسنادان (صَحِيحَيْنِ) ، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» : ويُحْتمل أَنه جَرَى لأبي قَتَادَة فِي تِلْكَ (السفرة) قضيتان للجَمْع (بَين) الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّهَا قَضِيَّة وَاحِدَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 فِي وَقت وَاحِد فِي مَكَان وَاحِد، فِي صيدٍ واحدٍ. قَالَ: وَلَا يشك أحد فِي أَن أَبَا قَتَادَة لم يصد الْحمار إِلَّا لنَفسِهِ ولأصحابه وهم محرمون، فَلم يمنعهُم رَسُول الله من أكله. وَخَالفهُ ابْن عبد الْبر فَقَالَ: كَانَ اصطياده الْحمار لنَفسِهِ لَا لأَصْحَابه، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وجَّه أَبَا قَتَادَة عَلَى طَرِيق الْبَحْر مَخَافَة العدوِّ، فَلذَلِك لم يكن محرما إِذْ اجْتمع مَعَ أَصْحَابه؛ لِأَن مخرجهم لم يكن وَاحِدًا. قَالَ: وَكَانَ ذَلِك عَام الْحُدَيْبِيَة أَو بعده بعام عَام الْقَضِيَّة. آخر الْجُزْء الرَّابِع، بحَمْدِ الله وعونه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين «أَن الصَّعْب بن جَثَّامة أهْدَى للنَّبِي (حمارا وحشيًّا فَرده عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجهه قَالَ: إِنَّا لم نَرده عَلَيْك إِلَّا أَنا حرم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) كَذَلِك، وَفِي روايتهما: «أَنه أهداه لَهُ وَهُوَ بالأبواء، أَو بودان» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «من لحم حمَار وَحش» . (وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رجل حمَار وَحش» ) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «عجز حمَار وَحش يقطر دَمًا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «شقّ حمَار وَحش» . وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي حَدِيث زيد بن أَرقم: «عُضْو من لحم صيد» . وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث (فِي) شرح الْعُمْدَة، فَليُرَاجع مِنْهُ. والصَّعْب: بِفَتْح الصَّاد، وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة، وجَثَّامة: بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْمُثَلَّثَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي شُرُوط الصَّلَاة، فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَضَى فِي الضَّبع بكبش» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق، أقواها وأصحها رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي عمار، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الضبع، فَقَالَ: هُوَ صيد، وَيجْعَل فِيهِ كَبْش إِذا صَاده الْمحرم» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسكت عَلَيْهِ، (و) التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَالنَّسَائِيّ، وَصَححهُ ابْن حبَان أَيْضا وَلَفظه: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الضبع، فَقَالَ: هِيَ صيد، وفيهَا كَبْش» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ جرير بن (حَازِم) يَعْنِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 رَاوِيه عَن عبد الله بن عبيد، عَن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور، ثمَّ سَاق من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جُريج، عَن عبد الله بن عبيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمار، قَالَ: «سَأَلت جَابِرا عَن الضبع آكله؟ قَالَ: نعم. قلت: أصيد هُوَ؟ قَالَ: نعم، قلت: عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: نعم» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: «جعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الضبع يُصِيبهُ الْمحرم كَبْشًا نجديًّا، وَجعله من الصَّيْد» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك، إِلَّا أَنه لم يقل «نجديًّا» . وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الضبع صيد؛ فَإِذا أَصَابَهُ الْمحرم فَفِيهِ جَزَاء كَبْش مسن ويؤكل» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بقريب من لفظ أبي دَاوُد (و) بقريب من لفظ الْحَاكِم الآخر، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث [جيد] تقوم بِهِ الْحجَّة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ عبد الْحق فِي كتاب الْأَضَاحِي من «أَحْكَامه» : إِسْنَاده صَحِيح، و (سكت) عَلَيْهِ هُنَا. وَله طَرِيق أُخْرَى عَن جَابر رَوَاهُ الْأَجْلَح الْكِنْدِيّ، عَن أبي الزبير عَنهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 مَرْفُوعا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وروياه أَيْضا مَوْقُوفا. قَالَ ابْن الْقطَّان: الْأَجْلَح يرفعهُ، وَالْجَمَاعَة تقفه. قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ. الطَّرِيق الثَّانِي: رِوَايَة عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الضبع صيد، وَجعل فِيهِ كَبْشًا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَعَمْرو هَذَا الْأَكْثَرُونَ عَلَى توثيقه كَمَا تقدم قَرِيبا فِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج، عَن عِكْرِمَة مولَى ابْن عَبَّاس يَقُول: «أنزل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضبعًا (صيدا) ، وَقَضَى فِيهَا كَبْشًا» ، ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا حَدِيث لَا يثبت مثله لَو انْفَرد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لانقطاعه، ثمَّ أكده بِحَدِيث ابْن أبي عمار السالف، قَالَ: وَقد رُوِيَ مَوْصُولا، فَذكره كَمَا أسلفناه. وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «فِي الضبع كَبْش» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة، عَن عَلّي. الطَّرِيق الثَّالِث: من رِوَايَة الْأَجْلَح، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن عمر بن الْخطاب - قَالَ: لَا أرَاهُ إِلَّا قد رَفعه -: «أَنه حكم فِي الضبع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 بكبش، وَفِي الغزال (بعنز) ، وَفِي الأرنب بعناق، وَفِي اليربوع بجفرة» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى عمر، كَذَلِك رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن أبي الزبير، عَن جَابر عَنهُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الْملك بن [أبي] سُلَيْمَان، عَن عَطاء، عَن جَابر عَنهُ، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن الْمَوْقُوف أصح من الْمسند. قلت: وَالْأَجْلَح صَدُوق شيعي جلد، قَالَ يَحْيَى: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: لم أجد لَهُ شَيْئا مُنْكرا إِلَّا أَنه يعدُّ فِي شيعَة الْكُوفَة، وَهُوَ صَدُوق. وَقَالَ السَّعْدِيّ: مفتر. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ لَا يدْرِي مَا يَقُول؛ جعل أَبَا سُفْيَان أَبَا الزبير. وَقَالَ أَحْمد: قد رَوَى غير حَدِيث مُنكر. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله عَزَّ وجَلَّ حرم مَكَّة، لَا يُخْتَلَى خَلاهَا، وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا ينفر صيدها. فَقَالَ الْعَبَّاس: إِلَّا الْإِذْخر يَا رَسُول الله؛ فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتنَا، فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا تقدم فِي الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث السَّادِس عشر. (وَقَول الرَّافِعِيّ فِي الشوك، وَفِي وَجه اخْتَارَهُ صَاحب التَّتِمَّة أَنَّهَا مَضْمُونَة لإِطْلَاق الْخَبَر. قلت: بل صَرِيحَة فِيهِ وَهِي لَا يعضد شَوْكهَا) . الحَدِيث الثَّلَاثُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استهدي بِمَاء زَمْزَم (من) سُهَيْل بن عَمْرو عَام الْحُدَيْبِيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن المؤمل، وَقد سلف حَاله فِي أَوَاخِر الْبَاب قبله، عَن (ابْن مُحَيْصِن) ، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «استهدى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُهَيْل بن عَمْرو [من] مَاء زَمْزَم» . قَالَ: وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، ثمَّ رُوِيَ من حَدِيث خَلاد بن يَحْيَى، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، ثَنَا أَبُو الزبير قَالَ: «كُنَّا عِنْد جَابر بن عبد الله فَذكر حَدِيث: «مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ» قَالَ: ثمَّ أرسل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ (بِالْمَدِينَةِ) قبل أَن تفتح مَكَّة إِلَى سُهَيْل بن عَمْرو: أَن أهد لنا (من) مَاء زَمْزَم وَلَا يتْرك. قَالَ: فَبعث إِلَيْهِ بمزادتين» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة، وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مِثْلَمَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة، لَا ينفر صيدها وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلاهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، خرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة ودعا لأَهْلهَا، وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة كَمَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة» . وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ بِلَفْظ: «اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة فَجَعلهَا حرما، وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة حَرَامًا مَا بَين مأْزِمَيْها، أَلا يهراق فِيهَا دم، وَلَا يحمل فِيهَا سلَاح لقِتَال، وَلَا يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَة إِلَّا لعلف» . وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: «إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة، وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا بَين لابتيها، لَا يقطع عضاهها وَلَا يصاد صيدها» . وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» ، من حَدِيث أبي قَتَادَة: «اللَّهُمَّ إِنِّي حرمت مَا بَين لابتيها، كَمَا حرمت عَلَى لِسَان إِبْرَاهِيم الْحرم» . وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث رَافع بن خديج، وَسعد بن أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 وَقاص، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أنس. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنِّي (أحرم) مَا بَين لابتي الْمَدِينَة أَن يقطع عضاهها، أَو يقتل صيدها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَضي اللهُ عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ وَزِيَادَة. واللابتان: الحرتان وَهِي أَرض (تلبسها) حِجَارَة سود، والعِضاه: الشّجر. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ «أَن سعد بن أبي وَقاص أَخذ سلب رجل قتل صيدا فِي الْمَدِينَة، وَقَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من رَأَى رجلا يصطاد بِالْمَدِينَةِ فليسلبه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عَامر بن سعد: «أَن سَعْدا ركب إِلَى قصره بالعقيق فَوجدَ عبدا يقطع شَجرا أَو يخبطه فسلبه، فَلَمَّا رَجَعَ سعد جَاءَهُ أهل العَبْد (فكلموه) أَن يرد عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 غلامهم (أَو) عَلَيْهِم مَا أَخذ من غلامهم، فَقَالَ: معَاذ الله أَن أرد شَيْئا نفلنيه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَأَبَى أَن يرد عَلَيْهِم» . وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، واستدركه الْحَاكِم، وَقَالَ: إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْبَزَّار بعد أَن أخرجه: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا سعد بن أبي وَقاص، وَلَا رَوَاهُ عَن سعد إِلَّا (عَامر) بن سعد. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: قد رَوَيْنَاهُ من حَدِيث سُلَيْمَان بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن سعد، وَمن حَدِيث مولَى سعد، عَن سعد، فَلَعَلَّهُ (أَرَادَ) من وَجه يثبت. (فَائِدَة) : العقيق هَذَا بَينه وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَمْيَال، وَبِه مَاتَ سعد وَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَدفن بهَا، (هَكَذَا) نقل الْحَافِظ محب الدَّين فِي «أَحْكَامه» عَن ابْن الْجَوْزِيّ أَن بَينهمَا عشرَة أَمْيَال، ثمَّ قَالَ: وَمَا أرَاهُ إِلَّا أقرب إِلَى الْمَدِينَة من هَذِه الْمسَافَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ: «أَنهم كلموا سَعْدا فِي هَذَا السَّلب، فَقَالَ: مَا كنت لأرد طعمة أطعمنيها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة بِهَذَا اللَّفْظ أخرجهَا أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة سُلَيْمَان بن أبي عبد الله، قَالَ: «رَأَيْت سعد بن أبي وَقاص أَخذ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 رجلا يصيد فِي حرم الْمَدِينَة الَّذِي حرم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فسلب ثَوْبه) فجَاء موَالِيه فكلموه فِيهِ، فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حرم هَذَا الْحرم، وَقَالَ: من وجد أحدا يصيد فِيهِ فليسلبه، فَلَا أرد عَلَيْكُم طعمة أطعمنيها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَكِن إِن شِئْتُم دفعت إِلَيْكُم ثمنه» . رِجَاله كلهم ثِقَات، إِلَّا سُلَيْمَان بن أبي عبد الله، فَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ هُوَ بالمشهور لَكِن يعْتَبر بحَديثه، وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، وَذكره أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَفِي رِوَايَة للبيهقي «أَن (سَعْدا) كَانَ يخرج من الْمَدِينَة فيجد الحاطب من الْحطاب مَعَه شجر رطب قد عضده من بعض شجر الْمَدِينَة فَيَأْخُذ سلبه، فَيُكَلَّم فِيهِ. فَيَقُول: لَا أدع غنيمَة غنمنيها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَإِنِّي لمن أَكثر النَّاس مَالا» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِهَذَا اللَّفْظ أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح (الْإِسْنَاد) . الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَيدُ وجّ مُحَرَّمٌ للهِ - تَعَالَى» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) ، أخرجه أَبُو دَاوُد (فِي «سنَنه» ) مُنْفَردا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 بِهِ، عَن (حَامِد) بن يَحْيَى، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن مُحَمَّد بن عبد الله الطَّائِفِي، عَن أَبِيه، عَن عُرْوَة بن الزبير، (عَن أَبِيه) ، قَالَ: «لما أَقبلنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من لِيَّة حَتَّى إِذا كُنَّا عِنْد السِّدْرَة وقف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي طرف القَرْن الْأسود حذوها فَاسْتقْبل نَخِْبا ببصره - وَقَالَ مرّة: واديه - وقف حَتَّى (اتَّقَفَ) النَّاس كلهم، ثمَّ قَالَ: إِن صيدَ وجٍّ وعِضَاهه حَرْم مُحَرَّمٌ (لله» ) . وَذَلِكَ قبل نزُول الطَّائِف وحصاره لثقيف. سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ عَلَى قَاعِدَته حسن أَو صَحِيح، وَكَذَا سكت عَلَيْهِ عبد الْحق، وَهُوَ قَاض بِصِحَّتِهِ عِنْده. (و) رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن عبد الله بن الْحَارِث المَخْزُومِي: حَدَّثَني مُحَمَّد بن عبد الله بن إِنْسَان، وَأَثْنَى عَلَيْهِ خيرا، ثمَّ سَاقه، (وَمُحَمّد بن عبد الله هَذَا) قَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَفِي حَدِيثه نظر. وَذكره البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: لم يُتَابع عَلَيْهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 وَذكر أَبَاهُ وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: لم يَصح. وَكَذَا قَالَ الْأَزْدِيّ، وَقَالَ ابْن حبَان: رَوَى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد، لم يَصح حَدِيثه. وَنقل مثل هَذِه الْعبارَة فِيهِ أَيْضا عَن البُخَارِيّ ابْن الْقطَّان فِي «علله» ، وَذكر ابْن أبي خَيْثَمَة، عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَذكر الْخلال فِي «علله» أَن أَحْمد ضعفه. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» : كَانَ يُخطئ. وَمثل هَذِه الْعبارَة لَا تقال إِلَّا فِيمَن رَوَى عدَّة أَحَادِيث، فَأَما عبد الله فَهَذَا الحَدِيث أول مَا عِنْده وَآخره، فَإِن كَانَ قد أَخطَأ فَحَدِيثه مَرْدُود عَلَى قَاعِدَة ابْن حبَان. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع مُحَمَّد هَذَا إِلَّا من جِهَة تقاربها، قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء إِلَّا مَرَاسِيل، وَإسْنَاد آخر يُقَارب هَذَا. وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» : يرويهِ عبد الله بن الْحَارِث المَخْزُومِي، عَن مُحَمَّد بن عبد الله (بن عبد الله) بن إِنْسَان، عَن أَبِيه، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن الزبير، كَذَلِك رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه. (والْحميدِي، وَحدث الْبَغَوِيّ، عَن أَحْمد بن حَنْبَل، عَن عبد الله بن الْحَارِث، فَقَالَ: عَن عبد الله بن عبد الله بن إِنْسَان. إِنَّمَا هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله، كَذَلِك حدث بِهِ عبد الله بن أَحْمد ومُوسَى بن هَارُون، عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحميدِي وَإِسْحَاق. وَأغْرب الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي «مِيزَانه» : إِن الشَّافِعِي صحّح حَدِيثه وَاعْتمد عَلَيْهِ. قلت: وَضَعفه من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب، والتهذيب» : إِسْنَاده ضَعِيف. قَالَ: وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» : لَا يَصح. وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب، فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث حسن بعد أَن سَاقه من طَرِيق أبي دَاوُد، وَقد خَالف هَذَا فِي مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد بِمَا تقدم. فَائِدَة: فِي ضبط مَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث من الْأَلْفَاظ الَّتِي قد تُصَحَّف: لِيَّة: بِكَسْر أَوله، وَتَشْديد ثَانِيه، كَذَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» . وَقَالَ صَاحب الإِمَام: هُوَ مكسور اللَّام. فَفِي رِوَايَة الْخَطِيب مُخَفّفَة، وَفِي رِوَايَة غَيره مُشَدّدَة كَذَا قَالَ الْبكْرِيّ، وَهِي من أَرض الطَّائِف عَلَى أَمْيَال يسيرَة، وَهِي عَلَى لَيْلَة من قرن. والقَرْن: جبل صَغِير، قَالَه الْخطابِيّ، قَالَ: ورأيته يشرف عَلَى وهدة. ونَخْب: بِفَتْح أَوله، وَإِسْكَان ثَانِيه بعده بَاء مُوَحدَة، وَاد من وَرَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 الطَّائِف، قَالَه الْبكْرِيّ. قَالَ: وَحَكَى (السكونِي) نَخِب: بِكَسْر الْخَاء عَلَى وزن فَعِل. قلت: وَكَذَا ضَبطه الْحَازِمِي فِي مؤتلفه نقلا عَنهُ، ثمَّ قَالَ. وَيُقَال: هُوَ وادٍ بالسِّرَاه، وَقَالَ الْأَخْفَش: وادٍ بِأَرْض هُذَيْل. وَقَالَ الْخطابِيّ: أرَاهُ جبلا أَو موضعا، وَلست أُحِقُّه. وأيقف مُطَاوع وقف تَقول: وقفته فأيقف، مثل وعدته فأيعد وَالْأَصْل فِيهِ أييقف وأييعد، فَلَمَّا ثقل النُّطْق بِهِ أدغموا. (قَالَ) ابْن الْأَثِير: والعِضَاه من الشّجر مَا كَانَ لَهُ شوك. ووَجٌّ بواوٍ مَفْتُوحَة، ثمَّ جِيم مُشَدّدَة، قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: وَهُوَ وادٍ بصحراء الطَّائِف. وَهَكَذَا قَالَه غَيره من أَصْحَابنَا الْفُقَهَاء، وَقَالَهُ الْخطابِيّ أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: وَجٌّ ذكرُوا أَنه من نَاحيَة الطَّائِف. وَكَذَا قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» : أَنه وادٍ بَين مَكَّة والطائف. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وجٌّ بلد الطَّائِف. وَنَقله النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» و «التَّهْذِيب» عَن أهل اللُّغَة كلهم. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 مؤتلفه: وجٌّ: اسْم لحصون الطَّائِف، وَقيل لواحدٍ مِنْهَا. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» : وَجَّ بِفَتْح أَوله وَتَشْديد ثَانِيه، هُوَ الطَّائِف، وَقيل هُوَ وادِ الطَّائِف، وَفِي الحَدِيث: «وَثَقِيف أَحَق النَّاس بوَجَّ» . وَعَن خَوْلَة بنت حَكِيم امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون مَرْفُوعا: «إِن آخر وَطْأَة وَطئهَا الله - تَعَالَى - بوجّ» . قَالَ (أَبُو مُحَمَّد) : يُرِيد أَن آخر مَا أوقع الله بالمشركين بوج، وَهِي الطَّائِف. وَكَذَلِكَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 (الطَّائِف، وحنين، وحنين وَادي الطَّائِف. وَقَالَ غَيره: إِن وَجًّا مقدس، مِنْهُ عرج الرب - تبَارك وَتَعَالَى - إِلَى السَّمَاء حَتَّى قَضَى إِلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض. قَالَ مُحَمَّد بن سهل: سميت بوج بن عبد الْحَيّ من العمالقة، هُوَ أول من نزلها. قَالَ الْخطابِيّ: وَلست أعلم لتَحْرِيم صيد وجٍّ مَعْنَى إِلَّا أَن يكون حرمه وقتا مَخْصُوصًا ثمَّ أحله، وَيدل عَلَى ذَلِكَ قَوْله: «قبل نُزُوله الطَّائِف وحصاره ثقيفًا» ، ثمَّ عَاد الْأَمر [فِيهِ] إِلَى الْإِبَاحَة. قلت: وَرُبمَا اشْتبهَ «وَج» هَذَا بوح بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ الْحَازِمِي: هِيَ نَاحيَة بعمان. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمى النَّقيع لإبل الصَّدَقَة ونِعَمَ الْجِزْيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ بلاغًا، وَأحمد وَأَبُو دَاوُد مُتَّصِلا، أما البُخَارِيّ فساق من حَدِيث الصعب بن جَثَّامة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا حمى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ» . وَقَالَ: «بلغنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمى النَّقيع، وَأَن عمر حمى الشّرف والربذة» . وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَوَقع فِي «الْإِلْمَام» أَنه مُتَّفق عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَقد ذكر هُوَ فِي أَوَاخِر «اقتراحه» فِي أَحَادِيث عَلَى شَرط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 الصَّحِيحَيْنِ وَلم يخرجاها. نعم هُوَ فِي البُخَارِيّ كَمَا قَرّرته لَك، وَوَقع فِي هَذَا الْوَهم ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» . وَأما أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد فَإِنَّهُمَا أَخْرجَاهُ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن ابْن شهَاب، عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، عَن ابْن عَبَّاس عَن الصَّعْب بن جَثَّامة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حمى النقيع، وَقَالَ: لَا حمى إِلَّا للهِ عَزَّ وجَلَّ» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ أَحْمد: «إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ» . وَأخرجه الْحَاكِم أَبُو عبد الله بِلَفْظ أَحْمد ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. هَكَذَا! إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث يُونُس بِإِسْنَادِهِ: «لَا حمى إِلَّا لله وَرَسُوله» هَذَا لَفظه وَقد علمت أَن [البُخَارِيّ] رَوَاهُ وَحده. وَذكر الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث فِي «سنَنه» ، ثمَّ قَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا وهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ قَوْله: «حمى النقيع» من قَول الزُّهْرِيّ، وَكَذَا قَالَه ابْن أبي الزِّنَاد عَن [عبد الرَّحْمَن] بن الْحَارِث. قلت: سِيَاق أبي دَاوُد يُخَالف مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَجعل عبد الْحق فِي جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ فِي بَاب النَّهْي عَن بيع فضل المَاء (إِلَّا لَفظه قَالَ وبلغنا قَول البُخَارِيّ) فَقَالَ: وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 البُخَارِيّ: بلغنَا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمى النيقع ... » إِلَى آخِره. وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة عَلَى ذَلِكَ فِي «مطلبه» . وَفِي «مُسْند» أَحْمد، و «صَحِيح ابْن حبَان» رِوَايَة هَذَا الحَدِيث أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حمى النقيع لخيل الْمُسلمين» . وَقَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» : الَّذِي عَرفْنَاهُ بِهِ نصًّا وَدلَالَة فِيمَا حمى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه حمى النقيع» . وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: أَنا غير وَاحِد من أهل الْعلم «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَنه) حمى النقيع، وَأَن عمر حمى الشّرف والربذة» . فَائِدَة: النقيع - الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث - هُوَ بالنُّون، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور، قَالَ صَاحب الْمطَالع: اخْتلفت الروَاة فِي ضَبطه فقيده جماعات بالنُّون. وَكَذَا ذكره الْهَرَوِيّ والخطابي، قَالَ الْخطابِيّ: وَقد صحفه بعض أَصْحَاب الحَدِيث فقاله بِالْبَاء، وَهَذَا خطأ، إِنَّمَا الَّذِي بِالْبَاء بَقِيع الْغَرْقَد مدفن أهل الْمَدِينَة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هُوَ بِالْبَاء مثل بَقِيع الْغَرْقَد. قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : ومساحته مثل بريد، وَفِيه شجر كَبِير حَتَّى يغيب الرَّاكِب فِيهِ. قلت: وَجزم الْحَازِمِي فِي «مؤتلفه» بِأَنَّهُ بالنُّون، قَالَ: وَهُوَ من ديار مزينة، قَالَ: وَهُنَاكَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَسْجِد. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 عَلَى نَحْو عشْرين ميلًا من الْمَدِينَة، وَهُوَ فِي صدر وَادي العقيق. والشرف: قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» : قَيده بَعضهم بِفَتْح السِّين وَكسر الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَبَعْضهمْ بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة، قَالَ: وَالثَّانِي هُوَ الصَّوَاب. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَسُوق الْهَدْي» هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة، وَعلي وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة رَضي اللهُ عَنهم. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمَا كَانَت تشد أفواهها فِي الْحرم. قلت: هُوَ الظَّاهِر. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فسبعة وَثَلَاثُونَ أثرا. أَولهَا: «أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قدمُوا مَكَّة متقلدين بسيوفهم عَام عمْرَة الْقَضَاء» . وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» عَن إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن عبد الله بن أبي بكر، «أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قدمُوا فِي عمْرَة الْقَضَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 متقلدين السيوف وهم محرمون» . وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من رِوَايَة الْبَراء قَالَ: «اعْتَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ذِي الْقعدَة، فَأَبَى أهل مَكَّة أَن يَدعُوهُ يدْخل مَكَّة حَتَّى قاضاهم لَا يدْخل مَكَّة سِلَاحا إِلَّا فِي القراب» . وَفِيه أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج مُعْتَمِرًا فحال كفار قُرَيْش بَينه وَبَين الْبَيْت، فَنحر هَدْيه وَحلق رَأسه بِالْحُدَيْبِية، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَن يعْتَمر الْعَام الْمقبل، وَلَا يحمل سِلَاحا عَلَيْهِم إِلَّا سيوفًا وَلَا يُقيم [بهَا] إِلَّا مَا أحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ من الْعَام الْمقبل فَدَخلَهَا كَمَا كَانَ صَالحهمْ فَلَمَّا أَقَامَ بهَا ثَلَاثًا أَمرُوهُ أَن يخرج فَخرج. الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَا بَأْس أَيْضا بشد الْهِمْيَان والمنطقة عَلَى الْوسط لحَاجَة النَّفَقَة، وَهُوَ كَمَا قَالَ. أما أثر عَائِشَة: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئلت عَن الْهِمْيَان للْمحرمِ، فَقَالَت: وَمَا بَأْس ليستوثق من نَفَقَته» . وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: ثَنَا حَفْص بن غياث، (عَن) يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن الْهِمْيَان للْمحرمِ (فَقَالَت) أوثق نَفَقَتك فِي حقويك» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث الْقَاسِم، عَن عَائِشَة: «أَنَّهَا كَانَت ترخص فِي المنطقة للْمحرمِ» . فَقَالَ: يرويهِ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَاخْتلف عَنهُ) : فَرَوَاهُ يَحْيَى بن سيعد الْقطَّان وَيَحْيَى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة. وَخَالَفَهُمَا ابْن فُضَيْل فَرَوَاهُ، عَن يَحْيَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَال: وَالْأول أشبه بِالصَّوَابِ. وَأما أثر ابْن عَبَّاس، فَرَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» من حَدِيث شريك، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَطاء، وَسَعِيد بن جُبَير عَنهُ قَالَ: «رخص للْمحرمِ فِي الْخَاتم والهميان» . وَفِي رِوَايَة لَهُ من هَذَا الْوَجْه: «لَا بَأْس بالهميان والخاتم للْمحرمِ» ترْجم عَلَيْهِمَا الْبَيْهَقِيّ وَعَلَى أثر عَائِشَة السالف (الْمحرم يلبس المنطقة والهميان للنَّفَقَة والخاتم) ، وَلم يذكر «المنطقة» فِي روايتهما. فَكَأَنَّهُ قاسها عَلَى الْهِمْيَان. وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن حميد الْأَعْرَج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لَا بَأْس بِهِ أَي: بالهميان للْمحرمِ» . وَرَوَاهُ ابْن عدي وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث يُوسُف بن خَالِد السَّمتي، ثَنَا زِيَاد بن سعد، عَن صَالح مولَى التَّوْأَمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه كَانَ لَا يرَى بالهميان للْمحرمِ بَأْسا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 رَوَى ذَلِكَ ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ويوسف هَذَا واهٍ، وَصَالح مولَى التَّوْأَمَة تغير بِأخرَة. وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي «كَامِله» أَيْضا بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رخص للهميان فِي الْمحرم» . وَفِي سَنَده مَعَ صَالح أَحْمد بن ميسرَة، قَالَ أَحْمد: لَا أعرفهُ. وَقَالَ ابْن عدي: لَا يعرف إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ: عَلَى أَنه قد رَوَاهُ عَن صَالح: إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، وَإِبْرَاهِيم يحْتَمل تَضْعِيفه، وَزِيَاد لَا يحْتَمل؛ لِأَنَّهُ ثِقَة، وَهُوَ مُنكر من حَدِيث زِيَاد بن سعد، عَن صَالح. (وَرَوَاهُ) من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رخص فِي الْهِمْيَان للْمحرمِ يُشَدُّ فِيهِ نَفَقَته» . الْأَثر الرَّابِع: قَالَ الرَّافِعِيّ: والحناء لَيْسَ بِطيب «كَانَ نسَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يختضبن وَهن مُحرمَات» . وَهَذَا الْأَثر ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» أَيْضا، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِنَّه غَرِيب. قَالَ: وَقد حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر فِي «الإشراف» بِغَيْر إِسْنَاد، وَإِنَّمَا رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمَسْأَلَة حَدِيث عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن الْحِنَّاء والخضاب، فَقَالَت: كَانَ خليلي (لَا يحب رِيحه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ كالدلالة عَلَى أَن الْحِنَّاء لَيْسَ بِطيب؛ فقد كَانَ (يحب الطّيب، وَلَا يحب [ريح] الْحِنَّاء. انْتَهَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 وَهَذَا الْأَثر الَّذِي استغربه النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» أَيْضا وَلم يعزه. وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب «الْمعرفَة» فَقَالَ: وروينا عَن عِكْرِمَة «أَن عَائِشَة وَأَزْوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كن يختضبن بِالْحِنَّاءِ وَهن مُحرمَات» . ذكره ابْن الْمُنْذر. قلت: وَهَذَا قد أسْندهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (فَقَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أَحْمد، حَدَّثَني أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَيُّوب صَاحب الْمَغَازِي) ، ثَنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش، عَن يَعْقُوب (بن) عَطاء، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كن أَزوَاج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يختضبن بِالْحِنَّاءِ وَهن مُحرمَات، ويلبسن المعصفر وَهن مُحرمَات» . وَيَعْقُوب بن عَطاء، الظَّاهِر أَنه ابْن أبي رَبَاح وهاه أَحْمد، وَضَعفه ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَعَمْرو بن دِينَار سمع من ابْن عَبَّاس كَمَا صرح بِهِ الرَّامَهُرْمُزِيُّ فِي كِتَابه «الْفَاصِل» ، وَلَا تغتر بقول الْحَاكِم: عَامَّة أَحَادِيثه (عَن الصَّحَابَة) غير مسموعة، فَزَالَتْ إِذن الغرابة الَّتِي ادَّعَاهَا النَّوَوِيّ، وَعرف مخرجه، وَللَّه الْحَمد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وروينا عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن خضاب الْحِنَّاء فَقَالَت: كَانَ خليلي (لَا يحب رِيحه» . وَهَذَا قد أسْندهُ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن، قَالَ: وَمَعْلُوم أَنه كَانَ يحب الطّيب فَيُشبه أَن يكون الْحِنَّاء غير دَاخل فِي جملَة الطّيب. وَهَذَا قد قدمْنَاهُ عَن شيبَة أَيْضا. وَذكر فِي «الْمعرفَة» عَن خَوْلَة بنت حَكِيم، عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا: «لَا تطيبي وَأَنت مُحرمَة، وَلَا تمسي الْحِنَّاء؛ فَإِنَّهُ طيب» . وَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف؛ فِيهِ ابْن لَهِيعَة غير مُحْتَج بِهِ. وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» : ثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا حجاج، ثَنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أَيُّوب، عَن (معَاذَة) «أَن امْرَأَة سَأَلت عَائِشَة قَالَت: تختضب الْحَائِض؟ فَقَالَت: كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن نختضب (فَلم يكن) ينهانا عَنهُ» وَهَذَا عَام. فَائِدَة: عدَّ أَبُو حنيفةَ الدِّينوَرِي وَغَيره من أهل اللُّغَة الْحِنَّاء من أَنْوَاع الطّيب. وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» فِي الحَدِيث: «سيد راحين الْجنَّة (الفاغية) » قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ نَوْر الحِنَّاء، وَفِي الحَدِيث أَيْضا عَن أنس: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تعجبه الفاغية» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 قلت: رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» . وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ: الفاغية مَا أنبتت الصَّحرَاء من الأَنْوَار الريحة الَّتِي لَا تزرع. الْأَثر الْخَامِس: عَن عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه سُئِلَ عَن الْمحرم هَل يدْخل الْبُسْتَان؟ قَالَ: نعم ويشم الريحان» . وَهَذَا الْأَثر ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِنَّه غَرِيب. وَذكره الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه (لأحاديثه) من حَدِيث أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد، ثَنَا الباغندي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، ثَنَا أَحْمد بن الْمَرْزُبَان، عَن عبد الله بن الأرطبان، عَن الْمعَافى بن عمرَان، عَن جَعْفَر بن برْقَان، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن أبان بن عُثْمَان، عَن عُثْمَان بن عَفَّان «فِي الْمحرم يدْخل الْبُسْتَان؟ قَالَ: نعم، ويشم الريحان» . وَهَذَا من المسلسلات الغريبة، وسلسله ابْن عَسَاكِر أَيْضا من عِنْده إِلَى عُثْمَان كَمَا ذكرته عَنهُ فِي تخريجي لأحاديثه. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هُوَ أثر غَرِيب. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد أحسن من هَذَا، من رِوَايَة ابْن عَبَّاس قَالَ: «الْمحرم يشم الريحان وَيدخل الْحمام» . قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن، وَإِسْنَاده ثِقَات. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِسْنَاده مُتَّصِل صَحِيح. وَلَفظ رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس «أَنه كَانَ لَا يرَى بَأْسا للْمحرمِ بشم الريحان» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا عَنهُ: «يشم الْمحرم الريحان، وَينظر فِي الْمرْآة، ويتداوى بِمَا يُؤْكَل: الزَّيْت وَالسمن» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ خلاف هَذَا عَن ابْن عمر وَجَابِر بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ: أَحدهمَا: عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يكره شم الريحان للْمحرمِ» . ثَانِيهمَا: عَن أبي الزبير «أَنه سمع جَابِرا يسْأَل عَن الريحان أيشمه الْمحرم (و) الطّيب والدهن؟ فَقَالَ: لَا» . الْأَثر السَّادِس: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه دخل حمام الْجحْفَة محرما وَقَالَ: إِن الله لَا يعبأ بأوساخكم شَيْئا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (إِلَيْهِ) : أبنا إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه دخل حَماما وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ، وَقَالَ: مَا يعبأ الله بأوساخنا شَيْئا» . وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد عرفت حَاله غير مَا مرّة، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور قَالَ: « (إِن) الله لَغَنِيّ عَن درني ووسخي» . قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا الثِّقَة - إِمَّا سُفْيَان وَإِمَّا غَيره - عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه دخل حمام الْجحْفَة وَهُوَ محرم» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ، قَالَ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه أَبَاحَ ذَلِكَ. وَهَذَا أسْندهُ فِي «سنَنه» من حَدِيث عِكْرِمَة عَنهُ: «الْمحرم يشم الريحان، وَيدخل الْحمام، وَينْزع ضرسه، ويفقأ القرحة، وَإِذا انْكَسَرَ عَنهُ ظفره أماط عَنهُ الْأَذَى» . وَفِي البُخَارِيّ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «يدْخل الْمحرم الْحمام» . فَائِدَة: قَوْله «مَا يعبأ بِهَذَا» الْمَعْنى: مَا يصنع، وَمِنْه قَوْله: مَا عبأت بفلان عبئًا أَي: مَا باليت بِهِ، وَبَيَان أَيْضا «مَا يعبأ بِهَذَا» بِمَعْنى: «مَا يصنع بِهِ» . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (قل مَا يعبؤا بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم) . والدَّرَن: الْوَسخ. الْأَثر السَّابِع، وَالثَّامِن، وَالتَّاسِع، والعاشر: قَالَ الرَّافِعِيّ: وللجماع فِي الْحَج وَالْعمْرَة نتائج، فَمِنْهَا: فَسَاد النّسك، يروون ذَلِكَ عَن عمر، وَعلي، وَابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة، وَغَيرهم من الصَّحَابَة. انْتَهَى. أما أثر عمر: فَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بلاغًا وَهَذَا لَفظه: «أَنه بلغه أَن عمر بن الْخطاب، وَعلي بن أبي طَالب، وَأَبا هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهم سئلوا: عَن رجل أصَاب أَهله وَهُوَ محرم بِالْحَجِّ؟ قَالُوا: ينفذان لوجههما - يَعْنِي (يقضيان) حجهما - ثمَّ عَلَيْهِمَا الْحَج من قَابل وَالْهَدْي. وَقَالَ عَلّي: فَإِذا أَهلا بِالْحَجِّ (من) عَام قَابل، تفَرقا حَتَّى يقضيا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 حجهما. وأسنده الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَطاء أَن عمر بن الْخطاب قَالَ فِي محرم بِحجَّة أصَاب (امْرَأَته) يَعْنِي وَهِي مُحرمَة - فَقَالَ: «يقضيان حجهما وَعَلَيْهِمَا الْحَج من قَابل من حَيْثُ كَانَا أحرما، ويفترقان حَتَّى يُتِمَّا حجهما» . قَالَ عَطاء: وَعَلَيْهِمَا بَدَنَة إِن أَطَاعَته أَو استكرهها، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا بَدَنَة. وَهَذَا مُنْقَطع فَإِن عَطاء لم يدْرك (عمر) إِنَّمَا ولد فِي آخر خلَافَة عُثْمَان. وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان، [عَن يزِيد بن] يزِيد بن جَابر قَالَ: «سَأَلت مُجَاهدًا عَن الرجل يَأْتِي امْرَأَته وَهُوَ محرم فَقَالَ: قد كَانَ ذَلِكَ عَلَى عهد عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر: يقضيان حجهما، وَالله أعلم بحجهما، ثمَّ يرجعان حَلَالا حَتَّى إِذا كَانَا من قَابل حَجَّا وأهديا» . وَأما أثر عَلّي فقد سلف آنِفا. وَأما أثر ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن هشيم، ثَنَا أَبُو بشر، حَدَّثَني رجل من قُرَيْش «أَن رجلا وَقع بامرأته وهما محرمان، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: اقضيا (مَا) عَلَيْكُمَا من نسككما هَذَا، وعليكما الْحَج من قَابل» . وَهَذَا فِيهِ جَهَالَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شُعْبَة عَن أبي بشر، قَالَ أَبُو بشر: سَمِعت رجلا من بني عبد الدَّار قَالَ: أَتَى رجل ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ عَن محرم وَقع بامرأته، فَقَالَ: يقضيان مَا بَقِي من (نسكهما) فَإِذا كَانَ قَابل حجَّا، فَإِذا أَتَيَا الْمَكَان الَّذِي أصابا فِيهِ مَا أصابا تفَرقا وَعَلَى كل واحدٍ مِنْهُمَا هدي، أَو قَالَ: عَلَيْهِمَا الْهَدْي. قَالَ أَبُو بشر: فَذكرت ذَلِكَ لسَعِيد بن جُبَير فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَقُول ابْن عَبَّاس. وَهَذَا أَيْضا فِيهِ جَهَالَة كَمَا ترَى. (وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي) حَدِيث عِكْرِمَة «أَن رجلا وَامْرَأَته من قُرَيْش لقيا ابْن عَبَّاس بطرِيق الْمَدِينَة، فَقَالَ: أصبت أَهلِي! فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أما حجكما هَذَا فقد بَطل فحجَّا عَاما قَابلا، ثمَّ أهِلاَّ من حَيْثُ أهللتما حَتَّى إِذا بلغتما حَيْثُ وَقعت عَلَيْهَا ففارقها، فَلَا تراك وَلَا ترَاهَا حَتَّى ترميا الْجَمْرَة، ولتهد نَاقَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه سُئِلَ عَن رجل وَقع عَلَى امْرَأَته وَهُوَ محرم، قَالَ: اقضيا نسككما وارجعا إِلَى بلدكما، فَإِذا كَانَ عَام قَابل، (فاخرجا) حاجين، فَإِذا أحرمتما فتفرقا وَلَا تلتقيا حَتَّى تقضيا نسككما، وأهديا هَديا) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ثمَّ أهِلاَّ من حَيْثُ أهللتما أول مرّة» . وَرَوَى ابْن خُزَيْمَة ثمَّ الْبَيْهَقِيّ إِلَيْهِ بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه قَالَ: «إِذا جَامع فعلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا بَدَنَة» وَفِي رِوَايَة لَهما: «يُجزئ بَينهمَا جزور» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 وَفِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ «أَنه سُئِلَ عَن رجل وَقع عَلَى أَهله وَهُوَ بمنى قبل أَن يفِيض، فَأمره أَن ينْحَر بَدَنَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «الَّذِي يُصِيب أَهله قبل أَن يفِيض يعْتَمر ويُهْدي» . وَفِي مُسْند أبي حنيفَة عَنهُ، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن ابْن عَبَّاس «الرجل يواقع امْرَأَته بَعْدَمَا وقف بِعَرَفَة، قَالَ: عَلَيْهِ بَدَنَة، وَتمّ حجه» . وَأما أثر أبي هُرَيْرَة فَتقدم عَن رِوَايَة مَالك، وَقَول الرَّافِعِيّ وَغَيرهم من الصَّحَابَة هُوَ كَمَا قَالَ، وستعلمه عَن ابْن عَمْرو، وَابْن عمر. الْأَثر الْحَادِي عشر إِلَى الرَّابِع عشر: رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهم قَالُوا: «من أفسد حجه (قَضَى فِي فاسده) ، وَقَضَى من قَابل» . وَهَذِه الْآثَار قد سلفت فِي الْآثَار قبلهَا. وَرَوَى أَحْمد بن حَنْبَل، عَن إِسْمَاعِيل، ثَنَا أَيُّوب، عَن غيلَان بن جرير، أَنه سمع عليًّا الْأَزْدِيّ قَالَ: «سَأَلت ابْن عمر عَن رجل وَامْرَأَة من عمان أَقبلَا حاجين فقضيا الْمَنَاسِك حَتَّى لم يبْق (عَلَيْهِمَا) إِلَّا الْإِفَاضَة وَقع عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: ليحجَّا قَابلا» . وَفِي الْبَيْهَقِيّ هُنَا وَآخر الْبيُوع من «الْمُسْتَدْرك» ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه «أَن رجلا أَتَى عبد الله بن عَمْرو يسْأَله عَن محرم وَقع بامرأته فَأَشَارَ إِلَى عبد الله بن عمر فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فسله. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 شُعَيْب: فَلم يعرفهُ الرجل فَذَهَبت مَعَه، فَسَأَلَ ابْن عمر، فَقَالَ: بَطل حجك. فَقَالَ الرجل: فَمَا أصنع؟ قَالَ: اخْرُج مَعَ النَّاس واصنع مَا يصنعون؛ فَإِذا أدْركْت قابلَ فحُج وأهْدِ. فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه فَأخْبرهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى عبد الله بن عَبَّاس فسله. قَالَ شُعَيْب: فَذَهَبت مَعَه إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْن عمر، فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه (فَأَخْبَرته) بِمَا قَالَ ابْن عَبَّاس ثمَّ قَالَ: مَا تَقول أَنْت؟ فَقَالَ: قولي مثل مَا قَالَا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته ثِقَات حفاظ وَهُوَ كالآخذ بِالْيَدِ فِي صِحَة سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد من جده عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: كنت أطلب الْحجَّة الظَّاهِرَة فِي سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد من عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: فظفرت بهَا الْآن. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. قَالَ: وَفِيه دَلِيل عَلَى صِحَة سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله، من جده عبد الله بن عَمْرو، وَابْن عمر، وَابْن عَبَّاس. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن. وتعجب صَاحب «الإِمَام» مِنْهُ، قَالَ الْحَافِظ: رِجَاله كلهم مَشْهُورُونَ، فَقَالَ: فَلَا أَدْرِي لِم لَم يُصَحِّحهُ. الْأَثر الْخَامِس عشر: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَنه قَالَ فِي المجامع امْرَأَته فِي الْإِحْرَام: فَإِذا أَتَيَا الْمَكَان الَّذِي أصابا فِيهِ مَا أصابا يفترقا. وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَمَا سلف قَرِيبا، وَرَوَاهُ (أَبُو دَاوُد) فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 مراسيله مَرْفُوعا، لكنه مُرْسل وَضَعِيف، رَوَاهُ عَن يزِيد بن نعيم أَو زيد بن نعيم - شكّ (أَبُو تَوْبَة) - أَن رجلا من جذام جَامع امْرَأَته وهما محرمان، فَسَأَلَ الرجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهما: اقضيا نسككما، وأهديا هَديا، ثمَّ ارْجِعَا، حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا فتفرقا وَلَا يرَى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، وعليكما حجَّة أُخْرَى، فتقبلان حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا فأحرما، وأتما نسككما وأهديا. قَالَ ابْن الْقطَّان: زيد بن نعيم لَا يعرف و (يزِيد) بن نعيم ثِقَة. قَالَ ابْن وهب فِي «موطئِهِ» : أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبد الرَّحْمَن (بن حَرْمَلَة) ، عَن ابْن الْمسيب «أَن رجلا من جذام جَامع امْرَأَته وهما محرمان، فَسَأَلَ الرجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهما: أتِمَّا حجَّكما، ثمَّ ارْجِعَا وعليكما حجَّة أُخْرَى، فَأَقْبَلَا حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا فأحرما وتفرقا، وَلَا يرَى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، ثمَّ أتِمَّا نسككما وأهديا» . فَهَذَا الحَدِيث يُفَسر مَا أُمرا بِهِ، وَهُوَ أَن يَتَفَرَّقَا فِي العودة، وَالْأول فِيهِ الْأَمر بِالتَّفْرِيقِ فِي الرُّجُوع لَا فِي العودة. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا غير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 بَين وَوَقع فِي أَحْكَام عبد الْحق، عَن مَرَاسِيل أبي دَاوُد: الْأَمر بِالتَّفْرِيقِ فِي العودة، فَقَالَ: بعد قَوْله: «مَا أصبْتُمَا فتفرقا وَلَا يرَى أحد مِنْكُمَا صَاحبه فأحرما ... » إِلَى آخِره. الْأَثر السَّادِس عشر: عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه أوجب فِي الْقبْلَة شَاة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي، ثَنَا شريك، عَن جَابر، عَن أبي جَعْفَر، عَنهُ أَنه قَالَ: «من قبل امْرَأَته وَهُوَ محرم فليهرق دَمًا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع: يُرِيد فِيمَا بَين أبي جَعْفَر وَهُوَ مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن وَبَين عَلّي بن أبي طَالب. قلت: وَجَابِر هُوَ الْجعْفِيّ، وحالته علمت. الْأَثر السَّابِع عشر: عَن ابْن عَبَّاس مثله. هَذَا الْأَثر أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ بِأَنَّهُ قَالَ لما رَوَى أثر عَلّي، قَالَ: وَمَا رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس: «فَإِنَّهُ يتم حَجَّه» قَالَ: وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير، وَقَتَادَة، وَالْفُقَهَاء. الْأَثر الثَّامِن عشر: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه أوجب الْجَزَاء بقتل الْجَرَاد» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن شُعَيْب، عَن عَلّي بن عبد الله الْبَارِقي، قَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يَقُول: (فِي الْجَرَاد قَبْضَة من طَعَام) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 وَرَوَاهُ أَيْضا عَن عَبدة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة «أَن محرما أصَاب جَرَادَة فَحكم عَلَيْهِ عبد الله بن عُمر وَرجل آخر، فَحكم عَلَيْهِ أَحدهمَا بتمرة، وَالْآخر بكسرة. وَرَوَاهُ عبد الله بن عَمْرو أَيْضا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن خَالِد بن عبد الله، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة عَنهُ «أَنه حكم فِي الْجَرَاد بتمرة» . وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب أَيْضا، وَرَوَاهُ عمر أَيْضا، رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد [عَن] ابْن جريج، عَن يُوسُف بن مَاهك أَن عبد الله بن أبي عمار أخبرهُ «أَنه أقبل مَعَ معَاذ بن جبل وَكَعب الْأَحْبَار فِي أنَاس محرمين من بَيت الْمُقَدّس بِعُمْرَة، حَتَّى إِذا كُنَّا بِبَعْض الطَّرِيق، وَكَعب عَلَى (نَار) يصطلي مرت بِهِ رِجْل (من) جرادٍ، فَأخذ جرادتين (قَتلهمَا) وَنسي إِحْرَامه، ثمَّ ذكر إِحْرَامه فألقاهما، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة دخل الْقَوْم عَلَى عمر بن الْخطاب وَدخلت مَعَهم، فَقص كَعْب قصَّة الجرادتين (عَلَى عمر فَقَالَ عمر: مَا جعلت فِي نَفسك؟ قَالَ) : دِرْهَمَيْنِ قَالَ: بخ، دِرْهَمَانِ خير من مائَة جَرَادَة، اجْعَل مَا جعلت فِي نَفسك» . الْأَثر التَّاسِع عشر: عَن ابْن عَبَّاس مثله. هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن سعيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 [عَن] ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي بكير بن عبد الله، قَالَ: سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد، «قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ رجل عَن جَرَادَة قَتلهَا وَهُوَ محرم، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِيهَا قَبْضَة من طَعَام، ولنأخذن بقبضة جرادات، (وَلَكِن لَو) . قَالَ الشَّافِعِي: قَوْله: «ولنأخذن بقبضة جرادات:) أَي إِنَّمَا فِيهَا الْقيمَة وَقَوله: «وَلَو» . يَقُول: تحتاط، فَتخرج أَكثر مِمَّا عَلَيْك بعد أَن أعلمتك أَنه أَكثر مِمَّا عَلَيْك. ورويا أَيْضا بإسنادهما الصَّحِيح، عَن عَطاء، قَالَ «سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن صيد الْجَرَاد فِي الْحرم؟ فَقَالَ: لَا. وَنَهَى عَنهُ، قَالَ: إِمَّا قلت لَهُ أَو رجل من الْقَوْم: فَإِن قَوْمك يأخذونه وهم محتبون فِي الْمَسْجِد؟ فَقَالَ: لَا يعلمُونَ» . وَفِي رِوَايَة: «منحنون» . قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا أصوب، كَذَا رَوَاهُ الْحفاظ «منحنون» بنونين بَينهمَا حاء مُهْملَة. وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» : حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن بكير بن عبد الله، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد «أَن ابْن عَبَّاس أفتَى محرما قتل جَرَادَة، أَن يتَصَدَّق بقبضة من طَعَام» . قَالَ: وثنا هشيم، أَنا أَبُو يُونُس، عَن يُوسُف بن مَاهك، قَالَ: «جَاءَ (رِجْل) من جرادٍ حَتَّى دخل الْحرم، فَجعل غلْمَان مَكَّة يَأْخُذُونَ مِنْهُ، فنهاهم ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: لَو أَنهم يعلمُونَ مَا فِيهِ مَا أخذُوا مِنْهُ شَيْئا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 الْأَثر الْعشْرُونَ: عَن الصَّحَابَة (أَنهم قضوا فِي النعامة ببدنة) . هَذَا مَشْهُور عَنْهُم؛ فَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «إِن قتل نعَامَة فَعَلَيهِ بَدَنَة من الْإِبِل» . وَمن حَدِيث عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس فِي حمام الْحرم: «فِي الْحَمَامَة شَاة وَفِي بيضتين دِرْهَم، وَفِي النعامة جزور، وَفِي الْبَقَرَة بقرة، وَفِي الْحمار بقرة» . وَفِي إِسْنَاده عباد بن يَعْقُوب الروَاجِنِي من رجال البُخَارِيّ، لكنه رَافِضِي دَاعِيَة، وَقد حسنه الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» كَمَا سَيَأْتِي. وَفِيه أَيْضا من حَدِيث الشَّافِعِي، عَن سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي «أَن عمر وَعُثْمَان وَعلي بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة رَضي اللهُ عَنهم قَالُوا: فِي النعامة يَقْتُلهَا الْمحرم بَدَنَة من الْإِبِل» . قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا غير ثَابت عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ قَول الْأَكْثَر مِمَّن لقِيت فبقولهم: إنَّ فِي النعامة بَدَنَة، وبالقياس قُلْنَا: فِي النعامة بَدَنَة، لَا بِهَذَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَجه ضعفه كَونه مُرْسلا؛ فَإِن عَطاء الْخُرَاسَانِي ولد سنة خمسين - قَالَ فِي «الْمعرفَة» : كَمَا قَالَه يَحْيَى بن معِين وَغَيره - وَلم يدْرك عمر وَلَا عُثْمَان، وَلَا عليًّا، وَلَا زيدا، وَكَانَ فِي زمن مُعَاوِيَة صبيًّا، وَلم يثبت لَهُ سَماع من ابْن عَبَّاس، وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون سمع مِنْهُ؛ فَإِن ابْن عَبَّاس توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، إِلَّا أَن عَطاء الْخُرَاسَانِي مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 انْقِطَاع حَدِيثه عَمَّن سمينا تكلم فِيهِ أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ. قَالَ فِي «الْمعرفَة» : وَقد روينَا عَن عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ ذَلِكَ، وَفِيه أَيْضا إرْسَال. وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس، وَإِسْنَاده حسن، وَهَذَا قد أسْندهُ فِي «السّنَن» كَمَا سلف. وَفِي «السّنَن» لَهُ أَيْضا فِي حَدِيث المَسْعُودِيّ، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْمليح الهُذَلي «أَنه كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود يسْأَله عَن الْمحرم يُصِيب حمَار وحشٍ، أَو نعامةٍ، أَو بيض نعامةٍ، وَعَن الجرادة يُصِيبهَا الْمحرم، فَكتب إِلَيْهِ أما يُصِيب حمَار وحشٍ فَفِيهِ بَدَنَة، وَفِي النعامة بَدَنَة، وَفِي بيض النعام (صِيَام) يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين، وَأما الجرادة فَإِن رجلا من أهل حمص أصَاب جَرَادَة وَهُوَ محرم، فَأَتَى عمر فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ عمر: مَا أَعْطَيْت عَنْهَا؟ قَالَ: أَعْطَيْت عَنْهَا درهما، فَقَالَ: إِنَّكُم معشر أهل حمص كَثِيرَة دراهمكم، ولتمرة أحب إليَّ من جَرَادَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا فِي رِوَايَة المَسْعُودِيّ، وَرُوِيَ عَن ابْن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: فَكتب إِلَيْهِ أَن ابْن مَسْعُود يَقُول فِيهَا - يَعْنِي: فِي النعامة - بَدَنَة. قَالَ مَالك: وَلم أزل أسمع أَن فِي النعامة إِذا قَتلهَا الْمحرم بَدَنَة. الْأَثر الْحَادِي بعد الْعشْرين: عَن الصَّحَابَة أَيْضا «أَنهم قضوا فِي حمَار الْوَحْش وبقرة بقرة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 هَذَا مَشْهُور عَنْهُم، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَيَّاش عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود كَمَا سلف. وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن هِشَام بن عُرْوَة «أَن أَبَاهُ كَانَ يَقُول فِي بقر الْوَحْش بقرة، وَفِي الشَّاة من الظباء شَاة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، عَن سعيد بن الْمسيب «أَنه قَالَ فِي النعامة بَدَنَة، وَفِي الْبَقَرَة بقرة (وَفِي الأرْويَّة بقرة) ، وَفِي الظببي شَاة، وَفِي حمام مَكَّة شَاة، وَفِي الأرنب شَاة، وَفِي [الجرادة] قَبْضَة من طَعَام. الْأَثر الثَّانِي بعد الْعشْرين: (أَنهم قضوا أَيْضا فِي الغزالِ بعنز، وَفِي الأرنب بعناق، وَفِي اليربوع جفرة) . هَذَا مَشْهُور عَنْهُم، رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَن عمر بن الْخطاب قَضَى فِي الضبع بكبش، وَفِي الغزال (بعنز) وَفِي الأرنب بعناق، وَفِي اليربوع بجفرة» . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَقد أسلفته لَك مَرْفُوعا فِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين، وصوبنا وَقفه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 وَفِي رِوَايَة للبيهقي من حَدِيث [اللَّيْث] بن سعد: حَدَّثَني أَبُو الزبير، عَن جَابر، عَن عمر بن الْخطاب «أَنه قَضَى فِي الضبع يُصِيبهَا الْمحرم بكبش، وَفِي الظبي بِشَاة، وَفِي الأرنب بعناق، وَفِي اليربوع بجفرة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عِكْرِمَة، قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي قتلت أرنبًا وَأَنا محرم فَكيف ترَى؟ قَالَ: هِيَ تمشي عَلَى أَربع والعناق يمشي عَلَى أَربع، وَهِي تَأْكُل الشّجر، والعناق تَأْكُل الشّجر وَهِي تجتر والعناق تجتر، أهد مَكَانهَا عنَاقًا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن النُّعْمَان بن حميد، عَن عمر «أَنه قَضَى فِي الأرنب بحلان - يَعْنِي إِذا قَتله الْمحرم» قَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره: الحلان: الجدي. وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن عمر «أَنه قَضَى فِي الضبع كَبْشًا، وَفِي الظبي شَاة، وَفِي اليربوع جفرًا أَو جفرة» . وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن أَبِيه ابْن مَسْعُود «أَنه قَضَى فِي اليربوع بجفر، أَو جفرة» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 مُجَاهِد «أَن ابْن مَسْعُود حكم فِي [الْوَبر] بجفرة أَو جفر» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ عَن ابْن مَسْعُود مُرْسَلَتَانِ، وإحداهما تؤكد الْأُخْرَى. وَرَوَى الشَّافِعِي، عَن سعيد عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس «أَنه قَالَ فِي الأرنب شَاة» قَالَ: وأبنا سعيد، عَن ابْن جريج، أَن مُجَاهدًا قَالَ: «فِي الأرنب شَاة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : كَذَا وجدته فِي ثَلَاث نسخ، وَالصَّوَاب عَن ابْن عَبَّاس: «فِي الأرنب عنَاق» . وَسَقَطت رِوَايَة سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء: «فِي الأرنب شَاة» ، وَدخل حَدِيث عَطاء فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَكَلَامه يدل عَلَى صِحَة مَا قلت. قَالَ: وَالضَّحَّاك لَا يثبت سَمَاعه من (ابْن) عَبَّاس عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَرُوِيَ فِي «سنَنه» و «مَعْرفَته» من طَرِيق مَالك، [عَن عبد الْملك بن قرير الْبَصْرِيّ] ، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن عمر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أوجب فِي الظبي عَنْزًا هُوَ وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف» وَهَذَا مُنْقَطع، مُحَمَّد لم يدْرك عمر) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 وَرُوِيَ فِي «سنَنه» من طَرِيق قبيصَة بن جَابر، عَن عمر «أَنه أوجب فِي الظبي شَاة» . فَائِدَة: العنز: هِيَ الْأُنْثَى من الْمعز الَّتِي تمت لَهَا سنة، قَالَه الْأَزْهَرِي. والعناق - بِفَتْح الْعين - من أَوْلَاد الْمعز خَاصَّة، وَهِي الَّتِي لَهَا دون سنة، وَهِي الْأُنْثَى. والجفرة هِيَ: الَّتِي بلغت أَرْبَعَة أشهر وفصلت عَن أمهَا، وَالذكر: جفر، وَقيل: (الجفرة الْأُنْثَى) من ولد الضَّأْن. (زَاد فِي الدقائق والتحرير: إِذا قويت مَا لم تسْتَعْمل سنة. وَعبارَة أصل الرَّوْضَة: أَنَّهَا من حِين تولد إِلَى أَن ترعى. وَوَافَقَ فِي تهذيبه فِي جفر، وَقَالَ فِي غَيره نقلا عَن الْأَزْهَرِي: إِنَّهَا الْأُنْثَى من أَوْلَاد الْمعز إِذا أَتَت عَلَيْهَا سنة، وَغلط عَلَيْهِ فِي زاهره: أَنَّهَا الَّتِي لم تأت عَلَيْهَا سنة) . الْأَثر الثَّالِث بعد الْعشْرين: عَن عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ: «أَنه قَضَى فِي أم حُبَيْن بُحلاَّن من الْغنم» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من جِهَته: أَنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مطرف - وَهُوَ ابْن مَازِن - عَن أبي السّفر، «أَن عُثْمَان قَضَى فِي أم حُبَيْن بحلاَّن من الْغنم» . قَالَ فِي «الْمعرفَة» : قَالَ الشَّافِعِي فِي رِوَايَة أبي سعيد، والحُلاَّن: الحَمَل. قَالَ الشَّافِعِي (فِي) رِوَايَة أبي عبد الله: فَإِن كَانَت الْعَرَب تأكلها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 فَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَن عُثْمَان يقْضِي فِيهَا بِولد شَاة حمل أَو مثله من الْمعز مِمَّا لايفوته. قلت: ومطرف السالف هُوَ قَاضِي الْيمن، واهٍ، كذبه ابْن معِين. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يحدث بِمَا لم يسمع لَا تجوز الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا للاعتبار. فَائِدَة: أم حُبَيْن بحاء مُهْملَة مَضْمُومَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَفْتُوحَة تَصْغِير (أم حبن) ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَلْقَى بَطْنه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهِي دَابَّة عَلَى خلقَة الحرباء عَظِيمَة الْبَطن. قَالَ وَمِنْه: (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ممازحًا لِبلَال - وَقد تدحرج (بَطْنه -: بطن) أم حُبَيْن) . فَائِدَة ثَانِيَة: الحُلاَّن - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، وَتَشْديد اللَّام - وَهِي: الحمَل كَمَا سلف عَن الشَّافِعِي أَي بِفَتْح الْحَاء، وَالْمِيم وَهُوَ الخروف. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ الجدي، وَيُقَال لَهُ: حُلاَّم بِالْمِيم أَيْضا. وَذكر (الرَّافِعِيّ هَذَا عَن عَطاء وَمُجاهد «أَنَّهُمَا حكما فِي الْوَبر بِشَاة» . وَهَذَا رَوَاهُ) الشَّافِعِي عَن سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء «أَنه قَالَ فِي الْوَبر إِن كَانَ يُؤْكَل بِشَاة» . قَالَ: وَأخْبرنَا سعيد أَن مُجَاهدًا قَالَ «فِي الْوَبر شَاة) . قَالَ الشَّافِعِي: فَإِن كَانَت الْعَرَب تَأْكُل الْوَبر فَفِيهِ جفرة، فَلَيْسَ بِأَكْثَرَ من جفرة بدنًا. قَالَ الرَّافِعِيّ: والوبر دَابَّة كالجراد إِلَّا أَنَّهَا أنبل وأكبر مِنْهَا تكون فِي الفلوات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا (عَن عَطاء) «أَن فِي الثَّعْلَب شَاة» . وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء بِهِ. ثمَّ رَوَى عَن عبد الله بن معبد مثله، ذكرهمَا عَنهُ فِي «الْمعرفَة» . وَذكر فِي «السّنَن» الأول بِغَيْر إِسْنَاد، وَرَوَى فيهمَا عَن شُرَيْح أَنه قَالَ: (لَو كَانَ معي حكم حكمت فِي الثَّعْلَب بجدي) . الْأَثر الرَّابِع بعد الْعشْرين: عَن عمر «أَن فِي الضَّب جديًا» هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ: أَنا سُفْيَان، عَن مُخَارق، عَن طَارق، «أَن أَرْبَد أوطأ ضبًا ففزر ظَهره، فَأَتَى عمر فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عمر: مَا ترَى؟ فَقَالَ: جديًا قد جمع المَاء وَالشَّجر. قَالَ عمر فَذَلِك فِيهِ) . وروياه أطول من هَذَا كَمَا سَيَأْتِي. وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ عزو هَذَا الْأَثر إِلَى عُثْمَان، وَهُوَ من النَّاسِخ، وَصَوَابه عزوه إِلَى عمر كَمَا قَرَّرْنَاهُ. الْأَثر الْخَامِس بعد الْعشْرين: عَن بَعضهم (أَن فِي الْإِبِل بقرة) . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد - يَعْنِي ابْن سَالم - عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم، عَن ابْن عَبَّاس، «أَنه قَالَ فِي بقرة الْوَحْش بقرة، وَفِي الأُيل بقرة» . وَهُوَ مُنْقَطع كَمَا سلف من أَن الضَّحَّاك لم يثبت سَمَاعه من ابْن عَبَّاس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 والأُيل - بمثناة تَحت - ذكر الوعُول. قَالَ الْمُحب فِي أَحْكَامه: الأُيل - بِضَم الْهمزَة، وَيُقَال: بِكَسْرِهَا - ذكر الوعول. والأروى: الْأُنْثَى مِنْهَا، وَكَذَا قَالَ فِي «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» : ضم الْهمزَة أرجح من كسرهَا، قَالَ: ورأيته فِي «الْمُجْمل» مضبوطًا بِالْكَسْرِ فَقَط. الْأَثر السَّادِس بعد الْعشْرين: «أَن رجلا قتل (ضبًّا) فَسَأَلَ عمر رَضي اللهُ عَنهُ فَقَالَ: احكم فِيهِ. قَالَ: أَنْت خير مني وَأعلم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَمرتك أَن تحكم فِيهِ، وَلم آمُرك أَن تزكيني. فَقَالَ: أرَى فِيهِ جديا، قَالَ: فَذَاك فِيهِ) . هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن سُفْيَان: أَنا مُخَارق، عَن طَارق بن شهَاب، قَالَ: «خرجنَا حجاجًا فأوطأ رجل منا يُقَال لَهُ أَرْبَد ضبًا ففزر ظَهره، فقدمنا عَلَى عمر فَسَأَلَهُ أَرْبَد فَقَالَ لَهُ عمر: احكم يَا أَرْبَد ... » ثمَّ ذكر الْبَاقِي بِمثلِهِ. وَقَالَ: قَوْله فِيهِ «جديًا) قد جمع المَاء وَالشَّجر. الْأَثر السَّابِع وَالثَّامِن بعد الْعشْرين: «عَن عمر وَعُثْمَان رَضي اللهُ عَنهما أَنه أوجب فِي الْحَمَامَة شَاة» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن سعيد بن سَالم، عَن عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن، عَن عبد الله بن كثير الدَّارِيّ، عَن طَلْحَة بن أبي حَفْصَة، عَن نَافِع بن عبد الْحَارِث، قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 «قدم عمر بن الْخطاب مَكَّة فَدخل دَار الندوة فِي يَوْم الْجُمُعَة، وَأَرَادَ أَن يستقرب مِنْهَا الرواح إِلَى الْمَسْجِد، فَألْقَى رِدَاءَهُ عَلَى واقفٍ فِي الْبَيْت، فَوَقع عَلَيْهِ طير من هَذَا الْحمام فأطاره، فَوَقع عَلَيْهِ، فانتهزته حَيَّة فَقتلته، فَلَمَّا صَلَّى الْجُمُعَة دخلت عَلَيْهِ أَنا وَعُثْمَان فَقَالَ: احكما عليَّ فِي شَيْء صَنعته الْيَوْم، إِنِّي دخلت هَذِه الدَّار وَأَرَدْت أَن أستقرب مِنْهَا الرواح إِلَى الْمَسْجِد فألقيت رِدَائي عَلَى هَذَا الْوَاقِف فَوَقع عَلَيْهِ طير من هَذَا الْحمام فَخَشِيت أَن يلطخه بسلحه فأطرته عَنهُ، فَوَقع عَلَى هَذَا الْوَاقِف الآخر فانتهزته حَيَّة فَقتلته، فَوجدت فِي نَفسِي أَنِّي أطرته من منزلةٍ كَانَ فِيهَا آمنا إِلَى (موقفة) كَانَ فِيهَا حتفه، فَقلت لعُثْمَان بن عَفَّان: كَيفَ ترَى فِي عنز ثنية عفراء نحكم بهَا عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: أرَى ذَلِكَ. فَأمر بهَا عمر رَضي اللهُ عَنهُ» . قَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن. وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن غنْدر، عَن شُعْبَة، [عَن الحكم] ، عَن شيخ من أهل مَكَّة (أَن حَماما كَانَ عَلَى الْبَيْت فخرَّت عَلَى يَد عمر، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فطار، فَوَقع عَلَى بعض بيُوت أهل مَكَّة، فَجَاءَت حَيَّة فأكلته، فَحكم عمر عَلَى نَفسه بِشَاة) . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد، عَن ابْن جريج، قَالَ: قَالَ مُجَاهِد: «أَمر عمر بن الْخطاب بحمامة فأطيرت، فَوَقَعت فِي الْمَرْوَة فأخذتها حَيَّة، فَجعل فِيهَا شَاة» . وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، عَن مُحَمَّد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 بن أبي يَحْيَى، عَن صَالح بن الْمهْدي أَن أَبَاهُ أخبرهُ قَالَ: (حججْت مَعَ عُثْمَان فقدمنا امكة، ففرشت لَهُ فِي بَيت فرقد فَجَاءَت حمامة فَوَقَعت فِي كُوّة عَلَى فرَاشه، فَجعلت تبحث برجلها، فَخَشِيت أَن تنثر عَلَى فرَاشه، فيستيقظ فأطرتها، فَوَقَعت فِي كُوَّة أُخْرَى فَخرجت حيّة فقتلتها، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُثْمَان أخْبرته، فَقَالَ: أدِّ عَنْك شَاة فَقلت: إِنَّمَا أطرتها من أَجلك. قَالَ: وعني شَاة) . وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن وَكِيع، عَن إِسْرَائِيل، عَن جَابر، عَن عَطاء قَالَ: «أول من فدى طير الْحرم بِشَاة عُثْمَان» . الْأَثر التَّاسِع بعد الْعشْرين: عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ (أَنه أوجب فِي الْحَمَامَة شَاة) . هَذَا الْأَثر غَرِيب عَنهُ، لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. الْأَثر الثَّلَاثُونَ: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ مثله. هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن شُعْبَة، عَن رجل أَظُنهُ أَبَا بشر، عَن يُوسُف بن مَاهك، عَن ابْن عمر «فِي رجل أغلق بَابه عَلَى حمامة وفرخيها - يَعْنِي فَرجع وَقد موتت - فأغرمه ابْن عمر ثَلَاث شياة من الْغنم» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث ابْن أبي شيبَة، عَن هشيم، عَن أبي بشر، عَن عَطاء ويوسف بن مَاهك وَمَنْصُور، عَن عَطاء، «أَن رجلا أغلق بَابه عَلَى حمامة وفرخيها ثمَّ انْطلق إِلَى عَرَفَات وَمنى فَرجع وَقد موتت، فَأَتَى ابْن عمر فَذكر ذَلِكَ لَهُ فَجعل عَلَيْهِ ثَلَاثًا من الْغنم، وَحكم مَعَه رجل» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 الْأَثر الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ مثله. هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه قَضَى فِي حمامة من حمام مَكَّة بِشَاة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْملك، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه جعل فِي حمام الْحرم عَلَى الْمحرم والحلال (بِكُل) حمامة شَاة» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء «أَن عُثْمَان بن (عبد الله) بن حميد قتل ابْن لَهُ حمامة، فجَاء ابْن عَبَّاس فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يذبح شَاة فَيتَصَدَّق بهَا» . قَالَ ابْن جريج: فَقلت لعطاء: أَمن حمام مَكَّة؟ قَالَ: نعم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «فِي الْحَمَامَة شَاة لَا يُؤْكَل مِنْهَا، يتَصَدَّق بهَا» . وَعَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «فِي الخضري، والدبسي، والقمري، والقطاة، والحجل شَاة شَاة» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، «أَن غُلَاما من قُرَيْش قتل حمامة من حمام مَكَّة، فَأمر ابْن عَبَّاس أَن يفدى عَنهُ بِشَاة) . وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 عَن ابْن عَبَّاس «فِي طير الْحرم شَاة شَاة» . الْأَثر الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ: عَن نَافِع بن الْحَارِث مثله. هَذَا الْأَثر سلف قَرِيبا لَكِن عَن نَافِع بن عبد الْحَارِث. الْأَثر الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ: عَن عَطاء مثله. هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَلّي بن الْجَعْد، أبنا شريك، عَن عبد الْكَرِيم عَنهُ، أَنه قَالَ (فِي عِظَام الطير شَاة الكركي، والحُبَارى والوز، وَنَحْوه) . وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن ابْن فُضَيْل، عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: «نزلنَا منزلا فأغلقنا بَاب الْمنزل عَلَى حمامة فَمَاتَتْ فسألنا عَطاء، فَقَالَ: فِيهَا شَاة» . قَالَ: وثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن أَشْعَث، عَن عَطاء قَالَ: «من قتل حمامة من حمام مَكَّة فَعَلَيهِ شَاة» . قَالَ: وثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، قَالَ: عَلَيْهِ شَاة» . وَرَوَاهُ عَطاء عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَعُثْمَان كَمَا سلف. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ عَن عَاصِم بن عمر مثله. قلت: ذكره الشَّافِعِي بِغَيْر إِسْنَاد، كَمَا حَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ عَن سعيد بن الميسب مثله. قلت: ذكره الشَّافِعِي أَيْضا بِغَيْر إِسْنَاد، وأسنده الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد عَنهُ، «أَنه كَانَ يَقُول فِي حمام مَكَّة إِذا قتل شَاة» . وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ: (عَلَيْهِ شَاة) . قَالَ: وثنا عَبدة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «أَنه كَانَ يَقُول فِي حمام الْحرم إِذا قتل بِمَكَّة فَفِيهِ شَاة» . الْأَثر الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ: عَن الصَّحَابَة رَضي اللهُ عَنهم أَنهم حكمُوا فِي الْجَرَاد بِالْقيمَةِ وَلم يقدروا) . هَذَا صَحِيح عَنْهُم وَقد تقدم ذَلِكَ فِي الْأَثر الثَّامِن عشر عَن عمر وَابْنه، وَعبد الله بن عَمْرو، وَفِي الْأَثر التَّاسِع عشر عَن (ابْن) عَبَّاس مثله أَيْضا، وَفِي الْأَثر الَّذِي يَلِيهِ عَن عمر أَيْضا، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار «أَن رجلا سَأَلَ عمر بن الْخطاب عَن جَراد أصابهن وَهُوَ محرم، فَقَالَ: فِي الجرادة تَمْرَة» . وَهَذَا رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ لَكِن مُنْقَطِعًا، عَن زيد بن أسلم، عَن عمر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 وَرَوَاهُ سعيد أَيْضا عَن هشيم، (أبنا) أَبُو بشر، عَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ: قَالَ كَعْب: «مَرَرْنَا برِجْلٍ من جَراد، وَنحن محرمون، فَعمد رجل منا إِلَى جرادتين فألقاهما فِي النَّار، ثمَّ أكلهما، فَلَمَّا قدمت عَلَى عمر بن الْخطاب ذكرت ذَلِكَ (لَهُ) فَقَالَ عمر: لَعَلَّك أَنْت هُوَ؟ قلت: نعم. قَالَ: فَمَا نَوَيْت فِي نَفسك؟ قلت: دِرْهَمَيْنِ. فَقَالَ: عمر إِنَّكُم معاشر أهل حمص كَثِيرَة دراهمكم، لتمرتين أحب إليَّ من جرادتين. ثمَّ قَالَ: أمض الَّذِي نَوَيْت فِي نَفسك» . وَقد سلف هَذَا عَن عمر من طَرِيق آخر قبل الْأَثر الْحَادِي بعد الْعشْرين، وَمن طَرِيق آخر فِي الْأَثر الثَّامِن عشر. وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن فُضَيْل، عَن يزِيد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن كَعْب فَذكره. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش، عَن الْأسود، عَن عمر بِمثلِهِ. الْأَثر الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن الزبير رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «إِن الشَّجَرَة الْكَبِيرَة تضمن ببقرة، وَإِن الصَّغِيرَة تضمن بِشَاة» . هَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي فَقَالَ (كَمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ «من قطع من شجر الْحرم شَيْئا جَزَاؤُهُ حَلَالا كَانَ أَو محرما، فِي الشَّجَرَة الْكَبِيرَة بقرة، وَفِي الصَّغِيرَة شَاة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 وَرُوِيَ هَذَا عَن ابْن الزبير وَعَطَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا) : والفدية فِي مُتَقَدم الْخَبَر عَن ابْن الزبير وَعَطَاء مجتمعة فِي أَن فِي الدوحة بقرة، والدَوْحَة: الشَّجَرَة الْعَظِيمَة. وَقَالَ عَطاء: فِي الشَّجَرَة دونهَا شَاة. قَالَ الشَّافِعِي: فَالْقِيَاس أَولا مَا وصفت فِيهِ أَنه يفْدِيه من أَصَابَهُ بِقِيمَتِه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا [عَن ابْن جريج] عَن عَطاء فِي الرجل يقطع من شجر الْحرم قَالَ: (فِي الْقَضِيب دِرْهَم، وَفِي الدَّوْحَة بقرة) . قلت: وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور بعد أَن قَالَ: أبنا هشيم، قَالَ: أَخْبرنِي بعض أشياخنا، عَن عَطاء أَنه كَانَ يَقُول: «الْمحرم إِذا قطع شَجَرَة عَظِيمَة من شجر الْحرم فَعَلَيهِ بَدَنَة» . وَهَذَا الشَّيْخ مَجْهُول لَا تقوم الْحجَّة بروايته. [عَن هشيم] أَخْبرنِي حجاج قَالَ: «سَأَلت عَطاء غير مرّة عَمَّن قطع من شجر الْحرم قَالَ: يسْتَغْفر الله وَلَا يعود» . قلت: فَهَذَا خلاف عَن عَطاء. فَائِدَة: الدَوْحَة - بِفَتْح الدَّال وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ -: الشَّجَرَة الْعَظِيمَة. والجَزْلة - بِفَتْح الْجِيم وبالزاي الْمُعْجَمَة الساكنة - هِيَ الغليظة. كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد: الدَوْحَة: الشَّجَرَة الْكَبِيرَة ذَات الأغصان، والجَزْلة: الَّتِي لَا أَغْصَان لَهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَأطلق أَكثر الْأَصْحَاب أَن الجزلة هِيَ الشَّجَرَة الصَّغِيرَة. الْأَثر السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن عَبَّاس مثله. هَذَا الْأَثر تبع فِي إِيرَاده عَنهُ الإِمَام وَلم أَر من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمَام وَلم يعزه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى عَن غَيرهمَا أَيْضا مثلهَا. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفنا عَن عَطاء. وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» أَن سُفْيَان رَوَى عَن دَاوُد بن شَابُور، عَن مُجَاهِد، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «فِي الدوحة إِذا [قطعت] من أَصْلهَا (بقرة) » . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَى عَن عَطاء لَكِن الشَّافِعِي لم يذكرهُ قلت: بلَى قد ذكره كَمَا سلف. الْأَثر السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ: عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها (أَنَّهَا) كَانَت تنقل مَاء زَمْزَم. هَذَا الْأَثر حسن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» من حَدِيث عُرْوَة ابْن الزبير عَنْهَا «أَنَّهَا كَانَت تحمل مَاء زَمْزَم وتخبر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَفْعَله» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد - حَدَّثَنِيهِ ابْن خُزَيْمَة إِمَام الْأَئِمَّة وَغَيره - وَلم يخرجَاهُ. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا وبلفظ «حمله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الأداوى والقرب وَكَانَ يصب عَلَى الْمَرْضَى ويسقيهم» نقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا يُتَابع خَلاد بن يزِيد عَلَى هَذَا الحَدِيث. قلت: وخلاد هَذَا فِي رِوَايَة من سُقْنَا حَدِيثه وَهُوَ من رجال التِّرْمِذِيّ فَقَط وَذكره الْمزي فِي «تهذيبه» ، عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ لأَجله. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : وَهَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ. خَاتِمَة: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ لأحد الْأَقْوَال فِيمَا إِذا حلق شَعْرَة أَو شعرتين، وأوجبنا فِي الشعرة الْوَاحِدَة درهما وَفِي الشعرتين (دِرْهَمَيْنِ) بِأَن قَالَ: كَانَت الشَّاة تقوَّم فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِثَلَاثَة دَرَاهِم تَقْرِيبًا فاعتبرت تِلْكَ الْقيمَة عِنْد الْحَاجة عِنْد التَّوْزِيع. وَكَذَا علل هَذَا القَوْل (غَيره) من الْأَصْحَاب وَهَذِه دَعْوَى غَرِيبَة وَقد أبطلها النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: هَذَا مُجَرّد دَعْوَى لَا أصل لَهَا - يَعْنِي تَقْوِيم الشَّاة فِي عَهده عَلَيْهِ السَّلَام بِثَلَاثَة دَرَاهِم - فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام عَادل بَينهَا وَبَين عشرَة دَرَاهِم فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 الزَّكَاة فَجعل الْجبرَان شَاة أَو عشْرين درهما. وَقد سبقه إِلَى إِنْكَار ذَلِكَ الْمُتَوَلِي، وَقَالَ: إِنَّه بَاطِل لأوجه: أَحدهَا: أَن الْموضع الَّذِي يُصَار (فِيهِ) إِلَى التَّقْوِيم فِي فديَة الْحَج لَا تَخْرِيج الدَّرَاهِم بل يصرف الطَّعَام، وَهُوَ جَزَاء الصَّيْد وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يصرف إِلَى الطَّعَام. ثَانِيهَا: أَن الِاعْتِبَار فِي الْقيمَة بِالْوَقْتِ لِأَن مَا كَانَ فِي عَهده عَلَيْهِ (الصَّلَاة) وَالسَّلَام كَانَ فِي جَزَاء الصَّيْد فَإِنَّهُ يقوم بالأمثل (لَهُ) من النعم بِقِيمَة الْوَقْت، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن تجب قيمَة (ثلث شَاة) . ثَالِثهَا: أَن الشَّرْع خير بَين الشَّاة وَالطَّعَام، (وَالطَّعَام) يحْتَمل التَّبْعِيض كَمَا ذكرنَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 بَاب الْإِحْصَار والفوات ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا؛ أما الْأَحَادِيث فاثنى عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُحصر هُوَ وَأَصْحَابه بِالْحُدَيْبِية فَأنْزل الله تَعَالَى: (فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث جماعات من الصَّحَابَة أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تحلل بِالْحُدَيْبِية حِين (صده) الْمُشْركُونَ عَنْهَا. (مِنْهَا) حَدِيث (عبد الله) بن عمر الْآتِي بعد هَذَا. قَالَ الشَّافِعِي فِيمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فَلم أسمع مِمَّن حفظت عَنهُ من أهل الْعلم بالتفسير مُخَالفا فِي أَن هَذِه الْآيَة وَهِي (وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي) نزلت بِالْحُدَيْبِية حِين أحْصر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فحال الْمُشْركُونَ بَينه وَبَين الْبَيْت وَأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نحر بِالْحُدَيْبِية وَحلق وَرجع حَلَالا وَلم يصل إِلَى الْبَيْت وَلَا أَصْحَابه إِلَّا عُثْمَان بن عَفَّان وَحده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تحلل بالإحصار (عَام) الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ محرما بِعُمْرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فحال كفار قُرَيْش دون الْبَيْت، فَنحر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هداياه، وَحلق وَقصر أَصْحَابه» . وَمن حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «أحْصر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فحلق رَأسه وجامع نِسَاءَهُ وَنحر هَدْيه حَتَّى اعْتَمر قَابلا» قَالَ الشَّافِعِي: وَالْحُدَيْبِيَة مَوضِع من الأَرْض مِنْهُ مَا هُوَ فِي الْحل وَمِنْه مَا هُوَ فِي الْحرم فَإِنَّمَا نحر الْهَدْي عندنَا فِي الْحل وَفِيه مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّذِي بُويِعَ فِيهِ تَحت الشَّجَرَة فَأنْزل الله فِيهِ (لقد رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة) . فَائِدَة: الْحُدَيْبِيَة بتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها كَمَا سلف وَكَانَت قصَّة الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لضباعة بنت الزبير: أَتُرِيدِينَ الْحَج؟ فَقَالَت: أَنا شاكية، فَقَالَ: حجي واشترطي أَن محلي حَيْثُ حبستني» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «دخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى ضباعة بنت الزبير فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّك أردْت الْحَج؟ فَقَالَت: وَالله مَا أجدني إلاَّ وجعة. فَقَالَ: حجي واشترطي، وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ محلي حَيْثُ حبستني وَكَانَت تَحت الْمِقْدَاد» وَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَت عَائِشَة: «دخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى ضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد الْحَج وَأَنا شاكية. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «حجي واشترطي أَن محلي حَيْثُ حبستني» وَأخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا «أَن ضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب أَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِنِّي امْرَأَة ثَقيلَة، وَإِنِّي أُرِيد الْحَج، فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: أَهلِي بِالْحَجِّ واشترطي أَن محلي حَيْثُ حبستني. قَالَ: فأدركت» . وَفِي رِوَايَة «أَن ضباعة أَرَادَت الْحَج، فَأمرهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تشْتَرط. فَفعلت ذَلِكَ عَن أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بأسانيد صَحِيحَة «أَنَّهَا أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد الْحَج أفأشترط؟ قَالَ: نعم. قَالَت: كَيفَ أَقُول؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 قَالَ: قولي: «لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، محلي من الأَرْض حَيْثُ تحبسني» زَاد النَّسَائِيّ: «فَإِن لَك عَلَى رَبك مَا استثنيت» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِنَّه رُوِيَ مُسْندًا ومرسلاً وَهُوَ أصح. وَقَالَ الْأصيلِيّ: لَا يثبت فِي الِاشْتِرَاط إِسْنَاد صَحِيح. وَهُوَ عجب مِنْهُ؛ فَالْحَدِيث مَشْهُور ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَسَائِر كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة من طرق مُتعَدِّدَة بأسانيد كَثِيرَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أسْندهُ عَن الزُّهْرِيّ غير معمر. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: لم يسْندهُ عَن معمر غير عبد الرَّزَّاق فِيمَا أعلم. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب «الْمَنَاسِك» وَهُوَ من الْجَدِيد: لَو ثَبت حَدِيث عُرْوَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الِاسْتِثْنَاء لم أعده إِلَى غَيره؛ لِأَنَّهُ لَا يحل عِنْدِي خلاف مَا ثَبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد ثَبت هَذَا الحَدِيث من أوجه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ ذكر مَا سبق، وَقَالَ الْعقيلِيّ: رَوَى ابْن عَبَّاس قصَّة ضباعة بأسانيد ثَابِتَة جِيَاد انْتَهَى. وَثَبت عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يُنكر الِاشْتِرَاط فِي الْحَج» كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: عِنْدِي أَنه لَو بلغه حَدِيث ضباعة لصار إِلَيْهِ وَلم يُنكر الِاشْتِرَاط كَمَا لم يُنكره أَبوهُ فِيمَا روينَا عَنهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 فَائِدَة: محلي - بِكَسْر الْحَاء - أَي مَكَان محلي، هُوَ الْمَكَان الَّذِي حَبَسَنِي فِيهِ الْمَرَض. وضباعة - بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة، وَبعد الْألف عين مُهْملَة، وتاء تَأْنِيث - لَهَا صُحْبَة، وَهِي بنت عَم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وكنيتها أم حَكِيم، كَذَلِك ذكر كنيتها الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «مناقبه» وَقَول الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» : ضباعة الأسْلَمِيَّة غلط، كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» و «مَجْمُوعَة» ، وَصَوَابه الهاشمية، فَإِنَّهَا ضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب بن هَاشم بنت عَم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُحصر عَام الْحُدَيْبِيَة فذبح بهَا وَهِي من الْحل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف، وَسلف كَلَام الشَّافِعِي أَيْضا فِيهِ. الحَدِيث الْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر (سَعْدا) أَن يتَصَدَّق عَن أمه بعد مَوتهَا» . هَذَا مَرْوِيّ من طَرِيقين إِحْدَاهمَا: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن سعد بن عبَادَة «أَن أمه مَاتَت فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي مَاتَت أفأتصدق عَنْهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأَي الصَّدَقَة أفضل؟ قَالَ: سقِِي المَاء. فَتلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 سِقَايَة سعد بِالْمَدِينَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَهُوَ مُرْسل، الْحسن لم يدْرك سَعْدا فَإِن الْحسن (ولد) سنة إِحْدَى وَعشْرين، وَسعد بن عبَادَة أقل مَا فِيهِ أَنه توفّي سنة خمس عشرَة، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من هَذِه الطَّرِيق، وَهَذَا لَفظه: «يَا رَسُول الله، دلَّنِي عَلَى صَدَقَة؟ قَالَ: اسْقِ المَاء» وَفِيه مبارك بن فضَالة، ضعفه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ، وَكَانَ يُدَلس. ثَانِيهمَا: عَن سعيد بن الْمسيب عَن سعد بن عبَادَة: «أَنه أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي مَاتَت أفأتصدق عَنْهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأَي الصَّدَقَة أفضل؟ قَالَ: سقِِي المَاء» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان بِلَفْظ: «قلت: يَا رَسُول الله، أَي (الصَّدَقَة) أفضل؟ قَالَ: سقِِي المَاء» وَهُوَ مُرْسل أَيْضا، سعيد لم يدْرك (سَعْدا) ، قَالَه يَحْيَى الْقطَّان فَإِن سعيدًا ولد سنة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 خمس عشرَة، وَتُوفِّي سعد بن عبَادَة بِالشَّام سنة (خَمْسَة عشرَة وَقيل: سنة أَربع عشرَة. وَقيل سنة إِحْدَى عشرَة، فَكيف يُدْرِكهُ. قَالَه (الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد) الْمُنْذِرِيّ وَغَيره، وَأما (الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين) الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» ، فَقَالَ: أَظُنهُ أدْركهُ. وَلَعَلَّه أَخذه من تَصْحِيح ابْن حبَان بحَديثه هَذَا من الطَّرِيق الْمَذْكُور، فَإِن من شَرطه الِاتِّصَال كَمَا شَرط فِي خطْبَة كِتَابه، وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من الطَّرِيقَيْنِ (الْمَذْكُورين) ، فَأخْرجهُ من حَدِيث قَتَادَة، عَن سعيد بن الْمسيب، وَالْحسن، عَن سعد بن عبَادَة «أَنه أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أَي الصَّدَقَة أعجب إِلَيْك؟ قَالَ: سقِِي المَاء» ذكر لَهُ مُتَابعًا من حَدِيث قَتَادَة عَن سعيد « [أَن سَعْدا] ... .» الحَدِيث، ثمَّ (قَالَ) : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قلت: وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» وَفِيه سَمِعت الْحسن يحدث عَن سعد بن عبَادَة - وَهُوَ غَرِيب - «أَن أمه مَاتَت فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي مَاتَت أَتصدق عَنْهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأَي الصَّدَقَة أفضل؟ قَالَ: سقِِي المَاء. قَالَ فَتلك سِقَايَة سعد بِالْمَدِينَةِ» قلت: وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث حميد بن أبي الصعب عَن سعد بن عبَادَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 لَهُ: يَا سعد، أَلا أدلك عَلَى صَدَقَة يسيرَة مؤنتها، عَظِيم أجرهَا؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: سقِِي المَاء. فسقى سعد المَاء» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ضرار بن صرد أبي نعيم [الطَّحَّان] ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن عمَارَة بن غزيَّة، عَن حميد، وَضِرَار هَذَا مَتْرُوك. فَائِدَة: اسْم أم سعد عمْرَة بنت مَسْعُود بن قيس بن عَمْرو بن زيد مَنَاة بن عدي بن عَمْرو بن مَالك بن النجار، قَالَه ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَكَذَا ذكره ابْن باطيش وَغَيره أَن اسْمهَا عمْرَة بنت مَسْعُود، أسلمت وبايعت وَتوفيت سنة خمس. الحَدِيث السَّادِس رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي امْرَأَة لَهَا زوج وَلها مَال وَلَا يَأْذَن لَهَا زَوجهَا فِي الْحَج لَيْسَ لَهَا أَن تَنْطَلِق إِلَّا بِإِذن زَوجهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد القرميسيني، ثَنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن مجاشع، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب، ثَنَا حسان بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا إِبْرَاهِيم الصَّائِغ قَالَ: قَالَ نَافِع، عَن ابْن عمر ... فَذكره مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» كَذَلِك ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن إِبْرَاهِيم إِلَّا حسان، وَرَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» كَذَلِك وَقَالَ فِي «مَعْرفَته» : تفرد بِهِ حسان. قلت: لَا يضرّهُ فقد أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ثِقَة، وَإِن قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأعله عبد الْحق بِأَن قَالَ فِي إِسْنَاده: رجل مَجْهُول يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب الْكرْمَانِي رَوَاهُ عَن حسان بن إِبْرَاهِيم الْكرْمَانِي قَالَ ابْن الْقطَّان: تبع فِي ذَلِكَ [أَبَا] حَاتِم الرَّازِيّ نصًّا وَالْبُخَارِيّ إِشَارَة، ورد الْخَطِيب عَلَى البُخَارِيّ وبيَّن أَنه مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يَعْقُوب الْكرْمَانِي وَهُوَ ثِقَة وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «جَامعه» قَالَ: وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» وهِم فِي ذَلِكَ فَجَعلهَا ترجمتين مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب الْكرْمَانِي وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن [أبي] يَعْقُوب الْكرْمَانِي. قَالَ الْخَطِيب: وهما وَاحِد. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَإِذا ثَبت هَذَا عرف أَن هَذِه الْعلَّة كَلَا عِلة وَإِنَّمَا الْعلَّة الْجَهْل بِحَال الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن مجاشع فَإِنَّهُ لَا يعرف حَاله. قلت: وَتَابعه أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَزْرَقِيّ كَمَا أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيثه عَن حسان بِهِ وَلم يعله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقَته بل بوب لَهُ وَاحْتج بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 الحَدِيث السَّابِع «أَن رجلا اسْتَأْذن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْجِهَاد فَقَالَ: أَلَك أَبَوَانِ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: استأذنتهما؟ قَالَ: لَا. قَالَ: ففيهما فَجَاهد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاستأذنه فِي الْجِهَاد، فَقَالَ: أحيّ والداك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: ففيهما فَجَاهد» وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، أتأذن لي فِي الْجِهَاد؟ قَالَ: أَلَك والدان؟ قَالَ: نعم. قَالَ: اذْهَبْ فبرهما. فَذهب وَهُوَ [يحمل] الركاب» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه «إِنِّي جِئْت أُرِيد الْجِهَاد مَعَك وَلَقَد أتيت وَإِن والديَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ: فَارْجِع فأضحكهما كَمَا أبكيتهما» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِهَذَا اللَّفْظ الْأَخير إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا «الْهِجْرَة» بدل «الْجِهَاد» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 قلت: لَكِن فِي سَنَده عَطاء بن السَّائِب وَقد أسلفنا فِي بَاب الْأَحْدَاث أَنه تغير بِأخرَة وَأَن جَمِيع من رَوَى عَنهُ رَوَى عَنهُ فِي الِاخْتِلَاط إِلَّا شُعْبَة وسُفْيَان وَغَيرهمَا من الأكابر كَمَا عَيناهُ هُنَاكَ، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة سُفْيَان عَنهُ عِنْد أبي [دَاوُد] وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم، وَمن رِوَايَة شُعْبَة عَنهُ عِنْد الْحَاكِم أَيْضا، وَمن رِوَايَة عبد الرَّحْمَن [الْمحَاربي] عَنهُ عِنْد ابْن مَاجَه، وَمن رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَنهُ عِنْد أَحْمد وَمن رِوَايَة ابْن جريج عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة وَحَمَّاد بن سَلمَة عَنهُ، وَرَوَى نَحوه أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان من رِوَايَة أبي سعيد، وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن جاهمة، ورواهما الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِي الأول دراج وَقد ضَعَّفُوهُ، لَكِن التِّرْمِذِيّ صحّح حَدِيثه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 فَلَهُمَا بِهِ أُسْوَة، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: الْحق أَنَّهَا حسان لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ. الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْحَج عَرَفَة، من لم يدْرك عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر فقد فَاتَهُ الْحَج» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر مَرْفُوعا وَلَفظه فِي الأول: «من فَاتَهُ عَرَفَات فَاتَهُ الْحَج فليحلل بِعُمْرَة وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل» . وَلَفظه فِي الثَّانِي: «من فَاتَهُ عَرَفَات بلَيْل فقد فَاتَهُ الْحَج» وَضعفهمَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فَقَالَ: هَذَانِ الحديثان ضعيفان، فِي الأول يَحْيَى بن عِيسَى، وَتفرد بِالثَّانِي رَحْمَة بن مُصعب، قَالَ يَحْيَى بن معِين: ليسَا بِشَيْء. فَأَما تَعْلِيله بِيَحْيَى بن عِيسَى فَلَيْسَ بجيد فَإِنَّهُ من رجال مُسلم وَهُوَ صَدُوق، وَلكنه يهم، وَضَعفه يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، ويروي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي لَيْلَى. وَهُوَ صَدُوق سيئ الْحِفْظ. وَأما تَعْلِيله برحمة بن مُصعب فَأصَاب فِيهِ، وَرَوَاهُ عَن ابْن أبي لَيْلَى أَيْضا، وَأما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: رَحْمَة هَذَا لَا أعرفهُ مَذْكُورا كَمَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ، فَإِنَّهُ كناه فِي الْإِسْنَاد أَبَا هَاشم ونعته بالفراء. وَإِنَّمَا ذكر الْعقيلِيّ رَحْمَة بن مُصعب أَبَا مُصعب الوَاسِطِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 وسَاق عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. يحدث عَن عزْرَة بن ثَابت، رَوَى عَنهُ الْقَاسِم بن عِيسَى، فَالَّذِي فِي الْإِسْنَاد مَجْهُول - وَالله أعلم - إِن كَانَ هُوَ إِيَّاه، وَدَاوُد بن جُبَير الرَّاوِي عَنهُ لَا أعرفهُ أَيْضا مَذْكُورا، ولسعيد بن جُبَير أَخ يُقَال لَهُ: دَاوُد بن جُبَير، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال أَيْضا، وَلَيْسَت هَذِه طبقته قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث القعْنبِي، ثَنَا عمر بن قيس، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من أدْرك عَرَفَة قبل طُلُوع الْفجْر فقد أدْرك (الْحَج» ) وَعمر هَذَا هُوَ سندول، وَيُقَال: سندل تَرَكُوهُ، وَقَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الشَّافِعِي، أبنا أنس بن عِيَاض، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: «من أدْرك لَيْلَة النَّحْر من الْحَاج فَوقف بجبال عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك الْحَج، وَمن لم يدْرك عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر فقد فَاتَهُ الْحَج فليأت الْبَيْت فليطف بِهِ سبعا، وَيَطوف بَين الصَّفَا والمروة سبعا، ثمَّ ليحلق أَو يقصر إِن شَاءَ، وَإِن كَانَ مَعَه هَدْيه فلينحره قبل أَن يحلق، فَإِذا فرغ من طَوَافه وسعيه فليحلق أَو يقصر ثمَّ ليرْجع إِلَى أَهله، فَإِن أدْركهُ الْحَج من قَابل فليحج إِن اسْتَطَاعَ وليهد، فَإِن لم يجد هَديا فليصم عَنهُ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ لأَهله» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 الحَدِيث التَّاسِع «أَن الَّذين صدوا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحُدَيْبِية كَانُوا ألفا وَأَرْبَعمِائَة، وَالَّذين اعتمروا مَعَه فِي عمْرَة الْقَضَاء كَانُوا نَفرا يَسِيرا وَلم يَأْمر النَّاس بِالْقضَاءِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحرم بِالْعُمْرَةِ سنة سِتّ وَمَعَهُ ألف وَأَرْبَعمِائَة، ثمَّ عَاد فِي السّنة (الْآخِرَة) وَمَعَهُ جمع يسير» قَالَ الْبَيْهَقِيّ قَالَ الشَّافِعِي، قَالَ الله - تَعَالَى -: (فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي) ، وَلم يذكر قَضَاء. قَالَ: وَالَّذِي أَعقل فِي أَخْبَار أهل الْمَغَازِي شَبيه مَا ذكرت من ظَاهر الْآيَة، وَذَلِكَ أَنا قد علمنَا فِي متواطئ أَحَادِيثهم أَن قد كَانَ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْحُدَيْبِيَة رجال معروفون بِأَسْمَائِهِمْ، ثمَّ اعْتَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) عمْرَة الْقَضِيَّة، وتخلف بَعضهم بِالْمَدِينَةِ من غير ضَرُورَة، وَلَو لَزِمَهُم الْقَضَاء لأمرهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن شَاءَ الله - بِأَن لَا يتخلفوا عَنهُ. وَقَالَ الإِمَام مَالك بِنَحْوِ مِمَّا قَالَه الشَّافِعِي، قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَأكْثر مَا قيل: إِن الَّذين اعتمروا مَعَه فِي الْعَام الْقَابِل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 سَبْعمِائة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأكْثر الرِّوَايَات أَن أهل الْحُدَيْبِيَة كَانُوا ألفا وَأَرْبَعمِائَة. وَيُؤَيّد مَا قَالَه مَا رَوَى البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن جَابر قَالَ: «قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أَنْتُم) خير أهل الأَرْض، وكنّا ألفا وَأَرْبَعمِائَة» وَقيل: كَانُوا ألفا وَخَمْسمِائة وَصَححهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَقيل: كَانُوا ألفا وثلاثمائة، وَقد رويت هَذِه الرِّوَايَات الثَّلَاث فِي الصَّحِيح، وَكَانَت عمْرَة الْقَضَاء، وَيُقَال لَهَا: الْقَضِيَّة، فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ، فصده الْمُشْركُونَ فَصَالحهُمْ وقاضى سُهَيْل بن عَمْرو عَلَى الْهُدْنَة، ثمَّ اعْتَمر فِي السّنة السَّابِعَة، وَقيل لَهَا: عمْرَة الْقَضَاء والقضية؛ لمقاضاة سُهَيْل بن عَمْرو، لَا أَنَّهَا قَضَاء عمْرَة سنة سِتّ لما ذَكرْنَاهُ، وَوَقعت عمْرَة سنة سبع فرضا، وَأما سنة سِتّ فحسبت عمْرَة فِي الثَّوَاب، فقد جَاءَت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِأَن عمره عَلَيْهِ السَّلَام أَربع: - مِنْهَا - عمْرَة الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ، وَعمرَة الْقَضَاء سنة سبع، وَعمرَة الْجِعِرَّانَة سنة ثَمَان، وَعمرَة مَعَ حجَّته سنة عشر كَمَا سلف فِي بَاب الْمَوَاقِيت. الحَدِيث الْعَاشِر حَدِيث كَعْب بن عجْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَآهُ وَرَأسه يتهافت قملاً» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الْبَاب قبله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من رَاح فِي السَّاعَة الأولَى فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة، وَمن رَاح فِي السَّاعَة الثَّانِيَة فَكَأَنَّمَا قرب (بقرة) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف وَاضحا فِي بَاب صَلَاة الْجُمُعَة. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَشَارَ إِلَى مَوضِع النَّحْر من منى، وَقَالَ: هَذَا المنحر وكل فجاج مَكَّة منحر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر، قَالَ: «لما وقف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِعَرَفَة، وَقَالَ: وقفت هَاهُنَا وعرفة كلهَا موقف، ووقفت هَاهُنَا بِجمع وَجمع كلهَا موقف، ونحرت هَاهُنَا وَمنى كلهَا منحر فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِنَحْوِ من لفظ الرَّافِعِيّ وَهَذَا لَفظه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «كل عَرَفَة موقف وكل منى منحر، وكل مُزْدَلِفَة موقف، وكل فجاج مَكَّة طَرِيق ومنحر» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنِّه. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة: أَولهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «لَا حصر إِلَّا حصر الْعَدو» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس. وَعَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «لَا حصر إِلَّا حصر الْعَدو» زَاد أَحدهمَا: «ذهب الْحصْر الْآن» . قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. ثَانِيهَا: عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ خرج حاجًّا حَتَّى إِذا كَانَ بالنازية من طَرِيق مَكَّة ضلت رَاحِلَته، فَقدم عَلَى عمر بن الْخطاب يَوْم النَّحْر فَذكر ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عمر: اصْنَع كَمَا يصنع الْمُعْتَمِر، ثمَّ قد حللت، فَإِذا أدْركْت الْحَج قَابلا فاحجج وأهد مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ثمَّ الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر ذَلِكَ فِي الصَّحَابَة وَلم يُنكره مُنكر. والنازية بنُون ثمَّ زَاي ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ هَاء كَذَا ضَبطه صَاحب الإِمَام وَسَبقه إِلَيْهِ الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» فَقَالَ: النازية عَلَى وزن فاعلة مَوضِع. الْأَثر الثَّالِث: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه أَمر الَّذين فاتهم الْحَج بِالْقضَاءِ من قَابل، فَقَالَ: فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن هَبَّار بن الْأسود جَاءَ يَوْم النَّحْر وَعمر بن الْخطاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 ينْحَر هَدْيه فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَخْطَأنَا الْعدة كُنَّا نرَى أَن هَذَا الْيَوْم يَوْم عَرَفَة. فَقَالَ عمر: اذْهَبْ إِلَى مَكَّة فَطُفْ أَنْت وَمن مَعَك وانحروا هَديا إِن كَانَ مَعكُمْ، ثمَّ احْلقُوا أَو قصروا وَارْجِعُوا إِذا كَانَ (عَاما) قَابلا فحجوا وأهدوا، فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ» وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَن الْأسود قَالَ: «سَأَلت عمر عَن رجل فَاتَهُ الْحَج، قَالَ: يهل بِعُمْرَة وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل، ثمَّ خرجت الْعَام الْمقبل فَلَقِيت زيد بن ثَابت فَسَأَلته عَن رجل فَاتَهُ الْحَج قَالَ: يهل بِعُمْرَة وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن إِدْرِيس الأودي عَنهُ فَقَالَ: «ويهريق دَمًا» . قَالَ: وَرَوَاهُ الْأسود قَالَ: «ويهل بِعُمْرَة ويحج من قَابل وَلَيْسَ عَلَيْهِ هدي. قَالَ: فَلَقِيت زيد بن ثَابت بعد عشْرين سنة فَقَالَ مثل قَول عمر» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْأسود قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى عمر قد فَاتَهُ الْحَج قَالَ عمر: اجْعَلْهَا عمْرَة وَعَلَيْك الْحَج من قَابل» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة قَالَ: «سَمِعت عمر وجاءه رجل فِي وسط أَيَّام التَّشْرِيق وَقد فَاتَهُ الْحَج فَقَالَ لَهُ عمر: طف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة وَعَلَيْك الْحَج من قَابل. وَلم يهد هَديا» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الرِّوَايَة وَمَا قبلهَا عَن الْأسود عَن عمر متصلتان، وَرِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار عَنهُ مُنْقَطِعَة. قَالَ الشَّافِعِي: الحَدِيث الْمُتَّصِل عَن عمر يُوَافق حديثنا عَن عمر وَيزِيد حديثنا عَلَيْهِ الْهَدْي، وَالَّذِي يزِيد فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 الحَدِيث أولَى بِالْحِفْظِ من الَّذِي لم يَأْتِ بِالزِّيَادَةِ ورويناه عَن ابْن عمر كَمَا قُلْنَا مُتَّصِلا، وَفِي رِوَايَة إِدْرِيس الأودي - إِن صحت - «ويهريق دَمًا» وَهِي تشهد لرِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار بِالصِّحَّةِ، وَرَوَى إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، عَن هَبَّار بن الْأسود أَنه حَدثهُ «أَنه فَاتَهُ الْحَج ... » فَذكره مَوْصُولا. الْأَثر الرَّابِع: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الْعشْر، والمعدودات أَيَّام التَّشْرِيق» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) عَنهُ بِإِسْنَاد صَحِيح، وَصَححهُ ابْن السكن وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، وَإِنَّمَا نقل صَاحب الْبَيَان عَنهُ أَنه قَالَ: «إِن الْأَيَّام المعلومات أَرْبَعَة: يَوْم عَرَفَة والنحر ويومان بعده» . فَغَرِيب، وَالْمَعْرُوف عَنهُ مَا تقدم، وَنقل صَاحب الْبَيَان مثله عَن عَلّي، وَاتفقَ الْعلمَاء عَلَى أَن الْأَيَّام المعدودات هِيَ أَيَّام التَّشْرِيق، وَهِي ثَلَاثَة بعد يَوْم النَّحْر. قَالَ: ومذهبنا أَن الْأَيَّام المعلومات هِيَ الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة آخرهَا يَوْم النَّحْر. وَقَالَ مَالك: وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام، يَوْم النَّحْر ويومان بعده. فالحادي عشر وَالثَّانِي عشر عِنْده من المعلومات والمعدودات. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: ثَلَاثَة أَيَّام: يَوْم عَرَفَة، والنحر، وَالْحَادِي عشر. كَذَا نَقله عَنهُ، وَنقل الزَّمَخْشَرِيّ (فِي كشافه) عَنهُ وَعَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 صَاحِبيهِ (كمذهبنا) قَالَ صَاحب الْبَيَان: وَفَائِدَة الْخلاف أَن عندنَا يجوز ذبح الْهَدَايَا والضحايا فِي أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا، وَعند مَالك لَا يجوز فِي الْيَوْم الثَّالِث. وَقَالَ: فِي الْعِيد فَائِدَة وَصفه بِأَنَّهُ مَعْلُوم جَوَاز النَّحْر فِيهِ (وَفَائِدَة أَنه مَعْدُود، انْقِطَاع الرَّمْي فِيهِ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 بَاب [1] الْهَدْي ذكر فِيهِ أَرْبَعَة أَحَادِيث: أَحدهَا «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهْدَى مائَة بَدَنَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث عَلّي وَمُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل رَضي اللهُ عَنهما. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى الظّهْر بِذِي الحليفة، ثمَّ دَعَا ببدنة فأشعرها فِي صفحة سنامها الْأَيْمن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا أَنه قَالَ: «نَاقَته» بدل «بَدَنَة» وَزَاد: «وسلت الدَّم وقلدها نَعْلَيْنِ، ثمَّ ركب رَاحِلَته، فَلَمَّا اسْتَوَت عَلَى الْبَيْدَاء أهلَّ بِالْحَجِّ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «ثمَّ دَعَا ببدنة» كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَقَالَ: «ثمَّ سلت الدَّم عَنْهَا بِيَدِهِ» وَفِي رِوَايَة «بِأُصْبُعِهِ» وَفِي رِوَايَة (عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «أَنه أشعر بَدَنَة من الْجَانِب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 الْأَيْسَر» قَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا مُنكر) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَالصَّحِيح رِوَايَة مُسلم. فَائِدَة: هَذِه الصَّلَاة كَانَت فِي الْيَوْم الثَّانِي من خُرُوجه عَلَيْهِ السَّلَام من الْمَدِينَة نَقله عبد الْحق عَن حجَّة الْوَدَاع لِابْنِ حزم. فَائِدَة أُخْرَى: مَعْنَى «سلت الدَّم» : أماطه بِأُصْبُعِهِ، وأصل السلت: الْقطع، وَيُقَال سلت الله أنف فلَان أَي جدعه. والإشعار: الْإِعْلَام، وَهُوَ أَن يطعن فِي سنامها حَتَّى يسيل دَمهَا فَيكون ذَلِكَ عَلامَة عَلَى أَنَّهَا هدي. الحَدِيث الثَّالِث «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أهْدَى مرّة غنما ملقدة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم كَذَلِك من حَدِيث عَائِشَة، وَالْبُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْهَدْي إِذا عطب: لَا تَأْكُل مِنْهَا أَنْت وَلَا أحد من أهل رفقتك» . هَذَا الحَدِيث انْفَرد مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 التياح عَن مُوسَى بن سَلمَة بن المحبق الْهُذلِيّ قَالَ: «انْطَلَقت أَنا وَسنَان بن سَلمَة معتمرين. قَالَ: وَانْطَلق سِنَان مَعَه ببدنة يَسُوقهَا. فأزحفت عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ فَعِييَ بشأنها إِن هِيَ أبدعت كَيفَ يَأْتِي بهَا، فَقَالَ: لَئِن قدمت الْمَدِينَة لأستحفين عَن ذَلِكَ. قَالَ: فأضحيت. قَالَ: فنزلنا الْبَطْحَاء، قَالَ: انْطلق بِنَا إِلَى ابْن عَبَّاس نتحدث لَهُ: فَذكر لَهُ شَأْن بدنته. فَقَالَ: عَلَى الْخَبِير سَقَطت، بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[بست عشرَة] بَدَنَة مَعَ رجل وأمَّره فِيهَا، قَالَ: فَمَضَى ثمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ أصنع [بِمَا] أبدع عليّ مِنْهَا؟ قَالَ: (انحرها) ثمَّ اصبغ نعليها فِي دَمهَا. ثمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صفحتها، وَلَا تَأْكُل مِنْهَا أَنْت وَلَا أحد من أهل رفقتك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «ثَمَان عشرَة بَدَنَة» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن عليَّة، عَن أبي التياح، عَن مُوسَى بِهِ، ثمَّ قَالَ: لم يسمع ابْن عليَّة من أبي التياح غير هَذَا الحَدِيث، وَمَعْنى أزحفت: وقفت من الكلال. وأبدعت: كلت أَيْضا. ولأستحفين - بِالْحَاء الْمُهْملَة - أَي: لأسألن سؤالاً بليغًا عَن ذَلِكَ. وأضحيت: (نزلت) فِي وَقت الضُّحَى. (ثَانِيهمَا) : عَن قَتَادَة عَن سِنَان بن سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس وَقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» من هَذَا الْوَجْه وأوضحت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تخريجي لأحاديثه، قَالَ: قَالَ الْحَافِظ رشيد الدَّين الْعَطَّار: وَإِسْنَاده غير مُتَّصِل عِنْد جمَاعَة من أهل النَّقْل، فَإِن قَتَادَة لم يسمع هَذَا الحَدِيث من سِنَان بن سَلمَة، قَالَه الإمامان يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَيَحْيَى بن معِين، وناهيك بهما جلالة وَمَعْرِفَة بِهَذَا الشَّأْن، وَذكر الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْمَقْدِسِي أَيْضا أَن هَذَا الحَدِيث مَعْلُول من ثَلَاثَة أوجه: عُمْدَ تُها مَا قَالَه يَحْيَى الْقطَّان وَابْن معِين، قَالَ الْحَافِظ رشيد الدَّين: وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِكَ أَن سِنَان بن سَلمَة هَذَا هُوَ سِنَان بن سَلمَة بن المحبق مَعْدُود فِي الصَّحَابَة، وَله أَيْضا رِوَايَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد نَص أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عَلَى أَن قَتَادَة لم يلق من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا أنس بن مَالك وَعبد الله بن سرجس، وَذكر البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» أَنه سمع أنسا وَأَبا الطُّفَيْل وَلم يذكر (من) الصَّحَابَة غَيرهمَا والعذر لمُسلم إِنَّمَا أخرج هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الشواهد ليبين أَنه قد رُوِيَ من غير وَجه عَن ابْن عَبَّاس وَإِلَّا فقد أخرجه قبل ذَلِكَ من حَدِيث أبي التياح عَن مُوسَى بن سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس مُتَّصِلا فَثَبت اتِّصَاله. قلت: وَرَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 من حَدِيث نَاجِية الْأَسْلَمِيّ رَضي اللهُ عَنهُ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. (فَائِدَة) : الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث أَنه لَا يجوز لفقراء الرّفْقَة الْأكل مِنْهَا، وَفِيه نظر لاحْتِمَال أَن المُرَاد بالرفقة الْأَغْنِيَاء فَهِيَ وَاقعَة عين لَا عُمُوم فِيهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 كتاب الْبيُوع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 كتاب الْبيُوع بَاب مَا يَصح بِهِ البيع ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث عشرَة أَحَادِيث، وَمن الْآثَار أثرا وَاحِدًا: الحَدِيث الأول عَن رَافع بن خديج رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (سُئِلَ) عَن أطيب الْكسْب فَقَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ وكل (بيع) مبرور» . هَذَا الحَدِيث أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من ثَلَاثَة طرق: أَحدهَا: من حَدِيث شريك، عَن وَائِل بن دَاوُد، عَن جَمِيع بن عُمَيْر عَن خَاله أبي بردة، قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَي الْكسْب أطيب أَو أفضل؟ قَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ، وكل (كسب) مبرور» وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أفضل كسب الرجل وَلَده وكل بيع مبرور» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 ثَانِيهَا: من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن وَائِل بن دَاوُد، عَن سعيد بن عُمَيْر، عَن عَمه قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَي الْكسْب أفضل؟ قَالَ: كسب مبرور» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، قَالَ: وَوَائِل بن دَاوُد ثِقَة قَالَ: وَقد ذكر يَحْيَى بن معِين أَن عَم سعيد بن عُمَيْر الْبَراء بن عَازِب، قَالَ وَإِذا اخْتلف الثَّوْريّ وَشريك فَالْحكم للثوري. ثَالِثهَا: من حَدِيث المَسْعُودِيّ، عَن وَائِل بن دَاوُد، عَن عَبَايَة بن رَافع بن خديج، عَن أَبِيه، قَالَ: «قيل: يَا رَسُول الله، أَي الْكسْب أطيب؟ قَالَ: كسب الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور» وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك، قَالَ الْحَاكِم: وَهَذَا خلاف ثَالِث عَلَى وَائِل بن دَاوُد، قَالَ: إِلَّا أَن البُخَارِيّ (و) مُسلما لم يخرجَا عَن المَسْعُودِيّ وَمحله الصدْق، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق لكنه قَالَ: عَن جده بدل عَن أَبِيه، وَلَا أعلم لجده خديج رِوَايَة وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هَذِه الطّرق كلهَا، وَقَالَ فِي الطَّرِيق الأول: هَكَذَا رَوَاهُ شريك القَاضِي، وَغلط فِيهِ فِي موضِعين: أَحدهمَا: فِي قَوْله جَمِيع بن عُمَيْر وَإِنَّمَا هُوَ سعيد بن عُمَيْر. والأخير: فِي وَصله، وَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيره عَن وَائِل مُرْسلا، وَهُوَ الْمَحْفُوظ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 قَالَ: وَقَالَ شريك، عَن وَائِل بن دَاوُد، عَن جَمِيع بن عُمَيْر عَن خَاله أبي بردة وجُميع خطأ، وَقَالَ المَسْعُودِيّ: عَن وَائِل بن دَاوُد، عَن عَبَايَة بن رَافع بن خديج [عَن أَبِيه] وَهُوَ خطأ، قَالَ: وَالصَّحِيح: رِوَايَة وَائِل عَن سعيد بن عُمَيْر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا قَالَ البُخَارِيّ: أسْندهُ بَعضهم وَهُوَ خطأ. وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» أَن الْمُرْسل أشبه. وَله طَرِيق رَابِع، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» قَالَ: وَسَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ بهْلُول بن عبيد، عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَي الْأَعْمَال أَزْكَى؟ قَالَ: كسب الْمَرْء بِيَدِهِ وكل بيع مبرور» . فَقَالَ أبي: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد بَاطِل، وبهلول ذَاهِب الحَدِيث. قلت: وَله طَرِيق خَامِس، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : وَسَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ قدامَة بن شهَاب، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن وبرة، عَن ابْن عمر، قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أطيب الْكسْب، قَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور» . فقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وَقُدَامَة لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من هَذَا الطَّرِيق أَيْضا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ثمن الْكَلْب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَرْوِيّ من طرق: (إِحْدَاهَا) من رِوَايَة أبي مَسْعُود عقبه بن عَمْرو البدري رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ثمن الْكَلْب، وَمهر الْبَغي، وحلوان الكاهن» أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . ثَانِيهَا: من رِوَايَة جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ثمن الْكَلْب، والسنور» رَوَاهُ مُسلم وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن ثمن السنور، وَالْكَلب إِلَّا كلب صيد» ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنكر. (ثَالِثهَا: من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يحل ثمن الْكَلْب، وَلَا حلوان الكاهن، وَلَا مهر الْبَغي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد حسن، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن مهر الْبَغي وَثمن الْكَلْب والسنور وَكسب الْحجام من السُّحت» واستدركه الْحَاكِم بِلَفْظ) : «لَا يحل ثمن الْكَلْب وَلَا مهر الزَّانِيَة» ثمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، قَالَ: وَله شَاهد عَن ابْن (عَمْرو) قَالَ: «نهي عَن مهر الْبَغي، وَثمن الْكَلْب، وحلوان الكاهن» ذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ. قلت: وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عِكْرِمَة عَنهُ مَرْفُوعا: «ثمن الْكَلْب خَبِيث وَهُوَ أَخبث مِنْهُ» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته كلهم ثِقَات إِن سلم من يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي فَإِنَّهُ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَقد خرجته لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهِ، وَقد اسْتعْمل مثله الشَّيْخَانِ فِي غير مَوضِع يطول بشرحه الْكتاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : يُوسُف هَذَا غَيره أوثق مِنْهُ. قلت: بل هُوَ كَذَّاب زنديق، كَمَا قَالَ ابْن معِين. الحَدِيث الثَّالِث عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله - عَزَّ وجَلَّ - حرّم بيع الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير والأصنام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه، وَأَن جَابِرا سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول ذَلِكَ عَام الْفَتْح وَهُوَ بِمَكَّة، وَزَادا: «فَقيل: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت شحوم الْميتَة فَإِنَّهُ يطلى بهَا السفن، ويدهن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 بهَا الْجُلُود، ويستصبح بهَا النَّاس. فَقَالَ: لَا، هُوَ حرَام. ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عِنْد ذَلِكَ: قَاتل الله الْيَهُود، إِن الله لما حرَّم شحومها جملوه، ثمَّ باعوه فَأَكَلُوا ثمنه» . مَعْنَى جملوه: أذابوه. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله جَالِسا عِنْد (الرُّكْنَيْنِ) فَرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَضَحِك، فَقَالَ: لعن الله الْيَهُود - ثَلَاثًا - إِن الله إِذا حرّم عَلَى قوم أكل شَيْء حرم عَلَيْهِم ثمنه» . وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بسياقة حَدِيث جَابر إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ الْأَصْنَام، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ عَن جَابر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حرّم بيع الْخمر ... » إِلَى آخِره وَهُوَ صَحِيح، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، عَن جَابر «إِن (الله وَرَسُوله) حرّم بيع الْخمر ... » إِلَى آخِره. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن، فَقَالَ: إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا، وَإِن كَانَ ذائبًا فأريقوه» . هَذَا الحَدِيث مَشْهُور إلاّ اللَّفْظَة الْأَخِيرَة، وَهِي «فأريقوه» فَلم أرها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 فِي كتب الحَدِيث، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّهَا جَاءَت فِي بعض الْأَخْبَار، فَأخْرجهُ البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن فَأْرَة سَقَطت فِي سمن فَمَاتَتْ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: خذوها وَمَا حولهَا وكلوا سمنكم» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ألقوها وَمَا حولهَا وكلوه» . (و) أخرجه أَحْمد بِلَفْظ: «أَنَّهَا استفتت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي فَأْرَة سَقَطت فِي سمن لَهُم جامد، فَقَالَ: ألقوها وَمَا حولهَا وكلوا سمنكم» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» : «إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وكلوه، وَإِن كَانَ ذائبًا فَلَا تقربوه» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «وَإِن كَانَ ذائبًا أَو مَائِعا لم يُؤْكَل» وَفِي الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» : «خذوها وَمَا حولهَا فاطرحوه، وكلوا سمنكم» . وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن فَمَاتَتْ، فَقَالَ: إِن كَانَ جَامِدا فخذوها وَمَا حولهَا وكلوا مَا بَقِي، وَإِن كَانَ مَائِعا فَلَا تأكلوه» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «إِذا وَقعت الْفَأْرَة فِي السّمن فَإِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 وَإِن كَانَ مَائِعا (فأريقوه) » . وَإِسْنَاده صَحِيح، قَالَ عبد الرَّزَّاق: وَرُبمَا حدث بِهِ معمر [عَن الزُّهْرِيّ] ، عَن عبيد الله بن عبد الله (عَن) ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكره التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ، قَالَ: وَسمعت البُخَارِيّ يَقُول: هُوَ خطأ، قَالَ: وَالصَّحِيح حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن أبي مَرْيَم، عَن عبد الْجَبَّار بن عمر الْأَيْلِي عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي الْفَأْرَة تقع فِي السّمن، فَقَالَ: إِن كَانَ جَامِدا ... » الحَدِيث قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَرَوَاهُ معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه، قَالَ أبي: كِلَاهُمَا وهم، وَالصَّحِيح: الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : تَابع عبد الْجَبَّار يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 عَن الزُّهْرِيّ، وَخَالَفَهُمَا أَصْحَاب الزُّهْرِيّ؛ فَرَوَوْه عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ الصَّحِيح. وأمّا ابْن حبَان فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بالسند الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هُوَ مَحْفُوظ، وَلَفظه: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن، فَقَالَ: إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا، وَإِن كَانَ مَائِعا فَلَا تقربوه - يَعْنِي ذائبًا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن فتموت، قَالَ: «إِن كَانَ جَامِدا أَلْقَاهَا وَمَا حولهَا وَأكله، وَإِن كَانَ مَائِعا لم يقربهُ» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الذَّبَائِح عَن عَبْدَانِ، عَن عبد الله، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن (عبيد الله) بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «بلغنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بفأرة مَاتَت فِي سمن فَأمر بِمَا قرب مِنْهَا فَطرح ثمَّ أكل» . وَفِي «غَرِيب» أبي عبيد: ثَنَا هشيم، عَن معمر بن أبان، عَن رَاشد مولَى قُرَيْش، عَن ابْن عمر، «أَنه سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن، قَالَ: إِن كَانَ مَائِعا فألقه كُله، وَإِن كَانَ جامسًا فَألْقوا الْفَأْرَة وَمَا حولهَا، وكل مَا بَقِي» قَالَ: والجامس الجامد. فَائِدَة: فِي حد الجامد، قَالَ ابْن الصّلاح: بلغنَا عَن القَاضِي الْحُسَيْن أَنه حدَّ الجامد بِأَن يكون بِحَيْثُ إِذا غرف مِنْهُ بِيَدِهِ لَا ينكبس فِي الْحَال، قَالَ: وَهَذَا تقريب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لحكيم بن حزَام: «لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث يُوسُف بن مَاهك، عَن حَكِيم بن حزَام، وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» فِي أَحَادِيث احْتج برواتيها الشَّيْخَانِ وَلم يخرجاها، أما أَحْمد فلفظه: «يَا رَسُول الله، يأتيني الرجل يسألني البيع لَيْسَ عِنْدِي فأبيعه مِنْهُ، ثمَّ أبتاعه من السُّوق، فَقَالَ: لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن يُوسُف بن مَاهك يحدث عَن حَكِيم بن حزَام، قَالَ: «بَايَعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن (لَا) أخر إلاّ قَائِما. وَقلت: يَا رَسُول الله، الرجل يسألني البيع وَلَيْسَ عِنْدِي أفأبيعه، قَالَ: لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع مَا لَيْسَ عِنْدِي، أبتاع لَهُ من السُّوق وأبيعه مِنْهُ» وَلَفظ النَّسَائِيّ كَذَلِك فِي إِحْدَى روايتيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 وَلَفظه فِي الْأُخْرَى: «ابتعت طَعَاما من طَعَام الصَّدَقَة فربحت فِيهِ قبل أَن أقبضهُ، فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكرت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا تبعه حَتَّى تقبضه» . لَكِن هَذِه من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن حَكِيم. وَلَفظ ابْن مَاجَه: «يَا رَسُول الله، الرجل يسألني البيع وَلَيْسَ عِنْدِي، أفأبيعه؟ قَالَ: لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، قد رُوِيَ [عَنهُ] من غير وَجه، رَوَى أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَأَبُو بشر عَن يُوسُف بن مَاهك عَن حَكِيم بن حزَام. قَالَ: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث عَوْف وَهِشَام بن حسان، عَن ابْن سِيرِين، عَن حَكِيم بن حزَام، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهَذَا حَدِيث مُرْسل؛ إِنَّمَا رَوَاهُ ابْن سِيرِين عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن يُوسُف بن مَاهك عَن حَكِيم بن حزَام، قَالَ: «نهاني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أبيع مَا لَيْسَ عِنْدِي» قَالَ: وَرَوَى وَكِيع هَذَا الحَدِيث عَن يزِيد بن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن سِيرِين، عَن أَيُّوب، عَن حَكِيم بن حزَام وَلم يذكر فِيهِ عَن يُوسُف بن مَاهك، وَرِوَايَة عبد الصَّمد أصح، وَقد رُوِيَ عَن يَحْيَى بن أبي كثير هَذَا الحَدِيث عَن يعْلى بن حَكِيم عَن يُوسُف بن مَاهك، عَن عبد الله بن عصمَة، عَن حَكِيم بن حزَام عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أَكثر أهل الْعلم كَرهُوا أَن يَبِيع الرجل مَا لَيْسَ عِنْده. وَأخرجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 أَحْمد فِي مُسْنده من طَرِيق يَحْيَى بن أبي كثير الَّتِي ذكرهَا التِّرْمِذِيّ آخرا وَلَفظه: «يَا رَسُول الله إِنِّي أبتاع هَذِه الْبيُوع فَمَا يحل لي مِنْهَا وَمَا يحرم عليَّ مِنْهَا؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، لَا (تبع) شَيْئا حَتَّى تقبضه» . وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل أَشْتَرِي [الْمَتَاع] فَمَا الَّذِي يحل (لي) مِنْهَا وَمَا يحرم عليّ، فَقَالَ: يَا ابْن أخي، إِذا ابتعت بيعا فَلَا تبعه حَتَّى تقبضه» . ثمَّ قَالَ: هَذَا الْخَبَر مَشْهُور عَن يُوسُف بن مَاهك عَن حَكِيم بن حزَام، لَيْسَ فِيهِ ذكر عبد الله بن عصمَة وَهَذَا الْخَبَر غَرِيب. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام الدستوَائي، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن يُوسُف بن مَاهك، أَن عبد الله بن عصمَة حَدثهُ، أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل أَشْتَرِي بيوعًا فَمَا يحل مِنْهَا وَمَا يحرم؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، إِذا اشْتريت بيعا فَلَا تبعه حَتَّى تقبضه» قَالَ: لم يسمعهُ يَحْيَى من يُوسُف، إِنَّمَا سَمعه من يعْلى بن حَكِيم، عَن يُوسُف ثمَّ سَاقه من حَدِيث شَيبَان، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن يعْلى بن حَكِيم عَن يُوسُف بِهِ ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد حسن مُتَّصِل وَكَذَلِكَ رَوَاهُ همام بن يَحْيَى وَأَبَان الْعَطَّار عَن يَحْيَى وَقَالَ أبان فِي هَذَا الحَدِيث: «إِذا اشْتريت بيعا فَلَا تبعه حَتَّى تقبضه» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 وَبِمَعْنَاهُ قَالَ همام، وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق عَطاء عَن حزَام بن حَكِيم بن حزَام يَعْنِي عَن حَكِيم أَنه قَالَ: «اشْتريت طَعَاما من الصَّدَقَة فأربحت فِيهِ قبل أَن أقبضهُ فَأَرَدْت بَيْعه، فَسَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: لَا تبعه حَتَّى تقبضه» . وَقَالَ عبد الْحق: رَوَاهُ همام عَن يَحْيَى بن أبي كثير أَن يعْلى بن حَكِيم حَدثهُ أَن يُوسُف بن مَاهك، حَدثهُ أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ فَذكره، هَكَذَا ذكر سَماع يُوسُف عَن حَكِيم وَهِشَام الدستوَائي يرويهِ عَن يَحْيَى وَيدخل بَين يُوسُف وَحَكِيم عبد الله بن عصمَة وَكَذَلِكَ هُوَ بَينهمَا فِي غير حَدِيث، وَعبد الله بن عصمَة ضَعِيف جدًّا. هَذَا كَلَامه، وَأقرهُ ابْن الْقطَّان عَلَيْهِ وَإِن اعْترض عَلَيْهِ من وَجه آخر، وَنقل عَن ابْن حزم أَنه قَالَ فِي ابْن عصمَة: إِنَّه مَجْهُول. وَصحح - أَعنِي - ابْن حزم من رِوَايَة يُوسُف نَفسه عَن حَكِيم؛ لِأَنَّهُ قد جَاءَ التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ هَذَا الحَدِيث فِي بعض الرِّوَايَات، وَاعْلَم أَنْت أَن عبد الله بن عصمَة هَذَا أخرج لَهُ النَّسَائِيّ وَرَوَى عَنهُ يُوسُف بن مَاهك وَصَفوَان بن موهب، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأخرج لَهُ فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف، فَأَيْنَ الضعْف فِيهِ وَأَيْنَ الْجَهَالَة، نعم لَهُم عبد الله بن عصمَة الْعجلِيّ الْحَنَفِيّ آخر، وَهُوَ فِي طبقته، رَوَى عَن ابْن عمر وَأبي سعيد وَابْن عَبَّاس إِن كَانَ مَحْفُوظًا لَكِن لم أر أَنه رَوَى عَن حَكِيم بن حزَام، قَالَ ابْن عديّ: لَهُ أَحَادِيث أنكرتها. وَقَالَ ابْن حبَان: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 يُخطئ كثيرا. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَالصَّوَاب فِي هَذَا: عبد الله بن عصم لَا عصمَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ إِسْرَائِيل: عصمَة. وَقَالَ شريك: عصم، فَسمِعت أَحْمد يَقُول: القَوْل مَا قَالَ شريك. وَوَقع فِي «الضُّعَفَاء» للذهبي عَاصِم بدلهَا، وَهُوَ من الْكَاتِب، وَقد ذكره فِي «الْمِيزَان» عَلَى الصَّوَاب. الحَدِيث السَّادِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دفع دِينَارا إِلَى عُرْوَة الْبَارِقي رَضي اللهُ عَنهُ (ليَشْتَرِي) بِهِ شَاة، فَاشْتَرَى بِهِ شَاتين، وَبَاعَ إِحْدَاهمَا بِدِينَار، وَجَاء بِشَاة ودينار، فَقَالَ (: بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ من حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعطَاهُ دِينَارا يَشْتَرِي بِهِ أضْحِية - أَو شَاة - فَاشْتَرَى (شَاتين) فَبَاعَ إِحْدَاهمَا بِدِينَار، فَأَتَاهُ بِشَاة ودينار، فَدَعَا لَهُ بِالْبركَةِ فِي بَيْعه، فَكَانَ لَو اشْتَرَى (التُّرَاب) لربح فِيهِ» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ عَن عُرْوَة قَالَ: «دفع إليَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دِينَارا لأشتري لَهُ شَاة (فاشتريت) لَهُ شَاتين (فَبِعْت) إِحْدَاهمَا بِدِينَار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 وَجئْت بِالشَّاة وَالدِّينَار إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر لَهُ مَا كَانَ من أمره، فَقَالَ: بَارك الله فِي صَفْقَة يَمِينك، (فَكَانَ يخرج بعد ذَلِكَ إِلَى كناسَة الْكُوفَة فيربح الرِّبْح الْعَظِيم) ، فَكَانَ من أَكثر أهل (الْمَدِينَة) مَالا» . وَلَفظ ابْن مَاجَه عَن عُرْوَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعطَاهُ دِينَارا يَشْتَرِي لَهُ شَاة، فَاشْتَرَى لَهُ شَاتين، فَبَاعَ إِحْدَاهمَا بِدِينَار وَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِشَاة ودينار، فَدَعَا لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْبركَةِ، فَكَانَ لَو اشْتَرَى التُّرَاب لربح فِيهِ» . أسانيدهم جَيِّدَة، وَإسْنَاد التِّرْمِذِيّ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ إِلَى أبي لبيد لمازة بن زبَّار الرَّاوِي عَن عقبَة، وَهُوَ ثِقَة كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاد التِّرْمِذِيّ حسن. (وَقَالَ) النَّوَوِيّ (فِي شرح الْمُهَذّب) إِسْنَاد التِّرْمِذِيّ (حسن) ، وَإسْنَاد الآخرين حسن فَهُوَ حَدِيث صَحِيح. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيقين إِلَيْهِ بِزِيَادَة بعد دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ أَن يُبَارك لَهُ فِي صَفْقَة يَمِينه، قَالَ: «فَإِنِّي كنت لأَقوم بالكناسة فَمَا أَبْرَح حَتَّى أربح أَرْبَعِينَ ألفا» ، وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى: «فَلَقَد رَأَيْتنِي أَقف فِي كناسَة الْكُوفَة فأربح أَرْبَعِينَ ألفا قبل أَن أصل إِلَى أَهلِي» . وَفِي إسنادهما سعيد بن زيد، وَهُوَ من رجال مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ (خَ) ، وَثَّقَهُ جمَاعَة وَضَعفه يَحْيَى الْقطَّان وَأخرجه، أَحْمد فِي «مُسْنده» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «فَلَقَد رَأَيْتنِي أَقف بكناسة الْكُوفَة فأربح أَرْبَعِينَ ألفا قبل أَن أصل إِلَى أَهلِي قَالَ: وَكَانَ يَشْتَرِي الْجَوَارِي وَيبِيع» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 والكناسة (بِضَم الْكَاف، سوق مَعْرُوف بِالْكُوفَةِ - كَمَا سلف، وَقَالَ الْبكْرِيّ إِنَّه (بِالْبَصْرَةِ) وَهُوَ سبق قلم قَالَ: وَكَانَ بَنو أَسد وَبَنُو تَمِيم يطرحون فِيهَا كناستهم وَمَا بِالْكُوفَةِ مثلهَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَن شيخ من أهل الْمَدِينَة عَن حَكِيم بن حزَام نَحوا من حَدِيث عُرْوَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَهَذَا شيخ مَجْهُول، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضُعِّفَ هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن فِيهِ شيخ (غير) مُسَمَّى وَلَا نعرفه. وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ غير مُتَّصِل؛ لِأَن فِيهِ مَجْهُول لَا يُدْرَى من هُوَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حبيب بن أبي ثَابت لم يسمع عِنْدِي من حَكِيم بن حزَام. وَأخرج الشَّافِعِي حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي مُرْسلا، فَقَالَ فِي «الْأُم» فِي الْجُزْء الرَّابِع عشر قبل كِرَاء الْإِبِل وَالدَّوَاب بأوراق: أبنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن شبيب بن غرقدة أَنه سمع الْحَيّ يتحدثون عَن عُرْوَة بن [أبي] الْجَعْد «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعطَاهُ دِينَارا ... » الحَدِيث، فَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد وَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث سُفْيَان، عَن شبيب بن غرقدة، قَالَ: سَمِعت الْحَيّ يتحدثون عَن عُرْوَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعطَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 دِينَارا ... » الحَدِيث «ليَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاة، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتين، فَبَاعَ إِحْدَاهمَا بِدِينَار وجاءه بِدِينَار وشَاة فَدَعَا لَهُ بِالْبركَةِ فِي بَيْعه، فَكَانَ لَو اشْتَرَى التُّرَاب لربح فِيهِ» . قَالَ سُفْيَان: كَانَ الْحسن بن عمَارَة جَاءَنَا بِهَذَا الحَدِيث عَنهُ، قَالَ: سَمعه شبيب من عُرْوَة فَأَتَيْته، فَقَالَ: شبيب إِنِّي لم أسمعهُ من عُرْوَة، سَمِعت الْحَيّ يخبرونه عَنهُ، وَلَكِن سمعته يَقُول: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يَقُول) : «الْخَيْر مَعْقُود بنواصي الْخَيل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ: وَقد رَأَيْت فِي دَاره سبعين فرسا. قَالَ سُفْيَان: «يَشْتَرِي لَهُ شَاة كَأَنَّهَا أضْحِية» ذكر البُخَارِيّ هَذَا فِي «عَلَامَات النُّبُوَّة» وَذكر حَدِيث الْخَيل مُقْتَصرا عَلَيْهِ فِي الْجِهَاد، وَهنا أَيْضا، ونلخص من حَدِيث عُرْوَة هَذَا فِي الشَّاة أَنه مُرْسل لجَهَالَة الْحَيّ، وَلِهَذَا لم يحْتَج بِهِ الشَّافِعِي فِي بيع الْفُضُولِيّ بل قَالَ: إِن صَحَّ قلت بِهِ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ: إِن صَحَّ حَدِيث عُرْوَة فَكل من بَاعَ (أَو عتق) ثمَّ رَضِي (فَالْبيع) وَالْعِتْق جَائِز. وَحَكَى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت عِنْده، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا ضعف حَدِيث عُرْوَة هَذَا؛ لِأَن شبيب بن غرقدة رَوَاهُ عَن الْحَيّ وهم غير معروفين، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي هَذَا لما فِي إِسْنَاده من الْإِرْسَال وَهُوَ أَن شبيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 بن غرقدة لم يسمعهُ من عُرْوَة الْبَارِقي، إِنَّمَا سَمعه من الْحَيّ يخبرونه عَنهُ. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الْحَيّ الَّذِي أخبر شبيب بن غرقدة عَن عُرْوَة الْبَارِقي لَا نعرفهم، وَلَيْسَ هَذَا من شَرط أَصْحَاب الحَدِيث فِي قبُول الْأَخْبَار. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الْخَبَر غير مُتَّصِل لِأَن الْحَيّ حدثوه عَن عُرْوَة، وَمَا كَانَ سَبيله من الرِّوَايَة (هَكَذَا) لم تقم بِهِ الْحجَّة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» : خبر عُرْوَة هَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان كَمَا أخرجه البُخَارِيّ وَهُوَ مُرْسل. قلت: لَكِن قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» أَيْضا: قد رَوَى هَذَا الحَدِيث (غير) سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن شبيب فوصله، وَيَرْوِيه عَن عُرْوَة بن أبي الْجَعْد بِمثل هَذِه الْقِصَّة (ثمَّ) مَعْنَاهَا، وَلَعَلَّه يُشِير إِلَى رِوَايَة سعيد بن زيد (السالفة) وَقَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي «اختصاره للسنن» تَخْرِيج البُخَارِيّ لهَذَا الحَدِيث فِي صدر حَدِيث «الْخَيْر مَعْقُود بنواصي الْخَيل» يحْتَمل أَن يكون سَمعه من عَلّي بن الْمَدِينِيّ عَلَى التَّمام، فَحدث بِهِ كَمَا سَمعه، وَذكر فِيهِ إِنْكَار شبيب سَمَاعه من عُرْوَة حَدِيث [شِرَاء] الشَّاة، وَإِنَّمَا سَمعه من الْحَيّ عَن عُرْوَة، وَإِنَّمَا سمع من عُرْوَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «الْخَيْر مَعْقُود بنواصي الْخَيل» قَالَ: وَيُشبه أَن الحَدِيث فِي الشِّرَاء لَو كَانَ عَلَى شَرطه لأخرجه فِي كتاب الْبيُوع وَكتاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 الْوكَالَة، كَمَا جرت عَادَته فِي الحَدِيث الَّذِي يشْتَمل عَلَى أَحْكَام أَن يذكرهُ فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تصلح لَهُ، وَلم يُخرجهُ إِلَّا فِي هَذَا الْموضع الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ، وَذكر بعده حَدِيث الْخَيل من (رِوَايَة) ابْن عمر وَأنس وَأبي هُرَيْرَة، فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن مُرَاده حَدِيث الْخَيل فَقَط إِذْ هُوَ عَلَى شَرطه، وَقد أخرج مُسلم حَدِيث شبيب بن غرقدة عَن عُرْوَة، مُقْتَصرا عَلَى ذكر الْخَيل، وَلم يذكر حَدِيث الشَّاة. وَذكر ابْن حزم فِي «محلاه» من حَدِيث ابْن أبي شيبَة، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن شبيب عَن عُرْوَة كَمَا سلف، وَمن طَرِيق أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: فِي أحد طريقيه سعيد بن زيد أَخُو حَمَّاد وَهُوَ ضَعِيف. وَقد أسلفنا من وثق هَذَا وَفِيه أَيْضا أَبُو لبيد لمازة - بِضَم اللَّام - ابْن زبار بِفَتْح الزَّاي وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَلَيْسَ بِمَعْرُوف الْعَدَالَة، قلت: بلَى قد ذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة، وَقَالَ: سمع من عَلّي وَكَانَ ثِقَة. وَقَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا. فَائِدَة: عُرْوَة هُوَ ابْن عِيَاض بن أبي الْجَعْد، وَقيل لَهُ: الْبَارِقي؛ لِأَنَّهُ نزل عِنْد جبل بِالْيمن يُقَال لَهُ: بارق، فنسب إِلَيْهِ، وَقيل غير ذَلِكَ، وَمن قَالَ فِيهِ: عُرْوَة بن الْجَعْد، كَمَا قَالَ غنْدر فقد وهم، اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب عَلَى قَضَاء الْكُوفَة قبل شُرَيْح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الثنيا فِي البيع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: «نهَى عَن بيع الثنيا» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِزِيَادَة حَسَنَة، وَهِي: «إِلَّا أَن تُعْلَمَ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَيْضا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَهَذِه الزِّيَادَة مبينَة لرِوَايَة مُسلم الْمُتَقَدّمَة، وَلما أخرجهَا ابْن حبَان قَالَ: سُفْيَان بن حُسَيْن الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده فِي غير الزُّهْرِيّ: ثَبت وَإِنَّمَا اخْتلطت عَلَيْهِ صحيفَة الزُّهْرِيّ، فَكَانَ يهم فِيهَا. وعزى ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» حَدِيث جَابر من «مُسْند أَحْمد» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن المحاقلة، والمزابنة، وَالْمُخَابَرَة، والمعاومة والثنيا. وَرخّص فِي الْعَرَايَا» . إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم، و «الثنيا» من أَفْرَاد مُسلم فاعلمه. الحَدِيث الثَّامِن (أَنه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الْغرَر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم (من حَدِيث أبي هُرَيْرَة) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 رَضي اللهُ عَنهُ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث ابْن عمر، وَصَححهُ ابْن حبَان وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِي إِسْنَاده أَيُّوب بن عتبَة قَاضِي الْيَمَامَة وَقد ضَعَّفُوهُ وَرَوَاهُ أَحْمد من هَذَا الْوَجْه، وَفِيه قَالَ أَيُّوب: وَفسّر يَحْيَى بن أبي كثير بيع الْغرَر قَالَ: إِن من الْغرَر ضَرْبَة الغائص، وَبيع العَبْد الْآبِق، [وَبيع الْبَعِير الشارد] وَمَا فِي بطُون الْأَنْعَام، وَمَا فِي ضروعها [إِلَّا بكيل] وَبيع تُرَاب الْمَعَادِن» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سهل بن سعد، وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي من حَدِيث أنس، وَأحمد وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَلّي. وَرَوَاهُ أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم فِي كتاب الْبيُوع من حَدِيث عمرَان بن الْحصين كَمَا نَقله عَنهُ الضياء فِي «أَحْكَامه» ، وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مُرْسلا، عَن سعيد بن الْمسيب، وَكَذَا الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» وَقد ذَكرْنَاهُ مَوْصُولا من رِوَايَة جماعات من الصَّحَابَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اشْتَرَى مَا لم يره فَلهُ الْخِيَار إِذا رَآهُ» . هَذَا الحَدِيث علق الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فِي كتاب الصَدَاق القَوْل بِهِ عَلَى تَقْدِير ثُبُوته، وَقد خرجه الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة داهر بن نوح، عَن عمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد (عَن) وهب الْيَشْكُرِي، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم عَن مَكْحُول، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اشْتَرَى شَيْئا لم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ، إِن شَاءَ أَخذه وَإِن شَاءَ تَركه» . وهما ضعيفان لَا يثبتان، أما الأول: فداهر بن نوح لَا يعرف كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان قَالَ: وَلَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ. وَعمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو حَفْص الْكرْدِي مولَى بني هَاشم، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ كذابا يضع الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات مَا لم يحدثوا بِهِ قطّ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ الْخَطِيب: كَانَ غير ثِقَة، يروي الْمَنَاكِير عَن الْأَثْبَات. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 هَذَا الحَدِيث بَاطِل. لم يروه غير عمر بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ يضع الحَدِيث وَإِنَّمَا يروي هَذَا عَن ابْن سِيرِين من قَوْله. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» قبل أَن ينْقل كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ: حَدِيث لَا يَصح، وَقَالَ فِي «خلافياته» : هَذَا بَاطِل لَا يَصح. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى ضعفه وَإِمَّا (بِسَبَب ضعف) الْإِرْسَال؛ لِأَن مَكْحُولًا تَابِعِيّ، وَضعف أبي بكر الْمَذْكُور فِيهِ، واسْمه بكر، وَقيل: بكير، وَقيل: عَمْرو، فَإِنَّهُ ضَعِيف بالِاتِّفَاقِ؛ لِكَثْرَة غلطه، وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى أَنه صَدُوق، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من خِيَار أهل الشَّام وَلكنه كَانَ رَدِيء الْحِفْظ يحدث بالشَّيْء فَيَهِم، وَكثر ذَلِكَ حَتَّى اسْتحق التّرْك. وَقد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث مُرْسل وَأَبُو بكر بن أبي مَرْيَم ضَعِيف. وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «مَعْرفَته» وَعبارَته فِيهَا: وَأما حَدِيث «من اشْتَرَى مَا لم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ» فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم، عَن مَكْحُول رَفعه، وَهُوَ مُرْسل، وَأَبُو بكر ضَعِيف، وأسنده عمر بن إِبْرَاهِيم الْكرْدِي من أوجه عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَات من أَصْحَاب ابْن سِيرِين من قَوْله، وَعمر بن إِبْرَاهِيم كَانَ يضع الحَدِيث. ثمَّ عزاهُ إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاصِل أَنه حَدِيث (لَا يصلح) الِاحْتِجَاج بِمثلِهِ، وَإِن كَانَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة أَعنِي مَالِكًا، وَأَبا حنيفَة، وَأحمد قَالُوا بوقفه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يُبَاع صوف عَلَى ظهر، أَو لبن فِي ضرع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة عمر بن فروخ، عَن حبيب بن الزبير، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تبَاع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، أَو يُبَاع صوف عَلَى ظهر، أَو سمن فِي لبن، أَو لبن فِي ضرع» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عمر بن فروخ مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، قلت: تفرد بِهَذِهِ الْمقَالة فِيهِ، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، ورضيه أَبُو دَاوُد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد أرْسلهُ عَنهُ وَكِيع، وَرَوَاهُ غَيره مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس «لَا تشتري اللَّبن فِي ضروعها وَلَا الصُّوف عَلَى ظُهُورهَا» وَقَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جماعات مَوْقُوفا عَلَيْهِ، قلت: وَكَذَا أخرجه الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَأَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» . وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا حَدِيث أسْندهُ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ، عَن عمر بن فروخ وأرسله وَكِيع عَنهُ، وَلم يذكر السّمن وَاللَّبن، وأرسله ابْن الْمُبَارك عَن عِكْرِمَة بِمَعْنَاهُ، وَأما النَّهْي عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا فَصَحِيح مجمع عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه وَأما أَثَره: فَهُوَ مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «لَا تشتروا السّمك فِي المَاء فَإِنَّهُ غرر» ، وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» أَولا من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل، وَهُوَ فِي «مُسْنده» ثَنَا مُحَمَّد بن السماك، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن الْمسيب بن رَافع، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تشتروا» فَذكره، قَالَ أَحْمد: وثنا بِهِ هشيم، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد وَلم يرفعهُ وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا رُوِيَ مَرْفُوعا، وَفِيه إرْسَال بَين الْمسيب وَابْن مَسْعُود، وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ هشيم عَن يزِيد مَوْقُوفا عَلَى عبد الله، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن يزِيد مَوْقُوفا عَلَى عبد الله أَنه كره بيع السّمك فِي المَاء. قلت: وَيزِيد هَذَا ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : يرويهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن الْمسيب بن رَافع، وَاخْتلف عَنهُ فرفعه أَحْمد بن حَنْبَل، عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن السماك، عَن يزِيد وَوَقفه غَيره، وزائدة وهشيم، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد وَالْمَوْقُوف أصح، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح مَرْفُوعا، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول ابْن مَسْعُود، قَالَ: وَرَوَاهُ (هشيم) وزائدة كِلَاهُمَا عَن يزِيد فَلم يرفعهُ قَالَ: فَيمكن أَن يكون يزِيد قد رَفعه فِي وَقت فَإِنَّهُ كَانَ يلقن فيتلقن وَقَالَ: وَيُمكن أَن يكون الْغَلَط من ابْن السماك، وَقد كَانَ عَلّي وَيَحْيَى وَغَيرهمَا (لَا يحتجون) بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 بَاب الرِّبَا ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث أحد عشر حَدِيثا، وَمن الْآثَار أثرا وَاحِدًا. الحَدِيث الأول «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن آكل الرِّبَا وموكله وكاتبه وَشَاهده» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ زَاد وَقَالَ: «هم سَوَاء» وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - آكل الرِّبَا وموكله» قَالَ مُغيرَة: قلت: لإِبْرَاهِيم: وشاهديه وكاتبه. فَقَالَ: إِنَّمَا نُحدث بِمَا سمعنَا. وَرَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالُوا: «لعن آكل الرِّبَا وموكله وشاهديه وكاتبه» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ: «آكل الرِّبَا وموكله وكاتبه إِذا علمُوا ذَلِكَ ملعونون عَلَى لِسَان مُحَمَّد (يَوْم الْقِيَامَة» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَذَلِك وَقَالَ: «وَشَاهده» بِالْإِفْرَادِ كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَرَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث مَسْرُوق. قَالَ: قَالَ عبد الله: «آكل الرِّبَا وموكله، وشاهداه إِذا علماه. والواشمة والمتوشمة [ولاوي الصَّدَقَة] وَالْمُرْتَدّ أَعْرَابِيًا بعد الْهِجْرَة ملعونون عَلَى لِسَان مُحَمَّد (يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا من حَدِيث الْحَارِث بن عبد الله، عَن ابْن مَسْعُود، وَزَاد: «وكاتبه» وَزَاد بعد «المتوشمة» : «لِلْحسنِ» وَزَاد «و [لاوي] الصَّدَقَة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن آكل الرِّبَا وموكله. .» الحَدِيث. الحَدِيث الثَّانِي رَوَى الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» أبنا عبد الْوَهَّاب، عَن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن مُسلم بن يسَار، وَرجل آخر عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب (وَلَا الْوَرق بالورق، وَلَا الْبر بِالْبرِّ، وَلَا الشّعير بِالشَّعِيرِ) ، وَلَا التَّمْر بِالتَّمْرِ، وَلَا الْملح بالملح إلاّ سَوَاء بِسَوَاء، عينا بِعَين، يدا بيد، وَلَكِن بيعوا الذَّهَب بالورق، وَالْوَرق بِالذَّهَب، وَالشعِير بِالْبرِّ، وَالْبر بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْر بالملح، وَالْملح بِالتَّمْرِ يدا بيد كَيفَ شِئْتُم» قَالَ الشَّافِعِي: وَنقص أَحدهمَا: «التَّمْر» أَو «الْملح» وَزَاد الآخر: «فَمن زَاد أَو اسْتَزَادَ فقد أَرْبَى» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 هَذَا صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا ترَى فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي كِتَابه «السّنَن المأثورة» الَّتِي رَوَاهَا الْمُزنِيّ عَنهُ، وَكَذَا رَوَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» و «السّنَن» وَهُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» من أَفْرَاده من حَدِيث أبي قلَابَة، عَن أبي الْأَشْعَث، عَن عبَادَة بِلَفْظ: «الذَّهَب بِالذَّهَب، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالْبرِّ، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، وَالْملح بالملح مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء، يدا بيد، فَإِذا اخْتلفت هَذِه (الْأَجْنَاس) فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد» وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، قَالَ: كنت بِالشَّام فِي حَلقَة فِيهَا مُسلم بن يسَار فجَاء أَبُو الْأَشْعَث فَحدث عَن عبَادَة «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الذَّهَب بِالذَّهَب ... » إِلَى أَن ذكر الْأَصْنَاف السِّتَّة وَزَاد: «إِلَّا سَوَاء بسواءٍ عينا بِعَين، فَمن زَاد أَو ازْدَادَ فقد أَرْبَى» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» أَيْضا بِلَفْظ: «الذَّهَب بِالذَّهَب تِبْرها وعينها، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ تِبْرها وعينها، والبُرُّ بالبِّر (مُدْيٌ بُمدْيٍ) وَالشعِير بِالشَّعِيرِ (مُديٌ بمُديٍ) ، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ (مُديٌ بمديٍ) وَالْملح بالملح (مُديٌ بمديٍ) فَمن زَاد أَو ازْدَادَ فقد أَرْبَى، وَلَا بَأْس بِبيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ، وَالْفِضَّة أكثرهما يدا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 بيد، وأمَّا النَّسِيئَة فَلَا» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي آخر حَدِيث عبَادَة «فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد» . قلت: هَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا مُسلم كَمَا أسلفته لَك، قَالَ فِي أثْنَاء الْبَاب، وَفِي رِوَايَة بعد ذكر النَّقْدَيْنِ وَغَيرهمَا «إلاَّ يدا بيد» قلت: قد سلفت أَيْضا. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: فِي هَذَا الرجل الْمُبْهم فِي رِوَايَة الشَّافِعِي أَرْبَعَة أَقْوَال (أَحدهَا:) عبد الله بن عبيد. قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَيُقَال: ابْن عَتيق، وَيُقَال: ابْن عتِيك. ثَانِيهَا: عبد الله بن عبيد الله الْمَعْرُوف بِابْن هُرْمُز. حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن بعض الشَّارِحين وَأَرَادَ بِهِ ابْن دَاوُد. ثَالِثهَا: عبيد الله (الْمدنِي) حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن. رَابِعهَا: أَبُو الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَفِيه نظر؛ لِأَن الْبَيْهَقِيّ قَالَ فِي «الْمعرفَة» : زَعَمُوا أَن مُسلم بن يسَار لم يسمعهُ من عبَادَة نَفسه، إِنَّمَا سَمعه من أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ، عَن عبَادَة قَالَ: والْحَدِيث ثَابت من هَذَا الْوَجْه مخرج فِي كتاب مُسلم وَجزم فِي «سنَنه» بِهَذِهِ الْمقَالة. ثَانِيهَا: قَوْله: وَنقص أَحدهمَا التَّمْر [أَو] الْملح يَعْنِي أحد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 الرجلَيْن وَلم يبين الَّذِي نقص (مِنْهُمَا) كَأَنَّهُ شكّ مِنْهُ، وَشك أَيْضا فِي أَن مَا نَقصه التَّمْر أَو الْملح، قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب. وَقَوله: «وَزَاد الآخر» يَعْنِي الَّذِي لم ينقص. وَقَوله: «فَمن زَاد أَو اسْتَزَادَ» فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه شكّ آخر من الشَّافِعِي. (ثَانِيهَا) : أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تلفظ بهما جَمِيعًا، وَأَرَادَ بقوله «زَاد» : أعْطى الزِّيَادَة وَبِقَوْلِهِ «اسْتَزَادَ» أَخذ الزِّيَادَة أَو طلبَهَا، وَشبه ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الراشي والمرتشي فِي النَّار» حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ. [ثَالِثهَا] : أَن هَذَا من بَاب بكر وابتكر، وَأَنه للتَّأْكِيد حَكَاهُ القَاضِي عَن بَعضهم. التَّنْبِيه الثَّالِث: «التبر» الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِيهِ اضْطِرَاب لأهل اللُّغَة، كَمَا ذكرته فِي «تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب» فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الراشي والمرتشي فِي النَّار» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجم شُيُوخه» ، عَن أَحْمد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 بن سهل بن أَيُّوب، ثَنَا عَلّي بن بَحر، ثَنَا هِشَام بن يُوسُف، أبنا ابْن جريج، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن [عَمْرو] قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الراشي والمرتشي فِي النَّار» ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه من حَدِيث ابْن جريج إلاّ عَلّي بن بَحر، عَن هِشَام. قلت: وَإِسْنَاده جيد قَالَ: لَا أعلم بِهِ بَأْسا، والْحَارث لم يرو عَنهُ غير ابْن أبي ذِئْب، وَحَكَى عَنهُ الفضيل بن عِيَاض وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن معِين: مَشْهُور. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَفِي آخر كتاب الْفَضَائِل من «صَحِيح الْحَاكِم» ، من حَدِيث الْحسن بن بشر بن [سلم] ثَنَا سَعْدَان بن الْوَلِيد، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ولي عَلَى عشرَة فَحكم بَينهم أَحبُّوا أَو كَرهُوا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة (يَده) مغلولة إِلَى عُنُقه، فَإِن حكم بِمَا أنزل الله وَلم يرتش فِي حكمه وَلم يحف فك الله عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة، يَوْم لَا ظلّ إلاّ ظله، وَإِن حكم بِغَيْر مَا أنزل الله وارتشى فِي حكمه وحابى شدت يسَاره إِلَى يَمِينه، ثمَّ رمي بِهِ فِي جَهَنَّم فَلم يبلغ قعرها خَمْسمِائَة عَام» قَالَ الْحَاكِم: سَعْدَان بن الْوَلِيد البَجلِيّ كُوفِي قَلِيل الحَدِيث لم يخرجَا عَنهُ. قلت: وَالْحسن بن بشر من رجال البُخَارِيّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 صَدُوق. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن خرَاش: مُنكر الحَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع عَن معمر بن عبد الله قَالَ: «كنت أسمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: الطَّعَام بِالطَّعَامِ مثلا بِمثل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث معمر بن عبد الله بن نَافِع بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِيه قصَّة حذفهَا الرَّافِعِيّ وَهِي: «أَنه أرسل غُلامه بِصَاع قَمح فَقَالَ: بِعْهُ ثمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا. فَذهب الْغُلَام، فَأخذ صَاعا وَزِيَادَة بعض صَاع، فَلَمَّا جَاءَ معمر أخبرهُ بذلك، فَقَالَ لَهُ معمر: لم فعلت ذَلِكَ؟ انْطلق فَرده، وَلَا تأخذن إلاّ مثلا بِمثل، فَإِنِّي كنت أسمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: الطَّعَام بِالطَّعَامِ مثلا بِمثل، وَكَانَ طعامنا يومئذٍ الشّعير. قيل لَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمثلِهِ. قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن يضارع» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن، وَالْبر بِالْبرِّ كَيْلا بكيل» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا اللَّفْظ بإسنادٍ صَحِيح من رِوَايَة أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ أَنه شَاهد عبَادَة يحدث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ وزنا بِوَزْن، وَالْبر بِالْبرِّ كَيْلا بكيل، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ (كَيْلا) بكيل، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، وَالْملح بالملح، فَمن زَاد أَو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 اسْتَزَادَ فقد أَرْبَى» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِإِسْنَاد صَحِيح بِلَفْظ: «الذَّهَب بِالذَّهَب تبره وعينه وزنا بِوَزْن، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ تبره وعينه وزنا بِوَزْن، وَالْملح بالملح وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ (كَيْلا بكيل) ، فَمن زَاد أَو ازْدَادَ فقد أَرْبَى» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا سلف فِي الحَدِيث الثَّانِي. الحَدِيث السَّادِس عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أَشْتَرِي بَعِيرًا ببعيرين إِلَى (أجل) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُسلم بن جُبَير، عَن أبي سُفْيَان، عَن عَمْرو بن حريش، عَن عبد الله بن عَمْرو «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمره أَن يُجهز جَيْشًا فنفدت الْإِبِل، فَأمره أَن يَأْخُذ فِي قلاص الصَّدَقَة فَكَانَ يَأْخُذ الْبَعِير بالبعيرين إِلَى إبل الصَّدَقَة» سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَمُسلم بن جُبَير، وَعَمْرو بن حريش لَا أعلم حَالهمَا، وَلما ذكره عبد الْحق قَالَ: هَذَا الحَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَقد اخْتلف عَلَيْهِ فِي إِسْنَاده قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَيْهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 فَقَالَ: هَذَا قَول تبع غَيره - يَعْنِي يَحْيَى بن معِين - والشهرة لَا تَنْفَعهُ، فَإِن الضَّعِيف [قد] يشْتَهر، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرب. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا تقدم، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق أَيْضا، عَن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم، عَن عَمْرو بن حريش، قَالَ: «سَأَلت ابْن (عَمْرو) ، رَوَاهُ (جرير) بن حَازِم، عَن ابْن إِسْحَاق فأسقط يزِيد بن أبي حبيب، وَقدم أَبَا سُفْيَان عَلَى مُسلم. قلت: وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَرَوَاهُ عَفَّان، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، فَقَالَ فِيهِ: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد، عَن مُسلم، عَن عَمْرو أَنه قَالَ لِابْنِ عَمْرو، رَوَاهُ عبد الْأَعْلَى، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش. . فَذكره، رَوَاهُ عَن عبد الْأَعْلَى أَبُو بكر بن أبي شيبَة، فأسقط يزِيد بن أبي حبيب، وَقدم أَبَا سُفْيَان، وَقَالَ مُسلم بن كثير بدل ابْن أبي حبيب، قَالَ ابْن القطَّان: وَبعد هَذَا الِاضْطِرَاب فعمرو بن حريش مَجْهُول الْحَال، وَمُسلم بن جُبَير: لم أجد لَهُ (ذكرا) وَلَا أعلمهُ فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَكَذَلِكَ مُسلم بن كثير مَجْهُول الْحَال أَيْضا إِذا كَانَ [عَن] أبي سُفْيَان وَأَبُو سُفْيَان فِيهِ نظر، وَذَلِكَ أَنه بِحَسب هَذَا الِاضْطِرَاب تَارَة يروي عَن ابْن إِسْحَاق وَتارَة يروي ابْن إِسْحَاق عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُسلم بن جُبَير، وَتارَة أَبُو سُفْيَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 (عَن) مُسلم بن كثير، وَذكره ابْن أبي حَاتِم، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَان مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش، رَوَى عَنهُ ابْن إِسْحَاق. فبحسب هَذَا الِاضْطِرَاب فِيهِ لم يتَحَصَّل من أمره شَيْء يجب أَن يعْتَمد عَلَيْهِ، وَلَكِن مَعَ هَذَا فَإِن عُثْمَان الدَّارمِيّ قَالَ: قلت لِابْنِ معِين: ابْن إِسْحَاق، عَن أبي سُفْيَان مَا حَال أبي سُفْيَان هَذَا؟ فَقَالَ: ثِقَة مَشْهُور. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِيهِ: عَن مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش، هَذَا حَدِيث مَشْهُور. فَالله أعلم إِن (كَانَ) الْأَمر هَكَذَا، وَقد اسْتَقل تَعْلِيل الحَدِيث بِغَيْرِهِ، فَهُوَ لَا يَصح. هَذَا آخر كَلَام ابْن الْقطَّان، وَقد عنعن ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث، فَمن لَا يرَى الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا إِذا صرح بِالْحَدِيثِ أعلّه بِهِ. وأمّا الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد إِسْنَادًا ومتنًا، إِلَّا أَنه قَالَ: «من» بدل «فِي» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقد أسلفنا غير مرّة أَن مُسلما لم يخرج لَهُ اسْتِقْلَالا، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُتَابعَة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» : اخْتلفُوا عَلَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي إِسْنَاده، وَحَمَّاد بن سَلمَة أحْسنهم سِيَاقَة لَهُ، قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح، فَذكره من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمره أَن يُجهز جَيْشًا، قَالَ عبد الله: وَلَيْسَ عندنَا ظهر، قَالَ: فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يبْتَاع ظهرا إِلَى خُرُوج الْمُصدق، فَابْتَاعَ عبد الله الْبَعِير بالبعيرين والأبعرة إِلَى خُرُوج الْمُصدق» . وَكَذَا قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 فِي «خلافياته» : لَهُ شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح ... فَذكره. فَائِدَة: القِلاص - بِكَسْر الْقَاف - جمع قُلُص، والقُلُص جمع قَلُوص، وَهِي النَّاقة الشَّابَّة، ذكره الْجَوْهَرِي وَغَيره، وَقَوله: «فِي قلاص الصَّدَقَة» كَذَا هُوَ فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَالْبَيْهَقِيّ و «المعجم الْكَبِير» للطبراني، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» : «من قلاص الصَّدَقَة» بدل (فِي) وَمَعْنَاهَا: السّلف عَلَى إبل الصَّدَقَة إِلَى أجل مَعْلُوم. الحَدِيث السَّابِع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر عَامل خَيْبَر أَن يَبِيع الْجمع بِالدَّرَاهِمِ، ثمَّ يبْتَاع بهَا جنيبًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «اسْتعْمل رجلا عَلَى خَيْبَر فَجَاءَهُمْ بِتَمْر جنيب، فَقَالَ: أكل تمر خَيْبَر هَكَذَا؟ قَالَ: إِنَّا لنأخذ الصَّاع بالصاعين (والصاعين) بِالثَّلَاثَةِ. قَالَ: لَا تفعل، بِعْ الْجمع بِالدَّرَاهِمِ، ثمَّ ابتع بِالدَّرَاهِمِ جنيبًا» . وَقَالَ فِي «الْمِيزَان» مثل ذَلِكَ وَلمُسلم عَن أبي سعيد: «كُنَّا نبيع تمر الْجمع صَاعَيْنِ بِصَاع من تمر الجنيب، فَقَالَ رَسُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 الله (: لَا صاعي تمر بِصَاع تمر، وَلَا صاعي حِنْطَة بِصَاع حِنْطَة وَلَا دِرْهَمَيْنِ بدرهم» . فَائِدَة: الجنيب - بجيم مَفْتُوحَة، ثمَّ نون مَكْسُورَة، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ بَاء مُوَحدَة - وَهُوَ نوع من التَّمْر أَعْلَاهُ، وَعبارَة الرَّافِعِيّ أَنه أجوده. وَالْجمع - بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الْمِيم - وَهُوَ تمر رَدِيء، قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ تمر رَدِيء مختلط من أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة من التمور وَلَيْسَ مرغوبًا فِيهِ لما فِيهِ من الِاخْتِلَاط وَمَا يخلط إِلَّا لرداءته فَإِنَّهُ مَتى كَانَ نوعا جيدا أفرد عَلَى حِدته ليرغب فِيهِ. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: كل نوع من النّخل لَا يعرف اسْمه فَهُوَ جمع، يُقَال: كثر الْجمع فِي أَرض بني فلَان. وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي هَذِه الْمقَالة حَيْثُ قَالَ: الْجمع كل لون من التَّمْر لَا يعرف لَهُ اسْم. فَائِدَة ثَانِيَة: هَذَا الرجل الَّذِي اسْتعْمل عَلَى خَيْبَر هُوَ: سَواد بن غزيَّة فِيمَا قَالَه الْخَطِيب فِي «مبهماته» ، وَقيل: مَالك بن صعصعة، وَحَكَى مجلى الأول عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَنه أَخُو بني عَوْف من الْأَنْصَار شهد بَدْرًا وأحدًا والمشاهد كلهَا، لَهُ صُحْبَة. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الصُّبْرَة من التَّمْر لَا يعلم (مكيلها) بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى من التَّمْر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَأغْرب الْحَاكِم فاستدركه، وَقَالَ إثره: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَهُوَ فِيهِ سندًا ومتنًا، وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن شَيْخه الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ. قَالَ عقبَة: رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» . الحَدِيث التَّاسِع عَن فضَالة بن عبيد، قَالَ: «أُتي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ بِخَيْبَر بقلادة فِيهَا خرز وَذهب وَهِي من الْغَنَائِم تبَاع بِالذَّهَب، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالذَّهَب الَّذِي فِي القلادة فَنزع وَحده، ثمَّ قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ وَلم يقل فِيهِ «تبَاع» ، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: (رُوِيَ) «لَا يُبَاع مثل هَذَا حَتَّى يفصل ويميز» قلت: هَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: «اشْتريت (يَوْم) خَيْبَر قلادة بِاثْنَيْ عشر دِينَارا. فِيهَا ذهب وخرز ففصلتها، فَوجدت فِيهَا أَكثر من اثْنَي عشر دِينَارا، فَذكرت ذَلِكَ للنَّبِي (، فَقَالَ: لَا تبَاع حَتَّى تُفَصَّل» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم «أُتِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام خَيْبَر بقلادة فِيهَا ذهب وخرز ابتاعها رجل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 بِتِسْعَة دَنَانِير أَو بسبعة دَنَانِير، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا، حَتَّى (تميز بَينه وَبَينه، فَقَالَ: إِنَّمَا أردْت الْحِجَارَة. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا، حَتَّى) تميز بَينهمَا» . قَالَ: فَرده حَتَّى يُمَيّز بَينهمَا» وَأغْرب صَاحب «التَّتِمَّة» فعزاها إِلَى مُسلم، وَعَزاهَا إِلَى مُسلم أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَإِن مُرَاده أصل الحَدِيث، وطرق هَذَا الحَدِيث للطبراني فِي مُعْجَمه الْكَبِير من وُجُوه كَثِيرَة فَفِي بَعْضهَا «قلادة فِيهَا ذهب وخرز» وَفِي بَعْضهَا «خرز وَذهب» وَفِي بَعْضهَا «فِيهَا ذهب وجوهر، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «الْجَوْهَر عَلَى حِدة، وَالذَّهَب عَلَى حِدة» وَفِي بَعْضهَا: «بقلادة فِيهَا خرز معلقَة بِذَهَب» وَاعْلَم أَنه قد جَاءَ فِي بعض رِوَايَات هَذَا الحَدِيث «أَن القلادة أبيعت بِتِسْعَة دَنَانِير أَو سَبْعَة دَنَانِير» ، وَجَاء فِي بَعْضهَا «اثْنَي عشر دِينَارا» كَمَا سلف، وَأجَاب الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن هَذَا الِاخْتِلَاف، بِأَن قَالَ: سِيَاق هَذِه الْأَحَادِيث مَعَ عَدَالَة رواتها يدل عَلَى أَنَّهَا كَانَت بيوعًا شَهِدَهَا فضَالة كلهَا وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى عَنْهَا، فأدَّاها كلهَا. الحَدِيث الْعَاشِر عَن سعد بن أبي وَقاص رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن بيع الرطب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أينقص الرطب إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَلَا إِذن» وَيروَى «فَنَهَى عَن ذَلِكَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْبَزَّار فِي مسانيدهم وَالشَّافِعِيّ أَيْضا فِي «السّنَن المأثورة» الَّتِي رَوَاهَا الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَنهُ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة: «السّنَن» ، و «الْمعرفَة» ، و «الخلافيات» ، وَعَزاهُ غير وَاحِد إِلَى «صَحِيح ابْن خُزَيْمَة» ، رَوَوْهُ كلهم من حَدِيث أبي عَيَّاش - بِالْمُثَنَّاةِ تَحت وبالشين الْمُعْجَمَة - مولَى بني زهرَة، وَقيل: بني مَخْزُوم، واسْمه زيد. قَالَ الإِمَام أَحْمد: ابْن النُّعْمَان. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: ابْن الصَّامِت «أَنه سَأَلَ سعد بن أبي وَقاص عَن الْبَيْضَاء بالسلت، فَقَالَ لَهُ سعد: أَيهمَا أفضل؟ قَالَ: الْبَيْضَاء. فَنَهَاهُ عَن ذَلِكَ، وَقَالَ سعد: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُسأل عَن اشْتِرَاء التَّمْر بالرطب، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أينقص الرطب إِذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 يبس؟» قَالُوا: نعم، فَنَهَاهُ عَن ذَلِكَ وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد سمع سعد بن أبي وَقاص يَقُول: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة» . وَفِي أُخْرَى لَهُ عَن مولَى لبني مَخْزُوم، عَن سعد، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... نَحوه. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم عَن أبي عَيَّاش، قَالَ: «تبَايع رجلَانِ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ببسر وَرطب، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل ينقص الرطب إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَلَا، إِذن» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي عَيَّاش، عَن سعد بن مَالك، قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عَن الرطب بِالتَّمْرِ، فَقَالَ أينقص إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَنَهَى عَنهُ» . وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن بيع التَّمْر بالرطب، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أينقص الرطب إِذا (جف) ؟ قَالَ: نعم فَنَهَاهُ عَن ذَلِكَ» وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم أَيْضا عَن أبي عَيَّاش أَنه سمع سعد بن أبي وَقاص يَقُول: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح لإِجْمَاع أَئِمَّة النَّقْل عَلَى إِمَامَة مَالك بن أنس، وَأَنه مُحكم فِي كل مَا يرويهِ من الحَدِيث إِذْ لم يُوجد فِي رواياته إِلَّا الصَّحِيح خُصُوصا فِي حَدِيث أهل الْمَدِينَة (ثمَّ) لمتابعة هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، وَيَحْيَى بن أبي كثير، و (غَيرهمَا) إِيَّاه فِي رِوَايَته عَن عبد الله بن يزِيد. قَالَ: والشيخان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 لم يخرجَاهُ لما خشياه من جَهَالَة زيد أبي عَيَّاش. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهِ عبد الله بن [يزِيد] وَذكر بدله عمرَان بن أبي أنس، قَالَ: سَمِعت أَبَا عَيَّاش يَقُول: «سَأَلت سعد بن أبي وَقاص عَن اشْتِرَاء السلت بِالتَّمْرِ، فَقَالَ سعد: أبينهما فضل؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: لَا يصلح. وَقَالَ سعد: سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن اشْتِرَاء الرطب بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أبينهما فضل؟ قَالُوا: نعم الرطب ينقص. قَالَ: فَلَا يصلح» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَقد سُئِلَ عَنهُ من حَدِيث أبي عَيَّاش زيد، عَن سعد بن أبي وَقاص، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه نهَى عَن بيع التَّمْر بالرطب» : هَذَا حَدِيث يرويهِ عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، عَن زيد أبي عَيَّاش، وَاخْتلف عَنهُ فِي لَفظه؛ فَرَوَاهُ مَالك بن أنس وَدَاوُد بن حُصَيْن وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَأُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن أبي عَيَّاش، عَن سعد «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع التَّمْر بالرطب» وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أبي كثير عَن عبد الله بن يزِيد بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ فِيهِ: «إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ [نَسِيئَة] » وَلم يقل ذَلِكَ، الْآخرُونَ عَن عبد الله بن يزِيد؛ وَرَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 عمرَان بن أبي أنس عَن مولَى [لبني] مَخْزُوم، لم يسمه عَن سعد نَحْو قَول يَحْيَى بن أبي كثير. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَى يَحْيَى بن أبي كثير هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عبد الله بن عَيَّاش، عَن سعد، قَالَ: (وَيُقَال) : إِن عبد الله هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاش الَّذِي قَالَه مَالك، وَأَن يَحْيَى بن أبي كثير أَخطَأ فِي اسْمه بِلَا شكّ وَفِي مَوضِع إِذا شكّ فِيهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن زيد أبي عَيَّاش. قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ، عَن مَالك، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عبد الله بن يزِيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ عَلّي بن عبد الله: وَسَمَاع أبي، عَن مَالك قديم قبل أَن يسمعهُ هَؤُلَاءِ، فأظن أَن مَالِكًا كَانَ علقه أَولا، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عبد الله بن يزِيد ثمَّ سَمعه من عبد الله بن يزِيد فَحدث بِهِ قَدِيما، عَن دَاوُد ثمَّ نظر فِيهِ فصححه، عَن عبد الله بن يزِيد وَترك دَاوُد بن الْحصين. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن عبد الله بن يزِيد وَمن رِوَايَة يَحْيَى بن أبي كثير عَنهُ، عَن أبي عَيَّاش، عَن سعد قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: خَالف يَحْيَى بن أبي كثير مَالك وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَأُسَامَة بن زيد، رَوَوْهُ عَن عبد الله بن يزِيد وَلم يَقُولُوا فِيهِ «نَسِيئَة» واجتماع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عَلَى خلاف مَا قَالَه يَحْيَى يدل عَلَى ضبطهم للْحَدِيث، وَفِيهِمْ إِمَام حَافظ وَهُوَ مَالك بن أنس. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 الْبَيْهَقِيّ: والعلّة المنقولة (فِي) هَذَا الْخَبَر تدل عَلَى خطأ هَذِه اللَّفْظَة. قَالَ: وَقد رَوَاهُ عمرَان بن أبي أنس عَن أبي عَيَّاش نَحْو رِوَايَة الْجَمَاعَة. فَذكرهَا بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عبد الله بن وهب، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عبد الله بن أبي سَلمَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن رطب بِتَمْر، فَقَالَ: أينقص الرطب إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَلَا يُبَاع رطب بيابس» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل جيد شَاهد لما تقدم. قلت: فقد ظهر صِحَة حَدِيث سعد (بِطرقِهِ) وشواهده ومتابعاته وَللَّه الْحَمد وَقد طعن فِيهِ بَعضهم، قَالَ عبد الْحق: اخْتلف فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث، وَيُقَال: إِن زيدا أَبَا عَيَّاش هَذَا مَجْهُول، وَتبع فِي ذَلِكَ أَبَا مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ فِي «الرسَالَة الَّتِي لَهُ فِي إبِْطَال الْقيَاس» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح لجَهَالَة أبي عَيَّاش. وَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ أَن أَبَا عَيَّاش لَا يعرف، وَذكر الِاخْتِلَاف الَّذِي وَقع فِي الحَدِيث ثمَّ قَالَ: فَبَان بِحَمْد الله فَسَاد هَذَا الحَدِيث إِسْنَادًا ومتنًا وَأَنه لَا حجَّة فِيهِ عَلَى من خَالفه من أبي حنيفَة وَمن تَابعه. قلت: ومدار تَضْعِيف من ضعفه عَلَى جَهَالَة أبي عَيَّاش، وَأول من رده بذلك أَبُو حنيفَة. قَالَ: هُوَ مَجْهُول؛ لما سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْد دُخُوله بَغْدَاد، وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي «تهذيبه» : علل هَذَا الْخَبَر بِأَن زيدا تفرد بِهِ، وَهُوَ غير مَعْرُوف فِي نَقله الْعلم. وَالْجَوَاب عَن ذَلِكَ أَن أَبَا عَيَّاش لَيْسَ بِمَجْهُول بل هُوَ مَعْرُوف، رَوَاهُ عَنهُ مَالك فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 «الْمُوَطَّأ» وَهُوَ لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة وَذكره ابْن حبَان فِي «ثِقَات التَّابِعين» وَقَالَ: رَوَى عَن سعد بن أبي وَقاص، وَرَوَى عَنهُ عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، وَذكره فِي صَحِيحه من جِهَته وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم كَمَا سلف، وَقَالَ الصريفيني عَن الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه ثِقَة ثَبت. وَأخرجه عَنهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف، وَقد علم شدَّة تحريه فِي الرِّجَال واجتهاده حَتَّى لقب بِإِمَام الْأَئِمَّة، وَانْفَرَدَ بذلك من بَين أقرانه، قَالَ الْخطابِيّ: قد تكلم بعض النَّاس فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: زيد أَبُو عَيَّاش رَاوِيه ضَعِيف، و (مثل هَذَا الحَدِيث عَلَى أصل الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يحْتَج بِهِ) . قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمر عَلَى مَا توهمه، وَأَبُو عَيَّاش هَذَا هُوَ مولَى لبني زهرَة مَعْرُوف، وَقد ذكره مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَهُوَ لَا يروي عَن رجل مَتْرُوك الحَدِيث بِوَجْه، هَذَا من شَأْن مَالك، وعادته مَعْلُومَة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِن قيل: قد قَالَ أَبُو حنيفَة زيد أَبُو عَيَّاش مَجْهُول، قُلْنَا: إِن كَانَ هُوَ لَا يعرفهُ فقد عرفه أهل النَّقْل، فَذكر رِوَايَته التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاها، وَذكره مُسلم فِي كتاب «الكنى» وَقَالَ: سمع من سعد، وَرَوَى عَنهُ عبد الله بن يزِيد. وَذكره ابْن خُزَيْمَة فِي رِوَايَة الْعدْل، عَن الْعدْل، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصره» لسنن أبي دَاوُد: حُكيَ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: زيد أَبُو عَيَّاش مَجْهُول، قَالَ: وَكَيف يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 مَجْهُولا؟ وَقد رَوَى عَنهُ اثْنَان ثقتان: عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، وَعمْرَان بن أبي أنس، وهما مِمَّن احْتج (بهما) مُسلم فِي «صَحِيحه» وَقد عرفه أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن، هَذَا الإِمَام مَالك قد أخرج حَدِيثه فِي «موطئِهِ» مَعَ شدَّة تحريه فِي الرِّجَال، ونقده، وتتبعه لأحوالهم، وَالتِّرْمِذِيّ قد أخرج حَدِيثه وَصَححهُ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم، وَذكره مُسلم فِي «الكنى» وَذكر أَنه سمع من سعد وَكَذَا الْكَرَابِيسِي فِي كناه أَيْضا، وَذكره أَيْضا النَّسَائِيّ فِي كناه. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَمَا علمت أحدا طعن فِيهِ. وَهُوَ كَمَا (قَالَ) . قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «استذكاره» و «تمهيده» : وَقد قيل: إِن زيدا أَبَا عَيَّاش هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاش الزرقي، واسْمه عِنْد طَائِفَة من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ زيد بن الصَّامِت، وَقيل: زيد بن نعْمَان، وَهُوَ من صغَار الصَّحَابَة، وَمِمَّنْ حفظ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَوَى عَنهُ، وَشهد بعض مشاهده، وَلذَلِك جعله صَاحب «الْمغرب» من الْحَنَفِيَّة وَهُوَ المطرزي أَنه هُوَ الَّذِي تكلم فِيهِ أَبُو حنيفَة، وأحال الطَّحَاوِيّ أَن يكون هُوَ الزرقي قَالَ: لِأَنَّهُ من جملَة الصَّحَابَة وَلم (يُدْرِكهُ) عبد الله بن يزِيد، وَأَبُو عَيَّاش عَاشَ إِلَى زمن مُعَاوِيَة بعد الْأَرْبَعين، وَقيل بعد الْخمسين. وأعلّه بَعضهم بِوَجْه آخر فَقَالَ: إِنَّه تضمن مَا لَا يُمكن نسبته إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الِاسْتِفْهَام (عَمَّا) لَا يخْفَى. وَهَذَا عَجِيب من قَائِله، فَالْحَدِيث لَفظه لفظ اسْتِفْهَام، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 وَمَعْنَاهُ التَّقْرِير والتنبيه لينبه عَلَى ثَلَاثَة: الحكم وعلته ليعتبروها فِي نظائرها وَأَخَوَاتهَا، وَذَلِكَ أَنه لَا يجوز أَن يخْفَى عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَن الرطب ينقص إِذا يبس فَيكون سُؤال تعرف واستفهام، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذكرته وَهَذَا كَقَوْل جرير: ألستم خير من ركب المطايا وأندى الْعَالمين بطُون رَاح وَلَو كَانَ استفهامًا لم يكن فِيهِ (مدح) وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنْتُم خير من ركب المطايا، وَهَذَا جَوَاب الْخطابِيّ والاستفهام بِمَعْنى التَّقْرِير كثير، مَوْجُود فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فِي قَوْله تَعَالَى: (وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى) و (ألم نشرح لَك صدرك) إِلَى آخر ذَلِكَ. فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : الْبَيْضَاء الرطب من السلت باليابس من السلت. وَفِي «الغريبين» : السلت حب بَين الْحِنْطَة وَالشعِير لَا قشر لَهُ. وَفِي «الصِّحَاح» : أَنه ضرب من الشّعير لَيْسَ لَهُ قشر، كَأَنَّهُ الْحِنْطَة. وَفِي الْمُجْمل: أَنه ضرب من الشّعير، رَقِيق القشرة، صغَار الْحبَّة. الحَدِيث الْحَادِي عشر «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك عَن زيد بن سَالم، عَن سعيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 بن الْمسيب «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ» وَهَذَا مُرْسل كَمَا ترَى وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث القعْنبِي، عَن مَالك بِهِ، قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» : وَقَوي هَذَا مَعَ إرْسَاله فَإِن الصَّحَابَة عمِلُوا بِهِ، ودرجوا عَلَيْهِ. قلت: وَرُوِيَ مُسْندًا من حَدِيث سهل بن سعد وَابْن (عمر) رَضي اللهُ عَنهما أما حَدِيث سهل فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ: نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ» ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ يزِيد بن مَرْوَان، عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ، وَصَوَابه مَا فِي «الْمُوَطَّأ» : عَن زيد، عَن سعيد مُرْسلا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ يزِيد بن مَرْوَان هَكَذَا وَغلط فِيهِ، وَالصَّحِيح مَا فِي «الْمُوَطَّأ» يَعْنِي مُرْسلا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذِه الطَّرِيق لَا ترضي. قَالَ يَحْيَى بن معِين: يزِيد بن مَرْوَان كَذَّاب. ووهاه ابْن حبَان أَيْضا. وَأما حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن بيع الْحَيَوَان بِاللَّحْمِ» رَوَاهُ من حَدِيث ثَابت بن زُهَيْر، عَن نَافِع عَنهُ، وثابت هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَالصَّحِيح فِي هَذَا الحَدِيث الْإِرْسَال كَمَا صرح بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا، قَالَ عبد الْحق: الصَّحِيح أَن هَذَا الحَدِيث مُرْسل كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، قَالَ: وَلَا أعلمهُ مُسْندًا إِلَّا من حَدِيث ثَابت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 بن زُهَيْر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ثَابت هَذَا مُنكر الحَدِيث ضَعِيف لَا يشْتَغل بِهِ. وَذكر الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : حَدِيث مَالك شَاهدا لحَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الشَّاة بِاللَّحْمِ» قَالَ: وَهُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد، رُوَاته عَن آخِرهم أَئِمَّة حفاظ ثِقَات. قَالَ: وَقد احْتج البُخَارِيّ بالْحسنِ، عَن سَمُرَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَمن أثبت سَماع الْحسن الْبَصْرِيّ من سَمُرَة عدَّه مَوْصُولا، وَمن لم يُثبتهُ فَهُوَ مُرْسل جيد انْضَمَّ إِلَى مُرْسل سعيد بن الْمسيب وَالقَاسِم بن أبي (بزَّة) ، وَقَول أبي بكر الصّديق يَعْنِي الْآتِي. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما أَثَره: فَهُوَ مَا رُوِيَ «أَن جزورًا نحرت عَلَى عهد أبي بكر رَضي اللهُ عَنهُ فجَاء رجل بعناق، فَقَالَ: أعطوني جزورًا. فَقَالَ أَبُو بكر: لَا يصلح هَذَا» ذكره الْمُزنِيّ تلو خبر سعيد بن الْمسيب، فَقَالَ: وَعَن ابْن عَبَّاس «أَن جزورًا نحرت عَلَى عهد أبي بكر، فجَاء رجل بعناق فَقَالَ: أعطوني ... » إِلَى آخِره كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن ابْن أبي يَحْيَى، عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن أبي بكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 الصّديق «أَنه كره بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ» وَرَوَاهُ فِي الْقَدِيم، عَن رجل، عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن جزورًا نحرت عَلَى عهد أبي بكر فجَاء رجل بعناق، فَقَالَ: أعطوني جزورًا بِهَذِهِ العناق. فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق: لَا يصلح هَذَا» قَالَ: فَلم يرو فِي هَذَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء، كَانَ قَول أبي بكر الصّديق فِيهِ مِمَّا لَيْسَ لنا خِلَافه؛ لأَنا لَا نعلم أَن أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ بِخِلَافِهِ، وإرسال سعيد بن الْمسيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 بَاب الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث تِسْعَة وَثَلَاثِينَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لحكيم بن حزَام: «لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك» . هَذَا حَدِيث صَحِيح وَقد سلف بَيَانه فِي أثْنَاء بَاب مَا يَصح بِهِ البيع. فَائِدَة: حَكِيم هَذَا ولد فِي جَوف الْكَعْبَة وَلَا يعرف أحد ولد فِيهَا غَيره، وَأما مَا رُوِيَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ أَنه ولد فِيهَا فضعيف، وَخَالف الْحَاكِم فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي تَرْجَمَة عَلّي أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك، وعاش حَكِيم مائَة وَعشْرين سنة، سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَام، أَي حِين انْتَشَر وشاع فِي النَّاس وَذَلِكَ بعد الْهِجْرَة بِنَحْوِ سِتّ سِنِين، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : وَلَا يُشَارِكهُ فِي هَذَا إِلَّا حسان بن ثَابت. قلت: لَيْسَ كَذَلِك فقد شاركهما فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَة أنفس كَمَا ذكرته عَنْهُم فِي «الْمقنع» فِي عُلُوم الحَدِيث تأليفي فَرَاجعه، فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات المستفادة الَّتِي يرحل إِلَيْهَا. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن عسب الْفَحْل» ، وَرُوِيَ «أَنه نهَى عَن ثمن عسب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 الْفَحْل» . وَهَذِه رِوَايَة الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» ، هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر، وَكَذَا د، ت، ن، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عَلّي بن الحكم، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن كسب الْفَحْل» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَعلي بن الحكم ثِقَة مَأْمُون من أعز الْبَصْرَة حَدِيثا، وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي الشَّافِعِي فِي «السّنَن المأثورة» الَّتِي رَوَاهَا الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَنهُ من حَدِيث سعيد بن سَالم القداح عَن شبيب بن عبد الله البَجلِيّ، عَن أنس بن مَالك «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ثمن عسب الْفَحْل» وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» بِدُونِ لَفْظَة «ثمن» ثمَّ قَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا رُوِيَ هَذَا من كَلَام أنس، قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس مَرْفُوعا، وَيزِيد لم يسمع من الزُّهْرِيّ إِنَّمَا كتب إِلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن يَبِيع الرجل فحلة فرسه» . قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : وَالْمرَاد: ضرابه. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن إِسْمَاعِيل، نَا عَلّي بن الحكم، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَيْضا، وَعَزاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» بِهَذَا اللَّفْظ إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 البُخَارِيّ، وَمرَاده أصل الحَدِيث، وَهِي مَوْجُودَة فِي نسخ أبي دَاوُد، وَرَوَاهُ بهَا أَيْضا الدَّارمِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَمَا سَيَأْتِي. وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر وَأبي هُرَيْرَة «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع ضراب الْجمل» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ثمن الْكَلْب و [عسب] التيس» وَفِي رِوَايَة للخطيب فِي «تلخيصه» «إِن من خِصَال السُّحت عسب الْفَحْل» وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» بِلَفْظ النَّسَائِيّ إِلَّا أَنه قَالَ: «الْفَحْل» بدل «التيس» ، ثمَّ قَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: لم يروه عَن الْأَعْمَش، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة غير ابْن فُضَيْل، وأخشى أَنه أَرَادَ أَبَا سُفْيَان، عَن جَابر مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث حجاج، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه نهَى عَن ثمن الْكَلْب و [عسب] الْفَحْل» وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن فُضَيْل، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ثمن عسب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 الْفَحْل» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس بِزِيَادَة: «فَرخص لَهُم فِي الْكَرَامَة» ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة أبي سعيد بِلَفْظ رِوَايَة البُخَارِيّ، وَكَذَا ابْن السكن فِي «صحاحه» ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: صَحِيح؛ فَإِن رِجَاله كلهم ثِقَات. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» من حَدِيث عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَلّي مَرْفُوعا «نهَى عَن عسب كل ذِي فَحل» وَضَعفه وَهُوَ فِي «مُسْند أَحْمد» من رِوَايَة ابْنه كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَة فِي حَدِيث النَّهْي عَن كل ذِي نَاب، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب وَابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «نهَى عَن [عسب] الْفَحْل» وَفِي «غريبي الْهَرَوِيّ» فِي الحَدِيث «نهَى عَن شبر الْفَحْل» يَعْنِي أَخذ الْكرَى عَلَى ضرابه، أوردهُ صَاحب الْخُلَاصَة من الْحَنَفِيَّة بِهَذَا اللَّفْظ. الحَدِيث الثَّالِث عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع حَبل الحبلة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) بِهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 اللَّفْظ وَزَادا: «كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتبايعون لُحُوم الْجَزُور إِلَى حَبل الحبلة. أَن تنْتج النَّاقة مَا فِي بَطنهَا ثمَّ تحمل الَّتِي نتجت، فنهاهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ذَلِكَ» وَفِي رِوَايَة: «كَانُوا يتبايعون الْجَزُور إِلَى حَبل الحبلة، فَنَهَى النَّبِي عَنهُ» ثمَّ فسَّره نَافِع: أَن تنْتج النَّاقة مَا فِي بَطنهَا. وَهَذَا يدل (عَلَى) أَن التَّفْسِير الأول لَيْسَ من كَلَام ابْن عمر، وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام نَافِع، وَقد قَرَّرَهُ كَذَلِك الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل» . تَنْبِيه: وَقع فِي «جَامع المسانيد» لِابْنِ الْجَوْزِيّ عقب إِخْرَاجه لَهُ من حَدِيث ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن بيع حَبل الحبلة» أَن مُسلما انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ، هَكَذَا قَالَ، وَقد أَخْرجَاهُ بِلَفْظ آخر، قَالَ ابْن عمر: «وَكَانُوا يتبايعون ... » إِلَى آخِره، وَلَيْسَ كَمَا ذكر من أَن مُسلما انْفَرد بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، فقد أخرجه أَيْضا كَذَلِك. فَائِدَة: الْحَبل والحبلة بِفَتْح الْحَاء وَالْبَاء، (و) غلط من سكن الْبَاء فِي حَبل، وَالْحَبل مُخْتَصّ بالآدميات وَيُقَال فِي غيرهنّ: الْحمل، قَالَه أهل اللُّغَة، قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا يُقَال لشَيْء حَبل إِلَّا مَا جَاءَ فِي الحَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الملاقيح والمضامي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه ابْن رَاهَوَيْه فِي «مُسْنده» عَن النَّضر بن شُمَيْل، نَا صَالح بن أبي الْأَخْضَر، عَن الزُّهْرِيّ أَن سعيد بن الْمسيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 أخبرهُ، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن المضامين والملاقيح، وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا سعيد بن سُفْيَان، عَن صَالح بِهِ، وَزَاد «وحبل الحبلة» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا صَالح بن أبي الْأَخْضَر وَلم يكن بِالْحَافِظِ. وَعَزاهُ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي من هَذِه الطَّرِيق إِلَى كتاب الْبيُوع تأليف أبي بكر أَحْمد بن أبي عَاصِم، وَعَزاهُ إِلَيْهِ أَيْضا من طَرِيق عمرَان بن حُصَيْن، ورأيته فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي حَبِيبَة، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، فاستفد هَذِه الطّرق؛ فَإِنَّهَا عزيزة الْوُجُود، وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن ابْن شهَاب مُرْسلا أَن سعيد بن الْمسيب كَانَ يَقُول: «لَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان وَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا نهَى فِي بيع الْحَيَوَان عَن ثَلَاث: عَن المضامين، والملاقيح، وحبل الحبلة» . والمضامين: مَا فِي بطُون إناث الْإِبِل، والملاقيح: مَا فِي ظُهُور الْجمال، وحبل الحبلة هُوَ بيع الْجَزُور إِلَى أَن تنْتج النَّاقة ثمَّ تنْتج الَّذِي فِي بَطنهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: المضامين مَا فِي (بطُون) الْجمال، والملاقيح: مَا فِي بطُون إناث الْإِبِل. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ فسّره أَبُو عبيد. وسُئل الدَّارَقُطْنِيّ عَن حَدِيث سعيد بن الْمسيب هَذَا، فَقَالَ فِي «علله» : رَوَاهُ مَالك هَكَذَا عَن الزُّهْرِيّ وَوَافَقَهُ معمر عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَاهُ عمر بن قيس وَصَالح بن أبي الْأَخْضَر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قَالَ: وَالصَّحِيح غير مَرْفُوع من قَول سعيد غير مُتَّصِل. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ) «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الْمُلَامسَة والمنابذة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ من هَذَا الْوَجْه وروياه أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أنس وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهم. الحَدِيث السَّادِس عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الْحَصَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 الحَدِيث السَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيعَتَيْنِ فِي بيعَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان بِلَفْظ: «من بَاعَ بيعَتَيْنِ فِي بيعَة فَلهُ أوكسهما أَو الرِّبَا» وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ بلاغًا بِلَفْظ الْأَوَّلين، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن ابْن عَمْرو وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود. وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِلَفْظ أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، وَقد تكلم فِيهِ غير وَاحِد، قلت: والشيخان أخرجَا لَهُ مَقْرُونا، وَقدمه ابْن معِين عَلَى ابْن إِسْحَاق، وَقَالَ: هُوَ فَوق سُهَيْل (بن) أبي صَالح وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث يكْتب حَدِيثه. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث سماك، عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن أَبِيه، قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن صفقتين فِي صَفْقَة» قَالَ سماك: هُوَ الرجل يَبِيع البيع فَيَقُول: هُوَ بنَسَاءٍ (كَذَا) وَهُوَ بِنَقْد (كَذَا) وَكَذَا، وَاخْتلف الْحفاظ فِي سَماع عبد الرَّحْمَن من أَبِيه، فَقَالَ يَحْيَى بن معِين فِي (إِحْدَى) الرِّوَايَتَيْنِ: لم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَالْأَكْثَرُونَ: إِنَّه (سمع مِنْهُ) وَهِي زِيَادَة علم. الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «نهَى عَن بيع وَشرط» . هَذَا الحَدِيث لم يُخرجهُ أحد من أَصْحَاب السّنَن وَالْمَسَانِيد، وبيض (لَهُ) الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» وَاسْتَغْرَبَهُ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه، عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل العذري القَاضِي بسرقسطة، نَا مُحَمَّد بن عَلّي الرَّازِيّ المطوعي، نَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي، ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الخالدي، نَا عبد الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 بن أَيُّوب بن زَاذَان الضَّرِير، نَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الذهلي، نَا عبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد التنوري قَالَ: «قدمت مَكَّة فَوجدت بهَا أَبَا حنيفَة وَابْن أبي لَيْلَى وَابْن شبْرمَة، فَسَأَلت أَبَا حنيفَة عَن رجل بَاعَ بيعا وَاشْترط شرطا، فَقَالَ: البيع بَاطِل وَالشّرط بَاطِل، ثمَّ سَأَلت ابْن أبي لَيْلَى عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل، ثمَّ سَأَلت ابْن شبْرمَة عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: البيع جَائِز وَالشّرط جَائِز، فَرَجَعت إِلَى أبي حنيفَة فَأَخْبَرته بِمَا قَالَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا، ثَنَا عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع وَشرط» البيع بَاطِل، وَالشّرط بَاطِل. فَأتيت ابْن أبي لَيْلَى فَأَخْبَرته (بِمَا) قَالَ: فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا، ثَنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اشْترِي بَرِيرَة واشترطي لَهُم الْوَلَاء» البيع جَائِز وَالشّرط بَطل. فَأتيت ابْن شبْرمَة فَأَخْبَرته بِمَا قَالَا فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا، ثَنَا مسعر بن كدام، عَن (محَارب) بن دثار، عَن جَابر بن عبد الله «أَنه بَاعَ من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جملا وَاشْترط ظَهره إِلَى الْمَدِينَة» البيع جَائِز، وَالشّرط جَائِز» . وَرَوَاهُ الْخطابِيّ فِي «معالم السّنَن» ، عَن مُحَمَّد بن هَاشم بن هِشَام، نَا عبد الله بن فَيْرُوز الديلمي، نَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الذهلي، نَا عبد الْوَارِث بن سعيد، قَالَ: قدمت مَكَّة ... فَذكرهَا كَمَا سَاقهَا ابْن حزم وفيهَا «فَقلت: يَا سُبْحَانَ الله، ثَلَاثَة من فُقَهَاء الْعرَاق اخْتلفُوا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 فَأتيت أَبَا حنيفَة فَأَخْبَرته بِمَا قَالَا ... .» وساقها كَمَا تقدم، وَفِي الْجُزْء الثَّالِث من الْأَعْيَان الْجِيَاد من مشيخة بَغْدَاد تَخْرِيج الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي أَن ابْن أبي الفوارس قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث ابْن شبْرمَة، عَن مسعر. وَهَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ عبد الْوَارِث بن سعيد، وَعَزاهُ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» إِلَى تَخْرِيج ابْن حزم فَقَالَ: خرجه أَبُو مُحَمَّد - يَعْنِي ابْن حزم - من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الله الْحَاكِم. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَكَأَنَّهُ يَعْنِي عبد الْحق تَبرأ من عهدته بِذكر إِسْنَاده، وعلته ضعْف أبي حنيفَة فِي الحَدِيث، فَأَما عَمْرو عَن أَبِيه عَن جده فَإِن مذْهبه - يَعْنِي: عبد الْحق - عدم تَضْعِيفه. قلت: وَفِي الْبَاب حَدِيث قريب مِنْهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (و) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضي اللهُ عَنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يحل سلف وَبيع، وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع، وَلَا ربح مَا لم يضمن، وَلَا بيع مَا لَيْسَ عنْدك» هَذَا لَفظهمْ خلا ابْن حبَان، فَإِن لَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كتب إِلَى أهل مَكَّة لَا يجوز شَرْطَانِ فِي بيع، وَلَا بيع وَسلف جَمِيعًا، وَلَا ربح مَا لم يضمن» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط جملَة من أَئِمَّة الْمُسلمين، قَالَ: وَرَوَاهُ عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب بِزِيَادَة أَلْفَاظ، فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسمع مِنْك أَشْيَاء أَخَاف أَن أَنْسَاهَا، فتأذن فِي أَن أَكتبهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَكَانَ (فِيهَا: كتبت) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه لما بعث عتاب بن أسيد إِلَى أهل مَكَّة، قَالَ: أخْبرهُم أَنه لَا يجوز بيعان فِي بيع، وَلَا بيع مَا لَا يملكك، وَلَا سلف فِي بيع وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع» وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَعنِي حَدِيث عَطاء، عَن عَمْرو: الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ، وَالنَّسَائِيّ فِي كتاب الْعتْق، ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث مُنكر وَهُوَ عِنْدِي خطأ. الحَدِيث التَّاسِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر عبد الله بن (عَمْرو) أَن يُجهز جَيْشًا وَأمره أَن يبْتَاع ظهرا إِلَى خُرُوج الْمُصدق» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الْبَاب قبله فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا كَانَ من شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها فِي قصَّة بَرِيرَة. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَن عَائِشَة اشترت بَرِيرَة وَشرط مواليها أَن تعتقها وَيكون ولاؤها لَهُم، فَلم يُنكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا شَرط الْوَلَاء، وَقَالَ: شَرط الله أوثق وَقَضَاء الله أَحَق، وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، والرافعي ذكره دَلِيلا لأظهر الْقَوْلَيْنِ، أَن البيع بِشَرْط الْعتْق صَحِيح، والْحَدِيث فِيهِ اشْتِرَاط الْوَلَاء لَيْسَ فِيهِ البيع بِشَرْط الْعتْق، فَلْيتَأَمَّل ذَلِكَ. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب بعد ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا بَال أَقوام يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله، كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل، شَرط الله أوثق ... » إِلَى آخِره. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 حَدِيث عَائِشَة أَيْضا، وَكَذَا مَا رَوَاهُ الرَّافِعِيّ بعد هَذَا من «أَن عَائِشَة أخْبرت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن مواليها لَا يبيعونها إِلَّا بِشَرْط أَن يكون الْوَلَاء لَهُم، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اشْترِي واشترطي لَهُم الْوَلَاء» قَالَ الرَّافِعِيّ: والصائرون إِلَى الْفساد لم يثبتوا الْإِذْن فِي شَرط الْوَلَاء، وَقَالُوا: إِن هشامًا تفرد بِهِ وَلم يُتَابِعه سَائِر الراوة عَلَيْهِ، فَيحمل عَلَى وهم وَقع لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَأْذَن فِيمَا لَا يجوز، وَبِتَقْدِير الثُّبُوت تكلمُوا عَلَيْهِ من وُجُوه يطول ذكرهَا، وَأما من صَححهُ قَالَ: إِنَّه نَهَاهُم عَن الْإِتْيَان بِمثل هَذِه الشُّرُوط، و [لما] جرت أنكر عَلَيْهِم لارتكابهم مَا نَهَاهُم عَنهُ، [لكنه صحّح] وَقد ينْهَى عَن الشَّيْء [ثمَّ] يُصَحِّحهُ. هَذَا مَا ذكره، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي «شرح الْعُمْدَة» (وحُكيت فِيهِ أوجه سِتَّة) وَقد قيل: إِن عبد الرَّحْمَن بن أَيمن تَابع هشامًا عَلَيْهِ، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ كُله من رِوَايَة ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما وَسَيَأْتِي فِي بَابه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 502 الحَدِيث الرَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا أَو يتخايرا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر كَذَلِك، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد لَهُ طرق وَسَتَأْتِي مُوضحَة فِي بَاب الْخِيَار إِن شَاءَ الله. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحتكر إِلَّا خاطئ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك من حَدِيث سعيد بن الْمسيب، عَن معمر بن عبد الله الْعَدوي بِهِ «قيل لسَعِيد: فَإنَّك تحتكر! قَالَ سعيد: إِن معمرًا الَّذِي كَانَ يحدث بِهَذَا الحَدِيث كَانَ يحتكر» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من احتكر فَهُوَ خاطئ» وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول التِّرْمِذِيّ وَفِي آخِره «فَقلت لسَعِيد: يَا أَبَا مُحَمَّد، إِنَّك تحتكر! قَالَ: وَمعمر كَانَ يحتكر» وَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَفِي آخِره «قلت لسَعِيد: إِنَّك تحتكر! قَالَ: وَمعمر كَانَ يحتكر» وَالْقَائِل لسَعِيد هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 رَاوِيه عَنهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، وَفِي كتاب أبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي عَن ابْن الْمسيب أَنه كَانَ يحتكر الزَّيْت. وَفِي التِّرْمِذِيّ: من قَوْله: إِنَّمَا كَانَ سعيد بن الْمسيب يحتكر الزَّيْت وَالْحِنْطَة وَنَحْو هَذَا. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ سعيد يحتكر النَّوَى والخبط والبزر. وَنقل عَن ابْن عبد الْبر وَغَيره عَن سعيد وَمعمر «أَنَّهُمَا كَانَا يحتكران الزَّيْت خَاصَّة» وأنهما حملا الحَدِيث عَلَى احتكار الْقُوت للْحَاجة إِلَيْهِ، وَكَذَا حمله أَصْحَابنَا، وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» عَن سعيد أَنه كَانَ يحتكر الزَّيْت لَيْسَ إلاَّ، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ظَنِّي أَنَّهُمَا احتكرا عَلَى غير الْوَجْه الْمنْهِي عَنهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسَأَلت أَحْمد مَا الحكرة؟ قَالَ: مَا فِيهِ عَيْش النَّاس. قَالَ ابْن الْأَثِير: والحكر الاحتكار. وَاعْلَم أَن ابْن بدر الْموصِلِي رد هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه «الْمُغنِي» بِأَن قَالَ: الرَّاوِي إِذا خَالف الحَدِيث دلّ عَلَى نسخه أَو ضعفه. قَالَ: ثمَّ هُوَ من أَفْرَاد مُسلم. قلت: الرَّاجِح فِي الْأُصُول أَن الْعبْرَة بِمَا رَوَى لَا بِمَا رَأَى وأفراد مُسلم حجَّة، نعم قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث أحد مَا ينْقض عَلَيْهِ - أَعنِي عَلَى مُسلم - أَن لَا يَصح حَدِيث صَحَابِيّ لَا يروي عَنهُ تابعيان، فَإِن معمرًا هَذَا لَيْسَ لَهُ راو غير سعيد بن الْمسيب. قلت: بلَى رَوَى عَنهُ بسر بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن بن جُبَير الْمصْرِيّ وَغَيرهمَا فَلَا نقض عَلَى مَا ادَّعَاهُ عَنهُ، وَهنا أُمُور أُخْرَى نبهت عَلَيْهَا فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» فَرَاجعهَا مِنْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 فَائِدَة: الخاطئ بِالْهَمْزَةِ العَاصِي الآثم (قَالَه) أهل اللُّغَة وَكَذَا فسره الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب. الحَدِيث السَّادِس عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الجالب مَرْزُوق، والمحتكر مَلْعُون» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث عَلّي بن سَالم بن ثَوْبَان، عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر بن الْخطاب مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، و (هَذَانِ) العليان: ابْن ثَوْبَان وَابْن جدعَان ضعيفان، وَالثَّانِي أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة وَاحْتج بِهِ بَعضهم وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه بِاللَّفْظِ الْأَخير ثمَّ قَالَ: خرجته وَإِن لم يكن من شَرط الْكتاب احتسابًا لما فِيهِ النَّاس من الضّيق، وَلما رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» قَالَ: عَلّي بن سَالم قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ أحد بِهَذَا اللَّفْظ. وَذكره رزين فِيمَا عزاهُ ابْن الْأَثِير إِلَيْهِ عَن ابْن عمر، عَن عمر: «الجالب مَرْزُوق، والمحتكر محروم» وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد - أحد الضُّعَفَاء - عَن أَبِيه، وَلم يسمع مِنْهُ، عَن العبادلة - عبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَعبد الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 بن الزبير، وَعبد الله بن عَمْرو - مَرْفُوعا: «التَّاجِر ينْتَظر الرزق، والمحتكر ينْتَظر اللَّعْنَة ... » الحَدِيث بِطُولِهِ كَذَا وَقع فِيهِ تَسْمِيَة العبادلة. الحَدِيث السَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من احتكر الطَّعَام أَرْبَعِينَ لَيْلَة فقد برِئ من الله، وَبرئ الله مِنْهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا بِزِيَادَة: «وَأَيّمَا أهل غرصة أصبح فيهم امْرُؤ جَائِع فقد بَرِئت مِنْهُم ذمَّة الله» وَاعْتذر الْحَاكِم عَن إِخْرَاج هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه بِمَا اعتذر بِهِ فِي الحَدِيث قبله، وَيُشبه أَن فِي إِسْنَاده أصبغ بن زيد الْجُهَنِيّ مَوْلَاهُم الوَاسِطِيّ، وَفِيه مقَال، وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث غير مَحْفُوظَة. وسَاق لَهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث هَذَا أَحدهَا، قَالَ: ولاأعلم رَوَى عَنهُ غير يزِيد بن (هَارُون) وَاعْترض عَلَيْهِ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» فَقَالَ: رَوَى عَنهُ عشرَة أنفس. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يُخطئ كثيرا لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذا انْفَرد. وَفِي سَنَد الْحَاكِم أَيْضا عَمْرو بن الْحصين وَهُوَ مَتْرُوك، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح مُعَللا لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 بِضعْف أصبغ، وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الحَدِيث بِسَبَبِهِ مَوْضُوعا. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر و [أَبُو] بشر الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده لَا أعرفهُ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ أصبغ عَنهُ، لكنه فِي «مُسْند أَحْمد» (أَبُو بشر بن الزَّاهِرِيَّة) وَكَذَا سَاقه ابْن حزم فَكَانَ صَوَابه أَبُو بشر عَن أبي الزَّاهِرِيَّة، فَفِي «الضُّعَفَاء» لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَبُو بشر عَن أبي الزَّاهِرِيَّة، قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَا شَيْء. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» وَلما أوردهُ ابْن حزم من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «من احتكر طَعَاما أَرْبَعِينَ يَوْمًا ... » إِلَى آخِره قَالَ: إِنَّه لَا يَصح؛ لِأَن أصبغ بن زيد وَكثير بن مرّة رَاوِيه عَن ابْن عمر مَجْهُولَانِ وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ فأصبغ قد رَوَى عَن جمَاعَة (وَعنهُ جمَاعَة) وَقد علمت حَاله، وَكثير بن مرّة رَوَى عَن جمَاعَة، وَأرْسل عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعنهُ جمَاعَة وَوَثَّقَهُ ابْن سعد وَالنَّاس، وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة. الحَدِيث الثَّامِن عشر «إِن السّعر غلا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، سعر لنا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الله هُوَ المسعر الْقَابِض الباسط، وَإِنِّي لأرجو أَن ألْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أحد مِنْكُم يطلبني بمظلمة بِدَم وَلَا مَال» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن السّعر غلا ... » الحَدِيث، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» : إِسْنَاده عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ عَن أنس «غلا السّعر عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، غلا السّعر فسعر لنا سعرًا. فَقَالَ: إِن الله هُوَ الْخَالِق الْقَابِض الباسط الرازق، وَإِنِّي لأرجو أَن لَا ألْقَى الله بمظلمة (طلبَهَا أحد) مِنْكُم فِي أهل وَلَا مَال» . ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رجلا جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، سعر. فَقَالَ: بل أَدْعُو، ثمَّ جَاءَهُ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، سعر. فَقَالَ: بل الله يخْفض وَيرْفَع، وَإِنِّي لأرجو أَن ألْقَى الله وَلَيْسَ لأحد عِنْدِي مظْلمَة» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «جَاءَ رجل فَقَالَ: سعر. فَقَالَ: إِن الله يخْفض وَيرْفَع، وَلَكِنِّي أَرْجُو أَن ألْقَى الله وَلَيْسَ لأحد عِنْدِي مظْلمَة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «غلا السّعر عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: لَو قومت، يَا رَسُول الله. قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن أفارقكم وَلَا يطلبني أحد مِنْكُم بمظلمة ظلمته» رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيد، وَله طَرِيق آخر من حَدِيث عَلّي - كرم الله وَجهه - قَالَ: «غلا السّعر بِالْمَدِينَةِ فَذهب أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، غلا السّعر فسعر لنا. فَقَالَ: إِن الله هُوَ الْمُعْطِي وَهُوَ الْمَانِع، وَإِن لله ملكا اسْمه عمَارَة عَلَى فرس من حِجَارَة الْيَاقُوت، طوله مد بَصَره يَدُور فِي الْأَمْصَار، وَيقف فِي الْأَسْوَاق يُنَادي: أَلا ليغلو كَذَا وَكَذَا، أَلا ليرخص كَذَا وَكَذَا» . وَهَذِه الطَّرِيقَة (ضَعِيفَة) وَذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ بَين وَجهه، ثمَّ رَوَاهُ بِنَحْوِهِ من حَدِيث أنس من طرق أَرْبَعَة إِلَيْهِ (وضعفها كلهَا) . الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يبع حَاضر لباد» . هَذَا صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، (عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ وَزَاد: «دعوا النَّاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 يرْزق الله) بَعضهم من بعض» قَالَ مُسلم: غير أَن رِوَايَة يَحْيَى «يُرزق» يَعْنِي بِضَم الْيَاء وَالْأُخْرَى بِالْفَتْح، وَأعله ابْن الْقطَّان بعنعنة أبي الزبير. الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مثله. هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه، واتفقا أَيْضا عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أنس وَابْن عَبَّاس وَانْفَرَدَ بِهِ البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر، وَمُسلم من حَدِيث جَابر كَمَا سلف. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي بعض الرِّوَايَات فِي آخر الْخَبَر: «دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض» . هَذَا صَحِيح وَقد سلف من حَدِيث جَابر عَن صَحِيح مُسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تلقوا الركْبَان للْبيع» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تتلقوا الركْبَان للْبيع» ثمَّ قَالَ: وَسمعت فِي هَذَا الحَدِيث: «فَمن تلقاها فَصَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ بعد أَن يقدم السُّوق» وَله طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يتَلَقَّى الركْبَان للْبيع» أخرجه مُسلم كَذَلِك وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتَلَقَّى الجلب» وَأخرجه البُخَارِيّ بِلَفْظ: «لَا تتلقوا الركْبَان» وبلفظ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن التلقي» . ثَانِيهَا: عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تتلقوا السّلع حَتَّى يهْبط بهَا الْأَسْوَاق» أخرجه البُخَارِيّ كَذَلِك وَمُسلم بِلَفْظ: «نهَى أَن تتلقى السّلع حَتَّى تبلغ الْأَسْوَاق» . ثَالِثهَا: عَن ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ «نهَى عَن تلقي الْبيُوع» أَخْرجَاهُ أَيْضا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 رَابِعهَا: عَن ابْن عَبَّاس «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتَلَقَّى الركْبَان» أَخْرجَاهُ أَيْضا، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه قَالَ: «فَمن تلقاها فَصَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ بعد أَن يقدم السُّوق» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة ذكرهَا الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» كَمَا أسلفته لَك، وَرَوَاهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تلقوا الجلب، فَمن [تَلقاهُ] فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذا أَتَى سَيّده السُّوق فَهُوَ بِالْخِيَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «نهَى عَن تلقي الجلب، فَإِن تَلقاهُ متلق فَاشْتَرَاهُ فَصَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ إِذا ورد السُّوق» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «نهَى أَن يتَلَقَّى الجلب، فَإِن تَلقاهُ إِنْسَان فابتاعه فَصَاحب السّلْعَة فِيهَا بِالْخِيَارِ إِذا ورد السُّوق» ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ مُسلم، وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن هَذِه الزِّيَادَة الْوَارِدَة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا: «فَإِن صَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ إِذا دخل الْمصر مَا بَينه وَبَين نصف النَّهَار» فَقَالَ: لَيْسَ فِي متن الحَدِيث هَذِه الزِّيَادَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يسوم الرجل عَلَى سوم أَخِيه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك وَلمُسلم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن يستام الرجل عَلَى سوم أَخِيه» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر مَرْفُوعا مثله. هَذَا الحَدِيث أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من هَذَا الْوَجْه وهم بعض من حَدِيث طَوِيل وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي كتاب «الرسَالَة» : قد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «لايسوم أحدكُم عَلَى سوم أَخِيه» فَإِن كَانَ ثَابتا، وَلست أحفظه ثَابتا، فَهُوَ مثل «لَا يخْطب أحدكُم عَلَى خطْبَة أَخِيه، وَلَا يسوم عَلَى سومه» إِذا رَضِي البَائِع وَأذن بِأَن يُبَاع قبل البيع حَتَّى لَو بيع لزمَه، قَالَ: «وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَاعَ فِيمَن يزِيد» وَبيع من يزِيد سَوْمُ رجلٍ عَلَى سَوْمِ أَخِيه، وَلَكِن البَائِع لم يرْض السوْم الأول حَتَّى طلب الزِّيَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث السّوم قد ثَبت من أوجه سَاقهَا بأسانيده، وَفِي رِوَايَة ضَعِيفَة لِابْنِ أبي شيبَة من حَدِيث عَلّي «نهَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن السّوم قبل طُلُوع الشَّمْس» قَالَ الزّجاج: لِأَنَّهُ وَقت ذكر الله. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَادَى عَلَى قدح وحلس لبَعض أَصْحَابه، فَقَالَ رجل: هما عليَّ بدرهم. ثمَّ قَالَ آخر: هما عليَّ بِدِرْهَمَيْنِ. فَقَالَ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هما لَك بِدِرْهَمَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي «الرسَالَة» كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ آنِفا، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْأَخْضَر بن عجلَان، قَالَ: حَدَّثَني أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، عَن أنس بن مَالك «أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَشَكا إِلَيْهِ الْحَاجة، فَقَالَ لَهُ: مَا عنْدك شَيْء؟ فَأَتَاهُ بقدح وحلس، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من يَشْتَرِي هَذَا؟ فَقَالَ رجل: أَنا آخذهما بدرهم، قَالَ: من يزِيد عَلَى دِرْهَم؟ فَسكت الْقَوْم، فَقَالَ: من يزِيد عَلَى دِرْهَم؟ فَقَالَ رجل: أَنا آخذهما بِدِرْهَمَيْنِ. فَقَالَ: هما لَك. ثمَّ قَالَ: إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إِلَّا لأحد ثَلَاث: لذِي دم موجع أَو غرم مفظع، أَو فقر مدقع» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الزَّكَاة من «سنَنه» من هَذَا الْوَجْه عَن أنس «أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْأَله، قَالَ: أما فِي بَيْتك شَيْء؟ فَقَالَ: بلَى حلْس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وَقَعْب نشرب فِيهِ من المَاء. قَالَ: ائْتِنِي بهما. فَأَتَاهُ بهما [فَأَخذهُمَا] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَدِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 وَقَالَ: من يَشْتَرِي هذَيْن؟ قَالَ رجل: أَنا آخذهما بدرهم. قَالَ: من يزِيد عَلَى دِرْهَم؟ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، قَالَ رجل: آخذها بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاه» ثمَّ سَاق الْبَاقِي أبسط مِمَّا تقدم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع من هَذَا الْوَجْه مُخْتَصرا بِقصَّة البيع، وَكَذَا النَّسَائِيّ، نعم ذكره ابْن عبد الْبر فِي «كناه» وَلم ينْسبهُ، وَنقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لم يَصح حَدِيثه. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي أَبْوَاب التِّجَارَات من «سنَنه» مطولا بِنَحْوِ لفظ أبي دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث الْأَخْضَر بن عجلَان. قلت: هُوَ (من غَرَائِبه) ، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: لَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : وَأَبُو بكر [رَاوِيه] عَن أنس لم أجد أحدا ينْسبهُ، قلت: قد قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» إِنَّه عبد الله الْحَنَفِيّ، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعبد الله لَا أعرف أحدا نقل عَدَالَته وَهُوَ علّة الْخَبَر وَلذَلِك حسنه التِّرْمِذِيّ. وَتبع الذَّهَبِيّ ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي «الْمُغنِي» : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 إِنَّه تَابِعِيّ مَجْهُول. نعم ذكره ابْن عبد الْبر فِي «كناه» وَلم ينْسبهُ، وَنقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لم يَصح حَدِيثه. ثمَّ أعلّه ابْن الْقطَّان بِأَمْر آخر، فَقَالَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» من حَدِيث مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن الْأَخْضَر، عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، [عَن أنس بن مَالك] ، عَن رجل من الْأَنْصَار «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بَاعَ حلسًا وَقَدحًا فِيمَن يزِيد» ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: كَذَا قَالَ مُعْتَمر عَن الْأَخْضَر. قَالَ ابْن الْقطَّان: كَأَن أنسا لم يُشَاهد الْقِصَّة [و] لم يسمع مَا فِيهَا عَن رَسُول الله فَيكون مَا عَداهَا مُرْسل. فَائِدَة: الحِلَْس بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَإِسْكَان اللَّام وَفتحهَا. حَكَاهَا أَبُو عبيد قَالَ: وإحلاس الْبَيْت مَا يبسط فِيهِ تَحت الثِّيَاب، وَقد قيل: هُوَ المُرَاد من هَذَا الحَدِيث. قلت: وَقد قيل فِيهِ غير هَذَا كَمَا أوضحته فِي تخريجي أَحَادِيث «الْمُهَذّب» فَليُرَاجع مِنْهُ، والجوهري فسره بكساءٍ رَقِيق يكون تَحت برذعة الْبَعِير. قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: حَلَس بِفَتْح الْحَاء وَاللَّام. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يبع بَعْضكُم عَلَى بيع بعض» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 516 وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَبِيع الرجل عَلَى بيع أَخِيه، أَو يخْطب [عَلَى خطْبَة أَخِيه] » وَفِي رِوَايَة للنسائي: «لَا يَبِيع الرجل عَلَى بيع أَخِيه حَتَّى يبْتَاع أَو يذر» وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ: «إِلَّا الْغَنَائِم والمواريث» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَا يبع بَعْضكُم عَلَى بيع بعض، وَلَا تلقوا السّلع حَتَّى تهبط الْأَسْوَاق» وَأخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَبِيع الرجل عَلَى بيع أَخِيه» وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عقبَة بن عَامر. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن النجش» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه، زَاد مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : «والنجش أَن تعطيه بسلعته أَكثر من ثمنهَا، وَلَيْسَ فِي نَفسك اشتراؤها فيقتدي بك غَيْرك» وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 517 هُرَيْرَة أَيْضا بِلَفْظ: «لَا تناجشوا» وَأخرجه أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهم. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تُولَهُ وَالِدَة بِوَلَدِهَا» . هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب الْمُهَذّب أَيْضا وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : (إِنَّه يرْوَى، عَن أبي سعيد وَهُوَ غير مَعْرُوف قَالَ) : وَفِي ثُبُوته نظر. قلت: وظفرت لَهُ أَنا بطرق أُخْرَى أَحدهَا: من حَدِيث أبي بكر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تُولَهُ وَالِدَة عَلَى وَلَدهَا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي أَبْوَاب الْحَضَانَة فِي بَاب الْأُم تزوج فَتسقط حَقّهَا من حضَانَة الْوَلَد وينتقل إِلَى جدته، وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة وحاله مَعْلُومَة سلفت. ثَانِيهَا: من حَدِيث حجاج بن أَرْطَاة، عَن الزُّهْرِيّ، يرفعهُ «لَا تُولَهُ وَالِدَة عَن وَلَدهَا، وَلَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع، وَلَا حَائِل حَتَّى تستبرأ بِحَيْضَة» رَوَاهُ أَبُو) عبيد فِي غَرِيبه من حَدِيث حجاج بن أَرْطَاة، عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك مُرْسلا، وحجاج قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى. ثَالِثهَا: من حَدِيث عَطاء بن نقادة، نَا عُيَيْنَة بن عَاصِم بن سعد بن نقادة قَالَ: حَدَّثَني أبي، عَن أَبِيه، عَن نقادة مَرْفُوعا: «لَا توله ذَات ولد فِي وَلَدهَا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، والْحَدِيث فِيهِ طول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 518 اختصرت هَذَا مِنْهُ، وَعَطَاء هَذَا مَجْهُول، وَوَقع فِي أقضية ابْن الصّلاح وصف هَذَا الحَدِيث بالثبوت، فَقَالَ: فِي الحَدِيث الثَّابِت أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تُولَهُ وَالِدَة عَلَى وَلَدهَا» فَلَعَلَّهُ ظفر لَهُ بطرِيق صَحِيحَة، والوله: شدَّة الْحزن. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين عَن أبي أَيُّوب رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من فرق بَين وَالِدَة وَوَلدهَا فرق الله بَينه وَبَين أحبته يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه وباللفظ الْمَذْكُور، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قلت: وَفِي إِسْنَاده حييّ بن عبد الله الْمعَافِرِي وَلم يخرج لَهُ مُسلم، وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وَقَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَنَاكِير، نعم قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ إِذا رَوَى عَنهُ ثِقَة. قلت: قد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَنهُ عبد الله بن وهب، قَالَ ابْن الْقطَّان: ولهذه العلّة لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ. قلت: وَله متابع (مَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي عتبَة، نَا بَقِيَّة، نَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 519 خَالِد بن حميد، عَن الْعَلَاء بن كثير، عَن أبي أَيُّوب، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من فرق بَين الْوَلَد وَأمه فرق الله بَينه وَبَين أحبته يَوْم الْقِيَامَة» أَبُو عتبَة أَحْمد بن الْفرج مَحَله الصدْق كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم، وَتكلم فِيهِ غَيره، وَقد صرح بَقِيَّة بِالتَّحْدِيثِ، وخَالِد بن حميد وَثَّقَهُ ابْن حبَان والْعَلَاء صَدُوق لكنه لم يسمع من أبي أَيُّوب، فَيكون الحَدِيث مُنْقَطِعًا. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ:] : «لَا يفرق بَين الْأُم وَوَلدهَا. قيل: إِلَى مَتى؟ قَالَ: حَتَّى يبلغ الْغُلَام وتحيض الْجَارِيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن حسان، نَا سعيد بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: سَمِعت مَكْحُولًا يَقُول: نَا نَافِع بن مَحْمُود بن الرّبيع، عَن أَبِيه أَنه سمع عبَادَة بن الصَّامِت يَقُول: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يفرق بَين الْأُم وَوَلدهَا، فَقيل: يَا رَسُول الله، إِلَى مَتى؟ قَالَ: حَتَّى يبلغ الْغُلَام وتحيض الْجَارِيَة» ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عبد الله بن عَمْرو هَذَا هُوَ الواقعي - أَي بِالْعينِ الْمُهْملَة - قَالَ: وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث، رَمَاه عَلّي بن الْمَدِينِيّ بِالْكَذِبِ، وَلم يروه عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز غَيره. قلت: وَضَعفه أَيْضا عبد الْحق فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 520 «أَحْكَامه» بِعَبْد الله هَذَا، وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف الحَدِيث. وَخَالف الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه» بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيه النّظر الْمَذْكُور. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه فرق بَين جَارِيَة وَوَلدهَا فَنَهَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ورد البيع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مَيْمُون بن أبي شبيب عَن عَلّي فَذكره. ثمَّ قَالَ: مَيْمُون لم يدْرك عليًّا. وَذكر الْخطابِيّ أَن إِسْنَاده غير مُتَّصِل كَمَا ذكره أَبُو دَاوُد. وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ أولَى أَن يكون مَحْفُوظًا لِكَثْرَة شواهده. تَنْبِيه: ورد مثل ذَلِكَ فِي الْأَخَوَيْنِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الحكم، عَن مَيْمُون بن أبي (شبيب) عَن عَلّي قَالَ: «وهب لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غلامين أَخَوَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 521 فَبِعْت أَحدهمَا (فَقَالَ) لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا عَلّي، مَا فعل غلامك؟ فَأَخْبَرته، فَقَالَ: رده، رده» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب، وَفِيه نظر، فَإِن مَدَاره عَلَى الْحجَّاج هَذَا وَهُوَ ضَعِيف لَا جرم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : الْحجَّاج لَا يحْتَج بِهِ. قلت: وَلِأَنَّهُ مُرْسل فَإِن ميمونًا لم يدْرك عليًّا كَمَا سلف، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عَلّي قَالَ: «قُدم عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بسبي فَأمرنِي بِبيع أَخَوَيْنِ فبعتهما وَفرقت بَينهمَا، ثمَّ أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرته فَقَالَ: أدركهما فارتجعهما وبعهما جَمِيعًا وَلَا تفرق بَينهمَا» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث غَرِيب صَحِيح عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ) وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : إِنَّهَا أول مَا اعْتمد عَلَيْهَا فِي هَذَا الْبَاب، وَرُوَاته كلهم ثِقَات. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن الحكم، وَسَعِيد هَذَا لم يسمع من الحكم شَيْئا كَمَا قَالَه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا، وَرَوَاهُ أَحْمد مرّة عَن سعيد عَن رجل عَن الحكم. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث من هَذِه الطَّرِيق، أَي من طَرِيق الحكم، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَلّي فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ الحكم، عَن مَيْمُون، عَن عَلّي مَرْفُوعا، فَأَشَارَ أَبُو حَاتِم إِلَى خطأ هَذِه الرِّوَايَة. وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 522 الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن الحكم بن عتيبة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، وَسَعِيد لم يسمع من الحكم شَيْئا، وَقد أسلفنا هَذَا، وَرَوَاهُ الْخفاف، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن رجل، عَن الحكم بِهِ وَهَذَا أسلفناه أَيْضا وَرَوَاهُ جماعات عَن الحكم [عَن] مَيْمُون بن [أبي] شبيب عَن عَلّي، قَالَ: وَلَا يمْتَنع أَن يكون الحكم سَمعه مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَرَوَاهُ مرّة عَن هَذَا وَمرَّة عَن هَذَا، وَرَوَاهُ ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم مُرْسلا، عَن عَلّي. ثمَّ سَاقه، وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم، عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن مَيْمُون، عَن سُلَيْمَان بن (عبيد الله) عَن عبيد الله بن عَمْرو، عَن زيد بن أبي أنيسَة، عَن الحكم، وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَسليمَان صدقه أَبُو حَاتِم، وَقَالَ عبد الْحق: وَقد رُوِيَ عَن عَلّي أَيْضا بِإِسْنَاد آخر وَلَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن الحكم، وَلم يسمع من الحكم، وَهَذَا قد أسلفناه غير مرّة من طَرِيق مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن الحكم وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، وَقد رُوِيَ عَن شُعْبَة، عَن الحكم قَالَ: وَالْمَحْفُوظ حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن الحكم، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن (عَلّي) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 523 الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع المجر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ يتفرد بِهِ مُوسَى بن عُبَيْدَة. قَالَ يَحْيَى بن معِين: فَأنْكر عَلَى مُوسَى هَذَا، وَكَانَ من أَسبَاب تَضْعِيفه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «سَمعه ينْهَى عَن (بيع) المجر» فَعَاد الحَدِيث إِلَى رِوَايَة نَافِع، وَكَأن ابْن إِسْحَاق أَدَّاهُ عَلَى الْمَعْنى. قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ إِلَّا من جِهَة فِيهَا ضعف. فَائِدَة: المجر بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْجِيم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن أبي عبيد، عَن أبي زيد: المجر أَن يُبَاع الْبَعِير أَو غَيره بِمَا فِي بطن النَّاقة. وَذكر الرَّافِعِيّ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَنه مَا فِي الرَّحِم، أَنه مَا فِي الرِّبَا، أَنه المحاقلة والمزابنة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : الْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة أَنه اشْتِرَاء مَا فِي بطن النَّاقة خَاصَّة. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع العربان. وَيُقَال لَهُ: العربون» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» قَالَ: أَخْبرنِي الثِّقَة، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 524 عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن بيع العربان» هَكَذَا هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» (عَن) يَحْيَى بن يَحْيَى وَأبي مُصعب الزُّهْرِيّ، وَمثل هَذَا لَا يحْتَج بِهِ أَصْحَابنَا وَلَا الْجُمْهُور، وَيُقَال: إِن الثِّقَة هَذَا هُوَ ابْن لَهِيعَة، حَكَاهُ ابْن عدي، وَقد رَوَاهُ ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عَمْرو بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا، عَن مَالك أَنه بلغه، عَن عَمْرو، وَهَذَا أَيْضا مُنْقَطع لَا يحْتَج بِهِ، قَالَ أَبُو عَمْرو: رَوَاهُ التنيسِي وَغَيره كَذَلِك، عَن مَالك. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا، عَن الْفضل بن يَعْقُوب وَهُوَ الرخامي الثِّقَة الْحَافِظ، عَن حبيب بن أبي حبيب كَاتب الإِمَام مَالك، عَن عبد الله بن عَامر الْأَسْلَمِيّ، (عَن عَمْرو بن شُعَيْب بِهِ، وحبِيب بن أبي حبيب هَذَا وَعبد الله بن عَامر الْأَسْلَمِيّ) ضعيفان بِاتِّفَاق الْمُحدثين، وَذكر الْبَيْهَقِيّ رِوَايَة مَالك السالفة الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَى مَالك هَذَا الحَدِيث فِي «الْمُوَطَّأ» فَلم يسم رَاوِيه الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ حبيب، عَن مَالك، عَن عبد الله بن عَامر، عَن عَمْرو بن شُعَيْب. وَقيل: إِنَّمَا رَوَاهُ مَالك، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عَمْرو قَالَه ابْن عدي، (قَالَ ابْن عدي) والْحَدِيث عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب مَشْهُور. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 525 الحَدِيث عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَمْرو بن شُعَيْب. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، عَن عَاصِم بن عبد الْعَزِيز، عَن الْحَارِث، عَن عَمْرو، قَالَ: وَعَاصِم هَذَا فِيهِ نظر، وحبِيب ضَعِيف، وَعبد الله بن عَامر وَابْن لَهِيعَة لَا يحْتَج بهما، وَالْأَصْل فِي هَذَا الحَدِيث مُرْسل مَالك. هَذَا آخر كَلَامه فِي «سنَنه» وَقَالَ فِي «مَعْرفَته» : بَلغنِي أَن مَالِكًا أَخذه عَن عبد الله بن عَامر، وَقيل: عَن ابْن لَهِيعَة، وَقيل: عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، قَالَ: وَفِي الْجَمِيع ضعف. قلت: قد قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: إِن مَالِكًا لم يكن يبلغ من الحَدِيث إِلَّا صَحِيحا، وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب (من رَوَى عَن مَالك) من حَدِيث الْهَيْثَم بن الْيَمَان، عَن مَالك، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عَمْرو بن شُعَيْب بِهِ. وَأما حَدِيث عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» أبنا الْأَسْلَمِيّ عَن زيد بن أسلم: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن العربان فِي البيع فأحلَّه، قلت لزيد: مَا العربان؟ قَالَ: هُوَ الرجل يَشْتَرِي السّلْعَة فَيَقُول: إِن أَخَذتهَا (بهَا) وَإِلَّا رَددتهَا ورددت مَعهَا درهما» فَفِي إِسْنَاده مَعَ الْأَسْلَمِيّ الْإِرْسَال. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ « (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع السنين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 526 رَضي اللهُ عَنهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد الصَّحِيح بِذكر «السنين» و «المعاومة» وَلَفظ «المعاومة» فِي التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة للنسائي: «نهَى عَن بيع الثَّمر سِنِين» وَهُوَ مُعْتَبر لسبع سِنِين. وَبيع المعاومة. قَالَ ابْن الْأَثِير: المعاومة بيع النّخل وَالشَّجر المثمر سنتَيْن أَو ثَلَاثًا. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع وَسلف» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» هَكَذَا بلاغًا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عتاب بن أسيد فَنَهَاهُ عَن شرطين فِي بيع وَعَن سلف وَبيع ... » الحَدِيث، وَقد سلف فِي الْبَاب مطولا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا مطولا وَضَعفه. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ثمن الْهِرَّة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 527 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث معقل بن عبيد الله، عَن أبي الزبير قَالَ: «سَأَلت جَابِرا عَن ثمن الْكَلْب والسنور، فَقَالَ: زجر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ذَلِكَ» وَرَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر أَيْضا قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ثمن الْكَلْب والسنور» قَالَ الْخطابِيّ: قد تكلم بعض الْعلمَاء فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَزعم أَنه غير ثَابت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث بيع السنور (لَا يثبت) رَفعه وَلم يروه عَن أبي الزبير غير حَمَّاد بن سَلمَة ورد عَلَيْهِمَا النَّوَوِيّ فَقَالَ: هَذَا غلط مِنْهُمَا فَالْحَدِيث فِي «صَحِيح مُسلم» بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ: وَقَول ابْن عبد الْبر إِنَّه لم يروه عَن أبي الزبير غير حَمَّاد. غلط أَيْضا؛ فقد رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة معقل، عَن أبي الزبير، فهذان ثقتان روياه، عَن أبي الزبير وَهُوَ ثِقَة. قلت: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر مَرْفُوعا كَمَا سلف، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 528 مُسلم. قَالَ: وَتَابعه أَبُو الزبير، عَن جَابر وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم دون البُخَارِيّ (فَإِن البُخَارِيّ) لَا يحْتَج بِرِوَايَة أبي الزبير، وَلَا بِرِوَايَة أبي سُفْيَان، قَالَ: وَلَعَلَّ مُسلما إِنَّمَا لم يُخرجهُ فِي الصَّحِيح؛ لِأَن وَكِيع بن الْجراح رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش، قَالَ: قَالَ جَابر ... فَذكره، ثمَّ قَالَ: قَالَ الْأَعْمَش: أرَى أَبَا سُفْيَان ذكره، فالأعمش كَانَ يشك فِي وصل الحَدِيث فَصَارَت رِوَايَة أبي (سُفْيَان) بذلك ضَعِيفَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد حمله بعض أهل الْعلم عَلَى الهر إِذا توحش فَلم يقدر عَلَى تَسْلِيمه. قَالَ: وَمِنْهُم من زعم أَن ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام حِين كَانَ مَحْكُومًا بِنَجَاسَتِهِ، ثمَّ حِين صَار مَحْكُومًا بِطَهَارَة سؤره حل ثمنه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَيْسَ عَلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ دلَالَة بَيِّنَة. قلت: أجَاب بعض أَصْحَابنَا بِجَوَاب آخر وَهُوَ حمله عَلَى نهي التَّنْزِيه، وَالْمرَاد أَن يَبْقَى عَلَى الْعَادة يتَسَامَح النَّاس بِهِ ويتعاورنَّه فِي الْعَادة. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الْحبّ حَتَّى يفرك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يَحْيَى بن إِسْحَاق السالحيني وَحسن بن مُوسَى الأشيب، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد الطَّوِيل، عَن أنس بن مَالك «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 529 عَن أَن تبَاع الثَّمر حَتَّى يبين صَلَاحهَا تحمر أَو تصفر، وَعَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود، وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يفرك» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أنس «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الْحبّ حَتَّى يفرك» أبانُ بن أبي عَيَّاش وَلَا يحْتَج بِهِ. قَالَ: وَرُوِيَ عَن أبي شبيبة، عَن أنس وَلَيْسَ بِشَيْء. وَذكر مثل ذَلِكَ فِي «الْمعرفَة» . فَائِدَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : قَوْله: «حَتَّى يفرك» إِن كَانَ بخفض الرَّاء عَلَى إِضَافَة الإفراك إِلَى الْحبّ وَافق رِوَايَة من قَالَ: «حَتَّى يشْتَد» وَإِن كَانَ بِفَتْح الرَّاء وَضم الْيَاء عَلَى إِضَافَة الفرك إِلَى مَا لم يسم فَاعله خَالف ذَلِكَ وَاقْتَضَى تنقيته عَن السنبل حَتَّى يجوز بَيْعه. قَالَ: وَلم أر أحدا من محدثي زَمَاننَا ضبط ذَلِكَ، وَالْأَشْبَه الأول. وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة» إِنَّه الْأَشْبَه، فقد رَوَاهُ عَفَّان وَأَبُو الْوَلِيد وحبان بن هِلَال، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد، عَن أنس قَالَ: «نهَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد» وَهَذِه رِوَايَة حَسَنَة. وَكَذَا قَالَ فِي «خلافياته» : إِن الْأَشْبَه خفض الرَّاء. وَقَالَ الصَّيْمَرِيّ فِي «شرح الْكِفَايَة» : رُوِيَ بِكَسْر الرَّاء ونصبها. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ «رُوِيَ النَّهْي عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 530 رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود، وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك وَكَذَا ابْن مَاجَه بِزِيَادَة: «نهَى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى تزهو» فِي أول الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة. قلت: وَهُوَ أحد الْأَعْلَام صَدُوق من فرسَان مُسلم، وَمِمَّنْ علق عَنهُ البُخَارِيّ، قَالَ ابْن معِين: إِذا رَأَيْت من يَقع فِيهِ فاتهمه عَلَى الْإِسْلَام. لَا جرم أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «نهَى عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود، وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد، وَعَن بيع الثَّمر حَتَّى يحمر ويصفر» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر «الْحبّ حَتَّى يشْتَد وَالْعِنَب حَتَّى يسود» فِي هَذَا الحَدِيث مِمَّا تفرد بِهِ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد من بَين أَصْحَاب حميد. قَالَ: وَالصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب رِوَايَة أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر فِي النَّهْي عَن بيع النّخل حَتَّى يزهو، كَمَا سَاقه مُسلم، ثمَّ رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَلَى مَا ذكرنَا فِي لَفظه. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تنجو من العاهة» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 531 هَذَا الحَدِيث أخرجه مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بِهَذَا اللَّفْظ عَن عمْرَة مُرْسلا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» رَوَاهُ أَبُو الرِّجَال، عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَالَ: وَمن عَادَة مَالك أَن يُرْسل الْأَحَادِيث، قلت: وَأَبُو الرِّجَال هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن حَارِثَة، وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَله عشرَة إخْوَة، وَسَيَأْتِي فِي بَاب الْأَلْفَاظ الَّتِي تطلق فِي البيع إِن شَاءَ الله حَدِيث ابْن عمر فِي النَّهْي عَن بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا إِن شَاءَ الله. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وينبه لأمرين: أَحدهمَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ من المناهي بيع الْعينَة ... إِلَى آخِره، مُرَاده لَيْسَ من المناهي عندنَا، وَإِلَّا فقد ورد النَّهْي عَنْهَا من طرق وَقد عقد لَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (بَابا) وَذكره من حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ من وَجْهَيْن ضعيفين، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عمر، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر مَوْقُوفا أَنه كره ذَلِكَ. ثَانِيهمَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ من المناهي (بيع) دور مَكَّة بل هُوَ جَائِز، وَعَن مَالك وَأبي حنيفَة أَنه لَا يجوز. لنا اتِّفَاق الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ عَلَيْهِ. قلت: رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» «أَن عمر اشْتَرَى من صَفْوَان بن أُميَّة دَارا بِمَكَّة بأَرْبعَة آلَاف وَجعلهَا سجنًا» ذكره من طَرِيقين عَنهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 532 «وَأَن عبد الله بن الزبير اشْتَرَى حجرَة سَوْدَة» و «أَن حَكِيم بن حزَام بَاعَ دَار الندوة من مُعَاوِيَة بِمِائَة ألف، فَقَالَ عبد الله بن الزبير: يَا أَبَا خَالِد، بِعْت مأثرة قُرَيْش وكريمتها. فَقَالَ: هَيْهَات يَا ابْن أخي، ذهبت المكارم فَلَا مكرمَة الْيَوْم إِلَّا الْإِسْلَام، قَالَ: فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنَّهَا فِي سَبِيل الله يَعْنِي الدَّرَاهِم» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر المعاجم» لما قيل لَهُ: أبعت دَارك بِمِائَة ألف؟ قَالَ: وَالله (إِن) أَخَذتهَا فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا بزق خمر، واشهدوا (أَن ثمنهَا) فِي سَبِيل الله» وَفِي رِوَايَة لَهُ «بستين ألفا» وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أَن دورها لَا تبَاع فِيهَا لين، لَيْسَ هَذَا مَوضِع الْخَوْض فِيهَا وَمحله الخلافيات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 533 بَاب تَفْرِيق الصَّفْقَة ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر فِي بيع الْمُصراة برد الشَّاة و (بدل) اللَّبن الْهَالِك» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَسَيَأْتِي فِي بَابه إِن شَاءَ الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 534 بَاب خِيَار الْمجْلس وَالشّرط وَمَا يتَّصل بهما وَذكر فِيهِ رَحْمَة الله ثَمَانِيَة أَحَادِيث: الأول عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى صَاحبه بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مسلسل بالفقهاء فِي سَنَده، قَالَ ابْن الْمُبَارك: هُوَ أثبت من هَذِه الأساطين. رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا (بِهِ) سَوَاء. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من طرق فَفِي لفظ «إِذا تبَايع الرّجلَانِ فَكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَو يُخَيّر أَحدهمَا الآخر، فَإِن خير أَحدهمَا الآخر فتبايعا عَلَى ذَلِكَ فقد وَجب البيع [وَإِن تفَرقا] بعد أَن يتبايعا، وَلم يتْرك وَاحِد مِنْهُمَا البيع، فقد وَجب البيع» . وَفِي آخر: «البيِّعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا، أَو يَقُول أَحدهمَا للْآخر: اختر. وَرُبمَا قَالَ: أَو يكون بيع خِيَار» وَفِي آخر: «الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ فِي بيعهمَا مَا لم يَتَفَرَّقَا، أَو يكون البيع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 535 خيارًا. قَالَ نَافِع: وَكَانَ ابْن عمر إِذا اشْتَرَى شَيْئا يُعجبهُ فَارق صَاحبه» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «حَتَّى يَتَفَرَّقَا من مكانهما إِلَّا أَن يكون صَفْقَة خِيَار» رَوَاهَا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَا يحل لَهُ أَن يُفَارق صَاحبه خشيَة أَن يستقيله» . الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لن يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا يَجْزِي» بدل «لن يَجْزِي» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا يَجْزِي ولد والدًا ... » إِلَى آخِره، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أَو يَقُول أَحدهمَا للْآخر اختر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر كَمَا سلف. الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ: الأَصْل فِي خِيَار الشَّرْط الْإِجْمَاع، وَمَا رُوِيَ عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 536 ابْن عمر «أَن رجلا ذكر لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه يُخدع فِي الْبيُوع، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِذا بَايَعت فَقل: لَا خلابة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، وَفِي لفظ: «فَكَانَ إِذا بَايع يَقُول: لَا (خِيابة) » وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» ، وَالْحَاكِم من حَدِيث أنس بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث صَحِيح غَرِيب. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر أَن ذَلِكَ الرجل كَانَ حبَان بن منقذ، أَصَابَته آمة فِي رَأسه، فَكَانَ يخدع فِي البيع، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا بَايَعت فَقل: لَا خلابة. وَجعل لَهُ الْخِيَار ثَلَاثًا» قلت: هَذَا أحد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ، وَبِه جزم ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» ، وَورد كَذَلِك مُصَرحًا فِي بعض رِوَايَات هَذَا الحَدِيث، وَفِي بَعْضهَا أَنه وَالِده منقذ، وَجزم (بِهِ) عبد الْحق فِي «جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ» ، وَتردد فِي ذَلِكَ الْخَطِيب فِي «مبهماته» ، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي (تلقيحه) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْأَشْهر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 537 الْأَصَح الثَّانِي. كَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» وَلم يذكر غَيره، وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ، رَوَاهَا ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا» (وَلَفْظهمَا) «ثمَّ أَنْت فِي كل سلْعَة ابتعتها بِالْخِيَارِ ثَلَاث لَيَال، فَإِن رضيت فَأمْسك، وَإِن سخطت فارددها عَلَى صَاحبهَا» وَقد ذكرت طرق هَذَا الحَدِيث مستوفاة فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» بِزِيَادَة فَوَائِد فَرَاجعهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا من الْمُهِمَّات. وحَبَّان هَذَا بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة بِلَا خلاف، وَمن كسر حاءه فقد صحف، و «منقذ» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، و «الآمة» بتَشْديد الْمِيم وَالْمدّ، كَذَا قَيده الصغاني وصاحبا «الْمُحكم» و «الْمَشَارِق» ، وَمَعْنى «لَا خلابة» لَا خديعة أَي لَا يحل لَك خديعتي وَلَا تلزمني خديعتك. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة «وَجعل (لَهُ) ذَلِكَ ثَلَاثَة أَيَّام» . وَفِي رِوَايَة فَقل: «لَا خلابة وَلَك الْخِيَار ثَلَاثًا» ، وَهَذِه الرِّوَايَات كلهَا فِي كتب الْفِقْه، وَلَا تلقى فِي مشهورات كتب الحَدِيث سُوَى الرِّوَايَة المقتصرة عَلَى قَوْلهم «لَا خلابة» ثمَّ قَالَ بعد قَلِيل: وَأما (اللَّفْظَة) المروية فِي «الْوَجِيز» وَهِي قَوْله « (ولي) الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام» فَلَا تكَاد تُوجد فِي كتاب حَدِيث وَلَا فقه، نعم فِي «شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ» للموفق ابْن طَاهِر «قل: لَا خلابة، وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثًا» وهما متقاربان (فِي كتاب الْحَج وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثًا» وَالْمرَاد الْأَيَّام والليالي) ، وَكَذَا قَالَ فِي «تذنيبه» : أَن قَوْله: «وَلَك الْخِيَار ثَلَاثًا» لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 538 ذكر لَهُ فِي الرِّوَايَات، وَقَالَ فِي «الشَّرْح الصَّغِير» : لَا تكَاد تُوجد فِي كتب الحَدِيث، وَأَقُول: إِنَّمَا قَوْله: «وَلَك الْخِيَار ثَلَاثًا» فرواها الْحميدِي فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن منقذًا سفع فِي رَأسه فِي الْجَاهِلِيَّة مأمومة فخبلت لِسَانه، فَكَانَ إِذا بَايع يخدع فِي البيع، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بَايع وَقل: لَا خلابة، وَأَنت بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا. قَالَ ابْن عمر: فَسَمعته يُبَايع وَيَقُول: لَا خدابة لَا خدابة» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» شَاهدا لحَدِيث عقبَة بن عَامر «عُهْدَة الرَّقِيق أَربع لَيَال» وَفِي رِوَايَته «حبَان» بدل «منقذ» ، وَأَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل لَهُ الْخِيَار فِيمَا اشْتَرَى ثَلَاثًا. وَرَوَاهَا البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» وَصرح فِيهِ بتصريح ابْن إِسْحَاق بِالتَّحْدِيثِ، وَقَالَ: «منقذ» بدل «حبَان» وَلَفظه: «إِذا بِعْت فَقل: لَا خلابة، وَأَنت فِي كل سلْعَة ابتعتها بِالْخِيَارِ ثَلَاث لَيَال ... » الحَدِيث، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» بِدُونِ التحديث، وَقَالَ: «بِعْ وَقل: لَا خلابة» ثمَّ قَالَ: رُوَاته ثِقَات، وَأما الرِّوَايَة الأولَى فرواها الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة «أَنه كلم عمر بن الْخطاب فِي الْبيُوع، فَقَالَ: لَا أجد لكم شَيْئا أوسع مِمَّا جعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لحبان بن منقذ، إِنَّه كَانَ ضَرِير الْبَصَر فَجعل لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عُهْدَة ثَلَاثَة أَيَّام، إِن رَضِي أَخذ، وَإِن سخط (تَركه) » . وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ أَيْضا ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة. وَهُوَ ضَعِيف بإجماعهم. وَأما رِوَايَة «وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثًا» فَغَرِيبَة، قَالَ ابْن الصّلاح: (مُنكرَة) لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 539 أصل لَهَا. تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد ذَلِكَ: أما جَوَاز اشْتِرَاط الْخِيَار للْمُشْتَرِي فلحديث حبَان، وَأما للْبَائِع أَوْ لَهما فبالقياس عَلَيْهِ، وَمَا ذكره من أَن الحَدِيث ورد فِي حق المُشْتَرِي لَيْسَ كَذَلِك فاعلمه. تَنْبِيه (آخر) : من الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث أبان بن أبي عَيَّاش - الْمَتْرُوك - عَن أنس «أَن رجلا اشْتَرَى من رجل بَعِيرًا وَاشْترط الْخِيَار أَرْبَعَة أَيَّام، فَأبْطل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - البيع وَقَالَ: الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي المتخايرين: «لَا بيع بَينهمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف أول الْبَاب، وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من ابْتَاعَ بيعا فَوَجَبَ لَهُ فَهُوَ (فِيهِ) بِالْخِيَارِ (عَلَى صَاحبه مَا لم يُفَارِقهُ) إِن شَاءَ أخذو إِن شَاءَ ترك، فَإِن فَارقه فَلَا خِيَار (لَهُ) » قَالَ ابْن حبَان: والفراق هُنَا بالأبدان لَا بالْكلَام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 540 الحَدِيث السَّادِس عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن رجلا اشْتَرَى غُلَاما فِي زمن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَكَانَ عِنْده مَا شَاءَ الله، ثمَّ رده من عيب وجده» . (هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم) بن خَالِد الزنْجِي، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى أَن الْخراج بِالضَّمَانِ» قَالَ فِي «الْأُم» : وَأَحْسبهُ - بل لَا أَشك إِن شَاءَ الله - أَن مُسلما نَص الحَدِيث فَذكر «أَن رجلا ابْتَاعَ عبدا (فاستغله) ثمَّ ظهر مِنْهُ عَلَى عيب فَقَضَى لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - برده بِالْعَيْبِ. فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ: قد (استغله) . فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْخراج بِالضَّمَانِ» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» كَذَلِك رَوَاهُ مُسلم بن خَالِد كَمَا حَسبه الشَّافِعِي، وَذكر الْخَبَر (بِلَفْظِهِ) من رِوَايَة يَحْيَى بن يَحْيَى، عَن مُسلم بن خَالِد. قَالَ: وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد آخر عَن مُسلم بن خَالِد، وَقد وثق يَحْيَى بن معِين مُسلما. قلت: وَقد أخرجه الْحَاكِم من طَرِيقه، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَتَابعه عمر بن عَلّي الْمقدمِي - الثِّقَة - فَرَوَاهُ عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الْخراج بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث هِشَام. قَالَ: وَاسْتَغْرَبَهُ البُخَارِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 541 من حَدِيث عمر بن عَلّي، قلت: ترَاهُ مدلسًا؟ قَالَ: لَا. وَحَكَى التِّرْمِذِيّ أَنه ذكره لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فَكَأَنَّهُ أعجبه، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث مُسلم بن خَالِد مطولا. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مرّة من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، عَن مخلد بن خفاف، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة مطولا بالقصة كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي بعد هَذَا، وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن ابْن أبي ذِئْب، وَحَدِيث الشَّافِعِي أتم، وَرَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى طرق هَذَا الحَدِيث فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» فَبلغ عدَّة أوراق، فَرَاجعه مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات، قَالَ أَبُو عبيد: وَمَعْنى الحَدِيث أَن الرجل يَشْتَرِي الْمَمْلُوك فيستغله ثمَّ يجد بِهِ عَيْبا (كَانَ عِنْد البَائِع) فَيَقْتَضِي أَنه يرد العَبْد عَلَى البَائِع بِالْعَيْبِ وَيرجع بِالثّمن فَيَأْخذهُ وَيكون لَهُ الْغلَّة طيبَة وَهِي الْخراج، وَإِنَّمَا طابت لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنا للْعَبد، لَو مَاتَ مَاتَ فِي [مَال] المُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي يَده. وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ مَعْنَاهُ أَن مَا يخرج من الْمَبِيع من فَائِدَة وغلة فَهُوَ للْمُشْتَرِي فِي مُقَابلَة أَنه لَو تلف كَانَ من ضَمَانه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542 الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ منا من غَشنَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر فِي السُّوق عَلَى صبرَة طَعَام، فَأدْخل يَده فِيهَا، فنالت أَصَابِعه بللاً فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحب الطَّعَام؟ قَالَ: يَا رَسُول الله، أَصَابَته السَّمَاء. قَالَ: أَفلا جعلته فَوق الطَّعَام (حَتَّى) يرَاهُ النَّاس، من (غَشنَا) فَلَيْسَ (منا) » . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مرّ بِرَجُل يَبِيع طَعَاما فَسَأَلَهُ: كَيفَ تبيع؟ فَأخْبرهُ، فأُوحي إِلَيْهِ أَن أَدخل يدك فِيهِ، فَأدْخل يَده فِيهِ، فَإِذا هُوَ مبلول، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَيْسَ منّا من غش» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ «مرّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - برجلٍ يَبِيع طَعَاما فأعجبه، فَأدْخل يَده فِيهِ، فَإِذا هُوَ بطعامٍ مبلول، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ منا من غَشنَا» ثمَّ أخرجه من طرق، وَقَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة عَلَى شَرط مُسلم، قَالَ: وَإِنَّمَا أخرجه مُسلم من حَدِيث سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غَشنَا فَلَيْسَ منَّا» قَالَ: وَأما شرح الْحَال فَلم يخرجَاهُ. قلت: بلَى قد أخرجه كَمَا سقته لَك، وَذكره عبد الرَّزَّاق مُرْسلا، فَقَالَ: نَا مُحَمَّد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543 بن رَاشد قَالَ: سَمِعت مَكْحُولًا يَقُول: «مرّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِرَجُل يَبِيع طَعَاما قد خلط جيدًّا بقبيح، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا حملك عَلَى مَا صنعت؟ قَالَ: أردْت أَن ينْفق. فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ميز كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى حِدته، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ديننَا غش» وَله طرق أُخْرَى مِنْهَا: عَن ابْن عمر قَالَ: «مرّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِطَعَام قد حسنه صَاحبه فَأدْخل يَده فِيهِ، فَإِذا الطَّعَام رَدِيء، فَقَالَ: بِعْ هَذَا عَلَى حِدة وَهَذَا عَلَى حِدة، من غَشنَا فَلَيْسَ منا» رَوَاهُ أَحْمد، عَن خلف بن الْوَلِيد، ثَنَا أَبُو معشر، عَن نَافِع عَنهُ، وَأَبُو معشر هَذَا هُوَ السندي ضَعَّفُوهُ (و) رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» ، عَن مُحَمَّد بن الصَّلْت، ثَنَا أَبُو عقيل يَحْيَى بن المتَوَكل، أَخْبرنِي الْقَاسِم بن [عبيد الله] ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مرّ بِطَعَام بسوق الْمَدِينَة، فأعجبه حسنه، فَأدْخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَده فِي جَوْفه، فَأخْرج شَيْئا لَيْسَ بِالظَّاهِرِ فأفّف [لصَاحب] الطَّعَام، ثمَّ قَالَ: لَا غش بَين الْمُسلمين، من غَشنَا فَلَيْسَ منّا» وَالقَاسِم هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَمِنْهَا عَن أبي الْحَمْرَاء، قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مرَّ بجنبات رجل عِنْده طَعَام فِي وعَاء، فَأدْخل يَده فِيهِ، فَقَالَ: لَعَلَّك (غششته) ، من غشّنا فَلَيْسَ منّا» رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي دَاوُد عَنهُ، وَأَبُو دَاوُد هَالك واسْمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544 نفيع، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا، وَمِنْهَا عَن ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ مَرْفُوعا: «من غشّنا فَلَيْسَ منا، وَالْمَكْر والخديعة فِي النَّار» رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَمِنْهَا: عَن أبي بردة بن نيار، قَالَ: «انْطَلَقت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى بَقِيع الْمُصَلى، فَأدْخل يَده فِي طَعَام، ثمَّ أخرجهَا فَإِذا هُوَ مغشوش - أَو مُخْتَلف - فَقَالَ: لَيْسَ منّا من غشَّنا» رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث حجاج، نَا شريك، عَن عبد الله بن عِيسَى، عَن جَمِيع بن عُمَيْر، عَن خَاله أبي بردة. الحَدِيث الثَّامِن عَن عقبَة بن عَامر رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يحل لمن بَاعَ من أَخِيه بيعا يعلم فِيهِ عَيْبا إلاّ بَينه لَهُ» . هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مَوْقُوفا عَلَى عقبَة، فَقَالَ: وَقَالَ عقبَة بن عَامر «لَا يحل لامرئ يَبِيع سلْعَة يعلم أَن بهَا دَاء إِلَّا أخبر» وَرَوَاهُ مَرْفُوعا الْأَئِمَّة أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث [ابْن] شماسَة، عَن عقبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يحل لامرئ مُسلم أَن يغيب مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 545 بسلعته، عَن أَخِيه إِن علم [بهَا] تَركهَا» هَذَا لفظ أَحْمد، وَلَفظ ابْن مَاجَه «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يحل لمُسلم بَاعَ من أَخِيه بيعا وَفِيه عيب إلاّ بَينه [لَهُ] » وَلَفظ الْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، وَلَا يحل لمُسلم إِن بَاعَ من أَخِيه بيعا فِيهِ عيب إِلَّا بَينه لَهُ» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأقرهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَلَى تَصْحِيحه (هَذَا حَدِيث صَحِيح) وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد وَحده ابْن لَهِيعَة وَقد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، وَابْن شماسَة هُوَ عبد الرَّحْمَن انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ مُسلم وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَغَيره، وَفِي سَنَد الْحَاكِم مُحَمَّد بن سِنَان الْقَزاز، وَهُوَ شيخ شيخ الْحَاكِم، نسبه ابْن خرَاش وَأَبُو دَاوُد إِلَى الْكَذِب، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَقد تَابعه ابْن سيار الإِمَام الثِّقَة كَمَا هُوَ عِنْد ابْن مَاجَه، وَأما ابْن جرير الطَّبَرِيّ فَقَالَ: فِي إِسْنَاده نظر. قلت: وَله شَاهد من حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع، رَوَاهُ (أَحْمد و) الْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده، وَفِيه نظر، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَليُرَاجع مِنْهُ، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا وَهُوَ «أَن (ابْن) عمر رَضي اللهُ عَنهُ كَانَ إِذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 546 (ابْتَاعَ) شَيْئا وَأَرَادَ أَن يُوجب البيع قَامَ وَمَشى قَلِيلا» . وَهُوَ أثر صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَمَا سلف فِي آخر الحَدِيث الأول من أَحَادِيث الْبَاب، وَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَ نَافِع: «فَكَانَ ابْن عمر إِذا بَايع رجلا فَأَرَادَ أَن لَا يقيله قَامَ فَمَشى هنيهة ثمَّ رَجَعَ [إِلَيْهِ] » وَفِي رِوَايَة «للموطأ» «وَكَانَ ابْن عمر إِذا ابْتَاعَ بيعا وَهُوَ قَاعد قَامَ ليجب لَهُ» وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ: «كَانَ إِذا ابْتَاعَ الشَّيْء يُعجبهُ أَن يجب لَهُ، فَارق صَاحبه فَمَشى قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 547 بَاب الْمُصراة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث سَبْعَة أَحَادِيث: الحَدِيث الأول عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تصرّوا الْإِبِل وَالْغنم للْبيع، فَمن ابتاعها بعد ذَلِكَ فَهُوَ بِخَير النظرين من بعد أَن يحلبها إِن رضيها أمْسكهَا، وَإِن سخطها ردهَا وصاعًا من تمر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث مَالك عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن مَالك بِهِ، وَلَفظه كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ سَوَاء إِلَّا أَنه لم يقل «من» ، وَقَالَ: «بعد أَن يحلبها» : بإسقاطها، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» كَذَلِك إلاّ أَنه لم يذكر فِيهِ «للْبيع» وَلَا «فَمن ابتاعها» ، بل قَالَ «فَإِن ابتاعها» بدله، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد (بِهِ) ، وَقَالَ فِيهِ: «فَمن ابتاعها» وَلَفظ البُخَارِيّ «وَمن ابتاعها» وَلم يقل «بعد ذَلِكَ» وَلم يذكر فِيهِ «الْإِبِل» بل قَالَ: «وَلَا تصروا الْغنم» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث اللَّيْث، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 548 الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تصروا الْإِبِل وَالْغنم، فَمن ابتاعها بعد فَإِنَّهُ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها، إِن شَاءَ أمسك وَإِن شَاءَ ردهَا وصاعَ تمر» وَقَالَ البُخَارِيّ: وَيذكر عَن أبي صَالح، وَمُجاهد، والوليد بن رَبَاح ومُوسَى بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «صَاع تمر» وقَالَ بَعضهم: عَن ابْن سِيرِين: «صَاعا من (طَعَام وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا» وَقَالَ بَعضهم: عَن ابْن سِيرِين: «صَاعا من) تمر» وَلم يذكر «ثَلَاثًا» وَالتَّمْر أَكثر. وَفِي رِوَايَة (لَهُ «من اشْتَرَى) غنما مصراة فاحتلبها فَإِن رضيها أمْسكهَا، وَإِن سخطها فَفِي حلبتها صَاع من تمر» وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ مِنْهَا: «من اشْتَرَى شَاة مصراة فلينقلب بهَا فليحلبها، فَإِن رَضِي بهَا أمْسكهَا، وَإِلَّا ردهَا وَمَعَهَا صَاع من تمر» وَمِنْهَا: «من ابْتَاعَ شَاة مصراة فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، إِن شَاءَ أمْسكهَا، وَإِن شَاءَ ردهَا ورد مَعهَا صَاعا من تمر» وَمِنْهَا: «من اشْتَرَى شَاة مصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا رد مَعهَا صَاعا من طَعَام، لَا سمراء» قَالَ التِّرْمِذِيّ: (مَعْنَى) «لَا سمراء» : لَا (بُرّ) . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 549 «بعد أَن يحلبها ثَلَاثًا» قلت: هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة، هَكَذَا لم أرها فِي كتاب حَدِيث، وَتبع فِي إيرادها الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» ، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك من طَرِيق الشَّافِعِي، وَقَالَ: إِنَّه صحت الرِّوَايَة بِهِ. وَالْإِمَام تبع القَاضِي (حُسَيْنًا) فَإِنَّهُ ادَّعَى ذَلِكَ، وَقَالَ ابْن دَاوُد شَارِح «الْمُخْتَصر» إِنَّه جَاءَ ذَلِكَ فِي بعض الْأَخْبَار كَمَا قلت، وَكَأَنَّهَا مركبة من الْمَعْنى، وَيجب تقديرها: فَهُوَ بِخَير النظرين ثَلَاثًا بعد أَن يحلبها. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَا تُصَرّوا» هُوَ بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَتَشْديد ثالثه عَلَى مِثَال لَا تزكوا، وَالْإِبِل مَنْصُوب، هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي ضبط هَذِه اللَّفْظَة، وَمِنْهُم من يرويهِ بِفَتْح أَوله وَضم ثَانِيه من صر يصر إِذا ربط، والمصراة هِيَ الَّتِي يرْبط أخلافها فيجتمع اللَّبن، وَالْإِبِل عَلَى هَذَا مَنْصُوب أَيْضا، وَأما مَا حَكَاهُ بَعضهم من ضم أَوله وَفتح ثَانِيه وَضم لَام الْإِبِل عَلَى مَا لم يسم فَاعله فَلَا يَصح مَعَ اتِّصَال ضمير الْفَاعِل، وَإِنَّمَا يَصح مَعَ إِفْرَاد الْفِعْل، وَلَا تعرف رِوَايَة حذف فِيهَا هَذَا الضَّمِير. الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اشْتَرَى (شَاة) مصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا رد مَعهَا صَاعا من تمر لَا سمراء» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 550 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم كَمَا سلف بِلَفْظِهِ قَرِيبا. الحَدِيث الثَّالِث عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من (ابْتَاعَ) محفلة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا رد مَعهَا مثل أَو مثلي لَبنهَا قمحًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك وَابْن مَاجَه، وَقَالَ: «من بَاعَ» بدل «من ابْتَاعَ» وَقَالَ: «مثل» فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِسْنَاده متماسك بِسَبَب جَمِيع بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، فَإِنَّهُ من الْمُخْتَلف فيهم، كَمَا أوضحته فِي تخريجي أَحَادِيث «الْمُهَذّب» و «الْوَسِيط» ، وَالتِّرْمِذِيّ حسن لَهُ، وَأعله الْبَيْهَقِيّ بتفرده، فَقَالَ: تفرد بِهِ وَفِيه نظر، يَعْنِي فِي توثيقه. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : هَذِه الرِّوَايَة غير قَوِيَّة، وَأعله عبد الْحق بِصَدقَة بن سعيد الْحَنَفِيّ الرَّاوِي عَن جَمِيع، فَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. قلت: قد وثق أَيْضا كَمَا ذكرته فِي الْكِتَابَيْنِ الْمشَار إِلَيْهِمَا وَذكرت فيهمَا أَيْضا أَن قَوْله: «مثل أَو مثلي» شكّ من الرَّاوِي فِيمَا يظْهر فَرَاجعه ترشد وَالله الْمُوفق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 551 الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث حبَان بن منقذ، هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي الْبَاب قبله فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث كثير بن زيد، عَن الْوَلِيد بن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، وَكثير هَذَا هُوَ مولَى الأسلميين، وَفِيه مقَال. قَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق فِيهِ لين. وَاخْتلف قَول يَحْيَى بن معِين فِيهِ فضعفّه مرّة وَوَثَّقَهُ أُخْرَى، وَضَعفه النَّسَائِيّ، وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَأخرج لَهُ فِي «صَحِيحه» كَمَا ستعلمه فِي كتاب الصُّلْح، وتحامل عَلَيْهِ ابْن حزم فوهاه، وخلط بَينه وَبَين غَيره فجلعهما وَاحِدًا كَمَا ستعلمه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله، وَقَالَ عبد الْحق: هُوَ ضَعِيف عِنْدهم وَإِن كَانَ قد رَوَى عَنهُ جلة. والوليد بن رَبَاح ادَّعَى ابْن حزم جهالته وَتَبعهُ عبد الْحق فَقَالَ: لَا أعلم رَوَى عَن الْوَلِيد إِلَّا كثير بن زيد وَلَيْسَ كَمَا قَالَا، فقد رَوَى عَنهُ ابناه مُحَمَّد وَمُسلم. وَقَالَ أَبُو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 552 حَاتِم فِي حَقه: صَالح. وَرَوَى عَن أبي هُرَيْرَة وَسَهل بن حنيف وَغَيرهمَا. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: حسن لما بِكَثِير بن زيد من الضعْف وَلَو كَانَ صَدُوقًا. قلت: قد أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث مدنيون وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث أنس وَعَائِشَة فذكرهما وسيأتيان. ثَانِيهَا: عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا بِهِ وَزِيَادَة «إِلَّا شرطا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَفِي نسخةٍ تَصْحِيحه وستعلم مَا فِيهِ فِي كتاب الصُّلْح إِن شَاءَ الله. ثَالِثهَا: عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم مَا وَافق الْحق من ذَلِكَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث خصيف، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن أنس مَرْفُوعا بِهِ (و) رَوَاهُ الْحَاكِم شَاهدا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف، وخصيف مُخْتَلف فِيهِ كَمَا سلف فِي الْحَج، وَقَالَ ابْن عدي: إِذا حدث عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بِهِ. قلت: قد حدث عَنهُ بِهَذَا الحَدِيث مُتَّهم وَهُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن البالسي، لَا جرم قَالَ ابْن الْقطَّان: خصيف ضَعِيف، والراوي عَنهُ هُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن يروي عَنهُ أَحَادِيث هِيَ كذب مَوْضُوعَة. قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 553 رَابِعهَا: عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها مَرْفُوعا: مثل (الحَدِيث) الَّذِي قبله سَوَاء، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث خصيف، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَكَذَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» شَاهدا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف. قلت: وَرُوِيَ مُرْسلا من طَرِيق عمر بن عبد الْعَزِيز، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن يَحْيَى بن أبي زَائِدَة، عَن عبد الْملك، عَن عَطاء بلغنَا أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم» . وَرَوَاهُ ابْن حزم من طَرِيق عبد الْملك بن حبيب الأندلسي، حَدَّثَني الْحزَامِي، عَن مُحَمَّد بن عمر، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم» وَعبد الْملك هَذَا هَالك، قَالَ ابْن حزم: رِوَايَته سَاقِطَة مطرحة. وَهُوَ عَالم مُصَنف (الْوَاضِحَة) عَلَى مَذْهَب مَالك، وَلكنه كَانَ كثير الْوَهم وَرُبمَا تعمد الْكَذِب (لنصر) التَّقْلِيد، وَفِيه مَعَه مُحَمَّد بن عمر وَهُوَ الْوَاقِدِيّ، وحاله مَعْلُوم وَعبد الرَّحْمَن شَيْخه، قَالَ البُخَارِيّ: رَوَى عَنهُ عجائب. فَهَذِهِ ثَلَاث علل مَعَ الْإِرْسَال، وَأَقْوَى طرقه المسندة عَلَى علاته الطَّرِيق الأول ثمَّ الثَّانِي، وَالْبَاقِي شَوَاهِد. الحَدِيث السَّادِس «أَن مخلد بن خفاف ابْتَاعَ غُلَاما فاستغله، ثمَّ أصَاب بِهِ عَيْبا، فَقَضَى لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز برده وغلته، فَأخْبرهُ عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 554 (قَضَى فِي مثل هَذَا أَن الْخراج بِالضَّمَانِ، فَرد عمر قَضَاءَهُ، وَقَضَى لمخلد بالخراج» . هَذَا الحَدِيث ذكره الْمُزنِيّ فِي «الْمُخْتَصر» فِي أَوَائِل بَاب الْخراج بِالضَّمَانِ فَقَالَ: أَخْبرنِي من لَا أتهم، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن مخلد بن خفاف - أَي بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء - «أَنه ابْتَاعَ غُلَاما. .» فَذكره كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَقَالَ فِي آخِره: «وَقَضَى لمخلد برد الْخراج - أَي غَلَّته» قَالَ الشَّافِعِي: فَبِهَذَا آخذ. وَهَذِه الرِّوَايَة ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، وَزَاد فِيهَا: من لَا أتهم من أهل الْمَدِينَة، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن مخلد بن خفاف، قَالَ: «ابتعت غُلَاما ... » فَذكره بِنَحْوِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ (وَبِمَعْنَاهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن ابْن أبي ذِئْب، وَحَدِيث الشَّافِعِي أتم. وَمن لَا يتهمه الشَّافِعِي فِي هَذَا الْخَبَر قيل: إِنَّه إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَقد أسلفنا فِي الْبَاب الْمَاضِي أَن (أَحْمد و) أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» (رَوَوْهُ) وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان، وَأما ابْن حزم قَالَ: إِنَّه لَا يَصح، وَأَن مخلد بن خفاف وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي انفردا بِهِ. وَلَيْسَ كَمَا ذكر؛ فقد رَوَاهُ أَيْضا عمر بن عَلّي الْمقدمِي كَمَا سلف هُنَاكَ. فَائِدَة [2] : مخلد بن خفاف هَذَا غفاري، يُقَال: إِن لَهُ ولأبيه وجده صُحْبَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 555 الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أقَال أَخَاهُ الْمُسلم صَفْقَة كرهها أقاله الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من أقَال مُسلما أقاله الله عثرته» زَاد ابْن مَاجَه: «يَوْم الْقِيَامَة» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَلَفْظِ أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ بِأَلْفَاظ هَذَا أَحدهَا. وَثَانِيها: «من أقَال نَادِما أقاله الله» . ثَالِثهَا: «من أقَال نَادِما أقاله الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة» . رَابِعهَا: «من أقَال مُسلما عثرته أقاله الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة» . خَامِسهَا: «من أقَال نَادِما أقاله الله نَفسه يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط [الشَّيْخَيْنِ] ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر الاقتراح: إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه صَحِيح. وَأخرجه أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث إِسْحَاق الْفَروِي عَن مَالك، عَن سمي، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أقَال نَادِما بيعَته أقاله الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 556 وَقَالَ: مَا رَوَاهُ عَن مَالك إِلَّا إِسْحَاق الْفَروِي، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث يَحْيَى بن معِين عَن حَفْص بن غياث، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من أقَال مُسلما عثرته أقاله الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: مَا رَوَى عَن الْأَعْمَش إِلَّا حَفْص بن غياث وَمَالك بن (سعير) ، وَمَا رَوَى عَن حَفْص إِلَّا يَحْيَى بن معِين وَلَا عَن مَالك بن (سعير) إِلَّا زِيَاد بن يَحْيَى الحساني، قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر مَعْلُول. رَوَاهُ الْحَاكِم فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» من حَدِيث معمر، عَن مُحَمَّد بن وَاسع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أقَال نَادِما أقاله الله نَفسه يَوْم الْقِيَامَة» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا إِسْنَاد من نظر إِلَيْهِ من غير أهل الصَّنْعَة لم يشك فِي صِحَّته وَسَنَده، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن معمرًا هُوَ ابْن (رَاشد) الصَّنْعَانِيّ ثِقَة مَأْمُون، وَلم يسمع من مُحَمَّد بن وَاسع وَمُحَمّد بن وَاسع، ثِقَة مَأْمُون، وَلم يسمع من أبي صَالح، قَالَ: وَله علَّة يطول شرحها، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا وَهُوَ: «أَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ بَاعَ عبدا من زيد بن ثَابت، بثمانمائة دِرْهَم بِشَرْط الْبَرَاءَة، فَأصَاب زيد بِهِ عَيْبا، فَأَرَادَ رده عَلَى ابْن عمر فَلم يقبله، وترافعا إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ عُثْمَان لِابْنِ عمر: أتحلف أَنَّك لم تعلم بِهَذَا الْعَيْب. فَقَالَ: لَا. فَرده عَلَيْهِ، فَبَاعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 557 ابْن عمر بِأَلف دِرْهَم» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سَالم بن عبد الله «أَن عبد الله بن عمر بَاعَ غُلَاما لَهُ بثمانمائة دِرْهَم. وَبَاعه بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام دَاء لم تسمه (لي) فاختصما إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان، فَقَالَ الرجل: بَاعَنِي عبدا وَبِه دَاء لم يسمه لي. فَقَالَ عبد الله بن عمر: بِعته بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَان بن عَفَّان عَلَى عبد الله بن عمر بِالْيَمِينِ أَن يحلف لَهُ لقد بَاعه الْغُلَام وَمَا بِهِ دَاء يُعلمهُ. فَأَبَى عبد الله أَن يحلف وارتجع العَبْد [فصح عِنْده] فَبَاعَهُ عبد الله بن عمر بعد ذَلِكَ بِأَلف وَخَمْسمِائة دِرْهَم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا أصح مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب، وَرُوِيَ قبل ذَلِكَ عَن زيد بن ثَابت، وَابْن عمر «أَنَّهُمَا كَانَا يريان الْبَرَاءَة من كل عيب جَائِزا» وَضَعفه وَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي سِيَاقَة هَذِه الْقِصَّة أَن المُشْتَرِي زيد بن ثَابت قلدا فِيهِ صاحبا الشَّامِل وَالْحَاوِي، وَلم أره فِي غَيرهمَا، وَفِيهِمَا «أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول بعد بَيْعه الْغُلَام بِأَلف وَخَمْسمِائة دِرْهَم: تركت الْيَمين لله فعوضني الله عَنْهَا» وَفِي تَعْلِيق القَاضِي (أبي الطّيب) أَنه لما اسْترْجع الْغُلَام زَالَ مَا بِهِ من الْعَيْب عِنْده وَبَاعه بِأَلف وَأَرْبَعمِائَة دِرْهَم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 558 بَاب الْقَبْض وَأَحْكَامه ذكر فِيهِ رَحْمَة الله تَعَالَى تِسْعَة أَحَادِيث: الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهما «حَتَّى يقبضهُ» ، وَفِي رِوَايَة لَهما «قَالَ ابْن عمر: وَكُنَّا نشتري الطَّعَام من الركْبَان جزَافا فنهانا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نبيعه حَتَّى ننقله من مَكَانَهُ» وَفِي رِوَايَة لَهما: «كُنَّا فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نبتاع الطَّعَام فيبعث علينا من يَأْمُرنَا بانتقاله من الْمَكَان الَّذِي ابتعناه فِيهِ إِلَى مَكَان سواهُ قبل أَن نبيعه» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، أَن تبَاع السّلع (بِحَيْثُ) تبْتَاع حَتَّى يحوزها التُّجَّار إِلَى رحالهم» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «من اشْتَرَى طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 559 قَالَ: وَنَهَى أَن يَبِيعهُ حَتَّى يحوله من مَكَانَهُ أَو يَنْقُلهُ» . الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «أما الَّذِي نهَى عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَهُوَ الطَّعَام أَن يُبَاع حَتَّى يُسْتَوْفَى. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَا أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أما الَّذِي نهَى عَنهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَهُوَ الطَّعَام أَن يُبَاع قبل أَن يقبض. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَا أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله» وَرَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ: «من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يقبضهُ. قَالَ ابْن عَبَّاس: وأحسب كل شَيْء بِمَنْزِلَة الطَّعَام» وَفِي لفظ: «وَأَحْسبهُ كل شَيْء مثله» وَفِي لفظ: «حَتَّى يَسْتَوْفِيه» وَفِي لفظ: «حَتَّى يكتاله» قَالَ طَاوس: فَقلت لِابْنِ عَبَّاس: لم؟ فَقَالَ: أَلا تراهم يتبايعون بِالذَّهَب وَالطَّعَام مرجأ» وَفِي البُخَارِيّ قَالَ: «قلت لِابْنِ عَبَّاس: كَيفَ ذَلِكَ؟ [قَالَ: ذَلِكَ] دَرَاهِم بِدَرَاهِم وَالطَّعَام مرجأ وَقَالَ: مرجئون: [مؤخرون] » وَهَذَا تَفْسِير لقَوْله: «مرجأ» قَالَ الْخطابِيّ: يتَكَلَّم بِهِ مهموزًا وَغير مَهْمُوز. قَالَ: وَذَلِكَ مثل أَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 560 يَشْتَرِي مِنْهُ طَعَاما بِدِينَار إِلَى أجل فيبيعه قبل أَن يقبضهُ مِنْهُ بدينارين، وَهُوَ غير جَائِز. تَنْبِيه: حَدِيث حَكِيم السَّابِق فِي أول البيع «لَا تبيعن شَيْئا حَتَّى تقبضه» يدل عَلَى أَن اشْتِرَاط الْقَبْض فِي البيع لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالطَّعَامِ كَمَا حَسبه ابْن عَبَّاس أَيْضا فتفطن لَهُ. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع مَا لم يقبض وَربح مَا لم يضمن» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الحَدِيث الثَّامِن فِي بَاب الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا بِلَفْظ «وَلَا ربح مَا لم يضمن وَلَا بيع مَا لَيْسَ عنْدك» وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَا يحل بيع مَا لَيْسَ عنْدك، وَلَا ربح مَا لم تضمن» . الحَدِيث الرَّابِع رُوي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما بعث عتاب بن أسيد إِلَى أهل مَكَّة قَالَ لَهُ: انههم عَن بيع مَا لم يقبضوا وَربح مَا لم يضمنوا» . هَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي «الْوَجِيز» ، وَلم يعزه الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» ، وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَطاء، عَن صَفْوَان بن يعْلى، عَن أَبِيه، قَالَ: «اسْتعْمل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عتاب بن أسيد عَلَى مَكَّة، فَقَالَ: إِنِّي قد أَمرتك عَلَى أهل الله - عَزَّ وجَلَّ - بتقوى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 561 الله، وَلَا يَأْكُل أحد مِنْكُم من ربح مَا لم يضمن، وانههم عَن سلف وَبيع، وَعَن الصفقتين فِي البيع الْوَاحِد، وَأَن ييبع أحدهم مَا لَيْسَ عِنْده» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن صَالح، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعتاب بن أسيد: «إِنِّي قد بَعَثْتُك إِلَى أهل الله وَأهل مَكَّة، فانههم عَن بيع مَا لم يقبضوا، أَو ربح مَا لم يضمنوا، وَعَن بيع وقرض، وَعَن شرطين فِي بيع، وَعَن بيع وَسلف» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ يَحْيَى بن صَالح الْأَيْلِي وَهُوَ مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث لَيْث عَن عَطاء، عَن عتاب بن أسيد، قَالَ: «لما بَعثه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى مَكَّة نَهَاهُ عَن (شف) مَا لم يضمن» . والشف بِالْكَسْرِ: الرِّبْح. قَالَه الْجَوْهَرِي، وَابْن الْأَثِير. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أسلف فِي شَيْء فَلَا يصرفهُ إِلَى غَيره» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث زِيَاد بن خَيْثَمَة، عَن سعد - يَعْنِي - الطَّائِي، عَن عَطِيَّة بن سعد، عَن أبي سعيد مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، وعطية هَذَا هُوَ الْعَوْفِيّ وَقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 562 ضَعَّفُوهُ، وَإِن كَانَ التِّرْمِذِيّ يحسن لَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يحْتَج بعطية، والاعتماد عَلَى حَدِيث النَّهْي عَن بيع الطَّعَام قبل أَن يُسْتَوْفَى. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يحْتَج أحد بِحَدِيث عَطِيَّة وَإِن كَانَ رَوَى عَنهُ الجلة. قلت: قَالَ ابْن معِين فِي حَقه: صَالح. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق فَقَالَ: أعله عبد الْحق بعطية، وَلم يبين أَن دونه سَعْدا الطَّائِي أَبَا الْمُجَاهِد، وَلَا يعرف حَاله، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة. قلت: هُوَ من رجال البُخَارِيّ ووثق أَيْضا، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من (طَرِيقين) عَن أبي سعيد إِحْدَاهمَا: مثل رِوَايَة أبي دَاوُد وَلَفظه فِيهَا: «إِذا (أسلمت) فِي شَيْء فَلَا تصرفه إِلَى غَيره» . ثَانِيهَا: بِإِسْقَاط سعد الطَّائِي. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من الطَّرِيق الأول بِلَفْظ «من أسلم فِي شَيْء فَلَا يصرفهُ فِي غَيره» (وَفِي لفظ لَهُ: «وَلَا يصرفهُ فِي غَيره» ) ، وَفِي لفظ لَهُ «فَلَا يَأْخُذ إلاّ مَا أسلم فِيهِ أَو رَأس مَاله» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عبد السَّلَام، عَن أبي خَالِد وَالْحجاج عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد، قَالَ عبد السَّلَام: وَهُوَ عِنْدِي عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَكِنِّي أقصرته إِلَى أبي سعيد قَالَ: إِذا [أسلفت] فَلَا تبعه حَتَّى تستوفيه» وَهَذِه مُتَابعَة لسعد الطَّائِي الَّذِي فِي «سنَن أبي دَاوُد» و «ابْن مَاجَه» فَإِنَّهُ لم ينْفَرد بِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 563 وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي سعيد هَذَا، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَطِيَّة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله. قلت: فَهَذِهِ ثَلَاث علل: الضعْف، و (الِاضْطِرَاب) ، وَالْوَقْف. الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «كنت أبيَع الْإِبِل بِالبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ وآخذ مَكَانهَا الْوَرق، وأبيع بالورق وآخذ مَكَانهَا الدَّنَانِير، فَأتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلته عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ بِالْقيمَةِ» وَفِي رِوَايَة: «لَا بَأْس إِذا تفرقتما وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ (فِي سنَنه) من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عمر قَالَ: «كنت أبيع الْإِبِل بِالبَقِيعِ فأبيع بِالدَّنَانِيرِ وآخذ الدَّرَاهِم، وأبيع بِالدَّرَاهِمِ وآخذ الدَّنَانِير، أَخذ هَذِه من هَذِه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 564 وَأعْطِي هَذِه من هَذِه، فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي بَيت حَفْصَة، فَقلت: يَا رَسُول الله، رويدك أَسأَلك إِنِّي أبيع الْإِبِل بِالبَقِيعِ، فأبيع بِالدَّنَانِيرِ وآخذ الدَّرَاهِم، وأبيع بِالدَّرَاهِمِ وآخذ الدَّنَانِير، آخذ هَذِه من هَذِه، وَأعْطِي هَذِه من هَذِه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا بَأْس أَن تأخذها بِسعْر يَوْمهَا مَا لم تفترقا وبينكما شَيْء» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ أَحْمد: «لَا بَأْس بِهِ بِالْقيمَةِ» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «لَا يفارقنك وَبَيْنك وَبَينه بيع» وَفِي آخر لَهُ كَلَفْظِ أبي دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «إِذا اشْتريت وَاحِدًا مِنْهُمَا بِالْآخرِ فَلَا يفارقك صَاحبك (وَبَيْنك) وَبَينه لبس» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ كَلَفْظِ أَحْمد الأول، وَلَفظ ابْن مَاجَه «إِذا أخذت أَحدهَا وَأعْطيت الآخر فَلَا يفارقك صَاحبك وَبَيْنك وَبَينه لبس» ، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «لَا بَأْس أَن تَأْخُذ بِسعْر يَوْمهَا مَا لم تتفرقا وبينكما شَيْء» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «مَا لم يفرق بَيْنكُمَا شَيْء» ، وَلَفظ ابْن حبَان: «لَا بَأْس أَن تأخذها بِسعْر (يومهما فافترقهَا) وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء» ، وَلَفظ الْحَاكِم كَلَفْظِ أبي دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «تَأْخُذ» بدل (تأخذهما) ، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ أبي دَاوُد وَسَاقه من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سماك، ثمَّ قَالَ: وَبِهَذَا الْمَعْنى رَوَاهُ إِسْرَائِيل عَن سماك، ثمَّ سَاقه من حَدِيث عمار بن زُرَيْق عَن سماك وَلَفظه: «إِذا بَايَعت الرجل بِالذَّهَب وَالْفِضَّة فَلَا تُفَارِقهُ وبينكما لبس» . قَالَ: وبقريب من مَعْنَاهُ رَوَى فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، عَن إِسْرَائِيل، عَن سماك، وَعَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك، والْحَدِيث يتفرد بِرَفْعِهِ سماك بن حَرْب، عَن سعيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 565 بن جُبَير من بَين أَصْحَاب ابْن عمر. وسَاق فِي «الْمعرفَة» حَدِيث إِسْرَائِيل بِلَفْظ: «إِذا (كَانَ) أَحدهمَا بِالْآخرِ فَلَا يفترقا - أَو قَالَ: لَا يفارقك - وَبَيْنك وَبَينه بيع» ثمَّ سَاق عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، قَالَ: «كُنَّا عِنْد شُعْبَة فَجَاءَهُ خَالِد بن طليق وَأَبُو الرّبيع السَّمان وَكَانَ خَالِد الَّذِي سَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بسطَام حَدِّثْنا حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عمر فِي اقْتِضَاء الْوَرق من الذَّهَب وَالذَّهَب من الْوَرق. فَقَالَ: شُعْبَة، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ، ونا قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ، (وثنا دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ) ، ونا يَحْيَى بن أبي إِسْحَاق، عَن سَالم، عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ، وَرَفعه لنا سماك بن حَرْب، وَأَنا أفرقه. قلت: لما علمه من سوء حفظه، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ وَغَيره لم يرفعهُ غير سماك، وعلق الشَّافِعِي - فِي [رِوَايَة] حَرْمَلَة - القَوْل بِهِ عَلَى صِحَّته، وَأما الْحَاكِم فَقَالَ فِي «مُسْتَدْركه» : إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَكَأَنَّهُ بناه عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح فِي تَقْدِيم الرّفْع عَلَى الْوَقْف. فَائِدَة: البقيع الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة مدفن أهل الْمَدِينَة، وَقد ورد مُصَرحًا بِهِ فِي «الْمعرفَة» للبيهقي «كنت أبيع الْإِبِل ببقيع الْغَرْقَد ... » الحَدِيث، وَأما ابْن باطيش فَقَالَ فِي كِتَابه «الْمُغنِي» : لم أجد أحدا ضَبطه فِي هَذَا الحَدِيث، وَالظَّاهِر أَنه بالنُّون فَإِنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 566 أشبه بِالبَقِيعِ الَّذِي هُوَ مدفن. وَكَأَنَّهُ لم يقف عَلَى رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ لَا جرم، اعْترض النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي «تهذيبه» فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قَالَ بل هُوَ البقيع بِالْبَاء وَهُوَ المدفن، وَلم يكن ذَلِكَ الْوَقْت كثرت فِيهِ الْقُبُور، قَالَ: وَأما قَول ابْن معن فِي كِتَابه «أَلْفَاظ الْمُهَذّب» أَنه بِالْبَاء، وَقيل: بالنُّون، فَالظَّاهِر أَن حكايته النُّون عَن ابْن باطيش. (الحَدِيث) السَّابِع رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الكالئ بالكالئ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق، عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَحدهَا؛ من طَرِيق عبد الله بن دِينَار (عَنهُ قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الكالئ بالكالئ، وَهُوَ بيع الدَّين بِالدّينِ» رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق قَالَ: ثَنَا الْأَسْلَمِيّ، ثَنَا عبد الله بن دِينَار) عَن ابْن عمر ... . فَذكره، والأسلمي هَذَا إِن كَانَ ابْن أبي يَحْيَى فالجمهور عَلَى تَضْعِيفه، وَإِن كَانَ الْوَاقِدِيّ فَكَذَلِك. ثَانِيهَا: من طَرِيق نَافِع عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الكالئ بالكالئ» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع بِهِ، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قلت: وَعبد الْعَزِيز من رجال الصَّحِيحَيْنِ لكنه مَعْرُوف بِسوء الْحِفْظ كَمَا قَالَه أَبُو زرْعَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 567 ثَالِثهَا: من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة أَيْضا، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ، (و) رَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث ذُؤَيْب بن عِمَامَة السَّهْمِي - وَقد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَلم يهدر - نَا حَمْزَة بن عبد الْوَاحِد، عَن مُوسَى بن عقبَة (بِهِ) وَهَذَا الَّذِي ذكرَاهُ من كَون الْوَاقِع فِي هذَيْن الإسنادين هُوَ مُوسَى بن عقبَة وهم، وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي الواهي، قَالَ أَحْمد: لَا تحل عِنْدِي الرِّوَايَة عَنهُ وَلَا أعرف هَذَا الحَدِيث عَن غَيره. قلت: وَمن هَذَا يتَبَيَّن وهم الْحَاكِم فِي حكمه عَلَى هَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ عَلَى شَرط مُسلم حَيْثُ ظن أَن رَاوِيه مُوسَى بن عقبَة وَقد سَعَى فِي ذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ حَيْثُ قَالَ فِي «سنَنه» بَعْدَمَا رَوَاهُ من رِوَايَة مُوسَى غير مَنْسُوب عَن نَافِع كَمَا سلف. (مُوسَى) هَذَا هُوَ ابْن عُبَيْدَة الربذي، قَالَ: وَشَيخنَا أَبُو عبد الله - يَعْنِي - الْحَاكِم قَالَ فِي رِوَايَته عَن مُوسَى بن عقبَة وَهُوَ خطأ. قَالَ: وَالْعجب من أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ شيخ عصره، رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب «السّنَن» عَن أبي الْحسن عَلّي بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ، فَقَالَ: عَن مُوسَى بن عقبَة، وَشَيخنَا أَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان، رَوَاهُ لنا عَن أبي الْحسن الْمصْرِيّ فِي الْجُزْء الثَّالِث من «سنَن الْمصْرِيّ» ، فَقَالَ: عَن مُوسَى غير مَنْسُوب، ثمَّ رَوَاهُ الْمصْرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عبد الْعَزِيز الربذي عَن نَافِع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 568 عَن ابْن عمر مَرْفُوعا ... فَذكره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَبُو عبد الْعَزِيز الربذي هُوَ مُوسَى بن عُبَيْدَة. قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو أَحْمد بن عدي من رِوَايَة عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة ... فَذكره بِمثلِهِ. قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا مَعْرُوف بمُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن نَافِع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رَوَاهُ عبيد الله بن مُوسَى، وَزيد بن الْحباب وَغَيرهمَا، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر. رَوَاهُ أَيْضا من طَرِيق آخر، عَن حَمْزَة بن عبد الْوَاحِد، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم ينْسب شَيخنَا أَبُو الْحُسَيْن، عَن أبي الْحسن الْمصْرِيّ. فَقَالَ: عَن (مُوسَى - وَهُوَ ابْن عُبَيْدَة بِلَا شكّ - قَالَ: وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي الْحسن الْمصْرِيّ فَقَالَ عَن) مُوسَى بن عقبَة، وَرَوَاهُ شَيخنَا أَبُو عبد الله - يَعْنِي - الْحَاكِم بِإِسْنَاد آخر عَن مقدم بن دَاوُد الرعيني، فَقَالَ: عَن مُوسَى بن عقبَة وَهُوَ وهم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: والْحَدِيث الْمَشْهُور بمُوسَى بن عُبَيْدَة مرّة عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَمرَّة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر. قلت: وَقد قَالَ إمامنا الشَّافِعِي فِي حق هَذَا الحَدِيث: أهل (الحَدِيث) يوهنوه. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ فِي هَذَا حَدِيث يَصح إِنَّمَا إِجْمَاع النَّاس عَلَى أَنه لَا يجوز بيع دين بدين. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَا يثبت. فَائِدَة: الكالئ مَهْمُوز، قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد يَقُول: النَّهْي عَن بيع الكالئ بالكالئ هُوَ بيع النَّسِيئَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 569 بِالنَّسِيئَةِ. قلت: وَكَذَا نَقله الْبَيْهَقِيّ وَغَيره عَن أبي عبيد عَن شَيْخه أبي عُبَيْدَة، وَكَذَا رَأَيْته فِي غَرِيبه عَنهُ. وَكَذَا هُوَ فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ نقلا عَن أهل اللُّغَة ذكره فِي آخر حَدِيث حَمْزَة بن عبد الْوَاحِد السالف وَهَذَا لَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن بيع الكالئ بالكالئ» وَقَالَ اللغويون: هُوَ النَّسِيئَة بِالنَّسِيئَةِ. وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع أَنه قَالَ: هُوَ بيع الدَّين بِالدّينِ ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن كالئ بكالئ الدَّين بِالدّينِ» وَأوردهُ الشَّافِعِي فِي بَاب الْخلاف فِيمَا يجب بِهِ البيع بِلَفْظ «نهَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الدَّين بِالدّينِ» . الحَدِيث الثَّامِن عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كُنَّا نشتري الطَّعَام من الركْبَان جزَافا فنهانا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نبيعه حَتَّى ننقله من مَكَانَهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه أول الْبَاب. الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ مُرْسلا وَمُسْندًا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان: صَاع البَائِع وَصَاع المُشْتَرِي» . هُوَ كَمَا قَالَ، أما الْمسند فَمن طَرِيق جَابر رَضي اللهُ عَنهُ وَغَيره أخرجه ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده ابْن أبي لَيْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 570 وَقد سَاءَ حفظه بآخرة لاشتغاله بِالْقضَاءِ كقيس بن الرّبيع، وَحَفْص بن غياث، وَشريك النَّخعِيّ، وَفِيه أَيْضا أَبُو الزبير عَن جَابر وَيحْتَاج إِلَى دعامة، وَلم يُصَرح (بِالتَّحْدِيثِ) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان فَيكون للْبَائِع الزِّيَادَة وَعَلِيهِ النُّقْصَان» . وَأما الْمُرْسل فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الْحسن فَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْحسن عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «نهَى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان فَيكون لَهُ زِيَادَته وَعَلِيهِ نقصانه» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الْحَاكِم أبي عبد الله، عَن أبي الْوَلِيد، نَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، نَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأحمسي، نَا وَكِيع، عَن الرّبيع بن صبيح عَن الْحسن. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ ذَلِكَ مَوْصُولا من أوجه (إِذا) ضم بَعْضهَا إِلَى بعض قوي مَعَ مَا ثَبت عَن ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس يُشِير إِلَى حَدِيثهمَا السَّابِق أول الْبَاب، وَفِي البُخَارِيّ بِغَيْر إِسْنَاد قَول النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «يَا عُثْمَان، إِذا ابتعت فاكتل وَإِذا بِعْت فكِل» وأسنده أَحْمد وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا مُوسَى بن وردان، قَالَ: سَمِعت سعيد بن الْمسيب يَقُول: «سَمِعت عُثْمَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 571 يخْطب عَلَى الْمِنْبَر، وَهُوَ يَقُول: كنت أبتاع التَّمْر من بطن من الْيَهُود يُقَال لَهُم (بَنو) قينقاع وأبيعه بِرِبْح، فَبلغ ذَلِكَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا عُثْمَان، إِذا اشْتريت فاكتل، وَإِذا بِعْت فكِل» وَابْن لَهِيعَة قد علمت مَا فِيهِ غير مرّة، وَرَوَاهُ جمَاعَة من الْكِبَار عَنهُ كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن (عبد الله) بن أبي فَرْوَة، عَن سعيد كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَأما مُوسَى بن وردان فَثِقَة، وَإِن نقل الذَّهَبِيّ عَن ابْن معِين تَضْعِيفه فقد قَالَ فِي رِوَايَة عَبَّاس عَنهُ: كَانَ يقص بِمصْر وَهُوَ صَالح. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِمَعْنَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى [عَن عُثْمَان] إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. قلت: بل لَهُ إِسْنَاد آخر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي صَالح كَاتب اللَّيْث، حَدَّثَني يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن الْمُغيرَة، عَن منقذ مولَى سراقَة، عَن عُثْمَان أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعُثْمَان: «إِذا ابتعت فاكتل وَإِذا بِعْت فكِل» وَأَبُو صَالح مُتَكَلم فِيهِ، وَيَحْيَى هُوَ الغافقي يغرب، و (عبيد الله) بن الْمُغيرَة (وَثَّقَهُ) أَبُو حَاتِم، ومنقذ ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 572 وَقَالَ عبد الْحق: منقذ لَيْسَ بِمَشْهُور وَقَبله من لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرُوِيَ من وَجه آخر مُرْسلا عَن عُثْمَان فَذكره. وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن حمير، قَالَ: حَدَّثَني الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: حَدَّثَني ثَابت بن ثَوْبَان، قَالَ: حَدَّثَني مَكْحُول عَن أبي قَتَادَة، قَالَ: كَانَ عُثْمَان يَشْتَرِي الطَّعَام ويبيعه قبل أَن يقبضهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا ابتعت فاكتل وَإِذا بِعْت فَكل» . فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 573 بَاب الْأُصُول وَالثِّمَار ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ خَمْسَة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من بَاعَ نَخْلَة بعد أَن تؤبر فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا بِهِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن سُفْيَان وَهُوَ ابْن عُيَيْنَة بالسند الْمَذْكُور، وَمن رِوَايَة مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «من بَاعَ نخلا قد أبرت فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَقد أخرج مُسلم الراوية الأولَى عَن يَحْيَى بن يَحْيَى وَغَيره عَن سُفْيَان، وَأخرج لَهُ الشَّيْخَانِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة من حَدِيث مَالك وَهُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا الحَدِيث ثَابت عندنَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَبِه نَأْخُذ. فَائِدَة: «أبرت» قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ الزبيدِيّ: وبالتشديد أَيْضا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 574 تَنْبِيه: قَوْله: «بعد أَن تؤبر» هَكَذَا صَوَابه، وَوَقع فِي بعض نسخ (الرَّافِعِيّ) بدل «بعد» «قبل» وَهُوَ من النَّاسِخ، وَكَذَا وَقع فِي الْمطلب عَن رِوَايَة الْمُخْتَصر لَكِن الَّذِي رَأَيْته فِيهِ بِلَفْظ «بعد» فَقَط وَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَة عَنهُ. الحَدِيث الثَّانِي «رُوِيَ أَن رجلا ابْتَاعَ نخلا من آخر وَاخْتلفَا، فَقَالَ الْمُبْتَاع: أَنا أَبرته بعد مَا ابتعت (و) قَالَ البَائِع: أَنا أَبرته قبل البيع. فتحاكما إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَضَى بالثمرة لمن أبر (مِنْهُمَا) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» إِلَيْهِ: نَا سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج أَن عَطاء أخبرهُ «أَن رجلا بَاعَ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَائِطا مثمرًا وَلم يشْتَرط الْمُبْتَاع الثَّمر وَلم يسْتَثْن البَائِع الثَّمر وَلم يذكراه، فَلَمَّا ثَبت البيع اخْتلفَا فِي الثَّمر واحتكما فِيهِ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَضَى بالثمر الَّذِي لقح النّخل للْبَائِع» وَفِي «الدَّلَائِل» للأصيلي عَلَى مَا حَكَاهُ ابْن الطلاع عَنهُ عَن ابْن عمر «أَن رجلا اشْتَرَى نخلا قد أبرها فتخاصما إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الثَّمَرَة لصَاحِبهَا الَّذِي أبرها إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» . الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تنجو من العاهة» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي آخر الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 575 الحَدِيث الرَّابِع عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، نهَى البَائِع وَالْمُشْتَرِي» . وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «نهَى عَن بيع النّخل حَتَّى (تزهى) ، وَعَن السنبل حَتَّى يبيض ويأمن العاهة، نهَى البَائِع وَالْمُشْتَرِي» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (لَا تتبايعوا الثَّمَرَة) حَتَّى يَبْدُو (صَلَاحهَا) وَتذهب (عَنْهَا) الآفة. قَالَ: يَبْدُو صَلَاحه، حمرته وصفرته» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قيل لِابْنِ عمر: مَا صَلَاحه؟ قَالَ: تذْهب عاهته» . وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ حَتَّى تذْهب العاهة، قيل لِابْنِ عمر: مَتى ذَاك؟ قَالَ: طُلُوع الثريا» وَقد جَاءَ هَذَا الْخَبَر من غير طَرِيق ابْن عمر رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 576 وَأبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (لَا) تبتاعوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه» . فَائِدَة: مَعْنَى يَبْدُو: يظْهر وَهُوَ بِلَا همز، وَوَقع فِي كثير من كتب الْمُحدثين وَغَيرهم «حَتَّى يبدوا» هَكَذَا بِالْألف وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب حذفهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي إِثْبَاتهَا إِذا لم يكن ناصب مثل «زيد يبدوا» وَالِاخْتِيَار حذفهَا أَيْضا وَيَقَع مثله فِي حَتَّى يزهوا، وَصَوَابه حذف الْألف كَمَا ذكرنَا. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَرَأَيْت إِذا منع الله الثَّمَرَة فَبِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهى، قيل: وَمَا تزهى؟ قَالَ: تحمر. قَالَ: أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة بِمَ يَأْخُذ أحدكُم مَال أَخِيه» وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ «نهَى أَن تبَاع ثَمَرَة النّخل حَتَّى تزهو - يَعْنِي حَتَّى تحمر» وَفِي رِوَايَة لَهُ «نهَى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا أَو عَن النّخل حَتَّى تزهو. قيل: وَمَا تزهو؟ قَالَ: تحمار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 577 وتصفار» وَفِي رِوَايَة لَهُ «نهَى عَن بيع الثَّمر حَتَّى يزهو، فَقُلْنَا لأنس: مَا هُوَ زهوها؟ قَالَ: تحمر وَتَصْفَر، أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة بِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه» . وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: «نهَى عَن بيع ثَمَر النّخل حَتَّى يزهو فَقيل لأنس: مَا زهوها؟ قَالَ: تحمر وَتَصْفَر أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة بِمَ تستحل مَال أَخِيك؟» . ثَانِيهَا: «نهَى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى تزهى، قَالُوا: وَمَا تزهى؟ قَالَ: تحمر. قَالَ: إِذا منع الله الثَّمَرَة بِمَ تستحل مَال أَخِيك؟» . ثَالِثهَا: «إِن لم يثمرها الله فَبِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه؟» . (وَاعْلَم) إِن الْحفاظ اخْتلفُوا فِي قَوْله: «أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة ... » إِلَى آخِره، هَل هُوَ من قَول أنس، أَو مَرْفُوع كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ (وسُفْيَان الثَّوْريّ وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر إِلَى الأول) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث يرويهِ مَالك بن أنس والدراوردي مُسْندًا كُله وَإِبْرَاهِيم بن أبي حَمْزَة وَيَحْيَى بن سُلَيْمَان وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَبشر بن الْمفضل وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَمعمر بن سُلَيْمَان، وهشيم، وَعبيدَة بن معتب وسُفْيَان بن حبيب وَيَحْيَى بن أَيُّوب ومروان بن مُعَاوِيَة وَيزِيد بن هَارُون جعلُوا آخر الحَدِيث من قَول أنس وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 578 الْحَاكِم فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» : هَذِه الزِّيَادَة فِي هَذَا الحَدِيث «أَرَأَيْت ... » إِلَى آخِره عَجِيبَة فَإِن مَالِكًا ينْفَرد بهَا لم يذكرهَا غَيره فِيمَا علمت فِي هَذَا الْخَبَر وَقد قَالَ بعض أَئِمَّتنَا إِنَّهَا من قَول أنس، فَسمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول: رَأَيْت مَالك بن أنس فِي النّوم (شَيخا أسمرَ طوَالًا) ، فَقلت أحدثكُم حميد الطَّوِيل عَن أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة ... » الحَدِيث قَالَ: نعم. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن ذَلِكَ [فَقَالَا] : رَفعه خطأ إِنَّمَا هُوَ من كَلَام أنس. قَالَ أَبُو زرْعَة: والدراوردي وَمَالك بن أنس يرويانه مَرْفُوعا وَالنَّاس يرونه مَوْقُوفا (من) كَلَام أنس. وَقَالَ الْخَطِيب فِي كِتَابه «الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل» : رَوَاهُ مَالك عَن حميد مَرْفُوعا بِكُل هَذِه الْأَلْفَاظ، وَوهم فِي ذَلِكَ لِأَن قَوْله «أَرَأَيْت ... » إِلَى آخِره من كَلَام أنس، بَين ذَلِكَ يزِيد بن هَارُون والدراوردي وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر كلهم عَن حميد فِي روايتهم هَذَا الحَدِيث عَن حميد و (فصلوا) كَلَام أنس من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرَوَاهُ الْأنْصَارِيّ وهشيم وَابْن الْمُبَارك وَعبيدَة عَن حميد فاقتصروا عَلَى الْمَرْفُوع (هُنَا) دون كَلَام أنس. قَالَ الْبَغَوِيّ: رَوَى هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 579 الحَدِيث جمَاعَة كلهم عَن حميد من قَول أنس، وَلَا نعلم أحدا رَفعه إِلَّا الدَّرَاورْدِي. قَالَ الْخَطِيب: قد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة الزبيري عَن الدَّرَاورْدِي مَوْقُوفا، وَإِبْرَاهِيم أتقن من مُحَمَّد بن عباد وَلَيْسَ يَصح أَن أحدا رَفعه سُوَى مَالك. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: جعل مَالك والدراوردي قَول أنس «أَرَأَيْت إِن منع الله» مَرْفُوعا، وأظن حميدا حدث بِهِ فِي الْحجاز كَذَلِك وَقَالَ عبد الْحق فِي «جمعه» : قَوْله: «أَرَأَيْت. .» إِلَى آخِره لَيْسَ بموصول عَنهُ فِي كل طَرِيق. قلت: فَتحصل أَن الْمُعظم عَلَى وَقفه عَلَيْهِ خلاف مَا وَقع فِي الْكتاب. الحَدِيث السَّادِس «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهى، فَقيل: يَا رَسُول الله، وَمَا تزهى؟ قَالَ: تحمر أَو تصفر» . هَذَا (الحَدِيث) أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس كَمَا سلف فِي الحَدِيث قبله. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك عَن حميد عَن أنس مَرْفُوعا بِمثل مَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء إِلَى قَوْله (تحمر) ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» عَنهُ، وَقَالَ: أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيح) من حَدِيث مَالك إِلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 580 أَنَّهُمَا لم يَقُولَا: «يَا رَسُول الله» بل قَالَا: «قيل: وَمَا تزهى أَو قيل لأنس: مَا زهوها» وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تبَاع الثَّمَرَة حَتَّى تشقح. قيل: وَمَا تشقح؟ قَالَ: تحمار وتصفار، ويؤكل مِنْهَا» . فَائِدَة: مَعْنَى تزهى: تصير زهوًا وَهُوَ ابْتِدَاء أرطابها وطيبها، يُقَال: زهت وأزهت، وَأنكر بَعضهم زهت. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا تقدم بَيَانه فِي آخر بَاب الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن المحاقلة والمزابنة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من طرق كَمَا ستعلمه عَلَى الإثر. الحَدِيث التَّاسِع عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن المحاقلة والمزابنة، والمحاقلة أَن يَبِيع الرجل الرجل الزَّرْع بِمِائَة فرق من الْحِنْطَة، والمزابنة أَن يَبِيع الثَّمر عَلَى رُءُوس النّخل بِمِائَة فرق من تمر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 581 قَالَ الرَّافِعِيّ: فَهَذَا التَّفْسِير إِن كَانَ من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذَاك، وَإِن كَانَ من الرَّاوِي فَهُوَ أعرف بتفسير مَا رَوَاهُ. هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» فَقَالَ: أبنا سُفْيَان، عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن جَابر ... فَذكره بالتفسير الْمَذْكُور سَوَاء، (ثمَّ) قَالَ: عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا المحاقلة؟ فَقَالَ: المحاقلة فِي (الْحَرْث) كَهَيئَةِ الْمُزَابَنَة فِي النّخل سَوَاء، بيع الزَّرْع بالقمح. وَقَالَ ابْن جريج: قلت لعطاء: أفسّر لكم جَابر المحاقلة كَمَا أَخْبَرتنِي؟ قَالَ: نعم. وَرَوَى الرَّبيع حَدِيث جَابر لكنه أبدل «الْمُزَابَنَة» «بالمخابرة» وَفِي آخِره: «وَالْمُخَابَرَة كِرَاء الأَرْض بِالثُّلثِ وَالرّبع» . وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث سُفْيَان بِنَحْوِهِ. وَرَوَى الرّبيع أَيْضا أبنا الشَّافِعِي، أبنا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الْمُزَابَنَة، والمزابنة بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَبيع الْكَرم بالزبيب كَيْلا» وخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك. وَرَوَى الرَّبيع عَن الشَّافِعِي، أبنا سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج «أَنه قَالَ لعطاء: وَمَا المحاقلة ... » فَذكره كَمَا تقدم من طَرِيق الْمُخْتَصر، ثمَّ قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: وَتَفْسِير المحاقلة والمزابنة فِي الْأَحَادِيث يحْتَمل أَن يكون عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَنْصُوصا، وَيحْتَمل أَن يكون عَن رِوَايَة من رَوَاهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 582 قلت: وَأخرج النَّهْي عَن المحاقلة والمزابنة غير من قدمنَا من الصَّحَابَة (جمَاعَة) مِنْهُم: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الْمُزَابَنَة والمحاقلة» . والمزابنة: اشْتِرَاء الثَّمر عَلَى رُءُوس النّخل، والمحاقلة: كِرَاء الأَرْض أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَمِنْهُم ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَخْرجَاهُ أَيْضا بِذكر الْمُزَابَنَة فَقَط. وَمِنْهُم ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ البُخَارِيّ بِذكر «المحاقلة والمزابنة» . وَمِنْهُم أنس أخرجه البُخَارِيّ بِذكر «المحاقلة» فَقَط. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث سعيد بن الْمسيب، وَأخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث رَافع بن خديج، وَسَيَأْتِي من حَدِيث سهل بن سعد أَيْضا. فَائِدَة: ذكر الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب أَن المحاقلة مَأْخُوذَة من الحقل وَهِي المساحة الَّتِي تزرع. كَذَا قَالَ: «المساحة» بِالْإِفْرَادِ، وَالصَّوَاب الساحات؛ لِأَن الحقل جمع حقلة (كَمَا) قَالَه الْجَوْهَرِي فَلَا يَصح تَفْسِيره (بالمفردة) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 583 الحَدِيث الْعَاشِر عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الْمُزَابَنَة وَهِي بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنه رخص فِي العريّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن جَابر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الْمُزَابَنَة، والمزابنة: بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنه أرخص فِي الْعَرَايَا، وَأَخْرَجَاهُ فِي «الصَّحِيح» من هَذَا الْوَجْه، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الشّرْب عَن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، سمع جَابر بن عبد الله «نهَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن المخابرة والمحاقلة وَعَن الْمُزَابَنَة، وَعَن بيع التَّمْر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه، وَأَن لَا يُبَاع إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم إِلَّا الْعَرَايَا» . وَرَوَاهُ مُسلم كَذَلِك أَيْضا. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن سهل بن أبي (حثْمَة) «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنه رخص فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا تَمرا يأكلها أَهلهَا رطبا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن يَحْيَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 584 بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل بِهِ سَوَاء (كَذَا) أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» سَوَاء، وَأخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من حَدِيث سُفْيَان، وَلَفظ مُسلم «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَة إِلَّا أَنه رخص فِي بيع الْعرية النَّخْلَة والنخلتين يَأْخُذهَا أهل الْبَيْت بِخرْصِهَا تَمرا يأكلونها رطبا» . وَفِي رِوَايَة (لَهُ) «ذَلِك الزَّبْنَ» مَكَان «ذَلِكَ الرِّبَا» وَلَفظ البُخَارِيّ «نهَى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ، وَرخّص فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا يأكلها أَهلهَا رطبا» . فَائِدَة: الثَّمر الْمَذْكُور أَولا بِالْمُثَلثَةِ وَالْمرَاد الرطب، وَالْمَذْكُور ثَانِيًا بِالْمُثَنَّاةِ. وَقَوله «بِخرْصِهَا» هُوَ بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيّ، وَالْفَتْح أشهر، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمُرَاد المخروص. الحَدِيث الثَّانِي عشر رَوَى الشَّافِعِي عَن مَالك، عَن دَاوُد - هُوَ ابْن الْحصين - عَن أبي سُفْيَان مولَى ابْن أبي أَحْمد، عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أرخص فِي بيع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق» شكّ دَاوُد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 585 هُوَ كَمَا قَالَ رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، و «الْمُخْتَصر» عَن مَالك كَذَلِك وَرَوَاهُ مُسلم عَن القعْنبِي وَيَحْيَى بن يَحْيَى عَن مَالك كَذَلِك، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب قَالَ: سَمِعت مَالِكًا وَسَأَلَهُ عبيد الله بن الرّبيع: أحَدثك دَاوُد عَن أبي سُفْيَان عَن أبي هُرَيْرَة «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رخص فِي بيع الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق أَو دون خَمْسَة أوسق» ؟ قَالَ: نعم. وَلم يذكر قَوْله: «شكّ دَاوُد» هُنَا، وَذكرهَا فِي كتاب الشّرْب من «صَحِيحه» . الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن زيد بن ثَابت رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه سَمّى رجَالًا مُحْتَاجين من الْأَنْصَار شكوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الرطب يَأْتِي وَلَا نقد بِأَيْدِيهِم يبتاعون بِهِ رطبا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاس، وَعِنْدهم فضول قوت من ثَمَر فَرخص لَهُم أَن يبتاعوا الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الحَدِيث» بِغَيْر إِسْنَاد بِنَحْوِهِ فَقَالَ: «والعرايا الَّتِي أرخص رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِيهَا) فِيمَا ذكر مَحْمُود بن لبيد قَالَ: سَأَلت زيد بن ثَابت فَقلت: مَا عراياكم هَذِه الَّتِي تحلونها؟ فَقَالَ: فلَان وَأَصْحَابه (شكوا) إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الرطب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 586 يحضر وَلَيْسَ عِنْدهم ورق وَلَا ذهب يشْتَرونَ بهَا وَعِنْدهم فضل تمر من قوت سنتهمْ، فأرخص لَهُم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يشتروا الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر يأكلونها رطبا» وَذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» أَيْضا وَقَالَ: وَقيل لمحمود بن لبيد أَو (قَالَ) مَحْمُود بن لبيد لرجل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِمَّا زيد بن ثَابت وَإِمَّا غَيره: «مَا عراياكم هَذِه؟ قَالَ: فلَان وَفُلَان وَسَمَّى رجَالًا مُحْتَاجين من الْأَنْصَار شكوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الرطب يَأْتِي وَلَا نقد بِأَيْدِيهِم يبتاعون بِهِ رطبا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاس وَعِنْدهم فضول من قوتهم من التَّمْر فَرخص لَهُم أَن يبتاعوا الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر الَّذِي فِي أَيْديهم يأكلونها رطبا» . قَالَ الْمُزنِيّ: وَفِي الْإِمْلَاء «أَن قوما شكوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه لَا نقد عِنْدهم وَلَهُم تمر من فضل قوتهم فأرخص لَهُم فِيهِ» وَكَذَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الشَّافِعِي مُعَلّقا وَلم يذكر لَهُ إِسْنَادًا يتَّصل بِهِ، قَالَ (الشَّافِعِي) وَحَدِيث سُفْيَان - يَعْنِي - السالف يدل عَلَى مثل هَذَا الحَدِيث. وَذكره التِّرْمِذِيّ من غير تعْيين (رَاوِيه) فَقَالَ لما ذكر حَدِيث الْعَرَايَا: وَمَعْنى هَذَا عِنْد أهل الْعلم: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرَادَ التَّوسعَة عَلَيْهِم فِي هَذَا؛ لأَنهم شكوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: مَا نجد مَا نشتري من التَّمْر إِلَّا بِالتَّمْرِ فَرخص لَهُم فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَن يشتروها فيأكلوها رطبا. وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاد التِّرْمِذِيّ بِبَعْض الْعلمَاء الشَّافِعِي. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لم يُسند الشَّافِعِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 587 نَقله من السّير. قلت: وَأَشَارَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ إِلَى تَضْعِيف هَذَا بقوله: إِن الشَّافِعِي ذكر فِيهِ حَدِيثا لَا يدْرِي أحد (منشأه) وَلَا مبدأه وَلَا طَرِيقه، وَذكره أَيْضا بِغَيْر إِسْنَاد، فَبَطل أَن يكون فِيهِ حجَّة - يَعْنِي فِي اخْتِصَاص الْعَرَايَا بالفقراء. قلت: وَأنكر رِوَايَته عَلَى الشَّافِعِي ابْن دَاوُد الظَّاهِرِيّ ورد عَلَيْهِ ابْن شُرَيْح فِي إِنْكَاره مُقَابل هَذَا قَول الْمُوفق الْحَنْبَلِيّ فِي كافيه لما سَاقه بِهَذِهِ (المساقة) مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ عَجِيب فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَلَا فِي «السّنَن» ، نعم أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث زيد بن ثَابت بِلَفْظ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رخص فِي الْعرية يَأْخُذهَا أهل (الْبَيْت) بِخرْصِهَا تَمرا يأكلونها رطبا» وَفِي لفظ «رخص فِي الْعَرَايَا أَن تبَاع بِخرْصِهَا كَيْلا» . فَائِدَة: مَحْمُود بن لبيد هَذَا صَحَابِيّ ابْن صَحَابِيّ، وَوَقع فِي «الوافي» فِي شرح الْمُهَذّب فِيهِ شَيْء لايمكن التفوه بِهِ فليحذر وليترك مِنْهُ. الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِوَضْع الجوائح» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 588 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ. وَفِي رِوَايَة للنسائي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وضع الجوائح» وَاعْتذر الشَّافِعِي عَن هَذَا الحَدِيث بِمَا ذكرته عَنهُ فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط فاطلبه مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أَن رجلا ابْتَاعَ ثَمَرَة فأذهبتها الْجَائِحَة، فَسَأَلَهُ أَن يضع عَنهُ، فَأَبَى أَن لَا يفعل، فَذكر للنَّبِي (فَقَالَ: تألى أَن لَا يفعل خيرا. فَأخْبر البَائِع بِمَا ذكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فسمح بِهِ للْمُبْتَاع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الشَّافِعِي عَن مَالك عَن أبي الرِّجَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن أمه عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَنه سَمعهَا تَقول: «ابْتَاعَ رجل ثَمَر حَائِط فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعالجه وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى تبين لَهُ النُّقْصَان، فَسَأَلَ رب الْحَائِط أَن يضع عَنهُ أَو أَن يقيله، فَحلف أَن لَا يفعل، فَذَهَبت أم المُشْتَرِي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَذكرت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) (تألى أَن لَا يفعل خيرا. فَسمع ذَلِكَ رب الْحَائِط فَأَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) فَقَالَ: هُوَ لَهُ» . قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: حَدِيث عمْرَة هَذَا مُرْسل وَأهل الحَدِيث وَنحن لَا نثبت الْمُرْسل، فَلَو ثَبت حَدِيث عمْرَة كَانَت فِيهِ - وَالله أعلم - دلَالَة عَلَى أَن لَا تُوضَع الْجَائِحَة، لقولها: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: تألى أَن لَا يفعل خيرا» وَلَو كَانَ الحكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 589 عَلَيْهِ أَن يضع الْجَائِحَة لَكَانَ أشبه أَن يَقُول ذَلِكَ لَازم لَهُ حلف أَو لم يحلف. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد أسْندهُ حَارِثَة بن أبي الرِّجَال، فَرَوَاهُ عَن أَبِيه عَن عمْرَة عَن عَائِشَة إِلَّا أَن حَارِثَة ضَعِيف لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ. قَالَ: وأسنده يَحْيَى (بن سعيد) عَن أبي الرِّجَال إِلَّا أَنه مُخْتَصر لَيْسَ (فِيهِ) ذكر الثَّمر. فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن قَالَت: سَمِعت عَائِشَة تَقول: «سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَوت خصوم بِالْبَابِ عالية أَصْوَاتهم، وَإِذا أحدهم يستوضع الآخر ويسترفقه فِي شَيْء، وَهُوَ يَقُول: وَالله لَا أفعل. فَخرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَيْهِمَا فَقَالَ: أَيْن المتألي عَلَى الله لَا يفعل الْمَعْرُوف؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَنا، فَلهُ أَي ذَلِكَ أحب» رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَرَوَاهُ مُسلم عَن بعض أَصْحَابه عَن إِسْمَاعِيل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 590 بَاب معاملات العبيد ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «من بَاعَ عبدا وَله مَال» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ابْتَاعَ عبدا فَمَاله للَّذي بَاعه إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي كتاب الشّرْب من «صَحِيحه» : «من ابْتَاعَ عبدا وَله مَال ... » الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ وَالتِّرْمِذِيّ «من بَاعَ عبدا لَهُ مَال. .» الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «من بَاعَ عبدا وَله مَال فَمَاله للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ «من ابْتَاعَ عبدا وَله مَال فَلهُ مَاله وَعَلِيهِ دينه إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ أَيْضا إِلَّا أَنه قَالَ: «من بَاعَ» بدل «من ابْتَاعَ» ثمَّ قَالَ: إِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث فَإِنَّمَا أَرَادَ - وَالله أعلم - العَبْد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 591 الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا كَانَ فِي يَده مَال وَفِيه دين يتَعَلَّق بِهِ، فالسيد يَأْخُذ مَاله وَيَقْضِي دينه. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» أَيْضا من حَدِيث ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث بن سعد بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عمر مَرْفُوعا: «من أعتق عبدا وَله مَال فَمَال العَبْد لَهُ إِلَّا أَن يَشْتَرِطه السَّيِّد» قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : وَمن عدَّ ابْن لَهِيعَة من رجال الصَّحِيح؟ ! وَأخرجه ابْن مَاجَه من وَجْهَيْن أَحدهمَا: عَن ابْن لَهِيعَة. وَالثَّانِي: عَن اللَّيْث وَفِيه «إِلَّا أَن يشْتَرط السَّيِّد مَاله فَيكون لَهُ مَال» . وَقَالَ ابْن لَهِيعَة: «إِلَّا أَن يستثنيه السَّيِّد» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 592 بَاب اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ: حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فَالْقَوْل قَول البَائِع والمبتاع بِالْخِيَارِ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ: أَحدهَا: عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: «حضرت أَبَا (عُبَيْدَة) بن عبد الله بن مَسْعُود وَأَتَاهُ رجلَانِ تبَايعا سلْعَة فَقَالَ هَذَا: أخذت بِكَذَا وَكَذَا. وَقَالَ (هَذَا) بِعْت بِكَذَا (وَكَذَا) فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أُتِي (عبد الله) بن مَسْعُود فِي مثل هَذَا فَقَالَ: «حضرت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مثل هَذَا فَأمر بالبائع أَن يسْتَحْلف، ثمَّ يُخَيّر (الْمُبْتَاع) إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك» رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سعيد بن سَالم وَالْإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن الشَّافِعِي عَن سعيد بن سَالم عَن ابْن جريج أَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة أخبرهُ عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 593 عبد الْملك بِهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمَا كَذَلِك، وَهُوَ ضَعِيف لأجل انْقِطَاعه فَإِن أَبَا (عُبَيْدَة) لم يدْرك أَبَاهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: حَدِيث أبي (عُبَيْدَة) هَذَا إِن (كَانَ) سعيد بن سَالم حفظ عبد الْملك بن عُمَيْر فِي إِسْنَاده فَهُوَ جيد لَا بَأْس بِهِ إِلَّا أَنه مُرْسل. أَبُو (عُبَيْدَة) لم يسمع من أَبِيه، وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» قيل لَهُ سَماع أبي (عُبَيْدَة) عَن أَبِيه صَحِيح؟ قَالَ: مُخْتَلف فِيهِ. قَالَ: وَالصَّحِيح عِنْدِي أَنه لم يسمع مِنْهُ، وَلكنه كَانَ صَغِيرا بَين يَدَيْهِ و (خَالفه) الْحَاكِم فَأخْرج هَذِه الطَّرِيقَة فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور. وَكَذَا ابْن السكن فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صحاحه» ، ثمَّ اعْلَم أَنه وَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عبد الْملك بن عبيد (وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من غير طَرِيق الشَّافِعِي: أبي عُبَيْدَة. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بعد أَن ذكر الحَدِيث من طَرِيق هِشَام عَن ابْن جريج عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر) وَقَالَ أبي: قَالَ حجاج الْأَعْوَر: عبد الْملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 594 بن عُبَيْدَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : هُوَ الصَّوَاب. قَالَ: وَقد رَوَاهُ يَحْيَى بن سليم عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر كَمَا قَالَ سعيد بن سَالم، وَرِوَايَة هِشَام بن يُوسُف وحجاج عَن ابْن جريج أصح. كَذَا قَالَ، وَالَّذِي فِي رِوَايَة حجاج مُخَالف لرِوَايَة هِشَام كَمَا ذكره هُوَ فَإِن رِوَايَة حجاج: عبد الْملك بن عُبَيْدَة كَمَا مر، وَرِوَايَة هِشَام: عبد الْملك بن عُمَيْر وَظَاهر كَلَام البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» أَنه عبد الْملك بن عبيد فَإِنَّهُ قَالَ عبد الْملك بن عبيد عَن بعض ولد عبد الله بن مَسْعُود، رَوَى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، مُرْسل، وَذكر بعده عبد الْملك بن عُمَيْر الْكُوفِي سمع عبد الله وَرَأَى الْمُغيرَة وَعنهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عبد الْملك بن عُمَيْر أَيْضا عَن بعض بني عبد الله بن مَسْعُود عَن عبد الله بن مَسْعُود مَرْفُوعا: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ وَلَيْسَ بَينهمَا شَاهد - وَفِي لفظ بَيِّنَة - اسْتحْلف البَائِع، ثمَّ كَانَ الْمُبْتَاع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يَحْيَى بن سليم عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن عبد الْملك بِهِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سعيد بن مسلمة عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن عبد الْملك (بن) عُبَيْدَة عَن ابْن لعبد الله بن مَسْعُود عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا «إِذا اخْتلف (البيعان) وَلَا شَهَادَة بَينهمَا اسْتحْلف البَائِع ... » إِلَى آخِره، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 595 وَبَعض بني عبد الله لَا يدْرِي من هُوَ. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عون بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «إِذا اخْتلف البيعان. .» الحَدِيث بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» فَقَالَ: أبنا سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن عون فَذكره، وَذكره فِي «الْأُم» «بِغَيْر إِسْنَاد وَقَالَ: هَذَا حَدِيث مَقْطُوع عَن ابْن مَسْعُود. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَن عونًا لم يدْرك ابْن مَسْعُود كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» كَذَلِك. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ اسْتحْلف البَائِع و (كَانَ) الْمُبْتَاع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْقَاسِم بِهِ، وَفِي رِوَايَة لَهُ «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي البيع، والسلعة كَمَا هِيَ لم تستهلك، فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع، أَو يترادان البيع» وَهَذَا ضَعِيف، إِسْمَاعِيل فِيهِ مقَال لاسيما إِذا رَوَى عَن أهل الْحجاز، وَابْن أبي لَيْلَى قد عرفت حَاله فِي (ضَبطه وَأَنه بِسَبَبِهِ) . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمَعْنى الحَدِيث أَن الْمُبْتَاع بِالْخِيَارِ بَين إِمْسَاكه بِمَا حلف عَلَيْهِ البَائِع وَبَين أَن يحلف عَلَى مَا يَقُوله انْتَهَى. وَقد عرفت فِي هَذِه الطّرق تَفْسِير الْخِيَار بِالْأَخْذِ أَو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 596 بِالتّرْكِ، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي هَذَا الحَدِيث: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ تحَالفا» . قلت: هَذِه رِوَايَة غَرِيبَة عَلَى هَذَا النمط لم أرها كَذَلِك فِي شَيْء من كتب الحَدِيث، ثمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ تحَالفا (و) ترادا» . قلت: وَهَذِه رِوَايَة غَرِيبَة أَيْضا لم أَجدهَا فِي شَيْء من كتب الحَدِيث بعد الْبَحْث التَّام، والرافعي تبع فِيهَا الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ أوردهَا كَذَلِك فِي «وسيطه» ، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه فَإِنَّهُ اسْتدلَّ بهَا فِي «أساليبه» وَأفَاد الرَّافِعِيّ فِي كِتَابه «التذنيب» أَن هَذِه الرِّوَايَة لَا ذكر لَهَا فِي كتب الحَدِيث، وَإِنَّمَا تُوجد فِي كتب الْفِقْه، وَالْعجب مِنْهُ أَنه يسْتَدلّ بهَا فِي «شرحيه» مَعَ قَوْله هَذَا الْكَلَام. نعم (التراد) بِدُونِ التَّحْلِيف ورد فِي هَذَا الحَدِيث من طرق إِحْدَاهَا: عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يحدث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «أَيّمَا بيعين تبَايعا فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع أَو يترادان» رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَنه بلغه عَن ابْن مَسْعُود ... فَذكره، وَهَذَا ضَعِيف لانقطاعه. ثَانِيهَا: عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة، فَالْقَوْل مَا يَقُول صَاحب السّلْعَة أَو يترادان» رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْند أَبِيه، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا بِلَفْظ: «إِذا اخْتلف البيعان والسلعة كَمَا هِيَ. فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع أَو يترادان» وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا لانقطاعه، فَإِن الْقَاسِم لم يدْرك جده عبد الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 597 بن مَسْعُود، قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ، وَعبارَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : لم يسمع مِنْهُ، وَذكره التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» أَيْضا وَقَالَ: إِنَّه مُرْسل. وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» . ثَالِثهَا: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود مَرْفُوعا: «البيعان إِذا اخْتلفَا فِي البيع ترادا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن مُحَمَّد بن هِشَام الْمُسْتَمْلِي، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن صَالح، ثَنَا فُضَيْل بن عِيَاض، ثَنَا مَنْصُور، عَن عَلْقَمَة ... فَذكره، وَهَذَا الطَّرِيق عِنْدِي أَقْوَى طرقه، وَلم يظفروا بهَا ومِن فُضَيْل بن عِيَاض إِلَى ابْن مَسْعُود أَئِمَّة أَعْلَام سمع بَعضهم من بعض خُصُوصا عَلْقَمَة، فَإِنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآن عَلَى ابْن مَسْعُود، لَكِن عبد الرَّحْمَن بن صَالح نسب إِلَى الرَّفْض، وَوضع مثالب الصَّحَابَة، وَهُوَ كُوفِي عتكي، أخرج لَهُ النَّسَائِيّ فِي خَصَائِص عَلّي وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: ثِقَة شيعي؛ لِأَن يَخِرَّ من السَّمَاء أحب إِلَيْهِ من أَن يكذب فِي نصف حرف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون مرّة: ثِقَة، وَكَانَ يحدث بمثالب أَزوَاج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه (وَقَالَ صَالح جزرة:) صَالح إِلَّا أَنه يقْرض عُثْمَان. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: سمعته يَقُول: أفضل - أَو خير - هَذِه الْأمة (بعد نبيها أَبُو) بكر وَعمر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 598 رَابِعهَا: من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه قَالَ: «بَاعَ عبد الله بن مَسْعُود سبيًا من سبي الْإِمَارَة بِعشْرين ألفا - يَعْنِي من الْأَشْعَث بن قيس - فجَاء بِعشْرَة آلَاف، فَقَالَ: أَنا بِعْتُك بِعشْرين ألفا قَالَ: إِنَّمَا أخذتهم بِعشْرَة آلَاف، وَإِنِّي أَرْضَى فِي ذَلِكَ بِرَأْيِك. قَالَ ابْن مَسْعُود: إِن شِئْت (حدثتك) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ: أجل. قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -:) إِذا تبَايع الْمُتَبَايعَانِ بيعا لَيْسَ بَينهمَا شُهُود فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع أَو يترادان البيع. قَالَ الْأَشْعَث: فَرددت عَلَيْك» . رَوَاهُ (الطَّبَرَانِيّ) فِي «سنَنه» عَن أبي مُحَمَّد بن صاعد إملاءً وَغَيره قَالُوا: ثَنَا مُحَمَّد بن مُسلم بن وارة حَدَّثَني مُحَمَّد بن سعيد بن سَابق ثَنَا عَمْرو بن أبي قيس عَن عمر بن قيس عَن الْقَاسِم بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد أَيْضا رِجَاله كلهم ثِقَات، وَابْن صاعد وَابْن وارة حَافِظَانِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَجَاء فِي رِوَايَة أُخْرَى: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ (والسلعة قَائِمَة) وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا تحَالفا» وَهَذِه الرِّوَايَة وَردت من طرق: إِحْدَاهَا: من طَرِيق الْقَاسِم عَن ابْن مَسْعُود وَقد سلفت قَرِيبا. ثَانِيهَا: من طَرِيق الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي البيع والسلعة قَائِمَة كَمَا هِيَ لم تستهلك فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع أَو يترادان البيع» رَوَاهَا (الطَّبَرَانِيّ) فِي «سنَنه» وَهِي ضَعِيفَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 599 أَيْضا؛ لِأَن فِي إسنادها مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ وَإِن كَانَ فِي الْفِقْه كَبِيرا فَهُوَ ضَعِيف فِي الرِّوَايَة لسوء حفظه وَكَثْرَة خطئه فِي الْأَسَانِيد والمتون، ومخالفته الْحفاظ فِيهَا، وَالله يغْفر لنا وَله. ثَالِثهَا: من طَرِيق الْقَاسِم أَيْضا عَن أَبِيه قَالَ: «بَاعَ عبد الله بن مَسْعُود من الْأَشْعَث رَقِيقا من رَقِيق الْإِمَارَة فاختلفا فِي الثّمن، فَقَالَ عبد الله: بِعْتُك بِعشْرين ألفا، وَقَالَ الْأَشْعَث: اشْتريت مِنْك بِعشْرَة آلَاف. فَقَالَ عبد الله: إِن شِئْت (حدثتك) بِحَدِيث سمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ: هَات. قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) يَقُول: «إِذا اخْتلف البيعان وَالْمَبِيع قَائِم بِعَيْنِه وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع أَو (يترادان) البيع. قَالَ الْأَشْعَث: أرَى أَن ترد البيع» رَوَاهُ (الطَّبَرَانِيّ) فِي «سنَنه» كَذَلِك، والدارمي فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «البيعان إِذا اخْتلفَا وَالْمَبِيع قَائِم بِعَيْنِه وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع، أَو يترادان البيع» . وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد من حَدِيث هشيم عَن ابْن أبي لَيْلَى عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه «أَن ابْن مَسْعُود بَاعَ من الْأَشْعَث بن قيس رَقِيقا. .» فَذكر مَعْنَى حَدِيث مُحَمَّد بن الْأَشْعَث الْآتِي قَرِيبا، وَالْكَلَام يزِيد وَينْقص وَهِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 600 ضَعِيفَة أَيْضا لأجل ابْن أبي لَيْلَى، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالف الْجَمَاعَة فِي رِوَايَة هَذَا حَيْثُ قَالَ: «عَن أَبِيه» ، وَفِي مَتنه حَيْثُ زَاد فِيهِ: «وَالْمَبِيع قَائِم بِعَيْنِه» . وَهُوَ كَمَا قَالَ حَتَّى عدوا هَذِه الزِّيَادَة من غلطاته، وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: إِنَّه لَا أصل لَهَا. رَابِعهَا: من طَرِيق الْقَاسِم أَيْضا عَن أَبِيه عَن عبد الله مَرْفُوعا: «إِذا اخْتلف البيعان فَالْقَوْل مَا قَالَ البَائِع، فَإِذا اسْتهْلك فَالْقَوْل مَا قَالَ المُشْتَرِي» رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا وَهِي ضَعِيفَة لِأَن فِي (إسنادها) الْحسن بن عمَارَة رِوَايَة عَن الْقَاسِم وَهُوَ أحد الهلكى قَالَ (زَكَرِيَّا) السَّاجِي: أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه، نعم لم يتفرد بِهِ بل تَابعه (معن) بن عبد الرَّحْمَن. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث سُفْيَان عَن (معن) عَن الْقَاسِم وَلَفظه: «إِذا اخْتلف (الْمُتَبَايعَانِ) والسلعة قَائِمَة بِعَينهَا فَالْقَوْل قَول البَائِع أَو يترادان» وَهَذِه طَريقَة خَامِسَة جَيِّدَة لكنه اخْتلف عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا ستعلمه من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 601 سادسها: من طَرِيق أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «إِذا اخْتلف البيعان وَالْمَبِيع مستهلك فَالْقَوْل قَول البَائِع» . وَرفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي إِسْنَاده عبد الله بن عصيم وَهُوَ ضَعِيف وَقد أعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِهِ، وَتفرد شريك بِتَسْمِيَة أَبِيه عصمَة وَالصَّوَاب عصيم (وَفِي بعض الرِّوَايَات الْمُنكرَة الَّتِي لَا أصل لَهَا: «والسلعة قَائِمَة أَو هالكة» وَأما قَول الْغَزالِيّ فِي كتاب «المأخذ» : أجمع أهل الحَدِيث عَلَى صِحَّتهَا فَهُوَ من الْعجب العجاب) . فَهَذَا مَا حَضَرنَا من طرق هَذَا الحَدِيث وَاخْتِلَاف أَلْفَاظه، وَبَقِي لَهُ طرق أخر وَهُوَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَابْن عدي من حَدِيث سعيد بن الْمَرْزُبَان عَن الشّعبِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بِهِ، وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا لأجل سعيد هَذَا وَهُوَ كُوفِي أَعور مُنكر الحَدِيث كَمَا قَالَه أَحْمد وَالْبُخَارِيّ، وَخَالف أَبُو أُسَامَة فَقَالَ: كَانَ ثِقَة، فَقَالَ: لَا جرم أعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَأعله فِي «تَحْقِيقه» بِوَجْه آخر فَقَالَ: عبد الرَّحْمَن لم يسمع من أَبِيه فَهُوَ مُرْسل وَضَعِيف. وَتبع فِي هَذِه الْمقَالة ابْن معِين فِي أحد قوليه، لَكِن قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَالثَّوْري وَشريك وَالْبُخَارِيّ وَالْأَكْثَرُونَ الْمُحَقِّقُونَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 602 إِنَّه سمع مِنْهُ. وَقَالَ الْعجلِيّ: لم يسمع من أَبِيه إِلَّا حرفا وَاحِدًا «محرم الْحَلَال (كمستحل) الْحَرَام» . وَجزم ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَجزم فِي أَخِيه أبي عُبَيْدَة بِأَنَّهُ لم يسمع من أَبِيه. قلت: لكنه أدْرك أَبَاهُ وَكَانَ أكبر من أَخِيه إِذْ ذَاك. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: مَاتَ ابْن مَسْعُود ولعَبْد الرَّحْمَن سِتّ سِنِين. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَاتَ ابْن مَسْعُود ولابنه أبي عُبَيْدَة سبع سِنِين. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : وَفِي إِسْنَاد هَذِه الطَّرِيق إِبْرَاهِيم بن مجشر بن معدان الْبَغْدَادِيّ، قَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير من جِهَة الْأَسَانِيد. رفع حَدِيثا لَا أعلم رَفعه غَيره «الرَّهْن محلوب ومركوب» قلت: قد توبع عَلَيْهِ كَمَا ستعلمه فِي بَابه. قلت: وَقد بَقِي للْحَدِيث طَرِيق آخر وَهُوَ أَقْوَى طرقه، وَأَقْوَى من الطَّرِيق الَّتِي قدمناها أَيْضا رَوَاهَا عبد الرَّحْمَن بن قيس بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بن قيس عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا اخْتلف البيعان وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة فَهُوَ مَا يَقُول رب السّلْعَة أَو يتتاركا» أخرجه الْأَئِمَّة أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ. وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَنقل مقَالَة الْحَاكِم هَذِه الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» ، وَأقرهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 603 عَلَيْهَا وَقَالَ فِي «سنَنه» : إسنادها حسن مَوْصُول، قَالَ: وَقد رُوِيَ من أوجه (بأسانيد) مَرَاسِيل إِذا جمع بَينهمَا صَار الحَدِيث بذلك قويًّا. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : إِنَّه أصح إِسْنَاد رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: فِيهِ انْقِطَاع، قَالَ: وَهُوَ حَدِيث مَحْفُوظ عَن ابْن مَسْعُود مَشْهُور الأَصْل عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء تلقوهُ بِالْقبُولِ فبنوا عَلَيْهِ كثيرا من فروعه، قد اشْتهر عَنْهُم بالحجاز وَالْعراق شهرة يُسْتَغْنَى بهَا عَن الْإِسْنَاد كَمَا اشْتهر حَدِيث «لَا وَصِيَّة لوَارث» . وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فأعله بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: بالانقطاع كَمَا رَمَاه بِهِ ابْن عبد الْبر، وَتَابعه عَلَيْهِ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: مُحَمَّد هَذَا لم يسمع من ابْن مَسْعُود. ثَانِيهمَا: بِأَن فِي إِسْنَاده مَجْهُولَانِ وهما عبد الرَّحْمَن بن قيس وَأَبوهُ، قَالَ: مَجْهُول بن مَجْهُول. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن ظَالِم من ظلمَة الْحجَّاج لَا حجَّة لَهُ فِي رِوَايَته، وَتَبعهُ عَلَى تجهيلهما ابْن الْقطَّان وَزَاد: أَن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث جدهما مَجْهُول أَيْضا. قَالَ (إِلَّا) أَنه أشهرهم، رَوَى عَنهُ جماعات وعددهم. وَأَقُول: أما كَونه لم يسمع مِنْهُ فَهَذِهِ دَعْوَى، فَإِن إِدْرَاكه لَهُ مُمكن قطعا؛ لِأَن عبد الله بن مَسْعُود توفّي بعد الثَّلَاثِينَ إِمَّا سنة اثْنَيْنِ كَمَا قَالَه أَبُو نعيم وَغير وَاحِد، وَإِمَّا سنة ثَلَاث كَمَا قَالَه ابْن بكير وَغَيره، وَمُحَمّد بن الْأَشْعَث قَتله الْمُخْتَار بعد السِّتين سنة سِتّ أَو سبع كَمَا قَالَه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 604 خَليفَة فَليخْرجْ عَلَى المذهبين مشهورين فِي ذَلِكَ، وَأما جَهَالَة عبد الرَّحْمَن بن قيس فَهُوَ كَمَا (ادَّعَاهَا) فَإنَّا لَا نعلم لَهُ رَاوِيا غير أبي (العميس) وَهُوَ مَسْتُور لَا نعلم من وَثَّقَهُ وَلَا من جرحه، وَأما وَالِده فحاشاه من الْجَهَالَة فقد رَوَى عَنهُ ابناه عبد الرَّحْمَن وَعُثْمَان، وَأَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ، وَرَوَى عَن جده، وَعَن عدي بن حَاتِم، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأما جده مُحَمَّد فَهُوَ تَابِعِيّ رَوَى عَن عمر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَرَوَى عَنهُ الشّعبِيّ وَجَمَاعَة، وَأمه أم فَرْوَة أُخْت الصّديق، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَتَصْحِيح الْحَاكِم وتحسين الْبَيْهَقِيّ لَهُ (رَافِعَة لجَهَالَة) عبد الرَّحْمَن السالف فَإِنَّهُ لَا يحل الْإِقْدَام عَلَى التَّصْحِيح والتحسين بِدُونِ ذَلِكَ، وَأعله ابْن حزم أَيْضا بِوَجْه ثَالِث فَقَالَ: رَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن أَبُو عُمَيْس وَلم يسمع أَبُو عُمَيْس مِنْهُ لتأخر سنه عَن لِقَائِه. قلت: قد صرح بِالسَّمَاعِ مِنْهُ فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» فَفِيهِ عَن أبي عُمَيْس أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن. وَبِالْجُمْلَةِ وكل طرق هَذَا الحَدِيث لَا تَخْلُو من عِلّة، وَلَقَد أحسن إمامنا الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَن الزَّعْفَرَان عَنهُ: حَدِيث ابْن مَسْعُود وَهَذَا مُنْقَطع لَا أعلم أحدا وَصله عَنهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 605 قلت: لَكِن قد وَصله عَلْقَمَة عَنهُ كَمَا قدمْنَاهُ، وَهُوَ من الْفَوَائِد الَّتِي رَحل إِلَيْهَا وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ فِي «علله» بعد أَن ذكره (السَّائِل) من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «إِذا اخْتلف البيعان وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة فَالْقَوْل قَول البَائِع أَو (يترادان) » . هَذَا حَدِيث يرويهِ الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ عمر بن قيس عَنهُ عَن أَبِيه عَن جده، وَرَوَاهُ (معن) بن عبد الرَّحْمَن عَن الْقَاسِم وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ أَبُو حُذَيْفَة عَن الثَّوْريّ عَن (معن) عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن جده. وَخَالفهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأَبُو دَاوُد الْحَضْرَمِيّ وَغَيرهمَا فَرَوَوْه عَن الثَّوْريّ عَن (معن) عَن الْقَاسِم مُرْسلا عَن ابْن مَسْعُود، وَرَوَاهُ أَبُو حنيفَة عَن الْقَاسِم (بِهِ) وَرَوَاهُ ابْن أبي لَيْلَى عَن الْقَاسِم وَاخْتلف (عَنهُ) فَرَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة عَنهُ عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن جده وَزَاد فِيهِ لَفْظَة لم يَأْتِ بهَا غَيره قَالَ: «والسلعة قَائِمَة كَمَا هِيَ» وَخَالف هشيم فَرَوَاهُ عَن ابْن أبي لَيْلَى عَن الْقَاسِم عَن ابْن مَسْعُود مُرْسلا، قَالَ ذَلِكَ أَحْمد بن حَنْبَل وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن هشيم. وَقيل: عَن هشيم عَن ابْن أبي لَيْلَى عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن جده، وَرَوَاهُ أبان بن تغلب وَعبد الرَّحْمَن المَسْعُودِيّ عَن الْقَاسِم عَن ابْن مَسْعُود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 606 مُرْسلا قَالَ: وَالْمَحْفُوظ (هُوَ) الْمُرْسل. تَنْبِيه: عزى الرَّافِعِيّ فِي تذنيبه طَرِيق «أَو يتتاركا» الْأَخِيرَة إِلَى أبي دَاوُد فَقَالَ: رَوَاهَا مطرف عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا وَهَذَا لَيْسَ فِي أبي دَاوُد وَالَّذِي فِيهِ رِوَايَته لَهُ عَن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن قيس عَن أَبِيه عَن جده. وَمن حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن جده كَمَا سلف أَيْضا فَتنبه لذَلِك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 607 كتاب السّلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 609 كتاب السَّلم ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة: أَحدهَا «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قدم الْمَدِينَة وهم يسلفون فِي التَّمْر السّنة والسنتين - وَرُبمَا قَالَ: وَالثَّلَاث - فَقَالَ: من أسلف فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن سُفْيَان عَن (ابْن) أبي نجيح (عَن عبد الله) قَالَ الْمُزنِيّ: أَحْسبهُ ابْن كثير عَن أبي الْمنْهَال عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... فَذكره سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «السّنة وَرُبمَا قَالَ السنتين وَالثَّلَاث» وَقَالَ: «وَأجل مَعْلُوم» وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» بِهَذَا السَّنَد وَقَالَ «عَن عبد الله بن كثير» ، وَقَالَ: «السّنة والسنتين وَرُبمَا قَالَ: والسنتين، وَالثَّلَاث» وَالْبَاقِي بِمثلِهِ، ثمَّ قَالَ: حفظته كَمَا وَصفته من سُفْيَان مرَارًا. قَالَ: وَأَخْبرنِي من أصدقه عَن سُفْيَان أَنه قَالَ كَمَا قلت، وَقَالَ فِي الْأَجَل «إِلَى أجل مَعْلُوم» وَأخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سُفْيَان و (قَالَا) فِي الحَدِيث: «إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 611 أجل مَعْلُوم» وَأَخْرَجَاهُ من غير هَذَا الْوَجْه أَيْضا كَمَا ذكرته فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» . الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اشْتَرَى من يَهُودِيّ إِلَى ميسرَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عَمْرو بن عَلّي وَهُوَ الفلاس، ثَنَا يزِيد بن زُرَيْع، ثَنَا عمَارَة بن أبي حَفْصَة، ثَنَا عِكْرِمَة، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَوْبَان قطريان غليظان فَكَانَ إِذا قعد فعرق ثقلا عَلَيْهِ، فَقدم بز من الشَّام لفُلَان الْيَهُودِيّ فَقلت (لَو) بعثت إِلَيْهِ فاشتريت (مِنْهُ) ثَوْبَيْنِ إِلَى الميسرة فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ: قد علمت مَا يُرِيد (إِنَّمَا يُرِيد) أَن يذهب بِمَالي أَو بدراهمي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كذب عليَّ قد علم أَنِّي من أَتْقَاهُم وأدَّاهم للأمانة» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حسن صَحِيح غَرِيب. قَالَ: وَقد رَوَاهُ شُعْبَة أَيْضا عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة. قَالَ: وَسمعت مُحَمَّد بن فَارس الْبَصْرِيّ يَقُول: سَمِعت أَبَا دَاوُد الطَّيَالِسِيّ يَقُول: سُئِلَ شُعْبَة يَوْمًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لست أحدثكُم حَتَّى تقوموا إِلَى حرمي بن عمَارَة بن أبي حَفْصَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 612 لتقبلوا رَأسه. قَالَ: وحرمي فِي الْقَوْم، قَالُوا أَبُو عِيسَى: أيْ إعجابًا بِهَذَا الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع أَيْضا، عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة، عَن عِكْرِمَة، عَن عَائِشَة [قَالَت] : «كَانَ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[بردَان قطريان غليظان خشنان] ، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن ثوبيك [خشنان غليظان] وَإنَّك ترشح فيهمَا فيثقلان عَلَيْك، وَإِن (فلَانا) قدم لَهُ بزٌ من الشَّام (فَلَو بقيت) إِلَيْهِ فَأخذت مِنْهُ ثَوْبَيْنِ (بنسيئة) إِلَى ميسرَة، فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: قد علمت مَا يُرِيد [مُحَمَّد] يُرِيد أَن يذهب (بثوبي) ويمطلني بهما. فَأَتَى الرَّسُول إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قد كذب. قد علمُوا أَنِّي أَتْقَاهُم لله وأدَّاهم للأمانة» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن شُعْبَة، عَن عمَارَة مُخْتَصرا. ثمَّ سَاقه إِلَى عمَارَة، عَن عِكْرِمَة، عَن عَائِشَة قَالَت: «قلت: يَا رَسُول الله، ثوباك غليظان (فَلَو) نزعتهما (وَبعثت) إِلَى فلَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 613 التَّاجِر فَأرْسل (إِلَيْك) ثَوْبَيْنِ إِلَى الميسرة، قَالَت: فَأرْسل إِلَيْهِ: ابْعَثْ لي ثَوْبَيْنِ إِلَى الميسرة. فَأَبَى» وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد عَن شُعْبَة، عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة، عَن عِكْرِمَة، قَالَ: قَالَت عَائِشَة: «قدم تَاجر بمتاع، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِذا ألقيت هذَيْن الثَّوْبَيْنِ الغليظين عَنْك وَأرْسلت إِلَى فلَان التَّاجِر فباعك ثَوْبَيْنِ إِلَى الميسرة. فَبعث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَن أرسل إليَّ ثَوْبَيْنِ إِلَى الميسرة. فَقَالَ: إِن مُحَمَّدًا يُرِيد أَن يذهب بِمَالي. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: وَالله لقد علمُوا أَنِّي أدّاهم للأمانة وأخشاهم لله» وَنَحْو هَذَا. قَالَ: هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنه استدعى البيع إِلَى الميسرة لَا أَنه عقد إِلَيْهَا بيعا ثمَّ لَو أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ [أشبه] أَن يُوَقت وقتا مَعْلُوما أَو يعْقد البيع مُطلقًا ثمَّ يَقْضِيه مَتى أيسر. وَحَكَى ابْن الصّباغ فِي «شامله» عَن ابْن الْمُنْذر أَنه قَالَ: رَوَاهُ حرمي عَن شُعْبَة. قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: حرمي فِيهِ غَفلَة إِلَّا أَنه صَدُوق. قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلم يُتَابع عَلَيْهِ فَأَخَاف أَن يكون من غفلاته. قلت: رِوَايَة حرمي لَهُ لم نرها فِي الحَدِيث وَإِنَّمَا وَقع ذكره فِي كَلَام التِّرْمِذِيّ فِي الْحِكَايَة السالفة، وَإِنَّمَا رَوَاهُ وَالِده كَمَا أسلفناه فَتنبه لذَلِك، وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ شَاهد لحَدِيث عَائِشَة لَكِن فِيهِ أَنه نَصْرَانِيّ لَا يَهُودِيّ، قَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» ثَنَا مُحَمَّد بن يزِيد، ثَنَا أَبُو سَلمَة - صَاحب الطَّعَام - قَالَ: أَخْبرنِي جَابر بن يزِيد - وَلَيْسَ بالجعفي - عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى حليق النَّصْرَانِي (يبْعَث) إِلَيْهِ بأثواب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 614 إِلَى الميسرة، فَأَتَيْته فَقلت: بَعَثَنِي إِلَيْك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لتبعث إِلَيْهِ أثوابًا إِلَى الميسرة فَقَالَ: وَمَا الميسرة؟ وَمَتى الميسرة؟ وَالله مَا لمُحَمد ثاغية وَلَا راغية. فَرَجَعت فَأتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَلَمَّا رَآنِي (قَالَ) : كذب عَدو الله، أَنا خير من بَايع، لِأَن يلبس أحدكُم ثوبا من رقاع شَتَّى خير لَهُ من أَن يَأْخُذ بأمانته - أَو فِي أَمَانَته - مَا لَيْسَ عَنهُ» . ثاغية من أصوات الشَّاء، وراغية من أصوات الْإِبِل، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَأَلت أبي عَن حَدِيث نصر بن عَلّي عَن سُلَيْمَان (بن سليم) عَن جَابر بن يزِيد عَن سُفْيَان الزيات عَن الرّبيع بن أنس عَن أنس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استسلف من رجل من الْيَهُود شَيْئا إِلَى الميسرة، فَقَالَ الْيَهُودِيّ: وَهل لمُحَمد من ميسرَة؟ فَأتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرته فَقَالَ: كذب الْيَهُودِيّ ... .» ثمَّ سَاق بَاقِي الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَسليمَان وسُفْيَان مَجْهُولَانِ. الحَدِيث الثَّالِث عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أَشْتَرِي لَهُ بَعِيرًا ببعيرين إِلَى أجل» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب الرِّبَا. بِهِ انْتَهَى الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 615 أَحدهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما أَنه قَالَ «فِي قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمَّى: أَنه السّلم» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد الصَّحِيح من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة، عَن أبي حسان الْأَعْرَج، عَنهُ أَنه قَالَ: «أشهد أَن السّلف الْمَضْمُون إِلَى أجل مُسَمَّى أَن الله - عَزَّ وجَلَّ - أحله، وَأذن فِيهِ، وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمَّى، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أبي [حَيَّان] عَن رجل، عَنهُ قَالَ: «فِي هَذِه الْآيَة (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم) قَالَ: فِي الْحِنْطَة فِي كيلٍ مَعْلُوم» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ «أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن (السّلف) فَقَالَ: أشهد أَن الله أحله وَأنزل فِيهِ أطول (آيَة فِي) كتاب الله (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم) الْآيَة. الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما «أَنه اشْتَرَى رَاحِلَة بأَرْبعَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 616 أَبْعِرَة (يوفيها) صَاحبهَا بالربذة» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: «فَاشْتَرَى ابْن عمر رَاحِلَة بأَرْبعَة أَبْعِرَة مَضْمُونَة عَلَيْهِ، يوفيها صَاحبهَا بالربذة» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه اشْتَرَى رَاحِلَة بأَرْبعَة أَبْعِرَة ... » فَذكره. قلت: وَقد جَاءَ عَن ابْن عمر خلاف هَذَا، قَالَ عبد الرَّزَّاق: أبنا معمر، عَن (ابْن) طَاوس، عَن أَبِيه أَخْبرنِي «أَنه سَأَلَ ابْن عمر عَن بعير ببعيرين نظرة، فَقَالَ: لَا. وَكره» . وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: ثَنَا ابْن أبي زَائِدَة، عَن ابْن عون، عَن ابْن سِيرِين» قلت لِابْنِ عمر: الْبَعِير بالبعيرين إِلَى أجل. فكرهه» . فَائِدَة: الرَّاحِلَة النجيب: الْبَعِير، والربذة - بِفَتْح الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة ثمَّ ذال مُعْجمَة - مَوضِع عَلَى ثَلَاث مراحل من الْمَدِينَة، وَقد أَطَالَ الْبكْرِيّ فِي تَعْرِيفهَا. الْأَثر الثَّالِث: عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه بَاعَ بَعِيرًا بِعشْرين بعير إِلَى أجل» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 617 صَالح بن كيسَان، عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن عَلّي بن أبي طَالب «أَنه (بَاعَ) جملا لَهُ يُدعَى [عصيفيرًا] بِعشْرين بَعِيرًا إِلَى أجل» . وَالْحسن هَذَا لم يلق جده عليًّا لَا جرم، قَالَ ابْن الْأَثِير: هَذَا مُرْسل؛ لِأَن الْحسن لم يلق جده عليًّا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : فِي إِسْنَاده انْقِطَاع بَين حسن وَعلي فَلم يُدْرِكهُ. قلت: وَقد جَاءَ [عَن] عَلي خلاف ذَلِكَ، قَالَ عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» : أَخْبرنِي عبد الله بن أبي بكر، عَن ابْن [أبي] قسيط، عَن ابْن الْمسيب، عَن عَلّي «أَنه كره بَعِيرًا ببعيرين نَسِيئَة» . وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا ابْن أبي ذِئْب، عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط، عَن أبي الْحسن البراد، عَن عَلّي (قَالَ) : «لَا يصلح الْحَيَوَان [بالحيوانين] ، وَلَا الشَّاة بالشاتين، إِلَّا يدا بيد» . الْأَثر الرَّابِع: «أَن أنسا رَضي اللهُ عَنهُ كَاتب عبدا لَهُ عَلَى مَال، فجَاء العَبْد بِالْمَالِ، فَلم يقبله أنس، فَأَتَى العَبْد عمر فَأَخذه مِنْهُ وَوَضعه فِي بَيت المَال» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، فَقَالَ: «أخبرنَا أَن أنس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 618 بن مَالك كَاتب غُلَاما (لَهُ) عَلَى نُجُوم إِلَى أجل، فَأَرَادَ الْمكَاتب تَعْجِيلهَا ليعتق، فَامْتنعَ أنس من قبُولهَا، وَقَالَ: لَا آخذها إِلَّا عِنْد محلهَا. فَأَتَى الْمكَاتب عمر بن الْخطاب فَذكر ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عمر: إِن أنسا يُرِيد الْمِيرَاث» . فَكَانَ فِي الحَدِيث «فَأمره عمر بأخذها مِنْهُ وَأعْتقهُ» . وَكَذَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الرّبيع عَنهُ، وَرَوَاهُ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث أنس بن سِيرِين عَن أَبِيه قَالَ: «كاتبني أنس بن مَالك عَلَى عشْرين ألف دِرْهَم فَكنت فِيمَن فتح تستر فاشتريت رثَّة فربحت فِيهَا، فَأتيت أنس بن مَالك بكتابته فَأَبَى أَن يقبلهَا مني (إِلَّا نجومًا كاتبت عمر بن الْخطاب فَذكرت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَرَادَ أنس الْمِيرَاث) وَكتب إِلَى أنس أَن اقبلها من الرِّجَال فقبلها، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أبي بكر «أَن رجلا كَاتب غُلَاما لَهُ فنجمها نجومًا فَأَتَى (بمكاتبته) كلهَا فَأَبَى أَن يَأْخُذهَا إِلَّا نجومًا، فَأَتَى الْمكَاتب عمر فَأرْسل عمر إِلَى مَوْلَاهُ، فجَاء فَعرض عَلَيْهِ فَأَبَى أَن يَأْخُذهَا، فَقَالَ عمر رَضي اللهُ عَنهُ: فَإِنِّي أطرحها فِي بَيت المَال. وَقَالَ للْمولَى: خُذْهَا نجومًا. وَقَالَ للْمكَاتب: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 619 بَاب الْقَرْض ذكر فِيهِ سِتَّة أَحَادِيث أَحدهَا «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتقْرض بكرا ورد بازلاً» . وَهُوَ حَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَهُوَ تبع إِمَامه فِي «نهايته» وَطوله بِقصَّة، وَزَاد أَنه صَحَّ، وَهُوَ مخرج فِي الصَّحِيح من طَرِيقين: إِحْدَاهمَا: عَن أبي رَافع «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ استسلف من رجل بكرا، فَقدمت عَلَيْهِ إبل من الصَّدَقَة فَأمر أَبَا رَافع أَن (يقْضِي) الرجل بكره، فَرجع إِلَيْهِ أَبُو رَافع. فَقَالَ: لم أجد فِيهَا إِلَّا خيارًا رباعيًّا. (فَقَالَ: أعْطه إِيَّاه، إِن خِيَار النَّاس أحْسنهم قَضَاء» انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم) وَوهم صَاحب «التنقيب» فَعَزاهُ إِلَى البُخَارِيّ. ثَانِيهمَا: عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ لرجل عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حق فَأَغْلَظ لَهُ، فهم بِهِ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: دَعوه فَإِن لصَاحب الْحق مقَالا. فَقَالَ لَهُم: اشْتَروا لَهُ سنًّا فَأَعْطوهُ إِيَّاه. فَقَالُوا: إنّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 620 لَا نجد إِلَّا سنًّا هُوَ خير من سنه، قَالَ: فاشتروه فَأَعْطوهُ إِيَّاه فَإِن من خَيركُمْ - أَو خَيركُمْ - أحسنكم قَضَاء» . أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» إِذا تقرر ذَلِكَ، فالبكر هُوَ: الصَّغِير من الْإِبِل. والرباعي - بِفَتْح الرَّاء - مَاله سِتّ سِنِين وَدخل فِي السَّابِعَة. والبازل - الْوَاقِع فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام وَالْغَزالِيّ -: مَاله ثَمَان سِنِين وَدخل فِي التَّاسِعَة. كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره، وَلم يقضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ من إبل الصَّدَقَة، وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ مِنْهَا مِمَّن اسْتَحَقَّه فملكه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بِثمنِهِ وأوفاه مُتَبَرعا بِالزِّيَادَةِ من مَاله مِمَّا افترضه لنَفسِهِ، هَذَا أحسن الْأَجْوِبَة، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر مَا يبنيه. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن قرض جر مَنْفَعَة» وَرُوِيَ أَنه قَالَ: «كل قرض جر مَنْفَعَة فَهُوَ رَبًّا» . هَذَا الحَدِيث أوردهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي القَاضِي حُسَيْن، وَأوردهُ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» بِالْأولِ، وَتبع فِيهِ إِمَامه فَإِنَّهُ كَذَلِك أوردهُ، وَزَاد: إِنَّه صَحَّ. وَرَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَغَيره من حَدِيث عَلّي بن أبي طَالب رَضي اللهُ عَنهُ بِلَفْظ القَاضِي والرافعي لَكِن فِي إِسْنَاده سوار بن مُصعب وَهُوَ مَتْرُوك، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 621 قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَهُوَ فِي جُزْء أبي الجهم الْعَلَاء بن مُوسَى من حَدِيث سوار هَذَا عَن عمَارَة عَن عَلّي مَرْفُوعا، وَهُوَ مُنْقَطع فِيمَا بَين عمَارَة وَعلي، وَفِي الْبَيْهَقِيّ من قَول فضَالة بن عبيد مَوْقُوفا عَلَيْهِ «كل قرض جرَّ مَنْفَعَة فَهُوَ وَجه من وُجُوه الرِّبَا» وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» وروينا فِي مَعْنَاهُ عَن ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَعبد الله بن سَلام وَابْن عَبَّاس. وأوضح ذَلِكَ فِي «سنَنه» عَنْهُم، وَفِي «الْمُغنِي» عَن الْحِفْظ وَالْكتاب لِابْنِ بدر الْموصِلِي بَاب كل قرض جر مَنْفَعَة فَهُوَ رَبًّا: لم يَصح فِيهِ شَيْء عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَنه اقْترض صَاعا ورد صَاعَيْنِ» . الحَدِيث الثَّالِث عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أجهز جَيْشًا فنفدت الْإِبِل، فَأمرنِي أَن آخذ بَعِيرًا ببعيرين إِلَى أجل» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الرِّبَا. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خياركم أحسنكم قَضَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه قَرِيبا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 622 الحَدِيث الْخَامِس (وَالسَّادِس) «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ نهَى عَن بيع وَسلف» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب (الْبيُوع) الْمنْهِي (عَنْهَا) فَرَاجعه من ثمَّ، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب نهي (السّلف) عَن إقراض الولائد، وَتبع فِي هَذَا إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ حَكَاهُ كَذَلِك وَقَالَ: إِنَّه صَحَّ عَنْهُم. وَخَالف فِي «الْوَسِيط» فَعَزاهُ إِلَى «الصَّحَابَة» بدل «السّلف) وَقَالَ ابْن حزم (ردا) عَلَى المتابع: مَا نعلم لَهُ حجَّة أصلا من كتاب وَلَا من رِوَايَة سقيمة، وَلَا من قَول صَاحب، وَلَا من إِجْمَاع، وَلَا من قِيَاس، وَلَا من رَأْي سديد. وَذكر الرَّافِعِيّ عَن «الْوَجِيز» أَنه قَالَ: «وَله الْمُطَالبَة بِبَدَلِهِ للجبر» وَصوب أَنه يقْرَأ بِالْجِيم لَا بِالْخَاءِ لِأَنَّهُ مُنَاسِب للْمعنى الْمَذْكُور، وَهُوَ مَا أوردهُ الإِمَام وَالْغَزالِيّ فِي «وسيطه» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 623 كتاب الرَّهْن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 625 (كتاب) الرَّهْن ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سِتَّة أَحَادِيث: الحَدِيث الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رهن درعه من يَهُودِيّ، فَمَاتَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَدِرْعه مَرْهُونَة عِنْده» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «اشْتَرَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من يَهُودِيّ طَعَاما وَرَهنه درعًا من حَدِيد» وَهَذَا لفظ مُسلم، وَفِي لفظ لَهُ «طَعَاما إِلَى أجل» وَفِي لفظ لَهُ «نَسِيئَة فَأعْطَاهُ درعًا لَهُ رهنا» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَفْظ «اشْتَرَى طَعَاما من يَهُودِيّ نَسِيئَة وَرَهنه درعًا لَهُ من حَدِيد» وَفِي لفظ لَهُ «توفّي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَدِرْعه مَرْهُونَة عِنْد يَهُودِيّ بِثَلَاثِينَ صَاعا من شعير» (قَالَ ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» وَفِي الْأَحْكَام لإسماعيل) «بِعشْرين صَاعا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 627 من شعير أَخذهَا لأَهله» قلت: هَذِه فِي النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَقَالَ فِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» : «بوسق شعير أَخذه لأَهله» . قَالَ: وَفِي «الْمُدَوَّنَة» : أَنه قَضَى بذلك دينا كَانَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَفِي غير البُخَارِيّ: أَنه لضيف طرقه، ثمَّ فداها أَبُو بكر. قلت: وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس قَالَ: «رهن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - درعًا عِنْد يَهُودِيّ بِالْمَدِينَةِ وَأخذ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهله» وَأخرجه أَحْمد (عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل، أَنا الْأَعْمَش، عَن أنس قَالَ: «كَانَ درع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَرْهُونَة مَا وجد مَا يفكها حَتَّى مَاتَ» وَأخرجه أَحْمد) وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس مثل حَدِيث عَائِشَة، قَالَ صَاحب «الاقتراح» : وَهُوَ عَلَى شَرط البُخَارِيّ: قَالَ: لَا جرم أخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، ووراه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَقَالَ فِي رِوَايَته: «فَمَا وجد مَا يفكها حَتَّى مَاتَ» . وَفِي إسنادها قيس بن الرّبيع صَدُوق سَاءَ حفظه بِآخِرهِ. فَائِدَة: هَذَا الْيَهُودِيّ يُقَال لَهُ (أَبُو) الشَّحْم. قَالَه الْخَطِيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 628 الْبَغْدَادِيّ فِي (مبهماته) وَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ رهن درعًا لَهُ عِنْد أبي الشَّحْم الْيَهُودِيّ - رجل من بني ظفر - فِي شعير» لكنه مُنْقَطع، كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَوَقع وَفِي «نِهَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ» فِي كتاب الرَّهْن قبيل بَاب الرَّهْن والحميل بِنَحْوِ ورقتين تَسْمِيَة هَذَا الْيَهُودِيّ بِأبي شحمة. الحَدِيث الثَّانِي عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنتخذ (الْخمر خلاًّ) ؟ قَالَ: لَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك، وَهَذَا السَّائِل لم أر أحدا نَص عَلَى اسْمه مِمَّن ألف فِي المبهمات، وَيحْتَمل أَن يكون رَاوِي الحَدِيث الْآتِي بعد (وَرَوَى) مجَالد عَن أبي الوداك، عَن أبي سعيد قَالَ: «كَانَ عندنَا خمر ليتيم، فَلَمَّا نزلت الْمَائِدَة سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: إِنَّه ليتيم. فَقَالَ: أهريقوه» وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع قبيل بَاب الْعَارِية مُؤَدَّاة، ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن، وَقد رُوِيَ من غير وَجه نَحوه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 629 الحَدِيث الثَّالِث «أَن أَبَا طَلْحَة سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: عِنْدِي خمور لأيتام فَقَالَ: أرقها. قَالَ: أَلا أخللها؟ قَالَ: لَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس «أَن أَبَا طَلْحَة سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أَيْتَام ورثوا خمرًا فَقَالَ: أهرقها. قَالَ: أَلا أجعلها خلاًّ؟ قَالَ: لَا» . هَذَا لفظ أَحْمد وَأبي دَاوُد، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ «يَا نَبِي الله، إِنِّي اشْتريت خمرًا لأيتام فِي حجري، فَقَالَ: أهرق الْخمر وَكسر الدِّنان» ثمَّ قَالَ: وَقد (رُوِيَ) عَن أنس «أَن أَبَا طَلْحَة كَانَ عِنْده خمر لأيتام» وَهُوَ أصح. زَاد الطَّبَرَانِيّ فِي الأول بعد: «وَكسر الدنان» «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا لأيتام. قَالَ: أهرق الْخمر وَكسر الدنان» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الثَّوْريّ وَإِسْرَائِيل فجعلاه من مُسْند أنس، وَخَالَفَهُمَا قيس فَجعله من مُسْند [أبي] طَلْحَة، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح. فَائِدَة: قَوْله «أهرقها» هُوَ بِفَتْح الْهَاء والهمزة أَي أرقها، وَفِي «مُسْند الجزء: 6 ¦ الصفحة: 630 أَحْمد» من حَدِيث ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ شقّ (أزقاق) الْخمر بمدية وَأمر بذلك» فَلَعَلَّهُ كَانَ حِين كَانَت الْعقُوبَة بِالْمَالِ. فَائِدَة ثَانِيَة: فِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أم سَلمَة مَرْفُوعا «أَن الدّباغ يحل من الْميتَة كَمَا يحل الْخلّ من الْخمر» يَعْنِي: أَن الْخمر إِذا صَارَت خلاًّ حلت (وَهُوَ لَا يقْدَح فِي حَدِيث أنس الْمَذْكُور) لِأَن فِي إِسْنَاده فرج بن فضَالة وَهُوَ وَإِن وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين فقد ضعفه غَيرهمَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ فرج هَذَا عَن يَحْيَى بن سعيد وَهُوَ ضَعِيف يروي عَن يَحْيَى بن سعيد أَحَادِيث عدَّة لَا يُتَابع عَلَيْهَا. قلت: وَلَا يقْدَح أَيْضا فِيهِ حَدِيث جَابر الْمَرْفُوع «مَا أفقر أهل بَيت من أَدَم فِيهِ خل، وَخير خلكم خل خمركم» لِأَن فِي سَنَده الْمُغيرَة بن زِيَاد الْموصِلِي وَإِن وَثَّقَهُ ابْن معِين وَجَمَاعَة، فَقَالَ الْحَاكِم (فِيمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَغَيرهَا) : إِنَّه حَدِيث واهٍ شَاذ الْإِسْنَاد، والمغيرة صَاحب مَنَاكِير. وَحدث عَن عبَادَة بن نسي (بِحَدِيث) مَوْضُوع، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فِي هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث أم سَلمَة: هَذَانِ حديثان لَا يعرفان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 631 وَلَا أصل لَهما. وَنسب الصغاني (الأول) إِلَى الْوَضع، وَأجَاب الْبَيْهَقِيّ: بِأَن أهل الْحجاز يَقُولُونَ لخل الْعِنَب: خل الْخمر. وَهُوَ المُرَاد بالْخبر إِن صَحَّ، أَو خمرًا تخللت بِنَفسِهَا. وَعَلَى ذَلِكَ حمله فرج بن فضَالة رَاوِيه. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الظّهْر يركب إِذا كَانَ مَرْهُونا، وَعَلَى الَّذِي يركبه نَفَقَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الرَّهْن يركب بِنَفَقَتِهِ، وَيشْرب لبن الدّرّ إِذا كَانَ مَرْهُونا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الظّهْر يركب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا، وَلبن الدّرّ يشرب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا، وَعَلَى الَّذِي يركب وَيشْرب النَّفَقَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك وَيَحْيَى الْقطَّان عَن زَكَرِيَّا، وَرَوَاهُ هشيم وسُفْيَان بن حبيب عَن زَكَرِيَّا، و (زادا) فِي مَتنه: «الْمُرْتَهن» وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب الدَّوْرَقِي عَن هشيم قَالَ: «إذاكانت الدَّابَّة مَرْهُونَة فعلَى الَّذِي رهن عَلفهَا، وَلبن الدّرّ يشرب، وَعَلَى الَّذِي يشرب ويركب نَفَقَته» قَالَ فِي «الْمعرفَة» : وَصَحَّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: «لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 632 ينْتَفع من الرَّهْن بِشَيْء» . وَعَن زَكَرِيَّا، عَن الشّعبِيّ فِي رجل ارْتهن جَارِيَة فأرضعت لَهُ، قَالَ: «يغرم لصَاحب الْجَارِيَة قيمَة الرَّضَاع» وَهَذَا يدل عَلَى خطأ تِلْكَ الزِّيَادَة. وَإِذا لم تصح تِلْكَ الزِّيَادَة كَانَ مَحْمُولا عَلَى الرَّاهِن فَيكون لَهُ درها وظهرها كَمَا يكون عَلَيْهِ نَفَقَتهَا، وَذَلِكَ يُوَافق رِوَايَة [زِيَاد] بن سعد وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا يغلق الرَّهْن، لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَرَوَاهُ (غَيره) مُرْسلا « [لَا يغلق] الرَّهْن من صَاحبه الَّذِي رَهنه، لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَهَذَا أولَى من حمله عَلَى الْمُرْتَهن، وَحمله عَلَى النّسخ بِلَا حجَّة، (لما) فِي هَذَا من حمل هَذِه الرِّوَايَات عَن أبي هُرَيْرَة عَلَى الْمُوَافقَة وَالْقَوْل بهَا دون ترك شَيْء مِنْهَا. قلت: وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى الرَّد عَلَى «الطَّحَاوِيّ» فَإِنَّهُ رَوَى عَن الشّعبِيّ أَنه «لَا ينْتَفع من الرَّهْن بِشَيْء» ثمَّ قَالَ: (فَهَذَا) الشّعبِيّ يَقُول هَذَا، وَقد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مَا ذَكرْنَاهُ. ثمَّ ادَّعَى نسخه. وَلما رَوَى التِّرْمِذِيّ الحَدِيث السالف من حَدِيث وَكِيع عَن زَكَرِيَّا بِاللَّفْظِ الثَّانِي للْبُخَارِيّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عَامر الشّعبِيّ، وَقد رَوَى غير وَاحِد هَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْمَش، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 633 عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة [مَوْقُوفا] وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم، فَقَالَ فِي «محلاه» ، وَاعْترض بعض من لَا يَتَّقِي الله - تَعَالَى - عَلَى حَدِيث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «الرَّهْن محلوب ومركوب» فَقَالَ: خبر رَوَاهُ هشيم، عَن زَكَرِيَّا، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة، وَذكر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا كَانَت الدَّابَّة مَرْهُونَة فعلَى الْمُرْتَهن عَلفهَا، وَلبن الدّرّ يشرب، وَعَلَى الَّذِي يشرب نَفَقَتهَا وتركب» قَالَ: هَذَا (الْقَائِل الْمُتَقَدّم) : فَإِذا (كَانَ) المُرَاد بذلك الْمُرْتَهن فَهُوَ مَنْسُوخ بِتَحْرِيم الرِّبَا، وبالنهي عَن سلف جر مَنْفَعَة. قَالَ ابْن حزم: وَهَذَا كَلَام فِي غَايَة الْفساد والجرأة، أول ذَلِكَ أَن هَذَا خبر لَيْسَ مُسْندًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَان أَن هَذَا اللَّفْظ من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَأَيْضًا فَإِن فِيهِ لفظا (مختلطًا) لَا يفهم أصلا (وَهُوَ) قَوْله: «وَلبن الدّرّ يشرب بنفقتها ويركب» وحاش لله أَن يكون هَذَا من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَأْمُور بِالْبَيَانِ لنا، وَهَذِه الرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن سَالم الصَّائِغ مولَى بني هَاشم، عَن هشيم فالتخليط من قبله لَا من قبل هشيم (فَمن فَوْقه) لِأَن حَدِيث هشيم هَذَا رَوَيْنَاهُ من طَرِيق سعيد بن مَنْصُور الَّذِي هُوَ أحفظ النَّاس لحَدِيث هشيم وأضبطهم لَهُ، فَقَالَ: هشيم، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة رفع الحَدِيث فِيمَا زعم، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الرَّهْن يركب ويعلف، وَلبن الدّرّ إِذا كَانَ مَرْهُونا يشرب، وَعَلَى الَّذِي يشربه النَّفَقَة والعلف» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 634 قلت: إِسْمَاعِيل هَذَا رَوَى عَنهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» محتجًا بِهِ وَتَابعه عَلَيْهِ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث زِيَاد بن أَيُّوب عَن هشيم بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «وَعَلَى الَّذِي يشرب نَفَقَته ويركب» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب (الدَّوْرَقِي) ، عَن هشيم، قَالَ: «إِذا كَانَت الدَّابَّة (مَرْهُونَة) فعلَى الَّذِي رهن عَلفهَا، وَلبن الدّرّ يشرب وَعَلَى الَّذِي يشرب ويركب نَفَقَته» . وَقد أسلفنا هَذِه فقد رَوَاهُ عَن هشيم (غير) إِسْمَاعِيل: يَعْقُوب الدَّوْرَقِي وَزِيَاد بن أَيُّوب وهما ثقتان رَوَى عَنْهُمَا البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الرَّهْن مركوب ومحلوب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مجشر، ثَنَا (أَبُو) مُعَاوِيَة، وَمن حَدِيث يَحْيَى بن حَمَّاد، ثَنَا أَبُو عوَانَة جَمِيعًا، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ - وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَذَا: - لم يخرجَاهُ لِاجْتِمَاع الثَّوْريّ وَشعْبَة عَلَى وَقفه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 635 عَلَى أبي هُرَيْرَة قَالَ: وَأَنا عَلَى أُصَلِّي الَّذِي أصلته فِي قبُول الزِّيَادَة من الثِّقَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ أَيْضا أَعنِي طَرِيق أبي عوَانَة، وَأبي مُعَاوِيَة، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق شَيبَان بن فروخ، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ. فَذكرت ذَلِكَ لإِبْرَاهِيم فكره أَن ينْتَفع بِشَيْء مِنْهُ. قَالَ: وَرَوَاهُ الْجَمَاعَة مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة. ثمَّ سَاقه عَنْهُم وَذكره فِي «الْمعرفَة» مَوْقُوفا من طَرِيق الشَّافِعِي، قَالَ: وَذكره الْمُزنِيّ مَرْفُوعا بِلَا إِسْنَاد قَالَ: وَوَقفه هُوَ الصَّحِيح. وَفِي علل (ابْن) أبي حَاتِم سَمِعت أبي يَقُول: ثَنَا الطنافسي، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة ثَنَا الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «الرَّهْن مركوب ومحلوب» رَفعه مرّة ثمَّ ترك بعدُ الرّفْع (فَكَانَ يقفه) وَقَالَ ابْن عدي: لَا أعلم رَفعه عَن أبي مُعَاوِيَة غير إِبْرَاهِيم بن مجشر. قلت: قد رَفعه (الطنافسي) عَنهُ كَمَا رَوَاهُ وَكَذَا شَيبَان بن فروخ كَمَا سلف، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» أَن شُعْبَة اخْتلف عَلَيْهِ فِي رَفعه وَأَن الصَّوَاب رِوَايَة الْوَقْف ثمَّ ذكر اخْتِلَافا فِي رَفعه وَوَقفه بَين مَنْصُور وَغَيره ثمَّ قَالَ: وَالْمَوْقُوف أصح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 636 قلت: وَهُوَ مَا اقْتصر عَلَيْهِ إمامنا فِي «الْأُم» حَيْثُ رَوَاهُ عَن سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «الرَّهْن مركوب ومحلوب» ، قَالَ الشَّافِعِي: يشبه قَول أبي هُرَيْرَة - وَالله أعلم - أَن من رهن ذَات در وَظهر وَلم يمْنَع الرَّاهِن من درها وظهرها؛ لِأَن لَهُ رقبَتهَا فَهِيَ مركوبة ومحلوبة كَمَا كَانَت قبل الرَّهْن. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « [لَا يغلق] الرَّهْن من راهنه لَهُ غُنمه وَعَلِيهِ غُرمه» . هَذَا الحَدِيث رُوِيَ مُتَّصِلا ومرسلاً، أما الْمُتَّصِل: فَمن طَرِيق أبي هُرَيْرَة، وَأما الْمُرْسل فَمن طَرِيق سعيد بن الْمسيب، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» عَن ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يغلق الرَّهْن من صَاحبه الَّذِي رَهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» . قَالَ الشَّافِعِي: غنمه زِيَادَته، وغرمه: هَلَاكه، قَالَ: وَأخْبرنَا الثِّقَة عَن يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن ابْن شهَاب، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمثلِهِ أَو بِمثل مَعْنَاهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن أبي ذِئْب مَوْصُولا، وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة ضَعِيف، وَحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 637 ابْن عَيَّاش عَن غير أهل الشَّام ضَعِيف. ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن زِيَاد بن (سعد) ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا يغلق الرَّهْن لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» ثمَّ قَالَ: قَالَ عَلّي - يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ -: زِيَاد بن (سعد) من الْحفاظ الثِّقَات، وَهَذَا إِسْنَاد حسن مُتَّصِل. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَخَالف فِي «سنَنه» ، فَقَالَ عقب قَول الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا قد رَوَاهُ غَيره عَن سُفْيَان عَن زِيَاد مُرْسلا وَهُوَ الْمَحْفُوظ، وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب مُرْسلا إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا قَوْله «لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» من قَول ابْن الْمسيب. وَتبع فِي ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فَإِنَّهُ قَالَ فِي «علله» إرْسَاله هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» : إِنَّه الصَّحِيح. وَأخرجه فِي «سنَنه» أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن نصر الْأَصَم، عَن (شَبابَة) ، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يغلق الرَّهْن، وَالرَّهْن لمن رَهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَعبد الله هَذَا ضَعِيف وَلما ذكره عبد الْحق من هَذَا الْوَجْه من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 638 الحَدِيث مُرْسلا عَن سعيد، وَرفع عَنهُ فِي هَذَا الْإِسْنَاد وَغَيره، وَرَفعه صَحِيح. وناقشه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أرَاهُ تبع فِي ذَلِكَ ابْن عبد الْبر فَإِنَّهُ صَححهُ. وَهَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده عبد الله بن نصر الْأَنْطَاكِي، لَا يعرف حَاله، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَذكر ابْن عدي لَهُ أَحَادِيث أنْكرت عَلَيْهِ مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. قلت: وَوَقع فِي «الْمُحَلَّى» لِابْنِ حزم بدل عبد الله هَذَا نصر بن عَاصِم الثِّقَة، وَكَأَنَّهُ تَحْرِيف، وَالصَّوَاب كَمَا وَقع فِي الدَّارَقُطْنِيّ، وَأخرجه أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث بشر بن يَحْيَى الْمروزِي، ثَنَا أَبُو عصمَة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه «لَا يغلق الرَّهْن (لَك) غنمه و (عَلَيْك) غرمه» ثمَّ قَالَ: بشر وَأَبُو عصمَة ضعيفان وَلَا يَصح عَن مُحَمَّد بن عَمْرو. وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لايغلق الرَّهْن، لصَاحبه غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَمن حَدِيث إِسْمَاعِيل، عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، وَقد سبق كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل هَذَا، وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث أبي ميسرَة أَحْمد بن عبد الله بن ميسرَة حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد الرقي، عَن الزُّهْرِيّ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 639 (عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا يغلق الرَّهْن حَتَّى يكون (لَك) غنمه و (عَلَيْك) غرمه» وَأحمد هَذَا مَتْرُوك) ، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يزِيد بن الدواس، ثَنَا كدير أَبُو يَحْيَى (نَا) معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن ابي هُرَيْرَة رَفعه «لَا يغلق الرَّهْن لَك غنمه وَعَلَيْك غرمه» هَذَا حَدِيث غَرِيب عَن معمر وَالْمَعْرُوف عَنهُ إرْسَاله، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أرْسلهُ عبد الرَّزَّاق وَغَيره عَن معمر. قلت: وَأما ابْن حبَان فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا مَضَى وَقَالَ فِيهِ: إِنَّه حسن مُتَّصِل. وَكَذَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث (صَحِيح حسن) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ فَلم يخرجَاهُ لخلاف فِيهِ عَلَى أَصْحَاب الزُّهْرِيّ، قَالَ: وَقد تَابع مَالك وَابْن أبي ذِئْب وَسليمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي وَمُحَمّد بن الْوَلِيد (الزبيدِيّ) وَمعمر بن رَاشد عَلَى هَذِه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 640 الرِّوَايَة. ثمَّ ذكر ذَلِكَ كُله عَنْهُم بأسانيده، وَفِي رِوَايَة لَهُ: « (لَا يغلق الرَّهْن، الرَّهْن لمن رَهنه، لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَفِي رِوَايَة) «لَا يغلق الرَّهْن حَتَّى يكون لَك غنمه وَعَلَيْك غرمه» . فَائِدَة: قد تقدم عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: غنمه: زِيَادَته، وغرمه: هَلَاكه. وَقَالَ غَيره: غرمه أَدَاء مَا يُقْضَى بِهِ الدَّين. وَوَقع فِي الحَدِيث فِي «الْخُلَاصَة» عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة زِيَادَة تكْرَار «لَا يغلق الرَّهْن» ثَلَاثًا، وَلم أره فِي كتاب حَدِيث وَهَذِه اللَّفْظَة وَهِي «لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» قيل: إِنَّهَا مدرجة فِي الحَدِيث من كَلَام ابْن الْمسيب كَمَا (ينْقل) وَيحْتَمل خِلَافه. وَقَوله: «الرَّهْن من راهنه» أَي من ضَمَان راهنه. قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا من أفْصح مَا قالته الْعَرَب: الشَّيْء من فلَان، أَي من ضَمَانه، وَقيل «من» هُنَا بِمَعْنى لَام الْملك. حَكَاهُ صَاحب «المستعذب» . وَقَوله: «لَا يغلق الرَّهْن» مَعْنَاهُ لَا يُستحق المُرْتَهَن إِذا لم يستفكه صَاحبه، وَكَانَ هَذَا من فعل الْجَاهِلِيَّة، أَن الرَّاهِن إِذا لم يرد مَا عَلَيْهِ فِي الْوَقْت الْمعِين الْمَشْرُوط ملك الْمُرْتَهن الرَّهْن، فأبطله الْإِسْلَام (والغلق ضد الفك وأغلقت الرَّهْن) أَي أوجبته للْمُرْتَهن، وَذكر أَبُو عبيد فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 641 تأويلين أَحدهمَا هَذَا أَي: لَا يملكهُ الْمُرْتَهن عِنْد تَأَخّر الْحق، وَالثَّانِي: لَا يكون غلقًا عِنْد تلف الْحق بتلفه. قَالَ: فَوَجَبَ حمله عَلَيْهِمَا. وَقَوله: «لَا يغلق» الْقَاف فِيهِ مَرْفُوعَة، كَذَا قَيده الْقُرْطُبِيّ فِي أَوَاخِر تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، وَقَالَ صَاحب «التنقيب» : الْقَاف بِالْكَسْرِ عَلَى النَّهْي أَو بِالرَّفْع عَلَى النَّفْي خلاف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 642 كتاب التَّفْلِيس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 643 كتاب التَّفْلِيس ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث تِسْعَة أَحَادِيث: أَحدهَا عَن كَعْب بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجر عَلَى معَاذ وَبَاعَ عَلَيْهِ مَاله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام بن يُوسُف، أبنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه « (أَن) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجر عَلَى معَاذ بن جبل مَاله وَبَاعه فِي دين كَانَ عَلَيْهِ» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، عَن معمر وَخَالفهُ عبد الرَّزَّاق فِي إِسْنَاده فَرَوَاهُ مُرْسلا. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي مَوَاضِع هُنَا وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي كتاب الْأَحْكَام وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي تَرْجَمَة معَاذ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْن الطلاع: إِنَّه حَدِيث ثَابت. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 645 الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك وَهُوَ عبد الرَّحْمَن «أَن معَاذ بن جبل لم يزل يدَّان حَتَّى أغلق مَاله كُله، فَأَتَى غرماؤه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَطلب معَاذ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يسْأَل غرماءه أَن يضعوا لَهُ أَو يؤخروا، فَأَبَوا، فَلَو ترك [لأحد] من أجل أحد لترك لِمعَاذ من أجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَبَاعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَاله كُله فِي دينه حَتَّى قَامَ معَاذ بِغَيْر شَيْء» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن عبد الرَّحْمَن «فَلم يزدْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غرماءه عَلَى أَن خلع لَهُم مَاله» . وَرَوَاهُ أَيْضا مُرْسلا سعيد بن مَنْصُور وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ عبد الْحق: إِنَّه أصح من الْمُتَّصِل. وَقَالَ صَاحب (الْإِلْمَام) : إِنَّه الْمَشْهُور فِيهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق آخر مُتَّصِلا رَوَاهُ من حَدِيث [عبد الله بن مُسلم] بن هُرْمُز، عَن سَلمَة الْمَكِّيّ، عَن جَابر بن عبد الله «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (خلع معَاذ بن جبل من غُرَمَائه ثمَّ اسْتَعْملهُ عَلَى الْيمن، فَقَالَ معَاذ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) استخلصني بِمَا لي ثمَّ استعملني» وَعبد الله هَذَا ضعفه أَحْمد وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَسَلَمَة لَا أعرف حَاله وَلَا رَوَى عَنهُ غير عبد الله وَلَا رَوَى عَن غير جَابر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَى عَن جَابر من وَجْهَيْن ضعيفين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 646 فَائِدَة: كَانَ تفليس معَاذ سنة تسع من الْهِجْرَة كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» قَالَ: وَحصل لغرمائه خَمْسَة أَسْبَاع حُقُوقهم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، بِعْهُ لنا. فَقَالَ: «لَيْسَ لكم إِلَيْهِ سَبِيل» . قلت: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ: تفرد بِبَعْض أَلْفَاظه الْوَاقِدِيّ. و (بَعثه) إِلَى الْيمن وَقَالَ: «لَعَلَّ الله أَن يجبرك» وَذَلِكَ فِي ربيع الآخر سنة تسع بعد أَن غزا غَزْوَة تَبُوك وَقدم بعد مَوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي خلَافَة الصّديق وَمَعَهُ غلْمَان، فَرَآهُمْ عمر فَقَالَ: مَا هم. فَقَالَ: أصبهم فِي وَجْهي. فَقَالَ عمر: من أَي وَجه؟ فَقَالَ: أهدوا إليّ وأكرمت بهم. فَقَالَ عمر: اذكرهم لأبي بكر. فَقَالَ معَاذ: فأذكر هَذَا لأبي بكر! فَنَامَ معَاذ فَرَأَى كَأَنَّهُ عَلَى شَفير جَهَنَّم وَعمر آخذ بحجزته من وَرَائه لِئَلَّا يَقع فِي النَّار، فَفَزعَ معَاذ فَذكرهمْ لأبي بكر كَمَا أمره عمر فسوغه إيَّاهُم أَبُو بكر، وَقَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَعَلَّ الله أَن يجبرك. فَقَضَى غرماءه بَقِيَّة (دُيُونهم) » وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه» «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لما حج بَعثه إِلَى الْيمن، وَأَنه أول من تجر فِي مَال الله حَتَّى إِذا كَانَ فتح مَكَّة بَعثه إِلَى الْيمن» . تَنْبِيه: لما ذكر عبد الْحق هَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل أبي دَاوُد تعقبه بِأَن قَالَ: أسْندهُ هِشَام بن يُوسُف والمرسل أصح. فَاعْترضَ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: كَذَا ذكر هَذِه الرِّوَايَة وَلم يعزها وَلَا أعرف موقعها. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، فَهِيَ فِي الْكتب الْمَشْهُورَة كالدارقطني وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ كَمَا أسلفناها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 647 الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أفلس الرجل وَقد وجد البَائِع سلْعَته بِعَينهَا فَهُوَ أَحَق بهَا من الْغُرَمَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه وَلَفظ البُخَارِيّ «من أدْرك مَاله بِعَيْنِه عِنْد رجل أَو إِنْسَان قد أفلس فَهُوَ أَحَق بِهِ من غَيره» وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ هَذَا أَحدهَا، وَثَانِيها: «إِذا أفلس الرجل فَوجدَ الرجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ» . ثَالِثهَا: إِلَّا أَنه قَالَ: «سلْعَته بِعَينهَا» . رَابِعهَا: «فَهُوَ أَحَق بِهِ من الْغُرَمَاء» وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك بِلَفْظ «أَيّمَا رجل أفلس فَأدْرك الرجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ» وَرَوَاهُ عَن غَيره بِلَفْظ «من أدْرك مَاله عِنْد رجل بِعَيْنِه (قد أفلس فَهُوَ أَحَق بِهِ من غَيره» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «إِذا أفلس الرجل فَوجدَ البَائِع سلْعَته بِعَينهَا) فَهُوَ أَحَق بهَا دون (الْغُرَمَاء) » . قَالَ فِي «الْمعرفَة» : وإسنادها صَحِيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 648 الحَدِيث الثَّالِث عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه قَالَ فِي مُفلس أَتَوْهُ بِهِ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَيّمَا رجل مَاتَ - أَو أفلس - فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا (وجده) بِعَيْنِه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الْمُعْتَمِر بن عَمْرو بن [رَافع] ، عَن [خلدَة]- أَو ابْن [خلدَة] الزرقي، شكّ: الْمُزنِيّ - عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه رَأَى رجلا أفلس فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ ... » فَذكره سَوَاء وَذكر الرّبيع هَذِه الرِّوَايَة عَن ابْن [خلدَة] (من غير شكّ لَكِن) عَن عَمْرو بن رَافع بدل «نَافِع» وَزَاد فِيهَا: أَن (ابْن خلدَة) كَانَ قَاضِيا بِالْمَدِينَةِ وَلَفظه «جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَة فِي صَاحب قد أفلس فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ ... » الجزء: 6 ¦ الصفحة: 649 فَذكره وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَكَذَا رَوَاهَا عَن عَمْرو بن (رَافع) حَرْمَلَة وَفِي بعض الرِّوَايَات عَن الرّبيع: عَمْرو بن نَافِع - بالنُّون - وَهِي أصح، وَابْن (خلدَة) هُوَ عَمْرو بن (خلدَة) وَيُقَال: عمر وَهُوَ أصح، [وَرَوَاهُ أَبُو] دَاوُد الطَّيَالِسِيّ [وَغَيره] عَن ابْن أبي ذِئْب وَفِيه من الزِّيَادَة «إِلَّا أَن يدع الرجل وَفَاء» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فَقَالَ: عَن [أبي] الْمُعْتَمِر عَن عمر بن (خلدَة) قَالَ: «أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَة فِي صَاحب لنا أفلس، فَقَالَ: لأقضين فِيكُم بِقَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، من أفلس أَو مَاتَ فَوجدَ رجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» فَقَالَ عَن [أبي] الْمُعْتَمِر بن عَمْرو بن رَافع عَن [ابْن خلدَة] الزرقي وَكَانَ قَاضِيا بِالْمَدِينَةِ «جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَة فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 650 صَاحب لنا قد أفلس فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، أَيّمَا رجل ... » فَذكره بِلَفْظ «الْمُخْتَصر» . قلت: وأعل هَذَا الحَدِيث بِأبي الْمُعْتَمِر فَحَكَى عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: من يَأْخُذ بِهَذَا وَأَبُو الْمُعْتَمِر من هُوَ لَا يعرف. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لَا يُعرف من هُوَ، وَلَا سمعنَا لَهُ ذكرا إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. انْتَهَى. وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم وَقَالَ: رَوَى عَن [ابْن خلدَة] وَعَن عبيد الله بن عَلّي بن أبي رَافع، وَعَن الصَّلْت بن بهْرَام، وَعنهُ ابْن أبي ذِئْب سَمِعت أبي يَقُول ذَلِكَ، وَذكره الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي (كناه) كَذَلِك إِلَّا أَنه أسقط الصَّلْت بن بهْرَام وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَأخرج الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» هَذَا الحَدِيث من جِهَته من غير شكّ فِي ابْن (خلدَة) وَإِسْقَاط (وَاو) عَمْرو وبلفظ «الْمُخْتَصر» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث عَال صَحِيح الْإِسْنَاد بِهَذَا اللَّفْظ، وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: خبر مَوْصُول. وَقَول ابْن الْمُنْذر: هَذَا حَدِيث مَجْهُول الْإِسْنَاد. قد تبين لَك ابْتِدَاء الْجَهَالَة عَنهُ فاعلمه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 651 الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا رجل مَاتَ أَو أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه مَا لم يخلف وَفَاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد الحَدِيث الَّذِي قبله من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي رجل مَاتَ أَو أفلس أَن صَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه إِلَّا أَن يتْرك مَا فِيهِ وَفَاء» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِلَفْظ «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن من أفلس أَو مَاتَ فَأدْرك رجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ إِلَّا أَن يدع الرجل (مَا فِيهِ) وَفَاء» وَفِي رِوَايَة لَهُ «إِلَّا أَن يتْرك صَاحبه وَفَاء» . الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا حجر عَلَى معَاذ بالتماس مِنْهُ دون طلب الْغُرَمَاء» . هَذَا (الحَدِيث) تبع فِيهِ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فَإِنَّهُ قَالَ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حجر عَلَى معَاذ بالتماسه» وَتبع فِيهِ إِمَامه فَإِنَّهُ قَالَ فِي نهايته: قَالَ الْعلمَاء: مَا كَانَ حجر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى معَاذ من جِهَة (استدعاء) غرماءه، وَالْأَشْبَه أَن ذَلِكَ جَرَى باستدعائه، وَكَذَا هُوَ فِي (الْبَسِيط) للغزالي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 652 قلت: بل رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة عَن مراسيله تدل عَلَى طلب الْغُرَمَاء فَإِن فِيهَا «فَأَتَى غرماؤه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَطلب معَاذ ... » الحَدِيث أما رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فَفِيهَا «أَن معَاذًا أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَكَلمهُ ليكلم غرماءه» فقد يتخيل فِيهَا طلب معَاذ، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن إِتْيَانه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لأجل استدعائه مِنْهُم طلب الرِّفْق، كَمَا (بَينه فِيهِ) لَا للحجر عَلَيْهِ نبه عَلَى ذَلِكَ صَاحب «الْمطلب» . الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا رجل بَاعَ مَتَاعا فأفلس الَّذِي بَاعه وَلم يقبض البَائِع من ثمنه شَيْئا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ، وَإِن كَانَ قد اقْتَضَى من ثمنه شَيْئا فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء» . هَذَا الحَدِيث كَذَا هُوَ ثَابت فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ الصَّحِيحَة وَفِي بَعْضهَا «أَيّمَا رجل بَاعَ سلْعَة فَأدْرك سلْعَته بِعَينهَا عِنْد رجل قد أفلس وَلم يكن قبض من ثمنهَا شَيْئا (فَهِيَ لَهُ وَإِن كَانَ قبض من ثمنهَا شَيْئا) فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء» . وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن عبد الله بن مسلمة، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا رجل بَاعَ مَتَاعا فأفلس الَّذِي ابتاعه وَلم يقبض الَّذِي بَاعه من ثمنه شَيْئا فَوجدَ مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ، وَإِن مَاتَ المُشْتَرِي فَصَاحب الْمَتَاع أُسْوَة الْغُرَمَاء» قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 653 أَبُو دَاوُد: ثَنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد، ثَنَا عبد الله - يَعْنِي - ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكر بِمَعْنى حَدِيث مَالك، وَزَاد «وَإِن كَانَ قد قَضَى من ثمنهَا شَيْئا فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء» فِيهِ قَالَ: وثنا مُحَمَّد بن عَوْف، ثَنَا عبد الله بن عبد الْجَبَّار - يَعْنِي - الخبائري ثَنَا إِسْمَاعِيل - يَعْنِي - ابْن عَيَّاش عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحوه، قَالَ: «فَإِن كَانَ قَضَاهُ من ثمنهَا شَيْئا فَمَا بَقِي فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء، وَأَيّمَا امْرُؤ هلك وَعِنْده مَتَاع امْرِئ بِعَيْنِه، اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئا أَو لم يقتض فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء» قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيث مَالك أصح. يَعْنِي الْمُرْسل وَقد أخرجه كَذَلِك فِي «موطئِهِ» وَكَذَا نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِي: حَدِيث ابْن (خلدَة) الْمُتَقَدّم أولَى من هَذَا وَحَدِيث ابْن شهَاب مُنْقَطع. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش مُضْطَرب الحَدِيث وَلَا يثبت هَذَا عَن الزُّهْرِيّ [مُسْندًا] وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسل. وَخَالفهُ الْيَمَان بن عدي فِي إِسْنَاده واليمان ضَعِيف [الحَدِيث] وَكَذَلِكَ قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ - وَقد سَأَلَهُ عَنهُ ابْنه مَرْفُوعا بِذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 654 (أبي) هُرَيْرَة -: إِنَّمَا هُوَ مُرْسل وَالْأول خطأ فِيهَا الْيَمَان، وَهُوَ شيخ ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ مَوْصُولا وَلَا يَصح. وَقد أخرجه مُرْسلا إِمَام دَار الْهِجْرَة فِي «موطئِهِ» وَجزم بذلك الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب فَقَالَ: هُوَ مُرْسل. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» بعد نَقله مقَالَة الدَّارَقُطْنِيّ (السالفة) : «هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الزبيدِيّ وَهُوَ شَامي» وَقد اشْتهر تَصْحِيح حَدِيث إِسْمَاعِيل (عَن) الشاميين إِلَّا أَنه شَامي رَوَى عَن الْحِجَازِيِّينَ. قلت: وَله متابعات فَذكر صَاحب «التَّمْهِيد» (أَنه) رَوَاهُ عبد الله بن بركَة وَمُحَمّد بن عَلّي وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الصنعانيون، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي بكر، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مُسْندًا. وَكَذَا رَوَاهُ عرَاك بن مَالك عَن أبي هُرَيْرَة ذكره ابْن حزم، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَابع عبد الرَّزَّاق عَلَى إِسْنَاده عَن مَالك: أَحْمد بن مُوسَى، وَأحمد بن أبي طيبَة، وَرَوَى عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» عَن مَالك الْمُرْسل الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: ثَنَا أَبُو سُفْيَان، عَن هِشَام صَاحب الدستوَائي، حَدَّثَني قَتَادَة عَن بشير بن نهيك، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثل حَدِيث الزُّهْرِيّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 655 الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (ليُّ الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته» ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من حَدِيث عَمْرو بن (الشريد) ، عَن أَبِيه (بِاللَّفْظِ) الْمَذْكُور. وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَاخِر كتاب الْأَحْكَام أَيْضا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَذكره البُخَارِيّ فِي بَاب لصَاحب [الْحق مقَال] ، فَقَالَ: وَيذكر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ليُّ الْوَاجِد يُحلُّ عُقُوبَته وَعرضه» . فَائِدَة: الليُّ - بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء - المطل، والواجد - بِالْجِيم - الْمُوسر، قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي عرضه أَن يَقُول مطلني حَقي وعقوبته (أَن) يسجن. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: يحل عرضه يغلظ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 656 (عَلَيْهِ) وعقوبته يحبس لَهُ، وَنقل الإِمَام أَحْمد عَن وَكِيع: أَن عرضه شكايته، وعقوبته حَبسه. قَالَ الرَّافِعِيّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَرَادَ بالعقوبة الْحَبْس والملازمة. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حبس رجلا أعتق شِقْصا لَهُ فِي عبد فِي قيمَة الْبَاقِي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي مجلز «أَن عبدا كَانَ بَين رجلَيْنِ فَأعتق أَحدهمَا نصِيبه فحبسه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى بَاعَ فِيهِ (غنمة) لَهُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع، قَالَ: وَقد رَوَاهُ (الثَّوْريّ) عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي مجلز بِمَعْنَاهُ. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن الْقَاسِم، عَن [أَبِيه عَن] عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ ضَعِيف. وَذكر ابْن الطلاع فِي «أقضيته» عَن أَحْكَام بن زِيَاد، عَن الْفَقِيه أبي صَالح أَيُّوب بن سُلَيْمَان «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سجن رجلا أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَوَجَبَ عَلَيْهِ استتمام عتقه» . قَالَ فِي الحَدِيث: «حَتَّى بَاعَ (غنمة) لَهُ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 657 الحَدِيث (التَّاسِع) «أَن رجلا ذكر للنَّبِي (جَائِحَة أَصَابَته فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ من الصَّدَقَة، فَقَالَ (: «حَتَّى يشْهد ثَلَاثَة من ذَوي الحجمى من قومه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث قبيصَة بن مُخَارق الْهِلَالِي قَالَ: «تحملت حمالَة فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أسأله فِيهَا فَقَالَ: أقِم حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَة، فنأمر لَك بهَا. ثمَّ قَالَ: يَا قبيصَة إِن (الْمَسْأَلَة) لَا تحل إِلَّا لأحد ثلاثةٍ: رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى (يُصِيبهَا أَو يمسك، وَرجل أَصَابَته جَائِحَة اجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى) يُصِيب قوامًا من عَيْش - أَو قَالَ: سدادًا من عَيْش - وَرجل أَصَابَته فاقة حَتَّى يقوم ثَلَاثَة من ذَوي الحجا من قومه لقد أَصَابَت فلَانا فاقة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة، حَتَّى يُصيب قوامًا من عَيْش - أَو قَالَ: سدادًا من عَيْش - فَمَا سواهن [من الْمَسْأَلَة] يَا قبيصَة سحتًا يأكلها صَاحبهَا سحتا» . كَذَا وَقع فِي مُسلم «يقوم» وَوَقع فِي أبي دَاوُد «يَقُول» بِاللَّامِ. وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» فَيشْهد وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم بل لم يخرج البُخَارِيّ عَن قبيصَة فِي كِتَابه شَيْئا و (الْحمالَة) بِفَتْح الْحَاء الِاسْتِدَانَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 658 والحجى مَقْصُور: الْعقل، والقِوام والسِداد (بِكَسْر أَولهمَا) قَالَ ابْن درسْتوَيْه: والعامة تَقول: هُوَ قوام الْأَمر - بِالْفَتْح - وَهُوَ خطأ. قلت: قد حَكَاهُ يَعْقُوب فِي «إِصْلَاحه» وَأَبُو (عبيد) وَغَيرهمَا، وَقَالَ ابْن سَيّده: الْعَامَّة تَقول السَداد بِالْفَتْح، وَهُوَ خطأ. قلت: قد حَكَاهُ يَعْقُوب فِي «إِصْلَاحه» أَنه يُقَال: سداد، وَمن عَوَز بِالْفَتْح فَحصل وَجها (من هَذَا) فِي السداد، وَالْكَسْر أفْصح وَهُوَ مَا يسد بِهِ الْخلَّة، وَأما سِداد القارورة وَالْبَعِير فبالكسر لَا غير، والسداد بِمَعْنى الْإِصَابَة مَفْتُوح، وَكَذَلِكَ «السدد» أَيْضا بِغَيْر ألف حَكَاهُ الْجَوْهَرِي. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا: وَهُوَ «أَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ خطب النَّاس وَقَالَ: أَلا إِن الأسيفع أسيفع جُهَيْنَة قد رَضِي من دينه وأمانته أَن يُقَال سبق الْحَاج فادَّان معرضًا. فَأصْبح وَقد (رين بِهِ) فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فليحضر فَإنَّا بَايعُوا (مَاله) وقاسموه بَين غُرَمَائه» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «موطئِهِ» فِي آخر بَاب (جَامع) الْقَضَاء عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن دلاف عَن أَبِيه «أَن رجلا من جُهَيْنَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 659 كَانَ [يسْبق الْحَاج فيشتري] الرَّوَاحِل (فيغالي) بهَا ثمَّ يسْرع السّير فَيَسْبق الْحَاج فأفلس، فَرفع أمره إِلَى عمر فَقَالَ: أما بعد، أَيهَا النَّاس، فَإِن الأسيفع، أسيفع جُهَيْنَة رَضِي من دينه وأمانته أَن يُقَال: سبق الْحَاج. أَلا وَإنَّهُ قد ادَّان معرضًا فَأصْبح قد رين بِهِ، فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين (فيلقانا) بِالْغَدَاةِ نقسم مَاله بَين غُرَمَائه، وَإِيَّاكُم وَالدّين فَإِن أَوله هم وَآخره (حَرَب) » . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَرَوَاهُ أَيُّوب فَقَالَ: نبئت عَن عمر بن الْخطاب مثل ذَلِكَ، وَقَالَ: «نقسم مَاله بَينهم بِالْحِصَصِ» . قلت: وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي «غَرِيبه» عَن أبي النَّضر، عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي سَلمَة، عَن ابْن دلاف، عَن عمر ... فَذكره بِمثلِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «سَابق الْحَاج» ، أَو قَالَ: «سبق الْحَاج» . وَفِي آخِره: «فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فليغد بِالْغَدَاةِ فلنقسم مَاله بَينهم بِالْحِصَصِ» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة بن دلاف، عَن أَبِيه، عَن بِلَال بن الْحَارِث، عَن عمر حدث بِهِ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن (عبيد الله) عَن عمر كَذَلِك. وَتَابعه عَبدة بن سُلَيْمَان (وَأَبُو حَمْزَة) وَخَالفهُم يَحْيَى الْقطَّان، فَرَوَاهُ عَن عبيد الله، عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة، عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 660 عَمه، عَن بِلَال بن الْحَارِث. وَرَوَاهُ زِيَاد بن سعد عَن ابْن دلاف وَهُوَ [عمر] بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن عمر. وَلم يذكر «بِلَالًا» . وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ وَمَالك وَعبد الله الْعمريّ عَن ابْن دلاف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالْقَوْل قَول زُهَيْر وَمن تَابعه عَن عبيد الله. وَرَوَاهُ مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن ابْن دلاف مُرْسلا عَن عمر. فَائِدَة: الرَّوَاحِل: جمع رَاحِلَة يَعْنِي الْإِبِل. والأسيفع بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين وَإِسْكَان الْيَاء وَكسر الْفَاء، كَذَا قَيده جماعات: ابْن أبي عصرون فِي «النَّص الْمَذْهَب عَلَى الْمَذْهَب» وَابْن [معن] فِي «تنقيبه» والقلعي فِي «تَحْرِير شَوَاهِد الْمُهَذّب» . وَوَقع فِي «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» للنووي تَقْيِيده بِفَتْحِهَا، وَلَعَلَّه من النَّاسِخ فقد ضَبطه بِكَسْرِهَا فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» . قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» : أسيفع تَصْغِير أسفع. قَالَ: والسَّفعة فِي اللَّوْن السوَاد. وجهينة: بطن من بطُون قضاعة بن مَالك بن (حمير) وَعَن قطرب أَنَّهَا منقولة من (مصغرة جهانة) عَلَى التَّرْخِيم، يُقَال: جَارِيَة جهانة، أَي: شَابة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 661 وَقَوله: ادَّان هُوَ بتَشْديد الدَّال وألفه ألف وصل أَي اسْتقْرض كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ. يُقَال: ادَّان الرجل (ودانته) إِذا بِعْت مِنْهُ بِأَجل. وَدنت وادّنت إِذا اشْتريت مِنْهُ إِلَى أجل. وَقَوله: «معرضًا» أَي يعْتَرض النَّاس فيستدين مِمَّن أمكنه قَالَه الرَّافِعِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير: المعرض هُنَا بِمَعْنى الْمُعْتَرض أَي اعْترض لكل من يقْرضهُ. يُقَال: عرض لي الشَّيْء وَأعْرض وَتعرض وَاعْترض بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَقيل: مَعْنَاهُ ادّان معرضًا عَمَّن يَقُول لَهُ لَا تستدن فَلَا يقبل. قَالَ: وَقيل مَعْنَاهُ أَخذ الدَّين معرضًا عَن الْأَدَاء. وَحَكَى هَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة القلعي فِي «مستغربه» وَقَالَ ابْن [معن] فِي «تنقيبه» بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَمَعْنَاهُ يتَعَرَّض النَّاس مستدينًا مِنْهُم قَالَ: رُوِيَ (بتَخْفِيف الرَّاء، وَمَعْنَاهُ معرضًا عَن الْعدْل فَلَا يقبل إِذا نهي، وَقيل عَن الْأَدَاء. وَقَوله: «وَقد رين بِهِ» أَي أحَاط بِهِ الدَّين، كَأَن الدَّين قد علاهُ وغطاه، يُقَال: رين بِالرجلِ رينًا إِذا وَقع فِيمَا لَا يَسْتَطِيع الْخُرُوج مِنْهُ. وَبِه جزم الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَنقل عَن أبي عبيد أَنه قَالَ: كل مَا غلبك فقد ران بك ورانك قَالَ تَعَالَى: (كلا بل ران عَلَى قُلُوبهم) . و «الْحَرْب» بِسُكُون (الرَّاء) مَعْرُوف يَعْنِي أَنه تعقب الْخُصُومَة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 662 وبفتح الرَّاء: السَّلب والنهب. قَالَه ابْن الْأَثِير. وَقَالَ المطرزي فِي «الْغَرِيب» : قَوْله حَرْب هُوَ بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ أَن يُؤْخَذ مَاله كُله كَذَا حَكَاهُ الْأَزْهَرِي عَن النَّضر بن شُمَيْل. قَالَ: وَيروَى حزن (وَهُوَ) هم وغم يُصِيب الْإِنْسَان بعد فَوَات المحبوب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 663 كتاب الْحجر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 665 كتاب الْحجر ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فثمانية. الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «عرضت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي جَيش وَأَنا ابْن أَربع عشرَة (سنة) فَلم يقبلني وَلم يرني بلغت، وَعرضت عَلَيْهِ من قَابل وَأَنا ابْن [خمس] عشرَة (سنة) فأجازني ورآني بلغت» . هَذَا الحَدِيث فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِدُونِ ذكر الْبلُوغ فيهمَا، وَهَذَا سياقته عَن ابْن عمر: «عرضت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم أحد وَأَنا ابْن أَربع عشرَة (سنة) فَلم يجزني وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس عشرَة (سنة) فأجازني» زَاد مُسلم بعد قَوْله «يَوْم أحد» : «فِي [الْقِتَال] » قَالَ نَافِع: (فَقدمت) عَلَى عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ يَوْمئِذٍ خَليفَة [فَحَدَّثته] هَذَا الحَدِيث. فَقَالَ: إِن هَذَا لحدُّ بَين الصَّغِير وَالْكَبِير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 667 وَكتب إِلَى عماله بذلك أَن يفرضوا لمن كَانَ ابْن خمس عشرَة سنة» زَاد مُسلم: «وَمن كَانَ دون ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَال» . وَفِي لفظ لمُسلم: «فاستصغرني» مَكَان «فَلم يجزني» . قَالَ الشَّافِعِي فِي (سير) الْوَاقِدِيّ: وَقد جعل ذَلِكَ مَعَ (سَبْعَة) عشر مِنْهُم زيد بن ثَابت وَرَافِع بن خديج. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن جريج عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَزَاد فِيهِ عِنْد قَوْله: «فَلم يجزني» : «وَلم يرني بلغت» ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ (قَالَ) قَالَ ابْن صاعد: فِي هَذَا الحَدِيث حرف غَرِيب وَهُوَ قَوْله «وَلم يرني بلغت» . قلت: وَأخرجه بِهَذَا الْحَرْف أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «عُرضت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم بدر وَأَنا ابْن ثَلَاث عشرَة فَلم يجزني فِي الْمُقَاتلَة وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم أحد فأجازني فِي الْمُقَاتلَة» . وَالْمرَاد بقوله: «وَأَنا ابْن أَربع عشرَة» أَي طعنت فِيهَا. وَبِقَوْلِهِ: «وَأَنا ابْن خمس عشرَة» أَي استكملتها وزدت عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَين أحد وَالْخَنْدَق سنتَانِ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» وَغَيرهمَا. الحَدِيث الثَّانِي عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا اسْتكْمل الْمَوْلُود خمس عشرَة سنة كتب مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وأقيمت عَلَيْهِ الْحُدُود» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 668 هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فَإِنَّهُ قَالَ: ومعتمدنا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ ... فَذكره، وَهُوَ تبع فِيهِ إِمَامه، فَإِنَّهُ كَذَلِك ذكره فِي (كِفَايَته) . وَقَالَ: إِن الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ وَلم أره أَنا فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ. وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِغَيْر إِسْنَاد. فَقَالَ: وَرَوَى قَتَادَة، عَن أنس مَرْفُوعا: «الصَّبِي إِذا بلغ خمس عشرَة أُقِيمَت عَلَيْهِ الْحُدُود» قَالَ: وَإِسْنَاده ضَعِيف وَهُوَ بِإِسْنَادِهِ فِي «الخلافيات» . وَهُوَ كَمَا قَالَ فقد رَأَيْته (فِيهَا) لَكِن من غير طَرِيق قَتَادَة (عَنهُ و) رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عِيسَى الرَّاوِي، عَن سعيد بن عبد الْملك الدِّمَشْقِي، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، عَن أنس مَرْفُوعا: «الصَّبِي (تكْتب لَهُ حَسَنَاته، وَلَا تكْتب عَلَيْهِ سيئاته حَتَّى إِذا بلغ ثَلَاث عشرَة) كتب مَا لَهُ وَعَلِيهِ فَإِذا بلغ خمس عشرَة سنة أُقِيمَت عَلَيْهِ الْحُدُود أَو أخذت مِنْهُ الْحُدُود» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة، عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد تقدم بَيَانه مَبْسُوطا فِي كتاب الصَّلَاة فَرَاجعه من ثَمَّ. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة عَن الْغُلَام حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 669 يَحْتَلِم فَإِن لم يَحْتَلِم حَتَّى يكون ابْن ثَمَان عشرَة، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ فَإِن - يَعْنِي - طلق فِي مَنَامه لم يَقع الطَّلَاق، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يَصح. قيل: يَا رَسُول الله، وَمن الْمَجْنُون؟ قَالَ: من أبلى شبابه فِي مَعْصِيّة الله» . مَوْضُوع. ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» وَقَبله الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع وَمُحَمّد بن الْقَاسِم (الطائكاني) الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده كَانَ مَعْرُوفا بِوَضْع الحَدِيث. نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم: إِنَّه وَضاع. وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» . الحَدِيث الرَّابِع «أَن سعد بن معَاذ حكم (عَلَى) بني قُرَيْظَة فَقتل مُقَاتلَتهمْ وَسبي ذَرَارِيهمْ فَكَانَ يكْشف عَن مؤتزر المراهقين فَمن أنبت مِنْهُم قتل، وَمن لم ينْبت جعل فِي الذَّرَارِي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَن سعد بن معَاذ حكم فِي بني قُرَيْظَة أَن تقتل مُقَاتلَتهمْ وتسبى ذَرَارِيهمْ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد حكمت بِحكم الله» . قَالَ الشَّافِعِي: فَكَأَن الْعلم فِي الْمُقَاتلَة والذرية الإنبات. وَهُوَ كَمَا قَالَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 670 وَسَيَأْتِي عَلَى الإثر بَيَانه. وَفِي «مُسْند الْبَزَّار» من حَدِيث عَامر بن سعد عَن أَبِيه «أَن سعد بن معَاذ حكم عَلَى بني قُرَيْظَة أَن يقتل مِنْهُم كل من جرت عَلَيْهِ المواسي، وَأَن تقسم ذَرَارِيهمْ وَأَمْوَالهمْ. فَذكر ذَلِكَ للنَّبِي (فَقَالَ: لقد حكم بَينهم بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات» . ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من غير وَجه، وَأَعْلَى من رَوَى ذَلِكَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سعد بن أبي وَقاص، وَلَا نعلم لَهُ عَن سعد طَرِيقا غير هَذَا الطَّرِيق. الحَدِيث الْخَامِس عَن عَطِيَّة الْقرظِيّ قَالَ: «عرضنَا عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم قُرَيْظَة وَكَانَ من أنبت قتل، وَمن لم ينْبت خلي سَبيله فَكنت مِمَّن لم ينْبت فخلى سبيلي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: حَدَّثَني عَطِيَّة الْقرظِيّ قَالَ: «كنت من سبي قُرَيْظَة فَكَانُوا ينظرونَ فَمن أنبت الشّعْر قتل، وَمن لم ينْبت لم يقتل فَكنت فِيمَن لم ينْبت» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد فِي الْحُدُود، وَفِي لفظ لَهُ «فكشفوا عَن عانتي فوجدوها لم تنْبت فجعلوني فِي السَّبي» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 671 وَلَفظ التِّرْمِذِيّ «عرضنَا عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم قُرَيْظَة فَكَانَ من أنبت قتل، وَمن لم ينْبت خلي سَبيله فَكنت مِمَّن لم ينْبت فخلى سبيلي» أخرجه فِي السّير، وَلَفظ النَّسَائِيّ «كنت فِي سبي قُرَيْظَة وَكَانَ ينظر فَمن خرجت شعرته قتل، وَمن لم تخرج استحيي وَلم يقتل» هَذَا لَفظه فِي كتاب الْقطع، وَلَفظه فِي كتاب الطَّلَاق «كنت يَوْم حكم سعد فِي بني قُرَيْظَة غُلَاما فشكّوا فيَّ فَلم يجدوني أنبت فاستبقيت وَهَا أَنا ذَا بَين أظْهركُم» . وَأخرجه فِيهِ أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي جَعْفَر الخطمي، عَن عمَارَة بن خُزَيْمَة، عَن كثير بن السَّائِب قَالَ: حَدَّثَني ابْنا قُرَيْظَة «أَنهم عرضوا عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم قُرَيْظَة، فَمن كَانَ محتلمًا أَو (نَبتَت عانته) قتل وَمن لم يكن محتلمًا أَو لم تنْبت عانته ترك» . وَهَذِه الطَّرِيقَة أخرجهَا الإِمَام أَحْمد من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ: بدل «عمَارَة بن خُزَيْمَة» : «مُحَمَّد بن كَعْب» . وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي «السّنَن» (من) حَدِيث عبد الْملك (عَن) عَطِيَّة الْقرظِيّ قَالَ: «كنت فِيمَن حكم فِيهِ سعد فجيء بِي وَأَنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 672 أرَى أَنه استقبلني؛ فكشفوا عَن عانتي فوجدوني لم أنبت فجعلوني فِي السَّبي» وَفِي رِوَايَة لَهُ فِيهِ «عرضنَا عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم قُرَيْظَة فَكَانَ من أنبت قتل وَمن لم ينْبت خُلي سَبيله فَكنت فِيمَن لم ينْبت فخلي سبيلي» . وَفِي رِوَايَة لَهُ فِيهِ أَيْضا من حَدِيث مُجَاهِد عَن عَطِيَّة «أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جردوه يَوْم قُرَيْظَة فَلَمَّا يرَوا المواسي جرت عَلَى شعره - يُرِيد عانته - تَرَكُوهُ من الْقَتْل» . وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ التِّرْمِذِيّ ذكره فِي الْحُدُود. قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قلت: وَصَححهُ ابْن حبَان أَيْضا فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الْملك، عَن عَطِيَّة بِأَلْفَاظ أَحدهَا: «كنت فِيمَن حكم فيهم سعد بن معَاذ فشكُّوا فيَّ أَمن الذُّرِّيَّة أَنا أم من الْمُقَاتلَة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «انْظُرُوا فَإِن [كَانَ] أنبت الشّعْر فَاقْتُلُوهُ وَإِلَّا فَلَا تقتلوه» . ثَانِيهَا: «فَلم يجدوني أنبت فاستبقيت فها أَنا (ذَا) » . ثَالِثهَا: «فشكوا فيّ فَقيل لي: هَل أنبتَّ؟ ففتشوني فوجدوني لم أنبت، فخلي سبيلي» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 673 وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» فِي مَوَاضِع مِنْهُ فِي الْبَاب وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي كتاب فَضَائِل النيب (وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي آخر كتاب الْحُدُود. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عَطِيَّة «لما كَانَ يَوْم قُرَيْظَة جعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من (أنبت) ضربت عُنُقه، فَكنت فِيمَن لم ينْبت فعرضت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فخلى عني» . قَالَ ابْن الْقطَّان: رِوَايَة حَمَّاد هَذِه تقطع كل نزاع مصرحة بِأَن ذَلِكَ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَفِي «المعجم الْكَبِير» « (وَالصَّغِير) » للطبراني من حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أسلم الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده أسلم الْأنْصَارِيّ قَالَ: «جعلني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أُسَارَى قُرَيْظَة فَكنت أنظر فِي فرج الْغُلَام فَإِن رَأَيْته قد أنبت ضربت عُنُقه، وَإِن لم أره قد أنبت جعلته فِي مَغَانِم الْمُسلمين» . قَالَ فِي «أَصْغَر معاجمه» : لَا يرْوَى عَن أسلم إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد تفرد بِهِ الزبير بن بكار. قَالَ: وَهُوَ أسلم بن بجرة. قلت: والراوي عَن مُحَمَّد هُوَ إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة وَهُوَ ضَعِيف. ذكره ابْن عبد الْبر وَقَالَ: إِن الحَدِيث يَدُور عَلَيْهِ، وَتوقف فِي صِحَة هَذَا الْإِسْنَاد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 674 فَائِدَة: لَا نَعْرِف لعطية غير هَذَا الحَدِيث وَلَا يعرف نسبه. الحَدِيث السَّادِس «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأسماء بنت أبي بكر: إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض لَا يصلح أَن يرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة الْوَلِيد عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن خَالِد بن دريك، عَن عَائِشَة «أَن أَسمَاء بنت أبي بكر دخلت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلَيْهَا ثِيَاب رقاق، فَأَعْرض عَنْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: يَا أَسمَاء، إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض لم يصلح أَن يرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجهه وكفيه» . وَرَوَاهُ مُوسَى بن أَيُّوب، عَن الْوَلِيد بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: «وَعَلَيْهَا ثِيَاب شامية رقاق فَأَعْرض عَنْهَا» . ذكره ابْن عدي، وَهُوَ مَعْلُول من أوجه: أَحدهَا: الطعْن فِي سعيد بن بشير لاسيما فِي رِوَايَته عَن قَتَادَة، وَقد سلف أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي أَوَاخِر بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة. ثَانِيهَا: أَن خَالِد بن دريك مَجْهُول الْحَال. كَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «الْوَهم وَالْإِيهَام» ، وَهُوَ وهم مِنْهُ فقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغير وَاحِد، وَقد قَالَ هُوَ فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : خَالِد بن دريك رجل شَامي عسقلاني مَشْهُور يروي عَن ابْن محيريز. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 675 قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ. هَذَا نَص مَا ذكره، فَهَذَا خَالف مِنْهُ. ثَالِثهَا: أَنه مُرْسل، خَالِد بن دريك لم يدْرك عَائِشَة قَالَه أَبُو دَاوُد برمتِهِ وَأَرَادَ بِهِ الِانْقِطَاع. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث هِشَام عَن قَتَادَة أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الْجَارِيَة إِذا حَاضَت لم يصلح أَن يرَى مِنْهَا إِلَّا وَجههَا ويداها إِلَى الْمفصل» هَذَا معضل. رَابِعهَا: أَنه مُضْطَرب قَالَ ابْن عدي: لَا أعلم يرويهِ عَن قَتَادَة غير سعيد بن بشير وَقَالَ فِيهِ مَرَّةً: عَن خَالِد بن دريك عَن أم سَلمَة بدل عَن عَائِشَة. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : فَهَذِهِ زِيَادَة عِلّة الِاضْطِرَاب وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه وهم وَإِنَّمَا هُوَ عَن قَتَادَة عَن خَالِد بن دريك أَن عَائِشَة مُرْسل. فَائِدَة: المُرَاد بالمحيض هُنَا الْوَقْت وَالزَّمَان الَّذِي تحيض فِيهِ. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يقبل الله صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه فِي شُرُوط الصَّلَاة وَاضحا. الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يَشْتَرِي الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 676 هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ وَقد ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بَاب لَا يَشْتَرِي [من] مَاله لنَفسِهِ إِذا كَانَ وصيًّا. ثمَّ رُوِيَ فِيهِ أثرا عَن ابْن مَسْعُود فَقَط. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَثَلَاثَة. أَحدهَا: «أَن عبد الله بن جَعْفَر اشْتَرَى أَرضًا سبخَة بِثَلَاثِينَ ألفا فَبلغ ذَلِكَ عليًّا فعزم عَلَى أَن يسْأَل عُثْمَان الْحجر عَلَيْهِ، فجَاء عبد الله بن جَعْفَر إِلَى الزبير فَذكر ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ الزبير: أَنا شريكك فَلَمَّا سَأَلَ عَلّي عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهما الْحجر عَلَى عبد الله، فَقَالَ: كَيفَ أحجر عَلَى من كَانَ شَرِيكه الزبير» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن أَو غَيره من أهل الصدْق فِي الحَدِيث وهما، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: «ابْتَاعَ عبد الله بن جَعْفَر بيعا فَقَالَ عَلّي لَآتِيَن عُثْمَان فلأحجرن عَلَيْك. فَأعْلم بذلك [ابْن] جَعْفَر الزبير. فَقَالَ: أَنا شريكك فِي بيعك فَأَتَى [عليّ] عُثْمَان فَقَالَ: احجر عَلَى هَذَا. فَقَالَ الزبير: أَنا شَرِيكه. فَقَالَ عُثْمَان: أحجر عَلَى رجل شَرِيكه الزبير؟ !» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيقين. إِحْدَاهمَا: من حَدِيث [الزبير بن الْمَدِينِيّ] عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 677 أَبِيه «أَن عبد الله بن جَعْفَر اشْتَرَى أَرضًا بستمائة ألف دِرْهَم، قَالَ: فهمَّ عَلِيٌّ وَعُثْمَان أَن يحجرا عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَقِيَهُ الزبير قَالَ: مَا اشْتَرَى أحد بيعا أرخص مِمَّا اشْتريت. قَالَ: فَذكر لَهُ عبد الله الْحجر قَالَ: لَو أَن عِنْدِي مَالا لشاركتك. قَالَ: فَإِنِّي أقرضك نصف المَال. قَالَ: فَإِنِّي شريكك. قَالَ: فأتاهما عَلّي وَعُثْمَان وهما يتراوضان. قَالَ: مَا تراوضان. فَذكر لَهُ الْحجر عَلَى عبد الله بن جَعْفَر فَقَالَ: أتحجران عَلَى رجل أَنا شَرِيكه. قَالَا: لَا، لعمري. قَالَ: فَأَنا شَرِيكه فَتَركه» . ثَانِيهمَا: من حَدِيث أبي يُوسُف القَاضِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن عبد الله بن جَعْفَر أَتَى الزبير بن الْعَوام فَقَالَ: إِنِّي اشْتريت كَذَا وَكَذَا، وَإِن عليًّا يُرِيد أَن يَأْتِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان - يَعْنِي - فيسأله أَن يحْجر عليَّ فِيهِ فَقَالَ الزبير: أَنا شريكك فِي البيع. وَأَتَى عَلّي عُثْمَان فَذكر ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ عُثْمَان: كَيفَ أحجر عَلَى رجل فِي بيع (شَرِيكه فِيهِ) الزبير» . قَالَ الشَّافِعِي: فعلي لَا يطْلب الْحجر إِلَّا وَهُوَ يرَاهُ، وَالزبير لَو كَانَ الْحجر بَاطِلا (لقَالَ) : لَا يحْجر عَلَى بَالغ حر، وَكَذَلِكَ عُثْمَان بل كلهم يعرف الْحجر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَائِشَة لم (تنكره) أَيْضا. قَالَ: وَقد كَانَ الْحجر مَعْرُوفا فِي عَهده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ من غير أَن يرْوَى عَنهُ إِنْكَار. و (لما) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من طَرِيق أبي يُوسُف قَالَ: قيل: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 678 تفرد بِهِ أَبُو يُوسُف، وَقد تَابعه الزبيري الْمدنِي فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: روينَا من طَرِيق أبي عبيد، حَدَّثَني عَفَّان بن مُسلم، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن هِشَام بن حسان، عَن ابْن سِيرِين قَالَ عُثْمَان لعَلي: «أَلا تَأْخُذ عَلَى يَدي ابْن أَخِيك - يَعْنِي عبد الله بن جَعْفَر - وتحجر عَلَيْهِ اشْتَرَى سبخَة بستين ألفا مَا يسرني أَنَّهَا لي بنعلي» . وَرُوِيَ مُخْتَصرا هَكَذَا وَمُطَولًا من حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين «أَن عُثْمَان قَالَ لعَلي: خُذ عَلَى يَد ابْن أَخِيك اشْتَرَى سبخَة أبي فلَان بستين ألفا مَا أحب أَنَّهَا لي بِأَقَلّ مَال. فجزأها عبد الله بن جَعْفَر ثَمَانِيَة أَجزَاء وَألقَى فِيهِ الْعمَّال فَأَقْبَلت الأَرْض فَمر بهَا عُثْمَان فَقَالَ: لمن هَذِه؟ قَالُوا: لعبد الله بن جَعْفَر. فَقَالَ: ياابن أخي ولي جزءين مِنْهَا. قَالَ عبد الله بن جَعْفَر: لَا وَالله، ائْتِنِي بالذَّين سفهتني عِنْدهم يطْلبُونَ إليَّ. فَفعل، قَالَ: وَالله لَا أجعَل جزءين مِنْهَا مائَة وَعشْرين ألفا قَالَ عُثْمَان: قد أَخَذتهَا» . إِذا علمت طرق هَذَا الْأَثر حكمت عَلَى رِوَايَة الرَّافِعِيّ فِي مِقْدَار الثّمن بِكَوْنِهِ «ثَلَاثِينَ ألفا» بالغرابة وَالَّذِي فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ «بستمائة ألف دِرْهَم» وَفِي رِوَايَة ابْن حزم «بستين ألفا» . وَصَاحب «الْمُهَذّب» ذكره كَرِوَايَة ابْن حزم. وَقَالَ صَاحب «التنقيب» عَلَى الْمُهَذّب: المُرَاد «بستين ألف» : سِتُّونَ ألف دِرْهَم، هَكَذَا فِي «الصَّحِيح» هَذَا لَفظه. وَلَا أَدْرِي مَا مُرَاده بِالصَّحِيحِ. الْأَثر الثَّانِي: «عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما فِي قَوْله تَعَالَى: (فَإِن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 679 آنستم مِنْهُم رشدا) مَعْنَاهُ: رَأَيْتُمْ مِنْهُم صلاحًا فِي دينهم وحفظًا لأموالهم» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: « (وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم) قَالَ: يَقُول الله تَعَالَى: اختبروا الْيَتَامَى عِنْد الحكم فَإِن عَرَفْتُمْ مِنْهُم الرشد فِي حَالهم والإصلاح فِي أَمْوَالهم فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم وَأشْهدُوا عَلَيْهِم» . وَرَوَاهُ فِي «الْمعرفَة» . كَمَا ذكره الشَّافِعِي سَوَاء، ذكره من حَدِيث مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: «رَأَيْتُمْ مِنْهُم صلاحًا فِي دينهم وحفظًا لأموالهم» . قَالَ: وَرُوِيَ فِي مَعْنَاهُ عَن سماك، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: « (فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا) قَالَ: الْيَتِيم يدْفع إِلَيْهِ مَاله بحلم وعقل ووقار» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ مثله عَن الْحسن وَمُجاهد. هُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» . وَأما مَا قَالَ الشَّافِعِي فِي مَعْنَى الرشد فقد روينَا عَن الْحسن أَنه قَالَ «فِي قَوْله: (فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا) قَالَ: صلاحًا فِي دينه وحفظًا لمَاله» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 680 وروينا عَن الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: «رشدا فِي الدَّين وصلاحًا فِي المَال» . وروينا مَعْنَاهُ عَن مقَاتل بن حَيَّان. ثمَّ أسْند رِوَايَة أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس ثمَّ قَالَ: والاعتماد عَلَى مَا مَضَى. وَأسْندَ فِي «سنَنه» مقَالَة الْحسن وَمُقَاتِل. الْأَثر الثَّالِث: «أَن غُلَاما من الْأَنْصَار شَبَّبَ بِامْرَأَة فِي شعره فَرفع إِلَى عمر فَلم يجده أنبت، فَقَالَ لَو أنبت الشّعْر حددتك» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (أبي عبيد، ثَنَا ابْن علية، عَن) إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان «أَن عمر رفع إِلَيْهِ غُلَام ابتهر جَارِيَة فِي شعره (فَقَالَ) : انْظُرُوا إِلَيْهِ. فَلم يُوجد أنبت؛ فدرأ عَنهُ الْحَد» قَالَ أَبُو عبيد: وَبَعْضهمْ يرويهِ عَن عُثْمَان. قَالَ أَبُو عبيد: والابتهار أَن يقذفها بِنَفسِهِ (فَيَقُول) : فعلت بهَا كَاذِبًا، فَإِن كَانَ قد فعل فَهُوَ الابتيار. ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، ثَنَا أَيُّوب بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان قَالَ: «أُتِي عمر بن الْخطاب بِابْن أبي الصعبة قد ابتهر امْرَأَة فِي شعره، قَالَ: انْظُرُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 681 إِلَى مؤتزره. فنظروا فَلم يَجدوا أنبت الشّعْر. فَقَالَ: لَو أنبت الشّعْر لجلدته الْحَد» . وَعَن سُفْيَان، ثَنَا أَبُو حُصَيْن، عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: «أُتِي عُثْمَان بِغُلَام قد سرق، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى مؤتزره. فنظروا فَلم يجدوه أنبت الشّعْر فَلم يقطعهُ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 682 كتاب الصُّلْح ذكر فِيهِ خَمْسَة أَحَادِيث: الحَدِيث الأول عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين، إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث كثير بن زيد، عَن الْوَلِيد بن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الصُّلْح جَائِز ... » فَذكره بِزِيَادَة «الْمُسلمين عَلَى شروطهم» . وَقد أسلفنا الْكَلَام عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد فِي بَاب الْمُصراة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ ذكر الرَّافِعِيّ الْقطعَة الْأَخِيرَة مِنْهُ، وَذكرنَا هُنَاكَ أَن الْحَاكِم أخرجه من هَذَا الْبَاب من (مُسْتَدْركه) (مُخْتَصرا بِدُونِ الِاسْتِثْنَاء) ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث مدنيون وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث أنس وَعَائِشَة ... فذكرهما بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظ: (الْمُسلمُونَ عَلَى شروطهم مَا وَافق الْحق) . وَرَوَاهُ بعد هَذَا الْموضع بِقَلِيل من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين) وَلَيْسَ فِي إِسْنَاده كثير بن زيد الْمَذْكُور، ثمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 685 قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط (الصَّحِيحَيْنِ) . قَالَ: وَعبد الله بن الْحُسَيْن المصِّيصِي - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - ثِقَة تفرد بِهِ. قلت: وَقَالَ ابْن حبَان فِي حَقه: إِنَّه يسرق الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي كتاب الْأَحْكَام، وَهُوَ فِي أَوَاخِر «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِلَفْظ: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين» ثمَّ قَالَ: وَشَاهده حَدِيث عَمْرو بن عَوْف - يَعْنِي: الْآتِي بعده - وَبِه يعرف. وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين» فَهَذِهِ طرق متعاهدة. ثمَّ قَالَ: الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: ووقف هَذَا الحَدِيث عَلَى عمر أشهر. قلت: كَذَا ادَّعَاهُ. وَذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «مَعْرفَته» عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني، ثَنَا ابْن كناسَة، ثَنَا جَعْفَر بن برْقَان، عَن معمر الْبَصْرِيّ، عَن أبي الْعَوام الْبَصْرِيّ قَالَ: «كتب عمر إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ... » فَذكر الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ: «وَالصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرَّم حَلَالا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 686 ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ هَذَا من أوجه. قلت: وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ فِي «سنَنه» عَن أبي طَاهِر الْفَقِيه، ثَنَا أَبُو حَامِد بن بِلَال، ثَنَا يَحْيَى بن الرّبيع الْمَكِّيّ [ثَنَا سُفْيَان عَن] إِدْرِيس الأودي قَالَ: (أخرج إِلَيْنَا سعيد بن أبي بردة كتابا فَقَالَ: هَذَا كتاب (عمر) إِلَى أبي مُوسَى ... » فَذكره وَفِيه «وَالصُّلْح جَائِز بَين النَّاس إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرّم حَلَالا» . الحَدِيث الثَّانِي عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم، إِلَّا شرطا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا، وَالصُّلْح جَائِز» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بِلَفْظ «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرّم حَلَالا، والمسلمون عَلَى شروطهم إِلَّا شرطا حرم حَلَالا أَو حلل حَرَامًا» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث خَالِد بن مُحَمَّد عَن كثير بِهِ إِلَى آخر الِاسْتِثْنَاء الأول. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 687 قلت: (بل) واهٍ بِمرَّة، بِسَبَب كثير هَذَا، وَقد أوضحت كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ (فِي) صَلَاة الْعِيدَيْنِ فِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين، عَلَى أَن التِّرْمِذِيّ لم ينْفَرد بتصحيح حَدِيثه، فقد أخرج لَهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» حَدِيثا فِي زَكَاة الْفطر، وَحسن البُخَارِيّ حَدِيثا لَهُ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قلت للْبُخَارِيّ (فِي) حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده «فِي السَّاعَة الَّتِي ترجى يَوْم الْجُمُعَة» قَالَ: حَدِيث حسن. وَحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه: «إِن الدَّين بَدَأَ غَرِيبا» وَكَذَا حَدِيث التَّكْبِير فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، كَمَا سلف فِي بَابه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي كتاب حَرْمَلَة عَن عبد الله بن نَافِع عَن كثير. وَرَوَاهُ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن زبالة عَن كثير (كَرِوَايَة) ابْن مَاجَه، ثمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَامر الْعَقدي عَن كثير والاعتماد عَلَى رِوَايَته، وَمُحَمّد بن الْحسن بن زبالة ضَعِيف بِمرَّة، وَرِوَايَة كثير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 688 إِذا انضمت إِلَى مَا قبلهَا [قويتا] . يُشِير إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف قَرِيبا، وخلط ابْن حزم بَين حَدِيث كثير هَذَا وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف، فَقَالَ فِي «محلاه» : وروينا من طَرِيق كثير بن عبد الله وَهُوَ كثير بن (زيد) ، عَن أَبِيه، عَن جده، وَعَن الْوَلِيد بن رَباح، عَن أبي هُرَيْرَة - كِلَاهُمَا - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا ... » الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: كثير بن عبد الله بن زيد بن عَمْرو سَاقِط مُتَّفق عَلَى إطراحه؛ فَإِن الراوية عَنهُ لَا تحل. كَذَا هُوَ فِي «محلاه» وَقد خلط بَين الترجمتين، وَصَوَابه روينَا من طَرِيق كثير بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن جده، وَمن طَرِيق كثير بن زيد، عَن الْوَلِيد، وَكثير هَذَا مُخْتَلف فِيهِ كَمَا أسلفته لَك فِيمَا مَضَى، وَكثير الأول واهٍ بِمرَّة كَمَا أَشرت إِلَيْهِ هُنَا، وأوضحته فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نصب بِيَدِهِ ميزابًا فِي دَار الْعَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن أَسْبَاط بن مُحَمَّد، ثَنَا هِشَام بن سعد، عَن عبيد الله بن عَبَّاس أَخُو عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ للْعَبَّاس ميزاب عَلَى طَرِيق عمر بن الْخطاب، فَلبس ثِيَابه يَوْم الْجُمُعَة وَقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 689 كَانَ ذُبح (للْعَبَّاس) فرخان، فَلَمَّا وافى الْمِيزَاب صب مَاء بِدَم الفرخين فَأصَاب عمر دم الفرخين، فَأمر عمر بقلعه، ثمَّ رَجَعَ عمر فَطرح ثِيَابه، وَلبس عمر ثيابًا غير ثِيَابه، ثمَّ جَاءَ فَصَلى بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاس فَقَالَ: وَالله إِنَّه للموضع الَّذِي وَضعه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَقَالَ عمر للْعَبَّاس: وَأَنا أعزم عَلَيْك لما صعدت عَلَى ظَهْري حَتَّى تضعه فِي الْموضع الَّذِي وَضعه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَفعل ذَلِكَ الْعَبَّاس» وَهِشَام هَذَا حسن الحَدِيث، ضعفه النَّسَائِيّ وَغَيره، وَخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يَعْقُوب بن سُفْيَان، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، أبنا مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن يَعْقُوب بن زيد: «أَن عمر خرج فِي يَوْم جُمُعَة فقطر ميزاب عَلَيْهِ للْعَبَّاس فَأمر بِهِ فَقلع، فَقَالَ الْعَبَّاس: قلعت ميزابي وَالله مَا وَضعه حَيْثُ كَانَ إِلَّا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَدِهِ. فَقَالَ عمر: (وَالله) لَا يَضَعهُ إِلَّا أَنْت بِيَدِك، ثمَّ لَا يكون لَك سلم إِلَّا عمر! قَالَ: فَوضع الْعَبَّاس رجلَيْهِ عَلَى عَاتِقي عمر ثمَّ أَعَادَهُ حَيْثُ كَانَ» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد ورد من وَجْهَيْن آخَرين عَن عمر وعباس، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَاد من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمسيب وَمن حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر ... » فَذكر الْقِصَّة بمعناها، قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن جده عمر بِمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي هَارُون الْمدنِي مُنْقَطِعًا مُخْتَصرا بِبَعْض مَعْنَاهُ. قلت: وَطَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم رَوَاهَا الْحَاكِم فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 690 (مُسْتَدْركه) فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم هَذَا، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عمر «أَنه دخل الْمَسْجِد فَإِذا ميزاب للْعَبَّاس شَارِع فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسيل مَاء الْمَطَر مِنْهُ، فَقَالَ (عمر) بِيَدِهِ فَقلع الْمِيزَاب، فَقَالَ: هَذَا الْمِيزَاب لَا يسيل فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -! فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ؛ إِنَّه هُوَ الَّذِي وضع هَذَا الْمِيزَاب فِي هَذَا الْمَكَان ونزعته أَنْت يَا عمر! فَقَالَ عمر: ضع رجليك عَلَى عنقِي لترده إِلَى مَا كَانَ. فَفعل الْعَبَّاس» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث كتبناه عَن أبي جَعْفَر وَأبي عَلّي الْحَافِظ؛ لم نَكْتُبهُ إِلَّا بإسنادنا هَذَا، والشيخان لم يحْتَجَّا بِعَبْد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم. قَالَ: وَقد وجدت لَهُ شَاهدا من حَدِيث أهل الشَّام ... فَذكره. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَأَلت أبي عَن حَدِيث هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم، وَعَن حَدِيث عبد الله بن عبيد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ للْعَبَّاس ميزاب عَلَى ظهر الطَّرِيق فَمر عمر ... » الحَدِيث. فَقَالَ: إِن هَذَا خطأ؛ النَّاس لَا يَقُولُونَهُ هَكَذَا. الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يمنعن أحدكُم جَاره أَن يضع خَشَبَة عَلَى جِدَاره. قَالَ: فَنَكس الْقَوْم. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: مَا لي أَرَاكُم (عَنْهَا) معرضين، وَالله لأرمينها بَين أكتافكم - أَي: لأرمين هَذِه السّنة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 691 بَين أظْهركُم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك بن شهَاب، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يمْنَع أحدكُم جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره. ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: مَا لي أَرَاكُم عَنْهَا معرضين؟ ! وَالله لأرمين بهَا بَين أكتافكم» . هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا يمْنَع جَار جَاره» وَقَالَ: «لأرمينها» بدل «لأرمين بهَا» وَأخرجه الشَّافِعِي عَن مَالك كَمَا سلف، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طرق: مِنْهَا من حَدِيث سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ بِهِ بِلَفْظ «إِذا اسْتَأْذن أحدكُم جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره فَلَا يمنعهُ» فَلَمَّا حَدثهمْ طأطئوا رُءُوسهم، فَقَالَ: مَا لي أَجِدكُم معرضين، وَالله لأرمين بهَا بَين (أكتافكم)) . ثمَّ عزاهُ إِلَى مُسلم وَهُوَ فِيهِ سندًا لَا متْنا. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه، وَلَفظ أبي دَاوُد: «إِذا اسْتَأْذن أحدكُم أَخَاهُ أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره فَلَا يمنعهُ. فنكسوا فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم قد أعرضتم لألقينها بَين أكتافكم» وَلَفظ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 692 ابْن مَاجَه كَلَفْظِ الْبَيْهَقِيّ أَعْلَاهُ، وَكَذَا التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح. قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس وَمجمع بن جَارِيَة. قلت: هما فِي «سنَن ابْن مَاجَه» وَقد ذكرت لحَدِيث أبي هُرَيْرَة طرقًا فِي «تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب» فَرَاجعهَا مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا بِطيب نَفْس مِنْهُ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: من طَرِيق ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي خطبَته: أَلا وَإِن الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يحل لَهُ دَمه وَلَا شَيْء من مَاله إِلَّا بِطيب نَفسه، أَلا هَل بلغت؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث [يَحْيَى بن أبي بكير] ثَنَا أَبُو يُوسُف، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ. وَمُحَمّد هَذَا هُوَ الْعَرْزَمِي سَاقِط، وَله طَرِيق آخر جيد رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَائِل كتاب الْعلم مِنْهُ من حَدِيث أبي أويس، عَن ثَوْر بن زيد الديلِي، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب النَّاس فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ: لَا يحل لامرئ من مَال أَخِيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 693 إِلَّا مَا أعطَاهُ (عَن طيب نَفْس) » وَهُوَ حَدِيث طَوِيل وَهَذَا طرف مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: قد احْتج البُخَارِيّ بِأَحَادِيث عِكْرِمَة وَمُسلم بِأبي أويس، وَسَائِر رُوَاته مُتَّفق عَلَيْهِم. قلت: وثور هَذَا اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، واتهمه ابْن البرقي بِالْقدرِ، وَكَأَنَّهُ يشْتَبه عَلَيْهِ بثور بن [يزِيد] . الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَمْرو بن يثربي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يحل لامرئ من مَال أَخِيه شَيْء إِلَّا بِطيب نَفْس مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: عَمْرو هَذَا هُوَ عبد الرَّحْمَن بن سعد بن مَالك، وَهُوَ ابْن أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» بعد أَن ذكره من هَذِه الطَّرِيق وَغَيره: أصح مَا رُوِيَ فِيهِ حَدِيث أبي حميد. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل لامرئ أَن يَأْخُذ عَصا أَخِيه بِغَيْر طيب نَفْس مِنْهُ) . وَذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 694 لشدَّة مَا حرم الله مَال الْمُسلم عَلَى الْمُسلم. رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك. وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» رَوَاهُ من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح عَن عبد الرَّحْمَن بن سعد عَن أبي حميد. وَقَالَ غَيره: ابْن سعيد. وَرَوَاهُ غَيرهمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد، عَن عمَارَة بن حَارِثَة الضمرِي عَن عَمْرو بن يثربي. ثمَّ نقل عَن ابْن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: الحَدِيث عِنْدِي حَدِيث [سُهَيْل] . الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا بِطيب نَفسه» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحَارِث بن مُحَمَّد الفِهري، عَن يَحْيَى بن سعيد عَن أنس بِهِ، والْحَارث هَذَا لَا أعرف حَاله. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق آخر من حَدِيث دَاوُد بن الزبْرِقَان، عَن حميد، عَن أنس مَرْفُوعا: «لَا يشربن أحدكُم مَاء أَخِيه إِلَّا بِطيب نَفسه» . وَدَاوُد هَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد: مَتْرُوك. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُتَقَارب الحَدِيث. الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث أبي حرَّة الرقاشِي عَن عَمه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا عَن طيب نَفسه» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 695 رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان عَن أبي حرَّة. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» وعليّ هَذَا من رجال مُسلم وَلَقَد لين، وَأَبُو حرَّة الرقاشِي اسْمه: حنيفَة، ضعفه أَبُو حَاتِم، وَعَمه لَا يحضرني اسْمه. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي كتاب الْغَصْب، وَقَالَ عَن «أبي وحرة» بدل «أبي حرَّة» ذكره بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء. الطَّرِيق السَّادِس: من حَدِيث عبد الله بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: «لَا يَأْخُذ أحدكُم مَتَاع أَخِيه لاعبًا وَلَا جادًّا (وَمن أَخذ) عَصا أَخِيه فليردها» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب من «سنَنه» كَذَلِك سَوَاء، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بِلَفْظ: «لَا يَأْخُذ أحدكُم عَصا أَخِيه لاعبًا (وَلَا) جادًّا، فَمن أَخذ عَصا أَخِيه فليردها إِلَيْهِ» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، والسائب بن يزِيد لَهُ صُحْبَة، سمع من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ غُلَام، وقُبض النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ ابْن سبع سِنِين، ووالده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 696 يزِيد لَهُ أَحَادِيث رَوَاهَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ من الصَّحَابَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن عبد الله قَالَ: وَفِي رِوَايَة ابْن بَشرَان: عَن عبد الله بن السَّائِب [بن] يزِيد، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَا يَأْخُذ (أحدكُم) مَتَاع أَخِيه لاعبًا وَلَا جادًّا، وَإِذا أَخذ أحدكُم عَصا أَخِيه فليردها إِلَيْهِ» قَالَ الْأَثْرَم: سَمِعت أَحْمد يُسأل عَن حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن عبد الله هَذَا «لَا يَأْخُذ أحدكُم عَصا أَخِيه» : تعرفه من غير حَدِيث ابْن أبي ذِئْب؟ قَالَ: لَا، وَهُوَ [ابْن] يزِيد بن أُخْت نمر، وَلَا أعرف لَهُ غَيره، وَأما السَّائِب فقد رَأَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الخلافيات» : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث حسن. قَالَ: وَحَدِيث أبي حرَّة يضم إِلَيْهِ حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس وخطبة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرِوَايَة عَمْرو بن يثربي فيقوى. وَكَذَا قَالَ فِي «الْمعرفَة» : وروينا فِي حَدِيث عَمْرو بن يثربي ... فَذكره كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: روينَا فِي ذَلِكَ أَيْضا عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَعَن أبي حرَّة الرقاشِي عَن عَمه مَرْفُوعا، وَإِذا ضم بعضه إِلَى بعض صَار قويًّا، وَأَصَح مَا رُوِيَ فِيهِ حَدِيث أبي حميد، وروينا فِي الحَدِيث الثَّابِت عَن أبي بكرَة وَغَيره عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَالَ فِي خطبَته بمنى: أَلا إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام؛ كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا، فِي شهركم هَذَا، فِي بلدكم هَذَا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 697 تَنْبِيه: الرَّافِعِيّ حمل حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف قبل هَذَا (عَلَى الِاسْتِحْبَاب) لأجل هَذَا الحَدِيث، وَفِيه نظر؛ لِأَنَّهُ يُقَال أَنه (خص) من ذَلِكَ الْعَام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 698 كتاب الْحِوَالَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 699 كتاب الْحِوَالَة ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث: أَحدهَا مَا رَوَاهَا الشَّافِعِي عَن مَالك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مطل الْغَنِيّ ظلم، وَإِذا اتبع أحدكُم عَلَى مليءٍ فَليتبعْ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث مَالك بِهِ، رَوَاهُ خَ عَن عبد الله بن يُوسُف، عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن يَحْيَى عَنهُ، وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي عَنهُ، وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَنهُ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام من «سنَنه» (عَن هِشَام بن عمار، وَالنَّسَائِيّ فِي الْبيُوع من «سنَنه» ) أَيْضا عَن قُتَيْبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد بِهِ. وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «مطل الْغَنِيّ ظلم، وَإِذا أحلّت عَلَى مليءٍ فَاتبعهُ» رَوَاهُ أَحْمد (فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 701 «مُسْنده» وَابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام من «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن تَوْبَة عَن هشيم) ، عَن يُونُس بن عبيد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْحَافِظ عَن هشيم بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد لَكِن نقل الضياء فِي «أَحْكَامه» عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: لم يسمع يُونُس بن عبيد من نَافِع؛ إِنَّمَا سمع من ابْن نَافِع. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «فَإِذا أُحِيل أحدكُم عَلَى مليءٍ فَليَحْتَلْ» وَهُوَ بِمَعْنى اللَّفْظ الأول. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ وَقد أخرجه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَحْمد فِي «مُسْنده» . فَائِدَة: المطل المدافعة. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّه إطالة المدافعة. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَغَيره: إِنَّه (تَأْخِير) قَضَاء مَا اسْتحق أَدَاؤُهُ. والمليء بِالْهَمْز: الْغَنِيّ المكثر. قَالَه فِي «المستغرب» والأزهري قَالَ: إِنَّه الْغَنِيّ. وَقد ورد (كَذَلِك) فِي رِوَايَة سليم والبندنيجي من أَصْحَابنَا بدل قَوْله: «مليءٍ» وَكَذَا عبارَة صَاحب «المستغرب» : إِنَّه الْغَنِيّ. قَالَ: وَأَصله الْوَاسِع الطَّوِيل. وَقَوله: «فَليتبعْ» هُوَ بِإِسْكَان الْمُثَنَّاة فَوق، وَعَن بعض الْمُحدثين بتشديدها، حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض فِي «شَرحه» وَنَقله الْخطابِيّ عَن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 702 أَصْحَاب الحَدِيث، ثمَّ غلطهم فِيهِ وَصوب الإسكان. وَقَوله: «فَإِذا أتبع» قَالَ صَاحب الْبَحْر من أَصْحَابنَا: أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: «اتبع» بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ غلط، وَصَوَابه بِأَلف مَضْمُومَة وباء مُخَفّفَة. قلت: و «اتبع» يتَعَدَّى بِنَفسِهِ، وعدى هُنَا بِعلَى (تصحيبًا) لَهُ بِمَعْنى أُحِيل، وَنقل الرَّافِعِيّ عَن الْجَوْهَرِي أَنه قَالَ: يُقَال: أتبع فلَان بفلان؛ أَي: أُحِيل لَهُ عَلَيْهِ، و (التبيع) الَّذِي لَك عَلَيْهِ (مَال) وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَهُوَ كَذَلِك فِيمَا قَالَ الرَّافِعِيّ: ثمَّ الْأَشْهر فِي الرِّوَايَة «وَإِذا أُحِيل أحدكُم» بِالْوَاو. قلت: هِيَ رِوَايَة الشَّافِعِي وم وت. قَالَ: وَيروَى: «فَإِذا أُحِيل أحدكُم» بِالْفَاءِ. قلت: هِيَ رِوَايَة خَ (لكنه) قَالَ: «فَإِذا أتبع» بدل «فَإِذا أُحِيل» . قَالَ: فعلَى التَّقْدِير الأول هُوَ مَعَ قَوْله: «مطل الْغَنِيّ ظلم» جملتان لَا تعلق للثَّانِيَة بِالْأولَى؛ كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «الْعَارِية مَرْدُودَة، والزعيم غَارِم» وَعَلَى الثَّانِي يجوز أَن يكون الْمَعْنى فِي التَّرْتِيب أَنه إِذا كَانَ المطل ظلما من الْغَنِيّ (فليقبل من حيل بِدِينِهِ عَلَيْهِ) فَإِن الظَّاهِر أَنه يحْتَرز عَن الظُّلم وَلَا يمطل. وَهَذَا إِذا كَانَ الْوَصْف بِالْمَعْنَى يعود إِلَى من عَلَيْهِ الدَّين، وَقد قيل: إِنَّه يعود إِلَى من لَهُ الدَّين، وَعَلَى هَذَا لَا يحْتَاج أَن يذكر فِي التَّقْدِير من الْغَنِيّ. نبه عَلَيْهِ صَاحب «الْمطلب» قَالَ الرَّافِعِيّ: ثمَّ قَوْله: «فَليَحْتَلْ» أَو «فَليتبعْ» أَمر اسْتِحْبَاب، وَعند أَحْمد للْوُجُوب. قلت: وَعند غَيرهمَا للْإِبَاحَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 703 الحَدِيث الثَّانِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ «الْعَارِية مَرْدُودَة، والزعيم غَارِم» . هَذَا الحَدِيث سَيَأْتِي بَيَانه عَلَى الإثر - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحَدِيث الثَّالِث النَّهْي عَن بيع الدَّين بِالدّينِ. هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب الْقَبْض وَأَحْكَامه فَرَاجعه من ثَمَّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 704 كتاب الضَّمَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 705 كتاب الضَّمَان ذكر فِيهِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. الحَدِيث الأول عَن أبي أُمَامَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْعَارِية مَرْدُودَة، وَالدّين مقضي، والزعيم غَارِم» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم قَالَ: سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «الْعَارِية مُؤَدَّاة، والمنحة مَرْدُودَة، وَالدّين مقضي، والزعيم غَارِم» هَذَا (لفظ أَحْمد) وَلَفظ أبي دَاوُد فِي الْبيُوع مثله إِلَّا أَنه لم يذكر «والمنحة مَرْدُودَة» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع والوصايا مثل لفظ أبي دَاوُد فِي الْبيُوع «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع» وَلَفظ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام: «الْعَارِية مُؤَدَّاة والمنحة مَرْدُودَة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» فِي الْعَارِية من حَدِيث حَاتِم بن حُرَيْث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 707 الْحِمصِي، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا بِمثل لفظ ابْن مَاجَه، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذِه الطَّرِيق بِزِيَادَة عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث الْحجَّاج بن الفرافصة حَدَّثَني مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن أبي عَامر الرصافي، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «الْعَارِية مُؤَدَّاة ... » الحَدِيث، ومداره خلا طريقي النَّسَائِيّ عَلَى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش الْحِمصِي كَمَا أسلفته لَك، ورده أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» بِهِ فَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. وَقد أسلفت لَك أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي بَاب الْغسْل وحكينا عَن الإِمَام أَحْمد وَغَيره صِحَة مَا رَوَاهُ عَن الشاميين دون مَا رَوَاهُ عَن الْحِجَازِيِّينَ، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَته عَن الشاميين؛ فَإِن إِسْمَاعِيل حمصي من أهل الشَّام فَيكون صَحِيحا عَلَى رَأْي هَؤُلَاءِ، لَا جرم أَن الْمُنْذِرِيّ حسنه هُنَا، وَفِي الْوَصَايَا قَالَ هُنَا: وَقد رُوِيَ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَيْضا من غير هَذَا الْوَجْه. وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «إلمامه» عَن التِّرْمِذِيّ أَيْضا تَصْحِيحه، وَالَّذِي رَأَيْته فِي عدَّة نسخ مِنْهُ تحسينه فَقَط. وَصرح بِتَصْحِيحِهِ أَيْضا الْقُرْطُبِيّ فِي «تَفْسِيره» فِي أَوَائِل تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة عِنْد قَوْله تَعَالَى: (وَقُلْنَا يَا آدم اسكن) الْآيَة، وَأغْرب ابْن حزم فَادَّعَى فِي «محلاه» فِي بَاب الْحجر أَن شُرَحْبِيل بن مُسلم مَجْهُول لَا يُدْرَى من هُوَ، وَلَو استحضر هَذَا هُنَا لرد الحَدِيث بِهِ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ؛ فقد رَوَى عَنهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 708 جمَاعَة، وَقَالَ الإِمَام (أَحْمد) : هُوَ من ثِقَات الْمُسلمين. وَوَثَّقَهُ أَيْضا ابْن معِين وَالْعجلِي، وأعل طَريقَة النَّسَائِيّ الأولَى بحاتم بن حُرَيْث فَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. وَهَذَا نَحْو قَول أبي حَاتِم: شيخ مَجْهُول. وَقَالَ ابْن معِين: لَا نعرفه. نعم قد عرفه غَيرهم، فروَى عَن خلق، وَعنهُ الْجراح بن مليح وَمُعَاوِيَة بن صَالح، وَقَالَ عُثْمَان الدَّارمِيّ: ثِقَة. لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف، وأعل طَرِيقه الثَّانِي بالحجاج بن الفرافصة فَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. وَهُوَ وهم مِنْهُ؛ فقد رَوَى عَن ابْن سِيرِين وَجَمَاعَة، وَعنهُ الثَّوْريّ وَجَمَاعَة. قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ صَالح متعبد. نعم قَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. عَلَى أَن لحَدِيث أبي أُمَامَة هَذَا شَوَاهِد: أَحدهَا: من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث مُحَمَّد بن شُعَيْب عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، عَن سعيد بن أبي سعيد عَنهُ مَرْفُوعا: «الْعَارِية مُؤَدَّاة، والمنحة مَرْدُودَة» قَالَ أَبُو طَاهِر: إِسْنَاده مُتَّصِل. ثَانِيهَا: حَدِيث سُوَيْد بن جبلة الْفَزارِيّ، رَوَاهُ (الْحَافِظ) أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة سُوَيْد هَذَا من حَدِيث بَقِيَّة عَن الزبيدِيّ عَن رَاشد بن سعد عَنهُ مَرْفُوعا: «الْعَارِية مُؤَدَّاة، والمنحة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 709 مَرْدُودَة، والزعيم غَارِم» وَبَقِيَّة حَالَته مَعْلُومَة سلفت، وَرَاشِد هَذَا وثقوه، وشذ ابْن حزم فضعفه، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (لَا يعْتَبر بِهِ، وَفِي «مُخْتَصر الصَّحَابَة» للذهبي) سُوَيْد بن جبلة الْفَزارِيّ لَا تصح لَهُ صُحْبَة، شَامي حَدِيثه مُرْسل. وَبَعْضهمْ يَقُول: لَهُ صُحْبَة رَوَى عَنهُ لُقْمَان بن عَامر وَأَبُو المصبح (المقرائي) . ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن عبد الله بن حبَان اللَّيْثِيّ، عَن رجل، عَن آخر مِنْهُم من قَالَ: «إِنِّي لتَحْت نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصِيبنِي لُعَابهَا ويسيل عَلَى جرنها حِين قَالَ: الْعَارِية مُؤَدَّاة والمنحة مَرْدُودَة» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي «تلخيصه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة بِهِ، وَابْن لَهِيعَة حَالَته مَعْلُومَة سلفت. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِإِسْنَاد آخر عَن ابْن إِسْحَاق عَن ابْن الْمُبَارك، عَن عبد الله بن يزِيد بن جَابر، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَلا إِن الْعَارِية مُؤَدَّاة، والمنحة مَرْدُودَة، وَالدّين مقضي، والزعيم غَارِم» . فَائِدَة: الزعيم: الْكَفِيل. الْغَارِم: الضَّامِن. والمنحة: النَّاقة أَو الشَّاة يُعْطِيهَا صَاحبهَا غَيره لينْتَفع بهَا ثمَّ يُعِيدهَا. تَنْبِيه: رُبمَا يَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الحَدِيث «عَن أبي قَتَادَة» بدل «أبي أُمَامَة» وَلَا شكّ أَنه من تَحْرِيف النساخ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 710 الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي سعد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي جَنَازَة، فَلَمَّا وضعت قَالَ (: هَل عَلَى صَاحبكُم من دين؟ قَالُوا: نعم؛ دِرْهَمَانِ. قَالَ: صلوا عَلَى صَاحبكُم. قَالَ عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ: هما عليّ يَا رَسُول الله وَأَنا لَهما ضَامِن. فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَصَلى عَلَيْهِ، ثمَّ أقبل عَلَى عليّ وَقَالَ: جَزَاك الله عَن الْإِسْلَام خيرا، وَفك رهانك كَمَا فَككت رهان أَخِيك» . هَذَا الحَدِيث ذكره كَذَلِك تبعا للمختصر، وَقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من هَذَا الْوَجْه - أَعنِي: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ من طرق إِلَيْهِ - إِلَّا أَن فِيهِ أَن الدَّين كَانَ دينارين، خلاف مَا ذكره تبعا للمختصر. وَفِي بَعْضهَا: «لَيْسَ من عبد يقْضِي عَن أَخِيه دينا إِلَّا فك الله رهانه يَوْم الْقِيَامَة. فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لعليّ هَذَا خَاصَّة؟ فَقَالَ: لعامة الْمُسلمين» وَفِي بعض رواياته: «إِنَّه لَيْسَ من ميت يَمُوت وَعَلِيهِ دين إِلَّا وَهُوَ مُرْتَهن بِدِينِهِ، وَمن فك رهان ميت فك الله رهانه يَوْم الْقِيَامَة. فَقَالَ بَعضهم: هَذَا لعليّ خَاصَّة أم للْمُسلمين عَامَّة؟ فَقَالَ: بل للْمُسلمين عَامَّة» وَفِي إِسْنَاده ضعفاء: أَوَّلهمْ: عَطاء بن عجلَان الْعَطَّار أَبُو مُحَمَّد الْحَنَفِيّ الْبَصْرِيّ وَقد وهّوه، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى وَغَيره: كَذَّاب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 711 ثانيهم: عَطِيَّة بن سعد أَبُو الْحسن الْكُوفِي وَقد ضَعَّفُوهُ. ثالثهم: عبيد الله بن الْوَلِيد الْوَصَّافِي الْكُوفِي من ولد وصاف بن عَامر الْعجلِيّ، وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك (قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَى عبيد الله الْوَصَّافِي، وَهُوَ ضَعِيف) جدًّا. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عَلّي بِإِسْنَاد ضَعِيف، فِيهِ عَطاء بن عجلَان؛ وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: وَالرِّوَايَات فِي (تحمل) أبي قَتَادَة دين الْمَيِّت أصح. وَسَيَأْتِي بعْدهَا بِطرقِهِ. الحَدِيث الثَّالِث «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بِجنَازَة ليُصَلِّي عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَل عَلَى صَاحبكُم من دين؟ فَقَالُوا: نعم دِينَارَانِ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَة: هما عليَّ يَا رَسُول الله. قَالَ: فَصَلى عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ أُتِي بِجنَازَة فَقَالُوا: صل عَلَيْهَا، فَقَالَ: عَلَيْهِ دين؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هَل ترك شَيْئا؟ قَالُوا: لَا. فَصَلى عَلَيْهِ. ثمَّ أُتِي بِجنَازَة أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، صل عَلَيْهَا. قَالَ: هَل عَلَيْهِ دين؟ قيل: نعم. قَالَ: هَل ترك شَيْئا؟ قَالُوا: ثَلَاثَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 712 دَنَانِير. فَصَلى عَلَيْهَا، ثمَّ أُتِي بثالثة فَقَالُوا: صل عَلَيْهَا. قَالَ: هَل ترك شَيْئا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هَل عَلَيْهِ دين؟ قَالُوا: ثَلَاثَة دَنَانِير. قَالَ: صلوا عَلَى صَاحبكُم. قَالَ: أَبُو قَتَادَة: صل عَلَيْهِ يَا رَسُول الله وعليَّ دينه. فَصَلى عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْجِنَازَة الأولَى بعد قَوْله «ثَلَاثَة دَنَانِير قَالَ: (ثَلَاث) كيات» . وَأخرجه أَحْمد و (أَبُو) دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث جَابر، وَفِيه أَن الدَّين كَانَ (دينارين) وَفِي رِوَايَة أَحْمد: «فَلَمَّا فتح الله - عَزَّ وجَلَّ - عَلَى رَسُوله، قَالَ: أَنا أولَى بِكُل مُؤمن من نَفسه؛ من ترك دينا فعليَّ، وَمن ترك مَالا فلورثته» وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي قَتَادَة بِدُونِ تعْيين قدر الدَّين. وَأخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه من حَدِيثه أَيْضا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 713 بِتَعْيِين مِقْدَاره، وَهُوَ تِسْعَة عشر أَو ثَمَانِيَة عشر درهما وَفِيه: «أَن الْمَيِّت رجل من الْأَنْصَار» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «سَبْعَة عشر» بدل «تِسْعَة عشر» ولعلها تصحيفًا. وَفِي رِوَايَتَيْنِ لَهُ من هَذَا الْوَجْه «أَن الدَّين كَانَ دينارين» . وأخرجها أَحْمد أَيْضا، وَأخرج رِوَايَة ثَالِثَة وَهِي الْجَزْم بِكَوْنِهِ «ثَمَانِيَة عشر درهما» وَفِي (ثِقَات ابْن حبَان) عبد الْملك بن رَاشد قَالَ: سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول: «توفّي رجل عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأتي بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَل ترك عَلَيْهِ دينا؟ قَالُوا: نعم، ترك دينارين. فَقَالَ: صلوا عَلَى صَاحبكُم. فَقَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا أقضيها عَنهُ يَا رَسُول الله. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: قَضَاء غير بَقَاء؟ فَقَالَ الرجل: نعم. فَصَلى عَلَيْهِ» . رَوَى عَنهُ بَقِيَّة بن الْوَلِيد، وَقَالَ بَقِيَّة: «غير بَقَاء (غير) مطل» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَجَاء فِي رِوَايَة أَن عليًّا لما قَضَى (عَنهُ) دينه (قَالَ) : «الْآن برَّدت عَلَيْهِ جلده» . قلت: هَذَا غَرِيب، وَالْمَعْرُوف أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 714 لأبي قَتَادَة. كَذَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ، وَقَالَ الْحَاكِم: إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ «قَبره» بدل «جلده» . وَالْمُصَنّف تبع الْغَزالِيّ؛ فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي الْوَصَايَا من «وسيطه» وَنبهَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» عَلَى أَنه من أَوْهَامه وَأَن صَوَابه «قَالَ لأبي قَتَادَة» كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَالْحَاكِم فِي حَدِيث جَابر هَذَا «فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول لأبي قَتَادَة: هما عَلَيْك وَفِي مَالك، وَالْمَيِّت مِنْهُمَا بَرِيء. فَقَالَ: نعم» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنه لما ضمن أَبُو قَتَادَة الدينارين عَن الْمَيِّت قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: هما عَلَيْك حق الْغَرِيم وَبرئ الْمَيِّت. قَالَ: نعم. فَصَلى عَلَيْهِ» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل قَالَ: قَالَ جَابر: «توفّي رجل فغسلناه وكفناه، ثمَّ أَتَيْنَا بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فتخطى خطا ثمَّ قَالَ: هَل عَلَيْهِ دين؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَانْصَرف، فتحملها أَبُو قَتَادَة، فأتيناه فَقَالَ أَبُو قَتَادَة: الديناران عليَّ. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حق الْغَرِيم وَبرئ مِنْهُمَا الْمَيِّت. قَالَ: نعم. فَصَلى عَلَيْهِ ... » ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث، وَفِي آخِره: «الْآن برَّدت عَلَيْهِ جلده - حِين ذكر أَنه قضاهما» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد أخبر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي هَذِه الراوية أَنه بِالْقضَاءِ برد عَلَيْهِ جلده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 715 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقَوله: «حق الْغَرِيم ... » إِلَى آخِره إِن كَانَ حفظه ابْن عقيل؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عني - وَالله أعلم - للْغَرِيم مطالبتك بهما وَحدك إِن شَاءَ، كَمَا لَو كَانَ لَهُ عَلَيْك حق من وَجه آخر، وَالْمَيِّت مِنْهُ بَرِيء كَانَ لَهُ مطالبتك بِهِ وَحدك إِن شَاءَ. فَائِدَة: قَوْله: «برَّدت عَلَيْهِ جلده» هُوَ بتَشْديد الرَّاء، قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْجَنَائِز من «خلاصته فِي الْأَحْكَام» : وَإِنَّمَا ضبطتها لِأَن بعض المصنفين غلط فِي ضَبطهَا. قَالَ الرَّافِعِيّ: ثمَّ نقل الْعلمَاء أَن هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام لم يكن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي عَلَى من لم (يخلف) وَفَاء (من) المديونين؛ لِأَن صلَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ شَفَاعَة مُوجبَة للمغفرة، وَلم يكن حِينَئِذٍ فِي المَال سَعَة، فَلَمَّا فتح الله - عَزَّ وجَلَّ - الْفتُوح قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «أَنا أولَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم» وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَاضحا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل عَنهُ « (أَنه قَالَ فِي خطبَته: من خلف مَالا أَو حقًّا فلورثته، وَمن خلَّف كلا أَو دين فكلَّه إليَّ وَدينه عليَّ. قيل: يَا رَسُول الله، وَعَلَى كل إِمَام بعْدك؟ قَالَ: وَعَلَى كل إِمَام بعدِي» . هَذَا تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الإِمَام وَالْقَاضِي حُسَيْن، وصدره ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُؤْتَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 716 بِالرجلِ الْمُتَوفَّى وَعَلِيهِ الدَّين فَيسْأَل: هَل ترك لدينِهِ قَضَاء؟ فَإِن حدث أَنه ترك وَفَاء صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَالَ للْمُسلمين: صلوا عَلَى صَاحبكُم. قَالَ: فَلَمَّا فتح الله عَلَى رَسُوله كَانَ يُصَلِّي وَلَا يسْأَل عَن الدَّين، وَكَانَ يَقُول: أَنا أولَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم؛ فَمن توفّي من الْمُؤمنِينَ فَترك دينا أَو كلا أَو ضيَاعًا فعليَّ وإليَّ، وَمن ترك مَالا فلورثته» وثابت أَيْضا من حَدِيث جَابر كَمَا أسلفته لَك فِي الحَدِيث الثَّالِث قَرِيبا، وَأما عَجزه وَهُوَ قَوْله: «يَا رَسُول الله ... » إِلَى آخِره فتعبت عَلَيْهِ دهرًا إِلَى أَن وَجدتهَا فِي حَدِيث آخر فِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني رَوَاهُ من حَدِيث أبي [الصَّباح] عبد الغفور بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن أبي هَاشم الرماني، عَن زَاذَان، عَن سُلَيْمَان قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نفدي سَبَايَا الْمُسلمين ونعطي سائلهم. ثمَّ قَالَ: من ترك مَالا فلورثته، وَمن (ترك) دينا فعليَّ وَعَلَى الْوُلَاة من بعدِي من بَيت مَال الْمُسلمين» . و (عبد الغفور) هَذَا تَرَكُوهُ وَنسب إِلَى الْوَضع. فَائِدَة: «الكَلّ» فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام -: الْعِيَال والضياع أَيْضا، وَهُوَ بِفَتْح الضَّاد أَيْضا، وَرُوِيَ بِكَسْرِهَا، جمع ضائع، كَمَا يُقَال: جَائِع وجياع. قَالَ الْخطابِيّ: وَالْمَحْفُوظ الأول. وَقَالَ ابْن بري: من رَوَاهُ بِالْفَتْح فَمَعْنَاه من ترك ضائعة، فَأَقَامَ الْمصدر مقَام اسْم الْفَاعِل، كَمَا يُقَال: مَاء غور؛ أَي: غائر، وَأما من كسر فَظَاهر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 717 كتاب الشّركَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 719 [1] كتاب الشّركَة ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث. أَحدهَا عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَقُول الله - تَعَالَى -: أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه؛ فَإِذا خانه خرجتُ من بَينهمَا» . هَذَا الحَدِيث جيد الْإِسْنَاد. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن (الزبْرِقَان عَن) أبي حَيَّان يَحْيَى بن سعيد بن حَيَّان التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن الله - تَعَالَى - يَقُول ... » فَذكره، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَخَالف ابْن الْقطَّان فأعله بوالد [أبي] حَيَّان وَقَالَ: لَا يعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف رَوَى عَنهُ غير ابْنه. وَتَابعه عَلَى ذَلِكَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» فَقَالَ: لَا يكَاد يعرف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 721 قلت: قد عرفه ابْن حبَان فَذكره فِي «ثقاته» وَذكر أَنه رَوَى عَنهُ مَعَ وَلَده الْحَارِث بن (سُوَيْد) . قلت: وَرَوَى عَنهُ القَاضِي شُرَيْح أَيْضا؛ فَزَالَ مَا (ادعياه) . نعم أعله الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» بِالْإِرْسَال حَيْثُ رَوَاهُ جرير عَن أبي حَيَّان عَن أَبِيه مُرْسلا، وَقَالَ: إِنَّه الصَّوَاب. وَأخرج هَذَا الْمُرْسل فِي «سنَنه» أَيْضا بِلَفْظ: «يَد الله عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه؛ فَإِذا خَان أَحدهمَا صَاحبه رَفعهَا عَنْهُمَا» . وَأخرج قبل هَذَا الْمُتَّصِل كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: قَالَ (لوين) : لم يسْندهُ غير أبي همام وَحده. قلت: هُوَ مُحَمَّد (بن الزبْرِقَان) السالف، وَهُوَ ثِقَة، فَيَأْتِي فِيهِ مَا فِي تعَارض الْمُرْسل مَعَ الْمُتَّصِل، وَله شَاهد من حَدِيث حَكِيم بن حزَام، أخرجه الْأَصْبَهَانِيّ (فِي) «ترغيبه وترهيبه» من حَدِيث أبي الْخَلِيل عَنهُ مَرْفُوعا: «البيعان بِالْخِيَارِ، وَيَد الله عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لم يخن أَحدهمَا صَاحبه؛ فَإِن صدقا وَبينا وَجَبت (الْبركَة) بَينهمَا، وَإِن كتما وكذبا محقت الْبركَة من بيعهمَا» . فَائِدَة: مَعْنَى «أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ» : أَنا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالرِّعَايَة؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 722 فأمدها بالمعونة فِي أموالهما وَأنزل الْبركَة فِي تجارتهما، فَإِذا وَقعت بَينهمَا الْخِيَانَة رفعت الْبركَة (والإعانة عَنْهُمَا) فَهُوَ مَعْنَى خرجت من بَينهمَا» وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ آخر الحَدِيث: يَعْنِي أَن الْبركَة تنْزع من بَينهمَا. وَزَاد رُزين فِي آخِره: «وَجَاء الشَّيْطَان» وَهُوَ كِنَايَة أَيْضا فِي انتزاع الْبركَة من مَالهمَا. الحَدِيث الثَّانِي «أَن السَّائِب بن يزِيد كَانَ شريك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن السَّائِب بن أبي السَّائِب «أَنه كَانَ يُشَارك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل الْإِسْلَام فِي التِّجَارَة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح جَاءَهُ فَقَالَ: مرْحَبًا بأخي وشريكي، كَانَ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» أَيْضا عَن مُجَاهِد، عَن قَائِد السَّائِب، عَن السَّائِب بن أبي السَّائِب قَالَ: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَجعلُوا يثنون عليَّ ويذكروني، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنا أعلمكُم بِهِ. فَقلت: صدقت (بِأبي وَأمي) كنت شَرِيكي فَنعم الشَّرِيك؛ كنت لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» أَيْضا عَن السَّائِب «أَنه قَالَ للنَّبِي (: كنت شَرِيكي فِي الْجَاهِلِيَّة؛ فَكنت خير شريك (كنت لَا تداريني و الجزء: 6 ¦ الصفحة: 723 لَا تماريني) » وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «الْيَوْم وَاللَّيْلَة» أَيْضا، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا عَن مُجَاهِد، عَن السَّائِب بن أبي السَّائِب «أَنه كَانَ شريك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أول الْإِسْلَام فِي التِّجَارَة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح قَالَ: مرْحَبًا بأخي وشريكي لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِسَنَد أبي دَاوُد وَالْحَاكِم وَلَفْظهمَا. فَائِدَة: قد عرفت أَن هَذَا الحَدِيث (من) رِوَايَة السَّائِب بن أبي السَّائِب، وَاسم أبي السَّائِب صَيْفِي بن عَابِد، لَا السَّائِب بن يزِيد، ذَاك آخر ولد فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَن أَبِيه: رُوِيَ «أَن قيس بن السَّائِب كَانَ شريك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَن عبد الله أَيْضا كَانَ شَرِيكه» قَالَ: وَعبد الله لَيْسَ بالقديم، وَكَانَ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[حَدثا] وَالشَّرِكَة بِأَبِيهِ (أشبه) وَقَالَ أَبُو عمر فِي «الِاسْتِيعَاب» : اخْتلف فِيمَن كَانَ شَرِيكه؛ فَمنهمْ من يَقُول: السَّائِب بن أبي السَّائِب، وَمِنْهُم من يَقُول: لأبي السَّائِب، وَمِنْهُم من يَقُول لقيس بن السَّائِب، وَقيل: لعبد الله بن السَّائِب، وَهَذَا اضْطِرَاب لَا يثبت بِهِ شَيْء وَلَا تقوم بِهِ حجَّة، والسائب بن (أبي) السَّائِب من الْمُؤَلّفَة، وَمِمَّنْ حسن إِسْلَامه مِنْهُم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 724 فَائِدَة ثَانِيَة: يدارئ مَهْمُوز وَمَعْنَاهُ (يشاغب) وَيُخَالف صَاحبه، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» وَقَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : الرِّوَايَة يُدَارِي بِغَيْر همزَة (ليزواج) يُمَارِي. وَعبارَة ابْن الْأَثِير: المماراة المجادلة والملاحاة. قَالَ: وَوَقع فِي رِوَايَة رزين «كنت لَا تشاري» . وَقَالَ: وَهِي الملاحاة. قَالَ: والمداراة المدافعة. وَهَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة قيس بن السَّائِب قَالَ: وَهُوَ شريك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْجَاهِلِيَّة. وأخرجها أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك، وَهَذَا لَفظه: «وَكَانَ (شَرِيكا فِي الْجَاهِلِيَّة لخير شريك لَا يُمَارِي وَلَا يشاري» . الحَدِيث الثَّالِث يَنْبَغِي أَن يعد أثرا، وَهُوَ «أَن الْبَراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم كَانَا شَرِيكَيْنِ» . وَهَذَا صَحِيح رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن يَحْيَى بن أبي بكير، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن نَافِع قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن دِينَار يذكر عَن [أبي] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 725 الْمنْهَال «أَن زيد بن أَرقم والبراء بن عَازِب كَانَا شَرِيكَيْنِ، فاشتريا فضَّة بِنَقْد ونسيئة، فَبلغ ذَلِكَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَمرهمَا أَن مَا كَانَ بِنَقْد فأجيزوه، وَمَا كَانَ بنسيئة فَردُّوهُ» . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَلَيْسَ هُوَ بمرسل كَمَا يَبْدُو لَك من ظَاهره، لَا جرم أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن عَمْرو بن عَلّي، أبنا أَبُو عَاصِم، عَن عُثْمَان - يَعْنِي: ابْن الْأسود - قَالَ: أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن أبي [مُسلم] قَالَ: سَأَلت [أَبَا] الْمنْهَال عَن الصّرْف يدا بيدٍ [فَقَالَ: اشْتريت أَنا وَشريك لي شَيْئا يدا بيد] ونسيئة، فجاءنا الْبَراء بن عَازِب فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: (فعلت) أَنا وشريكي زيد بن أَرقم وَسَأَلنَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عَن ذَلِكَ) قَالَ: مَا كَانَ يدا بيدٍ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَة فَردُّوهُ» . وَهَذَا الحَدِيث أحسن مَا يسْتَدلّ بِهِ أَيْضا عَلَى الرَّاجِح عِنْد الْمُتَأَخِّرين فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 726 كتاب الْوكَالَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 727 كتاب الْوكَالَة ذكر فِيهِ عشرَة أَحَادِيث: أَحدهَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه وكل السعاة لأخذ الصَّدقَات» . هُوَ كَمَا قَالَ ثَبت، وَهَذَا قد أسلفناه وَاضحا فِي كتاب الزَّكَاة فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وكل عُرْوَة الْبَارِقي ليَشْتَرِي لَهُ أضْحِية» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب البيع فَرَاجعه من ثمَّ، وكرره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وكل عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فِي قبُول نِكَاح أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان» . هَذَا الحَدِيث ذكره الْفُقَهَاء كلهم (هَكَذَا) وَذكره كَذَلِك الْمُحدثين: الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» فِي أَوَائِل كتاب النِّكَاح فِي أثْنَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 729 مَسْأَلَة النِّكَاح لَا تقف عَلَى الْإِجَازَة، وَأَنه قَالَ: إِن قيل: كَانَ صِحَة نِكَاح أم حَبِيبَة مَوْقُوفا عَلَى قبُول النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قُلْنَا: بل كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عَمْرو بن أُميَّة وَكيلا لقبُول العقد، ثمَّ اسْتشْهد عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَة أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن « (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عَمْرو إِلَى النَّجَاشِيّ فَزَوجهُ أم حَبِيبَة» ) . وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» فِي النِّكَاح أَيْضا: «إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ وكل عَمْرو بن أُميَّة ليزوجه أم حَبِيبَة» . روينَا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي أَنه حَكَاهُ. و (اسْتشْهد فِي السّنَن) «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي (إِلَى) النَّجَاشِيّ فَزَوجهُ أم حَبِيبَة» وَهُوَ مُحْتَمل لِأَن يكون هُوَ الْوَكِيل فِي الْقبُول أَو النَّجَاشِيّ، وَقد قيل: إِن النَّجَاشِيّ عقد عَلَيْهَا عَنْهَا وَعَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، لِأَنَّهُ كَانَ أَمِير الْموضع وسلطانه وَهُوَ ظَاهر مَا فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَالنَّسَائِيّ وَقيل: إِن الَّذِي زَوجهَا عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة ابْن ابْن عَم أَبِيهَا. وَقيل: خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة وَهُوَ ابْن ابْن عَم أَبِيهَا؛ لِأَنَّهَا أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة، وَالْعَاص هُوَ ابْن أُميَّة وَكَانَ أَبوهَا كَافِرًا إِذْ ذَاك لَا ولَايَة لَهُ مَعَ غيبته وَهُوَ (الْمَذْكُور فِي السِّيرَة وَغَيرهَا، و «الْأُم» للشَّافِعِيّ أَيْضا. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون النَّجَاشِيّ هُوَ) الْخَاطِب عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والعاقد هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان، وَأصْدقهَا النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 730 دِينَار - (وَقيل: مِائَتي دِينَار، وَقيل: أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم. وَرَأَيْت فِي «الصِّحَاح» لِابْنِ السكن أَرْبَعمِائَة دِرْهَم) - وَهَذَا لَفظه: عَن أم حَبِيبَة قَالَت: «تزَوجنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا بِأَرْض الْحَبَشَة، فَزَوجهُ إِيَّاهَا النَّجَاشِيّ ومهرها من عِنْده أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَلم يُعْطهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا، وَبعث بهَا مَعَ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة» كَذَا هُوَ فِيهِ «أَرْبَعمِائَة دِرْهَم» و (صَوَابه: أَرْبَعَة) آلَاف. كَذَا هُوَ فِي «مُسْند أَحْمد» من هَذَا الْوَجْه. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن أَبَا سُفْيَان طلب من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثًا؛ مِنْهَا أَن يُزَوجهُ أم حَبِيبَة» هَذَا من الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة بالإشكال الْمَعْرُوفَة بالإعضال، وَوجه الْإِشْكَال: أَن أَبَا سُفْيَان إِنَّمَا أسلم يَوْم الْفَتْح، وَالْفَتْح سنة ثَمَان، وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ قد تزَوجهَا (قبل ذَلِكَ) بِزَمن طَوِيل. قَالَ خَليفَة بن خياط: (وَالْمَشْهُور عَلَى) أَنه تزَوجهَا سنة سِتّ، وَدخل بهَا سنة سبع. وَقيل: تزَوجهَا سنة سبع، وَقيل: سنة خمس، وَقد أوضحت الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال فِي «شرح الْعُمْدَة» فِي كتاب النِّكَاح فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث الرَّابِع «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ وكل أَبَا رَافع فِي قبُول نِكَاح مَيْمُونَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ عَن ربيعَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 731 (بن أبي) عبد الرَّحْمَن، عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث أَبَا رَافع مَوْلَاهُ ورجلا من الْأَنْصَار، فزوجاه مَيْمُونَة بنت الْحَارِث وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قبل أَن يخرج» وَهَذَا مُرْسل، وَرَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، عَن مطر، عَن ربيعَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي رَافع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تزوج مَيْمُونَة حَلَالا، وَبَنَى بهَا حَلَالا وَكنت أَنا الرَّسُول بَينهمَا» و (حسنه) التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: وَلَا نعلم أحدا أسْندهُ غير حَمَّاد (عَن) مطر. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَاهُ مطر الْوراق، عَن ربيعَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي رَافع قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي غلط من مطر؛ لِأَن سُلَيْمَان بن يسَار ولد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ، وَقيل: سنة سبع وَعشْرين، وَمَات أَبُو رَافع بِالْمَدِينَةِ إِثْر قتل عُثْمَان، وَكَانَ قَتله فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ، فَغير مُمكن سَمَاعه وممكن أَن يسمع من مَيْمُونَة؛ لِأَنَّهَا توفيت سنة سِتّ وَسِتِّينَ بسرف و (هِيَ) مولاته ومولاة إخْوَته، أعتقتهم وولاؤهم لَهَا، ويستحيل أَن يخْفَى عَلَيْهِ أمرهَا. قلت: وَأما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: أَنا أَظن أَن الحَدِيث الْمَذْكُور مُتَّصِل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 732 بِاعْتِبَار أَن يكون الصَّحِيح فِي مولد سُلَيْمَان قَول من قَالَ: سنة سبع وَعشْرين؛ فَيكون سنة نَحْو ثَمَانِيَة أَعْوَام يَوْم مَاتَ أَبُو رَافع، وَقد يَصح (سَماع) من هَذِه سنه. وَقد ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة حَدِيث نزُول الأبطح، وَفِيه: عَن صَالح بن كيسَان أَنه سمع (سُلَيْمَان) بن يسَار يَقُول: أَخْبرنِي أَبُو رَافع ... فَذكر الحَدِيث، فَفِي هَذَا ذكر سَمَاعه مِنْهُ. قلت: (وَرُوِيَ من غير حَدِيث أبي رَافع) قَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدَّثَني إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُوسَى (عَن) الْمفضل بن أبي عبد الله، عَن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «لما أَرَادَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْخُرُوج إِلَى مَكَّة بعث أَوْس بن خولي وَأَبا رَافع إِلَى الْعَبَّاس فَزَوجهُ مَيْمُونَة» . وَقَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَت مَيْمُونَة عِنْد أبي رهم، وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي (وَكَانَ خرج مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقعدَة، فَلَمَّا بلغ مَوضِع كَذَا بعث جَعْفَر بن أبي طَالب فَخَطب مَيْمُونَة، فَجعلت أمرهَا إِلَى الْعَبَّاس، فَزَوجهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَرِوَايَة أبي رَافع السالفة أَنه تزَوجهَا حَلَالا تعارضه رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَنه تزَوجهَا محرما. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ فِي كتاب النِّكَاح حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ - إِن شَاءَ الله ذَلِكَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 733 الحَدِيث الْخَامِس عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر فَذَكرته لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِذا لقِيت وَكيلِي فَخذ مِنْهُ خَمْسَة عشر وسْقا؛ فَإِن ابْتَغَى مِنْك آيَة فضع يدك (عَلَى) ترقوته» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بَاب الْوكَالَة فِي آخر كتاب الْقَضَاء من «سنَنه» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن أبي نعيم وهب بن كيسَان، عَن جَابر أَنه سَمعه يحدث قَالَ: «أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسلمت عَلَيْهِ، وَقلت لَهُ: إِنِّي أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر. فَقَالَ: إِذا أتيت وَكيلِي فَخذ (مِنْهُ) » إِلَى آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا بِزِيَادَة: «فَلَمَّا وليت دَعَاني فَقَالَ: خُذ مِنْهُ ثَلَاثِينَ وسْقا، فوَاللَّه مَا [لآل مُحَمَّد بِخَيْبَر] تَمْرَة غَيرهَا، فَإِن ابْتَغَى ... » إِلَى آخِره. فَائِدَة: الترقوة: الْعظم الَّذِي بَين ثغرة النَّحْر والمنكبين. تَنْبِيه: هَذِه الْأَحَادِيث ذكرهَا الرَّافِعِيّ لإِثْبَات جَوَاز الْوكَالَة، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة شهيرة فِيهِ مِنْهَا (مَا) ذكره بعد (فِي) استنابته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي ذبح الْهَدْي، وَمِنْهَا قَوْله: «اذْهَبُوا بِهِ فارجموه» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 734 وَمِنْهَا قَوْله: «واغد يَا أنيس ... » إِلَى آخِره، وَمِنْهَا قَول أبي هُرَيْرَة: «وكلني النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حفظ زَكَاة رَمَضَان» وَغير ذَلِكَ من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الشهيرة. الحَدِيث (السَّادِس) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أناب فِي ذبح الْهَدَايَا والضحايا» . أما فِي الْهَدَايَا فَصَحِيح ثَابت، كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَلّي «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أقوم عَلَى بدنه ... » الحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي فِي الضَّحَايَا، وناب فِيهِ أَيْضا عَن غَيره كَمَا مر فِي الحَدِيث الْحَادِي عشر من بَاب بَيَان وُجُوه الْإِحْرَام، وَأما فِي الضَّحَايَا فَلَا يحضرني. الحَدِيث (السَّابِع) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي قصَّة مَاعِز: اذْهَبُوا بِهِ فارجموه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «أَتَى رجل من أسلم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت! فَأَعْرض عَنهُ فَتنَحَّى تِلْقَاء وَجهه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت. فَأَعْرض عَنهُ، حَتَّى ثنى ذَلِكَ أَربع مَرَّات، فَلَمَّا شهد عَلَى نَفسه أَربع شَهَادَات دَعَاهُ، فَقَالَ: أبك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 735 جُنُون؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل أحصنت؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اذْهَبُوا بِهِ فارجموه» قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي من سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «فرجمناه بالمصلى، فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة هرب، حَتَّى أدركناه بِالْحرَّةِ فرجمناه» وَهَذَا الرجل هُوَ مَاعِز بن مَالك، كَمَا جَاءَ فِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره. الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «واغد يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا؛ فَإِن اعْترفت فارجمها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي اللّعان وَالْحَد، وسنذكره هُنَاكَ بِكَمَالِهِ - إِن شَاءَ الله - فَإِنَّهُ أليق بِهِ. الحَدِيث التَّاسِع قَالَ الرَّافِعِيّ: عقد الْإِمَارَة يقبل التَّعْلِيق عَلَى مَا قَالَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ «فَإِن أُصِيب زيد فجعفر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الله بن عمر قَالَ: «أمَّرَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَزْوَة مُؤْتَة زيد بن حَارِثَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 736 فَقَالَ: إِن قتل زيد فجعفر، وَإِن قتل جَعْفَر فعبد الله بن رَوَاحَة. قَالَ ابْن عمر: فَكنت مَعَهم فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، والتمسنا (جَعْفَر) فوجدناه فِي الْقَتْلَى، وَوجدنَا فِيمَا أقبل من جسده بضعًا وَتِسْعين مَا بَين طعنة ورمية» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن عبد الله بن عمر وقف عَلَى جَعْفَر يَوْمئِذٍ وَهُوَ قَتِيل فعددت بِهِ خمسين بَين طعنة وضربة لَيْسَ مِنْهَا شَيْء فِي دبره» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «فَوَجَدنَا بِمَا أقبل من جِسْمه بضعًا وَتِسْعين مَا بَين طعنة ورمية» . وَرَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي قَتَادَة مطولا. وَرَوَاهُ ابْن إِسْحَاق مُرْسلا، فَقَالَ: مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير، عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَعثه إِلَى مُؤْتَة فِي جُمَادَى الأولَى سنة ثَمَان، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة وَقَالَ: (إِن أُصِيب) زيد فجعفر بن أبي طَالب عَلَى النَّاس؛ فَإِن أُصِيب جَعْفَر فعبد الله بن رَوَاحَة عَلَى النَّاس. فتجهز النَّاس وتهيئوا لِلْخُرُوجِ وهم ثَلَاثَة آلَاف ... » وَذكر الحَدِيث. فَائِدَة: مُؤْتَة - بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه -: مَوضِع من أَرض الشَّام من عمل البلقاء، قَالَه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» وَهُوَ قريب من الكرك، وَفِيه مشْهد عَظِيم فِي مَوضِع الْوَقْعَة، فِيهِ قُبُور الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 737 الحَدِيث الْعَاشِر رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا: «لَا نِكَاح إِلَّا بأَرْبعَة: بخاطب، وَوَلَّى، وشاهدين» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق (أبي) الخصيب بن نَافِع بن ميسرَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة - رفعته -: «لابد فِي النِّكَاح من أَرْبَعَة: الْوَلِيّ، وَالزَّوْج، والشاهدين» ثمَّ قَالَ: أَبُو الخصيب هَذَا مَجْهُول. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آخر بَاب الْأَوْلِيَاء وأحكامهم فِي (ربع) النِّكَاح؛ فَإِنَّهُ أليق - إِن شَاءَ الله وَقدره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 738 كتاب الْإِقْرَار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 739 كتاب الْإِقْرَار ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين: أَحدهمَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «قُولُوا الْحق وَلَو عَلَى أَنفسكُم» . وَهَذَا الحَدِيث تبع الرَّافِعِيّ فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَالْغَزالِيّ (تبع) فِيهِ إِمَامه فِي «نهايته» وَهُوَ حَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَلّي بن أبي طَالب قَالَ: «ضممت إليَّ سلَاح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوجدت فِي قَائِم سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رقْعَة فِيهَا: صل من قَطعك، وَأحسن إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْك، وَقل الْحق وَلَو عَلَى نَفسك» . عزاهُ صَاحب الْمطلب إِلَى جُزْء أبي عَلّي الْحسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن شَاذان الْبَزَّار، عَن أبي عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن السماك، ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد ... فَذكره ثمَّ قَالَ: حَدِيث مُنْقَطع؛ لِأَن زين العابدين هُوَ عَلّي بن الْحُسَيْن جد جَعْفَر بن مُحَمَّد لم يدْرك عليًّا جده، وَقد أخرج هَذِه التَّرْجَمَة مَعَ انقطاعها ابْن مَاجَه، وَلَيْسَ فِي الْإِسْنَاد كَمَا قيل عِلّة (تخرجه عَن أَن) يحْتَج الْفُقَهَاء بِهِ إِلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 741 الِانْقِطَاع، قَالَ: لكنه انجبر بِالْآيَةِ. قلت: أما انْقِطَاعه فَلَا شكّ فِيهِ، قَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: لم يدْرك عَلّي بن الْحُسَيْن جده عليًّا. وَأما قَوْله: وَلَيْسَ فِي الْإِسْنَاد كَمَا قيل ... إِلَى آخِره، فَهُوَ غلط من هَذَا الْقَائِل؛ فحسين بن زيد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ الْحُسَيْن بن زيد بن عَلّي بن الْحُسَيْن الْعلوِي. قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا نَعْرِف حَاله. وَغلط هَذَا أَيْضا فحالته قد عرفت. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هُوَ ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: تعرف وتنكر. وَقَالَ ابْن عدي: وجدت فِي حَدِيثه بعض النكرَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقد أسلفته لَك فِي بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر هُوَ الْحزَامِي الْحَافِظ أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ السَّاجِي: عِنْده مَنَاكِير. وَفِي «صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان» عَن (الْحسن) بن سُفْيَان، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن يَحْيَى الغساني، ثَنَا أبي، عَن جدي، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ذَر قَالَ: «دخلت الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَالس وَحده فَجَلَست إِلَيْهِ فَقلت ... » وَذكر حَدِيثا مطولا، وَفِيه: «يَا رَسُول الله، زِدْنِي. قَالَ: قل الْحق وَإِن كَانَ مرًّا» وَإِبْرَاهِيم هَذَا، قَالَ أَبُو حَاتِم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 742 الرَّازِيّ: إِنَّه لم يطْلب الْعلم وَإنَّهُ كَذَّاب. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: صدق أَبُو حَاتِم؛ يَنْبَغِي أَن لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة - عَلَى مَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ -: كَذَّاب. وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته، وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من طَرِيق آخر بِإِسْنَاد جيد، فَقَالَ: ثَنَا الْحسن بن إِسْحَاق الْأَصْبَهَانِيّ، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن يزِيد الْقطَّان، ثَنَا أَبُو دَاوُد، عَن الْأسود بن (شَيبَان) عَن مُحَمَّد بن وَاسع، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي (بخصال من الْخَيْر: أَوْصَانِي بِأَن لَا أنظر (إِلَى) من هُوَ فَوقِي ... » إِلَى أَن قَالَ: «وأوصاني أَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا» . وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلَفظه: «أَمرنِي بِسبع ... » وَذكر مِنْهَا: «وَأَمرَنِي أَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا» وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن (بديل) بن ميسرَة، عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر، وَلَفظه «أَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 743 الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اغْدُ يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا؛ فَإِن اعْترفت فارجمها» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله. وَذكر فِيهِ من الْآثَار «أَن عليًّا قطع عبدا بِإِقْرَارِهِ» وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. نعم رَوَى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع «أَن ابْن عمر قطع عبدا سرق وَكَانَ آبق» وَقَالَ الشَّافِعِي كَمَا نَقله عَنهُ فِي «الْمعرفَة» : «وَقد أمرت عَائِشَة بِعَبْد أقرّ بِالسَّرقَةِ (فَقطع» وَكَذَا أسْندهُ فِي السّرقَة من حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عمْرَة عَنْهَا) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 744 كتاب الْعَارِية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 745 كتاب الْعَارِية ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث: أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْعَارِية مَضْمُونَة والزعيم غَارِم» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الضَّمَان من رِوَايَة أبي أُمَامَة وَغَيره، لَكِن بِلَفْظ «مُؤَدَّاة» بدل «مَضْمُونَة» وَلَا يحضرني من خرجه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. نعم هُوَ فِي الحَدِيث الْآتِي عَلَى الإثر بعده، وَالْغَزالِيّ فِي «وسيطه» (جمع) بَين اللَّفْظَيْنِ تبعا لإمامه، وتبعا الشَّافِعِي؛ فَإِنَّهُ أورد فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: «اسْتعَار عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ من صَفْوَان سِلَاحا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: عَارِية مَضْمُونَة مُؤَدَّاة» وَكَذَا ذكره الرّبيع عَن الشَّافِعِي كَذَلِك، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِنَّه مَرْوِيّ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ. قلت: وَلَا يحضرني كَذَلِك فِي رِوَايَة، وَإِنَّمَا فِيهَا رِوَايَة «مُؤَدَّاة» وَفِي أُخْرَى «مَضْمُونَة» كَمَا ستعلمه فِي الحَدِيث الْآتِي عَلَى الإثر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 747 الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتعَار أدرعًا من صَفْوَان يَوْم (حنين) فَقَالَ: أغصبًا يَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: بل عَارِية (مَضْمُونَة) » . هَذَا الحَدِيث مَوْجُود فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ وَله طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث صَفْوَان بن أُميَّة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتعَار مِنْهُ أدرعًا يَوْم (حنين) . فَقلت: أغصب يَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: لَا؛ بل عَارِية مَضْمُونَة» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شريك، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أُميَّة بن صَفْوَان، عَن أَبِيه بِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَذكر لَهُ شَاهدا من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَسَيَأْتِي، زَاد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ: «فَضَاعَ بَعْضهَا، فَعرض عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يضمنهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنا الْيَوْم يَا رَسُول الله فِي الْإِسْلَام (أَرغب) » قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ قيس بن الرّبيع عَن عبد الْعَزِيز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 748 [عَن] ابْن أبي مليكَة [عَن أُميَّة] بن صَفْوَان عَن أَبِيه. قلت: ورده ابْن حزم فَإِنَّهُ ذكره فِي «محلاه» من طَرِيق النَّسَائِيّ وَقَالَ: لَا يَصح (قَالَ:) وَشريك مُدَلّس للمنكرات، وَقد رَوَى البلايا وَالْكذب الَّذِي لَا شكّ فِيهِ عَن الثِّقَات. وَتَبعهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: إِنَّه من رِوَايَة شريك عَن عبد الْعَزِيز، وَلم يقل: «ثَنَا» وَهُوَ مُدَلّس. وَتوقف الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» فِي تَصْحِيحه من وَجه آخر، وَهُوَ معرفَة حَال أُميَّة بن صَفْوَان، فَقَالَ - بعد أَن عزاهُ إِلَى «الْمُسْتَدْرك» -: لَعَلَّه (علم) حَال أُميَّة. قلت: وحالته مَعْلُومَة، أخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ: هَذَا الحَدِيث مَحْفُوظ عَن صَفْوَان بن أُميَّة، وَيروَى عَن أُميَّة بن صَفْوَان أَيْضا عَن أَبِيه. قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو زَكَرِيَّا من حَدِيث أُميَّة الْقرشِي. قلت: وَرُوِيَ مُرْسلا من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن (أَبِيه «أَن) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 749 صَفْوَان بن أُميَّة أعَار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سِلَاحا هِيَ ثَمَانُون درعًا، فَقَالَ لَهُ: أعارية مَضْمُونَة أم غصبا؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بل عَارِية مَضْمُونَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أنس بن عِيَاض اللَّيْثِيّ عَن جَعْفَر بِهِ، ثمَّ قَالَ: وَبَعض هَذِه الْأَخْبَار وَإِن كَانَ مُرْسلا؛ فَإِنَّهُ يقوى بشواهد مَعَ مَا تقدم من الْمَوْصُول. قلت: وَرَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة، عَن يَحْيَى بن أبي بكير، ثَنَا نَافِع، عَن صَفْوَان بن أُميَّة «أَنه اسْتعَار مِنْهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (سِلَاحا) (قَالَ: مَضْمُونَة؟) فَقَالَ: مَضْمُونَة» رده ابْن حزم بِأَن قَالَ: الْحَارِث مَتْرُوك - وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ - وَيَحْيَى هَذَا لم يدْرك نَافِعًا، وَأَعْلَى من عِنْده شُعْبَة، وَلَا نعلم لنافع سَمَاعا من صَفْوَان أصلا، وَالَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَن صَفْوَان مَاتَ أَيَّام عُثْمَان قبل الْفِتْنَة. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث جرير، عَن [عبد الْعَزِيز بن] رفيع، عَن أنَاس من آل عبد الله بن صَفْوَان أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا صَفْوَان، هَل عنْدك من سلَاح؟ قَالَ: عَارِية أم غصبا؟ قَالَ: لَا؛ بل عَارِية. فأعاره مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين درعًا، وغزا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حنينًا، فَلَمَّا هزم الْمُشْركين جُمعت دروع صَفْوَان، ففقد مِنْهَا أدراعًا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّا قد فَقدنَا من أدرعك أدراعًا، فَهَل نغرمها لَك؟ قَالَ: لَا يَا رَسُول الله؛ لِأَن فِي قلبِي الْيَوْم مَا لم يكن يَوْمئِذٍ» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 750 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي الْأَحْوَص، عَن ابْن رفيع، عَن عَطاء، عَن نَاس من أهل صَفْوَان ... فَذكره بِمَعْنَاهُ. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتعَار من صَفْوَان بن أُميَّة أدرعًا و (سِلَاحا) فِي غَزْوَة حنين، قَالَ: يَا رَسُول الله، أعارية مُؤَدَّاة؟ قَالَ: عَارِية مُؤَدَّاة» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» شَاهدا لحَدِيث صَفْوَان السالف أَولا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضي اللهُ عَنهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَار إِلَى حنين ... » فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: «ثمَّ بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى صَفْوَان بن أُميَّة فَسَأَلَهُ أدراعًا عِنْده مائَة درع وَمَا يصلحها من عدتهَا، فَقَالَ: أغصبًا يَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: بل عَارِية مَضْمُونَة حَتَّى نؤديها [إِلَيْك] » . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَبله شَيْخه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أول مَنَاقِب سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان بن أُميَّة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (اسْتعَار من صَفْوَان بن أُميَّة دروعًا فَهَلَك بَعْضهَا، فَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 751 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : إِن شِئْت غرمناها لَك» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث إِسْرَائِيل عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة عَن عبد الرَّحْمَن بِهِ. وَعبد الرَّحْمَن هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي طبقَة التَّابِعين، وَذكره غَيره فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ لَهُ رِوَايَة. فَهَذِهِ طرق هَذَا الحَدِيث، وَبَعضهَا يقوى بِبَعْض، وَلما ذكر عبد الْحق (فِي «أَحْكَامه» ) الطَّرِيق الأول من جِهَة النَّسَائِيّ قَالَ: حَدِيث يعْلى أصح مِنْهُ. وَحَدِيث يعْلى ذكره قبله من عِنْد أبي دَاوُد قَالَ: قَالَ (لي) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أتتك رُسُلِي فادفع إِلَيْهِم ثَلَاثِينَ درعًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا. فَقلت: يَا رَسُول الله، أعارية مَضْمُونَة أم عَارِية مُؤَدَّاة؟ (قَالَ: بل مُؤَدَّاة) » قَالَ ابْن الْقطَّان (لماذا رجح عَلَيْهِ؟ ثمَّ بَينه بتدليس شريك كَمَا أسلفناه) . قلت: وَصحح حَدِيث يعْلى هَذَا (أَبُو حَاتِم بن) حبَان فِي «صَحِيحه» . وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه حَدِيث حسن لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا رُوِيَ فِي الْعَارِية خبر يَصح (غَيره) وَأما مَا سواهُ فَلَيْسَ يُسَاوِي الِاشْتِغَال بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 752 فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لِصَفْوَان فِيمَا مَضَى: «هَل نغرمها لَك» فِيهِ دلَالَة عَلَى أَنه لَا يجب عَلَى الْمُسْتَعِير البدار إِلَى مَا ضمنه بالعارية. قَالَ صَاحب «الْمطلب» : وَمِنْه يُؤْخَذ أَن الدَّين الْحَال إِذا لم يكن بِسَبَب مَعْصِيّة لَا يجب أَدَاؤُهُ قبل الطّلب. قَالَ: وَيحْتَمل أَنه قَالَ لَهُ ذَلِكَ لإِظْهَار حَاله للصحابة وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ عرف أَنه لَا يطْلب ذَلِكَ، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: «عَارِية مُؤَدَّاة» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَلَى الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة ت، ود، وق، وس، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الْحسن عَن سمُرة مَرْفُوعا (بِهِ) سَوَاء إِلَّا أَن أَحْمد وَالْحَاكِم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه قَالُوا: «حَتَّى تُؤَدِّيه» كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ. البَاقِينَ (حَتَّى تُؤدِّي» زادوا خلا أَحْمد وَابْن مَاجَه: «قَالَ قَتَادَة: - (يَعْنِي رَاوِيه) - عَن الْحسن: ثمَّ نسي الْحسن (وَقَالَ: هُوَ أمينك لَا ضَمَان عَلَيْهِ. يَعْنِي الْعَارِية» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 753 قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَذَا يدل عَلَى أَنه يصحح سَماع الْحسن من سَمُرَة. وَنقل صَاحب «الْإِلْمَام» عَن ت تَصْحِيحه أَيْضا، وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» : إِسْنَاده مُتَّصِل صَحِيح. قَالَ: وَالْعلَّة فِي عدم إِخْرَاجه فِي الصَّحِيح مَا يذكر أَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط خَ. وَاعْترض عَلَيْهِ فِي «الْإِلْمَام» فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قَالَ من كَونه عَلَى شَرط خَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى شَرط ت كَمَا نقل. قلت: بل هُوَ عَلَى شَرط خَ؛ لِأَن الْحَاكِم رَوَى عَن خَ احْتج بِهَذِهِ التَّرْجَمَة، وَنقل ابْن عبد الْبر عَن التِّرْمِذِيّ عَنهُ أَنه كَانَ يرَى أَنه سمع مِنْهُ، كَمَا قدمْنَاهُ فِي آخر صفة الصَّلَاة فَإِذا كَانَ يرَى سَمَاعه مِنْهُ مُطلقًا فَأَي مَانع من أَن يكون عَلَى شَرطه، نعم لم يخرج عَنهُ فِي «صَحِيحه» غير حَدِيث الْعَقِيقَة، ونسيان الْحسن لَا يضر الحَدِيث، وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ رد هَذَا الحَدِيث لعدم سَماع الْحسن من سَمُرَة فَقَالَ فِي «محلاه» بعد أَن رَوَاهُ: الْحسن لم يسمع من سَمُرَة. وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه لم يسمع مِنْهُ الْإِسْنَاد مُطلقًا، وَقد قَالَ هُوَ قبل ذَلِكَ: إِن الْحسن لم يسمع مِنْهُ غير حَدِيث الْعَقِيقَة. نعم قد يحمل كَلَامه عَلَى الحَدِيث الْمَذْكُور عَلَى مَا تقرر من رِوَايَة فِيهِ، لَكِن قد قَالَ هُوَ قبل إِيرَاده لهَذَا الحَدِيث بطرق: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 754 كَانَ شُرَيْح يضمن الْعَارِية، وضمنها الْحسن ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِكَ. فرجوع الْحسن ثَبت بِهَذَا الطَّرِيق، وَهَذَا الطَّرِيق عِنْده لَيْسَ بطرِيق يعْتَمد عَلَيْهِ فَكيف ثَبت عَلَى الْحسن الرُّجُوع بطرِيق لَيْسَ يعْتَمد عَلَيْهِ عِنْده إِلَّا أَن يكون أطلقهُ عَلَى طَرِيق آخر عَنهُ مُفردا؟ وَقد يُجَاب عَن ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أعله لأجل الْحسن عَن سَمُرَة، وهومن قَول الْحسن وَحده. تَنْبِيه: وَقع فِي «الْمُنْتَقَى» للمجد ابْن تَيْمِية أَن النَّسَائِيّ لم يرد هَذَا الحَدِيث. وَهُوَ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» دون «الصُّغْرَى» ، وَلِهَذَا لم يعزه ابْن عَسَاكِر من «أَطْرَافه» إِلَيْهِ، وَكَذَا ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» نعم عزاهُ إِلَيْهِ الْمزي فِي «أَطْرَافه» ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 755 كتاب الْغَصْب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 757 كتاب الْغَصْب ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ عشرَة أَحَادِيث أَحدهَا عَن أبي [بكرَة] رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي خطبَته يَوْم النَّحْر: إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه مطولا أَخْرجَاهُ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي (بكرَة) عَن أَبِيه قَالَ: «لما كَانَ ذَلِكَ الْيَوْم ركب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَاقَته ووقف فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا؟ فسكتنا حَتَّى رَأينَا أَنه سيسميه (سُوَى اسْمه) قَالَ: أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر؟ قُلْنَا: بلَى. ثمَّ [قَالَ: أَتَدْرُونَ أَي شهر هَذَا؟ فسكتنا حَتَّى رَأينَا أَنه سيسميه سُوَى اسْمه، قَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحجَّة؟ قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 759 الله] قَالَ: أَتَدْرُونَ أَي بلد هَذَا؟ فسكتنا حَتَّى رَأينَا أَنه سيسميه سُوَى اسْمه قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلدة؟ فَقُلْنَا: بلَى. قَالَ: فَإِن أَمْوَالكُم وَأَعْرَاضكُمْ ودماءكم حرَام بَيْنكُم مثل يومكم فِي مثل شهركم فِي مثل بلدكم، أَلا ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب - مرَّتَيْنِ - رب مبلغ هُوَ أوعى من سامع. ثمَّ مَال عَلَى نَاقَته إِلَى غنيمات، فَجعل يقسمها بَين الرجلَيْن الشَّاة، وَالثَّلَاثَة (الشَّاة) » . أخرجه كَذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي هَذَا الْبَاب وَعَزاهُ إِلَيْهِمَا. الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي طَلْحَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: عِنْدِي خمور أَيْتَام؟ قَالَ: أرقها. قَالَ: أَلا أخللها؟ قَالَ: لَا» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي كتاب الرَّهْن؛ فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث عَن سَمُرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَلَى الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله وَاضحا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 760 الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من غصب شبْرًا من أَرض طوقه من سبع أراضين يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده بِلَفْظ «من غصب» الْغَزالِيّ، فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي «وسيطه» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه أَعنِي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَكِن بِلَفْظ «لَا يَأْخُذ أحد شبْرًا من الأَرْض بِغَيْر (حق) إِلَّا طوقه الله - تَعَالَى - إِلَى سبع أَرضين» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «من اقتطع شبْرًا من الأَرْض بِغَيْر حَقه طوقه (يَوْم الْقِيَامَة) من سبع أَرضين» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من أَخذ شبْرًا من الأَرْض بِغَيْر حَقه طوقه من سبع أَرضين» . وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظ: «من ظلم قيد شبر من الأَرْض طوقه (الله) من سبع أَرضين» . وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «سرق» بدل «ظلم» . وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث سعيد بن زيد بِلَفْظ «اقتطع» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 761 وَالْبُخَارِيّ «من ظلم» وَالطَّبَرَانِيّ «من سرق» و «من انْتقصَ» . وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر بِلَفْظ «من أَخذ» وَله خَارج الصَّحِيح طرق: أَحدهَا: من حَدِيث يعْلى بن مرّة الثَّقَفِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من أَخذ أَرضًا بِغَيْر حَقّهَا كلف أَن يحمل ترابها إِلَى الْمَحْشَر» رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى فِي «مُعْجَمه» بِلَفْظ: «من سرق شبْرًا من الأَرْض، أَو غله، جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى أَسْفَل (الْأَرْضين) » . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِأَلْفَاظ، وَرَوَاهُ عَلّي بن عبد الْعَزِيز فِي (منتخبه) كَمَا أَفَادَهُ ابْن الْقطَّان (بِلَفْظ) «من أَخذ من الأَرْض شَيْئا ظلما جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة يحمل ترابها إِلَى الْمَحْشَر» وَأعله من طَرِيقه بأيمن بن ثَابت وَقَالَ: لَا نَعْرِف حَاله. قلت: لَكِن أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من جِهَته بِلَفْظ: «أَيّمَا رجل ظلم شبْرًا من الأَرْض كلفه الله أَن يحفره حَتَّى يبلغ سبع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 762 أَرضين، ثمَّ يطوقه يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يفصل بَين النَّاس» . ثَانِيهَا: من حَدِيث الْمسور بن مخرمَة رَفعه: «من أَخذ شبْرًا من الأَرْض ظلما طوقه الله يَوْم الْقِيَامَة من سبع أَرضين» رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الْمَتْن مَحْفُوظ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من غير هَذَا الطَّرِيق. يُشِير إِلَى الطّرق السالفة. ثَالِثهَا: من حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من [غل] من الأَرْض شبْرًا طوقه يَوْم الْقِيَامَة إِلَى سبع أَرضين» . ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» وَقَالَ: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: هُوَ خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ عَن سعيد بن زيد مَرْفُوعا. قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من طَرِيق شَدَّاد بِلَفْظ: «من ظلم» . رَابِعهَا: من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَخذ من الأَرْض شبْرًا بِغَيْر حَقه طوقه يَوْم الْقِيَامَة من سبع أَرضين، وَلم يقبل مِنْهُ صرف وَلَا عدل، وَمن ادَّعَى (إِلَى) غير أَبِيه أَو إِلَى غير موَالِيه فقد كفر» . رَوَاهُ (الْبَزَّار) فِي مُسْنده وَقَالَ: كفر يَعْنِي النِّعْمَة. قَالَ: وَهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 763 الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن سعد بِهَذَا اللَّفْظ وبتمام هَذَا (الْكَلَام) إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. خَامِسهَا: من حَدِيث الحكم (بن) الْحَارِث السّلمِيّ رَفعه: «من أَخذ من طَرِيق الْمُسلمين شبْرًا جَاءَ بِهِ يحملهُ من سبع أَرضين» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عَطِيَّة (الرعاء عَنهُ) . سادسها: (من) حَدِيث (أبي) شُرَيْح الْخُزَاعِيّ رَفعه «من أَخذ شبْرًا من الأَرْض ظلما طوقه يَوْم الْقِيَامَة من سبع أَرضين» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الحميد بن سُلَيْمَان، ثَنَا أَبُو [حَازِم] عَن المَقْبُري عَنهُ مَرْفُوعا بِهِ. وَعبد الحميد هَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد: غير ثِقَة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 764 سابعها: من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَفعه: «ذِرَاع من الأَرْض ينتقصه من حق أَخِيه فَلَيْسَتْ حَصَاة من الأَرْض أَخذهَا إِلَّا (طوقها) يَوْم الْقِيَامَة إِلَى قَعْر الأَرْض وَلَا يعلم قعرها إِلَّا الَّذِي خلقهَا» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظَة: «من انْتقصَ ذِرَاعا من أَرض» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: «من أَخذ» وَزِيَادَة: «من أَخذ شبْرًا من مَكَّة بِغَيْر حَقه فَكَأَنَّمَا أَخذه من تَحت قدم الرَّحْمَن» وَمن حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ بِلَفْظ «سرق» . رَوَاهُ ابْن سعد من هَذَا الْوَجْه بِنَحْوِهِ، إِذا عرفت هَذِه الطّرق وتأملتها حكمت عَلَى رِوَايَة الرَّافِعِيّ تبعا للغزالي: «من غصب» بالغرابة، وَإِن كَانَ لفظ أَحْمد « (أَخذ) وظلم» وَنَحْوهمَا مِمَّا تقدم شاملات للغصب بِالْعُمُومِ، نعم فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من غصب رجلا أَرضًا (ظلما) لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان» (وروينا من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، أبنا عبد الله بن عمر القواريري، ثَنَا قزعة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 765 عَن يَحْيَى بن جُرجة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مَحْمُود بن لبيد، عَن شَدَّاد بن أَوْس يرفعهُ: «من غصب شبْرًا من الأَرْض طوقه الله من سبع أَرضين» وَيَحْيَى هَذَا رَوَى عَنهُ ابْن جريج مَجْهُول، كَذَا فِي «الْمُغنِي» للذهبي، وَفِي «الْمِيزَان» : يَحْيَى بن جُرجة لَا يعرف، حدث عَن الزُّهْرِيّ بِحَدِيث مَعْرُوف. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. ثمَّ قَالَ الذَّهَبِيّ: مَا حدث عَنهُ غير ابْن جريج. قلت: يروي عَنهُ قزعة كَمَا ترَاهُ هُنَا) . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ لعرق ظَالِم حق» . هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا فَقَالَ: «وَقَالَ عمر: من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ» وَيروَى عَن عَمْرو بن عَوْف، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: «فِي غير حق مُسلم» وَقَالَ: «لَيْسَ لعرق ظَالِم (فِيهِ) حق» . وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد صَحِيح رِجَاله رجال الصَّحِيح من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن زيد - أحد الْعشْرَة رَضي اللهُ عَنهم - عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق» . (وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد صَحِيح) وَرَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 766 النَّسَائِيّ أَيْضا كَذَلِك، وَكَذَا التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» أَنه صَححهُ أَيْضا، وَلم أره، قَالَ: وَهُوَ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ قد احتجا بِجَمِيعِ رُوَاته. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ بَعضهم، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. قلت: وَكَذَا أخرجه مَالك وَالشَّافِعِيّ وَكَذَا النَّسَائِيّ أَيْضا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَهُوَ أصح. وَقَالَ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» : هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ جمَاعَة عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا، وَلَا نَحْفَظ أحدا قَالَ: عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن سعيد بن زيد إِلَّا عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب - يَعْنِي: عَن هِشَام. قلت: وَله طرق أُخْرَى: إِحْدَاهَا: من حَدِيث عَائِشَة، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن زَمعَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْعباد عباد الله، والبلاد بِلَاد الله؛ فَمن أَحْيَا من موَات الأَرْض (شَيْئا) فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي إحْيَاء الْموَات من جِهَته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 767 ثَانِيهَا: من حَدِيث كثير بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن جده، وَسَيَأْتِي فِي إحْيَاء الْموَات. ثَالِثهَا: من حَدِيث سَمُرَة، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد بن أبي (عرُوبَة) ، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من أحَاط عَلَى شَيْء فَهُوَ أَحَق بِهِ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق» وَقد أسلفنا لَك مَا فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة، وَقد رُوِيَ مُرْسلا من حَدِيث يَحْيَى بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ثمَّ الْبَيْهَقِيّ مطولا بعضه، وَرُوِيَ أَيْضا مُرْسلا من حَدِيث إِسْحَاق بن يَحْيَى عَن قَتَادَة قَالَ: «إِن من قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنه لَيْسَ لعرق ظَالِم حق» إِسْحَاق لم يدْرك عبَادَة، وَإِسْحَاق مُنكر الحَدِيث، وَلَا يقْدَح هَذَا فِيمَا سلف من طرقه. (فَائِدَة) : قَوْله «لعرق ظَالِم حق» يرْوَى بتنوين «عرق» وإضافته قَالَ (الْخطابِيّ: من النَّاس) من يرويهِ عَلَى إِضَافَة الْعرق إِلَى الظَّالِم وَهُوَ الْفَارِس (الَّذِي يغْرس فِي غير حق، وَمِنْهُم) من يَجْعَل الظَّالِم من نعت الْعرق يُرِيد الْغِرَاس وَجعله ظلما (لِأَنَّهُ نبت فِي غير) حَقه. وَقَالَ صَاحب «الْمطَالع» : «لعرق ظَالِم» أَي لعرق ذِي ظلم عَلَى النَّعْت، وَمن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 768 أَضَافَهُ إِلَى الظَّالِم (حق) وَأحسن مَا قيل فِيهِ: إِنَّه كل مَا احتفر أَو غرس بِغَيْر حق كَمَا قَالَ مَالك، وَلم يذكر الْأَزْهَرِي فِي «تهذيبه» و «زاهره» وَصَاحبه ابْن فَارس فِي «الْمُجْمل» إِلَّا تَنْوِين «عرق» عَلَى النَّعْت. قَالَ الْأَزْهَرِي: لِأَن الْفَارِس ظَالِم وَإِذا كَانَ ظَالِما فعرق مَا غرس ظَالِم. و (أصل) الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، والعرق أَرْبَعَة: الْبناء وَالْغِرَاس والبئر وَالنّهر. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كسر عظم الْمَيِّت ككسر (عظم الْحَيّ) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها بِإِسْنَاد صَحِيح و (سعد) بن سعيد الْأنْصَارِيّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده من فرسَان مُسلم كَمَا قدمْنَاهُ فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين من بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة، لَا جرم قَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّه حَدِيث حسن، وَقد تَابعه أَخُوهُ يَحْيَى بن سعيد، وَهُوَ من الثِّقَات الْأَثْبَات. أخرجه من جِهَته الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 769 بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَهُوَ يرد قَول ابْن حزم فِي «محلاه» : إِن هَذَا الحَدِيث لَا يسند إِلَّا من طَرِيق (سعد) بن سعيد أخي يَحْيَى بن سعيد وهم ثَلَاثَة، يَحْيَى بن سعيد إِمَام ثِقَة، وَعبد ربه بن سعيد لَا بَأْس بِهِ، و (سعد) بن سعيد وَهُوَ ضَعِيف جدًّا لَا يحْتَج بِهِ، لَا خلاف فِي ذَلِكَ فَبَطل التَّعَلُّق بِهَذَا الحَدِيث. هَذَا كَلَامه وَقَوله فِي سعد بن سعيد: «إِنَّه ضَعِيف جدًّا» لَيْسَ كَمَا ذكر فقد أخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» محتجًّا بِهِ وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَذكره ابْن (حبَان) فِي «ثقاته» وَقد ذكرنَا أَن يَحْيَى بن سعيد تَابعه، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَنه بلغه عَن عَائِشَة ... فَذكره عَنْهَا مَوْقُوفا. وَرَوَاهُ عَنهُ الشَّافِعِي (ثمَّ قَالَ: يَعْنِي فِي الْإِثْم. قلت:) وَقد جَاءَ مُصَرحًا بِهَذَا فِي حَدِيث أم سَلمَة وَهُوَ شَاهد (لحَدِيث عَائِشَة: أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كسر عظم الْمَيِّت ككسر عظم الْحَيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 770 فِي الْإِثْم» رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن، وَكَذَا هُوَ فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» من طَرِيق سعد بن سعيد: «من كسر عظم ميت فَهُوَ كَمثل كَسره حيًّا فِي الْإِثْم» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كسر عظم الْمُسلم مَيتا مثل كَسره حيًّا - يَعْنِي: فِي الْإِثْم» . تَنْبِيه: وَقع فِي «الْإِلْمَام» عزو حَدِيث عَائِشَة هَذَا إِلَى «صَحِيح مُسلم» وَلَعَلَّه من النَّاسِخ، وَقد ذكره فِي «اقتراحه» فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث احْتج برواتها الشَّيْخَانِ وَلم (يخرجاها) . الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ذبح الْحَيَوَان إِلَّا (لمأكله) » . هَذَا الحَدِيث أقرب مَا رَأَيْت فِيهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْقَاسِم مولَى عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تحرقن نَخْلَة. .» إِلَى أَن قَالَ: «وَلَا تقتل بَهِيمَة لَيست لَك بهَا حَاجَة» وَالقَاسِم هَذَا هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الشَّامي مولَى عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَهُوَ من التَّابِعين، رَوَى يَحْيَى بن الْحَارِث عَنهُ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 771 لقِيت مائَة من الصَّحَابَة. وَهُوَ ثِقَة كَمَا قَالَه ابْن معِين وَغَيره، وَمِنْهُم من يضعف رِوَايَته، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعبد الْحق يصحح حَدِيثه كَمَا فعل التِّرْمِذِيّ. قَالَ: وَعَمْرو بن (الْحَارِث) حَاله لَا يعرف، وَلَا يَصح من أَجله (هَذَا) . قلت: غَرِيب مِنْهُ جهالته حَالَة عَمْرو بن الْحَارِث بن يَعْقُوب بن عبد الله مولَى قيس بن سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ أبي أُميَّة الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْمُقْرِئ، أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، رَوَى عَن: الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بن شُعَيْب وَخلق، وَعنهُ: اللَّيْث وَمَالك وَابْن وهب وَخلق، وَأخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَبَاقِي السِّتَّة فِي كتبهمْ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّة ووثقوه. قَالَ الإِمَام أَحْمد: لَيْسَ فِي المصريين أصح حَدِيثا من اللَّيْث، وَعَمْرو بن الْحَارِث يُقَارِبه. الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا مهر لبغي» . هَذَا (الحَدِيث) غَرِيب كَذَلِك، لَا جرم قَالَ الرَّافِعِيّ: الْمَشْهُور فِي لفظ الْخَبَر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن مهر الْبَغي» لَا كَمَا أوردهُ فِي الْكتاب - يَعْنِي: «الْوَجِيز» - وَكَذَا قَالَ فِي «تذنيبه» أَنه لَا ذكر لَهُ فِي كتب الحَدِيث، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 772 وَالْمَشْهُور مَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن أبي مَسْعُود مَرْفُوعا: «نهَى عَن ثمن الْكَلْب وَمهر الْبَغي» . فَائِدَة: الْبَغي - بِسُكُون الْغَيْن وَتَخْفِيف الْيَاء -: الزِّنَا، وبتشديدها وَكسر الْغَيْن: الزَّانِيَة، وَقد رُوِيَ الحَدِيث بهما، وَاحْتج بِرِوَايَة التَّخْفِيف: أَبُو حنيفَة وَمَالك؛ فَقَالَا: لَا مهر إِذا أكره حرَّة أَو أمة عَلَى الزِّنَا. وَنحن نحتج بِرِوَايَة التَّشْدِيد. الحَدِيث التَّاسِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن مهر الْبَغي» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَمَا سلف من حَدِيث أبي مَسْعُود البدري - نزلها وَلم يشهدها فِي قَول الْأَكْثَرين خلافًا لمُحَمد بن شهَاب وَابْن إِسْحَاق و (ابْن إِسْمَاعِيل) البُخَارِيّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنه شهد الْعقبَة مَعَ السّبْعين (وَكَانَ أَصْغَرهم - وَمهر الْبَغي: مَا يُعْطَى عَلَى الزِّنَا وَهُوَ حرَام) بِالْإِجْمَاع. الحَدِيث الْعَاشِر «النَّهْي عَن (عسب) الْفَحْل» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 773 هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا؛ فَليُرَاجع من ثمَّ، وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الْبَاب أَن قَول الْغَزالِيّ: لَا يجب فِي غير الْفرس وَالْبَقَرَة يعلم بِالْحَاء وَالْألف. قَالَ: وَالْقَصْد بِمَا ذكر التَّعَرُّض لَهُ لمذهبهما، وَأَن مَا ذَهَبا إِلَيْهِ لَا أثر فِيهِ عَن الصَّحَابَة. وتأوله عندنَا أَن الْأَرْش فِي الْوَاقِعَة كَانَ قدر الرّبع. قلت: وَهَذَا الْأَثر صرح بِهِ القَاضِي حُسَيْن فِي «تَعْلِيقه» حَيْثُ قَالَ: احْتج بِمَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب «أَنه يضمن فِي (إِحْدَى) عَيْني الدَّابَّة بِربع قيمتهَا» ثمَّ أجَاب بِمَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور (حَدَّثَنَا) إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، قَالَ: (قَالَ) عمر بن الْخطاب: «فِي عين الدَّابَّة ربع قيمتهَا» ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عمر «أَنه كتب بِهِ إِلَى شُرَيْح» وَهُوَ أَيْضا مُنْقَطع، وَرَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ - وَهُوَ ضَعِيف - عَن الشّعبِيّ، عَن شُرَيْح «أَن عمر كتب إِلَيْهِ بذلك» وَرَوَاهُ مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ: «كتب عمر إِلَى شُرَيْح» وَهُوَ مُنْقَطع. قلت: وَرَوَاهُ ابْن عَيَّاش، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر، عَن عُرْوَة الْبَارِقي قَالَ: «كَانَت لي أَفْرَاس فِيهَا فَحل شِرَاؤُهُ عشرُون ألف دِرْهَم ففقأ عينه دهقان، فَأتيت عمر فَكتب إِلَى سعد بن أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 774 وَقاص: أَن خير الدهْقَان بَين أَن يُعْطِيهِ (عشْرين) ألف دِرْهَم وَيَأْخُذ الْفرس، وَبَين (أَن) يَأْخُذ (ربع) الثّمن. فَقَالَ الدهْقَان: مَا (ينْتَفع) بالفرس بعد ربع الثّمن» . وَعبد الْملك هَذَا من رجال (الصَّحِيحَيْنِ) وَإِن تكلم فِيهِ، وَسَمَاع مُحَمَّد بن عُرْوَة مُمكن، وَقد سمع من ابْن عمر وَعَائِشَة، وَهَذِه الطَّرِيق أفادها الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فِي «كتاب الْخَيل» ثمَّ رَوَاهُ مَرْفُوعا من حَدِيث أبي نصر يُوسُف بن عمر بن مُحَمَّد بن يُوسُف فِي «السّنَن الْمُخْتَصر» عَن الْبَغَوِيّ، عَن سِنَان بن أُميَّة بن يعْلى، عَن أبي الزِّنَاد، عَن (عَمْرو بن وهيب) ، عَن زيد بن ثَابت «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي عين الْفرس بِربع ثمنه» . قلت: وَهَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أبي أُميَّة بِهِ سَوَاء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 775 كتاب الشُّفْعَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَة أَحَادِيث: أَحدهَا رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا شُفْعَة إِلَّا فِي ربع أَو حَائِط» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي حنيفَة، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا شُفْعَة إِلَّا فِي دَار أَو عقار» ثمَّ ضعفه. الحَدِيث الثَّانِي عَن جَابر بن عبد الله رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «إِنَّمَا جعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الشُّفْعَة (فِيمَا) لم يقسم، فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ كَذَلِك فِي الشّركَة من «صَحِيحه» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قَضَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالشُّفْعَة. .» إِلَى آخِره، وَكَذَا أخرجه فِي هَذَا الْبَاب وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي الْبيُوع «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم» وَفِي رِوَايَة لَهُ فِيهِ: «جعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الشُّفْعَة فِي (كل) مَال لم يقسم. .» إِلَى آخِره. فَائِدَة: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث قَالَ: عِنْدِي أَن الْمَرْفُوع مِنْهُ إِلَى قَوْله «لم يقسم» وَالثَّانِي يشبه أَن يكون من قَول جَابر؛ لِأَن الأول كَلَام تَامّ وَالثَّانِي كَلَام مُسْتَقل، فَلَو كَانَ الثَّانِي مَرْفُوعا لقَالَ: «وَقَالَ: (وَإِذا) وَقعت الْحُدُود ... » إِلَى آخِره، قَالَ: بذلك استدللنا عَلَى أَن الْكَلَام الْأَخير من قَول جَابر. وَفِيمَا ذكره نظر لَا يخْفَى. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالشُّفْعَة فِي كل [شركَة لم تقسم] ربعَة أَو حَائِط لَا يحل لَهُ أَن يَبِيعهُ حَتَّى يُؤذن شَرِيكه، فَإِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك، وَإِن بَاعه وَلم يُؤذنهُ فَهُوَ أَحَق بِهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «أَن يَبِيع» بدل «أَن يَبِيعهُ» وَقَالَ: «فَإِن بَاعَ» بدل «فَإِن بَاعه» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «الشُّفْعَة فِي كل (شرك) ربع أَو حَائِط» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة أخرجهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» أَيْضا من هَذَا الْوَجْه وَهَذَا لَفظه «الشُّفْعَة فِي كل شرك فِي أَرض (أَو ربع) أَو حَائِط لَا يصلح أَن يَبِيع حَتَّى يعرض (عَلَى) شَرِيكه [فَيَأْخُذ] أَو يدع فَإِن أَبَى (فشريكه) أَحَق بِهِ حَتَّى يُؤذنهُ» . وأعل ابْن حزم الحَدِيث بِأَن قَالَ: إِن قَالَ قَائِل قد جَاءَ (هَذَا) فِي الْخَبَر من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر، وَفِيه: «لَا يحل لَهُ أَن يَبِيع» . قُلْنَا: لم يذكر فِيهِ أَبُو الزبير سَمَاعا من جَابر، وَهُوَ قد اعْترف عَلَى نَفسه بِأَن (مَا) لم يذكر فِيهِ سَمَاعا فَإِنَّهُ حَدثهُ بِهِ من لم يسمه عَن جَابر. ثمَّ أوردهُ بِنَحْوِ لفظ مُسلم، وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم عَن جَابر من ثَلَاث طرق: أَحدهَا: من طَرِيق ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر كَمَا سَاقه ابْن حزم، وَهُوَ مَا ذكره الرَّافِعِيّ أَولا. ثَانِيهَا: من رِوَايَة زُهَيْر أبي خَيْثَمَة عَن أبي الزبير، عَن جَابر بِلَفْظ: «من كَانَ لَهُ شريك فِي ربعَة أَو نخل فَلَيْسَ لَهُ أَن يَبِيع حَتَّى يُؤذن شَرِيكه؛ فَإِن رَضِي أَخذ، وَإِن كره ترك» وَفِي هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ لم يُصَرح بِسَمَاع أبي الزبير عَن جَابر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 ثَالِثهَا: عَن ابْن جريج أَن أَبَا الزبير أخبرهُ أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الشُّفْعَة فِي كل (شرك فِي) أَرض ... » إِلَى آخِره كَمَا قدمْنَاهُ. فَائِدَة: الشّرك الِاسْم من الِاشْتِرَاك فِي الْملك، وَالرّبع والربعة - بِفَتْح الرَّاء وَإِسْكَان (الْبَاء) - وَالرّبع: الدَّار والمسكن وَيُطلق عَلَى الأَرْض، وَأَصله الْمنزل الَّذِي كَانُوا يربعون (بِهِ) أَي يسكنونه و (يُقِيمُونَ) فِيهِ. والربعة تأنث الرّبع، وَقيل: هُوَ وَاحِدَة، وَالْجمع الَّذِي هُوَ اسْم الْجِنْس: ربع. والحائط: النّخل يحوط عَلَيْهِ بجدار أَو غَيره. ويؤذنه: يُعلمهُ. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم؛ فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: ... فَذكره بِهِ سَوَاء، قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا الثِّقَة، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن جَابر بن عبد الله، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله أَو مثل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» من حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر بِهِ بِلَفْظ: «الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم؛ فَإِذا وَقعت الْحُدُود وَعرف النَّاس حُقُوقهم فَلَا شُفْعَة» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الشَّافِعِي، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الجني، عَن معمر بِهِ بِلَفْظ: «إِذا حُدت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة» قَالَ: وَقد تَابع معمرًا عَلَى [وصل] الحَدِيث صَالح بن أبي (الْأَخْضَر) وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق. وَرَوَاهُ عِكْرِمَة بن عمار، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن جَابر. وَأما حَدِيث مَالك؛ فقد رَوَاهُ عَنهُ عبد الْملك بن الْمَاجشون وَأَبُو عَاصِم وَيَحْيَى بن أبي قتيلة، عَن مَالك مَوْصُولا بِذكر أبي هُرَيْرَة فِيهِ. وَرَوَاهُ ابْن جريج وَابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَا: عَن سعيد (أَو) أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وَكَانَ ابْن شهَاب لَا يشك فِي رِوَايَته عَن أبي سَلمَة عَن جَابر مَوْصُولا، وَلَا فِي رِوَايَته عَن ابْن الْمسيب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، وَإِنَّمَا كَانَ يشك فِي رِوَايَته (عَنْهُمَا) عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد قَامَت الْحجَّة بروايته عَن أبي سَلمَة عَن جَابر، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الزبير عَن جَابر، وَقَالَ الْمُزنِيّ بعد حَدِيث مَالك: وَوَصله من غير حَدِيث مَالك: أَيُّوب وَأَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثل مَعْنَى حَدِيث مَالك، وَإِنَّمَا وَصله الشَّافِعِي من حَدِيث معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر، وَمن حَدِيث ابْن جريج عَن أبي الزبير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 عَن جَابر؛ فَذكر أَيُّوب خطأ وَقع فِي كتاب الْمُزنِيّ. ثمَّ رَوَاهُ عَن الشَّافِعِي عَن (سعيد) بن سَالم عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر مَرْفُوعا ... فَذكره بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ترك حقًّا فلورثته» . هَذَا الحَدِيث سلف وَاضحا فِي بَاب الضَّمَان، لَكِن بِلَفْظ: «من ترك مَالا» بدل «من ترك حقًّا» . الحَدِيث السَّادِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الشُّفْعَة كَحَلِّ العقال» . قَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّهَا تفوت إِذا لم يبتدر إِلَيْهَا كالبعير الشرود يحل عَنهُ العقال. هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا لِلْقَوْلِ الصَّحِيح أَن الشُّفْعَة عَلَى الْفَوْر، وَهُوَ حَدِيث (ضَعِيف) رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن بشار بنْدَار، عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث (عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ، وَأخرجه الْبَزَّار عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا مُحَمَّد بن الْحَارِث بِهِ) بِلَفْظ: «لَا شُفْعَة لغَائِب وَلَا لصغير وَالشُّفْعَة كحل العقال» . وَرَوَاهُ عَلّي بن عبد الْعَزِيز فِي «منتخبه» - عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ ابْن الْقطَّان وَعبد الْحق - عَن عَفَّان بن مُسلم (ثَنَا) مُحَمَّد بن الْحَارِث بِهِ بِلَفْظ: «لَا شُفْعَة لغَائِب وَلَا لصغير، وَلَا لِشَرِيك عَلَى شَرِيكه إِذا سبقه بِالشِّرَاءِ، وَالشُّفْعَة كحل العقال» وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، اشْتَمَل عَلَى ثَلَاثَة ضعفاء: أحدهم: مُحَمَّد بن الْحَارِث وَهُوَ مَتْرُوك، قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَترك أَبُو زرْعَة حَدِيثه، وَلم يقرَّاه عَلَيْهِ فِي الشُّفْعَة - يَعْنِي: هَذَا الحَدِيث - وَقَالَ عَمْرو بن عليّ: أَحَادِيثه مُنكرَة مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة حَدِيثه لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَخَالف ابْن حبَان فَذكره فِي «ثقاته» وَالْبَزَّار فَقَالَ: هُوَ رجل لَيْسَ بِهِ بَأْس. قَالَ: وَإِنَّمَا تَأتي نكرَة هَذِه الْأَحَادِيث من ابْن الْبَيْلَمَانِي. ثانيهم: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، كَمَا قَالَه خَ وَغَيره، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: حدث عَن أَبِيه بنسخة شَبِيها بِمِائَتي حَدِيث كلهَا مَوْضُوعَة؛ لَا يجوز الِاحْتِجَاج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 بِهِ إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب. وَقَالَ ابْن عدي: كل مَا يرويهِ ابْن الْبَيْلَمَانِي فالبلاء مِنْهُ. ثالثهم: عبد الرَّحْمَن وَالِده وَهُوَ لين خير من وَلَده، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: هُوَ لين. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف لَا تقوم بِهِ حجَّة إِذا وصل الحَدِيث (فَكيف) بِمَا يُرْسِلهُ؟ وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لم تثبت عَدَالَته وَهُوَ ظَاهر الضعْف. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي التَّابِعين ثمَّ قَالَ: لَا (يجوز أَن يعْتد بِشَيْء من حَدِيثه إِذا كَانَ من رِوَايَة ابْنه) لِأَن ابْنه يضع عَلَى أَبِيه الْعَجَائِب. قلت: وَقد شهد غير وَاحِد من الْحفاظ لهَذَا الحَدِيث بالضعف، قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: هَذَا الْخَبَر لَا أصل لَهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا (حَدِيث) مُنكر، وَلم يقْرَأ علينا فِي كتاب الشُّفْعَة وضربنا عَلَيْهِ. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ السالف، أَعنِي: لفظ ابْن عبد الْعَزِيز فِي بَاب عقده لبَيَان أَلْفَاظ مُنكرَة يذكرهَا بعض الْفُقَهَاء فِي مسَائِل الشُّفْعَة. وَقَالَ: مُحَمَّد بن الْحَارِث مَتْرُوك، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن ضَعِيف، ضعفهما يَحْيَى بن معِين وَغَيره من أَئِمَّة أهل الحَدِيث. وَقَالَ فِي «خلافياته» : هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت، وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف. وَقَالَ: عبد الْحق: (هَذَا حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 ضَعِيف الْإِسْنَاد، فِيهِ) الْبَيْلَمَانِي وَغَيره. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: مُحَمَّد بن الْحَارِث (ضَعِيف جدًّا) أَسْوَأ حَالا من ابْن الْبَيْلَمَانِي وَأَبِيهِ. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الشُّفْعَة لمن واثبها» وَيروَى: «الشُّفْعَة كنشطة العقال، إِن قيدت ثبتَتْ وَإِلَّا فاللوم عَلَى من تَركهَا» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا دَلِيلا لِلْقَوْلِ الصَّحِيح أَن الشُّفْعَة عَلَى الْفَوْر، وَتبع فِي إِيرَاده صَاحب «الشَّامِل» وَالْقَاضِي أَبَا الطّيب، وَذكره الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فَقَالَ: وَرُوِيَ عَنهُ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الشُّفْعَة لمن واثبها» يَعْنِي: لمن بادرها، وَرُوِيَ: «الشُّفْعَة كنشطة العقال؛ فَإِن أَخذهَا فَهِيَ لَهُ وَإِن تَركهَا رَجَعَ بالملامة عَلَى نَفسه» وَعَزاهُ عبد الْحق إِلَى رِوَايَة أبي مُحَمَّد - يَعْنِي: ابْن حزم - أَنه ذكره من رِوَايَة ابْن عمر مَرْفُوعا: «الشُّفْعَة كحل العقال؛ فَإِن قيدها مَكَانَهُ ثَبت حَقه وَإِلَّا فاللوم عَلَيْهِ» قَالَ عبد الْحق: وَهُوَ أَيْضا من حَدِيث الْبَيْلَمَانِي. ذكره عَنهُ بعد أَن عزاهُ إِلَى (منتخب) عَلّي بن عبد الْعَزِيز وَالْبَزَّار كَمَا أسلفناه، فَقَالَ: وَذكره أَبُو مُحَمَّد وَقَالَ فِيهِ: «الشُّفْعَة كحل العقال؛ فَإِن قيدها مَكَانَهُ ثَبت حَقه وَإِلَّا فاللوم عَلَيْهِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 وَاعْترض ابْن الْقطَّان بِأَن قَالَ - بعد أَن سَاقه من طَرِيق الْبَزَّار السالف من هَذَا الطَّرِيق بِهَذَا الْإِسْنَاد - سَاقه ابْن حزم فِي «محلاه» بِهَذَا اللَّفْظ وَزَاد فِيهِ: «من مثل بمملوكه فَهُوَ حر، وَهُوَ مولَى الله وَرَسُوله، وَالنَّاس عَلَى شروطهم مَا وَافق الْحق» وَلم يذكر الزِّيَادَة الَّتِي أوردهَا عبد الْحق عَنهُ الَّتِي هِيَ «فَإِن قيدها مَكَانَهُ ... » إِلَى آخِره، وَلَعَلَّه رَآهَا لَهُ فِي غير «الْمُحَلَّى» وَهَذَا الَّذِي زَاده ابْن حزم فِي «محلاه» من أَمر العَبْد والشروط لم يذكرهُ الْبَزَّار فِي حَدِيث الشُّفْعَة، وَإِنَّمَا أورد أَمر العَبْد (بِالْإِسْنَادِ) الْمَذْكُور حَدِيثا، وَكَذَلِكَ أَمر الشَّرْط، وَمَعَهُ: «المنحة مَرْدُودَة» حَدِيثا، وأظن [أَن] ابْن حزم لما كَانَ ذَلِكَ كُله بِإِسْنَاد وَاحِد لفَّقَه تشنيعًا عَلَى الْخُصُوم الآخذين بعض مَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَاد والتاركين (لبعضه) وَإِلَّا فَالْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ كَمَا أَخْبَرتك. فَائِدَة: قَوْله: «لمن واثبها» قد قدمنَا عَن الْمَاوَرْدِيّ أَن مَعْنَاهُ: بَادر إِلَيْهَا. وَعبارَة المطرزي فِي «المعرب» قَوْله: «لمن واثبها» أَي: طلبَهَا عَلَى وَجه المسارعة والمبادرة، مفاعلة من الْوُثُوب عَلَى الِاسْتِعَارَة، واللوم فِي الْخَبَر العذل، بذال مُعْجمَة، يُقَال: لمته لومًا؛ أَي: عذلته، واللائمة الْمَلَامَة، وَإِنَّمَا مثل بِحل العقال؛ لِأَنَّهُ ينْحل سَرِيعا، وَكَأَنَّهُ يَقُول: زمن اسْتِحْقَاق طلب الشُّفْعَة زمن حل العقال. وَقد سلف عَن الرَّافِعِيّ تَفْسِيره، وَتبع فِيهِ الإِمَام قَوْله: «كنشطة من عقال» (كنى بِهِ أَيْضا عَن السرعة، وَمِنْه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 حَدِيث الرّقية: «كَأَنَّمَا أنشط من عقال» ) قَالَ ابْن فَارس: نشطت الْحَبل إِذا عقدت، وأنشطت إِذا حلت. وَضَبطه ابْن [معن] فِي «تنقيبه» بِفَتْح النُّون والشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة. وَكَذَا ضَبطه بِفَتْح الشين. خَاتِمَة: ذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب «أَن السّنة السَّلَام قبل الْكَلَام» وَهَذَا حَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَابر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «السَّلَام قبل الْكَلَام» لكنه حَدِيث ضَعِيف، لَا جرم قَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث مُنكر لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَسمعت مُحَمَّدًا - يَعْنِي: البُخَارِيّ - يَقُول: عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - ضَعِيف فِي الحَدِيث ذَاهِب، وَمُحَمّد بن زَاذَان - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِيهِ أَيْضا - مُنكر الحَدِيث. وَذكره الْبَغَوِيّ فِي «مصابيحه» فِي الْحساب عَلَى اصْطِلَاحه. وَقَالَ بعض حفاظ بَغْدَاد فِي كَلَامه عَلَيْهِ: إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع. قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : فَأحْسن مِنْهُ حَدِيث ابْن (عمر) مَرْفُوعا: «السَّلَام قبل السُّؤَال، من بَدَأَكُمْ بالسؤال قبل السَّلَام فَلَا تجيبوه» وَعَزاهُ إِلَى ابْن عدي. وَابْن عدي رَوَاهُ من طَرِيق حَفْص بن عمر الْأَيْلِي. قَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ شَيخا كذابا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 كتاب الْقَرَاض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 كتاب الْقَرَاض ذكر فِيهِ حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي وَقد سلف فِي أَوَائِل البيع، وَذكر فِيهِ أَيْضا آثارًا. أَحدهَا: مَا ذكره الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» أَن أَبَا حنيفَة رَوَى عَن حميد بن عبد الله بن عبيد الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن عمر بن الْخطاب رَضي اللهُ عَنهُ أعطي مَال يَتِيم مُضَارَبَة، فَكَانَ (يعْمل) بِهِ فِي الْعرَاق» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع عَنهُ أَنه حَكَاهُ فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» عَن بعض أهل الْعرَاق عَن حميد ... فَذكره، وَزَاد بعد قَوْله «وَكَانَ يعْمل بِهِ فِي الْعرَاق» : لَا نَدْرِي كَيفَ قاطعه عَلَى الرِّبْح. و «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» بِفَتْح الْيَاء الأولَى وَكسر النُّون عَلَى لفظ التَّثْنِيَة، وَالْمرَاد بهما: ابْن أبي لَيْلَى وَأبي حنيفَة، وَكَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «تَهْذِيب اللُّغَات» وَهُوَ كتاب صنفه الشَّافِعِي من جملَة كتاب «الْأُم» وَيذكر فِيهِ الْمسَائِل الَّتِي اخْتلف فِيهَا أَبُو حنيفَة وَابْن أبي لَيْلَى، فَتَارَة يخْتَار أَحدهمَا و (يزيف) الآخر، وَتارَة (يزيفهما) مَعًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 ويختار غَيرهمَا. فَائِدَة: قَالَ ابْن دَاوُد: الَّذِي أعطَاهُ عمر هَذَا المَال هُوَ عبيد الْأنْصَارِيّ، بَعثه ليتجر فِيهِ بِالْبَحْرَيْنِ يكون الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَيْنِ. هَذَا كَلَامه وَالَّذِي أسلفناه عَن رِوَايَة الشَّافِعِي أَنه رَاوِي الْقِصَّة فَلْينْظر ذَلِكَ. فَائِدَة أُخْرَى: رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يفعل كَفعل وَالِده. أخرجه من حَدِيث هِشَام عَن أَيُّوب عَنهُ «أَنه كَانَ يكون عِنْده مَال الْيَتِيم فيزكيه وَيُعْطِيه مُضَارَبَة ويستقرض مِنْهُ» . الْأَثر الثَّانِي: «أَن عبد الله وَعبيد الله ابْني عمر بن الْخطاب رَضي اللهُ عَنهُ لقيا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ بِالْبَصْرَةِ منصرفهما من غَزْوَة نهاوند، فتسلفا مِنْهُ مَالا وابتاعا بِهِ مَتَاعا، وقدما الْمَدِينَة فباعاه وربحا فِيهِ، فَأَرَادَ عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَخذ رَأس المَال وَالرِّبْح كُله، فَقَالَا: لَو تلف كَانَ ضَمَانه علينا، فَكيف لَا يكون ربحه لنا؟ ! فَقَالَ رجل لأمير الْمُؤمنِينَ: لَو جعلته قراضا. فَقَالَ: قد جعلته. وَأخذ مِنْهُمَا نصف الرِّبْح» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» عَنهُ، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: «خرج عبد الله وَعبيد الله ابْنا عمر بن الْخطاب (فِي) جَيش إِلَى الْعرَاق، فَلَمَّا قفلا مرَّا عَلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فَرَحَّبَ بهما وَسَهل، وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة، فَقَالَ: لَو أقدر لَكمَا عَلَى أَمر (أنفعكما بِهِ) لفَعَلت. ثمَّ قَالَ: بلَى؛ هَا هُنَا مَال من مَال الله، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 أُرِيد أَن أبْعث بِهِ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فأسلفكماه، فتبتاعان بِهِ مَتَاعا من مَتَاع الْعرَاق، فتبيعانه بِالْمَدِينَةِ فتؤديان رَأس المَال إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَيكون لَكمَا الرِّبْح. فَقَالَا: وَدِدْنَا (ذَلِكَ فَفعل) فَكتب إِلَى عمر أَن يَأْخُذ مِنْهُمَا المَال، فَلَمَّا قدما الْمَدِينَة باعا وربحا، فَلَمَّا دفعا ذَلِكَ إِلَى عمر قَالَ: أكل الْجَيْش أسلفه كَمَا أسلفكما؟ قَالَا: لَا. قَالَ (عمر بن الْخطاب: ابْنا) أَمِير الْمُؤمنِينَ فأسلفكما، أديا المَال وَربحه. فَأَما عبد الله (فَسكت) وَأما عبيد الله فَقَالَ: (مَا) يَنْبَغِي لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا، لَو نقص (هَذَا) المَال أَو هلك لضمناه. فَقَالَ عمر: أدياه. فَسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فَقَالَ رجل من جلساء عمر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو جعلته قراضا. فَقَالَ عمر: قد جعلته قراضا. فَأخذ عمر رَأس المَال وَنصف ربحه، وَأخذ عبد الله وَعبيد الله ابْنا عمر بن الْخطاب نصف المَال» . وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي عَن مَالك: «فَلَمَّا قفلا مرَّا عَلَى عَامل لعمر» وَذكره فِي «الْمُخْتَصر» مُخْتَصرا فَقَالَ: رُوِيَ عَن عمر «أَنه صيَّر ربح ابنيه فِي المَال الَّذِي تسلفاه بالعراق وربحا فِيهِ بِالْمَدِينَةِ فَجعله قراضا، عِنْدَمَا قَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه: لَو جعلته قراضا. فَفعل» . فَوَائِد: الأولَى: قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الرجل قيل: إِنَّه عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 قلت: تبع فِيهِ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فَإِنَّهُ صرح بِهِ فِي رِوَايَته، وَتبع فِيهِ الإِمَام؛ فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي «نهايته» وَتبع فِيهِ القَاضِي حُسَيْن فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك، وَكَذَا ذكره ابْن دَاوُد فِي «شرح الْمُخْتَصر» وَحَكَاهُ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» عَن بَعضهم. الثَّانِيَة: مَعْنَى «رحب بهما وَسَهل» قَالَ: مرْحَبًا وسهلاً (وَمَعْنى «لقيتما رحبًا من الأرَض» أَي: سَعَة وسهلاً) أَي: غير حزن. وَقَوله «من مَال الله» يُرِيد الْفَيْء، وَكَانَ هَذَا المَال مائَة ألف دِرْهَم، كَمَا قَالَه ابْن دَاوُد فِي «شرح الْمُخْتَصر» وَابْن [معن] فِي «تنقيبه» . وَقَوله: «ابْنا أَمِير الْمُؤمنِينَ فأسلفكما» يَعْنِي فعل ذَلِكَ تقربًا إليَّ. وَقَوله: «لَو جعلته قراضا» وَقع فِي رِوَايَة القَاضِي حُسَيْن وَالْغَزالِيّ فِي «وسيطه» : «لَو جعلته قراضا عَلَى النّصْف» وَذكر القَاضِي بعض قَوْله «لضمناه» : قَالَ لَهُ عمر: بلَى. الثَّالِثَة: «نهاوند» الْمَذْكُورَة فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ، وَكَذَا إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ فِي «وسيطه» بِضَم النُّون كَمَا قَالَه السَّمْعَانِيّ قَالَ: وَهِي مَدِينَة من بِلَاد الْجَبَل، قيل: إِن نوحًا (بناها، وَكَانَ اسْمهَا: نوح أوند، فأبدلوا الْحَاء هَاء. الرَّابِعَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: أظهر مَا ذكره الْأَصْحَاب فِي مَحل هَذِه الْقِصَّة، وَبِه قَالَ ابْن سُريج: إِن مَا جَرَى كَانَ قرضا صَحِيحا وَكَانَ الرِّبْح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 وَرَأس المَال لَهما، لَكِن عمر رَضي اللهُ عَنهُ (استنزلهما) عَن بعض الرِّبْح خيفة أَن يكون قصد أبي مُوسَى (إرفاقهما لَا رِعَايَة مصلحَة بَيت المَال، وَلذَلِك قَالَ فِي بعض الرِّوَايَات: «أَو أسلف كل الْجَيْش) كَمَا أسلفكما» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : تَأَول الْمُزنِيّ هَذِه الْقِصَّة بِأَنَّهُ سَأَلَهُمَا لبره الْوَاجِب عَلَيْهِمَا أَن يجعلا كُله للْمُسلمين فَلم يجيباه، فَلَمَّا طلب النّصْف أجاباه عَن طيب أَنفسهمَا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَيحْتَمل أَن عمر عاملهما بذلك كَمَا شاطر عماله أَمْوَالهم. وَحَكَى ابْن دَاوُد عَن بعض أَصْحَابنَا أَن مَعْنَى قَول عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: «لَو جعلته قراضا» أَي: لَو جعلت حكمه حكم الْقَرَاض. الْأَثر الثَّالِث: عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب عَن أَبِيه «أَن عُثْمَان بن عَفَّان أعطَاهُ مَالا مقارضة» . هَذَا الْأَثر حَكَاهُ الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» عَن عبد الله بن عَلّي، عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه «أَن عُثْمَان أعْطى مَالا مقارضة - يَعْنِي مُضَارَبَة» . وَذكره عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» وَذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» فَقَالَ: وَرَوَى أَبُو حنيفَة رَضي اللهُ عَنهُ عَن عبد الله ... فَذكره بِهِ سَوَاء. وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عمل فِي مَال لعُثْمَان بن عَفَّان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 عَلَى أَن الرِّبْح (عَلَيْهِمَا) » وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق [ابْن بكير] عَن مَالك (كَذَلِك، وَمن طَرِيق ابْن وهب، عَن) مَالك، أَخْبرنِي الْعَلَاء (بن) عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: «جِئْت عُثْمَان بن عَفَّان فَقلت لَهُ (قد قدمت سلْعَة فَهَل لَك أَن تُعْطِينِي مَالا فأشتري بذلك فَقَالَ: أتراك فَاعِلا؟ قلت: نعم، وَلَكِنِّي رجل مكَاتب فأشتريها عَلَى أَن الرِّبْح بيني وَبَيْنك. قَالَ: نعم) فَأَعْطَانِي مَالا عَلَى ذَلِكَ» . الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وَالثَّامِن: عَن عَلّي وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَحَكِيم بن حزَام رَضي اللهُ عَنهم «تَجْوِيز الْمُضَاربَة» . أما أثر عَلّي فَغَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، وَأما أثر ابْن مَسْعُود فَذكره «الشَّافِعِي» فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» فَقَالَ: وَرَوَى أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم «أَن عبد الله بن مَسْعُود أعْطى زيد بن خليدة مَالا مقارضة» وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الشَّافِعِي فِي «اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين» بلاغًا، وَأما أثر ابْن عَبَّاس فَغَرِيب عَنهُ، نعم رَوَى عَن أَبِيه «أَنه كَانَ إِذا دفع مَالا مُضَارَبَة اشْترط عَلَى صَاحبه أَن لَا يسْلك بِهِ بحرًا وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 ينزل بِهِ وَاديا، وَلَا يَشْتَرِي بِهِ ذَات كبد رطبَة؛ فَإِن فعل ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِن، فَرفع شَرطه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَجَازَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَقَالَ: تفرد بِهِ أَبُو الْجَارُود زِيَاد بن الْمُنْذر، وَهُوَ كُوفِي ضَعِيف، كذبه يَحْيَى بن معِين - أَي: وَقَالَ: إِنَّه عَدو الله لَا يُسَاوِي فلسًا - وَضَعفه الْبَاقُونَ. (وَأما أثر جَابر، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر بن عبد الله «أَنه سَأَلَهُ عَن الرجل يُعْطي الرجل المَال قراضا فَيشْتَرط لَهُ كَمَا أعطَاهُ نَحْو يَوْم يَأْخُذهُ قَالَ: لَا بَأْس بذلك) (وَأما أثر حَكِيم) بن حزَام فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة وحيوة بن شُرَيْح، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَسدي، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَنهُ «أَنه كَانَ يدْفع المَال (مُضَارَبَة) مقارضة إِلَى أجل وَيشْتَرط عَلَيْهِ أَن لَا يمر بِهِ بطن وادٍ وَلَا يبْتَاع بِهِ حَيَوَانا وَلَا يحملهُ فِي بَحر فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِكَ فقد ضمن ذَلِكَ المَال. قَالَ: فَإِذا تعدى أمره ضمنه من فعل ذَلِكَ. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَن السّنة الظَّاهِرَة وَردت فِي الْمُسَاقَاة وَهُوَ كَمَا قَالَ، كَمَا ستعلمه فِي الْبَاب الْآتِي عَلَى الإثر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 كتاب الْمُسَاقَاة والمزارعة وَالْمُخَابَرَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 كتاب الْمُسَاقَاة والمزارعة و (المخابرة) ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَة أَحَادِيث: أَحدهَا عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَامل أهل خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج مِنْهَا من تمر أَو زرع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، وَلَهُمَا غير ذَلِكَ من الْأَلْفَاظ. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَامل أهل خَيْبَر بالشطر مِمَّا يخرج من النّخل وَالشَّجر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن ابْن صاعد، ثَنَا يُوسُف الْقطَّان وَشُعَيْب بن أَيُّوب قَالَا: ثَنَا ابْن نمير، عَن عبد الله، عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَامل أهل خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج من النّخل وَالزَّرْع» وَقَالَ يُوسُف: «من النّخل وَالشَّجر» وَقَالَ: ابْن صاعد وهم فِي ذكر الشّجر وَلم يقلهُ (غَيره) . الحَدِيث الثَّالِث عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كُنَّا نخابر وَلَا نرَى بذلك بَأْسا حَتَّى أخبرنَا رَافع بن خديج أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَنْهَا (فتركناها) لقَوْل رَافع بن خديج» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن سُفْيَان قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن دِينَار يَقُول: سَمِعت ابْن عمر يَقُول: «كُنَّا نخابر ... » فَذكره كَمَا أوردهُ الرَّافِعِيّ سَوَاء. وَرَوَاهُ الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، ثَنَا سُفْيَان ... فَذكره إِلَّا أَنه قَالَ: «حَتَّى زعم» بدل «أخبرنَا» وَقَالَ: «من (أجل) ذَلِكَ» بدل «لقَوْل رَافع بن خديج» . وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره، عَن سُفْيَان وَغَيره، عَن عَمْرو قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يَقُول: «كُنَّا لَا نرَى بالْخبر بَأْسا حَتَّى كَانَ عَام أول زعم رَافع بن خديج أَن نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَنهُ» (و) فِي لفظ «فتركناه من أَجله» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَامِس عَن جَابر وَغَيره «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن المخابرة» . أما حَدِيث جَابر فَأخْرجهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَكَذَا د، س، وت وَقَالَ: حسن. وَأما حَدِيث غَيره فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث زيد بن ثَابت رَضي اللهُ عَنهُ وَأخرج من حَدِيث جَابر - رَفعه -: «من لم يذر المخابرة فليؤذن بِحَرب من الله وَرَسُوله» . الحَدِيث السَّادِس عَن ثَابت بن الضَّحَّاك «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الْمُزَارعَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عبد الله بن السَّائِب قَالَ: «دَخَلنَا عَلَى عبد الله بن معقل فَسَأَلْنَاهُ عَن (الْمُزَارعَة) فَقَالَ: (زعم) ثَابت بن الضَّحَّاك أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 نهَى عَن الْمُزَارعَة وَأمر بالمؤاجرة، وَقَالَ: لَا بَأْس (بهَا)) . الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ساقى أهل خَيْبَر عَلَى نصف التَّمْر وَالزَّرْع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «لما افتتحت خَيْبَر سَأَلت الْيَهُود رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يقرهم فِيهَا عَلَى أَن يعملوا عَلَى نصف مَا يخرج مِنْهَا من التَّمْر وَالزَّرْع، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أقركم (فِيهَا) عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» . الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرص عَلَى أهل خَيْبَر» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب (زَكَاة) المعشرات؛ فَرَاجعه من ثمَّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 كتاب الْإِجَارَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 كتاب الْإِجَارَة ذكر فِيهِ خَمْسَة أَحَادِيث: أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أعْطوا الْأَجِير أجره قبل أَن يجِف عرقه» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق (كلهَا ضَعِيفَة) : أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، (عَنهُ) مَرْفُوعا بِهِ. وَعبد الرَّحْمَن هَذَا ضَعَّفُوهُ كَمَا تقدم فِي أَوَائِل الْكتاب. ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» وَقَالَ: لم يروه عَن أبي الزبير إِلَّا شَرْقي بن قطامي تفرد بِهِ مُحَمَّد بن زِيَاد [الْكَلْبِيّ] . قلت: شَرْقي ضعفه زَكَرِيَّا السَّاجِي، وَمُحَمّد بن زِيَاد قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 ابْن معِين: لَا شَيْء. ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب «الْمُهَذّب» وَذكرت فِي تخريجي لأحاديثه أَن الْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ من ثَلَاث طرق وَالْكل ضَعِيفَة، وَإِن كَانَ هُوَ لم يضعف إِلَّا وَاحِدًا مِنْهَا، وذكرته ثمَّ من طَرِيقين آخَرين عَن أبي هُرَيْرَة وَكِلَاهُمَا ضَعِيف فراجع ذَلِكَ مِنْهُ. وَذكر هَذَا الحَدِيث الْبَغَوِيّ فِي «مصابيحه» فِي قسم الْجِنَازَة عَلَى (اصْطِلَاحه فِي ذَلِكَ ثمَّ ادَّعَى إرْسَاله. تَنْبِيه) : اجْتنب مَا وَقع فِي كَلَام بعض العصريين عَلَى أَحَادِيث الْهِدَايَة وَالْخُلَاصَة من عزوه هَذَا الحَدِيث إِلَى البُخَارِيّ تقليدًا لمن قبله من العصريين فاحذر ذَلِكَ. الحَدِيث الثَّانِي (رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «من اسْتَأْجر أَجِيرا) فليعلمه أجره» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك، عَن أبي حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يساوم الرجل عَلَى سوم أَخِيه، وَلَا يخْطب عَلَى خطْبَة أَخِيه، وَلَا تناجشوا، وَلَا تبايعوا بإلقاء الْحجر، وَمن اسْتَأْجر أَجِيرا فليعلمه أجره» ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد بِهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 وَقيل من وَجه آخر ضَعِيف عَن [ابْن مَسْعُود] وَرَوَاهُ عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد (عَن) إِبْرَاهِيم (عَن) أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن اسْتِئْجَار الْأَجِير - يَعْنِي: حَتَّى يبين لَهُ أجره» . (وَهُوَ) مُرْسل بَين إِبْرَاهِيم وَأبي سعيد، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ معمر عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان مُرْسلا. الحَدِيث الثَّالِث «نَهْيه (عَن قفيز الطَّحَّان» . هَذَا النَّهْي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث وَكِيع وَعبيد الله بن مُوسَى قَالَا: ثَنَا سُفْيَان، عَن هِشَام أبي كُلَيْب، عَن (ابْن أبي نعم) عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «نُهي عَن (عسب) الْفَحْل (زَاد عبيد الله: وَعَن قفيز الطَّحَّان» وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب النَّهْي عَن عسب الْفَحْل) بعد أَن رَوَاهُ هَكَذَا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ. وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان، كَمَا رَوَاهُ عبيد الله وَقَالَ: «نهَى» وَكَذَلِكَ قَالَه إِسْحَاق الْحَنْظَلِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 عَن وَكِيع «نهَى عَن (عسب) الْفَحْل» . وَرَوَاهُ عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره (وَذكره) عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عَن الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ عَن أبي سعيد «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن (عسب) الْفَحْل وقفيز الطَّحَّان» وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» فِي عزوه إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ ... فَذكره بِلَفْظ (الدَّارَقُطْنِيّ) الَّذِي نَقَلْنَاهُ أَولا من «سنَنه» وَالْبَيْهَقِيّ نَفسه سَاقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد تعقب ابْن الْقطَّان عبد الْحق فَقَالَ: كَذَا ذكره عبد الْحق وَقد بحثت عَنهُ فَلم أَجِدهُ؛ إِنَّمَا هُوَ فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا «نُهي» مَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله، وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول: [لَعَلَّه] اعْتقد فِيمَا يَقُوله الصَّحَابِيّ [من] هَذَا مَرْفُوعا. فَنَقُول لَهُ: إِنَّمَا عَلَيْهِ أَن ينْقل لنا رِوَايَته لَا رَأْيه، فَلَعَلَّ من بلغه يرَى غير مَا يرَاهُ من ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يقبل مِنْهُ نُقوله لَا قَوْله. قلت: وَبعد هَذَا كُله فَالْحَدِيث مَعْلُول؛ فَإِن شيخ سُفْيَان وَهُوَ هِشَام الْمَذْكُور لَا نعرفه، لَا جرم قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : هَذَا خبر مُنكر، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 وَرِجَاله لَا تعرف. وَأما بعض شُيُوخنَا فَقَالَ بعد أَن ذكره كَمَا ذكره عبد الْحق بِسَنَد جيد: لَيْسَ فِيهِ مَا ينظر فِيهِ إِلَّا عنعنة الثَّوْريّ عَن هِشَام أبي كُلَيْب، وَهِشَام ثِقَة وَمثل هَذَا لَا يقصر عَن رُتْبَة الْحسن إِن لم يصل إِلَى رُتْبَة الصَّحِيح. قَالَ: وَأَرْجُو أَنه صَحِيح - إِن شَاءَ الله - هَذَا لَفظه وَلَا أَدْرِي من أَيْن وَقع لَهُ تَوْثِيق هِشَام؟ ! فَإِن ثَبت فَالْأَمْر كَمَا قَالَه. فَائِدَة: (هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَنه إِذا اسْتَأْجر الطَّحَّان بالنخالة أَو بِصَاع من الدَّقِيق أَنه يفْسد، وَقَالَ الْمجد فِي «أَحْكَامه» ) . فسر الْقَوْم «قفيز الطَّحَّان» بطحن الطَّعَام بِجُزْء مِنْهُ مطحونًا لما فِيهِ من اسْتِحْقَاق طحن قدر الْأُجْرَة لكل [وَاحِد] مِنْهَا عَلَى الآخر، وَذَلِكَ متناقض، قَالَ: وَقيل: لَا بَأْس بذلك مَعَ الْعلم بِقَدرِهِ، وَإِنَّمَا الْمنْهِي عَنهُ طحن الصُّبْرَة لَا يعلم كيلها بقفيز مِنْهَا وَإِن شَرط حبًّا؛ لِأَن مَا عداهُ مَجْهُول فَهُوَ كبيعها إِلَّا قَفِيزا مِنْهَا. قلت: وَفِي «الغريبين» للهروي أَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: إِن صورته أَن تَقول: اطحن بِكَذَا وَزِيَادَة قفيز من نَفْس الطَّحْن. قَالَ صَاحب «الْمطلب» : وَكَيف كَانَ، فَهَل ذَلِكَ لأجل أَنه لَا يعرف كَيْفيَّة الدَّقِيق بعد الطَّحْن هَل هُوَ ناعم أَو خشن؟ وَالْغَرَض يخْتَلف بِهِ، أَو لأجل أَنه جعل الْأُجْرَة مَا يحصل بِعَمَل الآخر؛ فَهِيَ غير مَقْدُور عَلَيْهَا فِي الْحَال، أَو لأجل أَنه تَأْجِيل فِي الْأَعْيَان أَنه حصر الْأُجْرَة فِي الْقَمْح المطحون وَجعل اسْتِحْقَاقه بعد الطَّحْن، وَذَلِكَ تَأْجِيل لَهُ بِأَجل مَجْهُول، فِيهِ احتمالات. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي لأجل كل مِنْهَا؛ فَإِن أصُول الشَّرْع تَقْتَضِيه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 الحَدِيث الرَّابِع عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ (أَنه بَاعَ فِي بعض الْأَسْفَار بَعِيرًا من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أَن يكون لَهُ ظَهره إِلَى الْمَدِينَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وكرره البُخَارِيّ فِي عدَّة أَبْوَاب وَقد ذكرته بِطرقِهِ فِي «شرح الْعُمْدَة» فَرَاجعه مِنْهُ فَإِنَّهُ يُسَاوِي رحْلَة. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي قصَّة الَّتِي عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ لبَعض الْقَوْم: أُرِيد أَن أزَوجك هَذِه إِن رضيت. فَقَالَ: مَا رضيت لي يَا رَسُول الله فقد رضيت. فَقَالَ للرجل: هَل عنْدك شَيْء؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَا تحفظ من الْقُرْآن؟ قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَ: (قُم) فعلمها (عشْرين) آيَة وَهِي امْرَأَتك» . هَذَا الحَدِيث أَصله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِغَيْر هَذِه السِّيَاقَة، كَمَا ستعلمه - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي النِّكَاح، وَرَوَاهُ بنحوها أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عِسل - بِكَسْر الْعين وَإِسْكَان السِّين (الْمُهْمَلَتَيْنِ) - عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 عَطاء بن أبي (رَبَاح) ، عَن أبي هُرَيْرَة نَحْو هَذِه الْقِصَّة - يَعْنِي: قصَّة سُؤال الرجل للنَّبِي (أَن يُزَوجهُ الواهبة نَفسهَا - قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يذكر الْإِزَار و (الْخَاتم) فَقَالَ: «مَا تحفظ من الْقُرْآن؟ قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة أَو الَّتِي تَلِيهَا. قَالَ: (قُم) فعلمها عشْرين آيَة وَهِي امْرَأَتك» وَرَوَاهُ بهَا النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه وَهَذَا لَفظه: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعرضت نَفسهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: اجلسي. فَجَلَست سَاعَة ثمَّ قَامَت، قَالَ: اجلسي بَارك الله فِيك؛ أما نَحن فَلَا حَاجَة لنا فِيك، وَلَكِن تملكيني أَمرك؟ قَالَت: نعم. فَنظر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي وُجُوه الْقَوْم فَدَعَا رجلا مِنْهُم، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أزَوجك هَذَا إِن رضيت. قَالَت: مَا رضيت لي يَا رَسُول الله فقد رضيت. ثمَّ قَالَ للرجل: هَل عنْدك من شَيْء؟ قَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله. قَالَ: قُم إِلَى النِّسَاء. فَقَامَ إلَيْهِنَّ فَلم يجد (عِنْدهن) شَيْئا، قَالَ: وَمَا تحفظ من الْقُرْآن؟ قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة - أَو الَّتِي تَلِيهَا - قَالَ: قُم فعلمها عشْرين آيَة وَهِي امْرَأَتك» كَذَا وَقع فِيهِ أَن الْمَشْرُوط رِضَاهَا - أَي: الْمَرْأَة لَا الرجل - كَمَا وَقع فِي الرَّافِعِيّ، وَعسل هَذَا هُوَ ابْن سُفْيَان بن (يربوعي) بَصرِي، كنيته: أَبُو (قُرَّة) وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث. وَيشْتَبه بعَسَل - بِفَتْح الْعين وَالسِّين - بن ذكْوَان الأخباري. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَذكر فِيهِ من الْآثَار ثَلَاثَة: أَحدهَا: عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه أجر نَفسه من يَهُودِيّ يَسْتَقِي لَهُ كل دلو بتمرة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث حَنش، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أصَاب نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خصَاصَة، فَبلغ ذَلِكَ عليًّا - عَلَيْهِ السَّلَام - فَخرج يلْتَمس عملا يُصِيب فِيهِ شَيْئا [ليقيت بِهِ] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَتَى بستانًا لرجل من الْيَهُود فاستقى لَهُ سَبْعَة عشر دلوًا كل دلو بتمرة، [فخيره] الْيَهُودِيّ من تمره [سبع عشرَة] عَجْوَة فجَاء بهَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وحنش هَذَا ضَعَّفُوهُ إِلَّا الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ، وَسَماهُ مُسلم: حُسَيْنًا، قَالَ: وَيُقَال: حسن. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بالسند الْمَذْكُور وباللفظ أَيْضا، وَزَاد فِي آخِره: «فَقَالَ: من أَيْن هَذَا يَا أَبَا (الْحُسَيْن) ؟ فَقَالَ: بَلغنِي مَا بك من الْخَصَاصَة يَا نَبِي الله، فَخرجت التمس عملا لأصيب لَك طَعَاما. قَالَ: فحملك عَلَى هَذَا حب الله وَرَسُوله؟ قَالَ (عَلّي) : نعم يَا نَبِي الله. فَقَالَ نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَالله مَا من عبد يحب الله وَرَسُوله إِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 الْفقر أسْرع (إِلَيْهِ) من جرية السَّيْل عَلَى وَجهه، من أحب الله وَرَسُوله فليعد تحفافا - وَإِنَّمَا يَعْنِي: الصَّبْر» . وَله طَرِيق ثَان من حَدِيث عَلّي رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِنَحْوِ من لفظ ابْن مَاجَه: «وَجعل الْأُجْرَة» لكنه من رِوَايَة مُجَاهِد عَنهُ، وَهُوَ مُنْقَطع. قَالَ أَبُو زرْعَة: مُجَاهِد عَن عَلّي مُرْسل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه أدْركهُ لَا يذكر رُؤْيَة وَلَا سَمَاعا. وَقَالَ الدوري: قيل ليحيى بن معِين: رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: «خرج علينا عَلّي» . قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء. وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي حَيَّة (عَن) عَلّي قَالَ: «كنت أدلو الدَّلْو بتمرة وأشرط أَنَّهَا جلدَة» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن مُحَمَّد (بن بشار) ، ثَنَا عبد الرَّحْمَن، ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي حَيَّة ... فَذكره، وَهَذَا إِسْنَاد جيد، لَا جرم ذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» والجلدة: الْيَابِسَة [الجيدة] قَالَه الْجَوْهَرِي. الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث: عَن عمر وَعلي «تضمين الْأَجِير الْمُشْتَرك» . وَهَذَا يرْوَى عَنْهُمَا بِضعْف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : قَالَ الشَّافِعِي: قد رُوي من وَجه لَا يثبت أهلُ الحَدِيث مثله «أَن عَلّي بن أبي طَالب ضمن الغسَال والصباغ، وَقَالَ: لَا يصلح للنَّاس إِلَّا ذَلِكَ» أَخْبرنِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه أَن عليًّا قَالَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِي: وَرُوِيَ (عَن عمر) تضمين بعض الصُنَّاع من وَجه أَضْعَف من هَذَا، وَلم يعلم وَاحِدًا مِنْهُمَا يثبت، قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عَلّي من وَجه آخر: أَنه كَانَ لَا يضمن أحدا من الأُجراء) من وَجه لَا يثبت مثله، قَالَ: وثابتٌ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه قَالَ: «لَا ضَمَان عَلَى صانع، وَلَا عَلَى أجِير» ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد [عَن أَبِيه] عَن عَلّي: «أَنه كَانَ يضمن الصباغَ والصانعَ، وَقَالَ: لَا يصلح للنَّاس إِلَّا ذَاك» . وَعَن خلاس: «أَن عليًّا كَانَ يضمن الْأَجِير» . ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث جَعْفَر [عَن أَبِيه] عَن عَلّي مُرْسلا، وَأهل الْعلم يضعفون أَحَادِيث خلاس عَن عَلّي، وَقد رَوَى جَابر الْجعْفِيّ - وَهُوَ ضَعِيف - عَن الشّعبِيّ قَالَ: «كَانَ عَلّي يضمن الْأَجِير» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 كتاب الجُعَالة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 كتاب الجُعَالة قَالَ الرَّافِعِيّ: استأنسوا لَهُ بقوله تَعَالَى: (وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم) ويحتج لَهُ (أَيْضا) بِحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» فِي أَخذ الْجعل عَلَى الرّقية، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «قد أصبْتُم، فَقَسِّمُوا واضربوا لي (مَعكُمْ) بسهمٍ» وَضحك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَقد ذكره الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وبسطتُ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تخريجي لأحاديثه؛ فَرَاجعه مِنْهُ، انْتَهَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 كتاب إحْيَاء الْموَات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 كتاب إحْيَاء الْموَات ذكر فِيهِ أَحَادِيث و (أثرين) - أمَّا الْأَحَادِيث فخمسة (وَعِشْرُونَ) حَدِيثا: أَحدهَا عَن سعيد بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي الْغَصْب وَاضحا. الحَدِيث الثَّانِي عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عَن النبى (قَالَ: «من عمَّر أَرضًا لَيست لأحد فَهُوَ أَحَق بهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَزَاد: «قَالَ عُرْوَة بن الزبير: قَضَى بِهِ عمر فِي خِلَافَته» . ذكره فِي بَاب: من أَحْيَا أَرضًا مواتًا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، إِلَّا أَنه قَالَ: «من أَحْيَا» بدل: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 «من عمر» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود، عَن عُرْوَة (عَنْهَا) مَرْفُوعا بِلَفْظ البُخَارِيّ. فَائِدَة: قَوْله: «عَمَّر» هُوَ فعْل ثلاثي، أَوله عين، وَفِي بعض النّسخ: «أعمر» رباعيًا بِهَمْزَة قبل الْعين، وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَلَا يُطَابق التَّبْوِيب. الحَدِيث الثَّالِث عَن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أحَاط حَائِطا عَلَى أَرض فَهِيَ لَهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَنهُ، ثَنَا مُحَمَّد بن بشر، ثَنَا سعيد، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِ سَوَاء. وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَذكره ابْن السكن فى «سنَنه الصِّحَاح» وَقد أسلفنا لَك مَا فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة، وَله شَاهد من حَدِيث جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أحَاط حَائِطا عَلَى أَرض فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ عبد بن حميد فِي «مُسْنده» عَن مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي، عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 سعيد بن أبي (عرُوبَة) ، (ثَنَا قَتَادَة) عَن (سُلَيْمَان) الْيَشْكُرِي، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عادي الأَرْض لله وَرَسُوله، ثمَّ هِيَ لكم مني» وَرُوِيَ: «مَوَتَانِ الأَرْض لله وَرَسُوله، ثمَّ هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: يعنىِ: الْموَات. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن ابْن طَاوس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَحْيَا مواتًا من الأَرْض فَهُوَ لَهُ، وعادىِ الأَرْض لله وَرَسُوله، ثمَّ هِيَ لكم مني» . وَكَذَا فِي الْمسند لَهُ أَيْضا، وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث قبيصَة، عَن سُفْيَان، عَن ابْن طَاوس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَحْيَا شَيْئا من موتان الأَرْض فَلهُ رقبَتهَا، وعادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، ثمَّ لكم من بعدِي» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ هِشَام بن (حُجَيْر) عَن طَاوس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 فَقَالَ: «ثمَّ هِيَ لكم مني» ثمَّ أخرجه من حَدِيث: مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن لَيْث، عَن طَاوس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «عادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، ثمَّ لكم من بعد، فَمن أَحْيَا شَيْئا من موَات الأَرْض فَهُوَ أَحَق بِهِ» وَلَيْث هَذَا هُوَ ابْن (أبي) سُليم، وَقد علمتَ حَاله فِيمَا مَضَى. وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث: كريب، ثَنَا مُعَاوِيَة، حَدثنَا سُفْيَان، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن (ابْن) عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَوَتان الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، فَمَنْ أحْيَا (مِنْهَا) شَيْئا فَهُوَ لَهُ» . ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ مُعَاوِيَة بن هِشَام مَرْفُوعا مُتَّصِلا. قلت: (وَهُوَ) صَدُوق ثِقَة، من رجال مُسلم، وَغلط ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي «ضُعَفَائِهِ» وَقَالَ: رَوَى مَا لَيْسَ من سَمَاعه؛ فَتَرَكُوهُ. لَا جرم، لمَّا ذكره الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي» قَالَ: إِنَّه ثِقَة، غلط من تكلم فِيهِ. فَأَشَارَ بذلك إِلَى مقَالَة ابْن الْجَوْزِيّ هَذِه فِيهِ. وَقَول الرَّافِعِيّ فِي هَذِه الرِّوَايَة: «ثمَّ هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ» تبع فِي إيرادها كَذَلِك الْبَغَوِيّ وَالْإِمَام. فَائِدَة: قَوْله: «عاديّ الأَرْض» هُوَ بتَشْديد الْيَاء، يُرِيد: ديار عَاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 وَثَمُود وَمن بعدهمْ، وَعبارَة ابْن دَاوُد فِي «شرح الْمُخْتَصر» : أَنه الَّذِي كَانَت عِمَارَته قبل بعثة الْأَنْبِيَاء بالشرائع، وَالْيَاء فِي «عاديّ الأَرْض» مشدَّدة. وَقَوله: «موتان الأَرْض» قَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ بِفَتْح الْمِيم وَالْوَاو (و) قَالَ الْخطابِيّ: وَفِيه لُغَة أُخْرَى وَهُوَ: بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْوَاو، وأمَّا «المُوْتان» : بِالضَّمِّ وَإِسْكَان الْوَاو فَهُوَ: الْمَوْت الذريع. وَمَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْخطابِيّ رَأَيْته فِي كِتَابه «إصْلَاح الْأَلْفَاظ الَّتِي صحَّفها الروَاة فِي الحَدِيث» وَقَالَ ابْن بري: الصَّحِيح فِي الرِّوَايَة «مَوَتان» بِالْفَتْح فيهمَا، وَهِي: الأَرْض الَّتِي لم تُحيى بعد، وَأما «موْتان» بِسُكُون الْوَاو فَهُوَ: الوجع، يُقَال: رجل موتان الْفُؤَاد، وَامْرَأَة موتانة الْفُؤَاد. فَائِدَة فقهية: قَالَ الجُوري من أَصْحَابنَا: موَات الأَرْض صَار ملكا للنَّبِي (بقوله: «عادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ» فرَدَّها عَلَى أُمَّتِه بقوله: «ثمَّ هِيَ لكم» . الحَدِيث الْخَامِس عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَلهُ (بهَا) أجرٌ، وَمَا أكله العوافي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث (عبيد الله) بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ، عَن جَابر بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «وَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 أكلت الْعَافِيَة» بدل: «وَمَا أكله العوافي» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِأَلْفَاظ؛ أَحدهَا من هَذَا الْوَجْه، وَهَذَا اللَّفْظ، أَعنِي «الْعَافِيَة» بدل «العوافي» ، وَقَالَ: «فَهُوَ لَهُ صَدَقَة» . ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن (عبيد الله) هَذَا مَجْهُول لَا يعرف وَلَا يعلم لَهُ سَماع من جَابر. ثمَّ سَاقه من حَدِيث هِشَام، حَدثنِي (عبيد الله) بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع بن خديج، سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَلهُ أجر، وَمَا أكلت الْعَافِيَة فَلهُ بهَا أجر» . ثمَّ قَالَ: ذكْرُ الْخَبَر الدَّال عَلَى أَن الذمِّي إِذا أَحْيَا أَرضًا ميتَة لم تكن لَهُ. سَاقه من حَدِيث هشيم، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر رَفعه «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ، (وَله أجر) وَمَا أكلتِ العوافي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَة» . وَهَذِه الطَّرِيقَة رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» إِلَى قَوْله: «فَهِيَ لَهُ» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. ثمَّ قَالَ ابْن حبَان: قد سمع هِشَام بن عُرْوَة هَذَا الْخَبَر من وهبِ بن كيسَان، و (عبيد الله) بن عبد الرَّحْمَن، عَن جَابر، وهما طَرِيقَانِ محفوظان. وَقَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَر دَلِيل عَلَى أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 الذِّمِّيّ إِذا أَحْيَا أَرضًا لم تكن لَهُ؛ فَإِن الصَّدَقَة لَا تكون إِلَّا للْمُسلمِ. ونازعه فِي ذَلِك الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: فِيمَا ذكره نظر؛ إِذْ الْكَافِر يتَصَدَّق ويجازى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَبِه ورد الحَدِيث. فَائِدَة: العوافي: الطير والوحش والضباع، مَأْخُوذ من قَول: عَفَوْت فلَانا أعفوه. إِذا أَتَيْته تطلب معروفه، وَفِي «الْحَاوِي» للماوردي: والعوافي جمع عَافِيَة، وَهُوَ طَالب الْفضل. قلت: وَهُوَ مَا جزم بِهِ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» حَيْثُ قَالَ عقب الْخَبَر الْمَذْكُور: طلاب الرزق يُسمَّون الْعَافِيَة. وَذكر الْبَيْهَقِيّ حَدِيثا فِي أثْنَاء أَبْوَاب الزَّكَاة فِيهِ ذكر العوافي، ثمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا العوافي؟ (قَالُوا) : الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: الطير والسِّبَاع» . وَأخرجه الْحَاكِم كَذَلِك فِي التَّفْسِير من «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. ذكره من حَدِيث عَوْف بن مَالك، وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَقَالَ الدَّارمِيّ - بعد أَن أخرجه فِي «مُسْنده» -: الْعَافِيَة: الطير وَغير ذَلِك. الحَدِيث السَّادِس قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ للذمِّي تَمْلِيكًا (بِالْإِحْيَاءِ) وَلَا يَأْذَن لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 الإِمَام فِيهِ، وَلَو أذن لَهُ الإِمَام فأحياها. لم يُمَلَّك، وَفِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «ثمَّ هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ» مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص بهم. هَذَا الحَدِيث تقدَّم بَيَانه، إِلَّا قَوْله: «أَيهَا الْمُسلمُونَ» فَإِنِّي لم أرها فِي رِوَايَة كَذَلِك، وَقد أسلفنا أَن الرَّافِعِيّ تبع فِي إيرادِها الْبَغَوِيّ وَالْإِمَام. الحَدِيث السَّابِع رُوي أَنه عَليه السَّلَام قَالَ: « (عادي) الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، ثمَّ هِيَ لكم مني» . هَذَا الحَدِيث تقدَّم بَيَانه فِي الحَدِيث الرَّابِع من أَحَادِيث الْبَاب. الحَدِيث الثَّامِن روُي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فِي غير حق مُسلم فَهِيَ لَهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث أُمِّ الْجنُوب بنت نُميلة بالنُّون عَلَى الْمَشْهُور، وبخط ابْن طَاهِر: تُمَيْلة، بِالْمُثَنَّاةِ، وضبطها بَعضهم بِالْمُثَلثَةِ عَن أمهَا سويدة بنت جَابر، عَن أُمِّها (عقيلة) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 - بِفَتْح الْعين - بنت أسمر بن مُضرس، عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا: «من سبق إِلَى مَا لم يسْبقهُ إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ لَهُ. قَالَ: فَخرج النَّاس يتعادون يتخاطون» وَهُوَ حَدِيث غَرِيب. قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: لَا أعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيثا غَيره. وَأخرجه الضياء فِي «الْأَحَادِيث المختارة» . قلت: «وأُمُّ جنوب» رَوَت عَن أُمها وأبيها أَيْضا، كَمَا أَفَادَهُ الصّريفيني، قَالَ: وَفِي الأَصْل «نجيلة» بدل «نميلَة» وَرَوَى حَدِيثهَا ابْن مَنْدَه فَقَالَ: عَن أُمِّ جميل بنت نميلَة، رَوَى عَنْهَا عبد الحميد بن عبد الْوَاحِد الغنوي، و (أمهَا) سويدة لَا أعلمها رَوَت عَن غير أُمِّها عقيلة، وَلَا رَوَى عَنْهَا غير ابْنَتهَا أم جنوب، وَكَذَا (أمهَا) عقيلة لَا أعلم روتْ عَن غير أَبِيهَا وَلَا رَوَى عَنْهَا غير ابْنَتهَا سويدة (وَقَالَ) الصريفيني: ذكرهَا خَ. و «أسمر» هَذَا، قَالَ أَبُو عُمر: يُقَال: إِنَّه أَخُو عُرْوَة بن مُضرس. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث كثير بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن جده: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَحْيَا مواتًا من الأَرْض فِي غير حق (لمُسلم) فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق» . و «كثير» هَذَا ضعَّفوه بِمرَّة، كَمَا سبق فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ ثمَّ كتاب الصُّلْح، وَذكره ابْن السكن فِي (صحاحه» بِلَفْظ «يُروى» وَهِي صِيغَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 تمريض، وَوهم ابْن الطلاع حَيْثُ عَزَاه فِي «أَحْكَامه» إِلَى البخاريِّ. الحَدِيث التَّاسِع عَن عبد الله بن (مُغفل) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من احتفر بِئْرا فَلهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا حولهَا لعطن مَاشِيَته» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الْوَهَّاب (بن) عَطاء وَغَيره، عَن إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ، عَن الْحسن، عَن عبد الله بن مُغفل أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حفر بِئْرا فَلهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا عطنًا لماشيته» . . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من هَذَا الْوَجْه بألفاظٍ: أَحدهَا: «حَرِيم الْبِئْر أَرْبَعُونَ ذِرَاعا عطنًا لماشيته» . ثَانِيهَا: «من احتفر بِئْرا فَلهُ مَا حواليها أَرْبَعُونَ ذِرَاعا (عطنًا) لإبله وماشيته» . ثَالِثهَا: «من احتفر بِئْرا فَلهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا حولهَا عطنًا لماشيته» . رَابِعهَا: «من احتفر بِئْرا فَلَيْسَ لأحد أَن يحْفر حولهَا أَرْبَعِينَ ذِرَاعا، عطنًا لماشيته» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف (إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ ضَعَّفُوهُ، أما) عبد الْوَهَّاب بن عَطاء؛ فَهُوَ من رجال مُسلم، حَدِيثه حسن، ضعفه أَحْمد، وأمَّا ابْن الْجَوْزِيّ فَنقل (فِيهِ) فِي «تَحْقِيقه» عَن الرَّازِيّ أَنه كَانَ يكذب، وَعَن الْعقيلِيّ وَالنَّسَائِيّ أَنه مَتْرُوك الحَدِيث. وَهَذَا قَالُوهُ فِي «عبد الْوَهَّاب بن الضَّحَّاك» لَا فِي هَذَا؛ فَتنبه لَهُ، وَقد مَشَى فِي «ضُعَفَائِهِ» عَلَى الصَّوَاب، فَنقل ذَلِك فِي تَرْجَمَة ابْن الضَّحَّاك لَا هَذَا. الحَدِيث الْعَاشِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حَرِيم الْبِئْر الْبَدِيِّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا، وحريم الْبِئْر العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح أَنه مُرْسل عَن ابْن الْمسيب، وَمن أسْندهُ فقد وهم. وَقَالَ فِي «علله» : إِن الْمُرْسل أشبه. قلت: وَفِي الْمسند (مُحَمَّد بن يُوسُف) الْمُقْرِئ شَيْخُ شيخِ الدَّارَقُطْنِيّ وَقد نسبه هُوَ - أَعنِي: الدَّارَقُطْنِيّ - إِلَى الْوَضع فِي الحَدِيث والقراءات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب «أَن حَرِيم الْبِئْر الْبَدِيِّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا نَوَاحِيهَا كلهَا، وحريم العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا من نَوَاحِيهَا كلهَا، وحريم بِئْر الزَّرْع ثَلَاثمِائَة ذِرَاع من نَوَاحِيهَا كلهَا» قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيّ: وَسمعت النَّاس يَقُولُونَ: حَرِيم الْعُيُون خَمْسمِائَة ذِرَاع. وَكَذَلِكَ معمر عَن الزُّهْرِيّ. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «حَرِيم الْبِئْر العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا (وحريم بِئْر الْبَدِيِّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا. قَالَ سعيد بن الْمسيب من قبل نَفسه) : وحريم قليب الزَّرْع ثَلَاثمِائَة ذِرَاع» . وَهَذَا ذكره أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» وَمن جِهَته أخرجه الْبَيْهَقِيّ ثمَّ قَالَ: ورُوي من حَدِيث معمر وَإِبْرَاهِيم بن أبي عبلة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وموصولاً، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ أوَّلَ الْبَاب من حَدِيث يَحْيَى بن آدم، عَن هشيم، عَن عَوْف الْأَعرَابِي، عَن رجل، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «حَرِيم الْبِئْر أَرْبَعُونَ ذِرَاعا من جوانبها كلهَا لأعطان الْإِبِل وَالْغنم، وَابْن السَّبِيل أول شَارِب، وَلَا يمْنَع فضل مَاء ليمنع بِهِ فضل الْكلأ» قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن عَوْف قَالَ: بَلغنِي عَن أبي هُرَيْرَة؛ فَذكره من قَوْله. ثمَّ رَوَاهُ آخر الْبَاب من حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «حَرِيم الْبِئْر خَمْسُونَ ذِرَاعا، وحريم الْعين مِائَتَا ذِرَاع» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فى «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَوْصُولا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 ومرسلاً، وَلَفظه فِي الأول: «حَرِيم (قليب) الْبِئْر العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا، وحريم (قليب) (الْبِئْر) البادي خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا) وَلَفظه فِي الثَّانِي كَلَفْظِ الدَّارَقُطْنِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ بدل «الْبَدِيِّ» : «المحدثة» . ذكرهمَا جَمِيعًا فِي كتاب الْأَحْكَام من «مُسْتَدْركه» عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة بِإِسْنَادِهِ، وَسكت عَلَيْهَا. فَائِدَة: الْبَدِيِّ: بِفَتْح الْبَاء، وَكسر الدَّال، وَتَشْديد الْيَاء، كَذَا رَأَيْته بِخَط ابْن الْجَوْزِيّ مضبوطًا فِي «غَرِيبه» ورأيته فِي «الصِّحَاح» بِالْهَمْز، ضبط الْكَاتِب، وَفِي «الرَّافِعِيّ» عَنهُ: أَن البدية الَّتِي أحدثت فِي الْإِسْلَام وَلم تكن عَادِية. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «صحاحه» فِي فصل «بَدَأَ» : والبديء والبدي: الْبِئْر الَّتِي حُفرت فِي الْإِسْلَام وَلَيْسَت بعادية. ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الَّتِي ابْتَدَأتهَا أَنْت فحفرتها. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَهِي الَّتِي حُفرت فِي الْإِسْلَام، والعادية: الْقَدِيمَة. الحَدِيث الْحَادِي عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا يمْنَع من أَحْيَا مَا وَرَاء الْحَرِيم، قَرُبَ أم بَعُدَ؛ لِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أقطع عبد الله بن مَسْعُود الدُّور، وَهِي بَين ظهراني عمَارَة الْأَنْصَار من الْمنَازل» (والدُّور) يُقَال: إِنَّه اسْم مَوضِع، وَيُقَال: الْمَعْنى أَنه أقطعه تِلْكَ الْبقْعَة ليتخذها دورًا. هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الإِمَام الشَّافِعِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 «الْمُخْتَصر» : «وَقد أقطع رَسُول (الدُّور، فَقَالَ حَيّ من بني زهرَة - وَيُقَال لَهُم: بَنو عبد بن زهرَة -: نكِّب عَنَّا ابْن أم عبد. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَلِمَ ابتعثني الله إِذا؟ ! إِن الله لَا يقدِّس أمة لَا يوخذ للضَّعيف فيهم حَقه» . قَالَ الشَّافِعِي: وَفِي ذَلِك دلَالَة عَلَى أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطع الْمَدِينَة بَين ظهراني عمَارَة الْأَنْصَار من الْمنَازل والنخيل. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «مَعْرفَته» من حَدِيث الرّبيع عَنهُ، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن يَحْيَى بن جعدة قَالَ: «لما قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَدِينَة أقطع الناسَ الدّور، فَقَالَ حَيّ من بني زهرَة - يُقَال لَهُم: بَنو عبد (بن زهرَة) -: نكب عَنَّا ابْن أم عبد. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَلم ابتعثني (الله) إِذا؟ ! إِن الله لَا يقدس أُمَّة لَا يُؤْخَذ للضعيف فيهم حَقه» . وَهَذَا مُرْسل، قَالَ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم: يَحْيَى بن جعدة لم يلق ابْن مَسْعُود وَإِنَّمَا يُرْسل عَنهُ، وَقد وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» فَقَالَ: ثَنَا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن سَلام الجُمَحِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن يَحْيَى بن جعدة، [بن هُبَيْرَة] عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «لمَّا قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَدِينَة أقطع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 الدَّور، وأقطع ابْن مَسْعُود فِيمَن أقطع، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله، نَكِّبه عَنَّا. قَالَ: فَلِمَ بَعَثَنِي الله إِذا؟ ! إِن الله لَا يقدس أُمَّة (لَا يُعْطون) الضَّعِيف مِنْهُم حَقه» . و «هُبَيْرَة» : حَالَته جَيِّدَة كَمَا قررتها فى أَوَائِل كتَابنَا هَذَا فِي بَاب: بَيَان النَّجَاسَات وَالْمَاء النَّجس، لَا كَمَا زعم من يُضعفهُ. فَائِدَة: وَقع فِي «مُخْتَصر الْمُزنِيّ» : «فجَاء حيٌّ من بني عذرة» كَمَا أسلفناه بدل «بني عبد» وَهُوَ غلط؛ لِأَن «عبد بن زهرَة» لَا يَكُونُوا من «بني عذرة» . وَإِنَّمَا هم من قُرَيْش، وهم رَهْط عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. قَالَه الإِمَام فِي «نهايته» وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن: «بَنو عذرة» من الْأَنْصَار. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا هم من الْيمن، منسوبون إِلَى عذرة بن زيد اللات، و «عبد بن زهرَة» هُوَ عبد بن الْحَارِث بن زهرَة، وَابْن مَسْعُود من قُرَيْش، وَالظَّاهِر أَن قُريْشًا (لَا تكره) مجاورته، وَلَكِن ذَلِك الْحَيّ لمَّا كَانُوا من الْيمن وهم قريبون من الْأَنْصَار، سكنوا بَينهم؛ فكرهوا مجاورة ابْن مَسْعُود، قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: كَانَت الْمَدِينَة نصفهَا عَامر وَنِصْفهَا خراب، فأقطع الْأَنْصَار الخراب، وأقطع ابْن مَسْعُود بَين ظهرانيهم، وَأَرَادُوا إبعاده بقَوْلهمْ: «نكِّب» هُوَ بِكَسْر الْكَاف، وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَى «نكِّب» : عدِّل، تَقْدِيره: عدل هُنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بإقطاعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطع الدُّور» . هَذَا الحَدِيث سلف كَمَا نرَاهُ. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث فطر بن خَليفَة، ثَنَا أبي، عَن عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ: «انْطلق بِي أبي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا غُلَام شَاب، فَدَعَا لي بِالْبركَةِ وَمسح برأسي، وَخط لي دَارا بِالْمَدِينَةِ بقوسٍ وَقَالَ: أزيدك؟ (أزيدك؟)) . وَأعله ابْن الْقطَّان بِأَن قَالَ: فطر ثِقَة، وَأَبوهُ لَا يعرف حالُه. قلت: بلَى وُثِّق. وَقَالَ: وَلَا من رَوَى عَنهُ (غير) ابْنه. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِن عَمْرو بن حُرَيْث لم تدْرك سنه هَذَا الْمَعْنى؛ فَإِنَّهُ [إِمَّا أَنه] كَانَ يَوْم بدر حَمْلاً، و [إِمَّا] قُبض النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ ابْن عشر سِنِين أَو اثْنَي عشر، عَلَى اخْتِلَاف فِيهِ. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» فَقَالَ: إِنَّه خبر مُنكر. كَذَلِك، وَفِي «الْحَاوِي» للماوردي: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أقطع الْعَبَّاس بن مرداس منزله، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطعه أَرضًا بحضرموت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَزَاد: «وَبعث مَعَه مُعَاوِيَة ليقطعها إِيَّاه» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيح أَيْضا، بعد قَوْله: «أقطعه أَرضًا» قَالَ: «فَأرْسل معي مُعَاوِيَة أَن أعْطهَا إِيَّاه - أَو قَالَ: أعلمها إِيَّاه - قَالَ: فَقَالَ (لي) مُعَاوِيَة: أردفني خَلفك. فَقلت: لَا تكن من أرداف الْمُلُوك. قَالَ: فَقَالَ: أَعْطِنِي نعليك. فَقلت: انتعل ظلّ النَّاقة. قَالَ: ولمَّا اسْتخْلف مُعَاوِيَة أَتَيْته، فأقعدني مَعَه عَلَى السرير، فذكَّرني الحَدِيث) . قَالَ سماك: قَالَ وَائِل: «وددت أَنِّي كنت حملتُه بَين يَدي» . وَرَوَاهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك: «وَأرْسل (مَعَه) مُعَاوِيَة أَن أعْطهَا إِيَّاه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «قَالَ لَهُ: يَا وَائِل، إِن الرمضاء قد أَصَابَت بَاطِن قدمي؛ فأردفني خَلفك. قلت: مَا أَضِنُّ عَنْك بِهَذِهِ النَّاقة، وَلَكِن لستَ من أرداف الْمُلُوك، وأكره أَن أُعيَّر بك. قَالَ: فألق إليَّ حذاءك أتوقى بِهِ من حر الشَّمْس. (قَالَ) : مَا أضنُّ عَنْك بِهَاتَيْنِ الجِلْدتين، وَلَكِن لستَ مِمَّن يلبس لِبَاس الْمُلُوك، وأكره أَن أعيَّر بك» وَفِي آخِره: «فلمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَة؛ أَمر أنْ يتَلَقَّى، وأَذِنَ لَهُ، فأجْلَسَهُ مَعَه عَلَى سَرِيره، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أَسَرِيري هَذَا أفضل أم ظهر نَاقَتك؟ قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، كنتُ حَدِيث عهدٍ بجاهلية وكُفر، وَكَانَت تِلْكَ سيرة الْجَاهِلِيَّة، وَقد أَتَانَا اللهُ الْيَوْم الْإِسْلَام» . فَائِدَة: حَضْرَمَوت - بِفَتْح الْحَاء، وَإِسْكَان الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَفتح الْمِيم -: اسْم لبلدٍ بِالْيمن. قَالَه أهلُ اللُّغَة، كَمَا نَقله عَنْهُم النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» قَالَ: وَهُوَ أَيْضا اسْم لقبيلةٍ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» : حَضرمَوْت أحد مخاليف الْيمن فِي أقصاها. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: اسْم بَلْدَة وقبيلة أَيْضا. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَهَذَا مُخَالف مَنْ قَالَ فِيهِ: مخلاف؛ فَإِن المخلاف كالرستاق والكَوْرة، اسْم لعدّة بِلَاد، وأمَّا الْقَبِيلَة: فَهِيَ حمير، وحضرموت بن قيس (قَالَ) وَيُشبه أَن تكون الْقَبِيلَة نزلت هَذَا الْموضع؛ فَسُمِّي الْموضع بهَا، وَله نَظَائِر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطع الزبير حضر فرسه، فَأَجْرَى فرسه حَتَّى قَامَ، ثمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ، فَقَالَ: أَعْطوهُ من حَيْثُ بلغ (السَّوْط) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن عُمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقطع الزبير حُضْر فرسه؛ فَأَجْرَى الْفرس حَتَّى قَامَ، ثمَّ رَمَى سَوْطه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أعْطُوهُ حَيْثُ بلغ السَّوْط» . وَعبد الله هَذَا فِيهِ لين، وَله شَاهد من حَدِيث هِشَام (عَن أَبِيه) عَن أَسمَاء قَالَت «كنتُ أنقل النَّوَى من أَرض الزبير الَّتِي أقطعه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى رَأْسِي، وَهِي عَلَى ثُلثي فَرسَخ» . أَخْرجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ أَبُو ضَمرَة عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أقطع الزبير أَرضًا من أَمْوَال بني النَّضِير» وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «المعجم الْكَبِير» للطبراني تَسْمِيَة الأَرْض السالفة فِي حَدِيث ابْن عمر «ثُوَيْر» وادَّعى صَاحب «التنقيب» أَن هَذَا الَّذِي أقطعه كَانَ أَرضًا بِخَيْبَر بهَا شجر ونخيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 فَائِدَة: «حُضْر فرسه» بحاء مُهْملَة مَضْمُومَة، ثمَّ ضاد مُعْجمَة سَاكِنة، ثمَّ رَاء مُهْملَة، وَهُوَ: العَدْوُ، أَقَامَ الْمصدر مقَام الِاسْم، وَمَعْنَاهُ: مَوضِع حضر فرسِهِ. وَقَوله: «قَامَ» أَي: وقف، أَي: من العِيّ، وَلم يَبْقَ بِهِ حراك. وَرَمَى سَوْطه ليُزاد فِي الإقطاع، وَقَالَ الْبَارِقي: إِنَّمَا رَمَاه ليَكُون عَلامَة عَلَى الْموضع الذى انْتَهَى إِلَيْهِ فرسه. قَالَ: وَقيل: أَنه رَمَى سَوطه بعد الْفرس ليقطعه زِيَادَة عَلَى حَضْر فرسِهِ وَيجْعَل منتهاه حَيْثُ وَقع (السَّوْط) . الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمى النقيع لإبل الصَّدَقَة، ونَعَم الْجِزْيَة، وخيل الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي أَوَاخِر بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام وَاضحا. الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا حِمى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الْبَاب الْمشَار إِلَيْهِ، فَرَاجعه من ثَمَّ. وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَابْن السكن فِي «صحاحه» أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قَامَ أحدكُم (من) مَجْلِسه فِي الْمَسْجِد فَهُوَ أَحَق بِهِ إِذا عَاد إِلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَهُوَ تبع فِيهِ إِمَامه؛ فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك فِي «نهايته» وَقَالَ: إِنَّه صَحَّ عَنهُ. وَكَذَا وَقع فِي أصل «الرَّوْضَة» أَنه حَدِيث صَحِيح كَمَا قَالَه الإِمَام، والْحَدِيث ثَابت بِدُونِ لفظ «الْمَسْجِد» فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قَامَ أحدكُم من مَجْلِسه ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَق بِهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من قَامَ من مَجْلِسه ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَق بِهِ» . وَوَقع فِي «الْمطلب» لِابْنِ الرّفْعَة عزوه إِلَى البُخَارِيّ أَيْضا، وَلَعَلَّه من طغيان الْقَلَم، وَقد شهد الْحميدِي وَعبد الْحق فِي جَمعهمَا لأحاديث الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّهُ من أَفْرَاد مُسلم، وَأَن البُخَارِيّ لم يخرِّجه. الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من سبق إِلَى مَا لم يسْبق إِلَيْهِ (مُسلم) فَهُوَ لَهُ» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ بعد، وَقد سلف بَيَانه فِي الْبَاب، فِي الحَدِيث الثَّامِن مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 الحَدِيث التَّاسِع عشر «أَن أَبيض بن حمال الْمَازِني استقطع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ملح مأرب، فَأَرَادَ أَن يقطعهُ - ويُرْوى: فأقطعه - فَقيل: إِنَّه كَالْمَاءِ الْعد. قَالَ: فَلَا إِذن» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إسنادٍ فَقَالَ: «سَأَلَ الأَبيضُ بْنُ حمال النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يقطعهُ ملح مأرب؛ فأقطعه إِيَّاه وأزاده ... » فَذكره بِمثلِهِ. وأسنده فِي «الْأُم» فَقَالَ: أَنا ابْن عُيَيْنَة، عَن معمر، عَن رجل من أهل مأرب، عَن أَبِيه: «أَن الْأَبْيَض بن حمال سَأَلَ النبىَّ (، فَأَرَادَ أَن يقطعهُ أَو قَالَ: أقطعه إِيَّاه ... » فَذكره بِمثلِهِ أَيْضا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَرَوَاهُ يَحْيَى بن آدم، عَن سُفْيَان، عَن معمر، عَن رجل من أهل الْيمن، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن معمر، عَن يَحْيَى بن قيس المأربي، عَن رجل، عَن أَبيض بن حمال، وَرَوَاهُ جمَاعَة: نعيم بن حَمَّاد وقتيبةُ بن سعيد وغيرُهما، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن قيس المأربي، عَن أَبِيه، عَن سمي بن قيس، عَن [شمير] عَن أَبيض بن حمال قَالَ: «قدمت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاستقطعت الْملح الَّذِي بمأرب، فَقَطعه لي، فَلَمَّا وليت قَالَ لَهُ رجل: أَتَدْرِي يَا رَسُول الله مَا قطعت لَهُ؟ ! إِنَّمَا قطعت لَهُ المَاء الْعد فَرجع عَنهُ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن قُتَيْبَة وَغَيره،، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِن بِزِيَادَة ثُمَامَة بن شرَاحِيل [بَين] يَحْيَى وسُمي بن قيس، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» كَذَلِك، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ طرقِ إِلَى أَبيض، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه مطوَّلاً، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب - وَفِي بعض نسخِه: حسن - وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم من الصَّحَابَة وَغَيرهم، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف، فَكل مَنْ دُون أَبيض مَجْهُول. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ وَقد أوضحت ذَلِك فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ تَجِد فِيهِ مَا يشفي العليل من ذكر طرقه، وَالْجَوَاب عَمَّن طعن فِيهِ وَضبط أَلْفَاظه وَغير ذَلِك. فَائِدَة: «أَبيض» : بِفَتْح الْألف، ثمَّ بَاء مُوَحدَة سَاكِنة، ثمَّ مثناة تَحت مَفْتُوحَة، ثمَّ ضاد مُعْجمَة، لَهُ (وفادة) . و «حَمَّال» بِفَتْح (الْحَاء) الْمُهْملَة، وَتَشْديد الْمِيم، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف، واجتنب مَا سواهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 ومأرب: بتَخْفِيف ثَانِيه وَقد يُسكَّن، نَاحيَة بِالْيمن. والعِدّ - بِكَسْر الْعين وَتَشْديد الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ -: الدَّائِم الَّذِي لَا انْقِطَاع لمادَّته، وجَمْعُه: أعداد. قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا يَنْقَطِع، وَلَا يحْتَاج إِلَى عمل. وَقَالَ الخليلي: العِدّ مجمع الماءَ. الحَدِيث الْعشْرُونَ «النَّاس شُرَكَاء فى ثَلَاثَة: فِي المَاء، والكلأ، وَالنَّار» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرافعيُّ فِي الْبَاب، وَهُوَ مَرْوِيّ من طرق، يحضرنا مِنْهَا ثَمَانِيَة: أَحدهَا: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث لَا يُمنَعن: المَاء، والكلأ، وَالنَّار» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن (يزِيد) - هُوَ الْقَارئ صَاحب نَافِع - ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ الضياءُ فِي «أَحْكَامه» : إسنادٌ جيد. ثَانِيهَا: (من) طَرِيق ابْن عَبَّاس (قَالَ) : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي ثَلَاث: المَاء، والكلأ، وَالنَّار، وثمنه حرَام» قَالَ أَبُو سعيد: يَعْنِي: المَاء الْجَارِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن عبد الله بن سعيد، ثَنَا (عبد الله بن خرَاش بن حَوْشَب الشَّيْبَانِيّ، عَن الْعَوام بن حَوْشَب، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس) مَرْفُوعا بِهِ. و (هَذَا طَرِيق ضَعِيف) عبد الله هَذَا هُوَ أَخُو شهَاب تَرَكُوهُ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. قلت: هُوَ مَعْرُوف بالرواية عَن الْعَوام هَذَا، لَهُ عَنهُ أَحَادِيث مَنَاكِير، قَالَ ابْن عدي: (عَامَّة) مَا يرويهِ غير مَحْفُوظ. وَأغْرب ابْن السكن فَأخْرج هَذَا الحَدِيث فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» . ثَالِثهَا: طَرِيق أبي خِدَاش (حبَان) بن زيد - بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا، حَكَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» - أَنه سمع رجلا من الْمُهَاجِرين من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «غزوتُ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثًا أسمعهُ يَقُول: الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي ثَلَاث: المَاء، والكلأ، وَالنَّار» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَسكت عَلَيْهِ، وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا، قَالَ عبد الْحق: لَا أعلم رَوَى عَن أبي خِدَاش إِلَّا حريز بن عُثْمَان، وَقد قيل: إِنَّه رجل مَجْهُول. قلت: وَفِي مَرَاسِيل (ابْن) أبي حَاتِم: سألتُ أبي عَن حديثٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن رجل من أهل الشَّام، عَن أبي عُثْمَان، عَن أبي خِدَاش قَالَ: «غزوتُ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فسمعتُه يَقُول: النَّاس شُرَكَاء فِي ثَلَاث: المَاء، والكلأ، وَالنَّار» فسمعتُ أبي يَقُول: هَذَا الرجل من أهل الشَّام، وَهُوَ عِنْدِي (بَقِيَّة) وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عِنْدِي حريز بن عُثْمَان، وَأَبُو خِدَاش: لم يدْرك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا يَحْكِي عَن رجلٍ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَذكره ابْن أبي حَاتِم (فِي علله) أَيْضا كَذَلِك، وَزَاد فِي آخِره: وَإِنَّمَا لم يسمه أَبُو إِسْحَاق لِأَنَّهُ كَانَ حيًّا إِلَى ذَلِك الْوَقْت. وَذكر هَذَا الحديثَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة أبي خِدَاش، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فى «تَجْرِيد الصَّحَابَة» : لَا تصح لَهُ صُحْبَة. رَابِعهَا: طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالتْ: «يَا رَسُول الله، مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يحل مَنعه؟ قَالَ: المَاء وَالْملح وَالنَّار. قَالَت: قلتُ: يَا رَسُول الله، هَذَا المَاء قد عَرفْنَاهُ، فَمَا بَال الْملح وَالنَّار؟ قَالَ: يَا حميراء، من أعْطى نَارا فِكأنما تصدَّق بِجَمِيعِ مَا أنضجت تِلْكَ النَّار، وَمن أعْطى ملحًا فَكَأَنَّمَا تصدق (مَا طيبت تِلْكَ) الْملح، وَمن سَقَى مُسلما شربة من مَاء حَيْثُ لَا يُوجد المَاء فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَفِي إِسْنَاده عَلّي بن زيد بن جدعَان، وَقد عرفت حالَهُ فِيمَا مَضَى (وقرنه مُسلم) بثابتٍ البُناني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 خَامِسهَا: طَرِيق سيار بن مَنْظُور - رجل من بني فَزَارَة - عَن أَبِيه، عَن امْرَأَة يُقَال لَهَا: بهيسة، عَن (أَبِيهَا) قَالَت: «اسْتَأْذن أبي عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَدخل بَينه وَبَين قَمِيصه، فَجعل يُقَبِّله ويلتزمه، ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله، مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يحل مَنعه؟ قَالَ: المَاء. قَالَ: يَا نبىَّ الله، مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يحل مَنعه؟ قَالَ: الْملح. قَالَ: يَا نَبِي الله، مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يحل مَنعه؟ قَالَ: أَن تفعل [الْخَيْر] خيرٌ لَك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاة والبيوع من «سنَنه» وَالنَّسَائِيّ فِي (الزِّينَة) وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَفِي آخِره: قَالَ: «فَانْتَهَى قَوْله إِلَى المَاء وَالْملح، فَكَانَ ذَلِك الرجل لَا يمْنَع شَيْئا وَإِن قل» . أعله عبدُ الْحق ببهيسة فَقَالَ: إِنَّهَا مَجْهُولَة. وصدَّقه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُمَا؛ فَإِنَّهَا صحابية، كَمَا شهد لَهَا بذلك أَبُو نُعيم وَابْن مَنْدَه وَابْن حبَان، فَلَا يضر عدمُ معرفتنا لَهَا (ثمَّ قَالَ عبد الْحق: وَكَذَلِكَ الَّذِي قبلهَا. قَالَ ابْن الْقطَّان: صدق، وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 [أَن] منظورًا لَا يعرف حَاله، وَكَذَا أَيْضا أَبوهَا. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ) ومنظورًا أَيْضا وَثَّقَهُ ابْن حبَان، ووالدها مذكورٌ فِي كتب الصَّحَابَة. سادسها: طَرِيق عبد الله بن سرجس قَالَ: «أتيتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فقلتُ: مَا الَّذِي لَا يحل مَنعه؟ قَالَ: الْملح. قلت: وماذا؟ قَالَ: المَاء وَالنَّار» . فِي إِسْنَاده الْمثنى بن (بكر) قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتابع عَلَى حَدِيثه. وَيَحْيَى بن سعيد الْعَطَّار: قَالَ ابْن عدي: هُوَ بَيِّن الضعْف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات. سابعها: طَرِيق أنس بن مَالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خصلتان لَا يحل منعهما: المَاء وَالنَّار» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث بديل بن ميسرَة الْعقيلِيّ عَنهُ، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن بديل إِلَّا الْحسن بن أبي جَعْفَر، تفرد بِهِ عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سألتُ أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد. ثامنها: طَرِيق ابْن عمر رَفعه: «الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي المَاء وَالْملح والكلأ وَالنَّار» . رَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب «أَسمَاء مَنْ رَوَى عَن مَالك» من حَدِيث عبد الحكم بن ميسرَة، ثَنَا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من طَرِيق (آخر) إِلَى ابْن عُمر، وَرَوَاهُ من حَدِيث يَحْيَى الْحمانِي عَن قيس بن الرّبيع، عَن زيد بن جُبَير، عَن ابْن عُمر مَرْفُوعا: «الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي (ثَلَاث) فِي النَّار وَالْمَاء والكلأ، وثمنه حرَام» . وَيَحْيَى هَذَا صَاحب الْمسند، وَهُوَ حَافظ، وَتكلم فِيهِ أَيْضا، وَقيس هَذَا صَدُوق (لَا) يُحتج بِهِ. فَائِدَة: المُرَاد بِالْمَاءِ: مَاء السَّمَاء وَمَاء الْعُيُون الَّتِي لَا مَالك لَهَا. قَالَه الْأَزْهَرِي، وَالْمرَاد بالكلأ: مرَاعِي الأَرْض الَّتِي لَا يملكهَا أحد، قَالَه أَيْضا، أمَّا الْكلأ النَّابِت فِي الْأَمْلَاك فَهِيَ لملاكها، و «الْكلأ» بِالْهَمْز العُشْب يَابسا كَانَ أَو رطبا؛ فَإِن يبس فَهُوَ حشيش، فَإِن كَانَ رطبا فَهُوَ الخلا - مَقْصُور - وَلَا يُمَدُّ الخلا وَلَا الْكلأ، وَالْمرَاد بالنَّار: الشّجر الَّذِي يحتطبه النَّاس فينتفعون بِهِ. قَالَه الْأَزْهَرِي أَيْضا، وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن: المُرَاد بالنَّار إِذا أضرمت فِي حطب غير مَمْلُوك، أمَّا [الَّتِي] أضرمت فِي حطب (مَمْلُوك فلمالك الْحَطب) صنع غَيره من تِلْكَ النَّار. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن عبَادَة بن الصَّامِت - رَضِي الله (عَنهُ) -: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي شرب النخيل أَن للأعلى أَن يسْقِي قبل الْأَسْفَل، ثمَّ يُرْسل إِلَى الْأَسْفَل، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 وَلَا يحبس المَاء فِي أرضه» . وَفِي رِوَايَة «أَنه يَجْعَل المَاء فِيهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» . وَفِي أُخْرَى: «يُرْسل المَاء حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْأَرَاضِي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة، عَن إِسْحَاق [بن يَحْيَى] بن الْوَلِيد، عَن عبَادَة بن الصَّامِت: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي شرب النّخل من السَّيْل أَن الْأَعْلَى فالأعلى يشرب قبل الْأَسْفَل، ويُترك المَاء إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرسل المَاء إِلَى الْأَسْفَل الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ (حَتَّى) تَنْقَضِي الحوائط أَو يفنى المَاء» . كَذَا وجدته فِي «سنَن ابْن مَاجَه» : إِسْحَاق بن [يَحْيَى] بن الْوَلِيد. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : إِن فِيهَا إِسْحَاق بن يَحْيَى بن الْوَلِيد (بن) عبَادَة بن الصَّامِت عَن عبَادَة وَلم يُدْرِكهُ. قلت: (وَكَذَا) وَقع فى «سنَن الْبَيْهَقِيّ» : إِسْحَاق بن يَحْيَى بن الْوَلِيد (بن) عبَادَة بن الصَّامِت (عَن عبَادَة) قَالَ: «إِن من قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَضَى فِي شرب النّخل من السَّيْل، أَن الْأَعْلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 فالأعلى يشرب قبل الْأَسْفَل، وَيتْرك فِيهِ (المَاء) إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل المَاء إِلَى الْأَسْفَل الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ [حَتَّى] تَنْقَضِي الحوائط» . ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْحَاق بن يَحْيَى عَن عبَادَة مُرْسل. وَتوقف ابْن عَسَاكِر فِي ذَلِك، فَقَالَ: أَظُنهُ لم يُدْرِكهُ. وَجزم بِعَدَمِ إِدْرَاكه الْمزي ثمَّ الذَّهَبِيّ، وَرَوَى عَنهُ مُوسَى بن عقبَة فَقَط، وَعَن التِّرْمِذِيّ أَنه جزم بِعَدَمِ إِدْرَاكه أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» : إِسْحَاق بن يَحْيَى ابْن أخي عبَادَة بن الصَّامِت، عَن عبَادَة، قَالَ ابْن عدي: عامَّة أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : إِسْحَاق بن يَحْيَى عَن (عمهم) عبَادَة. كَذَا قَالَ، وَقَالَ فِي «الْمُغنِي» : عَن عَمه عبَادَة، مُنكر الحَدِيث. وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَيْضا عبد الله بن أَحْمد فِي «مُسْند أَبِيه» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» مُتَّصِلا ومنقطعًا، أَخْرجَاهُ من حَدِيث إِسْحَاق بن يَحْيَى قَالَ: «إِن من قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره. وَأما ابْن حزم فادّعى جَهَالَة إِسْحَاق هَذَا فِي كتاب الْبيُوع فِي (ذكر) حَدِيث «لَا ضَرَر وَلَا ضرار» وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فقد علمت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 حَاله، وَعزا إِلَى ابْن حبَان أَنه ذكره فِي «ثقاته» فَهُوَ من الْمُخْتَلف فيهم إِذا. تَنْبِيه: رِوَايَة الرَّافِعِيّ السالفة: «حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْأَرَاضِي» هُوَ بِمَعْنى مَا ذَكرْنَاهُ، وَإِن لم يُعثر عَلَى هَذَا اللَّفْظ. فَائِدَة: الشّرْب بِالْكَسْرِ: (النَّصِيب) . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي السَّيْل أَن يُمسك حَتَّى يبلغ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرسل الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ، وَزَاد بعد قَوْله «فِي السَّيْل» : «المهزور» وَقَالَ: «حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ» وَقَالَ «عَلَى (الْأَسْفَل)) بدل «إِلَى الْأَسْفَل» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَضَى فِي سيل مهزور أَن يُمسك حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل المَاء» . وهما من رِوَايَة الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث المَخْزُومِي الْمدنِي، عَن أَبِيه، عَن عَمْرو. الْمُغيرَة قَالَ أَبُو حَاتِم فِي حقِّه: مدنِي لَا بَأْس بِهِ. ووالده عبد الرَّحْمَن قَالَ أَحْمد: مَتْرُوك. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 بِالْقَوِيّ. وَنقل ابْن الْقطَّان عَن ابْن معِين أَنه صالحٌ، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَقد يلتبس هَذَا بالمغيرة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي، شيخ مَالك، وَكَذَلِكَ أَبوهُ بِأَبِيهِ وأنسابهما، وكنية هَذَا الثَّانِي: أَبُو مُحَمَّد، وكنية الأول: أَبُو الْحَارِث، وكنية الْمُغيرَة - شيخ مَالك -: أَبُو هَاشم، وَالْأول لَا أعرف لَهُ كنية. قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق ثَعْلَبَة بن أبي مَالك، وَعَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أمَّا حَدِيث عَائِشَة؛ فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَضَى فِي سيل مهزور ومذنب أَن الْأَعْلَى يُرْسل إِلَى الْأَسْفَل، وَيحبس قدر (كعبين) » . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: اخْتلف عَن مَالك فِي وَقفه عَلَى عَائِشَة وَرَفعه، وَالْمَحْفُوظ عَنهُ الأول. وَأما حَدِيث ثَعْلَبَة؛ فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سيل مهزورٍ، الْأَعْلَى فَوق الْأَسْفَل، يسْقِي الْأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ» فِي إِسْنَاده زَكَرِيَّا بن مَنْظُور، ليَّنَه أَحْمد مرّة، وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ؛ فوثقه مرّة وَضَعفه أُخْرَى، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وثعلبة هَذَا، إِمَام بني قُرَيْظَة، وُلد فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَله رُؤْيَة، وَطَالَ عمره، رَوَى عَنهُ ابْنه أَبُو مَالك، وصفوانُ بن سليم، لَهُ حديثان مرسلان، ووالده أدْرك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأسلم، واسْمه: عبد الله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 قلت: وَرَوَاهُ بَعضهم عَن مَالك بن أبي ثَعْلَبَة، وَهُوَ غلط؛ فَإِنَّهُ تَابِعِيّ، فَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: مَالك بن أبي ثَعْلَبَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي سيل مهزور، أَن المَاء يُحبس إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرسِل الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَل» . وَرَوَى عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ جَعْفَر: وردّه يَحْيَى بن يُونُس. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث مُرْسل، وَمَالك بن ثَعْلَبَة لَا صُحْبَة لَهُ بِيَقِين؛ لِأَن ابْن إِسْحَاق لم يلق أحدا من الصَّحَابَة، إِنَّمَا رِوَايَته عَن التَّابِعين فَمن دونهم. وَذكره عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن أبي حَازِم الْقرظِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي سيل مهزور أَن يُحبس فِي كل حَائِط حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل، وَغَيره من السُّيُول كَذَلِك» . وَلم يذكر فِي (أَحْكَامه) غَيره، وَهُوَ ضَعِيف لَا يَصح، كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان بِجَهَالَة أبي حَازِم، قَالَ: وَأَبوهُ وجدُّه أَحْرَى بذلك. وَرَوَاهُ ابْن زبالة بلفظين: أَحدهمَا: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سيل مهزور الْأَعْلَى قبل الْأَسْفَل، يسْقِي الْأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل إِلَى (من) أَسْفَل مِنْهُ» . الثَّانِي: «فَإِذا استضعف أَصله أمسك الأول» . (وَرَوَى يَحْيَى بن أَدَم فِي «كتاب الْخراج» من حَدِيث جَعْفَر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: «قَضَى رَسُول (فِي سيل مهزور أَن لأهل النّخل إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَلأَهل الزَّرْع إِلَى الشراكين، ثمَّ يرسلوا المَاء إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ» ) . فَائِدَة: مهزور - بِتَقْدِيم الزَّاي عَلَى الرَّاء -: وادٍ بَين بني قُرَيْظَة والحجاز، وبتقديم الرَّاء عَلَى الزَّاي: مَوضِع سوق بِالْمَدِينَةِ تصدَّق بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْمُسلمين. ومذنب: اسْم مَوضِع بِالْمَدِينَةِ. قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» وَعبارَة الْحَازِمِي فِي «أَسمَاء الْأَمَاكِن» : «مهزور» الْوَاقِع فِي هَذَا الحَدِيث بِتَقْدِيم الزَّاي عَلَى الرَّاء، وادٍ بِالْمَدِينَةِ. وَكَذَا قَالَ البكريُّ فِي «مُعْجَمه» ثمَّ قَالَ: وَقيل: «مهزور» مَوضِع سوق الْمَدِينَة. وَعبارَة ابْن إِسْحَاق: هُوَ مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة. وَوَقع فِي رِوَايَة «أبي دَاوُد» : «السَّيْل المهزور» وَالْمَشْهُور: «فِي سيل مهزور» ، كَمَا وَقع فِي رِوَايَة ثَعْلَبَة وَعَائِشَة. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للزبير حِين خاصمه الْأنْصَارِيّ فِي شراج الْحرَّة الَّتِي يسقون بهَا النّخل: اسْقِ يَا زبير، ثمَّ أرسل المَاء إِلَى جَارك. فَغَضب الْأنْصَارِيّ وَقَالَ أَن كَانَ ابْن عَمَّتك؟ فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ قَالَ للزبير: اسْقِ يَا زبير، واحبس المَاء حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر، ثمَّ أرْسلهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عبد الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 بن الزبير: «أَن رجلا من الْأَنْصَار خَاصم الزبير عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي شراج الْحرَّة الَّتِي يسقون بهَا النّخل، فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: سرِّح المَاء يمر. فَأَبَى عَلَيْهِ؛ فاختصما عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للزبير: اسْقِ يَا زبير، ثمَّ أرسل المَاء إِلَى جَارك. فَغَضب الْأنْصَارِيّ، فَقَالَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَن كَانَ ابْن عَمَّتك؟ فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ قَالَ: يَا زبير: اسْقِ، ثمَّ احْبِسْ المَاء حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر. فَقَالَ الزبير: وَالله؛ إِنِّي لأحسبُ هَذِه الْآيَة أُنزلت فِي ذَلِك (فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ» . وَفِي بعض طُرق البُخَارِيّ: «وَالله إِن هَذِه الْآيَة أنزلت فِي ذَلِك: (فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ) » . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «اسْقِ يَا زبير - فَأمره بِالْمَعْرُوفِ - ثمَّ أرسل إِلَى جَارك» وَقَالَ فِيهِ بعد «الْجدر» : «واستوعى لَهُ حقَّه» . قَالَ البُخَارِيّ: فاستوعى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ للزبير حقَّه فِي صَرِيح الحكم حِين أحفظه الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَمْر (لَهُ) فِيهِ سَعَة. وَقَالَ ابْن شهَاب: فقدَّرت الْأَنْصَار وَالنَّاس قَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اسْقِ، ثمَّ احْبسِ المَاء إِلَى الْجدر» وَكَانَ ذَلِك إِلَى الْكَعْبَيْنِ. ذكره فِي كتاب الشّرْب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 فَائِدَة: الشراج: بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء، جمع «شَرَجة» بِفَتْح الشين وَالرَّاء، وَهِي: مسيل المَاء، وَقَالَ أَبُو عبيد: الشرج نهر صَغِير، والحرة: أَرض يركبهَا حِجَارَة سود، وَذَلِكَ لشدَّة حرهَا ووهج الشَّمْس فِيهَا. وَقَوله: «أَن كَانَ ابْن عَمَّتك» بِفَتْح الْهمزَة من «أَن» وَمَعْنَاهُ: من أجل أَنه ابْن عَمَّتك؛ لِأَن أُمَّ الزبير صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. والجدر - بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا، وبالدال الْمُهْملَة -: الْحَائِط، وَقيل: أصل الْجِدَار، وَقيل: أصل الشّجر، وَقيل: المُسَنَّاةُ، وَقيل: جُدور المشارب، الَّتِي يجْتَمع فِيهَا المَاء فِي أصُول النّخل، قَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا الرِّوَايَة: «الْجدر» والمتقنون من أهل الرِّوَايَة يَقُولُونَهُ - يَعْنِي: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة - وَهُوَ مبلغ تَمام الشّرْب، وَمِنْه جدر الْحساب. وَقَوله تَعَالَى: (فِيمَا شجر بَينهم) أَي: فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ. وَقَوله: «استوعى» أَي: اسْتَوْفَى واستكمل. وَأبْعد من قَالَ: أمره ثَانِيًا أَن يَسْتَوْفِي أَكثر من حَقه (عُقُوبَة للْأَنْصَارِيِّ. حَكَاهُ ابْن الصّباغ، وَالْأَشْبَه أَنه أمره أَن يَسْتَوْفِي حَقه ويستقضي فِيهِ تغلظًا عَلَى الْأنْصَارِيّ بعد أَن سهل عَلَيْهِ) . فَائِدَة أُخْرَى: اخْتلف فِي اسْم الْأنْصَارِيّ الْمَذْكُور عَلَى أَقْوَال، أَحدهَا: أَنه حَاطِب بن أبي بلتعة، ثَانِيهَا: ثَعْلَبَة بن حَاطِب، ثَالِثهَا: حميد، حكاهن ابْنُ باطيش، وَحَكَى الأول وَالثَّانِي ابْن (معن) فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 «تنقيبه» وَضعف النَّوَوِيّ الأول فِي «تهذيبه» وَقَالَ: إِنَّه لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أنصاريًّا، وَقد ثَبت فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» أَن هَذَا الْأنْصَارِيّ كَانَ بدريًّا (وَحَكَى ابْن بشكوال فِي «غوامضه» قولا أَنه ثَابت بن قيس مَعَ حَاطِب السالف، وغريب أَنه ذُو الْخوَيْصِرَة) . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من منع فضل المَاء ليمنع بِهِ الْكلأ، مَنعه الله فضل رَحمته يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَأوردهُ الشَّافِعِي كَذَلِك فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد وَلَا ذكر راو، وأسنده فِي «الْأُم» فَقَالَ: أَنا مَالك عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، لكنه قَالَ: «فضول المَاء» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» ذكر أَن الْمُزنِيّ رَوَاهُ عَن الشَّافِعِي بالسند الْمَذْكُور، وَلَكِن بِلَفْظ: «لَا يمْنَع فضل المَاء ليمنع بِهِ الْكلأ» . قَالَ: أَخْرجَاهُ من حَدِيث مَالك، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَفِي لفظٍ آخر لَهما: «لَا تمنعوا فضل المَاء، لتمنعوا بِهِ الْكلأ» . وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: «فضل الْكلأ» وَلابْن حبَان «لَا تمنعوا فضل المَاء، وَلَا تمنعوا الْكلأ فيهزل المَال ويجوع الْعِيَال» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ - يَعْنِي: «لَا يمْنَع فضل المَاء ليمنع بِهِ فضل الْكلأ» - وَكَذَا رَوَاهُ الزَّعْفَرَانِي فِي الْقَدِيم عَن الشَّافِعِي عَن مَالك: «لَا يمْنَع فضل المَاء (ليمنع بِهِ الْكلأ» وَأَخْطَأ فِيهِ الْكَاتِب فِي كتاب إحْيَاء الْموَات فَقَالَ: «من فضول المَاء ... » ) إِلَى آخِره. قَالَ: وَهَذَا (الحَدِيث) مِمَّا لم يقْرَأ عَلَى الشَّافِعِي، وَلَو قرئَ عَلَيْهِ لغيره - إِن شَاءَ الله - ثمَّ حمله الرّبيع عَن الْكتاب عَلَى الْوَهم، وَهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ فِي حَدِيث مَالك؛ إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا، وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة، وَمن وَجه آخر عَن الْحسن عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، ويُشبه أَن يكون الشَّافِعِي ذكره بِبَعْض هَذِه الْأَسَانِيد، فَأدْخل الكتَّاب حَدِيثا فِي حَدِيث، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر - واللَّهُ أعلم - وَمَعْنَاهُ مَوْجُود فِي حَدِيث صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة ... فَذكر حَدِيث «الصَّحِيحَيْنِ» عَنهُ مَرْفُوعا: «ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله ... » الحَدِيث بطُوله. قلت: حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب، أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا لَيْث، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من منع فضل مَائه أَو فضل كلئه، مَنعه الله - عزَّ وَجل - فَضله يَوْم الْقِيَامَة» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث الْأَعْمَش عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 عَمْرو بِهِ، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن الْأَعْمَش إِلَّا جرير، وَلَا عَن جرير إِلَّا مُحَمَّد بن الْحسن، تفرد بِهِ عبيدُ الله بن جرير، وَلَا رَوَى [عَن] الْأَعْمَش حَدِيثا غير هَذَا عَن عَمرو بن شُعَيْب، وَلَا (كتبناه) عَن أَحْمد بن عبيد الله بن حريز بن جبلة. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث بشر بن عون، عَن بكار بن تَمِيم، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة مَرْفُوعا: «لَا تمنعوا عباد الله فضل المَاء، وَلَا كلأ وَلَا (نَارا) فَإِن الله جعلهَا مَتَاعا للمقوين وَقُوَّة للمستضعفين» . و «بشر» هَذَا لَهُ نُسْخَة بَاطِلَة، عَن بكار بن تَمِيم، عَن مَكْحُول، وبكار لَا يُعرف، وَفِي سَماع مَكْحُول من وَاثِلَة خلاف. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع فضل المَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ «مُسلم» بِهَذَا اللَّفْظ من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة؛ لَكِن من حَدِيث إِيَاس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 بن عبد، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَذكره صَاحب «الاقتراح» وَقَالَ: إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. هَذَا آخِرُ الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب - بِفضل الله وقوَّته. وَذكر فِيهِ من الْآثَار: «أنَّ عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (اسْتعْمل عَلَى الْحمى) مولَى يُقَال لَهُ: هُنَي، وَقَالَ: يَا هُنَي، اضمم جناحك للْمُسلمين، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم؛ فَإِنَّهَا مجابة، وَأدْخل ربَّ الصُّرَيْمة والغُنَيْمة، وَإِيَّاك ونَعَم ابْن عَوْف (ونَعَم ابْن عَفَّان [فَإِنَّهُمَا] إِن تهْلك ماشيتهما يرجعان إِلَى نخل) وَزرع، وَإِن (رَبَّ) الغُنَيْمة والصُّرَيْمة (إِن تهْلك مَاشِيَته) يأتيني بعياله فَيَقُول: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. لَا أَبَا لَك، لَا أَبَا لَك، فالماء والكلأ أيسرُ عليَّ من الذَّهَب وَالْوَرق، وَايْم الله، لَوْلَا المَال الَّذِي أجمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله مَا حميت عَلَى الْمُسلمين من بِلَادهمْ شبْرًا» . هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن أسلم مولَى عمر «أَن عمر اسْتعْمل مولَى لَهُ يُدعَى هُنَيًّا عَلَى الْحمى ... » فَذكره كَذَلِك، إِلَّا أَنه قَالَ بعد «وَايْم الله» : «إِنَّهُم لَيرَوْنَ أَنِّي قد ظلمتهم؛ إِنَّهَا لبلادهم؛ قَاتلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأَسْلمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَام، وَالَّذِي نَفسِي بيدهِ لَوْلَا المَال الَّذِي أحمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله مَا حميت عَلَيْهِم من بِلَادهمْ شبْرًا» . وَقَالَ فِي أوَّلِهِ «يأتيني بِبَيِّنَة» بدل: «عِيَاله» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد (عَن) زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: «أَن عُمر اسْتعْمل مولَى لَهُ - يُقَال لَهُ: هُنَي - عَلَى الْحمى، فَقَالَ لَهُ: يَا هُنَي، ضُم جناحك للنَّاس، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم؛ فَإِن دَعْوَة الْمَظْلُوم مستجابة» . وَالْبَاقِي (كَرِوَايَة) الرافعيِّ، إِلَّا أَنه قَالَ: «وَإِن ربَّ الْغَنِيمَة يأتيني بعياله» بدل مَا ذكره الرافعيُّ، وَقَالَ: «يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ» مرَّتَيْنِ، وَقَالَ: «أَهْون عليَّ من الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم» بدل مَا ذكره الرافعيُّ، وَقَالَ: «وَايْم الله؛ لعَلي ذَلِك أَنهم لَيرَوْنَ أَنى قد ظلمتهم إِنَّهَا لبلادهم، وَلَوْلَا المَال ... » إِلَى آخِره كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ. فَائِدَة: هُنَيّ بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء، كَذَا ضَبطه ابْن مَاكُولَا وَغَيره، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : ورأيتُ (بِخَط من لَا تَحْقِيق لَهُ) : أَنه يُقَال أَيْضا بِالْهَمْز، قَالَ: وَهَذَا خطأ ظَاهر. وَمَعْنى «اضْمُمْ» : أَلِنْ. و «الصريمة» تَصْغِير الصرمة، وَهِي الْقطعَة من الْإِبِل نَحْو الثَّلَاثِينَ. و «الْغَنِيمَة» : تَصْغِير الْغنم، مَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى الْمِائَة من الشَّاة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى مَا فِي هَذِه الْأَلْفَاظ فِي «تخريجي لأحاديث المهذَّب» ، فَرَاجعه مِنْهُ. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَيْضا: أَن الْجُلُوس للْبيع وَالشِّرَاء والحرفة مَمْنُوع مِنْهُ فِي الْمَسْجِد، إِذْ حُرْمَة الْمَسْجِد تأبى اتخاذَه حانوتًا، وَقد رُوي عَن عُثْمَان: «أَنه رَأَى خَيَّاطًا فِي الْمَسْجِد [يخيط] فَأخْرجهُ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث عَلّي بن أبي طَالب قَالَ: «صليت الْعَصْر مَعَ عُثْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَرَأَى خيَّاطًا فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فَأمر بِإِخْرَاجِهِ، فَقيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه يكنس الْمَسْجِد ويغلق الْأَبْوَاب ويرش أَحْيَانًا. فَقَالَ عُثْمَان: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ» . ذكره فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مُجيب الْكُوفِي، قَالَ يَحْيَى: هُوَ كذَّاب، عَدو الله. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مَجْهُول. وذَكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» وَنقل مقَالَة يَحْيَى فِي مُحَمَّد بن مُجيب، وَقَالَ ابْن عدي ثمَّ عبد الْحق: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف. قلت: و «مُحَمَّد بن مُجيب» هَذَا قد يشْتَبه بِمُحَمد بن محبب البصريِّ الدلاَّل، وَذَلِكَ ثِقَة، وَقد غلط ابْن الْجَوْزِيّ فِي إِيرَاده فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 الضُّعَفَاء، كَمَا نبَّه عَلَيْهِ فِي «الْمِيزَان» وَلَهُم ثَالِث اسْمه: مُحَمَّد بن محبب المصِّيصِي، ذكره ابْن أبي حَاتِم وبيَّض لَهُ، وَهُوَ مَجْهُول. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 كتاب الْوَقْف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 كتاب الْوَقْف ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فسبعة أَحدهَا «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ملك مائَة سهم من خَيْبَر اشْتَرَاهَا، فلمَّا استجمعها قَالَ: (يَا) رَسُول الله، أصبتُ مَالا لم أصب مثله قطّ، وَقد أردْت أَن أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله - تَعَالَى - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حَبِّس الأَصْل، وسَبِّل الثَّمَرَة» . ويُرْوى: «فَجَعلهَا عمر صَدَقَة لَا تبَاع، وَلَا تورث، وَلَا توهب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن عبد الله بن عمر بن حَفْص، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَن عمر ملك مائَة (سهم) من خَيْبَر اشْتَرَاهَا، فَأَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت مَالا لم أصب مثله قطّ، وَقد أردْت أَن أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - فَقَالَ: حَبِّس الأَصْل، وسَبِّل الثَّمَرَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة) من جِهَته، ثمَّ رَوَى مِنْ جِهَته أَيْضا عَن عُمر بن حبيب القَاضِي، عَن ابْن عون، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر: «أَن عمر قَالَ: يَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 رَسُول الله، إِنِّي أصبت من خَيْبَر مَالا لم أصب مَالا (قطّ) أعجب إليَّ أَو أعظم (عِنْدِي) مِنْهُ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن شِئْت حبست أَصله، وسَبَّلت ثمره. فَتصدق بِهِ عمر» (ثمَّ حَكَى صدقته بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: عَن رجل عَن ابْن عون قَالَ: «فَتصدق بهَا عمر) أَنه لَا يُباع أَصْلهَا، وَلَا يُوهب، وَلَا يُورث، وَيصدق بهَا فِي الْفُقَرَاء، وَفِي القُربى، (وَفِي الرّقاب) وَفِي سَبِيل الله، وَابْن السَّبِيل والضيف، لَا جنَاح عَلَى من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَو يُطعم صديقا غير مُتَمَوّل فِيهِ» قَالَ ابْن عون: فَحدثت بِهِ ابْن سِيرِين فَقَالَ: «غير متأثل مَالا» . وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عون، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «أصَاب عمر أَرضًا بِخَيْبَر، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يستأمره فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبتُ أَرضًا بِخَيْبَر لم أصب مَالا قَطّ هُوَ أنفس عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرنِي بِهِ؟ فَقَالَ: إِن شِئْت حبست أَصْلهَا وتصدقت بهَا. قَالَ: فَتصدق بهَا عمر (غير) أَنه لَا يُباع أَصْلهَا، وَلَا يُبتاع وَلَا يُورث وَلَا يُوهب، فِي الْفُقَرَاء، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرّقاب، وَفِي سَبِيل الله، وَابْن السَّبِيل، والضيف، لَا جنَاح عَلَى من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَو يُطعم صديقا غير مُتَمَوّل فِيهِ» . وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: «غير متأثل مَالا» قَالَ (ابْن) عون: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 وأنبأني من قَرَأَ هَذَا الْكتاب أَن فِيهِ: «غير متأثلٍ مَالا» . هَذَا كُله سِيَاق مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أصبت أَرضًا لم أصب مَالا أحب إِلَيّ وَلَا أنفس عِنْدِي مِنْهَا» وللبخاري: «فَتصدق بِهِ عمر، أَنه لَا يُبَاع أَصْلهَا، وَلَا يُوهب وَلَا يُورث، فِي الْفُقَرَاء والقربى ... » إِلَى آخِره. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: تصدق بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث، وَلَكِن ينْفق ثمره. فَتصدق بِهِ عمر ... » الحَدِيث، وَفِي هَذِه الرِّوَايَة: «أَن المَال يُقَال لَهُ: ثمغ، وَكَانَ نخلا» . وللنسائي: «حبس أَصْلهَا، وسبل ثَمَرَتهَا» وَله: «كَانَ لي مائَة رَأس، فاشتريت بهَا مائَة سهم بِخَيْبَر من أَهلهَا، وَإِنِّي قد أردْت أَن أَتَقَرَّب بهَا لله - عَزَّ وَجَلَّ ... » وَذكر الحَدِيث. وَذكر الرَّافِعِيّ بعد هَذَا: أَن هَذِه الْمِائَة سهم كَانَت مشاعة. وَلم أر فِي الحَدِيث تعرُّضًا لذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ ترْجم عَلَيْهِ بَاب وقف الْمشَاع. الحَدِيث الثانى عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاثَة: صَدَقَة جَارِيَة، وَعلم ينْتَفع بِهِ، وَولد صَالح يَدْعُو لَهُ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا مَاتَ (الْإِنْسَان) انْقَطع عَنهُ عمله إِلَّا من ثَلَاث: إِلَّا من صَدَقَة جَارِيَة، أَو علم ينْتَفع بِهِ، أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ» وللنسائي وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث زيد بن أسلم، عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خير مَا يخلف الرجل من بعده ثَلَاث: ولد صَالح يَدْعُو لَهُ، وَصدقَة تجْرِي يبلغهُ أجرهَا، وَعمل يعْمل بِهِ من بعده» وَلابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا - بِإِسْنَاد حسن أَكثر رِجَاله رجال الصَّحِيح - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن مِمَّا يلْحق الْمُؤمن من عمله (وحسناته) بعد مَوته، علما ينشره [وَولدا صَالحا] يتْركهُ، ومصحفًا وَرثهُ، أَو مَسْجِدا بناه، أَو بَيْتا لِابْنِ السَّبِيل بناه، أَو نَهرا أجراه، أَو صَدَقَة أخرجهَا (من) مَاله فِي صِحَّته وحياته تلْحقهُ بعد مَوته» . وَرَوَاهُ الْبَزَّار بِلَفْظ: «سَبْعَة يجْرِي عَلَى العَبْد أجرهن بعد مَوته فِي بره: من علمَّ علما، أَو أكرَى نَهرا، أَو حفر بِئْرا، أَو غرس نخلا، أَو بنى مَسْجِدا، أَو ورث مُصحفا، أَو ترك ولدا يسْتَغْفر لَهُ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 مَعْنَى «أكرَى نَهرا» : حفره، وَذكره فِي «الصحَّاح» بِحَذْف الْألف، وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي فعلت وأفعلت: إِنَّه بإثباتها: الْإِجَارَة، وبحذفها: الْحفر. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وأمَّا خَالِد فَإِنَّهُ قد احْتبسَ أدراعه وأعتده فِي سَبِيل الله» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عمر عَلَى الصَّدَقَة، فَقيل: منع ابْن جميل وخَالِد بن الْوَلِيد وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا ينقم ابْن جميل إِلَّا أَنه كَانَ فَقِيرا فأغناه الله، وَأما خَالِد فَإِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا؛ فَإِنَّهُ قد احْتبسَ أدراعه وأعتاده فِي سَبِيل الله، وَأما الْعَبَّاس فَهِيَ عليَّ وَمثلهَا مَعهَا. ثمَّ قَالَ: يَا عمر (أما) شَعرت أَن عَم الرجل صنو أَبِيه؟ !» . وَرِوَايَة البُخَارِيّ: «أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بِصَدقَة) فَقيل: منع ابْن جميل ... » وَذكر الحَدِيث وَقَالَ: «أدراعه وأعتده فِي سَبِيل الله» وَفِيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 « (وَأما الْعَبَّاس بن) عبد الْمطلب عَمُّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَهِيَ (عَلَيْهِ) صَدَقَة وَمثلهَا مَعهَا» . فَائِدَة: أعتده: رُوي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالمثناة فَوق، كَمَا أوضحته فِي «شرح الْعُمْدَة» بِزِيَادَة فَوَائِد الحَدِيث الرَّابِع عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه وقَّف بِئْر رومة، وَقَالَ: دلوي فِيهَا كدِلاءِ الْمُسلمين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، ذكره البُخَارِيّ فِي موضِعين من «صَحِيحه» بِغَيْر إسنادٍ: أَحدهمَا: فِي بَاب من رَأَى صَدَقَة المَاء جَائِزَة، وَلَفظه فِيهِ: قَالَ عُثْمَان: قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من يَشْتَرِي بِئْر رومة، فَيكون دلوه فِيهَا كدلاء الْمُسلمين؟ فاشتراها عُثْمَان» . ثَانِيهمَا: فِي أثْنَاء الْوَقْف، وَلَفظه فِيهِ: عَن عبد الرَّحْمَن: «أَن عُثْمَان حِين حوصر أشرف عَلَيْهِم فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله وَلَا أنْشد إِلَّا أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (ألستم) تعلمُونَ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: من حفر بِئْر رومة فَلهُ الْجنَّة. فحفرتها» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَنهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَدِمَ الْمَدِينَة وَلَيْسَ بهَا مَاء يُستعذب غير بِئْر رومة، فَقَالَ: من يَشْتَرِي بِئْر رومة، فَيجْعَل فِيهَا دلوه مَعَ دلاء الْمُسلمين، بِخَير لَهُ بهَا فِي الْجنَّة؟ فاشتريتها من صلب مَالِي» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. فَائِدَة: بِئْر رومة - بِضَم الرَّاء الثَّانِيَة - كَانَت ركية بِالْمَدِينَةِ ليهودي يُقَال لَهُ: رومة. قَالَ الْبكْرِيّ فِي «أماكنه» وَقَالَ صَاحب «المستعذب» : ليهودي يَبِيع للْمُسلمين ماءها، يُقَال: إِنَّه أسلم. حَكَاهُ ابْن مَنْدَه، قَالَ: وَهُوَ رُومة الْغِفَارِيّ، فاشتراها عُثْمَان، وَفِي مِقْدَار مَا اشْتَرَاهَا بِهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: (أَحدهَا) : أَنه عشرُون ألفا؛ أسْندهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه» وَقَالَهُ الْبكْرِيّ فِي «أماكنه» وأسنده أَيْضا أَبُو نعيم، وَأَنه اشْتَرَى النّصْف الأول بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم، وَالْآخر بسبعمائة. ثَانِيهَا: أَنه خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم. قَالَه الْحَازِمِي فِي «مؤتلفه» قَالَ: «وَكَانَ يَبِيع مِنْهَا الْقرْيَة بِالْمدِّ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: بعنيها بِعَين فِي الْجنَّة. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ لعيالى غَيرهَا؛ لَا أَسْتَطِيع ذَلِك. فَبلغ ذَلِك عُثْمَان فاشتراها بذلك» وَأخرجه كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» سَوَاء، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: «ثمَّ أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَتجْعَلُ لي مثل الَّذِي جعلت لَهُ، عينا فِي الْجنَّة إِن اشتريتُها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: قد اشْتَرَيْتهَا وجعلتها للْمُسلمين» . ثَالِثهَا: أَنه اشْتَرَى النّصْف الأول بِمِائَة بكرَة، وَالْبَاقِي بِشَيْء يسير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 أسْندهُ ابْن النجار فِي كِتَابه «الدرة الثمينة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة» من حَدِيث الزبير بن بكار، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن إِسْحَاق بن عِيسَى، عَن مُوسَى بن طَلْحَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نعم الحفيرة حفيرة المري - يَعْنِي: رُومة - فلمّا سمع بذلك عثمانُ ابْتَاعَ نصفهَا بِمِائَة بكرَة، وتصدَّق بهَا، فَجعل النَّاس يستقون مِنْهَا، فلمّا رَأَى صَاحبهَا أَن قد امْتنع مِنْهُ مَا كَانَ يُصِيب عَلَيْهَا، بَاعَ من عُثْمَان النّصْف الْبَاقِي بِشَيْء يسير، فَتصدق بهَا كلهَا» . رَابِعهَا: أَنه اشْتَرَاهُ بأربعمائة دِينَار. قَالَه ابْن سعد، حَكَاهُ صاحبُ «التنقيب» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سبق بَيَانه فِي التَّيَمُّم، فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث السَّادِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعمر: حَبِّس الأَصْل، وسَبِّل الثَّمَرَة» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أوَّلَ الْبَاب. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْحسن بن عَلّي: إِن ابْني هَذَا سيد» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي أثْنَاء حديثٍ طويلٍ يتَضَمَّن الصُّلْح بَين (الْحسن بن) عليّ وَمُعَاوِيَة، من حَدِيث أَبَى بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْمِنْبَر، وَالْحسن بن عَلّي إِلَى جنبه، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاس مرّة وَعَلِيهِ أُخْرَى، وَيَقُول: إِن ابْني هَذَا سيدٌ، وَلَعَلَّ الله أَن يُصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وأمّا آثاره فَأَرْبَعَة: (أَحدهَا) : قَالَ الرَّافِعِيّ: اشْتهر اتِّفَاق الصَّحَابَة عَلَى الْوَقْف قولا وفعلاً. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد علمت هُنَا وقف عمر، ووقف عُثْمَان، وستعلم وقف فَاطِمَة، وَفِي «الْبَيْهَقِيّ» عَن عَلّي: «أَنه وقف أَرضًا بينبع» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحبس ابْن عمر دَاره، وَكَذَا زيد بن ثَابت. ثمَّ رَوَى عَن الصّديق وَالزبير وَسعد وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَحَكِيم بن حزَام وَأنس، أَنهم أَوْقَفُوا. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن أبي طَلْحَة: «أَنه أوقف بيرحاء» . قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: وَلَقَد بَلغنِي أَن أَكثر من ثَمَانِينَ رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْأَنْصَار تصدَّقوا صدقَات مُحرمَات موقوفات. ثَانِيهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: الأَصْل أَن شُرُوط الْوَاقِف مرعية، مَا لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 يكن فِيهَا مَا يُنافي الْوَقْف ويناقضه، وَعَلِيهِ جرت أوقاف الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم «وقف عمر وَشرط: أَن لَا جنَاح عَلَى من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَأَن تَلِيهَا حَفْصَة فِي حَيَاتهَا، فَإِذا مَاتَت فذو الرَّأْي من أَهلهَا» . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بإسنادٍ صَحِيح، من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد عَن صَدَقَة مطولا، وَلَفظه: «تليه حَفْصَة مَا عاشت، ثمَّ يَلِيهِ [ذُو] الرَّأْي من أَهلهَا، أنْ لَا يُبَاع وَلَا يُشْتَرَى، يُنْفِقهُ حَيْثُ رَأَى (من) السَّائِل والمحروم وَذَوي القربي، وَلَا حرج عَلَى من وليه إِن أَكَل أَو آكل، أَو اشْتَرَى رَقِيقا مِنْهُ» . ثَالِثهَا: « (أَن) فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وقفت لِنسَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ولفقراء بني هَاشم وَبني الْمطلب» . وَهَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي بِنَحْوِهِ عَن عمِّه مُحَمَّد بن عَلّي بن شَافِع، أبنا عبد الله بن الْحسن، عَن غير وَاحِد من أهل بَيته وَأَحْسبهُ قَالَ زيد بن عَلّي «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَصَدَّقت بمالها عَلَى بني هَاشم وَبني الْمطلب، وَأَن عليًّا تصدق عَلَيْهِم، وَأدْخل مَعَهم غَيرهم» . رَابِعهَا: «أَن زيد بن أَرقم قَالَ: الْعَشِيرَة: العترة» . هَذَا، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب: أَن الْوَقْف عَلَى الْمَسَاكِين، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 و (فِي) سَبِيل الله، وَالْعُلَمَاء و [المتعلمين] والمساجد والمدارس والقناطر صحيحٌ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا النَّحْو جرت أوقاف الصَّحَابَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 كتاب الهبات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 كتاب الهبات ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث ثَلَاثَة عشر حَدِيثا أَحدهَا عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب الضغائن» . هَذَا الحَدِيث أوردهُ (صَاحب «المصابيح» وَقَالَ: إِنَّه صَحَّ عَن عَائِشَة ... فَذكره مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَذكره) ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد النُّور الْكُوفِي، عَن أبي يُوسُف الْأَعْشَى، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، إِلَّا أَنه قَالَ: «تُخرج الضغائن من الْقُلُوب» . ثمَّ قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَأعله بِأَحْمَد بن الْحسن الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف ب «دبيس» الرَّاوِي عَن مُحَمَّد بن عبد النُّور، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الشهَاب» : حَدِيث «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب بالضغائن» رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد النُّور، عَن أبي (يُوسُف) الْأَعْشَى، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، وَتفرد بِهِ مُحَمَّد بن [عبد النُّور] عَن أبي يُوسُف يَعْقُوب بن خَليفَة الْمُقْرِئ، والْحَدِيث عِنْد غَيره عَن أبي حَفْص الْأَعْشَى عَمرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 بن خلف، و (هوبة) أليق، وَابْن عبد النُّور وَهِمَ فِيهِ، والْحَدِيث عَن هِشَام لَا أصل لَهُ. قلت: وَرُوِيَ من طرق أُخْرَى: إِحْدَاهَا: من حَدِيث أنسٍ - رَفعه -: «يَا معشر من حضر، تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة قلت أَو كَثُرت تُذهب السخيمة، وتُورث الْمَوَدَّة» . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» ثمَّ قَالَ: عَائِذ بن شُرَيْح الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، قَلِيل الحَدِيث، وَمِمَّنْ يُخطئ (عَلَى قلته) حَتَّى خرج عَن حدّ الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. وَأورد لَهُ هَذَا الحَدِيث فِي جملَة مَا يُنْكر عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» : هَذَا الحَدِيث يُعْرف بعائذ بن شُرَيْح عَن أنس، وَرَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة من الثِّقَات والضعفاء. ثمَّ نقل كَلَام ابْن حبَان فِي «عَائِذ» قَالَ: وَرَوَاهُ كوثر بن حَكِيم عَن مَكْحُول أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسل. الطَّرِيق الثانى: طَرِيق مَكْحُول هَذِه، وَقد ظهر لَك، (وهنها) . الطَّرِيق الثَّالِث: طَرِيق ابْن عمر رَفعه: «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب الغِلَّ» . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أبي الزُّعيزعة الْأَذْرَعِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، رَفعه: «تصافحوا؛ فَإِن التصافح يُذهب السخيمة، وتهادوا ... » الحَدِيث. قَالَ: وَمُحَمّد هَذَا كَانَ مِمَّن يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير، حَتَّى إِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 سَمعهَا مَنِ الحَدِيث صناعته (عَلِمَ) أَنَّهَا مَقْلُوبَة، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. ثمَّ ذكر بعده مُحَمَّد بن أبي الزعيزعة آخَرَ لَيْسَ فِي طبقَة هَذَا، ووهاه، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَن ابْن حبَان أَنه قَالَ فِي الأول: إِنَّه دجَّال من (الدجالين) يروي الموضوعات. وَالَّذِي رأيتُه فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» مَا أسلفته، وَسَأَلَ ابْن أبي حَاتِم أَبَاهُ عَن هَذَا الحَدِيث؛ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لأجل الْأَذْرَعِيّ هَذَا، وَقد (قَالَ) البُخَارِيّ فِي حَقه: إِنَّه مُنكر الحَدِيث جدًّا، لَا يُكتب حَدِيثه. الطَّرِيق الرَّابِع: طَرِيق أبي هُرَيْرَة، رَفعه: «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب وَحْرَ الصُّدُور» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث نجيح أبي معشر السِّندي، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَقد تكلم بعض أهل (الْعلم) فِي أبي معشر من قبل حفظه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: نجيح هَذَا ضَعِيف، وَمِنْهُم من يوثقه، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 فَالْحَدِيث من أَجله حسن. وَقَالَ عبد الْحق فِي حَدِيث «لَا تَقولُوا رَمَضَان» من ضعفه أَكثر مِمَّن وَثَّقَهُ، وَمَعَ ضعفه يُكتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي الْكتاب السالف: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد، عَن رجل، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ غير ثَابت، وَالرجل الَّذِي (كفَّ) عَنهُ اللَّيْث هُوَ: أَبُو معشر السندي، وَهُوَ ضَعِيف. الطَّرِيق الْخَامِس: طَرِيق زعبل - بالزاي (وَالْبَاء بعد الْعين) يرفعهُ: «تزاوروا وتهادوا؛ فَإِن الزِّيَارَة تنْبت الود، والهدية (تُذهب) السخيمة» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث مُسلم بن إِبْرَاهِيم، عَن الْحَارِث [بن عبيد أَبُو قدامَة] عَنهُ، والْحَارث هَذَا لَيْسَ بالقويّ، وَهُوَ يروي عَن التَّابِعين، وَلَا أعلم ذكر هَذَا فِي الصَّحَابَة (عَن) غير أبي مُوسَى، وَالظَّاهِر أَنه تَابِعِيّ. الطَّرِيق السَّادِس: طَرِيق عصمَة بن مَالك الخطمي مَرْفُوعا: «الْهَدِيَّة تذْهب بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر» . ذكره صاحبُ «الشهَاب» وَقَالَ ابْن طَاهِر: فِي إِسْنَاده ضعيفان. فَهَذِهِ طرق الحَدِيث، وأقواها رَابِعهَا، وَالْبَاقِي شَاهد لَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 الحَدِيث الثَّانِي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تهادوا تحَابوا» . هَذَا الحَدِيث يرْوَى من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ يَحْيَى بن عبد الله بن بكر، عَن (ضمام) بن إِسْمَاعِيل، عَن أبي قبيل الْمعَافِرِي عَنهُ. وَرَوَاهُ سُوَيْد بن سعيد الحدثاني وَعبد الْوَاحِد بن يَحْيَى وَمُحَمّد بن بكير الْحَضْرَمِيّ، عَن ضمام، عَن مُوسَى بن وردان، قَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» : قد أخرج مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد قَوْله: «أَنا النذير الْعُرْيَان» يَعْنِي: مُحَمَّد بن بكير (عَن) ضمام عَن مُوسَى، قَالَ: وَقَول الْجَمَاعَة أولَى، وَإِن كَانَ مُحَمَّد بن بكير ثِقَة؛ فَيحْتَمل أَن يكون عِنْد ضمام فِيهِ طَرِيقين عَن أبي قبيل وَأبي مُوسَى. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر عَن ابْن عمر وفيهَا ضعف. قَالَ: وَأَصَح مَا ورد فِي هَذَا الْبَاب هَذَا الحَدِيث، مَعَ الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ، وَقد صَحَّ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ كَانَ يقبل الْهَدِيَّة، ويُثيب عَلَيْهَا» . ثَانِيهَا: من حَدِيث أم حَكِيم بنت وداع الْخُزَاعِيَّة المهاجرة رفعته: «تهادوا تزدادوا حُبًّا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 ذكره صَاحب «الشهَاب» وَقَالَ ابْن طَاهِر: إِسْنَاده غَرِيب، وَلَيْسَ بحُجَّة. ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «تهادوا تحَابوا» . رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب «الْأَدَب» خَارج الصَّحِيح، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، ثَنَا مُحَمَّد بن بكير الْحَضْرَمِيّ، ثَنَا ضمام بن إِسْمَاعِيل الْمصْرِيّ، عَن مُوسَى بن وردان، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: ثَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ، قَالَ: سمعتُ أَبَا زَكَرِيَّا (الْعَنْبَري) يَقُول: سمعتُ أَبَا عبد الله النوشنجي يَقُول فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «تهادوا تحابُّوا» : بِالتَّشْدِيدِ من الْمحبَّة، وَإِذا قَالَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ من الْمُحَابَاة. رَابِعهَا: من حَدِيث عَائِشَة، رفعته: «تهادوا تزدادوا حُبَّا» . ذكره صاحبُ «الشهَاب» فِي «مُسْنده» قَالَ ابْن طَاهِر: وَإِسْنَاده غَرِيب، وَمَتنه مُنكر جدًّا، وَفِيه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان لَا أعرفهُ. خَامِسهَا: من حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي، رَفعه: «تصافحوا يَذهب الغل، وتهادوا تحابُّوا وَتذهب الشحناء» . رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» وَعَطَاء هَذَا يُرْسل عَن الصَّحَابَة (ويعنعن) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو دُعيت إِلَى كرَاع لَأَجَبْت، وَلَو أُهدي إليَّ ذِرَاع لقبلت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح (أخرجه) البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَذَلِك فِي كتاب الْأَنْكِحَة مِنْهُ، وَأوردهُ فى هَذَا الْبَاب بِلَفْظ: «لَو دعيت إِلَى ذِرَاع أَو كرَاع لَأَجَبْت، وَلَو أُهدي إليَّ ذِرَاع أَو كرَاع لقبلت» . فَائِدَة: الكراع: من حدِّ الرسغ، والذراع: من حدِّ اللَّحْم، وَقيل: إِن الكراع هُنَا اسْم مَوضِع، وَذكره الغزالى فِي «الْإِحْيَاء» بِلَفْظ: «كرَاع الغميم» . وَلم أر من خرجه كَذَلِك، وَيَردهُ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن أنس مَرْفُوعا: «لَو أُهدي إليَّ كرَاع لقبلت، وَلَو (دُعيت) عَلَيْهِ لَأَجَبْت» . ثمَّ صحَّحه. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تُحَقِّرَنَّ جارةٌ لجارتها وَلَو فِرْسِن شَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَزَادا فِي أَوله: «يَا نسَاء المسلمات، لَا تحقرن ... » إِلَى آخِره، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفظه: «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تذْهب وحر الصَّدْر، وَلَا تحقرن جارةٌ (لجارتها) وَلَو شقّ فِرْسِن شَاة» . فَائِدَة: فِرْسِن الشَّاة: ظلفها، وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم لِخُفِّ الْبَعِير، فاستُعِير للشاة، قَالَ ابْن السراج: ونونه زَائِدَة. و «وحْر الصَّدْر» : غشه ووساوسه وعلته. وَقيل: إِنَّه أَشد الْغَضَب، وَقيل: الحقد. الحَدِيث الْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ تُحمل إِلَيْهِ الْهَدَايَا؛ فيقبلها من غير لفظٍ» . هُوَ كَمَا قَالَ، فَمن (يتبع) الْأَحَادِيث والسِّير وجده. وَفِي (صَحِيح البُخَارِيّ) من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يقبل الْهَدِيَّة ويثيب عَلَيْهَا» وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم) إِذا أُتي بِطَعَام سَأَلَ: أهدية (أم) صَدَقَة؟ فَإِن قيل: صَدَقَة؛ قَالَ لأَصْحَابه: كلوا [وَلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 يَأْكُل] وَإِن قيل: هَدِيَّة؛ ضرب بِيَدِهِ فَأكل مَعَهم» . وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» فِي كتاب السّير، و «مُسْند أَحْمد» و «الْبَزَّار» من حَدِيث عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «إِن كسْرَى أهْدَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَدِيَّة فَقبل مِنْهُ، وَإِن الْمُلُوك أهدوا إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُم» . وَفِي «مُسْند أَحْمد» زِيَادَة: «وَإِن قَيْصر أهْدَى فَقبل مِنْهُ» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ رُوي عَن عَلّي بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَفِي «النَّسَائِيّ» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَلْقَمَة الثَّقَفِيّ قَالَ: «قدم وَفد ثَقِيف عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَهُمْ هَدِيَّة، فَقَالَ: أهدية أم صَدَقَة؟ فَإِن كَانَت هَدِيَّة؛ فَإِنَّمَا يُبتغى (بهَا) وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَضَاء الْحَاجة، وَإِن كَانَت صَدَقَة؛ فَإِنَّمَا يبتغى بهَا وَجه الله - عَزَّ وَجَلَّ - قَالُوا: لَا؛ بل هَدِيَّة. فقبلها مِنْهُم، وَقعد مَعَهم يُسائلهم و [يسألونه] حَتَّى صَلَّى الظّهْر وَالْعصر» . وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة منتشرة. قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر وُقُوع الْكسْوَة وَالدَّوَاب فِي هَدَايَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَن أم وَلَده «مَارِيَة» كَانَت من الْهَدَايَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 وَهُوَ كَمَا قَالَ، أما الْكسْوَة؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن أكيدر دومة أهْدَى لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جُبَّة من سندس، وَكَانَ ينْهَى عَن الْحَرِير، فتعجَّبَ الناسُ مِنْهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْس محمدٍ بِيَدِهِ، إنَّ مناديل سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة أحسن من هَذَا» . وَفِيهِمَا من حَدِيث عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن أكيدر دومة أهْدَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثوب حَرِير؛ فَأعْطَاهُ عليًّا، قَالَ: شققه خُمُرًا بَين الفواطم» . وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «سنَن النَّسَائِيّ» عَن أنسٍ قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَيْشًا إِلَى أكيدر دومة؛ فَأرْسل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بجبة من ديباج، منسوج فِيهَا الذَّهَب، فلبسها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَر - أَو جلس - فَلم يتَكَلَّم، ثمَّ نزل، فَجعل النَّاس يلمسون الْجُبَّة وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أتعجبون مِنْهَا؟ قَالُوا: مَا رَأينَا ثوبا قطّ أحسن مِنْهُ. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لمناديل سعد بن معَاذ فى الْجنَّة أحسن مِمَّا ترَوْنَ» وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث عَلّي بن زيد بن جدعَان عَن أنسٍ: «أَن ملك الرّوم أهْدَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 مستقة (من) سندس فلبسها، فَكَأَنِّي أنظر إِلَى يَدَيْهِ (تذبذبان ثمَّ بعث) بهَا إِلَى جَعْفَر؛ فلبسها ثمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنِّي لم أعطكها لتلبسها. قَالَ: فَمَا أصنع بهَا؟ قَالَ: أرسل بهَا إِلَى أَخِيك النَّجَاشِيّ» . والمستقة: بِضَم التَّاء وَفتحهَا؛ الفروة الطَّوِيلَة الْكَبِيرَة، وَجَمعهَا مساتق. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أنس: «أَن ملك ذِي يزن أهْدَى إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حلَّة، أَخذهَا بِثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا فقبلها» . وأمَّا الدَّوَابّ؛ فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالَ: «غزونا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَبُوك، وَأهْدَى [ملك أَيْلَة] للنَّبِي (بغلة بَيْضَاء؛ فَكَسَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بُردًا، وَكتب لَهُ ببحرهم، وَجَاء رسولُ (ابْن الْعلمَاء) صَاحب أَيْلَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِكِتَاب، وَأهْدَى إِلَيْهِ بغلة بَيْضَاء، فَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأهْدَى إِلَيْهِ بُردًا» . وَفِي كتاب «الْهَدَايَا» لإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ من حَدِيث عليّ قَالَ: «أهْدَى يوحنا بن روزية إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بغلته الْبَيْضَاء» . وَرَوَى الْحَرْبِيّ أَيْضا وَأَبُو بكر أَحْمد بن عَمرو بن أبي عَاصِم من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه: «أَن أَمِير القبط أهْدَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جاريتين وَبغلة؛ فَكَانَ يركب البغلة بِالْمَدِينَةِ، وَأخذ إِحْدَى الجاريتين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 لنَفسِهِ، ووهب الْأُخْرَى لحسان» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» «أَن فَرْوَة الجذامي أهْدَى إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بغلة بَيْضَاء، ركبهَا يَوْم حنين» . وأمَّا «مَارِيَة» فَهِيَ إِحْدَى الجاريتين السالفتين. وَقد أُهدي لَهُ (غيرُ ذَلِك؛ فَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن أنس قَالَ: «أهْدَى الأكيدر لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَرَّة من (مَنٍّ) فلمَّا انْصَرف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الصَّلَاة مر عَلَى الْقَوْم، فَجعل يُعْطي كل رجل مِنْهُم قِطْعَة، فَأعْطَى جَابِرا قِطْعَة، ثمَّ إِنَّه رَجَعَ إِلَيْهِ فَأعْطَاهُ قِطْعَة أُخْرَى، فَقَالَ: إِنَّك أَعْطَيْتنِي مرّة. قَالَ: هَذَا (لبنات) عبد الله» . وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ عَمرو بن حكام، عَن (شُعْبَة) عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن أبي المتَوَكل النَّاجِي، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «أهْدَى ملك الرّوم إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَدَايَا، فَكَانَ فِيمَا أهْدَى إِلَيْهِ جَرَّة فِيهَا زنجبيل» فَقَالَا: لَا نعرفه من حَدِيث (شُعْبَة) رَوَاهُ سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن عَلّي بن زيد، عَن أنس. قلت: فَهَذَا صَحِيح؟ قَالَا: لَا، هَذَا أشبه، وأمَّا حَدِيث عَمرو بن حكام [فَإِنَّهُ مُنكر، لَا نعلم أَنه رَوَاهُ أحد سُوَى عَمْرو بن حكام. قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 فَمَا حَال عَمْرو بن حكام؟ قَالَا] : فَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ أَبُو زرْعَة: كَانَ (قدم الرّيّ فَكتب) عَنهُ أخي أَبُو بكر. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَهُوَ مُنكر من وُجُوه: أَحدهَا: أَنه لَا يُعلم أَن ملك الرّوم أهْدَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا. قلت: بلَى؛ قد أهْدَى لَهُ كَمَا سلف عَن «سنَن أبي دَاوُد» . ثَانِيهَا: أَن هَدِيَّة الزنجبيل من الرّوم إِلَى الْحجاز شَيْء يُنكره الْعقل، فَهُوَ نَظِير هَدِيَّة التَّمْر من الرّوم إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَاعْلَم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قبل هَدَايَا الْكفَّار كَمَا أسلفناه، وَقد ورد أَنه امْتنع من قبُولهَا؛ رَوَى كَعْب بن مَالك قَالَ: «جَاءَ مُلاعب الأسِنَّة إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بهدية، فَعرض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ الإسلامَ فَأَبَى أَن يُسلِم، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أَنا لَا أقبل هَدِيَّة مُشْرك» رَوَاهُ ابْن شاهين بِإِسْنَادِهِ. وَفِي حَدِيث عِيَاض بن حمَار: «أَنه أهْدَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَدِيَّة وَهُوَ مُشْرك، فردَّها وَقَالَ: أَنا لَا أقبل (زبد) الْمُشْركين» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ عَلَى شَرط البُخَارِيّ كَمَا قَالَه صاحبُ «الاقتراح» وَذكر الأثرمُ فِي الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن أَحَادِيث الْقبُول أثبت، وَحَدِيث عِيَاض فِيهِ إرْسَال. ثَانِيهَا: أَن حَدِيث عِيَاض كَانَ فِي أوَّل الْإِسْلَام، وَحَدِيث أكيدر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 دومة فِي آخر الْأَمر قبل موت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَسِير، فَيكون هَذَا من النَّاسِخ والمنسوخ، وَبِهَذَا أجَاب عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: حَدِيث عِيَاض كَانَ قبل غَزْوَة تَبُوك. ثمَّ سَاق حَدِيث أبي حميد السالف. ثَالِثهَا: أَن يكون قبُول الْهَدِيَّة لأهل الْكتاب دون أهل الشّرك، وعياض لم يكن من أهل الْكتاب. يَبْقَى: «أَنه قبل من كسْرَى» . وَجَوَابه: من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن فِي إِسْنَاده «ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة» وَلَيْسَ بِثِقَة عِنْدهم. ثَانِيهمَا: أَن يكون الْقبُول مَنْسُوخا فِي حق من لَا كتاب لَهُ. فَائِدَة مهمة: رَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، ثَنَا سعيد بن مُحَمَّد، ثَنَا أَبُو تُمَيْلة يَحْيَى بن وَاضح، نَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي بكر، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولَى آل طَلْحَة، عَن [ابْن] الحوتكية، عَن عمار بن يَاسر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يَأْكُل من هَدِيَّة حَتَّى يَأْمر صَاحبه أَن يَأْكُل مِنْهَا للشاة الَّتِي أُهديت لَهُ» . وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي «تَارِيخ دمشق» عَن أبي نصر الْقشيرِي، أبنا الْبَيْهَقِيّ، أبنا الْحَاكِم، أبنا عَلّي الحبيبي، أَنا خَالِد بن أَحْمد، حَدثنِي أبي، حَدثنِي سعيد بن (سلم) بن قُتَيْبَة، حَدثنِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 [أبي، نَا] يَحْيَى بن الْحُسَيْن بن الْمُنْذر، عَن أَبِيه أبي ساسان، سَمِعت عمار بن يَاسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يَأْكُل الْهَدِيَّة حَتَّى يَأْكُل مِنْهَا من أهداها إِلَيْهِ، بَعْدَمَا أَهْدَت (إِلَيْهِ) الْمَرْأَة الشَّاة المسمومة بِخَيْبَر» . الحَدِيث السَّادِس عَن جَابر بن عبد الله، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا رجل أعمر عمرى لَهُ ولعقبه فَإِنَّهَا للَّذي أُعطيها، لَا ترجع إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا؛ لِأَنَّهُ أعْطى عَطاء وَقعت فِيهِ الْمَوَارِيث» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك سَوَاء. وَفِي رِوَايَة لمَالِك: «لَا ترجع إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا أبدا» . و «أُعمر» بِضَم أَوله، عَلَى مَا لم يُسم فَاعله، أَجود من الْفَتْح. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْعُمْرَى ميراثُ [لأَهْلهَا] » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فى «صَحِيحه» من طَرِيقين: أَحدهمَا: من طَرِيق جَابر سَوَاء. ثَانِيهمَا: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 بِلَفْظ: «الْعُمْرَى جَائِزَة» وبلفظ: «الْعُمْرَى مِيرَاث لأَهْلهَا. أَو قَالَ: جَائِزَة» . والأوَّل من أَفْرَاد مُسلم؛ بل لم يُخرِّج البُخَارِيّ (عَن جَابر) فِي الْعُمْرَى غير حَدِيث: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالعمرى أَنَّهَا لمن وهبت لَهُ» وَالثَّانِي أخرجه البُخَارِيّ بِاللَّفْظِ الأول فَقَط. وَأخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «الْعُمْرَى جَائِزَة لأَهْلهَا أَو قَالَ: مِيرَاث لأَهْلهَا» . وَأخرجه أَحْمد بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث جَابر. وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث زيد بن ثَابت بلفظين: أَحدهمَا: «الْعُمْرَى سَبِيلهَا سَبِيل الْمِيرَاث» . ثَانِيهمَا: «قَضَى بالعمرى للْوَارِث» وبلفظٍ ثَالِث: «من أُعمر أَرضًا فَهِيَ لوَرثَته» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 الحَدِيث الثَّامِن عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تعمروا وَلَا ترقبوا؛ فَمن أعمر شَيْئا أَو أرقبه فسبيله الْمِيرَاث» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إسنادٍ من هَذَا الْوَجْه مَرْفُوعا كَذَلِك، إِلَّا أَنه قَالَ: «فَهُوَ سَبِيل الْمِيرَاث» بدل «فسبيله الْمِيرَاث» وَتبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» . وَرَوَاهُ الرّبيع عَنهُ: أبنا ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن جَابر مَرْفُوعا بِلَفْظ «الْمُخْتَصر» سَوَاء، وَهَذَا إِسْنَاد ثَابت. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» كَذَلِك سَوَاء، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: « [فَهُوَ لوَرثَته] » بدل «فسبيله الْمِيرَاث» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين فِي آخر «الاقتراح» : وَهُوَ عَلَى شَرط (الصَّحِيحَيْنِ) . الحَدِيث التَّاسِع عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أجازها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَقُول: هِيَ لَك ولعقبك من بعْدك. فَأَما إِذا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْت؛ فَإِنَّهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 ترجع إِلَى صَاحبهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك سَوَاء، دون قَوْله: «من بعْدك» . الحَدِيث الْعَاشِر عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: إِنِّي نحلت ابْني هَذَا غُلَاما كَانَ لي. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أكُلُّ ولدك نحلت مثل هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. قَالَ: أيَسُرُّك أَن يَكُونُوا إِلَيْك فِي الْبر سَوَاء؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَلَا إِذا» . ويُروى: «قَالَ: فارتجعه» ويُروى أَنه قَالَ: «اتَّقوا اللهٌ، واعدلوا فِي أَوْلَادكُم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، وَعَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان بن بشير، حدّثنَاهُ عَن النُّعْمَان بن بشير «أَن أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره إِلَى قَوْله: «قَالَ: لَا. قَالَ: فأرجعه» قَالَ الشَّافِعِي: وَقد سَمِعت فِي هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلَيْسَ يَسُرك أَن (يَكُونُوا) فِي الْبر إِلَيْك سَوَاء؟ فَقَالَ: بلَى. قَالَ: فأرجعه» وَرَوَاهُ الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن مَالك كَذَلِك إِلَى قَوْله: «فأرجِعه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : كَذَا رَوَاهُ أَبُو عبد الله - يَعْنِي: الْحَاكِم، شَيْخه - وَرِوَايَة أبي زَكَرِيَّا وَأبي بكر سُفْيَان أَو مَالك - شكّ أَبُو الْعَبَّاس، يَعْنِي: الْأَصَم - قَالَ: وَقد أبنا أَبُو عبد الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 فِي مَوضِع آخر: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس، أبنا الرّبيع، أَنا الشَّافِعِي، أَنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن شهابٍ ... فَذكره. وَقد رَوَاهُ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي عَن كل مِنْهُمَا، ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى الْمُزنِيّ، ثَنَا الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن النُّعْمَان بن بشير، عَن أَبِيه: «أَنه نحل ابْنا لَهُ عبدا» وَالصَّوَاب: «أَن أَبَاهُ نحل ابْنا لَهُ عبدا؛ فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يشهده، فَقَالَ: (كل) ولدك نحلت مثل هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فاردده» . قَالَ: وبإسناده ثَنَا الشَّافِعِي، عَن مَالك ... فَذكره كَمَا أسلفناه عَن «الْمُخْتَصر» وَأخرجه البُخَارِيّ، وَمُسلم من حَدِيث مَالك، وَمُسلم من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة، وَقَول الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» : وَقد سمعتُ فِي هَذَا الحَدِيث ... إِلَى آخِره، وَهُوَ فِي رِوَايَة دَاوُد بن أبي هِنْد وَغَيره عَن عَامر الشّعبِيّ، عَن النُّعْمَان بن بشير، قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» (ثمَّ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وَحَدِيث النُّعْمَان حَدِيث ثَابت، وَبِه نَأْخُذ. قلت: وَله أَلْفَاظ فِي «صَحِيح مُسلم» مِنْهَا: «فأرجعه» وَمِنْهَا: «فَرده» وَمِنْهَا: «فَرجع أبي فَرد تِلْكَ الصَّدَقَة» وَمِنْهَا: «فَلَا تشهدني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 إِذا؛ فَإِنِّي لَا أشهد عَلَى جور» وَمِنْهَا: «فَأشْهد عَلَى هَذَا غَيْرِي» وَمِنْهَا: «فَلَيْسَ يصلح هَذَا، وَإِنِّي لَا أشهد إِلَّا عَلَى حق» ذكر مُسلم هَذِه من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر. وللبخاري: « (فَاتَّقُوا) الله، واعدلوا بَين أَوْلَادكُم! قَالَ: فَرجع فَرد عطيته» وَله: «فأرجعه» . قَالَ عبد الْحق: وَلم يذكر البُخَارِيّ من هَذِه الْأَلْفَاظ إِلَّا قَوْله: «فَلَا تشهدني عَلَى جور» وَهُوَ عِنْده عَلَى الشَّك، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو حريز عَن الشّعبِيّ: «لَا أشهد عَلَى جور» . لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا هَذَا. تَنْبِيه: وَقع فِي «بسيط الْغَزالِيّ» و «وسيطه» أَن الْوَاهِب هُوَ النُّعْمَان بن بشير، تبعا للرواية السالفة، وَالصَّوَاب خِلَافه، لكنه لم ينْفَرد بِهِ، وَقد أوضحت ذَلِك فِي «تخريجي لأحاديثه» فَتنبه لَهُ. فَائِدَة: المنحول كَانَ عبدا، كَمَا أسلفناه. فَائِدَة أُخْرَى: رد الْخطابِيّ خبر النُّعْمَان هَذَا بِخَبَر جَابر السالف، وَقَالَ: إِنَّه أولَى مِنْهُ؛ لِأَن جَابِرا أحفظ لَهُ وأضبط؛ لِأَن النُّعْمَان كَانَ صَغِيرا، وَفِي حَدِيث جَابر: أَنه شاوره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قبل الْهِبَة. فدلَّ عَلَى مَا هُوَ الأولَى بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 الحَدِيث الْحَادِي عشر رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ: «سووا بَين أَوْلَادكُم فِي الْعَطِيَّة) فَلَو كنت مفضلاً أحدا لفضلت الْبَنَات» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن (سعيد) بن يُوسُف، عَن يَحْيَى بن أبي (كثير) عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... فَذكره بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه (قَالَ) : «النِّسَاء» بدل «الْبَنَات» وَإِسْمَاعِيل هَذَا حجَّة إِذا رَوَى عَن الشاميين، وَشَيْخه سعيد بن يُوسُف شَامي، نعم الشَّأْن فِي شَيْخه؛ فَإِن أَحْمد وَغَيره تكلمُوا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمشهور، وَحَدِيثه لَيْسَ بالمنكر. وَقَالَ ابْن عدي: لَا أعلم يروي عَنهُ غير إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث، ورواياته ثابتات الْأَسَانِيد لَا بَأْس بهَا، وَلَا أعرف لَهُ شَيْئا أنكر مِمَّا ذكرت من حَدِيث عِكْرِمَة - يَعْنِي: هَذَا - وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَلما ذكره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» ذكر فِيهِ قَول يَحْيَى: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَول النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَاقْتصر عَلَى ذَلِك، وَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» لما (سَاق) الحَدِيث (بِالْإِسْنَادِ) السالف: إِسْمَاعِيل وَسَعِيد ضعيفان. وَقد عرفت أَن الضعْف فِي هَذَا الحَدِيث لَا من جِهَة إِسْمَاعِيل؛ بل من جِهَة سعيد، وَلَيْسَ ضعفه مُتفقًا عَلَيْهِ، كَمَا علمت أَيْضا. وَوَقع فِي «الضُّعَفَاء» لَهُ: أَن (سعيدًا) هَذَا يروي عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش. وَالْمَعْرُوف فِي تَرْجَمته أَن إِسْمَاعِيل يروي عَنهُ، فَتنبه لَهُ. وَزَاد القَاضِي حُسَيْن فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث زِيَادَة غَرِيبَة، لم أر من خرجها، وَهِي: «سووا بَين أَوْلَادكُم فِي الْعَطِيَّة، حَتَّى القُبَل» . الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل لواهب أَن يرجع فِيمَا وهب، إِلَّا الْوَالِد؛ فَإِنَّهُ يرجع فِيمَا وهب لوَلَده» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأَيْضًا فقد رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل لرجل يُعطي عَطِيَّة أَو يَهب هبة فَيرجع فِيهَا إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعطي وَلَده وَمثل الَّذِي يُعطي الْعَطِيَّة ثمَّ يرجع فِيهَا كَمثل الْكَلْب يَأْكُل؛ فَإِذا شبع (قاء) ثمَّ عَاد (فِيهِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 هَكَذَا سَاقه) الرَّافِعِيّ (مساقة حديثين، وهما حَدِيث) وَاحِد، أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَو اتَّصل حَدِيث طَاوس: «لَا يحل للْوَاهِب أَن يرجع فِيمَا وهب، إِلَّا وَالِد فِيمَا وهب لوَلَده» لَقلت بِهِ، وَرَوَاهُ (عَن) مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن الْحسن بن مُسلم، عَن طَاوس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل لواهب أَن يرجع فِيمَا وهب، إِلَّا الْوَالِد من وَلَده» ثمَّ قَالَ بعده بِقَلِيل: وَلَو اتَّصل حَدِيث طَاوس ... فَذكر مَعْنَى مَا تقدم عَن «الْمُخْتَصر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يُروى مَوْصُولا من جِهَة عَمْرو بن شُعَيْب، وَعَمْرو (ثِقَة) ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث أبي دَاوُد، ثَنَا يزِيد بن زُرَيْع، ثَنَا حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن طَاوس، عَن ابْن عُمر وَابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يحل لرجل أَن يُعطي عَطِيَّة أَو يهب هبة فَيرجع فِيهَا (إِلَّا) الْوَالِد فِيمَا يُعطي وَلَده، وَمثل الَّذِي يُعطي الْعَطِيَّة ثمَّ يرجع فِيهَا كَمثل الْكَلْب يَأْكُل حَتَّى إِذا شبع قاء ثمَّ عَاد [فِي] قيئه» . قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث (يُؤكده) مُرْسل الْحسن بن مُسلم (بن يناق) - يَعْنِي: السالف - والْحَدِيث الْمَوْصُول عَن النُّعْمَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 بن بشير، وَحَدِيثه فِي الْمَنْع من رُجُوع غَيره يؤكده حَدِيث ابْن عَبَّاس الثَّابِت فِي «الصَّحِيح» : «الْعَائِد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه» . وَفِي رِوَايَة: «كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه» . قَالَ همام: قَالَ قَتَادَة: وَلَا نعلم الْقَيْء إِلَّا حَرَامًا. وَرَوَاهُ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج كَمَا سلف، بِلَفْظ: «لَا يحل لأحد يهب لأحد هبة ثمَّ يعود فِيهَا إِلَّا الْوَالِد» - وَهَذَا متابعٌ لمُسلم بن خَالِد - ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَقد روُي مَوْصُولا. ثمَّ سَاقه من حَدِيث إِسْحَاق بن يُوسُف الْأَزْرَق، عَن حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عُمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُعْطي عَطِيَّة فَيرجع فِيهَا، إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعْطِيهِ وَلَده، وَمثل الَّذِي يُعْطي الْعَطِيَّة ثمَّ يرجع فِيهَا كَالْكَلْبِ يَأْكُل حَتَّى إِذا شبع قاء، ثمَّ عَاد فَرجع فِي قيئه» ثمَّ سَاقه من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع، عَن حُسَيْن كَمَا سلف عَن أبي دَاوُد، ثمَّ سَاقه من حَدِيث عبد الْوَارِث، عَن (عَامر) الْأَحول (عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يرجع فِي هِبته إِلَّا الْوَالِد، والعائد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه» . ثمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة، عَن (عَامر) الْأَحول، وَكَذَلِكَ يُرْوى عَن سعيد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 بن بشير، عَن مطر وعامر الْأَحول) عَن عَمرو، عَن أَبِيه، عَن جده: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يرجع الرجل فِي هِبته، إِلَّا الْوَالِد من وَلَده، والعائد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه» . وَيحْتَمل أَن يكون عَمرو بن شُعَيْب رَوَاهُ من الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، فحسين الْمعلم حُجَّة، و (عَامر) الْأَحول ثِقَة، وَرُوِيَ عَن مطر وعامر نَحْو رِوَايَة (عَامر) وَحده. وَقَالَ فِي «خلافياته» لما أخرجه من حَدِيث إِسْحَاق الْأَزْرَق عَن حُسَيْن: تَابعه يزِيد بن زُرَيْع وَيزِيد بن هَارُون عَن حُسَيْن، وحسين من الثِّقَات، وَكَذَلِكَ سَائِر رُوَاته. ثمَّ سَاقه من حَدِيث عبد الْوَارِث عَن عَامر، ثمَّ ذكر مُتَابعَة إِبْرَاهِيم وَسَعِيد ومطر (لعامر) ، ثمَّ قَالَ: وَكَأن عَمْرو بن شُعَيْب سمع الحَدِيث من الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. قلت: وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث حُسَيْن، كَمَا سلف، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث ابْن [أبي] عدي، عَن حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن طَاوس، عَن (ابْن) عُمر وَابْن عَبَّاس، رَفَعَاهُ: «لَا يحل لأحدٍ أَن يُعْطِي عَطِيَّة فَيرجع فِيهَا، إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 وَأخرجه (النَّسَائِيّ) أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد، وَأخرجه ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَا يرجع [أحد] فِي هِبته إِلَّا الْوَالِد من وَلَده» . وَقد سُئِل الدَّارَقُطْنِيّ عَن حَدِيث عَمرو هَذَا (و) حَدِيث ابْن عُمر وَابْن عَبَّاس؛ فَقَالَ: لَعَلَّ الإسنادين محفوظان. وَقد سلف هَذَا عَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد، ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد - قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَمرو بن شُعَيْب عَن طَاوس - وَلَا أعلم خلافًا فِي عَدَالَة عَمرو بن شُعَيْب، إِنَّمَا اخْتلفُوا فِي سَماع أَبِيه من جده. ثمَّ رَوَى بإسنادٍ إِلَى الإِمَام أَحْمد [أَن مُحَمَّد] بن عَلّي بن حمدَان الْوراق قَالَ (لَهُ) : عَمرو بن شُعَيْب سمع من أَبِيه شَيْئا؟ فَقَالَ: هُوَ عَمرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمرو (وَقد صَحَّ سَماع) عَمرو بن شُعَيْب من أَبِيه شُعَيْب، وصَحَّ سَماع شُعَيْب من جده عبد الله بن عَمرو. قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : عَمرو بن شُعَيْب فِي نَفسه (ثِقَة يحْتَج بِخَبَرِهِ) إِذا رَوَى عَن غير أَبِيه. قلت: هَذِه طَرِيقَته، وَقد أسلفنا فِي بَاب الْوضُوء صِحَة الِاحْتِجَاج (بِهِ) إِذا رَوَى عَن أَبِيه عَن جده. الحَدِيث الثَّالِث عشر «أَن أعرابيًّا وهب للنَّبِي (نَاقَة؛ فأثابه عَلَيْهَا وَقَالَ: أرضيت؟ قَالَ: لَا. فزاده وَقَالَ: رضيت؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد هممتُ أَن لَا أتهب إِلَّا من قرشي أَو أَنْصَارِي أَو ثقفي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَن أعرابيًّا وهب للنَّبِي (هبة، فأثابه عَلَيْهَا، قَالَ: رضيت؟ قَالَ: لَا. فزاده، قَالَ: رضيت؟ قَالَ: لَا. فزاده، قَالَ: رضيت؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد هَمَمْت ... » وَذكر بَاقِي الحَدِيث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 كَذَا أَخْرجَاهُ بِذكر عدم الرِّضَا مرَّتين، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ مرّة كَمَا أسلفناه عَنهُ. وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصرا عَن مُحَمَّد بن عَمرو الرَّازِيّ، ثَنَا سَلمَة - يَعْنِي: ابْن الْفضل - ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «وَايْم الله، لَا أقبل بعد يومي هَذَا من أحد هَدِيَّة، إِلَّا أَن يكون مُهَاجرا، أَو قرشيًّا، أَو أنصاريًّا، أَو دوسيًّا، أَو ثقفيًّا» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مطولا عَن أَحْمد بن منيع، ثَنَا (يزِيد) بن هَارُون، ثَنَا أَيُّوب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن أعرابيًّا أهْدَى إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بكرَة، فَعوضهُ مِنْهَا سِتّ بكرات، فسخط، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن فلَانا أهْدَى إليَّ بكرَة، فعوضته مِنْهَا سِتّ بكرات، ويظل ساخطًا؟ ! (وَلَقَد) هَمَمْت أَن لَا أقبل هَدِيَّة إِلَّا من قرشيّ أَو أنصاريّ، أَو ثقفيّ، أَو دوسيّ» . ثمَّ رَوَاهُ مطولا أَيْضا عَن البُخَارِيّ، عَن أَحْمد بن خَالِد الْوَهْبِي، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة: «أهْدَى رجل من بني فَزَارَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَاقَة من إبِله الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا بِالْغَابَةِ، فَعوضهُ مِنْهَا بعض الْعِوَض، فتسخطه؛ فسمعتُ رَسُول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 الله (يَقُول عَلَى الْمِنْبَر: إِن [رجَالًا] من الْعَرَب يُهدي أحدهم الْهَدِيَّة، فأعوضه مِنْهَا بِقدر مَا عِنْدِي، ثمَّ يتسخطه فَيظل [يتسخط] عَلّي، وَايْم الله؛ لَا أقبل بعد مقَامي هَذَا من رجل من الْعَرَب هَدِيَّة، إِلَّا من قرشي، أَو أَنْصَارِي، أَو ثقفي، أَو دوسي» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن [وَهُوَ] أصح من حَدِيث يزِيد بن هَارُون. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا مُخْتَصرا عَن خشيش بن أَصْرَم، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر [عَن ابْن عجلَان] عَن سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لقد هَمَمْت أَن لَا أقبل هَدِيَّة ... » إِلَى آخِره، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن أبي الْحُسَيْن الْقَنْطَرِي، ثَنَا أَبُو قلَابَة، وَعَن عَمرو بن نجيد، ثَنَا أَبُو مُسلم، ثَنَا أَبُو عَاصِم، عَن (ابْن) عجلَان، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن رجلا أهْدَى إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لقحة، فأثابه مِنْهَا بست بكرات؛ فسخطها الرجل، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من يعذرني من فلَان أهْدَى (إليَّ) لقحة، فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهَا فِي وَجه بعض أَهلِي، فأثبته مِنْهَا بست بكرات فسخطها، لقد هَمَمْت أَن لَا أقبل هَدِيَّة، إِلَّا أَن تكون (من) قرشي، أَو أَنْصَارِي، أَو ثقفي، أَو دوسي» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 «مُسْنده» من حَدِيث أبي معشر، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ بِزِيَادَة: «أُهدي إليَّ نَاقَة، وَهِي نَاقَتي، أعرفهَا كَمَا أعرف بعض أَهلِي، ذهبت مني يَوْم زغابات، فعوضته ... .» الحَدِيث. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا؛ فَقَالَ: يروي طَاوس عَن أبي هُرَيْرَة مُتَّصِلا مَرْفُوعا، وَعَن طَاوس مُرْسلا وَهُوَ الْأَصَح. وَهَذَا طَرِيق آخر لهَذَا الحَدِيث غير مَا أسلفناه، وَلما ذكر عبد الْحق [طريقي] التِّرْمِذِيّ وَأبي دَاوُد السالفين بِتَغَيُّر قَالَ: إسنادهما لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان وَقَالَ: هَذَا (قَول) تبع فِيهِ التِّرْمِذِيّ، وَكم حديثٍ قد احْتج بِهِ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَأحمد بن خَالِد الْوَهْبِي أفرط ابْن حزم القَوْل فِيهِ، وَنسبه إِلَى الْجَهَالَة، وَهُوَ ثِقَة، وَقد ردَّ عَلَيْهِ عبدُ الْحق ذَلِك فِي حَدِيث زيد بن ثَابت: «نهَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أَن تبَاع السّلع حَيْثُ تبْتَاع حَتَّى يحوزها التُّجَّار» (فَحق) الحَدِيث أَنه حسنٌ من طَرِيقَته، والمقبري سمع من أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَمن أبي هُرَيْرَة، كَمَا سمع أَبوهُ، وَقَول التِّرْمِذِيّ: «إِنَّه أصح من حَدِيث يزِيد بن هَارُون» هُوَ بِاعْتِبَار ثُبُوت وَالِد سعيد بَينه وَبَين أبي هُرَيْرَة، وَلَا يفهم (مِنْهُ) تَضْعِيف الحَدِيث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 قلت: وَطَرِيق النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم خَالِيَة من «ابْن إِسْحَاق» ومِنَ «الْوَهْبِي» هَذَا، فَلَا شكّ فِي صِحَّتهَا، وَللَّه الْحَمد. ثمَّ للْحَدِيث طَرِيق ثَالِث أخرجه الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث بكار بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أَيمن بن نابل الْمَكِّيّ، عَن أَبِيه: «أَن رجلا كالأعرابي أهْدَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ناقتين؛ فَعوضهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يرض عوضه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لقد هممتُ أَن لَا أتهب هبة إِلَّا من قرشي، أَو أَنْصَارِي، أَو ثقفي» قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى: رَوَاهُ جمَاعَة عَن بكار. قلت: وبكار هَذَا ذَاهِب الحَدِيث؛ كَمَا قَالَه أَبُو زرْعَة، وأيمن بن نابل بِالْبَاء الْمُوَحدَة، قَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. فَائِدَة: إِنَّمَا اسْتثْنى هَؤُلَاءِ؛ لأَنهم أكْرم الْعَرَب، وَقيل: لِأَنَّهُ (لَيْسَ) فيهم غلظ الْبَادِيَة؛ لأَنهم حَاضِرَة. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنّه، وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرين: أَحدهمَا: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه نحل عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (جادَّ) عشْرين وسْقا، فَلَمَّا مرض قَالَ: وددت أَنَّك حُزْتِيهِ أَو قبضتيه، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال الْوَارِث» . هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن ابْن شهَاب، عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 عُرْوَة، عَن عَائِشَة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت) : «نَحَلَنِي أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (جادَّ) عشْرين وسْقا من مَال الغابة، فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ: وَالله يَا بنية مَا من النَّاس أحبُّ إليَّ غِنىً مِنْك بعدِي، وَلَا أعز عليَّ فقرا بعدِي مِنْك، وَإِنِّي كنتُ نَحَلْتُكِ جادّ عشْرين وسْقا، وَلَو كنت (جددتيه واحتزتيه) لَكَانَ لَك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال الْوَارِث، وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك؛ فَاقْتَسمُوهُ عَلَى كتاب الله. قَالَت: فَقلت: يَا أَبَت، لَو كَانَ كَذَا وَكَذَا لتركته؛ إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء؛ فَمن الْأُخْرَى؟ ! قَالَ: ذُو بطن ابْنة خَارِجَة. أَرَاهَا جَارِيَة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم (أبنا) ابْن وهب، عَن مَالك بن أنس وَيُونُس بن يزِيد وَغَيرهمَا من أهل الْعلم، أَن ابْن شهَاب أخْبرهُم عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «إِن أَبَا بكر الصّديق نحلهَا جدَاد عشْرين وسْقا من مَال بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ: وَالله يَا بنية، مَا من النَّاس أحد أحب إليَّ غِنىً بعدِي مِنْك، وَلَا أعز عليَّ فقرا بعدِي مِنْك، وَإِنِّي كنت نحلتكِ من مَالِي جدَاد عشْرين وسْقا، فَلَو كنت جددتيه واحتزتيه كَانَ (لَك) ذَلِك، وَإِنَّمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 (هُوَ) مَال الْوَارِث، وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك، فَاقْتَسمُوهُ عَلَى كتاب الله - تَعَالَى - فَقَالَت: يَا أبه، وَالله لَو كَانَ كَذَا وَكَذَا لتركته، إِنَّمَا (هِيَ) أَسمَاء؛ فَمن الْأُخْرَى؟ قَالَ: ذُو بطن بنت خَارِجَة. أَرَاهَا جَارِيَة» . قَالَ ابْن عبد الحكم: وأبنا ابْن وهب أَخْبرنِي (عبد الله بن عمر، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة بذلك. وأبنا ابْن وهب) قَالَ: سَمِعت حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان يحدث أَنه سمع الْقَاسِم بن مُحَمَّد يحدث بذلك أَيْضا (إِلَّا) أَنه قَالَ: (أَرضًا يُقَال) لَهَا: تمرد، وَكَانَت عِنْده لم يقبضهَا. وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى أَلْفَاظ هَذَا الْأَثر فِي «تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب» فَرَاجعه مِنْهُ تَجِد نفائس. الْأَثر الثَّانِي: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من وهب هبة يَرْجُو ثَوَابهَا فَهُوَ رد عَلَى صَاحبهَا مَا لم يُثَبْ [مِنْهَا] » . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن دَاوُد بن الْحصين عَن أبي غطفان بن طريف المري أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «من وهب (هبة) لصلة رحم أَو عَلَى وَجه صَدَقَة؛ فَإِنَّهُ لَا يرجع فِيهَا، وَمن وهب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 هبة يرَى أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بهَا الثَّوَاب فَهُوَ عَلَى هِبته، يرجع فِيهَا مَا لم يرض بهَا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن وهب، عَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي، عَن سَالم بن عبد الله (عَن أَبِيه) عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «من وهب هبة لوجه الله فَذَلِك لَهُ، وَمن وهب هبة يُرِيد ثَوَابهَا؛ فَإِنَّهُ يرجع فِيهَا إِن لم يرض (بهَا) » . قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ. قَالَ: وَرَوَاهُ عبيد الله بن مُوسَى عَن حَنْظَلَة، عَن سَالم، عَن [ابْن] عُمر مَرْفُوعا: «من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا مَا لم يثب مِنْهَا» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلّي بن سهل بن الْمُغيرَة عَن عبد الله، وَهُوَ وهم، إِنَّمَا الْمَحْفُوظ الأول. قَالَ: وَقد قيل: عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن مجمع، عَن عَمرو بن دِينَار، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الْوَاهِب أَحَق بَهته مَا لم يثب (مِنْهَا) » . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا الْمَتْن بِهَذَا الْإِسْنَاد أليق، وَإِبْرَاهِيم ضَعِيف عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وعَمرو بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة مُنْقَطع، وَالْمَحْفُوظ عَن عَمرو بن دِينَار عَن سَالم عَن أَبِيه عَن عُمر قَالَ: «من وهب هبة فَلم يثب فَهُوَ أَحَق بهبته إِلَّا لذِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 (محرم) » قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا أصح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ (عَن) الْحسن عَن سَمُرَة مَرْفُوعا: «إِذا كَانَت الْهِبَة لذِي رحم محرم لم يرجع» وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْحَاكِم لما أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» : إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فرواته كلهم ثِقَات، وَعبد الله بن جَعْفَر الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ الرقي، وَهُوَ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَأَخْطَأ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» حَيْثُ قَالَ: ضَعَّفُوهُ. فَإِن الَّذِي ضَعَّفوه هُوَ الْمَدِينِيّ والدُ عَلّي، وَهُوَ مُتَقَدم عَلَى هَذَا، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا (مثل) حَدِيث عمر السالف، وَرُوَاته ثِقَات، وَلَكِن جعله وهما عَلَى مَا نَقله عبدُ الْحق وَغَيره عَنهُ (وَأَن الصَّوَاب عَن ابْن عمر) عَن عُمر قَوْله، وَخَالف ابْن حزم فصححه مَرْفُوعا، وَكَذَا الْحَاكِم لما أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» مَرْفُوعا قَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَن يكون الْحمل (فِيهِ) عَلَى شَيخنَا إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن خَالِد الْهَاشِمِي. وَلما رَوَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 الْبَيْهَقِيّ عَن شَيْخه الْحَاكِم بِسَنَدِهِ قَالَ: إِنَّه وهم، وَإِن الْمَحْفُوظ مَا سلف. وَلما ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من هَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة: ابْن عمر، وَأبي هُرَيْرَة، وَسمرَة، قَالَ: كلهَا ضِعَاف لَيْسَ فِيهَا مَا يَصح. قلت: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بإسنادٍ واهٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 كتاب اللّقطَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 كتاب اللُّقطة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث ثَلَاثَة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول عَن زيد بن خَالِد الجُهَني رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَهُ عَن اللّقطَة، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: اعرف عفاصها ووكاءها، ثمَّ عرِّفها سنة؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا، وَإِلَّا فشأنك بهَا. قَالَ: فضَالة الْغنم؟ قَالَ: هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب. قَالَ: فضَالة الْإِبِل؟ قَالَ: مَا لَك وَلها؟ ! دعها، مَعهَا حذاؤها وسقاؤها، تَرِدُ المَاء وتأكل الشّجر حَتَّى يلقاها ربُّها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّافِعِي عَن مَالك، عَن ربيعَة بن (أبي) عبد الرَّحْمَن، عَن يزِيد مولَى المنبعث، عَن زيد بِهِ، وَهُوَ كَذَلِك فِي «موطئِهِ» . وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك بِهِ، وَفِي لفظ لَهما: «أَنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَن لقطَة الذَّهَب أَو الْوَرق، فَقَالَ: اعرف وكاءها وعفاصها، ثمَّ عرِّفها سنة؛ فَإِن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وَدِيعَة عنْدك، فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدِّها إِلَيْهِ. وَسَأَلَهُ عَن ضَالَّة الْإِبِل، فَقَالَ: مَا لَك وَلها؟ ! دعها (فَإِن) مَعهَا حذاءها وسقاءها، ترد المَاء وتأكل الشّجر حَتَّى يلقاها رَبهَا. وَسَأَلَهُ عَن الشَّاة، فَقَالَ: خُذْهَا؛ فَإِنَّمَا هِيَ لَك، أَو لأخيك، أَو للذئب» . وَلَهُمَا أَلْفَاظ أُخر أَيْضا. فَائِدَة: العفاص - بِكَسْر الْعين وبالفاء -: الْوِعَاء الَّذِي فِيهِ النَّفَقَة سَوَاء أَكَانَ من جلد أَو خرقَة أم من غَيرهمَا، قَالَ الْأَزْهَرِي: وَلِهَذَا تسَمَّى الْجلْدَة الَّتِي تلبس رَأس القارورة عفاصًا؛ لِأَنَّهُ كالوعاء لَهَا، وَلَيْسَ بالصمام، إِنَّمَا الصمام الَّذِي يُسَدُّ بِهِ فَم القارورة من خشب كَانَ أَو من خرقةٍ مَجْمُوعَة. وَعَن الْخطابِيّ: أَن أصل العفاص من الْجلْدَة الَّتِي تلبس رَأس القارورة، وأُطلق عَلَى الْوِعَاء عَلَى طَرِيق التوسُّع، وَالْجُمْهُور عَلَى الأول. و «الوكاء» - ممدودٌ، وَوهم من قصره -: الْخَيط الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأس الْكيس والجراب والقربة وَنَحْو ذَلِك. و «شَأْنك» : مَنْصُوب بإضمار فعل، وَيجوز رَفعه عَلَى الِابْتِدَاء، وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره مُبَاح أَو جَائِز. و «الْحذاء» : الْخُف. و «السقاء» : الْجوف؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذ مَاء كثيرا فِي جوفها، فتبقي عَلَيْهِ أَكثر مَا تبقي سَائِر الْحَيَوَانَات، قَالَه الْأَزْهَرِي، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: أَرَادَ أعناقها الَّتِي تتوصل بهَا [إِلَى المَاء] فَلَا تحْتَاج إِلَى (تقريب) الرَّاعِي ومعونته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 (تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي الْبَاب أَحَادِيث أخر نأتي بِبَعْضِهَا فِي الْأَثْنَاء. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: فِي الْبَاب عَن أبي بن كَعْب وَعبد الله بن عَمْرو والجارود بن الْمُعَلَّى وَجَرِير بن عبد الله) . الحَدِيث الثَّانِي عَن عِيَاض بن حمَار رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من الْتقط لقطَة فليشهد عَلَيْهَا ذَا عدل، أَو ذَوي (عدل) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «ثمَّ لَا يكتم وَلَا (يُغَيِّب) فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَهُوَ أَحَق بهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَال الله يُؤتيه من يَشَاء» . وَزَاد الْبَيْهَقِيّ بعد قَوْله «ثمَّ لَا يكتم» : «وليعرِّفه» وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «فليشهد ذَوي عدلٍ، وليحفظ عفاصها ووكاءها؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَلَا يكتم، وَهُوَ أَحَق بهَا، وَإِن لم يجِئ صاحبُها فَإِنَّهُ مَال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 الله يؤتيه من يَشَاء» وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَلم يسق مَتنه، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» من طرق إِلَى عِيَاض، فِي بَعْضهَا ذكر الْإِشْهَاد، وَفِي بَعْضهَا «شَاهِدين ذَوي عدل» من غير شكّ. قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : (أضمر) فِي الْخَبَر: «إِن لم يجِئ صَاحبهَا، (وَإِلَّا) فَهُوَ مَال الله يؤتيه من يَشَاء» . قلت: هَذَا لَا شكّ فِيهِ، وَقد صرح بِهِ الطَّبَرَانِيّ فِي بعض رواياته فِي «أكبر معاجمه» فَقَالَ: «إِن لم تَجِد صَاحبهَا فَهُوَ مَال الله يؤتيه من يَشَاء» . فَائِدَة: حمَار هَذَا هُوَ عَلَى لفظ الْحمار (الْمَعْرُوف) وَضَبطه، ووالده ابْن أبي حمَار، وَقيل: ابْن عرْفجَة، وعياض صَحَابِيّ مجاشعي بَصرِي، كَانَ صديقا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَدِيما، وَله غير هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة عِيَاض بن حمَار غَيره، وَفِي أَفْرَاد الصَّحَابَة أَيْضا حمَار لقب الَّذِي كَانَ يُهْدي لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - العكة من السّمن وَالْعَسَل (ويضحكه) . فَائِدَة ثَانِيَة: رَوَى مَالك بن عُمير عَن أَبِيه نَحوا من هَذَا الحَدِيث، وَلَفظه: أنَّهُ سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن اللّقطَة؛ فَقَالَ: عرِّفها؛ فَإِن وجدت من يعرفهَا فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فاستمتع بهَا، وَأشْهد بهَا عَلَيْك، فَإِن جَاءَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 صَاحبهَا فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَال الله - تَعَالَى - يؤتيه من يَشَاء» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» . الحَدِيث الثَّالِث رُوي فِي بعض الْأَخْبَار: «من الْتقط لقطَة يسيرَة فليعرفها ثَلَاثَة أَيَّام» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عمر بن عبد الله بن يعْلى، عَن جدَّته حُكيمة - بِضَم الْحَاء - عَن يعْلى بن مُرة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من الْتقط لقطَة يسيرَة، حبلاً أَو درهما أَو شبه ذَلِك [فليعرفه] ثَلَاثَة أَيَّام؛ فَإِن كَانَ فَوق ذَلِك فليعرِّفْه سِتَّة أَيَّام» هَذَا لفظ الْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ أَحْمد «من الْتقط لقطَة يسيرَة درهما أَو حبلاً أَو شبه ذَلِك فليعرفه ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن كَانَ فَوق ذَلِك فليعرفه (سَبْعَة) أَيَّام» وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: «من الْتقط لقطَة يسيرَة (ثوب أَو شبهه) فليعرفه ثَلَاثَة أَيَّام، وَمن الْتقط أَكثر من ذَلِك سِتَّة أَيَّام؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا، وَإِلَّا فليتصدق بهَا، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فليخبره» . رَوَاهُ أَحْمد عَن يزِيد بن هَارُون، ثَنَا إِسْرَائِيل [بن] يُونُس، عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 (عمر) وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبيد الله بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، عَن إِسْرَائِيل كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عمر هَذَا، وَقد ضعفه يَحْيَى بن معِين، ورماه جرير بن عبد الحميد وغيرُه بِشرب الْخمر. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه مَتْرُوك. وَجزم بضعفه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا، وَقَالَ عبد الْحق: إِنَّه مُنكر الحَدِيث ضعيفه، ذكره ابْن أبي حَاتِم بعد أَن رَوَاهُ عَن حُكيمة عَن أَبِيهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من الْتقط لقطَة يسيرَة درهما أَو حبلاً (أَو شبه) ذَلِك فليعرفه ثَلَاثَة أَيَّام» وَقَالَ: يُقَال: هِيَ حُكيمة بنت غيلَان الثقفية. قلت: تروي عَن زَوجهَا «يعْلى» فَقَط، وَفِي «مُسْند أَحْمد» رِوَايَتهَا هَذَا الحَدِيث عَن أَبِيهَا يعْلى، وَهُوَ فِي «الطَّبَرَانِيّ» و «الْبَيْهَقِيّ» رِوَايَته عَنْهَا عَن يعْلى، من غير تعْيين أَنه والدها، فَلْيتَأَمَّل ذَلِك. وَأما ابْن الْقطَّان: فَقَالَ فِي كِتَابه «الْوَهم وَالْإِيهَام» : حكيمة وأبوها مَجْهُولَانِ. وَهُوَ عجيبٌ مِنْهُ، وَتبع فِي ذَلِك ابْن حزم؛ فَإِنَّهُ لما ذكر هَذَا الحديثَ فِي «محلاه» قَالَ: لَا شَيْء، إِسْرَائِيل ضَعِيف، وَعمر بن عبد الله مَجْهُول، وحُكيمة عَن أَبِيهَا أنكر وَأنكر، ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض. هَذَا لَفظه، وَقَوله فِي إِسْرَائِيل عَجِيب؛ فقد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّاس، وَرَوَاهُ عَنهُ يزِيد بن هَارُون وَعبيد الله بن مُوسَى، كَمَا سلف وَقَوله فِي عُمر أعجب مِنْهُ؛ فقد رَوَى عَنهُ جماعات، نعم هُوَ ضَعِيف، وَقَوله فِي حكيمة قد عرفت مَا فِيهَا، وَقَوله فِي يعْلى أغرب وَأغْرب، فقد أسلفنا من عِنْد أَحْمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَنه (يعْلى) بن مُرَّة، وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور، وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث أَحْمد فِي «مُسْنده» كَمَا أسلفناه، وَتَبعهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامعه» . وَكَأن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ لمَّا استشعر ضعف هَذَا الحَدِيث قَالَ: إِنَّه رُوي فِي بعض الْأَخْبَار. وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «نهايته» : إِن بعض المصنِّفين - وعنى بِهِ الفوراني فِي «الْإِبَانَة» - (اسْتدلَّ) بِهَذَا الحَدِيث، (ثمَّ قَالَ) : وَهَذَا إِن صَحَّ مُعْتَمد ظَاهر. الحَدِيث الرَّابِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «مَا كَانَت الْأَيْدِي تقطع فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الشَّيْء التافه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة من حَدِيثهَا أَنَّهَا قَالَت: لم تكن تُقْطع يَد السَّارِق عَلَى عهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أدنَى من ثمن الْمِجَن ترس أَو حجفة، و (كَانَ) كل وَاحِد مِنْهُمَا ذُو ثمن، وَإِن يَد السَّارِق لم تكن تقطع فِي زمن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الشَّيْء التافه» وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» إِلَى قَوْله: « (ذُو) ثمن» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ الثَّانِي من كَلَام عُرْوَة، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظ من قَول عُرْوَة، فقد [رَوَاهُ عَبدة] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 بن سُلَيْمَان، وميز كَلَام عُرْوَة من كَلَام عَائِشَة، فَجعل الْقطعَة الْأَخِيرَة من كَلَامه، والقطعة الأولَى من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. تَنْبِيه: وَقع فِي كَلَام ابْن معِين أَن حَدِيث عَائِشَة هَذَا رَوَاهُ مُسلم، وَمرَاده أَصله لَا كُله، وَوَقع فِي «الْمُفْهم» للقرطبي عزو حَدِيث: «لم يكن (يَد) السَّارِق تقطع فِي الشَّيْء التافه» إِلَى البُخَارِيّ، وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَصله كَمَا أعلمتك، فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الْخَامِس «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وجد دِينَارا، فَسَأَلَ (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: هَذَا رزقك؛ فاشتر بِهِ دَقِيقًا وَلَحْمًا. فَأكل مِنْهُ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وعليٌّ وَفَاطِمَة، ثمَّ جَاءَ صاحبُ الدِّينَار يُنشد الدِّينَار، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا عَلّي، أَدِّ الدِّينَار» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث عبيد الله بن مقسم، عَن رجل، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وجد دِينَارا، فَأَتَى بِهِ فَاطِمَة [فَسَأَلت] عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : هُوَ رزق (الله) فَأكل مِنْهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأكل عَلّي وفاطمةُ، فلمَّا كَانَ بعد ذَلِك أَتَتْهُ امْرَأَة تُنشد الدِّينَار، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا عَلّي، أدِّ الدِّينَار» . وَرجل هَذَا مَجْهُول، لَا يعرف من هُوَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 ثَانِيهَا: من حَدِيث بِلَال بن يَحْيَى الْعَبْسِي عَن عَلّي: «أَنه الْتقط دِينَارا فَاشْتَرَى بِهِ دَقِيقًا، فَعرفهُ صَاحب الدَّقِيق؛ فردَّ عَلَيْهِ الدِّينَار، فَأَخذه عَلّي (فَقطع) مِنْهُ قيراطين، فَاشْتَرَى بِهِ لَحْمًا» . وبلال هَذَا رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، وَعَن عمر بن الْخطاب، وَهُوَ مَشْهُور بالرواية عَن حُذَيْفَة، وَقيل عَنهُ بَلغنِي عَن حُذَيْفَة، وَفِي سَمَاعه مِنْ عَلّي نظر. قَالَه كُله الْمُنْذِرِيّ. ثَالِثهَا: من حَدِيث مُوسَى بن يَعْقُوب (الزمعِي) عَن أبي حَازِم، عَن سهل بن سعد: «أَن عَلّي بن أبي طَالب دخل عَلَى فَاطِمَة، وَحسن وحسين يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: مَا يبكيهما؟ ! قَالَت: الْجُوع! فَخرج عَلّي فَوجدَ دِينَارا بِالسوقِ، فجَاء إِلَى فَاطِمَة فَأَخْبرهَا، فَقَالَت: اذْهَبْ إِلَى فلَان الْيَهُودِيّ فَخذ لنا دَقِيقًا. فجَاء إِلَى الْيَهُودِيّ فَاشْتَرَى بِهِ دَقِيقًا، فَقَالَ الْيَهُودِيّ: أَنْت ختن هَذَا الَّذِي يزْعم أَنه رَسُول الله؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَخذ دينارك وَلَك الدَّقِيق. فَخرج عَلّي حَتَّى جَاءَ بِهِ فَاطِمَة فَأَخْبرهَا، فَقَالَت: اذْهَبْ إِلَى فلَان الجَزَّار فَخذ لنا مِنْهُ بدرهم لَحْمًا. فَذهب فرهن الدِّينَار بدرهم لحم، فجَاء بِهِ، فعجنت (ونصبت) وخبزت، وَأرْسلت إِلَى أَبِيهَا فَجَاءَهُمْ (فَقَالَ) : يَا رَسُول الله، أذكرُ لَك، فَإِن رَأَيْته حَلَالا أكلنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 وأكلت مَعنا، من شَأْنه كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: كُلُوا بِسم الله. فَأَكَلُوا مِنْهُ، فَبينا هم مكانهم إِذا غلامٌ ينشد الله وَالْإِسْلَام الدِّينَار، فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، [فدعي لَهُ] فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سقط مِني فِي السُّوق. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا عَلّي، اذْهَبْ إِلَى الجزار فَقل لَهُ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول لَك: أرسل إليَّ بالدينار ودرهمك عليَّ. فَأرْسل بِهِ، فَدفعهُ إِلَيْهِ» . ومُوسَى هَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ وبرواياته عِنْدِي. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَذكره من هَذَا الطَّرِيق صاحبُ «الْإِلْمَام» . وَله طَرِيق رَابِع: أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن أبي بكر بن أبي سُبْرَة، عَن شريك بن عبد الله، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: «أَن عليًّا جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِدِينَار وجده فِي السُّوق، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عرِّفه ثَلَاثًا. فَفعل فَلم يجد أحدا يعرفهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كُله ... » وَذكر الحَدِيث، وَفِي آخِره: «فَجعل أجل الدِّينَار وَشبهه ثَلَاثَة أَيَّام» . وَهَذَا إِسْنَاد واه، أَبُو بكر بن أبي سُبْرَة وضَّاع، كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره، وَشريك هُوَ ابْن عبد الله بن أبي نمر، وَقد تُكلم فِيهِ، لكنه من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» من هَذَا الْوَجْه، فَقَالَ: أَنا الدَّرَاورْدِي، عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عَن عَطاء بن يسَار، عَن عَلّي: «أَنه وجد دِينَارا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمره أَن يعرِّفه فَلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 يُعرف، فَأمره أَن يَأْكُلهُ، ثمَّ جَاءَ صَاحبه، فَأمره أَن يغرمه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : كَذَا فِي رِوَايَة الشَّافِعِي التَّعْرِيف، وَقد رُوي فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَسَهل بن سعد مَا دلّ عَلَى أَنه فِي الْوَقْت اشْتَرَى بِهِ طَعَاما، ثمَّ فِي حَدِيث أبي سعيد «أَن امْرَأَة أَتَت تُنشد الدِّينَار» وَفِي حَدِيث سهل: «إِذا غُلَام ينشده، فَأمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بِأَدَائِهِ» قَالَ: وَالْأَحَادِيث فِي اشْتِرَاط المُدَّة أَكثر وَأَصَح إِسْنَادًا من هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَعَلَّه إِنَّمَا أنفقهُ قبل مُضي مُدَّة التَّعْرِيف للضَّرُورَة، وَفِي حَدِيثهمَا مَا دلّ [عَلَيْهِ] وَقَالَ فِي «سنَنه» : ظَاهر حَدِيث عَلّي هَذَا يدل عَلَى أَنه أنفقهُ قبل التَّعْرِيف فِي الْوَقْت (قَالَ:) وَقد روينَا عَن عَطاء بن يسَار، عَن عَلّي فِي هَذِه الْقِصَّة: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أمره أَن (يعرِّفه) فَلم يعْتَرف؛ فَأمره أَن يَأْكُلهُ» قَالَ: وَظَاهر تِلْكَ الرِّوَايَة أَنه شَرط التَّعْرِيف فِي الْوَقْت، وأباح أكله قبل مُضِي السَّنة، وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي اشْتِرَاط التَّعْرِيف سنة فِي جَوَاز الْأكل أصح وَأكْثر، فَهِيَ أولَى. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ إِنْفَاقه قبل مُضِي سنة لوُقُوع الِاضْطِرَار [إِلَيْهِ] والقصة تدل عَلَيْهِ. قَالَ: وَيحْتَمل أَنه لم يشْتَرط مُضِي سَنَة فِي قَلِيل اللّقطَة. قَالَ: وَفِي متن هَذَا الحَدِيث اخْتِلَاف، وَفِي (إِسْنَاده) ضعف. قلت: وَالِاحْتِمَال الأول جزم بِهِ القَاضِي أَبُو الطّيب، فَقَالَ: لَعَلَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 عليًّا لم يُعَرِّفه لاضطراره إِلَيْهِ، والمضطر يجوز لَهُ الِانْتِفَاع من مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه. وَقَالَ غَيرهمَا: (لَعَلَّ تَأْوِيله) أَن التَّعْرِيف لَيْسَ لَهُ صِيغَة (يتعبد) بهَا، فمراجعة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى (مَلأ من) النَّاس إعلانٌ بِهِ، وَهَذَا (يُؤَكد) الِاكْتِفَاء بالتعريف مَرَّةً وَاحِدَة، قَالَ (هَذَا) الْقَائِل: وَإِنَّمَا (أول) لِأَنَّهُ لم يضر أحدا إِلَى إِسْقَاط أصل التَّعْرِيف. الحَدِيث السَّادِس رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من وجد طَعَاما فليأكله وَلَا يُعَرِّفه» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ وَلم يذكر فِيهِ: «وَلَا يعرِّفه» وَلَفظه: «من الْتقط طَعَاما فليأكله» وَهُوَ غَرِيب، لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتاب حديثٍ. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب و «التذنيب» : (هَذَا الحَدِيث) بِهَذَا اللَّفْظ لَا ذكر لَهُ فِي الْكتب - يَعْنِي: بِلَفْظ الْغَزالِيّ - نعم قد يُوجد فِي كتب الْفِقْه: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ فِيمَن وجد طَعَاما أكله وَلم يعرفهُ» قَالَ: وَالْأَكْثَرُونَ لم ينقلوا فِي الطَّعَام حَدِيثا، وَأخذُوا حكم مَا يفْسد من الطَّعَام من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي ضَالَّة (الْغنم) : «هِيَ لَك، أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 لأخيك ... » الحَدِيث، عَلَى عكس مَا فعل الْغَزالِيّ فِي الْكتاب؛ حَيْثُ جعل الحَدِيث فِي الطَّعَام أصلا، ثمَّ قَالَ: وَفِي مَعْنَاهُ: الشَّاة. وَكَذَا قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» : هَذَا الحَدِيث لم أره فِيمَا وقفتُ عَلَيْهِ من كتب أَصْحَابنَا - يَعْنِي: الْفُقَهَاء. الحَدِيث السَّابِع قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي حَدِيث زيد بن خَالِد: «فَإِن جَاءَ صاحبُها وَإِلَّا فشأنك بهَا» وَلم يفرِّق بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه أول الْبَاب. الحَدِيث الثَّامِن رُوي «أَن أبي بن كَعْب وَجَدَ صُرة فِيهَا دَنَانِير، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ، فَقَالَ: عرفهَا حولا؛ فَإِن (جَاءَ) صَاحبهَا (فعَرَفَ) عَددهَا ووكاءَها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فاستمتع بهَا - وَكَانَ أُبي [عِنْده] من المياسير» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: «خرجت أَنا وَزيد بن صوحان وسلمان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 بن ربيعَة [غازين] فَوجدت سَوْطًا فَأَخَذته، فَقَالَا لي: دَعه. فَقلت: لَا، وَلَكِنِّي أُعرّفه (فَإِن جَاءَ) صَاحبه، وَإِلَّا استمتعتُ بِهِ [قَالَ: فأبيت عَلَيْهِمَا] ، فلمَّا رَجعْنَا من غزاتنا قُضي لي [أَنِّي] حججْت، فَأتيت الْمَدِينَة، فلقيتُ أُبي بن كَعْب فَأَخْبَرته بشأن (السَّوْط) وبقولهما، فَقَالَ: إِنِّي وجدت صرة فِيهَا مائَة دِينَار عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَأتيت بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] فَقَالَ: عرِّفها حولا. قَالَ: فعرَّفتها فَلم أجد من يعرفهَا، ثمَّ أتَيته، فَقَالَ: عرِّفها حولا [فعرفتها] فَلم أجد من يعرفهَا، ثمَّ أتيتُه فَقَالَ: عرِّفها (حولا) فعرَّفتها، فَلم أجد من يعرفهَا فَقَالَ: (احفظ عَددهَا ووعاءها ووكاءها؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فاستمتع بهَا. قَالَ: فاستمتعتُ بهَا. فَلَقِيته بعد ذَلِك بِمَكَّة، فَقَالَ: لَا أَدْرِي بِثَلَاثَة أَحْوَال أَو حَول وَاحِد» وَفِي رِوَايَة لَهما: «قَالَ شُعْبَة: فسمعتُه - يَعْنِي: سَلمَة بن كهيل - بعد عشر سِنِين (يَقُول: عرفهَا) عَاما وَاحِدًا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن جَاءَ أحد يُخْبِرك بعددها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 ووعائها ووكائها فأعِطها إِيَّاه» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَإِلَّا [فَهِيَ] كسبيل مَالِك» . وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: «لَا أَدَعهُ تَأْكُله السبَاع» يَعْنِي: السَّوْط. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَأَن سَلمَة بن كهيل [كَانَ] يشك فِيهِ، ثمَّ تذكره فَثَبت عَلَى (عَام) واحدٍ. قَالَ: وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي اشْتِرَاط التَّعْرِيف سنة فِي جَوَاز (الْأكل) أصح وَأكْثر فَهِيَ أولَى، وَنقل القَاضِي أَبُو الطّيب بن الصّباغ عَن ابْن الْمُنْذر أَن الْمُسلمين أَجمعُوا عَلَى أَنه لَا يجب تَعْرِيفهَا ثَلَاثَة أحوالٍ، وَإِنَّمَا يجب حولا (وَاحِدًا) قَالَ: فَدَلَّ إِجْمَاعهم عَلَى أَن تِلْكَ الرِّوَايَة فِي الثَّلَاث غير صَحِيحَة. وَهَذَا غَرِيب مِنْهُ؛ فَهِيَ ثَابِتَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» كَمَا أسلفتها. الحَدِيث التَّاسِع «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله؛ مَا نجد فِي السَّبِيل (العامر) من اللّقطَة؟ قَالَ: عرِّفها حولا؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا، وَإِلَّا فَهِيَ لَك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئل عَن اللّقطَة، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهَا (فِي) طَرِيق الميتاء والقرية الجامعة فعرِّفها سنة؛ فَإِن جَاءَ طالبها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الخراب - يَعْنِي: (فَفِيهَا) وَفِي الرِّكَاز الخُمس» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من هَذَا الْوَجْه، بِلَفْظ: «سَمِعت رجلا من مزينة يسْأَل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، اللّقطَة فِي السَّبِيل العامر؟ فَقَالَ: عرِّفها حولا، فَإِن وُجِدَ باغيها فأدِّها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك» . وَفِي إِسْنَاد أبي دواد وَأحمد عنعنة ابْن إِسْحَاق. فَائِدَة: الميتاء: المسلوكة قَدِيما، سُميت بذلك لإتيان النَّاس لَهَا، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ، قَالَ: ويُروى: «فِي طَرِيق مأتي» سُمِّي بذلك لإتيان النَّاس إِلَيْهَا. وَعبارَة ابْن الْأَثِير: الميتاء المطروق الَّذِي يَأْتِيهِ الناسُ كثيرا. الحَدِيث الْعَاشِر قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فشأنك بهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدم أول الْبَاب من طَرِيق زيد بن خَالِد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن هَذَا الْبَلَد حرَّمه الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، لَا يُعضد شوكه، وَلَا يُنفر صَيْده، وَلَا تُلتقط لُقطته، إِلَّا من عرَّفها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مطولا كَمَا سبق فِي مُحرمَات الْإِحْرَام. قَالَ الرَّافِعِيّ: ويُروى: «لَا تحل لقطته إِلَّا لِمُنْشِد» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة (صَحِيحَة) خرجها البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور. فَائِدَة: فِي «المنشد» قَولَانِ: أَحدهمَا: قَول أبي عبيد أَنه صَاحبهَا الطَّالِب، والناشد هُوَ الْوَاجِد، أَي لَا يحل أَن يُعْطِيهَا أحدا إِلَّا مَالِكهَا. وَالثَّانِي: قَول الشَّافِعِي: إِن المنشد الْوَاجِد، والناشد الْمَالِك، أَي وَلَا تحل إِلَّا لمعرف يعرفهَا وَلَا يتملكُها. الحَدِيث الثَّانِي عشر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «فَإِن جَاءَ (باغيها) فَعرف عفاصها (ووكاءها) فادفعها إِلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث حَمَّاد، ثَنَا سَلمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 بن كهيل، عَن سُوَيْد بن غَفلَة ... فَذكر الحَدِيث عَن أُبي بن كَعْب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي اللّقطَة قَالَ فِي التَّعْرِيف: «عرفهَا عَاميْنِ أَو [ثَلَاثَة] ) وَقَالَ: «اعرف عَددهَا ووكاءها ووعاءها واستنفع بهَا؛ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَعرف عَددهَا ووكاءها (فادفعها) إِلَيْهِ» . وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ [يَقُول هَذِه الْكَلِمَة] إِلَّا حَمَّاد [يَعْنِي] : (فَعرف عَددهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد أخرجه مُسلم من حَدِيث بهز عَن حَمَّاد بن سَلمَة، وَهَذِه اللَّفْظَة قد أَتَى بمعناها سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن سُوَيْد بن غَفلَة، عَن أُبي بن كَعْب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي اللّقطَة، فَقَالَ: «اعرف) عَددهَا ووكاءها ووعاءها؛ فَإِن جَاءَ أحد أخْبرك بعددها ووكائها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فاستمتع بهَا» أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن نمير، عَن الثَّوْريّ، ثمَّ ذكر حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ الَّذِي أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد وَرَبِيعَة، عَن يزِيد مولَى المنبعث عَنهُ، وَلَفظه: «فَإِن جَاءَ باغيها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 فَعرف عفاصها (ووكاءها) وعددها: فادفعها إِلَيْهِ» ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حَمَّاد، عَن عبيد الله بن عُمر، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن (عَمْرو) (مَوْقُوفا) وَمَرْفُوعًا، وَفِيه: «فَإِن جَاءَ صاحبُها فَعرف عَددهَا وعفاصها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك» . قَالَ أَبُو دَاوُد: و (هَذِه) الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا حَمَّاد بن سَلمَة فِي حَدِيث سَلمَة بن كهيل وَيَحْيَى بن سعيد وَرَبِيعَة وَعبيد الله: «إِن جَاءَ صَاحبهَا فَعرف عفاصها ووكاءها فادفعها إِلَيْهِ) لَيست بمحفوظة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَيْنَاهُ عَن الثَّوْريّ، عَن سَلمَة بن كهيل. ثمَّ قَالَ: وَيُشبه أَن تكون غير مَحْفُوظَة، كَمَا قَالَه أَبُو دَاوُد. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوي: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر عليًّا أَن يغرم الدِّينَار الَّذِي وجده؛ لما جَاءَ صَاحبه» . هَذَا الحَدِيث سلف (بَيَانه) فِي الْبَاب وَاضحا. وَذكر الرَّافِعِيّ أثْنَاء الْبَاب أَن الجحش وصغار مَا لَا يُؤْكَل حكمهَا فى الْإِمْسَاك وَالْبيع حكم الْمَأْكُول، وَهل يجوز تملُّكه فِي الْحَال؟ فِيهِ وَجْهَان: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 أَحدهمَا: نعم، كَمَا يجوز أكل الْمَأْكُول. وأصحهما: لَا، حَتَّى يعرِّفها سنة كَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ أكل الشَّاة للْحَدِيث. هَذَا لَفظه؛ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يَقْتَضِي أكلهَا فِي الْحَال. وَذكر الرافعيُّ فِي الْبَاب من الْآثَار: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَت لَهُ حَظِيرَة يحفظ فِيهَا الضَّوال» . وَهُوَ (حسنٌ أَو) صحيحٌ، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن ابْن شهَاب، أَنه سَمعه يَقُول: «كَانَ ضوال الْإِبِل فِي زمَان عُمر بن الْخطاب إبِلا مؤبلة تتناتج، لَا يمسُّها أحدٌ، حَتَّى إِذا كَانَ زمَان عُثْمَان بن عَفَّان أَمر (بتعريفها) ثمَّ تبَاع؛ فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا أُعطي ثمنهَا» مَعْنَى «موثلة» : مُهْملَة. وَذكر فِيهِ أَيْضا من الْآثَار، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «لَا بَأْس بِمَا دون الدِّرْهَم أَن يستنفع بِهِ» وَهُوَ غَرِيب، لَا يحضرني من خَرَّجه عَنْهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 كتاب اللَّقِيط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 كتاب اللَّقِيط ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة آثارٍ: أَحدهَا: عَن (سِنِين أبي) جميلَة: «أَنه وجد مَنْبُوذًا، فجَاء بِهِ إِلَى عمر بن الْخطاب، فَقَالَ: مَا حملك عَلَى أَخذ هَذِه النَّسمة؟ فَقَالَ: وجدتُها ضائعة فأخذتها. فَقَالَ عريفه: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه رجل صَالح. فَقَالَ: كَذَلِك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: اذْهَبْ فَهُوَ حر، وَلَك وَلَاؤُه، وعلينا نَفَقَته» . هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو جميلَة: (وجدت مَنْبُوذًا، فَلَمَّا رَآنِي عمر قَالَ: عَسى الغوبر أبؤسًا. كَأَنَّهُ يتهمني، قَالَ عريفي: إِنَّه رجل صَالح. قَالَ: كَذَلِك، اذْهَبْ وعلينا نَفَقَته) . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن ابْن شهَاب، عَن أبي جميلَة رجل من بني سليم: «أَنه وجد مَنْبُوذًا فِي زمَان عمر بن الْخطاب، فجَاء بِهِ إِلَى عمر بن الْخطاب، فَقَالَ: مَا حملك عَلَى أَخذ هَذِه النَّسمَة؟ قَالَ: وَجدتهَا ضائعة فأخذتها. فَقَالَ لَهُ عريفي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه رجل صَالح. فَقَالَ: أَكَذَلِك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: اذْهَبْ ... » فَذكره إِلَى آخِره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك، كَذَلِك قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة وَقَالَ غَيره - يَعْنِي الشَّافِعِي - عَن مَالك: «وَنَفَقَته علينا من بَيت المَال» . قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: «وَلَك وَلَاؤُه» أَي (أجرته) وَالْقِيَام بحفظه، فأمَّا الْوَلَاء الْمَعْرُوف فَإِنَّمَا هُوَ للْمُعْتق؛ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق» . قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَأَبُو جميلَة رجل مَجْهُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد قَالَه الشَّافِعِي أَيْضا فِي كتاب الْوَلَاء، فَإِن ثَبت كَانَ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَاهُ. قلت: أَبُو جميلَة (هَذَا عده) ابْن حبَان وَابْن مَنْدَه وَغَيرهمَا فِي الصَّحَابَة، وَأخرج لَهُ (البُخَارِيّ) فِي الْمَغَازِي من «صَحِيحه» : أَنه أدْرك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وحَجَّ مَعَه عَام الْفَتْح، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حج مَعَه حجَّة الْوَدَاع. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَزيد بن أسلم. قلت: وَرَوَى أَيْضا عَن أبي بكر، وعُمرَ أَيْضا. فَائِدَة: «سُنَين» هَذَا: بسين مُهْملَة مَضْمُومَة، ثمَّ نون مَفْتُوحَة، وَوَقع فِي نُسَخ الرَّافِعِيّ بِالْفَاءِ بدلهَا، وَهُوَ من تَحْرِيف (النساخ) ثمَّ يَاء مُخَفّفَة، وحُكي تشديدها، ثمَّ نون. و «جَمِيلة» : بِفَتْح الْجِيم، وَكسر الْمِيم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 فَائِدَة ثَانِيَة: اسْم هَذَا العريف: سِنَان، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي «تَعْلِيقه» وَقد أوضحت (طَرِيق) هَذَا الْأَثر وفوائده فِي «تخريجي لأحاديث المهذَّب» فأغنى عَن ذكره هُنَا؛ فسارع إِلَيْهِ تَجِد مُهمات ونفائس، وَللَّه الْحَمد. الْأَثر الثَّانِي: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دَعَاهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل بُلُوغه إِلَى الْإِسْلَام؛ فَأَجَابَهُ» . وَهَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ. رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (أبي) عبد الله الشَّامي، عَن النجيب بن السّري قَالَ: قَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فى حديثٍ ذكره: «سبقتهم إِلَى الْإِسْلَام قِدمًا غُلَاما، مَا بلغتُ أَوَان حُلُمِى» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا شَائِع فِيمَا بَين النَّاس من قَول عَلّي، إِلَّا أَنه لم يَقع إِلَيْنَا بإسنادٍ يُحتج بِمثلِهِ. قَالَ: وَاخْتلف أهل الْعلم فِي سِنِّه يَوْم أسلم، فَروِيَ عَن عُرْوَة: «أَنه أسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين» وَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَمُجاهد: «أَنه كَانَ ابْن عشر» وَعَن شريك: «ابْن إِحْدَى عشرَة» وَعَن الْحسن وَغَيره: «ابْن خمس عشرَة أَو سِتّ عشرَة» وَعَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ دفع الرَّايَة إِلَى عَلّي يَوْم بدر وَهُوَ ابْن عشْرين سنة» . وَهَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ووقعة بدر كَانَت بَعْدَمَا قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ الْمَدِينَة بِسنة وَنصف، وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار مقَامه بِمَكَّة بَعْدَمَا بُعث، فَقيل: عشرا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 وَقيل: ثَلَاث عشرَة، وَقيل: خمس عشرَة، فَإِن كَانَت عشرا وَصَحَّ أَن عليًّا كَانَ ابْن عشْرين (سنة) يَوْم بدر: رَجَعَ سنه يَوْم أسلم إِلَى قريب مِمَّا قَالَه عُرْوَة بن الزبير، وَإِن كَانَت ثَلَاث عشرَة أَو خمس عشرَة (فَإلَى) أقل من ذَلِك. قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي سنّ عَلّي يَوْم قُتل؛ فَقيل: خمس وسُتُّون، وَقيل: ثَلَاث و (سِتُّونَ) ، وَقيل أقل من ذَلِك، وأشهره: ثَلَاث وَسِتُّونَ عَلَى رَأس أَرْبَعِينَ من مهَاجر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَيرجع سِنُّه يَوْم أسلم عَلَى قَول من قَالَ: (مكث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَكَّة عشرا إِلَى ثَلَاث عشرَة. وَعَلَى قَول من قَالَ) ثَلَاث عشرَة؛ إِلَى عشر سِنِين. فَفِي أَكثر الرِّوَايَات كَانَ بلغ من السِّن حِين صَلَّى مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قدرا يحْتَمل أَن يكون احْتَلَمَ (فِيهِ) وَمَا رُوي من الشِّعر (فَيحْتَمل التَّأْوِيل) مَعَ ضعف إِسْنَاده، عَلَى أَن الحكم بِصِحَّة قَول الْبَالِغ دون الصَّبِي الْمُمَيز وَقع (شَرعه) بعد إِسْلَام عَلّي، فإسلامه كَانَ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ إِمَّا لِأَنَّهُ بَقِي حَتَّى وصف الْإِسْلَام بعد بُلُوغه، أَو لِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خاطبه بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَام، وَغَيره من الصّبيان غير مُخاطَب، أَو لِأَن قَول الصَّبِي الْمُمَيز إِذْ ذَاك كَانَ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ قبل وُرُود الشَّرْع بِغَيْرِهِ، أَو كَانَ قد احْتَلَمَ فَصَارَ بَالغا. هَذَا وَقد ذهب الْحسن الْبَصْرِيّ وغيرُ وَاحِد فِي رِوَايَة قَتَادَة إِلَى أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 عليًّا أسلم وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة، أَو سِتّ عشرَة سنة، كَمَا مَضَى ذكره. وضعَّف ابْن الْجَوْزِيّ مقَالَة الْحسن هَذِه، قَالَ: فَإِن كَانَ لَهُ يَوْم المبعث ثَمَان سِنِين وعاش بعد المبعث ثَلَاثًا وَعشْرين سنة، وَبَقِي بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحْو الثَّلَاثِينَ، فَهَذِهِ مقاربة السِّتين، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح فِي مِقْدَار عمره. ثمَّ رَوَى عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: «قُتل عَلّي وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين» . قَالَ: وَمَتى قُلْنَا أَنه كَانَ (لَهُ) يَوْم إِسْلَامه خَمْسَة عشر صَار عمره ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ، وَلم يقل بِهِ أحد. الْأَثر الثَّالِث: عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه اسْتَشَارَ الصَّحَابَة فِي نَفَقَة اللَّقِيط، فَقَالُوا: فِي بَيت المَال» . وَهَذَا الْأَثر تبع فِي إِيرَاده الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب «المهذَّب» وَلم أَقف عَلَى من خرجه، (وَأثر عمر السالف فِي قَوْله «وَنَفَقَته علينا من بَيت المَال» مُغنِي عَنهُ) وَاقْتَضَى كَلَام (ابْن الْمُنْذر) أَن ذَلِك قَول عَامَّة أهل الْعلم. الْأَثر الرَّابِع: أَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ «الْغُلَام) ألحقهُ الْقَافة بالمتنازعين مَعًا: أَيُنسب؟ !» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 رَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن أنس بن (عِيَاض) ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن يَحْيَى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب: «أَن رجلَيْنِ تداعيا، فَدَعَا لَهُ عمرُ الْقَافة، فَقَالُوا: لقد اشْتَركَا فِيهِ. فَقَالَ عُمر: وَإِلَى أَيهمَا يُنْسَبُ؟» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، عَن عمر بِمثل مَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مطرف بن مَازِن، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عُمر بن الْخطاب؛ بِمثل مَعْنَاهُ (و) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب، عَن أَبِيه قَالَ: «أَتَى رجلَانِ إِلَى عُمر يختصمان فِي غُلَام من أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة، يَقُول هَذَا: هُوَ ابْني. وَيَقُول هَذَا: هُوَ ابْني. فَدَعَا عمر قائفًا من بني المصطلق، فَسَأَلَهُ عَن الْغُلَام، فَنظر إِلَيْهِ المصطلقي (وَنظر) ثمَّ قَالَ لعمر: قد اشْتَركَا فِيهِ جَمِيعًا. فَقَامَ عمر إِلَيْهِ بِالدرةِ فَضَربهُ بهَا، قَالَ ... » فَذكر الحَدِيث. قَالَ: «فَقَالَ عمرُ للغلام: اتبع أَيهمَا شِئْت. فَاتبع الْغُلَام أَحدهمَا. قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ مُتبعا لأَحَدهمَا يذهب. وَقَالَ عمرُ: قاتلَ اللَّهُ أَخا بني المصطلق» . وَفِي رِوَايَة عَن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب: «أَن عمر قَضَى فِي رجلَيْنِ ادَّعيا رجلا، لَا يُدْرَى أَيهمَا أَبوهُ، فَقَالَ عمر: اتبع أَيهمَا شِئْت» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد صحيحٌ مَوْصُول. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن سُلَيْمَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 بن يسَار: «أَن عمر بن الْخطاب كَانَ (يُلحق) أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة بِمن ادَّعاهم فِي الْإِسْلَام، قَالَ سُلَيْمَان: فَأَتَى رجلَانِ كِلَاهُمَا يدَّعي ولد امْرَأَة، فَدَعَا عمر بن الْخطاب قائفًا فَنظر إِلَيْهِمَا، فَقَالَ الْقَائِف: لقد اشْتَركَا فِيهِ. فَضَربهُ عمر بالدِّرة، ثمَّ قَالَ للْمَرْأَة: أَخْبِرِينِي خبرك. فَقَالَت: كَانَ هَذَا - لأحد الرجلَيْن - يَأْتِيهَا وَهِي فِي إبل أَهلهَا، فَلَا يفارقها حَتَّى يظنّ أَن قد اسْتمرّ بهَا حمل، ثمَّ انْصَرف عَنْهَا، فأهريقت دَمًا، ثمَّ خلف عَلَيْهَا - تَعْنِي: هَذَا الآخر - فَلَا أَدْرِي من أَيهمَا هُوَ. فكبَّر الْقَائِف، فَقَالَ عمر بن الْخطاب للغلام: وَال أَيهمَا شِئْت» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذِه الرِّوَايَة شاهدة لما قبلهَا، وَالله أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 كتاب الْفَرَائِض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 كتاب الْفَرَائِض ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث أَرْبَعَة و [عشْرين] حَدِيثا: الحَدِيث الأول عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تعلَّمُوا الْفَرَائِض وعلمِّوها الناسَ؛ فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض، وَإِن الْعلم سَيُقْبَضُ وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة وَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل - فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ وَلَده عبد الله - من حَدِيث أبي الْأَحْوَص عَنهُ، بِلَفْظ: «تعلمُوا الْقُرْآن وعلِّموه، وتعلموا الْفَرَائِض وعلمِّوُها الناسَ؛ فَإِن الْعلم مَقْبُوض، والعِلْم مَرْفُوع، ويوشك أَن يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة وَالْمَسْأَلَة فَلَا يجدان أحدا يخبرهما» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث شريك [عَن] عَوْف، عَن سُلَيْمَان [بن] جَابر، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 عَن ابْن مَسْعُود، رَفعه: «تعلمُوا الْفَرَائِض وعلِّموها الناسَ، وَإِن الْعلم (سَيُقْبض) حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، عَن عَوْف، قَالَ: بَلغنِي عَن سُلَيْمَان بن جَابر قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تعلَّموا الْفَرَائِض وعلِّموها الناسَ، وتعلَّموا الْعلم وعلِّموه النَّاس؛ فَإِنِّي مَقْبُوض، وَإِن الْعلم (سيُقْبَض) وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان إنْسَانا يفصلُ بَينهمَا» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُسَامَة، عَن عَوْف، عَن رجل، عَن سُلَيْمَان بن جَابر الهجريّ، عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا بِمَعْنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث النَّضر بن شُميل، عَن عَوْف، عَن سُلَيْمَان بِهِ: «تعلمُوا الْفَرَائِض وعلِّموها النَّاس؛ فَإِنِّي امرؤٌ مقبوضٌ، وَإِن الْعلم سَيُقْبض وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَله عِلّة عَن أبي بكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 بن إِسْحَاق - يعْنى: ابْنَ خُزَيْمَة - عَن بشر بن مُوسَى، عَن [هَوْذَة] بن خَليفَة، عَن عَوْف، عَن رجلٍ، عَن سُلَيْمَان بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «فَلَا يجدان مَنْ يفصل بَينهمَا» ، وَلم يذكر: «وَتظهر الْفِتَن» . قَالَ الْحَاكِم: وَإِذا اخْتلفَا فالحكْم للنضر بن شُمَيْل. يَعْنِي: أَن النَّضر رَوَاهُ عَن عَوْف، عَن سُلَيْمَان، عَن عبد الله بن مَسْعُود، بِإِسْقَاط رجلٍ، قَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» : رَوَاهُ عُثْمَان بن الْهَيْثَم الْمُؤَذّن، عَن عَوْف، عَن رجلٍ يُقَال لَهُ: سُلَيْمَان بن جَابر، وَحَدِيث أبي أُسَامَة وهْمٌ. وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْنُ عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» . ولمَّا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَمرو بن حُمران، عَن عَوْف، عَن سُلَيْمَان بن جَابر قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: قَالَ لي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (تعلَّموا الْقُرْآن وعلِّموه الناسَ، وتعلَّموا الْفَرَائِض وعلِّموها الناسَ، وتعلَّموا العِلْم وعلِّموه الناسَ؛ فَإِنِّي امرؤٌ مقبوضٌ، وَإِن الْعلم سَيُقْبض وَتظهر الْفِتَن، حَتَّى يخْتَلف الِاثْنَان فِي الْفَرِيضَة (فَلَا يجدان) مِنْ يفصل بَينهمَا) قَالَ: تَابعه جماعةٌ، وَرَوَاهُ الْمثنى بن بكر، عَن سُلَيْمَان بن جَابر، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهَذَا. وَقَالَ: الْفضل بن [دلهم] عَن عَوْف، عَن شهر، عَن أبي هُرَيْرَة. قلت: وَهَذَا اخْتِلَاف آخر، وَسليمَان بن جَابر هَذَا مَجْهُول الْعين وَالْحَال، لَا جَرَم جزم ابْنُ الصّلاح فِي (مسلكه) بضَعْفِهِ. الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تعلمُوا الْفَرَائِض؛ فَإِنَّهَا من دِينكم، وَإنَّهُ نصف العِلْم، وَإنَّهُ أوَّلُ مَا يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه مَرْفُوعا: «يَا أَبَا هُرَيْرَة، تعلمُوا الْفَرَائِض وعلمِّوه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 وَقَالَ ابْن مَاجَه: «وعلِّموهاِ فَإِنَّهُ نصف الْعلم [وَهُوَ يُنسى] وَهُوَ أوَّلُ شيءٍ يُنْزَع من أمتِي» . لم يُضعفهُ الْحَاكِم، بل سكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده حَفْص بن عُمر بن أبي العطاف الْمدنِي، وَهُوَ واهٍ، ثمَّ رُمي بِالْكَذِبِ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَأعله بِهِ ابْنُ حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» وَقَالَ: حَفْص هَذَا يَأْتِي بأَشْيَاء (كلِّها) مَوْضُوعَة، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بحالٍ. وأمَّا الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ أَلاَنَ القولَ فِيهِ؛ فَقَالَ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ حفصُ بن عُمر، وَلَيْسَ بالقويّ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث شهر بن حَوْشَب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «تعلمُوا الْقُرْآن والفرائض وعلموها النَّاس؛ فَإِنِّي امرؤٌ مَقْبُوض» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَسدي، وَقد ضعفه أحمدُ بْنُ حَنْبَل وغيرُه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ، فَقَالَ: يرويهِ عَوْف الأعرابيُّ، واخْتُلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ الْفضل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 بن [دلهم] عَن عَوْف عَن شهر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَخَالفهُ ابْنُ بكر فَرَوَاهُ عَن عَوْف عَن سُلَيْمَان بن جَابر عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله مَرْفُوعا [وَقَالَ أَبُو أُسَامَة: عَن عَوْف، عَن رجل، عَن سُلَيْمَان بن جَابر، عَن عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] وَلم يذكر أَبَا الْأَحْوَص، والمرسل أصح. وأجْمَلَ ابْنُ الصّلاح القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: رُوي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود، وَأَسَانِيده ضَعِيفَة. فَائِدَة: حمل الرافعيُّ وغيرُه قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِنَّهَا نصف الْعلم» عَلَى أَن للْإنْسَان حَالَة حياةٍ وموتٍ، وَفِي الْفَرَائِض مُعظم الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِحَال الْمَوْت. قَالَ ابْن الصّلاح: وَيكون لفظ «النّصْف» هُنَا عبارَة عَن القِسْم الْوَاحِد وَإِن لم يتساويا، كَقَوْلِه: إِذا مِتُّ كَانَ النَّاس نِصْفَانِ شَامِتٌ وَآخر مُثن بِالَّذِي كنتُ أصنَعُ وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: إِنَّمَا قيل لَهَا: «نصف العِلم» لِأَنَّهُ يُبْتَلى بِهِ النَّاس كلهم. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ. وَقيل: لِأَن العِلم يُسْتَفَادُ بالنَّص تَارَة وبالقياس أُخْرَى، والعِلم بِاعْتِبَار أَصله صنْفان أَو نصْفان، وَهَذَا الْعلم مُسْتَفَاد مِنَ النَّص؛ فَكَانَ صِنْفًا أَو نِصْفًا بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَإِن [قيل] : فِي الْفَرَائِض مَا ثَبت بِغَيْر نصٍّ. قُلْنَا: حُكْمها ثَبت بِهِ؛ فَكَانَ بِهِ الِاعْتِبَار. حَكَاهُ ابْنُ الرّفْعَة فِي «مطلبه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 تَنْبِيه: حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الْمَرْفُوع: «العلْم ثَلَاثَة، وَمَا سِوَى ذَلِك فَهُوَ فضل: آيةٌ مُحْكَمةٌ، أَو سُنَّةٌ قائمةٌ، أَو فَرِيضَة عادلةٌ» . خَرَّجه د، ق، وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الإفْرِيقِي وَفِيه ضَعْف، يدل عَلَى أَنَّهَا ثلث الْعلم، وَهُوَ يَنْتَظِم من جَعل «النّصْف» فِي الْخَبَر قبله بِمَعْنى القِسْم، حينئذٍ لَا يكون بَينهمَا تنَاقض، وَيجوز أَن يُقَال كَمَا قَالَه صَاحب «الْمطلب» إِنَّمَا جَعَل فِيهِ ثُلثا العِلْم يُستفاد بِالْكتاب والسُّنَّة وَالْقِيَاس، وَكلهَا ثَابِتَة بِالْكتاب، فَلذَلِك جعل ثُلُثًا. قلت: قَوْله: «كلهَا» أَي: غالبها، وَإِلَّا فبعضها بالسُّنَّة. قَالَ: وَيجوز أَن يُقَال: جُعِلتْ ثلثا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِن الله لم [يَكِل] قسم مواريثكم» الْخَبَر يَقْتَضِي أَن العِلْم يُستفاد بالنَّص من جِهَة الله والنبيِّ المرسَل والملَكِ المقرب، والفرائض محصورة فِي كتاب الله، فكانتْ لهَذَا الِاعْتِبَار ثُلُثًا. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» . هَذَا الحَدِيث يُرْوى من حديثِ أنسٍ، وابْنِ عُمر، وَأبي سعيدٍ الخدريِّ، وغيرِهِمْ. أما حَدِيث أنس، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالنَّسَائِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيثه مَرْفُوعا: «أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله - تَعَالَى - أُبِيّ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «أَفْرَضُ أُمَّتي زيد» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَى البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» اللَّفْظَة الْأَخِيرَة مُقْتَصرا عَلَيْهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لِأَن ذَلِك لم يسمعهُ أَبُو قلَابَة من أنسٍٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْقَطع. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا بِلَفْظ: «أَرْحَمُ أُمَّتي بأُمَّتي [أَبُو] بكر، وأشدُّهُم فِي أمْر الله عُمر، و [أَصْدَقُهُمْ] حَيَاء عُثْمَان، وأَفْرَضُهُم زيد بن ثَابت» وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» كَذَلِك، إِلَّا أَنه قَالَ: «وأشدُّهَا فِي دِينِ الله عُمرُ» وَالْبَاقِي مثله، إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ: «وأصدَقُهَا» و «أقْرَؤها» و «أَعْلَمُهَا بالفرائض زيد» . وأمّا حَدِيث ابْن عُمر، فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «إِن أَرْأف أُمَّتي بهَا أَبُو بكر ... » إِلَى أَن قَالَ: «وَإِن أَفْرَضُهَا زيد بن ثَابت» . وأمّا حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَرَوَاهُ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ مَرْفُوعا: «أَفْرَضُ أُمتي زيد بن ثَابت، وأقضاهم عليٌّ ... » الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي كِتَابه «الرَّد عَلَى مَنْ خالفَ مصحف عُثْمَان» بِلَفْظ: «وأَفْرَضُهُمْ زيد» . وَفِيه زيد العمِّي، وَلَيْسَ بالقويّ، وسلاَّم الطَّوِيل، وَقد تَرَكُوهُ. وَله طَرِيق رَابِع وخامس ذكرتُهما فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» مَعَ بَيَان وَهن تَضْعِيف ابْن حَزْمٍ لَهُ، فراجِعْهُ مِنْهُ تَجِد نفائِسَ. فَائِدَة: اخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «أَفْرَضُكُمْ زيد» عَلَى أقوالٍ خَمْسَة، ذكرهَا الماورديُّ فِي «حاويه» : أَحدهَا: أَنه قَالَ ذَلِك حثًّا عَلَى (مناقشته) وَالرَّغْبَة فِي تعلمه كَرَغْبَتِهِ؛ لِأَن زيدا كَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى الْفَرَائِض. ثَانِيهَا: أَنه قَالَ ذَلِك تَشْرِيفًا لَهُ، وإنْ شَاركهُ غيرُهُ فِيهِ، كَمَا قَالَ: « (أقضاُكُم) عليٌّ» . وَمَعْلُوم أَن أعرف الناسِ (بِالْقضَاءِ) هُوَ أَعْرَفُهُم بالفرائض؛ لِأَن ذَلِك من جُمْلة القضايا. ثَالِثهَا: أَنه أَشَارَ بذلك إِلَى جماعةٍ من الصَّحَابَة كَانَ زيدٌ أفرضَهُمْ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 وَيرد هَذِه الرِّوَايَة السالفة: «أفْرَضُ أُمَّتي زيد بن ثَابت» . رَابِعهَا: أَنه أَرَادَ بذلك أَن زيدا كَانَ أَشَّدهم عناية وحرصًا (عَلَيْهِ) . خَامِسهَا: أَنه قَالَ ذَلِك؛ لِأَنَّهُ كَانَ أصحَّهُم حسابا وأسرعَهُمْ جَوابًا. وَذكر غَيره جَوَابًا آخر: أنَّ «من» مقدَّرة فِيهِ. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ورَّث بِنْتَ حَمْزَة مِنْ مولَى لَهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى - وَهُوَ ضعيفٌ - عَنِ الحكم، عَن عبد الله بن شَدَّاد، عَن بنت حَمْزَة وَهِي أختُ ابْنِ شَدَّاد لأُمِّه قَالَت: «مَاتَ مولَايَ وَترك (ابْنَته) ؛ فقسَّم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مالَهُ بيني وبَيْنَ ابْنَتِهِ، فَجعل لي النصفَ وَلها النّصْف» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن شَدَّاد: «أَن ابْنة حَمْزَة بن عبد الْمطلب أعتقتْ مَمْلُوكا [لَهَا] ، فَمَاتَ وَترك ابْنَتَهُ ومولاَتَهُ، فورثته ابْنتَهُ النّصْف وَابْنَة حَمْزَة النّصْف» . ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أَولى بِالصَّوَابِ مِنَ الَّذِي قَبْله، وَابْن أبي لَيْلَى كثير الْخَطَأ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 وَذكره كَذَلِك الحاكمُ فِي (ترجمتهما) من «مُسْتَدْركه» وصرَّح بِأَن اسْمهَا أُمامة. وَذكره أَيْضا أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث همام، عَن قَتَادَة، عَن سلْمَى ابْنة حَمْزَة: «أَن مَوْلَاهَا مَاتَ وَترك ابْنَتَهُ، فورَّث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ابْنَتَهُ النّصْف ويعلى النّصْف - وَكَانَ ابْنَ سَلْمَى» . وَذكره أَيْضا أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِنَّه أصح. وَقد رُوي أَن الْمولى كَانَ لِحَمْزَة، قَالَ ابْنُ الصّلاح: وَالْأول هُوَ الصَّحِيح. (و) رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث جَابر بن زيد، عَن (ابْن) عَبَّاس: «أَن مولَى لِحَمْزَة تُوفي وَترك ابْنَته وَابْنَة حَمْزَة، فَأعْطَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ابْنَتَهُ النّصْف، وابْنَةَ حَمْزَة النّصْف» . وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم النخعيِّ وَيَحْيَى بن آدم وَإِسْحَاق (بن) رَاهَوَيْه أَن الْمولى كَانَ لِحَمْزَة قَالَ الْمجد فِي «أَحْكَامه» : فإنْ صحَّتْ هَذِه الرِّوَايَة الأُوْلى لم تقدح فِي هَذِه الرِّوَايَة؛ لِأَن المُحْتَمَل تعدُّدُ الْوَاقِعَة، ومِنَ المحتَمل أَنه أضَاف مولَى الْوَالِد إِلَى الْوَلَد بِنَاء عَلَى القَوْل بانتقاله إِلَيْهِ أَو توريثه. قلت: لَكِن فِي هَذِه الرِّوَايَة سُلَيْمَان (بن) دَاوُد، وَهُوَ (الشَّاذكُونِي) ضعَّفوه، وكذَّبه ابْن معِين وغيرُه، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ عِنْدِي أَضْعَف من كلِّ ضَعِيف. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : [وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن] سَلمَة بن كهيل وَالشعْبِيّ عَن عبد الله بن شَدَّاد: «أَن ابْنة حَمْزَة أعْتَقَتْ مَمْلُوكا ... ) الحَدِيث. قَالَ: ابْنُ شَدَّاد أَخُو بنت حَمْزَة من الرضَاعَة، والْحَدِيث مُنْقَطع. قلت: بل هُوَ أَخُوهَا لأُمِّها كَمَا تقدَّم. وَقد قيل: عَن الشّعبِيّ عَن عبد الله بن شَدَّاد [عَن ابْنة حَمْزَة] وكل هَؤُلَاءِ الروَاة عَن عبد الله بن شَدَّاد أَجمعُوا عَلَى أَن ابْنة حَمْزَة هِيَ الْمُعتقَة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم النخعيّ: تُوفيِّ مولَى لِحَمْزَة بن عبد الْمطلب؛ فَأعْطَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ابْنة حَمْزَة النّصْف طُعْمَةً، وَقبض النصفَ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا غلط، وَقد قَالَ شريك: تقحم [إِبْرَاهِيم] هَذَا القَوْل تقحمًا، إِلَّا أَن يكون سمع شَيْئا فَرَوَاهُ. فَائِدَة: قد أسلفنا أَن ابْنة حَمْزَة اسْمهَا أُمامة، أَو سَلْمَى، وَحَكَى الْمزي فِي «أَطْرَافه» قولا آخر، أَن اسْمهَا: أَمَةُ اللَّهِ، قَالَ: وَقيل: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 (هِيَ) أُمُّ الْفضل. وَسَيَأْتِي زِيَادَة عَلَى ذَلِك فِي بَاب الْحَضَانَة، إِن شَاءَ الله وقدَّره. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَنا وارثُ مَنْ لَا وَارِث لَهُ، أعْقِلُ عَنهُ وأَرِثُهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة رَاشد بن سعد، عَن أبي عَامر الْهَوْزَنِي، عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ كَلا فإليَّ - وَرُبمَا قَالَ: فَإلَى الله وَرَسُوله - ومَنْ ترك مَالا فلورثته، وَأَنا وارثُ مَنْ لَا وَارِث لَهُ، (وأعْقِلُ عَنهُ وأَرِثًُهُ، وَالْخَال وَارِث مَنْ لَا وَارِث لَهُ) يَعْقِلُ عَنهُ ويَرِثُهُ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَأَنا أَوْلى بِكُلِّ مؤمنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ ترك دَيْنًا أَو ضَيْعَةً فإليَّ، ومَنْ ترك مَالا فلورثته، وَأَنا مولَى مَنْ لَا مولَى لَهُ، أَرِثُ مالَهُ وأَفُكُّ عَانَهُ، وَالْخَال مولَى مَنْ لَا مولَى لَهُ، يَرِثُ مَاله ويَفُكُّ عانَهُ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ الزبيدِيّ عَن رَاشد بن سعد، عَن ابْن عائذٍ، عَن الْمِقْدَام، وَرَوَاهُ مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد قَالَ: سَمِعت الْمِقْدَام. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مثل طَرِيق أبي دَاوُد الأُولى. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن رَاشد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 بن سعد، عَن الْمِقْدَام نَحوه، وَلَيْسَ فِي [مَتنه] ذكْر «الْخَال» ، وَلَا فِي إِسْنَاده ذكْر أبي عَامر. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن رَاشد بن سعد عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: وَهُوَ مُرْسل. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا عَن شُعْبَة، عَن بديل بن ميسرَة، عَن عليّ بن أبي طَلْحَة، عَن رَاشد، عَن أبي عَامر، عَن الْمِقْدَام بِلَفْظ أبي دَاوُد الأوَّل. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عليّ بن أبي طَلْحَة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِنَّه حَدِيث حسن. حَكَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» وَقَالَ (ابْن) الْقطَّان: كلُّ رِجَاله مَا بهم بأسٌ. قلت: وَعلي هَذَا وَثَّقَهُ الْكُوفِي، وَقَالَ أَحْمد: لَهُ أَشْيَاء مُنكرَات. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيقين عَن رَاشد بن سعد، عَن أبي عَامر، عَن الْمِقْدَام. (وَعَن رَاشد أَن [ابْن عَائِذ] حدَّثه أَن الْمِقْدَام) حدَّثهم، ثمَّ قَالَ: سمع هَذَا الْخَبَر راشدُ عَن أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 عَامر [الْهَوْزَنِي عَن الْمِقْدَام، وسَمعه عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ] الأزديّ عَن الْمِقْدَام، قَالَ: فَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا محفوظان ومتناهما متباينان. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : أَن شُعْبَة وَحَمَّاد وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان رَوَوْهُ عَن بديل عَن ابْن أبي طَلْحَة، عَن رَاشد، عَن أبي عَامر، عَن الْمِقْدَام، وَأَن مُعَاوِيَة بن صَالح خالفهم، فَلم [يذكر] «عامرَ» بَيْنَ «رَاشد» و «الْمِقْدَام» ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالْأول أشبه بِالصَّوَابِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهُوَ عَلَى مَا قَالَ؛ فَإِن ابْن أبي طَلْحَة (ثِقَة) وَقد زَاد فِي الْإِسْنَاد مَنْ يتّصل بِهِ، فَلَا يَضُرُّه إرْسَال مَن قطعهُ وَإِن كَانَ ثِقَة، فَكيف إِذا كَانَ فِيهِ مقَال، فنرى هَذَا الحَدِيث صَحِيحا. ذكره عقب قَول عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ المنذريُّ: فَروِيَ عَن رَاشد بن سعد [عَن أبي عَامر الْهَوْزَنِي] عَن الْمِقْدَام، ورُوي عَن رَاشد بن سعد عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (خلافياته» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بالقويّ؛ رَوَاهُ رَاشد بن سعد، وَأَبُو عَامر عبد الله بن لُحيِّ الْهَوْزَنِي، وهما مِمَّن يَحْتَجُّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ ضَعِيف، غير مُحْتَجٍّ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 وَفِي شبه هَذَا الحديثِ: كَانَ يَحْيَى بن معِين يُبطلهُ وَيَقُول: لَيْسَ فِيهِ حَدِيث قويّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد أَجمعُوا عَلَى أَن الْخَال الَّذِي لَا يكون ابْنَ عَمٍّ، أَو مولَى لَا يعقل بالخئولة، فخالفوا الحديثَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِي الْعقل، فَإِن كَانَ ثَابتا، فَيُشبه أَن يكون فِي وقتٍ كَانَ يُعقل بالخؤلة، ثمَّ صَار الْأَمر إِلَى غير ذَلِك، أَو أَرَادَ خالاً يعقل؛ بِأَن يكون ابْنَ عَمٍّ أَو مولَى، أَو اخْتَار وضع مَاله فِيهِ إِذا لم يكن لَهُ وَارِث سواهُ. قلت: وَلِحَدِيث الْمِقْدَام هَذَا طَرِيق ثَان؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَقَالَ: حَسَنٌ. وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عُمر مَرْفُوعا: «الله ورسولُه مولَى من لَا مولَى لَهُ، وَالْخَال وَارِث مَنْ لَا وَارِث لَهُ» . وَله طَرِيق ثَالِث، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمرو بن مُسلم عَن طَاوس عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «الْخَال وَارِث مَنْ لَا وَارِث لَهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَقد أرْسلهُ بَعضهم. وَقَالَ عبد الْحق: اخْتلف فِيهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: عَمرو هَذَا لَيْسَ بالقويّ. وَقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 اخْتلف عَلَى ابْن جريج فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِي الدِّين فِي «الْإِلْمَام» : عَمرو هَذَا أخرج لَهُ مُسلم وبعضُهم، وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ) وَلم يخرجَاهُ. كَذَا زعم، والبخاريُّ لم يُخَرِّج لِعَمرو هَذَا - وَقد أسلفنا غير مرَّة أَن مثل هَذَا لَا يرد عَلَى الْحَاكِم - وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن رفْعه وهْمٌ. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ، وَأَن الصَّوَاب وَقْفه. قَالَ: وَلم يُرو هَذَا الحديثُ من وَجه يَصح. وَقَالَ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» : أحسنُ إِسْنَاد فِيهِ حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل قَالَ: «كتب عُمرُ بن الْخطاب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الله ورسولُه مولَى مَنْ لَا مولَى لَهُ، وَالْخَال وَارِث مَنْ لَا وَارِث لَهُ» . قلت: وَهَذَا طَرِيق رَابِع، وَقد أخرجه ابْن السكن فِي «صحاحه» أَيْضا، وقبلهما أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» - وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» - ثمَّ قَالَ: حسن. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة حَكِيم بن حَكِيم عَن أبي أُمَامَة، وَحَكِيم لَا تُعرف عَدَالَته. (قلت) لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأخرج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 الحديثَ فِي «صَحِيحه» مِنْ جِهَة عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث الرَّاوِي عَن حَكِيم، قَالَ أَحْمد: إِنَّه مَتْرُوك. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بالقويّ. وَقَالَ ابْن نمير: لَا أَقْدُمُ عَلَى ترك حَدِيثه. ثمَّ اعْلَم أَنه وَقع فِي «أَحْكَام عبد الْحق الْكُبْرَى» و «الْوُسْطَى» عَن حَكِيم بن [حَكِيم] قَالَ: «كتب عُمر ... » فَذكره، فَسقط مِنْهُ ذكْرُ أبي أُمَامَة، فَتنبه لَهُ. الحَدِيث السَّادِس روُي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سألتُ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - عَن مِيرَاث العَمَّة وَالْخَالَة، فسارَّني جبريلُ أَن لَا مِيرَاث لَهما» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة (مسْعدَة) بن الْيَسَع الْبَاهِلِيّ، عَن مُحَمَّد بن عَمرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن مِيرَاث العَمَّة وَالْخَالَة؛ فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى يأتيني جِبْرِيل. ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن مِيرَاث العَمَّة وَالْخَالَة؟ قَالَ: فَأَتَى الرجلُ، فَقَالَ: سارَّني جِبْرِيل أَنه لَا شَيْء لَهما» . ثمَّ قَالَ: لم يسْندهُ غير مسْعدَة عَن ابْن عَمرو، وَهُوَ ضَعِيف، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 وَالصَّوَاب مُرْسل. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَكِبَ إِلَى قبَاء يستخير فِي مِيرَاث العَمَّة وَالْخَالَة؛ فَأنْزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: أَن لَا مِيرَاث لَهما» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» هَكَذَا، و (الثَّانِي) من رِوَايَة زيد بن أسلم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا أجد لَهما شَيْئا» . وَكَذَا أخرجه عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة، وَرَوَى الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» حَدِيث عَطاء بن يسَار، لَكِن وَصله بذكْر أبي سعيد الخدريِّ بعد عَطاء، لَكِن فِي إِسْنَاده ضرار بن صرد أَبُو نعيم الطَّحَّان، وَهُوَ هالكٌ، لَكِن رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» مَوْصُولا، لَا يُدْرَى مَنْ هَذَا الرجل؟ وَلَا بَأْس بِإِسْنَادِهِ. وَرَوَى الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة، عَن شريك بن أبي (نمر) أَن الْحَارِث بن عَبْدٍ أخبرهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن مِيرَاث العمَّة وَالْخَالَة؛ فسكتَ؛ فَنزل جبريلُ - عَلَيْهِ السَّلَام -؛ فَقَالَ: حدَّثني جبريلُ أَن لَا مِيرَاث لَهما» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 قلت: وَفِيه سُلَيْمَان الشَّاذكُونِي، وَقد عرفتَ حَاله قَرِيبا. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَهُوَ مُرْسل، أَي لِأَن الْحَارِث بْنَ عَبْدٍ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابنَا، بل لَا أعرف حالَه أَيْضا، وَالْحَاكِم - رَحِمَهُ اللَّهُ - استشهدَ بِهَذَا الحَدِيث، لحَدِيث عبد الله بن جَعْفَر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ: «أَقْبَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى حمارٍ، فَلَقِيَهُ رجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، رجلٌ ترك عمته وخالته، لَا وَارِث لَهُ غيرُهما؟ فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء، فَقَالَ: اللَّهُمَّ رجلٌ ترك عَمَّته وخالته لَا وَارِث لَهُ غَيرهمَا. ثمَّ قَالَ: (أَيْن) السَّائِل؟ قَالَ: (هاأنا ذَا) قَالَ: لَا مِيرَاث لَهما» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد؛ فَإِن عبد الله بن جَعْفَر المدينى وَإِن شهد عَلَيْهِ ابْنه بِسوء الْحِفْظ فَلَيْسَ مِمَّن يُتْرك حَدِيثه، وَقد صحَّ بِهَذِهِ الشواهد. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ركب إِلَى قبَاء يستخير الله - تَعَالَى - فِي العَمَّة وَالْخَالَة، ثمَّ قَالَ: أُنْزِل عليَّ أَن لَا مِيرَاث لَهما» . هَذَا الحَدِيث سلف فِي الحَدِيث قبله وَاضحا، وَأَنه رُوي مُتَّصِلاً ومُرْسَلاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ألحِقُوا الْفَرَائِض (بِأَهْلِهَا) فَمَا بَقِي فَهُوَ لأولى رجلٍ ذكَر» . وَفِي رِوَايَة: «فلأوْلى عصبَة ذَكَرٍ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الأول. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «اقْسِمُوا المَال بَين أهل الْفَرَائِض عَلَى كتاب الله، فَمَا تركتْ الفرائضُ فلأوْلى رجل ذَكَرٍ» . وَأما اللَّفْظ الثَّانِي فغريبٌ، والرافعي تبع فِي إيرادها الْغَزالِيّ، وَهُوَ تَبِعَ إمَامَهُ، وَزَاد - أعْنِي: الرافعيَّ -: فادَّعى شهرتها، كَمَا ستعلمه قَرِيبا، فَلَا يحضرني مَنْ خَرَّجها عِوَضًا عَن شهرتها، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد شهرتها فِي كُتُبِ الْفُقَهَاء والفرضيين، لَا فِي كُتب أهْل الْفَنّ، وَأفَاد ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» أَن هَذِه اللَّفْظَة لَا تُحْفظ، وَقَالَ ابْن الصّلاح: فِيهَا نظر وبُعْد عَن الصِّحَّة من حَيْثُ الرِّوَايَة، (و) مِنْ حَيْثُ اللُّغَة؛ فَإِن «الْعصبَة» فِي اللُّغَة اسْم للجمْع، وإطلاقها عَلَى الواحدِ مِنْ كَلَام العامَّة، وأشباهها من الْخَاصَّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 الحَدِيث التَّاسِع رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الِاثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة» . هَذَا الحَدِيث يرْوَى من (طرق) : أَحدهَا: من طَرِيق أَبَى مُوسَى الأشعرىّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» . والعقيلي فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَإِسْنَاده ضَعِيف - (وَإِن ذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» ) ؛ الرّبيع بن بدر بن عَمرو (عليلة) وَهُوَ واهٍ، وَأَبوهُ وجَدُّه مَجْهُولَانِ، قَالَه الذَّهَبِيّ، وَعَجِيب من الْحَاكِم فِي إِخْرَاجه لَهُ فِي «مُسْتَدْركه» لكنه سكت عَنهُ، فَلم يُصَحِّحهُ وَلم يُضعفهُ، ولمَّا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» قَالَ: فِي إِسْنَاده الرّبيع وَهُوَ ضَعِيف. وَقَالَ: ورُوي من وجْهٍ آخر بإسنادٍ ضعيفٌ، ثمَّ أخرجه من حَدِيث أنسٍ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. الطَّرِيق الثَّانِي: من طَرِيق أنسٍ، وَقد فَرغْنَا مِنْهَا آنِفا، وَأعله عبدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 الْحق بِسَعِيد بن زَرْبِي، وابْنُ الْقطَّان بعبَّاد الدَّوْرَقِي وَقَالَ: لَا أعرفهُ فِي غير هَذَا. الطَّرِيق الثَّالِث: من طَرِيق عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جدِّه مَرْفُوعا، كَذَلِك رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَإِسْنَاده أَيْضا ضَعِيف، فِيهِ عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن (الوقاصي) الواهِي، قَالَ خَ: تَرَكُوهُ. الطَّرِيق الرَّابِع: من طَرِيق الحكم بن عُمَيْر مَرْفُوعا كَذَلِك، رَوَاهُ ابْن عدي (من حَدِيث) بَقِيَّة عَن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان قَالَ: حَدثنِي ابْن أبي حبيب - يَعْنِي: عمَّه مُوسَى بن أبي حبيب - قَالَ: سمعتُ الحَكَم ... فَذكره، وَإِسْنَاده أَيْضا ضَعِيف كَمَا ترَى، وَأعله عبد الْحق بِعِيسَى الْمَذْكُور وَقَالَ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث ضعيفه. وَاعْتَرضهُ ابْنُ الْقطَّان فَقَالَ: مُوسَى ضَعِيف، وَبَقِيَّة من قد علمتَ حَاله فِي رِوَايَة الْمُنْكَرَات، (فَمَا) يَنْبَغِي أَن يُحمل فِيهِ عَلَى عِيسَى، وَقد اكتنفه ضعيفان من أَسْفَل وَمن فَوق. الطَّرِيق الْخَامِس: من طَرِيق أبي أُمَامَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى رجلا يُصَلِّي، فَقَالَ: أَلا رجلٌ يتصدَّق عَلَى هَذَا فَيصَلي مَعَه؟ فَقَامَ رجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 يُصَلِّي مَعَه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هذانِ جمَاعَة» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبيد الله بن زحر، عَن عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، وَهَذَا سَنَد واهٍ جدًّا. الطَّرِيق السَّادِس: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جماعةٌ» . رَوَاهُ ابْن الْمُغلس فِي كِتَابه «الموضح» عَن عليّ بن يُونُس بن السكن، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن عَبْدِ الرَّزَّاق الضَّرِير، ثَنَا عَلّي بن يَحْيَى، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن مُحَمَّد بن عَمرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ. وَهَذَا سَنَد فِيهِ مَنْ لَا (يعرف) ، قَالَ الشَّاشِي فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُسْتَصْفَى» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح لجَهَالَة بعض رُوَاته. الحَدِيث الْعَاشِر عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ: «جَاءَت الجَدَّةُ إِلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تسأله مِيرَاثهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كتاب الله شَيْء، وَمَا علمتُ لكِ فِي سُنَّة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا؛ فارجعي حَتَّى أسأَل النَّاس. فَسَأَلَ النَّاس؛ فَقَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة: شهدتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَعْطَاهَا السُّدس. فَقَالَ: هَل مَعَك غَيْرك؟ (فَقَامَ) مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغيرَة، (فأنْفَذَ) لَهَا أَبُو بكر، ثمَّ جاءتِ (الْجدّة) الأخْرى إِلَى عُمر تسأله مِيرَاثهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كتاب الله شَيْء، وَمَا كَانَ الْقَضَاء الَّذِي قُضي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 بِهِ إِلَّا لغيركِ، وَمَا أَنا بزائد فِي الْفَرَائِض شَيْئا، وَلَكِن هُوَ ذَاك السُّدس، فَإِن اجتمعتما فَهُوَ بَيْنكُمَا، و (أيكما) خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَأَصْحَاب «السّنَن» الْأَرْبَعَة: د ت ق ن، من حديثٍ ابْن شهَاب، عَن عُثْمَان بن إِسْحَاق بن خَرشَة، عَن قبيصَة (بِهِ) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح حسن. وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَرَوَاهُ أَيْضا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِدُونِ ذكْر الجدَّة الثَّانِيَة، وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» ، ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وأمَّا عبد الْحق فأعله بالانقطاع فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِل السماعِ فِيمَا أعلم، وَهُوَ مَشْهُور. وبَيَّنَه ابْن الْقطَّان فَقَالَ: الَّذِي ظنَّه أَبُو مُحَمَّد مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَال إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَين قبيصَة وَأبي بكر وعُمر، وَإنَّهُ ليقوي مَا تخوف، وَلَكِن قد أعرض عَن ذَلِك التِّرْمِذِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 فصححه، وَهُوَ لَا يَقُول ذَلِك فِي الْمُنْقَطع، فَهُوَ عِنْده مُتَّصِل. وسبقهما إِلَى ذَلِك أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ فِي «مُحَلاَّه» بعد أَن سَاقه من طَرِيق مَالك: لَا يَصح، حَدِيث قبيصَة مُنْقَطع؛ [لإنه] لم يدْرك أَبَا بكر، وَلَا سَمعه من الْمُغيرَة وَلَا مُحَمَّد. وتبعهم المنذريُّ فَقَالَ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : فِي سَماع قبيصَة بن ذُؤَيْب من الصدِّيق نظرٌ؛ فَإِن مولده عَام الْفَتْح، وَقد قيل: إِنَّه وُلد فِي أوَّل سَنَةٍ من الْهِجْرَة، والأوَّل حَكَاهُ غيرُ واحدٍ، وَعَلَى الثَّانِي يرْتَفع الْإِشْكَال. وَجزم المزيُّ بِأَن رِوَايَته عَنْهُمَا مُرْسلَة، وَقَالَ شَيْخُنَا صلاحُ الدِّيْن العلائيُّ فِي «مراسيله» : الْأَصَح أَن مولده عَام الْفَتْح. فقوَّى الْإِشْكَال، وَجزم ابْنُ عبد الْبر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيث مُرْسل عِنْد بعض أهل الْعلم؛ لِأَنَّهُ لم يُذْكر فِيهِ سماعٌ لقبيصة من أبي بكر، وَلَا شُهُود لتِلْك الْقِصَّة، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مُتَّصِل؛ لِأَن قبيصَة بن ذُؤَيْب أدْرك الصدِّيق، وَله سنّ لَا يُنْكَرُ مَعهَا سَمَاعه من أبي بكر. وَقبيصَة وُلِدَ عَام الْفَتْح، وَعُثْمَان بن إِسْحَاق السالف لَا أعرف حَاله، وَلم يَرْوِ عَنهُ غير الزُّهْرِيّ فِيمَا أعلم، لَكِن تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ وَغَيره لحديثه يُؤذِنُ بِمَعْرِِفَة حَاله، وَكَذَا إِخْرَاج مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) (لَهُ) وَعَلَى كل حالٍ فَهُوَ حُجَّة؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُرْسل صحابيٍّ، أَو لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون سَمعه بعد ذَلِك من المغيرةَ أَو مُحَمَّد بن مسلمة، وَتَصْحِيح التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 لَهُ (وقبلهم الإِمَام مَالك كَاف) ، وَقد قَالَ ابْن الْمُنْذر: (أجمع) أهلُ الْعلم عَلَى أَن للجدة السُّدس إِذا لم تكن أُمّ، وَهَذَا عاضدٌ لَهُ أَيْضا. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِي «علله» : أخْتُلِف فِي إِسْنَاده، فَرَوَاهُ مَالك من حَدِيث الزهريّ عَن عُثْمَان بن إِسْحَاق بن خَرشَة عَن قبيصَة، وَتَابعه أَبُو أويس، عَن الزُّهْرِيّ، وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: عَن الزُّهْرِيّ عَن رجلٍ لم يُسَمِّه، عَن قبيصَة، وَرَوَاهُ جماعاتٌ عَن الزُّهْرِيّ عَن قبيصَة، لم يذكرُوا بَينهمَا أحدا، وَيُشبه أَن يكون الصَّوَاب مَا قَالَه مَالك، وَأَبُو أويس، وَأَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من قبيصَة، إِنَّمَا سَمعه من عُثْمَان عَنهُ. فَوَائِد: الأولَى: فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «جَاءَت الْجدّة» وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: «جاءتِ الجَدَّةُ أُمُّ الأُمِّ، أَو أُمُّ الْأَب إِلَى أبي بكر» وَفِي لفظٍ للنسائي: «أَن الجدَّةَ أُمَّ الأُمِّ أتتْ أَبَا بكر» ، وَابْن الْأَثِير لمَّا رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن «الْمُوَطَّأ» قَالَ فِي أوَّله: «جَاءَت الجَدَّةُ أُمُّ الأُمِّ» وَفِي رِوَايَة: «أُمُّ الْأَب إِلَى أبي بكر» وَالْقَاضِي حُسَيْن قَالَ: إِن [الَّتِي] جاءتْ إِلَى الصدِّيق أُمُّ الأُمِّ، وَإِلَى عُمرَ أُمُّ الْأَب. الثَّانِيَة: كَانَ يَكْفِي قَول الْمُغيرَة، لَكِن طلبَ الصديقُ أَن يكون مَعَه غَيره احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ أمرٌ عظيمٌ فَإِذا وَقَعَ اشْتهر، كَمَا فعل عمرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي الاسْتِئْذَان. الثَّالِثَة: قَوْله: «وأيُّكما خلتْ بِهِ» أَي انفردتْ، مَأْخُوذ من الْموضع (الْخَالِي) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أحدٌ. الرَّابِعَة: قَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : حَدِيث إِعْطَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجَدَّةَ السُّدس رَوَاهُ معقلُ بن يسَار، و [بُرَيْدَة] بْنُ الْحصيب، وعمرانُ بْنُ حُصَيْن أَيْضا. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن [بُرَيْدَة] رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل للجدة السُّدس إِذا لم تكن دونهَا ًأمّ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عبيد الله بن (عبد الله الْعَتكِي) عَن عبد الله بن [بُرَيْدَة] عَن أَبِيه مَرْفُوعا كَذَلِك، وَعبيد الله هَذَا فِيهِ مقالٌ أسلفتُه فِي أَوَاخِر صَلَاة التَّطَوُّع، وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين فِي «الْإِلْمَام» عقب إِيرَاده الحَدِيث: عبيد الله وُثِّق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صالحٌ. وَأنكر عَلَى البُخَارِيّ إِدْخَاله فِي كتاب «الضُّعَفَاء» وَقَالَ: يحول. وَاقْتصر عَلَى ذَلِك، وَلم يذكر ضعْفَهُ، وَقد أسلفنا هُنَاكَ عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ فِي حَقه: عِنْده مَنَاكِير. وَذكر ابْنُ السكن فِي «صحاحه» هَذَا الحديثَ، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور، وَأوردهُ القاضى (أَبُو الطّيب) بلفظٍ عَن [بُرَيْدَة] : «أَنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - أعْطى الجَدَّةَ أُمَّ الأُمِّ إِذا لم يكن دونهَا أُمّ السُّدس» . وَلم أره كَذَلِك. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعْطى السُّدس ثَلَاث جَدَّاتٍ: جَدَّتَيْن مِنْ قِبَلِ الْأَب، وَوَاحِدَة مِنْ قبل الأُمِّ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن يزِيد مُرْسلا. وَرَوَاهُ هُوَ، وَأَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: «أطْعَمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاث جدَّاتٍ سُدُسًا. قلت لإِبْرَاهِيم: مَا هُنَّ؟ (قَالَ) : جدتاك من قبل أَبِيك، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 وجَدَّة [من قبل] أُمك» . وَرَوَاهُ (الدَّارَقُطْنِيّ) أَيْضا، وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا من رِوَايَة الحَسَن: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ ورَّث ثَلَاث جَدَّاتٍ» وَهَذَا أَيْضا مُرْسل، قَالَ الْبَيْهَقِيّ (وَفِيه تَأْكِيد للمرسل الثَّانِي وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ) بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن نصر قَالَ: جَاءَت الْأَخْبَار عَن الصَّحَابَة وَعَن جمَاعَة من التَّابِعين أَنهم ورَّثوا ثَلَاث جَدَّاتٍ، مَعَ الحَدِيث الْمُنْقَطع الَّذِي رُوي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه ورَّث ثَلَاث جَدَّاتٍ. وَلَا نعلم (عَن أحد) من الصَّحَابَة (خلاف) ذَلِك، إِلَّا مَا روينَا عَن سَعْد بن أبي وَقاص أَنه قَالَ لِابْنِ مَسْعُود: «أَنْتُم (الَّذين) تَفْرِضُون لثلاث جدَّاتٍ؟ ! ، كَأَنَّهُ يُنكر ذَلِك» (مِمَّا) لَا يثبت (أهل) الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ إِسْنَاده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 الحَدِيث الثَّالِث عشر «أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار أتَتِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَهَا ابنتان، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، هَاتَانِ ابنتا سَعْد بن الرّبيع، قُتِلَ أَبوهُمَا مَعَك يَوْم أُحُد، وَأخذ عَمُّهُمَا مَالَهُ، واللَّهِ لَا تُنْكَحَان وَلَا مَال لَهما، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يقْضِي الله - تَعَالَى - فِي ذَلِك. فَنزل قَوْله تَعَالَى: (فَإِن كُنَّ نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك) ، فَدَعَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَرْأَة وعَمَّهُمَا، فَقَالَ: أعْطِ البنتين الثُّلُثَيْنِ، والمرأةَ الثُّمُن، وخُذِ الْبَاقِي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن جَابر قَالَ: «جَاءَت امرأةُ سَعْدِ بْنِ الرّبيع بابنتيها من سَعْدِ ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَذكر ذَلِك فِي موضِعين من كتاب الْفَرَائِض، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث (حسن صَحِيح) ، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل. وَنقل عبد الْحق: أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 التِّرْمِذِيّ صَححهُ، ورأيتُه فِي النّسخ الْمُعْتَمدَة مَضْرُوبا عَلَى ذَلِك. تَنْبِيه: فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «جاءتِ امرأةٌ بابنتين، فَقَالَت: يَا رَسُول الله: هَاتَانِ بِنْتا ثابتِ بْن قيس ... .» الحديثَ، وَهِي خطأ، قَالَ أَبُو دَاوُد: أَخطَأ فِيهِ [بشر] ؛ هما ابنتا سَعْدِ بن الرّبيع. ثمَّ رَوَاهُ كَرِوَايَة الْجَمَاعَة، ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الْأَصَح. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: قيل: إِن الرِّوَايَة غلط؛ لِأَن ثَابت بن قيس بَقِي بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، حَتَّى شهد الْيَمَامَة فِي عهد أبي بكر. الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن هزيل - بالزاي - بن شُرَحْبِيل قَالَ: «سُئل أَبُو مُوسَى عَن بِنْتٍ وبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْت، فَقَالَ: للْبِنْت النّصْف، وَللْأُخْت النّصْف، وائت ابْنَ مَسْعُود، فسيتابعني. فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُود، وَأخْبر بقَوْل أبي مُوسَى، فَقَالَ: لقد ضللتُ إِذن وَمَا أَنا من المهتدين، لأقضِيَنَّ فِيهَا بِمَا قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: للابنة النّصْف، ولابنة الابْن السُّدس [تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ] وَمَا بَقِي فللأخت. فأتينا (أَبَا) مُوسَى فَأَخْبَرنَاهُ بقول ابْنِ مَسْعُود، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحَبْر فِيكُم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» هَكَذَا، من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 حَدِيث أَبَى قيس عبد الرَّحْمَن بن ثروان، عَن هُزَيْل بِهِ. وَعبد الرَّحْمَن هَذَا وَإِن تكلَّم فِيهِ أَحْمد فَقَالَ: يُخَالف فى أَحَادِيث. وَأَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَيِّن. وَقد احْتج بِهِ خَ و (صحّح) لَهُ ت. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَقَالُوا: «جَاءَ رجل إِلَى أبي مُوسَى وسلمان بن ربيعَة؛ فَسَأَلَهُمَا عَن ابْنة وَابْنَة ابْن (و) أُخْت لأَب وأُمّ ... .» وَذكروا نَحوه. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. فَائِدَة: هُزَيل: بِضَم الْهَاء، وَفتح الزَّاي الْمُعْجَمَة، وَقد صحَّفه الْفُقَهَاء ب «هُذَيْل» بِالذَّالِ؛ فاجتنبه؛ وَلِهَذَا قيَّده الرَّافِعِيّ فِي مَتْن الرِّوَايَة بالزاي كَمَا سلف، حَذَرًا مِنْ هَذَا، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هُوَ بالزاي، بِاتِّفَاق كلِّ الْعلمَاء مِنْ كل الطوائف. قلت: وَهُوَ كُوفِي تابعيّ، وَكَانَ أَعْمَى. و «شُرَحبيل» : بِفَتْح الرَّاء، وَعَن ابْن البرزي إسْكانُها، وَهُوَ غَرِيب، وشرحبيل عجمي لَا ينْصَرف، قَالَ القَاضِي حُسَيْن: والحبر: الْفَقِيه: وَيُقَال: بِفَتْح الْحَاء وكَسْرها. وَالْمرَاد ب «الْقَضَاء» : الفُتْيا لَا الْإِلْزَام؛ فَإِنَّهُ لم يكن حَاكما، وَكَذَا قيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 الحَدِيث الْخَامِس عشر اشْتهر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «ألْحِقُوا الْفَرَائِض بأهْلها، فَمَا تركتْ الْفَرَائِض فَلأَوْلَى عصبَة ذَكَر» . وَقد فسر الأولَى بالأقرب. هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا، وَهُوَ الحَدِيث الثَّامِن من أَحَادِيث الْبَاب، وَمَا نسب الرافعيُّ فِي دَعْوَاهُ اشتهاره بِهَذِهِ اللَّفْظَة، وَهِي «عصبَة» فراجِعْهُ. الحَدِيث السَّادِس عشر عَن عليٍّ - كرَّم الله وَجهه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَعْيَان بني (الأُمِّ) يتوارثون دون بني العلات؛ يَرث الرجل (أَخَاهُ) لِأَبِيهِ وأُمِّه، دون أَخِيه لِأَبِيهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من رِوَايَة الْحَارِث عَن عليٍّ أَنه قَالَ: «إِنَّكُم تقرءون هَذِه الْآيَة: (من بعد وصيةٍ توصون بهَا أَو دَيْنٍ) فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بالدَّيْن قبل الْوَصِيَّة، وَأَن أَعْيَان بني الْأُم يتوارثون دون بني العلات، (الرجل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 يَرث أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأمه دون أَخِيه لِأَبِيهِ» . هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ، وَفِي لفظ لَهُ؛ عَن الْحَارِث عَن عليٍّ قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أَعْيَان بني الأُمّ يتوارثون دون بني العلات» . وَلَفظ ابْن مَاجَه؛ عَن الْحَارِث عَن عَلّي قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالدَّيْن قَبْل الْوَصِيَّة، وَأَنْتُم تقرءونها (من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دَيْن) ، وَإِن أَعْيَان بني الأُمِّ يتوارثون دون بني العلات» . وَفِي لفظ لَهُ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أَعْيَان بني الأُمِّ يتوارثون (دون) بني العلات، يَرث الرجل أَخَاهُ لِأَبِيهِ وأُمِّه دون (أَخِيه) لِأَبِيهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عليّ، قَالَ: وَقد تكلم بعض أهل الْعلم فِي الحَدِيث، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة أهل الْعلم. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ الأوَّل، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: «وَالإِخْوَة من الْأَب والأُمّ أقربُ من الْإِخْوَة (من الْأَب) » . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ النَّاس عَن أبي إِسْحَاق والحارِثِ بْنِ عبد الله، ولأجْلِهِمَا لم يخرِّجه الشَّيْخَانِ. قَالَ: وَقد صَحَّ الْفَتْوَى بِهِ عَن زيد بن ثَابت. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 قلت: قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالدَّيْن قبل الْوَصِيَّة، وَأَن الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم يتوارثون دون الْإِخْوَة من الْأَب» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نُعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الله بن بدر، عَن ابْن عُمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -. فَائِدَة: بَنو الْأَعْيَان: سموا بذلك لأَنهم من عين وَاحِدَة، أَي: من أَب وأُمِّ وَاحِدَة. قَالَه الماورديّ، وسُمُّوا بَنو العلات؛ لِأَن أُمَّ كلِّ واحدٍ لم تُعِل الآخر، أَي: لم تسقه لبَنَ رضاعها، والعَلَلُ: الشُّرْب الثَّانِي، والنَّهَل: الأول. قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: وَبَنُو الأخياف: الَّذين أُمُّهُمْ وَاحِدَة وآباؤهم مُخْتَلفُونَ، قَالَ الماورديّ: والأخياف: الأخلاط وَلذَلِك سمي الْخيف من منى؛ لِاجْتِمَاع أخلاط النَّاس فِيهِ، وَقيل: لاختلاط الألوان فِيهِ. الحَدِيث السَّابِع عشر رُوِيَ «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - برجلٍ فَقَالَ: إِنِّي اشتريتُه وأعتقته؛ فَمَا أمْر مِيرَاثه؟ قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن ترك عصبَة فالعصبة أَحَق، وَإِلَّا فَالْولَاء [لَك] » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أَشْعَث بن سوار عَن الْحسن: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج إِلَى البقيع؛ فَرَأَى رجلا يُبَاع، فَسَوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 بِهِ، ثمَّ تَركه، فَاشْتَرَاهُ رجلٌ فَأعْتقهُ، ثمَّ أَتَى بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي اشتريتُ هَذَا فَأعْتقهُ؛ فَمَا ترَى فِيهِ؟ قَالَ: أَخُوك ومولاك. قَالَ: مَا (ترَى) فِي صُحْبته؟ قَالَ: إِن شكرك فَهُوَ خيرٌ لَهُ وشرٌ لَك، وَإِن كفرك فَهُوَ خيرٌ لَك وشرٌ لَهُ. قَالَ: فَمَا ترَى فِي مَاله؟ قَالَ: إنْ مَاتَ وَلم يَدَعْ وَارِثا فَلَكَ مَاله» . وَهَذَا مُرْسل كَمَا ترَى، وَأَشْعَث صالحُ الحَدِيث (وثَّقه) جمَاعَة، وَأخرج لَهُ م مُتَابعَة، وَلم يُعله البيهقيُّ بِغَيْر الْإِرْسَال، وَله متابع رَوَاهُ عبد الرزَّاق من حَدِيث عَمرو بن عبيد، عَن الْحسن: «أَن رجلا أَرَادَ أَن يَشْتَرِي عبدا ... .» فذكرَ الحديثَ، وَفِيه: أَن الرجل سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مِيرَاثه، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِن لم يكن لَهُ عصبَة فَهُوَ لَك» وعَمرو هَذَا رَأس الاعتزال، وَقد تَرَكُوهُ. الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا الْوَلَاء لِمنْ أعْتَقَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي بَاب الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن أُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يرثُ المسلمُ الكافرَ، وَلَا الكافرُ المسلمَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) كَذَلِك، وَكَذَا بَاقِي الْكتب السِّتَّة د ت ق س ووَهِمَ ابْنُ تَيْمِية فِي «الْمُنْتَقَى» فادَّعَى، أَن مُسلما لم يروه، وَهُوَ عَجِيب؛ فَهُوَ فِيهِ فِي هَذَا الْبَاب، وَكَذَا ابْنُ الْأَثِير فِي «جَامعه لِلْأُصُولِ» ، فادّعى أَن النَّسَائِيّ لم يخرّجه، وَهُوَ عجيبٌ مِنْهُ، فَهُوَ فِيهِ فِي هَذَا الْبَاب، وَقد عزاهُ أَيْضا الْمزي فِي «أَطْرَافه» إِلَى الْكتب السِّتَّة كَمَا أسلفناه، والبيهقيُّ فِي «سنَنه» إِلَى خَ م وَكَذَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» فليتنبه لذَلِك. الحَدِيث الْعشْرُونَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يتوارث أهلُ مِلَّتَيْن شَتَّى» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ كلِّه النسائيُّ من رِوَايَة يَعْقُوب بن عَطاء و (عَامر) الْأَحول وَغَيرهمَا، عَن عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جَدِّه مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: يَعْقُوب وعامر ليسَا بالقويَّين فِي الحَدِيث. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن حَمَّاد، عَن حبيب الْمعلم، عَن عَمرو، قَالَ: (عَن أَبِيه) عَن جدِّه عبد الله بن عَمرو، وَهَذَا إِسْنَاد جيد إِلَى عَمرو، لَا جرم قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب الْفَرَائِض لَهُ: هَذَا الْإِسْنَاد لَا مطْعن فِيهِ عِنْد أحدٍ مِنْ أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ. لَكِن خَالف أَبُو عُمر نَفْسَه فِي هَذِه؛ فَضَعَّفه فِي «تمهيده» وَأما الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فَذكره فِي «الْإِلْمَام» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان عَن يَعْقُوب بِهِ سَوَاء، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث: الْحسن بن صَالح، عَن مُحَمَّد بن سعيد، عَن عَمرو بن شُعَيْب قَالَ: أَخْبرنِي أبي، عَن جَدِّي « (أَن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ يَوْم فتح مَكَّة، فَقَالَ: لَا يتوارث أهلُ مِلَّتَيْن» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 (ثمَّ) قَالَ: مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي ثِقَة. وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فِي إعلاله هَذَا الحَدِيث، حَيْثُ قَالَ فِي «تَحْقِيقه» بعد كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا: الْحسن بن صَالح مَجْرُوح، قَالَ ابْنُ حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات. هَذَا كَلَامه، وَالْحسن بن صَالح هَذَا هُوَ ابْنُ حَيّ، وَهُوَ من الثِّقَات الْحفاظ المخرَّج لَهُم فِي الصَّحِيح وَلم يتَكَلَّم فِيهِ ابْن حبَان، وَكَلَامه هَذَا الَّذِي ذكره ابْن الْجَوْزِيّ إِنَّمَا هُوَ فِي آخر مجهولٍ مُخْتَلف فِي نسبه، يروي عَن ثَابت عَن النَّضر، وَيُقَال لَهُ: العجليّ، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الضُّعَفَاء» وَحَكَى كلامَ ابْن حبَان فِيهِ، ثمَّ قَالَ: وَالْحسن بن صَالح عشرَة لَيْسَ فيهم مطعون فِيهِ غَيره. وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه بالسند الْمَذْكُور، لكنْ قَالَ: عَن الْحسن بن صَالح (عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى) عَن عُمر بن سعيد بدل مُحَمَّد بن سعيد. وَوَقع فِي «أَطْرَاف ابْن عَسَاكِر» : عَمرو بن سعيد، وَهُوَ (وهم) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 كَمَا نبَّه عَلَيْهِ الْمزي، وفرَّق فِي «تهذيبه» بَين رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَن عمر وَبَين مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي، وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه الطَّائِفِي كَمَا سلف، وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن دَاوُد الظَّاهِرِيّ: هَذَا خبر ضَعِيف عندنَا. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق آخر إِلَى عَمرو بن شُعَيْب؛ رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن رمح، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن خَالِد بن يزِيد، عَن الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جدِّه مَرْفُوعا: «لَا يتوارث أهلُ مِلَّتَيْن» . وَابْن لَهِيعَة قد علمت حَاله فِيمَا مَضَى، والمثنى ضَعَّفُوهُ. قلت: وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا يتوارث أهلُ مِلَّتَيْن» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فِي جملَة حديثٍ طَوِيل. وَمن حَدِيث جَابر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أبي الزبير عَنهُ بِهِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث (غَرِيب) ، لَا نعرفه فِي حَدِيث جَابر إِلَّا من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 قلت: وَهُوَ صَدُوق سَاءَ حفْظه، وَفِيه عنعنة أبي الزبير أَيْضا. وَمن حَدِيث أُسَامَة بن زيد مَرْفُوعا: «لَا يتوارث أهلُ مِلَّتَيْنِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ فى «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. ووَهِمَ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» فَعَزَاهُ إِلَى مُسلم، وَهُوَ وهْمٌ لَا جرم، تعقبه ابْنُ الْقطَّان، وَقد عزاهُ فِي «أَحْكَامه الْكُبْرَى» إِلَى النَّسَائِيّ فَأصَاب. قلت: فَالْحَدِيث قويّ إِذن بشواهده، وَإِن كَانَ فِي بَعْضهَا ضَعْف فينجبر الآخر لَا جرم، قَالَ ابْن الصّلاح: لَهُ مرتبَة الحَدِيث الْحسن. قلت: وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب أَيْضا، ولمَّا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «معرفَة السّنَن والْآثَار» من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ السالف قَالَ: مَنْ يَقُول بِأَحَادِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جَدِّه عبد الله بن عَمرو عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لزمَه أَن يَقُول بِهَذَا. قلت: قد صرّح فِي هَذَا بِأَن المُرَاد ب «جَدِّه» هُوَ الصحابيُّ، كَمَا سلف عَن رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ؛ فارتفع الْخلاف السائر فِيهِ. وَقَالَ بعد ذَلِك فِي بَاب [مِيرَاث] الْمُرْتَد: رِوَايَة مَنْ رَوَى فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ يَعْنِي حَدِيث سُفْيَان عَنهُ، عَن عليّ بن الْحُسَيْن، عَن عَمرو بن عُثْمَان، عَن أُسَامَة رَفَعَهُ: «لَا يرثُ الْمُسلم الكافرَ، وَلَا الكافرُ المسلمَ، لَا يتوارث أهلُ مِلَّتَيْنِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 غير مَحْفُوظ، وَرِوَايَة الْحفاظ مثل حَدِيث ابْن عُيَيْنَة، وَإِنَّمَا يُرْوى هَذَا فِي حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جدِّه، وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث عَمْرو (اللفظان) جَمِيعًا فِي حَدِيث واحدٍ، فَمَن ادَّعى كَون قَوْله: «لَا يتوارث أهل ملتين» هُوَ الأَصْل، وَمَا رَوَيْنَاهُ مَنْقُولًا عَلَى الْمَعْنى فَلِسُوء مَعْرفَته بِالْأَسَانِيدِ، (أَو لميله) إِلَى الْهَوَى، (فرواة) مَا ذَكرْنَاهُ حفَّاظُ أثبات، وَقد اخْتلف أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ فِي رِوَايَات عَمرو بن شُعَيْب إِذا لم يَنْضَم إِلَيْهَا مَا يؤكده، وَانْفَرَدَ مَنْ رَوَاهُ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ بروايته، وَرِوَايَة الحفَّاظ بِخِلَاف رِوَايَته، قَالَ: (وَأما) رِوَايَة هشيم عَن الزُّهْرِيّ فِي ذَلِك، فقد حكم الحفَّاظُ بِكَوْنِهَا غَلطا، وَبِأَن هشيمًا لم يسمعهُ من الزُّهْرِيّ، فروايته عَنهُ مُنْقَطِعَة. ثمَّ سَاقه من حَدِيث عليّ بن الْمَدِينِيّ، عَن هشيم بن بشير، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَمرو بن عُثْمَان، عَن أُسَامَة رَفَعَه: «لَا يتوارث أهل ملتين» . قَالَ عليٌّ: فذكرتُ ذَلِك لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة، [فَقَالَ] : لم يُحْفظ قَالَ عليٌّ: فَنَظَرْنَا (فَإِذا) هشيم. لم يسمع هَذَا الحَدِيث من الزُّهْرِيّ. قلت: فَحِينَئِذٍ تَصْحِيح الْحَاكِم لَهُ كَمَا سلف غير جيد. قَالَ الرافعيُّ: ورُوي فِي بعض الرِّوَايَات: «لَا يتوارث أهل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 ملتين، لَا يَرث المسلمَ الكافرُ» قَالَ: فَجعل الثَّانِي بَيَانا للْأولِ، فَدلَّ عَلَى أَن المُرَاد بالملتين: الْإِسْلَام وَالْكفْر. قلت: الَّذِي رأيتُه فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جدِّه مَرْفُوعا: «لَا يَرث المسلمُ الكافرَ، وَلَا الكافرُ المسلمَ، وَلَا يتوارثون أهل ملتين» . وَفِي إسنادها الْخَلِيل بن مُرَّة الضَّبْعِىّ، وَهُوَ واهٍ، كَمَا سلف حَاله فِي بَاب الْوضُوء، فِي الْكَلَام عَلَى السِّوَاك، وَقد أسلفنا كلامَ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ أَيْضا. . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ للْقَاتِل مِيرَاث» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، مِن رِوَايَة عَمرو بن شُعَيْب عَن عُمر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث خطأ. قلت: وَهُوَ مُنْقَطع؛ فَإِن عَمروَ بْنَ شُعَيْب لم يسمع مِنْ عُمر، ولمَّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» مِنْ هَذَا الْوَجْه قَالَ: هَذَا مُرْسل. وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن رَاشد، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَمرو بْنِ شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جدِّه مَرْفُوعا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا غيرُه عَن عَمرو بْنِ شُعَيْب. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يَرث القاتلُ شَيْئا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَفِي إِسْنَاده (لَيْث) بن أبي سليم، وَقد ضعفه الْجُمْهُور، و (أَبُو حمة) لَا يُعْرف حَاله كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق آخر إِلَى ابْنِ عباسٍ، وستعلمه عَلَى الإثر. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين قَالَ: ويُروى «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَإِنَّهُ لَا يَرِثهُ وَإِن لم يكن لَهُ وَارِث غَيره» . هَذَا الحَدِيث يُرْوى من طَرِيق ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَهُوَ الطَّرِيق الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ أَيْضا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 رجل - قَالَ عبد الرَّزَّاق: وَهُوَ عَمرو بن برق - عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَذكره بِزِيَادَة: «وَإِن كَانَ وَالِده أَو وَلَده؛ فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى لَيْسَ لقَاتل مِيرَاث» . و «عَمرو» هَذَا هُوَ ابْن عبد الله الصَّنْعَانِيّ أَبُو الأسوار، وَيُقَال: عَمرو بنُ برق. قَالَ ابْن (معِين) : لَيْسَ بالقويّ. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْقَاتِل لَا يَرث» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَلَا يُعرف هَذَا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه، وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة - يَعْنِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده - قد تَركه بعض أهل الْعلم، مِنْهُم أَحْمد بن حَنْبَل. قلت: بل تَرَكُوهُ كَمَا قَالَ البُخَارِيّ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: رِجَاله كلهم ثِقَات إِلَّا إِسْحَاق. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْحَاق لَا يُحْتج بِهِ، إِلَّا أَن لَهُ شَوَاهِد تقويه. وَرَوَى التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الزُّهْرِيّ: أَنه سمع إِسْحَاق بن أبي فَرْوَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّه ثَنَا ابْنُ أَبَى فَرْوَة بِأَحَادِيث لَيْسَ لَهَا خِطَم وَلَا أزمة. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فكثيرة: أَولهَا: عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِذا تَحَدَّثْتُم (فتحدِّثوا) فِي الْفَرَائِض، وَإِذا لَهَوْتُم فالهوا بِالرَّمْي» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا وَإِن كَانَ مَوْقُوفا فَهُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد، قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ؛ فَذكره الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه دخل عَلَى عُثْمَان بن عَفَّان؛ فَقَالَ لَهُ محتجًا عَلَيْهِ: كَيفَ تردُّ الأُمَّ إِلَى السُّدس بالأخوين وليسا بإخوة؟ فَقَالَ عُثْمَان: لَا أَسْتَطِيع ردَّ شيءٍ كَانَ قَبْلي (وَمَضَى) فِي الْبلدَانِ، وتوارث الناسُ (بِهِ) » . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح (رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح) الْإِسْنَاد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 قلت: وَفِيه شُعْبَة مولَى ابْن عَبَّاس؛ قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بالقويّ. الْأَثر الثَّالِث: رُوي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: «جاءتٍ الجدَّتان إِلَى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فَأعْطَى أُمَّ الأُمِّ الْمِيرَاث دون أُمِّ الْأَب، فَقَالَ لَهُ بعض الْأَنْصَار: أعطيتَ الَّتِي لَو مَاتَت لم يَرِثهَا، ومنعتَ الَّتِي لَو ماتتْ ورثهَا، فَجعل أَبُو بكر السُّدس بَينهمَا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَنه قَالَ: «أَتَت الجدَّتان إِلَى أبي بكر الصّديق، فَأَرَادَ أَن يَجْعَل السُّدس للَّتِي من قبل الأُمِّ، فَقَالَ لَهُ رجل من الْأَنْصَار: أَمَا إِنَّك تتْرك الَّتِي لَو مَاتَت وَهُوَ حَيّ كَانَ إِيَّاهَا يَرث. فَجعل أَبُو بكر السُّدس بَينهمَا» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: «جاءتِ الجدَّتان إِلَى أبي بكر، فَأعْطَى الميراثَ أُمَّ الأُمِّ دون أُمِّ الْأَب، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن سهل بن حَارِثَة - وَقد كَانَ شهد بَدْرًا، وَقَالَ مرّة: رجل من بني حَارِثَة -: يَا أَبَا بكر (يَا) خليفةَ رسولِ الله: أعطيتَ الَّتِي لَو أَنَّهَا مَاتَت لم يَرِثهَا؛ فَجعله بَينهمَا» . رَوَاهُ أَيْضا من حَدِيثه عَن يَحْيَى، عَن الْقَاسِم: (أَن جدَّتَيْن أتتا إِلَى أَبَى بكر الصّديق أُمَّ الْأُم وأُمَّ الْأَب، فَأعْطَى الميراثَ أُمَّ الأُمِّ دون أُمِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 الْأَب، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن سهل أَخُو بنى حَارِثَة: يَا خَليفَة رَسُول الله: قد أعطيتَ الَّتِي لَو أَنَّهَا ماتَت لم يَرِثهَا، فَجعله أَبُو بكر بَينهمَا - يَعْنِي: السُّدس» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي هَذَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي إسنادٍ مُرْسل. وَهَذَا الْأَثر فِي طريقيه منقطعٌ؛ فَإِن الْقَاسِم لم يدْرك جدَّه؛ لِأَن أَبَاهُ مُحَمَّدًا وُلدَ فى حَجَّة الْوَدَاع، وَكَانَ عُمُرُهُ حِين تُوفِّي الصّديق نَحْو ثَلَاث سِنِين، وَذكر الْغلابِي أَن الْقَاسِم لم يدْرك أَبَاهُ أَيْضا. الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس: قَالَ الرافعيُّ: وَفِي أُمِّ (أَب) الْأَب، و (أُمّ) مَنْ فَوْقه من الأجداد وأمهاتهن قَولَانِ للشافعيِّ، وروايتان عَن زيد، أصَحهمَا: أَنَّهُنَّ وارثات. قلت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي الزِّنَاد عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، عَن أَبِيه زيد بن ثَابت: «أَنه كَانَ يورِّث ثَلَاث جدَّاتٍ إِذا استوين، ثِنْتَانِ من قبل الْأَب، وَوَاحِدَة مِنْ قبل الْأُم» . وَرَوَى من حَدِيث قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب، عَن زيد بن ثَابت: «أَنه كَانَ يورِّث ثَلَاث جَدَّاتٍ؛ ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَل الأُمِّ، وَوَاحِدَة مِنْ قِبَل الْأَب» . كَذَا قَالَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حميد وَدَاوُد أَن زيد بن ثَابت قَالَ: «ترثُ جدَّاتٍ جدَّتَيْن مِنْ قِبَل الْأَب، وَوَاحِدَة مِنْ قِبَل الأُمِّ» . وَمن حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى عَن الشعبى: «أَن زيد بن ثَابت وعليًّا كَانَا يورثان ثلاثَ جدَّاتٍ. ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَل الْأَب، وَوَاحِدَة من قِبَل الْأُم» . الْأَثر السَّادِس: وَكَانَ مِنْ حَقه أَن يقدَّم؛ فَإِن الرَّافِعِيّ ذكره قبل، وَهُوَ مُجَمِّعُ آثارًا -: «أَن عليَّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس تكلمُوا فِي جَمِيع أصُول الْفَرَائِض، وَأَن أَبَا بكر وَعمر ومعاذ بن جبل تكلمُوا فِي معظمها، وَأَن عُثْمَان تكلم فِي مسَائِل مَعْدُودَة» . وَهَذَا مَشْهُور فِي كُتُب الْفَرَائِض، نَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن عُلَمَاء الْفَرَائِض، وَلَا يَحْضُرُني فِي الْكتب الحديثية. الْأَثر السَّابِع: «مَذْهَب ابْن عَبَّاس فِي زوجٍ وأبوين: أَن لَهَا الثُّلُث كَامِلا» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «سنَنه» من رِوَايَة عِكْرِمَة قَالَ: «أَرْسلنِي ابْنُ عَبَّاس إِلَى زَيْدِ بْنِ ثابتٍ أسأله عَن زوجٍ وأبوين، فَقَالَ زيدٌ: للزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي، وَللْأَب بَقِيَّة المَال. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: للْأُم الثُّلُث كَامِلا» . وَفِي رِوَايَة: «وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَهُوَ السُّدُس، فَأرْسل إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس: أَفِي كتاب الله تَجِد هَذَا؟ قَالَ: لَا وَلَكِن (أكره) أَن أُفَضِّل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 أُمًّا عَلَى أَب، قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يُعْطَى للأُمِّ الثُّلُث من جَمِيع المَال» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أبكتابِ الله أَمْ بِرَأْيِك؟ فَقَالَ: برأيي. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَأَنا أَقُول برأيي، للأُمِّ الثُّلُث كَامِلا» . ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن فُضَيْل، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ «خَالف ابْنُ عَبَّاس فِيهَا النَّاس» وَفِي رِوَايَة عَن إِبْرَاهِيم خَالف ابْن عَبَّاس جَمِيع أهل (الصَّلَاة) فِي زوج وأبوين» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيجوز أَن يُحْتج فِيهَا بِاتِّفَاق الصَّحَابَة، قبل إِظْهَار ابْن عَبَّاس الْخلاف كَمَا احْتج عُثْمَان فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة. أَي: وَهُوَ الْأَثر الثَّانِي. الْأَثر الثَّامِن: المشركة: وَهِي: زوج، وأُمّ، وَأَخَوَانِ لأُمٍّ، وأخوِان لأَب وأُمّ، فَللزَّوْج النّصْف، وللأُم السُّدس، وللأخوين للْأُم الثُّلُث، والأخوان للْأَب وَالأُم يشاركانهما فِي الثُّلُث لَا يُسْقطان. قَالَ: وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي ذَلِك عَن زيد بن ثَابت. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد رَوَى الرِّوَايَتَيْنِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ، ثمَّ قَالَ: الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَن زيد بن ثَابت التَّشْرِيك، وَالْأُخْرَى تفرّد بهَا مُحَمَّد بن سَالم وَلَيْسَ بالقويّ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وتُسَمَّى حِماريَّة؛ لِأَن عمر كَانَ لَا يُورث أَوْلَاد الْأَب وَالأُم، فَقَالُوا: هَبْ أنْ أَبَانَا كَانَ حمارا، ألَسْنا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَة؟ ؛ فَشَرَكَهُمْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 قلت: رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» ، قَالَ فِي سنَنه: أبنا أَبُو عبد الله - هُوَ: الْحَاكِم - ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس [ثَنَا يَحْيَى] بن أبي طَالب، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أبنا أَبُو أُميَّة بن يعْلى الثَّقَفِيّ، عَن أبي الزِّنَاد، عَن (عَمْرو) بن (وهيب) ، عَن أَبِيه، عَن زيد بن ثَابت فِي المشركة قَالَ: «هَبُوا أَن أباهم كَانَ حمارا، مَا زادهم الأبُ إِلَّا قُرْبًَا. وأشرك بَينهم فِي الثُّلُث» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. (قَالَ) : وشرحْتُه بِحَدِيث الشّعبِيّ عَن عُمر وعليّ وَزيد فِي: أُمٍّ وَزوج وإخوة لأَب وَأم وإخوة لأم، أَن الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم شُرَكَاء للإخوة من الْأُم فِي ثلثهم، وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا: «هم بَنو أُمٍّ كلهم، وَلم يزدهم الْأَب إِلَّا قُرْبًا؛ فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث» . وَذكر الطَّحَاوِيّ: أَن عمر كَانَ [لَا] يُشْرك حَتَّى ابْتُلي بمسألةٍ، فَقَالَ لَهُ الْأَخ وَالْأُخْت من الْأَب [وَالأُم] : يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: هَبْ أَن أَبَانَا كَانَ حمارا، ألَسْنَا من أُمٍّ واحدةٍ. فَرجع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 قلت: وَبَلغنِي عَن بعض المتفقهة فِي علم الْفَرَائِض والمقلدين فِي علم الحَدِيث: أَنه يُنكر عَلَى الإِمَام الرافعيِّ وَغَيره من الْفُقَهَاء تسميتهم هَذِه الْمَسْأَلَة بالحماريَّة، وَقَالَ: هَذِه تَسْمِيَة لم (يقلها) أحد، وَالْمَعْرُوف أَنهم قَالُوا إِن أَبَانَا كَانَ حَجَرًا. وَمِمَّا قَالَه هَذَا المغتر حَتَّى لَو عَكسه لَكَانَ أصوب؛ فَإِن مَا ادَّعَاهُ من هَذِه التَّسْمِيَة لَا يُعْرف؛ فَلَيْتَهُ سكت. الْأَثر التَّاسِع: أَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَرَأَ: «وَإِن كَانَ لَهُ أَخ أَو أُخْت مِنْ أُمّ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» لَكِن عَن سعد - أَظُنهُ: ابْن أبي وَقاص - أخرجه من حَدِيث الْقَاسِم [بن] عبد الله بن ربيعَة بن [قانف] : أَن سَعْدا كَانَ يقْرؤهَا: «وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت من أُمّ» . وَقَالَ أَبُو الطّيب: رَوَاهُ عَن سعد بن أبي وَقاص أَبُو بكر بن الْمُنْذر، وَحَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ عَنهُ وَعَن أبيّ بن كَعْب. الْأَثر الْعَاشِر: أَن الْأُخوة يسقطون بالجدِّ؛ لِأَن ابْن الابْن نَازل منزلَة الابْن فِي إِسْقَاط الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَغير ذَلِك، فَلْيَكُن أَب الْأَب نازلاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 منزلَة الْأَب. يُرْوى هَذَا التَّوْجِيه عَن ابْن عَبَّاس، لَا يحضرني من خرَّجه، نعم ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب: مَنْ يورِّث الْإِخْوَة مَعَ الجدِّ، بِسَنَدِهِ إِلَى [عبد الرَّحْمَن] بن معقل قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تَقول فِي الجدِّ؟ ، قَالَ: إِنَّه لَا جدَّ، أَي أَب لَك أكبر؟ فَسكت الرجلُ فَلم يجبهُ وَكَأَنَّهُ عيى عَن جَوَابه، فَقلت أَنا: آدم. قَالَ: أَفلا تسمع إِلَى قَول الله تَعَالَى: (يَا بني آدم) » . وَفِي «سنَن سعيد بن مَنْصُور» : ثَنَا خَالِد بن عبد الله، عَن (لَيْث) بن أبي سليم، عَن عَطاء: «أَن أَبَا بكر وعُمر وَعُثْمَان وابْنَ عبَّاسٍ كَانُوا يجْعَلُونَ الجدَّ أَبَا» . وَفِي «غَرِيب أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام» : حدَّثني ابْن عُليَّة، عَن أَيُّوب، عَن ابْن أَبَى مليكَة، قَالَ ابْنُ عُليَّة: يشبه أَن يكون هَذَا كَلَام ابْن عَبَّاس، مَنْ شَاءَ باهلته أَن الله لم يذكر فِي كِتَابه جدًّا إِنَّمَا هُوَ أبٌ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأجْمع الصَّحَابَة عَلَى أَن الْأَخ لَا يُسْقط الجدّ. قلت: لَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة؛ فقد حَكَى ابْن حزم قولاَ: أَن الْإِخْوَة تُقَدَّم عَلَى الجدِّ، ثمَّ حَكَى أقوالاً أُخَر فِيهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَبَاب الجدِّ أكْثَرَ فِيهِ الصحابةُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 قلت: جدًّا؛ فَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن عُبَيْدَة قَالَ: «إِنِّي لأحْفَظُ عَن عُمر فِي الجَدِّ مائَة قَضِيَّة، كلهَا ينْقض بَعْضهَا بَعْضهَا» . وَذكر البيهقيُّ جُملةً مِنْ ذَلِك فِي «سنَنه» ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ (عَن سعيد بن خَيْبَر، عَن رجل من مُرَاد أَنه سمع عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: من سره) «أَن يقتحم (جراثيم) جَهَنَّم؛ (فليقض) بَين الجِدِّ وَالإِخْوَة» . الْأَثر الْحَادِي عشر: شبَّه عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الجدَّ بالبحر أَو النَّهر الْكَبِير، وَالْأَب كالخليج الْمَأْخُوذ مِنْهُ، وَالْمَيِّت وَأَخُوهُ كالساقيتين الممتدتين مِنَ الخليج، والساقية إِلَى الساقية أقرب مِنْهَا إِلَى الْبَحْر، أَلا ترَى أَنه إِذا (سدَّت) إِحْدَاهمَا أخذت الْأُخْرَى ماءها وَلم يرجع إِلَى الْبَحْر وشَبَّهَهُ زيدُ بن ثَابت بساق الشَّجَرَة وَأَصلهَا، وَالْأَب كغصنٍ مِنْهَا، وَالإِخْوَة كغصنين تفرعا من ذَلِك الْغُصْن، وأحدُ الغصنين إِلَى الآخر أقرب مِنْهُ إِلَى أصل الشَّجَرَة، أَلا ترَى أَنه إِذا قُطع أحدُهما امتص الآخر مَا كَانَ يمتصه الْمَقْطُوع وَلَا يرجع إِلَى السَّاق» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ البيهقيُّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سُفْيَان، عَن عِيسَى الْمدنِي، عَن الشّعبِيّ قَالَ: «كَانَ مِنْ رَأْي أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن يُجعل الجدّ أَوْلى من الْأَخ، وَكَانَ عمر يكره الكلامَ فِيهِ، فلمَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 (صَار) عُمر جَدًّا قَالَ: هَذَا أمْر (قد وَقع) لابد للنَّاس من مَعْرفَته، فَأرْسل إِلَى زيد بن ثَابت يسْأَل، فَقَالَ: كَانَ مِنْ (رَأْيِي) ورأي أبي بكر: أَن يَجْعَل الجِد أوْلى مِنَ الْأَخ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تجْعَل شَجَرَة نَبتَت، فانشعب مِنْهَا [غُصْن] ، فاشعب فِي الْغُصْن [غُصْن] ، فَمَا يَجْعَل للغصن الأوَّل أَوْلى من الْغُصْن الثَّانِي وَقد خرج الْغُصْن من الْغُصْن. قَالَ: فَأرْسل إِلَى عليٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ زيدٌ إِلَّا أَنه جعله (سيلاً) سَالَ فانشعب مِنْهُ شُعْبَة، ثمَّ انشعب مِنْهُ شعبتان. فَقَالَ: أَرَأَيْت لَو أنَّ هَذِه الشعبة الْوُسْطَى تيبس رَجَعَ اليبس إِلَى (الشعبتين) جَمِيعًا، فَقَامَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فَخَطب الناسَ ... .» إِلَى آخِره. وَفِي (رِوَايَة) لَهُ: فَقَالَ زيد: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا تجْعَل شَجَرَة نَبتَت فانشعب مِنْهَا غُصْن، فانشعب فِي الْغُصْن غصنان، فَمَا جعل الأوَّل أَوْلى من الثَّانِي، وَقد خرج الغصنان من (الْغُصْن) الأوَّل» . وَذكر عَن عليٍّ كَمَا تقدَّم. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن عمر بن الْخطاب (أَتَى) إِلَى زيد يسْأَله، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 فَسَأَلَهُ عَنهُ، فَامْتنعَ حَتَّى يعرف رَأْيه فِيهِ، ثمَّ أَتَاهُ أُخْرَى فَكتب إِلَيْهِ، وَضرب لَهُ مَثَلاً، إِنَّمَا مثله مَثَلُ شجرةٍ نَبتَت عَلَى سَاق وَاحِد؛ فَخرج فِيهَا غُصْن، ثمَّ خرج فِي الْغُصْن غُصْن آخر، (فالساق) يسْقِي الْغُصْن، فَإِن قطعتَ الْغُصْن الأوَّل رَجَعَ المَاء إِلَى الْغُصْن - يَعْنِي الثَّانِي - وَإِن قطعتَ الثَّانِي رَجَعَ المَاء إِلَى الأول. فأمضاه عُمر» . وَفِي رِوَايَة: «أَنه (شبهه) بأصْل الشَّجَرَة، وَالْأَب بغُصْنٍ مِنْهَا، وَالإِخْوَة (بخوطين) ؛ تشعبا من الْغُصْن» . و (فِي) «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» : «أَن عُمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لمَّا استشارهم فِي مِيرَاث الجدِّ وَالإِخْوَة، قَالَ زيد: وَكَانَ رَأْيِي أَن الْإِخْوَة أَولى [بِالْمِيرَاثِ] من الجِدِّ، وَكَانَ عُمرُ يرَى يومئذٍ أَن الجدَّ أولَى بميراث ابْن ابْنه من إخواته، قَالَ زيد: فجاوزتُ أَنا عمرُ، فَضربت لعمر فِي ذَلِك مَثَلاً، وَضرب عليُّ بْنُ أبي طَالب وعَبْدُ الله بن عَبَّاس لعُمَرَ فِي ذَلِك مثلا يَوْمئِذٍ السَّيْل يَضْرِبَانِهِ، (ويصرفانه) عَلَى نَحْو (تصريف) زيد» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. الْأَثر الثَّانِي عشر: الْمَسْأَلَة الْمَعْرُوفَة ب «الخرقاء» : وَهِي: أُمّ وجدّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 وَأُخْت، فللأم الثُّلُث، وَالْبَاقِي يقسم بَين الجدّ وَالْأُخْت أَثلَاثًا. وسُمِّيَتْ بالخرقاء لتخرُّق أَقْوَال الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - وَكَثْرَة اخْتلَافهمْ فِيهَا، فَهَذَا مَذْهَب زيد، وَعند أبي بكر: للأُمّ الثُّلُث، وَالْبَاقِي للجدّ. وَعند عُمر: للْأُخْت النّصْف، وَللْأُمّ ثلث مَا يَبْقَى، وَالْبَاقِي للجدّ. وَعند عُثْمَان: لكل وَاحِد مِنْهُم الثُّلُث وَعند عليّ: للْأُخْت: النّصْف، وَللْأُمّ الثُّلُث، وللجد السُّدس. وَعند ابْن مَسْعُود: للْأُخْت النّصْف وَالْبَاقِي بَين الْجد وَالأُم بِالسَّوِيَّةِ. ويُرْوى عَنهُ مثل مَذْهَب عُمر. هَذِه الْمَسْأَلَة ترْجم عَلَيْهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : بَاب الِاخْتِلَاف فِي مَسْأَلَة الخرقاء، ثمَّ ذكر بِسَنَدِهِ إِلَى الشّعبِيّ: «أَن الْحجَّاج سَأَلَهُ فِي: أُمّ وَأُخْت وجدّ، فَقَالَ: قد اخْتلف فِيهَا خمسةٌ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عبد الله بن عَبَّاس وَزيد، وَعُثْمَان، وعليّ، وَعبد الله بن مَسْعُود. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا ابْن عَبَّاس إِن كَانَ (لمقنبًا) وَفِي رِوَايَة (إِن كَانَ لمنقبًا) . قلت: جعل الجدَّ أَبَا، وَلم يُعْطِ الأختَ شَيْئا، وَأعْطَى الأُمَّ الثُّلُث. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا زيد؟ قلت: جَعَلها من تسعةٍ، أعْطى للْأُم ثَلَاثَة، والجدَّ أَرْبَعَة، وَالْأُخْت سَهْمَيْنِ. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا (أَمِير الْمُؤمنِينَ - يَعْنِي عُثْمَان - قلت: جعلهَا أَثلَاثًا. قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا) ابْن مَسْعُود؟ قلت: جعلهَا من سِتَّة أسْهم؛ فَأعْطَى الْأُخْت ثَلَاثَة، والجدَّ سَهْمَيْنِ، وَالأُم سَهْما. قَالَ: فَمَا قَالَ أَبُو تُرَاب - يَعْنِي: عليًّا -؟ قلت: جعلهَا من سِتَّة أسْهم؛ الْأُخْت ثَلَاثَة، وَالأُم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 سَهْمَيْنِ، والجدَّ سَهْما» . قلت: وتابع الشعبيَّ إبراهيمُ، كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ عَن عُمر فى: أم، وَأُخْت، وجد، للْأُخْت النّصْف، وَللْأُمّ ثلث مَا يَبْقَى، وللجد مَا بَقِي» . ثمَّ [رَوَى] بِسَنَدِهِ إِلَى إِبْرَاهِيم قَالَ: «كَانَ عُمر وعبدُ الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما لَا يفضلان أُمًّا عَلَى جدٍّ. هَذَا مَجْمُوع مَا ذكره البيهقيُّ فِي هَذَا الْبَاب، وَفِيه مُخَالفَة لِمَا ذكره الرافعيُّ فِي حَقِّ ابْن مَسْعُود، وَلما رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن رجلٍ عَن الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء، عَن إِبْرَاهِيم وسُفْيَان، عَمَّن سمع الشعبيَّ يَقُول - أَظُنهُ عَن عبد الله - «فِي جدٍّ وَأُخْت وَأم، للْأُخْت ثَلَاثَة أسْهم، وَللْأُمّ سهم، وللجد سَهْمَان» . وَرَوَى ابْن حزم من حَدِيث وَكِيع، ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عُمر بن الْخطاب: «فِي: أختٍ، (وَأم) ، وجدٍ، قَالَ للْأُخْت النّصْف، وَللْأُمّ السُّدس، وَمَا بَقِي فللجد» . وَرَوَى سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» : عَن [هشيم] عَن عُبَيْدَة، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: «أرسل إليَّ الْحجَّاج فَقَالَ لي: مَا تَقول فِي فريضةٍ أُتِيْتُ بهَا: أم، وجدّ، وَأُخْت؟ قلت: مَا قَالَ فِيهَا الْأَمِير؟ فأخْبَرَني بقوله. فَقلت: هَذَا قضاءُ أبي تُرَاب - يَعْنِي: عليَّ بن أبي طَالب -، وَقَالَ: فِيهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 سبعةٌ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ عُمر وَابْن مَسْعُود: للْأُخْت النّصْف، [وللجِدّ الثُّلُث، وَللْأُمّ السُّدس] . وَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان: للْأُم الثُّلُث، وَللْأُخْت الثُّلُث، وللجد الثُّلُث» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقد تُسَمَّى هَذِه الْمَسْأَلَة «مُثَلَّثَة عُثْمَان» لِمَا عَرَفْتَ مِنْ مذْهبه، ومسدسة؛ لِأَن فِيهَا سِتَّة مَذَاهِب عَن الصَّحَابَة، ومسبعة لِأَن عَن عُمرَ فِيهَا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا تقدمتْ، وَالْأُخْرَى: «أَنه يفْرض للْأُم: السُّدس» وَالْمعْنَى وَاحِد، وَرُبمَا تسمى «مُخَمَّسة» ؛ لِأَن مِنْهُم مَنْ يَقُول: قَضَى فِيهَا عُثْمَان وعليٌّ وَزيد وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس. كَأَنَّهُ لَا تثبت الرِّوَايَة عَن غَيرهم. قلت: الْقَائِل هُوَ الشّعبِيّ، كَمَا تقدَّم. الْأَثر الثَّالِث عشر: الأكدرية: «وَهِي: زوج، وَأم، وجد، وَأُخْت من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب، للزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ الثُّلُث، وللجد السُّدس، ويُفْرض للْأُخْت النّصْف، وتعول من سِتَّة إِلَى تِسْعَة، ثمَّ يُضم نصيب الْأُخْت إِلَى نصيب الجدِّ، ويُجعل بَينهمَا أَثلَاثًا، وتَصِحُّ من سَبْعَة وَعشْرين» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأنكر قبيصةُ قضاءَ زَيْدٍ فِيهَا بِمَا اشْتهر عَنهُ. ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ أَرْبَعَة أقوالٍ لِمَ سُمِّيَتِْ أكدرية؟ رَابِعهَا: لتكدر أَقْوَال الصَّحَابَة وَكَثْرَة اخْتلَافهمْ فِيهَا، فَأَبُو بكر يُسْقط الأُخْتَ، وَعمر وَابْن مَسْعُود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 يَقُولَانِ: للْأُم السُّدس. وَالْبَاقِي كَمَا ذكرنَا، فتعول إِلَى ثَمَانِيَة، وعليٌّ يفْرض، وتُعَالُ كَمَا ذكرنَا، وَلَكِن تقرر نصيب الْأُخْت عَلَيْهَا. وَهَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعضه من طَرِيق الشّعبِيّ: فِي: أم، وَأُخْت، وَزوج، وجِدّ؛ فِي قَول عليٍّ: للْأُم الثُّلُث، وَللْأُخْت النّصْف، وَللزَّوْج النّصْف، وللجد السُّدس؛ من تِسْعَة. وَفِي قَول عبد الله: للْأُخْت النّصْف، وَللزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ الثُّلُث، وللجد السُّدس، من تِسْعَة أسْهم، ويُقَاسم الجدَ الْأُخْت بسدسه وَنِصْفهَا، فَيكون لَهُ ثُلُثَاهُ، وَلها ثلثه، تضرب التِّسْعَة فِي ثَلَاثَة؛ فَتكون سَبْعَة و (عشْرين) ، للْأُم سِتَّة، وَللزَّوْج تِسْعَة، وَيبقى اثْنَا عشر؛ للجدّ ثَمَانِيَة، وَللْأُخْت أَرْبَعَة. الأكدريةُ أُمُّ الْفروج. هَذَا مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ بعد أَن بوَّب: الِاخْتِلَاف فِي مَسْأَلَة الأكدرية. ثمَّ ذكر فِي بَاب: كَيْفيَّة الْمُقَاسَمَة بَين الجِدّ وَالإِخْوَة (قَول زيد) كَمَا (رُوِيَ) الإِمَام الرَّافِعِيّ أَولا. وَفِي «سنَن سعيد بن مَنْصُور» : ثَنَا هشيم، ثَنَا الْمُغيرَة، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: قَالَ عليٌّ للزَّوْج ثَلَاثَة أسْهم، وَللْأُمّ سَهْمَان، وللجد سهم، وَللْأُخْت ثَلَاثَة أسْهم. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: للزَّوْج ثَلَاثَة أسْهم، وَللْأُمّ سهم؛ وللجد سهم، وَللْأُخْت ثَلَاثَة أسْهم. وَقَالَ زيد بن ثَابت: للزَّوْج ثَلَاثَة، وَللْأُمّ سَهْمَان، وللجد سهم، وَللْأُخْت ثَلَاثَة أسْهم، تُضْرب جَمِيع السِّهَام فِي ثَلَاثَة، فَتكون سَبْعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 وَعشْرين، للزَّوْج من ذَلِك تِسْعَة، وَللْأُمّ سِتَّة، يَبْقَى اثْنَا عشر؛ للجدّ مِنْهَا ثَمَانِيَة، وَللْأُخْت أَرْبَعَة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: للزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ الثُّلُث، وللجد مَا بَقِي، وَلَيْسَ للْأُخْت شَيْء» . وَرَوَى ابْنُ حزم من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: حَدثُونِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن الشّعبِيّ قَالَ: حدَّثَني (راوية) زَيْدِ بن ثَابت - يَعْنِي: قبيصَة بن (ذُؤَيْب) أَنه لم يقل فِي الأكدرية شَيْئا - يَعْنِي: زيد بن ثَابت -. الْأَثر الرَّابِع عشر: «فِي المُبَعَّض: يُحْجَبُ بِقَدْر مَا فِيهِ من الرِّقِّ ... » إِلَى آخِره. هَذَا غَرِيب عَنهُ. بل فِي «الْبَيْهَقِيّ» عَنهُ أَنه قَالَ: «المملوكون وَأهل الْكِتَابَة بِمَنْزِلَة الْأَمْوَات» . الْأَثر الْخَامِس عشر: قَول زيد «فِي الجدّ وَالإِخْوَة؛ حَيْثُ كَانَ ثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض خيرا لَهُ فِي الْقِسْمَة» . هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة إِبْرَاهِيم عَنهُ «أَنه كَانَ يُشْرك الجدَّ إِلَى الثُّلُث مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات، فَإِذا بلغ الثُّلُث أعطَاهُ الثُّلُث، وَكَانَ للإخوة وَالْأَخَوَات مَا بَقِي» ثمَّ سَاق ذَلِك إِلَى أَن قَالَ: «فَإِن لحقتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 (الْفَرَائِض) امْرَأَة (و) زوج (و) أُمّ؛ أعطي أهل الْفَرَائِض فرائضهم، وَمَا بَقِي قَاَمَ الْأُخوة وَالْأَخَوَات، فَإِن كَانَ ثلث مَا بَقِي خير لَهُ من الْمُقَاسَمَة أعطَاهُ ثلث مَا بَقِي (وَإِن كَانَت الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ من ثلث مَا بَقِي) قَاسم، وَإِن كَانَ سدس جَمِيع [المَال خيرا لَهُ من الْمُقَاسَمَة أعطَاهُ السُّدس، وَإِن كَانَت الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ من سدس جَمِيع المَال] قَاسم. الْأَثر السَّادِس عشر: اتّفقت الصَّحَابَة عَلَى الْعَوْل فِي زمن عُمر حِين ماتَتِ امرأةٌ فِي عَهده عَنْ زوجٍ وأختين؛ فَكَانَت أول فَرِيضَة عائلة فِي الْإِسْلَام، فَجمع الصَّحَابَة وَقَالَ: فرض اللَّهُ للزَّوْج النّصْف، وللأختين الثُّلثَيْنِ؛ فَإِن بدأت بِالزَّوْجِ لم يَبْقَ للأختين حَقُّهُمَا، وَإِن بدأت بالأختين لم يبْق للزَّوْج حَقُّه؛ فأشيروا عليَّ. فَأَشَارَ عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس بالعول فَقَالَ: أرأيتَ لَو مَاتَ رجلٌ وَترك سِتَّة دَرَاهِم، ولرجلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَة وَللْآخر أَرْبَعَة، أَلَيْسَ يَجْعَل المَال سَبْعَة أَجزَاء؟ فَأخذ الصَّحَابَة بقوله - رَضِي الله عَنهُ - ثمَّ أظهر ابْن عَبَّاس الْخلاف فِيهِ بعد ذَلِك وَلم يَأْخُذ بقوله - رَضِي الله عَنهُ - إِلَّا قَلِيل» . هَذَا لَا يَحْضُرُني هَكَذَا، وَإِنَّمَا فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» بَاب الْعَوْل فِي الْفَرَائِض، ثمَّ ذكر بِسَنَدِهِ: أَن أول مَنْ أعال الْفَرَائِض زيدُ بْنُ ثَابت، وَكَانَ أَكثر مَا أعالها بِهِ الثُّلثَيْنِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 وَعَن عليّ: «فِي: امرأةٍ وأبوين و (ابْنَيْنِ) ، صَار ثُمنها تسعا» . وَعَن عبد الله وعليّ: «أَنَّهُمَا أعالا فِي الْفَرَائِض» . وَعَن عبيد الله بن عبد الله بن (عتبَة) بن مَسْعُود قَالَ: «دخلتُ أَنا وزفرُ بن أَوْس بن الْحدثَان عَلَى ابْن عَبَّاس بَعْدَمَا ذهب بَصَره، فتذاكرنا فرائضَ الْمِيرَاث، فَقَالَ: ترَوْنَ الَّذِي أحصى رمل عالج عددا لم (يحص) فِي مالٍ نصفا وَنصفا وَثلثا، إِذا ذهب نصفٌ ونصفٌ؛ فَأَيْنَ مَوضِع الثُّلُث؟ ، فَقَالَ لَهُ زفر: يَا ابْن عَبَّاس: (من) أوَّل من أعال الفرائضَ؟ قَالَ: عمر بن الْخطاب قَالَ: ولِمَ؟ قَالَ: لمَّا تدافعتْ عَلَيْهِ وَركب بَعْضهَا بَعْضًا قَالَ: وَالله مَا أَدْرِي كَيفَ أصنع بكم؟ واللَّهِ مَا أَدْرِي أَيّكُم قدَّمَ اللَّهُ وَلَا أَيّكُم أخَّر. قَالَ: وَمَا أجد فِي هَذَا [المَال] شَيْئا (أحسن) مِنْ أَن (أقسم) عَلَيْكُم بِالْحِصَصِ. ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس: وأيْمُ الله لَو قَدَّمَ مَنْ قدَّمَ اللَّهُ، وأخَّر مَنْ أخَّرَ اللَّهُ مَا عالتْ فريضةٌ. فَقَالَ لَهُ زفر: وأيهم قَدَّم؟ وأيهم أخَّر؟ فَقَالَ: كل فَرِيضَة لَا تَزُول إِلَّا إِلَى فَرِيضَة، فَتلك الَّتِي قدَّم اللَّهُ، وَتلك فريضةٌ؛ الزَّوْج لَهُ النّصْف، فَإِن زَالَ فَلهُ الرُّبع لَا يُنْقص مِنْهُ، وَالْمَرْأَة لَهَا الرُّبْع، فَإِن زالتْ عَنهُ صَارَت إِلَى الثُّمْن لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 يُنْقَص مِنْهُ، وَالْأَخَوَات لَهُنَّ الثُّلُثَانِ، والواحدة لَهَا النّصْف، فَإِن دخلن عَلَيْهِنَّ الْبَنَات كَانَ لَهُنَّ مَا بَقِي فَهَؤُلَاءِ الَّذين أخَّر الله، فَلَو أعْطى مَنْ قدَّم الله فَرِيضَة كَامِلَة، ثمَّ قَسَّم مَا يَبْقَى بَين من أخَّر الله بِالْحِصَصِ مَا عالتْ فريضةٌ. فَقَالَ لَهُ زفر: مَا مَنعك أَن تُشِير بِهَذَا الرَّأْي عَلَى عُمر؟ فَقَالَ: هِبْتُهُ وَالله» . قَالَ ابْن إِسْحَاق: قَالَ لي الزُّهْرِيّ: وايمُ اللَّهِ: لَوْلَا أَنه تقدم إِمَام هدى كَانَ أمْره عَلَى الْوَرع مَا اخْتلف عَلَى ابْن عَبَّاس اثْنَان من أهل الْعلم. وَذكر هَذَا الْحَاكِم بأخْصَرَ مِنْ هَذَا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ أَبُو عَمرو بن الْحَاجِب فِي كِتَابه فِي «الْأُصُول» : وَانْفَرَدَ ابْن عَبَّاس بإنكار الْعَوْل. قلت: لَا، فقد وَافقه عَطاء وابْنُ الْحَنَفِيَّة وَدَاوُد وأصحابُه، كَمَا نَقله عَنْهُم أَبُو مُحَمَّد بن حزم ثمَّ اخْتَارَهُ. الْأَثر (السَّابِع) عشر: المِنْبَرِيَّة: سُئِلَ عَنْهَا عليُّ بن أبي طَالب - كرَّم الله وَجهه - وَهُوَ عَلَى المِنْبَر، وَهِي: زَوْجَة وبنتين وأبوين فَقَالَ عَلَى الارتجالِ: صَار ثُمْنها تُسْعًا، وَذَلِكَ لِأَن (ثلثه) من سَبْعَة وَعشْرين تُسع فِي الْحَقِيقَة. وَهَذَا قد أخرجه أَبُو عبيد فِي «غَرِيبه» ثمَّ البيهقيُّ فِي «سنَنه» وَلم يذكرَا أَنه قَالَ ذَلِك عَلَى الْمِنْبَر، ولفظها كَمَا تقدَّم فِي الْأَثر قبله؛ فَإِن لفظ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 أبي عبيد كلفظه. وَذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ مسَائِل مُلَقَّبَات مَشْهُورَة فِي كُتُب الفرضيين، فَمِنْهَا: مربعات ابْن مَسْعُود: وَهِي: بنت وَأُخْت وجد، قَالَ: للْبِنْت النّصْف، وَالْبَاقِي بَينهمَا مُنَاصَفَة. [وَزوج وَأم وجد، قَالَ: للزَّوْج النّصْف، وَالْبَاقِي بَينهمَا] . وَزَوْجَة وَأم [وجد] وَأَخ. جعلَ المَال بَينهم أَربَاعًا. وَزَوْجَة وَأُخْت وجدّ؛ قَالَ: للزَّوْجَة الرّبع، وَللْأُخْت النّصْف، وَالْبَاقِي للجدِّ. فالصور كلهَا مِنْ أَرْبَعَة، والأخيرة (تسمى) مربعة [الْجَمَاعَة] ؛ لأَنهم كلهم جعلوها من أَرْبَعَة، وإنِ اخْتلفُوا فِي بعض الْأَنْصِبَاء. ثمَّ ذكر بعد ذَلِك: (الثمنية و) التسعينية، والنصفية، والعمريتان، والمباهلة، والناقضة، والدينارية وَكلهَا مَشْهُورَة فِي كُتُبِ (الْفَرَائِض) فَلَا نطوّل بالْكلَام عَلَيْهَا، ونشرع فِيمَا هُوَ أهَمُّ مِنْ ذَلِك؛ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 كتاب الْوَصَايَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 كتاب الْوَصَايَا ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث ثَلَاثَة وَعشْرين حَدِيثا: الحَدِيث الأوَّل عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَدِمَ الْمَدِينَة؛ فَسَأَلَ عَن الْبَراء بن معْرور، فَقيل لَهُ: هلك، وَأَوْصَى (لَك) بثُلث مَاله. فَقَبِلَهُ، ثمَّ ردَّه إِلَى ورثته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وتلميذُه البيهقيُّ فِي «سنَنه» عَنهُ، من حَدِيث نُعيم بن حَمَّاد، عَن الدَّرَاورْدِي، عَن يَحْيَى بن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين قَدِم الْمَدِينَة سَأَلَ عَن الْبَراء بن معْرور، فَقَالُوا: تُوفِّي، وَأَوْصَى بِثُلثِهِ لَك يَا رَسُول الله، وَأَوْصَى أَن يُوَجَّه إِلَى الْقبْلَة لمَّا احْتضرَ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أصَاب الْفطْرَة، وَقد رددتُ ثلثه عَلَى وَلَده. ثمَّ ذهب فصلىَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ (وارحمه) وَأدْخلهُ جنتك» . ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلَا أعلم فِي تَوْجِيه المحتضر إِلَى الْقبْلَة غير هَذَا الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 وَالسَّلَام قدم بعد سنة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدْتُه فِي كتابي، (و) الصَّوَاب: شهر. وَفِي رِوَايَة للطبراني من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا مَعْبَدٌ أَو أَبُو مُحَمَّد بن معبد، عَن أبي قَتَادَة، عَن الْبَراء بن معْرور (أَنه أَوْصَى للنَّبِي (بِثُلث مَاله، يَضَعهُ حَيْثُ شَاءَ فردَّه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى وَلَده» . فَائِدَة: أوّل مَنْ أَوْصَى بِالثُّلثِ البراءُ بن معْرور، وَهُوَ أوَّلُ مَنْ أَوْصى أَن يُدْفَنَ إِلَى الْقبْلَة أَيْضا. وَفِي «الْبَيْهَقِيّ» فِي (الْجَنَائِز) فِي «سنَنه» عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك فِي قصَّة ذكرهَا، قَالَ: فَكَانَ الْبَراء بن معْرور أوَّل مَنْ اسْتقْبل الْقبْلَة حيًّا وَمَيتًا) . الحَدِيث الثَّانِي عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «جَاءَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعودُني مِنْ وجع اشْتَدَّ بِي، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي قد بلغ بِي من الوجع مَا ترَى، وَأَنا ذُو مالٍ وَلَا يَرِثنِي إِلَّا ابْنة لي؛ أفأتصدَّق بِثُلثي مَالِي؟ قَالَ: لَا. قلت فَالشَّطْر يَا رَسُول الله؟ قَالَ: لَا. قلت: فَالثُّلُث؟ قَالَ: الثُّلُث، وَالثلث كثير - أَو: كَبِير - إِنَّك إِن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خيرٌ أنْ تذرهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ الناسَ» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، (وَهُوَ) صحيحٌ، أخرجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك وَزِيَادَة: بعد «يعودنِي» : «فِي حَجَّة الْوَدَاع» وَزَادا فِي آخِره: «وَإنَّك لن تنْفق نَفَقَةً تبتغي بهَا وجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بهَا، حَتَّى مَا تجْعَل فِي فيِّ امْرَأَتك، قَالَ: فَقلت يَا رَسُول الله: أُخَلَّفُ بعد أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي بِهِ وجْه الله إِلَّا ازددتَ بِهِ دَرَجَة ورِفْعَةً، ولعلك إنْ تخلف حَتَّى ينْتَفع بك أقوامٌ ويُضَرُّ بك آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أمْضِ لِأَصْحَابِي هجرتهم وَلَا تردهم عَلَى أَعْقَابهم، لَكِن البائس سعدُ بن خَوْلَة يرثي لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَن مَاتَ بِمَكَّة» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فأُوصي بِثُلثي مَالِي؟ ، قَالَ: لَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «يرحم الله ابْنَ عفراء» . وَهُوَ وهْم، وَالْمَحْفُوظ «ابْنَ خَوْلَة» كَمَا ذكره البخاريُّ فِي مَوضِع آخر، وَلَعَلَّ الوهْم مِنْ سعد بن إِبْرَاهِيم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَخَالف سفيانُ الجماعةَ، فَقَالَ: «عَام الْفَتْح» وَالصَّحِيح «فِي حَجَّة الْوَدَاع» . وَقد أوضحتُ الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي «شرح الْعُمْدَة» و «تخريجي لأحاديث المهذَّب» ؛ فَسَارِعْ إِلَيْهِ. تَنْبِيه: وَقع لي هَذَا الحَدِيث فِي «الْخُلَاصَة عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة» عَن معَاذ بدل سعد بن أبي وَقاص، وَهُوَ غلط؛ فاجْتَنِبْهُ. وَوَقع فِي رِوَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ تَبَعًَا للْقَاضِي حُسَيْن بَعْدَ «وَلَا يَرِثنِي إِلَّا ابْنة وَهِي مِنِّي» . وَلم أرَ هَذِه الزيادةَ فِي كتاب حديثٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 الحَدِيث الثَّالِث أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله أَعْطَاكُم ثلثَ أَمْوَالكُم آخر (أعماركم) زِيَادَة فِي أَعمالكُم» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ يرْوَى من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن الله تصدَّق عَلَيْكُم عِنْد وفاتكم بِثُلثِ أَمْوَالكُم؛ زِيَادَة لكم فِي أَعمالكُم» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا فِي «مُسْنده» (وَلَفظه «إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - أَعْطَاكُم عِنْد وفاتكم ثلث أَمْوَالكُم زِيَادَة فِي أَعمالكُم» وَفِي إِسْنَاده) طَلْحَة بن عَمرو الْمَكِّيّ (رَاوِيه) عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ أَحْمد: لَا شَيْء، مَتْرُوك الحَدِيث. ولينَّه الْبَزَّار فَقَالَ: لم يكن بِالْحَافِظِ. ثَانِيهَا: من حَدِيث معَاذ بن جبل مَرْفُوعا: «إِن الله تصدَّق عَلَيْكُم بثُلثِ أَمْوَالكُم عِنْد وفاتكم؛ زِيَادَة لكم فِي حسناتكم، ليجعل لكم زَكَاة فِي أَمْوَالكُم» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» والبيهقيُّ فِي «خلافياته» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش (عَن) عتبَة بن حميد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 عَن معَاذ بِهِ. و «الْقَاسِم» هَذَا هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن، وَفِيه ضَعْفٌ، و «إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش» ضَعِيف فِي رِوَايَته عَن غير الشاميين، وَهَذَا مِنْ رِوَايَته عَن غَيرهم فِإنه (عَن) «عتبَة بن حميد» (و) هُوَ بَصرِي، مَعَ أَن عتبَة ضعَّفه أحمدُ. ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «إِن الله تصدَّق عَلَيْكُم بِثلث أَمْوَالكُم عِنْد وفاتكم» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَفِي إِسْنَاده أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم؛ وَفِيه ضعف، يخلط كثيرا، قَالَ ابْن حبَان: رَدِيء الْحِفْظ، لَا يُحْتج بِهِ إِذا انْفَرد. رَابِعهَا: من حَدِيث الْحَارِث بن خَالِد بن عبيد الله السّلمِيّ، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْطَاكُم ثلث أَمْوَالكُم عِنْد وفاتكم؛ زِيَادَة فِي أَعمالكُم» . رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ، وَابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» ، لَهما من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عقيل بن مدرك عَن الْحَارِث بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 و «عقيل» هَذَا شاميٌّ؛ فإسناد هَذَا الحَدِيث إِذن جيد، لَكِن فِي «معرفَة الصَّحَابَة» لِابْنِ الْأَثِير: خَالِد بن عبيد الله - وَقيل: عبد الله - بن الْحجَّاج السّلمِيّ: مُخْتَلف فِي صحبته، رَوَى عَنهُ الْحَارِث: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إِن الله أَعْطَاكُم عِنْد وفاتكم ثلث أَمْوَالكُم» . قَالَ أَبُو عمر: [إِسْنَاد] حَدِيثه هَذَا لَا تقوم بِهِ حُجَّة؛ لأَنهم مَجْهُولُونَ. وَتَبعهُ الذهبيُّ فِي «مُخْتَصره» فَقَالَ: خَالِد بن عبيد الله بن الْحجَّاج السّلمِيّ مُخْتَلف فِي صحبته، وَإسْنَاد حَدِيثه واهٍ. خَامِسهَا: من حَدِيث أبي بكر الصدّيق، رِفعه: «إِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - قد تصدَّق عَلَيْكُم بِثلث أَمْوَالكُم (عِنْد) موتكم» . رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» ثمَّ قَالَ: هَذَا بَاطِل، لَا يُتابع عَلَيْهِ، رَوَاهُ حَفْص بن عُمر بن مَيْمُون رَوَى عَن الْأَئِمَّة البواطيلَ، قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث قد رُوي عَن طَلْحَة بن عَمرو عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة بِهَذَا اللَّفْظ، وَطَلْحَة ضَعِيف. وَأَشَارَ إِلَى الطَّرِيق الأوَّل السالف. الحَدِيث الرَّابِع عَن ابْن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا حق امْرِئ لَهُ مَال يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «مَا حق امْرِئ مُسلم لَهُ شَيْء يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ» . وَفِي لفظ: «لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ، يبيت لَيْلَتَيْنِ» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «ثَلَاث ليالٍ، إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده» . وللبيهقي وَالْبَزَّار: «مَال» بدل «شَيْء» . وَله - أَعنِي: الْبَيْهَقِيّ - «لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ» ، وَعَزاهُ إِلَى مُسلم. وَللشَّافِعِيّ: «مَا حق امْرِئ يُوصي بِالْوَصِيَّةِ، وَله مَال يُوصي فِيهِ، يَأْتِي عَلَيْهِ ثلاثُ ليالٍ. .» الحديثَ. وَلأَحْمَد: «مَا حق امْرِئ يبيت لَيْلَتَيْنِ، وَله مَا يُرِيد أَن يُوصي فِيهِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده» . وَادَّعَى ابْن دَاوُد - من أَصْحَابنَا - أَنه جَاءَ فِي رِوَايَة: «ووصيته مختومة عِنْده» . وَفِي أُخْرَى: «مَكْتُوبَة تَحت رَأسه» وَفِي «الْوَسِيط» : «عِنْد رَأسه» . وَكله غَرِيب. تَنْبِيه: حمل بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَلَى مَنْ عِنْده أمانات النَّاس، أَو عَلَيْهِ دُيُون لَهُم؛ فَتلْزمهُ الْوَصِيَّة بذلك، وَهُوَ حسنٌ، وَيحْتَمل غير ذَلِك، كَمَا ذكره الرافعيٌّ عَنِ الشَّافِعِي، وَقد ذكرتُه عَنهُ فِي «شرح الْعُمْدَة» فليراجعْ مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حقٌّ عَلَى كلِّ مسلمٍ أَن يغْتَسل فِي الْأُسْبُوع مَرَّةً» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا) من حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حقُّ للَّهِ عَلَى كلِّ مسلمٍ أَن يغْتَسل فِي (كل) سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا، يغسل رَأسه وَجَسَده» . وَأخرجه النَّسَائِيّ بإسنادٍ عَلَى شَرط «الصَّحِيح» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من (حَدِيث جَابر) أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «عَلَى كلِّ رجلٍ مسلمٍ فِي كل سَبْعَة أَيَّام (غسل) يومٍ وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة» . الحَدِيث السَّادِس عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «أفْضَلُ الصَّدَقَة أَن تصدَّق وَأَنت صحيحٌ شحيحٌ، تَأمل الغِنَى وتَخْشى الفقرَ، وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم قلت لفلانٍ كَذَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قيل لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَي الصَّدَقَة أفْضَلُ؟ قَالَ: أَن تصدَّق وَأَنت صَحِيح شحيحٌ، تَأمل الْغِنَى وتخشى الفقرَ، وَلَا (تَدَعْ) حَتَّى إِذا بلغتِ الْحُلْقُوم قلتَ: لفُلَان كَذَا، وَقد كانَ لفلانٍ» . وَفِي لفظ: «ولفلانٍ كَذَا» . وَلمُسلم: «تَأمل الْبَقَاء» . وللبخارى: «صحيحٌ حريصٌ» . وَلأبي دَاوُد: «وَلَا تمهل» . وَلابْن مَاجَه: «تَأمل الْعَيْش وَتخَاف الفقرَ، وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغتْ نَفْسُك هَاهُنَا قلتَ: مَالِي لفلانٍ، وَمَالِي لفلانٍ. وَهُوَ لَهُم وَإِن كرهتَ» . وللبخاري: «يَا رَسُول الله، أَي الصَّدَقَة أعظم أجرا؟ ... . .» فَذكره. وَلمُسلم: «أما وَأَبِيك لَتُنَبَّأَنَّهُ ... .» فَذكره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي كل كبدٍ حرى أجرٌ» . هَذَا الحَدِيث ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة الرجل الَّذِي سَقَى الكلبَ مِنْ خُفِّه، لَكِن بِلَفْظ: «رطْبة» بدل «حرى» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَن بَغِيًّا سَقَتْهُ فِي مُوقها - يَعْنِي: خُفَّها -: فغفر لَهَا» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث سراقَة بن مَالك بألفاظٍ: «فِي الكبد الحارَّة أجرٌ» . و «فِي كل كَبْدٍ حرى سَقَيْتَهَا أجرٌ» . و «فِي كل ذاتِ كبدٍ حرى. أجرٌ» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وابْنُ حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث سراقَة بن جُعْشُم، وهُوَ هُوَ نِسْبَة إِلَى جده: «سألتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 عَن ضَالَّة الْإِبِل تغشى حياضي قد (لطتها) لإبلي، فَهَل لي من أجْرٍ إنْ سقيْتُها؟ فَقَالَ: نعم، فِي كل ذَات كبدٍ حرى أجرٌ» . هَذَا لفظ ابْن مَاجَه، وَلَفظ ابْن حبَان نَحْوه. وَرَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أحمدُ فى «مُسْنده» أَيْضا، فَقَالَ عَن سراقَة بن (مَالك بن) جُعْشُم، وَكَذَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمته. وَله طَرِيق ثَالِث: من حَدِيث الْقَاسِم بن مَالك بن مخول السّلمِيّ: «قلت: يَا رَسُول الله، الضَّوَال تَرِدُ علينا؛ هَل لنا أجرٌ أَن نسقيها؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي كل كبدٍ حرى أجرٌ» . رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي، وَاقْتصر عَلَيْهِ صَاحب «الْإِلْمَام» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْقَاسِم بن مخول عَن أَبِيه رَفعه: «فِي كل ذَات كبدٍ حرى أجرٌ» . وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن [مسمول] فِيهِ خلف. وَله طَرِيق رَابِع: من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: «أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أنزعُ فِي حَوْضِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 حَتَّى إِذا ملأتُه لإبلي وَرَدَ عليَّ البعَِيْرُ لغيري فسقيتُه؛ فَهَل لي (فِي) ذَلِك من أجر؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي كل ذَات كبدٍ حرى أجْرٌ» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن هَارُون بن مَعْرُوف، ثَنَا عبد الله بن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي أُسَامَة، أَن عَمْرو بن شُعَيْب حدَّثه عَن أَبِيه، عَن جده ... ... فَذكره. وَذكره ابْنُ السكن فِي «صحاحه» من هَذَا الْوَجْه، وَكَذَا أَبُو نُعَيْم، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» . الحَدِيث الثَّامِن رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ للْقَاتِل وَصِيَّة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، ثَنَا مُبشر بن عبيد، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الحكم بن عتيبة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عليٍّ مَرْفُوعا بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد واهٍ بِاتِّفَاق الْحفاظ، «بَقِيَّة» عرفتَ حَاله فِيمَا مَضَى، وَقد رَوَاهُ عَن ضَعِيف وضَّاع وَهُوَ «مُبشر بن عبيد» (وحجاج ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ مُبشر بن عبيد) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى وضع الحَدِيث، وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا الحديثَ لتعرف رواتُه. وَكَذَا قَالَ فِي «خلافياته» وَقَالَ أَبُو أَحْمد: هَذَا حَدِيث مُنكر؛ لَا يرويهِ عَن عاصمٍ غير حجاج، وَلَا (عَن) حجاج غير مُبشر. قلت: وَكَأن هَذِه طَرِيق أُخْرَى، وَضَعفه أَيْضا عبد الْحق؛ قَالَ: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف. وضَعَّفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» أَيْضا لَكِن بالحجاج وَحده، وَلَيْسَ بِجَيِّد، فتضعيفهُ بمبشر - هَذَا الوضَّاع - أَوْلى، وَقَالَ ابْن الصّباغ - من أَصْحَابنَا -: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه عَن أهل الحَدِيث. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «نهايته» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ عَلَى الرُّتْبَة الْعَالِيَة فِي الصِّحَّة، فَالصَّحِيح: «لَا وَصِيَّة لوارثٍ» . قلت: وَلَا عَلَى الرُّتْبَة المتوسطة، بل وَلَا فِي أصل الصَّحِيحَة، بل هُوَ واهٍ جدًّا، بل الظَّاهِر أَنه مَوْضُوع. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا وَصِيَّة لوَارث» . وَذكره الرَّافِعِيّ بعد بِلَفْظ آخر، وَهُوَ: «إِن الله قد أعْطى كل ذِي حقٍ حَقَّهُ، أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث» . هَذَا الحَدِيث يُرْوَى من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع: «إِن الله قد أعْطى كلَّ ذِي حقٍّ حقٍّه، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 فَلَا وَصِيَّة لوَارث» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم، وَهُوَ حِمْصيّ من أهل الشَّام، وَقد أسلفنا ذَلِك فِي بَاب الضَّمَان وَغَيره. ثَانِيهَا: من حَدِيث عَمرو بن خَارِجَة قَالَ: «خطب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى نَاقَته وَأَنا تَحت جِرَانهَا وَهِي تَقْصَعُ بجرتها وَإِن لُعَابهَا يسيل بَين كَتِفي، فَسَمعته يَقُول: إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حقَّه، فَلَا وَصِيَّة لوَارث» . رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. قلت: و «شهر بن حَوْشَب» هَذَا تَرَكُوهُ - أَي: طعنوا فِيهِ - وَمن جملَة مَا أُنكر عَلَيْهِ مَا قَالَه فِي هَذَا الحَدِيث عَن عَمرو بن خَارِجَة: «أَنه كَانَ تَحت جران نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 والجران: بطن الْعُنُق مِمَّا يَلِي الأَرْض، وَأَيْنَ يصل عَمرو إِلَى ذَلِك؟ وَهَذَا مُجَرّد استبعاد، وَهُوَ مُمكن. وَرَوَاهُ لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن عَمرو بن خَارِجَة هَذَا: «فَلَا تجوز وَصِيَّة لوَارث» . قلت: وَرَوَاهُ همام وَالْحجاج بن أَرْطَاة وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله المَسْعُودِيّ وَالْحسن بن دِينَار وغيرُهم عَن قَتَادَة، فَلم يذكرُوا ابْنَ غُنْم. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قَتَادَة، عَن عَمرو، فأسقط شهْرًا وابْنَ غنم، لَكِن الظَّاهِر إرْسَاله؛ فَإِن أَحْمد بن جنبل قَالَ: مَا أعلم قتادةَ سمع مِنْ أحدٍ من الصَّحَابَة إِلَّا من أنس. ثَالِثهَا: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «إِنِّي لتحْت نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسيل عليَّ لُعَابهَا؛ فَسَمعته يَقُول: إِن الله أعْطى كلَّ ذِي حق حَقه، أَلا لَا وصيةَ لوَارث» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار، عَن مُحَمَّد بن شُعَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أنس بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، وَالظَّاهِر أَن سعيد بن أبي سعيد هُوَ «المَقْبُري» المُجْمع عَلَى ثقته، وَبِه صرَّح ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» وَكَذَا الْمزي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 وَالْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ من طَرِيق عمر [عَن] عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْوَلِيد بن مزِيد، عَن ابْن جَابر، عَن سعيد بن أبي سعيد - شيخ بالسَّاحل - قَالَ: حدَّثني رجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ: «إِنِّي لتَحْت نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي من أوجه ضَعِيفَة، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ضعف الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَلَعَلَّه يرَى أَن سعيد بن أبي سعيد الشاميَّ لَا المَقْبُري. وَقد ذكر ابْن عَسَاكِر فِي «تَارِيخه» فِي تَرْجَمَة المَقْبُري: أَنه قَدِمَ الشامَ مرابطًا، وحدَّث ببيروت، وَسمع [مِنْهُ] بهَا عَبْدَ الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر. وفرَّق الخطيبُ فِي كِتَابه «الْمُتَّفق والمفترق» بَين المقبريِّ المدنيِّ وَبَين الَّذِي حدَّث ببيروت وَلَيْسَ بجَيِّد، فعلَى مَا قَالَه ابْن عَسَاكِر عِلّة الحَدِيث جَهَالَة الرجل من أهل الْمَدِينَة، وَبِه صرَّح الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» وَالظَّاهِر أَنه من تَقْصِير بعض الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ أنس. وَذكر الْخَطِيب فِي هَذَا الْكتاب أَن الشاميَّ يروي عَن أنس، وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ فَذكر فِي «تَحْقِيقه» مَا أسلفناه عَن البيهقيِّ، ثمَّ قَالَ: الساحليُّ مَجْهُول. وَقد علمتَ مَا فِيهِ. ولمَّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيق الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 عَن سُلَيْمَان الْأَحول، عَن مُجَاهِد أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا وَصِيَّة لوَارث» قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وَرَوَى بعض الشاميين حَدِيثا لَيْسَ مِمَّا يُثْبته أهلُ الحَدِيث، فَإِن بعض رِجَاله مَجْهُولُونَ، فَروينَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُنْقَطِعًا، واعتمدنا عَلَى حَدِيث الْمَغَازِي (عَامَّة) أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ عَام الْفَتْح: «لَا وَصِيَّة لوَارث» . وَإِجْمَاع (الْعلمَاء) عَلَى القَوْل بِهِ. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي دَاوُد حديثَ أبي أُمَامَة السالف، ثمَّ ذكر عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: مَا رَوَى إِسْمَاعِيل عَن الشاميين صحيحٌ. قَالَ: وَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ وَجَمَاعَة من الحُفَّاظ، وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل عَن شاميّ. قلت: ظهر بِهَذَا أَن هَذَا (هُوَ) الحَدِيث الَّذِي عناه الشافعيُّ بقوله: «وَرَوَى بعض الشاميين حَدِيثا ... » إِلَى آخِره، وَقد صرَّح الْبَيْهَقِيّ بذلك فِي كتاب «الْمعرفَة» وَلَيْسَ فِي رِجَاله مَجْهُول، وَابْن عَيَّاش مَعْرُوف، وَرَوَاهُ عَن شاميّ، رِوَايَته صَحِيحَة عَنْهُم كَمَا سلف؛ وَلِهَذَا حسَّنه التِّرْمِذِيّ كَمَا قدّمناه عَنهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُويَّ من وَجه آخر من حَدِيث الشاميين. ثمَّ رَوَى حديثَ عَمرو بن خَارِجَة من وَجْهَيْن (صَحِيح) - كَمَا تقدم عَن التِّرْمِذِيّ وَمن وَافقه - وضعيفٌ، ثمَّ قَالَ: والاعتماد عَلَى مَا ذكره الشَّافِعِي عَن أهل الْمَغَازِي مَعَ إِجْمَاع الْعَامَّة عَلَى القَوْل بِهِ. قلت: قد تقرر لَك من ثَلَاثَة أوجه قوته، وَعبارَة الشَّافِعِي فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 «الْأُم» : ورأيتُ متظاهرًا عِنْد عَامَّة مَنْ لقيتُ مِنْ أهل الْعلم بالمغازي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي خطبَته عَام الْفَتْح: «أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث» وَلم أر بَين النَّاس فِي ذَلِك اخْتِلَافا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: فَوَجَدنَا أهل الْفتيا وَمن حفظنا عَنهُ من أهل الْعلم بالمغازي من قُرَيْش وَغَيرهم، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ يَوْم الْفَتْح: «لَا وَصِيَّة لوَارث وَلَا يُقْتل مُسلم بِكَافِر» ويأمرون بِهِ عَمَّن حفظوه عَنهُ مِمَّن لقوه من أهل الْعلم بالمغازي. فَكَأَن هَذَا قَول عَامَّة [عَن] عَامَّة، وَكَانَ أَقْوَى فِي بعض الْأَمريْنِ نقل وَاحِد، وَكَذَلِكَ وجدنَا عَلَيْهِ أهل الْعلم مُجْمِعِينَ. قلت: وَله طرق أُخْرَى: أَحدهَا: من رِوَايَة جَابر رَفعه: «وَلَا وَصِيَّة لوَارث» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْهَرَوِيّ، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن جَابر بِهِ، ثمَّ قَالَ: الصَّوَاب مُرْسل (وَقَالَ عبد الله بن عَلّي الْمَدِينِيّ: سَمِعت أبي يَقُول: أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيّ أَي وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم) وَرَوَى عَن سُفْيَان عَن عَمرو عَن جَابر: «لَا وَصِيَّة لوَارث» (و) ثَنَا بِهِ سفيانْ، عَن عَمرو مُرْسلا. ثَانِيهَا: من رِوَايَة عليّ بن أبي طَالب رَفعه: «الدَّين قَبْلَ الْوَصِيَّة، وَلَيْسَ لوَارث وَصِيَّة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي أُنيسة الْجَزرِي، عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عليٍّ بِهِ، وَيَحْيَى هَذَا مَتْرُوك، كَمَا قَالَه أَحْمد وغيرُه، وَعَاصِم فِيهِ مقَال. ثَالِثهَا: من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَفعه: «لَا وَصِيَّة لوَارث» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يُوسُف بن سعيد، ثَنَا عبد الله بن ربيعَة (نَا) مُحَمَّد بن مُسلم (عَن) ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث يُوسُف هَذَا، ثَنَا حجاج - هُوَ الْأَعْوَر - ثَنَا ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «لَا تجوز الْوَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة» وَهَذَا مُنْقَطع كَمَا سَيَأْتِي. وبالجُمْلة فالضعف فِي بعض طرقه يجْبر مَا فِيهَا الصحيحةُ والحسنةُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تجوز الْوَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 وَيروَى: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يجيزها الْوَرَثَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَنهُ. وَرَوَاهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» بِاللَّفْظِ الثَّانِي من حَدِيث عَطاء بن أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة» . ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: عَطاء لم يدْرك ابْن عَبَّاس وَلم يره. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ لمَّا رَوَاهُ، وَبِهَذَا اللَّفْظ: عَطاء - هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِي - عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة» . قَالَه أَبُو دَاوُد وغيرُه، قَالَ: وَقد رُوي من وَجه آخر عَنهُ، وَرَوَاهُ عَن يُونُس بن رَاشد عَن عَطاء الْمَذْكُور، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «لَا تجوز (وَصِيَّة) . .» الحَدِيث. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا مِنْ هَذَا الْوَجْه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي غير قويّ. قلت: هُوَ ثِقَة يُرْسل (أخرج لَهُ) الْجَمَاعَة، وَيُونُس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 بن رَاشد وثَّقه أَبُو زُرْعة، ورماه خَ بالإرجاء، زَاد النَّسَائِيّ: وَكَانَ دَاعِيَة. وَقَالَ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» : عَطاء لم يدْرك ابْن عَبَّاس وَلم يره. قَالَ: وَوَصله يُونُس بن رَاشد؛ فَرَوَاهُ عَن عَطاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَالْمَشْهُور هُوَ الْمَقْطُوع. قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يَعْزُ الْمَوْصُول وَلَا بَيَّن علته، وَفِيه يُونُس بن رَاشد قَاضِي (حرَّان) ثمَّ ذكر مِنْ حَاله مَا أسلفناه. وَهَذَا الحَدِيث مَرْوي من غير طَرِيق ابْن عَبَّاس؛ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جّدِّه مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الثَّانِي، وَفِي إِسْنَاده سهل بن عمار، كذَّبه الْحَاكِم، واحتجاج ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بِهِ وَبِالَّذِي قبله، ورده بهما عَلَى خصومه لَيْسَ بِجَيِّدٍ مِنْهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الْحسن، عَن (عَمرو) بن خَارِجَة رَفعه: «لَا وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة» . وَإِسْمَاعِيل هَذَا ثِقَة، وَلَيْسَ بالمكيّ الضَّعِيف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 وَرَوَاهُ ابْن وهب، عَن عبد الله بن سمْعَان، وَعبد الْجَلِيل بن حميد (الْيحصبِي) ، وَيَحْيَى بن أَيُّوب، وعُمر بن قيس سندل، قَالَ عُمر بن قيس: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. وَقَالَ آخَرُونَ: ثَنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي (حزم) وَاتفقَ عطاءُ وعبدُ الله أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي خطبَته: «لَا تجوز وَصِيَّة لوَارث، إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة» . زَاد عَطاء فِي حَدِيثه: «وَإِن أَجَازُوا فَلَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا» . وَهَذَا مُرْسل (و) فِي إِسْنَاده جمَاعَة ضعفاء. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن عمرَان بن حُصَيْن: «أَن رجلا أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ، لم يكن لَهُ مَال غَيرهم، فَدَعَاهُمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وجَزَّأهم أَثلَاثًا، ثمَّ أَقرع بَينهم، وَأعْتق اثْنَيْنِ، وأرق أربّعة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَهُوَ مَعْدُود فِي أَفْرَاده، وَزَاد فِي آخِره: «وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن رجلا من الْأَنْصَار أَوْصَى عِنْد مَوته؛ فَأعتق سِتَّة مملوكين» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَو شهدته قبل أَن يُدْفن لم (يُقْبر) فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 مَقَابِر الْمُسلمين» . وَفِي رِوَايَة للنسائي: «فَغَضب عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ ذَلِك، وَقَالَ: لقد هممتُ أَن لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ. ثمَّ دَعَا مملوكيه، فجزَّأهم ثَلَاثَة أَجزَاء، ثمَّ أَقرع بَينهم ... » الحديثَ. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: «أَن رجلا أعتق عِنْد مَوته سِتَّة مملوكين لَهُ، فجَاء وَرَثَة من الْأَعْرَاب فَأخْبرُوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَا صَنَعَ، قَالَ: أَوَ فَعَلَ ذَلِك؟ ! لَو علمنَا - إِن شَاءَ الله - مَا صلينَا عَلَيْهِ. فأقرع بَينهم ... » الحَدِيث. الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاة شاةٌ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدَّم بَيَانه فِي كتاب الزَّكَاة. . الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ أعتق رَقَبَة مسلمة أعتق الله بكلِّ عضوٍ مِنْهَا عضوا مِنْ النَّار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِهَذَا اللَّفْظ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة و [زادا] فِي آخِره: «حتَّى فرجه بفرجه» . وَفِي رِوَايَة (لَهما) : «مَنْ أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله بِكُل إرب مِنْهُ إرْبًَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 من النَّار» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «أيُّما رجل أعْتق امْرَءًا مُسلما استنقذ الله بِكُل عضوٍ مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار» . قَالَ سعيد بن مرْجَانَة (رَاوِيه) عَن أبي هُرَيْرَة: فانطلقتُ حِين سمعتُ الحديثَ من أبي هُرَيْرَة؛ فذكرتُه لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن؛ فَأعتق عَبْدًَا لَهُ قد أعطَاهُ بِهِ عبد الله بن جَعْفَر عشرَة آلَاف دِرْهَم أَو ألْفَ دِينَار. وَأخرج الترمذيُّ نَحوه من رِوَايَة أبي أُمَامَة وَصَححهُ وَأخرج أَحْمد (ت) د س ق مِثْله من حَدِيث كَعْب بن مرَّة، أَو مُرَّة بن كَعْب (السّلمِيّ) . الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن أفْضَلِ الرِّقاب، فَقَالَ: أكْثَرُها ثمنا، وأنفسها عِنْد أَهلهَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أيُّ الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: إيمانٌ بِاللَّه، وجهادٌ فِي سَبيله. قلت: فأيُّ الرّقاب أفضل؟ قَالَ: أغلاها ثمنا، وأنفسها عِنْد أَهلهَا. قلت: فَإِن لم أفعل؟ (قَالَ: تعين صانعًا أَو تصنع لأخرق. قلت: فَإِن لم أفعل) قَالَ: تَدَع النَّاس من الشرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَة تصدَّق بهَا عَلَى نَفسك» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» من حَدِيث عَائِشَة كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، واختلفتِ الرِّوَايَة فِيهِ عَن مَالك فبعضهم رَوَاهُ عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، (وَأَكْثَرهم رَوَاهُ) عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا. وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم. الحَدِيث الْخَامِس عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حق الجِوار (أَرْبَعُونَ) دَارا، هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَأَشَارَ قُدَّامًا وخَلْفًَا ويمينًا وَشمَالًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن إِبْرَاهِيم بن مَرْوَان الدِّمَشْقِي، وَهُوَ صدوقٌ، حَدثنِي أبي - وَهُوَ من رجال مُسلم - قَالَ: ثَنَا هِقْل بن زِيَاد، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب - وَمثلهمْ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 يسْأَل عَنْهُم - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَرْبَعُونَ دَارا جَار. قَالَ: قلتُ لِابْنِ شهَاب: وَكَيف أَرْبَعُونَ دَارا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَن يَمِينه وَعَن يسَاره وَخَلفه وَبَين يَدَيْهِ» . وَوَقع فِي «التَّحْقِيق» لِابْنِ الْجَوْزِيّ: بدل «إِبْرَاهِيم بن مَرْوَان» «أَزْهَر بن مَرْوَان» وَعَزاهُ إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد، وَهُوَ وهْم، فَالَّذِي فِيهِ إِنَّمَا هُوَ كَمَا أسلفناه، وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن مَرْوَان الطاطري الصدوق. ولمّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي دَاوُد قَالَ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف - يَعْنِي إرْسَال هَذَا الحَدِيث - قَالَ: ورُوي من وَجْهَيْن عَن عَائِشَة، أَحدهمَا: عَن الصَّهْبَاء عَنْهَا «قَالَت: يَا رَسُول الله مَا (حق) - أَو مَا حَدُّ - الجِوَار؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ دَارا» . وَثَانِيهمَا: عَن أُمِّ هَانِئ بنت أبي (صفرَة) عَنْهَا: أَنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - قَالَ: «أَوْصَانِي جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - بالجار إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا، عَشرة من (هَاهُنَا) وَعشرَة من (هَاهُنَا) وَعشرَة من هَاهُنَا، وَعشرَة من هَاهُنَا» . قَالَ إِسْمَاعِيل بن سيف - أحد رُوَاته -: «عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره، وقباله وَخَلفه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وكلا الإسنادين ضَعِيف، وَالْمَعْرُوف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» . يَعْنِي السالف. قلت: ورُوي مَوْصُولا من وَجْهَيْن آخَرين: أَحدهمَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، رَوَاهُ ابْنُ حبَان فِي «الضُّعَفَاء» من هَذَا الطَّرِيق، بِلَفْظ الرَّافِعِيّ السالف سَوَاء، ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده عبد السَّلَام بن أبي الْجنُوب. قَالَ: وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الاثبات، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ لمُخَالفَة الْأَثْبَات فِي الرِّوَايَات. ثَانِيهَا: من حَدِيث كَعْب بن مَالك، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (أكبر معاجمه» وَأَبُو بكر الرَّازِيّ، والسياق لَهُ عَنهُ: (قَالَ: «أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجل) فَقَالَ: إِنِّي نزلتُ مَحِلّة بني فلَان، وَإِن أَشَّدهم لي أَذَى أقربهم لي مِنْ جِوَاري، فَبعث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا بكر وعُمَر وعليًّا أَن يَأْتُوا أَبْوَاب الْمَسْجِد، فيقوموا عَلَيْهِ فيصيحوا: أَلا إِن أَرْبَعِينَ دَارا جِوار، وَلَا يدْخل الجنةَ من خَافَ جِوارُهُ بوائقه. قيل لِلزهْرِيِّ: أَرْبَعِينَ دَارا؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ هَكَذَا، وَأَرْبَعين هَكَذَا» . وَعَزاهُ بَعضهم إِلَى رِوَايَة مُحَمَّد بن أسلم الطوسي، وَفِيه: «أَلا إِن أَرْبَعِينَ دَارا جَار. قَالُوا: يَعْنِي أَرْبَعِينَ هَكَذَا يُمْنَةً، وَأَرْبَعين هَكَذَا يُسْرَةً، وَأَرْبَعين قُدَّامًا وَأَرْبَعين خلفا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 الحَدِيث السَّادِس عشر رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتي أَرْبَعِينَ حَدِيثا كُتِبَ فَقِيها» . هَذَا الحَدِيث مَرْويّ من طرق عديدة بألفاظٍ متنوعة، وَاتفقَ الحفاظُ عَلَى ضعفها وَإِن تعدّدت. وَقد ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» (من) ثَلَاثَة عشر طَرِيقا من حَدِيث: عليّ، وابْنِ مَسْعُود، وَابْن عُمر، وابْنِ عَبَّاس، وابْن عَمرو بن الْعَاصِ، وَأبي الدَّرْدَاء، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَأبي هُرَيْرَة، وَأبي أُمَامَة، ومعاذ؛ وَجَابِر بن سَمُرَة، وَأنس، وَبُرَيْدَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَجْمَعِينَ - ثمَّ ضعفها جَمِيعًا، وَبرهن لذَلِك. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي جُزْء لَهُ مُنْفَرد: رُوي هَذَا الحَدِيث من طرق كَثِيرَة، وَذكره من هَذِه الطّرق كلهَا وَزِيَادَة: سلمَان الْفَارِسِي. قَالَ: وَلَيْسَ فِي جَمِيع طرقه مَا (يقوى) وَتقوم بِهِ الحُجَّة، وَلَا يَخْلوُ طَرِيق من طرقه أَن يكون فِيهَا مَجْهُول أَو مَعْرُوف مَشْهُور بالضعف، وَقد أوضحتُ ذَلِك فِي شرحي للأربعين النووية فلتراجعْ مِنْهُ. قلت: وَورد فِي حديثٍ آخرٍ: «مَنْ حفظ عَلَى أُمَّتي حَدِيثا وَاحِدًا كَانَ لَهُ كأجْر أحدٍ وَسبعين نَبيا صدِّيقًا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 أَنبأَنَا بِهِ الْحَافِظ شمس الدِّين الذَّهَبِيّ، أَنا أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن [أَحْمد] بن عبد الْعَزِيز الجذامي الأسكندري، أَنا جدّي، أَنا أَبُو طَاهِر الْحَافِظ قَالَ: كتب إليَّ أَبُو الفتيان عُمرُ بن أبي الْحسن الْحَافِظ، أَنا أَحْمد بن البَجلِيّ الْحَافِظ، ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب الزرقي - وزرق مِنْ قرَى مَرْو - ثَنَا أَبُو حَامِد أَحْمد بن عِيسَى بن مهْدي إملاءً، حَدثنَا مُحَمَّد بن رزام الْمروزِي، نَا مُحَمَّد بن أَيُّوب الْهنائِي، نَا [حميد] بن أبي حميد، عَن عبد الرَّحْمَن بن دلهم، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. . فَذكره. قَالَ أَبُو الفتيان: كتبه عني الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب بصور. قلت: مَوْضُوع، وَإِسْنَاده مظلم، وَالظَّاهِر أَن آفته من ابْن رزام الْكذَّاب. الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سعْد خَالِي، فليُرِني امرؤٌ خَاله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أقْبَل سعد، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَذَا خَالِي، فليُرني امرؤٌ خَاله» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 ذكره فِي تَرْجَمته، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مجَالد، وَكَانَ سعد بن أبي وَقاص من بني زهرَة وَكَانَت أُمُّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من بني زهرَة، فَلذَلِك قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «هَذَا خَالِي» . وأمَّا الْحَاكِم فأبدل «مجالدًا» ب «إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. زَاد أَبُو نُعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» لَهُ فِي رِوَايَته: قَالَ أَبُو [أُسَامَة] يَعْنِي يباهي بِهِ. قلت: وَهَذَا قَالَه عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى وَجه التَّوَسُّع إِذا كَانَت أُمُّ الرجل من غير قَبيلَة أَبِيه، كَانَت قَبيلَة أمه أَخْوَاله عَلَى وَجه الِاسْتِعَارَة وَالْمجَاز. فَائِدَة: وَقع مِثْلُ هَذَا الحَدِيث فِي حَقِّ أبي طَلْحَة زيد بن (سهل) الْأنْصَارِيّ، فَأخْرج الحاكمُ فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمته عَن أنس: «أَنه - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ: هَذَا خَالِي، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُم فليُخْرج خَاله - يَعْنِي: أَبَا طَلْحَة زوج أم سُلَيْم» . قَالَ فِي «الْكَرم» : قَالَ: هَذَا. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سمَّى ولد الرجل كَسبه» . هَذَا حَدِيث صَحِيح، كَمَا ستعلمه فِي كتاب النَّفَقَات - إِن شَاءَ الله ذَلِك وقَدَّره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث: صَدَقَة جَارِيَة، أَو علم ينْتَفع بِهِ، أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقد سلف (فِي كتاب الْوَقْف) الحَدِيث الْعشْرُونَ «أَن رجلا قَالَ للنَّبِي (: إِن أبي مَاتَ وَترك مَالا وَلم يوصِ، فَهَل (يكفر) عَنهُ أَن أتصدَّق عَنهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِهَذَا اللَّفْظ، وَأخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه بِدُونِ: «وَترك مَالا» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَأَيْت أَبَا الْحسن الْعَبَّادِيّ أطلق القَوْل بِجَوَاز التَّضْحِيَة عَن الْغَيْر، وَرَوَى فِيهِ حَدِيثا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 قلت: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شريك، عَن أبي الْحَسْنَاء، عَن الحكم بن عتيبة، عَن حَنش بن الْحَارِث، قَالَ: «كَانَ عَلّي بن أبي طَالب يُضَحِّي بكبشٍ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وبكبش عَن نَفسه، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، تُضَحيِّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ ! فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمرنِي أَن أضحِّ عَنهُ أبدا، فَأَنا أُضَحِّي عَنهُ أبدا» . وَرَوَاهُ أَحْمد مُخْتَصرا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، (لَا نعرفه) إِلَّا من حَدِيث شريك. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» : هَذَا حَدِيث تفرَّد بِهِ أهل الْكُوفَة من أول الْإِسْنَاد إِلَى آخِره، لم يشركهم فِيهِ أحد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرَّد بِهِ شريك بن عبد الله بِإِسْنَادِهِ، وَهُوَ وَإِن ثَبت يدل عَلَى جَوَاز الْأُضْحِية عَمَّن خرج من دَار الدُّنْيَا من الْمُسلمين. وضَعَّفه عبد الْحق بِأَن قَالَ: حَنش هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ. قلت: «وحنش» هَذَا هُوَ ابْن ربيعَة - وَيُقَال بن الْمُعْتَمِر - الْكِنَانِي الْكُوفِي، وثَّقه أَبُو دَاوُد، وضَعَّفه جماعاتٌ لَا حَنش الصَّنْعَانِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 السبائي نزيل إفريقية الَّذِي خرّجه مُسلم، وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة، وَكَذَا نَص عَلَى مَا ذكرته الحافظُ جمال الدِّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» حَيْثُ قَالَ: حَنش بن ربيعَة، وَيُقَال: ابْن الْمُعْتَمِر، عَن عليّ. ثمَّ عزى الحَدِيث الْمَذْكُور إِلَى سنَن د [ت] ، وَكَأن الْحَاكِم ظن أَن رَاوِي هَذ الحَدِيث الصنعانَّي الموثق؛ فَحكم بِصِحَّتِهِ، وَسَببه الِاشْتِبَاه؛ فَإِن كلا مِنْهُمَا يَروِيِ عَن عليِّ. وَوَقع فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» : حَنش بن الْحَارِث. وَلَا أَظُنهُ إِلَّا من النسَّاخ، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأَمْر آخر خلاف هَذَا، فَقَالَ: أَبُو الْحَسْنَاء الرَّاوِي عَن الحكم اسْمه الْحسن، وَلَا يُعْرف لَهُ حَال. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ فِي حَقِه ابْن خرَاش: لَا أعرفهُ. وَلم يرو عَنهُ أَيْضا سُوَى شريك النَّخعِيّ، فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لهندٍ: «خُذِي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن هندًا قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا سُفْيَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 رجل شحيح، وَلَيْسَ يُعْطيني مَا يَكْفِينِي وَوَلَدي، إِلَّا مَا أخذتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يعلم؟ فَقَالَ: خذي مَا يَكْفِيك ... » (الحَدِيث) . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن ابْن عُمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَ: «أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَزْوَة مُؤْتَة زيد بن حَارِثَة، وَقَالَ: إِن قُتل زيد فجعفرُ، وَإِن قُتل جَعْفَر فعبد الله بن رَواحة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَقد سلف فِي الْوكَالَة أَيْضا. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب - بِفضل الله وقوته. وَأما الْآثَار فعشرون أثرا: أَحدهمَا: «أَن غُلَاما من غَسَّان حَضرته الْوَفَاة، وَله عَشْرُ سِنِين؛ فَأَوْصَى لِبنْتِ عَمٍّ لَهُ، وَله وَارِث، فَرفعت القصةُ إِلَى عمر فَأجَاز وَصيته» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَمن جِهَته أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن أَبِيه أَن عَمرو بن سليم الزرقي أخبرهُ: «أَنه (قَالَ) لعُمَر بْنِ الْخطاب: إِن هَا هُنَا غُلَاما يفاعًا لم يَحْتَلِم من غَسَّان، ووارثه بِالشَّام، وَهُوَ ذُو مَال، وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إِلَّا ابْنة عَمٍّ. فَقَالَ عمر بن الْخطاب: فليُوصِ لَهَا. فَأَوْصَى لَهَا بمالٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 يُقَال لَهُ: بِئْر جشم. قَالَ عَمروُ بْنُ سُليم: فبعتُ ذَلِك المَال بِثَلَاثِينَ ألفا، وَابْنَة عمِّه الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أم عَمرو بن سليم» . وَرَوَاهُ مَالك أَيْضا عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمرو بن حزم: «أَن غُلَاما من غَسَّان حَضرته الوفاةُ بِالْمَدِينَةِ (وورثته) بِالشَّام، فَذكر ذَلِك لعمر بن الْخطاب؛ فَقيل لَهُ: إِن غُلَاما يَمُوت؛ أفَيُوصي؟ فَقَالَ عمر: (نَعَمْ) ؛ فَلْيُوص. قَالَ أَبُو بكر: وَكَانَ الغلامُ ابْنَ اثْنَتَيْ عشرَة سَنَة، أَو عَشْر سِنِين، فَأَوْصَى (لَهَا) ببئر جشم، فَبَاعَهَا أهلُها بِثَلَاثِينَ ألفا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالشَّافِعِيّ علَّق جَوَاز وَصيته وتدبيره بِثُبُوت الْخَبَر فِيهَا عَن عُمر، وَالْخَبَر مُنْقَطع؛ فَعَمْرُو بْنُ سليم الزرقي لم يدْرك عمر، إِلَّا أَنه ذكر فِي الْخَبَر انتسابه إِلَى صَاحب الْقِصَّة. قلت: فِي «الثِّقَات» لِابْنِ حبَان: قيل: إِنَّه كَانَ يَوْم قُتِل عُمرُ بْنُ الْخطاب قد جَاوز الْحلم. وَقَالَ أَبُو نصر الكلاباذي عَن الْوَاقِدِيّ: إِنَّه كَانَ قد راهق الِاحْتِلَام يَوْم مَاتَ عمر. وَجزم ابْن الْحذاء بِأَنَّهُ رَوَى عَنهُ. فَائِدَة: أم عَمرو صَاحِبَة الْقِصَّة صحابية، كَمَا نصَّ عَلَيْهِ أَبُو عُمر. فَائِدَة ثَانِيَة: بِئْر جُشم - بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه، مَوضِع مَعْرُوف بحوائط الْمَدِينَة. . قَالَه البكريُّ فِي «مُعْجَمه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 الْأَثر الثَّانِي: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أجَاز وَصِيَّة غُلَام ابْن إِحْدَى عشرَة سَنَةَ» . وَهَذَا الْأَثر غَرِيب عَنهُ، لَا يحضرني من خرَّجه. الْأَثر الثَّالِث: «إِن صَفِيَّة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أوصت لأَخِيهَا بِثَلَاثِينَ ألفا، وَكَانَ يهوديًّا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْبَيْهَقِيّ بإسنادٍ جَيِّدٍ من حَدِيث سُفْيَان عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة: «أَن صَفِيَّة قَالَت لأخٍ لَهَا يَهُودِيّ: أسلم ترثني. فَسمع بذلك قومُهُ فَقَالُوا: أتبيعُ دينك (بالدُّنى) ؟ فَأَبَى أَن يسلم، فأوصت لَهُ بِالثُّلثِ» . ثمَّ رَوَى من حَدِيث ابْن وهب، أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة، عَن بكير بن عبد الله أَن أُمَّ عَلْقَمَة مولاة عَائِشَة حدَّثَتْه «أَن صَفِيَّة أوصت لِابْنِ أَخ لَهَا يَهُودِيّ، وأوصت لعَائِشَة بِأَلف دِينَار، وَجعلت وصيتها (إِلَى ابْن) لعبد الله بن جَعْفَر، فلمَّا سمع ابْن أَخِيهَا أسلم لكَي يَرِثهَا، فَلم يَرِثهَا، وَالْتمس مَا أوصت لَهُ، فَوجدَ [ابْن] عَبْدَ الله قد أفْسدهُ، فَقَالَت عَائِشَة: (بؤسًا لَهُ) أَعْطوهُ الْألف (دِينَار) الَّتِي أوصت لي بهَا عَمَّتُهُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن ابْن عمر: «أَن صفيةَ زَوْجَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أوصت (لِنَسِيبٍ) لَهَا يَهُودِيّ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 الْأَثر الرَّابِع: عَن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لِأَن أوصِي بالخمس أحب إليَّ من أَن أوصِي بِالربعِ، وَلِأَن أوصِي بِالربعِ أحب إليَّ من أَن أوصِي بِالثُّلثِ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لِأَن أوصِي بِالربعِ أحبُّ إليَّ من أَن أوصِي بِالثُّلثِ، فَمن أَوْصَى بِالثُّلثِ فَلم يتْرك» . والْحَارث هَذَا كذَّبوه. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «الَّذِي يُوصي بالخُمْس أفضل من الَّذِي يُوصي بالرُّبع، وَالَّذِي يُوصي بِالربعِ أفضل من الَّذِي يُوصي بِالثُّلثِ» . وَعَن [قَتَادَة] قَالَ: «ذكر لنا أَن أَبَا بكر أَوْصَى بِخُمْس مَاله، وَقَالَ: لَا أَرْضَى من مَالِي (إِلَّا) بِمَا رَضِي الله بِهِ من غَنَائِم الْمُسلمين. قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ يُقَال الخُمْس مَعْرُوف، وَالرّبع جهد، وَالثلث يُجِيزهُ الْقُضَاة» . الْأَثر الْخَامِس: عَن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه قَضَى بالدَّين قبل التَّرِكَة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث زَكَرِيَّا، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عليّ قَالَ: «إِنَّكُم تقرءون: (من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 دين) وَإِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - قَضَى بالدَّين قبل الْوَصِيَّة، وَإِن أَعْيَان بني الأُمِّ يتوارثون دون بني العلاَّت» . وَرَوَى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عليّ: «أَنه - عَلَيْهِ السَّلَام - قَضَى بالدَّين قَبْل الْوَصِيَّة، وَأَنْتُم تقرءون الْوَصِيَّة قبل الدَّين» . زَاد أَحْمد وَابْن مَاجَه: «وَإِن أَعْيَان بني الْأُم يتوارثون دون بني العلات» . وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» كَذَلِك أَيْضا، والْحَارث هَذَا قد علمت أَنهم كذَّبوه، وَقد ضعفه الشافعيُّ فَقَالَ فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة الرّبيع عَنهُ: وَقد رُوي فِي تَقْدِيمه الدَّيْن قبل الْوَصِيَّة حديثٌ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يُثْبت أهلُ الحَدِيث مِثْله. قَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بالدَّيْن قبل الْوَصِيَّة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: امْتنَاع أهل الحَدِيث عَن إِثْبَات هَذَا لتفرُّدِ الْحَارِث الْأَعْوَر بروايته عَن عَلّي، والْحَارث لَا يُحْتج بِخَبَرِهِ لطعن الحُفَّاظ فِيهِ. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن الْحَارِث عَن عليّ مِنْ قَوْله كَمَا سلف، ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عليّ مَرْفُوعا: «الدَّيْن قبل الْوَصِيَّة، وَلَيْسَ لوَارث وَصِيَّة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا أَتَى بِهِ يَحْيَى بن أبي أنيسَة عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم، وَيَحْيَى ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: لَا خلاف فِي الْمَسْأَلَة، وَاسْتدلَّ بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 عَلَيْكُم حرَام» ثمَّ قرّر ذَلِك. وَرَوَاهُ البخاريُّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا فَقَالَ: ويُذْكر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بالدَّيْن قَبْل الْوَصِيَّة» . فَائِدَة: المُرَاد من قَول عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه هَذَا، تَقْدِيم الْوَصِيَّة عَلَى الدَّيْن فِي الذّكر وَاللَّفْظ لَا فِي الحُكم؛ لِأَن كلمة «أَو» لَا تفِيد التَّرْتِيب الْبَتَّةَ، نبَّه عَلَى ذَلِك ابْنُ الْخَطِيب، وَقَالَ ابْنُ الْقشيرِي: (قَول عليِّ مبيِّن لِما فِي الْكتاب، وَهُوَ يدل عَلَى [أَن] تَبْيِين الْكتاب يُتَلَقَّى مِنَ السُّنَّة) . يَعْنِي: (فلولاه) لكَانَتْ الْوَصِيَّة مقدَّمة عَلَى الدَّيْن، وَهَذَا يُنَازعُ (مَا) ذكره (ابْن) الخطيبُ. الْأَثر السَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَإِذا وُهِب فِي الصِّحَّة وأُقبِض فِي الْمَرَض كَانَ كالموهوب فِي الْمَرَض؛ لِأَن تَمام الْهِبَة بِالْقَبْضِ، وَحَدِيث أبي بكر وَعَائِشَة فِيهِ مَشْهُور. هَذَا الْأَثر قد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْهِبَة مَبْسُوطا. الْأَثر السَّابِع: عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه قَالَ فِي مرض مَوته: زَوِّجوني؛ حَتَّى لَا ألْقَى الله عزبًا» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي بلاغًا، فَقَالَ: وَبَلغنِي: «أَن معَاذ بن جبل قَالَ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زَوِّجوني، لَا ألْقَى الله وَأَنا عزب» نَقله عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» من حَدِيث أبي بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا مُحَمَّد بن بشر، عَن أبي رَجَاء، عَن الْحسن قَالَ: «قَالَ معَاذ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زَوِّجوني؛ فَإِنِّي أكره أَن ألْقَى الله أعزب» . واعلمْ: أَنه يَقع فِي بعض النّسخ «مُعَاوِيَة» بدل «معَاذ» ، وَهُوَ تَحْرِيف؛ فاجْتَنِبْهُ. الْأَثر الثَّامِن: عَن (ابْن) عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «يُبْدَأ فِي الْوَصَايَا بِالْعِتْقِ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سُفْيَان الثوريّ، عَن الْأَشْعَث، عَن نَافِع، عَنهُ بِهِ سَوَاء. والأشعث إِن كَانَ ابْن سوار فَهُوَ واهٍ. الْأَثر التَّاسِع: عَن سعيد بن المسيَّب أَنه قَالَ: «مَضَت السّنة (أَن يبْدَأ بالعتاقة فِي الْوَصِيَّة» . وَهَذَا صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَنهُ قَالَ: «مَضَت السّنة يبْدَأ بالعتاقة فِي الْوَصِيَّة» . وَاعْلَم أَن التَّابِعِيّ إِذا قَالَ: من السّنة) كَذَا. فَهُوَ كمرسله، إِذا كَانَ ذَلِك من الصَّحَابِيّ فِي حكم الْمَرْفُوع، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشافعيُّ وغيرُه. الْأَثر الْعَاشِر: عَن ابْن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه حكم فِي الرجل يُوصي بِالْعِتْقِ وَغَيره بالتَّحاص» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 وَهَذَا الْأَثر غَرِيب عَنهُ، نعم فِي «الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث لَيْث عَن مُجَاهِد عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «إِذا كَانَت وَصِيَّة (وعتاقة) تحاصوا» . وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : هَذَا مُنْقَطع. الْأَثر الْحَادِي عشر: «أَن أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ (أصمتت) ، فَقيل لَهَا: لفلانٍ كَذَا؟ ولفلانٍ كَذَا؟ فَأَشَارَتْ أَن نعم، فَجعل ذَلِك وَصِيَّة» . وَهَذَا غَرِيب عَنْهَا. الْأَثر الثَّانِي عشر: عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «يُغَيِّرُ الرجلُ (مِنْ) وصيَّتِهِ مَا شَاءَ» . هَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فَقَالَ: يُرْوى عَن عُمر ... فَذكره، وَقَالَ ابْن حزم: وروينا من طَرِيق الْحجَّاج بن منهال، أبنا همام بن يَحْيَى، عَن [قَتَادَة] عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن عبد الله بن أبي ربيعَة: «أَن عُمر بن الْخطاب قَالَ: يُحْدِثُ (الله) فِي وَصيته مَا شَاءَ، وملاك الْوَصِيَّة آخرهَا» . الْأَثر الثَّالِث عشر: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مثله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بإسنادٍ صَحِيح من حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَنْهَا قَالَت: «ليكتب الرجل فِي وَصيته: إِن حدث بِي حَدث موتِي، قبل أَن أغيِّر وصيتي هَذِه» . الْأَثر الرَّابِع عشر: عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه أَوْصَى، فَكتب: وصيتي إِلَى الله - تَعَالَى - وَإِلَى الزبير، وابْنِهِ عبد الله بن الزبير» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بإسنادٍ جَيِّدٍ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَزَاد «وإنهما فِي حِلِّ وبل فِيمَا ولياه وقضيا فِي تركتي، وَأَنه لَا تُزَوَّجُ امرأةٌ من بَنَاتِي إِلَّا [بإذنهما] لَا تحضن عَن ذَلِك زينبُ» . قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: «لَا تحضن» يَعْنِي لَا تُحجب عَنهُ وَلَا يُقطع دونهَا. الْأَثر الْخَامِس عشر: «أَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَوْصَى إِلَى حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها» . هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَنهُ. الْأَثر السَّادِس عشر: «أَن فَاطِمَة أوصتْ إِلَى عَلّي، فَإِن حَدَثَ بِهِ حَادث فَإلَى ابنيها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 هَذَا الْأَثر غَرِيب، لَا يحضرني مَنْ خَرَّجه (عَنْهَا) . الْأَثر السَّابِع عشر وَالثَّامِن عشر: عَن عُمر وعليّ أَنَّهُمَا قَالَا: «إتْمَام الْحَج وَالْعمْرَة أَن تُحرم بهما من دويرة أهلك» . هَذَانِ الأثران سلف الْكَلَام عَلَيْهِمَا فِي كتاب الْحَج؛ فراجِعْهُ. الْأَثر التَّاسِع عشر: قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَو كَانَ لَهُ ابْن وَثَلَاث بَنَات وأبوان، وَأَوْصَى بِمثل نصيب الابْن فَالْمَسْأَلَة تصح من ثَلَاثِينَ لَو لم تَكُنْ وَصِيَّة، نصيبُ الابْن فِيهَا ثَمَانِيَة، فزيد ثَمَانِيَة عَلَى (الثَّلَاثِينَ) و (تعول) الْوَصِيَّة بِثمَانِيَة أسْهم من ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ سَهْما» . ثمَّ قَالَ: وتُروى هَذِه الصُّورَة عَن عَلّي، وَهَذَا لَا يحضرني من خَرَّجه عَنهُ. الْأَثر الْعشْرُونَ: «أَن عُمَرَ ضَعَّفَ الصَّدَقَة عَلَى نَصَارَى بني تَغْلُب» . وَهَذَا رَوَاهُ الشافعيُّ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِزْيَة حَيْثُ ذكره الرافعيُّ إِن شَاءَ الله. وَهَذِه الْآثَار الْأَرْبَعَة كَانَ يَنْبَغِي ذكْرُها قَبْل الْأَثر الثَّانِي عشر، كَمَا ذكرهَا الرافعيُّ، وَلَكِن اتّفق ذِكْرُها (هَاهُنَا) سَهوا. ولمَّا ذكر الرافعيُّ طَريقَة الدِّينَار وَالدِّرْهَم ذكر عَن الْأُسْتَاذ أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 مَنْصُور: أَنَّهَا رُبمَا سُمِّيَتِ العثمانية لِأَن عُثْمَان بن أبي ربيعَة الْبَاهِلِيّ كَانَ يستعملها. ثمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي بعض التسبيحات سُبْحَانَ مَنْ يعلم جذر الْأَصَم. وَلَا يحضرني ذَلِك. آخِرُهُ، وَالْحَمْد لله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 كتاب الْوَدِيعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 كتاب الْوَدِيعَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فستة: أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أدِّ الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك، وَلَا تخن من خانك» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أحْسنهَا: طَرِيق أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا كَذَلِك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَحَكَى عبدُ الْحق عَنهُ تَصْحِيحه، وَتَبعهُ صَاحب «الْمطلب» وَقَالَ الْحَاكِم: فِي إِسْنَاده شريك وَقيس. قَالَ الدوريُّ: قلتُ (لطلق) بن غَنَّام، أكتب شَرِيكا وأدع قيسا؟ (قَالَ: أَنْت أبْصر. قَالَ الْحَاكِم) : وَحَدِيث شريك عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث أنس ... فَذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي التياح عَنهُ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَمِعت (أبي يَقُول) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 طلق بن غَنَّام رَوَى هَذَا الحَدِيث المنكرَ، وَلم يرو هَذَا الحَدِيث غيرُهُ. وَهَذَا يُخَالِفهُ قَول الْبَيْهَقِيّ فِي أَوَاخِر أَبْوَاب الشَّهَادَات من «سنَنه» : تفرد بِهَذَا الحديثِ شريكُ القَاضِي وقيسُ بن الرّبيع، وَقيس ضَعِيف، وَشريك لم يحْتَج بِهِ أَكثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا ذكره مُسلم بن الْحجَّاج فِي الشواهد. قلت: قَالَ شَيْخُه الحاكمُ فِي كتاب الْجَنَائِز فِي «مُسْتَدْركه» : احْتج بِهِ مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ. ولمَّا ذكره ابْن حزم فِي «محلاه» من طَرِيق بن غَنَّام عَن شريك وَقيس إِلَى أبي هُرَيْرَة، قَالَ: شريك وطلق وَقيس كلهم (ضَعِيف) . قلت: طلق رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْآجُرِيّ عَن أبي [دَاوُد] : صَالح. وَقَالَ ابْن عدي: فِي قيس عَامَّة رواياته مُسْتَقِيمَة، وَالْقَوْل فِيهِ مَا قَالَ شُعْبَة وَأَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم» : قيس وَشريك مُخْتَلَف فيهمَا. قَالَ: وهُمْ ثَلَاثَة وُلُّوا الْقَضَاء، وساء حِفْظُهُمْ للاشتغال عَن الحَدِيث: محمدُ بْنُ عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى [وَشريك بن عبد الله] وقيسُ بْنُ الرّبيع. قَالَ: وَشريك مَعَ ذَلِك مَشْهُور بالتدليس، وَهُوَ لم يذكر السماع فِيهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 ثَانِيهَا: طَرِيق أنس مَرْفُوعا كَذَلِك، رَوَاهُ الْحَاكِم كَمَا سلف، والدارقطنيُّ والبيهقيُّ، وَفِي إِسْنَاده أَيُّوب بن سُوَيْد (الرَّمْلِيّ) السينَانِي ضعفه أَحْمد وغيرُه، وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: ارْمِ بِهِ. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَقَالَ: إِنَّه رَدِيء الْحِفْظ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» بعد أَن رَوَاهُ من هَذِه الطَّرِيق: لم يروه عَن أبي التياح إِلَّا عبدُ الله بن شَوْذَب، تفرد بِهِ أَيُّوب. قَالَ: وَلَا رُوي عَن أنس إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. ثَالِثهَا: طَرِيق أُبِيُّ بن كَعْب مَرْفُوعا كَذَلِك، ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من هَذَا الْوَجْه، وَأعله بِيُوسُف بن يَعْقُوب قَاضِي الْيمن، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول. وَمُحَمّد بن مَيْمُون الزَّعْفَرَانِي، قَالَ خَ س: مُنكر الحَدِيث. ووَهَّاه ابْن حبَان، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. ووثَّقه يَحْيَى بْنُ معِين وَأَبُو دَاوُد. رَابِعهَا: طَرِيق يُوسُف بن مَاهك الْمَكِّيّ قَالَ: «كنتُ أكتب لفلانٍ نَفَقَة أَيْتَام كَانَ وليهم، فغالطوه بِأَلف دِرْهَم؛ فأدَّاها إِلَيْهِم، فأدركتُ لَهُم (أَمْوَالهم) مثلهَا، قَالَ: قلت: اقبض الْألف الَّذِي ذَهَبُوا بِهِ مِنْك. قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 لَا. حَدثنِي (أبي) أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: أدِّ الْأَمَانَة إِلَى مَنِ ائتمنك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: هُوَ فِي حكم الْمُنْقَطع، حَيْثُ لم يذكر يوسفُ بن مَاهك اسْمَ مَنْ حدَّثه، وَلَا اسْمَ مَنْ حدَّث عَنهُ (من حَدثهُ) . قلت: لَا يُحتاج إِلَى اسْمِ مَنْ حدَّث عَنهُ (من حَدثهُ) فَإِنَّهُ صَحَابِيّ؛ فَلَا تضر جهالته، وَأخرجه ابْن السكن فِي «صحاحه» وَقَالَ: رُوي من أوجه ثَابِتَة. خَامِسهَا: طَرِيق أبي أُمَامَة مَرْفُوعا كَذَلِك، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي [حَفْص] الدِّمَشْقِي، عَن مَكْحُول، عَن أبي أُمَامَة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هُوَ ضَعِيف؛ لِأَن مَكْحُولًا لم يسمع من أبي أُمَامَة شَيْئا و [أَبُو حَفْص] الدِّمَشْقِي مَجْهُول. سادسها: طَرِيق الْحسن عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ مُنْقَطع. وَنقل (أَعنِي الْبَيْهَقِيّ) قبل كتاب الْعتْق فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 «سنَنه» عَن الشَّافِعِي [أَنه] قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه لَيْسَ بثابتٍ عِنْد أهل الحَدِيث [مِنْكُم] قَالَ: وَلَو كَانَ ثَابتا لم يكن فِيهِ حُجَّة علينا؛ لِأَن السُّنَّة دلَّتْ وإجماعُ كثيرٍ من أهل الْعلم عَلَى أَن يَأْخُذ الرجلُ حَقَّه [لنَفسِهِ سرًّا] مِنَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فقد دلّ أَن ذَلِك لَيْسَ (بخيانة، الْخِيَانَة) أَن يَأْخُذ مَا لَا يحل أخْذه. ولمَّا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من الطّرق الثَّلَاثَة الأولَى ضَعَّفَهَا وَقَالَ: إِن هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَا يَصح. نُقلَ عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: حَدِيث بَاطِل، لَا أعرفهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْ وَجه صَحِيح. الحَدِيث الثَّانِي عَن عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدع ضَمَان» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ وَزِيَادَة؛ وَهَذِه سياقته: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدع غير الْمغل ضَمَان، (وَالضَّمان الخائن)) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 وَفِي إِسْنَاده عَمرو بن عبد الْجَبَّار و [عُبَيْدَة] بن حسان قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هما ضَعِيفان. قَالَ: وَإِنَّمَا يُروى هَذَا عَن شُرَيْح القَاضِي غير مَرْفُوع. وَقَالَ ابْن عدي: عَمْرو بن عبد الْجَبَّار رَوَى عَن عمِّه (عُبَيْدَة) بن حسان مَنَاكِير، وَله أَحَادِيث غير مَحْفُوظَة. وَقَالَ ابْن حبَان: (عُبَيْدَة) - بِضَم الْعين وَقيل: بِفَتْحِهَا - يَرْوي الموضوعات عَن الثِّقَات؛ لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وعبدُ الْحق بِمَا ضَعَّفْنَاه. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة عبد الله بن (شبيب) عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد، عَن يزِيد بْنِ عبد الْملك، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن (الحَجبي) عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جدِّه مَرْفُوعا: «لَا ضَمَان عَلَى مؤتمن» . وَهَذَا ضَعِيف أَيْضا فعبد الله بن شبيب واهٍ؛ وَيزِيد هُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 (النَّوْفَلِي) وَقد أسلفت حَاله فِي بَاب (الْأَحْدَاث) وَلِهَذَا كلِّه قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف. فَائِدَة: الْمَشْهُور فِي تَفْسِير الْمغل هُنَا أَنه الخائن، وَقيل: إِنَّه المستغل، وَهُوَ القابِضُ، وَمَعْنَاهُ: أَن الْعَارِية لَا تُضمن إِلَّا بِالْقَبْضِ، وادَّعوا أَن هَذَا حَقِيقَة الْمغل، وَالْمَعْرُوف مَا تقدم، وَقد جَاءَ تَفْسِيره فِي آخر الحَدِيث أَنه الخائن، وَهُوَ إِمَّا مِنْ عِنْد رَاوِيه، أَو مَرْفُوعا، فَهُوَ مقدَّم عَلَى (كل حالِهِ) . الحَدِيث الثَّالِث رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ أودع وَدِيعَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده أَيُّوب بن سُوَيْد، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا سلف، والمثنى بن الصَّباح ضعَّفه ابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ عابدًا، وَله أَحَادِيث، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَة عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 عَن جده مَرْفُوعا: «مَنِ استودع وَدِيعَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ» . وَابْن لَهِيعَة ضَعِيف، كَمَا سلف. الحَدِيث الرَّابِع رُوي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَت عِنْده ودائع، فلمَّا أَرَادَ الهجرةَ سَلَّمَهَا إِلَى أُمِّ (أَيمن) وَأمر عليًّا برَدِّها» . أمَّا تَرْكُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ عليًّا بِمَكَّة رد الودائع إِلَى أَرْبَابهَا فَهُوَ مَشْهُور فِي السّير وَغَيرهَا، قَالَ ابْن إِسْحَاق فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنهُ وَحَكَاهُ عَنهُ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: حَدثنِي من لَا أتهم عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة فِي هِجْرَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: وَأمر - تَعْنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) عليًّا أَن يتَخَلَّف عَنهُ بِمَكَّة حَتَّى يؤدِّي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده للنَّاس، قَالَ: وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير (عَن عُرْوَة بن الزبير) عَن عبد الرَّحْمَن بن عويم بن سَاعِدَة قَالَ: حَدثنِي رجالُ قَوْمِي من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... فَذكر الحديثَ فِي خُرُوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ فِيهِ: وَخرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَأقَام عَلّي بن أبي طَالب ثَلَاث ليالٍ وأيامها؛ حَتَّى أدَّى عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده للنَّاس، حَتَّى إِذا فرغ مِنْهَا لحق برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 وَأما كَونه سلَّمها إِلَى أُمِّ (أَيمن) فَلَا يَحْضُرُني ذَلِك بعد البَحْثِ (عَنهُ) . الحَدِيث الْخَامِس قَالَ الرافعيُّ: وَفِي الحَدِيث «إِن الْمُسَافِر وَمَاله لعَلَى قَلْتٍ، إِلَّا مَنْ وَقَى الله» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب؛ لَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة وَلَا المسانيد، وَتبع ابْنُ الرّفْعَة الرافعيَّ فَذكره فِي «مطلبه» (كَذَلِك مَرْفُوعا، وَصَاحب «الْمُهَذّب» ذكره فِي بَاب الْحجر وَالْقَرْض بِلَفْظ: يرْوَى «أَن الْمُسَافِر) وَمَاله عَلَى قلتٍ» . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : لَيْسَ هَذَا خبر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ إِنَّمَا هُوَ من كَلَام بعض السّلف، قيل: إِنَّه عَن عليّ بن أبي طَالب. وَذكر ابْنُ السّكيت والجوهريُّ فِي «صحاحه» : أَنه عَن بعض الْأَعْرَاب قَالَ: والقلت: بِفَتْح (الْقَاف) وَاللَّام وَآخره تَاء مثناة فَوق، وَهُوَ الْهَلَاك، قَالَ الْجَوْهَرِي: تَقول مِنْهُ: قَلِت - بِكَسْر اللَّام - والمَقلتة - بِفَتْح الْمِيم - المَهلكة. قلت: وظفرتُ بِهِ فِي رحلتي الثَّانِيَة إِلَى الشَّام المحروس مَرْفُوعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ذَاكَرَني بِهِ بعضُ الحُفَّاظ، وَأَنه فِي «أَخْبَار أبي الْعَلَاء المعري» لِلْحَافِظِ أبي طَاهِر السلفيّ، فَأحْضرهُ لي، فرأيتهُ ساقة، فَقَالَ: ثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيم الْخَلِيل بن عبد الْجَبَّار بن عبد الله (القرائي) بقزوين - وَكَانَ ثِقَة - ثَنَا أَبُو (الْعَلَاء) أَحْمد بن عبد الله بن سُلَيْمَان التنوخي (المعري) بمعرة النُّعْمَان، ثَنَا أَبُو الْفَتْح [مُحَمَّد] بن (الْحسن) بن روح، حَدثنَا خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان (الْقرشِي) ، نَا أَبُو عتبَة الْحِمصِي، نَا بشر بن زَاذَان، عَن أبي عَلْقَمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَو علم الناسُ رحمةَ الله بالمسافر لأصبح النَّاس وهم عَلَى سفرٍ، إِن الْمُسَافِر ورحْلِهِ عَلَى قَلَتٍ، إِلَّا من وقَى الله تَعَالَى» . قَالَ الْخَلِيل: (لم أسمع من أبي الْعَلَاء غير هَذَا الحَدِيث وَلم يرو لي أَنا عَنهُ حَدِيثا سُوَى الْخَلِيل) . والقلت: الْهَلَاك، يُقَال مِنْهُ: قلت قلتًا. قَالَ السلَفِي قبل ذَلِك: أَبُو إِبْرَاهِيم هَذَا رأيتُه بقزوين، وَرَوَى لي عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 حَدِيثا وَاحِدًا مُسْندًا، يرويهِ عَن صاحبٍ لخيثمة بن سُلَيْمَان الْقرشِي الأطرابلسي، فَذكره، فاسْتَفِدْ ذَلِك؛ فَإِنَّهُ من المهم الَّذِي مَنَّ الله بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ. الحَدِيث السَّادِس قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «عَلَى الْيَد مَا أخذتْ حَتَّى تَرُدَّ» . هَذَا الحَدِيث سبق بَيَانه فِي الْعَارِية وَاضحا؛ فراجِعْهُ. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وأمَّا آثاره فَأَرْبَعَة: عَن أبي بكر، وعليّ، وَابْن مَسْعُود، وَجَابِر: «إِنَّهَا - يَعْنِي: الْوَدِيعَة - أمانةٌ» . أما أثر أبي بكر؛ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا أَبُو شهَاب، عَن حجاج بن أَرْطَاة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَضَى فِي وديعةٍ كَانَت فِي جِرَابٍ فضاعتْ مِنْ (حَولي) الجِرَاب أَن لَا ضَمَان فِيهَا» . وَالْحجاج ضَعِيف. وَأما أثر عليّ وَابْن مَسْعُود؛ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن الْوَلِيد، ثَنَا سُفْيَان، عَن جَابر، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن أَن عليًّا وابْنَ مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قَالَا: «لَيْسَ عَلَى مؤتمن ضَمَان» . وَأما أثر جَابر فَغَرِيب؛ لَا يحضرني مَنْ خَرَّجَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 كتاب قَسْمِ الْفَيْء وَالْغنيمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 كتاب قَسْمِ الْفَيْء وَالْغنيمَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فتسعة وَعِشْرُونَ. الحَدِيث الأول أَن آيَة الْفَيْء - أَي وَهِي قَوْله تَعَالَى: (مَا أَفَاء الله عَلَى رَسُوله) - نزلتْ فِي بني النَّضِير؛ وَقد رُوي «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ صَالحهمْ عَلَى أَن يتْركُوا الْأَرَاضِي والدُّور، ويحملوا كلَّ صفراء وبيضاء، وَمَا تحمله الركائب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ، من حَدِيث معمر عَن الزُّهْرِيّ «فِي قَوْله - عز وَجل - فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب) قَالَ: صالحَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهل فدك وقرًى قد سمَّاها لَا أحْفَظها، وَهُوَ محاصِرٌ قَوْمًا آخَرين، فأرسلوا إِلَيْهِ بِالصُّلْحِ، قَالَ: (فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيلٍ وَلَا ركاب) يَقُول: (بِغَيْر) قتال. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَت (بَنو) النَّضِير للنَّبِي (خَالِصا، لم يفتحوها عنْوَة وافتتحوها عَلَى صلح، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 فقسم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين الْمُهَاجِرين، لم يُعط الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْئا، إِلَّا رجلَيْنِ كَانَت بهما حَاجَة» . وَأخرجه بِنَحْوِهِ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَرَوَى (مُوسَى) بن عقبَة عَن ابْن شهَاب، قَالَ: وَهَذَا حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي رجالٍ من أَصْحَابه إِلَى بني النَّضِير ... » وَذكر الْقِصَّة، إِلَى أَن قَالَ: «ففاجأهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أَن يجليهم، وَلَهُم أَن يحملوا مَا اسْتَقَلت من الْإِبِل الَّذِي كَانَ لَهُم، إِلَّا مَا كَانَ من حليةٍ أَو سلَاح، وطاروا كل مُطارٌ ... ثمَّ ذكر بَاقِي الْقِصَّة. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: وأربعةُ أخماسِ الْفَيْء كَانَت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَيَاته، مَضْمُومَة إِلَى خُمْس الخُمْس، فجُمْلة مَا كَانَ لَهُ أحد وَعِشْرُونَ سَهْما مِنْ خمسةٍ وَعشْرين سَهْما، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يصرف الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة إِلَى الْمصَالح. هُوَ كَمَا قَالَ: وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» فِي بَاب بَيَان مَصْرف أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنَّهَا كَانَت لَهُ خَاصةً دون الْمُسلمين، يَضَعهَا حَيْثُ أرَاهُ الله - عَزَّ وَجَلَّ - ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ الحديثَ الثَّانِي الَّذِي سَنذكرُهُ، والحديثَ السَّابِق فِي هَذَا الْبَاب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ ينْفق من سَهْمه عَلَى نَفسه وَأَهله ومصالحه، وَمَا فضل جعله فِي السِّلَاح عدَّة فِي سَبِيل الله - عَزَّ وَجَلَّ - وَفِي سَائِر الْمصَالح» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَت أَمْوَال بني النَّضِير مِمَّا أَفَاء الله عَلَى رَسُوله، مِمَّا لم يوجف عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ بخيلٍ وَلَا ركاب، فَكَانَت للنَّبِي (خَاصَّة؛ فَكَانَ ينْفق عَلَى نَفسه وَأَهله نفقةَ سَنَةٍ» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «وَيحبس لأَهله قوت سَنَتِهِمْ، وَمَا بَقِي جعله فِي الكراع وَالسِّلَاح عدَّة فِي سَبِيل الله» . وَقَوله: «وَفِي سَائِر الْمصَالح» لَا يحضرني (من) خرَّجه فِي الحَدِيث بعد الْبَحْث عَنهُ. فَائِدَة: (الكراع اسْم لجَمِيع الْخَيل وَالسِّلَاح إِذا ذكر مَعَ السِّلَاح والكراع الْخَيل نَفسهَا. قَالَه اللَّيْث. فَائِدَة أُخْرَى) قَالَ الشافعيُّ: قَول عمر «وَكَانَت للنَّبِي خَاصَّة» . يُرِيد: مَا كَانَ يكون للموجفين، وَذَلِكَ أَرْبَعَة أخماسه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن قرر أَن سهم الرَّسُول - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هُوَ الخُمْس من الْفَيْء، وَأَن هَذَا السهْم كَانَ لَهُ يعْزل مِنْهُ نَفَقَة أَهله، وَمَا فضل جعله فِي الكراع كَمَا سلف: لم يكن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يملكهُ، وَلَا ينْتَقل مِنْهُ إِلَى غَيره إِرْثا، بل مَا يملكهُ الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم السَّلَام - لَا يورَّث عَنْهُم، كَمَا اشْتهر فِي الْخَبَر. هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طرق: أَحدهَا: عَن أبي بكر الصدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نُورَّث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة» . وَلابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : «إِنَّا لَا نُورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة» . وللترمذي فِي (غير) «جَامعه» بإسنادٍ عَلَى شَرط مُسلم، عَن عُمر عَن أبي بكر، رَفعه: «إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَّث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة» . وَلأَحْمَد عَن أبي بكر، رَفعه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يورَّث، وَإِنَّمَا مِيرَاثه فِي فُقَرَاء الْمُسلمين وَالْمَسَاكِين» . ثَانِيهَا: عَن عُمر: «أَنه قَالَ لعُثْمَان وعَبْدِ الرَّحْمَن بن عَوْف والزبير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 وَسعد وَعلي وَالْعَبَّاس: أُنْشِدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي تقوم السَّمَوَات وَالْأَرْض بأَمْره؛ أتعلمون أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة؟ قَالُوا: نعم» . وللنسائي فِي «سنَنه الْكُبْرَى» من حَدِيث سُفْيَان، عَن عَمرو بن دِينَار، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مَالك بن أَوْس (بن الْحدثَان) قَالَ: «قَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن وَسعد وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزبير: أنشِدُكم بِاللَّه الَّذِي قَامَت (لَهُ) السَّمَوَات وَالْأَرْض، سَمِعْتُمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَّث، مَا تركنَا (فَهُوَ) صَدَقَة؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعَمْ» . ثَالِثهَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين تُوفِّي أردن أَن يَبْعَثْنَ عثمانَ إِلَى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فَقَالَت عَائِشَة: أَلَيْسَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة» . رَابِعهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (لَا يقتسم ورثتي دِينَارا، مَا تركتُ بَعْدَ نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: «وَلَا درهما» . وَلأَحْمَد، وَالتِّرْمِذِيّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 وصحَّحه عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن فَاطِمَة قَالَت لأبي بكر: مَنْ يرثكَ إِذا مت؟ قَالَ: وَلَدي وَأَهلي. قَالَت: فَمَا لنا لَا نَرِثُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: سمعتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا نورَّث، وَلَكِن أعول مَنْ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعول، وَأنْفق عَلَى مَنْ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْفق عَلَيْهِ» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» : أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث فَاطِمَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - عَن أبي بكر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَن الْأَنْبِيَاء لَا يُورَّثون، مَا تَرَكُوهُ فَهُوَ صَدَقَة» قَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ الْكَلْبِيّ، فَاخْتلف عَنهُ؛ فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح، عَن أُمِّ هَانِئ، عَن فَاطِمَة «أَنَّهَا دخلت عَلَى أبي بكر فَقَالَت: أرأيتَ لَو مت مَنْ كَانَ يَرِثُك؟» وَخَالفهُ سُفْيَان الثَّوْريّ والمغيرة فروياه: عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن أُمِّ هَانِئ «أَن أَبَا بكر قَالَ لفاطمة» . فَائِدَة: قَوْله: «مَا تركنَا صَدَقَة» هُوَ فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ، و «صَدَقَة» مرفوعٌ خبرٌ، خلافًا للإمامية فِي قَوْلهم: إِنَّمَا هُوَ «يَرث» بِالْمُثَنَّاةِ تَحت. و «صَدَقَة» بِالْفَتْح، أَي: مَا تركنَا صَدَقَة؛ فَلَا نورَّث، و «مَا» فِي مَوضِع الْمَفْعُول، و «صَدَقَة» مَنْصُوب عَلَى الْحَال وَعَلَى التَّفْسِير، وَهَذَا مُخَالف لما فهم مِنْهُ أهل اللِّسَان، وَلما حمله عَلَيْهِ أئمةُ الصَّحَابَة من رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، وَمَا وَقع فِي سَائِر الرِّوَايَات (فِي) قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «لَا نورّث، (مَا تركنَا) فَهُوَ صَدَقَة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «مَا تركنَا صَدَقَة» ثَلَاثَة أقوالٍ للْعُلَمَاء: أَحدهَا: أَنه بِمَنْزِلَة الصَّدَقَة، أَي: لَا يورَّث، إِنَّمَا هُوَ فِي مصَالح الْمُسلمين. ثَانِيهَا: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تصدَّق بِهِ. ثَالِثهَا: أَن تكون الرِّوَايَة: «لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة» بِالنّصب، وَتَكون «مَا» بِمَعْنى «الَّذِي» ، وَتَكون فِي مَوضِع جَرٍّ أَيْضا. قَالَ: والمعاني فِي هَذَا مقاربة (لِأَن الْمَقْصُود) أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لَا يورَّث. الحَدِيث الْخَامِس عَن جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لمَّا قَسَّمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَهْمَ ذَوي الْقُرْبَى بَين بني هَاشم و (بَين) بني الْمطلب، أتيتُ أَنا وَعُثْمَان بن عَفَّان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، (إِخْوَاننَا) بَنو هاشمٍ لَا ننكر فَضلهمْ لِمَكَانِك الَّذِي (وضعك) الله بِهِ مِنْهُم، فَمَا بَال إِخْوَاننَا من بني الْمطلب أَعطيتهم وَتَركنَا؛ وَإِنَّمَا قرابتنا وقرابتهم (وَاحِد) ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: إِنَّمَا بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب شَيْء وَاحِد. وشبَّك بَين أَصَابِعه» . ويُروْى أَنه قَالَ: «لم (يُفَارِقُونِي) فِي جاهليةٍ وَلَا إِسْلَام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشافعيُّ كَذَلِك باخْتلَاف قريب؛ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبرْقَانِي كَذَلِك أَيْضا، إِلَّا أَنهم قَالُوا فِي أوَّلِهِ: «لمَّا كَانَ يَوْم خَيْبَر وضع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سهم ذَوي الْقُرْبَى (فِي) بني هَاشم وَبني الْمطلب، وَترك بني نَوْفَل وَبني عبد شمس فانطلقتُ أَنا وَعُثْمَان ... » ثمَّ ذَكرُوهُ إِلَى آخِره. قَالَ البرقاني: وَهُوَ عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عُثْمَان بن عمر، ثَنَا يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب، عَن جُبَير بن مطعم: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يقسم لبني عَبْدِ شمس وَلَا لبني نَوْفَل مِنَ الخُمْس شَيْئا، كَمَا كَانَ يُقسم لبني هاشمٍ ولبني الْمطلب، وَأَن أَبَا بكر كَانَ يُقسم الْخمس نَحْو قسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، غير أَنه لم يكن يُعْطي قرباء رَسُول الله كَمَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعطيهم، وَكَانَ عمر يعطيهم، وَعُثْمَان من بعده» . وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن جُبَير أَيْضا قَالَ: «مشيتُ أَنا وعثمانُ بْنُ عَفَّان إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (فَقلت) : يَا رَسُول الله، أعطيتَ بني الْمطلب، وَتَرَكتنَا وَنحن وهم بمنزلةٍ وَاحِدَة؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّمَا بَنو الْمطلب وَبَنُو هَاشم شَيْء وَاحِد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَقُلْنَا: أَعْطَيْت بني الْمطلب مِنْ خُمْس خَيْبَر وَتَرَكتنَا؟ قَالَ جُبَير: وَلم يقسم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لبني عَبْدِ شمسٍ، وَلَا لبني نَوْفَل شَيْئا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: عبدُ شمس وَالْمطلب وهَاشِم إخْوَة لأُمٍّ، وأُمُّهُمْ عَاتِكَة بنت مُرَّة، وَكَانَ نَوْفَل أَخَاهُم لأبيهم. قَالَ الشَّافِعِي فِي «الرسَالَة» : «فقسم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سهم ذَوي الْقُرْبَى فِي بني هَاشم، وَبني الْمطلب، وَلم يُعط الآخرين شَيْئا، وَإِن كَانَا أخويِّ هَاشم وَالْمطلب؛ لأجل الْفرق الَّذِي ذكره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ: أَن بني هَاشم وَبني الْمطلب شَيْء وَاحِد، وَلم يفارقوهم فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وحلوا مَعَهم فِي الشّعب دون بني أُميَّة بن عبد شمس وَبني نَوْفَل. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: كَانَ عُثْمَان من بني عبد شمس، وَجبير من بني نَوْفَل، فَأَشَارَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَا ذكره إِلَى بَيَان الصَّحِيفَة القاطعة الَّتِي كتبْتَها قريشُ عَلَى أَن لَا يُجَالسوا بني هَاشم وَلَا يبايعوهم وَلَا يناكحوهم، وبقوا عَلَى ذَلِك سَنَةً، لم يدْخل فِي بيعتهم بَنو الْمطلب، بل خَرجُوا مَعَ بني هَاشم إِلَى بعض الشِّعَاب. قلت: هَذَا مَشْهُور بَين أَرْبَاب الْمَغَازِي، وَمِمَّنْ ذكره ابْنُ إِسْحَاق فِي «السِّيرَة» وَحَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ. فَائِدَة: قَوْله فِي الحَدِيث: «شَيْء» : رُوي بالشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة، وبالسين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مشدَّدة بِلَا همز، قَالَ الْخطابِيّ: كَانَ يَحْيَى بن معِين يرويهِ بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء - وَهُوَ أَجود - أَي: سَوَاء، يُقَال: هَذَا سِيّ هَذَا. أَي مِثْلُه ونَظِيْرُه، قَالَ: وَالرِّوَايَة بالشين الْمُعْجَمَة، وَذكره الهرويُّ فِي «غَرِيبه» بِالسِّين الْمُهْملَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 الحَدِيث السَّادِس رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يُتْمَ بعد احْتِلَام» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن صَالح، ثَنَا يَحْيَى بن مُحَمَّد الْمدنِي، حَدثنِي عبد الله بن خَالِد بن سعيد بن أبي مَرْيَم، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن (رُقَيْش) أَنه سمع شُيُوخًا من بني عَمرو بن عَوْف وَمن خَاله عبد الله بن أبي أَحْمد قَالَ: قَالَ عليُّ: حفظت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يتم بعد احْتِلَام، وَلَا صمَات يَوْم إِلَى اللَّيْل» . أَحْمد هَذَا هُوَ المِصْريُّ الْحَافِظ الثِّقَة، لم يتَكَلَّم فِيهِ النَّسَائِيّ بحُجَّة، وَيَحْيَى الْمدنِي مُخْتَلف فِيهِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: فِي حَدِيثه (مَنَاكِير وأغاليط. وَعبد الله بن خَالِد ضعفه الْأَزْدِيّ وَقَالَ: لَا يكْتب حَدِيثه) ووالده ثِقَة كَمَا جزم بِهِ الذَّهَبِيّ فِي «الكاشف» ، وَذكره ابْن حبَان فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 «الثِّقَات» وَسَعِيد بن عبد الرَّحْمَن ثِقَة وَعبد الله بن أبي أَحْمد هُوَ ابْن جحش، تابعيُّ. فَهَذَا إِسْنَاد يَقْرُب من الْحسن لَوْلَا عبد الله بن خَالِد، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي كِتَابه «رياض الصَّالِحين» : إِسْنَاده حسن. وَكَأَنَّهُ اعْتمد فِي ذَلِك عَلَى سكُوت أبي دَاوُد عَلَيْهِ، وَأما ابْن الْقطَّان فضعَّفه حَيْثُ قَالَ فِي «الْوَهم وَالْإِيهَام» : عبد الله بن خَالِد ووالده مَجْهُولَانِ، وَيَحْيَى بن مُحَمَّد الْمدنِي إِمَّا مَجْهُول، وَإِمَّا ضَعِيف إِن كَانَ ابْن هَانِئ، وَعبد الله بن أبي أَحْمد مَجْهُول أَيْضا. قَالَ: وَلَيْسَ بوالد بكير بن عبد الله بن الْأَشَج كَمَا ظَنّه ابْنُ أبي حَاتِم، حِين جمع بَينهمَا، وَالْبُخَارِيّ قد فصل بَينهمَا. قَالَ: وَأيهمَا كَانَ فحالته مَجْهُولَة أَيْضا، هَذَا كَلَامه. وكل هَؤُلَاءِ مَعْلُوم الْعين مَعْلُوم الْحَال كَمَا قَرّرته لَك، إِلَّا عبد الله بن أبي أَحْمد؛ فَإِنِّي لَا أعلم حَاله، وَأعله عبد الْحق، بِوَجْه آخر، فَقَالَ: الْمَحْفُوظ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَأعله الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» بِيَحْيَى بن مُحَمَّد الْمدنِي، وَقد قَالَ البُخَارِيّ: تُكُلِّم فِيهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: يجب التنكب عَمَّا انْفَرد بِهِ من الرِّوَايَات. وَذكر هَذَا الحديثَ العقيليُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 وَقَالَ: لَا يُتابع عَلَيْهِ يَحْيَى. قلت: ورُوي من طَرِيق آخر عَن عليٍّ، قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» : ثَنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصُّوفِي، ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون التبَّان الْمَدِينِيّ، حَدثنِي أبي، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبان بن تغلب، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن عَلْقَمَة بن قيس، عَن عليّ مَرْفُوعا: «لَا رضَاع بعد فصَال، وَلَا يُتم بعد حلم» . ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن أبان إِلَّا مُوسَى بن عقبَة، وَلَا عَن مُوسَى إِلَّا مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَلَا عَن مُحَمَّد إِلَّا عبيد، تفرد بِهِ محمدُ بن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن عبيد. (وَرَوَاهُ) أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي «مُسْنده» . قلت: وَلِحَدِيث عَلّي شَوَاهِد من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة: أحدهم: جَابر بن عبد الله، رَفعه: «لَا يتم بعد حُلُم» . وَهُوَ قِطْعَة من حديثٍ طَوِيل رَوَاهُ ابْن عدي فِي تَرْجَمَة حرَام بن عُثْمَان، وَالرِّوَايَة عَن حرَام (حرَام) . ثانيهم: أنس، قَالَ الْمُنْذِرِيّ عقب كَلَامه السالف: وَقد رُوي هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة جَابر وَأنس، وَلَيْسَ فيهمَا شَيْء يثبت. ثالثهم: حَنْظَلَة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» مَرْفُوعا، وَذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 حَدِيث حَنْظَلَة بن حنيفَة عَن جدَّته مَرْفُوعا: «لَا يتم بعد احْتِلَام، وَلَا يتم عَلَى جَارِيَة، إِذا هِيَ حَاضَت» . ثمَّ قَالَ: كَذَا أوردهُ ابْن شاهين، وَهُوَ وهم وتصحيف، وَلَعَلَّه أَرَادَ عَن جده فصحفه بجدته، واسْمه: حَنْظَلَة، ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نُصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر، وأُحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحدٍ قَبْلي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أُعطيت خمْسا لم يُعطهنَّ أحدٌ من الْأَنْبِيَاء قَبْلي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مسيرَة شهرٍ، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، فأيُّما رجل من أُمَّتي أَدْرَكته الصَّلَاة فليصلّ، وأحلِّت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحدٍ قبلي، وأُعطيت الشَّفَاعَة، وَكَانَ النَّبِي يُبعث إِلَى قومه [خَاصَّة] وبُعثت إِلَى النَّاس عَامَّة» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَت الْغَنَائِم فِي أول الْأَمر لَهُ خَاصَّة، يَفْعل بهَا مَا شَاءَ، وَفِي ذَلِك نزل قَوْله تَعَالَى: (يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمَّا تنَازع فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ والأنصارُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - يَوْم بدر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 قلت: رَوَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» لكنه لم يصرِّح بالمهاجرين. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَلِيهِ يُحْمَل إِعْطَاؤُهُ من لم يَشهد الْوَقْعَة، ثمَّ نُسخ ذَلِك، فَجعل خُمسها مقسومًا بِخَمْسَة أسْهم، قَالَ الله - تَعَالَى -: (فَإِن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ) الْآيَة، وَجعل أَرْبَعَة أخماسها للغانمين؛ لحَدِيث: «الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة» . وَهَذَا الحَدِيث سَيَأْتِي الْكَلَام (عَلَيْهِ) - إِن شَاءَ الله وقدَّره. الحَدِيث الثَّامِن رُوي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عرَّف عَام (حنين) عَلَى كل عشرَة عريفًا، وَذَلِكَ (فِي استطابة) قُلُوبهم فِي سَبْي هوَازن» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عرَّف عَام (حنين) عَلَى كلِّ عشرَة عريفًا» . وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير أَن مَرْوَان بن الحكم والمسور بن مخرمَة أخبرا: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين أذن للنَّاس فِي عِتْقِ سَبي هوَازن؛ قَالَ: إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أذن مِنْكُم مِمَّن لم يَأْذَن، فَارْجِعُوا حَتَّى يرفع إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمركُم. فَرجع النَّاس وكلَّمهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 عُرَفَاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأخبروه أَن النَّاس قد طيبُوا وأذنوا» . وَرَوَى الشَّافِعِي الْقِصَّة فِي «سير الْوَاقِدِيّ» من كتاب «الْأُم» بأطول من ذَلِك، وفيهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ترك حَقَّه وحَقَّ أهل بَيته، فَسمع بذلك الْمُهَاجِرُونَ، فتركوا لَهُم حَقهم (وَسمع بذلك الْأَنْصَار فتركوا لَهُم حَقهم) ، ثمَّ بَقِي قوم من الْمُهَاجِرين الآخرين، وَأَنه عرَّف عَلَى كل عشرَة وَاحِدًا ... » ثمَّ سَاق الحَدِيث. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قدِّموا قُريْشًا» . هَذَا الحَدِيث تقدَّم بَيَانه فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة وَاضحا. الحَدِيث الْعَاشِر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ فِي حلف الفضول» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْحميدِي عَن سُفْيَان، عَن عبد الله، عَن مُحَمَّد، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لقد شهدتُ فِي دَار عبد الله بن جدعَان حلفا، لَو دعيت بِهِ فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت، تحالفوا أَن (يردوا) الفضول (عَلَى) أَهلهَا، وَأَن لَا يَعُد (ظَالِم) مَظْلُوما» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 وَرَوَاهُ ابْن أبي أُسَامَة فِي «مُسْنده» أَيْضا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف. (قَالَ) السُّهيْلي: وَهَذَا أَقْوَى وَأولَى مَا ورد فِي تَفْسِير حلف الفضول. قَالَ: وَقَول ابْن قُتَيْبَة فِيهِ حسنٌ، وَهُوَ كَانَ قد سبق قُريْشًا إِلَى مثل هَذَا الْحلف جرهم فِي الزَّمن الأوَّل فتحالف مِنْهُم ثَلَاثَة، هم ومَنْ تَبِعَهُمْ: الْفضل بن فضَالة، وَالْفضل بن ودَاعَة، وَالْفضل بن الْحَارِث - وَقيل: ابْن (رِفَاعَة) - فلمَّا أشبه فعل قُرَيْش الآخر فعل هَؤُلَاءِ الجرهميين سُمِّي حِلف الفضول، وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة قبل المبعث بِعشْرين سنة، ثمَّ ذكر السُّهيْلي سَبَب ذَلِك وأوضحه (كعادته) . (قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْحلف الأول وَكَانَ مَعَ المطيبين) . قلت: فِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «شهدتُ حِلْفَ المطيبين مَعَ عمومتي، وَأَنا غُلَام، فَمَا أُحِبُّ أَن لي حُمْرَ النّعم وَأَنِّي (أنكثه) » . وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَيْضا رَفَعَهُ: «شهِدت وَأَنا غُلَام حلف المطيبين، فَمَا أُحب أَن أنكثه وَأَن لي (بِهِ) حُمْرَ النعم» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 وَفِي رِوَايَة لَهُ: «شهدتُ مَعَ عمومتي» (وَرَوَى هَذَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ «شهِدت غُلَاما مَعَ عمومتي) حلف المطيبين، فَمَا (ترَى) أَن لي حُمْر النعم وَإِنِّي أنكثه» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: (مَا شهِدت حلفا إِلَّا حلف قُرَيْش من حلف المطيبين، وَمَا أحب لي بِهِ حمر النعم، وَأَنِّي كنت نقضته» . والمطيبون: هَاشم و [أُميَّة] وزهرة، ومخزوم، وَرَوَى هَذَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «مَا شهدتُ مِنْ حلف قُرَيْش إِلَّا حلف المطيبين، وَمَا أحب أَن لي حمر النعم، وَإِنِّي كنت نقضته» . قَالَ (ابْن حبَان) : والمطيبون: هَاشم و [أُميَّة] وزهرة، ومخزوم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 قَالَ: وَلم يشْهد حلف المطيبين؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْل مولده، وَإِنَّمَا شهد حلف الفضول، وهُمْ (كالمطيبين) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا أَدْرِي هَذَا التَّفْسِير من قَول أبي هُرَيْرَة أَو من دونه. قَالَ: وَبَلغنِي أَنه قد قيل: حلف المطيبين؛ لأَنهم غمسوا أَيْديهم فِي طِيْبٍ. قَالَ الشَّافِعِي: وَقَالَ بَعضهم: حلفٌ من الفضول. قَالَ مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي: قَالَ بعض أهل الْمعرفَة بالسير وَأَيَّام النَّاس: إِن قَوْله فِي الحَدِيث: «حلف المطيبين» غلط؛ إِنَّمَا هُوَ حلف الفضول، وَذَلِكَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يدْرك حلف المطيبين؛ لِأَن ذَلِك كَانَ قَدِيما قبل أَن يُولد بِزَمَان. وَكَذَا ذكر هَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وابْنُ عدي فِي «كَامِله» ، وَفِي «المستعذب عَلَى المهذَّب» : حلف المطيبين والفضول حلفان كَانَا فِي الْجَاهِلِيَّة من قُرَيْش: أما الأول: فَلِأَن عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب عملت لَهُم طيبا فِي جِفْنَةٍ وتركتها فِي الحِجْر؛ فغمسوا أَيْديهم فِيهَا وتحالفوا، وَقيل: إِنَّهُم مسحوا بِهِ الْكَعْبَة توكيدًا عَلَى أنفسهم. ولأي أمرٍ تحالفوا؟ قيل: عَلَى مَنْع الظَّالِم ونصْر الْمَظْلُوم. وَقيل: كَانَ بَنُو عَبْدِ الدَّار أَرَادوا أخْذَ السِّقَايَة والرفادة من بني هَاشم، فتحالفوا عَلَى مَنعهم، وَنحر الْآخرُونَ جَزُورًا، وغمسوا أَيْديهم فِي الدَّم، وَقيل: سُمُّوا المطيبين لأَنهم تحالفوا عَلَى أَن ينفقوا ويطعموا الْوُفُود من طيب أَمْوَالهم. وَفِي حلف (الفضول) وَجْهَان: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 الأول: أَنه اجْتمع فِيهِ رجال أَسمَاؤُهُم الْفضل: ابْن الْحَارِث، وَابْن ودَاعَة، وَابْن فضَالة (كَمَا سلف) . والفضول جَمْع فضل، قَالَ الْهَرَوِيّ: يُقَال: فضل وفضول، كَمَا يُقَال: سعد وسعود. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: هم قوم من جرهم تحالفوا يُقَال لَهُم: فِضال وفُضال وفضالة، فلمَّا تحالفت قُرَيْش عَلَى مثله سُمُّوا حلف الفضول. ولأي أمْرٍ تحالفوا؟ فَقيل: عَلَى أَن لَا يَجدوا بِمَكَّة مَظْلُوما من أَهلهَا، أَو من غَيرهَا إِلَّا قَامُوا مَعَه. وَقيل: عَلَى أَنهم يُنْفقُونَ من فضول أَمْوَالهم، فسمُّوا بذلك حلف الفضول. وَقيل: سُمُّوا بذلك لفاضلِ ذَلِك الطِيْب. تَنْبِيه (خَاتِمَة) قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ فِي قُرَيْش حِلفان قبل المبعث - وَالْحلف: الْعَهْد والبيعة - أَحدهمَا: أَنه وَقع نزاع بَين عبد منَاف وَبني عبد الدَّار، فِيمَا كَانَ إِلَى قُصي من الحجابة والسقاية والرفادة واللواء، فتبع عبد منَاف قبائل. . إِلَى آخِره. وَقد بَيَّنَّاها. وَعبد منَاف وَعبد الدَّار ولدان لقُصيّ وَلَهُمَا أَخ ثَالِث اسْمه عبد الْعُزَّى، وَالْمرَاد بالحجابة: حجاب الْكَعْبَة، وَهِي ولَايَة فتحهَا وغلقها وَخدمتهَا، ويُعبَّر عَن ذَلِك (بالسِّدَانةِ) أَيْضا (وَهِي) بكَسْر السِّين الْمُهْملَة، وَالْمرَاد بالسقاية: الْقيام بتهيئة المَاء من زَمْزَم، وطرْح الزَّبِيب فِيهِ لسقي الْحجَّاج، والرِّفادة - بكَسْر الرَّاء - مَال كَانَت قُرَيْش تجمعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 فِيمَا بَينهم عَلَى (قدر) طَاقَة كلٍّ مِنْهُم، فيشترون بِهِ الطَّعَام وَالزَّبِيب لإطعام الْحجَّاج وسقيهم، مَأْخُوذ من الرفد وَهُوَ الْإِعَانَة. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ نفل فِي بعض الْغَزَوَات دون بعض» . هُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ مَالك بن أنس: بَلغنِي «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نفل فِي بعض مغازيه، وَلم ينفل فِي مغازيه كلِّها» . قَالَ: وَإِنَّمَا ذَلِك عَلَى وَجه الِاجْتِهَاد من الإِمَام فِي أوَّل الْمغنم وَآخره. قلت: و «فِي» «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ ينفل بعض من يبْعَث من السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّة سُوَى قَسم عامَّة الْجَيْش» . وَفِيهِمَا أَيْضا من حَدِيثه: «التَّنْفِيل فِي السّريَّة الَّتِي بعثها قبل نجد» . الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَفَّلَ فِي البدأة الرّبع، وَفِي الرّجْعَة الثُّلثُ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن. وَصَححهُ ابْنُ حبَان، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» ، وذكرته ثمَّ من طَرِيقين آخَرين أَيْضا، وَذكرت اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي المُرَاد بالبدأة وَالرَّجْعَة، فراجِعه من ثمَّ، تجدُ مَا يشفي العليل. والرافعي نقل عَن بَعضهم أَنه فسر البدأة بالسَّرية الأولَى، وَالرَّجْعَة بِالثَّانِيَةِ، ثمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُور أَن البدأة ابْتِدَاء السَّفَر. قَالَ الْخطابِيّ عَن ابْن الْمُنْذر: إِنَّمَا فرَّق عَلَيْهِ السَّلَام بَينهمَا لقُوَّة (الظُّهُور) عِنْد دُخُولهمْ، وَضَعفه عِنْد خُرُوجهمْ؛ لأَنهم وهم داخلون أنشط وأشهى [للسير] والإمعان فِي بِلَاد الْعَدو، وهُمْ عِنْد القفول أَضْعَف لضَعْف دوابهم وأبدانهم، وهم أشهى للرُّجُوع [إِلَى أوطانهم وأهاليهم لطول عَهدهم بهم وحبهم للرُّجُوع إِلَيْهِم] فزادَهُمْ فِي الرُّجُوع لذَلِك ثمَّ اعْترض عَلَى ابْن الْمُنْذر؛ فَقَالَ: كَلَامه (هَذَا لَيْسَ بالبَيِّن؛ لِأَن فَحْوَاه يُوهم أَن مَعْنَى الرّجْعَة هُوَ القفول إِلَى أوطانهم، وَلَيْسَ الْمَعْنى كَذَلِك؛ إِنَّمَا (الْبِدَايَة) هِيَ ابْتِدَاء السّفر لغزوٍ، فَإِذا نهضت سريةٌ من جملَة العَسْكر [فأوقعت بطَائفَة الْعَدو] نَفَلَهَا الرُّبْعَ، فَإِن قَفَلُوا من الْغُزَاة ثمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 رجعُوا؛ فأوقعوا بالعَدُوِّ ثَانِيَة كَانَ لَهُم الثُّلُث من الْغَنِيمَة؛ لِأَن نهوضهم بعد القفول أشقُّ عَلَيْهِم وأخطر. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرافعيُّ فِيمَا مَضَى قَبْل الحَدِيث الثَّامِن، كَمَا أسلفته، وَهُوَ غريبٌ مَرْفُوعا؛ إِنَّمَا نعرفه مَوْقُوفا، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا، وستعلمه آخر الْبَاب. وأمَّا ابْن الرّفْعَة فَذكره فِي كِتَابيه مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ بَعضهم مَوْقُوفا، قيل: عَلَى أبي بكر، وَقيل: عَلَى أبي بكر وعُمر، وَقيل: عَلَى أبي بكر وَعُثْمَان. وَقَالَ فِي «مطلبه» : كَذَا ذكره الرافعيُّ - يَعْنِي: مَرْفُوعا - وغيرهُ يوقفه عَلَيْهِمَا. وَفِي هَذِه الْعبارَة نظر؛ فَإِن الرافعيَّ ذكره أَولا مَرْفُوعا ثمَّ مَوْقُوفا، كَمَا ستعلمه آخر الْبَاب. وَفِي الْمَسْأَلَة حديثان صَحِيحَانِ دالان عَلَى أَنه لَا يُسهم إِلَّا لمن حضر الْوَقْعَة: أَحدهمَا: حَدِيث أبي مُوسَى الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : «أَنه لمَّا وافى هُوَ وَأَصْحَابه من الْحُدَيْبِيَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين افْتتح خَيْبَر فَأَسْهم لَهُم مَعَ من شَهِدَهَا، وَلم يُسهم لمن غَابَ عَنْهَا غَيرهم» . ثَانِيهمَا: حَدِيث سعيد بن الْعَاصِ (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث أبان بن سعيد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 بن الْعَاصِ فِي سَرِيَّة قِبل نجد، فَقدم أبانُ وأصحابُه (عَلَى) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَعْدَمَا فتح خَيْبَر، فَأَبَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُسهم شَيْئا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بإسنادٍ صَحِيح، وغلَّطه البخاريُّ، قَالَ الذَّهَبِيّ: وَهُوَ مَحْفُوظ من طَرِيقه. الحَدِيث الرَّابِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا قَالَ الإِمَام: من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ. فعلَى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه يَصح شَرطه؛ لما رُوي: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ ذَلِك يَوْم بدر» . وأصحهما: الْمَنْع. والْحَدِيث مِمَّا تكلمُوا فِي ثُبُوته، وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَإِن غَنَائِم بدر كَانَت لَهُ خَاصَّة يَضَعهَا حَيْثُ شَاءَ. هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده وتضعيفه الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك ثمَّ قَالَ: والْحَدِيث غير صَحِيح، وَقد قيل: إِن غَنَائِم بَدْر كَانَت لَهُ خَاصَّة، يفعل فِيهَا مَا يَشَاء. وتبعا فِي ذَلِك الشافعيُّ؛ فَإِنَّهُ ذكره وَأفهم أَنه لَا يَصح عِنْده، فَقَالَ - عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» -: قَالَ بعض أهل الْعلم: إِذا بعث الإِمَام سَرِيَّة أَو جَيْشًا؛ فَقَالَ لَهُم قبل اللِّقَاء: مْن غنم شَيْئا فَهُوَ لَهُ بعد الخُمْس. فَذَلِك لَهُم عَلَى مَا شَرط، لأَنهم عَلَى ذَلِك غزوا، وَبِه رَضوا، وذهبوا فِي هَذَا إِلَى أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم بدر: «من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 وَذَلِكَ قبل نزُول الخُمْس، وَالله أعلم، وَلم أعلم شَيْئا [يثبت] عندنَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[بِهَذَا] . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوِيَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت «أَنه سُئِلَ عَن الْأَنْفَال، قَالَ: فِينَا نزلت أصحابُ بدر، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين التقَى النَّاس ببدرٍ نفل كلَّ امرئٍ مَا أصَاب، ثمَّ ذكر نزُول الْآيَة والقَسْمَ بَينهم» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَفِيه نظر؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة عَن عبَادَة، وَمَكْحُول لم ير أَبَا أُمَامَة كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورُوي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم بدر: «مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً فَلهُ كَذَا، ومَنْ أسر أَسِيرًا فَلهُ كَذَا وَكَذَا» ثمَّ ذَكَرَ تنازعهم، ونزول الْآيَة فِي الْأَنْفَال، وقِسْمَةَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْغَنِيمَة بَينهم. قلت: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الصَّحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. فقد احْتج البُخَارِيّ بِعِكْرِمَةَ، ومسلمُ بداودِ بْنِ أبي هِنْد - يَعْنِي: المذكورَيْن فِي إِسْنَاده - وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين فِي «الاقتراح» : أَنه عَلَى شَرط البُخَارِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا فِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص فِي بعث عبد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 الله بن جحش، وَكَانَ الْفَيْء إِذْ ذَاك: من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ. قد كَانَ ذَلِك قبل وقْعَة بدر، وَقد صَار الْأَمر بعد نزُول الْآيَة إِلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِي فِي قسْمَة أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة بَين من حضر الْقِتَال، وَأَرْبَعَة أَخْمَاس الخُمس عَلَى أَهله، وَأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ [يضع] سَهْمه حَيْثُ أرَاهُ الله، وَهُوَ خُمس الخُمس. الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئل عَن النِّسَاء هَل كُنَّ يشهدن الْحَرْب مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ وَهل كَانَ يُضرب لَهُنَّ سهم؟ فَقَالَ: كُنَّ يشهدن الْحَرْب، وَأما أنْ يُضْرب لَهُنَّ سهمٌ فَلَا» . هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه مطولا بِلَفْظ: ( [كتبت] تَسْألني - يَعْنِي: [نجدة] بن عَامر الحروري التَّابِعِيّ - هَل كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَغْزُو بِالنسَاء؟ وَقد كَانَ يَغْزُو بهنَّ؛ فيداوين الجَرْحَى، ويُحْذَيْنَ من الْغَنِيمَة، وأمَّا بِسَهْم فَلم يضْرب لَهُنَّ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَيْسَ لَهما - يَعْنِي: العَبْد وَالْمَرْأَة - شَيْء إِلَّا أَن يُحْذيَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَأَما أَن يضْرب لَهُنَّ بِسَهْم فَلَا، وَقد كَانَ يُرْضَخُ لَهُنَّ» . مَعْنَى «يُحْذَيْن» : يُعْطَيْن. وادَّعى الرافعيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لم يتْرك الرَّضْخَ قَط، وَلنَا بِهِ أُسْوَة حَسَنَة. فَائِدَة: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا دالٌّ عَلَى ضَعْف حَدِيث حشرج بن زِيَاد عَن جدَّته أُمِّ أَبِيه: «أَنَّهَا غزت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ستَّة نسْوَة، قَالَ: فَأَسْهم لَهَا عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أسْهم [للرِّجَال] » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وحشرج مَجْهُول. الحَدِيث السَّادِس عشر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعْطى سلب مرحب يَوْم خَيْبَر من قَتله» . هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي قَاتل مرحب، فَقيل: عَلّي بن أبي طَالب، وَقيل: مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ. قلت: وبالأوَّل قَالَ جماعةٌ، وَرَوَاهُ الحاكمُ فِي «مُسْتَدْركه» بإسنادٍ لِلْوَاقِدِي مَا يجمع بَين الْقَوْلَيْنِ، قَالَ: «ضرب مُحَمَّد بن مسلمة ساقي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 مرحب؛ فقطعهما وَلم يُجهز عَلَيْهِ، فَمر بِهِ عليٌ فَضرب عُنُقه؛ فَأعْطَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سلبه مُحَمَّد بن مسلمة: سَيْفه وَدِرْعه ومِغْفره وبيضته، وَقد كَانَ عِنْد مُحَمَّد بْنِ مسلمة سَيْفه» . وَرَوَى الْحَاكِم إِلَى الْوَاقِدِيّ أَيْضا، قَالَ: «وَقيل: إِن مُحَمَّد بن مسلمة ضَرَبَ ساقي مرحب، فقطعهما، فَقَالَ مرحبُ: أجْهزْ عليَّ يَا مُحَمَّد. فَقَالَ مُحَمَّد: ذُق الْمَوْت كَمَا ذاقه أخي مَحْمُود. فَمر بِهِ عليٌّ فَضرب عُنُقه وَأخذ سلبه؛ فاختصما إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ مُحَمَّد: يَا رَسُول الله، وَالله مَا قطعتُ رجلَيْهِ وَتركته إِلَّا ليذوق الْمَوْت، وَكنت قَادِرًا عَلَى أَن أُجهز عَلَيْهِ. فَقَالَ عليُّ: صدق، ضربتُ عُنُقه بعد أَن قطع رجلَيْهِ. فَأعْطَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سلبه مُحَمَّد بن مسلمة: سَيْفه وَدِرْعه ومِغفره وبيضته، وَكَانَ عِنْد مُحَمَّد بن مسلمة سَيْفه فِيهِ كِتَابَة لَا يدْرِي مَا هُوَ، حَتَّى قَرَأَهُ يهوديُّ مِنَ الْيَهُود؛ فَإِذا فِيهِ: هَذَا سيف مرحب، مَنْ يذقه يعطب» . وَقيل: إِن قَاتله أَبُو دجَاجَة، رَوَاهُ الحاكمُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْوَاقِدِيّ بإسنادٍ مُنْقَطع أَيْضا. وَفِي «صَحِيح مُسلم» بِإِسْنَادِهِ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع التَّصْرِيح بِأَن عليًّا هُوَ الَّذِي قَتله. وَفِي «مُسْند أَحْمد» عَن عليّ قَالَ: (لمَّا قتلتُ مرْحَبًا جئتُ بِرَأْسِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أكثرُ أهل السّير والْحَدِيث. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «مُخْتَصر السِّيرَة» : إِنَّه الصَّحِيح. وَقَالَ بِالثَّانِي محمدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 بن إِسْحَاق والشافعيُّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «الْمُخْتَصر» : «نفل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم خَيْبَر مُحَمَّد بن مسلمة سلب مرحب» . هَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بِأَنَّهُ قَاتله. فَائِدَة: مَرحَب: بِفَتْح الْمِيم والحاء، مِنَ الرَّحَب، بِمَعْنى السعَة، وَهُوَ يَهُودِيّ قُتل كَافِرًا يَوْم خَيْبَر. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم حُنَيْن، فرأيتُ رجلا من الْمُشْركين عَلَى رجلٍ من الْمُسلمين، فاستدرتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائه، فضربته عَلَى حَبْلِ عَاتِقه ضَرْبَة، فَأقْبَلَ عليَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وجدتُ مِنْهَا ريح الْمَوْت، ثمَّ أدْركهُ الموتُ، فأرسلني إِلَى أَن مَاتَ [فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه. فَقُمْت فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ رجل: صدق يَا رَسُول الله، وسلب ذَلِك الْقَتِيل عِنْدِي] . فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فأعْطِهِ إيَّاه. فأعْطَانِيْهِ، فابتعتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بني سَلمَة؛ فَإِنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثلته فِي الْإِسْلَام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» مِنْ هَذَا الْوَجْه، قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام حنين، فلمَّا الْتَقَيْنَا كَانَ للْمُسلمين جَوْلَة، قَالَ: فرأيتُ رجلا من الْمُشْركين قد علا رجلا من الْمُسلمين، فابتدرتُ إِلَيْهِ حَتَّى أتيتَهُ مِنْ وَرَائه، فضربتُه عَلَى حَبْلِ عَاتِقه، فَأقبل عليَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وجدتُ مِنْهَا ريح الْمَوْت، ثمَّ أدْركهُ الموتُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 فأرسلني، فلحقتُ عمرَ بْنَ الْخطاب، فَقلت: مَا بالُ النَّاس؟ فَقَالَ: أَمْرُ الله، ثمَّ إِن الناسَ رجعُوا، وَجلسَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَنْ قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلهُ سلبه. فَقُمْتُ فقلتُ: مَنْ يشْهد لي؟ ثمَّ جلستُ ثمَّ قَالَ ذَلِك ثَلَاثَة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَة؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ رجل مِنْ الْقَوْم: صَدَقَ يَا رَسُول الله؛ سَلَبُ ذَلِك الْقَتِيل عِنْدي، فأرْضِهِ مِنْ حقِّه. فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق: لَاها الله إِذن، لَا يعمدُ إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله فيعطيك سلبه؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: صَدَقَ، فأعْطِهِ إِيَّاه [فَأَعْطَانِي: قَالَ] فَبِعْت الدرْع وابتعتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بني سَلمَة، فَإِنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثلته فِي الْإِسْلَام» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «لمَّا كَانَ يَوْم حنين نظرتُ إِلَى رجلٍ من الْمُسلمين يُقَاتل رجلا من الْمُشْركين، [وَآخر] من الْمُشْركين [يختله] مِنْ وَرَائه ليَقْتُلهُ، فأسرعتُ إِلَى الَّذِي [يختله] فَرفع يَده ليضربني، فَضربت يَده فقطعتها، ثمَّ أَخَذَنِي فضمني ضمًّا شَدِيدا حَتَّى تخوفت، ثمَّ بزك [فتحلَّل] ، ودفعتُه ثمَّ قَتَلْتُه، وَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمتُ مَعَهم؛ فَإِذا بعمر بن الْخطاب فِي النَّاس، فقلتُ لَهُ: مَا شَأْن النَّاس؟ قَالَ: أَمر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 [الله. ثمَّ تراجع] الناسَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » ثمَّ ذكر النَّاس بنَحْوِ مَا تقدم. فَائِدَة: قَوْله: «كَانَ للْمُسلمين جَوْلَة» : أَي نُفُور وانكشاف. «حَبْل العاتق» بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: مَوضِع الرِّدَاء من العاتق. قَالَه الأصمعيُّ، يذكَّر ويؤنَّث. وَقَوله: «لَاها الله إِذا» : هَكَذَا رُوي، قَالَ الْخطابِيّ: وَالصَّوَاب: «لَاها الله ذَا» بِغَيْر ألف قبل الذَّال، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامهم: لَا وَالله يكون ذَا، يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو. وَوَقع فِي «مُسْند أَحْمد» نَحْو هَذَا القَوْل من عمر فِي حق أبي قَتَادَة من حَدِيث أنس، وَهُوَ وهم كَمَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» وَإِنَّمَا قَالَه أَبُو بكر. والمَخرف - بِفَتْح الْمِيم، وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَفتح الرَّاء - حَائِط النّخل، وَقيل: المَخرف: نَخْلَة وَاحِدَة أَو نخلات يسيرَة إِلَى عشر، فَمَا فَوق ذَلِك فَهُوَ بُسْتَان أَو حديقة، مَأْخُوذ من الخَرف - بِفَتْح الْخَاء - وَهُوَ الْقطع؛ لِأَن الرطب و [الثَّمر] يقْطَعَانِ مِنْهُ، والمخرفية - بِزِيَادَة الْيَاء - اسْم للبستان أَيْضا، كَمَا قَالَه فِي «الصِّحَاح» والمِخْرَف - بِكَسْر الْمِيم - هِيَ مَا يجتنى فِيهِ الثِّمَار، وَمِنْه الخريف للفصل الْمَعْرُوف؛ لكَون الثِّمَار تُقْطع فِيهِ، وبالمد مَعْنَاهُ: عللته. وَالْحَبل: الْكر. و «الجدع» و «حنين» : (واديين) بِمَكَّة، والطائف وَرَاء عَرَفَات، بَينه وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا، وَهُوَ مصروفٌ كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن الْعَزِيز. وَقَوله: «فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 بني سلِمة» : هُوَ بِكَسْر اللَّام. قَالَه ابْن الْأَعرَابِي، بني سَلمَة بِكَسْر اللَّام فِي الأزد، وَبِفَتْحِهَا فِي يُسيْر. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يُعط ابْن مَسْعُود سلب أبي جهل؛ لِأَنَّهُ كَانَ قد أثخنه فتيَان من الْأَنْصَار، وهما: معَاذ ومعوَّذ ابْنا عَفْراء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» لكنهما قَالَا: «معَاذ بن عَمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء» بدل مَا ذكره الرافعيُّ. أَخْرجَاهُ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (مَنْ ينظر مَا صنع أَبُو جهل؟ فَانْطَلق ابْنُ مَسْعُود فَوَجَدَهُ قد ضربه ابْنا عفراء حَتَّى برد، قَالَ: فَأخذ بلحيته، فَقَالَ: آنت أَبُو جهل؟» . وللبخاري: «آنت أَبَا جهل؟ قَالَ: وَهل [فَوق] رجل قَتَلْتُمُوهُ - أَو قَالَ: قَتله قومُهُ» . وَفِي لفظ لَهما: «قَالَ أَبُو جهل: [فَلَو غيرُ أكَّار] يقتلني؟» . وابنا عفراء هما معَاذ بن عَمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء، كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 قَالَ: «إِنِّي لواقفٌ فِي الصَّفّ يَوْم بدر، فنظرتُ عَن يَمِيني وَعَن شمَالي، فَإِذا أَنا بغلامين من الْأَنْصَار [حَدِيثَة] أسنانهما، فتمنيتُ أَن [أكون] بَين أضلع مِنْهُمَا، فغمزني أَحدهمَا فَقَالَ: أيْ عَمّ، تعرف أَبَا جهل؟ قلت: نعم، مَا حَاجَتك [إِلَيْهِ يَا] ابْن أخي؟ قَالَ: أخْبرت أَنه يسب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِن رَأَيْته لَا يُفَارق سوَادِي سوَاده حَتَّى يَمُوت الأعجل منا. قَالَ: فتعجبت لذَلِك، قَالَ: وغمزني الآخر فَقَالَ لي مثلهَا، فَلم أنشب أَن (نظرت إِلَى) أبي جهل يجول فِي النَّاس، فَقلت: أَلا تريان؛ هَذَا صاحبكما الَّذِي تسألاني عَنهُ. قَالَ: فابتدراه [بسيفيهما] فضرباه حَتَّى قتلاه، ثمَّ انصرفا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أيكما قَتله؟ قَالَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا: أَنا قتلته. فَقَالَ: هَل مسحتما [سيفيكما] ؟ قَالَا: لَا. فَنظر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى السيفين، فَقَالَ: (كلاكما) قَتله. وَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بسلبه لِمعَاذ بن عَمرو بن الجموح (ومعاذ بن عفراء) » . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 فَائِدَة: «أثخنه» فِي طَرِيق الرَّافِعِيّ بمثلثة، ثمَّ خاء مُعْجمَة، أَي أضعفه بالجراحة. تَنْبِيهَات: (أَحدهَا) : قد علمتَ أَن فِي الحَدِيث «معَاذ بن عَمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء» خلاف مَا وَقع فِي «الرَّافِعِيّ» وعفراء أُمُّهما، كَمَا قَالَه ابْن الْأَثِير وغيرُه فِي «جَامعه» . ثَانِيهَا: معَاذ ومعوذ ابْنا الْحَارِث بن رِفَاعَة، وَتَبعهُ ابْنُ الرّفْعَة فِي «الْكِفَايَة» وَقَالَ ابْن معِين فِي «سنَنه» : هُمَا: عَوْف ومسعود. وَقَالَ التغلبي: عَوْف ومعاذ. قَالَا: فالاتفاق عَلَى عَوْف وَالِاخْتِلَاف فِي الآخر. قلت: وَأَيْنَ الِاتِّفَاق؟ وَقد علمت أَنه خلاف مَا وَقع فِي «الصَّحِيح» وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هما عوذ ومعوذ، الأول بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْوَاو وَبعدهَا ذال مُعْجمَة، ثمَّ نقل عَن ابْنِ عَبْدِ البَرِّ وغيرُه أَنهم فِي «عوذ» : «عَوْف» بِالْفَاءِ بدل الذَّال. هَذَا مَا ذكره فِي النَّوْع السَّابِع الْمَعْقُود لبَيَان المبهمات، وَذكر فِي الْأَسْمَاء فِي تَرْجَمَة معَاذ بن الْحَارِث أخي عوذ ومعوذ. أَن معَاذًا هُوَ الَّذِي شَارك فِي قتل أبي جهل، كَمَا ثَبت فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن أنس. فَائِدَة: تُوفي معاذُ بْنُ عفراء فِي زمن عليّ، عَام صِفِّيْن، كَمَا قَالَه الواقديُّ، وَقَالَ ابْن مَنْدَه: قُتِل ببدر. وَهُوَ غلط بالِاتِّفَاقِ؛ إِنَّمَا قُتِلَ ببدر أَخَوَاهُ، قَالَ كثيرُ بن أَفْلح: أعتق معاذُ بن عفراء ألف نَسْمَة، سُوَى مَا ابْتَاعَ لَهُ. نَقله أَبُو نُعَيْم فِي «الْمعرفَة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 ثَالِثهَا: حَكَى ابْن الرّفْعَة خلافًا فِي «كِفَايَته» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعْطى سلب أبي جهل لَهما أَو لأَحَدهمَا» . وَهُوَ خلاف غَرِيب. وَفِي «مُسْند الإِمَام أَحْمد» من حَدِيث أبي [عُبَيْدَة] عَن عبد الله بن مَسْعُود: «أَنه وجده - يَعْنِي: أَبَا جهل - يَوْم بدر وَقد ضُرِبَتْ رِجْله وَهُوَ صريع، وَهُوَ يَذُبُّ الناسَ عَنهُ بسيفٍ لَهُ، فأخذتُه فقتلتُه بِهِ، فَنَفَلَني سلبه» . وَهَذَا مُنْقَطع، أَبُو (عُبَيْدَة) لم يسمع مِنْ أَبِيه. الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف لَك قَرِيبا. وَفِي «مُسْند أَحْمد» : حدَّثنا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا أَبُو مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن نعيم بن أبي هِنْد، عَن ابْن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن أَبِيه رَفعه: «من قتل (قَتِيلا) فَلهُ السَّلب» . الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ وخَالِد بن الْوَلِيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بالسلب للْقَاتِل، وَلم يُخمس السَّلب» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن صَفْوَان بن عَمرو، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه، عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ وخَالِد ... فَذكره. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن الشاميين. قلت: وَلم ينْفَرد بِهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، بل تَابعه عَلَيْهِ أَبُو الْمُغيرَة، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَتَابعه أَيْضا الْوَلِيد بن مُسلم، قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : أبنا عمر بن مُحَمَّد الْهَمدَانِي، ثَنَا عَمرو بن [عُثْمَان] ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن صَفْوَان بن عَمرو، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه، عَن عَوْف بن مَالك: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يُخمس السَّلب» . وَرَوَاهَا أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جعل السَّلب للْقَاتِل، وَلم يُخمسه» وَعَزاهَا صَاحب «الْإِلْمَام» إِلَى رِوَايَة (الْحَافِظ) أبي بكر البرقاني أَن عَوْف بن مَالك قَالَ: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يكن يُخمس السَّلب» . وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظ ثَابت فِي «صَحِيح مُسلم» من هَذَا الْوَجْه فِي قصَّة طَوِيلَة بِلَفْظ: «قَالَ عَوْف: فقلتُ: يَا خَالِد، أمَا علمت أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 قَضَى بالسلب للْقَاتِل؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِنِّي [استكثرته] » . وَهِمَ المحبُّ الطَّبَرِيّ فَعَزاهُ إِلَى «البُخَارِيّ» أَيْضا، وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم. الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّانِي وَالثَّالِث بعد العِشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَتجوز قِسْمة الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب من غير كَرَاهَة؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَسَّم غَنَائِم بدر بشِعْب مِنْ شعاب الصَّفْرَاء قريبٌ مِنْ بدر، وَقسم غَنَائِم بني المصطلق عَلَى مِيَاههمْ، وقسَّم غَنَائِم حُنَيْن بأوطاس وَهُوَ وَادي حُنَيْن، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تُقَسَّم الْغَنَائِم بدار الْحَرْب. هَذَا آخرُ كَلَامه. أما قِسْمَتُه عَلَيْهِ السَّلَام غَنَائِم بدر بشعب من شعاب الصَّفْرَاء قريبٌ من بدر فمشهور، وَمِمَّنْ ذكره ابْن إِسْحَاق، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فَقَالَ: «وَمَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فلمَّا خرج مِنْ مضيق يُقَال لَهُ: الصَّفْرَاء؛ خرج مِنْهُ عَلَى كثيب يُقَال لَهُ: سير، عَلَى مسيرَة لَيْلَة من بدر أَو أَكثر؛ فقسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النَّفْل بَين الْمُسلمين عَلَى ذَلِك الْكَثِيب» . قَالَ الشَّافِعِي: وَمن حول سَير وَأَهله مشركون. فَائِدَة: بدر عَلَى أَربع مراحل من الْمَدِينَة، وَكَانَت يَوْم الْجُمُعَة كَمَا ثَبت فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَأبْعد من قَالَ: كَانَت يَوْم الِاثْنَيْنِ. حَكَاهُ ابْن عَسَاكِر أَنَّهَا كَانَت يَوْم السبت، وَهُوَ غَرِيب جدًّا. «قِسْمَتُه عَلَيْهِ السَّلَام غَنَائِم بني المصطلق عَلَى مِيَاههمْ» فَذكره الشافعيُّ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 «الْأُم» فَقَالَ: وَقسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمْوَال بني المصطلق وَسَبْيهمْ فِي الْموضع الَّذِي غنمها فِيهِ قبل أَن يتَحَوَّل مِنْهُ، وَمَا حوله كُله بِلَاد شرك، وَقسم أَمْوَال أهل بدر بسير عَلَى أميالٍ من بدر وَمن حول سير وَأَهله مشركون. قَالَ: وَأكْثر مَا قسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأمراءُ سراياه مَا غنموا بِبِلَاد (الْمغرب) وَذَلِكَ مَعْرُوف عِنْد أَهله، لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. وَأما قسْمَة غَنَائِم حنين بأوطاس - وَهُوَ وَاد بهَا - فغريبٌ؛ وَإِنَّمَا قَسَّمَهَا بالجعرانة، كَمَا أخرجه البخاريُّ وغيرُه؛ (فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لمَّا نَصره الله بِحُنَيْن عَلَى هوَازن لم يصنع شَيْئا فِي أمْر الْغَنَائِم حَتَّى غزا الطائِفَ، ثمَّ عَاد ولمَّا يُفتح لَهُ، إِلَى أَن نزل بالجعرانة، فَأَتَاهُ هُنَاكَ وَفْدُ هوَازن مُسلمين داعيين، فخيَّرهم بَين عِيَالهمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَبَين أَمْوَالهم، فَاخْتَارُوا أَمْوَالهم، ثمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه كلَّ ذَلِك عَلَيْهِم. .) الْقِصَّة بِطُولِهَا، وَكَانَ سَبْيُ هوَازن سِتَّة آلَاف إِنْسَان. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «أَن السَّرَايَا كَانَت تخرج من الْمَدِينَة عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَغْنم وَلَا يشاركهم المقيمون بهَا» . هَذَا مَشْهُور مَعْرُوف، وَمِمَّنْ رَوَاهُ الربيعُ عَن الشَّافِعِي، كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين رُوي «أَن جَيش الْمُسلمين تفَرقُوا، فغنم بَعضهم بأوطاس وَبَعْضهمْ (بحنين) ؛ فشركوهم» . هَذَا صَحِيح، قَالَ الشَّافِعِي - فِيمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» -: مَضَت خيل الْمُسلمين فَغنِمت بأوطاس غَنَائِم كَثِيرَة، وَأكْثر الْعَسْكَر بحُنَيْن، [فشركوهم] وهم مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ سَاق فِي السّنَن حَدِيث أبي مُوسَى الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» قَالَ: «لمَّا فرغ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من حنين بعث أَبَا عَامر عَلَى جَيش أَوْطَاس، فلقي دُرَيْد بن الصمَّة، فَقتل دُرَيْد، وَهزمَ الله أَصْحَابه ... » وَذكر الحَدِيث. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضرب للْفرس بسهمين، وللفارس بسَهْمٍ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَقَالا: «للرَّاجِل» بدل «للفارس» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 وَقد أوضحت طرقه والجوابَ عمَّا عارَضَه فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط» . الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة: الْأجر، والمغنم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عُرْوَة بن الْجَعْد الْبَارِقي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر، وَأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَأخرجه ت س من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، د وَأَبُو مُسلم الْكَجِّي فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث عتبَة بن [عَبدٍ] السّلمِيّ، د م من رِوَايَة جرير، وَأحمد من حَدِيث أَسمَاء بنت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 يزِيد وَجَابِر، وَالْبَزَّار من حَدِيث حُذَيْفَة، وَأحمد من حَدِيث سَلمَة بن نفَيْل، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث [نعيم بن زِيَاد أَنه سمع أَبَا] كَبْشَة بِزِيَادَة: «وَأَهْلهَا مُعَانون عَلَيْهَا، والمنْفِق عَلَيْهَا كالباسط يَده بِالصَّدَقَةِ» . وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه» من هَذِه الطَّرِيق، وَمن طَرِيق [سوَادَة] الْجرْمِي وَأبي أُمَامَة، وَأخرجه ابْن مَنْدَه فِي «الصَّحَابَة» ، و [ابْن سعد] فِي «الطَّبَقَات» من طَرِيق يزِيد بن عبد الله بن عريب الْمليكِي، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا. فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَة عشر صحابِيًّا رووا هَذَا الْمَتْن عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الإِمَام أَبُو الْفضل: وَهُوَ من كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام البليغ، وتحسينه الْأَلْفَاظ العذبة السهلة بَعْضهَا بِبَعْض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين رُوي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يُعطِ الزبير إِلَّا لفرس واحدٍ، وَقد حضر يَوْم خَيْبَر بأفراس» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن عبد الْوَهَّاب [الْخفاف عَن] الْعمريّ عَن أَخِيه: «أَن الزبير وَافى بأفراسٍ يَوْم خَيْبَر، فَلم يُسْهم لَهُ إِلَّا لفرسٍ واحدٍ» . قَالَ الشَّافِعِي: وَحدث مَكْحُول عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَن الزبير حضر خَيْبَر بفرسين، فَأعْطَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَمْسَة أسْهم؛ سَهْما لَهُ، وَأَرْبَعَة أسْهم لفرسَيِه» - فَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع لَا تقوم بِهِ حُجَّة - قَالَ الشَّافِعِي: وَلَو كَانَ كَمَا حدث مَكْحُول «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حضر خَيْبَر بفرسَيْن، وَأخذ خَمْسَة أسْهم» كَانَ وَلَده أعرف بحَديثه و [أحرص] عَلَى مَا فِيهِ زِيَادَة من غَيرهم. قلت: وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «سنَن النَّسَائِيّ» من حَدِيث يَحْيَى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن جده قَالَ: (ضرب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 خَيْبَر للزبير أَرْبَعَة أسْهم، [سَهْمًا] للزبير، و [سَهْمًا] لذِي [الْقُرْبَى لصفية بنت عبد الْمطلب أم الزبير وسهمين] للْفرس» . تَنْبِيه: وَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ «حنين» بدل «خَيْبَر» وَهُوَ من تَحْرِيف النساخ؛ فاجتنبه. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقَالَ أَحْمد: يعْطى لفرسَيْن وَلَا يُزَاد؛ لحديثٍ ورد فِيهِ، وَرَوَاهُ راوون قولا للشَّافِعِيّ. هَذَا الحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ، رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» عَلَى مَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وغيرُه عَنهُ عَن ابْن عَيَّاش عَن الْأَوْزَاعِيّ: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُسْهم للخيل، وَكَانَ لَا يُسهم للرجل فَوْقَ فرسَيْن وَإِن كَانَ مَعَه عشرَة أَفْرَاس» . وَهُوَ مُرْسل كَمَا ترَى؛ لكنه مُرْسل جَيِّد، فَإِنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن الشاميين، وَهُوَ حجَّة إِذن. وَذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِي فِي رِوَايَة الرّبيع: وَلَيْسَ فِيمَا قلت من أَن لَا يُسهم إِلَّا لفرسٍ واحدٍ، وَلَا خِلَافه خبر يثبت مثله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 وَفِيه أَحَادِيث مُنْقَطِعَة، أشبههَا أَن يكون ثَابتا. ثمَّ سَاق حديثَ يَحْيَى بن عباد بن عبد الله بن الزبير «أَن الزبير ... » فَذكره كَمَا سبق، ثمَّ رَوَاهُ عَن جدّه كَمَا سبق، ثمَّ ذكر حديثَ مَكْحُول السَّابِق، وَكَذَا حَدِيث عبد الْوَهَّاب، ثمَّ قَالَ: ورُوي عَن عبد الله بن رَجَاء، عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ [عَن الزبير أَنه غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بأفراس لَهُ فَلم يقسم إِلَّا لفرسين» والعمري] غير مُحْتَج بِهِ، ورُوي عَن الْحسن عَن بعض الصَّحَابَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يقسم إِلَّا لفرسين» . وَهَذَا مُنْقَطع. قلت: ورُوي مَوْقُوفا عَلَى عمر أَيْضا، قَالَ سعيد بن مَنْصُور: ثَنَا فرج بن فضَالة، ثَنَا مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ «أَن عمر بن الْخطاب كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح: أَن أَسْهِمْ للْفرس سَهْمَيْنِ، وللفرسين أَرْبَعَة أسْهم، ولصاحبها سَهْما؛ فَذَلِك خَمْسَة أسْهم، وَمَا كَانَ فَوق الفرسين فَهِيَ جنائب» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنِّه. وَأما [1] أثاره: فأحد عشر أثرا: أَحدهَا: «أَن الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يَأْخُذ من سهم ذَوي الْقُرْبَى، وَكَانَ غنيًّا» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد تبع فِيهِ إِمَامه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهَذَا نَصُّه: «فقد أعْطى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا الْفضل الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وَهُوَ كَمَا وصُف فِي كَثْرَة المَال بقول عامَّة بني الْمطلب، ويتفضل عَلَى غَيرهم» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 الأُثر الثَّانِي: يُرْوى «أَن الزبير كَانَ يَأْخُذ لأُمِّه» . هَذَا الْأَثر تبع فِيهِ الماروديَّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: «إِن الزبير كَانَ يَأْخُذ سهم أُمِّه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب عَمَّةِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . ولمَّا ذكر ابْن إِسْحَاق فِي «السِّيرَة» مقاسم خَيْبَر قَالَ: «ثمَّ قسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الكتيبة بَيْنَ قرَابَته، وَبَين نِسَائِهِ، وَبَين رجالٍ من الْمُسلمين وَنسَاء، أَعْطَاهُم مِنْهَا، فقسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لفاطمة ابْنَته مِائَتي وسق» وَذكر جمَاعَة، إِلَى أَن قَالَ: «ولأُمِّ الزبير أَرْبَعِينَ وسْقا» . فَذكرهَا فِيمَن ذكر. الْأَثر الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهما «أَن أهل الْفَيْء كَانُوا فِي زمَان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بمعزل عَن الصَّدَقَة، وَأهل الصَّدَقَة كَانُوا بمعزل عَن الْفَيْء» . وَهَذَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ عَن ابْن عَبَّاس، كَمَا ذكره الرافعيُّ سَوَاء، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «الْمعرفَة» ، ثمَّ قَالَ: وروينا عَن عُثْمَان بْنِ عَفَّان مَا دلَّ عَلَى ذَلِك. قلت: وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث [بُرَيْدَة] قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أَعْرَاب الْمُسلمين: «لَيْسَ لَهُم من الْفَيْء وَالْغنيمَة شَيْء، إِلَّا أَن يجاهدوا مَعَ الْمُسلمين» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 الْأَثر الرَّابِع: عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ النَّاس يُعطون النَّفْل من الخُمْس» . وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد أَنه سمع سعيد بن الْمسيب يَقُول ... فَذكره. وَهُوَ فِي «الأُمِّ» كَذَلِك، وَذكره فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إسنادٍ. الْأَثر الْخَامِس: عَن عُمر فِي تدوين الدَّوَاوِين. وَهُوَ مَشْهُور عَنهُ، فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي من وَجه آخر ذكره عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» فليراجَعْ مِنْهُ. الْأَثر السَّادِس؛ إِلَى التَّاسِع: «أَن أَبَا بكر وعليًّا ذَهَبا إِلَى التَّسْوِيَة بَين النَّاس فِي الْقِسْمَة، وَأَن عُمر كَانَ يفضِّل [بَينهم] » وَعَن عُثْمَان مثْله. وَهَذِه الْآثَار ذكرهَا الشَّافِعِي، خلا أثر عُثْمَان، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : روينَا عَن عُثْمَان مَا دلَّ عَلَى ذَلِك. الْأَثر الْعَاشِر وَالْحَادِي عشر: قَالَ الرَّافِعِيّ: رُوي مَرْفُوعا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وموقوفًا عَلَى أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة» . قلت: أما رَفعه فغريبٌ، كَمَا سلف فِي أثْنَاء الْبَاب. وَأما وقْفه عَلَيْهِمَا فَهُوَ الْمَعْرُوف، وَقد ذكره الشافعيُّ عَنْهُمَا، فَقَالَ: وَمَعْلُوم عِنْد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 غير واحدٍ مِمَّن لقِيت من أهل الْعلم [بالغزوات] أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: إِن الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة» . قَالَ الشَّافِعِي حِكَايَة عَن أبي يُوسُف: عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن [عبد الله] بن قسيط: «أَن أَبَا بكر الصدِّيق بعث عِكْرِمَة بن أبي جهل فِي خَمْسمِائَة من الْمُسلمين مدَدا لزياد بن لبيد [وللمهاجر بن أبي أُميَّة، فوافقهم الْجند قد افتتحوا النُّجَيْر بِالْيمن فَأَشْركهُمْ زِيَاد بن لبيد] وَهُوَ مِمَّن شهد بَدْرًا فِي الْغَنِيمَة» . قَالَ الشَّافِعِي: «فَإِن زيادًا كتب فِيهِ إِلَى أبي بكر، فَكتب أَبُو بكر: إِنَّمَا الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة. وَلم يَرَ لعكرمة شَيْئا؛ لِأَنَّهُ لم يشْهد الْوَقْعَة، فَكلم زيادٌ أصحابَهُ، فطابوا أنفسًا بِأَن أشركوا عِكْرِمَة وَأَصْحَابه متطوعين عَلَيْهِم» . وَهَذَا قولُنا. وَحكي فِي الْقَدِيم - عَلَى مَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ - حَدِيث حجاج، عَن [شُعْبَة] ، عَن قيس بن مُسلم، عَن طَارق بن شهَاب الأحمسي قَالَ: «أمدَّ أهلُ الْكُوفَة أهلَ الْبَصْرَة وَعَلَيْهِم عمار بن يَاسر؛ فَجَاءُوا وَقد غنموا، فَكتب عمرُ: أَن الْغَنِيمَة لمَنْ شهد الْوَقْعَة» . قَالَ الشَّافِعِي: وَأما مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُف عَن المجالد، عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 عَامر وَزِيَاد بن علاقَة: «أَن عمر كتب إِلَى سعد بن أبي وَقاص: قد أمْدَدْتُك بقومٍ، فَمَنْ أَتَاك مِنْهُم قَبْلَ أَن تَفَقَّأ الْقَتْلَى فأشْرِكْهُ فِي الْغَنِيمَة» . فَهُوَ غير ثَابت عَن عمر، وَلَو ثَبت عَنهُ كُنَّا أسْرع إِلَى قبُوله مِنْهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا حَدِيث مُنْقَطع، وروايةُ [مجَالد] ، وَهُوَ ضَعِيف، وَحَدِيث طَارق إِسْنَاده صَحِيح لَا شكّ فِيهِ. قَالَ الشافعيِ: وَقد رُوي عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شيءٌ يَثْبُتُ فِي مَعْنَى مَا رُوِيَ عَن أبي بكرٍ وعُمر، لَا يَحْضُرُني حِفْظُهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَرَادَ - وَالله أعلم - حديثَ أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة أبان بن سعيد بن الْعَاصِ حِين قَدِمَ مَعَ أَصْحَابه عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِخَيْبَر بعد أَن فتحهَا، فَلم يقسم لَهُم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 كتاب قسم الصَّدقَات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 كتاب قسم الصَّدقَات ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أحاديثَ وآثارًا أما الْأَحَادِيث: فَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا الحَدِيث الأول «أَن رجلَيْنِ أَتَيَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسألانه الصَّدَقَة؛ فَقَالَ: إِن شئتما أعطيتكما، فَلَا حَظَّ فِيهَا لَغَنِيّ، وَلَا لذِي مرّة سوي» وَهِي الْقُوَّة، وَيروَى: «وَلَا لذِي قُوَّة مكتسب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي الشافعيُّ وأحمدُ فِي «مسنديهما» ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمْ» بإسنادٍ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، من حَدِيث (عبيد الله) بن عدي بن الْخِيَار: «أَن رجلَيْنِ أخبراه: أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسألانه الصَّدَقَة، فَقَلَّبَ فيهمَا (النّظر) ، ورآهما جَلِدَيْنِ فَقَالَ: إِن شِئتُما أعطيتكما، ولاحظَّ فِيهَا لغنيّ وَلَا لقويّ مكتسب» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 هَذَا لفظ أَحْمد، وَلَفظ البَاقِينَ عَن عبيد الله الْمَذْكُور قَالَ: «أَخْبرنِي رجلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي حَجَّة الْوَدَاع، وَهُوَ يُقَسِّم الصَّدَقَة، فَسَأَلَاهُ مِنْهَا، فَرفع فيهمَا النّظر وخفضه ... » ثمَّ ذكرُوا الحديثَ كَمَا سلف. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي «بَيَان الْمُشكل» فَقَالَ: «رجلَانِ من قومِي» وَفِي روايةٍ: «جَلِدَيْن قَوِيَّيْن» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «فصعَّد فِينَا النظرَ وصوَّب» وَفِي رِوَايَة: «الْبَصَر» بدل «النّظر» . قَالَ أَحْمد: مَا [أجوده] من حديثٍ، وَقَالَ: هُوَ أحْسَنُهَا إِسْنَادًا. وَوَقع فِي «المهذَّب» : (بدل) «عدي» «عبد الله» وَهُوَ وهْم، كَمَا بَيَّنْتُه فِي «تخريجي لأحاديثه» . وَأما اللَّفْظ الأول، وَهُوَ: «وَلَا لذِي مرّة سويّ» . فَلم أره فِي هَذَا الحَدِيث، نعم هُوَ فِي أَحَادِيث أُخر: أَحدهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَة لغنيّ وَلَا (لذِى) مرّة سوىّ» . حَدِيث صَحِيح، كل رِجَاله ثِقَات، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» والنسائى، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَرَوَاهُ جماعاتٌ عَن أبي هُرَيْرَة: أَبُو حَازِم وَأَبُو صَالح وَسَالم بن أبي الْجَعْد. وَقَالَ أَحْمد: سَالم لم يسمع من أبي هُرَيْرَة شَيْئا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 وَطَرِيق أبي حَازِم وَأبي صَالح يقوِّيه. وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيق أبي حَازِم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وشاهدُه حديثُ عَبْدِ الله بن عَمْرو «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره لكنه قَالَ: «لذِي مرّة قوي» بدل «مرّة سوي» وَهَذَا هُوَ الحَدِيث الثَّانِي من الْأَحَادِيث الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا، وَهُوَ حَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا وموقوفًا: وَأخرجه التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا وَقَالَ: حسن. وَذكر عَن شُعْبَة أَنه لم يرفعهُ. قلت: وَمَعَ ذَلِك فَفِي إِسْنَاده ريحَان بن يزِيد قَالَ ابْن معِين وَابْن حبَان: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: شيخ مَجْهُول. ثَالِثهَا: وَهُوَ شَاهد لحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا وَكَذَا مَا سأذكره بعد حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله رَفعه «لَا تحل الصَّدَقَة لغنى وَلَا لذِي مرّة سوي» سُئل عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَأجَاب فِي «علله» بِأَنَّهُ يرويهِ نَافِع عَن ابْن عمر عَنهُ، وَنَافِع عَن أسلم مولَى عمر، عَن طَلْحَة، قَالَ: وَالثَّانِي أشبه بِالصَّوَابِ. رَابِعهَا: حَدِيث (حبشِي) بن جُنَادَة رَفعه «إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي إِلَّا لذِي فقر [مدقع] أَو غرم [مفظع] » رَوَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. قلت: وَفِيه مُجَاهِد هَذَا. خَامِسهَا: حَدِيث جَابر قَالَ: «جَاءَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَدَقَة [فَرَكبهُ] النَّاس فَقَالَ: إِنَّهَا لَا تصلح لَغَنِيّ، وَلَا لصحيح سوي، وَلَا (لعامل) قوي» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إِسْنَاده الْوَازِع بن نَافِع، وَقد ضَعَّفُوهُ. سادسها: حَدِيث أبي زميل سماك، عَن رجل من بني هِلَال سَمِعت رَسُول الله يَقُول: «لَا تصلح الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» . فَائِدَة: الْمرة - بِكَسْر الْمِيم - الْقُوَّة، كَمَا سلف عَن الرَّافِعِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) وَأَصلهَا من شدَّة فتل الْحَبل. والسوي الصَّحِيح الْأَعْضَاء، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: «وَلَا لذِي مرّة سوي» أَي ذُو عقل وَشدَّة. وَقَالَ غَيره: هِيَ هَاهُنَا الْقُوَّة عَلَى الْكسْب وَالْعَمَل. الحَدِيث الثَّانِي « (أَنه) عَلَيْهِ السَّلَام أعْطى لمن سَأَلَ الصَّدَقَة وَهُوَ غير زمن» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: «كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلِيهِ رِدَاء نجراني غليظ الْحَاشِيَة، فأدركه أَعْرَابِي فجبذ بردائه جبذة شَدِيدَة - نظرت إِلَى صفحة عنق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد أثرت بِهِ حَاشِيَة الرِّدَاء من شدَّة جبذته - ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد، مُرْ لي من مَال الله الَّذِي عنْدك. فَالْتَفت إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَضَحِك، ثمَّ أَمر لَهُ بعطاء» وَفِي رِوَايَة «ثمَّ جبذه إِلَيْهِ جبذة رَجَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي نحر الْأَعرَابِي» وَفِي رِوَايَة «فجاذبه حَتَّى انْشَقَّ البرُد وَحَتَّى بقيت حَاشِيَته فِي عنق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحل الصَّدَقَة إِلَّا لثَلَاثَة فَذكر رجلا أَصَابَته جَائِحَة فاجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الصَّدَقَة حَتَّى يُصِيب سدادًا من عَيْش» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم كَمَا سلف بَيَانه وَاضحا فِي بَاب التَّفْلِيس لَكِن بِلَفْظ «الْمَسْأَلَة» فِي الثَّانِيَة. الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استعاذ من الْفقر وَقَالَ: اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 أما استعاذته عَلَيْهِ السَّلَام من الْفقر فثابت، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عَائِشَة أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم، [والمأثم] والمغرم، وَمن فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب الْقَبْر، وَمن فتْنَة النَّار وَعَذَاب (النَّار) وَمن شَرّ فتْنَة الْغِنَى، (وَمن شَرّ) فتْنَة الْفقر، وَأَعُوذ بك من شَرّ فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال» وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» وَالنَّسَائِيّ و «صَحِيح ابْن حبَان» وَالْحَاكِم - وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم - من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفقر و [الْقلَّة] والذلة، وَأَعُوذ بك أَن أَظلم أَو أُظلم» وَفِي صحيحي ابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث أبي [بكرَة] «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول فِي دبر الصَّلَاة: أعوذ بك من [الْكفْر] والفقر وَعَذَاب الْقَبْر» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم - فقد احْتج بِإِسْنَادِهِ سَوَاء «سَتَكُون فتْنَة الْقَاعِد خير فِيهَا من الْقَائِم» وَلم يخرجَاهُ. وَأما قَوْله «اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا» فَأخْرجهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي أَبْوَاب الزّهْد فِي بَاب مَا جَاءَ أَن فُقَرَاء الْمُهَاجِرين يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أغنيائهم من حَدِيث أنس أَن رَسُول (قَالَ: «اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا وأمتني مِسْكينا، واحشرني فِي زمرة الْمَسَاكِين يَوْم الْقِيَامَة. قَالَت عَائِشَة: لِمَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: إِنَّهُم يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أغنيائهم بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، يَا عَائِشَة لَا تَرُدِّي الْمِسْكِين وَلَو بشق تَمْرَة، يَا عَائِشَة أحبي الْمَسَاكِين وقربيهم فَإِن الله يقربك يَوْم الْقِيَامَة» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قلت: وَضَعِيف أَيْضا قَالَ: فِي إِسْنَاده الْحَارِث بن النُّعْمَان اللَّيْثِيّ ابْن أُخْت سعيد بن جُبَير، قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. قلت: لَكِن لَهُ شَاهد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي أَبْوَاب الزّهْد من «سنَنه» فِي بَاب [مجالسة] الْفُقَرَاء قَالَ: « (أَحبُّوا) الْمَسَاكِين فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا وأمتني مِسْكينا واحشرني فِي زمرة الْمَسَاكِين» وَإِسْنَاده أَيْضا ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن سِنَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 الرهاوي - وَقد ضَعَّفُوهُ - عَن [أبي] الْمُبَارك - وَهُوَ مَجْهُول، كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَالتِّرْمِذِيّ، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات - عَن عَطاء، عَن أبي سعيد عَنهُ. وغلا ابْن الْجَوْزِيّ فَذكر حَدِيث أبي سعيد هَذَا وَحَدِيث أنس السالف فِي «مَوْضُوعَاته» وَعلله بِمَا ذَكرْنَاهُ وَلم يذكر تَوْثِيق (أبي) الْمُبَارك، وَإِنَّمَا اقْتصر عَلَى من جَهله، وَالْحق أَن يذكر فِي الْأَحَادِيث الضعيفة، وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» - وَكَذَا أَعنِي حَدِيث أبي سعيد - بِدُونِ ذكر هذَيْن الرجلَيْن، وَحكم بِصِحَّتِهِ، قَالَ فِي أَوَائِل «مُسْتَدْركه» فِي أثْنَاء كتاب الرقَاق: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الْقَارئ، ثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، ثَنَا أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِي، ثَنَا خَالِد بن يزِيد بن أبي مَالك، عَن أَبِيه، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «أحيني مِسْكينا وتوفني (مِسْكينا) واحشرني فِي زمرة الْمَسَاكِين، وَإِن أَشْقَى الأشقياء من اجْتمع عَلَيْهِ فقر الدُّنْيَا وَعَذَاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 الْآخِرَة» ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قلت: لَكِن هَذَا مُخْتَلف فِيهِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَضْعِيفه، وَله (شَاهد) من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا واحشرني فِي زمرة الْمَسَاكِين» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُوسَى بن مُحَمَّد مولَى عُثْمَان بن عَفَّان، ثَنَا معقل بن زِيَاد [أبنا عبد الله بن زِيَاد] ثَنَا جناد بن أبي أُميَّة قَالَ: سَمِعت عبَادَة ... فَذكره، وَرَوَى حَدِيث أبي سعيد السالف بِسَنَد الْحَاكِم لَكِن بمتابع قَالَ: أبنا أَبُو (الْحُسَيْن) بن الْفضل الْقطَّان بِبَغْدَاد، أَنا أَبُو سهل بن زِيَاد بن الْقطَّان، ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ، ثَنَا سُلَيْمَان بن شُرَحْبِيل، ثَنَا خَالِد بن يزِيد بن أبي مَالك، عَن أَبِيه، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول: «يَا أَيهَا النَّاس، اتَّقوا الله، وَلَا تحملنكم (الْغيرَة) عَلَى أَن تَطْلُبُوا الرزق من غير حلّه، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: اللَّهُمَّ احشرني فِي زمرة الْمَسَاكِين وَلَا تحشرني فِي زمرة الْأَغْنِيَاء، فَإِن أَشْقَى الأشقياء من اجْتمع عَلَيْهِ فقر الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ. قَالَ أَصْحَابنَا: فقد استعاذ عَلَيْهِ السَّلَام من الْفقر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِي [حَدِيث شَيبَان عَن قَتَادَة، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه استعاذ من المسكنة والفقر» فَلَا يجوز أَن يكون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 استعاذته من] الْحَال الَّتِي [شرفها] فِي أَخْبَار كَثِيرَة، وَلَا من الْحَال الَّتِي سَأَلَ أَن يَحْيَى و (يُثَاب) عَلَيْهَا، وَلَا يجوز أَن يكون مَسْأَلته مُخَالفَة لما مَاتَ عَلَيْهِ السَّلَام فقد مَاتَ مكفيًا بِمَا أَفَاء الله عَلَيْهِ. قَالَ: وَوجه هَذِه الْأَحَادِيث عِنْدِي وَالله أعلم، أَنه استعاذ من فتْنَة الْفقر والمسكنة اللَّذين يرجع مَعْنَاهُمَا إِلَى الْقلَّة كَمَا استعاذ من فتْنَة الْغِنَى. قَالَ: وَذَلِكَ بَين، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ حَدِيث عَائِشَة السالف ثمَّ قَالَ: وَفِيه دلَالَة عَلَى أَنه إِنَّمَا استعاذ من فتْنَة الْفقر دون حَال الْفقر، وَمن فتْنَة الْغِنَى دون حَال الْغِنَى. قَالَ: وَأما قَوْله: «أحيني مِسْكينا وأمتني مِسْكينا» فَهُوَ إِن صَحَّ طَرِيقه فَفِيهِ نظر، فَالَّذِي يدل عَلَيْهِ حَاله عِنْد وَفَاته أَنه لم يسْأَل حَال المسكنة الَّتِي يرجع مَعْنَاهَا إِلَى الْقلَّة إِنَّمَا سَأَلَ المسكنة الَّتِي يرجع مَعْنَاهَا إِلَى الإخبات والتواضع فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ الله تَعَالَى أَن لَا يَجعله من الجبارين المتكبرين وَأَن لَا يحشره فِي زمرة الْأَغْنِيَاء (المسرفين) . قَالَ (القيبي) : والمسكنة حرف مَأْخُوذ من السّكُون، يُقَال: «تمسكن الرجل» إِذا لَان وتواضع وخشع، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام للْمُصَلِّي: «تبأس وتمسكن» يُرِيد تخشع وتواضع لله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 الحَدِيث السَّادِس قَالَ الرَّافِعِيّ مَا مَعْنَاهُ: أَن للمستدل أَن يسْتَدلّ عَلَى أَن الْفَقِير أحسن حَالا من الْمِسْكِين بِمَا نقل وَبِه افتخر. هَذَا الحَدِيث لَا أعرفهُ مرويًّا فِي كتاب حَدِيث، وَقَالَ الصغاني: إِن حَقه أَنه حَدِيث مَوْضُوع. وَكَذَا قَالَ غَيره مِمَّن أَدْرَكته من الْعلمَاء أَنه كذب لَا يعرف فِي شَيْء من كتب الْمُسلمين الْمَعْرُوفَة. الحَدِيث السَّابِع «أَنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاء بعده بعثوا السعاة لأجل الصَّدقَات» . هَذَا صَحِيح مستفيض عَنْهُم وَقد أوضحناه فِيمَا مَضَى من كتاب الزَّكَاة. الحَدِيث الثَّامِن الرَّافِعِيّ: وَفِي إِعْطَاء مؤلفة الْكتاب من غير الزَّكَاة قَولَانِ: أَحدهمَا: يُعْطون من خمس الْخمس؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعطيهم وَلنَا فِيهِ أُسْوَة حَسَنَة. هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث رَافع بن خديج وَعبد الله بن زيد الْمَازِني «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم يَوْم حنين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 مائَة من الْإِبِل» وَسَيَأْتِي إِعْطَاؤُهُ صَفْوَان بن أُميَّة من غَنَائِم حنين وَكَانَ كَافِرًا إِذْ ذَاك، وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث سهل بن أبي [حثْمَة] «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أدّى [عبد الله] بن سهل ثَمَانِيَة من إبل الصَّدَقَة» وَالْأَظْهَر أَنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - يؤلف بذلك قُلُوبهم لما أصيبوا بقتيلهم، وَأبْعد من تَأَوَّلَه بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا من إبل الصَّدَقَة. الحَدِيث التَّاسِع «أَنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - قَالَ لِمعَاذ: إِنَّك ستأتي قوما أهل كتاب فَإِذا جئتهم فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَإِنِّي رَسُول الله، فَإِن هم أطاعوا لَك بذلك فأعلمهم بِأَن عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنياءهم فَترد فِي فقرائهم» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَهُوَ (حَدِيث) صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَقد سبق بِطُولِهِ فِي الزَّكَاة. (الحَدِيث) الْعَاشِر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعْطى عُيَيْنَة بن حصن والأقرع بن حَابِس وَأَبا سُفْيَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 بن حَرْب وَصَفوَان بن أُميَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث رَافع بن خديج قَالَ: «أعْطى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَصَفوَان بن أُميَّة وعيينة بن حصن والأقرع بن حَابِس وعلقمة بن [علاثة] كل إِنْسَان مِنْهُم مائَة، وَأعْطَى عَبَّاس بن مرداس دون ذَلِك، فَقَالَ عَبَّاس بن مرداس: أَتجْعَلُ نَهبي ونَهب العُبَيْ د بَين عُيَيْنَة والأقرع فَمَا كَانَ بدر وَلَا حَابِس يَفُوقَانِ مرداس فِي مجمع وَمَا كنت (دون) امْرِئ مِنْهُمَا وَمن تخْفض الْيَوْم لَا يرفع قَالَ: فَأَتمَّ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائَة» . هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم، وَقد شهد لَهُ بذلك عبد الْحق أَيْضا، وَوهم صَاحب «التنقيب» فَادَّعَى أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ، فاجتنبه، وَزَاد ابْن إِسْحَاق فِي «السِّيرَة» أبياتًا عَلَى ذَلِك فَقَالَ: كَانَت نهابًا تلافيتهاِ بِكَرِّي عَلَى الْمهْر فِي الأجرع وإيقاظي الْقَوْم أَن يرقدوا إِذا هجع النَّاس لم أهجع فَأصْبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين عُيَيْنَة والأقرع وَقد كنت فِي الْحَرْب ذَا تدرإ فَلم أعْط شَيْئا وَلم أمنع إِلَّا (أفائل) أعطيتهَا (عديد) قَوَائِمهَا الْأَرْبَع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 فَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... الْبَيْت وَقَالَ فِي الثَّانِي «وَمن تضع» بدل «وَمن تخْفض» . فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوا عني لِسَانه» . فَأَعْطوهُ حَتَّى رَضِي وَكَانَ ذَلِك قطع لِسَانه الَّذِي أَمر بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ ابْن هِشَام: وحَدثني بعض أهل الْعلم «أَن عباسًا أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنْت الْقَائِل: فَأصْبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين الْأَقْرَع وعيينة قَالَ أَبُو بكر الصّديق: بَين عُيَيْنَة والأقرع. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هما وَاحِد. فَقَالَ أَبُو بكر: أشهد أَنَّك كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) . تَنْبِيه: قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا كَذَا قَالَ. فَائِدَة: العُبيد - بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة - اسْم فرس ابْن مرداس السّلمِيّ، وَكَانَ يُدعَى فِي الْإِسْلَام: فَارس العبيد، وَفِي الْجَاهِلِيَّة: فَارس فروه. وَذكر ابْن دَاوُد من أَصْحَابنَا أَن الشَّافِعِي (أَشَارَ) إِلَى تتميم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمِائَة لَهُ إِلَى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: لأجل تألفه. ثَانِيهمَا: لِئَلَّا تنحط رتبته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 الحَدِيث الْحَادِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعْطى عدي بن حَاتِم» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده صَاحب «الْمُهَذّب» وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديثه» نعم جزم بِهِ النَّوَوِيّ [فِي] «الأغاليط» المنسوبة إِلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيب لم أَجِدهُ فِي كتاب حَدِيث، وَالْمَعْرُوف أَن الصّديق هُوَ الَّذِي أعطَاهُ كَمَا ستعلمه فِي الْكَلَام عَلَى الْآثَار، وَكَانَت وفادة عدي بن حَاتِم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سنة تسع فِي شعْبَان وَقيل: سنة عشر، فَأسلم وَكَانَ نَصْرَانِيّا، وقصة إِسْلَامه مَذْكُورَة فِي كُتب الصَّحَابَة، وَأَنه لمَّا بُعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كرهه أَشد الْكَرَاهَة، وَلما مَاتَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَدِم عَلَى الصّديق فِي وَقت الرِّدَّة، فصدَّقه قومه، وَثَبت عَلَى الْإِسْلَام وَلم يرْتَد، وَثَبت قومه مَعَه ... . ذكره أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي «المعمرين» قَالُوا: عَاشَ مائَة سنة وَثَمَانِينَ سنة. وَكَانَ أحد الخطاطة؛ إِذا ركب الْفرس كَادَت رِجْليه تخط الأَرْض، وَكَانَ يفت الْخبز للنمل وَيَقُول هِيَ جارات، ولهن حق. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أَنه أعْطى الزبْرِقَان بْنَ بدر» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده صَاحب «المهذَّب» أَيْضا، وَلم يَعْزه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديثه» نَعَمْ جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي «الأغاليط عَلَى الْوَسِيط» (المنسوبة) إِلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيب أَيْضا، وَالْمَعْرُوف مِنْ حَاله: كَانَ سيِّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة عَظِيم القدْر فِي الْإِسْلَام، وَكَانَ من (السُّعَدَاء) الْمُحْسِنِينَ، ووفد عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي وَفد بني سهم، مِنْهُم: قيس بن عَاصِم الْمنْقري، فأسلموا، وأجارهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأحْسَنَ جوارهم، وَذَلِكَ سنة سَبْعٍ، وولاَّه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صدقَات قومه فِي عَوْف؛ فأدّاها فِي الرِّدَّة إِلَى أبي بكر، فأقره أَبُو بكر عَلَى الصَّدَقَة، وَكَذَلِكَ (عمر) . فَائِدَة: الزبْرِقَان اسْمه: [الْحصين] وَقيل: الْقَمَر، وَفِي كنيته قَولَانِ: أَحدهمَا: أَبُو عَبَّاس، وَثَانِيهمَا: للبسه عِمَامَة مزوَّقة بالزعفران. . حَكَاهُ ابْن السّكيت والجوهريُّ وغيرَهما والزبرقان: بِكَسْر الزَّاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ ابْن البرزي فِي «غَرِيب المهذَّب» : (يفتحان) أَيْضا. تَنْبِيه: أغرب ابْن [معن] فَقَالَ فِي «تنقيبه» فِي هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله: أخرجهُمَا البُخَارِيّ، وَمُسلم. وَهَذَا من الْعجب العجاب؛ فَالَّذِي فِي «الصَّحِيحَيْنِ» حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي فضل بني [تَمِيم] ، فِيهِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 «وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَذِه صدقَات قَومنَا» . هَذَا مَا (فِيهِ) وَلَيْسَ فِيهِ أَن (أَعْطَاهُم) مِنْهَا. وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث عديّ بن حَاتِم قَالَ: «أتيتُ عُمرَ فِي أناسٍ من قومِي، فَجعل يفْرض [للرجل] مِنْ طَيء فِي أَلفَيْنِ، ويُعرض عني، [قَالَ: فاستقبلته فَأَعْرض عني، ثمَّ أَتَيْته من حِيَال وَجهه فَأَعْرض عني، قَالَ:] فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: أتعرفني؟ قَالَ: فَضَحِك حَتَّى اسْتَلْقَى لقفاه، قَالَ: نَعَمْ واللهِ إِنِّي لأعرفك، آمنتَ إِذْ كفرُوا، وأقبلتَ إِذْ أدبروا، ووافيتَ إِذْ غدروا - زَاد خَ: «وعرفتَ إِذا أَنْكَرُوا» [وَإِن] أول صَدَقَة بيضت وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[ووجوه] أَصْحَابه صَدَقَة طَيء، جئتَ بهَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ أَخذ يعْتَذر، قَالَ: إِنَّمَا فرضتُ لقوم أجحفت بهم الْفَاقَة وَهُمْ [سادة] عَشَائِرهمْ لما [ينوبهم] من الْحُقُوق» . فصل: اعلمْ: أَن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لمّا ذكر أَن مؤلفة الْمُسلمين عَلَى أصنافٍ، مِنْهُم: مَنْ نِيَّته ضَعِيفَة فِي الْإِسْلَام، ويُرْجى بإعطائه ثباته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 وَمِنْهُم: مَنْ يُرْجى بإعطائه رَغْبَة نظرائه فِي الْإِسْلَام. قَالَ: وَفِي هذَيْن الصِّنْفَيْنِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يعطيان تأسيَّاً برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَإِنَّهُ أعْطى بِالْمَعْنَى الأوَّل: عيينةَ بْنَ حصن، والأقرع بن حَابِس، وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب، وَصَفوَان بن أُميَّة، وبالمعنى الثَّانِي: عديَّ بن حَاتِم، والزبرقان بن بدر. هَذَا كَلَامه، وَكَذَا ذكره فِي «الشَّرْح الصَّغِير» أَيْضا، وقلَّد فِي الأول القَاضِي حُسَيْن وَصَاحب «المهذَّب» وَفِي الثَّانِي: صَاحب «التَّتِمَّة» و (أعتدوهم) كَانَ من الْغَنِيمَة؛ لِأَن ذَلِك كَانَ فِي وقْعَة حُنين من أَمْوَال هوَازن، لَا من الزَّكَاة. فأمَّا عُيَيْنَة بن حصن فَلَا إِشْكَال فِي عدّه من الْمُؤَلّفَة، وَقد نَصَّ عَلَى ذَلِك غيرُ وَاحِد، وَكَانَ أَيْضا من الْأَعْرَاب الجفاة، قيل: إِنَّه دخل عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من غير إِذن؛ فَقَالَ لَهُ: أَيْن الْإِذْن؟ فَقَالَ: مَا استأذنتُ عَلَى أحدٍ من مُضر. أسلم بعد الْفَتْح، وَقيل: قبله، وَكَانَ مِمَّن أرتد، وَتبع طَلْحَة وَقَاتل مَعَه، وَأخذ أَسِيرًا، وحُمل إِلَى أبي بكر، فَكَانَ صبيان الْمَدِينَة يَقُولُونَ: [يَا عَدو الله أكفرت] بعد إيمانك؟ فَيَقُول: مَا آمَنت بِاللَّه طرفَة. فَأسلم، فَأَطْلقهُ أَبُو بكر. وَأما الْأَقْرَع بن حَابِس فَلَا شكّ فِي عدّه من الْمُؤَلّفَة أَيْضا، وَقد تقدم إِعْطَاؤُهُ يَوْم حنين عَن «صَحِيح مُسلم» وَكَانَ حضر مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فتح مَكَّة وحُنينًا، وَحضر الطَّائِف، فلمَّا قَدِم وفْدُ بني [تَمِيم] كَانَ مَعَهم، فلمَّا قدم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 الْمَدِينَة ذكر قصَّة طَوِيلَة فِي آخرهَا: أَنه أسلم، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَام -: «لَا يَضرك مَا كَانَ قبلهَا» . وَأما أَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فَلَا إِشْكَال فِي عدّه مِنْهُم، وَقد أسلم عامَ الْفَتْح وحَسُنَ إِسْلَامه، وَأَعْطَاهُ من غَنَائِم حنين - وَقد شَهِدَهَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائةَ بعير، كَمَا سلف، وَأَرْبَعين أُوقية، وَأعْطَى ابنيه يزِيد وَمُعَاوِيَة كلَّ واحدٍ مثله، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي «الأغاليط» الَّذِي لَهُ عَلَى «الْوَسِيط» : إِن إِعْطَاؤُهُ أَبَا سُفْيَان كَانَ لضعف نِيَّته فِي الْإِسْلَام كالأقرع وعيينة، وَاعْترض ابْن [معن] فى «تنقيبه عَلَى المهذَّب» فَقَالَ: جَعْله أَبَا سُفْيَان قسم من أسلم وَنِيَّته ضَعِيفَة، لَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ أعطَاهُ قبل أَن يسلم، ثمَّ أسلم بَعْد. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَأما صَفْوَان بن أُميَّة فَفِي عدِّه من مؤلفة الْمُسلمين (وَفِيه أَيْضا) فقد ثَبت فِي أَفْرَاد «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث ابْن شهَاب قَالَ: «غزا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَزْوَة الفتحِ فَتْحَ مَكَّة، ثمَّ خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بمَنْ مَعَه من الْمُسلمين، فَاقْتَتلُوا بحُنَين، فنصر الله دِيْنَه وَالْمُسْلِمين، وَأعْطَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمئِذٍ صَفْوَان بن أُميَّة مائَة مَِنَ النعم، ثمَّ مائَة، ثمَّ مائَة» . قَالَ ابْن شهَاب: حَدثنِي سعيد بن الْمسيب: أَن صَفْوَان قَالَ: واللهِ لقد أَعْطَانِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإنَّهُ لأبغض النَّاس إليَّ، فَمَا برح يعطيني حَتَّى إِنَّه لأحب النَّاس إليَّ. وَالظَّاهِر أَنه كَانَ كَافِرًا وَالْحَالة هَذِه، بل صرَّح بذلك الرَّافِعِيّ نَفسه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 فِي كتاب «السّير» حَيْثُ قَالَ: شهد صَفْوَان حَرْبَ حنين مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ مُشْرك وَسَبقه بذلك الشَّافِعِي فَقَالَ فِي «الْمُخْتَصر» : وَأعْطَى صَفْوَان بن أُميَّة، وَلم يعلم، وَلكنه أَعَارَهُ أداته، فَقَالَ فِيهِ [عِنْد] الْهَزِيمَة أحسن [مِمَّا] قَالَ بعض من أسلم من أهل مَكَّة عَام الْفَتْح؛ وَذَلِكَ أَن الْهَزِيمَة كَانَت فِي أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم حنين أول النَّهَار، فَقَالَ لَهُ رجل: غلبت هوَازن، أَو قتل مُحَمَّد. فَقَالَ صَفْوَان: بفيك الْحجر، فواللهِ لرب من قُرَيْش أحب إليَّ من رب هوَازن. وَأسلم قومُه من قُرَيْش، وَكَأَنَّهُ لَا يشك فِي إِسْلَامه. هَذَا لَفظه بِرُمَّتِهِ، وَهَذَا الرجل الْقَائِل عِنْد الْهَزِيمَة مَا تقدم هُوَ: أَبُو سُفْيَان كَمَا نبَّه الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الصّباغ وَغَيرهمَا قَالُوا: وَكَانَ صَفْوَان داهية فِي الْإِسْلَام، واستعار مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام فأعاره مائَة درع، وَحضر مَعَه حُنينًا، فلمّا انجلت الْوَقْعَة أعطَاهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهَا مائَة بعير، فألفَّه بهَا، فلمَّا رَآهَا وَقد امْتَلَأَ بهَا الْوَادي قَالَ: واللهِ هَذَا عَطاء مَنْ لَا يخَاف الْفقر. قَالَ: ثمَّ أسلم بعد ذَلِك. وَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِي فِي «الأمُ» عَلَى أَنه أعطَاهُ قَبْل أَن يسلم. وَكَذَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» أَيْضا، فَقَالَ: أعْطى صفوانَ قبل أَن يسلم) وَكَانَ (كَأَنَّهُ) لَا يشك فِي إِسْلَامه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 قلت: لأجْل نِيَّته فِي الْإِسْلَام، وَلِهَذَا «لمَّا ضَاعَ بعض أدراعه عرض عَلَيْهِ رَسُول (أَن يضمنهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنا الْيَوْم فِي الْإِسْلَام أرغبُ يَا رَسُول الله» . رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ. وَفِي (أبي) دَاوُد: «لَا يَا رَسُول الله؛ لِأَن فِي قلبِي الْيَوْم مَا لم يكن يَوْمئِذٍ» . وَقد ذكر هَذَا الموضعَ الغزاليُّ فِي «وسيطه» عَلَى الصَّوَاب، فَقَالَ: وَقد أعْطى صَفْوَان بن (أُميَّة) فِي حَال كفره ارتقابًا لإسلامه. وَخط النَّوَوِيّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي «الأغاليط المنسوبة إِلَيْهِ» : هَذَا غلط صَرِيح بالِاتِّفَاقِ من أَئِمَّة النَّقْل وَالْفِقْه، بل إِنَّمَا أعطَاهُ بعد إِسْلَامه؛ لِأَن نيَّته كَانَت ضَعِيفَة فى الْإِسْلَام ... انْتَهَى. وَهَذَا عجبٌ من النَّوَوِيّ؛ كَيفَ جعل الصَّوَاب غَلطا صَرِيحًا؟ ! ثمَّ ادَّعى الِاتِّفَاق عَلَيْهِ؟ ! وَقد سبق بالاستدراك عَلَيْهِ صَاحب «الْمطلب» فَقَالَ: عجيبٌ من النَّوَوِيّ، كَيفَ قَالَ ذَلِك؟ ! نَعَمْ الرافعيُّ وطائفةٌ - مِنْهُم: ابْن أبي الدَّم - قَالُوا: مَا ذكره، ثمَّ قَالَ: وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. وَذكر فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب السالف عَن مُسلم، وَلكنه عزاهُ إِلَى التِّرْمِذِيّ وَحده، فِي قَول صَفْوَان بن أُميَّة السالف «أَعْطَانِي ... » إِلَى آخِره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 احْتِمَالَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون أعطَاهُ قبل أَن يسلم، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَثَانِيهمَا: أَن يكون بعد إِسْلَامه. قلت: وَهَذَا عجيبٌ، فقد (رَوَى) ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه «أُسْد الغابة» : أَن الْإِعْطَاء قَبْل الْإِسْلَام، وَأَنه شهد حنينًا كَافِرًا؛ فارتفع الْخلاف، وَللَّه الْحَمد. وَأما عدي بن حَاتِم، والزبرقان بن بدر؛ فَلم أر أحدا غَيرهمَا من الْمُؤَلّفَة، وَقد جمع ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تلقيحه» الْمُؤَلّفَة من كَلَام ابْن عَبَّاس وَابْن إِسْحَاق وَمُقَاتِل، وَمُحَمّد بن حبيب فِي « (محبره) » ، وَابْن قُتَيْبَة، فَلم يذكرهما فيهم. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحل الصَّدَقَة إِلَّا لخمسةٍ ... » وَذكر مِنْهُم «الْغَارِم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فى «سنَنه» مِنْ طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحل الصَّدَقَة لغنيٍّ، إِلَّا لخمسة: لغاز فِي سَبِيل الله، أَو لعامل عَلَيْهَا، أَو لغارم، أَو لرجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو لرجلٍ كَانَ لَهُ جَاره مِسْكين فَتصدق عَلَى المسكينِ؛ (فأهدى) المسكينُ للغني» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 وَكَذَلِكَ أخرجه مَالك فِي «موطئِهِ» مُرْسلا. ثَانِيهَا: عَن عَطاء عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَعْنَاهُ، كَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه مُتَّصِلا، كَمَا ذكره أَبُو دَاوُد بِاللَّفْظِ الأول (مَعَ) تقديمٌ وتأخيرٌ، وَقَالَ: «أَو غنيّ اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو فَقير تصدق عَلَيْهِ فأهداها لَغَنِيّ» يدل عَلَى مَا تقدم. وَرَوَاهُ الْبَزَّار مُتَّصِلا من طَرِيقين إِلَى أبي سعيد مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَحْمد مُتَّصِلا أَيْضا، وَاخْتلف الْحفاظ (أَيهمَا) أصح: طَريقَة الْوَصْل أَو طَريقَة الْإِرْسَال؟ فصحح الثَّانِي طائفةٌ؛ فَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : أَن الثَّوْريّ أرْسلهُ، وَنقل عَن أَبِيه أَن الْإِرْسَال أشبه. كَذَا نَقله عَن الثَّوْريّ، وَسَيَأْتِي عَن الْبَيْهَقِيّ مَا يُخَالِفهُ، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث حدَّث بِهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر، وَالثَّوْري عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيدٍ، قَالَه ابْن عَسْكَر، وَقَالَ غيرُه: عَن عد الرَّزَّاق عَن معمر وَحده، وَهُوَ أصح. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن مهْدي، عَن الثَّوْريّ، عَن زيد بن أسلم قَالَ: حَدثنِي الثبْتُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يسم رجلا، وَهُوَ الصَّحِيح. وَصحح طَائِفَة الأول، قَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بعد أَن أخرجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 فِيهِ من حَدِيث (عَطاء عَن أبي سعيد مَرْفُوعا بِلَفْظ أبي دَاوُد الْمُرْسل: هَذَا حَدِيث) صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَإِنَّمَا لم يخرجَاهُ لإرسال مَالك بن أنس إِيَّاه، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء. قَالَ: وَهَذَا من شرطي أَنه صَحِيح، فقد يُرْسل مالكٌ (الحديثَ أَو يصله أَو يَقِفُهُ) فَالْقَوْل قَول الثِّقَة الَّذِي يصله ويسنده. وَقَالَ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» : هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ غيرُ واحدٍ، عَن زيد، عَن عَطاء مُرْسلا، وأسنده عبد الرَّزَّاق عَن: معمر، وَالثَّوْري قَالَ: (وَإِذا) حدَّث بِالْحَدِيثِ ثقةٌ كَانَ عِنْدِي الصَّوَاب، وَعبد الرَّزَّاق عِنْدِي ثِقَة، وَمعمر ثِقَة، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا الحَدِيث وَصله جمَاعَة من رِوَايَة زيد بن أسلم. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِسْنَاده ثِقَات. وَجمع الْبَيْهَقِيّ طُرُقَهُ، وفيهَا: أَن مَالِكًا، وَابْن عُيَيْنَة (أرسلا) وَأَن معمرًا، وَالثَّوْري (وصلا) وهما من جُلَّة الْحفاظ المعتمدين، وَالصَّحِيح إِذن أَن الحُكم للمتصل كَمَا صرَّح بِهِ أهل هَذَا الْفَنّ والأصوليون. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا مُخْتَصرا، وَذكره بَعْدُ مطولا بِلَفْظ أبي دَاوُد، وَجُمْهُور المصنفين عَلَى جَوَاز تقطيع الحَدِيث إِذا لم (يخل) بِالْمَعْنَى، وَهَذَا مِنْهُ، ومِنْ أَكْثَرهم اسْتِعْمَالا لهَذَا البخاريُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 فِي «صَحِيحه» وناهيك بِهِ قُدْوَة. الحَدِيث الرَّابِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا يُصْرَف شيءٌ من الصَّدقَات إِلَى المرتزقة كَمَا لَا يُصْرف شيٌ (من الْفَيْء) إِلَى المتطوعة، وَعَلَى ذَلِك جَرَى الْأَمر فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سبق بعض ذَلِك فِي الْبَاب قبله أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا هَذِه الصَّدقَات أوساخ النَّاس، وَإِنَّهَا لَا تحل لمحمدٍ وَلَا لآل مُحَمَّد» . هَذَا الحَدِيث بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد ذكر الرَّافِعِيّ مِنْهُ قطعا، فلنذكره هُنَا بِكَمَالِهِ، ونُحيل مَا (نذكرهُ) بعده عَلَيْهِ، فَنَقُول: رَوَى مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الْمطلب (بن ربيعَة بن الْحَارِث قَالَ: «اجْتمع ربيعَة بن الْحَارِث وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب) فَقَالَا: لَو بعثنَا هذَيْن الغلامين - (قَالَ) لي وللفضل بن الْعَبَّاس - إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فكلَّماه، فأمَّرَهما عَلَى هَذِه الصَّدقَات، فأدَّيَا مَا يُؤدِّي النَّاس، وأصابا مَا يُصِيب النَّاس، فَبَيْنَمَا هما فِي ذَلِك إِذْ جَاءَ عَلّي بن أبي طَالب فَوقف عَلَيْهِمَا، فَذكر لَهُ ذَلِك، فَقَالَ عَلّي: لَا تفعلا، فواللهِ مَا هُوَ بفاعلٍ. فانْتَحَاهُ ربيعةُ بن الْحَارِث فَقَالَ: واللهِ مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 تصنع هَذَا إِلَّا نفاسة مِنْك علينا، (فوَاللَّه) لقد كنت صِهْرَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَمَا نفسناه عَلَيْك. قَالَ عَلّي: أرسلوهما. (فَانْطَلقَا) ، واضطجع عَلّي، قَالَ: فلمَّا صَلَّى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الظُّهْرَ سبقناه إِلَى الْحُجْرَة، فقمنا عِنْدهَا حَتَّى جَاءَ فَأخذ بآذاننا، ثمَّ قَالَ: أخرجَا مَا تُصرران، ثمَّ دخل ودخلنا (مَعَه) وَهُوَ يَوْمئِذٍ عِنْد زَيْنَب بنت جحش، قَالَ: فتواكلنا الكلامَ، ثمَّ تكلم أحدُنا فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَنْت أبرُّ الناسِ وأوصلُ الناسِ، وَقد بلغْنَا النكاحَ؛ فَجِئْنَا لتؤمِّرنا عَلَى بعض هَذِه الصَّدقَات، فنؤدّي إِلَيْك كَمَا يُؤَدِّي الناسُ، وَنصِيب كَمَا يصبون. قَالَ: فَسكت طَويلا حَتَّى أردنَا أَن نكلمه، قَالَ: وجعلتْ زينبُ تُلمع إِلَيْنَا من وَرَاء الْحجاب: أَن لَا تكلماه ثمَّ قَالَ: إِن الصَّدَقَة لَا تنبغي لآل محمدٍ، إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس، ادْعُوا لي محمية - وَكَانَ عَلَى الخُمس - وَنَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب. قَالَ: فجاءاه، فَقَالَ لمحمية: أنكح هَذَا الْغُلَام ابْنَتك - للفضل بن عَبَّاس - فأنكحه، وَقَالَ لنوفل بن الْحَارِث: أنكح هَذَا الْغُلَام ابْنَتك [لي] فأنكحني، وَقَالَ (لمحمية) : أصدق عَنْهُمَا من الخُمس كَذَا وَكَذَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن هَذِه الصَّدقَات إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس، وَإِنَّهَا لَا تحل لمحمدٍ وَلَا لآلِ مُحَمَّد» وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مسلمٍ، بل لم يخرّج البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن عبد الْمطلب بن ربيعَة شَيْئا. فَائِدَة: مَعْنَى «انتحاه» : عرض لَهُ، وَقَوله: مَا تُصَرِّران: أَي: مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 جَمعْتُمَا فِي صدوركما وعزمتما عَلَى إِظْهَاره، وكلُّ شَيْء جمعته فقد صررته. والنفاسة: الْبُخْل، أَي بخلا مِنْك علينا. والتواكل: أَن يكل وَاحِد أمره إِلَى صَاحبه ويتكل عَلَيْهِ فِيهِ، يُرِيد: أنْ يَبْتَدِئ صَاحبه بالْكلَام دونه، وَقَوله: [أَنا أَبُو حسن] الْقَوْم» : قَالَ الْخطابِيّ: أَكثر الرِّوَايَات «الْقَوْم» بِالْوَاو، وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ «القرم» بالراء، يُرِيد بِهِ: المقدَّم فِي الرَّأْي والمعرفة بالأمور والتجارب. الحَدِيث (السَّادِس) عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نَحن وَبَنُو الْمطلب شيءٌ وَاحِد، وَشَبك بَين أَصَابِعه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جُبَير بن مطعم، كَمَا سلف فِي الْبَاب قَبْله وَاضحا. الحَدِيث السَّابِع عشر «أَن الْفضل بن الْعَبَّاس، وَعبد الْمطلب بن ربيعَة سَأَلَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يؤمِّرُهما عَلَى بَعْض الصَّدَقَة، فَقَالَ: إِن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد؛ إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس» . هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ قَرِيبا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 الحَدِيث الثَّامِن عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عَاملا، فَقَالَ لأبي رَافع مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اصحبني كَيْمَا نصيب من الصَّدَقَة، فَسَأَلَ أَبُو رَافع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن الصَّدَقَة لَا تحل لنا، وَإِن مولَى الْقَوْم من أنفسهم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بإسنادٍ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ من حَدِيث أبي رَافع قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا عَلَى الصَّدَقَة من بني مَخْزُوم، قَالَ أَبُو رَافع: فَقَالَ لي: اصحبني؛ فإنَّكَ تُصيبُ مِنْهَا معي. قلت: حَتَّى أسأَل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَانْطَلق إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مولَى الْقَوْم من أنفسهم، وَإِنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة» . هَذَا لَفظهمْ خلا النَّسَائِيّ، وَلَفظه: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتعْمل رجلا من بني مَخْزُوم عَلَى الصَّدَقَة، فَأَرَادَ أَبُو رَافع أَن يتبعهُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الصَّدَقَة لَا تحل لنا، وَإِن مولَى الْقَوْم مِنْهُم» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ الْجَمَاعَة ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 الشَّيْخَيْنِ. وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» : يرويهِ الحكم، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ شُعْبَة عَن (الحكم) ، عَن ابْن أبي رَافع عَن أَبِيه، وَقَالَ: عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة مثله، وَكَذَلِكَ قَالَ: أُسَامَة عَن شُعْبَة، وَقَالَ الْحجَّاج بن أَرْطَاة: عَن الحكم «أَن أَبَا رَافع سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا من الصَّدَقَة، فَقَالَ: لَا تحل للنَّبِي) . وَلَا لأحدٍ من أَهله ومولاهم» . فَيكون مُرْسلا. فَائِدَة: اسْم أبي رَافع: إِبْرَاهِيم، عَلَى أحدِ الْأَقْوَال، ثَانِيهَا: أسلم، ثَالِثهَا: ثَابت، رَابِعهَا: هُرْمُز، خَامِسهَا: صَالح ... حَكَاهُ ابْن [معن] فِي «تنقيبه» ، وَهُوَ قبْطِي. فَائِدَة ثَانِيَة: اسْم هَذَا الرجل الْمَبْعُوث: الأرقم بن أبي الأرقم المخزوميّ الْقرشِي، كَمَا صرَّح بِهِ النَّسَائِيّ والخطيب وَغَيرهمَا، وكنيته: أَبُو عبد الله، وَهُوَ الَّذِي استخفى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَكَّة فِي أَسْفَل الصَّفَا حَتَّى كملوا أَرْبَعِينَ رجلا آخِرهم الْفَارُوق، وَهِي الَّتِي تعرف بدار الخيزران. الحَدِيث (التَّاسِع) عشر قَالَ الرَّافِعِيّ لمَّا حَكَى عَن الْإِصْطَخْرِي: أَن آلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 وَالسَّلَام إِذا انْقَطع خُمس الخُمس عَنْهُم يجوز صرف الزَّكَاة إِلَيْهِم - عللَّه بِأَن الخُمْس عِوَض عَنْهَا عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الحَدِيث: «أَلَيْسَ فِي خُمْس الخُمْس مَا (يكفيكم) عَن أوساخ النَّاس؟» هَذَا الحَدِيث سبق أَصله بِطُولِهِ بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَقد أخرجه مَعَ مُسلم أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فَلم يذكراها، و (بيض) لَهَا الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث المهذَّب» . ( ... .) ورأيتُها فِي كتاب «معرفَة الصَّحَابَة» لِلْحَافِظِ أبي نعيم فِي تَرْجَمَة نَوْفَل بن الحارِث بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي، فَقَالَ أَنا حبيب بن الْحسن، ثَنَا يُوسُف القَاضِي، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، ثَنَا (مُعْتَمر) بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن حَنش، عَن عِكْرِمَة: «أَن نوفلاً قَالَ لابْنَيْهِ: انْطَلقَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَعَلَّه يستعملكما عَلَى الصَّدقَات. فَقَالَ لَهما النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا أُحل لكم أهل الْبَيْت من الصَّدقَات شَيْئا وَلَا غسالة الْأَيْدِي، إِن لكم فِي خُمْس الخُمْس مَا يكفيكم أَو يغنيكم» . قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ عَلّي بن عَاصِم، عَن حَنش نَحوه وَرَوَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن معَاذ بن الْمثنى، ثَنَا مُسَدّد، حَدثنَا [مُعْتَمر] (بن سُلَيْمَان) قَالَ: سَمِعت أبي يحدِّث، عَن حَنش، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس؛ فساقه بأطول مِمَّا تقدم، إِلَّا أَن اللَّفْظ وَقَالَ: «لما يكفيكم» بِاللَّامِ بدل «مَا يكفيكم» . وحنش هَذَا إِن كَانَ ابْن الْمُعْتَمِر فَهُوَ (لين الحَدِيث) وَإِن كَانَ الرَّحبِي فقد ضَعَّفُوهُ. تَنْبِيه: رَوَى الْعقيلِيّ رِوَايَة غَرِيبَة فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» وَهِي بعد قَوْله: «إِن الصَّدَقَة لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد» : و «لَكِن انْظُرُوا إِذا أخذتُ بِحَلقَة بَاب الْجنَّة هَل أُوثر عَلَيْكُم أحدا» . قَالَ الْعقيلِيّ: أما أوَّل الحَدِيث فقد رُوي بإسنادٍ جيدٍ، وَآخره لَا يُحْفظ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أَن رجلَيْنِ سَأَلَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الصَّدَقَة، فَقَالَ: إِن شئتُما (أعطيتُكما) ولاحظ فِيهَا لغنيِّ وَلَا لذِي قوةٍ مكتسب» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أوَّل الْبَاب وَاضحا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث قبيصَة بن الْمخَارِق: «حَتَّى يشْهد أَو يتَكَلَّم ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه» . وَذَلِكَ أَن قبيصَة قَالَ: «تحملتُ حمالَة؛ فأتيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلته فَقَالَ: نؤدِّيها عَنْك، أَو نخرجها عَنْك إِذا قَدِمتَ، نِعْمَ الصَّدَقَة يَا قبيصَة، إِن (الْمَسْأَلَة) حرمتْ إِلَّا فِي ثَلَاث: رجل تحمَّل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُؤَدِّيهَا ثمَّ يمسك، وَرجل أَصَابَته فاقةٌ أَو حَاجَة حَتَّى يشْهد أَو يتَكَلَّم ثلاثةٌ مِنْ ذَوي الحجى مِنْ قومه أَن بِهِ فاقة أَو حَاجَة، فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب سدادًا من عيشٍ أَو قِوَامًا من عيشٍ ثمَّ يمسك، (أَو [رجل] أَصَابَته جَائِحَة فاجتاحت مَاله، فَحُلَّتْ لَهُ الصَّدَقَة حَتَّى يُصِيب سدادًا من عيشٍ أَو قوامًا من عيشٍ ثمَّ يمسك) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك سَوَاء، بِزِيَادَة: «وَمَا سُوَى ذَلِك من الْمَسْأَلَة (فسحت) » . قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» : وَبِهَذَا نَأْخُذ. وَرَوَاهُ مُسلم (فِي) «صَحِيحه» بلفظٍ آخَر قدَّمْتُه فِي بَاب التَّفْلِيس، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ (أقِم) حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَة، فإمَّا أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 (نحملها) أَو نعينك بهَا» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك، وَزَاد: «عَنْك» بعد «نحملها» . فَائِدَة: «أَو» فِي «أَو نُخْرجها» وَفِي «أَو حَاجَة» وَفِي «أَو يتَكَلَّم» وَفِي «أَو قوامًا» : كُله شكّ من الرَّاوِي، كَمَا نبَّه عَلَيْهِ الرافعيُّ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَعَثَ معَاذًا إِلَى الْيمن فَقَالَ: أعلمهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة، تُؤْخَذ من أغنيائهم فتردُّ عَلَى فقرائهم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم فِي الْبَاب أَيْضا. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غدوتُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعَبْد الله بن أبي طَلْحَة ليحنكه، فوافيتُ فِي يَده الميسم يسم إبل الصَّدَقَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه كَذَلِك؛ قَالَ شُعْبَة: وَأكْثر عِلْمِي أَنه قَالَ: «فِي آذانها» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد، وَابْن مَاجَه: «يسم غنما فِي آذانها» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيكرهُ الوسم فِي الْوَجْه، وَقد ورد النَّهْي عَنهُ فِي رِوَايَة جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَرَّ عَلَيْهِ حمارٌ وَقد وُسِمَ فِي وَجهه، فَقَالَ: لعن الله الَّذِي وسمه» . وَله فِي لفظٍ آخرٍ: قَالَ: «رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمارا قد وُسِمَ فِي وَجهه يدخن مَنْخرَيْهِ، فَقَالَ: لعن الله من فعل هَذَا، ألم أَنْه أَنَّه لَا يسم أحدٌ الْوَجْه، وَلَا يضْرب أحدٌ الْوَجْه» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «أَنه مُرَّ عَلَيْهِ بحمارٍ وَقد وسم فِي وَجهه، فَقَالَ أما بَلغَكُمْ أَنِّي لعنتُ مَنْ وسم الْبَهِيمَة فِي وَجههَا، أَو ضربهَا فِي وَجههَا. فَنَهَى عَن ذَلِك» . إِذا علمتَ ذَلِك، فَلَا يَنْبَغِي التَّعْبِير عَن مثل هَذَا الحَدِيث بلفظٍ ورد، وَإِن كَانَ فِي عنعنة (أبي) الزبير عَن جَابر وَقْفَة لبَعض الْحفاظ، عَلَى أَنه قد رُوي من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة، أحدهم: ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حمارا مَوْسُوم الْوَجْه، فَأنْكر ذَلِك قَالَ: فوَاللَّه لَا أُسَمِّهِ إِلَّا [فِي أقْصَى] شَيْء من الْوَجْه، فَأمر بحمارٍ لَهُ فكوي فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 جَاعِرَتَيْهِ، فَهُوَ أوّل من كوى الْجَاعِرَتَيْنِ» . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ أَيْضا. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لعن من يسم فِي الْوَجْه» . ثانيهم: طَلْحَة بن عبيد الله: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (نهَى عَن الوسم أَن يوسم فِي الْوَجْه، قَالَ: ومُرَّ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) بِبَعِير قد وُسِمَ فى وَجهه، فَقَالَ نحّوا النَّار عَن وَجه هَذِه الدَّابَّة، فَقلت: لأَسَمِنَّ فِي أبعد مَكَان، فوسمت فِي عجب الذَّنب» . رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يُروى عَن طَلْحَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. ثالثهم ورابعهم وخامسهم: الْعَبَّاس، وجنادة بن [جَراد] ، ونقادة، رواهن الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» قَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» ورُوي أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وَعبادَة. فَائِدَتَانِ: الأولَى: الْمَحْفُوظ فى الوسم الإهمال، وَبَعْضهمْ حَكَى الإعجام أَيْضا، وَبَعْضهمْ فرَّق فَقَالَ: هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْه وبالمعجمة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 فِي سَائِر الْجَسَد ... ذكره كلَّه القَاضِي عِيَاض وَغَيره. والجاعرتان هما حرفا الورك المشرفان مِمَّا يلى الدبر. الثَّانِيَة: الْقَائِل فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: «فواللَّهِ لَا أُسَمِّهِ إِلَّا [فِي أقْصَى] شَيْء من الْوَجْه» هُوَ: الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، كَذَا ذكره أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وصرَّح بِهِ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» . وَكَذَا صرَّح بِهِ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» قَالَ القاضى عِيَاض: وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم مُشكل يُوهم أَنه من قَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَالصَّوَاب أَنه العبَّاس. وَاعْترض عَلَيْهِ النووى فَقَالَ فِي «شَرحه» : قَوْله «يُوهم» : ذَلِك لَيْسَ بِظَاهِر (بل ظَاهِرَة) أَنه من كَلَام ابْن عَبَّاس، وَحِينَئِذٍ يجوز أَن يكون جرت الْقِصَّة للْعَبَّاس ولابنه. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فخمسة: أَحدهَا: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه شرب لَبَنًا فأعجبه، فأُخْبِرَ أَنه من نعم الصَّدَقَة، فَأدْخل إصبعه واستقاءه» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ عَن زيد بْنِ أسلم أَنه قَالَ: «شرب عمر بن الْخطاب لَبَنًا فأعجبه، فَسَأَلَ الَّذِي سقَاهُ: مِنْ أَيْن لَك هَذَا اللَّبن؟ فَأخْبر أَنه ورد عَلَى مَاء قد سَمَّاهُ، فَإِذا بنعم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 من نعم الصَّدَقَة وهم يسقون، فحلبوا لنا من أَلْبَانهَا، فَجَعَلته فِي سقائي هَذَا، فَأدْخل عُمر إصبعه فاستقاء» . زَاد الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» : «وَغرم قِيمَته من الْمصَالح» . وَهُوَ مَا فِي بعض الشُّرُوح، كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ صاحبُ «الْمطلب» وَفِي «النِّهَايَة» : «أَنه غرم قِيمَته من الصَّدقَات» . وَقد أوضحتُ الْكَلَام عَلَى هَذَا الْأَثر فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ. الْأَثر الثَّانِي: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه أعْطى عدي بن حَاتِم، كَمَا أعْطى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن (الْحَاكِم عَن) الْأَصَم، عَن الرّبيع قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: للمؤلفة قُلُوبهم فِي قسم الصَّدقَات سَهْمٌ، قَالَ: وَالَّذِي أحفظُ فِيهِ من مُتقدم الْأَخْبَار: «أَن عدي بن حَاتِم جَاءَ إِلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَحْسبهُ قَالَ: بثلاثمائة من الْإِبِل من صدقَات قومه (فَأعْطَاهُ أَبُو بكر مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَأمره أَن يلْحق خَالِد بن الْوَلِيد بِمن أطاعه من قومه) فَجَاءَهُ بزهاء ألف رجلٍ (وأبلى بلَاء) حسنا» قَالَ: وَلَيْسَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 الْخَبَر: فِي (إِعْطَائِهِ إِيَّاهَا) مِنْ أَيْن أعطَاهُ إِيَّاهَا غير أَن الَّذِي يكَاد أَن يعرف الْقلب بالاستدلال بالأخبار - وَالله أعلم -: أَنه أعطَاهُ إِيَّاهَا من سهم الْمُؤَلّفَة (قُلُوبهم) ، (فَإِنَّمَا) زَاده ليرغِّبه فِيمَا صنع، (وَإِنَّمَا) أعطَاهُ ليتألفَّ بِهِ غَيره من قومه مِمَّن لَا يَثِق (مِنْهُ) بِمثل مَا يَثِق بِهِ من عدي بن حَاتِم، فَأرَى أَن يُعْطَى من سهم الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم فِي مثل هَذَا إِن نزلت بِالْمُسْلِمين نازلة، وَلنْ تنزل - إِن شَاءَ الله - هَذَا لَفظه برمتِهِ. وَذكر الشَّافِعِي أَيْضا فِي «الْمُخْتَصر» أَن الْمُعْطِي لَهُ هُوَ الصدِّيق، وَذكره أَيْضا فِي «الْأُم» فِي بَاب: جماع تَفْرِيق السِّهْمان، فَقَالَ: وَقد رُوي: «أَن عدي بن حَاتِم أَتَى أَبَا بكر بِنَحْوِ ثَلَاثمِائَة بعير صَدَقَة [قومه] فَأعْطَاهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا [وَأمره بِالْجِهَادِ مَعَ خَالِد] فَجَاهد مَعَه بِنَحْوِ من أَلْفِ رجلٍ، وَلَعَلَّ أَبَا بكر أعطَاهُ من سهم الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم» . فَإِن كَانَ هَذَا ثَابتا فَإِنِّي (لَا) أعرفهُ من وَجه يُثبتهُ أهلُ الحَدِيث، وَهُوَ [من] حَدِيث من [ينْسب] إِلَى بعض أهل الْعلم بِالرّدَّةِ. هَذَا لَفظه. وَنقل الرَّافِعِيّ عَن الْأَئِمَّة أَن الظَّاهِر أَن عدَّيًا كَانَ من الْمُؤَلّفَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 (قُلُوبهم) ، واستبعد بعض شُيُوخنَا الْحفاظ عدَّه مِنْهُم، فَإِنَّهُ قد ثَبت فِي «صَحِيح مُسلم» : «أَن عديًّا قَالَ لعمر: أتعرفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ: إِنِّي واللَّهِ لأعرفك ... » إِلَى آخر مَا أسلفناه فِي الْأَحَادِيث وَلما عزمت طَيء عَلَى حبس الصَّدَقَة فِي أوَّل خلَافَة أبي بكر ردَّ عَلَيْهِم عدي بكلامٍ كثيرٍ، ذكره ابْن إِسْحَاق، فَكيف إِذن [يُعطى] من (سهمهم) ، وَأَيْضًا فَإِن سهمهم سقط فِي زمن الصدِّيق؛ فإمَّا أَن يكون أعطَاهُ من سهم العاملين، بِدَلِيل مَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بَعثه عَلَى صدقَات طَيء» . وَإِمَّا أَن يكون أعطَاهُ مُكَافَأَة؛ فَإِنَّهُ لمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَصْرَانِيّا فَأسلم وَأَرَادَ الرُّجُوع إِلَى بِلَاده، أرسل إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعْتَذر إِلَيْهِ من الزَّاد وَيَقُول واللَّهِ مَا أصبح عِنْد آل مُحَمَّد سَعَة من الطَّعَام، وَلَكِن ترجع فَيكون خير» فَلذَلِك أعطَاهُ أَبُو بكر ثَلَاثِينَ من إبل الصَّدَقَة. ذكره ابْن سَالم فِي «الِاكْتِفَاء» . الْأَثر الثَّالِث: «أَن مُشْركًا جَاءَ إِلَى عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يلْتَمس مَالا، فَلم يُعْطه، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فليؤمن، وَمن شَاءَ فليكفر» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الرافعيُّ تبعا للغزالي، فَإِنَّهُ أوردهُ فِي «وسيطه» بِلَفْظ: «إِنَّا لَا نُعطي عَلَى الْإِسْلَام شَيْئا؛ فَمَنْ شَاءَ فليؤمن، وَمن شَاءَ فليكفر» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 وَكَذَا ذكره القَاضِي حُسَيْن، وَعبارَة بَعضهم: أَن عمر قَالَ: «إِن الله أعَزَّ الْإِسْلَام وَأَهله، إِنَّا لَا نُعطي عَلَى الْإِسْلَام شَيْئا» إِلَى آخرِهِ، وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» بِلَفْظ «إِنَّا لَا نُعطي عَلَى الْإِسْلَام شَيْئا، فَمَنْ شَاءَ فليؤمن، ومَنْ شَاءَ فليكفر» . وَلم يعزه المنذريُّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديثه» وَعَزاهُ النَّوَوِيّ إِلَى الْبَيْهَقِيّ، (قلت) وَهَذَا لم أره فِي «مَعْرفَته» لَهُ وَإِنَّمَا فِي «السّنَن» : «أَن عمر قَالَ للأقرع وعيينة: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يتألفكما وَالْإِسْلَام يَوْمئِذٍ ذليل، وَإِن الله قد أعز الْإِسْلَام، فاذهبا فاجهدا، كَمَا لَا أرعى الله عَلَيْكُمَا أَن رعيتما» . وَرَوَاهُ العسكري فِي «الصَّحَابَة» وَقَالَ: «أرغبتما» وَقَالَ «قَلِيل» بدل «ذليل» . الْأَثر الرَّابِع: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقَوله - يَعْنِي: الْغَزالِيّ - «لمَذْهَب معَاذ» (لم يرد بِهِ حَدِيث بَعثه إِلَى الْيمن؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي «الْوَسِيط» : لمَذْهَب معَاذ و) . لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «أنبئهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة، تُؤْخَذ من أغنيائهم ... » الْخَبَر وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن معَاذًا صَار إِلَى منع النَّقْل، لما رُوي: (أَنه) قَالَ: «مَنِ انْتقل من مخلاف عشيرته إِلَى غير مخلاف عشيرته فصدقته وعشره فِي مخلاف عشيرته» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن مطرف بن مَازِن، عَن معمر، عَن عبد الله بن طَاوس، عَن أَبِيه: «أَن معَاذ بن جبل قَضَى: أَيّمَا رجل انْتقل من مخلاف عشيرته إِلَى غير مخلاف عشيرته فَعشره وصدقَتُهُ فِي مخلاف عشيرته» . وَأخرجه الشَّافِعِي فِي «الْأُم» كَذَلِك، وَهَذَا أثر ضَعِيف ومنقطع، مطرف ضَعِيف، وَطَاوُس لم يدْرك معَاذًا لَا جرم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : إِنَّه مُنْقَطع كالآتي. وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان (عَن) معمر، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه قَالَ: «فِي كتاب معَاذ بن جبل: من أخرج من مخلاف إِلَى مخلاف، فَإِن صدقته وعُشره يرد إِلَى مخلافه» . الْأَثر الْخَامِس: عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ لأهل الْيمن: ائْتُونِي بكلِّ خَمِيس أَو لبيس (آخذه) مِنْكُم مَكَان الصَّدَقَة؛ فَإِنَّهُ أرْفق بكم، وأنْفَعُ للمهاجرين وَالْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ» . وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي أَبْوَاب الزَّكَاة، فَقَالَ: قَالَ طَاوس قَالَ معَاذ: «ائْتُونِي (بِعرْض) ثِيَاب خَمِيس أَو لبيس فِي الصَّدَقَة مَكَان الشّعير والذرة (أَهْون عَلَيْكُم) وَخير لأَصْحَاب رَسُول (بِالْمَدِينَةِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 وَذكره أَبُو عبيد فِي «غَرِيبه» بِغَيْر إسنادٍ أَيْضا، وَلَفظه: ائْتُونِي بخميس أَو لبيس آخذه مِنْكُم فِي الصَّدَقَة؛ فَإِنَّهُ أيسر عَلَيْكُم وأنفع للمهاجرين بِالْمَدِينَةِ» . ثمَّ ذكر اخْتِلَافا فِي أَن المُرَاد بالخميس الَّذِي طوله خَمْسَة أَذْرع؛ فَإِنَّهُ يَعْنِي: الصَّغِير من الثِّيَاب، أَو لِأَن من عمله مَلكٌ بِالْيمن يُقَال لَهُ: الْخَمِيس؛ فنسب إِلَيْهِ. قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَجَاء «خميص» بالصَّاد، قَالَ: فَإِن صَحَّ فَهُوَ تذكير خميصة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن معَاذ أَنه قَالَ بِالْيمن: «ائْتُونِي بخميس أَو لبيس آخذه (مِنْكُم) مَكَان الصَّدَقَة؛ فَإِنَّهُ أَهْون عَلَيْكُم، وَخير للمهاجرين بِالْمَدِينَةِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالف إبراهيمُ مَنْ هُوَ أدين مِنْهُ؛ عَمرو بن دِينَار عَن طَاوس قَالَ: قَالَ معَاذ بِالْيمن: «ائْتُونِي بِعرْض ثِيَاب آخذه مِنْكُم مَكَان الذّرة وَالشعِير» . قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدِيث طَاوس، عَن معَاذ بن جبل إنْ كَانَ مُرْسلا فَلَا حجَّة فِيهِ، وَقد قَالَ فِيهِ بَعضهم: «من الْجِزْيَة» مَكَان «الصَّدَقَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الْأَلْيَق بمعاذ وَالْأَشْبَه بِمَا أمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِ مِنْ أخْذ الْخَمِيس فِي الصَّدقَات، وأخْذ الدِّينَار أَو عدله (معافر) ثِيَاب بِالْيمن فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 الْجِزْيَة، وَأَن ترد الصَّدقَات عَلَى فقرائهم، لَا أَن ينقلها إِلَى الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ الَّذين أَكْثَرهم أهل فَيْء لَا أهل صَدَقَة. قَالَ: وَقَوله «مَكَان الصَّدَقَة» لم يحفظه ابْن ميسرَة، وَخَالفهُ مَنْ هُوَ أحفظ مِنْهُ، قَالَ: وَإِن ثَبت فَمَحْمُول عَلَى مَعْنَى مَا كَانَ يُؤخذ مِنْهُم باسْم الصَّدَقَة لبني تغلب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 بَاب: صَدَقَة التَّطَوُّع ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تِسْعَة أَحَادِيث: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ليتصدَّق الرجل من ديناره، وليتصدَّق من درهمه، وليتصدَّق من صَاع بُرِّه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه من) حَدِيث (جرير) بن عبد الله قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صدر النَّهَار، فَجَاءَهُ قومٌ حفاء مجتابي النمار أَو العباء (متقلدي) السيوف، عامتهم من مُضَر، بل كلهم من مُضَر؛ فتمعَّر وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما رَأَى بهم من الْفَاقَة، فَدخل ثمَّ خرج، فَأمر بِلَالًا فأذَّن وَأقَام، فَصَلى (بهم) ثمَّ خطب. فَقَالَ: (يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نَفْس وَاحِدَة) إِلَى آخر الْآيَة: (إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبًا) ، وَالْآيَة الَّتِي فِي الْحَشْر: (اتَّقوا الله ولتنظر نفسٌ مَا قدَّمت لغدٍ) إِلَى آخر الْآيَة، تصدق الرجل مِنْ ديناره، مِنْ درهمه، مِنْ ثَوْبه، مِنْ صَاع بُرِّه، من صَاع تَمْره، حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 قَالَ: وَلَو بِشِقِّ تَمْرَة، قَالَ: فجَاء رجل من الْأَنْصَار بُصرَّةٍ كَادَت كفّه تعجز عَنْهَا، بل قد عجزت، ثمَّ تتَابع النَّاس، حَتَّى رأيتُ كَوْمَيْن من طَعَام وَثيَاب، حَتَّى رأيتُ وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَتَهَلَّل كَأَنَّهُ مُذْهَبَة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّةً حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر مَنْ عمل بهَا (مِنْ) بعده، مِنْ غير أَن (ينقص) من أُجُورهم شَيْء ومَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّةُ سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزِرْها وَوِزْر مَنْ عمل بهَا مِنْ بعده من غير أَن (ينقص) مِنْ أوزارهم شَيْء» . فَائِدَة: قَوْله «مجتابي النمار» : يُقَال: (اجتاب) فلَان ثوبا إِذا لبسه، - وتَمَعَّرَ: تغيَّر من الْغَضَب، والكومة من الطَّعَام: الصُّبْرَة، وأصل الكوم مَا ارْتَفع من الطَّعَام وأشرف، ومذهبه - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة - قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ من الشَّيْء الْمَذْهَب، أَي: المموه بِالذَّهَب، أَو من قَوْلهم: فرس مَذْهَب؛ إِذا عْلَتْ حُمرَتَه صُفْرَةٌ. وَفَسرهُ الْحميدِي فِي «غَرِيبه» بِأَن قَالَ: المدهن - يعْنى بالنُّون -: نقرة فِي الْجَبَل يُستنقع فِيهَا المَاء من الْمَطَر، والمدهن أَيْضا: مَا جُعل فِيهِ الدّهن، والمدهنة كَذَلِك؛ شبه صفاء وَجهه (لإشراق السرُور (بصفاء هَذَا) المَاء الْمُجْتَمع، أَو بصفاء الدّهن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يمْتَنع من قبُول الصَّدَقَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، فقد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاج حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا أُتي بطعامٍ سَأَلَ عَنهُ، فَإِن قيل: هَدِيَّة أكل مِنْهَا، وَإِن قيل: صَدَقَة. لم يَأْكُل مِنْهَا. وَقَالَ لأَصْحَابه: كُلوُا» . وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا أُتي بِشَيْء سَأَلَ أصدقة أم هديةٌ؟ فَإِن قَالُوا: صَدَقَة؛ لم يَأْكُل، وَإِن قَالُوا: هَدِيَّة؛ أكل» . وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَقَالَ: «فَإِن قيل: صَدَقَة؛ لم يَأْكُل، وَإِن قيل: هَدِيَّة؛ بسط يَده» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّا أهل بيتٍ لَا تحل لنا الصَّدَقَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَخذ الْحسن بن عَلّي تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 فَجَعلهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كخ كخ؛ ارمِ بهَا، أما علمت أنَّا لَا نَأْكُل الصَّدَقَة» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «إنَّا لَا تحل لنا الصدقةَ» . وَفِي رِوَايَة لَهما: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنِّي لأنقلب إِلَى أَهلِي، فأجد التمرة سَاقِطَة عَلَى فِراشي أَو فِي بَيْتِي، فأرفعها لآكلها، ثمَّ أخْشَى أَن تكون صَدَقَة (فألقيها) » . فَائِدَة: (قَوْله) «كخ كخ» : يُقَال بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا، وَسُكُون الْخَاء والتنوين مَعَ الْكسر، بِغَيْر تَنْوِين قَالَه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «الْآيَات الْبَينَات» . الحَدِيث الرَّابِع عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «إِن صَدَقَة السِّرِّ تُطفئ غَضَبَ الرَّبِّ» . هَذَا الحَدِيث يُروى من طرقٍ: أَحدهَا: من طَرِيق مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن قَالَ: قُلْنَا لعبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب: حدِّثنا مَا سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَأَيْت مِنْهُ، وَلَا تحدِّثنا عَن غَيره وَإِن كَانَ ثِقَة. فَذكر أَحَادِيث؛ وَمِنْهَا: أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «الصَّدَقَة فِي السِّرِّ تُطْفِئ غَضَبَ الرَّبِّ» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الْفَضَائِل مِنْهُ، فى تَرْجَمَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 عبد الله بن جَعْفَر، وَإِسْنَاده مُنكر جدًّا، كَمَا أوضحتُه فِي (بَاب) شُرُوط الصَّلَاة، فِي الحَدِيث التَّاسِع عشر مِنْهُ. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صلَة الرَّحِم تُزيد فِي الْعُمر، وَصدقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب» . رَوَاهُ صَاحب «الشهَاب» فِي مُسْنده من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده من لَا أعرفهُ. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث عَمرو بن أبي سَلمَة عَن صَدَقَة بن عبد الله، عَن الْأَصْبَغ (عَن) بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جدِّه مَرْفُوعا: «إِن صَدَقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» و «صَدَقَة» هَذَا هُوَ: السمين، وَبِه صرح ابْن طَاهِر، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَمَا سبق فِي أوّل الْكتاب. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «صَدَقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا، فِي جملَة حَدِيث طويلٍ، وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن عبد الرَّحْمَن، وَالظَّاهِر أَنه الدالاني، وَفِيه خلف، كَمَا سلف فِي الْأَحْدَاث أَيْضا. الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «شعب الْإِيمَان» وَفِيه الْوَاقِدِيّ، وحالته مَعْلُومَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 الطَّرِيق السَّادِس: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «شعبه» أَيْضا فِي أثْنَاء حديثٍ طويلٍ، ثمَّ قَالَ: الحَمْل فِيهِ عَلَى إِسْمَاعِيل بن بَحر العسكري أَو إِسْحَاق بن مُحَمَّد العميِّ. وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث أنس رَفعه: «إِن الصَّدَقَة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتَة السوء» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غريبٌ من هَذَا الْوَجْه. قلت: وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن عِيسَى الخزاز - بخاء مُعْجمَة، ثمَّ زَاي مكررة -: يُعْرف ب «صَاحب الْحَرِير» سُئِلَ عَنهُ أَبُو زرْعَة فَقَالَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن طَاهِر: وصف بِأَنَّهُ يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتابع عَلَى أَكثر حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: يروي عَن يُونُس بن عبيد وَدَاوُد بن أبي هِنْد مَا لَا يُوَافقهُ عَلَيْهِ الثِّقَات، وَلَيْسَ هُوَ ممَنْ يُحْتج بحَديثه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : هُوَ مُنكر الحَدِيث عِنْدهم، لَا أعلم لَهُ [موثقًا] . فَالْحَدِيث عَلَى هَذَا ضَعِيف لَا حسن. قلت: وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور. ثمَّ اعلمْ: أَن الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن صرف الصَّدَقَة سرًّا أفضل بعد قَوْله - تَعَالَى -: (إِن تبدوا الصَّدقَات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 فنعمَّا هِيَ) . ويغني عَنهُ حَدِيث صَحِيح ثَابت أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سَبْعَة يُظِلهُّم الله فى ظله، يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظلُّه: إِمَام عَادل، وَرجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه» . الحَدِيث الْخَامِس عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «يَا رَسُول الله: إِن لي جارين، فَإلَى أَيهمَا أُهدي؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِلَى أقربهما مِنْك بَابا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور عَن ابْن منهال، عَن شُعْبَة، عَن طَلْحَة، [عَن أبي عمرَان] ، عَن عَائِشَة، كَذَا أخرجه فِي الْأَدَب، وَأخرجه فِي الشُّفْعَة عَن [عَلّي بن عبد الله عَن شَبابَة] ، وَفِي الْهِبَة عَن مُحَمَّد بن بشار عَن طَلْحَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 بن [عبد الله] عَن عَائِشَة، فنسبه البُخَارِيّ فِي هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، وَوَقع فِي الْبَيْهَقِيّ عَن طَلْحَة (عَن) رجل من قُرَيْش، عَن عَائِشَة، ثمَّ عزاهُ إِلَى البُخَارِيّ، وَالَّذِي فِيهِ مَا قدَّمْتُهُ، وَوَقع فِيهِ أَيْضا من طَرِيق آخر عَن طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف، عَن عَائِشَة، وَذكره الْمزي فِي «أَطْرَافه» فِي تَرْجَمَة طَلْحَة بن عبد الله بن عُثْمَان التَّيْمِيّ عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن طَلْحَة وَلم ينْسبهُ، ثمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث: طَلْحَة رجل من قُرَيْش. فَإِذا الْوَاقِع فِي «الْبَيْهَقِيّ» أَن جدِّ طلحةَ عوفٌ، غريبٌ. الحَدِيث (السَّادِس) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الصَّدَقَة عَلَى الْمِسْكِين صَدَقَة، وَعَلَى ذِي الرَّحِم ثِنْتَانِ؛ صَدَقَة وصلَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الأئمةُ: أحمدُ فِي «مُسْنده» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَالنَّسَائِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» . وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة (سلمَان) بن عَامر الضَّبِّيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: (صَحِيح) . وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» . إِنَّمَا لم يخرَّج فِي «الصَّحِيح» لأجْل اختلافٍ فِي إِسْنَاده. وَوَقع فِي «الْأَحْكَام الْوُسْطَى» لعبد الْحق: « (الصَّدَقَة عَلَى الْمِسْكِين صلَة» . وَهُوَ خطأ، وَصَوَابه: «صَدَقَة» وَقد سبقنَا بذلك ابْن الْقطَّان. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من هَذِه الطَّرِيق، وَمن طَرِيقين آخَرين: أَحدهمَا: عَن أبي طَلْحَة مَرْفُوعا: «الصَّدَقَة عَلَى الْمِسْكِين صَدَقَة، وَعَلَى ذِي الرَّحِم صَدَقَة وصلَة» . فِي سَنَده مَنْ لَا أعرفهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 الثَّانِي: عَن (عبيد الله) بن زحر، عَن علىّ بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أَبَى أُمَامَة مَرْفُوعا «إِن الصَّدَقَة عَلَى ذِي قرَابَة يُضَعَّفُ أجرهَا) مرَّتَيْنِ» وَهَذَا سندٌ واهٍ. الحَدِيث السَّابِع «كَانَ (أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان» . (هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف فِي كتاب الصّيام. الحَدِيث الثَّامِن «أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تصدق بِجَمِيعِ مَاله وَقَبله النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُ» ) . هَذَا الحَدِيث وَقع فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» فِي بَاب لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظَهْر غِنىً، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَن يتْلف أَمْوَال النَّاس قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من أَخذ أَمْوَال النَّاس يُرِيد إتلافها أتْلفه الله، إِلَّا أَن يكون مَعْرُوفا بِالصبرِ، فيؤثر عَلَى نَفسه وَلَو كَانَ بِهِ خصَاصَة كفعْل أَبَى بكر حِين تصدَّق بِمَالِه كُله» . (وَهُوَ حَدِيث) صحيحٌ، أخرجه أَبُو دَاوُد فِي كتاب الزَّكَاة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 وَالتِّرْمِذِيّ فِي المناقب، وَالْبَزَّار فِي «مُسْنده» من رِوَايَة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نتصدَّق، فَوَافَقَ ذَلِك منيِّ مَالا، فَقلت: الْيَوْم أسبقُ أَبَا بكر إِن سبقته، قَالَ: فجئتُ بنصْف مَالِي، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا أبقيتَ لأهْلك؟ فَقلت: مثله. فَأَتَى (أَبُو) بكر بكلِّ مَاله فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا أبقيت لأهْلك؟ قَالَ: أبقيتُ لَهُم الله وَرَسُوله. قلت: لَا أسبقه إِلَى شَيْء أبدا» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن هِشَام بن سعد، عَن زيد، عَن أَبِيه، عَن عمر إِلَّا أَبُو نعيم وَهِشَام بن سعد حدَّث عَنهُ [عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَاللَّيْث بن سعد وَعبد الله بن وهب والوليد بن مُسلم و] جمَاعَة كَثِيرَة من أهل الْعلم، وَلم أر أحدا (توقف) عَن حَدِيثه بعلة توجب التَّوَقُّف عَنهُ. قلت: لَا جرم أَن التِّرْمِذِيّ صَححهُ كَمَا سلف، وَكَذَا الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب الزَّكَاة، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم، فَخَالف. فَقَالَ فِي «محلاه» : فَإِن ذكرُوا صَدَقَة أبي بكر بِمَالِه كلِّه قُلْنَا: (هَذَا لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة هِشَام بن سعد وَهُوَ ضَعِيف. ثمَّ سَاقه كَمَا تقدم، وَهِشَام) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 قد احْتج بِهِ مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ. تَنْبِيهَانِ: الأول: زَاد رُزين فِي «كِتَابه» فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة غَرِيبَة، وَهِي: «فَأَتَى أَبُو بكر بكلِّ مَاله وَقد تخَلّل العباءة» . وَلم يعزها ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» . الثَّانِي: وَقع فِي «وسيط الْغَزالِيّ» زِيَادَة غَرِيبَة أَيْضا، وَهِي: أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي آخِرِه: « (بَيْنكُمَا كَمَا بَين كلمتيكما) » . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَهِي غَرِيبَة لَا تعرف. الحَدِيث التَّاسِع «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بصدقةٍ، بِمثل الْبَيْضَة من الذَّهَب، فَقَالَ للنَّبِي (: خُذْهَا؛ فَهِيَ صَدَقَة، وَمَا أملك غَيرهَا. فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، إِلَى أَن أعَاد عَلَيْهِ القَوْل ثَلَاث مراتٍ، ثمَّ أَخذهَا و (رَمَاه) بهَا رميةً، لَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ ثمَّ قَالَ: يَأْتِي أحدكُم بِمَا يملك، فَيَقُول: هَذِه صَدَقَة، ثمَّ يقْعد يَتَكَفَّف وُجُوه النَّاس، خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غِنَىً» . هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فى «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، عَن مَحْمُود بن لبيد، عَن جَابر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 بن عبد الله الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ جَاءَ رجل بِمثل بَيْضَة من ذهب، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أصبتُ هَذِه من مَعْدن، فَخذهَا فَهِيَ صَدَقَة، مَا أملك غَيرهَا. فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ أَتَاهُ من قِبَل رُكْنه الْأَيْمن؛ فَقَالَ مثل ذَلِك؛ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله. (ثمَّ أَتَاهُ) من قِبَل رُكْنه الْأَيْسَر، فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلفه؛ أَخذهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَحَذَفه بهَا، فَلَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ أَو لَعَقَرته، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَأْتِي أحدكُم بِمَا يملك، فَيَقُول: هَذِه صدقتي، ثمَّ يقْعد (يَسْتَكِف) النَّاس، خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهرْ غِنىً» . وَإِسْنَاده جيد، لَوْلَا عنعنة ابْن إِسْحَاق. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيقه، لِأَنَّهُ ذكر ابْن إِسْحَاق فِي «ثقاته» وانتصر لنَفسِهِ، كَمَا أسلفناه عَنهُ فِي الصَّلَاة، وَلَفظه فِي إِيرَاده عَن جَابر قَالَ: « (إِنِّي لعِنْد) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، إذْ جَاءَهُ رجل بِمثل الْبَيْضَة من (ذِهب) قد أَصَابَهَا من بعض الْمَغَازِي، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، خُذ هَذِه منِّي صَدَقَة، فواللَّهِ مَا أصبح لي مَال غَيرهَا. قَالَ: فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَجَاءَهُ مِنْ شِقِّه الآخر [فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك] فَأَعْرض عَنهُ، ثمَّ جَاءَهُ من قِبَل وَجهه، فَأَخذهَا مِنْهُ فَحَذفهُ بهَا حَذْفَةً (لَو أَصَابَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 عقره) أَو أوجعهُ) ثمَّ قَالَ: يَأْتِي أحدكُم إِلَى جَمِيع مَا يملك فَيتَصَدَّق بِهِ، ثمَّ يقْعد يَتَكَفَّف الناسَ، إِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غِنَىً، خُذْ عَنَّا مَالك؛ لَا حَاجَة لنا بِهِ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا من جِهَته ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَمرَاده فِي المتابعات لَا فِي الْأُصُول، لَا جرم قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث المهذَّب» : إِنَّه حَدِيث حسنٌ وَحَدِيث جَابر الْآتِي فِي كتاب الْعتْق «ابدأ بِنَفْسِك فتصدَّق عَلَيْهَا» . فِي قصةٍ مَعَ الْمُدبر شاهدٌ لَهُ. فَائِدَة: قَوْله: «حذفه» : اخْتُلِفَ فِي ضَبطه؛ هَل هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة أَو بِالْمُعْجَمَةِ، فقيده النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» فِي هَذَا الْبَاب بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَكَذَا ابْن [معن] فِي «تنقيبه» قَالَ: وَهُوَ الْإِلْقَاء بباطن الْكَفّ، قَالَ: ويُرْوى بِالْخَاءِ - يَعْنِي بِالْمُعْجَمَةِ - قَالَ: (وَهُوَ الْإِلْقَاء بأطرف الْأَصَابِع. وَقَالَ صَاحب (المستعذب عَلَى الْمُهَذّب) : حذفه: رَمَاه بهَا) وأصل الْحَذف الرَّمْي بالعصا والخذف: الرَّمْي بالحصا. وَكَذَا قَالَ القلعي: «حذفه» بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ: وَلَو رُوي: «فقذفه بهَا قذفة» لَكَانَ أصوب؛ لِأَن الْقَذْف بِالْحجرِ، والحذف بالعصا، وَأما الْخذف - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة -: فَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بالحصاة وَنَحْوهَا، وتُجعل بَين السبَّابتين ويرمى بهَا. وَقَالَ الْحَافِظ محب الدَّين فِي «أَحْكَامه» : إِنَّه لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 يبعد أَن تكون الرِّوَايَة بِالْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الظَّاهِر. وَفِي «حَوَاشِي السّنَن» لِلْمُنْذِرِيِّ فِي بَاب عَطِيَّة من سَأَلَ بِاللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - من كتاب الزَّكَاة الْخذف - بِالْخَاءِ والذال المعجمتين - الرَّمْي بالحصا، والحذف - بِالْحَاء الْمُهْملَة - الرمى بالعصا، و «الْعقر» : الْجرْح هَاهُنَا، وَيسْتَعْمل أَيْضا فِي الْقَتْل والهلاك، و «رُكْنه» جَانِبه وَفِي «يَتَكَفَّف» تأويلات: أَحدهَا: (يمد) كَفه للسؤال، (أَي: يتَعَرَّض لَهَا وَيَأْخُذ الصَّدَقَة بكفه) ، ثَانِيهَا: يَأْتِيهم من (كففهم أَي) من جوانبهم ونواحيهم. ثَالِثهَا: أَن يسألهم كفًّا من طَعَام. رَابِعهَا: يطْلب مَا يكف بِهِ الجوعة. حكاهن صَاحب «المستعذب عَلَى المهذَّب» وَمن الْأَخير: «يَتَكَفَّفُونَ النَّاس» ووقعَ فِي بعض كتب الْفُقَهَاء: «يَتَكَفَّف» بدل «يَسْتَكِف» ، وَهُوَ مَا فِي «صَحِيح ابْن حبَان» كَمَا أسلفته، (وهما صَحِيحَانِ، قَالَ أهل اللُّغَة: يُقَال فِيهِ: تكفف واستكف) وَقَوله: «عَن ظهر غِنىً» : قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: عَن غِنىً [يعتمده] ويستظهر بِهِ عَلَى النوائب. وَذكر الْمَاوَرْدِيّ - من أَصْحَابنَا - لَهُ مَعْنيين، أَحدهمَا: هَذَا، وَثَانِيهمَا: أَن مَعْنَاهُ: الِاسْتِغْنَاء عَن أَدَاء الْوَاجِبَات. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» : وَالأَصَح مَا قَالَه غَيرهمَا: أَن المُرَاد غِنى النَّفس، أَي: إِنَّمَا تَصلح الصَّدَقَة لمن قويت نَفسه واستغنت بِاللَّه، وثبَّت نَفسه وصبر عَلَى الْفقر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 وَالْقَاضِي حُسَيْن قَالَ: مَعْنَى قَوْله: «عَن ظهْر غِنىً» أَي: (وَرَاء) الغِنى، قَالَ (ابْن) دَاوُد - من أَصْحَابنَا -: قيل: لم يسْبق الرَّسُول - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى هَذِه اللَّفْظَة. وَذكر الرافعيُّ فِي الْبَاب أثرا وَاحِدًا، وَهُوَ: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه: «أَنه كَانَ يشرب من سقايات بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، فَقيل (لَهُ) : أتشرب من الصَّدَقَة؟ فَقَالَ: إِنَّمَا حرم (الله) علينا الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة» . وَهَذَا الْأَثر بَيَّض لَهُ المنذريُّ ثمَّ النوويُّ، وَهُوَ فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» و «الْمعرفَة» ، قبل اللّقطَة: قَالَ الشافعيُّ: أَنا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه: «أَنه كَانَ يشرب من سقايات كَانَ يَضَعهَا النَّاس بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، فَقلت لَهُ - أَو: قيل لَهُ -: (أتشرب من الصَّدَقَة؟) فَقَالَ: إِنَّمَا حرمت علينا الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة» . وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» قبيل النِّكَاح: رُوي عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ، وَهُوَ فِي «الْأُم» أَيْضا، قَالَ ابْن دَاوُد: وَقَول جَعْفَر بن مُحَمَّد ذَلِك (لين) لِأَن المَاء الْمَوْضُوع عَلَى الطَّرِيق صَدَقَة تطوع، بل طَرِيقه طَرِيق الْإِبَاحَة، إِذْ الصَّدَقَة يملكهَا المتصدَّق عَلَيْهِ ملكا مُفِيدا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 للتَّصَرُّف، وَلَكِن اسْتعْمل جَعْفَر فِي الْجَواب مَا هُوَ أظهر وَأبين، هَذَا كَلَامه، لَكِن سُؤال السَّائِل لَهُ عَن ذَلِك لأجل الْخَبَر يدل عَلَى أَنه من الصَّدَقَة، وَإِلَّا لما كَانَ للسؤال عَن ذَلِك مَعْنَى. أخِرُ رُبْع الْمُعَامَلَات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 كتاب النِّكَاح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 كتاب النِّكَاح بَاب مَا جَاءَ فِي فَضله ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين: أَحدهمَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «تنكاحوا تكثروا» . وَهُوَ حَدِيث ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَن الشَّافِعِي بلاغًا، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وبلغنا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تنكاحوا تكثروا؛ فَإِنِّي أُبَاهي بكم الأُمم، حَتَّى بِالسقطِ» . وَكَذَا هُوَ فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» مُسْندًا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «انْكَحُوا؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم» . وَفِي إِسْنَاده: طَلْحَة بن عَمرو، وَقد ضَعَّفُوهُ، ويغني عَنهُ حديثُ أنسٍ الْآتِي، وأحاديثُ أُخر صَحِيحَة فِي مَعْنَاهُ: مِنْهَا: حَدِيث معقل بن يسَار - رَفعه: - «تزوَّجوا الْوَلُود الْوَدُود؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وسيأتى فِي صفة المخطوبة - إِن شَاءَ الله. وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي أُمَامَة - رَفعه -: «تزوجوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم، وَلَا تَكُونُوا كرهبانية النَّصَارَى» . وَفِي إِسْنَاده: مُحَمَّد بن ثَابت الْعَبْدي، وَقد وثَّقه (لوين) وَضَعفه غَيره. وَفِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث أنس - رَفعه -: «تزوجوا الْوَلُود الْوَدُود؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة» . وَفِي إِسْنَاده: ابْن إِسْحَاق، وَقد صرَّح بِالتَّحْدِيثِ، وَسَيَأْتِي أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. وَفِي «مُعْجم الصَّحَابَة» لِابْنِ قَانِع من حَدِيث عَاصِم بن عَلّي، ثَنَا مُحَمَّد بن الْفضل، ثَنَا مُحَمَّد بن سوقة، عَن مَيْمُون (بن) أبي شبيب، عَن حَرْمَلَة بن النُّعْمَان - رَفعه -: «امْرَأَة ولود أحب إِلَى الله من امْرَأَة حسناء لَا تَلد؛ إِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 الحَدِيث الثَّانِي عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «النِّكَاح سُنَّتي؛ فَمَنْ رغب عَن سنتي فَلَيْسَ منيِّ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث عِيسَى بن مَيْمُون، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «النِّكَاح من سُنَّتي؛ فَمَنْ لم يعْمل بسُنَّتي فَلَيْسَ منيِّ، وَتَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم، ومَنْ (كَانَ) ذَا طول فَلْيَنْكِح، ومَنْ لم يجد فَعَلَيهِ بالصيام؛ فَإِن الصَّوْم وجاءٌ لَهُ» . وَعِيسَى هَذَا ضَعِيف. ويغني عَنهُ حديثِ أنسٍ الثابتُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : «أَن نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ بَعضهم: لَا أتزوجُ، وَقَالَ بَعضهم: أصلِّي وَلَا أَنَام، وَقَالَ بَعضهم: أصومُ وَلَا أفطر، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَا بَال أَقوام قَالُوا كَذَا وَكَذَا! لكني أَصوم وَأفْطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النِّسَاء؛ فَمَنْ رغب عَن سُنَّتي فَلَيْسَ منيِّ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَورد فِيهِ غير ذَلِك من الْأَخْبَار، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فلنذكَر عشرَة مِنْهَا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 أَحدهَا: حَدِيث عبد الله بن عَمرو بن العَاصِي رَفعه -: «الدُّنْيَا مَتَاع، وَخير متاعها الْمَرْأَة الصَّالِحَة» . رَوَاهُ مُسلم. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «الدُّنْيَا مَتَاع، وَخير متاعها الزَّوْج الصَّالح» . ثَانِيهَا: حَدِيث سعيد بن جُبَير قَالَ: «قَالَ لي ابْن عَبَّاس: تزوَّجت؟ قلت: لَا، قَالَ: تزوَّجْ؛ فَإِن خير هَذِه الأُمة كَانَ أَكْثَرهم نسَاء - يَعْنِي: رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . رَوَاهُ البُخَارِيّ. ثَالِثهَا: حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن التبتل، وَقَرَأَ قَتَادَة (وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أزاوجًا وذرية) رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَائِشَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَيُقَال أَنه حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : إِنَّه أشبه بِالصَّوَابِ من حَدِيث سَمُرَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 رَابِعهَا: حَدِيث أبي أَيُّوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - رَفعه -: «أَربع من سنَن الْمُرْسلين: الْحيَاء، والتعطر، والسواك، وَالنِّكَاح» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَقد أسلفنا الكلامَ عَلَيْهِ وَاضحا فِي الْكَلَام عَلَى السِّوَاك فِي أول الْكتاب. خَامِسهَا: حَدِيث ابْن جريج، عَن [عمر بن] عَطاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صرورة فِي الْإِسْلَام» . رَوَاهُ أَحْمد (وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: رِجَاله كلهم ثِقَات. وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ) . وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ (وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ النَّوَوِيّ: بعضه عَلَى شَرط مُسلم، وَبَاقِيه عَلَى شَرط البُخَارِيّ) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين فِي (الإِمَام) : وَهَذَا بِنَاء عَلَى أَن عُمرَ بن عَطاء هُوَ ابْن أبي الخوار، وَلَو كَانَ (الْأَمر) كَذَلِك لَكَانَ الْأَمر عَلَى مَا قَالَه الْحَاكِم وَالْمُنْذِرِي - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 أَي: وَالنَّوَوِيّ - وَلَكِن ابْن عدي ذكر لعمر بن عَطاء بن وراز تَرْجَمَة أورد لَهُ فِيهَا (هَذَا الحَدِيث من جِهَة عِيسَى بن يُونُس، عَن ابْن جريج، وَمن جِهَة أبي خَالِد الْأَحْمَر) عَن ابْن جريج وَقَالَ فِي آخر التَّرْجَمَة: ولعُمر بن عَطاء غير مَا ذكرتُ من الحَدِيث، وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث، وَلَا أعلم رَوَى عَنهُ غير ابْن جريج، وَذكر عَن عَبَّاس الدوري، عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: عمر بن عَطاء الَّذِي يروي عَنهُ ابْن جريج، يحدِّث عَن عِكْرِمَة؛ لَيْسَ (هُوَ) بِشَيْء، وَهُوَ ابْن وراز، وهُمْ يضعّفونه [فِي] كلَّ شَيْء عَن عِكْرِمَة، هُوَ (عمر) بن عَطاء بن وراز، وَعمر بن عَطاء بن أبي الخوار ثِقَة (و) هُوَ الَّذِي يحدِّث عَنهُ أَيْضا ابْن جريج. وَقَالَ النَّسَائِيّ: عمر بن عَطاء بن وراز ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بالقويّ فِي الحَدِيث. قلت: وَكَذَا فهم مَا فهمه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي، وَذكر فِي «أَطْرَافه» عقب هَذَا الحَدِيث قولة يَحْيَى بن معِين السالفة، و (غلَّط) ابْن طَاهِر، الْحَاكِم فِي دَعْوَاهُ السالفة فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الشهَاب» ثمَّ تبيَّن - بِفضل الله ومَنِّه - أَن مَا (قَالَه) الْحَاكِم هُوَ الصَّوَاب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» : ثَنَا أَبُو يزِيد (القراطيسي) ، ثَنَا حجاج بن إِبْرَاهِيم الْأَزْرَق - وَهُوَ من الثِّقَات - ثَنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن ابْن جريج، عَن عمر بن عَطاء بن (أبي) الخوار، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا صرورة فِي الْإِسْلَام» . فَثَبت بِهَذَا أَن عمر بن عَطاء بن أبي الخوار يرويهِ أَيْضا - وَللَّه الْحَمد - وَهُوَ لم يَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْحَاكِم مَنْسُوبا. (فَائِدَة) : الصرورة - بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة -: الَّذِي لم يتَزَوَّج، وَالَّذِي لم يحجّ أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الصرورة فِي الْجَاهِلِيَّة: مَنْ لم يتزوَّج، وَفِي الْإِسْلَام: مَنْ لم يحجّ، حَكَاهُ الْمُطَرز. سادسها: حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لم يُر (للمتحابين) مِثْلَ (التَّزَوُّج) » . رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ؛ لِأَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر بن رَاشد (أوقفاه) عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا، وَقَالَ الْعقيلِيّ: وقْفه أوْلى. قلت: وَفِي إِسْنَاده: مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، وَفِيه مقَال، وَمُسلم أخرج لَهُ؛ فَصَحَّ قَول الْحَاكِم أَنه عَلَى شَرطه. سابعها: حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تزوَّجوا النِّسَاء؛ فَإِنَّهُنَّ يأتيَنكم بِالْمَالِ» . (رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كِتَابه» وتلميذه الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَلم يخرجَاهُ؛ لِتَفَرُّد [سلم] بن جُنَادَة بِسَنَدِهِ، و [سلم] ثِقَة مَأْمُون. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن [الرّبيع بن نَافِع] عَن حَمَّاد، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه عُرْوَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «انْكَحُوا النِّسَاء؛ فَإِنَّهُنَّ يَأْتينكُمْ بِالْمَالِ) » . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَهُوَ أصح من الْمسند. ثامنها: من حَدِيث ابْن جريج، عَن مَيْمُون [أبي] الْمُغلس، عَن أبي نجيح و (هُوَ) أَبُو عبد الله بن أبي نجيح قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَنْ كَانَ مُوسِرًا لِأَن ينْكح فَلم ينْكح؛ فَلَيْسَ منا» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: هُوَ مُرْسل. وَكَذَا قَالَ الدولابي فِي «كُنَاه» أَنه مُرْسل. وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» : يُشك فِي صحبته. ثمَّ رَوَى لَهُ مَعَ هَذَا الحَدِيث حَدِيثا آخر، وَذكره ابْن عبد الْبر فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 «استيعابه» فِي جملَة الصَّحَابَة وَقَالَ: (لَهُ) حَدِيث وَاحِد فِي النِّكَاح، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» وَهُوَ يُقَوي مَا تقدم عَن الْبَيْهَقِيّ ومَنْ وَافقه. تاسعها: حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاثَة حق عَلَى الله [أَن] يعينهم: الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله، والناكح يُرِيد أَن يستعفف، وَالْمكَاتب يُرِيد الْأَدَاء» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن. وَالْحَاكِم فِي موضِعين من «مُسْتَدْركه» فِي هَذَا الْبَاب، وَبَاب الْكِتَابَة، وَقَالَ فيهمَا: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ (ابْن) حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف فِي رفْعِهِ وَوَقفه، ورفْعُهُ صَحِيح. عَاشرهَا: حَدِيث أنس بن مَالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ رزقه الله امْرَأَة صَالِحَة فقد أَعَانَهُ عَلَى شطر دينه، فليَتَّق الله فِي الشّطْر الثَّانِي» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن الْأَصَم، ثَنَا أَحْمد بن عِيسَى اللَّخْمِيّ، ثَنَا عمر بن أبي سَلمَة التنيسِي، ثَنَا زُهَيْر (بن) مُحَمَّد، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن زيد، عَن أنس بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن عقبَة الْأَزْدِيّ مدنِي ثِقَة مَأْمُون. وَفِي «تَلْخِيص (الْمُتَشَابه) » من حَدِيث أنس أَيْضا مَرْفُوعا: «مَنْ تزوج امْرَأَة فقد أُعْطِي نصف الْعِبَادَة» وَفِي إِسْنَاده: زيد العمِّي، وَهُوَ ضَعِيف. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لمَّا نزلت هَذِه الْآيَة: (وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة) كَبُر ذَلِك عَلَى الْمُسلمين، قَالَ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أَنا أُفَرِّج عَنْكُم؛ فَانْطَلقُوا، فَقَالَ: يَا نَبِي الله؛ إِنَّه كبُر عَلَى أَصْحَابك هَذِه الْآيَة! فَقَالَ: إِنَّه مَا فرض الزَّكَاة إِلَّا ليطيب مَا بَقِي من أَمْوَالكُم، وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْمَوَارِيث لتَكون لمن بعدكم. قَالَ: فَكبر عُمرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَقَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير مَا يكنز: الْمَرْأَة الصَّالِحَة؛ إِذا نظر إِلَيْهَا سرَّته، وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته، وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته» . قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ) وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 الشَّيْخ تَقِيّ الدِّيْن فِي (الإِمَام) فِي كتاب الزَّكَاة: اخْتلف فِي إِسْنَاده. ثمَّ ذكره مُبينًا (وَالْحَمْد لله حق حَمده) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 بَاب فِي خَصَائِص رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تِسْعَة وَثَلَاثِينَ حَدِيثا: الحَدِيث الأول رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كُتِب عليَّ رَكعَتَا الضُّحَى، وهما لَكمَا سُنَّة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (ابْن عَبَّاس) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بمرَّة، تقدم بَيَانه فِي صَلَاة النَّفْل وَاضحا بِكَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس - رَفعه -: «أُمرت بركعتي الضُّحَى، وَلم تُؤمروا بهَا، وأُمرت بالأضحى وَلم يُكتب عَلَيْكُم» . وَفِي لفظ لَهُ: «كُتب عليَّ النَّحْر، وَلم يُكتب عَلَيْكُم، وَأمرت بركعتي الضُّحَى، وَلم تؤمروا بهَا» . وَجَابِر عرفتَ حالَه فِي غير مَا موضعٍ، وَقد سلف فِي الْموضع الْمشَار إِلَيْهِ أَيْضا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 الحَدِيث الثَّانِي رُوي: أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث كُتبت عليَّ وَلم تُكتب عَلَيْكُم: السِّوَاك، وَالْوتر وَالْأُضْحِيَّة» . هَذَا الحَدِيث هُوَ الَّذِي قبله، وَإِن غاير الرَّافِعِيّ بَينهمَا، وَلم أر فِيهِ السِّوَاك. وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أم سَلمَة مَرْفُوعا: «مازال جِبْرِيل يوصيني بِالسِّوَاكِ، حَتَّى خشيتُ (أَن يدردرني) . قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رَوَى عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُمِرَ بِالْوضُوءِ لكل صلاةٍ، طَاهِرا وَغير طَاهِر، فلمَّا شَقَّ ذَلِك عَلَيْهِ: أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لكلِّ صلاةٍ» . قلت: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي بَاب السِّوَاك. الحَدِيث الثَّالِث عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثلاثٌ هِيَ عليَّ فَرِيضَة، وَهِي لكم سُنَّة: الْوتر، والسواك، وَقيام اللَّيْل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ البيهقيُّ فِي «خلافياته» و «سنَنه» من حَدِيث مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ثَلَاثَة عليَّ فَرِيضَة، وَهِي لكم سُنَّة ... » الحَدِيث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 ثمَّ قَالَ: مُوسَى هَذَا: ضَعِيف جدًّا، وَلم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد. وَقَالَ ابْن حبَان: (مُوسَى بن) عبد الرَّحْمَن هَذَا: دجَّالٌ (وضع) عَلَى ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس كتابا فِي التَّفْسِير، وَقَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خيرَّ نِسَاءَهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن «أَن عَائِشَة أخْبرته أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) جاءها حِين أمره الله تَعَالَى [أَن يُخَيّر أَزوَاجه] قَالَت: فَبَدَأَ بِي فَقَالَ: إِنِّي ذاكرٌ لكِ أمْرًا؛ فَلَا عليكِ أَن (لَا) تَسْتَعْجِلي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك، وَقد عَلِمَ أَن أَبَوي لم يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الله قَالَ: (يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك) إِلَى تَمام الْآيَتَيْنِ، فَقلت لَهُ: فِي هَذَا أَستَأْمر أَبَوي؟ فَإِنِّي أُرِيد اللَّهَ ورسولَهُ والدارَ الْآخِرَة» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «وفَعَلَ أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثل مَا فعلت» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «خيَّرنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يعدهَا شَيْئا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْمعْنَى فِي إِيجَاب الله عَلَى رسولِهِ تَخْيِير نِسَائِهِ بَين مُفَارقَته وَاخْتِيَار زِينَة الدُّنْيَا وَبَين اخْتِيَاره، فَقَالَ: (يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك) الْآيَة، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام: آثَرَ لنَفسِهِ الْفقر وَالصَّبْر (عَلَيْهِ فَأمر بتخييرهن لِئَلَّا يكون مكْرها لَهُنَّ عَلَى الْفقر وَالصَّبْر) . قلت: فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي عُمرُ بْنُ الْخطاب، وَذكر الحديثَ فِي اعتزال النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نِسَاءَهُ، قَالَ: «فدخلتُ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ مُضْطَجع عَلَى حَصِير قد أثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فجلستُ فبكيتُ، فَقَالَ: مَا يبكيك يَا عمر؟ ! فَقلت: يَا رَسُول الله - (- إِن كسْرَى وَقَيْصَر فِيمَا هما فِيهِ وَأَنت رَسُول الله! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما ترْضَى أَن تكون لَهُم الدُّنْيَا، وَلنَا الْآخِرَة؟» . مختصرٌ مِنْهُمَا. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «اللَّهُمَّ اجْعَل رزْقَ آل محمدٍ قُوتًا» . الحَدِيث الْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجب عَلَيْهِ إِذا رَأَى مُنْكرا أَن يُنكر عَلَيْهِ ويغيِّره» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 هَذَا صَحِيح، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَت: «مَا خُيرِّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين أَمريْن إِلَّا أَخذ أيْسَرَهما مَا لم يكن إِثْمًا، فَإِذا كَانَ إِثْمًا كَانَ أبْعَدَ النَّاس مِنْهُ، وَمَا انتقم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لنَفسِهِ إِلَّا أَن تُنْتَهَكَ حُرْمَة الله؛ فينتقم للَّهِ» . الحَدِيث السَّادِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجب عَلَيْهِ مصابرة العدوِّ وإنْ كَثُرَ عَدَدُهم» . هَذَا مَشْهُور فِي كتب أَصْحَابنَا، وَلم يُبَوِّب لَهُ الْبَيْهَقِيّ بَابا، وَقد بوَّب لخصائص رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يجب عَلَيْهِ قَضَاء دَيْنِ مَنْ مَاتَ مُعسرا من الْمُسلمين» . هَذَا صَحِيح، وَقد سلف حَدِيث أبي هُرَيْرَة الشَّاهِد بذلك فِي آخِرِ بَاب الضَّمَان. الحَدِيث الثَّامِن قيل: «كَانَ يجب عَلَيْهِ (إِذا رَأَى شَيْئا يُعجبهُ (أَن) يَقُول: لبيْك، إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة» . هَذَا مرويٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد أَن بوَّب عَلَى وفْق ذَلِك، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 فَقَالَ: بابٌ: كَانَ إِذا رَأَى شَيْئا يُعجبهُ قَالَ: لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة. هَذِه كلمة صدرت من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أنعم حَاله يَوْم حِجة (الْوَدَاع) بِعَرَفَة، كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد (عَن) ابْن جريج، عَن حميد الْأَعْرَج، عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُظْهِرُ من التَّلْبِيَة: لبيْك ... » الحَدِيث. وَقد سلف فِي الْحَج بِطُولِهِ، فِي بَاب سنَن الْإِحْرَام فِي الحَدِيث الثَّامِن عشر مِنْهُ قَالَ: وصدرتْ هَذِه الْكَلِمَة أَيْضا مِنْهُ فِي أَشد حَاله وَهُوَ يَوْم الخَنْدَق، وَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث سهل بن سعد قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالخندق وَهُوَ يحْفر وَنحن ننقل [التُّرَاب] فَبَصُرَ بِنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة فَاغْفِر للْأَنْصَار والمهاجرة» . الحَدِيث التَّاسِع عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَت: «مَا مَاتَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى أُحلَّ لَهُ النِّسَاء - تَعْنِي: اللَّاتِي (حُظِرْنَ) عليهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن سُفْيَان، عَن عَمرو، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «مَا مَاتَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاء» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 قَالَ الشَّافِعِي: كَأَنَّهَا تَعْنِي اللَّاتِي (حُظِرْنَ) عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: (لَا يحل لَك النِّسَاء) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان إِلَى قَوْله (النِّسَاء) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَيْضا. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَلَفظه: «حَتَّى أُحِلَّ لَهُ من النِّسَاء مَا شَاءَ» . وَفِي رِوَايَة للنسائي: «حَتَّى أُحِلَّ لَهُ أَن يتزوَّج من النِّسَاء مَا شَاءَ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ: «حَتَّى أحَلَّ الله لَهُ أَن يتزوَّج» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ، ومَنْ وَافقه، ثمَّ ذكر كَلَام الشَّافِعِي السالف، قَالَ: وأحسبُ قَوْل عَائِشَة: «أُحِلَّ لَهُ النِّسَاء» بقول الله تَعَالَى: (يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك اللاتى آتيت أُجُورهنَّ (إِلَى قَوْله: (خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ) . وَبِهَذَا الْجَواب أجَاب ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» حَيْثُ قَالَ: يشبه أَن يكون الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ السَّلَام - حُرِّم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 عَلَيْهِ النِّسَاء مُدَّة ثمَّ أُحِلَّ لَهُ (من) النِّسَاء قَبْل مَوته تفضُّلاً تُفُضِّل عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يكون بَين الْخَبَر وَالْكتاب تضادٌ وَلَا تهاترٌ، قَالَ: وَالَّذِي يدل عَلَى هَذَا قولُ عَائِشَة: «مَا مَاتَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى أُحِلَّ لَهُ من النِّسَاء» أرادتْ بذلك إِبَاحَة بعد حَظْرٍ متقدِم عَلَى ذَلِك. الحَدِيث الْعَاشِر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمَّا نزلتْ آيةُ التَّخْيِير بَدَأَ بعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَقَالَ: إنى ذاكرٌ لكِ أمرا؛ فَلَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الحَدِيث الرَّابِع، وَهَذَا مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى وَجه الْإِرْشَاد لَهَا؛ فَإِنَّهُ خشِي عَلَيْهَا لحداثة سِنِّهَا أَن تخْتَار زينةَ الدُّنْيَا فتتأذَّى هِيَ و [أبواها] . الحَدِيث الْحَادِي عشر قَالَ الرافعيُّ: وَمِنْهَا: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا يَأْكُل البصلَ والثومَ والكُرَّاث» وَهل كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَان، أشبههما: لَا، وَلكنه كَانَ يمْتَنع كَيْلا يتأذَّى المَلَكُ بِهِ. وروُي: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتي بِقِدْرٍ فِيهَا بُقُولٌ، فَوَجَدَ لَهَا ريحًا، فَقَرَّبها إِلَى بعض أَصْحَابه وَقَالَ: كُلْ؛ فَإِنِّي أُناجي مَنْ لَا تُناجي» . وَهَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 حَدِيث جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثومًا أَو بصلاً فليتركْ مَسْجِدنَا (وليقعد) فِي بَيته، وأُتي بِقِدْرٍ فِيهِ خضراتٌ من الْبُقُول؛ فَوَجَدَ لَهَا ريحًا، فَسَأَلَ فأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُول، فَقَالَ: قرِّبوها - إِلَى بعض أَصْحَابه - فلمّا رَآهُ كَرِهَ أكْلَهَا، فَقَالَ: كُلْ، فَإِنِّي أُناجي مَنْ لَا تُناجي» . فَائِدَة: رَوَى أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث: بَقِيَّة، عَن (بحير بن سعد) عَن خَالِد بن معدان، عَن أبي زيادٍ خِيَار بن سَلمَة قَالَ: «سألتُ عَائِشَة عَن أكْلِ البصل (فَقَالَت) : آخِرُ طعامٍ أَكَلَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَفِيه بصل» . هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَإِسْنَاده صَالح، وَأخرجه كَذَلِك أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» . الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا يَأْكُل مُتكئا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَفِي «البُخَارِيّ» من حَدِيث أبي جُحَيْفَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كنتُ عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لرجلٍ عِنْده: أَنا لَا آكُلُ وَأَنا مُتَّكِئٌ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» و «شمائله» وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: المُتَّكِئُ - هُنَا - هُوَ الْجَالِس مُعْتَمدًا عَلَى وِطَاءٍ تَحْتَهُ. قَالَ: وَأَرَادَ أَنه لَا يقْعد عَلَى الوطاء والوسائد كفعْل مَنْ يُرِيد الْإِكْثَار من الطَّعَام؛ بل (يقْعد) مستوفزًا لَا مستوطنًا، وَيَأْكُل بُلْغَة. هَذَا كَلَام الْخطابِيّ، وَنَقله عَنهُ البيهقيُّ فِي «سنَنه» فِي بَاب الْأكل متكِئًا، وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فِيهِ بُعْدٌ. وَالْمَشْهُور أَن المُرَاد بالاتكاء فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ الِاعْتِمَاد عَلَى أحد الْجَانِبَيْنِ، وَهَذِه الْهَيْئَة هِيَ الَّتِي نفاها النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن نَفْسه؛ وَلِأَنَّهَا فِعْلُ المتكبرين والجبارين، وَيدل عَلَيْهِ الحَدِيث الْآتِي بعد ذَلِك: «أَنا عَبْدٌ، آكُلُ كَمَا (يَأْكُل العَبْد) » . وَقَوله: «إِن الله جعلني عَبدًا كَرِيمًا، وَلم يَجْعَلنِي جبارًا عصيًّا» . وَجَاء فِي «صَحِيح مُسلم» عَن أنس قَالَ: «رأيتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَالِسا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 مُقْعِيًا يَأْكُل تَمرا» . والمُقْعِي هُوَ: الَّذِي يُلصق أليتيه بِالْأَرْضِ وَينصب سَاقيه. وَأما حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم خَيْبَر أكل مُتكئا» . فضعيفٌ جدًّا، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أبي: هَذَا حَدِيث بَاطِل. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ: أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَنا آكلُ كَمَا يَأْكُل العبْد، وأجلس كَمَا يجلس العبْد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «شعب الْإِيمَان» مُرْسلا عَن يَحْيَى بن أبي كثير: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «آكُلُ كَمَا يَأْكُل العَبْد، وأجلس كَمَا يجلس العَبْد،؛ فَإِنَّمَا أَنا عَبْدٌ» . وَرَوَاهُ فِي «سنَنه» بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: رُوي: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْكُل مُقْعِيًا، وَيَقُول: أَنا عبد، آكل كَمَا تَأْكُل العبيد» . وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» بِغَيْر إسنادٍ، فَقَالَ: رُوِيَ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إِنَّمَا أَنا عَبْدٌ، أكُلُ كَمَا يَأْكُل العَبْد» . وأسنده ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» (من) حَدِيث أنس: «بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُتكئا عَلَى طُعَيم لَهُ يَأْكُل إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، أَلا إِن الاتكاء من النِّعْمَة، قَالَ: فَاسْتَوَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَاعِدا عِنْدهَا، ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنا عبد، آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد، وأشرب كَمَا يشرب العَبْد. قَالَ أنس: فَمَا رأيتُه مُتكئا بَعْدُ» . وَرَوَاهُ أَيْضا فِي «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث عَطاء بن يسَار: «أَن جِبْرِيل نظر إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّة يَأْكُل مُتكئا، فَقَالَ: أكْلُ الْمُلُوك! فَجَلَسَ» . وَله طَرِيق آخر من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - رَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه (الْوَفَاء» من طريقها قَالَت: «يَا رَسُول الله، كُلْ، جعلني الله فدَاك (مُتكئا) فَإِنَّهُ أَهْون عليكَ، قَالَ: آكل كَمَا يأكلُ العَبْد، وأجلس كَمَا يجلس العبْد» . وَفِي سَنَده (عبيد الله بن الْوَلِيد الْوَصَّافِي) وَهُوَ مَتْرُوك. وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ فِي كِتَابه «أَخْلَاق النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» من حَدِيث أبي معشر، عَن سعيد المَقْبُري، عَن عَائِشَة أَيْضا بِلَفْظ: «آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد، وأجلس كَمَا يجلس العبْد» . و (أَبُو معشر) هَذَا هُوَ: نجيح السندي، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث. وَله طَرِيق آخر من حَدِيث جَابر، أخرجه أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، عَن سعيد بن أبي صَدَقَة، عَن يَعْلى بن (حَكِيم) عَن جَابر - رَفعه -: «إِنَّمَا أَنا عبْد، آكل كَمَا يَأْكُل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 العَبْد، وأجلس كَمَا يجلس العَبْد» . وَهَذَا إِسْنَاد لَا أعلم بِهِ بَأْسا، و «يعْلى» الظَّاهِر أَنه النُّفَيْلِي وَهُوَ يروي عَن التَّابِعين، وَعنهُ حمادُ بْنُ زيد. وَفِي « (سنَن) الْبَيْهَقِيّ» و «دَلَائِل النُّبُوَّة» (لَهُ) من حَدِيث بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَبَّاس (قَالَ كَانَ ابْن عَبَّاس) يحدث: «أَن الله - عَزَّ وَجَلَّ - أرسل إِلَى نبيه - عَلَيْهِ السَّلَام - ملكا من الْمَلَائِكَة، مَعَه جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَقَالَ المَلَكُ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الله يُخَيِّرك بَين أَن تكون عَبْدًا نبيًّا وَبَين أَن تكون مَلِكًا نَبِيًّا، فالتفتَ نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كالمستشير لَهُ؛ فَأَشَارَ جبريلُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنْ تواضع، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: بل أكون عبدا نبيًّا. قَالَ: فَمَا أَكَلَ بعد تِلْكَ الْكَلِمَة طَعَاما مُتكئا حَتَّى لَقِي (اللَّهَ) تَعَالَى» . وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث أبي زرْعَة قَالَ: وَلَا أعلمهُ إِلَّا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «جلس جبريلُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَنظر إِلَى السَّمَاء فَإِذا ملك ينزل فَقَالَ جِبْرِيل: إِن هَذَا الْملك مَا نزل مُنْذُ (يَوْم) خُلِقَ قَبْل السَّاعَة، فَلِمَ أنْزِلَ؟ ، قَالَ: يَا مُحَمَّد، أرْسَلني إِلَيْك ربُّك: أفَمَلَكًا نبيًّا يجعلك أَمْ عَبْدًا رَسُولا، قَالَ جِبْرِيل: تواضع لِرَبِّك يَا مُحَمَّد، قَالَ: بل عبدا رَسُولا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِذا لبس لأمته أَن يَنْزِعهَا، حَتَّى يَلْقَى العدوَّ ويقاتِلُ» . هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي بَاب قَول الله تَعَالَى (وشاورهم فِي الْأَمر) بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: «وشاور النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَصْحَابه يَوْم أحد فِي الْمقَام وَالْخُرُوج، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوج، فَلَمَّا لبس لأمته وعزم قَالُوا: أقِم. فَلم يمل إِلَيْهِم بعد الْعَزْم وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ يلبس لأْمَتَهُ فَيَضَعهَا حَتَّى يحكم الله» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة أبي الْأسود، عَن عُرْوَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا (أَخذ) لأمة الْحَرْب وَأذن فِي النَّاس بِالْخرُوجِ إِلَى الْعَدو أَن يرجع حَتَّى يُقَاتل» . وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، ذكره ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب «الْمَغَازِي» عَن شُيُوخه من أهل الْمَغَازِي وَهُوَ عَام فِي أهل الْمَغَازِي وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد كتبناه مَوْصُولا بِإِسْنَاد حسن ... فَذكره من رِوَايَة ابْن عَبَّاس. قلت: وَوَصله أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث جَابر أَيْضا قَالَ: حَدثنَا عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد، أبنا أَبُو الزبير، عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 الله (قَالَ: «رَأَيْت كَأَنِّي فِي درع حَصِينَة وَرَأَيْت بقرًا منحرة، فأولت أَن الدرْع الحصينة الْمَدِينَة، وَأَن الْبَقر نفر، وَالله خير. فَقَالَ (أَصْحَابه) : لَو أَنا أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ؛ فَإِن دخلُوا علينا قاتلناهم. (فَقَالُوا) : يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا دخل علينا فِيهَا (فِي) الْجَاهِلِيَّة، فَكيف يدْخل (علينا) فِيهَا فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: شَأْنكُمْ إِذا. فَلبس لأمته فَقَالَ الْأَنْصَار: رددنا عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأْيه! (فَجَاءُوا) فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، شَأْنك إِذا. فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ لنَبِيّ إِذا لبس لأمته أَن يَضَعهَا حَتَّى يُقَاتل» . فَائِدَة: اللأمة مَهْمُوزَة كَذَا قيدها القَاضِي عِيَاض فِي «مشارقه» وَكَذَا نَص عَلَيْهِ ابْن فَارس، وفسرها بالدرع (وَكَذَا قيدها بِهِ صَاحب «منَّة اللُّغَة» إِلَّا أَنه جعلهَا الدرْع التَّامَّة) وَكَذَا قيدها (بِهِ) الأجدابي فِي كِتَابه «كِفَايَة المتحفظ» . الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ خَائِنَة الْأَعْين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة سعد بن أبي وَقاص قَالَ: «لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة أمَّنَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَيْنِ سماهم وَابْن أبي سرح ... » فَذكر الحَدِيث، قَالَ: «وَأما ابْن أبي سرح فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان، فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ حَتَّى أوقفهُ عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا نَبِي الله، بَايع عبد الله. فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى، فَبَايعهُ بعد ثَلَاث، ثمَّ أقبل عَلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أما كَانَ مِنْكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين رَآنِي كَفَفْت يَدي عَن مبايعته فيقتله. فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُول الله مَا فِي نَفسك (أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك) . قَالَ: إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط (مُسلم) . فَائِدَة: «خَائِنَة الْأَعْين» كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ: هِيَ الْإِيمَاء إِلَى مُبَاح من ضرب أَو قتل عَلَى خلاف مَا يظْهر ويشعر بِهِ الْحَال. قَالَ: وَإِنَّمَا قيل لَهُ خَائِنَة الْأَعْين؛ لِأَنَّهُ يشبه الْخِيَانَة من (حَيْثُ) أَنه يخْفَى. وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي «مشكله» : اخْتلف فِي المُرَاد بخائنة الْأَعْين؛ فَقيل فِي تَفْسِيرهَا هُنَا: هِيَ الْإِيمَاء بِالنّظرِ، وَقيل: مسارقة النّظر. الحَدِيث السَّادِس عشر «اشْتهر عَنهُ (أَنه كَانَ (إِذا) أَرَادَ سفرا وَرى بغَيْرهَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 هَذَا (حَدِيث) صَحِيح فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن [عبد الله بن كَعْب] بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب قَالَ: سَمِعت كَعْب بن مَالك يحدث حِين تخلف عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... فَذكر الحَدِيث قَالَ: «وَلم يكن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُرِيد غَزْوَة يغزوها إِلَّا (وَرى) بغَيْرهَا» . الحَدِيث السَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نكح امْرَأَة ذَات جمال، فلقنت أَن تَقول لرَسُول (: أعوذ بِاللَّه مِنْك، وَقيل لَهَا: إِن هَذَا كَلَام يُعجبهُ، فَلَمَّا قَالَت ذَلِك قَالَ (: لقد استعذت بمعاذ، الحقي بأهلك» . هَذَا صَحِيح عَلَى غير هَذِه الصُّورَة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ، فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أَن ابْنة الجون لما دخلت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ودنا مِنْهَا قَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك! فَقَالَ لَهَا: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» وَفِيه وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ: أَي أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استعاذت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 مِنْهُ؟ فَقَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَة عَن عَائِشَة «أَن ابْنة الجون لما دخلت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ودنا مِنْهَا قَالَت: أعوذ (بِاللَّه) مِنْك!» عزاهُ الْمزي إِلَيْهِمَا فِي كتاب الطَّلَاق، وَفِي النَّسَائِيّ أَن هَذِه الْمَرْأَة كلابية - يَعْنِي: من بني كلاب - وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن عمْرَة بنت الجون تعوذت من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين أدخلت عَلَيْهِ فَقَالَ: لقد عذت بمعاذ. وَطَلقهَا (وَأمر) أُسَامَة أَو أنسا فيمتعها بِثَلَاثَة أَثوَاب رازقية» وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» (وَهُوَ من أَفْرَاده) عَن أبي أسيد قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى انطلقنا إِلَى حَائِط يُقَال لَهُ: (الشوط) حَتَّى انتهيا إِلَى حائطين جلسنا بَينهمَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اجلسوا هَاهُنَا. وَقد أُتِي (بالجونية) فأنزلت فِي نخل فِي بَيت وَمَعَهَا دابتها - حاضنة - فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: هبي نَفسك لي. فَقَالَت: وَهل تهب الملكة نَفسهَا للسوقة؟ ! قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يضع يَده عَلَيْهَا لتسكن فَقَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك! قَالَ: قد عذت بمعاذ. ثمَّ خرج علينا فَقَالَ: يَا أَبَا أسيد، اكسها رازقتين وألحقها بِأَهْلِهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي أسيد وَسَهل بن سعد قَالَا: «تزوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُمَيْمَة بنت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 شرَاحِيل، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ بسط يَده عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا كرهت ذَلِك، فَأمر أَبَا أسيد أَن (يجهزها) ويكسوها ثَوْبَيْنِ رازقين» . وَرَوَاهُ مُسلم فِي الْأَشْرِبَة من حَدِيث سهل، وَحَدِيث البُخَارِيّ أتم كَمَا قَالَه عبد الْحق فِي «جمعه» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد عَن أبي أسيد وَسَهل [قَالَا] : «مر بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَاب لَهُ فخرجنا مَعَه حَتَّى انطلقنا إِلَى حَائِط يُقَال لَهُ: الشوط حَتَّى انتهينا إِلَى حائطين مِنْهَا جلسنا بَينهمَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اجلسوا. وَدخل هُوَ وَأتي بالجونية أُمَيْمَة بنت [النُّعْمَان] بن شرَاحِيل فَنزلت فِي بَيت فِي النّخل وَمَعَهَا دَابَّة لَهَا، فَدخل عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: هبي لي نَفسك. قَالَت: وَهل تهب الملكة نَفسهَا للسوقة، إِنِّي أعوذ بِاللَّه مِنْك! . قَالَ: (لقد) عذت بمعاذ. ثمَّ خرج علينا فَقَالَ: يَا أَبَا [أسيد] اكسها فارسيتين وألحقها بِأَهْلِهَا» وَفِي لفظ لَهُ «اكسها رازقتين» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: لقد عذت بمعاذ - ثَلَاثًا» . وَأما الحَدِيث بالصورة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ فتبع فِيهِ الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي «مشكله» : هَذِه اللَّفْظَة - يَعْنِي: «أَن نِسَاءَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 علمنها ذَلِك» لم أجد لَهَا أصلا (ثَابتا) ، قَالَ: والْحَدِيث فِي « (صَحِيح) البُخَارِيّ» بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة (الْبَعِيدَة وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هَذِه الزِّيَادَة) بَاطِلَة لَيست بصحيحة. قَالَ: وَقد رَوَاهَا مُحَمَّد بن سعد فِي «طبقاته» لَكِن بِإِسْنَاد ضَعِيف. قلت: وأخرجها أَيْضا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، قَالَ: ذكر هِشَام بن مُحَمَّد أَن ابْن الغسيل حَدثهُ، عَن حَمْزَة بن أبي أسيد السَّاعِدِيّ، عَن أَبِيه - وَكَانَ بدريًّا - قَالَ: «تزوج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَسمَاء بنت النُّعْمَان الْجَوْنِية فَأرْسل إِلَيّ، فَجِئْته بهَا فَقَالَت حَفْصَة لعَائِشَة: اخضبيها أَنْت وَأَنا أمشطها. فَفَعَلَتَا، ثمَّ قَالَت لَهَا إِحْدَاهمَا: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُعجبهُ من الْمَرْأَة إِذا دخلت عَلَيْهِ أَن تَقول: أعوذ بِاللَّه مِنْك. فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ أغلق الْبَاب وأرخى السّتْر وَمد يَده إِلَيْهَا قَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بكمه عَلَى وَجهه فاستتر بِهِ وَقَالَ: عذت بمعاذ - ثَلَاث مَرَّات. قَالَ أَبُو أسيد: ثمَّ خرج عليَّ فَقَالَ: يَا أَبَا أسيد، ألحقها بِأَهْلِهَا ومتعها برازقين - يَعْنِي: كرباسين - فَكَانَت تَقول: ادْعُونِي: الشقية!» ثمَّ رَوَى عَن الْوَاقِدِيّ بِسَنَدِهِ «أَنه دخل عَلَيْهَا دَاخل من النِّسَاء لما بلغهن من جمَالهَا - وَكَانَت من أجمل النِّسَاء - فَقَالَت: إِنَّك من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 الْمُلُوك؛ فَإِن كنت تريدين أَن تحظين عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاستعيذي مِنْهُ؛ فَإنَّك تحظين عِنْده ويرغب (فِيك) » . واستبعد بَعضهم صُدُور هَذَا القَوْل من نسَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَعَ شرفهن بِصُحْبَتِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بالقوى؛ فَإِن الْغيرَة وَالْحب لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والحرص عَلَى عدم مشاركتهن فِيهِ قد تحملهن عَلَى قريبٍ من ذَلِك؛ إِذْ جَاءَ فِي «الصَّحِيح» تواطؤ عَائِشَة وَصفِيَّة وَسَوْدَة عَلَى أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا دخل عَلَيْهِنَّ يَقُلْنَ لَهُ: «أكلتَ مَغَافِير ... » الحديثَ. فَائِدَة: اخْتلف فِي اسْم هَذِه المستعيذة، فَفِي «صَحِيح البخاريِّ» و «مُسْند أَحْمد» أَن اسْمهَا: أُمَيْمَة. وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي «مبهماته» أَن اسْمهَا: أَسمَاء. قَالَ الْكَلْبِيّ هِيَ: أَسمَاء بنت النُّعْمَان بن الْحَارِث بن شرَاحِيل بن عبيد بن الجون. وَبِه جزم أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» فَذكر بِسَنَدِهِ إِلَى قَتَادَة أَن بَعضهم زعم أَنَّهَا قَالَت: «أعوذ باللَّهِ مِنْكَ قَالَ: لقد عُذْتِ بِمَعَاذٍ منيِّ، وَقد أعاذكِ اللَّهُ مِنِّي. فَطلقهَا» قَالَ قَتَادَة: وَهَذَا بَاطِل. كَذَا قَالَ: «هَذِه امْرَأَة مِنْ بِلْعَنْبَر، مِنْ سَبْي ذَات الشقوق، وَكَانَت جميلَة، فَقُلْنَ لَهَا: إِنَّه يُعجبهُ أَن [تقولي] : أعوذ بِاللَّه مِنْكَ ... » الحديثَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 وَجزم بِهِ أَيْضا ابْن الصّلاح فِي «مشكله» ، (وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ) مَعًا الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» ثمَّ ابْنُ الْأَثِير فِي «جَامع الْأُصُول» وقدَّم الثَّانِي، قَالَا: وَقيل: هِيَ مليكَة بنت كَعْب اللَّيْثِيّ وَحَكَى الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» قولا آخر أَن اسْمهَا: عمْرَة بنت زيد بن عبيد بن روس بن كلاب (بن عَامر) ، وقولاً آخر: أَنَّهَا (الْعَالِيَة بنت ظبْيَان بن عَمْرو بن عَوْف بن كَعْب بن عبيد بن بكر بن كلاب، وقولًا آخر أَنَّهَا) سناء بنت سُفْيَان بن عَوْف بن كَعْب بن عبيد بن بكر بن كلاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي آخر «دَلَائِل النُّبُوَّة» : وروينا فِي حَدِيث أبي أسيد السَّاعِدِيّ فِي قصَّة الْجَوْنِية الَّتِي استعاذت فألْحَقَهَا بِأَهْلِهَا؛ أَن اسْمهَا: أُمَيْمَة بنت النُّعْمَان بن شرَاحِيل. قَالَ: وَذكر ابْن مَنْدَه فِي كتاب «الْمعرفَة» أَنَّهَا أُمَيْمَة بنت النُّعْمَان، وَأَنه يُقَال لَهَا: فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك، وَيُقَال: إِنَّهَا مليكَة الليثية، قَالَ: وَالصَّحِيح أَنَّهَا: أُمَيْمَة (قلت: فتحصلنا من هَذَا الِاخْتِلَاف فِي أَنَّهَا عَلَى سَبْعَة أَقْوَال؛ أَصَحهَا: أُمَيْمَة) وَثَانِيها: أَسمَاء، وَثَالِثهَا: عمْرَة، وَرَابِعهَا: فَاطِمَة، وخامسها: مليكَة، وسادسها: سناء، وسابعها: الْعَالِيَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «زوجاتي فِي الدُّنْيَا: زوجاتي فِي الْآخِرَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من رِوَايَة ابْن أبي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «سَأَلت رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - أَن لَا أُزوج أحدا من أُمَّتي، وَلَا أتزوَّج إِلَّا كَانَ معي فِي الْجنَّة؛ فَأَعْطَانِي» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث حُذَيْفَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَنه قَالَ لامْرَأَته: إِن سرَّكِ أَن تَكُونِي زَوْجَتي فِي الْجنَّة؛ فَلَا تزوَّجي بَعْدي؛ فَإِن الْمَرْأَة فِي الْجنَّة لآخِرِ أزواجها فِي الدُّنْيَا، فَلذَلِك حَرُم عَلَى أزاوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن ينكحن بعده؛ لِأَنَّهُنَّ أَزوَاجه فِي الْجنَّة» . الحَدِيث التَّاسِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اصْطَفَى صَفِيَّة بِنْتَ حُيَيٍّ، وأعتقها، وتزوَّجها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صلَّى الصُّبْحَ (بِغَلَس) ثمَّ ركب، فَقَالَ: الله أكبر، خربتْ خَيْبَر، إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فساءَ صباحُ المُنْذَرِيْنَ فَخَرجُوا يسعون فِي السِّكَك وَيَقُولُونَ: مُحَمَّد وَالْخَمِيس! قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 وَالْخَمِيس: الْجَيْش، فَظهر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَيْهِم، فَقتل (المَقَاتلة) وسَبَى الذَّرَارِي، فَصَارَت صَفِيَّة لدحية الْكَلْبِيّ، وَصَارَت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ تزَوجهَا، وَجعل عتقهَا صَدَاقَهَا» لفظ إِحْدَى رواياتهم. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» عَن عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قَالَت: «كَانَت صَفِيَّة من الصَّفِيِّ» . فَيُحْتَاج إِذا إِلَى تَأْوِيل رِوَايَة «الصَّحِيح» : أَنَّهَا وَقعت فِي سَهْم دحْيَة الْكَلْبِيّ، فَأعْطَاهُ بهَا مَا أرادَ، أَو اشْتَرَاهَا بِسَبْعَة أرؤس. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اصْطَفَى سَيْفَهُ ذَا الفقار» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من رِوَايَة ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (تنفل) سَيْفه ذَا الفقار يَوْم بدر، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْم أُحُد» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ ابْن الْقطَّان وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، وَلم يبال الحاكمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 بِهَذَا وَأخرجه فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَإِنَّمَا أخرجته فِي هَذَا الْموضع لأخبارٍ واهية: «إِن ذَا الفقار من خَيْبَر» . قلت: وَمِنْهَا: مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان أبي شيبَة، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن الْحجَّاج بن علاط السّلمِيّ أهْدَى لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَيْفه ذَا الفقار، ودحية الْكَلْبِيّ أهْدَى لَهُ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاء» . آفَتُهُ إِبْرَاهِيم هَذَا؛ فَإِنَّهُ واهٍ، وَأَيْضًا الحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا خَمْسَة أَحَادِيث أَو أَرْبَعَة، كَمَا عددتُها فِي أثْنَاء بَاب الْجُمُعَة (وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا) . فَائِدَة: فِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» من حَدِيث ابْن عَبَّاس - بِإِسْنَاد ضَعِيف - قَالَ: «كَانَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سيف، قائمته من فضَّة وقبعته من فضَّة، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الفقار» . وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة مَرْزُوق: «أَنه صقل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَا الفقار، وَكَانَت لَهُ قبيعة من فضَّة، وحِلَق فِي قَيده، وبكرة فِي وَسطه من فضَّة» . فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه «تصاحيف الروَاة» : الفقار: مَفْتُوح الْفَاء، والعامة تكسرها. قَالَ الْأَصْمَعِي - فِيمَا حَكَاهُ ابْن بري عَنهُ -: «رأيتُ ذَا الفقار عَلَى الرشيد فِيهِ ثَمَانِي عشرَة فقارة» ويُرْوى: «أَنه كَانَ مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن، فَأعْطَاهُ رجلا لَهُ عَلَيْهِ أَرْبَعمِائَة دِينَار، وَقَالَ: ائْتِ بِهَذَا السَّيْف أعْطِيه مَنْ شِئْتَ ويعطيك مَالك. فَبَقيَ عِنْد الرجل (حَتَّى أَخذه مِنْهُ جَعْفَر) بن سُلَيْمَان، وَأَعْطَاهُ المَال، ثمَّ أَخذه الْمهْدي من جَعْفَر، ثمَّ صَار إِلَى مُوسَى (الرِّضَى) فَضرب بِهِ كَلْبا فَانْقَطع» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ الاستبداد بخُمْس الخُمْس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد نطق بِهِ الكتابُ الْعَزِيز، مَعَ أَحَادِيث شهيرةٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء، كَمَا سلف فِي بَابه. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ دُخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 هَذَا صَحِيح، فَفِي « (صَحِيح) مُسلم» من حَدِيث جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء بِغَيْر إحرامٍ» . وَفِيه وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» أَيْضا من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «أَن رَسُول (دخل عَام فتح مَكَّة، وَعَلَى رَأسه المِغْفَر، فلمَّا نَزَعَةُ جَاءَهُ رجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن ابْن خطل متعلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة! فَقَالَ: اقْتُلُوه» . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَّث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب: قَسْم الْفَيْء وَالْغنيمَة. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ» . هَذَا اسْتدلَّ لَهُ البيهقيُّ بِحَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أَن هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح، وَلَيْسَ يعطيني مَا يَكْفِينِي وَوَلَدي، إِلَّا مَا أخذتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يعلم؟ فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وولدكِ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 وَفِي كَون هَذَا قَضَاء نظر، فضلا عَن كَونه قَضَاء بِعِلْم، سَتَعْلَمُهُ فِي بَاب الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَهُ أَن يَقْبَلَ شَهَادَة من يشهدُ لَهُ» هَذَا صَحِيح، وَيشْهد لَهُ حَدِيث خُزَيْمَة فِي قصَّة الْفرس الَّذِي بَاعه لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَلِك الْأَعرَابِي ثمَّ أنكرهُ، وَأَرَادَ أَن يَبِيعهُ لغيره بأزيد مِمَّا باعهِ لَهُ وَقَالَ: « (هَلُمَّ) شَهِيدا يشْهد أَنِّي بَايَعْتُك؟ ، فَقَالَ خُزَيْمَة: أشهد أَنَّك قد بايَعْتَه، فأقبَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى خُزَيْمَة وقَال: بِمَ تشهد؟ قَالَ بتصديقك يَا رَسُول الله، فَجعل عَلَيْهِ السَّلَام شَهَادَة خُزَيْمَة بِشَهَادَة رجلَيْنِ» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه أَبُو دَاوُد، وصححها الْحَاكِم، وَخَالف ابْنُ حزم فأعله. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا ينْتَقض وضوءه بِالنَّوْمِ» . هَذَا صَحِيح؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ... فِي الْوتر: «إِن عَيْني تنامان، وَلَا ينَام قلبِي» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 وَمثله أَيْضا: حَدِيث ابْن عَبَّاس الثَّابِت فِي «الصَّحِيح» (فِي) مبيته عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - و «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَام بعد أَن صلَّى حَتَّى نفخ، ثمَّ قَامَ وصلَّى وَلم يتَوَضَّأ» . الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِيمَا حَكَى صَاحب «التَّلْخِيص» : «أَنه كَانَ يجوز أَن يَدْخل الْمَسْجِد جُنُبًا» . وَلم يقبله الْقفال وَقَالَ: لَا إخَاله صَحِيحا. قلت: سلف فِي الغُسْل حديثُ أُمِّ سَلمَة فِي ذَلِك. وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعليّ: «لَا يحل لجُنُبٍ فِي هَذَا الْمَسْجِد: غَيْرِي وغيرُكَ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، قَالَ: وَسمع منِّي البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث؛ وَاسْتَغْرَبَهُ. قلت: سَببه أَن مَدَاره عَلَى سَالم بْنِ أبي حفصةُ، وعطية الْعَوْفِيّ، وهما ضعيفان جدا (شيعيان) متَّهمان فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، وَقد أَجمعُوا عَلَى تَضْعِيف سَالم، وعلَّلوه بالتشيُّع، وَالْجُمْهُور عَلَى تَضْعِيف عَطِيَّة، فيُعْترض إِذًا عَلَى الترمذيِّ فِي تحسينه لَهُ، لَا جرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 اعْترض عَلَيْهِ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «مرج الْبَحْرين» لَكِن قد يُقَال: لَعَلَّه اعتضد عِنْده بشاهدٍ آخر أَو متابع فَصَارَ حَسَنًا بِهِ، وَقد ذكره البغويُّ فِي «مصابيحه» عَلَى اصْطِلَاحه وَنقل بَعضهم عَن ابْن الْجَوْزِيّ أَنه نسبه إِلَى الْوَضع. قلت: وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْحسن بن زيد، عَن خَارِجَة بن سعد، عَن أَبِيه سعد بن أبي وَقاص قَالَ: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعليِّ: لَا يحل لأحدٍ أَن يَجْنُبَ فِي هَذَا الْمَسْجِد: غَيْرِي وغيرُكَ» . قَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا الْكَلَام لَا نعلمهُ يُرْوى عَن سعد إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلَا نَعْلم رَوَى عَن خَارِجَة بن سعد إِلَّا الحَسَنَ هَذَا. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عَمْرة بنت أَفْعَى، عَن أُمِّ سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يَنْبَغِي لأحدٍ يَجْنُبُ فِي هَذَا الْمَسْجِد إِلَّا أَنا وعليٌّ» فِيهِ عبد الْجَبَّار بن الْعَبَّاس، أَظُنهُ (الشبامي) وَفِيه خلف، قَالَ ابْن معِين وَأَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة. وَقَالَ الْجوزجَاني: غال فِي سوء مذْهبه - يَعْنِي: التَّشَيُّع. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع (عَلَى) حَدِيثه، وَكَانَ يتشيع. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 أَحْمد: أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس ثَنَا عَنهُ وَكِيع وَأَبُو نعيم، لكنه كَانَ يتشيع، وأسرف أَبُو نعيم فَقَالَ: لم يكن بِالْكُوفَةِ أكذب مِنْهُ. فَائِدَة: مُقْتَضَى هَذَا الحَدِيث اشْتِرَاك عَلّي مَعَه فِي ذَلِك، وَلم يَقُلْ بِهِ أحدٌ من الْعلمَاء، وَذكر التِّرْمِذِيّ (عقب) إِيرَاده الحَدِيث السالف عَن ضرار بن صرد أَن مَعْنَى الحَدِيث لَا يَسْتَطْرِقهُ جُنُبا غَيْرِي وغيركَ. وَهَذَا التَّفْسِير فِيهِ نظر؛ فَإِن هَذَا الحُكْم لَا يخْتَص بِهِ؛ بل أُمَّته كَذَلِك بِنَصِّ الْقُرْآن. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي اتخذتُ عنْدك عهدا لن تُخْلِفَنيهُ، وَإِنَّمَا أَنا بَشَرٌ، فأيُّ الْمُؤمنِينَ آذيتُه أَو شَتَمْتُه أَو لَعَنْتُه فاجعلها زَكَاة وَصَلَاة وقُربةً [تُقَرِّبُهُ بهَا] إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِنَّمَا أَنا بشر، أغضب كَمَا يغْضب البَشَرُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 فإيما رجل من الْمُسلمين سَبَبْتُهُ أَو لَعَنْتُهُ أَو جَلَدْتُه؛ فاجعلها لَهُ صَلَاة وَزَكَاة وقُرْبَهً تقرِّبه بهَا إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة، واجعلْ ذَلِك كَفَّارَة لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَو جَلَدُّهُ» . قَالَ أَبُو الزِّنَاد: وَهِي لُغَة أبي هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا هِيَ: «جَلَدْتُه» . وَرَوَى مُسلم نَحوه من حَدِيث (أنس و) جَابر وَعَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَلَفظ أَحْمد فِي حَدِيث أنسٍ: «أَيّمَا إِنْسَان من أُمَّتي دعوتُ الله عَلَيْهِ أَن يَجْعَلهَا لَهُ مغْفرَة» . وَفِيه قصتُهُ مَعَ حَفْصَة، وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أَبَى سعيدٍ الْخُدْرِيّ أَيْضا. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَاتَ عَن تِسْعِ نِسْوةٍ» . هَذَا صَحِيح مَشْهُور، لَا يحْتَاج إِلَى عَزْوٍ، وَفَى «الْأَحَادِيث المختارة» للضياء الْمَقْدِسِي من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تزوَّج خَمْسَ عشرَة، وَدخل مِنْهُنَّ بِإِحْدَى عشرَة، وَمَات عَن تِسْعٍ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 وَقد ذكرتُ عَدَدَهُن مَعَ الْخلاف فِيهِ مُسْتَوفى فِي كتابي: «غَايَة السُّول فِي خَصَائِص الرَّسُول» فليراجعْ مِنْهُ. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ «قصَّة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَعَ زيدٍ حِين طلَّق زيدٌ زَوْجَتَه، وَتَزَوجهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذِه الْقِصَّة صَحِيحَة مَشْهُورَة، وَمِمَّنْ رَوَاهَا: البخاريُّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «جَاءَ زيد بن حَارِثَة يشكو، فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: اتّقِ الله وأمسكْ عَلَيْك زَوْجَكَ. قَالَ أنس: لَو كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَاتِما شَيْئا لكَتم هَذِه الْآيَة. قَالَ: وَكَانَت تفتخر عَلَى نسَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَقول: زوّجكنَّ أهالِيكُن، وزوَّجني اللَّه مِنْ فَوق سبع سموات!» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ثَابت: (وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه) : نزلتْ فِي شَأْن زَيْنَب بنت جحش وَزيد بن حَارِثَة» . وَرَوَى مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «لَو كَانَ مُحَمَّد كَاتِما شَيْئا مِمَّا أُنزل عَلَيْهِ لكَتم هَذِه الْآيَة: (وَإِذ تَقول (الآيةَ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 وَرَوَى التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث أنس أَيْضا قَالَ: (لمَّا نزلت هَذِه الْآيَة: (وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه (فِي شَأْن زَيْنَب بنت جحش، جَاءَ زيدٌ يشكو، فهمَّ بِطَلَاقِهَا، فاستأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أمسكْ عَلَيْك زَوجك واتَّقِ الله» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا. وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» فِي ترجمتها، من حَدِيث الْوَاقِدِيّ عَن عُمر بن عُثْمَان، عَن أَبِيه قَالَ: «قَدِمَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَدِينَة، وَكَانَت زَيْنَب بنت جحش ممَّن هَاجَرت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَت امْرَأَة جميلَة، فَخَطَبَهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى زيْدِ بْنِ حَارِثَة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، لَا أرضاه لنَفْسي وَأَنا أيم قُرَيْش! قَالَ: فَإِنِّي قد رضيتُ لكِ. فتزوَّجها زيد بن حَارِثَة» . قَالَ [ابْن] عمر - وَهُوَ الواقديُّ -: فحدَّثني عبد الله بن عَامر الْأَسْلَمِيّ، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان قَالَ: «جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَيْتَ زيدِ بْنِ حَارِثَة فَطَلَبه، وَكَانَ زيد إِنَّمَا يُقَال لَهُ: زيد بن مُحَمَّد، فَرُبمَا فَقَدَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الساعةَ فَيَقُول: أَيْن زيد؟ ! فجاءَ منزله يَطْلُبهُ فَلم يجده، فتقوم إِلَيْهِ زَيْنَب فَتَقول: هَاهُنَا يَا رَسُول الله. فَوَلى يهمهم؛ لَا تَكَادُ تفْهم عَنهُ إِلَّا سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيم مصرِّف الْقُلُوب! فجَاء زيدٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 إِلَى منزله؛ فأخبرتْه امرأتُه أَن ر سَوَّلَ الله (أَتَى منزله، فَقَالَ زيدٌ: أَلا قُلْتِ لَهُ: يدخلُ؟ ! قَالَت: قد عَرَضْتُ ذَلِك عَلَيْهِ (فَأَبَى) قَالَ سَمِعْتِيْه يَقُول شَيْئا؟ قَالَت: سمعتُه يَقُول حِين وَلى يتَكَلَّم بِكَلَام لَا أفهمهُ، وسمعتُه يَقُول: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، سُبْحَانَ مصرِّف الْقُلُوب قَالَ: فَخرج زيد حَتَّى أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، بَلغنِي أَنَّك جِئْتَ منزلي؛ فهلاَّ دخلتَ؟ بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله؛ لَعَلَّ زَيْنَب أعجبتك! أُفارقُها؟ فَيَقُول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمسكْ عَلَيْك زَوجك. فَيَقُول: يَا رَسُول الله، أفارقُها؟ فَيَقُول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أمسك عَلَيْك زَوجك. فَمَا اسْتَطَاعَ زيد إِلَيْهَا سَبِيلا بعد ذَلِك، وَيَأْتِي رَسُول (فيخبره، فَيَقُول: أمسك عَلَيْك زَوجك. فَيَقُول: يَا رَسُول الله، أفارقها؟ فَيَقُول:) احْبِسْ عَلَيْك. ففارقها زيد واعتزلها وحلت، قَالَ: فَبَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَالس يتحدث مَعَ عَائِشَة إِذْ أخذت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غمية ثمَّ سري عَنهُ وَهُوَ يبتسم وَيَقُول: مَنْ يذهب إِلَى زَيْنَب يبشرها أَن الله - عَزَّ وَجَلَّ - زَوَّجْنيِهَا من السَّمَاء؛ وتلا: (وإذْ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ (الْقِصَّة كلهَا، قَالَت عَائِشَة: فأخذني مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، لِمَا كَانَ بَلغنِي مِنْ جمَالهَا، وَأُخْرَى هِيَ أعظم الْأُمُور وَأَشْرَفهَا: مَا صنع اللَّهُ لَهَا، زوَّجها الله من السَّمَاء، وَقَالَت عَائِشَة: هِيَ تفتخر علينا بِهَذَا، قَالَت عَائِشَة: فَخرجت سلْمَى خَادِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تشتد فحدثتها بذلك، فأعْطَتْهَا أَوْضَاحًا لَهَا» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لمَّا انْقَضتْ عدَّة زَيْنَب قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لزيدٍ: اذْهبْ إِلَيْهَا فاذكرها (عَلّي. قَالَ زيد: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 فَانْطَلَقت فَلَمَّا رَأَيْتهَا تخمر عَجِينهَا فَلم استطع أَن أنظر إِلَيْهَا من عظمها فِي صَدْرِي حِين عرفت أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يذكرهَا، فَقلت: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يذكرك. قَالَت: مَا أَنا بِصَانِعَةٍ) شَيْئا حَتَّى أؤامر رَبِّي! فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنزل الْقُرْآن، وَجَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى دخل عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن ... . .» الحديثَ، وَذكر فِيهِ قصَّة الْحجاب. وَرَوَى (قَتَادَة) وغيرُه فِي قَوْله تَعَالَى: (أمسك عَلَيْك زَوجك) الْآيَة، قَالَ: كَانَ يُخْفي فِي نَفسه ودَّ أَنه طَلقهَا» . وَعَن ابْن زيد: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد زوَّج زَيْدَ بْنَ حَارِثَة زَيْنَبَ بِنْتَ جحش ابْنَة عَمَّتِهِ، فَخرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا يُريدهُ، وَعَلَى الْبَاب ستْر من شعر، فرفعتِ الستْرَ الريحُ؛ فانكشف وَهِي فِي حُجْرَتهَا حَاسِرَة، فَوَقع إعجابُها فِي قلب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فلمَّا وَقع ذَلِك كرهت ... .» إِلَى آخِره، قَالَ «فجَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله: إِنِّي أُرِيد أَن أُفَارِق (صَاحِبَتي) قَالَ: مَا لكَ؟ ! أرابكَ مِنْهَا شيءٌ، فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله مَا رَابَنِي مِنْهَا شَيْء وَمَا رأيتُ إِلَّا خيرا. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمسكْ عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله [فَذَلِك قَول الله - تَعَالَى -: (وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله] وتُخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى الناسَ وَالله أَحَق أَن تخشاه (إِن (فارقَها تزوجْتها) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الله - تَعَالَى - يَقُول: (وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم) وَأعظم مَا يُمتع بِهِ النِّسَاء، وَهُوَ يخبر عَن نَفسه وجنسه الْكِرَام «مَا كَانَ لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين» وَهِي الْإِظْهَار خلاف الْإِضْمَار، هَذَا فِي الْأَمر المكشوف، فَكيف تكون لَهُ خَائِنَة فِي قلب فِي تعلق أصل تزَوجه أحد؟ ! والحسد المذموم، هُوَ تمني زَوَال النِّعْمَة من العَبْد إِلَيْك، وَهِي مَعْصِيّة عَظِيمَة، فَكيف يستجيز مُسلم ظَنَّ ذَلِك بكبار الصَّحَابَة؟ ! فَكيف بسيِّد الْمُرْسلين؟ ! وَإِنَّمَا الْجَائِز فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ عليّ بن الْحُسَيْن: «كَانَ الله قد أعلمَ نَبِيَّه أَن زَيْنَب سَتَكُون من أَزوَاجه، فَلَمَّا أَتَاهُ زيدٌ يشكوها قَالَ: اتَّقِ الله وأمسكْ عَلَيْك زَوجك» . قَالَ الله (وَتُخفي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبدِيه (وَهُوَ الَّذِي أبدى الله زواجها خَاصَّة، فَهُوَ الَّذِي أخفاه رَسُوله» وَعَامة مَا فِي قَوْله: (أمسك عَلَيْك زَوجك (أَمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَهُ بالتمسك بزوجه، مَعَ مَعْرفَته بِأَنَّهُ لابد لَهُ من فراقها، وَلَا مندوحة لَهُ عَن طَلاقهَا بِمَا أخبرهُ الله من ذَلِك، وصدور الْأَمر من الْآمِر مَعَ علمه من الْمَأْمُور بنقيضه، ومعرفته بِأَنَّهُ لَا يكون لَا يقْدَح فِي تَوْجِيه الْأَمر، فَإِن الله أَمر الْكفَّار بِالْإِيمَان مَعَ علمه بِأَنَّهُم لَا يُؤمنُونَ، فَإِن قيل: فَمَا حكمته؟ قُلْنَا: أعْلَمَ اللَّهُ رسولهُ بِأَنَّهَا زوجه، وَأَن زيدا يفارقها، وَلم يُعْلمه بِحَال زيد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 بعد فِرَاقه، هَل يكون مطمئن الْقلب بذلك أم قلق النَّفس؟ فَقَالَ: «أمسك عَلَيْك زَوجك» متثبتًا مِنْهُ، حَال ضَمِيره فِيهَا ومستكشفًا تعلق قلبه بهَا. ثمَّ قَالَ: فَأَما حَدِيث (ابْن) زيد وَقَتَادَة (فطريق) مشحونة وأوضح ذَلِك أَيْضا ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «نِهَايَة السول فِي خَصَائِص الرَّسُول» فَقَالَ: علق الحوفي فِي «تَفْسِيره» عَن ابْن زيد وَقَتَادَة: وَهَذَا سَنَد لَا يُسَاوِي نواة لَيْسَ لَهُ خطام وَلَا أزمة، وَقَالا: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا يُريدهُ - يَعْنِي: زيدا - وَعَلَى الْبَاب ستر من شعر. .» فَذكره كَمَا تقدم أَولا، ثمَّ قَالَ ابْن دحْيَة: حَكَى ذَلِك الحوفي وَجَمَاعَة من الْمُفَسّرين - كمقاتل بن سُلَيْمَان الوضَّاع، والنقاش الْكذَّاب - وَأما الحوفي فحاطب ليل، كَلَامه كالحبة فِي حميل السَّيْل، وَإِنَّمَا عُمْدته النَّحْو واللغة وَكِلَاهُمَا حَلقَة مفرغة، وَهِي غير صَحِيحَة عِنْد الْعلمَاء الراسخين، وإسنادها عَن قَتَادَة مُنْقَطع، وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم لَا يُرْوَى عَنهُ لضَعْفه ونكارة حَدِيثه، ضعفه الْأَئِمَّة، وَهَذَا مُخَالف لِلْقُرْآنِ مُفسد للْإيمَان، فقد نهَى اللَّهُ سَيِّدَ الْمُرْسلين، فَقَالَ فِي كِتَابه الْمُبين: (وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك) الْآيَة. وَهَذَا إقدام عَظِيم وَقلة معرفَة بِحَق هَذَا النَّبِي الْكَرِيم، وَكَيف يُقَال: رَآهَا فَأَعْجَبتهُ؟ وَهَذَا نَفْس الْحَسَد المذموم وَمَا (أقرب) قَائِله من نَار جَهَنَّم، ألم تكن بنت عمته، وَلم يزل يَرَاهَا مُنْذُ وُلدِتْ إِلَى أَن كَبرُت، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 فزوَّجها من زيد مَوْلَاهُ، فَمَا أَجْسَر رَاوِي هَذَا الْخَبَر عَلَى اللَّهِ، وَمَا أجْرَأَه! وجميعُ النسوان لم (يكن يحتجبن) من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَذَلِكَ أَزوَاجه، إِلَى أَن نزل آيَة الْحجاب فحجبن وجوههن عَن عُيُون النَّاس أَجْمَعِينَ. وَالَّذِي رُوي عَن عَلّي زين العابدين، وَالزهْرِيّ - سيدِّ المحدِّثين -: «أَن الله كَانَ أعلمَ نبيَّه أَن زَيْنَب سَتَكُون من أَزوَاجه، فلمَّا شكاها إِلَيْهِ زيدٌ قَالَ لَهُ: أمسكْ عَلَيْك زَوجك، وَاتَّقِ الله (وأخفى مِنْهُ) فِي نَفسه مَا أَعْلَمَهُ الله (بِهِ) (عَن) (جِبْرِيل من أَنه سيزوجها مِمَّا الله مبديه ومظهره» هَذَا رَوَاهُ زين العابدين، وَرِوَايَة الزُّهْرِيّ قَالَ: «نزل) جِبْرِيل عَلَى رَسُوله يُعلمهُ أَن الله يُزوجه زَيْنَب بنت جحش، فَذَلِك الَّذِي أَخْفَى فِي نَفسه» وَكَانَ فِي زواج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَيْنَب بعد مَوْلَاهُ زيد ثَلَاث فَوَائِد: أَحدهَا: لتستن أمته بذلك، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لكيلا يكون عَلَى الْمُؤمنِينَ حرج) الْآيَة، وأصل الْحَرج: الضِّيْق. ثَانِيهَا: أَن الله قد أحلَّ ذَلِك لمن كَانَ قبله من الرُّسُل، ومثْلُ ذَلِك قَوْله تَعَالَى: (سُنَّة الله فِي الَّذين خلوا من قبل) الْآيَة، والسُّنَّة هِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 الطَّرِيقَة الَّتِي سَنَّهَا الله فِي الَّذين خلوا من قبل، أَي: من السّنَن فِيمَا أحل لَهُم. قَالَه أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ. ثَالِثهَا: وَهِي أعظمها -: أَن الله - تَعَالَى - أَرَادَ أَن يقطع البنوَّة بَين مُحَمَّد (وَزيد بن حَارِثَة، إِذْ لم يكن مُحَمَّد أَبَا أَحَدٍ من رجالكم، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام قد تَبَنَّاه، فَكَانَ يُدْعى: زيد بن مُحَمَّد، حَتَّى نزل: (ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ) كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ. وَقَوله تَعَالَى: (وتخشى الناسَ وَالله أَحَق أَن تخشاه) أَي: وَتخَاف أَن يَقُول النَّاس: تَّزَوَّجَ زَوْجَة (ابْنه) فَلَا تلْتَفت إِلَيْهِم. تَنْبِيه: اعْلَم أَن الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» اسْتدلَّ بِقصَّة زيد هَذِه عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِذا رغب فِي نِكَاح امرأةٍ وَكَانَت مزوَّجة يجب عَلَى زَوجهَا طَلاقهَا لينكحها (كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب عَنهُ، وَقد يُقَال: لَو كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ لأَمره الشَّارِع بِهِ) بل أمره بالإمساك الْمنَافِي لذَلِك؛ فليُتَأملْ. (الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أَصَحهَا مَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الأشرق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل، وَمَا كَانَ من نِكَاح عَلَى غير ذَلِك فَهُوَ بَاطِل؛ فَإِن تشاجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ» ثمَّ قَالَ: لم يقل أحد فِي خبر ابْن جريج هَذَا، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ «وشاهدي عدل» إِلَّا ثَلَاثَة أنفس: سعيد بن يَحْيَى الْأمَوِي، عَن حَفْص بن غياث، وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي، عَن خَالِد بن الْحَارِث وَعبد الرَّحْمَن بن يُونُس الرقي عَن عِيسَى بن يُونُس (قَالَ) : وَلَا يَصح فِي ذكر الشَّاهِدين غير هَذَا الحَدِيث) . الحَدِيث (الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ) «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تزوَّج مَيْمُونَة وَهُوَ مُحْرِم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - زَاد البُخَارِيّ فِي روايةٍ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، لم يصل بهَا سَنَده: «أَنه تزَوجهَا فِي عُمْرة الْقَضَاء» . وَهَذِه أسندها ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وصرَّح فِيهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 بِالتَّحْدِيثِ، ثمَّ اعلمْ أَن رِوَايَة تَزْوِيجه عَلَيْهِ السَّلَام مَيْمُونَة فِي حَال إِحْرَامه هُوَ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، كَمَا ذكرتُه لكَ، وَهُوَ (مِمَّن) انْفَرد بذلك، وَرِوَايَة الجَمِّ الْغَفِير: «أَنه تزوَّجها حَلَالا» . كَذَا رَوَاهُ أَكثر الصَّحَابَة، ونبَّه عَلَى ذَلِك الرافعيُّ أَيْضا، حَيْثُ قَالَ: أَكثر الرِّوَايَات عَلَى أَنه جَرَى وَهُوَ حَلَال. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وغيرُه: لم يَرْوِ أَنه تزوَّجها محرما إِلَّا ابْن عَبَّاس (وَحده، وروت مَيْمُونَة وَأَبُو رَافع وَغَيرهمَا: «أَنه تزَوجهَا حَلَالا» . وهُم أعرف بالقصة من ابْن عَبَّاس؛ لتعلقهم بهَا، وَلِأَنَّهُم (أضبط) من ابْن عَبَّاس) وَأكْثر. قلت: وَحَاصِل التَّرْجِيح تِسْعَة أوجه: أَحدهَا: بُلُوغ أبي رَافع إِذْ ذَاك، وصِغَر ابْنِ عَبَّاس؛ فَإِنَّهُ لم يبلغ الحُلُم إِذْ ذَاك. ثَانِيهَا: أَنه كَانَ الرَّسُول بَينهمَا، كَمَا صرَّح بِهِ فِي الحَدِيث. ثَالِثهَا: أَن ابْن عَبَّاس لم يكن مَعَه فِي تِلْكَ الْعمرَة؛ بل كَانَ فِي الولْدَان بِالْمَدِينَةِ. رَابِعهَا: أَن الصَّحَابَة (غلطوا ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك وصوبوا رِوَايَة غَيره. قَالَ ابْن الْمسيب: وهم ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك) رَوَاهُ عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 أَبُو دَاوُد وَابْن عدي. خَامِسهَا: أَن قَول أبي رَافع مُوَافق لنَهْيه عَلَيْهِ السَّلَام عَن نِكَاح المُحْرِم، وَقَول ابْن عَبَّاس مُخَالف (مُسْتَلْزم) لأحد أَمريْن إِمَّا نسخ النَّهْي، أَو تَخْصِيصه عَلَيْهِ بِجَوَازِهِ، وَكِلَاهُمَا مُخَالف للْأَصْل، وَأَيْضًا: فَالصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ تَرْجِيح (القَوْل) عِنْد تعارضه مَعَ الْفِعْل؛ لِأَنَّهُ يتَعَدَّى إِلَى الْغَيْر، وَالْفِعْل قد يكون مَقْصُورا عَلَيْهِ. سادسها: أَن ابْن أُخْتهَا يزِيد بن الْأَصَم شهد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تزوَّجَها حَلَالا، وَكَانَت خَالَتِي وَخَالَة ابْن عَبَّاس» . رَوَاهُ مُسلم. سابعها: أَن مَيْمُونَة نَفسهَا رَوَت «أَنه تزَوجهَا حَلَالا» وَهِي أعلم بمسألتها. ثامنها: أَن ابْن عَبَّاس اخْتلف عَلَيْهِ، خلاف غَيره، فَفِي «الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تزوَّجَهَا حَلَالا» لكنه استغربه بعد أَن رَوَاهُ. تاسعها: قَول ابْن عَبَّاس: «تزَوجهَا وَهُوَ مُحْرِم» . يحْتَمل التَّأْوِيل، وَيكون مَعْنَى قَوْله: «محرم» أَي: بِالْحرم وَهُوَ حَلَال، وَهِي لُغَة سَائِغَة مَعْرُوفَة، كَمَا تَجِد إِذْ أشام: إِذا دخل الشَّام، وأَتْهَمَ: إِذا دخل تهَامَة، وأمصر: إِذا دخل مِصْر، قَالَ الشَّاعِر: (قتلوا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما. أَي: فِي حرم الْمَدِينَة. وَرَوَى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ إِلَى حَمَّاد بن إِسْحَاق الْموصِلِي، عَن أَبِيه إِسْحَاق قَالَ: سَأَلَ الرشيد عَن هَذَا الْبَيْت: مَا مَعْنَى «محرما» ؟ فَقَالَ الْكسَائي: أحرم بِالْحَجِّ. فَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَا كَانَ أحرم بِالْحَجِّ، وَلَا أَرَادَ الشاعرُ أَنه أَيْضا فِي شهرٍ حرَام، فَقَالَ: «أحرم» : إِذا دخل فِيهِ، كَمَا يُقَال: أشهر: إِذا دخل فِي الشَّهْر، [وأعام إِذا دخل فِي الْعَام] فَقَالَ الْكسَائي: مَا هُوَ غير هَذَا، وَإِلَّا فَمَا أَرَادَ؟ قَالَ الْأَصْمَعِي: فَمَا أَرَادَ عديُّ بْنُ زيد بقوله: قتلوا كسْرَى بلَيْل محرما وأيُّ إِحْرَام لكسرى؟ ! فَقَالَ الرشيد: فَمَا الْمَعْنى؟ ، قَالَ: كلُّ من لم يأتِ شَيْئا يُوجب عَلَيْهِ عُقُوبَة: فَهُوَ محرم، لَا يحل شَيْء مِنْهُ، فَقَالَ الرشيد: مَا تُطاق فِي الشِّعْر يَا أصمعي، ثمَّ قَالَ: لَا تعرضوا للأصمعي فِي الشِّعْر. الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُطاف بِهِ فِي الْمَرَض عَلَى نِسَائِهِ» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بلاغًا، فَقَالَ: وبلغنا: «أَنه كَانَ يُطاف بِهِ مَحْمُولا فِي مَرضه عَلَى نِسَائِهِ، حَتَّى حللنه» . (وأسنده) ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب «الوفا» من حَدِيث: الْحَارِث بن أبي أُسَامَة، ثَنَا مُحَمَّد بن (سعد) ثَنَا أنس بن عِيَاض، عَن جَعْفَر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُحْمل فِي ثوبٍ، يطوف بِهِ عَلَى نِسَائِهِ وَهُوَ مَرِيض، يُقَسِّم بَينهُنَّ» . وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، لكنه لَيْسَ بِمُتَّصِل. لَكِن فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» فِي كتاب الْهِبَة من حَدِيث عَائِشَة: «لمَّا ثقل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذن أزواجَهُ أَن يُمرَّض فِي بَيْتِي، فأذِنَّ لَهُ» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» فِي كتاب الصَّلَاة عَنْهَا: «أول مَا اشْتَكَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بَيت مَيْمُونَة، فَاسْتَأْذن أزواجَهُ أَن يُمرَّض فِي بَيْتِي، فأذِنَّ لَهُ» . وَفِيهِمَا عَنْهَا: «إنْ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ليتفقد: أيْن أَنا الْيَوْم؟ أَيْن أَنا غَدا؟ استبطاءً ليَوْم عَائِشَة [قَالَت] : فلمَّا كَانَ يومي قَبضه الله بَين سَحْري ونَحْري» . زَاد البُخَارِيّ: «وَدفن فِي بَيْتِي» . وَفِي روايةٍ لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لمَّا كَانَ فِي مَرضه جعل يَدُور فِي نِسَائِهِ وَيَقُول (أَيْن) أَنا غَدا؟ أَيْن أَنا غَدا؟ حرصًا عَلَى بَيت عَائِشَة، قَالَت عَائِشَة: فلمَّا كَانَ يومي سَكَنَ» . وَفِي رِوَايَة: «فَمَاتَ فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَ يَدُور عليَّ فِيهِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَنْهَا: «أَنه كَانَ يسْأَل فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: أَيْن أَنا غَدا؟ أَيْن أَنا غَدا؟ يُرِيد يَوْم عَائِشَة، فأذِنَّ لَهُ أزواجُه أَن يكون حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيت عَائِشَة، حَتَّى مَاتَ (عِنْدهَا) (قَالَت عَائِشَة: فَمَاتَ فِي الْيَوْم (الَّذِي} 59) كَانَ يَدُور عَلَى بَيْتِي» . وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» عَن عَائِشَة: «اشْتَكَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ نساؤه: انْظُر حَيْثُ تحب أَن تكون بِهِ فَنحْن نَأْتِيك. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أوَ (كلكن) عَلى ذَلِك؟ (قَالَت) : نعم. فانتقل إِلَى بَيت عَائِشَة (فَمَاتَ فِيهِ» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أبي عمرَان الْجونِي، عَن يزِيد بن بابنوس، عَن عَائِشَة) «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث إِلَى النِّسَاء - يَعْنِي: فِي مَرضه - فاجتمعن، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أدور بينكن؛ فَإِن رأيتن أَن تأذنَّ لي فَأَكُون عِنْد عَائِشَة (فعلتن) فأذِنَّ لَهُ» . وَيزِيد هَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ شِيْعِيًّا. وَقَالَ البُخَارِيّ: وَكَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 من الشِّيعَة الَّذين قَاتلُوا عليًّا. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا يُعْرف حَاله فِي الحَدِيث، وَلَا رَوَى عَنهُ غير أبي عمرَان. قلت: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَقِّه: لَا بَأْس بِهِ. فَائِدَة: نقل ابْن دحْيَة فِي «الخصائص» عَن القَاضِي أَبَى بكر أَحْمد بن كَامِل بن شَجَرَة فِي كتاب «الْبُرْهَان» : «أَن أوَّل مَرَضِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ فِي بَيت رَيْحَانَة بِنْتِ شَمْعُون سَرِيَّتِهِ. عَلَيْهِ السَّلَام» . الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قَسَمِي فِيمَا أَمْلُك؛ فَلَا تلمني فِيمَا تَمْلُك وَلَا أَمْلُك» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بلاغًا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد والدارمي فِي «مسنديهما» وأصحابُ «السّنَن» الْأَرْبَعَة، وَالْحَاكِم وَابْن حبَان فِي «صَحِيحهمَا» من حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي: القلبَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 يَعْنِي بِهِ: الحُبَّ والمودة، كَذَا فسره بعض أهل الْعلم - قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَذكر التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَنه رُوي مُرْسلا وَقَالَ التِّرْمِذِيّ أَنه أصح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِنَّه أقرب إِلَى الصَّوَاب. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا أعلم أحدا تَابع حَمَّاد بن سَلمَة عَلَى رفْعه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم رَوَاهُ ابْن (عُلَيَّة) عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة مُرْسلا. قلت: قد عُلم مَا فِي تعَارض الْوَصْل والإرسال. الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعتق صَفِيَّة، وَجعل عِتْقَهَا صَدَاقها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. نَعَمْ فِي «البخاريِّ» من حَدِيث أبي مُوسَى: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعْتقهَا، ثمَّ أصْدَقَهَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482 ذكره فِي بَاب: اتِّخَاذ السراري، من كتاب: النِّكَاح من «صَحِيحه» وَذَلِكَ يدل عَلَى تَجْدِيد العقد بِصَدَاق غير الْعتْق، وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي مَعْنَى الرِّوَايَة الأولَى عَلَى أَرْبَعَة أوجه، أوضحتها فِي «الخصائص» : أَصَحهَا: أَن مَعْنَاهُ: أعْتقهَا بِلَا عوض، وتزوَّجها بِلَا مهر، لَا فِي الْحَال وَلَا فِي الْمَآل، وَلم يحكه الرَّافِعِيّ؛ بل حَكَى وَجْهَيْن آخَرين عَن ابْن قُتَيْبَة كَذَلِك. الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تزوَّج امْرَأَة، فَرَأَى بكشحها بَيَاضًا، فَقَالَ: الْحِقَى بأهلكِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة جميل بن زيد الطَّائِي، عَن [زيد بن] كَعْب بن عجْرَة، عَن أَبِيه قَالَ: «تزوَّج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - العاليةَ، امْرَأَة مِنْ بني غِفَار، فلمَّا دخلتْ عَلَيْهِ ووضعتْ ثِيَابهَا رَأَى بكشحها بَيَاضًا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: البسى ثِيَابك، والْحَقِي بأهلك. وَأمر لَهَا بِالصَّدَاقِ» . ذكر هَذَا فِي ترجمتها من «مُسْتَدْركه» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث ابْن عُمر: «أَنه عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 483 الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوَّج امْرَأَة من بني غفار، فلمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ رَأَى بكشحها وَضْحًا، فردَّها إِلَى أَهلهَا وَقَالَ: دلستم عليَّ!» . وَفِي إسنادها أَيْضا: جميل بن زيد الْمَذْكُور، وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِثِقَة. قَالَ ابْن عدي: تفرد بِهِ، واضطربت (رُوَاته) عَنهُ. وَذكر الْبَيْهَقِيّ اخْتِلَافا فِيهِ، وَهُوَ أَنه رَوَاهُ جميل عَن سعيد بن زيد الْأنْصَارِيّ مرَّةً، ومرَّةَ (عَن زيد) بن كَعْب أَو كَعْب. ومرَّةً عَن جميل، عَن ابْن عمر كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: مُخْتَلف فِيهِ كَمَا ترَى. وَقَالَ البُخَارِيّ: لم يَصح حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بالقويّ. وَقَالَ ابْن حبَان: رَحل إِلَى الْمَدِينَة؛ فَسمع أَحَادِيث ابْن عمر بعد مَوته، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَة فرواها. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ يَقُول: مَا سمعتُ من ابْن عُمر شَيْئا. وَفِي «تَارِيخ البُخَارِيّ» : قَالَ أَحْمد عَن أبي بكر بن عَيَّاش، عَن جميل: مَا سمعتُ من ابْن عُمر شَيْئا. وَإِنَّمَا (قَالَ) : أكتب أَحَادِيثه، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَة؛ فكتبها. وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جميل الْمَذْكُور عَن زيد بن كَعْب - أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 484 كَعْب بن زيد: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تزوَّج امْرَأَة من غِفَار، فلمَّا دخل عَلَيْهَا وَوضع ثَوْبه وَقعد عَلَى الِفَراش أبْصَرَ بكشحها بَيَاضًا، (فامتار) عَن الْفراش، ثمَّ قَالَ: خذي عَلَيْك ثِيَابك! وَلم يأخذْ مِمَّا أَتَاهَا شَيْئا» . تَنْبِيه: وَقع هَذَا الحَدِيث فِي «الْخُلَاصَة عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة» ونفاه بعضُ مَنْ تكلم عَلَيْهَا وَعَلَى «الْهِدَايَة» فِي جزءٍ لطيفٍ وَقَالَ: لَا مدْخل لكعب بن عجْرَة فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَالظَّاهِر أَنه كَعْب بن زيد، كَمَا وَقع فِي بعض الرِّوَايَات، وَهُوَ غَرِيب، فَهُوَ فِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» كَمَا عَزَيْنَاهُ إِلَيْهِ آنِفا (فاستفده) . فَائِدَة: قَالَ الْحَاكِم: هَذِه - يَعْنِي: المُفَارَقة - لَيست بالكلابية؛ إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء بنت النُّعْمَان الغِفَارية، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة قَالَ: «ثمَّ تزوَّج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من أهل الْيمن أَسمَاء بنت النُّعْمَان الغفارية، وَهِي ابْنة النُّعْمَان بن الْحَارِث بن شرَاحِيل بن النُّعْمَان، فَلَمَّا دخل بهَا دَعَاهَا؛ فَقَالَت: تعال أَنْت! فَطَلَّقَهَا» . فَائِدَة أُخْرَى: الكشح - بِإِسْكَان الشين الْمُعْجَمَة -: بَين الخاصرة إِلَى الضلع؟ الحقب - كَذَا بِالتَّحْرِيكِ - دَاء يُصِيب الْإِنْسَان فِي كَشْحِهِ، فَيُكْوى، وَالْبَيَاض فِي الْخَبَر يجوز أَن يكون بَهَقًا أَو برصًا، قَالَ الْجَوْهَرِي: الوضح: الضَّوْء وَالْبَيَاض، يُقَال: بالفَرَسِ وضح، إِذا كَانَ بِهِ (شِيَة) وَقد يُكَنَّى بِهِ عَن البرص، وَمِنْه قيل [لجذيمة الأبرش] : الوضاح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 485 الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن الْأَشْعَث بن قيس: «أَنه نكح المستعيذة فِي زمَان عُمر بن الْخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فَأمر برجْمِهَا، فأُخْبِرَ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَارَقَهَا قَبْلَ أَن يَمَسهَا، فخلاَّهما» . هَذَا حَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك القَاضِي حُسَيْن، وَالْمَاوَرْدِيّ وَالْإِمَام وَالْغَزالِيّ، وَالَّذِي فِي كتب الحَدِيث: مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي: فَضَائِل أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تزوَّج حِين قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ كِنْدَة قتيلةَ بنت قيس أخْتَ الْأَشْعَث بن قيس، فِي سنة عشرٍ، ثمَّ اشْتَكَى فِي النّصْف من صفر، ثمَّ قبض يَوْم الِاثْنَيْنِ ليومين (مضيا) من شهر ربيع الأول، وَلم تكن قَدِمَتْ عَلَيْهِ وَلَا دخل بهَا وَوَقَّتَ بَعْضُهُمْ وَقْتَ تَزْوِيجه إِيَّاهَا، فَزَعَمَ أَنه تزوَّجها، قبل وَفَاته بِشَهْر وَزعم آخَرُونَ أَنه تزوَّجها فِي مَرضه، وَزعم آخَرُونَ أَنه أَوْصَى أَن تُخَيَّرَ قتيلةُ؛ فَإِن شَاءَت فاختارتِ النكاحَ، فَتَزَوجهَا عكرمةُ بْنُ أبي جهل بحضرموت، فَبلغ أَبَا بكر فَقَالَ: لقد هممتُ أَن أحرق عَلَيْهِمَا. فَقَالَ عمر بن الْخطاب: مَا هِيَ من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَلَا دخل بهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا ضرب عَلَيْهَا الْحجاب وَزعم بَعضهم أَنَّهَا ارتدَّتْ» . هَذَا آخِرُ مَا نَقله الحاكمُ عَن شَيْخه مخلد بن جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جرير، عَن أبي عُبَيْدَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 486 وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَادِهِ إِلَى الزُّهْرِيّ قَالَ: «بلغنَا أَن الْعَالِيَة بنت ظبْيَان الَّتِي طَلَّقَهَا تَزَوَّجَتْ قبل أَن يُحَرِّمَ اللَّهُ نساءَهُ، فنكحتْ ابْنَ عَمٍّ لَهَا، وولدتْ فيهم» . وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة قتيلة بنت [قيس] من حَدِيث دَاوُد، عَن عَامر: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَلَكَ بِنْتَ الْأَشْعَث قتيلةَ، وتزوَّجها عكرمةُ بْنُ أبي جهل بعد ذَلِك، فَشَقَّ ذَلِك عَلَى أبي بكر مشقة شَدِيدَة، فَقَالَ لَهُ عُمرُ: يَا خَليفَة رَسُول الله، إِنَّهَا لَيست من نِسَائِهِ، وَلم يخيرها النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد بَرَّأها (الله) مِنْهُ بالرِّدَّة (الَّذِي) ارتدتْ مَعَ قَومهَا، فاطمأنَّ أَبُو بكر وَسكن» . الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كلُّ سَبَب ونَسَبٍ يَوْم الْقِيَامَة يَنْقَطِع، إِلَّا سببي ونسبي» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث [عبد الله بن] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 487 زيد بْنِ أسلم [عَن أَبِيه عَن جده] عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: قد رَوَاهُ غَيْرُ واحدٍ [عَن زيد بن أسلم عَن عمر] مُرْسلا، وَلَا نعلم أحدا قَالَ: «عَن زيد عَن أَبِيه» إِلَّا عَبْدَ الله بن زيد وَحْدَهُ. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عليّ، من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عُمرَ قَالَ: سمعتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «كل سَبَبٍ وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا سببي ونَسَبي» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا ذكره نَظَرٌ؛ فَإِن وَالِد جَعْفَر لم يدْرك عمر، كَمَا استدركه الذهبيُّ، لَا جرم أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: سمعتُ عُمَرَ ... فَذكره مَرْفُوعا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جِدِّه، عَن عُمرَ، وَخَالفهُ الثوريُّ وابْنُ عُيَيْنَة وغَيْرُهما؛ فَرَوَوْه، عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن عُمر، وَلم يذكرُوا بَينهمَا جدَّه عليَّ بْنَ الْحُسَيْن، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 488 وَقَوْلهمْ هُوَ الْمَحْفُوظ. الطَّرِيق الثَّانِي: مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة فَاطِمَة، بإسنادٍ صَحِيح من حَدِيث الْمسور بن مخرمَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن (الْأَنْسَاب) تَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة، غَيْر نسبي وسببي وصهري» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا. وَله طَرِيق ثَالِث: من حَدِيث عُمر، غير مَا سلف من طَرِيقه، ذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» من حَدِيث: حسن بن حُسَيْن بن عليّ، عَن أَبِيه: «أَن عمر خطب أُمَّ كُلْثُوم إِلَى عليِّ، فَقَالَ: إِنَّهَا تصغر عَن ذَلِك، فَقَالَ عمر: إِنِّي سمعتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يَقُول:) كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا نسبي وسببي» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِزِيَادَة: «وأحْبَبْتُ أَن يكون لي من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَبَب وَنسب» وَذكر فِيهِ قِصَّةً أُخْرَى. وَله طَرِيق رَابِع: من حَدِيث ابْن عُمر، عَن عُمر أَيْضا، أبنا بِهِ الذَّهَبِيّ، أبنا أَحْمد بن سَلامَة - إجَازَة - عَن مَسْعُود بن أبي مَنْصُور (أبنا أَبُو عَلّي الْمقري) أبنا أَبُو نعيم، أبنا أَبُو إِسْحَاق بن حَمْزَة، ثَنَا أَبُو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 489 جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ، ثَنَا (عباد) بن زِيَاد، ثَنَا يُونُس بن أبي يَعْفُور، عَن أَبِيه: سمعتُ ابْنَ عمر قَالَ: سَمِعت عمر يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «كلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا سببي ونسبي» . وَله طَرِيق خَامِس: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بإسنادٍ لَا أعلم بِهِ بَأْسا. فَائِدَة: حَكَى الرَّافِعِيّ فِي مَعْنَى هَذَا الحَدِيث خلافًا، فَقَالَ: قيل: مَعْنَاهُ: (إِن أمته ينسبون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وأمم سَائِر الْأَنْبِيَاء لَا ينسبون إِلَيْهِم، وَقيل مَعْنَاهُ) لَا (ينْتَفع) يَوْمئِذٍ سَائِر الْأَنْسَاب، و (ينْتَفع) بِالنّسَبِ (إِلَيْهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) . الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تَسَمٌّوا باسمي، وَلَا تكنُوا بِكُنْيَتِي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 490 جماعةٍ من الصَّحَابَة، مِنْهُم جَابر وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. هَذَا آخِرُ مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي (هَذَا) الْبَاب من الْأَحَادِيث الَّتِي اسْتشْهد عَلَيْهَا، وَقد ذكر فِي الْبَاب خَصَائِص أُخَرَ، يُمكن إِفْرَاد كل مِنْهَا (بِآيَة وَأثر) وَلَو فتحنا ذَلِك علينا لَطَاَلَ وخَرَجَ الكتابُ عَن مَوْضُوعه. وَقد أفردنا - بِحَمْد الله - للخصائص مُصَنَّفًا ذكرنَا فِيهِ جَمِيع مَا ذكره الرَّافِعِيّ ومَنْ تأخَّر عَنهُ، وَكَذَا من تَقَدَّمَ علينا فِيمَا وقفنا عَلَيْهِ من مصنفاتهم، وَذكرنَا فِيهِ زياداتٍ مهمة، وَهُوَ جَامع لَهَا وَللَّه الْحَمد عَلَى تيسيره وإكماله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 491 بَاب: مَا جَاءَ فِي اسْتِحْبَاب النِّكَاح للقادر عَلَى مؤنه وَصفَة الْمَنْكُوحَة وَأَحْكَام النّظر وَمَا يتَعَلَّق بِهِ ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث سَبْعَة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا معشر الشَّبَاب، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصن للفَرْج، ومَنْ لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. فَائِدَة: المَعْشَر: الطَّائِفَة الَّذين يشملهم (وصف) . والشباب: جَمْع شَاب، وَهُوَ عِنْد أَصْحَابنَا: مَنْ بَلَغ وَلم يُجاوِز (ثَلَاثِينَ) سنة، والباءه: بِالْمدِّ وَالْهَاء، عَلَى أفْصح اللُّغَات وأشهرها -: (الْمنزل) ، و (أَصْلهَا) فِي اللُّغَة: الجِمَاع، وَهُوَ المُرَاد هُنَا عَلَى الْأَصَح، وَقيل: الْمُؤَن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 492 والوِجَاء - بِكَسْر الْوَاو وبالمد -: رَضُّ الخصيتين. وَوَقع فِي «صَحِيح ابْن حبَان» فِي آخِرِ هَذَا الحَدِيث بعد قَوْله: «فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء» : «وَهُوَ الإخصاء» . وَلَا أَدْرِي هَذِه الزِّيَادَة مِمَّن. ورُوي: «وَجَا» بِفَتْح الْوَاو مَقْصُور بِوَزْن عَصا يُرِيد: الخصاء والتعب، نَقله الْمُنْذِرِيّ ثمَّ قَالَ: وَفِيه بُعْد، والأوَّل هُوَ الْمَشْهُور، قَالَ: وَيكون عَلَى هَذَا شبه الصَّوْم فِي بَاب النِّكَاح بالتعب فِي بَاب الْمَشْي. قلت: وَالْمرَاد هُنَا عَلَى التَّفْسِير الأول: أَن الصَّوْم يقطع الشهوةَ و (شَرّ) الْجِمَاع كَمَا يَفْعَله الوجاء. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لجَابِر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «هلاَّ تزوَّجْتَ بِكْرًا تُلاِعبُهَا وتُلاِعبُكَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البخاريُّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «تزوجتُ فَقَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا تزوَّجْتَ؟ قلت: تَزوجت ثَيِّبًا، فَقَالَ: مَا لكَ والعذارى ولعابها؟» . وَفِي حَدِيث «مُسلم» : «فَأَيْنَ أَنْت من العذارى ولِعَابها» قَالَ شُعْبَة: فذكرتُه لعَمرو بْنِ دِينَار، فَقَالَ: سمعته من جَابر، وَإِنَّمَا قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَة تلاعبها وتلاعبك» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 493 وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فهلاَّ جَارِيَة تلاعبك. قلت: يَا رَسُول الله، إِن أبي قتل يَوْم أُحُد وَترك تِسْع بناتٍ كن لي تِسْع أَخَوَات، فَكرِهت أَن أجمع إلَيْهِنَّ جَارِيَة خرقاء مِثْلهنَّ، وَلَكِن امْرَأَة تمشطهن وَتقوم عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَصَبْتَ» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: قَالَ: «تزوجتُ امْرَأَة فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فلقيتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا جَابر، تزوجتَ؟ فَقلت: نعم، قَالَ: بِكْر أَو ثيب؟ قلت: ثيب، قَالَ: فهلاَّ بكرا تلاعبها؟ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله، (كَانَ) لي أَخَوَات، فخشيتُ أَن تدخل بيني وبينهن، قَالَ: (ذَاك) إِذا. إِن الْمَرْأَة تُنْكح عَلَى دينهَا وَمَالهَا وجمالها؛ فَعَلَيْك بِذَات الدِّينْ تَرِبَتْ يداك» . فَائِدَة: «تلاعبها وتلاعبك» المُرَاد بِهِ: اللّعب الْمَعْرُوف، وَيحْتَمل أَن يكون من اللعاب، وَهُوَ الرِّيق. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «تضاحكها وتضاحكك» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة: «تَعُضُّهَا وتَعُضُّكَ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث جَابر: «تلاعبها وتلاعبك - أَو تضاحكها وتضاحكك» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 494 وَقَوله: «ولِعابها» هُوَ بِالْكَسْرِ، ورُوي بِالضَّمِّ (قَالَه فِي «الْمَشَارِق» ) . وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شَرحه لمُسلم» عَن القَاضِي عِيَاض أَنه قَالَ: إِن الرِّوَايَة فِي «كتاب مُسلم» هُوَ بِالْكَسْرِ لَا غير، وَهُوَ مصدر: لاَعَبَ. وَقَوله: «تَمشُطهن» : هُوَ بِفَتْح التَّاء وَضم الشين، كَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «شَرحه لمُسلم» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تزوّجوا الْوَدُود الْوَلُود؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: من حَدِيث معقل بن يسَار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي أصبتُ امْرَأَة ذاتَ حسبٍ وجمال، وَإِنَّهَا لَا تَلد إِذا تزوجتُها؟ قَالَ: لَا. ثمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَة فَنَهَاهُ، ثمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة، فَقَالَ تزوَّجُوا الْوَدُود (الْوَلُود) فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأُمَم» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 495 «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حسن الْإِسْنَاد. ثَانِيهَا: من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمر بِالْبَاءَةِ، وَينْهَى عَن التبتل نهيا شَدِيدا، وَيَقُول: تزوّجوا الْوَدُود (الْوَلُود) فَإِنِّي مكاثرٌ بكم الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» . ثَالِثهَا: حَدِيث عِيَاض بن غنم الْأَشْعَرِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: لَا تزوَّجُنَّ عاقرًا وَلَا عجوزًا؛ فَإِنِّي مكاثرٌ بكم» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة عِيَاض هَذَا من «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا ذكره نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الصَّدَفِي، وَهُوَ ضَعِيف. رَابِعهَا: من حَدِيث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «انكحوا أُمَّهَات الْأَوْلَاد؛ فَإِنِّي أُباهي (بكم) يَوْم الْقِيَامَة» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة حَدثنِي (حييّ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 496 بن عبد الله، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحُبُلِّي، عَن عبد الله بن عمر بِهِ. فَائِدَة: الْوَدُود: الْمَرْأَة الموادة، الْوَلُود: الَّتِي تكْثر وِلَادَتهَا، وَهَذَا الْبناء من أبنية الْمُبَالغَة. الحَدِيث الرَّابِع رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إيَّاكُمْ وخضراءَ الدِّمن! قَالُوا: يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - 979) ، وَمَا خضراء الدِّمَن؟ ! قَالَ: الْمَرْأَة الْحَسْنَاء فِي المنبت السوء» . هَذَا الحَدِيث لم يخرِّجْه أحد من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة، وَذكره أَبُو عبد الله الْقُضَاعِي فِي كتاب «الشهَاب» وأسنده فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد بن دِينَار، عَن أبي وجزة يزِيد بن عبيد، عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: «إيَّاكم وخضراء الدِّمَن! فَقيل: يَا رَسُول الله، وَمَا خضراء الدمن؟ ! قَالَ: الْمَرْأَة (الْحَسْنَاء) فِي المنبت السوء» . وَكَذَا أسْندهُ الرامَهُرْمُزِي فِي «أَمْثَاله» لكنه قَالَ: عَن مُحَمَّد بن عمر الْمَكِّيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد بن دِينَار، وأسنده الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه «إِيضَاح الملتبس» من طَرِيق الْوَاقِدِيّ، وَذكره أَبُو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 497 عبيد فِي «غَرِيبه» وَقَالَ: إِنَّه يرْوَى عَن يَحْيَى بن سعيد بن دِينَار ... . فَذكره. قلت: وعلَّتُه: الْوَاقِدِيّ، قَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» : هَذَا الحَدِيث يُعَدُّ فِي أَفْرَاده، وَهُوَ ضَعِيف. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي «مشكله» أَنه يُعَدُّ فِي أَفْرَاده وَأَنه ضَعِيف. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الشهَاب» : هَذَا الحَدِيث لَا يَصح بوجهٍ. قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ، وَذكره ابْن دُرَيْد فِي كِتَابه «الْمُجْتَبَى» فِي أوَّل بابٍ: مَا سمع من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يسمع من غَيره قَبْله، كَحَدِيث: «يَا خيل الله ارْكَبِي» و «لَا تنتطح فِيهَا عنزان» و «الْحَرْب خُدْعة» (وَغير ذَلِك) . فَائِدَة: خضراء الدِّمن: هِيَ الشَّجَرَة الخضراء النابتة فِي مطارح البعر، وَهِي الدِّمَن - بِكَسْر الدَّال وَفتح الْمِيم - واحدَتُها: دِمْنة، شبَّه بهَا الْمَرْأَة الْحَسْنَاء ذَات النّسَب الْفَاسِد، مِثْل: أَن تكون بنت الزِّنَا، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الشهَاب» : وَقيل: (مَعْنَاهُ:) ضحوك النُّفُوس (وحسائك) الصُّدُور، وَإِن أبْدَى صاحبُها جميلاً فَلَا يُؤمن. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي كتاب «الْمُجْتَبَى» : هَذَا الحَدِيث قَالَه عَلَيْهِ السَّلَام فِي بعض مَا كَانَ يُؤَدب بِهِ أَصْحَابه، وَقد فسَّر هَذَا الْكَلَام فِي الحَدِيث، وَله تفسيران، قَالَ بَعضهم: يُرِيد: المرأةَ الحسناءَ فِي المنبت السوء، وَتَفْسِير ذَلِك: أَن الرّيح تجمع الدِّمن - وَهُوَ: البعر - فِي الْبقْعَة من الأَرْض، ثمَّ يركبه الساقي؛ فَإِذا أَصَابَهُ الْمَطَر ينْبت نَبْتَا (غضًّا) نَاعِمًا يَهْتَز وَتَحْته الدِّمَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 498 الْخَبيث، يَقُول: فَلَا تنْكِحُوا هَذِه الْمَرْأَة لجمالها ومنبتها خَبِيث كالدِّمن، فَإِن أعراق السوء تنْزع أَوْلَادهَا. وَالتَّفْسِير الآخر: مَعْنَى قَول زفر بن الْحَارِث: وَقَدْ يَنبُتُ المَرعَى عَلَى دِمَن الثَّرَى وَتَبقَى (حَزازَاتُ) النُّفوسِ كَمَا (هِيَا) يَقُول: نَحن إِن أظهرنَا لكم شرًّا فَإِن تَحْتَهُ الحقد والشحنة، هَكَذَا الدِّمَن الَّذِي يظْهر، فَوْقه النبت مهتزًّا وَتَحْته الْفساد. (تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى أَوْلَوِيَّة النسيبة وَقد علم ضعفه ويغني عَنهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ «خير نسَاء ركبن الْإِبِل: صَالح نسَاء قُرَيْش، أحناه عَلَى ولد فِي صغر وأرعاه عَلَى زوج فِي ذَات يَده» وَالْبُخَارِيّ اسْتدلَّ بِهِ لهَذِهِ الْمَسْأَلَة) . الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تنْكِحُوا الْقَرَابَة الْقَرِيبَة؛ فَإِن الْوَلَد يُخْلق ضاويًّا» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده القَاضِي الْحُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقَالا: إِنَّه رُوِيَ. وَأما ابْن الصّلاح فَقَالَ: لَا أجد لَهُ أصلا مُعْتَمدًا، قَالَ: و «ضاويًّا» بتَشْديد الْيَاء أَي: نحيفًا ضَعِيفا (لِأَن) شَهْوَته لَا تتمّ (عَلَى) قريبَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 499 وَقَالَ الإِمَام: أَرَادَ ضئيلاً نحيفَ الْخلق هزيلاً. وَابْن الصّباغ وَجَّه ذَلِك أَعنِي: الحكم فِي (الْمَسْأَلَة) بِأَن الْوَلَد يكون الْغَالِب عَلَيْهِ الْحمق، وَفِي «الْبَيَان» عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: إِذا تزوَّج الرجلُ فِي (عشيرته) فالغالب عَلَى وَلَده الْحمق. قلت: وَهَذَا يشْهد لَهُ الْوَاقِع. (وَأورد) القَاضِي حسينُ حَدِيثا آخَرَ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ: «اغتربوا؛ لَا تُضووا» يَعْنِي: كي لَا تُضووا الْوَلَد، وَلم أر أَنا فِي الْبَاب فِي كتابٍ حَدِيثي مَا يسْتَأْنس بِهِ، إِلَّا مَا وجدتُ فِي «غَرِيب الحَدِيث» لإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ من حَدِيث عبد الله بن المؤمل، عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَ عمر لآل السَّائِب: «قد أضويتم؛ فأنحكوا فِي النوابغ» قَالَ الْحَرْبِيّ: الْمَعْنى: تزوجوا الغرائب. قَالَ: وَيُقَال: «اغتربوا؛ لَا تضووا» . أَي: تزوَّجوا الغرائب، لَا تزوَّجوا أقرباءكم؛ فَيَجِيء الْوَلَد ضاويًّا، أَي: مهزولاً. قَالَ ابْن درسْتوَيْه: وَيجوز تَخْفيف الْيَاء، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مُحَمَّد: وَقد يجوز أَن تَقول: غُلَاما صاويًّا، بالصَّاد الْمُهْملَة، من قَوْلهم: صَوت النَّخْلَة تصوى صويًّا، إِذا يَبِسَتْ، ولبعض أهل الْأَدَب: إِن طلبتَ الإنجابَ فانكح غَرِيبا وَإِلَى الْأَقْرَبين (لَا) تتوسل. فأنبت الثِّمَار طيبا (و) حسنا ثَمَر غصنه غَرِيب موصل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 500 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تُنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها؛ فاظفرْ بِذَات الدِّين تربت يداك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَأوردهُ الْمَاوَرْدِيّ فِي «الْحَاوِي» فِي كتاب: الصّداق، بزيادةٍ غَرِيبَة فِيهِ، وَهِي: «تُنْكح الْمَرْأَة لدينها وجمالها وَمَالهَا وحسبها» ويُرْوَى: «ووسامتها» . وَلم أره هَكَذَا (و) رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر (كَمَا) ذكره الرَّافِعِيّ وَلم يذكر الحسبَ (وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَلم يذكر «الْحسب» ) والمالَ، وَذكر بدل: الجمالَ» : «الخُلق» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان بِلَفْظ: «تُنْكح الْمَرْأَة عَلَى مَالهَا، وتُنْكح الْمَرْأَة عَلَى جمَالهَا، وتُنكح الْمَرْأَة عَلَى دِيْنها» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 501 وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِزِيَادَة: «فَخُذْ ذاتَ الدِّين والخُلُق تربت يداك» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث الأفريقي، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا (تزوَّجوا) النِّسَاء لحُسْنهنَّ؛ فَعَسَى حُسْنهن أَن يُرْديهن، وَلَا تزوجوهن لأموالهن؛ فَعَسَى أموالهن أَن تطغيهن، وَلَكِن تزوجوهن عَلَى الدِّيْن، ولأَمَةٌ (خرساء) سَوْدَاء ذاتُ دِيْن أفضل» . فَائِدَتَانِ: الأولَى: قَوْله: «تربت يداك» هَذِه كلمة أَصْلهَا عِنْد الْعَرَب: افْتَقَرت، وَلَكِن اعتادوا اسْتِعْمَالهَا غير قَاصِدين مَعْنَاهَا الأصْلي، وَمَا أحسن قَول البديع فِي بعض رسائله: وَقد يُوحش اللَّفْظ وَكله ود ويُكره الشَّيْء وَمَا من فِعْله بُد. هَذِه الْعَرَب تَقوله: لَا أَب لَك، إِذا أهم. وقاتَلَهُ اللَّه، وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الذَّم. وويل أمه، لِلْأَمْرِ إِذا تَمَّ. وللألباب فِي هَذَا الْبَاب أَن تنظر إِلَى القَوْل وقائله؛ فَإِن كَانَ وليًّا فَهُوَ الْوَلَاء، وَإِن حَسُنَ، وَإِن كَانَ عَدوًّا فَهُوَ الْبلَاء، وَإِن حَسُن. الثَّانِيَة: الصَّحِيح فِي مَعْنَى هَذَا الحَدِيث: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أخبر بِمَا يَفْعَله النَّاس فِي الْعَادة؛ فَإِنَّهُم يقصدون هَذِه الخِصال الْأَرْبَعَة (وَآخِرهَا) عِنْدهم: ذَات الدِّين، فاظفرْ أَنْت أَيهَا المسترشد بِذَات الدِّيْن، وَقيل: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 502 مَعْنَاهُ: تربت يداك إِن (لم) تفعل مَا أَمرتك بِهِ، وَقيل مَعْنَاهُ لله دَرك إِذا اسْتعْملت مَا أَمرتك بِهِ ( ... ) مَا (لم آمُر) بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى (أَن) الْفقر خيرٌ لَهُ من الْغِنَى. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَعَلَى تَقْدِير أَن يكون دُعَاء؛ فقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «اللَّهُمَّ مَنْ دعوتُ عَلَيْهِ (فَاجْعَلْ) دَعْوَتِي لَهُ رَحْمَة» . وَأغْرب بَعضهم فَادَّعَى أَن مَعْنَى تربت: استغنت، وَالْمَشْهُور الأول أَن مَعْنَاهُ: افْتَقَرت، وَلَا يُقال فِي الغِنَى إِلَّا: أترب. وَفِي «الحبلى» عَن الزَّجَّاج أَنه قَالَ فِي كتاب: فعلت وأفعلت: تربت يداك: استغنت، وَجعل ترب وأترب بِمَعْنى وَاحِد، والذى فِيهِ خلاف ذَلِك؛ فَإِنَّهُ قَالَ: ترب الرجل: إِذا افْتقر، وأترب: إِذا اسْتَغنَى، فتنبَّه لذَلِك. وَقد نقل ذَلِك ابْنُ الرّفْعَة فِي «كِفَايَته» عَن حِكَايَة الحبلي، وأقرَّه، وَهُوَ غَرِيب. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للْمُغِيرَة - وَقد خطب امْرَأَة: انظرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أحْرَى أَن يُؤْدَمَ بَيْنكُمَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه كَذَلِك، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 503 وَالنَّسَائِيّ والدارمي وَقَالا: «أَجْدَر» بدل «أَحْرَى» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. قلت: وصحَّحه ابْن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» و (أخرجه) الْحَاكِم من حَدِيث أنس « (أَن الْمُغيرَة ... .» الحَدِيث) . ثمَّ قَالَ: هَذَا (حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَكَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» أَنه) حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن الصّلاح: إِسْنَاده ثَابت. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ - وَقد سُئِلَ فِي «علله» -: مَدَاره عَلَى (بكر) بن عبد الله الْمُزنِيّ، عَن الْمُغيرَة، فروَى عَن عَاصِم عَنهُ بِهِ، وَرَوَى عَنهُ وَعَن حميد، عَن بكر بِهِ، وَلم يروه كَذَلِك سُوَى قيس بن الرّبيع، وَقيل: عَن عَاصِم (عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن الْمُغيرَة. وَهُوَ وهم؛ إِنَّمَا رَوَاهُ عَاصِم) عَن بكر، وَقيل: عَن معمر، عَن ثَابت، عَن أنس: «أَن الْمُغيرَة ... .» رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق كَذَلِك، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ثَابت، عَن بكر مُرْسلا، وَرَوَاهُ عبد الرازق أَيْضا، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن حميد، عَن أنس؛ وَإِنَّمَا رَوَاهُ حميد، عَن بكر، قيل للدارقطني: سمع بكرٌ من مُغيرَة؟ قَالَ: نَعَمْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 504 فَائِدَة: قَوْله: «يُؤدم بَيْنكُمَا» بِضَم الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت، ثمَّ همزَة سَاكِنة ثمَّ دَال مُهْملَة مَفْتُوحَة، وَفِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: يُجْعل بَيْنكُمَا الْمحبَّة والاتفاق، يُقَال: أَدَم اللَّهُ بَينهمَا؛ أَي: أصلح (وَألف) وَكَذَلِكَ، أَدَم بَينهمَا فعل وأفعل بِمَعْنى وَاحِد، كَذَا ذكره أهل اللُّغَة، كَمَا نَقله عَنْهُم ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» وَجَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ قولا، وَقَالَ: إِنَّه مَأْخُوذ من إدام الطَّعَام؛ لِأَنَّهُ يطيب بِهِ، فَيكون مأخوذًا من الإدام لَا مِنَ الدَّوَام. ثَانِيهَا: أَنه مَأْخُوذ من الدَّوَام؛ فَيكون قَوْله: « (يُؤْدم» أَي يَدُوم، لكنه قدَّم الْوَاو عَلَى الدَّال كَمَا قَالَ فِي ثَمَر الْأَرَاك: «كُلُوا مِنْه الأسودَ؛ فَإِنَّهُ أيطب» . بِمَعْنى: أطيب، وَنَقله الْمَاوَرْدِيّ عَن أَصْحَاب الحَدِيث. ثَالِثهَا: أَنه مَأْخُوذ من وُقُوع الأدمة عَلَى الأدمة، وَهِي: الجِلْدَة الْبَاطِنَة والبشرة الظَّاهِرَة، وَذَلِكَ للْمُبَالَغَة فِي الائتلاف، قَالَه الْغَزالِيّ فِي «الْإِحْيَاء» . الحَدِيث الثَّامِن عَن جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا خطب أحدكُم الْمَرْأَة؛ فَإِن اسْتَطَاعَ أَن ينظر إِلَى مَا يَدعُوهُ إِلَى نِكَاحهَا فليفعلْ. قَالَ: فخطبتُ جَارِيَة، فكنتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا مَا دَعَاني إِلَى نِكَاحهَا فتزوجتُها» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 505 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن دَاوُد بن (الْحصين) عَن وَاقد بن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي: ابْن سعد بن معَاذ - عَن جَابر مَرْفُوعا كَذَلِك سَوَاء. وَرَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك أَيْضا لكنه قَالَ: «جَارِيَة من بني سَلمَة» وَقَالَ: «حَتَّى نظرتُ مِنْهَا بعض مَا دَعَاني ... » إِلَى آخِرِه. وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا فِي «مُسْنده» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا لَا نعلمهُ يُرْوى عَن جَابر إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه، وَلَا أسْند واقدُ بْنُ عبد الرَّحْمَن بن سعد، عَن جابرٍِ إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَأعله ابْن الْقطَّان بِوَاقِدِ هَذَا وَقَالَ: إِنَّه لَا يُعْرف حالُه؛ إِنَّمَا الْمَعْرُوف وَاقد بن عَمرو بن سعد بن معَاذ أَبُو عبد الله الأنصاريّ مدنى ثِقَة، قَالَه أَبُو زرْعَة، فَأَما هَذَا فَلَا أعرفهُ. وَقَالَ فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح، وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» بِلَفْظ أبي دَاوُد، وَسَنَده إلاّ أَنه قَالَ: «وَاقد بن عَمْرو بن سعد بن معَاذ» بدل «وَاقد بن عبد الرَّحْمَن» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم؛ أيْ: لِأَن فِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، لكنه قد عنعن، وَطَرِيقَة الْحَاكِم هَذِه صَحِيحه عَلَى رَأْي ابْن الْقطَّان، كَمَا عَرفته فِي وَاقد السالف، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ وَاقد بن عَمْرو، وَكَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 506 وَقع فِي « (مُسْند» ) عبد الرازق أَيْضا عَلَى أَن ابْن حبَان ذكر فِي «الثِّقَات» وَاقد بن عبد الرَّحْمَن. الحَدِيث التَّاسِع «أَنه صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أم سليم إِلَى امْرَأَة وَقَالَ: انظري إِلَى عرقوبيها وشمي معاطفها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور (ثَنَا) عمَارَة، عَن ثَابت، عَن أنس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أرسل أم سليم تنظر إِلَى جَارِيَة (فَقَالَ:) شمي عوارضها، وانظري إِلَى عرقوبيها» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد الْهُذلِيّ، أَنا ثَابت الْبنانِيّ، عَن أنس بن مَالك قَالَ: «كَانَ [رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] إِذا أَرَادَ خطْبَة امْرَأَة بعث أم سليم إِلَيْهَا فشمّت أعطافها. وَنظرت إِلَى عراقيبها» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة، فَبعث امْرَأَة لتنظر إِلَيْهَا فَقَالَ: شمي عوارضها، وانظري إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 507 (عرقوبيها) قَالَ: فَجَاءَت إِلَيْهِم، فَقَالُوا: أَلا نغديك يَا أم فلَان؟ فَقَالَت: لَا آكل (إِلَّا) من طَعَام جَاءَت بِهِ فُلَانَة. قَالَ: فَصَعدت فِي رقٍ لَهُم فَنَظَرت إِلَى عرقوبيها، ثمَّ قَالَت: أفليني يَا بنيه. قَالَ: فَجعلت تفليها وَهِي تشم عوارضها. قَالَ. فَجَاءَت فَأخْبرت» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : كَذَا رَوَاهُ شَيخنَا الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل مُرْسلا مُخْتَصرا، دون ذكر أنس، قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو النُّعْمَان، عَن حَمَّاد مُرْسلا. وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن كثير الصَّنْعَانِيّ عَن حَمَّاد مَوْصُولا، وَرَوَاهُ عمَارَة بن زَاذَان، عَن ثَابت، عَن أنس مَوْصُولا. قلت: وَعمارَة هَذَا لم يخرج لَهُ فِي الصَّحِيح؛ نعم أخرج لَهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: رُبمَا يضطرب فِي حَدِيثه: وَقَالَ (الْأَثْرَم) عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 508 الإِمَام أَحْمد: يروي عَن أنس أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ ابْن (معِين) : صَالح. وَقَالَ مُسلم، عَن الإِمَام أَحْمد: شيخ ثِقَة مَا بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه، وَلَا يحْتَج بِهِ، لَيْسَ بالمتين. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْس بِهِ، مِمَّن يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة. وَقَالَ مهنا: سَأَلت أَحْمد عَنهُ، فَقَالَ صَالح؛ إِلَّا أَنه (يروي) حَدِيثا مُنْكرا يحدث عَن ثَابت، عَن أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أرسل أم سليم إِلَى امْرَأَة، فَقَالَ: شمي عوارضها وانظري إِلَى عرقوبيْها» . قلت لَهُ: هَذَا غَرِيب، قَالَ: فَلذَلِك صَار مُنْكرا. وأمّا ابْن القطّان فَقَالَ فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» (من) طَرِيق عمَارَة: إِنَّه حَدِيث حسن عِنْد الْمُحدثين. فَائِدَة: مَا وَقع فِي رِوَايَة الإِمَام الرَّافِعِيّ لهَذَا الحَدِيث من تَسْمِيَة الْمَرْأَة: أم سليم، وَوَقع كَذَلِك فِي تَعْلِيق القَاضِي الْحُسَيْن، وَقد أسلفنا ذَلِك عَن رِوَايَة أَحْمد وَغَيره، وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا «أم عَطِيَّة» وَهُوَ غَرِيب. فَائِدَة أُخْرَى: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام بِالنّظرِ إِلَى عرقوبيها حَتَّى تكون ممتلئة السَّاقَيْن، وَأَرَادَ بالمعاطن: الْإِبِط والفم، وَمَا شابههما، قَالَه القَاضِي حُسَيْن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 509 الحَدِيث الْعَاشِر عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بعبدٍ قد وهبه لَهَا وَعَلَى فَاطِمَة ثوبٌ إذَا قَنّعت بِهِ رَأسهَا لم يبلغ رِجْلَيْهَا، وَإِذا غطّت بِهِ رِجْلَيْهَا لم يبلغ رَأسهَا، فَلَمَّا رَأَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مَا تلقى) قَالَ: إِنَّه لَيْسَ عَلَيْك بَأْس؛ إِنَّمَا هُوَ أَبوك وغلامك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عِيسَى، ثَنَا أَبُو جَمِيع سَالم بن دِينَار، عَن ثَابت، عَن أنس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بعبدٍ ... » فَذكره بِهِ سَوَاء. وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَسَالم وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَلينه أَبُو زرْعَة، وَقد تَابعه سَلام بن أبي الصَّهْبَاء، عَن ثَابت لَا جرم، قَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين فِي « (أَحْكَامه» : لَا أعلم بِإِسْنَادِهِ بَأْسا. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي) كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : لَا يبالى بقول أبي زرْعَة - يَعْنِي: السالف - فَإِن الْعُدُول متفاوتون فِي الْحِفْظ بعد تَحْصِيل رُتْبَة الْعَدَالَة، والْحَدِيث صَحِيح. الحَدِيث الْحَادِي عشر رُوِيَ «أَن وَفْدًا قدمُوا عَلَىَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَهُمْ غُلَام حسن الْوَجْه فأجلسه من وَرَائه، وَقَالَ: إِنَّمَا أخْشَى مَا أصَاب أخي دَاوُد» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 510 هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده: القَاضِي الْحُسَيْن وَالْإِمَام، وَقَالَ ابْن الصّلاح: إِنَّه ضَعِيف لَا أصل لَهُ. وَلم يعزه لأحد. وَقد رَوَاهُ أَبُو حَفْص بن شاهين بِإِسْنَاد مَجْهُول إِلَى أبي أُسَامَة حَمَّاد بن (أُسَامَة) ، عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ قَالَ: «قدم وفْدُ عبد الْقَيْس عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَفِيهِمْ غُلَام أَمْرَد ظَاهر الْوَضَاءَة، فأجلسه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَاء ظَهره، وَقَالَ: كَانَ خَطِيئَة دَاوُد النّظر» . قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ فَإِن من دون أبي أُسَامَة لَا يعرف، ومجالد ضَعِيف، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُرْسل. قلت: وَأخرجه ابْن نَاصِر من هَذَا الطَّرِيق، قَالَ: «كَانَت خطية من مَضَى النّظر» بدل مَا سلف، وَعقد البيهقى فِي «سنَنه» بَابا فِيمَا جَاءَ فِي النّظر إِلَى الْأَمْرَد بالشهوة، ثمَّ اسْتدلَّ بقوله تَعَالَى (قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم) ثمَّ رَوَى من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يحدَّ الرجل النّظر إِلَى الْغُلَام الْأَمْرَد» وَفِي لفظ لَهُ: «لاَ تملُّوا أَعْيُنكم من أَبنَاء الأَغْنِيَاء؛ فَإِن لَهُم فتْنَة أَشد من فتْنَة العذارى» ثمَّ ضعفهما، وَقَالَ: وَفِيمَا ذكرنَا من الْآيَة غنية عَن غَيرهَا، وفتنة ظَاهِرَة لَا تحْتَاج إِلَى خبر يبينها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 511 الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «كنت مَعَ مَيْمُونَة عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذْ أقبل ابْن أم مَكْتُوم، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: احتجبا مِنْهُ. فَقلت: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبصرنَا؟ ! قَالَ: أفعمياوان أَنْتُمَا، ألستما تبصرانه؟ !» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور: أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَصَححهُ ابْن حبَان أَيْضا، وَفِي سَنَده: نَبهَان المَخْزُومِي كاتبُ أم سَلمَة، وَهُوَ رَاوِي الحَدِيث عَنْهَا، رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن مولَى أبي طَلْحَة، ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي أَبْوَاب الْمكَاتب: صاحبا «الصَّحِيح» لم يخرجَاهُ عَنهُ. فَكَأَنَّهُ لم تثبت عَدَالَته عِنْدهمَا إِذْ لم يخرج من الْجَهَالَة بِرِوَايَة عدل عَنهُ. قلت: قد رَوَى عَنهُ اثْنَان كَمَا تقدم، وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «التَّمْهِيد» حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس - يَعْنِي: الْآتِي - فِي بَاب النَّهْي عَن الْخطْبَة عَلَى الْخطْبَة، دَلِيل عَلَى جَوَاز نظر الْمَرْأَة للأعمى وَكَونهَا مَعَه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 512 فِي بَيت (وَإِن لم تكن ذَات محرم مِنْهُ؛ فَإِن فِيهِ أمرهَا بالابتدال إِلَى بَيت) أم مَكْتُوم. وَقَوله: «فَإِنَّهُ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابك عِنْده لم ير شَيْئا» فَفِيهِ مَا يرد حَدِيث نَبْهان هَذَا (قَالَ:) وَمن قَالَ بِحَدِيث فَاطِمَة احْتج بِصِحَّتِهِ، وَأَنه لَا مَطعن لأحدٍ فِيهِ، وَأَن نَبْهان لَيْسَ مِمَّن يحْتَج بحَديثه. وَزعم أَنه لم يرو إلاّ حديثين منكرين: أَحدهمَا (هَذَا) وَالْآخر عَن أم سَلمَة «فِي الْمكَاتب إِذا كَانَ عِنْده مَا يُؤَدِّي فِي كِتَابَته، احْتَجَبت مِنْهُ سيدته» . قلت: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: (هَذَا لِأَزْوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خاصّةً، بِدَلِيل حَدِيث فَاطِمَة السالف) . الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «النّظر فِي الْفرج يُورث الطمس» . هَذَا الحَدِيث يُروى من طَرِيق ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة واهٍ، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس: قيل إِنَّه جيد، وَقيل إِنَّه مَوْضُوع. وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهِمَا فِي «تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب» فَرَاجعه مِنْهُ تَجِد فِيهِ نفائس. وذكرته من طَرِيق ثَالِث أَيْضا، وَهُوَ مَوْضُوع وَلم أر فِيهِ لَفْظَة: «الطمس» وَإِنَّمَا فِيهِ: «الْعَمى» وَهُوَ هُوَ كَمَا فَسَّرَهُ الرَّافِعيُّ وَغَيْرُه بِهِ. والعَشَى أَيْضا، كَذَا رَأَيْته فِي رِوَايَة ابْن طَاهِر فِي «التَّذْكِرَة» وَلَفظه: «إِذا جَامع الرجل زوجتهُ أَو خادمته فَلَا ينظر إِلَى فرجهَا؛ فَإِن ذَلِك يُورث العشى» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 513 فَائِدَة: الطمس - بِفَتْح الْمِيم وسكونها -: العَمَى كَمَا سلف، قَالَ تَعَالَى (لطمسنا عَلَى أَعينهم) (وَأَصله) استئصال أثر الشَّيْء. فَائِدَة ثَانِيَة: هَذَا الطمس قيل: فِي النَّاظر، وَقيل: فِي الْوَلَد الَّذِي يَأْتِي، وَقيل: فِي الْقلب. وَصَححهُ الحبلي (من الْفُقَهَاء) . فَائِدَة ثَالِثَة: ذكر صَاحب «الْهِدَايَة» من الْحَنَفِيَّة أَن النّظر إِلَى الْعَوْرَة يُورث النسْيَان، قَالَ: لوُرُود ذَلِك فِي الْأَثر، وَهَذَا لم أَقف عَلَيْهِ؛ فليبحث عَنهُ. الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا زوج أحدكُم عَبده جَارِيَته أَو أجيره؛ فَلَا ينظر إِلَى مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي شُرُوط الصَّلَاة؛ فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يُفْضِي الرجل إِلَى الرجل فِي الثَّوْب الْوَاحِد، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَزَاد فِي أَوله: «لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل، وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَورَة الْمَرْأَة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 514 وَله طَرِيق آخر من حَدِيث جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث أبي الزِّنَاد، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِمثلِهِ سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا يُبَاشر» بَدل «لَا يُفْضِي» وَلم يذكر الزِّيَادَة الْمُتَقَدّمَة فِي أَوله. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث إِسْرَائِيل، عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «لَا يُبَاشر الرجل الرجل، وَلَا الْمَرْأَة الْمَرْأَة» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ؛ فقد اجْتمعَا عَلَى صِحَة الحَدِيث. كَذَا قَالَ. وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث (أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «لَا تباشر الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا الرجل الرجل، إِلَّا الْوَالِد لوَلَده» . تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَن يضاجع الرجل الرجل وَلَا الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَإِن كَانَ كل واحدٍ فِي جَانب من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 515 الْفراش، وَلَعَلَّ مُرَاده مَا إِذا كَانَا مجردين فيطابق دلَالَة الحَدِيث؛ فَإِن الْإِفْضَاء إِنَّمَا يكون بِغَيْر حَائِل، فَلَو ورد الحَدِيث بِالنَّهْي عَن المضاجعة لنهض دَعْوَاهُ، وأنى لَهُ ذَلِك؟ ! الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مُروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة وَاضحا، فَرَاجعه مِنْهُ، ثمَّ اعْلَم هُنَا أنَّ الرَّافعي ذكر هَذَا الحَدِيث دَلِيلا لوُجُوب التَّفْرِيق بَين الْأُم وَالْأَب، وَالْأُخْت وَالْأَخ فِي المضجع إِذا بلغا عشر سنينَ، وَلَا دلَالَة فِيه؛ فإنَّ مُقْتَضَى الحَديث التَّفْرِيق بَين الصِّبْيَان لاَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آَبائهم وأبنْائِهم؛ فَإن كَان أخَذَ ذلِكَ مِنْ أَنَّهُ إِذا وَجَبَ التَّفْرِيقُ بَين الصبْيَانِ وَجَبَ بَيْنَهُم وَبَيْنَ آبائِهِم بِالْقِيَاسِ، وَالْفَرْقِ ظَاهر لما بَيْنَ الصِّبْيَانِ من الغرامة وعَدَمِ التَّحَفظِ، وَلَا سِيمَا فِي أول النشأة، وَقيل: كَمَال الْعقل، وَقد بَلغُوا السِّنَّ الَّذِي يُمْكِنُ فِيه الْبلُوغ، واستيعاب الشَّهْوَة، وَلَا رادع لَهَا. الحَدِيث السَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الرجل يلقى أَخَاهُ أَو صديقه، أينحني لَهُ؟ قَالَ: لَا. قيل: أفيلتزمه ويقبّله؟ قَالَ: لَا. قيل: (أفيأخذ) بِيَدِهِ ويصافحه؟ قَالَ: نعم» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 516 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة أنس بن مَالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَلَفظه: «قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أحدُنا يلقى صديقه، ينحني لَهُ ويقبّله؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فيصافحه؟ قَالَ: نعم، إِن شَاءَ» . قلت: وَفِي حسنه نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده: حَنْظَلَة بن عبيد الله الْبَصْرِيّ رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَن أنس، وَلَيْسَ لَهُ فِي ت ق غير هَذَا الحَدِيث، وَقد ضَعَّفُوهُ ونسبوه إِلَى الِاخْتِلَاط، قَالَ أَحْمد: هُوَ ضَعِيف مُنكر الحَدِيث، يحدث بأعاجيب ومناكير، مِنْهَا: «قُلْنَا: أينحني بَعْضنَا لبَعض؟» وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: تركته عَلَى [عمد] وَكَانَ قد اخْتَلَط، وَنسبه ابْن معِين وَابْن حبَان (إِلَى الِاخْتِلَاط أَيْضا، زَاد ابْن حبَان) وَأَنه اخْتَلَط حَدِيثه (الْقَدِيم بحَديثه) الْأَخير. لكنه خَالف فَذكره فِي «ثقاته» أَيْضا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ حَنْظَلَة هَذَا، وَكَانَ قد اخْتَلَط، تَركه يَحْيَى الْقطَّان لاختلاطه. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : حَنْظَلَة هَذَا يروي مَنَاكِير، وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا أنكر عَلَيْهِ وَكَانَ قد اخْتَلَط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 517 تَنْبِيه: وَقع لبَعض (الأكابر) فِي الحَدِيث وهم غَرِيب، فَذكره فِيمَا وَضعه عَلَى (الْمِنْهَاج) بِلَفْظ: «أيصافحُ بَعْضنُا بَعْضًا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أينحني بَعْضنَا لبَعض؟ قَالَ: لَا» . ثمَّ عزاهُ إِلَى «صَحِيح مُسلم» وَهُوَ فَاحش، ثمَّ نَاقض بعد ذَلِك بأسطر، فَقَالَ: وَفِي الحَدِيث: «يلتزمه ويقبّله؟ قَالَ: لَا» قَالَ: وَفِي إِسْنَاده مقَال. وَهَذَا عَجِيب؛ فَهَذَا طرف من الحَدِيث السالف الَّذِي عزاهُ أَولا إِلَى «صَحِيح مُسلم» فَتنبه لذَلِك! وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَنه قَالَ: «يسْتَحبّ للْمَرْأَة أَن تنظر إِلَى الرجل؛ فَإِنَّهُ يعجبها مِنْهُ مَا يُعجبهُ مِنْهَا» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 518 بَاب النَّهْي عَن الْخطْبَة عَلَى الْخطْبَة وَالْأَمر بالنصح إِذا استنصح ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة أَحَادِيثَ: الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يخْطب (الرجل) عَلَى خطبةِ أَخِيه إِلَّا بِإِذْنِهِ» . هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه، وَاللَّفْظ لمُسلم إِلَّا أَنه قَالَ: «إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ» بدل «إِلَّا بِإِذْنِهِ» وَلَفظ البُخَارِيّ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَبِيع (بَعضهم) عَلَى (بيع) بعض، وَلَا يخْطب الرجل عَلَى خطْبَة أَخِيه حَتَّى يتْرك الْخَاطِب قبله أَو يَأْذَن لَهُ الْخَاطِب» وَرَوَاهُ مَالك فِي «موطئِهِ» كَلَفْظِ مُسلم، إِلَّا أَنه قَالَ: «حَتَّى يتْرك الْخَاطِب قبله أَو يَأْذَن لَهُ» وبرواية البُخَارِيّ يتَبَيَّن لَك غلط ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «جَامع المسانيد» حَيْثُ ادَّعَى - بعد أَن أخرج حَدِيث ابْن عمر: «لَا يخْطب عَلَى خطْبَة أَخِيه إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ» - أَن خَ، م الجزء: 7 ¦ الصفحة: 519 أخرجه إِلَّا أَن م انْفَرد بِذكر الْإِذْن؛ فقد علمت أَنَّهَا فِي خَ أَيْضا فَتنبه لذَلِك، وَلِلْحَدِيثِ طرق أُخْرَى: - إِحْدَاهَا: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة - رَفعه -: «لَا يخْطب أحدكُم عَلَى خطْبَة أَخِيه» أخرجه الشَّيْخَانِ، زَاد خَ: «حَتَّى يتْرك أَو ينْكح» (وَرَوَاهُ الشَّافِعِي بِلَفْظ: «نهَى أَن يخْطب الرجل عَلَى خطْبَة أَخِيه حَتَّى ينْكح) أَو يتْرك» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «لَا يستام الرجل عَلَى سوم أَخِيه حَتَّى (يَشْتَرِي) أَو يتْرك، وَلَا يخْطب عَلَى خطبَته حَتَّى ينْكح أَو يذر» . ثَانِيهَا: من طَرِيق عقبَة بن عَامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُؤمن أَخُو الْمُؤمن؛ فَلَا يحل لِلْمُؤمنِ أَن يبْتَاع عَلَى بيع أَخِيه، وَلَا يخْطب عَلَى خطْبَة أَخِيه حَتَّى يذر» رَوَاهُ مُسلم. ثَالِثهَا: من طَرِيق الْحسن عَن سَمُرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يخْطب الرجل عَلَى خطْبَة أَخِيه، أَو يبْتَاع عَلَى بَيْعه) . رَوَاهُ أَحْمد فِي « (مُسْنده» ) وَالْحسن عَن سَمُرَة قد علم مَا فِيهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 520 الحَدِيث الثَّانِي كَانَ أَحَق بالتقديم، لَكنا أخرناه سَهوا، قَالَ الرَّافِعِيّ: قَوْله - يَعْنِي: الْغَزالِيّ -: «الْخطْبَة مُسْتَحبَّة» يُمكن أَن يحْتَج لَهُ بِفعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاس، قد ثبتَتْ خطبَته عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي (غير) مَا مَوضِع مِنْهَا خطبَته أم سَلمَة، وإرسالها إِلَيْهِ تعتذر، وَمِنْهَا إرْسَاله إِلَى النَّجَاشِيّ بخطبته أم حَبِيبَة وتزويجها، وَمِنْهَا خطبَته عَائِشَة فِي صَحِيح خَ من حَدِيث مَرْوَان، وَقد سلف قَرِيبا من حَدِيث فَاطِمَة: «إِذا حللت فآذنيني» وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث. الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وَذَلِكَ «أَن زَوجهَا طَلقهَا فَبت طَلاقهَا، فَأمرهَا عَلَيْهِ السَّلَام أَن تَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم وَقَالَ لَهَا: إِذا حللت فآذنيني. فَلَمَّا أحلّت أخْبرته أَن مُعَاوِيَة وَأَبا جَهْمٍ خطباها، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ، وَأما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَلَى عَاتِقه، انكحي أُسَامَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» مطولا، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل مُشْتَمل عَلَى أَحْكَام عديدة، وَقد بسطتها فِي «الْإِعْلَام بفوائد عُمْدَة الْأَحْكَام» فَرَاجعهَا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات، ثمَّ اعْلَم هُنَا أَن الرَّافِعِيّ ذكر هَذَا الحَدِيث دَلِيلا عَلَى أَنه إِذا لم يدر أَن الْخَاطِب أُجِيب أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 521 رُدَّ أَن الْخطْبَة تجوز، ثمَّ قَالَ: وَوجه الِاسْتِدْلَال أَنه خطبهَا لأسامة بعد خطْبَة غَيره لما لم يعلم أَنَّهَا أجابت أم ردَّتْ. وَلَك أَن تَقول: فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن قَوْله: «انكحي أُسَامَة» أَمر لَهَا بذلك لَا خطْبَة. ثَانِيهَا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام علم أَنه لَا مصلحَة لَهَا فِي إِجَابَة من سمت أَنه خطبهَا، فأرشدها إِلَى الْمصلحَة لَهَا؛ لما جبل عَلَيْهِ السَّلَام من النصح لأمته، وَلَا يلْزم من (ذَلِك) الْمُدَّعِي، وَهُوَ جَوَاز الْخطْبَة فِي الْحَال الْمَذْكُور مُطلقًا؛ بل يلْزم جَوَاز النصح فِي مثل هَذِه الْحَالة. تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: حَكَى الرَّافِعِيّ خلافًا فِي أَن مُعَاوِيَة هَذَا الْخَاطِب، هَل هُوَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَو غَيره، ثمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُور الأول. قلت: لَا شكّ فِيهِ عندى؛ فَإِن فِي «صَحِيح مُسلم» التَّصْرِيح بِهِ؛ وَلَعَلَّ من قَالَ إِنَّه غَيره اسْتدلَّ بقوله: «أما مُعَاوِيَة فصعلوك» وَهَذِه حَالَته إِذْ ذَاك ثمَّ صَار بعد ملكا. الثَّانِي: ذكر أَيْضا - أَعنِي: الرَّافِعِيّ - خلافًا فِي مَعْنَى قَوْله - عَن أبي جهم -: «لَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه» وَيرْفَع الْخلاف رِوَايَة مُسلم: «وَأَبُو جهم فضراب للنِّسَاء» . الحَدِيث الرَّابِع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 522 رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (إِذا) استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصحه» . هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي الْبيُوع تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، فَقَالَ: وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصح لَهُ» وأَسنده الأَئِمَة من طرق: أَحدهَا: من طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض؛ فَإِذا استنصح أحدكُم فلينصح» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبيُوع من حَدِيث أبي حَمْزَة السكرِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ. ثَانِيهَا: من طَرِيق حَكِيم (بن أبي) يزِيد، عَن أَبِيه، عَمَّن سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «دعوا النَّاس فليصب بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصح رجل أَخَاهُ فلينصح لَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كِتَابه» من حَدِيث جرير، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن حَكِيم بِهِ، وَهُوَ حَدِيث فَرد غَرِيب، مَدَاره عَلَى عَطاء، وَلَيْسَ لأبي يزِيد سواهُ، وَجَرِير رَوَى عَن عَطاء بعد الِاخْتِلَاط كَمَا تقدم فِي الْأَحْدَاث، وَرَوَاهُ عبد بن حميد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «كناه» من حَدِيث جرير، عَن عَطاء أَيْضا، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «دعوا النَّاس يُصِيب بَعضهم من بعض؛ فَإِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصح لَهُ» وَرَوَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 523 الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ ثمَّ اعْلَم أَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن عَطاء (أحدهم: أَبُو عوَانَة، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان عَنهُ، عَن عَطاء) عَن حَكِيم بن أبي يزِيد عَن أَبِيه عَمَّن سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول ... فَذكره بِلَفْظ الْحَاكِم الأول. قَالَ يَحْيَى بن معِين: سمع أَبُو عوَانَة من عَطاء فِي الْحَالين، وَلَا يحْتَج بِهِ. ثانيهم: حَمَّاد بن زيد، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث خَالِد بن خِدَاش عَنهُ، عَن عَطاء، عَن حَكِيم (بن) أبي يزِيد (عَن أَبِيه) رَفعه: «دعوا النَّاس يُصيب بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصحوا فانصحوهم» وخَالِد هَذَا: قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: صَدُوق. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ والسَّاجي: ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: تفرد عَن حَمَّاد بِأَحَادِيث. وَقد تقدم فِي الْأَحْدَاث الِاخْتِلَاف فِي سَماع حَمَّاد (من) عَطاء؛ هَل هُوَ قبل الِاخْتِلَاط أم بعده؟ ثالثهم: حَمَّاد بن سَلمَة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «أكبر معاجمه» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 524 من حَدِيث عَلّي بن الْجَعْد عَنهُ بِمثلِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: «يرْزق» بدل «يُصِيب» وَقَالَ: «وَإِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصحه» وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي «غنية الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس» من طرق عَن حَمَّاد، وَلم يتَبَيَّن أهوَ ابْن زيد أَو ابْن سلمةَ. وَأخرجه من حَدِيث جُنَادَة عَن حَمَّاد عَن عَطاء بِهِ بِلَفْظ «دعوا النَّاس يعِيش بَعضهم من بعض؛ فَإِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصح لَهُ» وَمن حَدِيث يَحْيَى الْحمانِي عَن حَمَّاد بِهِ، وَلَفظه كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَمن حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن حَمَّاد بِهِ، وَقَالَ: «فلينصح لَهُ» بدل «فلينصحه» . رابعهم: إِسْمَاعِيل ابْن علية، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عَنهُ بِهِ، وَلَفظه: «دعوا النَّاس فليرزق (الله) بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصح الرجل الرجل فلينصح لَهُ» . خامسهم: همام بن يَحْيَى، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِيهِ بِهِ، وَلَفظه: «دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض، وَإِذا اسْتَشَارَ أحدكُم أَخَاهُ فلينصحه» وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي «غنية الملتمس» من هَذِه الطَّرِيق بِلَفْظ: «دعوا النَّاس يُصِيب (بَعضهم) من بعض» وَالْبَاقِي بِمثلِهِ. سادسهم: مَنْصُور بن أبي الْأسود، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيثه عَنهُ (بِهِ) وَلَفظه: «دعوا النَّاس فليصب بَعضهم من بعض، وَإِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 525 استنصح الرجل أَخَاهُ فلينصح لَهُ» . سابعهم: روح بن الْقَاسِم، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيثه عَنهُ بِنَحْوِهِ. ثامنهم: عَلّي بن عَاصِم رَوَاهُ الْخَطِيب فِي الْكتاب السالف ذكره، من حَدِيثه عَنهُ بِهِ بِلَفْظ طَرِيق (همام) سَوَاء. تاسعهم: وَالِد عبد الصَّمد، قَالَ الإِمَام أَحْمد: ثَنَا عبد الصَّمد، ثَنَا أبي، ثَنَا عَطاء بن السَّائِب، قَالَ: حَدثنِي حَكِيم بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه قَالَ: حَدثنِي أبي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دعوا النَّاس يُصِيب بَعضهم من بعض ... » الحَدِيث، فَهَؤُلَاءِ عشرَة أنفس رَوَوْهُ عَنهُ، وَرَوَاهُ - أَعنِي: عَطاء - (مرّة) عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: « (دعوا النَّاس) يُصِيب بَعضهم من بعض، وَإِذا استنصحك أَخُوك فانصح لَهُ» . ذكره أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة مَالك، وَقَالَ: هُوَ أَبُو السَّائِب الثَّقَفِيّ جد عَطاء. قلت: وَهَذَا طَرِيق غَرِيب. الطَّرِيق الثَّالِث: من أصل طرق الحَدِيث من حَدِيث ميسرَة، وَهُوَ أَبُو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 526 طيبَة الْحجام «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل السُّوق فَجَلَسَ فِي البزازين فَجعل يعرض رجلا مَتَاعا لَهُ، فَقَالَ رجل للْمُشْتَرِي: هَذَا لَا يساوى بِمَا يسام. قَالَ: فَأخذ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بتلابيبه فَقَالَ: دع النَّاس فليصب بَعضهم من بعض، وَإِذا اسْتَشَارَ أَخَاهُ فلينصح أَخَاهُ!» ذكره أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ أَيْضا فِي تَرْجَمَة ميسرَة هَذَا. الطَّرِيق الرَّابِع: وَهُوَ أَحَق بالتقديم مَا أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حق الْمُؤمن عَلى (الْمُؤمن) سِتَّة ... » فَذكرهَا، وفيهَا: «وَإِذا استنصحك فانصح لَهُ» . وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي أثْنَاء كتاب السّير، حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ - إِن شَاءَ الله. ويعضد مَا سلف من الطّرق أَيْضا حَدِيث جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ: «بَايَعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى السّمع وَالطَّاعَة - فلقنني: فِيمَا استطعتَ - والنصح لكل مُسلم» أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَحَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ - رَفعه -: «الدَّين النَّصِيحَة» رَوَاهُ مُسلم وَهُوَ من أَفْرَاده؛ بل لَيْسَ لَهُ فِي «صَحِيحه» عَنهُ سواهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 527 بَاب اسْتِحْبَاب الْخطْبَة (فِي) النِّكَاح وَمَا يُدعَى بِهِ للمتزوج ذكر فِيهِ سِتَّة أَحَادِيث: الحَدِيث الأول عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أَجْذم» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة، وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو عوَانَة الإِسْفِرَايِينِيّ فِي أول «صَحِيحه» الْمخْرج عَلَى «مُسلم» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صحيحيه» وَرُوِيَ مُرْسلا وموصولاً، وَرِوَايَة الْمَوْصُول إسنادها جيد عَلَى شَرط مُسلم، وَادَّعَى النَّسَائِيّ أَن رِوَايَة الْإِرْسَال أولَى بِالصَّوَابِ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ، فَقَالَ: يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ، وَاخْتلف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 528 عَنهُ؛ فَرَوَاهُ عبيد الله بن مُوسَى وَابْن أبي الْعشْرين والوليد بن مُسلم، وَابْن الْمُبَارك، وَأَبُو الْمُغيرَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة (عَن) أَبَى هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك لم يذكر قُرَّة، وَرَوَاهُ وَكِيع عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سعيد فَقَالَ لَهُ الوصيف، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه. قَالَ: وَالصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا. قلت: وَلمن رجح الْوَصْل أَن يَقُول: هِيَ زِيَادَة من ثِقَة قبلت، وقرة من رجال مُسلم وَإِن تكلم فِيهِ، وَقد توبع عَلَيْهِ، فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الْوَلِيد، عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن الزُّهْرِيّ مَوْصُولا كَرِوَايَة قُرَّة، وَهِي مُتَابعَة جَيِّدَة، وَله شَاهد أَيْضا من حَدِيث كَعْب مَرْفُوعا: «كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد أقطع» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» لَا جرم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: رجال هَذَا الحَدِيث رجال «الصَّحِيحَيْنِ» جَمِيعًا سُوَى قُرَّة؛ فَإِنَّهُ مِمَّن انْفَرد مُسلم عَن البُخَارِيّ بالتخريج لَهُ، ثمَّ حكم عَلَى الحَدِيث بالحُسن وَلَا يلْتَفت إِلَى تَضْعِيف صَاحب «الشَّامِل» لَهُ حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الْوَلِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ ضَعِيف. وَقد قيل: أَنه مَوْقُوف عَلَى أبيِ هُرَيْرَة، هَذَا كَلَامه وَلم (يبد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 529 علته، وَلَعَلَّه) أعله بِتَضْعِيف قُرَّةَ أَو بِاْلَوقْفِ، وقَد عَلمت أَن الصَّوَاب حسنه، وَأَن أَبَا عوَانَة وَابْن حبَان صَحَّحَاهُ، ثمَّ هَذَا الحَدِيث ورد بِأَلْفَاظ ذكر الرَّافِعِيّ مِنْهَا مَا سلف ثمَّ قَالَ وَيروَى: «كل أمرٍ ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أَجْذم» وَلَفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: «كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أَجْذم» وَلَفظ ابْن مَاجَه: كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أقطع» وَهُوَ لفظ ابْن حبَان، وَفِي لفظ: «كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِذكر الله فَهُوَ أَبتر» وَفِي لفظ: «كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم» وَفِي لفظ: «لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع» رَوَى هَذِه الْأَلْفَاظ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي «فِي أربعينه» . فَائِدَة: مَعْنَى «ذِي بَال» : حَالَ يهتم بِهِ، و «أقطع» و «أَجْذم» : قَلِيل الْبركَة. الحَدِيث الثَّانِي عَن عبد الله بن مَسْعُود مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا قَالَ: «إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يخْطب لحَاجَة من النِّكَاح أَو غَيره فَلْيقل: الْحَمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور؟ أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل (لَهُ) وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَات: (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ) ، (وَاتَّقوا الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 530 الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبًا) ، (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدًا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزًا عَظِيما» ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه (مَرْفُوعا) أَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لِابْنِ مَاجَه وَالْحَاكِم إِلَّا (أَن) ابْن مَاجَه قَالَ: «وَمن سيئات أَعمالنَا» بِإِثْبَات «من» وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحَاكِم «سيئات أَعمالنَا» وَفِي أول رِوَايَة ابْن مَاجَه: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُوتي جَوامع الْخَيْر وخواتيمه - أَو قَالَ: فواتح الْخَيْر - فَعلمنَا خطْبَة الصَّلَاة وخطبة الْحَاجة. فَذكر خطْبَة الصَّلَاة، ثمَّ خطْبَة الْحَاجة» وَفِي أول رِوَايَة الْحَاكِم: «علمنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطْبَة الْحَاجة ... » فَذكره، وَلَفظ أبي دَاوُد كالحاكم إِلَّا أَنه لم يذكر «نحمد» وَلَفظ النَّسَائِيّ: «علمنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التَّشَهُّد فِي الْحَاجة: إِن الْحَمد لله، نستعينه ... » إِلَى آخِره، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ مثله، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ [ثَنَا شُعْبَة] ثَنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة بن عبد الله يحدث عَن أَبِيه، قَالَ: «علمنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطْبَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 531 الْحَاجة: الْحَمد لله - أَو إِن الْحَمد لله - نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. ثمَّ يقْرَأ الثَّلَاث آيَات: « (يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نَفْس واحدةَ وخلقَ مِنْهَا زَوجهَا) ، (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته) » الْآيَة، ثمَّ يقْرَأ: « (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدًا) » إِلَى آخر الْآيَة. ثمَّ تَتَكَلَّم بحاجتك. قَالَ شُعْبَة: قلت لأبي إِسْحَاق: هَذِه فِي خطْبَة النِّكَاح أَو فِي غَيرهَا؟ قَالَ: فِي كل حَاجَة» (وَهُوَ حَدِيث) صَحِيح لَوْلَا الِانْقِطَاع الذى فِيهِ بِسَبَب عدم سَماع أبي عُبَيْدَة من أَبِيه. وَقد رَوَاهُ شُعْبَة مرّة، عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: وَأرَاهُ عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله مَرْفُوعا، رَوَاهُ الْحَاكِم كَذَلِك، وَرَوَاهُ إِسْرَائِيل بن يُونُس، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص وَأبي عُبَيْدَة أَن أَبَا عبد الله قَالَ: «علمنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه (مَرْفُوعا) وَرَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق لَيْسَ فِيهِ أَبَا عُبَيْدَة أصلا؛ رَوَاهُ من حَدِيث قَتَادَة، عَن عبد ربه، عَن أبي عِيَاض، عَن ابْن مَسْعُود «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا تشهد قَالَ: الْحَمد لله، نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، من يهد الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، أرْسلهُ بِالْحَقِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 532 بشيرًا وَنَذِيرا بَين يَدي السَّاعَة، من يطع الله (وَرَسُوله) فقد رشد، وَمن يعصهما؛ فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا نَفسه وَلَا يضر الله شَيْئا» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث وَاصل الأحدب عَن شَقِيق، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّد وَالْخطْبَة كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن. فَذكر التَّشَهُّد وَالْخطْبَة: الْحَمد لله، نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام» فَذكره إِلَى قَوْله (رقيبًا) «يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدًا (فَذكره إِلَى قَوْله فوزًا عَظِيما) » . قَالَ التِّرْمِذِيّ - بعد أَن رَوَاهُ كَمَا - (مر) هَذَا حَدِيث حسن، رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله مَرْفُوعا [وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي عبيدةٍ، عَن عبد الله مَرْفُوعا] وكلا الْحَدِيثين صَحِيح؛ لِأَن إِسْرَائِيل جَمعهمَا فَقَالَ: عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص وَأبي عُبَيْدَة عَن عبد الله مَرْفُوعا، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بعد قَوْله: «وَرَسُوله، أرْسلهُ بِالْحَقِّ بشيرًا وَنَذِيرا بَين يَدي السَّاعَة، من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن يعصهما فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا نَفسه (و) لَا يضر الله شَيْئا» وَفِي إسنادهما اثْنَان: أَحدهمَا: عمرَان بن دَاوُد - بالراء فِي آخِره - الْقطَّان، وَفِيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 533 مقَال، تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَوَثَّقَهُ عَفَّان بن مُسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ خَ وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ يَحْيَى الْقطَّان. ثَانِيهمَا: عبد ربه بن يزِيد قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا يعرف رَوَى عَنهُ غير قَتَادَة. وَأما رِوَايَة الْمَوْقُوف فأخرجها أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه، وَقد علمت مَا فِي ذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث وَالرَّابِع ذكر الرَّافِعِيّ أَنه يسْتَحبّ فِي آخر الْخطْبَة ذكر الْحَدِيثين السالفين فِي أول النِّكَاح، وهما حَدِيث «تناكحوا تكثروا» وَحَدِيث «النِّكَاح سنتي» وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِمَا هُنَاكَ. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول للْإنْسَان إِذا تزوج: بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك، وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير» هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 534 «سُنَنهمْ» وَالنَّسَائِيّ فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا رفأ الْإِنْسَان - إِذا تزوج - قَالَ: بَارك الله ... » الحَدِيث، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَجزم بِهَذِهِ الْمقَالة - أَعنِي: كَونه عَلَى شَرط مُسلم - صَاحب «الاقتراح» وَفِي «مُسْند الدَّارمِيّ» من حَدِيث يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن قَالَ: سمعته يَقُول: «قدم عقيل بن أَبَى طَالب الْبَصْرَة فَتزَوج امْرَأَة من بني جشم، فَقَالُوا لَهُ: بالرفاء والبنين، فَقَالَ: لَا تَقولُوا ذَلِك؛ إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَهَانَا عَن ذَلِك وأمرنا أَن نقُول: بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك» . فَائِدَة: مَعْنَى رَفَأ - بِفَتْح الرَّاء وَالْفَاء -: دَعَاهُ وهنأه، والرفاء - بِالْمدِّ - هُوَ الدُّعَاء بِالْإِنْفَاقِ وَحسن الِاجْتِمَاع، يُقَال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وَأَصله من رف الثَّوْب، وَهُوَ إِصْلَاحه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 535 الحَدِيث السَّادِس عَن جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: تزوجت؟ قلت: نعم، قَالَ: بَارك الله لَك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 536 بَاب أَرْكَان النِّكَاح ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فثمانية: الحَدِيث الأول «أَن الْأَعرَابِي الَّذِي خطب الواهبة قَالَ للنَّبِي (: زوجنيها. فَقَالَ: زوجتكها. وَلم ينْقل أَنه قَالَ بعد ذَلِك: قبلت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، جِئْت أهب لَك نَفسِي. قَالَ: فَنظر إِلَيْهَا رَسُول (فَصَعدَ النّظر وَصَوَّبَهُ، ثمَّ طأطأ رَأسه، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَة أَنه لم يقْض فِيهَا شَيْئا جَلَست، فَقَامَ رجل من أَصْحَابه فَقَالَ: يَا رَسُول الله، زوجنيها إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة ... » ثمَّ ساقا الحَدِيث إِلَى أَن قَالَا: «اذْهَبْ؛ فقد ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فقد زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن» وَلِلْحَدِيثِ أَلْفَاظ أوضحتها فِي «شرحي للعمدة» مَعَ حِكَايَة الْخلاف فِي اسْم هَذِه الواهبة، وَأشهر الْأَقْوَال فِيهَا أَنَّهَا أم شريك، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : مَا ملخصه أَن هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 537 الحَدِيث رُوِيَ بِأَلْفَاظ: «زوجتكها» «أنكحتكها» «ملكتكها» «أملكتكها» وَقد تكلمنا عَلَى هَذِه الْأَلْفَاظ فِي الشَّرْح الْمَذْكُور بِمَا تقر بِهِ عَيْنك (ويشرح بِهِ صدرك) . الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول (نهَى عَن نِكَاح الشّغَار، والشغار: أَن يُزَوّج الرجل ابْنَته عَلَى أَن يُزَوجهُ الآخر ابْنَته وَلَيْسَ بَينهمَا صدَاق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه، وَفِي رِوَايَة لَهما من حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الشّغَار، قلت لنافع: مَا الشّغَار؟ قَالَ: أَن ينْكح (ابْنة الرجل وينكحه) ابْنَته بِغَيْر صدَاق، وينكح أُخْت الرجل وينكحه أُخْته بِغَيْر صدَاق» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «وبضع كل (وَاحِد) مِنْهُمَا مهر الْأُخْرَى. قلت: غَرِيبَة، قَالَ: وَورد فِي بعض الرِّوَايَات «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 538 وَالسَّلَام نهَى عَن نِكَاح الشّغَار» وَهُوَ أَن يُزَوّج ابْنَته عَلَى أَن يُزَوجهُ صَاحبه ابْنَته (أَي) وَلم يذكر فِيهِ كَون بضع كل وَاحِدَة صَدَاقا لِلْأُخْرَى، وَهَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي الله عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الشّغَار، والشغار: أَن يَقُول الرجل للرجل زَوجنِي ابْنَتك وأزوجك ابْنَتي، وزوجني أختك وأزوجك أُخْتِي» . فَائِدَة: النَّهْي عَن الشّغَار أخرجه أَيْضا مُسلم من حَدِيث جَابر، وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أنس، وَرَوَاهُ غير ذَلِك من الصَّحَابَة أَيْضا. تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: لما ذكر تَفْسِير الشّغَار فِي الحَدِيث، نقل عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 539 الْأَئِمَّة أَن هَذَا التَّفْسِير يجوز أَن يكون مَرْفُوعا، وَيجوز أَن يكون من عِنْد ابْن عمر. قلت: قد أسلفناه من كَلَام نَافِع. وَقَالَ الْخَطِيب فِي كِتَابه «المدرج» : تَفْسِير الشّغَار لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِنَّمَا هُوَ قَول مَالك، وصل بِالْمَتْنِ الْمَرْفُوع، وَقد بَين ذَلِك القعْنبِي وَغَيره، ففصلوا كَلَامه من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ ذكر كَلَام عبيد الله السالف عَن نَافِع. وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: التَّفْسِير فِي حَدِيث ابْن عمر لَا أَدْرِي هَل هُوَ من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَو من ابْن عمر، أَو من نَافِع، أَو من مَالك (ثمَّ) ذكر الْبَيْهَقِيّ مَا يَنْفِيه عَن مَالك ويثبته عَن نَافِع. الحَدِيث الثَّالِث عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن نِكَاح الْمُتْعَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من هَذَا الْوَجْه، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث سَلمَة وسبرة بن معبد، وَأخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 540 عمر، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. فَائِدَة: وَقع فِي وَقت تَحْرِيمهَا اضْطِرَاب، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» تَحْرِيمهَا يَوْم خَيْبَر، وَفِي مُسلم تَحْرِيمهَا عَام الْفَتْح، وَفِي غَيرهمَا يَوْم تَبُوك وغلطوا هَذِه الرِّوَايَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: عَام الْعصبَة سنة سبع. وَقَالَ أَيْضا الْمَقْدِسِي: أَكثر الرِّوَايَات عَلَى أَنَّهَا عَام الْفَتْح. وَترْجم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» تَحْرِيمهَا يَوْم (خَيْبَر بعد التَّرَخُّص، ثمَّ أَبَاحَهَا [لَهُم] ثَلَاثَة أَيَّام يَوْم الْفَتْح بعد نَهْيه عَنْهَا يَوْم خَيْبَر) ثمَّ نهَى عَنْهَا مرّة ثَانِيَة، ثمَّ حرمهَا (يَوْم الْفَتْح) تَحْرِيم الْأَبَد، ثمَّ رَوَى بأسانيده كل ذَلِك، وَلَفظه فِي آخرهَا فِي حَدِيث الرّبيع بن سُبْرَة الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الْمُتْعَة وَقَالَ: إِنَّهَا حرَام من يومكم هَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ رَوَى من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع «رخص رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام أَوْطَاس فِي الْمُتْعَة ثَلَاثًا، ثمَّ (نَهَانَا) عَنْهَا» قَالَ ابْن حبَان: وعام أَوْطَاس وعام الْفَتْح وَاحِد؛ فَلَا مضادة بَينهمَا. والرافعي أجمل القَوْل فِي ذَلِك فَقَالَ: كَانَ ذَلِك جَائِزا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام ثمَّ نسخ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 541 الحَدِيث الرَّابِع عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» و «الْمعرفَة» من حَدِيث عبد الله بن مُحَرر - وَهُوَ مَتْرُوك - عَن قَتَادَة، عَن الْحسن عَنهُ مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء إِلَى قَوْله: «وشاهدي عدل» (فِي «الْمعرفَة» من طَرِيق بَقِيَّة عَن عبد الله [بن مُحَرر] قَالَ: وَهُوَ ثَابت عَن ابْن عَبَّاس وعدة من الصَّحَابَة) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَكَذَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي بِإِسْقَاط عمرَان، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا - فَإِن أَكثر أهل الْعلم يَقُولُونَ بِهِ. قلت: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عمرَان عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 542 ابْن مَسْعُود أَيْضا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَيْسَ بِشَيْء. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر هَذَا الحَدِيث دَلِيلا عَلَى اعْتِبَار الشُّهُود فِي النِّكَاح، ويغني عَنهُ حَدِيث عَائِشَة السالف فِي أثْنَاء الخصائص. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَحَدِيث أبي مُوسَى فِيهِ اخْتِلَاف رَوَاهُ إِسْرَائِيل وَشريك بن عبد الله وَأَبُو عوَانَة وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَقيس بن الرّبيع، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَسْبَاط بن مُحَمَّد وَزيد بن حباب، عَن يُونُس بن أبي أسْحَاق، عَن أبي إسحاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا (وَرَوَاهُ أَبُو عبيد الْحداد، عَن يُونُس، عَن أبي بردة) [عَن أبي مُوسَى] (مَرْفُوعا) نَحوه. وَلم يذكر فِيهِ عَن أبي (إِسْحَاق) قَالَ: وَقد رُوِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 543 عَن يُونُس (عَن) أبي بردة مَرْفُوعا أَيْضا. قَالَ: وَرَوَى شُعْبَة، وَالثَّوْري، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة مَرْفُوعا «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» . قلت: يجوز أَن يكون أرْسلهُ مرّة؛ لكَونه استفتاء، وأسنده أُخْرَى لكَونه تحديثًا. قَالَ: وَقد ذكر بعض أَصْحَاب سُفْيَان عَن سُفْيَان (عَن أبي مُوسَى - وَلَا يَصح - قَالَ: (وَرِوَايَة) هَؤُلَاءِ الَّذين رَوَوْهُ عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة) عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» عِنْدِي أصح؛ لِأَن سماعهم من أبي إِسْحَاق فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة، وَإِن كَانَ شُعْبَة وَالثَّوْري أحفظ وَأثبت من جَمِيع هَؤُلَاءِ الَّذين رووا عَن أبي إسحاق؛ فَإِن رِوَايَة هَؤُلَاءِ عِنْدِي أشبه؛ لِأَن شُعْبَة وَالثَّوْري سمعا هَذَا الحَدِيث فِي مجْلِس وَاحِد من أبي إِسْحَاق. قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى ذَلِك: ثَنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا (أَبُو) دَاوُد، أبنا شُعْبَة قَالَ: سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ يسْأَل أَبَا إِسْحَاق: أسمعت أَبَا بردة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» ؟ قَالَ: نعم. فَدلَّ فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى أَن سَماع شُعْبَة وَالثَّوْري هَذَا الحَدِيث فِي وَقت وَاحِد، وَإِسْرَائِيل هُوَ أثبت فِي أبي إِسْحَاق (سَمِعت مُحَمَّد بن الْمثنى يَقُول: سَمِعت ابْن مهْدي يَقُول: مَا فَاتَنِي من حَدِيث الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق) الَّذِي فَاتَنِي إِلَّا لما اتكلت بِهِ عَلَى إِسْرَائِيل؛ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 544 لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِهِ أتم. قَالَ: وَالْعَمَل فِي هَذَا الْبَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَمن بعدهمْ، وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَعنِي حَدِيث أبي مُوسَى من طرق، ثمَّ قَالَ: سمع هَذَا الْخَبَر أَبُو بردة عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا فَمرَّة كَانَ يحدث بِهِ مُسْندًا، وَمرَّة يُرْسِلهُ، وسَمعه أَبُو إِسْحَاق من أبي بردة مُرْسلا وَمُسْندًا (مَعًا فَمرَّة) كَانَ يحدث بِهِ مُسْندًا وَتارَة مُرْسلا، قَالَ: فَالْخَبَر صَحِيح مُرْسل (ومسند) مَعًا لَا شكّ وَلَا ارتياب فِي صِحَّته. وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» من طرق كَثِيرَة، وبسطها أحسن بسط، أخرجه من حَدِيث النُّعْمَان بن عبد السَّلَام عَن شُعْبَة، وسُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: قد جمع النُّعْمَان هَذَا بَين شُعْبَة وَالثَّوْري فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَوَصله عَنْهُمَا، والنعمان ثِقَة مَأْمُون. قَالَ: وَقد رَوَاهُ جماعات من (الثِّقَات) عَن الثَّوْريّ عَلَى حِدة، وَعَن شُعْبَة عَلَى حِدة فوصلوه. قَالَ: فَأَما إِسْرَائِيل بن يُونُس بن إِسْحَاق الثِّقَة الْحجَّة فِي حَدِيث جده أبي إِسْحَاق فَلم يخْتَلف عَنهُ فِي وصل هَذَا الحَدِيث. ثمَّ سَاقه من طرق إِلَيْهِ (ثمَّ) قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة. قَالَ: وَقد وَصله الْأَئِمَّة المتقدمون الَّذين ينزل فِي رواياتهم عَن إِسْرَائِيل، مثل: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ووكيع وَيَحْيَى بن آدم وَيَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة وَغَيرهم، وَقد حكمُوا لهَذَا الحَدِيث بِالصِّحَّةِ، قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 545 ابْن مهْدي: كَانَ إِسْرَائِيل يحفظ حَدِيث أبي إِسْحَاق كَمَا يحفظ الْحَمد. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: قَالَ أَبُو مُوسَى: كَانَ ابْن مهْدي يثبت حَدِيث إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق يَعْنِي: فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي (وَقَالَ حَاتِم بن يُونُس الْجِرْجَانِيّ: قلت لأبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: مَا تَقول فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي؟) فَقَالَ: لَا يجوز. فَقلت: مَا الْحجَّة فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: ثَنَا قيس بن الرّبيع، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بُردة، عَن أَبِيه. قلت: فَإِن شُعْبَة وَالثَّوْري يرسلانه! قَالَ: فَإِن إِسْرَائِيل قد تَابع (قيسا) قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: حَدِيث إِسْرَائِيل صَحِيح فِي «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: سَأَلت مُحَمَّد بن يَحْيَى عَن هَذَا الْبَاب فَقَالَ: حَدِيث إِسْرَائِيل صَحِيح عِنْدِي. قلت لَهُ: رَوَاهُ شريك أَيْضا! فَقَالَ: من رَوَاهُ؛ فَقلت: ثَنَا بِهِ عَلّي بن حجر. وَذكرت لَهُ حَدِيث يُونُس عَن أبي [إِسْحَاق] [وَقلت لَهُ: رَوَاهُ شُعْبَة وَالثَّوْري، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة] مَرْفُوعا قَالَ: نعم هَكَذَا روياه، وَلَكنهُمْ كَانُوا يحدثُونَ بِالْحَدِيثِ فيرسلونه حَتَّى يُقَال لَهُم: عَمَّن؟ فيسندونه وَقَالَ الدَّارمِيّ: قلت ليحيى بن معِين: يُونُس بن أبي إِسْحَاق أحب إِلَيْك أَو ابْنه إِسْرَائِيل بن يُونُس؟ قَالَ: كلٌّ ثِقَة. قَالَ الْحَاكِم: وَقد وصل هَذَا الحَدِيث عَن أبي إِسْحَاق بعد هَؤُلَاءِ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة [الْجعْفِيّ] وَأَبُو عوَانَة الوضاح، وَقد أجمع أهل الْعلم عَلَى تقديمهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 546 وحفظهما. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِمَا، ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: [إِذا] وجدت الحَدِيث من جِهَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة فَلَا تعدل إِلَى غَيره؛ فَإِنَّهُ من أثبت النَّاس. قَالَ الْحَاكِم: وَقد وصل هَذَا الحَدِيث أَيْضا عَن أبي إِسْحَاق جمَاعَة من أَئِمَّة الْمُسلمين غير من ذَكَرْنَاهُمْ، مِنْهُم: أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت، ورقبة بن مَسْقَلَة الْعَبْدي [و] مطرف بن طريف الْحَارِثِيّ، وَعبد الحميد الْهِلَالِي، وزَكَرِيا بن أبي زَائِدَة، وَغَيرهم. قَالَ: وَقد وَصله عَن أبي بردة جمَاعَة غير أبي إِسْحَاق، قَالَ مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر: قَالَ ابْن عقبَة: جَاءَنِي عَلّي بن الْمَدِينِيّ فَسَأَلَنِي عَن هَذَا الحَدِيث فَحدثت بِهِ عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا. فَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قد اسْتَرَحْنَا من الْخلاف عَلَى أبي إِسْحَاق، قَالَ الْحَاكِم: [لست] أعلم بَين أَئِمَّة هَذَا الْعلم خلافًا فِي عَدَالَة ابْن أبي إِسْحَاق، وَإِن سَمَاعه [من] أبي بردة مَعَ أَبِيه صَحِيح، وَلم يخْتَلف عَلَى يُونُس فِي وصل هَذَا الحَدِيث؛ فَفِيهِ الدَّلِيل الْوَاضِح أَن الْخلاف الَّذِي وَقع عَلَى أَبِيه فِيهِ من جِهَة أَصْحَابه لَا من جِهَة أبي إِسْحَاق. قَالَ: وَمِمَّنْ وصل هَذَا الحَدِيث عَن أبي بردة نَفسه: أَبُو حُصَيْن عُثْمَان بن عَاصِم الثَّقَفِيّ ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ: قد استدللنا بالروايات الصَّحِيحَة (وَمَا زَالَ) أَئِمَّة هَذَا الْعلم عَلَى صِحَة هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 547 الحَدِيث بِمَا فِيهِ غنية لمن تَأمله. قَالَ: وَهُوَ أصل. قَالَ: وَلم [يسع] البُخَارِيّ وَمُسلم إخلاء الصَّحِيح مِنْهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» هَذَا الحَدِيث من الطّرق الْمَذْكُورَة، ثمَّ نقل عَن البُخَارِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث إِسْرَائِيل [عَن أبي إِسْحَاق] عَن أبي بردة، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» فَقَالَ: الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس ثِقَة، وَإِن كَانَ شُعْبَة وَالثَّوْري أَرْسلَاهُ فَإِن ذَلِك لَا يضر الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : حَدِيث أبي بردة عَن أبي مُوسَى عِنْدِي - وَالله - أصح، وَإِن كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة لَا يذكران فِيهِ عَن أبي مُوسَى؛ لِأَنَّهُ قد ذكر فِي حَدِيث شُعْبَة أَن سماعهما جَمِيعًا فِي وَقت وَاحِد، وَهَؤُلَاء الَّذين رووا عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى سمعُوا فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة. قَالَ: وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق قد رَوَى هَذَا عَن أَبِيه، وَقد أدْرك يُونُس بعض مَشَايِخ أَبِيه؛ فَهُوَ قديم السماع، وَإِسْرَائِيل قد رَوَاهُ وَهُوَ أثبت أَصْحَاب أبي إِسْحَاق بعد شُعْبَة وَالثَّوْري. قلت: فقد اتَّضَح بِكَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة صِحَة هَذَا الحَدِيث من طرقه، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. قَالَ الإِمَام أَحْمد أَحَادِيث: «أفطر الحاجم والمحجوم» و «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» أَحَادِيث يسند بَعْضهَا بَعْضًا، وَأَنا أذهب إِلَيْهِمَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 548 قلت: فَلَا يضر أَيْضا إرْسَال من أرْسلهُ كَمَا سلف. قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم لما ذكر من أعله بِالْإِرْسَال (فَكَانَ مَا إِذا صَحَّ إِسْنَاده) قَالَ: وَمن رَوَاهُ من طَرِيق ضَعِيفَة كَأَنَّهُ لم يكن؛ فَإِن قلت: لَعَلَّ المُرَاد لَا نِكَاح فَاضل. قلت: خلاف الْحَقِيقَة، وَالِاحْتِيَاط لَا يخْفَى، وَالنِّكَاح جدير بِهِ؛ فَإِن قلت: الْمُخَالف يَقُول: نوجبه؛ فَإِن الْمَرْأَة ولي. قلت: خلاف الظَّاهِر، والمتبادر من اللَّفْظ، وَأَيْضًا فَالنِّكَاح لَا يَخْلُو من ولي أبدا، فَالَّذِي نَفَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام حَال الْوُقُوع، وَأَيْضًا لَو أَرَادَ ذَلِك لقَالَ إِلَّا بوليه؛ فَإِن قلت هَذَا كَقَوْلِهِم: أَرض خصبت، قلت: لَا؛ لِأَن فعيلاً بِمَعْنى مفعول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، أما فعيل بِمَعْنى فَاعل فَلَا؛ ككريم وكريمة وسخي وسخية، وَولي فعيل بِمَعْنى فَاعل؛ أَي: وَال. فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث وَهُوَ «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» قد رَوَاهُ أَيْضا جماعات من الصَّحَابَة غير أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. رَوَاهُ: عَائِشَة، وَابْن عَبَّاس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعمْرَان بن حُصَيْن، وَأنس، ذكرهم التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره، وَعلي بن أبي طَالب، وَابْن عَبَّاس، ومعاذ بن جبل، وَابْن عمر، وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، والمقداد بن الْأسود، وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَعبد الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 549 بن عَمْرو، والمسور بن مخرمَة، ذكرهم الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَفَى الْبَاب عَن عَلّي ... إِلَى آخِره. وَوَافَقَ التِّرْمِذِيّ فِي أبي هُرَيْرَة، وَعمْرَان، وَأنس، و [أبي] سعيد الْخُدْرِيّ. وَسمرَة بن جُنْدُب، وَمُحَمّد بن سَلمَة، وَعبادَة بن الصَّامِت، وَعُثْمَان بن عَفَّان، وواثلة بن الْأَسْقَع، و [أبي] أُمَامَة الْبَاهِلِيّ، وَمَعْقِل بن يسَار، وضمرة و [أبي] عبد الله بن ضَمرَة، والبراء بن عَازِب، وَابْن الزبير. ذكرهم ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» . قَالَ الْحَاكِم: وَقد صحت الرِّوَايَة فِيهِ عَن أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: عَائِشَة، وَأم سَلمَة، وَزَيْنَب بنت جحش - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَجْمَعِينَ. قلت: فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثُونَ صحابيًّا رووا هَذَا الحَدِيث؛ فَلَا يعدل عَنهُ، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب. وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيّ أَن أثبت الرِّوَايَات رِوَايَة أبي مُوسَى، وللحافظ شرف الدَّين الدمياطي فِيهَا. الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 550 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن معمر بن سُلَيْمَان الرقي، عَن الْحجَّاج، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي، وَالسُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن أبي كريب، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن الْحجَّاج بِهِ، دون الْقطعَة الثَّانِيَة، وَالْحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة، وَقد سلف حَاله، وَفِي سَمَاعه من عِكْرِمَة نظر، قَالَ حَنْبَل: ذكرت هَذَا لأبي عبد الله فَقَالَ: لم يسمع حجاج من عِكْرِمَة شَيْئا؛ إِنَّمَا يحدث عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن الْحُسَيْن بن إِسْحَاق [التسترِي] ثَنَا سهل بن عُثْمَان، ثَنَا ابْن الْمُبَارك، عَن خَالِد الْحذاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» وَعَزاهُ الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي إِلَى الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «لَا نِكَاح إِلَّا بِإِذن ولي مرشد وسلطان» ثمَّ قَالَ: وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ. قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سهل، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن حجاج. قَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : وَرَوَاهُ الحكم عَن عِكْرِمَة، وَأُسَامَة عَن عِكْرِمَة، وَسماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة، وَرَوَاهُ عَطاء بن أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 551 رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن عَطاء بن جريج، وَعمر بن قيس، وَالْحجاج بن [أَرْطَاة] وَعبد القدوس بن حبيب، وَابْن أبي نجيح، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان، والنهاس بن قهم، وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي مليكَة، وَجَابِر بن زيد، وَنَافِع بن جُبَير بن مطعم، وَمَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث [عدي] بن الْفضل، عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا أَن عديًّا وَعبد الله لَا يحْتَج بهما. قلت: عدي مَتْرُوك، وَابْن خثيم رَوَى لَهُ مُسلم، وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ من حَدِيث الرّبيع بن بدر عَن النهاس، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «البغايا اللَّاتِي ينكحن أَنْفسهنَّ، لَا يجوز النِّكَاح إِلَّا بولِي و [شَاهِدين] » . الرّبيع هُوَ ابْن عليلة وَقد ضَعَّفُوهُ، وَكَذَا النهاس، أسْندهُ الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي من حَدِيث مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الله بن عُثْمَان، عَن خُثيم عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد وسلطان» ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْفَتْح بن أبي الفوارس الْحَافِظ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 552 هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي عُثْمَان تفرد بِهِ مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل [عَن] سُفْيَان، وَالْمَحْفُوظ عَن سُفْيَان مَوْقُوف. قَالَ الدمياطي: دفن مُؤَمل كتبه وَكَانَ يحدث من حفظه فَكثر خَطؤُهُ. الحَدِيث السَّابِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، فنكاحها بَاطِل، فنكاحها بَاطِل! فَإِن دخل بهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا، وَإِن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، (وَقد رَوَى يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَيَحْيَى بن أَيُّوب، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَغير وَاحِد من الْحفاظ عَن ابْن جريج نَحْو هَذَا) قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 553 ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ، عَن [عُرْوَة] عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَرَوَاهُ الْحجَّاج بن أَرْطَاة وجعفر بن ربيعَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَرَوَاهُ هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، قَالَ: وَقد تكلم بعض أهل الْعلم فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، قَالَ ابْن جريج: ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته، فَأنكرهُ. فضعفوا هَذَا الحَدِيث من أجل هَذَا. قَالَ: وَذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: لم يذكر هَذَا الْحَرْف عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن علية. قَالَ يَحْيَى: وَسَمَاع ابْن علية من ابْن جريج لَيْسَ بِذَاكَ مَا سمع من ابْن جريج، وَإِنَّمَا صحّح كتبه عَلَى كتب [عبد الْمجِيد] بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، وَضعف يَحْيَى رِوَايَة ابْن عُلية عَن ابْن جريج. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» : هَذَا حَدِيث مَحْفُوظ من حَدِيث ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الأشرق، وَقَالَ فِي «مُسْتَدْركه» : هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، قَالَ: وَقد تَابع أَبَا عَاصِم عَلَى ذكر سَماع ابْن جريج من سُلَيْمَان بن مُوسَى وَسَمَاع سُلَيْمَان بن مُوسَى من الزُّهْرِيّ عبد الرَّزَّاق بن همام [و] يَحْيَى بن أَيُّوب، وَعبد الله بن لَهِيعَة، وحجاج بن مُحَمَّد [المصيصى] ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده، ثمَّ قَالَ: فقد صَحَّ وَثَبت بروايات الْأَئِمَّة الْأَثْبَات سَماع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 554 رِوَايَة الروَاة بَعضهم من بعض، فَلَا تعلل هَذِه الرِّوَايَات بِحَدِيث ابْن علية وسؤاله ابْن جريج عَنهُ وَقَوله: إِنِّي سَأَلت الزُّهْرِيّ عَنهُ فَلم يعرفهُ، فقد ينسَى الثِّقَة الْحَافِظ الحَدِيث بعد أَن حدث بِهِ، وَقد فعله غير وَاحِد من حفاظ الحَدِيث. قَالَ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: وَذكر عِنْده أَن ابْن علية يذكر حَدِيث ابْن جريج فِي «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» قَالَ ابْن جريج: فَلَقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَنهُ فَلم يعرفهُ، وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَان بن مُوسَى، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: كَانَ ابْن جريج لَهُ كتب مدونة وَلَيْسَ هَذَا فِي كتبه - يَعْنِي: حِكَايَة ابْن علية عَن ابْن جريج. وَقَالَ الدوري: سَمِعت يَحْيَى بن معِين يَقُول فِي حَدِيث «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» : الذى يرويهِ ابْن جريج، فَقلت لَهُ: إِن ابْن عُلية يَقُول: قَالَ ابْن جريج: فَسَأَلت عَنهُ الزُّهْرِيّ فَقَالَ: لست أحفظه. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ يَقُول هَذَا إِلَّا ابْن علية؛ وَإِنَّمَا عرض ابْن علية كتب ابْن جريج عَلَى عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، فأصلحها لَهُ وَلَكِن لم يبْذل نَفسه للْحَدِيث. وَقَالَ شُعَيْب بن [أبي] حَمْزَة: قَالَ الزُّهْرِيّ: إِن مَكْحُولًا (مَا ينسَى) وَسليمَان بن مُوسَى ولَعَمْرُو اللَّهِ إِن سُلَيْمَان لأَحفظهما. وَقَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة. وَرَوَاهُ عَن ابْن جريج ابْن الْمُبَارك، وَعِيسَى بن يُونُس، وحجاج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 555 بن مُحَمَّد، وَيَحْيَى بن أَيُّوب، وَيَحْيَى بن سعيد، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبيد الله بن مُوسَى، وَأَبُو قُرَّة، وَعبد الرَّزَّاق، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل، وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، ومعاذ بن معَاذ الْعَنْبَري، وَعبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي، وَالْفضل بن مُوسَى [السينَانِي] وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَأَبُو يُوسُف القَاضِي، وَيَحْيَى بن سعيد الْأمَوِي، وَسَعِيد بن سَالم القداح، وَابْن عُلية. وَرَوَاهُ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى معمر بن رَاشد، وَعبيد الله بن زحر. وَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَأَبُو بكر الْهُذلِيّ، وَمُحَمّد بن أبي قيس، وقرة بن عبد الرَّحْمَن بن جِبْرِيل، وَأَيوب بن مُوسَى، وَعُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن، وَهِشَام بن سعد، ومُوسَى بن عقبَة، وَابْن إِسْحَاق، وَسليمَان بن يسَار، وَمَالك بن أنس، وهشيم بن بشير، وَمُعَاوِيَة بن سَلمَة الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن رُزَيْق النَّوْفَلِي، وجعفر بن ربيعَة، وَإِبْرَاهِيم بن سعد، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَابْن جريج. وَرَوَاهُ أَبُو مَالك الجَنْبي عَمْرو بن هِشَام، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. وَتَابعه فِيهِ نوح بن دراج، وَالْحجاج بن أَرْطَاة، وَإِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد، وَسَعِيد بن خَالِد العثماني، وَيزِيد بن سِنَان، وَالْحسن بن علوان، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 556 وَصدقَة بن عبد الله، وَأَبُو الخصيب نَافِع بن ميسرَة، وَأَبُو الزِّنَاد، وجعفر بن برْقَان، وَزَمعَة بن صَالح، وَابْن جريج، ومندل بن عَلّي، وَعبد الله بن الْحَارِث الْحَاطِبِيُّ، وَعبد الله بن حَكِيم، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار، كلهم عَن هِشَام. وَرَوَاهُ أَبُو الْغُصْن ثَابت بن قيس، عَن عُرْوَة، وَعبد الرَّحْمَن غير مَنْسُوب، عَن عُرْوَة. وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي مليكةَ، عَن عَائِشَة. وَعبيد الله بن زَمعَة، عَن عَائِشَة. وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَائِشَة. وَعبد الله بن شَدَّاد عَنْهَا، وَأم سَلمَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : هَذَا الْخَبَر (وهم) من لم يحكم صناعَة الحَدِيث أَنه مُنْقَطع أَو لَا أصل لَهُ بحكاية حَكَاهَا ابْن علية فِي عقب هَذَا الْخَبَر، قَالَ: ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَذكرت ذَلِك لَهُ فَلم يعرفهُ، قَالَ: وَلَيْسَ مِمَّا [يهي] الْخَبَر بِمثلِهِ، وَذَلِكَ أَن الْخَيْر الْفَاضِل المتقن الضَّابِط من أهل الْعلم قد يحدث بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينساه، وَإِذا سُئِلَ عَنهُ لم يعرفهُ، فَلَيْسَ بنسيان الشَّيْء الَّذِي حدث بِهِ بدال عَلَى بطلَان أصل الْخَبَر، قَالَ: والمصطفى عَلَيْهِ السَّلَام خير الْبشر وَوَقع لَهُ النسْيَان فِي الصَّلَاة فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله، أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ ! فَقَالَ: «كل ذَلِك لم يكن» فَلَمَّا جَازَ عَلَيْهِ النسْيَان فِي أَعم الْأُمُور حَتَّى نسي فَلَمَّا [استثبتوه] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 557 أنكر ذَلِك، وَلم يكن نسيانه بَدِالٍّ عَلَى بطلَان الحكمُ الَّذِي نَسيَه - كَانَ من بعده من أمته فِيهِ أجوز. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ وَكلهمْ ثِقَة حَافظ. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : الْعجب أَن من يُسَوِّي الْأَخْبَار عَلَى مذْهبه يَحْكِي عَن ابْن جريج [أَنه] سَأَلَ ابْن شهَاب عَن هَذَا الحَدِيث فَأنكرهُ [ثمَّ يرويهِ عَن ابْن أبي عمرَان عَن يَحْيَى بن معِين عَن ابْن علية عَن ابْن جريج] وَلَو ذكر حِكَايَة ابْن معِين عَلَى وَجههَا علم أَصْحَابه أَن لَا مغمز فِي رِوَايَة سُلَيْمَان، وَيَحْيَى بن معِين إِنَّمَا ضعف رِوَايَة منْدَل عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَصحح رِوَايَة سُلَيْمَان. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : إِن قيل: قد قَالَ ابْن جريج: لقِيت الزُّهْرِيّ وأخبرته بِهَذَا الحَدِيث فَأنْكر [قُلْنَا] هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح، وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا ذكر عَن ابْن جريج فَلَيْسَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيّ - أَي حِكَايَة عَن يَحْيَى بن معِين -: لم يذكرهُ عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن عليّة، وسماعه من ابْن جريج لَيْسَ بِذَاكَ. ثمَّ رَوَى ابْن الْجَوْزِيّ الحَدِيث من طَرِيق أَحْمد فِي «مُسْنده» وَفِي آخِره قَالَ ابْن جريج: فَلَقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَن هَذَا الحَدِيث، فَلم يعرفهُ. قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَان بن مُوسَى [ذُكر] فَأَثْنَى عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِذا ثَبت هَذَا عَن الزُّهْرِيّ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 558 نِسْيَانا مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يدل عَلَى الطعْن فِي سُلَيْمَان؛ لِأَنَّهُ ثِقَة. قَالَ: وَيدل عَلَى أَنه نسي أَن الحَدِيث قد رَوَاهُ عَنهُ جَعْفَر بن ربيعَة وقرة بن عبد الرَّحْمَن وَابْن إِسْحَاق، فَدلَّ عَلَى ثُبُوته عَنهُ، وَالْإِنْسَان قد يحدث وينسى، قَالَ أَحْمد: كَانَ ابْن عُيَيْنَة يحدث بأَشْيَاء ثمَّ يَقُول: هَذَا لَيْسَ من حَدِيثي وَلَا أعرفهُ! وَرُوِيَ عَن سُهَيْل بن أبي صَالح أَنه ذكر لَهُ حَدِيث فَأنكرهُ، فَقَالَ ربيعَة: أَنْت حَدَّثتنِي بِهِ عَن أَبِيك! [فَكَانَ] سُهَيْل يَقُول: حَدثنِي ربيعَة عني! ذَلِك [وَقد] جمع الدَّارَقُطْنِيّ جُزْءا فِيمَن حدث وَنسي. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا الحَدِيث أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب [كَذَا] قَالَ ابْن معِين: وَإِن كَانَ بعض أهل الْعلم قد تكلم فِيهِ وَذَلِكَ أَنه رَوَاهُ سُلَيْمَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، وَذكر ابْن جريج أَنه سَأَلَ الزُّهْرِيّ عَن هَذَا فَأنكرهُ، وضَعَّفَ الحديثَ من ضَعفَهُ من أجل هَذَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بل نسي الزُّهْرِيّ، وَلَا يُنكر عَلَى الْحَافِظ أَن يحدث بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينسَى، فَإِذا حدث بِهِ عَنهُ ثِقَة وَثَبت عَلَى حَدِيثه أَخذ بِهِ، وَسليمَان ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث وَلم يتَكَلَّم فِيهِ أحد من الْمُتَقَدِّمين إِلَّا البُخَارِيّ وَحده؛ فَإِنَّهُ تكلم فِيهِ من أجل أَحَادِيث انْفَرد بهَا، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: لم يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا البُخَارِيّ. وَذكره دُحَيْم فَقَالَ: فِي حَدِيثه بعض الِاضْطِرَاب قَالَ: وَلم يكن فِي أَصْحَاب مَكْحُول (أثبت) مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: وَفِي حَدِيثه شَيْء. وَقَالَ الْبَزَّار: أجل من ابْن جريج. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّه أحفظ من مَكْحُول. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 559 وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يقل أحدٌ من حكايته وَلم يعرجوا عَلَيْهَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا فِي «حاويه» : الْجَواب عَمَّا أعل بِهِ [من] وُجُوه: أَحدهَا: أَنه رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ أَرْبَعَة أنفس؛ أحدهم: سُلَيْمَان بن مُوسَى، وَرَوَى عَن عروةَ ثَلَاثَة؛ أحدهم: الزُّهْرِيّ؛ فَلَا يَصح إِضَافَة إِنْكَاره إِلَى الزهْري مَعَ هَذَا الْعدَد، وَلَو صَحَّ إِنْكَاره لَهُ لما أثر فِيهِ مَعَ رِوَايَة غير الزُّهْرِيّ لَهُ عَن عُرْوَة. ثَانِيهَا: أَن الزُّهْرِيّ أنكر سُلَيْمَان بن مُوسَى وَقَالَ: لَا أعرفهُ، وَإِلَّا فَالْحَدِيث أشهر من) أَن يُنكره الزُّهْرِيّ وَلَا يعرفهُ وَلَيْسَ جهل (الْمُحدث) بالراوي عَنهُ مَانِعا من قبُول رِوَايَته عَنهُ، وَلَيْسَ اسْتِدَامَة ذكره شرطا فِي صِحَة حَدِيثه. قلت: لَكِن سُلَيْمَان مَعْرُوف كَمَا مر. ثَالِثهَا: أَنه لَا اعْتِبَار بإنكار الْمُحدث للْحَدِيث بعد رِوَايَته وَلَيْسَ اسْتِدَامَة ذكره شرطا فِي صِحَة حَدِيثه. ثمَّ ذكر قصَّة ربيعَة فِي حَدِيث (ابْن عَبَّاس) فِي الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد، وَسَيَأْتِي - إِن شَاءَ الله - هُنَاكَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 560 وَقَول الْمَاوَرْدِيّ: لَا اعْتِبَار بإنكار الْمُحدث أطلقهُ، وَقد قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره: إِذا كذَّب الأَصْلُ الفَرْعَ سَقَطَ كِكَذِبِ وَاحِدٍ غيرِ مُعيَّنٍ. وَلَا يقْدَح فِي عدالتهما؛ فَإِن قَالَ: لَا أَدْرِي، فالأكثر يعْمل بِهِ خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة، وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ، وَمحل الْخَوْض فِي الْمَسْأَلَة عُلُوم الحَدِيث أَيْضا، وَقد أوضحناها فِي مختصري لكتاب ابْن الصّلاح الْجَامِع بَين عُيوُبه وَالزِّيَادَة الْمُهِمَّات عَلَيْهِ، وَحَاصِل كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْحفاظ الَّذين أطلنا ذكرهم - وَهُوَ من الْمُهِمَّات - صِحَّته والاحتجاج بِهِ، لَا جرم ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وَحده، قَالَ: وَبَعْضهمْ يعله بِمَا خُولِفَ فِي تَأْثِيره. وَاعْترض بَعضهم بِوَجْه آخر، فَقَالَ: قد صحَّ عَن عَائِشَة «أَنَّهَا أنكحت بنت أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن وَهُوَ مُسَافر بِالشَّام قريب (الأوبه) بِغَيْر إِذْنه؛ بل أنكر إِذْ بلغه» فَلم تَرَ عَائِشَة ذَلِك مُبْطلًا لما وَقع؛ بل قَالَت للَّذي زَوجهَا مِنْهُ - وَهُوَ الْمُنْذر بن الزبير -: «اجْعَل أمرهَا إِلَيْهِ. فَفعل فأنفذه عبد الرَّحْمَن» وبوجه آخر وَهُوَ أَن الزُّهْرِيّ رَاوِي هَذَا الحَدِيث أفتَى بِخِلَاف ذَلِك. فروَى عبد الرَّزَّاق عَن معمر أَنه قَالَ: (سَأَلت) الزُّهْرِيّ، عَن الرجل يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن ولي، فَقَالَ: إِن كَانَ كُفؤًا لَهَا لم يفرق بَينهمَا. وَالْجَوَاب عَن الأول: أَنه قد تقرر أَن الْعَمَل بِمَا رَوَاهُ الرَّاوِي لَا بِمَا رَآهُ، كَيفَ وَقد رَوَى الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهَا أَنَّهَا أنكحت رجلا من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 561 بني أَخِيهَا جَارِيَة من بني أَخِيهَا فَضربت بَينهُنَّ سترا، ثمَّ تَكَلَّمت حَتَّى إِذا لم يبْق إلاّ النِّكَاح أمرت رجلا (فأنكح) ثمَّ قَالَت: «لَيْسَ إِلَى النِّسَاء النِّكَاح» وَعَن الثَّانِي: أَنه مُخْتَلف عَلَيْهِ فِيهِ، وَالْعَمَل بِمَا رَوَاهُ لَا بِمَا (رَآهُ) . تَنْبِيه: ذكر الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا فَوَائِد هَذَا الحَدِيث فِي «حاويه» فَقَالَ: ذكر الشَّافِعِي بعد استدلاله بِهَذَا الحَدِيث مَا تضمنه، وَدلّ عَلَيْهِ من الْفَوَائِد وَالْأَحْكَام نصًّا واستنباطًا فَذكر خَمْسَة أَحْكَام وَذكر أَصْحَابه ثَلَاثِينَ حكما سواهَا فَصَارَت خَمْسَة وَثَلَاثِينَ حكما أخذت دلائلها من الْخَبَر بِنص واستنباط ثمَّ عَددهَا، فَمن أرادها رَاجع كِتَابه وحذفتها هُنَا خشيَة الطول، وَلِأَن كتَابنَا لَيْسَ مَوْضُوعا لذَلِك، وَيُزَاد عَلَيْهَا أَحْكَام أخر عِنْد التَّأَمُّل. الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تنْكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا نَفسهَا؛ إِنَّمَا الزَّانِيَة الَّتِي تنْكح نَفسهَا» . هَذَا الحَدِيث مَدَاره عَلَى أبي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وَله عَنهُ طرق مِنْهَا: طَرِيق عبيد بن يعِيش، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي، عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن هِشَام بن حسَّان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أَبَى هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا، وكنّا نقُول إِن الَّتِي تزوج نَفسهَا هِيَ الزَّانِيَة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 562 رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَهَذَا الطَّرِيق عَلَى شَرط مُسلم، والمحاربي وَإِن كَانَ قد قَالَ ابْن معِين فِيهِ إِنَّه (يروي الْمَنَاكِير عَن المجاهيل؛ فقد وَثَّقَهُ مرّة أُخْرَى، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق) يروي عَن مجهولين أَحَادِيث (مُنكرَة) فَيفْسد حَدِيثه بذلك. قلت: لم يرو هُنَا عَن مَجْهُول، فَحَدِيثه هَذَا جيد عَلَى أَن الْمحَاربي هَذَا قد أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فَجَاز القنطرة، وَلم ينْفَرد بِهِ؛ بل توبع، رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَصْبَهَانِيّ، عَن عبد السَّلَام بِهِ، وَمُحَمّد ثِقَة كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ وَيَعْقُوب بن شيبَة، وَخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَقد أخرج هَذِه الْمُتَابَعَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بِلَفْظ: «لَا تُنكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تنْكح الْمَرْأَة نَفسهَا» ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: « (كَانَ) يُقَال: الزَّانِيَة تنْكح نَفسهَا» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة مُسلم بن أبي مُسلم، عَن مخلد بن الْحُسَيْن (عَن) هِشَام بن حسَّان بِهِ: «لَا تنْكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تنْكح الْمَرْأَة نَفسهَا، إِن الَّتِي تنْكح نَفسهَا هِيَ الْبَغي» قَالَ ابْن سِيرِين: وَرُبمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «هِيَ الزَّانِيَة» وَمُسلم هَذَا (جُرْمِي) (ووالده) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 563 عبد الرَّحْمَن، (و) مخلد (وَثَّقَهُ) الْعجلِيّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَرَوَى عَن مُسلم هَذَا الحَدِيث الْحسن بن سُفْيَان أَيْضا، (وَقَالَ) : سَأَلت يَحْيَى بن معِين عَن رِوَايَة مخلد بن الْحُسَيْن، عَن هِشَام بن حسّان، فَقَالَ: ثِقَة. فَذكرت لَهُ هَذَا الحَدِيث قَالَ: نعم قد كَانَ (شيخ) عندنَا يرفعهُ عَن مخلد. قلت: وَتَابعه عبد السَّلَام بن حَرْب كَمَا سلف، وَمُحَمّد بن مَرْوَان كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَمُسلم بن (عبد الرَّحْمَن) الْجرْمِي من (شيخ) الْغُزَاة، رَوَى عَن مخلد بن الْحُسَيْن، رَوَى عَنهُ الْمُنْذر بن شَاذان الرَّازِيّ الصَّادِق، قَالَ: إِنَّه قَتل من الرّوم مائَة ألف. وَمِنْهَا: طَرِيق جميل بن الْحسن الْعَتكِي، ثَنَا مُحَمَّد بن (مَرْوَان) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 564 الْعقيلِيّ، ثَنَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا؛ فَإِن الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوج نَفسهَا. رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَجَمِيل هَذَا قَالَ فِي حَقه عَبْدَانِ: كَاذِب فَاسق فَاجر. وَقَالَ ابْن عدي: لَا أعلم لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، وَإِنَّمَا عَبْدَانِ نسبه إِلَى الْفسق. وأمّا ابْن حبَان: فَذكره فِي «ثقاته» وَرَوَى عَنهُ ابْن خُزَيْمَة هَذَا الحَدِيث. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» إِنَّه لَا يعرف فأغرب، وَقد نَاقض هَذِه الْمقَالة فِي كِتَابه « (الضُّعَفَاء» ) فَنقل فِيهِ مَا قدمْنَاهُ أَولا، وَشَيْخه مُحَمَّد بن مَرْوَان، قَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِذَاكَ عِنْدِي. وَقَالَ أَحْمد: رَأَيْته وَقد حدث بِأَحَادِيث فَلم أَكتبهَا عَلَى عمد. وَأما أَبُو دَاوُد، فَقَالَ: صَدُوق. وَقَالَ ابْن معِين: صَالح. وَأخرجه من هَذِه الطَّرِيق أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَلم يعقبه بِشَيْء، وَنقل عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» عَنهُ أَنه قَالَ (فِيهِ: إِنَّه) حَدِيث صَحِيح. ثمَّ قَالَ - كالمعترض عَلَيْهِ -: كَذَا قَالَه! وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا. وَلم أر أَنا هَذِه القولة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 565 (لَهُ) فِي «سنَنه» بل وَلَا فِي «علله» فِيمَا يغلب، عَلَى ظَنِّي، وَلم يعقبه ابْن الْقطَّان وَلَا من تبعه؛ فَتنبه لَهُ، ثمَّ اعْلَم أَن الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي ذكر الطَّرِيق الأول فِي الْجُزْء الْخَامِس من «الْأَعْيَان الْجِيَاد من مشيخة بَغْدَاد» ثمَّ ذكر طَرِيق ابْن مَاجَه هَذَا وَعَزاهُ إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: وَإِسْنَاده كلهم ثِقَات مُتَّفق عَلَيْهِم إِلَّا عبيدا؛ فَإِنَّهُ من أَفْرَاد مُسلم. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ؛ فَإِن الِاتِّفَاق عَلَى ثِقَة الْحسن بن جميل الْوَاقِع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه، وَالظَّاهِر أَن مُرَاده الطَّرِيق الأول، و [لهَذَا] اسْتثْنى عبيدا. وَمِنْهَا: طَرِيق النَّضر بن شُمَيْل، أبنا ابْن حسّان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله، وَلم يرفعهُ. وَمِنْهَا: طَرِيق حَفْص بن غياث، عَن هِشَام، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كنّا نتحدث أَن الَّتِي تنْكح نَفسهَا هِيَ الزَّانِيَة» . أخرجهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيق مَرْفُوعا. وَمن طَرِيق مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة، ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ ابْن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن حسّان، عَن ابْن سِيرِين مَرْفُوعا، وَعبد السَّلَام بن حَرْب قد ميّز الْمسند من الْمَوْقُوف، فَيُشبه أَن يكون قد حفظه. وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» أخرجه مَوْقُوفا، فَقَالَ: أبنا ابْن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن حسان ... فَذكره كَمَا سلف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 566 فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَا تُنكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة» (المُرَاد) مِنْهُ النَّهْي، وصيغته الْخَبَر (لوروده) مضموم الْحَاء؛ إِذْ لَو كَانَ نهيا لَكَانَ مَجْزُومًا مكسورًا عَلَى أصل التقاء الساكنين. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث، وَذكر فِيهِ أثرين: أَحدهمَا: «أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يجوّز نِكَاح الْمُتْعَة، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ» . وَهَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس شَيْء من الرُّخْصَة فِي الْمُتْعَة، ثمَّ رَجَعَ عَن قَوْله حَيْثُ أخبر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ قَالَ: (بَاب رُجُوع ابْن عَبَّاس عَن نِكَاح الْمُتْعَة) ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُوسَى بن عُبَيْدَة [عَن مُحَمَّد بن كَعْب] قَالَ ابْن عَبَّاس: «إِنَّمَا كَانَت الْمُتْعَة فِي أول الْإِسْلَام؛ كَانَ الرجل يقدم الْبَلدة لَيْسَ (لَهُ) بهَا معرفَة فَيَتَزَوَّج (الْمَرْأَة) بِقدر مَا يرَى أَنه يُقيم لتحفظ لَهُ مَتَاعه وَتصْلح لَهُ شَأْنه، حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة: (إلاّ عَلَى أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم) قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكل فرج (سواهُمَا) حرَام» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 567 قَالَ الْحَازِمِي: إِسْنَاده صَحِيح لَوْلَا مُوسَى بن عُبَيْدَة - وَهُوَ الربذي - كَانَ يسكن الربذَة - وَعزا الْمجد ابْن تَيْمِية فِي «أَحْكَامه» إِلَى البُخَارِيّ أَنه رَوَى عَن أبي جَمْرَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه سُئِلَ عَن مُتْعَة النِّسَاء، فَرخص فِيهِ فَقَالَ مولَى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِك فِي الْحَال الشَّديد وَفِي النِّسَاء قلَّة - أَو نَحوه - فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم» . وَلم أر هَذَا فِي البُخَارِيّ وَلَا أعلم من رَوَاهُ أَيْضا، وَقد استغربه ابْن الْأَثِير فَعَزاهُ فِي «جَامعه» إِلَى رزين وَحده. الْأَثر الثَّانِي: «أَن امْرَأَة كَانَت فِي ركب، فَجعلت أمرهَا إِلَى رجل فَزَوجهَا، فَبلغ ذَلِك عمر، فجلد الناكح والمنكح» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد وَسَعِيد بن سَالم، عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي عِكْرِمَة بن خَالِد قَالَ: «جمعت الطَّرِيق رفقه فيهم امْرَأَة ثيّب، فولَّت رجلا مِنْهُم أمرهَا فَزَوجهَا رجلا، فجلد عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الناكح والمنكح ورد نِكَاحهَا» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث روح، ثَنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي عبد الحميد بن جُبَير بن شيبَة، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد (قَالَ:) «جمعت الطَّرِيق ركبًا، فَجعلت امْرَأَة مِنْهُم ثيب أمرهَا بيد رجل غير ولي فَأَنْكحهَا، فَبلغ ذَلِك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نِكَاحهَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 568 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن عمر رد نِكَاح امْرَأَة نكحت بِغَيْر ولي» . وَرَوَى هَذِه الشَّافِعِي أَيْضا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 569 بَاب فِي الْأَوْلِيَاء وأحكامهم ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فعشرون حَدِيثا الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر يُزَوّجهَا أَبوهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ بِهَذَا اللَّفْظ سَوَاء من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَهُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: «الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا، وإذنها صماتها» . ثَانِيهَا: «الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأمر وإذنها سكُوتهَا» . ثَالِثهَا: «الْبكر يستأذنها أَبوهَا فِي نَفسهَا، وإذنها صماتها - وَرُبمَا قَالَ: - وصمتها إِقْرَارهَا» . وَفَى رِوَايَة لِأَحْمَد: «واليتيمة تستأمر فِي نَفسهَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 570 وَفِي رِوَايَة للدارمي فِي «مُسْنده» : «الأيم أملك بأمرها من وَليهَا، وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا وصمتها إِقْرَارهَا» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَالْبكْر يستأمرها أَبوهَا» قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبوهَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ. قلت: وَرَوَاهُ بِهَذِهِ (الزِّيَادَة) مُسلم كَمَا سلف، و (فِي) الْبَيْهَقِيّ أَن الشَّافِعِي قَالَ: زَاد ابْن عُيَيْنَة (فِي حَدِيثه) : «وَالْبكْر يُزَوّجهَا أَبوهَا» قَالَ ذَلِك بعد أَن نقل عَن أبي دَاوُد أَنَّهَا زِيَادَة غير مَحْفُوظَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا نعلم (أحدا) وَافق ابْن عُيَيْنَة عَلَيْهَا، وَلَعَلَّه ذكره من حفظه، فَسبق إِلَيْهِ لِسَانه. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ للْوَلِيّ مَعَ الثيّب أَمر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - كَذَلِك بِزِيَادَة: «واليتيمة تستأمر وصمتها إِقْرَارهَا» وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «واليتيمة تستأذن فِي نَفسهَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 571 قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث رُوَاته ثِقَات. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث صَالح بن كيسَان، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ للْوَلِيّ مَعَ الثّيّب أَمر» . قَالَ الشَّيْخ: وَرِجَاله ثِقَات عِنْدهم، إِلَّا أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: لم يسمعهُ صَالح من نَافِع؛ إِنَّمَا سَمعه من عبد الله بن الْفضل عَنهُ، ثمَّ قَالَ الشَّيْخ: عبد الله بن الْفضل ثِقَة. قلت: رَأَيْته فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» وَزَاد فِي آخِره اتّفق عَلَى ذَلِك مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَسَعِيد بن سَلمَة، عَن صَالح، سَمِعت النَّيْسَابُورِي يَقُول: الَّذِي عِنْدِي أَن معمرًا أَخطَأ فِيهِ. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ عبد الله بن الْفضل، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم ... ثمَّ ذكره من رِوَايَة صَالح، عَن نَافِع، وَلم يصنع شَيْئا؛ فَإِن صَالحا إِنَّمَا سَمعه من عبد الله بن الْفضل، وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «كتاب الاقتراح» فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث (رَوَاهَا) من أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث. فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَرَادَ باستئمار الْيَتِيمَة الرِّضَا فِيمَن عزم لَهُ عَلَى العقد عَلَيْهَا؛ فَإِن صمتت فَهُوَ إِقْرَارهَا، وَالْإِذْن لَا يكون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 572 إِلَّا للبالغة. الحَدِيث الثَّالِث عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث لَا تُؤخر: الصَّلَاة إِذا أَتَت، والجنازة إِذا حضرت، والأيم إِذا وجدت لَهَا كفوا» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي كتاب الصَّلَاة وأسلفنا الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ وَاضحا. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تنْكِحُوا الْيَتَامَى حَتَّى تستأمروهن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك سَوَاء بِزِيَادَة «فَإِن سكتن فَهُوَ إذنهن» . من حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر، ثمَّ صَححهُ، وَذكر فِي الحَدِيث قصَّة، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 573 أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْيَتِيمَة تستأمر فِي نَفسهَا؛ فَإِن صمتت فَهُوَ إِذْنهَا، فَإِن أَبَت فَلَا جَوَاز عَلَيْهَا» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، ذكره شَاهدا لحَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْمَرْفُوع: «تستأمر الْيَتِيمَة فِي نَفسهَا؛ فَإِن سكتت فَهُوَ (رِضَاهَا) وَإِن كرهت فَلَا كره عَلَيْهَا» . قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَحَدِيث أبي مُوسَى أخرجه ابْن حبّان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ: «الْيَتِيمَة تستأمر فِي نَفسهَا؛ فَإِن سكتت فقد أَذِنت، وَإِن أَبَت لم تكره» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «فَإِن بَكت أَو سكتت» زَاد: «بَكت» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَيْسَت مَحْفُوظَة، وَهُوَ وهم فِي الحَدِيث، الْوَهم من (ابْن) إِدْرِيس - يُرِيد: عبد الله بن إِدْرِيس الأودي الْكُوفِي» . تَنْبِيه: لما اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن الْعُصُوبَة لَا تفِيد تَزْوِيج الصَّغِيرَة، قَالَ: وَنَحْوه من الْأَخْبَار، وَأَرَادَ بذلك من (أوردناه) من حَدِيث أبي مُوسَى وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهمَا، فَتنبه لذَلِك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 574 الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن، وإذنها صماتها» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أول الْبَاب فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي رِوَايَة (للْحَاكِم) : «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة من النّسَب لَا تبَاع وَلَا توهب» . وسنشبع الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْوَلَاء - إِن وصلنا إِلَيْهِ، إِن شَاءَ الله ذَلِك وَقدره وَقد فعل وَللَّه الْحَمد. فَائِدَة: قَالَ جُمْهُور أهل اللُّغَة - فِيمَا حَكَاهُ النَّوَوِيّ (فِي «تهذيبه» -: لحْمَة الثَّوْب وَالنّسب بِضَم اللَّام فيهمَا. وَحَكَى الْأَزْهَرِي وَغَيره) عَن ابْن الْأَعرَابِي فتحهَا فيهمَا، قَالَ الأزهرى: وَمَعْنى الحَدِيث قرَابَة كقرابة النّسَب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 575 الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «السُّلْطَان وليّ من لَا وليّ لَهُ» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الْبَاب قبله، و (هُوَ) الحَدِيث السَّابِع مِنْهُ؛ فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث الثَّامِن «أَن شعيبًا عَلَيْهِ السَّلَام زوج وَهُوَ مكفوف الْبَصَر» أما كَونه هُوَ المزوج فَعَلَيهِ أَكثر (الْمُفَسّرين) كَمَا حَكَاهُ السُّهيلي وَغَيره (و) أما كَونه مكفوف الْبَصَر، فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وإنّا لنراك فِينَا ضَعِيفا) قَالَ: كَانَ شُعَيْب أَعْمَى» (ثمَّ) قَالَ: صَحِيح (عَلَى) شَرط مُسلم. وَفِي «تَارِيخ الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب» عَن شَدَّاد - مَرْفُوعا - قَالَ: «بَكَى شُعَيْب من (حب) الله حَتَّى عمي ... » (ثمَّ ذكر الحَدِيث) وَفِيه: «فَلِذَا أخدمتك مُوسَى كليمي» وَهَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ، فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عَلّي بن الْمثنى الإستراباذي الْوَاعِظ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 576 كتب عَنهُ الْخَطِيب وَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن طَاهِر: مزقوا حَدِيثه بَين يَدَيْهِ (بِبَيْت [2] ) الْمُقَدّس! وَفِي «شرح التَّنْبِيه» للحبلي عَن «الْبَحْر» أَنه قَالَ فِي كتاب الشَّهَادَات إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن أَعْمَى. قَالَ: (وَقيل) كَانَ وَلَكِن طَرَأَ [عَلَيْهِ] الْعَمى بعد النُّبُوَّة وَأَدَاء الرسَالَة وفراغها. فَائِدَة: رَوَى الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي كتاب التَّفْسِير «أَن الَّتِي تزَوجهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام صفورة، وَأُخْتهَا: شرقاء» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح (عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ) . قلت: وصفورة هَذِه هِيَ الَّتِي جَاءَتْهُ تمشي عَلَى استحياء وَقَالَت لأَبِيهَا اسْتَأْجرهُ. وَفِي كتاب «حلية الْأَوْلِيَاء» اسْمهَا: صفراء، وَقَالَ الشّعبِيّ وَغَيره: اسْم إِحْدَى ابْنَتَيْهِ: صفوراء، وَالْأُخْرَى: لياء (وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: اسْم إِحْدَاهمَا: صفورة، وَالْأُخْرَى: شرهاء. وَقَالَ غَيره: شرقاء، وَقد سلفت، وَقيل: إِن الْكُبْرَى اسْمهَا: صفوراء، وَالصُّغْرَى: صفيراء) . الحَدِيث التَّاسِع عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد وشاهدي عدل» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 577 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مُسلم، عَن (ابْن) خثيم، [عَن سعيد بن جُبَير] ، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور (و) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبيد الله بن [عمر] القواريري، ثَنَا [عبد الله] بن دَاوُد، سَمعه من سُفْيَان، ذكره عَن ابْن خثيم، عَن سعيد بن جُبَير [عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما] عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن شَاءَ الله - قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بِإِذن ولي مرشد أَو سُلْطَان» كَذَا قَالَ أَبُو الْمثنى معَاذ بن مثنى، عَن القواريري، وَرَوَاهُ غَيره عَن القواريري فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من غير اسْتثِْنَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ القواريري مَرْفُوعا، والقواريرى ثِقَة، إِلَّا أَن الْمَشْهُور (فِي هَذَا الْإِسْنَاد) وَقفه (عَلَى ابْن عَبَّاس، وَقَالَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 578 «خلافياته» : القواريري ثِقَة ( ... ) عَدَالَته. وَقَالَ [الضياء] فِي «أَحْكَامه» : لَا بَأْس بِإِسْنَادِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِلَّا أَن الْمَشْهُور وَقفه) وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ ثَابت عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره. قلت: وَالْمَوْقُوف رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن الثَّوْريّ (عَن ابْن خثيم) ، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بِإِذن ولي مرشد أَو سُلْطَان» وَرَوَاهُ عَن ابْن خثيم غير الثَّوْريّ، وَفِي رِوَايَة: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي أَو سُلْطَان وَإِن أنْكحهَا (سَفِيه مسخوط عَلَيْهِ فَلَا نِكَاح لَهُ) » . الحَدِيث الْعَاشِر عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَزَاد: «وَلَا يخْطب» وَعند ابْن حبّان زِيَادَة: «وَلَا يخْطب عَلَيْهِ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات: «وَلَا يشْهد» . (قلت) : هَذِه رِوَايَة غَرِيبَة، وَفِي «الْكِفَايَة» لِابْنِ الرّفْعَة أَنَّهَا غير ثَابِتَة. وعلق فِي «الْمطلب» الْحجَّة عَلَى ثُبُوتهَا، وَفِي «شرح المهذّب» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 579 عَن الْأَصْحَاب أَنهم قَالُوا: إِنَّهَا لَيست ثَابِتَة. فَائِدَة: لَا يَنكح هُوَ بِفَتْح الْيَاء، وَلَا يُنكح هُوَ بضَمهَا مَعْنَاهُ: وَلَا يتَزَوَّج وَلَا يُزَوّج. قَالَ العسكري: من فتح الْكَاف من (الثَّانِي) فقد صحّف. وَقَوله: «وَلَا يخْطب» أَي: لَا يخْطب الْمَرْأَة، وَهُوَ طلب زواجها، وَقيل: لَا يكون خَطِيبًا فِي النِّكَاح بَين يَدي العقد. قَالَه الْمَاوَرْدِيّ، والفارقي، وَابْن أبي عصرون، وَنَقله صَاحب «الْمطلب» فِي كتاب النِّكَاح، عَن الْمَاوَرْدِيّ فأقره، وأمّا النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء كَافَّة (أَن المُرَاد الْخطْبَة بِكَسْر الْخَاء) ثمَّ نقل عَن الفارقي مَا أسلفناه ثمَّ قَالَ: إِنَّه (خطأ صَرِيح) قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا حمله عَلَى هَذَا الَّذِي (تعسفه) وتجاسر عَلَيْهِ؟ ! قلت: قد علمت أَنه لم ينْفَرد بِهِ، وَابْن الرّفْعَة نَقله عَنهُ وَأقرهُ، فَقَالَ: المُرَاد بقوله: «وَلَا يخْطب» أَي: لَا يكون خَطِيبًا فِي النِّكَاح بَين يَدي العقد - كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ، وَصَححهُ ابْن الرّفْعَة أَيْضا فِي حَاشِيَة كتبهَا عَلَى «الْكِفَايَة» . الحَدِيث الحادى عشر رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا «لَا نِكَاح إِلَّا بأَرْبعَة: خَاطب، وَولي، وَشَاهد» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 580 هَذَا الحَدِيث [رَواه] مَرْفُوعا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده الْمُغيرَة بن مُوسَى الْبَصْرِيّ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عديّ: هُوَ فِي نَفسه ثِقَة. قلت: وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَلَى الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات؛ فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ فِيمَا لم يُوافق الثِّقَات. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا: «لَا بدّ فِي النِّكَاح من أَرْبَعَة: الْوَلِيّ، وَالزَّوْج (والشاهدي) » . وَفِي إِسْنَاده أَبُو الخصيب، واسْمه: نَافِع بن ميسرَة، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ مَجْهُول. وَأما رِوَايَة الْمَوْقُوف فرواها الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن ابْن عَبَّاس: «لَا نِكَاح إِلَّا بأَرْبعَة: ولي، وشاهدي، وخاطب» . ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن سُفْيَان، عَن أبي يَحْيَى، عَن رجل يُقَال لَهُ: الحكم بن ميناء (عَن قَتَادَة) عَن ابْن عَبَّاس: « (لَا نِكَاح إِلَّا بأَرْبعَة: ولي، وشاهدي. قَالَ: أدنَى مَا يكون فِي النِّكَاح أَرْبَعَة: بِزَوْج، وَالَّذِي يُزوج، وشاهدان» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 581 قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن قَتَادَة، عَن ابْن عَبَّاس) . قلت: لكنه مُنْقَطع؛ قَتَادَة لم يدْرك ابْن عَبَّاس. الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعَلي: لَا تُؤخر أَرْبعا» وَذكر مِنْهَا: تَزْوِيج الْبكر إِذا وجدت لَهَا كفوا. هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الحَدِيث الثَّالِث من أَحَادِيث الْبَاب، لَكِن لفظ «لَا تُؤخر ثَلَاثًا» بدل «أَرْبعا» فَرَاجعه من ثمَّة. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نَحن وَبَنُو الْمطلب شَيْء وَاحِد» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي كتاب قسم الصَّدقَات، فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله عَزَّ وَجَلَّ اصْطَفَى بني كنَانَة من بني إِسْمَاعِيل، وَاصْطَفَى من بني كنَانَة قُريْشًا، وَاصْطَفَى من قُرَيْش بني هَاشم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ... فَذكره، وَزَاد فِي آخِره: «اصطفاني من بني هَاشم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» : وَله شَاهد مُرْسل ... فَذكره من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 582 عَن مُحَمَّد بن عَلّي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله اخْتَار (فَاخْتَارَ) الْعَرَب، ثمَّ اخْتَار مِنْهُم كنَانَة - أَو النَّضر بن كنَانَة - ثمَّ اخْتَار مِنْهُم قُريْشًا، ثمَّ اخْتَار (مِنْهُم) بني هَاشم، ثمَّ اختارني من بني هَاشم» . قَالَ: وَرُوِيَ من أوجه بِمَعْنَاهُ. الحَدِيث الْخَامِس عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْعَرَب أكفاء، بَعضهم لبَعض، قَبيلَة لقبيلة، وحيّ لحيّ، وَرجل لرجل إلاّ حائكٌ أَو حجام» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف وَله طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: طَرِيق ابْن عمر، وَعنهُ طرق: أَولهَا: من حَدِيث نَافِع عَنهُ، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث زرْعَة بن عبد الله عَن عمرَان بن [أبي] الْفضل، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا ... فَذكره بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدِيث مُنكر، رَوَاهُ هِشَام الرَّازِيّ فَزَاد فِيهِ بعد: «أَو حجام أَو دباغ» ، فَقَالَ: (فَاجْتمع) عَلَيْهِ الدبَّاغُونَ واجتمعوا حَتَّى إِن بعض النَّاس حسَّن الحَدِيث، وَقَالَ: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَو دباب إِنَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الَّذين (يتحدثون) الدباب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 583 ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن أبي مليكَة عَنهُ، ذكره الْحَاكِم من حَدِيث ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «الْعَرَب بَعضهم أكفاء لبَعض، قَبيلَة لقبيلة، وَرجل لرجل (والموالي إِلَى بَعْضهَا أكفاء لبَعض، قَبيلَة لقبيلة، وَرجل لرجل) إِلَّا حائك أَو حجام» . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي مَوضِع آخر من «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ من حَدِيث ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، فَقَالَ (كَذَا) كذب لَا أصل لَهُ. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة: «الْعَرَب بَعْضهَا لبَعض أكفاء إلاّ حائك وحجام» فَقَالَ: بَاطِل، نهيت فلَانا عَن التحديث بِهِ. ثَالِثهَا: من حَدِيث زِيَاد عَنهُ، ذكره ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» من حَدِيث بَقِيَّة، عَن زرْعَة، عَن عمرَان بن أبي الْفضل، عَن (زِيَاد) عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 584 مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر مَوْضُوع. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن ابْن جريج (عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا مثله. قَالَ: وَلَا يَصح عَن ابْن جريج) وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كَلَامه عَلَى «أَحْكَام عبد الْحق» : بقيّة من قد علمت، وزرعة هُوَ ابْن عبد الله بن مُرَاد الزبيري، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ مَجْهُول ضَعِيف الحَدِيث، (وَعمْرَان) بن أبي الْفضل ضَعِيف الحَدِيث مُنكر جدًّا. قَالَه ابْن أبي حَاتِم أَيْضا، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» و «تَحْقِيقه» من طَرِيقين عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. أَحدهمَا: من طَرِيق (الدَّارَقُطْنِيّ) بِإِسْنَادِهِ إِلَى بَقِيَّة، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن الْفضل، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «النَّاس أكفاء قَبيلَة لقبيلة، وعربي لعربي، وَمولى لمولى إِلَّا حائك أَو حجام» . ثَانِيهمَا: من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن عَلّي بن عُرْوَة، عَن نَافِع عَنهُ مَرْفُوعا: «الْعَرَب بَعْضهَا لبَعض أكفاء إِلَّا حائك أَو حجام، ثمَّ قَالَ: وَفِي الطَّرِيقَيْنِ: مُحَمَّد بن الْفضل وَعُثْمَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 585 بن عبد الرَّحْمَن، وَعلي بن عُرْوَة، وَبَقِيَّة (وَكلهمْ) ضِعَاف. قَالَ ابْن حبَان: عَلّي بن عُرْوَة يصنع الحَدِيث. وَذكره فِي «علله» من الطَّرِيق الثَّالِث عَن ابْن عمر بِلَفْظ: «الْعَرَب بَعضهم لبَعض أكفاء، رجل لرجل، وَحي لحي، وقبيلة لقبيلة، والموالي مثل ذَلِك إلاّ حائك أَو حجام» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لأجل عمرَان بن أبي الْفضل، ثمَّ ضعفه. الطَّرِيق الثانى: من حَدِيث معَاذ بن جبل رَفعه: «الْعَرَب بَعْضهَا لبَعض أكفاء، والموالي بَعْضهَا لبَعض أكفاء» . رَوَاهُ الْبَزَّار - فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْقطَّان عَنهُ - عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا سُلَيْمَان بن أبي الجون، ثَنَا ثَوْر بن يزِيد، عَن خَالِد بن (معدان) عَن معَاذ مَرْفُوعا بِهِ (وَهَذَا مُنْقَطع) قَالَ الْبَزَّار وَغَيره: خَالِد بن معدان لم يسمع من معَاذ. قَالَ ابْن القطّان: وَسليمَان هَذَا لم أجد لَهُ ذكرا. الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اخْتَار الْفقر عَلَى الْغِنَى» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا لأصح الْوَجْهَيْنِ أَن الْيَسَار لَيست من شُرُوط (الْكَفَاءَة) وَقد أسلفنا فِي بَاب قسم الصَّدقَات أَن حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 586 «الْفقر فخري» لَا أصل لَهُ، نعم صَحَّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خُير فِي مَفَاتِيح كنوز الأَرْض فَردهَا وَلم يقبلهَا» لكنه لَا يَنْفِي مُطلق الْغِنَى الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: (ووجدك عائلاً فأغنى) . نعم قدمنَا هُنَاكَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ المسكنة واستعاذ من شرّ فتْنَة الْغِنَى وَمن شرّ فتْنَة الْفقر، فَلَو أبدل الرَّافِعِيّ الْفقر بالمسكنة لطابق هَذَا، فَتَأمل ذَلِك. الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث (أبي الدَّرْدَاء) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل ذكره برمتِهِ فِي أول «شرح الْمِنْهَاج» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب «أَخْبَار (الْحَقَائِق) وأخبار الرَّقَائِق» - وَهُوَ كتاب جليل رَأَيْت مِنْهُ أوراقًا -: قد خُولِفَ ابْن حبَان (فِي) حكمه. قَالَ ذَلِك بعد أَن عزاهُ إِلَيْهِ مَعَ (د، ق) وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : عَاصِم - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي سَنَده - وَمن فَوْقه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 587 ضعفاء، (وَلَا يَصح) . قلت: عَاصِم هُوَ ابْن رَجَاء بن حَيْوَة، وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَيَحْيَى بن معِين، وفوقه: دَاوُد بن جميل وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَضَعفه الْأَزْدِيّ، وفوقه: كثير بن قيس، وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَذكر الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن سميع أَنه قَالَ: أَمْرُه ضَعِيف، لم يُثبتهُ أَبُو سعيد - يَعْنِي: دُحَيْمًا. وَهَذَا هُوَ المُرَاد بقول الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: خُولِفَ ابْن حبَان فِي حكمه. وَكَأَنَّهُ تبع الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «مُخْتَصر السُّنن» : اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث اخْتِلَافا كثيرا وَكَذَا قَول الذَّهَبِيّ فِي «تذهيبه» و «مِيزَانه» : إِنَّه مُضْطَرب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق أُخْرَى بِإِسْنَاد أَجود من هَذَا، إِلَّا أَن فِيهِ شبيب بن شيبَة وَهُوَ مَسْتُور، وَلم يرو عَنهُ إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم، وَفِي «البُخَارِيّ» بَاب الْعلم قبل القَوْل وَالْعَمَل؛ لقَوْل الله - تَعَالَى -: (فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله) فَبَدَأَ بِالْعلمِ، وَأَن الْعلمَاء (هم) وَرَثَة الْأَنْبِيَاء؛ ورثوا الْعلم، من أَخذه أَخذ بحظ وافر، و «من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 588 سلك طَرِيقا يطْلب بِهِ علما سهّل الله لَهُ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة» هَذَا نَص مَا ذكر. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث «الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء» بأسانيد صَالِحَة. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة بنت قيس: انكحي أُسَامَة. فنكحته وَهُوَ مولَى وَهِي قرشية» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم، وَهُوَ طرف من الحَدِيث السالف فِي بَاب النَّهْي أَن يخْطب الرجل عَلَى خطْبَة أَخِيه. الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أنكح الوليان فَالْأول أَحَق» وَيروَى: «أيّ امْرَأَة زَوجهَا وليان فَهِيَ للْأولِ مِنْهُمَا» . هَذَا الحَدِيث جيد، رَوَاهُ أَحْمد والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» من (حَدِيث) قَتَادَة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 589 عَن الْحسن (عَن) سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول (: «أيّما امْرَأَة زَوجهَا وليان فَهِيَ للْأولِ مِنْهُمَا، وأيّما رجل بَاعَ بيعا من رجلَيْنِ فَهُوَ للْأولِ مِنْهُمَا» وَرَوَى ابْن مَاجَه مِنْهُ الْقطعَة الثَّانِيَة لَكِن عَن عقبَة أَو سَمُرَة، عَلَى الشَّك. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان: حَدِيث صَحِيح. وَأخرجه بِلَفْظ أَصْحَاب السّنَن الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، هَذَا مَا ذكره فِي كتاب البيع، ثمَّ أَعَادَهُ فِي هَذَا الْبَاب، فَذكره بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: كَمَا ذكره فِي البيع. ثَانِيهَا: بِلَفْظ «إِذا نكح الوليان فَهُوَ للْأولِ وَإِذا بَاعَ المجيزان فَهُوَ للْأولِ» . ثَالِثهَا: «إِذا نكح المجيزان فَالْأول أَحَق» ثمَّ قَالَ: هَذِه الطّرق الَّتِي ذكرتها (لهَذَا الْمَتْن كلهَا صَحِيحَة عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» أَن من) يحْتَج بالْحسنِ، عَن سَمُرَة يلْزمه تَصْحِيحه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 590 قلت: وَقد أسلفنا الْخلاف فِي هَذِه التَّرْجَمَة فِي بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، فَرَاجعهَا من ثمَّ. وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من حَدِيث الْحسن، عَن عقبَة بن عَامر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن ابْن علية، عَن ابْن أبي (عرُوبَة) عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن عقبَة بن عَامر رَفعه «إِذا أنكح الوكيلان فَالْأول أَحَق» . وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا عَن يُونُس، ثَنَا أبان، عَن قَتَادَة وَلَفظه: «إِذا أنكح الوليان فَهُوَ للْأولِ مِنْهُمَا، وَإِذا بَاعَ الرجل بيعا من رجلَيْنِ فَهُوَ للْأولِ مِنْهُمَا» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: وَلم يسمع الْحسن (من) عقبَة شَيْئا، وَقَالَ (التِّرْمِذِيّ) : الصَّحِيح رِوَايَة من رَوَاهُ عَن سَمُرَة. فَائِدَة: المخيران فِي لفظ الحَدِيث فِي الْمَوْضِعَيْنِ ضَبطه الْمزي فِي أَطْرَافه بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة من التَّخْيِير، وَوَجهه تخير الْمَرْأَة لكل وَاحِد من الوليين فِي الزَّوْجَيْنِ، وَضَبطه الذَّهَبِيّ فِي اختصاره للبيهقي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 591 بِالْجِيم وَالزَّاي من الْإِجَازَة؛ لِأَن كلا مِنْهُمَا يُجِيز مَا أَذِنت فِيهِ أَو بِمَا بَاعه، وَهَذَا مَا يحفظه. الحَدِيث (الْعشْرُونَ) أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أيّما مَمْلُوك نكح بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ فَهُوَ عاهر» وَيروَى «فنكاحه بَاطِل» . هَذَانِ حديثان ليسَا بِحَدِيث كَمَا يفهمهُ إِيرَاد الرَّافِعِيّ أَنه حَدِيث ذُو رِوَايَتَيْنِ، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول: أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : فِي إِسْنَاده ابْن عقيل. وَمن يحْتَج بِهِ يُصَحِّحهُ. وَقَالَ ابْن القطّان: إِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ؛ لِأَن فِي إِسْنَاده زُهَيْر بن مُحَمَّد، وَابْن عقيل وَقد اخْتلف فيهمَا. قلت: أخرجه أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، أبنا همام بن يَحْيَى، عَن الْقَاسِم بن عبد الْوَاحِد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا عبد تزوج بِغَيْر إِذن [- الجزء: 7 ¦ الصفحة: 592 أَو قَالَ: نكح بِغَيْر إِذن أَهله -] فَهُوَ عاهر» وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَهُوَ مَوْقُوف وَهُوَ قَول ابْن عمر. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه من حَدِيث جَابر، وَرَوَاهُ بَعضهم، عَن ابْن عقيل، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَلَا يَصح، وَالصَّحِيح: عَن ابْن عقيل، عَن جَابر وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول: ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن عمر (أَيْضا وَهُوَ من الطَّرِيق الَّذِي قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهَا إِنَّهَا لَا تصح، وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر) مَرْفُوعا بِلَفْظ ثَالِث: «أَيّمَا عبد تزوج بِغَيْر إِذن موَالِيه فَهُوَ زانٍ» . وَهُوَ من رِوَايَة منْدَل، وَهُوَ ضَعِيف (لَا جرم قَالَ أَحْمد: هَذَا حَدِيث مُنكر؛ ومندل ضَعِيف) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» إِثْر هَذِه الطَّرِيقَة: الصَّوَاب أَنَّهَا مَوْقُوفَة عَلَى ابْن عمر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 593 هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث، وَذكر فِيهِ من الْآثَار مَا نَصه: «والانتماء إِلَى شَجَرَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلِيهِ بني عمر بن الْخطاب ديوَان المرتزقة» انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وَغَيره عَنهُ، وَذكر فِيهِ أَيْضا: «أَن بِلَالًا نكح هَالة بنت عَوْف أُخْت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان (الجُمَحِي) عَن أمه، قَالَت: «رَأَيْت أُخْت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تَحت بِلَال» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 594 بَاب مَا يحرم من النِّكَاح وأنكحة الْكفَّار ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من الْولادَة» وَيروَى «مَا يحرم من النّسَب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الأول من حَدِيث عَائِشَة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَبِالثَّانِي من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي مُسلم أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة) وَفِي لفظ لَهُ وللبخاري: «حرمُوا من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب» . الحَدِيث الثَّانِي عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نكح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 595 امْرَأَة ثمَّ طلَّقهَا قَبْلَ أَن يْدخَلَ بهَا حرمت عَلَيْهِ أمهاتها، وَلم تحرم عَلَيْهِ بنتهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» لَكِن من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو - بِالْوَاو فِي آخِره - (رَوَاهُ) من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَهُوَ عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا رجل نكح امْرَأَة فَدخل بهَا فَلَا يحل لَهُ نِكَاح ابْنَتهَا، وَإِن لم يكن دخل بهَا فَلْيَنْكِح ابْنَتهَا، وَأَيّمَا رجل نكح امْرَأَة فَلَا يحل لَهُ أَن ينْكح أمهَا دخل بهَا أَو لم يدْخل بهَا» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح من قبل إِسْنَاده، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة والمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَابْن لَهِيعَة والمثنى (يُضعفَانِ) فِي الحَدِيث. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يجمع مَاءَهُ فِي رحم أُخْتَيْنِ» وَيروَى «مَلْعُون من جمع (مَاءَهُ) فِي رحم أُخْتَيْنِ» هَذَا الحَدِيث (بلفظيه) غَرِيب جدًّا لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ سِنِين، وَعَزاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بِاللَّفْظِ الثَّانِي إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 596 (اسْتِدْلَال) أَصْحَابهم الْفُقَهَاء، والرافعي ذكره فِي حُرْمَة الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ. ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث فَيْرُوز الديلمي الْآتِي فِي الْبَاب الْآتِي بعد هَذَا - إِن شَاءَ الله. الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، وَلَا الْعمة عَلَى بنت أَخِيهَا، وَلَا المرأةُ عَلَى خَالَتِها، وَلَا الْخَاَلةُ عَلَى بنْت أُختِهَا، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ عَنهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، أَو الْعمة عَلَى ابْنة أَخِيهَا، وَالْمَرْأَة عَلَى خَالَتهَا، أَو الْخَالَة عَلَى ابْنة أُخْتهَا، لَا تنْكح الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى» . وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «لَا تنْكح الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى ... .» إِلَى آخِره. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ عَاصِم، عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 597 الشّعبِيّ، عَن جَابر (لَا) عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن (سَلمَة، عَن عَاصِم، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر وَأبي هُرَيْرَة. قلت: وَأخرجه ابْن) حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، وَعَلَى خَالَتهَا، وَعَلَى بنت أَخِيهَا [وَعَلَى بنت أُخْتهَا] وَنَهَى أَن تنْكح الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَالصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» . وأصل حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِلَفْظ «لَا تنْكح العمّة عَلَى بنت الْأَخ، وَلَا ابْنة الْأُخْت عَلَى الْخَالَة» هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها، وَبَين الْمَرْأَة وخالتها» وَلَفظ البُخَارِيّ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، وَالْمَرْأَة عَلَى خَالَتهَا» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «لَا يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها، وَلَا بَين الْمَرْأَة وخالتها» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِنَحْوِهِ من حَدِيث جَابر أَيْضا، وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 598 ابْن عَبَّاس، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَفِي إِسْنَاده مُتَكَلم فِيهِ. وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث عَلّي، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عمر (قَالَ التِّرْمِذِيّ) : وَفِي الْبَاب عَن أبي سعيد وَأبي أُمَامَة وَابْن عمر وَعَائِشَة وَأبي مُوسَى، وَسمرَة بن جُنْدُب. قَالَ: وَعلي وَابْن (عَمْرو) وَجَابِر، وَهَؤُلَاء أسلفناهم. قَالَ ابْن مَنْدَه: وَفِيه أَيْضا عَن سعد بن أبي وَقاص، وَزَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود. قلت: فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَة عشر صحابيًّا، وَاعْلَم أَن الشَّافِعِي قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث من وَجه يُثبتهُ أهل الحَدِيث (عَن) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا عَن أبي هُرَيْرَة. فَاعْترضَ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة (إِلَّا) أَنَّهَا لَيست من شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقد أخرج البُخَارِيّ رِوَايَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 599 عَاصِم الْأَحول عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر إِلَّا أَنهم يرَوْنَ أَنَّهَا خطأ، وَأَن الصَّوَاب رِوَايَة دَاوُد بن أبي هِنْد، وَابْن عون، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة. قلت: لقَائِل أَن يَقُول يحْتَمل أَن (يكون) الشّعبِيّ سَمعه مِنْهُمَا، وَيُؤَيِّدهُ إِخْرَاج البُخَارِيّ لَهما فِي «صَحِيحه» عَلَى أَن دَاوُد بن أبي هِنْد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ، فرُوي عَنهُ عَن الشّعبِيّ كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ، وَأخرجه مُسلم من حَدِيثه، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا يلْزم من كَونهَا لَيست عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ ضعفها. قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام الْكُبْرَى (وَالصُّغْرَى فِي الدرجَة لَا فِي السن، وَالصُّغْرَى بنت الْأَخ وَبنت الْأُخْت، والكبرى الْعمة) وَالْخَالَة. قَالَ: وَالْمعْنَى أَن سَبَب تَحْرِيم الْجمع مَا فِيهِ من قطيعة الرَّحِم (الموحشة، والمنافسة) القوية بَين الضرتين. رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه أَشَارَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك قطعْتُمْ أرحامهن» . قلت: وَهَذَا الْمَرْوِيّ هُوَ الحَدِيث الْخَامِس من أَحَادِيث (الْبَاب) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 600 أخرجه ابْن عدي من حَدِيث (أبي) حريز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تزوج الْمَرْأَة عَلَى الْعمة أَو عَلَى الْخَالَة، وَقَالَ: إِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك قطعْتُمْ أَرْحَامكُم» . وَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها، وَبَين الْمَرْأَة وخالتها وَقَالَ: إنكن إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أرحامكن» . وَأخرجه كَذَلِك أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ - عَلَى مَا نَقله عَنهُ عبد الْحق، ثمَّ ابْن الْقطَّان - من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ ابْن عدي إِلَّا أَنه قَالَ: «إنكنّ إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أَرْحَامكُم» وَهَذَا الحَدِيث سكت عَلَيْهِ عبد الْحق، ومداره عَلَى (أبي) حريز (و) هَذَا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ زَاي فِي آخِره، واسْمه: عبد الله بن الْحُسَيْن، قَاضِي سجستان (وحالته) مُخْتَلف فِيهَا، قَالَ أَحْمد: كَانَ يَحْيَى بن سعيد يحمل عَلَيْهِ. وَلَا أرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: حَدِيثه مُنكر، وضعّفه أَيْضا سعيد بن أبي مَرْيَم وَالنَّسَائِيّ وَأما ابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة فوثقاه، وَقَالَ أَبُو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 601 حَاتِم: حسن الحَدِيث لَيْسَ بمنكر يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. ذكر ذَلِك إِثْر إِيرَاده هَذَا الحَدِيث، وَذكر لَهُ عدَّة أَحَادِيث غَيره. وَأما التِّرْمِذِيّ فصحح حَدِيثا لَهُ، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ ابْن عدي، إِلَّا أَنه قَالَ: «إنكنّ إِذا (فعلتن) ذَلِك قطعتن أرحامكن» بدل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: أَبُو حريز (هَذَا اسْمه عبد الله بن الْحُسَيْن قَاضِي سجستان، وَأَبُو حريز مولَى الزُّهْرِيّ ضَعِيف اسْمه) سليم، وجميعًا يرويان عَن الزُّهْرِيّ. الحَدِيث السَّادِس «أَن غَيْلاَن أَسْلَمَ وتَحَتْهَ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اختر أَرْبعا مِنْهُنَّ وَفَارق سائرهنّ» هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الثِّقَة (- «فِي الْأُم» : ابْن علية أَو غَيره -) قَالَ الرّبيع: أَحْسبهُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم (كَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 602 سَيَأْتِي) عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ (عَن سَالم) عَن أَبِيه «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة (فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن» وَرَوَاهُ أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل، أبنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَلَفظه «اختر» بدل «أمسك» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ «أَن غيلَان الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة، فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَأْخُذ مِنْهُنَّ أَرْبعا» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَله عشر نسْوَة» ) فِي الْجَاهِلِيَّة، فأسلمن مَعَه وَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتَخَيَّر مِنْهُنَّ أَرْبعا» هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ، وَلَفظ ابْن مَاجَه: «أسلم غيلَان بن سَلمَة وَتَحْته عشر نسْوَة، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خُذ مِنْهُنَّ أَرْبعا» وَلَفظ الْحَاكِم بِنَحْوِ هَذِه الرِّوَايَة، وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: «فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتَخَيَّر مِنْهُنَّ أَرْبعا وَيتْرك سائرهن» . ثَانِيهَا: «أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن» . ثَالِثهَا: «اختر مِنْهُنَّ أَرْبعا» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 603 من زعم أَن هَذَا الْخَبَر حدث بِهِ معمر بِالْبَصْرَةِ. ثمَّ سَاقه كَذَلِك، وَمُلَخَّصه: أَنه سَاقه من حَدِيث إِسْمَاعِيل ابْن علية، وَالْفضل بن مُوسَى، وَعِيسَى بن يُونُس كلهم (عَن) معمر، عَن الزُّهْرِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَكَذَا رَوَى هَذَا الحَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه. قَالَ: وَسمعت البُخَارِيّ يَقُول: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ، وَالصَّحِيح: مَا رَوَاهُ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَغَيره، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: (حدثت) عَن مُحَمَّد بن سُوَيْد الثقفيٍ «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة» قَالَ البُخَارِيّ: وَإِنَّمَا حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن رجلا من ثَقِيف طلق نِسَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ عمر: لترجعنّ نِسَاءَك (أَو لأرجمن قبرك) كَمَا رجم قبر أبي رِغَال» انْتَهَى مَا ذكره التِّرْمِذِيّ. وَقد (جمع) الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث (وَكَذَا ابْن حبَان فِي إِحْدَى رواياته بَين (هذَيْن) الْحَدِيثين بِهَذَا السَّنَد، فَلَيْسَ مَا ذكره البُخَارِيّ، قَادِحًا فِي صِحَّته، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أَبُو زرْعَة: الْمُرْسل أصح وَنَقَل نَحوه عَن وَالِده، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بعد أَن رَوَاهُ من طَرِيق معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه كَمَا تقدم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 604 هَكَذَا رَوَاهُ المتقدمون من أَصْحَاب (سعيد بن [أبي عرُوبَة] وَيزِيد بن زُرَيْع) وَإِسْمَاعِيل ابْن علية، وغندر، وَالْأَئِمَّة الْحفاظ من أهل الْبَصْرَة، وَقد [حكم] الإِمَام مُسلم بن الْحجَّاج أَن هَذَا الحَدِيث مِمَّا وهم فِيهِ معمر بِالْبَصْرَةِ، فَإِن رَوَاهُ عَنهُ ثِقَة خَارج الْبَصرِيين حكمنَا بِالصِّحَّةِ فَوجدت سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي، وَعِيسَى بن يُونُس - وثلاثتهم كوفيون - حدثوا بِهِ عَن معمر (ثمَّ سَاق ذَلِك الْحَاكِم عَنْهُم بأسانيده ثمَّ قَالَ: وَهَكَذَا وجدت الحَدِيث عِنْد أهل الْيَمَامَة، عَن معمر، وَعند الْأَئِمَّة الخراسانيين عَن معمر ثمَّ سَاق ذَلِك عَنْهُم بأسانيده) ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجتهادي أَن معمر بن رَاشد حدث بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أرْسلهُ مرّة وَوَصله أُخْرَى. وَالدَّلِيل عَلَيْهِ: أَن (الَّذين) وصلوه (عَنهُ) من أهل الْبَصْرَة أَرْسلُوهُ أَيْضا، والوصل أولَى من الْإِرْسَال؛ فَإِنَّ الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، انْتَهَى كَلَام الْحَاكِم أبي عبد الله. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الثِّقَة، أَحْسبهُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم كَمَا قَالَه الرّبيع، وَرَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة بِمَعْنَاهُ، وتابعهما يزِيد بن زُرَيْع، وَمُحَمّد بن جَعْفَر غنْدر، وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة من الْأَئِمَّة الْحفاظ من أهل الْبَصْرَة، ثمَّ ذكر كَلَام مُسلم الَّذِي نَقله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 605 الْحَاكِم، ثمَّ قَالَ: وجدنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن الْمحَاربي، وَعِيسَى بن يُونُس - وثلاثتهم كوفيون - حدثوا بِهِ عَن معمر مُتَّصِلا. وَهَكَذَا رُوِيَ عَن يَحْيَى بن أبي كثير وَهُوَ يماني، وَعَن الْفضل بن مُوسَى، وَهُوَ خراساني، عَن معمر مُتَّصِلا فصح الحديثان بذلك. (ثمَّ) قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ، عَن نَافِع، وَسَالم، عَن ابْن عمر مُتَّصِلا رَوَاهُ عَنهُ سرّار بن مجشر. قلت: وَكَذَلِكَ أخرجه (س) قَالَ أَبُو عَلّي الْحَافِظ: تفرد بِهِ سرار وَهُوَ بَصرِي ثِقَة (وَكَذَا قَالَ يَحْيَى بن معِين إِنَّه ثِقَة) قَالَ أَبُو عبد الله: (رُوَاة هَذَا الحَدِيث) كلهم ثِقَات تقوم الْحجَّة بروايتهم. وَذكر الْحَافِظ عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» هَذَا الحَدِيث من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، وَأتبعهُ بقول البُخَارِيّ الْمُتَقَدّم، ثمَّ قَالَ: [قَالَ] ابْن عبد الْبر: الْأَحَادِيث فِي تَحْرِيم نِكَاح مَا زَاد عَلَى الْأَرْبَع كلهَا معلولة. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : لم (يبين) عبد الْحق علّة حَدِيث غيلَان، ولنبينها كَمَا يُرِيد مضعفوه، وَإِن كَانَت عِنْدِي لَيست بعلة؛ فَاعْلَم أَنه حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيّ، فقوم رَوَوْهُ عَنهُ مُرْسلا فَمنهمْ مَالك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 606 كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْهُم معمر عَنهُ، قَالَ: أسلم غيلَان. فهذان قَولَانِ، وَقَول ثَالِث: عَن ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد (بن) أبي سُوَيْد «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لغيلان ... » الحَدِيث. وَقَول (ثَان) عَن يُونُس: رَوَاهُ اللَّيْث، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: بَلغنِي عَن عُثْمَان بن أبي سُوَيْد «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره. وَقَول ثَالِث عَنهُ - أَعنِي: الزُّهْرِيّ - وَهُوَ قَول البُخَارِيّ الْمُتَقَدّم الَّذِي نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ. وَقَول رَابِع عَنهُ: رَوَاهُ معمر عَنهُ، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن غيلَان ... » الحَدِيث كَمَا تقدم يرويهِ عَن معمر هَكَذَا (مَرْوَان) بن مُعَاوِيَة و (سعيد) بن أبي عرُوبَة وَيزِيد بن زُرَيْع، وَقد ذكرهَا التِّرْمِذِيّ فِي «علله» بِإِسْنَادِهِ، وَقد رَوَاهُ أَيْضا الثَّوْريّ، عَن معمر ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَنهُ، وَذكر جمَاعَة أَيْضا رَوَوْهُ عَن معمر كَذَلِك [إِلَّا أَنه لم يُوصل بهَا الْأَسَانِيد] وَذكر [أَن] يَحْيَى بن سَلام رَوَاهُ عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك. قَالَ ابْن القطّان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 607 وَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي اعْتَمدهُ هَؤُلَاءِ [فِي] تخطئة معمر فِيهِ وَمَا ذَاك بالبين؛ فَإِن معمرًا حَافظ، وَلَا بعد فِي أَن يكون عِنْد الزُّهْرِيّ فِي هَذَا كل مَا رَوَى عَنهُ وَإِنَّمَا اتجهت تخطئتهم رِوَايَة معمر هَذِه من حَيْثُ الاستبعاد أَن يكون الزُّهْرِيّ يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد الصَّحِيح عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا، ثمَّ يحدث بِهِ عَلَى تِلْكَ الْوُجُوه الْوَاهِيَة؛ تَارَة يُرْسِلهُ من قبله، وَتارَة عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد (بن) أبي سُوَيْد وَهُوَ لَا يعرف الْبَتَّةَ، وَتارَة يَقُول: بَلغنِي عَن عُثْمَان هَذَا، وَتارَة عَن مُحَمَّد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ، وَهَذَا عِنْدِي غير مستبعد أَن يحدث بِهِ عَلَى هَذِه الْوُجُوه كلهَا فيعلق كل وَاحِد من الروَاة عَنهُ مِنْهَا بِمَا تبين لَهُ حفظه، فَرُبمَا اجْتمع كل ذَلِك عِنْد أحدهم أَو أَكْثَره أَو أَقَله، وأمَّا مَا قَالَ البُخَارِيّ إِن الزُّهْرِيّ إِنَّمَا رَوَى عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن عمر قَالَ لرجل من ثَقِيف طلق نِسَاءَهُ: لتراجعن نِسَاءَك أَو لأرجمنك كَمَا رجم قبر أبي رِغَال» فَإِنَّهُ قد رُوِيَ من غير رِوَايَة الزُّهْرِيّ أَن عمر قَالَ ذَلِك لَهُ فِي حَدِيث وَاحِد ذكر فِيهِ «تخيَّر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَهُ إِيَّاه حِين أسلم» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثَنَا مُحَمَّد بن نوح الجنديسابوري، ثَنَا عبد القدوس بن مُحَمَّد، وثنا مُحَمَّد بن مخلد، ثَنَا حَفْص بن (عَمْرو) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 608 بن يزِيد، قَالَا: ثَنَا سيف بن (عبيد الله) (الْجرْمِي) ثَنَا سرار بن مجشر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع وَسَالم، عَن ابْن عمر «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة، فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يمسك مِنْهُنَّ أَرْبعا، فَلَمَّا كَانَ زمن عمر طلقهن، فَقَالَ لَهُ عمر: راجعهن وَإِلَّا ورثتهن مَالك وَأمرت بقبرك» زَاد ابْن نوح: «فَأسلم وأسلمن مَعَه» فَهَذَا أَيُّوب يرويهِ، عَن سَالم، كَمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنهُ فِي رِوَايَة معمر، وَزَاد إِلَى سَالم نَافِعًا، وسرار بن مجشر أحد الثِّقَات، وَسيف بن عبيد الله قَالَ فِيهِ عَمْرو بن عَلّي: من خِيَار الْخلق، وَلم يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم وَلَا أعرفهُ عِنْد غَيره، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : تفرد بِهِ سيف بن [عبيد الله] (الْجرْمِي) عَن سرار، وسرار ثِقَة من أهل الْبَصْرَة. قَالَ ابْن القطّان: والمتحصل من هَذَا هُوَ أَن حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه من رِوَايَة معمر فِي قصَّة غيلَان صَحِيح وَلم يعتل عَلَيْهِ من ضعفه بِأَكْثَرَ من الِاخْتِلَاف عَلَى الزُّهْرِيّ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : ذكر (البُخَارِيّ) أَن هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ وَعلله، وَكَذَلِكَ مُسلم حكم فِي «التَّمْيِيز» عَلَى معمر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 609 بالوهم فِيهِ، قَالَ: وَمن صَححهُ يعْتَمد عَلَى عَدَالَة معمر وجلالته، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد روينَا عَن عُرْوَة بن مَسْعُود وَصَفوَان بن أُميَّة مَعْنَى حَدِيث غيلَان بن سَلمَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: (دلّت سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - المبينة عَن الله عَلَى تَحْرِيم) أَن يجمع غير رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين أَكثر من أَربع (نسْوَة) قَالَ الْأَثْرَم: ذكرت لأبي عبد الله هَذَا الحَدِيث قَالَ: (مَا) هُوَ صَحِيح، هَذَا حَدِيث معمر بِالْبَصْرَةِ فأسنده لَهُم وَقد حدث بأَشْيَاء بِالْبَصْرَةِ أَخطَأ فِيهَا وَالنَّاس يهمون. وَقَالَ: سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح وَالْعَمَل عَلَيْهِ. فَائِدَتَانِ: الأولَى: وَقع فِي هَذَا الحَدِيث فِي موطأ مَالك، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ عَن ابْن شهَاب قَالَ: «بَلغنِي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لرجل من ثَقِيف أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة: أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن» . وَفِي اسْم هَذَا الرجل ثَلَاثَة أَقْوَال حَكَاهَا الْخَطِيب فِي (مبهماته) أَحدهَا: أَنه غيلَان بن سَلمَة الْمَذْكُور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 610 ثَانِيهَا: أَنه عُرْوَة بن مَسْعُود. ثَالِثهَا: أَنه مَسْعُود بن ياليل بن عَمْرو بن عَمْرو بن عبيد. الثَّانِيَة: وَقعت فِي (وسيط) الْغَزالِيّ: ابْن غيلَان (بدل غيلَان) وَهَذَا خلاف الصَّوَاب؛ فَتنبه لَهُ، وَقد أوضحته فِي تَخْرِيج أحاديثي لَهُ. الحَدِيث السَّابِع «أَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة أسلم وَتَحْته خمس نسْوَة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أمسك أَرْبعا وَفَارق الْأُخْرَى» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا عزاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» إِلَيْهِ، أبنا بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الْمجِيد بن (سُهَيْل) بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن عَوْف بن الْحَارِث، عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة، قَالَ: «أسلمت وتحتي خمس نسْوَة، فَسَأَلت النبى (فَقَالَ: (فَارق) وَاحِدَة وَأمْسك أَرْبعا. فعمدت إِلَى أقدمهن عِنْدِي عاقرًا مُنْذُ سِتِّينَ سنة ففارقتها» . الحَدِيث الثَّامِن عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَ: «جَاءَت امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِنِّي كنت عِنْد رِفَاعَة، فطلقني فَبت طَلَاقي، فَتزوّجت بعده عبد الرَّحْمَن بن الزبير وَإِنَّمَا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 611 عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك وَمَعْنى «بت طَلَاقي» طَلقنِي ثَلَاثًا. وَالزبير بِفَتْح الزَّاي، وهدبة الثَّوْب: طرفه الَّذِي لم يُنْسجْ، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ «فنكحها عبد الرَّحْمَن بن الزبير، فَأَعْرض عَنْهَا فَلم يسْتَطع أَن يَمَسهَا، ففارقها» . وَفِي اسْم امْرَأَة رِفَاعَة أَقْوَال أوضحتها فِي «شرحي للعمدة» فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب «الْمُهَذّب» (و) هُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، - وَالنَّسَائِيّ - وَقَالَ: حسن صَحِيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 612 قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم يلْتَفت التِّرْمِذِيّ إِلَى أبي قيس عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان - يَعْنِي - الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» : إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَقَالَ (ابْن حزم) إِنَّه خبر لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب سواهُ (وَثمّ آثَار) بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهَا هالكة. ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَفِي إِسْنَاده زَمعَة بن صَالح، وَقد تكلم فِيهِ بَعضهم، وَرَوَى لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» مَقْرُونا بِغَيْرِهِ. ثَالِثهَا: من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مَعْلُول، وَإِسْنَاده لَيْسَ بالقائم؛ لِأَن مجَالد بن سعيد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده قد ضعفه بعض أهل الْعلم؛ مِنْهُم الإِمَام أَحْمد. قَالَ: وَرَوَى عبد الله بن نمير هَذَا الحَدِيث، عَن مجَالد، عَن عَامر، عَن جَابر بن عبد الله، عَن عَلّي. وَهَذَا وهم قد وهم فِيهِ ابْن نمير، والْحَدِيث الأول أصح. وَقَالَ أَيْضا الْمَقْدِسِي فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 613 «أَحْكَامه» رَوَى حَدِيث عَلّي هَذَا غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَأما ابْن السكن؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي «سنَنه الصِّحَاح» . رَابِعهَا: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ إِنَّه حَدِيث مَعْلُول؛ فِيهِ مجَالد. خَامِسهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبَيْهَقِيّ، وَابْن أبي حَاتِم فِي «علله» بِإِسْنَاد جيد، وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة. وأسنده فِي «علله» ثمَّ قَالَ: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث حسن. سادسها: من حَدِيث عقبَة بن عَامر ذكره الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَهُوَ حَدِيث حسن، رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقد أوضحته فِي تخريجى لأحاديثه، وَمِمَّا لم أذكرهُ هُنَاكَ أَن (ابْن) أبي حَاتِم نقل فِي «علله» عَن أبي زرْعَة أَنه قَالَ: أنكر هَذَا الحَدِيث يَحْيَى بن عبد الله بن بكير إنكارًا شَدِيدا؛ لما ذكرته لَهُ، وَقَالَ: لم يسمع اللَّيْث من مشرح بن هاعان شَيْئا وَلَا رَوَى عَنهُ شَيْئا، وَإِنَّمَا حَدثنِي اللَّيْث بن سعد بِهَذَا الحَدِيث، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن «أَن رَسُول الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 614 ( ... .» قَالَ أَبُو زرْعَة: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ عبد الله بن صَالح: لم يكن أخرجه فِي أيامنا، مَا أرَى اللَّيْث سَمعه من مشرح، لِأَن حَيْوَة رَوَى عَن بكر بن عَمْرو عَن مشرح. قلت: قد ذكر الْحَاكِم فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث سَمِعت مشرح بن هاعان، وَقَالَ قبله: قد ذكر كَاتب اللَّيْث سَمَاعه فِيهِ. وَكَونه لم يُخرجهُ فِي أَيَّامه لَا يضر إِذا، وَقَوله: «لِأَن حَيْوَة رَوَى عَن بكر بن عَمْرو، عَن مشرح» يُرِيد بِهِ أَن حَيْوَة من أَقْرَان اللَّيْث أَو أكبر مِنْهُ، وَإِنَّمَا يروي عَن بكر (عَن) مشرح، وَهَذَا غير لَازم؛ لِأَن اللَّيْث كَانَ معاصرًا لمشرح، وَقد صرّح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ. الطَّرِيق السَّابِع من حَدِيث عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، عَن أَبِيه عُمَيْر بن قَتَادَة - وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمُحَلّل والمحلل لَهُ» . رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» عَن مُحَمَّد بن يُونُس، ثَنَا مُعلى بن الْفضل، ثَنَا دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار، عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن نَافِع بن سرجس، عَن عبيد بِهِ. الحَدِيث الْعَاشِر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «نهَى أَن تُنكح الْأمة عَلَى الْحرَّة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 615 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى عَن عَلّي وَجَابِر مَوْقُوفا. هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طريقيه، أما الْمَرْفُوع فَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا إِسْمَاعِيل ابْن علية، حَدثنِي من سمع الْحسن يَقُول: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تنْكح الْأمة عَلَى الْحرَّة» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يزِيد بن سِنَان، ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن (عَامر الْأَحول) عَن الْحسن بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أخرجه من طريقيه هَذَا مُرْسل، قَالَ: إِنَّه فِي مَعْنَى الْكتاب؛ أَي: قَوْله: (وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا (. الْآيَة وَمَعَهُ قَول جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «علله» كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، إِنَّمَا رَوَاهُ عَمْرو بن عبيد، وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث عَامر الْأَحول، وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : حَدِيث الْحسن هَذَا مُرْسل ومنقطع. وَأما الْمَوْقُوف فأثر عَلّي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْمنْهَال بن عَمْرو عَن زر بن حُبَيْش عَنهُ «إِذا تزوجت الْحرَّة عَلَى الْأمة قسم لَهَا يَوْمَيْنِ وللأمة يَوْمًا، إِن الْأمة لَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تزوج عَلَى الْحرَّة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 616 وَأثر جَابر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث الْحجَّاج؛ ثَنَا لَيْث، حَدثنِي أَبُو الزبير عَنهُ، قَالَ: «لَا تنْكح الْأمة عَلَى الْحرَّة، وَتنْكح الْحرَّة عَلَى الْأمة، وَمن وجد صدَاق حرَّة فَلَا ينكحن أمة أبدا» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَرَوَى الشَّافِعِي، عَن مَالك أَنه بلغه «أَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس سئلا عَن رجل كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَة حرَّة، فَأَرَادَ أَن ينْكح عَلَيْهَا أمة (فكرها) لَهُ أَن يجمع بَينهمَا» . الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سنوا بهم سنة أهل الْكتاب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ذكر الْمَجُوس، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أصنع فِي أَمرهم. فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أشهد لسمعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: سنوا بهم سنة أهل الْكتاب» وَهَذَا مُنْقَطع؛ لِأَن مُحَمَّد بن عَلّي لم يلق عمر وَلَا عبد الرَّحْمَن، كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» . وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي «كتاب من رَوَى عَن مَالك» من حَدِيث عبيد الله بن عبد الْمجِيد الْحَنَفِيّ، عَن مَالك قَالَ: أَخْبرنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «مَا أَدْرِي مَا أصنع بالمجوس أهل الذِّمَّة. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 617 سنتهمْ سنة أهل الْكتاب» قَالَ مَالك يَعْنِي: فِي الْجِزْيَة. قَالَ الْخَطِيب: وَهَكَذَا رَوَاهُ غير عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، عَن أبي عَلّي، وَتفرد بقوله: عَن جده. وَرَوَاهُ الْخلق، عَن مَالك، عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه وَلم (يَقُولُوا:) عَن جده. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» . قلت: وَهُوَ أَيْضا مُنْقَطع؛ لِأَن عَلّي بن الْحُسَيْن لم يلق عمر وَلَا عبد الرَّحْمَن، وَقد رُوِيَ هَذَا (عَن) عبد الرَّحْمَن من (أوجه مُتَّصِلَة) لَكِن فِي إِسْنَاده من يجهل حَاله. قَالَ ابْن أبي عَاصِم: ثَنَا إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج السَّامِي، ثَنَا أَبُو رَجَاء - جارٌ كَانَ لحماد بن سَلمَة - ثَنَا الْأَعْمَش، عَن زيد بن وهب، قَالَ: «كنت عِنْد عمر بن الْخطاب فَذكر من عِنْده (علم) من الْمَجُوس، فَوَثَبَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: أشهد بِاللَّه عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لسمعته يَقُول: إِنَّمَا الْمَجُوس طَائِفَة من أهل الْكتاب فاحملوهم عَلَى مَا تحملون عَلَيْهِ أهل الْكتاب» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 618 الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سنوا بهم سنة أهل الْكتاب غير ناكحي نِسَائِهِم وآكلي ذَبَائِحهم» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب عَلَى هَذِه الصُّورَة (وَعَزاهُ بعض شُيُوخنَا إِلَى «طَبَقَات ابْن سعد» فِي كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى مجوس هجر، وَفِي «الْأَمْوَال» لأبي عبيد: عَن الْحسن بن مُحَمَّد: كتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى مجوس هجر يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام؛ فَمن أسلم قبل مِنْهُ، وَمن لَا ضربت عَلَيْهِ الْجِزْيَة فِي أَن لَا تُؤْكَل لَهُم ذَبِيحَة، وَلَا تنْكح لَهُم امْرَأَة» وَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه أخرجه من حَدِيث وَكِيع (عَن) سُفْيَان، عَن قيس، عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَلّي، قَالَ: «كتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى مجوس هجر يعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فَمن أسلم قبل، وَمن (أَبَى) ضربت عَلَيْهِ الْجِزْيَة عَلَى أَن لَا تُؤْكَل لَهُم ذَبِيحَة، وَلَا تنْكح لَهُم امْرَأَة» . قَالَ (عبد الْحق) : وَهَذَا مُرْسل. قلت: ومعلول؛ فَإِن قيس بن الرّبيع مِمَّن سَاءَ حفظه بِالْقضَاءِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 619 كشريك وَابْن أبي لَيْلَى، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِجْمَاع أَكثر الْمُسلمين عَلَيْهِ يؤكده. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عِكْرِمَة قَالَ: «أُتِي عَلّي رَضِي اللهُ عَنْهُ بزنادقة فأحرقهم، فَبلغ ذَلِكَ ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: لَو كنت أَنا لم أحرقهم؛ لنهي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عَنهُ) قَالَ: لَا تعذبوا بِعَذَاب الله، ولقتلتهم؛ لقَوْل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من بدّل دينه فَاقْتُلُوهُ» . وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: « ... فَبلغ ذَلِكَ عليًّا، فَقَالَ: صدق ابْن عَبَّاس» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فستة: أَحدهَا: عَن الحكم بن عتيبة قَالَ: «أجمع أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 620 عَلَى أَن لَا ينْكح العَبْد أَكثر من اثْنَتَيْنِ» . وَهَذَا الْأَثر سَاقه ابْن الْجَوْزِيّ بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث لَيْث، عَن الحكم، قَالَ: «اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أَن الْمَمْلُوك لَا يجمع من النِّسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ» وَلَيْث هَذَا هُوَ ابْن أبي سليم، وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ. وَرَوَى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح، عَن عمر أَنه قَالَ: «ينْكح العَبْد امْرَأتَيْنِ» ثمَّ رَوَاهُ عَن عَلّي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، ثمَّ قَالَ: وَلَا يعرف لَهُم من الصَّحَابَة مُخَالف. وَهُوَ قَول الْأَكْثَر من (الْمُفَسّرين) بالبلدان. الْأَثر الثَّانِي: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من وطئ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ فَلَا يطَأ الْأُخْرَى حَتَّى تخرج الْمَوْطُوءَة عَن ملكه» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن عَمه عَن عَلّي «أَنه سَأَلَهُ رجل (لَهُ) أمتان أختَان وطئ إِحْدَاهمَا ثمَّ أَرَادَ أَن يطَأ الْأُخْرَى، قَالَ: لَا؛ حَتَّى يُخرجهَا من ملكه» . الْأَثر الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى (وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات) (أَن المُرَاد بالطول: الْفضل وَالسعَة وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَلّي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 621 بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس «أَنه قَالَ فِي قَوْله: (وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات) يَقُول: من لم يكن لَهُ سَعَة أَن ينْكح الْحَرَائِر فَلْيَنْكِح من إِمَاء الْمُؤمنِينَ و (ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت) وَهُوَ الْفُجُور، فَلَيْسَ لأحدٍ من الْأَحْرَار أَن ينْكح أمة إِلَّا أَن لَا يقدر عَلَى حرّة وَهُوَ يخْشَى الْعَنَت (وَأَن تصبروا) عَن نِكَاح الْأمة فَهُوَ (خير لكم) وَعلي بن أبي طَلْحَة هَذَا (قَالَ أَحْمد) لَهُ أَشْيَاء مُنكرَات. قَالَ أَبُو حَاتِم: عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس مُرْسل؛ إِنَّمَا يروي عَن مُجَاهِد وَالقَاسِم. الْأَثر الرَّابِع: «أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم تزوجوا الكتابيات وَلم يبحثوا» . هَذَا صَحِيح؛ فَفِي الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَن عُثْمَان «أَنه نكح ابْنة الفرافصة الْكَلْبِيَّة - وَهِي نَصْرَانِيَّة - عَلَى نِسَائِهِ، ثمَّ أسلمت عَلَى يَدَيْهِ» . وَرَوَى أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الرَّحْمَن - شيخ من بني الْأَشْهَل « (أَن حُذَيْفَة نكح يَهُودِيَّة» و) فِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أبي وَائِل: «فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن يفارقها، قَالَ: إِنِّي أخْشَى أَن تدعوا المسلمات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 622 وتنكحوا المومسات!» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا من عمر عَلَى طَرِيق التَّنَزُّه وَالْكَرَاهَة؛ فَفِي رِوَايَة أُخْرَى «أَن حُذَيْفَة كتب إِلَيْهِ: أحرام هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَخَاف أَن تعاطوا المومسات مِنْهُنَّ» . وَقَالَ الشَّافِعِي: أبنا (عبد الْمجِيد) بن عبد الْعَزِيز، عَن ابْن جريج (عَن أبي الزبير) «أَنه سمع جَابر بن عبد الله يسْأَل عَن نِكَاح الْمُسلم الْيَهُودِيَّة والنصرانية، فَقَالَ: تزوجناهن فِي زمن الْفَتْح بِالْكُوفَةِ مَعَ سعد بن أبي وَقاص وَنحن لَا نجد المسلمات كثيرا، فَلَمَّا رَجعْنَا طلقناهن. وَقَالَ: لَا يرثن مُسلما وَلَا يرثهن، وَنِسَاؤُهُمْ لنا حلّ وَنِسَاؤُنَا عَلَيْهِم حرَام» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ «أَن حُذَيْفَة تزوج مَجُوسِيَّة» وَهُوَ غير ثَابت (عَنهُ) يُقَال لَهَا: شاه بردخت، قَالَه عبد الْحق، قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَنهُ أَنه تزوج يَهُودِيَّة. قلت: وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» أَنَّهَا نَصْرَانِيَّة. وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (هُبَيْرَة) عَن عَلّي قَالَ: «تزوج طَلْحَة يَهُودِيَّة» وَفِيه أَيْضا من حَدِيث عَمْرو مولَى الْمطلب، عَن أبي الْحُوَيْرِث «أَن طَلْحَة نكح امْرَأَة من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 623 كلب نَصْرَانِيَّة (حَتَّى (وجهت) حِين قدمت عَلَيْهِ» ) وَأما حَدِيث عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن كَعْب بن مَالك «أَنه أَرَادَ أَن يتَزَوَّج يَهُودِيَّة، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: لَا تتزوجها؛ فَإِنَّهَا لَا تحصنك» . فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسليه» وَمَعَ إرْسَاله فَهُوَ مُنْقَطع - فِيمَا بَين عَلّي وَكَعب - وَضَعِيف؛ لِأَنَّهُ يرويهِ عَن عَلّي أَبُو سبأ عتبَة بن تَمِيم، وَلَا يعرف حَاله كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان، وَرَوَاهُ عَنهُ بَقِيَّة، وَهُوَ مِمَّن قد علم حَاله. الْأَثر الْخَامِس: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ للمجوس كتاب فَأَصْبحُوا وَقد أسرِي بِهِ» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن سعيد بن الْمَرْزُبَان، عَن نصر بن عَاصِم، قَالَ: قَالَ فَرْوَة بن نَوْفَل: «علام تُؤْخَذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس وَلَيْسوا بِأَهْل كتاب؟ ! فَقَامَ إِلَيْهِ (الْمُسْتَوْرد) فَأخذ بلبته فَقَالَ: يَا عَدو الله، تطعن عَلَى أبي بكر وَعمر وَعلي أَمِير الْمُؤمنِينَ - يَعْنِي: عليًّا - وَقد أخذُوا مِنْهُم الْجِزْيَة؟ ! فَذهب بِهِ إِلَى الْقصر، فَخرج (عَلَيْهِمَا) عَلّي فَقَالَ: ألبدا. فَجَلَسْنَا فِي ظلّ الْقصر، فَقَالَ عَلّي: أَنا أعلم النَّاس بالمجوس كَانَ لَهُم علم يعلمونه وَكتاب يدرسونه، وَإِن ملكهم سكر فَوَقع عَلَى ابْنَته أَو أُخْته فَاطلع عَلَيْهِ بعض أهل مَمْلَكَته، فَلَمَّا (صَحا) جَاءُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ الْحَد فَامْتنعَ مِنْهُم، فَدَعَا أهل مَمْلَكَته، فَقَالَ: تعلمُونَ دينا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 624 خيرا من دين آدم؟ وَقد كَانَ آدم ينْكح بنِيه من بَنَاته، وَأَنا عَلَى دين آدم، وَمَا يرغب بكم عَن دينه؟ فتابعوه وقاتلوا الَّذين خالفوه حَتَّى قتلوهم وَأَصْبحُوا وَقد أسرِي عَلَى كِتَابهمْ، فَرفع من بَين أظهرهم وَذهب الْعلم الَّذِي فِي صدروهم وهم أهل كتاب، وَقد أَخذ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وَأَبُو بكر وَعمر) مِنْهُم الْجِزْيَة. وفروة مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ من الْخَوَارِج. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الْحَاكِم: قَالَ العاصمي: قَالَ ابْن خُزَيْمَة: وهم ابْن عُيَيْنَة [فِي] هَذَا الْإِسْنَاد، رَوَاهُ عَن أبي سعيد الْبَقَّال فَقَالَ: عَن نصر بن عَاصِم (وَنصر بن عَاصِم) هُوَ اللَّيْثِيّ. وَإِنَّمَا هُوَ عِيسَى بن عَاصِم الْأَسدي كُوفِي. قَالَ ابْن خُزَيْمَة: والغلط فِيهِ من ابْن عُيَيْنَة لَا من الشَّافِعِي، فقد رَوَاهُ عَن ابْن عُيَيْنَة غير الشَّافِعِي، فَقَالَ: عَن نصر بن عَاصِم، قَالَ الشَّافِعِي: وَحَدِيث نصْر بن عَاصِم هَذَا عَن عَلّي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُتَّصِل وَبِه نَأْخُذ. قلت: لَكِن الْبَقَّال الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ الْأَعْوَر الْمَجْرُوح، قَالَ يَحْيَى بن (سعيد) : لَا أستحل أروي عَنهُ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 625 بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كثير الْوَهم فَاحش الْخَطَأ. فَلَعَلَّ الشَّافِعِي كَانَ يرَاهُ ثِقَة، كَمَا قَالَ فِيهِ أَبُو أُسَامَة إِنَّه كَانَ ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق مُدَلّس. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وَأعله الْعقيلِيّ من وَجه آخر، وَقَالَ: نصْر بن عَاصِم هَذَا لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو عبيد: لَا أَحسب هَذَا الْأَثر مَحْفُوظًا. (قَالَ) ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَجُوس «سنوا بهم سنة أهل الْكتاب» يَعْنِي فِي الْجِزْيَة. دَلِيله عَلَيْهِ: أَنهم لَيْسُوا أهل الْكتاب، وَعَلَى ذَلِك جُمْهُور الْفُقَهَاء. وَقد رُوِيَ عَن الشَّافِعِي «أَنهم كَانُوا أهل كتاب فبدلوا» وَأَظنهُ ذهب فِي ذَلِك إِلَى شَيْء رُوِيَ عَن عَلّي من وَجه فِيهِ ضعف يَدُور عَلَى أبي سعيد الْبَقَّال، ثمَّ ذكر هَذَا الْأَثر، ثمَّ قَالَ: وَأكْثر أهل الْعلم يأبون ذَلِك وَلَا يصححون هَذَا الحَدِيث، فالحجة لَهُم قَوْله تَعَالَى: (أَن تَقول إِنَّمَا أنزل الْكتاب عَلَى طائفتين من قبلنَا) وَغير ذَلِك. الْأَثر السَّادِس: «أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أخذُوا الْجِزْيَة من نَصَارَى الْعَرَب، وهم: تنوخ، وبَهراء، و (تغلب) » . هَذَا صَحِيح عَنْهُم، وَقد ذكره الشَّافِعِي، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي بَابه. فَائِدَة: تنوخ - بمثناة (من) فَوق ثمَّ نون ثمَّ وَاو ثمَّ خاء مُعْجمَة -: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 626 قَبيلَة مَعْرُوفَة. وبَهراء - بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة (ثمَّ) هَاء سَاكِنة (و) بِالْمدِّ -: قَبيلَة مَعْرُوفَة من (قضاعة) وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: بهراني، كصنعاني عَلَى غير قِيَاس، وَبَنُو (تغلب) بِكَسْر اللَّام قَبيلَة مَعْرُوفَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 627 بَاب نِكَاح الْمُشرك ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَة أَحَادِيث: أَحدهَا «أَن صَفْوَان بن أُميَّة وَعِكْرِمَة بن أبي جهل هربا كَافِرين إِلَى السَّاحِل حِين (فتحت) مَكَّة وَأسْلمت امرأتاهما بِمَكَّة، وأخذتا بالأمان لزوجيهما، فَقدما وأسلما فَرد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - امرأتيهما» . هَذَا رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن ابْن شهَاب «أَنه بلغه أَن [نسَاء كن] فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسلمن بِغَيْر أرضهن وَهن غير مهاجرات وأزواجهن حِين أسلمن كفار، مِنْهُنَّ: بنت الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَكَانَت تَحت صَفْوَان بن أُميَّة، فَأسْلمت يَوْم الْفَتْح وهرب صَفْوَان بن أُميَّة من الْإِسْلَام، فَبعث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَيْهِ ابْن عَمه وهب بن عُمَيْر برداء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمَانًا لِصَفْوَان بن أُميَّة، وَدعَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْإِسْلَام وَأَن يقدم عَلَيْهِ، فَإِن رَضِي أمرا قبله وَإِلَّا سيره شَهْرَيْن، فَلَمَّا قدم صَفْوَان عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بردائه ناداه عَلَى رُءُوس النَّاس فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن هَذَا وهب بن عُمَيْر جَاءَنِي بردائك وَزعم أَنَّك دعوتني إِلَى الْقدوم عَلَيْك، فَإِن رضيت أمرا قبلته وَإِلَّا سيرتني شَهْرَيْن، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام، انْزِلْ أَبَا وهب. فَقَالَ: لَا وَالله لَا أنزل حَتَّى تبين لي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: بل لَك تسير أَرْبَعَة أشهر. فَخرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 628 قبل هوَازن وحنين، فَأرْسل إِلَى صَفْوَان يستعير أَدَاة وسلاحًا عِنْده، فَقَالَ صَفْوَان: أطوعًا أم كرها؟ فَقَالَ: بل طَوْعًا. فأعاره الأداة والسِّلَاح الَّذِي عِنْده، ثمَّ خرج مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ كَافِر فَشهد حنينًا والطائف وَهُوَ كَافِر وَامْرَأَته مسلمة، وَلم يفرق النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينه وَبَين امْرَأَته حَتَّى أسلم صَفْوَان واستقرت عِنْده امْرَأَته» . فَقَالَ ابْن شهَاب: كَانَ بَين إِسْلَام صَفْوَان وَإِسْلَام امْرَأَته نَحوا من شهر. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَفِيه: «أَن إِسْلَام زَوجته كَانَ يَوْم الْفَتْح، وَأَن صَفْوَان شهد مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الطَّائِف وحنينًا وَهُوَ كَافِر» . وَرَوَى مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَيْضا عَن ابْن شهَاب أَن أم حَكِيم بنت الْحَارِث بن هِشَام، وَكَانَت تَحت عِكْرِمَة بن أبي جهل، فَأسْلمت يَوْم الْفَتْح فهرب زَوجهَا عِكْرِمَة من الْإِسْلَام حَتَّى قدم الْيمن، فارتحلت أم حَكِيم حَتَّى قدمت عَلَيْهِ الْيمن فدعته إِلَى الْإِسْلَام، فَأسلم وَقدم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْفَتْح، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وثب إِلَيْهِ فَرحا (وَمَا) عَلَيْهِ رِدَاء حَتَّى بَايعه (فَثَبت) عَلَى نِكَاحهمَا ذَلِك. قَالَ ابْن شهَاب: وَلم يبلغنَا أَن امْرَأَة هَاجَرت إِلَى الله وَرَسُوله وَزوجهَا كَافِر مُقيم بدار الْحَرْب إِلَّا فرقت هجرتهَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا إِلَّا أَن يقدم زَوجهَا بهَا مُهَاجرا قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا. الحَدِيث الثَّانِي «أَن أَبَا سُفْيَان وَحَكِيم بن حزَام أسلما بمرّ الظهْرَان - وَهُوَ معسكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 629 الْمُسلمين - و (امرأتاهما) بِمَكَّة وَهِي يَوْمئِذٍ دَار حَرْب ثمَّ أسلما بعد وَأقر النِّكَاح» . هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الشَّافِعِي، أبنا جمَاعَة من (أهل) الْعلم من قُرَيْش وَأهل الْمَغَازِي وَغَيرهم عَن عدد مثلهم «أَن (أَبَا) سُفْيَان بن حَرْب أسلم بمر الظهْرَان وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ظَاهر عَلَيْهَا، فَكَانَت بظهوره وَإِسْلَام أَهلهَا دَار إِسْلَام وَامْرَأَته هِنْد بنت عتبَة كَافِرَة بِمَكَّة، وَمَكَّة يؤمئذ دَار حَرْب، ثمَّ قدم عَلَيْهَا يدعوها إِلَى الْإِسْلَام، فَأخذت بلحيته وَقَالَت: اقْتُلُوا الشَّيْخ (الضال) وأقامت أَيَّامًا قبل أَن تسلم، ثمَّ أسلمت وبايعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فثبتا عَلَى النِّكَاح؛ لِأَن عدتهَا لم تنقض حَتَّى أسلمت، وَكَانَ كَذَلِك حَكِيم بن حزَام وإسلامه - يَعْنِي كَانَ إِسْلَامه بمر الظهْرَان - وَامْرَأَته بِمَكَّة ثمَّ أسلمت فِي عدتهَا» . ذكر ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَذكره فِي «الْأُم» بِغَيْر إِسْنَاد قَالَ: وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم بالمغازي، وَذكره فِي «سير الْوَاقِدِيّ» و «الْأُم» أَيْضا وَقَالَ: فأقامت عَلَى الشّرك حَتَّى أسلمت بعد الْفَتْح بأيام فأقرها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى النِّكَاح، وَذَلِكَ أَن عدتهَا لم تنقض، وَفِي السّنَن الْمَجْمُوعَة من أَحَادِيث الشَّافِعِي: أبنا جمَاعَة فِي عدد «أَن أَبَا سُفْيَان أسلم وَامْرَأَته هِنْد كَافِرَة ثمَّ أسلمت وثبتا عَلَى النِّكَاح، وَأسْلمت امْرَأَة عِكْرِمَة بن أبي جهل وامرأةُ صَفْوَان بن أُميَّة، ثمَّ أسلما، وكل ذَلِك وَنِسَاؤُهُمْ مَدْخُول بِهن لم تنقض عددهن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 630 الحَدِيث الثَّالِث «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ لفيروز الديلمي - وَقد أسلم عَلَى أُخْتَيْنِ -: اختر أَحدهمَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد [وَأَبُو دَاوُد] وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي وهب (دَيْلَم بن الهوشع كَمَا قَالَه (خَ، ت) أَو عَكسه، أَو عبيد بن شُرَحْبِيل، وَهُوَ مَا صَوبه ابْن يُونُس) - الجيشاني (من جيشان الْيمن) عَن الضَّحَّاك بن فَيْرُوز عَن أَبِيه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسلمت وتحتي أختَان؛ فَقَالَ: طلق أَيهمَا شِئْت» (هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «اختر أَيَّتهمَا شِئْت» ) زَاد ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» : «وطلق الْأُخْرَى» . وَلم أر هَذِه الزِّيَادَة فِيهِ، وَلَفظ ابْن مَاجَه: «إِذا رجعتَ فَطَلِّق إِحْدَاهُمَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ كَلَفْظِ أبي دَاوُد، وَلَفظ الشَّافِعِي «فَأمرنِي أَن أمسك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 631 أَيهمَا شِئْت وأفارق الْأُخْرَى» . وَلَفظ أَحْمد كَلَفْظِ أبي دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب، وَفِي سَنَده: ابْن لَهِيعَة. قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا بِلَفْظ أبي دَاوُد، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. قلت: ومداره عَلَى أبي وهب السالف، عداده فِي الْبَصرِيين، وَذكر الْعقيلِيّ لَهُ فِي «الضُّعَفَاء» هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: لَا يحفظ إِلَّا عَنهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّه مَجْهُول. قلت: قد وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : تفرد بِهِ (جرير) بن حَازِم، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن يزِيد بن أبي حبيب عَنهُ. قلت: لَا فقد أخرجه الشَّافِعِي، عَن ابْن أبي يَحْيَى، عَن إِسْحَاق عَنهُ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن إِسْحَاق عَنهُ، وَمن حَدِيث ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة، عَنهُ (وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث جرير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 632 وَمن حَدِيث قُتَيْبَة، عَن ابْن لَهِيعَة عَنهُ) وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن يَحْيَى، عَن ابْن لَهِيعَة عَنهُ. وَقَالَ البُخَارِيّ: دَيْلَم بن فَيْرُوز الْحِمْيَرِي، رَوَى عَنهُ ابْنه عبد الله فِي إِسْنَاده نظر، وَهَذَا مَعْدُود فِي أَوْهَام البُخَارِيّ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي؛ فَإِن ذَاك عبد الله بن فَيْرُوز الدَّيْلَمِي وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالْعجلِي، وَأعله ابْن الْقطَّان بأمرين (آخَرين، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد؛ لِأَن حَالَة الضَّحَّاك مَجْهُول، وَيَحْيَى بن أَيُّوب) الغافقي لَا يحْتَج بِهِ لسوء حفظه. قلت: أما الضَّحَّاك فقد رَوَى عَن أَبِيه وَله صُحْبَة، وَرَوَى عَنهُ جمَاعَة: أَبُو وهب الْمَذْكُور، وَعُرْوَة بن غزيَّة، وَكثير الصَّنْعَانِيّ. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأما يَحْيَى بن أَيُّوب فَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَبَعض هَذَا كافٍ، وَإِن قَالَ النَّسَائِيّ فِي حَقه: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَحْمد: سيئ الْحِفْظ وَهُوَ دون حَيْوَة. قلت: وَهُوَ أحد عُلَمَاء مصر. فَائِدَة: فَيْرُوز هَذَا مَاتَ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، وَهُوَ قَاتل الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 633 الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ولدت من نِكَاح لَا من سفاح» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: من طَرِيق ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَلّي (بن) عبد الْعَزِيز، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي نعيم، ثَنَا هشيم، حَدثنِي الْمَدِينِيّ، عَن أبي الْحُوَيْرِث، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مَا « (ولدني) من سفاح أهل الْجَاهِلِيَّة شَيْء مَا (ولدني) إِلَّا نِكَاح كَنِكَاح الْإِسْلَام» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» عَن (عَلّي) بن عبد الْعَزِيز ثمَّ قَالَ: الْمَدِينِيّ هُوَ عِنْدِي فليح بن سُلَيْمَان. كَذَا قَالَ، وَيحْتَمل أَن يكون إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى الضَّعِيف، أَو عبد الله بن أبي جَعْفَر (وَالِد) عَلّي بن الْمَدِينِيّ، وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا، وَأبي الْحُوَيْرِث (اسْمه:) عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة، مُخْتَلف فِيهِ، قَالَ مَالك، وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 634 وَقَالَ يَحْيَى والرازي: لَا [يحْتَج] بحَديثه (وَقَالَ مرّة: ثِقَة) وَقَالَ (أَحْمد) : رَوَى عَنهُ: سُفْيَان، وَشعْبَة، وَأنكر قَول مَالك. قلت: وَلم ينفردا بذلك، قَالَ أَبُو نعيم: ثَنَا هَارُون بن مُوسَى الْأَخْفَش الدِّمَشْقِي، ثَنَا سَلام بن [سُلَيْمَان] الْمَدَائِنِي، أبنا وَرْقَاء بن عمر، عَن ابْن أبي نجيح، عَن عَطاء وَمُجاهد، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «لم يلتق أبواي عَلَى سفاح، لم يزل الله عَزَّ وَجَلَّ - ينقلني من الأصلاب الطّيبَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة مصفى مهذبًا، وَلَا يتشعب شعبتان إِلَّا كنت فِي خيرهما» . قَالَ: وثنا [مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي، ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الْمروزِي، ثَنَا] مُحَمَّد بن عبد الله، حَدَّثَني أنس بن مُحَمَّد، ثَنَا مُوسَى بن عِيسَى، ثَنَا يزِيد بن أبي حَكِيم عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «لم يلتق أبواي عَلَى سفاح، لم يزل الله ينقلني من أصلاب طيبَة إِلَى أَرْحَام طَاهِرَة صافيًا مهذبًا، لَا تتشعب شعبتان إِلَّا كنت فِي خيرهما» ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 635 ثَانِيهَا: من طَرِيق عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - رَوَاهُ ابْن سعد والْحَارث بن أبي أُسَامَة من (هَذَا) الْوَجْه الْمَذْكُور بِلَفْظ: «خرجت من نِكَاح لَا من سفاح» أسْندهُ عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَلم يعله، وَفِيه الْوَاقِدِيّ! . ثَالِثهَا: من طَرِيق عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه أبي جَعْفَر الباقر «فِي قَوْله تَعَالَى: (لَقَدْ جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم) قَالَ: لم يصبهُ شَيْء من ولادَة الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنِّي خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْغفار بن الْقَاسِم، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيصٌ عليْكم بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيم) قَالَ: لم يصبهُ شَيْء من ولادَة الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خرجت من نِكَاح غير سفاح» . قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ أَبُو حَمْزَة، عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه مُرْسلا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 636 قلت: وَهَذَا الْمُرْسل قد وَصله ابْن عدي من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي عمر الْعَدنِي الْمَكِّيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عَلّي بن الْحُسَيْن قَالَ: أشهد عَلَى أبي حَدثنِي عَن أَبِيه، عَن جده عَلّي بن أبي طَالب أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح، من لدن آدم إِلَى أَن ولدني أبي وَأمي، وَلم يُصِبْنِي من سفاح الْجَاهِلِيَّة شَيْء» . رَابِعهَا: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر، وَفِي إِسْنَاده ضعف. خَامِسهَا: من طَرِيق أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عبد الله (بن [مُحَمَّد] بن ربيعَة المصِّيصِي) وَله عَن مَالك وَغَيره أَفْرَاد، وَلم يُتَابع عَلَيْهَا. وَذكره ابْن دحْيَة فِي «تنويره» من هَذَا الْوَجْه، وَفِيه انتساب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى نزار، وَلَفظه: «خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح» ثمَّ أعله بِعَبْد الله هَذَا، وَقَالَ: خرجه ابْن عدي وَابْن حبَان. ثمَّ ذكر عَن ابْن الْكَلْبِيّ أَنه قَالَ: «كتبت للنَّبِي (خَمْسمِائَة أمٍّ، فَمَا وجدت فِيهِنَّ سِفَاحًا وَلَا شَيْئا مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 637 الحَدِيث الْخَامِس «أَن غيلَان [أسلم] عَلَى عشر نسْوَة، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أمسك أَرْبعا مِنْهُنَّ وَفَارق سائرهن» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله فَرَاجعه مِنْهُ. تَنْبِيه: (هَذَا الحَدِيث) احْتَجُّوا بِهِ كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ أَنه إِذا قَالَ لوَاحِدَة مِنْهُنَّ: فارقتك، يكون فسخا، وَلَا دلَالَة فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اختر أَرْبعا فَإِذا (اخْتَار) اسْتَغنَى فِي المفارقات عَن لفظ فَتعين أَن يكون المُرَاد الْفِرَاق بِالْفِعْلِ لَا بالْقَوْل وَالْكَلَام، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا لم يتَقَدَّم اخْتِيَار المنكوحات، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِهَذَا اللَّفْظ. الحَدِيث السَّادِس «أَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة أسلم وَعِنْده خمس نسْوَة، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَارق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَأمْسك أَرْبعا. قَالَ: فَقدمت إِلَى أقدمهن ففارقتها» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أَيْضا فِي الْبَاب قبله. الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ فِي قصَّة فَيْرُوز الديملي «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: طلق (أَيَّتهمَا) شِئْت» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 638 هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب أَنه أسلم خلق كثير وَلم يسألهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن شُرُوط أنكحتهم، وأقرهم عَلَيْهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَعَن إِجْمَاع الصَّحَابَة أَنهم علمُوا من حَال الْمَجُوس أَنهم ينْكحُونَ الْمَحَارِم، وَمَا تعرضوا لَهُم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 639 بَاب مثبتات الْخِيَار ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث أَرْبَعَة. أَحدهَا «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تزوج بِامْرَأَة، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ رَأَى بكشحها (وضحًا) فَردهَا إِلَى أَهلهَا وَقَالَ: دلستم عليّ!» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الخصائص وَاضحا. الحَدِيث الثَّانِي «أَن بَرِيرَة أُعتقت، فَخَيرهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بَين الْمقَام مَعَه وَبَين أَن تُفَارِقهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث عُرْوَة وَالقَاسِم عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ زوج بَرِيرَة عبدا، فَخَيرهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَاخْتَارَتْ نَفسهَا. وَلَو كَانَ حرًّا لم يخيرها» . وَذكر ابْن حزم أَنه رُوِيَ عَن عُرْوَة خلاف هَذَا، فأسند من حَدِيث جرير، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ زوج بَرِيرَة حرًّا» قَالَ ابْن حزم: وَلَو كَانَ حرًّا لم يخيرها، يحْتَمل أَن يكون من كَلَام من دون عَائِشَة. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام عُرْوَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 640 قلت: وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من كَلَامه، وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا. قلت: والتخيير ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا، قَالَت: «كَانَ فِي بَرِيرَة ثَلَاث سنَن: خيرت عَلَى زَوجهَا حِين عتقت ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ زَوجهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، وَابْن عمر، وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم عبدا. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، أما رِوَايَة عَائِشَة فسلفت وَفِي «صَحِيح مُسلم» أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَ عبد الرَّحْمَن: وَزوجهَا حر. قَالَ شُعْبَة: ثمَّ سَأَلت عبد الرَّحْمَن عَن زَوجهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي أحر أم عبد. وَفِي بعض طرق الحَدِيث الصَّحِيح: «فَخَيرهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من زَوجهَا فَقَالَت: لَو أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبت عِنْده! قَالَ - يَعْنِي الْأسود بن يزِيد -: كَانَ زَوجهَا حرًّا» . وَأما ابْن عمر فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي حَفْص الْأَبَّار، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 641 عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: كَانَ زوج بَرِيرَة عبدا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا (من الْوَجْه الْمَذْكُور) وَأما رِوَايَة ابْن عَبَّاس فأخرجها البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِإِسْنَادِهِ عَنهُ «أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا يُقَال لَهُ: مغيث كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يطوف خلفهَا يبكي، ودموعه تسيل عَلَى لحيته، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للْعَبَّاس: يَا عَبَّاس، أَلا تتعجب من حب مغيث بَرِيرَة وَمن بغض بَرِيرَة مغيثًا؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو راجعتيه؟ قَالَت: يَا رَسُول الله، تَأْمُرنِي قَالَ: إِنَّمَا أَنا أشفع. قَالَت: لَا حَاجَة لي فِيهِ» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «إِن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا أسود لبني الْمُغيرَة يَوْم أعتقت بَرِيرَة، وَالله لكَأَنِّي بِهِ فِي طرق الْمَدِينَة ونواحيها، وَإِن دُمُوعه لتسيل عَلَى لحيته يَتَرَضَّاهَا لتختاره فَلم تفعل» قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. زَاد أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ: «وأمرها أَن تَعْتَد» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة نَافِع، عَن صفيَّة بنت أبي عبيد «أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ السالفة صَرِيحَة فِي بَقَاء عبوديته يَوْم الْعتْق، وَأما رِوَايَة الْأسود عَن عَائِشَة قَالَ: «كَانَ زوج بَرِيرَة حرًّا، فَلَمَّا أعتقت خَيرهَا عَلَيْهِ السَّلَام فَاخْتَارَتْ نَفسهَا» فَقَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه مُنْقَطع وَقَول ابْن عَبَّاس: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 642 كَانَ عبدا أصح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله «وَكَانَ حرًّا» هُوَ (من) قَول الْأسود لَا من قَول عَائِشَة، ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ مَا يدل لذَلِك، قَالَ: وَقد رَوَيْنَاهُ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، وَعُرْوَة بن الزبير وَمُجاهد، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن كلهم عَن عَائِشَة «أَنه كَانَ عبدا» ثمَّ ذكر (عَن) شُعْبَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَنه حر» ثمَّ قَالَ شُعْبَة: ثمَّ سَأَلته بعد فَقَالَ: لَا أَدْرِي أحر هُوَ أم عبد، ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ سماك بن حَرْب، عَن عبد الرَّحْمَن فَأثْبت كَونه عبدا. قلت: شُعْبَة إِمَام جليل حَافظ، وَقد رَوَى عَن عبد الرَّحْمَن (أَنه كَانَ حرًّا، فَلَا يضرّهُ نِسْيَان عبد الرَّحْمَن) وتوقفه عَلَى مَا تفرد فِي مَحَله، وَكَيف يُعَارض شُعْبَة سماك مَعَ كَونه متكلمًا فِيهِ، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يُؤَكد رِوَايَة سماك: حَدِيث أُسَامَة بن زيد، عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: إِن شِئْت أَن تقري تَحت هَذَا العَبْد» . قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقد رُوِيَ عَن الْأسود، عَن عَائِشَة «أَن زَوجهَا كَانَ عبدا» فاختلفت الرِّوَايَة عَن الْأسود، وَلم تخْتَلف عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره مِمَّن قَالَ: «كَانَ عبدا» وَقد جَاءَ عَن بَعضهم أَنه من قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعَن بَعضهم أَنه من قَول الحكم بن عتيبة، وَقَالَ البُخَارِيّ: قَول الحكم (مُرْسل) . قلت: فِي تَسْمِيَة هَذَا مُرْسلا (و) فِي (الْمُقدم) مُنْقَطِعًا نظر إِذْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 643 الْكَلَام الْمَوْقُوف عَلَى بعض الروَاة المدرج فِي الحَدِيث لَا يُسمى مُنْقَطِعًا وَلَا مُرْسلا. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَرَوَى الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَغَيره وَعمرَة وَغَيرهَا، عَن عَائِشَة «أَنه كَانَ عبدا وَالقَاسِم هُوَ ابْن أخي عَائِشَة، وَعُرْوَة هُوَ ابْن أُخْتهَا، وَكَانَا يدخلَانِ عَلَيْهَا بِلَا (خلاف) وَعمرَة كَانَت فِي حجر عَائِشَة، وَهَؤُلَاء أخص النَّاس بهَا، وَأَيْضًا فَإِن عَائِشَة كَانَت تذْهب إِلَى خلاف مَا رُوِيَ عَنْهَا، وَكَانَ رأيها أَنه لَا يثبت لَهَا الْخِيَار تَحت الْحر، قَالَ إِبْرَاهِيم، عَن أبي طَالب خَالف الْأسود بن يزِيد النَّاس فِي زوج بَرِيرَة، فَقَالَ (إِنَّه) حر. وَقَالَ النَّاس إِنَّه عبد. قلت: قَوْله خَالف النَّاس أَي جمهورهم فقد وَافقه عَلَى ذَلِك الْقَاسِم، وَعُرْوَة - فِي رِوَايَة - وَابْن الْمسيب كَمَا ذكره عبد الرَّزَّاق عَنهُ، قَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول لنا: أَيهمَا ترَوْنَ أثبت، عُرْوَة أَو إِبْرَاهِيم عَن الْأسود؟ ثمَّ قَالَ عَلّي: أهل الْحجاز أثبت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يُرِيد عَلّي، رِوَايَة عُرْوَة وَأَمْثَاله من أهل الْحجاز أصح من رِوَايَة أهل الْكُوفَة. وَقَالَ ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» : الْأَكْثَر فِي الرِّوَايَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 644 وَالأَصَح أَنه كَانَ عبدا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ - مَا ملخصه، لمَّا اخْتلفت الْآثَار -: وَجب التَّوْفِيق بَينهمَا وَالْحريَّة نعت الْحرَّة، وَلَا ينعكس فَيحمل عَلَى أَنه إِذا كَانَ حرًّا عِنْدَمَا خيرت عبدا قبله، وَلَو ثَبت أَنه عبد لَا يمْنَع كَون الْحر، كَذَلِك إِذْ لَيْسَ فِي شَيْء من الْآثَار أَنه إِنَّمَا خَيرهَا لكَونه عبدا. الحَدِيث الثَّالِث «أَن زوج بَرِيرَة كَانَ يطوف خلفهَا ويبكي خوفًا من أَن (تُفَارِقهُ) وَطلب من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يشفع إِلَيْهَا، فَلم تقبل وفارقته» . وَهَذَا الحَدِيث قد سلف حكمه عَن رِوَايَة البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن هشيم، أبنا خَالِد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما خيرت بَرِيرَة رَأَيْت زَوجهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة ودموعه تسيل عَلَى لحيته (فَكلم) الْعَبَّاس ليكلم فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -:) إِنَّه زَوجك. فَقَالَت: تَأْمُرنِي بِهِ يَا رَسُول الله؟ (فَقَالَ) إِنَّمَا (أَنا) شَافِع. فَخَيرهَا فَاخْتَارَتْ نَفسهَا، وَكَانَ عبدا لآل الْمُغيرَة يُقَال لَهُ: مغيث» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ «أَن مغيثًا كَانَ عبدا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، اشفع إِلَيْهَا. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا بَرِيرَة اتقِي الله فَإِنَّهُ زَوجك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 645 وَأَبُو ولدك. فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَنْت تَأْمُرنِي بذلك ... » الحَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لبريرة: إِن كَانَ قَرُبَكِ فَلَا خِيَار لَك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مِرفوعًا كَذَلِك سَوَاء، وَفِي إِسْنَاده (عنعنة) ابْن إِسْحَاق، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ «إِن وطئك فَلَا خِيَار لَك» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مثل ذَلِك. قلت: رَوَاهُ مَالك عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة بن الزبير «أَن مولاة لبني عدي بن كَعْب يُقَال لَهَا: زَبْرَاء، أخْبرته أَنَّهَا كَانَت تَحت عبد وَهِي أمة (نوبية) فأعتقت، قَالَت: فَأرْسلت إِلَى حَفْصَة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فدعتني، فَقَالَت: إِنِّي مخبرتك خَبرا وَلَا أحب أَن تصنعي شَيْئا، إِن أَمرك بِيَدِك مَا لم يَمسك زَوجك. قَالَت: ففارقته ثَلَاثًا» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي وَقَالَ: لَا أعلم فِي تَوْقِيت الْخِيَار شَيْئا يسمع إِلَّا قَول حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مِا لم يصبهَا كَذَا فِي «الْمُخْتَصر» . وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ ذَلِك من رِوَايَة الرّبيع فِي أمالي النِّكَاح وَفِيه «مَا لم يَمَسهَا» . فَائِدَة: سلف أَن زوج بَرِيرَة اسْمه: مغيث، وَهُوَ بالغين الْمُعْجَمَة، وَقيل: بِالْمُهْمَلَةِ ثمَّ تَاء مثناة فَوق، وَقيل: اسْمه مقسم، وَالْأول أشهر، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 646 وَقد أسلفنا أَنه كَانَ (عبدا) لبني الْمُغيرَة أَو لآل بني (أَحْمد، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِنَّه كَانَ عبدا لبَعض بني مُطِيع وبريرة كَانَت مولاة لبَعض بني) هِلَال وكاتبوها وباعوها. وَذكر فِيهِ من الْآثَار عَن عمر أَنه قَالَ: «أَيّمَا رجل تزوج امْرَأَة وَبهَا جُنُون أَو جذام أَو برص ومسها فلهَا صَدَاقهَا كَامِلا، و (ذَلِك) لزَوجهَا غرم عَلَى وَليهَا» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» عَنهُ، عَن يَحْيَى بن سعيد، (عَن سعيد) بن الْمسيب، عَن عمر بِهِ، وَذكر مَالك أَن ابْن الْمسيب ولد بِنَحْوِ ثَلَاث سِنِين مَضَت من خلَافَة عمر وَأنكر سَمَاعه مِنْهُ، وَقَالَ ابْن معِين: لم يثبت سَمَاعه مِنْهُ. وَذكر فِيهِ أَيْضا عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أجل الْعنين سنة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يُؤَجل سنة» وَقَالَ فِيهِ: «لَا أعلمهُ إِلَّا من يَوْم يرفع إِلَى السُّلْطَان» وَفِي رِوَايَة عَنهُ «أَنه قَالَ فِي الْعنين: يُؤَجل سنة؛ فَإِن قدر عَلَيْهَا وَإِلَّا فرق بَينهمَا، وَلها الْمهْر وَعَلَيْهَا الْعدة» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَتَابعه الْعلمَاء عَلَيْهِ. قلت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عَلّي والمغيرة (بن) شُعْبَة، لَكِن عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 647 عُثْمَان وَمُعَاوِيَة «أَنه لَا يُؤَجل» وَعَن النَّخعِيّ: أَنه يُؤَجل. وَلم (يحد) حدًّا. وَعَن الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة «أَنه أجل (رجلا) لم يسْتَطع أَن يَأْتِي (امْرَأَته) عشرَة أشهر» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 648 بَاب فِيمَا يملك الزَّوْج من الاستمتاعات ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَة أَحَادِيث: أَحدهَا «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَن الْوَطْء فِي الدبر، فَقَالَ: فِي أَي الخربتين؟ أَمن دبرهَا فِي قبلهَا فَنعم. أَو من دبرهَا فِي دبرهَا فَلَا، إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي أَنا عمي مُحَمَّد (بن عَلّي) بن شَافِع، أَخْبرنِي عبد الله بن عَلّي بن السَّائِب، عَن عَمْرو بن أحيحة بن الجلاح - أَو عَن عَمْرو بن فلَان بن أحيحة بن الجلاح، قَالَ الشَّافِعِي: أَنا شَككت - عَن خُزَيْمَة بن ثَابت «أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن - أَو إتْيَان الرجل امْرَأَته فِي دبرهَا - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حَلَال. فَلَمَّا ولَّى الرجل دَعَاهُ - أَو أَمر بِهِ - فدعي، فَقَالَ: كَيفَ قلتَ؟ فِي أَي الخربتين - أَو فِي الخرزتين، أَو فِي أَي الخصفتين - أَمن دبرهَا فِي قبلهَا فَنعم، أم من دبرهَا فِي دبرهَا فَلَا، إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن» . قَالَ الشَّافِعِي: عمي ثِقَة، وَعبد الله بن عَلّي ثِقَة، وَقد أَخْبرنِي مُحَمَّد عَن الْأنْصَارِيّ الْمُحدث بهَا: أَنه أَثْنَى عَلَيْهِ خيرا، وَخُزَيْمَة مِمَّن لَا يشك عَالم فِي ثقته (فلست) أرخص فِيهِ؛ بل أنهَى عَنهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 649 تَابعه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الشَّافِعِي، عَن مُحَمَّد بن عَلّي، وَقَالَ عَمْرو بن أحيحة بن الجلاح. لم يشك. فَائِدَة: الخربتان تَثْنِيَة خربة، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهِي الثقبة. وَهُوَ كَمَا قَالَ (قَالَ) الْجَوْهَرِي: الخربة كل ثقب مستدير. قَالَ: والخربة أَيْضا ثقب الورك، والخرب مثله، وَكَذَلِكَ الخرابة - بِالتَّخْفِيفِ - وَقد تشدد. قَالَ الْأَزْهَرِي: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام بخربتيها: مسلكيها، وأصل الخربة (عُرْوَة المزادة) فنشبه الثقب بهَا. قَالَ ابْن دَاوُد: وَخرب الفأس ثقبه الَّذِي فِيهِ النّصاب، قَالَ الْخطابِيّ: كل ثقب مستدير خربة، وَأما الخرزتين فَهِيَ الثقبة الَّذِي يثقبه الخراز بسراده ليحوزه، كنى بِهِ عَن المأتى، وَكَذَلِكَ الخصفتان من قَوْلك خصفت الْجلد عَلَى الْجلد إِذا خرزته مطابقًا، والسراد المخصف. فَائِدَة ثَانِيَة: قَوْله: «لَا يستحيي من الْحق» قَالَ الرَّافِعِيّ: أَي لَا يتْرك شَيْئا مِنْهُ؛ لِأَن من استحيا من شَيْء تَركه، قَالَ: وَقيل: لَا يستبقي شَيْئا مِنْهُ، من قَوْله تَعَالَى: (ويستحيون نساءكم) أَي: يستبقونهن. الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَلْعُون من أَتَى الْمَرْأَة فِي دبرهَا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 650 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بأسانيد مُخْتَلفَة، وَهَذَا لفظ أبي دَاوُد. وَلَفظ أَحْمد - فِي إِحْدَى رواياته -: «الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا (لَا ينظر الله إِلَيْهِ» وَفِي لفظ لَهُ كَلَفْظِ أبي دَاوُد، وَلَفظ ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ فِي إِحْدَى روايتيه «لَا ينظر الله إِلَى رجل يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا) ، (و) لَفظه فِي الْأُخْرَى «اسْتَحْيوا من الله حق الْحيَاء، لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى «من أَتَى حَائِضًا أَو امْرَأَة فِي دبرهَا أَو كَاهِنًا فَصدقهُ؛ فقد كفر بِمَا أنزل الله عَلَى مُحَمَّد» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث حَكِيم الْأَثْرَم، عَن أبي تَمِيمَة، عَن أبي هُرَيْرَة. قلت: وَحَكِيم هَذَا لَا يُعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير (قَالَه) أَبُو أَحْمد، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَا يُعرف لأبي تَمِيمَة سَماع من أبي هُرَيْرَة. وسُئل ابْن الْمَدِينِيّ عَن حَكِيم فَقَالَ: أعيانا هَذَا، وَأعله ابْن الْقطَّان من وَجه آخر مَوْجُود فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَإِحْدَى رِوَايَات النَّسَائِيّ فَقَالَ: هُوَ من رِوَايَة سُهَيْل بن أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 651 صَالح، عَن الْحَارِث بن مخلد، عَن أبي هُرَيْرَة، والْحَارث هَذَا رَوَى عَنهُ سُهَيْل وَبشر بن سعيد وَلم يعرف حَاله وأعل رِوَايَة النَّسَائِيّ الثَّانِيَة بِعَبْد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ، فَإنَّ البستي: قَالَ إِنَّه تفرد بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن بن شُرَحْبِيل، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. و [قَالَ أَبُو حَاتِم:] هُوَ صَدُوق وَلكنه أروى النَّاس عَن الضُّعَفَاء والمجهولين. قَالَ: وَكَانَ فِي حد لَو أَن رجلا وضع لَهُ حَدِيثا لم يفهم وَلم يُمَيّز. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَحق هَذَا الحَدِيث أَن يكون حسنا. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «من أَتَى شَيْئا من الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الأدبار فقد كفر» وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم الْحَافِظ «من نكح امْرَأَة فِي دبرهَا حشره الله يَوْم الْقِيَامَة أنتن من الجيفة» وَفِي رِوَايَة لِلْحَارِثِ بن أبي أُسَامَة: «من نكح امْرَأَة فِي دبرهَا أَو رجلا أَو صبيًّا حشر يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ أنتن من الجيفة يتَأَذَّى بِهِ النَّاس حَتَّى يدْخل نَار جَهَنَّم، وأحبط الله أجره، وَلَا يقبل مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا، وَيدخل فِي تَابُوت من نَار وتشد عَلَيْهِ مسامير من حَدِيد حَتَّى تشبك تِلْكَ المسامير فِي جَوْفه، فَلَو وضع عرق من عروقه عَلَى أَرْبَعمِائَة أمَّة لماتوا وَهُوَ (من) أَشد النَّاس عذَابا» (و) فِي إِسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة دَاوُد بن المحبر، وَهُوَ مَعْرُوف الْحَال وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة) هَذَا لم يثبت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 652 قلت: وَرُوِيَ النَّهْي عَن ذَلِك أَيْضا من حَدِيث جماعات من الصَّحَابَة خُزَيْمَة بن ثَابت، وَعمر، وَعلي، وَعلي بن طلق، وطلق بن عَلّي، وَابْن مَسْعُود، وَجَابِر، وَابْن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَابْن عَبَّاس، والبراء بن عَازِب، وَعقبَة بن عَامر، وَأنس، وَأبي ذَر. أما حَدِيث خُزَيْمَة فسلف مطولا وَأخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَنهُ مُخْتَصرا بِلَفْظ: «إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن» هَذَا لَفظهمْ إِلَّا أَحْمد فِي إحدي روايتيه؛ فَإِن لَفظه «لَا يستحيي الله من الْحق - ثَلَاثًا - لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان كَالْأولِ إِلَّا أَنه قَالَ: «أعجازهن» بدل «أدبارهن» وَهُوَ سَوَاء وَأخرج هَذِه الرِّوَايَة الْحَاكِم فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» . وَأما حَدِيث عمر؛ فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث عبد الله بن شَدَّاد وَعبد الله بن يزِيد عَنهُ مَرْفُوعا «إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن» وَفِي إِسْنَاده: زَمعَة بن صَالح، وَفِيه مقَال، أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بآخر، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين مرّة: صُوَيْلِح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 653 الحَدِيث. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده، وَأخرجه الْبَزَّار فِي «مُسْنده» قَالَ: لَا نعلمهُ يروي عَن عمر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَأما حَدِيث عَلّي؛ فَأخْرجهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبد الْملك بن مُسلم الْحَنَفِيّ، عَن أَبِيه، عَنهُ مَرْفُوعا «لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن» . وَقَالَ مرّة: «فِي أدبارهن» وَأخرجه الْخَطِيب أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ وَزِيَادَة: «فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق» . وَأما حَدِيث عَلّي بن طلق؛ فَأخْرجهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عِيسَى بن حطَّان [عَن مُسلم بن سَلام] عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن؛ فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق» حسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث (مُسلم) بن سَلام عَنهُ. وَأما حَدِيث طلق بن عَلّي؛ فَأخْرجهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 654 عيسي بن حطَّان، عَن مُسلم الْمَذْكُور، عَن طلق مَرْفُوعا بِمثل الَّذِي قبله سَوَاء. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود؛ فَأخْرجهُ ابْن عدي من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن» . وَأما حَدِيث جَابر؛ فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَنهُ مَرْفُوعا «اسْتَحْيوا؛ فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق، لَا يحل لَك مأتاك النِّسَاء فِي حشوشهن» وَفِي رِوَايَة ابْن شاهين: «اسْتَحْيوا؛ فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق، لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي حشوشهن» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي لَا يحل مأتى النِّسَاء فِي حشوشهن» وَفِي رِوَايَة (لَهُ) : «اتَّقوا محاش النِّسَاء» . فَائِدَة: الحشوش جمع حش، وَجمع الحش بِالْفَتْح وَالضَّم عَلَى حشائش، وَهُوَ الكنيف والموضع الَّذِي يُقضى فِيهِ الْحَاجة، فشبَّه أدبار النِّسَاء بِهن؛ لِأَنَّهُنَّ فِي معناهن، وَرُوِيَ فِي محاشهن وَلم يذكر صَاحب «ضِيَاء الحلوم» غَيره وَقَالَ: هِيَ جمع محشة، وَهِي الدبر. قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 655 الْأَزْهَرِي: وَيُقَال أَيْضا بِالسِّين الْمُهْملَة كنى عَن المحاش بالأدبار كَمَا كنى بالحشوش عَن مَوَاضِع الْغَائِط. وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو؛ فَأخْرجهُ أَحْمد من حَدِيث قَتَادَة عَن عَمْرو شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا هِيَ اللوطية الصُّغْرَى» وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَلَفظه: «سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا، فَقَالَ: تِلْكَ اللوطية الصُّغْرَى» قَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا صَوَابه عَلَى التَّشْبِيه بِعَمَل قوم لوط، وَرَوَاهُ بعض أَصْحَابنَا بِلَفْظ «الْوَطْأَة الصُّغْرَى» وَهُوَ خطأ فَاحش، وَفِيه مَا يُوهم إِبَاحَة ذَلِك الْفِعْل. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس؛ فَأخْرجهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث حَنش عَنهُ قَالَ: «أنزلت هَذِه الْآيَة: (نِسَاؤُكُمْ حرث لكم) فِي أنَاس من الْأَنْصَار أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَهُم: يَأْتِيهَا عَلَى كل حَال إِذا كَانَ فِي الْفرج» . وَرَوَاهُ من حَدِيث سعيد بن جُبَير (عَنهُ) قَالَ: «جَاءَ عمر بن الْخطاب إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَلَكت! قَالَ: وَمَا الَّذِي أهْلكك؟ قَالَ: حولت رحلي البارحة! قَالَ: فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا. قَالَ: فَأَوْحَى الله إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْآيَة فِيمَا ذكر: (نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم) أقبل وَأدبر وَاتَّقِ الدبر والحيضة» وَرَوَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 656 التِّرْمِذِيّ من حَدِيث كريب عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا ينظر الله إِلَى رجل أَتَى رجلا أَو امْرَأَة فِي الدبر» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد أحسن من هَذَا الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بلفظين: أَحدهمَا هَذَا. وَثَانِيهمَا: بِلَفْظ: «لَا ينظر الله إِلَى رجل أَتَى امْرَأَة فِي دبرهَا» ثمَّ قَالَ رَفعه وَكِيع، عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان. وَعَزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» إِلَى النَّسَائِيّ وَقَالَ: رِجَاله رجال الصَّحِيح. وَأما حَدِيث الْبَراء؛ فَأخْرجهُ ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث حَنْظَلَة بن أبي (سُفْيَان) عَن أَبِيه، عَنهُ مَرْفُوعا: «كفر بِاللَّه الْعَظِيم عشرَة من هَذِه الْأمة: الْقَاتِل، والساحر، والديوث، وناكح الْمَرْأَة فِي دبرهَا، ومانع الزَّكَاة، وَمن وجد سَعَة وَمَات وَلم يحجّ، وشارب الْخمر، والساعي فِي الْفِتَن، وبائع السِّلَاح من أهل الْحَرْب، وَمن نكح ذَات محرم مِنْهُ» . وأمَا حَدِيث عقبَة بن عَامر؛ فَأخْرجهُ ابْن عدي من حَدِيث مشرح بن هاعان عَنهُ مَرْفُوعا «مَلْعُون من يَأْتِي النِّسَاء فِي محاشهن - يَعْنِي أدبارهن» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 657 وَفِي رِوَايَة للعقيلي: «لعن الله الَّذين يأْتونَ النِّسَاء فِي محاشهن» قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : فَسَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَأما حَدِيث أنس؛ فَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «مُعْجَمه» من حَدِيث ابْن عَرَفَة، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن (يزِيد) الرقاشِي، عَن أنس مَرْفُوعا «إِن الله لَا يستحيي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن ائتوهنّ من حَيْثُ أَمركُم الله» . وَأخرجه شُعْبَة من حَدِيث عِيسَى بن حطَّان، عَن مُسلم بن سَلام، عَن طلق بن يزِيد - أَو يزِيد بن طلق - أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي استاههن» . وَأما حَدِيث أبي ذَر؛ فَأخْرجهُ ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَنهُ مَرْفُوعا «من أَتَى الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أدبارهنّ فقد كفر» . وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو حنيفَة (عَن حميد) الْأَعْرَج، عَن رجل، عَن أبي ذَر مَرْفُوعا: «حرَام أَن تُؤْتَى النِّسَاء، فِي (أعجازهن) » قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 658 وَلم يُتَابع أَبُو حنيفَة (عَلَى هَذَا) . فَهَذِهِ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا يعضد بَعْضهَا بَعْضًا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: لَيْسَ فِيهِ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم حَدِيث ثَابت وَالْقِيَاس (أَنه حَلَال) يُرِيد غلط سُفْيَان فِي حَدِيث ابْن الْهَاد - يَعْنِي حَدِيث خُزَيْمَة السالف - وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: هَذَا قَالَه مُحَمَّد حِين انْتقل عَن مذْهبه إِلَى مَذْهَب مَالك نُصرةً لمذهبه. قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: وَغَيره؛ وَقد نَص عَلَى ذَلِك مَالك فِي كتاب السّير يروي ذَلِك عَنهُ أهل مصر وَالْمغْرب. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: رَوَى أصبغ، عَن ابْن الْقَاسِم، عَن مَالك أَنه قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أقتدي بِهِ فِي دين يَشك فِيهِ أَنه حَلَال، لَكِن المتبعين لَهُ الْآن يُنكرُونَ هَذَا الْمَذْهَب (بل قَالَ الإِمَام: قد راجعت فِي ذَلِك مَشَايِخ من مَذْهَب مَالك) يوثق بهم، فَلم يرو هَذَا مذهبا لمَالِك. قلت: وَرَوَى الْخَطِيب فِي «كتاب الروَاة» عَن مَالك بِإِسْنَادِهِ إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 659 إِسْرَائِيل بن روح، قَالَ: «سَأَلت مَالِكًا، قلت: يَا أَبَا عبد الله، مَا تَقول فِي إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن؟ قَالَ: مَا أَنْتُم قوم عرب هَل يكون الْحَرْث إلاّ مَوضِع الزَّرْع، أما تَسْمَعُونَ الله يَقُول: (نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أنّى شِئْتُم) قَائِمَة وَقَاعِدَة وَعَلَى جنب، وَلَا تعدوا الْفرج. قلت: يَا أَبَا عبد الله، إِنَّهُم يَقُولُونَ: أَنَّك تَقول ذَلِك! قَالَ: يكذبُون عليّ يكذبُون عليّ، يكذبُون عليّ!» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة بنت قيس: « (لَا، حَتَّى) تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم (بَيَانه) مَبْسُوطا فِي بَاب النَّهْي عَن أَن يخْطب الرجل عَلَى خطْبَة أَخِيه. الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فيْ الْعَزْل: إِنَّه الوأد الْخَفي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة جدامة بنت وهب قَالَ: «حضرت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أنَاس وَهُوَ يَقُول: لقد هَمَمْت أَن أنهَى عَن الغيلة. فَنَظَرت فِي الرّوم وَفَارِس، فَإِذا هم يغيلون أَوْلَادهم فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 660 يضر أَوْلَادهم (ذَلِك) شَيْئا ثمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْل، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ذَلِك الوأد الْخَفي وَهِي (وَإِذا الموءُودة سُئِلت) » . فَائِدَة: يغيلون - بِضَم الْيَاء - وجدامة - بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَمن قَالَ بِمُعْجَمَة فقد صحّف. (وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «رجال الصَّحِيحَيْنِ» هِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَالَ: وَقد يُقَال بِالْمُهْمَلَةِ والمخففة. ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عمر الْمُطَرز أَنه قَالَ: إِنَّمَا هِيَ بِالْمُهْمَلَةِ الْمُشَدّدَة قَالَ: والجدامة: السعفة، وَجَمعهَا: جدام) . قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : وَإِسْلَام جدامة كَانَ عَام الْفَتْح. أَي: فَيكون مَا تضمنته رِوَايَتهَا آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَيعْمل بهَا. الحَدِيث الْخَامِس عَن جَابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كُنَّا نعزل عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم ينهنا» . هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كُنَّا نعزل عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْقُرْآن ينزل» وَأخرجه البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 661 الحَدِيث السَّادِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَلْعُون من نكح يَده» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى تَحْرِيم الاستمناء، وَهُوَ غَرِيب لَا يحضرني من خرجه، وَفِي جُزْء الْحسن بن عَرَفَة: ثَنَا عَلّي بن ثَابت الجرزي، عَن مسلمة بن جَعْفَر، عَن حسان بن حميد، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «سَبْعَة لَا ينظر الله إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَا يجمعهُمْ مَعَ الْعَالمين، ويدخلهم النَّار أول الداخلين إِلَّا أَن يتوبوا إِلَّا أَن يتوبوا إِلَّا أَن يتوبوا؛ فَمن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ: الناكح يَده، وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ، ومدمن الْخمار، والضارب (أَبَوَيْهِ) حَتَّى يستغيثا، والمؤذي [جِيرَانه] حَتَّى يلعنوه، والناكح حَلِيلَة جَاره» . وَهَذَا حَدِيث غَرِيب وَإِسْنَاده لَا يثبت بِمثلِهِ حجَّة: حسان بن حمير مَجْهُول، ومسلمة وَعلي ضعفهما الْأَزْدِيّ من أجل هَذَا الحَدِيث، وَسَاقه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَحسان لَا يُعرف (وَلَا مسلمة) ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 662 من حَدِيث (بَقِيَّة) عَن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ، عَن أبي جناب الْكَلْبِيّ، عَن ابْن عُمَيْر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه «أهلك الله - عَزَّ وَجَلَّ - أمة كَانُوا يعبثون بذكورهم» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِشَيْء؛ إِسْمَاعِيل مَجْهُول، وَأَبُو جناب ضَعِيف. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يطوف عَلَى نِسَائِهِ بِغسْل وَاحِد وَهن تسع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - (كَمَا سلف وَاضحا فِي الْغسْل) وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» عَنهُ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يطوف عَلَى تسع نسْوَة فِي ضحوة» (هَذَا) آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَذكر فِيهِ من الْآثَار عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أَنَّهُمَا قَالَا: «تستأذن الْحرَّة فِي الْعَزْل» . أما أثر ابْن مَسْعُود؛ فَلَا يحضرني من خرجه عَنهُ، نعم؛ قَالَ ابْن حزم: قد جَاءَت الْإِبَاحَة للعزل فِي أَخْبَار صَحِيحَة عَن جَابر وَابْن عَبَّاس وَسعد بن أبي وَقاص وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود، فِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الشّعبِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا أُبَالِي عزلت أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 663 برقتْ. قَالَ: وَكَانَ صَاحب (هَذِه) الدَّار يكرههُ - يَعْنِي: ابْن مَسْعُود» . وَأما أثر ابْن عَبَّاس؛ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «نهي عَن عزل الحرّة إِلَّا بِإِذْنِهَا» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: «يعْزل عَن الْأمة، وتستأمر الْحرَّة» ثمَّ رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم وَمَنْصُور مثله، وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن عمر: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن عزل الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا» وَفِي إِسْنَاده: ابْن لَهِيعَة، وَقد عَلِمت حَاله. بَاب فِي وَطْء الْأَب جَارِيَة ابْنه وَبيع الْأمة الْمُزَوجَة وَذكر فِيهِ عَن عَائِشَة «أَنَّهَا أشترت بَرِيرَة وَلها زوج فأعتقتها، فَخَيرهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَو فسخ النِّكَاح لما خَيرهَا» . وَهَذَا الحَدِيث قد سلف بَيَانه فِي بَاب مثبتات الْخِيَار وَاضحا، وَذكر فِيهِ أَيْضا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك» . وَهَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَصَحهَا: طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن رَجُلاً أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُخَاصم أَبَاهُ فِي دين عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنْت وَمَالك لأَبِيك» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم التَّاجِر، حَدثنَا حُصين بن الْمثنى [الْمروزِي] ثَنَا الْفضل بن مُوسَى، عَن عبد الله بن كيسَان، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَذكره عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 664 صَاحب «الْإِلْمَام» وَأقرهُ عَلَيْهِ. ثَانِيهَا: طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن لي مَالا وَولدا، وَإِن أَبي يُرِيدُ أَن يَجْتَاح مَالِي! فَقَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن هِشَام بن عمار، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس، ثَنَا يُوسُف بن إِسْحَاق السبيعِي، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح جَليِلُ، وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ: أَن إِسْنَاده ثِقَات، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله بن يُوسُف، ثَنَا [عِيسَى] بن يُونُس ... فَذكره. وَرَوَاهُ ابْن صاعد، عَن الْحُسَيْن بن الْحُسَيْن الْمروزِي، عَن عِيسَى بن يُونُس. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه غَرِيب من حَدِيث يُوسُف بن إِسْحَاق، عَن ابْن الْمُنْكَدر، تفرد بِهِ عِيسَى بن يُونُس عَنهُ. قَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد: وغرابة الحَدِيث والتفرد بِهِ لَا يُخرجهُ عَن الصِّحَّة؛ فَإِن البُخَارِيّ رَوَى فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 665 مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر رَفعه: «من قَالَ إِذا فرغ النداء اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: غَرِيب من حَدِيث مُحَمَّد عَنهُ تفرد بِهِ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَلَا نعلم رَوَاهُ عَنهُ غير عَلّي بن عَيَّاش الْحِمصِي، وَحَدِيث الاستخارة رَوَاهُ البُخَارِيّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: غَرِيب من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي، عَن مُحَمَّد [عَن] جَابر، قَالَ: وَهُوَ صَحِيح عَنهُ. وَحَدِيث «رحم الله رجلا سَمْحًا إِذا بَاع» قَالَ: تفرد بِهِ أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف، عَن مُحَمَّد. وَحَدِيث «كل مَعْرُوف صَدَقَة» تفرد بِهِ عَلّي بن عَيَّاش، عَن أبي غَسَّان، عَن مُحَمَّد أخرجهَا البُخَارِيّ فِي «كِتَابه» وَذكر هَذَا الحَدِيث عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه (عَن جده) وَسَيَأْتِي، ثمَّ قَالَ: وَقد صَحَّ من طَرِيق آخر ذكره الْبَزَّار. قَالَ [ابْن الْقطَّان] : وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْبَزَّار عَن مُحَمَّد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 666 (بن يَحْيَى) بن عبد الْكَرِيم الْأَزْدِيّ (ثَنَا عبد الله بن دَاوُد) عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك» ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا يرْوَى عَن هِشَام عَن ابْن الْمُنْكَدر مُرْسلا وَلَا يعلم أسْندهُ هَكَذَا [إِلَّا عُثْمَان] بن عُثْمَان الْغَطَفَانِي، وَعبد الله بن دَاوُد. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَمن صَحِيح هَذَا الْبَاب حَدِيث ذكره بَقِي بن مخلد، ثَنَا هِشَام بن عمار، ثَنَا عِيسَى بن يُونُس ... فَذكره كَمَا سَاقه ابْن مَاجَه سندًا ومتنًا. قلت: وَرِوَايَة الْمُرْسل أخرجهَا الشَّافعي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر «أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن لي مَالا وعيالاً، وَإِن لأبي مَالا وعيالاً يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي فيطعمه عِيَاله! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَنْت وَمَالك لأَبِيك» . قَالَ الشَّافِعِي: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر غَايَة فِي الثِّقَة وَالْفضل فِي الدَّين والورع، وَلَكنَّا لَا نَدْرِي عَمَّن قيل هَذَا الحَدِيث، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هُوَ مُنْقَطع، قَالَ: وَقد رُوِيَ من أوجه مَوْصُولا لَا يثبت مثلهَا. قلت: قد ثَبت بَعْضهَا كَمَا سلف، وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : قد رَوَى بعض النَّاس هَذَا الحَدِيث مَوْصُولا بِذكر جَابر فِيهِ وَهُوَ خطأ. قَالَ: وَقَوله: «إِن لي مَالا وَوَلَدًا» لَيْسَ فِي رِوَايَة من وصل هَذَا الحَدِيث من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 667 طَرِيق آخر، عَن عَائِشَة وَلَا فِي أَكثر الرِّوَايَات عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَن أَبِيه (أَن هَذَا) أشبه من الَّذِي قبله (وَأَن) ذكر جَابر فِيهِ خطأ. الطَّرِيق الثَّالِث: طَرِيق عبد الله بن مَسْعُود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لرجل: أَنْت وَمَالك لأَبِيك» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» «وأصغرها» عَن أبي زيد أَحْمد بن يزِيد (الحوطي) ثَنَا عَلّي بن عَيَّاش الْحِمصِي، ثَنَا مُعَاوِيَة بن يَحْيَى، عَن إِبْرَاهِيم [بن] عبد الحميد بن [ذِي حماية] عَن غيلَان بن جَامع، عَن حَمَّاد (عَن) إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة عَنهُ مَرْفُوعا بِهِ، قَالَ فِي أَصْغَر معاجمه: لَا يرْوَى عَن ابْن مَسْعُود إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، تفرد (بِهِ) إِبْرَاهِيم بن عبد الحميد، وَكَانَ من ثِقَات الْمُسلمين. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ حَمَّاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 668 عَن [إِبْرَاهِيم عَن] الْأسود، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه ... » . الطَّرِيق الرَّابِع: طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتَعَدَّى عَلَى وَالِده، قَالَ: إِنَّه أَخذ مني مَالِي! فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما علمت أَنَّك وَمَالك من كسب أَبِيك؟» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة، ثَنَا وهب بن يَحْيَى بن زِمَام العلاف، ثَنَا مَيْمُون بن زيد، عَن عمر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر بِهِ. الطَّرِيق الْخَامِس: طَرِيق الْحسن، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إنَّ أَبِي اجْتَاح مَالِي! فَقَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك، وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «جَاءَ شَاب من الْأَنْصَار» وَقَالَ: «يَأْخُذ مَالِي» بدل «اجتاح مَالِي» . ثمَّ قَالَ: فِي هَذَا الْبَاب أَحَادِيث من غير هَذَا الْوَجْه وفيهَا لين، وَبَعضهَا أحسن من بعض، وَمن أحْسنهَا حَدِيث الْأَعْمَش، عَن مَنْصُور، عَن عمَارَة بن عُمَيْر، عَن عمته، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «أَوْلَادكُم من كسبكم؛ فَكُلُوا من كسب أَوْلَادكُم» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 669 قلت: وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَسَيَأْتِي فِي كتاب النَّفَقَات - إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الطَّرِيق السَّادِس: طَرِيق عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب أَظُنهُ عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر فَذكره، فَقَالَ: هَذَا خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: أخرجه كَذَلِك أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَذكره الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث مطر، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن أبي يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي! قَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك» ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عمر هَكَذَا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد رَوَاهُ غير مطر، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. الطَّرِيق السَّابِع: عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: «حضرت أَبَا بكر الصّديق فَقَالَ لَهُ رجل: يَا خَليفَة رَسُول الله، هَذَا يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي كُله ويجتاحه! فَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 670 لَهُ أَبُو بكر: (إِنَّمَا لَك) من مَاله مَا يَكْفِيك، فَقَالَ: يَا خَليفَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَلَيْسَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) : أَنْت وَمَالك لأَبِيك؟ فَقَالَ أَبُو بكر: ارْض بِمَا رَضِي الله» . رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» وَفِي إِسْنَاده: الْمُنْذر بن زِيَاد الطَّائِي الْبَصْرِيّ، قَالَ عَمْرو بن عَلّي: كَانَ كذَّابًا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك لَهُ مَنَاكِير. قَالَ: وَيُقَال فِيهِ: زِيَاد بن الْمُنْذر، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْذر بن زِيَاد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضَعِيف. قلت: وَلِحَدِيث عَائِشَة السَّالِف طَرِيق آخر، ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَنْهَا قَالَت: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لرجل: رد عَلَى أَبِيك [مَا حبست عَنهُ] فَإِنَّمَا أَنْت وَمَالك سهم من كِنَانَته» ثمَّ قَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هُوَ (مُرْسل) مُنكر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رُوِيَ مَوْصُولا ومرسلاً، وَهُوَ أصح. فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : مَعْنَى الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام زجر عَن مُعَامَلَته أَبَاهُ بِمَا يُعَامل بِهِ الأجنبيين، وَأمر ببره والرفق بِهِ فِي القَوْل وَالْفِعْل مَعًا، إِلَى أَن يصل إِلَيْهِ مَاله، فَقَالَ لَهُ: «أَنْت وَمَالك لأَبِيك» لَا أَن مَال الابْن يملكهُ أَبوهُ فِي حَيَاته من غير طيب نَفْس من الابْن. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 671 الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : من زعم أَن مَال الْوَلَد لِأَبِيهِ احْتج بِظَاهِر هَذِه الْأَحَادِيث، وَمن زعم أَنه لَهُ من مَاله مَا يَكْفِيهِ إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ؛ فَإِذا اسْتَغنَى عَنهُ لم يكن للْأَب من مَاله شَيْء، احْتج بالأخبار الَّتِي وَردت فِي تَحْرِيم مَال الْغَيْر، وَأَنه لَو مَاتَ وَله ابْن لم يكن للْأَب من مَاله إِلَّا السُّدس، وَلَو كَانَ أَبوهُ يملك مَال ابْنه لحازه كُله، قَالَ: وَيروَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «كل أحد أَحَق بِمَالِه من وَالِده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ» . ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ وَرَوَى بعده حَدِيث أبي بكر السالف. وَقَالَ صَاحب «الْمُهَذّب» فِي كتاب النَّفَقَات: لم يذهب أحدٌ من الفقهاءِ إِلَى إباحةِ المالِ لوالدهِ بِغَيْر سَبَب فِيمَا يُعلم. قَالَ: وَمَعْنى يجتاح مَالِي: يستأصله، وَمِنْه الْجَائِحَة. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : ذكر أَبُو بكر الْبَزَّار وَغَيره أَن هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِآيَة الْمِيرَاث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 672 كتاب الصَدَاق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 673 كتاب الصَدَاق ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فثمانية: أَحدهَا عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعَلِيهِ ردع زعفران، فَقَالَ: مَهيم. قَالَ: تزوجت امْرَأَة من الْأَنْصَار، فَقَالَ: مَا أَصدقتهَا؟ فَقَالَ: وزن نواة من ذهب - وَفِي رِوَايَة: عَلَى نواة من ذهب - فَقَالَ: بَارك الله لَك، أولم وَلَو بِشَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَلم أر فِيهِ «رَدْع» وَإِنَّمَا فِيهِ «أثر صفرَة» أَو «وضر صفرَة» . والردع - برَاء ودال وَعين مهملات -: أثر الطّيب، وَلم يقْصد؛ بل تعلق بِهِ. ومهيم - بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء وَفتح الْمُثَنَّاة تَحت ثمَّ مِيم مَعْنَاهَا: مَا شَأْنك. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيُقَال إِنَّهَا كلمة يَمَانِية. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَهِي كلمة تسْتَعْمل فِي التهاني (رَآهَا) البصريون من الْأُصُول كصَه، ومَه، وهَيْهَات. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: مَعْنَاهُ مَا هَذِه فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي (السُّؤَال) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 675 والنواة: اسْم لخمسة دَرَاهِم، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَكَذَا فَسرهَا أَكثر الْعلمَاء وفيهَا خلاف أوضحته فِي «شرحي للعمدة» فَليُرَاجع مِنْهُ. (وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: أبنا إِسْمَاعِيل بن عبد الله، عَن حميد، عَن أنس قَالَ: وَذَلِكَ مَعْنَى النواة: دانقان من ذهب. قَالَ ابْن حزم: الدانق: سدس الدِّرْهَم الطَّبَرِيّ وَهُوَ الأندلسي، والدانقان: ثلث دِرْهَم أندلسي؛ فَهُوَ سدس مِثْقَال الذَّهَب، وَهَذَا خبر مُسْند) . الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْخَبَر الْمَشْهُور: «فَإِن مَسهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ بِهِ من فرجهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي بَاب أَرْكَان النِّكَاح. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (أَدّوا) العلائق قيل: وَمَا العلائق؟ ! قَالَ: مَا تراضى بِهِ الأهلون» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن مُحَمَّد بن مخلد، ثَنَا أَحْمد بن مَنْصُور، ثَنَا (عَمْرو) بن خَالِد الْحَرَّانِي، ثَنَا صَالح بن عبد الْجَبَّار، عَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس - رَفعه -: «أنكحوا الْأَيَامَى وأدوا العلائق، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 676 قيل: مَا العلائق، قَالَ: مَا تراضى. عَلَيْهِ الأهلون (وَلَو) بقضيب من أَرَاك» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ صَالح هَذَا مَجْهُول الْحَال كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان، وَمُحَمّد ووالده تقدم بيانهما فِي كتاب الشُّفْعَة، قَالَ ابْن الْقطَّان: مُحَمَّد ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَأَبوهُ لم تثبت عَدَالَته، و (عَمْرو) بن خَالِد: صَدُوق وَلَيْسَ (بالقرشي) ذَاك كذَّاب. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالتَّعْلِيل بِمَا ذَكرْنَاهُ هُوَ الصَّوَاب. وَأما تَعْلِيل عبد الْحق لَهُ بِأَنَّهُ يرْوَى مُرْسلا وَأَن الْمُرْسل أصح فَهُوَ من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال وَلها عُيُوب أخر غَيره. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، وَخَالفهُ [عُمَيْر] بن عبد الله بن بشر الْخَثْعَمِي، وَالْحجاج بن أَرْطَاة، فَرَوَاهُ عَن عبد [الْملك بن] الْمُغيرَة الطَّائِفِي، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 677 عَن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب، وَلما رَوَاهُ البَيْهَقي من هَذَا الْوَجْه - أَعنِي من حَدِيث عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور عَن رَسُول (- قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَقد قيل: عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عمر بن الْخطاب، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه (عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَمن رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه) عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا كَرِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ الْمُتَقَدّمَة. ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن عدي: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ضَعِيف، وَمُحَمّد بن الْحَارِث - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي رِوَايَة ابْن عمر - ضَعِيف أَيْضا. قَالَ: والضعف عَلَى حَدِيثهمَا بَين. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ قَالَه يَحْيَى بن معِين وَغَيره من مزكي الْأَخْبَار. قَالَ: وَلِلْحَدِيثِ شاهدٌ بإسنادٍ آخر فَذكره من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده: أَبُو هَارُون الْعَبْدي، وَهُوَ غير مُحْتَج بِهِ، قَالَ: وَقد رُوِيَ (من وَجه) آخر ضَعِيف عَن أبي سعيد مَرْفُوعا. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اسْتحلَّ بِدِرْهَمَيْنِ فقد اسْتحلَّ - أَي: طلب الْحل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة يَحْيَى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَبِيبَة (عَن أَبِيه) عَن جده أبي لَبِيبَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اسْتحلَّ بدرهم فقد اسْتحلَّ - يَعْنِي: النِّكَاح» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 678 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن [ابْن] أبي لَبِيبَة، عَن جده عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قلت: وَأخرج هَذَا الحَدِيث الشَّافِعِي بلاغًا. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي سَلمَة قَالَ: «سَأَلت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَا كَانَ صدَاق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَت: كَانَ صداقه لأزواجه اثنى عشر أُوقِيَّة ونشًّا، أَتَدْرِي مَا النش؟ قلت: لَا (قَالَت:) نصف أُوقِيَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» . الأُوقيّة: بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء. والنَشُّ: بِفَتْح النُّون ثمَّ شين مُعْجمَة مُشَدّدَة. وَالْمرَاد بالأوقية: أُوقِيَّة (أهل) الْحجاز وَهِي أَرْبَعُونَ درهما. وَأخرج الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» (هَذَا الحَدِيث بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم) وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ؛ فَهُوَ فِي «صَحِيحه» كَمَا قدمْنَاهُ قبل إِلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 679 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل» هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي حَدِيث بَرِيرَة الطَّوِيل وَقد سلف. الحَدِيث السَّابِع «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي بروع بنت واشق - وَقد نكحت بِغَيْر مهرٍ فَمَاتَ زَوجهَا - بِمهْر نسائها وَالْمِيرَاث» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد، أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» عَلَى الصَّحِيحَيْنِ (من رِوَايَة) معقل بن (يسَار) الْأَشْجَعِيّ، وَهُوَ أَبُو سِنَان أَو أَبُو مُحَمَّد، أَو أَبُو عبد الرَّحْمَن، أَو أَبُو يزِيد، أَو أَبُو عِيسَى أَقْوَال، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 680 وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي رسَالَته الْكُبْرَى فِي إبِْطَال الْقيَاس: لَا مغمز فِيهِ لصِحَّة إِسْنَاده. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: قد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأبي هُوَ وَأمي - «أَنه قَضَى فِي بروع بنت واشق وَقد نكحت بِغَيْر مهرٍ، فَمَاتَ زَوجهَا، فَقَضَى (لَهَا) بِمهْر نسائها وَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ» فَإِن كَانَ يثبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَهُوَ أولَى الْأُمُور بِنَا، وَلَا حجَّة فِي قَول أحد دون النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِن كَثُرُوا، وَلَا فِي قِيَاس وَلَا شَيْء فِي قَوْله إِلَّا طَاعَة الله بِالتَّسْلِيمِ لَهُ (وَإِن كَانَ لَا يثبت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) لم يكن لأحد أَن (يثبت) عَنهُ (مَا لم يثبت) وَلم أحفظه عَنهُ (من) وَجه يثبت مثله. هُوَ مرّة يُقَال: عَن معقل بن يسَار، وَمرَّة عَن معقل بن سِنَان، ومرَّة عَن بعض أَشْجَع لَا يُسمى. هَذَا كَلَام الشَّافِعِي برمتِهِ وَهُوَ نَصه فِي «الْأُم» بِحُرُوفِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب فِي رِوَايَة هَذَا (الحَدِيث) اضْطِرَاب، قيل: رَوَاهُ (معقل بن سِنَان، وَقيل:) معقل بن يسَار، وَقيل: رجل من أَشْجَع، أَو نَاس من أَشْجَع، وَنقل الرَّافِعِيّ أَيْضا عَن صَاحب « (التَّقْرِيب» ) أَنه صحّح الحَدِيث، وَأَنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 681 (قَالَ) الِاخْتِلَاف فِي الرَّاوِي لَا يضر؛ لِأَن الصَّحَابَة عدُول كلهم (وَلِأَنَّهُ) يحْتَمل أَن بَعضهم نسبه إِلَى أَبِيه، وَبَعْضهمْ إِلَى جدٍّ لَهُ قريب أَو بعيد، وَبَعْضهمْ إِلَى قومه وقبيلته. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد أَن نقل كَلَام الشَّافِعِي السالف: لَكِن (عبد) الرَّحْمَن بن مهْدي إِمَام من أَئِمَّة الحَدِيث. رَوَاهُ وَذكر إِسْنَاده ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَقد سَمّى فِيهِ معقل بن سِنَان، وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور. وَقَالَ فِي «خلافياته» : إِسْنَاده صَحِيح وَرُوَاته ثِقَات. قَالَ: وَمَعْقِل بن سِنَان صَحَابِيّ مَشْهُور. قَالَ فِي «سنَنه» وَرَوَاهُ يزِيد بن هَارُون، وَهُوَ أحد حفاظ الحَدِيث مَعَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِإِسْنَاد صَحِيح ... وَذكر سَنَده، ثمَّ سَاقه الْبَيْهَقِيّ باخْتلَاف طرقه (ثمَّ) قَالَ فيهمَا: هَذَا الِاخْتِلَاف فِي قصَّة بروع بنت واشق عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يوهن الحَدِيث؛ فَإِن جَمِيع هَذِه الرِّوَايَات أسانيدها صِحَاح، وَفِي بَعْضهَا مَا دلّ عَلَى أَن جمَاعَة من أَشْجَع شهدُوا بذلك؛ فَكَأَن بعض الروَاة يُسمى مَعَهم، وَبَعْضهمْ سَمّى اثْنَيْنِ، وَبَعْضهمْ أطلق وَلم يسم، وَمثله لَا يرد الحَدِيث، وَلَوْلَا ثِقَة من رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما كَانَ (لفرح) عبد الله بن مَسْعُود بروايته مَعْنَى، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : قَالَ أَبُو زرْعَة الَّذِي قَالَ معقل بن سِنَان هُوَ أصح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 682 قلت: وَهَذَا قريب، وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «حَوَاشِي السّنَن» : (هَذَا الحَدِيث) صَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَبِه قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي. قَالَ: وَهُوَ أصح قولي الشَّافِعِي. قَالَ: وَمَا يرْوَى من أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: لَا يعقل معقل بن سِنَان أَعْرَابِي يَبول عَلَى عَقِبَيْهِ فَلم يَصح ذَلِك عَنهُ. قلت: وَكَذَلِكَ تَضْعِيف الْوَاقِدِيّ لَهُ بِأَنَّهُ (حَدِيث ورد) إِلَى الْمَدِينَة من أهل الْكُوفَة فَمَا عرفه أحد من عُلَمَاء الْمَدِينَة وَلأَجل ذَلِك قَالَ مَالك: يقدم إِيجَاب مهرهَا كَمَا حُكيَ عَن عَلّي وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت لَا يقْدَح؛ لِأَن (مثل) هَذَا كثير فِي الحَدِيث، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ (و) فِي «الْمُسْتَدْرك» : سَمِعت أَبَا عبد الله الْحَافِظ، وَقيل لَهُ: سَمِعت الْحسن بن سُفْيَان يَقُول: سَمِعت حَرْمَلَة بن يَحْيَى يَقُول: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: إِن صَحَّ حَدِيث بروع بنت واشق قلت بِهِ، فَقَالَ أَبُو عبد الله: لَو حضرت الشَّافِعِي لقمت عَلَى رُءُوس أَصْحَابه وَقلت: فقد صَحَّ الحَدِيث فَقل بِهِ. فَقَالَ الْحَاكِم: فالشافعي إِنَّمَا قَالَ: لَو صَحَّ الحَدِيث؛ لِأَن هَذِه الرِّوَايَة إِن كَانَت صَحِيحَة فَإِن الْفَتْوَى فِيهِ لعبد الله بن مَسْعُود وَسَنَد الحَدِيث لنفر من أَشْجَع. قَالَ: وَشَيخنَا (أَبُو عبد الله) رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا حكم بِصِحَّة الحَدِيث؛ لِأَن الثِّقَة قد سَمّى فِيهِ رجلا من الصَّحَابَة وَهُوَ معقل بن سِنَان الْأَشْجَعِيّ، قَالَ: وبصحة مَا ذكرته أخبرنَا الْقطيعِي، قَالَ: نَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن عبد الرَّحْمَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 683 بن مهدى، عَن سُفْيَان، عَن (فراس) عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله «فِي رجل تزوج امْرَأَة فَمَاتَ وَلم يدْخل بهَا وَلم يفْرض لَهَا، فَقَالَ: لَهَا الصَدَاق (كَامِلا) وَعَلَيْهَا الْعدة وَلها الْمِيرَاث. فَقَامَ معقل بن سِنَان فَقَالَ شهِدت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِهِ فِي بروع بنت واشق» فَصَارَ الحَدِيث صَحِيحا عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد أَيْضا فِي آخر «الاقتراح» فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث رَوَاهَا من أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث. وَخَالف الْحفاظ كلهم أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة فَقَالَ فِي «تَارِيخه» فِي تَرْجَمَة معقل بن سِنَان: هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ. قَالَ أَبُو سعيد [الدَّارمِيّ] : مَا خلق الله معقل بن سِنَان قطّ، وَلَا كَانَت بروع بنت واشق قطّ! قَالَ النَّوَوِيّ فِي «التَّهْذِيب» هَذَا الذى قَالَه [الدَّارمِيّ] غلط مِنْهُ وجهالة؛ لما عَلَيْهِ الْحفاظ وَالصَّوَاب أَنه حَدِيث صَحِيح، وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لأنبه عَلَى بُطْلَانه؛ لِئَلَّا يرَاهُ من لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 684 يعرف حَاله فيتوهمه صَحِيحا، وَلَقَد أحسن صَاحب التَّقْرِيب من أَصْحَابنَا حَيْثُ صحّح الحَدِيث كَمَا تقدم نَقله عَنهُ، وَقَالَ: الِاخْتِلَاف فِي الرَّاوِي لَا يضر؛ لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول، وَلِأَنَّهُ يحْتَمل أَن بَعضهم نسبه إِلَى أَبِيه وَبَعْضهمْ إِلَى جدٍّ لَهُ قريب أَو بعيد، وَبَعْضهمْ إِلَى قومه وقبيلته وَعبر الشَّيْخ الْمُسَمَّى: نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي كتاب «الْمطلب شرح الْوَسِيط» عَن هَذَا بِأَن قَالَ: [يحْتَمل] أَن يسارا أَبوهُ وسنانًا (جده وَأَشْجَع) قبيلته فنسبه أحد الروَاة لِأَبِيهِ، وَالْآخر لجده، وَالْآخر لقبيلته. فَائِدَتَانِ: أَحدهمَا: اسْم زوج بروع: هِلَال بن مرّة الْأَشْجَعِيّ، وَقيل: هِلَال بن مَرْوَان، ذكره ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم. الثَّانِيَة: مَعْقِل: بِفَتْح الْمِيم، وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف. وَسنَان: بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة، وَبعد نون مَفْتُوحَة وَبعد الْألف نون. وبِرْوع: بباء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ رَاء مُهْملَة سَاكِنة، ثمَّ وَاو مَفْتُوحَة ثمَّ عين مُهْملَة، وأبوها واشق - بالشين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وبالقاف - وهى كلابية، وَقيل: أشجعية. قَالَ الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» : أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: بروع بِكَسْر الْبَاء، وَالصَّوَاب الْفَتْح؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فِعوَل إِلَّا خِرْوَع وَهُوَ اسْم لكل نبت يتثنى، وعتود: اسْم وادٍ. وَذكر صَاحب «الْمُحكم» فِي بروع، نَحْو قَول الْجَوْهَرِي، وَقَالَ القلعي فِي كِتَابه «أَلْفَاظ الْمُهَذّب» : الجزء: 7 ¦ الصفحة: 685 سَمَاعنَا فِيهَا بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة وَالرَّاء الْمُهْملَة، قَالَ: وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة فِي الْأَسْمَاء: تزوع بِالتَّاءِ المثناه فَوق وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. قَالَ النَّوَوِيّ: (فِي «تهذيبه» وَهَذَا الَّذِي قَالَه تَصْحِيف، وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. قلت: وَنقل الْمُنْذِرِيّ) هَذَا المحكي عَن أهل اللُّغَة، عَن بَعضهم وَأفَاد أَنه بِكَسْر التَّاء عَلَى هَذِه اللُّغَة (قَالَ:) وَالْمَحْفُوظ الْمَشْهُور بروع بِكَسْر الْبَاء كخروع (لورقٍ) وعتود لوادٍ. الحَدِيث الثَّامِن «أَن امْرَأَة أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَت: يَا رَسُول الله، وهبت نَفسِي لَك. وَقَامَت قيَاما طَويلا فَقَامَ رجل، فَقَالَ: يَا رَسُول الله زوجنيها إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل عنْدك من شَيْء تصدقها إِيَّاه؟ فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إزَارِي هَذَا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن أعطيتهَا إزارك جَلَست (و) لَا إِزَار لَك التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد. فَلم يجد شَيْئا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل مَعَك من الْقُرْآن شَيْء. قَالَ: نعم سُورَة كَذَا وَكَذَا (لسور سَمَّاهَا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 686 حَدِيث أبي سعيد سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (وَأما حَدِيث) سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا أَبُو (عرْفجَة) الفائشي، عَن أبي النُّعْمَان الْأَزْدِيّ، قَالَ: «زوَّج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - امْرَأَة عَلَى سُورَة من الْقُرْآن، ثمَّ قَالَ: لَا يكون مهْرا لأحد من (بعْدك) » وَهَذَا مَعَ إرْسَاله فِيهِ مَجْهُولَانِ: أَبُو عرْفجَة، وَأَبُو النُّعْمَان، كَمَا نبه عَلَيْهِ عبد الْحق. (هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب) وَأما آثاره فسبعة: أَحدهَا: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: « (فلهَا) عقر نسائها» وَهَذَا الْأَثر ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن الْعقر اسْم من أَسمَاء الصَدَاق. الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث: عَن ابْن مَسْعُود، وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنَّهُمَا قَالَا فِيمَن خلا بِامْرَأَة وَلم يحصل وَطْء: لَهَا نصف الصَدَاق» . وَهَذَانِ الأثران أخرجهُمَا الْبَيْهَقِيّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 687 أما الأول: فَمن حَدِيث الشّعبِيّ عَنهُ أَنه قَالَ: «لَهَا نصف الصَدَاق وَإِن جلس بَين رِجْلَيْهَا» ثمَّ قَالَ: فِيهِ انْقِطَاع بَين الشّعبِيّ وَابْن مَسْعُود. وَأما الثَّانِي: فَمن حَدِيث الشَّافِعِي، عَن مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن لَيْث، عَن طَاوس عَنهُ «أَنه قَالَ فِي الرجل يُزَوّج الْمَرْأَة يَخْلُو بهَا وَلَا يَمَسهَا ثمَّ يطلقهَا: لَيْسَ لَهَا إِلَّا نصف الصَدَاق لِأَن الله - تَعَالَى - (يَقُول:) (وَإِن طَّلقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْل أَن تَمسُّوهُنَّ وَقد فَرَضَّتُمْ لَهُنَّ فَرِيضةً فَنصف مَا فرضتم) وَلَيْثُ هَذَا هُوَ ابْن أَبي سُلَيْم، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «لَا يجب الصَدَاق وافيًا حَتَّى يُجَامِعهَا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَلّي بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَهُوَ ضَعِيف مُنْقَطع. الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس: عَن عمر، وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذا أغلق بَابا وأرخى سترا فلهَا الصَدَاق كَامِلا، وَعَلَيْهَا الْعدة» . وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الْأَحْنَف بن قيس عَنْهُمَا، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطع فَإِنَّهُ لم يدركهما. وَفِي «الْمُوَطَّأ» عَن يَحْيَى بن سعيد، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 688 عَن ابْن الْمسيب «أَن عمر قَالَ فِي الْمَرْأَة يَتَزَوَّجهَا الرجل أَنَّهَا إِذا أرخت الستور فقد وَجب الصَدَاق» . وَرَوَى عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب «إِذا أرخيت الستور وغلقت الْأَبْوَاب؛ فقد وَجب الصَدَاق» . وَرَوَى أَبُو (عبيد) الْقَاسِم بن سَلام، عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن (عَوْف) بن أبي جميلَة، عَن [زُرَارَة بن أَوْفَى] قَالَ: «قَضَى الْخُلَفَاء الراشدون المهديون أَنه إِذا أغلق الْبَاب وأرخى السّتْر فقد وَجب الصَدَاق» . وَرَوَى أَبُو عبيد أَيْضا من حَدِيث وَكِيع، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن نَافِع بن جُبَير، قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُولُونَ: إِذا أَرْخَى السّتْر وأغلق الْبَاب فقد وَجب الصَدَاق» . الْأَثر السَّادِس: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن المُرَاد بقوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 689 تَعَالَى (أَو يعْفُو الذى بِيَدِهِ عقده النِّكَاح) أَنه الْوَلِيّ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بن أبي مَرْيَم، ثَنَا مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، ثَنَا عَمْرو بن دِينَار عَنهُ فِي الَّذِي ذكر الله (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِى بَيَدِه عُقْدَةُ النِّكَاَح) قَالَ: ذَلِكَ أَبوهَا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث (وَرْقَاء) بن عمر، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عِكْرِمَة عَنهُ «فِي قَوْله: (إلاَّ أَن يعفون (قَالَ: أَن تعفوا الْمَرْأَة (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِى بَيَدِه عُقْدَةُ النِّكَاَح) الْوَلِيّ» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن صَالح، (عَن مُعَاوِيَة بن أبي صَالح) ، عَن عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس «فِي» قَوْله (إِلَّا أَن يعفون) قَالَ: هِيَ الْمَرْأَة الثّيّب أَو الْبكر زَوجهَا غير أَبِيهَا، فَجعل الله الْعَفو إلَيْهِنَّ إِن شئن تركن، وَإِن شئن أخذن نصف الصَدَاق، ثمَّ قَالَ: (أَو يعْفُو الذى بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح) وَهُوَ أَبُو الْجَارِيَة الَّتِي جعل الله الْعَفو إِلَيْهِ ليبين لَهَا مَعَه أَمر إِذا مَا طلقت كَانَت فِي حجره» . قلت: وَقد رُوِيَ عَن (ابْن) عَبَّاس خلاف ذَلِك، فروَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن عمار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 690 بن أبي عمار، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح هُوَ الزَّوْج» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ: حَدِيث إِسْرَائِيل، عَن خصيف، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «هُوَ الزَّوْج» . الْأَثر السَّابِع: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يَقُول: الذى بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح هُوَ الزَّوْج» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ، ورويا مثله من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَكِن فِي إِسْنَاده: ابْن لَهِيعَة، وحالته مَعْلُومَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 691 بَاب الْمُتْعَة ذكر فِيهِ ثَلَاثَة آثَار: أَحدهَا: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «لكل مُطلقَة مُتْعَة إِلَّا الَّتِي فرض لَهَا وَلم يدْخل بهَا، فحسبها نصف الْمهْر» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي بإسنادٍ ثَابت، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول: (لكل مُطلقَة مُتْعَة إِلَّا الَّتِي تطلق وَقد فرض لَهَا الصَدَاق وَلم تمس، فحسبها نصف مَا فرض لَهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (و) روينَا هَذَا القَوْل عَن جمَاعَة من التَّابِعين، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَمُجاهد وَالشعْبِيّ. فَائِدَة: حسبها - بِسُكُون السِّين الْمُهْملَة - مَعْنَاهُ: يكفيها، وَمن ذَلِك قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «بِحَسب امرء (من) الشَّرّ أَن يحقر أَخَاهُ الْمُسلم» وَهَذِه الْبَاء الجارة زَائِدَة وَهِي مُبْتَدأ، وَأَن الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا فِي مَوضِع الْخَبَر. الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث: عَن ابْن عمر (وَابْن عَبَّاس) «أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْمُتْعَة هِيَ ثَلَاثُونَ درهما) . أما أثر ابْن عمر فَذكره الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم كَمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 نَصه لَا أعرف فِي الْمُتْعَة يَعْنِي قدرا مؤقتًا إِلَّا أَنِّي أستحسن ثَلَاثِينَ درهما، كَمَا رُوي عَن ابْن عمر. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع أَن رجلا أَتَى ابْن عمر فَذكر أَنه فَارق امْرَأَته (فَقَالَ:) أعْطهَا (واكسها) كَذَا، فحسبنا ذَلِك فَإِذا نَحْو من ثَلَاثِينَ درهما. قلت لنافع: كَيفَ كَانَ هَذَا الرجل؟ قَالَ: كَانَ (متسددًا)) . وَأما أثر ابْن عَبَّاس فتبع (فِي) إِيرَاده ابْن الصّباغ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «شامله» : أَن الشَّافِعِي قَالَ: يمتعها بخادم؛ فَإِن لم يجد فمِقْنَعَة، فَإِن لم يجد فَثَلاثين درهما، وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا: مَا يُرْوى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «أَكثر الْمُتْعَة: خَادِم، وأقلها: ثَلَاثُونَ (درهما)) . وَفِي «الْمَاوَرْدِيّ» : أَن الشَّافِعِي فِي موضعٍ من الْقَدِيم اسْتحْسنَ أَن تكون بِقدر خَادِم، وَحَكَاهُ عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: روينَا عَن ابْن عَبَّاس: «عَلَى قَدْر يُسْره وعُسْره؛ فَإِن كَانَ مُوسِرًا (مَتَّعَهَا) بخادم أَو نَحْو ذَلِك، وَإِن كَانَ مُعسرا فَثَلَاثَة أَثوَاب أَو نَحْو ذَلِك» . قَالَ: وروينا عَن عبد الرَّحْمَن: «أَنه مَتَّعَ بِجَاريةٍ سَوْدَاء» . وَعَن الْحسن بن عليّ: «أَنه مَتَّعَ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 قلت: وَقيل: «إِن زَوْجَة الْحسن لمَّا دفع إِلَيْهَا ذَلِك قَالَت: مَتَاع قَلِيل من حبيبٍ مفارق، فَكَانَت عَادَته إِذا طلَّق لَا يَرْتَجِعُ، فلمَّا بلغه قَوْلهَا قَالَ: لَو كنتُ أرتجع امْرَأَة طلقتُها؟ أَو كَمَا قَالَ: لارْتَجَعْتُهَا» . وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَتَّعَ المستعيذة بثوبين» . كَمَا قدَّمْتُه فِي «الخصائص» . وَهُوَ يُعَكر عَلَى قَول من قَالَ: إِنَّه (لَا يتَوَقَّف فِيهَا) من جِهَة الشَّرْع وَلَا تَقْدِير، وَلم أر أحدا قَالَ من أَصْحَابنَا: إِنَّه يمتعها بثوبين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 بَاب: الْوَلِيمَة والنثر ذكر فِيهِ أَحَادِيث، ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّة بسويقٍ وتمرٍ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن غَرِيب. قلت: وصحيحٌ (فقد) أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أنس فِي قصَّة صَفِيَّة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جَعَلَ وليمتها: السّمن، وَالتَّمْر والأقط» . وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث أنس أَيْضا: «أطْعم رسولُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 الله (عَلَى صَفِيَّة خُبْزًا وَلَحْمًا» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح. قلت: بل غلط؛ ذِي زَيْنَب. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقد تزوَّج امْرَأَة: أَوْلِمْ، وَلَو بِشَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف بَيَانه فِي أوَّل: الصَدَاق. الحَدِيث الثَّالِث وَالرَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من دعِي إِلَى الْوَلِيمَة (فليأتها)) ويُرْوى: (من دُعِي فَلم يُجِبْ، فقد عَصَى الله وَرَسُوله» . هَذَانِ حديثان جَمعهمَا الرَّافِعِيّ لِاجْتِمَاع لَفْظهمَا عَلَى مدلولٍ وَاحِد. أما الأول: فَأخْرجهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الْوَجْه الْمَذْكُور، بِلَفْظ: «إِذا دُعي أحدكُم إِلَى الْوَلِيمَة فليأتها» . وَأما الثَّانِي: (فأخرجاه) أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، لَكِن مَوْقُوفا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 عَلَيْهِ، وَمُسلم أخرجه مَرْفُوعا، وَلَفظه: «وَمن لم يجب الدعْوَة؛ فقد عَصَى (الله) وَرَسُوله» . وَلَفظه من الْمَوْقُوف: «ومَنْ لم يأتِ الدعْوَة ... .» إِلَى آخِره. وَلَفظ البُخَارِيّ: «ومَنْ ترك الدعْوَة ... » (إِلَى آخِره، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل ستعرف أَوله عَلَى الإثر) . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «شَرُّ الولائم: وليمةُ العُرْس؛ يُدْعى لَهَا الْأَغْنِيَاء، ويُتْرَكُ الْفُقَرَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَهُوَ بعض من الحَدِيث الثَّالِث، وَلَفظ مُسلم الْمَرْفُوع الَّذِي سلف بعضه: «شَرُّ الطَّعَام: طَعَام الْوَلِيمَة، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، ويدعى إِلَيْهَا مَنْ يأباها، ومَنْ لم يجب [الدعْوَة] فقد عَصَى الله وَرَسُوله» . وَلَفظ «الصَّحِيحَيْنِ» فِي الْمَوْقُوف: «شَرُّ الطَّعَام: طَعَام الْوَلِيمَة؛ يُدْعى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاء، ويُتْرك الْفُقَرَاء، ومَنْ لم يُجِبْ فقد عَصَى الله وَرَسُوله» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 فَائِدَة: فِي الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عمرَان الْقطَّان عَن قَتَادَة، عَن أبي الْعَالِيَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «شَرُّ الطَّعَام: طَعَام الْوَلِيمَة؛ يُدْعى إِلَيْهَا الشَّبْعَان، ويُحْبَسُ (عَنْهَا) الجائع» . وَفِي «كَامِل ابْن عدي» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «من لم يجب الدعْوَة فقد عَصَى الله وَرَسُوله، وَأَنت بِالْخِيَارِ فِي [الخرس] وَفِي العذار» . وَفِي إسنادها «يَحْيَى بن عُثْمَان الْأنْصَارِيّ» قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَنقل عبد الْحق عَن ابْن عدى: أَنه قَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ وَتعقبه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك، وَقَالَ: الْمَوْجُود فِيهِ مَا سلف. (الحَدِيث) السَّادِس رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوَلِيمَة فِي الْيَوْم (الأوَّل) حَقٌّ، وَفِي الثَّانِي معروفٌ، وَفِي الثَّالِث: رِيَاء وسُمْعة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة همام، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن عبد الله بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ، عَن رجل من ثَقِيف، - يُقَال: إِن لَهُ مَعْرُوفا، أَي: يثنى عَلَيْهِ خير، قَالَ قَتَادَة: إِن لم يكن اسْمه: زُهَيْر، فَلَا أَدْرِي مَا اسْمه - أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوَلِيمَة أوَّل يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث سمعة ورياء» . (و) رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّحْمَن بن [مهْدي] ثَنَا همام، عَن قَتَادَة بِهِ سَوَاء، لكنه قَالَ: عنْ رجل يُقَال لَهُ مَعْرُوف، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مُسْندًا ومرسلًا، قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: لَا أعلم لزهير بن عُثْمَان غَيْرَ هَذَا، وَقَالَ البُخَارِيّ كَمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ، وَعبد الْحق: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح إِسْنَاده، وَلَا يعلم لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: فِي إِسْنَاده نظر؛ يُقَال: إِنَّه مُرْسل، وَلَيْسَ لَهُ غَيره. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحديثَ فِيمَن لَهُ صُحْبَة. قلت: وَذكره أَيْضا الحافظُ أَبُو موسي فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ (وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» فِي مُسْند مَعْرُوف الثَّقَفِيّ) : كَذَا (رُوي) قَالَ: وَلَا يُعْرف (غَيره) فِي الصَّحَابَة مَنْ اسْمه «مَعْرُوف» ثمَّ أخرج الحَدِيث من «مُسْند أَحْمد» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طرق أُخْرَى: أَحدهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي حَازِم عَنهُ مَرْفُوعا بِلَفْظ أبي دَاوُد، وَفِي إِسْنَاده: عبد الْملك بن حُسَيْن النَّخعِيّ الوَاسِطِيّ، قَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ بالقويّ عِنْدهم. وضعَّفه جماعاتٌ غيرُهم، ونَسَبَهُ الأزديُّ إِلَى التّرْك، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رُوي ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِشَيْء. ثَانِيهَا: من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ مَرْفُوعا: «طَعَام أوَّل يَوْم حق، وَطَعَام يَوْم الثَّانِي: سُنَّة، وَطَعَام يَوْم الثَّالِث سُمعة (وَمن سمع سمع الله) بِهِ» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث زِيَاد بن عبد الله، وَهُوَ كثير الغرائب والمناكير، قَالَ: وسمعتُ البخاريَّ يذكر عَن مُحَمَّد بن (عقبَة) قَالَ: وَقَالَ وَكِيع: زِيَاد بن عبد الله مَعَ شرفه (لَا يكذب) فِي الحَدِيث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 وَحَكَى البُخَارِيّ وَغَيره، عَن وَكِيع أَنه قَالَ: إِنَّه أشرف من أَن يكذب. وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق. وَقَالَ ابْن عديُّ: مَا أرَى بروايته بَأْسا. وتكلَّم فِيهِ غيرُ واحدٍ، وَأخرج لَهُ خَ م قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «موافقاته» : تكلم فِيهِ يَحْيَى بْنُ معِين وغَيْرُه، وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ واحدٍ، وَاسْتشْهدَ بِهِ خَ وَاحْتج بِهِ مُسلم، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : رَوَى لَهُ خَ حَدِيثا وَاحِدًا مَقْرُونا بآخَرٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفردَّ بِهِ زِيَاد بن عبد الله، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : حَدِيث زِيَاد هَذَا لَيْسَ بالقويّ. وَأعله عبد الْحق بِزِيَاد، قَالَ ابْن الْقطَّان: أعرض عَن إعلاله بعطاء، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ. ثَالِثهَا: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «الدعْوَة أوَّل يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَمَا زَاد فَهُوَ رِيَاء» . ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» من حَدِيث الْحسن عَنهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ: سألتُ أبي عَنهُ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ الْحسن، عَن النَّبِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 (مُرْسل. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن الْمُرْسل أصح. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بكر بن خُنَيْس، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن أنس: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمَّا تزوَّج أُمَّ سَلمَة أَمر بالنَّطع فَبُسِطَ، ثمَّ ألْقَى عَلَيْهِ تَمرا وسويقًا، فَدَعَا النَّاس فَأَكَلُوا، وَقَالَ: الْوَلِيمَة فِي أوَّل يَوْم حق، وَالثَّانِي مَعْرُوف، وَالثَّالِث رِيَاء وسُمْعة» . ثمَّ قَالَ: لَيْسَ بالقويّ، فِيهِ «بكر بن خُنَيْس» تكلَّموا فِيهِ. قلت: اخْتلف قَول ابْن معِين فِيهِ، وضعَّفه النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وغيرُهما، وحسَّن لَهُ الترمذيُّ حديثَ: «عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل» . رَابِعهَا: من حَدِيث وَحشِي بن حَرْب بن وَحشِي، عَن أَبِيه، عَن جِدِّه: «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، الْوَلِيمَة (قَالَ: الْوَلِيمَة) حق، وَالثَّانيَِة مَعْرُوف، وَالثَّالِثَة (رِيَاء وَسُمْعَة) » . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، حَدثنَا وَحشِي ... فَذكره. خَامِسهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه: «طَعَام فِي العُرْس يَوْم سنة، وَطَعَام يَوْمَيْنِ فضْل، وَطَعَام ثَلَاثَة أَيَّام رِيَاء وَسُمْعَة» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «مُعْجَمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 الْعَرْزَمِي، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا اجْتمع داعيان فأجب أقربهما إِلَيْك بَابا؛ فَإِن أقربهما إِلَيْك بَابا أقربهما إِلَيْك جِوَارًا، وَإِن سبق أَحدهمَا فأجب الَّذِي سبق» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي خَالِد الدالاني، عَن أبي الْعَلَاء [الأودي] ، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن الحِمْيَرِىِّ، عَن رجلٍ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن اجْتمع الداعيان فأجِبْ أقربهما بَابًا، فَإِن أقربهما بَابا أقربهما جِوَارًا؛ فَإِن سبق أحدُهما فأجب الذى سبق» . رَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك (أَيْضا) ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «إِذا دعَاك الداعيان فأجب أقربهما بَابا؛ فَإِن أقربهما بَابا أقدمهما جِوَارًا» . وَأَبُو خَالِد هَذَا: قد عرف حالُه فِي بَاب أَسبَاب الْحَدث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يقعدنَّ عَلَى مائدة يُدَارُ عَلَيْهَا الْخمر» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يُدْخِل حليلته الحمَّام، ومَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يَدْخل الحمَّام إِلَّا بمئزر، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يجلس عَلَى مائدةٍ يُدارُ عَلَيْهَا الْخمر» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: حديثٌ صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفعه: (مَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يُدْخل حليلته الحمَّام، ومَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يقْعد عَلَى مائدةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخمر، ومَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر (فَلَا) يَخلُوَنَّ بامرأةٍ لَيْسَ مَعهَا [ذُو] مَحْرم؛ فَإِن ثالثهما الشَّيْطَان» . الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن عُمر «أَن النبى (نَهَى، عَن مطْعمين: عَن الْجُلُوس عَلَى مائدةٍ يُشْرب عَلَيْهَا الْخمر، وَأَن يَأْكُل الرجلُ وَهُوَ منبطح عَلَى بَطْنه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَعْفَر بن برْقَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر؛ لم يسمعهُ جَعْفَر من الزهريِّ. وَذكر مَا يدل عَلَى ذَلِك، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» وَذكر مَا يدل عَلَى أَن جَعْفَر لم يسمعهُ من الزُّهْرِيّ، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: إِنَّه خطأ، يرويهِ جَعْفَر، عَن رجل، عَن الزُّهْرِيّ، وَلَيْسَ هَذَا من صحيحِ حديثِ الزُّهْرِيّ. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ أَحْمد (وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عُمر أَيْضا، إِلَّا أَنه لم يذكر لَفْظَة: «يدار» ، وَزَاد: « (وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يَدْخل الْحمام)) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث الْقَاسِم بن أبي الْقَاسِم السبائي، عَن قاص الأجْناد بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَنه سَمعه يحدِّث أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «يَا أَيهَا النَّاس، إِنِّي سمعتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: مَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر (فَلَا يقعدن عَلَى مائدة يدار عَلَيْهَا الْخمر، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) فَلَا يدْخل الحمَّام إِلَّا بإزار، (ومَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الحمَّام) » . وَفِي إِسْنَاده هَذَا الْمَجْهُول كَمَا ترَى. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَوَاهُ الْبَزَّار، وَفِيه ضعف. الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «مَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه فَلَا يجلس عَلَى مائدة يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخمر» وَسَنَده ضَعِيف بِسَبَب يَحْيَى بن أبي سُلَيْمَان الْمدنِي، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 الحَدِيث التَّاسِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقد سترت عَلَى صفة لَهَا سترا فِيهِ الْخَيل ذَوَات الأجنحة، فَأمر بنزعها» . وَفِي رِوَايَة: «قَطعنَا مِنْهُ وسَادَة - أَو وسادتين - وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرتفق بهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه بِأَلْفَاظ، مِنْهَا: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَدِمَ من سَفَرٍ، وَقد سترت سهوة لي بقرام فِيهِ تماثيل، فلمَّا رَآهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هتكه فتلوَّن وَجهه، وَقَالَ: يَا عَائِشَة، أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة الَّذين (يباهون) خلق الله! قَالَت عَائِشَة: فقطعناه، فَجعلنَا مِنْهُ وسَادَة - أَو وسادتين» . وَفِي لفظ: «أَنَّهَا نصبتْ سترا فِيهِ تصاوير، فَدخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَنَزَعَهُ (قَالَ: فَقَطعه) وسادتين» . وَفَى لفظ: «دخل عَلَيْهِ السَّلَام عليَّ وَفِي الْبَيْت قرامٌ فِيهِ صور، فتلوَّن وَجهه، ثمَّ تنَاول السِّتْر فهتكه، وَقَالَ: أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يصورون هَذِه الصُّور!» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 وَفِي لفظ لمُسلم: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غزاةٍ، فَأخذت نمطًا فَسترته عَلَى الْبَاب، فلمَّا قَدِمَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى ذَلِك النمط، فرأيتُ الْكَرَاهَة فِي وَجهه، فَجَذَبَهُ حَتَّى هتكه - أَو فقطَّعه - وَقَالَ: إِن الله لم يَأْمُرنَا أَن نكسوا الْحِجَارَة والطين. قَالَت: فقطعنا مِنْهُ وسادتين، وحشوتهما ليفًا، فَلم يَعِبْ ذَلِك عليَّ» . وَله أَيْضا: فِي النمرقة الَّتِى فِيهَا التصاوير، «فأخذتها فجعلتها مرفقتين، فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يرتفق بهما فِي الْبَيْت» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي بَاب: التِّجَارَة فِيمَا يُكره لبسه، من كتاب البيع، عَن عَائِشَة أَيْضا: «أَنَّهَا أخْبرته أَنَّهَا اشترت نمرقة فِيهَا تصاوير، فلمَّا رَآهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ عَلَى الْبَاب، فَلم يدْخلهُ (فَعرفت) فِي وَجهه الْكَرَاهَة، فَقلت: يَا رَسُول الله: أَتُوب إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله (مَاذَا) أذنبتُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا بَال هَذِه النمرقة؟ قلت (اشْتَرَيْتهَا) لكَ لتقعدَ عَلَيْهَا وتوسدها، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن أَصْحَاب هَذِه الصُّور يَوْم الْقِيَامَة يُعذَّبون، فَيُقَال لَهُم: أحْيُوا مَا خلقْتُم، وَقَالَ: إِن الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الصُّور لَا تدخله الْمَلَائِكَة» . الحَدِيث الْعَاشِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَعرف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 صَوته وَهُوَ خارجٌ، فَقَالَ: ادخلْ. فَقَالَ: إِن فِي الْبَيْت سترا فِيهِ تماثيل؛ فَاقْطَعُوا رءوسَهَا واجعلوه بسطًا أَو وسائد» . هَذَا الحَدِيث (يُرْوَى) عَنهُ بألفاظٍ: مِنْهَا: «أَن جِبْرِيل جَاءَ فسلَّم عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَعرف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَوْتَه فَقَالَ: ادخلْ، فَقَالَ: إِن فِي الْبَيْت سترا فِيهِ تماثيل، فَاقْطَعُوا رءوسها واجعلوه بسطًا أَو وسائد؛ فأوطئوه؛ فَإنَّا لَا ندخلُ بَيْتا فِيهِ تصاوير» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . وَمِنْهَا: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَفِي بَيت نبيِّ الله سترٌ فِيهِ تماثيل، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ادخلْ. فَقَالَ: إِنَّا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ تماثيل، فَإِن كنتَ لابد جاعلًا فِي بَيْتك فاقطعْ رءوسها، أَو اقطعْهَا وسائد، واجعلْهَا بسطًا» . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَمِنْهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أَتَانِي جبريلُ فَقَالَ: إِنِّي أتيتُكَ البارحة فَلم يَمْنعنِي أَن أكون دخلتُ إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْبَيْت قرام ستر فِيهِ تماثيل، وَكَانَ فِي الْبَيْت كلب، وَعَلَى الْبَاب تِمْثَال الرِّجَال. فَمر بِرَأْس التمثال فَيُقْطع، فَيصير كَهَيئَةِ الشَّجَرَة، وَمر بالقرام فَيُجعل مِنْهُ وسادتين تُوطآن، وبالكلب فليُخرج - قَالَ: وَكَانَ الْكَلْب جَرْوًا لِلْحسنِ - أَو للحسين - بْنِ عليّ يلْعَب بِهِ، كَانَ تَحت نضد لَهُ، فَأمر بِهِ فأُخْرجَ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ. وَقَالَ حَدِيث صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِمَعْنَاهُ، وَفِي آخرِهِ: «ثمَّ أَتَانِي جِبْرِيل، فَمَا زَالَ يوصيني بالجار، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنه سيورِّثه» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «اسْتَأْذن جبريلُ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ادخلْ، فَقَالَ: كَيفَ أَدخل وَفِي بَيْتك سترٌ فِيهِ تصاوير، إِمَّا أَن تُقطع رءوسها، أَو تجْعَل بسطًا توطأُ؛ فَإنَّا معشر الْمَلَائِكَة لَا ندخل بَيْتا فِيهِ تصاوير» . وَرَوَاهُ مُسلم مُخْتَصرا بِلَفْظ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ تصاوير أَو تماثيل» . الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَنه لما رَوَى أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مَنْ صوَّر صُورَة عُذِّب وكُلِّف أَن ينْفخ الرّوح فِيهَا، وَلَيْسَ بنافخ (فِيهَا) أَتَاهُ رجلٌ مصوِّرٌ فَقَالَ: مَا أعرفُ صَنْعَة غَيرهَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِن لم يكن لَك بُدٌّ فصوِّر الْأَشْجَار» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سعيد بن [أبي] الْحسن قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي رجل أصوِّرُ هَذِه الصُّور، فأفتني فِيهَا. فَقَالَ لَهُ: ادْنُ منِّي، (فَدَنَا مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: ادن مني. فَدَنَا) حَتَّى وضع يَده عَلَى رَأسه، فَقَالَ: أنبئك بِمَا سمعتُ من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] يَقُول: كل مصوِّرٍ فِي النَّار، يَجْعَل لَهُ بِكُل صورةٍ صورها نفسٌ، فتعذبه فِي جَهَنَّم فَقَالَ: إِن كنْتَ لابد فَاعِلا فَاصْنَعْ الشّجر وَمَا لَا نَفْس لَهُ» . وَأخرجه مُسلم من حَدِيث النَّضر بن أنس بن مَالك قَالَ: «كنتُ جَالِسا عِنْد ابْن عَبَّاس (فَجعل) يُفْتِي وَلَا يَقُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (حَتَّى) سَأَلَهُ رجل فَقَالَ: إِنِّي رجل أصوِّرُ هَذِه الصُّور. فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: ادْنُهُ. فَدَنَا الرجل، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: مَنْ صوَّر صُورَة فِي الدُّنْيَا كُلِّف أَن ينْفخ فِيهَا الرّوح يَوْم الْقِيَامَة وَلَيْسَ بنافخٍ» . وللبخاري: «مَنْ صوَّر صُورَة فَإِن الله معذِّبه حَتَّى ينْفخ فِيهَا الرّوح، وَلَيْسَ بنافخٍ فِيهَا أبدا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 الحَدِيث الثَّانِي عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي نَسْج الثِّيَاب المصوَّرة وَجْهَان: أَحدهمَا: التجويز، وَإِلَيْهِ ذهب الْجُوَيْنِيّ، لِأَنَّهَا قد لَا تُلبْس. وَثَانِيهمَا: الْمَنْع، (وَرجحه) الإمامُ، والغزاليُّ فِي «الْوَسِيط» تمسكًا بِمَا ورد فِي الْخَبَر مِنْ لْعنِ المصوِّرين. وَهَذَا صَحِيح، فَفِي «البُخَارِيّ» من حَدِيث عون بن أبي جُحَيْفَة قَالَ: «رأيتُ أبي اشْتَرَى غُلَاما حجَّامًا، فَأمر بمحاجمه فَكُسِرَتْ، فَسَأَلته عَن ذَلِك قَالَ: إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ثمن الدَّم، وَثمن الْكَلْب، وكَسْب الأَمَة، وَلعن آكل الرِّبَا، وموكله، والواشمة، والمستوشمة، وَلعن المصوِّر» . هَذَا لَفظه قبل بَاب السّلم، وَلَفظه فِي بَاب (مهر) الْبَغي وَالنِّكَاح الْفَاسِد من كتاب النِّكَاح من «صَحِيحه» عَن عون بن أبي جُحَيْفَة، عَن أَبِيه قَالَ: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الواشمة، (والمستوشمة) ، وآكل الرِّبَا، وموكله، وَنَهَى عَن ثمن الْكَلْب، وكَسْب الْبَغي، ولَعَن المصورين» . الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا دُعي أحدُكم إِلَى طَعَام فليُجب، فَإِن كَانَ مُفطرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 فَلْيَطْعَمْ، وَإِن كَانَ صَائِما فَلْيُصَلِّ» أَي: فَلْيَدْعُ. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَفِي رِوَايَة لِابْنِ (السّني) وَإِن كَانَ صَائِما دَعَا لَهُ بِالْبركَةِ» . وَهِي شاهدة لِمَا فسَّره الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ. الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوي: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حضر دارَ بَعضهم، فلمَّا قدِّمَ الطعامُ أمسكُ بعضُ الْقَوْم قَالَ: إِنِّي صَائِم. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يتكلَّفُ لكَ أَخُوك الْمُسلم وَتقول: إِنِّي صَائِم، أَفْطِرْ ثمَّ اقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي حميد، عَن إِبْرَاهِيم بن (عبيد) قَالَ: «صنع أَبُو سعيد الخدريُّ طَعَاما، فَدَعَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأصحابَه، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: إِنِّي صَائِم ... » . فَذَكَرَاهُ، زَاد الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الصَّوْم: «وصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إِن شِئْت» . قَالَ هُنَا: وَرَوَاهُ ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي حميد، وَزَاد فِيهِ: «إنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 أحَبَبْتَ - يَعْنِي: القضاءَ» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ مُرْسل. قلت: لِأَن إِبْرَاهِيم رَاوِيه تابعيٌّ، كَمَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُوسَى فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» وأبْعَدَ (عَبْدان) حَيْثُ ذكره فيهم، وَقَالَ أَحْمد فِي حَقِّه: لَيْسَ بمشهورٍ بالعلْم. قلت: وَمَعَ إرْسَاله [فمحمد] بن أبي حميد: واهٍ، قَالَ البُخَارِيّ وَغَيره: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: مَعَ ضعفه يُكْتب حَدِيثه. لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مظلم، وَمُحَمّد بن أبي حميد ضَعِيف الحَدِيث. قلت: وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ هُوَ: أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَواد قَالَ هُوَ فِيهِ: يُعتبر بحَديثه وَلَا يُحتج بِهِ. وَقَالَ الْخَطِيب: مَا رَأَيْت أَحَادِيثه إِلَّا (مُسْتَقِيمَة) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن مُحَمَّد بن أبي حميد، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد بن رِفَاعَة، عَن أبي سعيد ... فَذكره. كَذَا رأيتُه، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد: وَهُوَ (وهم) فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم بن عبيد بن رِفَاعَة، فَتَنَبَّهْ لَهُ. وَأغْرب ابْن السكن، فَأخْرج حَدِيث أبي سعيد هَذَا فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» ، وَهَذَا لَفظه: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَنه صنع طَعَاما، فَدَعَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وأصحابَه) ، فَقَالَ رجل (من الْقَوْم) : إِنِّي صَائِم. فَقَالَ النبى (: تكلَّف أَخُوك وصنع، فَانْظُر مَاذَا بدا لَك، أَن تَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ فَصم» . قلت: وَلِحَدِيث أبي سعيد هَذَا شَاهد من حَدِيث جَابر بن عبد الله، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ هُنَا، وَالْبَيْهَقِيّ فِي الصَّوْم، من حَدِيث عَمرو بن (خليف) بن إِسْحَاق الْخَثْعَمِي، ثَنَا أبي، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن مرسال، ثَنَا مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «صنع ... » فَذكره كَمَا سلف، وَذكره ابْن عدي أَيْضا وَقَالَ: عَمْرو هَذَا مُتَّهم بِوَضْع الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يضع الحديثَ. وَكَذَا قَالَ البيهقيُّ أَيْضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 قلت: وَهُوَ مِنْ حتاوة قَرْيَة بعسقلان، ووالد عَمرو وَإِسْمَاعِيل: لَا أعرف حَالهمَا. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا دُعي أحدُكم (إِلَى طَعَام) فليُجِبْ، فَإِن شَاءَ طعم، وَإِن شَاءَ ترك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الحَدِيث السَّادِس عشر «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ طعم عِنْد سعد بن عبَادَة، فَلَمَّا فرغ قَالَ: أكل (طَعَامكُمْ) الْأَبْرَار، وصلَّت عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة، وَأفْطر عنْدكُمْ الصائمون» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث معمر، عَن ثَابت، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَاءَ سعد بن عبَادَة، فجَاء بِخبْز وزيت، فَأكل، ثمَّ قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أفطر عنْدكُمْ الصائمون، وَأكل (طَعَامكُمْ) الْأَبْرَار، وصلَّتْ عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة» . وَإِسْنَاده صَحِيح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا، وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» ، وَهَذَا لَفظه: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أفطر عِنْد أُناسٍ قَالَ: أفطر عنْدكُمْ الصائمون، وَأكل (طَعَامكُمْ) الْأَبْرَار، (وتنزلتْ عَلَيْكُم) الْمَلَائِكَة» . وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» (ثمَّ) ، قَالَ: لَا يَصح سَماع يَحْيَى بن أبي كثير من أنس. وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» و «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث عبد الله بن الزبير قَالَ: «أفطر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عِنْد سعد بن معَاذ فَقَالَ: أفطر عنْدكُمْ الصائمون ... » الحَدِيث. [فكأنهما] قضيتان جرتا لسعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة. الحَدِيث السَّابِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَا يكره الشّرْب قَائِما. وَحمل مَا ورد من النَّهْي عَلَى حَالَة السَّيْر. أما النَّهْي عَن الشّرْب قَائِما فَصَحِيح ثَابت، أخرجه مُسلم من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يشرب الرجل قَائِما قَالَ قَتَادَة: فَقلت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 لأنس: فالأكل؟ قَالَ: ذَلِك أشرُّ وأخبث» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «زجر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عَن الشّرْب) قَائِما» . وَأخرجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا يِشربنَّ مِنْكُم (أحدٌ) قَائِما، فَمَنْ نسي فَلْيَسْتَقئْ» . وَرَوَى عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «لَو يعلم الَّذِي يشرب وَهُوَ قَائِم مَا فِي بَطْنه لاستقاء» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس: «سقيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من زَمْزَم؛ فَشرب وَهُوَ قَائِم» . رَوَاهُ خَ م. وَحَدِيث (عَلّي) «أَنه شرب قَائِما، وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل كَمَا رَأَيْتُمُونِي فعلت» . رَوَاهُ خَ، فيُحْمل عَلَى بَيَان الْجَوَاز. وحمل الْبَيْهَقِيّ النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه أَو عَلَى التَّحْرِيم، ثمَّ النّسخ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين، وَأنكر ذَلِك عَلَيْهِ أَن لَا يُصَار إِلَى النّسخ إِلَّا عِنْد تعذُّر الْجمع لَو ثَبت التَّارِيخ، وأنَّى لَهُ ذَلِك. وَأما حمل الرَّافِعِيّ النَّهْي عَلَى حَالَة السّير، وصرَّح بِأَنَّهُ لَا يكره الشّرْب قَائِما، فتبع فِيهِ المتولى وَابْن قُتَيْبَة، وَالْمُخْتَار أَن الشّرْب قَائِما بِلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 عذر خلافُ الأَوْلى (كَمَا سلف) . الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حضر فِي (إملاكٍ) ، فأُتي بأطباق عَلَيْهَا جوز ولوز وتمر، فَنثرَتْ، فقبضنا أَيْدِينَا، فَقَالَ: مَا لكم لَا تأخذون؟ (فَقَالُوا) : لِأَنَّك نهيت عَن النهبى. فَقَالَ: إِنَّمَا نهيتُكم عَن نهبى العساكر، خُذُوا عَلَى اسْم الله فجاذَبَنَا وجاذَبْنَاهُ» . هَذَا الحَدِيث كَذَا أوردهُ من حَدِيث جَابر تبعا للْقَاضِي حُسَيْن والإمامِ فِي «نهايته» ، والغزاليِّ فِي «وسيطه» ، وَإِنَّمَا هُوَ مَرْوِيّ من حَدِيث معَاذ وَأنس. أما حَدِيث معَاذ فَلهُ طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: من طَرِيق خَالِد بن معدان عَنهُ قَالَ: «شهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إملاك رجلٍ من أَصْحَابه، فَقَالَ: عَلَى الخيرِ والبركةِ، والألفةِ، والطائر الميمون، والسعةِ فِي الرزق، بَارك الله (لكم) ، دفِّفُوا عَلَى رَأسه. قَالَ: فجيء بِدُفٍّ فَضرب بِهِ، وأقبلنا لأطباقٍ عَلَيْهَا فَاكِهَة، فنثر عَلَيْهِ، فكفَّ الناسُ أَيْديهم، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا لكم لَا تنهبون؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أولم تنهنا عَن النهبة؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَن نهبى العساكر، أما العرسان، فَلَا. (قَالَ) فجاذبهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وجاذبوه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث لمازة بن (الْمُغيرَة) عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن (خَالِد بِهِ) . وَقَالَ: فِي إِسْنَاده مَجَاهِيل وَانْقِطَاع. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عون بن عمَارَة، (و) عصمَة بن سُلَيْمَان، عَن لمازة، وَكِلَاهُمَا لَا يحْتَج بحَديثه، ولمازة بن الْمُغيرَة (مَجْهُول، وخَالِد بن معدان، عَن معَاذ مُنْقَطع. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» ، وَقَالَ: فِي إِسْنَاده: حَازِم، ولمازة، وهما) : مَجْهُولَانِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي بإسنادٍ آخرٍ مجهولٍ، عَن عَائِشَة، عَن معَاذ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع. قَالَ [الْبَيْهَقِيّ] : وَلَا يثبت فِي هَذَا الْبَاب شَيْء. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَائِشَة، عَن معَاذ، وَقد عرفت حَالهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 (وأخرجها) ابْن الْجَوْزِيّ (أَيْضا) فِي «مَوْضُوعَاته» ، ووهَّاها. وَأما حَدِيث أنس فَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب «من رَوَى عَن مَالك» وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» بِلَفْظ (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام شهد إملاك رجلٍ وامرأةٍ من الْأَنْصَار، فَقَالَ: أَيْن شاهدكم؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا شاهدُنا؟ قَالَ: الدُّف، فَأتوا بِهِ فَقَالَ: اضربوا عَلَى رَأس صَاحبكُم، ثمَّ جَاءُوا بأطباقهم، فنثروها، فهاب الْقَوْم أَن يتناولوا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: مَا أزين الْحلم، مَا لكم لَا تتناولون؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، ألم [تَنْه] عَن النهبة؟ قَالَ: نهيتُكم عَن النهبة فِي العساكر، فَأَما هَذَا وأشباهها فَلَا» . قَالَ الْخَطِيب: لَا يثبت عَن مَالك، وَفِيه مَجْهُولَانِ: خَالِد بن إِسْمَاعِيل وَأحمد بن يَعْقُوب. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، فِيهِ خَالِد بن إِسْمَاعِيل. قَالَ ابْن عدي: كَانَ يضع الحَدِيث عَلَى ثِقَات الْمُسلمين. وَأغْرب صَاحب «النِّهَايَة» - من أَصْحَابنَا - فصحَّح الحَدِيث لمَّا أوردهُ من حَدِيث جَابر حَيْثُ قَالَ عقب إِيرَاده من طَرِيقه: فَثَبت الأَصْل بِهَذَا الْخَبَر الصَّحِيح هَذَا لَفظه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 كتاب الْقسم والنشوز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 كتاب الْقسم والنشوز ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ اثْنَي عشر حَدِيثا، وأثرًا وَاحِدًا: أَحدهَا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا كَانَت عِنْد الرجل امْرَأَتَانِ، فَلم يعدل بَينهمَا، جَاءَ يومَ الْقِيَامَة وشِقُّه مائل أَو سَاقِط» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد، والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة) ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث همام. قلت: هُوَ ثِقَة، من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من بَاقِي الْكتب السِّتَّة (لَا جرم) . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَكَذَا قَالَ صَاحب «الاقتراح» أَيْضا، وَقَالَ عبد الْحق: أسْندهُ همام، وَهَمَّام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 ثِقَة حَافظ. وَقَالَ: إِنَّه خبر ثَابت. وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ الْحَاكِم. وَلَفظ أبي دَاوُد: «مَنْ كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَال إِلَى [إِحْدَاهمَا] جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وشِقُّه مائل» . وَلَفظ أَحْمد: «من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ يمِيل لإحداهما عَن الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة يجر أحد شِقيه ساقطًَا أَو مائلًا» . شكّ [يزِيد] أحد رُوَاته. وَلَفظ الدَّارمِيّ: «من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَال إِلَى إِحْدَاهمَا: جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وشِقُّه مائل» . وَلَفظ النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه: «يمِيل لإحداهما عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أحد شقيه مائل» . وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: « (من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَلم يعدل بَينهمَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَشقه سَاقِط» وَلَفظ ابْن حبَان) «من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ، مَالَ مَعَ [إِحْدَاهمَا] عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَأحد شقيه سَاقِط» . الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل وَيَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قسمي فِيمَا أملك، فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي بَاب الخصائص وَاضحا، وَذكره الشَّافِعِي فِي «مُخْتَصره» بلاغًا، فَقَالَ: يَعْنِي - وَالله أعلم - (قلبه) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فسَّره بعض (أهل الْعلم) بالحُبِّ والمودة. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يمْضِي إِلَى نِسَائِهِ لأجْل الْقسم» . هَذَا (صَحِيح) عَنهُ مَشْهُور، متكرر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وستعلم بَعْضهَا عَلَى الإثر. الحَدِيث الرَّابِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يطوف علينا جَمِيعًا فيُقَبِّلُ ويلمس، فَإِذا جَاءَ وَقت الَّتِي هِيَ نوبتها أَقَامَ عِنْدهَا» . هَذَا (الحَدِيث) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَلَفظ الإِمَام أَحْمد عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا مِنْ يَوْم إِلَّا وَهُوَ يطوف علينا جَمِيعًا، امْرَأَة امْرَأَة، فيدنو ويلمس من غير مَسِيس، حَتَّى يُفْضِي إِلَى الَّتِي هِيَ يَوْمهَا فيبيت عِنْدهَا» . وَلَفظ أبي دَاوُد: قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يفضِّل بَعْضنَا عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 بعض فِي الْقسم من مُكْثه عندنَا، وَكَانَ قلَّ يَوْم يَأْتِي إِلَّا وَهُوَ يطوف علينا جَمِيعًا، فيدنو من كل امْرَأَة من غير مَسِيس، حَتَّى يبلغ الَّتِي هُوَ يَوْمهَا فيبيت عِنْدهَا» . وَلَقَد قَالَت سَوْدَة بنت زَمعَة حِين أسَنَّتْ وفرقتْ أَن يفارقها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: (يَا رَسُول الله، يومي لعَائِشَة. فَقَبِلَ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهَا، قَالَت: تَقول: فِي ذَلِك أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ وَفِي أشباهها (وَإِن امْرَأَة خَافت» . وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: عَن عَائِشَة قَالَت: «مَا كَانَ - أَو قلَّ - يَوْم إِلَّا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يطوف علينا جَمِيعًا، فَيُقَبِّلُ ويلمس مَا دون الوِقاع، فَإِذا جَاءَ الَّتِي هُوَ يَوْمهَا يبيت عِنْدهَا» . وَفِي إِسْنَاده «عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد» : (وَقد) تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَوَثَّقَهُ مَالك، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، لَا جرم أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بقريبٍ من لفظ أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. الحَدِيث الْخَامِس وَقَالَ الرَّافِعِيّ: والأَولى أَن لَا يزِيد عَلَى لَيْلَة وَاحِدَة، اقْتِدَاء برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا حَدِيث صَحِيح، فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث عَائِشَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنَّهَا قَالَت: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ، فأيَّتُهُنَّ خرج (سهمها) خرج بهَا مَعَه، وَكَانَ يقسم لكل امْرَأَة مِنْهُنَّ يَوْمهَا وليلتها، غير أَن سَوْدَة بنت زَمعَة وَهَبَتْ يَوْمهَا وليلتها لعَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تبتغي بذلك رضَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَفِيه غير ذَلِك من الْأَحَادِيث. الحَدِيث السَّادِس رُوي مُرْسلا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تُنْكح الأَمَة عَلَى الْحرَّة، وللحرة ثُلثان من الْقسم» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب «مَا يحرم من النِّكَاح» بِدُونِ الزِّيَادَة الْأَخِيرَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار: «من السُّنَّة أَن الْحرَّة إِن أَقَامَت عَلَى ضرار فلهَا يَوْمَانِ، وللأَمة يَوْم» . وَذكره الْمَاوَرْدِيّ من حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تنْكح (أمة عَلَى حرَّة) ، وللحرة الثُّلُثَانِ، وللأَمة الثُّلُث» . وَذكره أَيْضا من هَذَا الْوَجْه الغزاليُّ وإمامُهُ، وَقد أسلفناه هُنَاكَ مُخْتَصرا بِدُونِ القَسم. وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم مَا نَصه: الْأسود بن عويم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 السدُوسِي، رَوَى حَدِيثه: عَلّي بن قرين، عَن حبيب بن عَامر بن مُسلم السدُوسِي، عَن الْأسود بن عويم قَالَ: «سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْجمع بَين الْحرَّة وَالْأمة، فَقَالَ: للْحرَّة يَوْمَانِ، وللأمة يَوْم» . و «الْأسود بن عويم» ذكره ابْن مَنْدَه أَيْضا فِي الصَّحَابَة، وَآفَة هَذَا الْخَبَر (من) ابْن قرين، فَإِنَّهُ كذَّاب. قَالَ الرَّافِعِيّ: رُوِيَ ذَلِك عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فاعتضد بِهِ الحَدِيث. قلت: قد أسلفناه هُنَاكَ عَن رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، وَرَوَاهُ هُنَا من طَرِيق آخر عَنهُ، رَوَاهَا من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن عباد بن عبد الله الْأَسدي قَالَ: قَالَ عَلّي: «إِذا نكحت الْحرَّة عَلَى الأَمة، فلهذه الثُّلُثَانِ، وَهَذِه الثُّلُث» . و «عباد» هَذَا مُخْتَلف فِيهِ، قَالَ خَ: فِيهِ نظر. (و) قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ضَعِيف الحَدِيث. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه لَا يَصح؛ لِأَن ابْن أَبَى لَيْلَى سيئ الْحِفْظ، والمنهال: ضَعِيف، وَرُوِيَ عَن الْمُغيرَة بن مقسم أَنه قَالَ: لم يثبت للمنهال شَهَادَة فِي الْإِسْلَام. وَلكنه صَحِيح من قَول إِبْرَاهِيم، وَسَعِيد بن الْمسيب، ومسروق، وَالشعْبِيّ، وَالْحسن الْبَصْرِيّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 وَلما ذكره الْمَاوَرْدِيّ من قَول عَلّي قَالَ: لم يُخَالِفهُ (غَيره) ، فَكَانَ إِجْمَاعًا. الحَدِيث السَّابِع عَن أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ مَوْقُوفا «للبِكْر سبع، وللثيب ثَلَاث» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي قلَابَة عَن أنس: «من السُّنَّة إِذا تزوج الرجل الْبكر عَلَى الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا، وَقسم، وَإِذا تزوج الثّيّب [عَلَى الْبكر] أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا ثمَّ قسم» . قَالَ أَبُو قلَابَة: وَلَو شِئْت لَقلت: إِن أنسا رَفعه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي قلَابَة عَن أنس: وَلَو شِئْت أَن أَقُول: قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَلَكِن قَالَ: «السُّنة إِذا تزوج البِكْرَ أَقَامَ عِنْدهَا سبعا، وَإِذا تزوج الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا» . وَرَوَاهُ مُسلم من طَرِيقين بِنَحْوِهِ، وَفِيه قَالَ خَالِد: لَو شِئْت قلت رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ اعْلَم أَن تَسْمِيَة الرَّافِعِيّ لهَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا وَهُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، حَيْثُ قَالُوا: إِن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ: «من السُّنة كَذَا» كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 مَرْفُوعا، عَلَى أَنه رُوِيَ مَرْفُوعا (صَرِيحًا) . من طريقٍ صحيحةٍ أخرجهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي «سنَنَيْهِمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَهَذَا لَفظه: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ] سبع للبِكْر، وَثَلَاث للثيب» . وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «للبكر سَبْعَة أَيَّام، وللثيب ثَلَاثَة (أَيَّام، ثمَّ) يعود إِلَى نِسَائِهِ» . وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: عَن أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا تزوَّج البِكْرَ عَلَى الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا، وَإِذا تزوَّج الثّيّب عَلَى الْبكر أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا» . وَأخرجه الدَّارمِيّ فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «للبكر سبع، وللثيب ثَلَاث» . الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأُمِّ سَلمَة: «إِن شئتِ سَبَّعْتُ عنْدك وسَبَّعْتُ عِنْدهن، وَإِن شئتِ ثَلَّثْتُ عنْدك، ودُرْتُ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا - أَعنِي: أُمَّ سَلمَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين تزوَّج أُمَّ سَلمَة وأصبحتْ عِنْده قَالَ لَهَا: لَيْسَ بِكِ عَلَى أهلك هوانٌ، إِن شئتِ سَبَّعْتُ عنْدك، وَإِن شئتِ ثَلَّثْتُ، ثمَّ دُرْتُ. قَالَت: ثَلِّثْ» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ، وَذكره فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إسنادٍ. قَالَ الرَّافِعِيّ: ورُوي: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأُمِّ سَلمَة: إِن شئتِ أقمتُ عنْدك ثَلَاثًا خَالِصَة لَك، وَإِن شئتِ سَبَّعْتُ لَك وسَبَّعْتُ لنسائي» . قلت: رَوَاهُ (كَذَلِك) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بزيادةٍ فِيهِ، وَهَذَا سِيَاقه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهَا حِين دخل بهَا: لَيْسَ بِكِ هوان عَلَى أهلك، إِن شئتِ أقمتُ عنْدك ثَلَاثًا خَالِصَة، وَإِن شئتِ سَبَّعْتُ لَك، وسَبَّعْتُ لنسائي، قَالَت: تقيم معي ثَلَاثًا خَالِصَة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَهَذَا سِيَاق روايتهما عَن أمِّ سَلمَة: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما تزوَّجها أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا، قَالَ: إِنَّه لَيْسَ بكِ عَلَى أهلك هوانٌ، إِن شئتِ سَبَّعْتُ لَك، وَإِن سَبَّعْتُ لَك، سَبَّعْتُ لنسائي» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي حَاتِم فِي «علله» : (وَإِن شئتِ زدتُ فِي مهرك وزدتُ فِي مهورهن» . ثمَّ قَالَ: قَالَ أبي: لَو صَحَّ هَذَا لَكَانَ الزِّيَادَة فِي الْمهْر جَائِزَة. تَنْبِيه: ظَاهر رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه أَنه قَالَ لَهَا ذَلِك بعد الثَّلَاث، وَهُوَ مُخَالف لرِوَايَة مُسلم السالفة، أَنه قَالَ لَهَا ذَلِك عِنْد الصَّباح من أول يَوْمهَا، إِلَّا أَن يُحمل عَلَى الصَّباح بعد (اللَّيْلَة) الثَّالِثَة. تَنْبِيه آخر: أنكر الرَّافِعِيّ عَلَى الغزاليِّ؛ حَيْثُ قَالَ فِي «وجيزه» : قَالَ رَسُول (: «وَقد التمست أم سَلمَة ... .» إِلَى آخِره، فَإِن قَالَ: هَذَا يُشعر بِتَقْدِيم التمَاس أم سَلمَة عَلَى تخييره عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاهَا، وَكَذَلِكَ نَقَلَ الإمامُ، قَالَ: وَلَا تَصْرِيح بذلك فِي كتب الحَدِيث، قَالَ: وَاللَّفْظ فِي «سنَن أبي دَاوُد السجسْتانِي» صريحٌ فِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ هُوَ الَّذِي خيَّرها بَين ذَلِك، ثمَّ ذكره الرافعيُّ بِلَفْظ أبي دَاوُد. لَكِن فِي «صَحِيح مُسلم» تَقْدِيم التماسها عَلَى إِقَامَتهَا عِنْده، إذْ فِيهِ من حَدِيث أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين تزوَّج أُمَّ سَلمَة، فَدخل عَلَيْهَا، فَأَرَادَ أَن يخرج؛ فأخذتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن شئتِ (زدتك) وحاسبْتُك بِهِ، للبكْر: سبع، وللثيب: ثَلَاث» . فأخْذُها بِثَوْبِهِ فِيهِ طلبُهَا لإقامته عِنْدهَا. وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» : «أَنَّهَا أخذتْ بِثَوْبِهِ مَانِعَة من الْخُرُوج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 من بَيتهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن شئتِ ... » الحديثَ. ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقد نبَّه عَلَى ذَلِك الرافعيُّ فِي تَنْبِيه فَقَالَ: لَيْسَ فِي الرِّوَايَات تصريحٌ بِمَا قَالَه الغزاليُّ، قَالَ: لَكِن رَوَى بَعضهم: «أَنه لما أَرَادَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يخرج أخذتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: إنْ شئتِ زدتُكِ وحاسبتُك بِهِ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: ونُقِل: «أَن أُمَّ سَلمَة اختارتْ الاقتصارَ عَلَى الثَّلَاث» . قلت: هَذَا صَحِيح، كَمَا سلف مِنْ عِنْد «مُسلم» ، وَكَانَ يَنْبَغِي للرافعي أَن يجْزم بِهِ. الحَدِيث التَّاسِع «أَن سَوْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها لمَّا كَبُرَتْ جعلتْ يَوْمهَا لعَائِشَة، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُقَسِّمُ لَهَا يَوْمهَا وَيَوْم سَوْدَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَقد سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس عَن رِوَايَة البُخَارِيّ بِطُولِهِ. وَذكره الشَّافِعِي فِي «الأُمِّ» مُرْسلا، فَقَالَ: أَنا ابْن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه: «أَن سَوْدَة وهبتْ يَوْمهَا لعَائِشَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد وَصله عقبةُ بْنُ خَالِد فَذكر عائشةَ، وَوَقع فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 رِوَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ والقاضى الحسينِ: «أَنَّهَا قَالَت لَهُ بعد أَن طَلقهَا وَاحِدَة: راجِعْنِي» . وَهَذِه رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طلَّق سودةَ، فلمَّا خرج إِلَى الصَّلَاة أمسكتْهُ بِثَوْبِهِ، فقالتْ: (مَا لي) فِي الرِّجال حَاجَة، وَلَكِنِّي أُرِيد أَن أُحْشَرَ فِي أَزوَاجك، قَالَ: فراجَعَهَا، وَجعل يَوْمهَا لعَائِشَة (فَكَانَ) يِقَسْم (لَهَا) بيومها وَيَوْم سَوْدَة» وَهَذَا (مَعَ) إرْسَاله، فِيهِ أَحْمد العطاردي، وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ ابْن عدي: رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضعفه، وَقَالَ مطين: كَانَ يكذب. الحَدِيث الْعَاشِر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَمَّ بِطَلَاق سَوْدَة؛ فوهبتْ يَوْمهَا لعَائِشَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث: عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «لقد قَالَت سودةُ بنْتُ زَمعَة حِين أسَنَّتْ وَفرقت أَن (يفارقها) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا رَسُول الله، يومي لعَائِشَة. فَقَبِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَلِك مِنْهَا. قَالَت: نقُول: فِي ذَلِك أُنْزِلَ (وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا» . وَذكره مرَّةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 مُرْسلا، وَأعله ابْنُ الْقطَّان بابْنِ أبي الزِّنَاد. وَفِي «التِّرْمِذِيّ» وَقَالَ: حسن غَرِيب، من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «خشيتْ سودةُ أَن يُطَلِّقها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَت يَا رَسُول الله: لَا تطلِّقْني، وأمسِكْني، واجعلْ يومي لعَائِشَة، فَفَعَلَ» . وَفِي «الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث «أبي دَاوُد» أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: «خشيتْ أَن يطلِّقها ففعلتْ ذَلِك» . الحَدِيث الحادى عشر صحَّ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا أَرَادَ سَفَرًا أَقرع بَين أَزوَاجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا» . هُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ، فقد أخرجه كَذَلِك البخاريُّ فِي «صَحِيحه» ، كَمَا سلف بِطُولِهِ فِي الحَدِيث الْخَامِس. وَأخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث الْقَاسِم عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَت: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ، فطارت الْقرعَة لعَائِشَة وَحَفْصَة» . ذكره خَ فِي (النِّكَاح) ، وم فِي (الْفَضَائِل) . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يُنْقَل: «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا عَاد يَقْضي» . وَلَو كَانَ يقْضِي لأشبه أَن ينْقل مَعَ ذكر سَفَره لمَنْ خرج سهمها. وَهُوَ كَمَا قَالَ، (قَالَ) : وَحَكَى بَعضهم وَمِنْهُم أَبُو الْفرج الزاز: أَنه رُوي عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانَ يقْضِي» . قلت: هَذِه غَرِيبَة، لَا يَحْضُرُني مَنْ خَرَّجَهَا بعد الْبَحْث عَنْهَا، وَكَلَام الرافعى (مُؤذن بضعفها) حَيْثُ عزاها إِلَى بَعضهم. الحَدِيث الثَّانِي عشر ورد فِي الْخَبَر: النهْي عَن ضرب الزَّوْجَات. هَذَا الْخَبَر صَحِيح، رَوَاهُ: أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة إِيَاس بن عبد الله بن أبي ذُبَاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تضربوا إِمَاء الله، فجَاء عمرُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ذئرن النساءُ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 أَزوَاجهنَّ، فَرخص فِي ضربهن، (فأطاف بآل) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نسَاء كثيرا يَشكونَ أزواجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بخياركم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: بلغنَا عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا يُعْرف لإياسٍ صُحْبة. قلت: ذكر ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه عَن أَبِيه وَأبي زُرْعة أَنَّهُمَا قَالَا: لَهُ صُحْبَة، وَكَذَا قَالَ أَبُو عمر فِي «استيعابه» ، وَذكره ابْن حبَان فِي الصَّحَابَة. نَعَمْ قَالَ ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم: اخْتلف فِي صحبته، قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَا أعلمهُ رَوَى غير هَذَا الحَدِيث. تَنْبِيه: مَعْنَى: (ذئرن) النِّسَاء: اجْتَرَأن ونشزن، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَهُ تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: البطر والأشرة، وَالثَّانِي: الْبذاء والاستطالة. وَفِي «حواشى السّنَن» عَن بَعضهم: الذاير: الغياظ عَلَى خَصمه المستعد للشر، وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ رَاء مُهْملَة. وَرُوِيَ: (ذئرن) بالنُّون وبحذفها، وَهُوَ باللغة الْغَالِبَة، وَالْأول لُغَة وَردت فِي الْكتاب والسُّنة وأشعار الْعَرَب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 تَنْبِيه آخر: قَالَ الرَّافِعِيّ: أَشَارَ الإِمَام (الشَّافِعِي فِي) هَذَا الْخَبَر وَشبهه إِلَى احْتِمَالَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه مَنْسُوخ، إِمَّا بِالْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: (فاضربوهن (، وَإِمَّا بالْخبر. أَي: كآخر هَذَا الْخَبَر، وَبِحَدِيث جَابر الطَّوِيل الثَّابِت فِي «مُسلم» الَّذِي أسلفناه فِي الْحَج بِكَمَالِهِ: «فاضربوهن ضربا غير مبرِّح» . وَفِي حَدِيث مَكْحُول عَن أم أَيمن: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَوْصَى بعض أهل بَيته ... » . فَذكر حَدِيثا طَويلا، فِيهِ: «وَلَا ترفع عصاك عَنْهُم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي هَذَا إرْسَال، مَكْحُول لم يدْرك أُمَّ أَيمن، قَالَ أَبُو عبيد: فِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ (الْكسَائي) وَغَيره: يُقَال: إِنَّه لم (يرد) الْعَصَا (الَّتِي) يضْرب بهَا، وَلَا أَمر أحدا قَط بذلك، وَلكنه أَرَادَ الأدبَ. قَالَ أَبُو عبيد: وأصل العصى: الِاجْتِمَاع والائتلاف. وَالثَّانِي: حمل النَّهْي عَلَى الْكَرَاهَة، أَو عَلَى أَن الأَوْلى التَّحَرُّز عَنهُ مَا أمكن، وَقَالَ ابْن دَاوُد - من أَصْحَابنَا - فِي «شرح الْمُخْتَصر» : اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن إِذْنه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الضَّرْب بعد أَن نهَى عَنهُ، ووَرَدَتْ الآيةُ مُوَافقَة لإذنه، فَيكون إِذْنه نَاسِخا لنَهْيه، ثمَّ اسْتحبَّ تركَ الضَّرْب أَو منع مِنْهُ، فَجَاءَت الآيةُ بِالْإِبَاحَةِ، وأمْره موافقٌ لَهَا. وَهَذَا الِاخْتِلَاف مَبْنِيّ عَلَى جَوَاز نسخ الْكتاب بالسُّنَّة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 هَذَا آخِرُ مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِيهِ من الْأَحَادِيث. وَذكر فِيهِ أثرا عَن عليّ، وَقد سلف، وأثرًا آخَرَ عَنهُ: «أَنه بعث حكمين، وَقَالَ: تدريان مَا عَلَيْكُمَا؟ إِن رأيتُما أَن تجمعَا فجمعا، وَإِن رأيتُما أَن تفرِّقا ففرِّقا، فَقَالَت الزَّوْجَة: رضيتُ بِمَا فِي كتاب الله تَعَالَى - عليَّ ولي. فَقَالَ الرجل: أما الْفرْقَة فَلَا، قَالَ عليٌّ: كذبتَ، لَا واللَّهِ حَتَّى تقر بمثْل الَّذِي أقرَّت بِهِ» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: أبنا الثَّقَفِيّ، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن عُبَيْدَة «أَنه قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: (وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله) قَالَ: جَاءَ رجل وَامْرَأَة إِلَى عَلّي، وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِئَام من النَّاس، فَأَمرهمْ عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فبعثوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا، ثمَّ قَالَ لِلْحكمَيْنِ: تدريان مَا عَلَيْكُمَا، عَلَيْكُمَا (إِن رَأَيْتُمَا) أَن تجمِّعا أَن تُجَمِّعَا، وَإِن رَأَيْتُمَا أَن تفَرقا أَن تفَرقا. فَقَالَت الْمَرْأَة: رضيتُ بِكِتَاب الله بِمَا (فِيهِ عليَّ) ولي، فَقَالَ الرجل: أما الْفرْقَة: فَلَا. فَقَالَ عليٌّ: كذبتَ واللَّهِ حَتَّى تقر بِمثل الَّذِي أقرتْ بِهِ» . وَرَوَاهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» قبيل: إحْيَاء الْموَات، مَعَ تخالفٍ فِي لفظٍ يسيرٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 كتاب الخُلْع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 كتاب الخُلْع ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا، وآثارًا. أمَّا الحَدِيث: فَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَت امرأةُ ثابتِ بْنِ قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، مَا أَنْقم عَلَى ثَابت فِي دِيْنٍ وَلَا خُلُق، إِلَّا أَنِّي أخافُ الكفرَ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حديقته؟ فَقَالَت: نعم، فردَّتْ عَلَيْهِ، و (أَمَرَه) أَن يفارقها» . ويُرْوى: «أَنه كَانَ أصدقهَا تِلْكَ الحديقة، فخالعها عَلَيْهَا» . وَيُقَال: إِنَّه أوَّل خُلْع (جَرَى) فِي الْإِسْلَام. وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه البخارى فِي «صَحِيحه» عَن ابْن عَبَّاس: «أَن امرأةَ ثَابت بن قيس أتتْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فقالتْ: يَا رَسُول الله، ثَابت بن قيس مَا أَعتب عَلَيْهِ فِي دِيْنٍ وَلَا خُلق، وَلَكِنِّي أكره الكفرَ فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أتردِّين عَلَيْهِ حديقته؟ قَالَت: نعم، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (اقْبَلِ الحديقةَ، و (رُدَّهَا) تَطْلِيقَة» . وَفِي لفظ آخر: «أتردِّين عَلَيْهِ حديقته؟ قَالَت: نعم. فَرُدَّتْ لَهُ، وَأمره ففارقها» . وَفِي أوَّله: «وَلَكِنِّي أَخَاف الكفرَ» بدل «أكره الكفرَ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 عِكْرِمَة: «أَن جميلَة ... » فَذكر الحديثَ. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث عمْرَة، عَن عَائِشَة: «أَن حَبِيبَة بنت سهل كَانَت عِنْد ثَابت بن قيس بن شماس، فضربها، فَكسر بَعْضهَا، فأتَتِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بعد الصُّبْح، فَدَعَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) ثَابتا، فَقَالَ: خُذْ بعض مالِهَا وفارقْها. فَقَالَ: و (يصلح) ذَلِك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنِّي أصدقْتُهَا حديقتين وهُمَا بِيَدِهَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: خُذْهُمَا وفارقْها. فَفعل» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن أبي حثْمَة وَفِيه: أَن اسْمهَا حَبِيبَة بنت سهل. وَفِي آخِره: «وَكَانَ ذَلِك أول خُلْع فِي الْإِسْلَام» . وَقد أوضحتُ طُرُقَ هَذَا الحَدِيث فِي اخْتِلَاف اسْمهَا وغَيْرَ ذَلِك فِي «تخريجى لأحاديث المهذَّب» ، فراجِعْهُ مِنْهُ. وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ: بَلغنِي «أَنَّهَا قَالَت للنبيِّ (فيَّ مِنَ الجَمَال مَا تَرَى، وثابتٌ رجل دميم» . وَفِي «الْمعرفَة» لأبي نعيم قَالَت: «وَلَوْلَا مَخَافَة الله لبزقتُ فِي وَجهه» . وَفِي آخِره: «قَالَ: وَكَانَ ذَلِك أول خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَام» . قَالَ الرَّافِعِيّ: ويُحْكى «أَن ثَابتا كَانَ ضرب زَوجته، وَلذَلِك افتدت» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، كَمَا سلف. وأمَّا الْآثَار فِيهِ: قَالَ الرَّافِعِيّ: ويُرْوى عَن: عُمر، وَعُثْمَان، وعليّ، وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: «أَن الخُلْع طَلَاق» . ويُرْوى عَن: ابْن عُمر وَابْن عَبَّاس: «أَنه فسْخٌ، لَا ينقص عددا» . ثمَّ حَكَى عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: لَا يثبت عَن [أَحْمد] أَنه طَلَاق، وَعَن ابْن الْمُنْذر: أَن الرِّوَايَة عَن عُثْمَان ضَعِيفَة، وَأَنه لَيْسَ فِي الْبَاب أصح من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَحَكَى غيرُه اخْتِلَاف الرِّوَايَة عَن عُثْمَان فِي الْمَسْأَلَة، وَقَالَ فِي «تذنيبه» : إِمَّا أَنه مَذْهَب عُمر فَلم أجد لَهُ إِسْنَادًا، وَإِمَّا أَنه عَن عُثْمَان فَرَوَاهُ الشافعيُّ عَن مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن (جمْهَان) مولَى الأسلميين عَن أُمِّ بكرَة الأسْلَمِيَّة «أَنَّهَا اختلعتْ من زَوجهَا، ثمَّ أَتَيَا عثمانَ فِي ذَلِك، فَقَالَ: (هِيَ) تَطْلِيقَة، إِلَّا أَن تكون سمَّت شَيْئا فَهُوَ مَا سمَّت» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوي أَنه طَلَاق فِي حديثٍ مسندٍ لم يثبت إِسْنَاده، قَالَ: ورُوي فِيهِ عَن: عَلّي وَابْن مَسْعُود. قَالَ ابْن الْمُنْذر: وضعَّف الإِمَام أحمدُ حديثَ عُثْمَان، وحديثَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 عليّ، وَابْن مَسْعُود، وَفِي إسنادهما مقَال، وَلَيْسَ فِي الْبَاب أصح من حَدِيث طَاوس عَن ابْن عَبَّاس: «إِن الخُلْع لَيْسَ بطلاقٍ» . قلت: أمَّا أثر عمر: فَلم يحضرني مَنْ أخرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَأما أثر عُثْمَان: فقد عَلمته من حَدِيث مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن جمْهَان، عَن أُمِّ بكرَة الأسْلَمِيَّة: (كَانَت (عِنْد) عَبْدِ الله بْنِ أسيد، فاختلعتْ مِنْهُ، فارتفعا إِلَى عثمانَ بْنِ عَفَّان، وَأَجَازَ ذَلِك وَقَالَ: هِيَ وَاحِدَة، إِلَّا أَن تكون سمت فَهُوَ عَلَى مَا سمت» . وَقد تقدم تَضْعِيف أَحْمد لَهُ. وَأما أثر عليٍّ، فَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه رُوي عَنهُ من طريقٍ لَا يَصح. وَأما أثر ابْن مَسْعُود، فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عليّ بن هَاشم، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «لَا تكون طَلْقَة بَائِنَة إِلَّا (فِي) فديَة أَو إِيلَاء» . وَابْن أبي لَيْلَى سيئ الْحِفْظ. وَأما أثر ابْن عمر: فَرَوَاهُ ابْن حزم من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن نَافِع مولَى ابْن عمر أَنه سمع رُبَيِّعَ بنْتَ معوِّذ بن عفراء - وَهِي [تخبر] عبد الله بن عُمر -: «أَنَّهَا اختلعتْ من زَوجهَا عَلَى عهْد عُثْمَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 بن عَفَّان، (فخاصمها) إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ: إِن ابْنة معوذ اختلعتْ مِنْ زَوجهَا الْيَوْم، أفتنتقل؟ فَقَالَ عُثْمَان: لتنتقلْ، وَلَا مِيرَاث بَينهمَا، وَلَا عدَّة عَلَيْهَا، إِلَّا أَنَّهَا لَا تنْكح حَتَّى تحيض (حَيْضَة) خشيَة أَن يكون فِيهَا حمْل، فَقَالَ عبد الله (بن عمر) فعثمان خيرنا وأعلمُنا» . وَأما أثر ابْن عَبَّاس: فسلف بَيَانه، وَقَول ابْن الْمُنْذر فِيهِ: إِنَّه أصح مَا فِي الْبَاب. وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سُفْيَان، عَن عَمرو، (عَن طَاوس) ، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «الخُلْع تَفْرِيق، وَلَيْسَ بِطَلَاق» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 كتاب الطَّلَاق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 كتاب الطَّلَاق ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث: فستة وَعِشْرُونَ حَدِيثا: الحَدِيث الأول رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أبْغَضُ الْمُبَاح إِلَى الله الطَّلَاق» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق ابْن عُمر، وَمن طَرِيق معَاذ، بِلَفْظ: «الْحَلَال» بدل «الْمُبَاح» . أما طَرِيق ابْن عمر: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن كثير بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن خَالِد، عَن (معرف) بن وَاصل، عَن محَارب بن دثار الْكُوفِي، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «أبْغض الحلالِ إِلَى الله الطَّلَاق» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه بالسند الْمَذْكُور، إِلَّا أَنه قَالَ: عَن عبيد الله بن الْوَلِيد [الْوَصَّافِي] بدل: معرِّف بن وَاصل. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَن مُحَمَّد بن بَالَوَيْهِ، عَن مُحَمَّد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 بن عُثْمَان (بن) أبي شيبَة، عَن أَحْمد بن يُونُس، عَن معرف بن وَاصل، عَن محَارب بن دثار، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا أحلَّ الله شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاق» . ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» : إِنَّهَا عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مرَّةً بِإِسْقَاط ابْن عُمر؛ رَوَاهُ عَن أَحْمد بن يُونُس، عَن معرِّف، عَن محَارب بن دثار، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ فَذكره بِلَفْظ رِوَايَة الْحَاكِم. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن (بكير) ، ثَنَا معرف بن وَاصل، حَدثنِي محَارب بن دثار قَالَ: «تزوَّج رجل عَلَى عهْده عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَة فَطلقهَا. فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: أتزوجتَ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: طلقتَ؟ قَالَ: أمِنْ ريبةٍ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قد يفعل ذَلِك الرجل. قَالَ: ثمَّ تزوَّج امْرَأَة أُخْرَى فَطلقهَا. فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام مِثْلَ ذَلِك» . قَالَ (محَارب) : فَمَا أَدْرِي أعِنْدَ هَذَا أَو عِنْد الثَّالِثَة قَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّه لَيْسَ شَيْء من الْحَلَال أبْغض إِلَى الله من الطَّلَاق» . وَهَذَا مُرْسل كَمَا ترَى، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث ابْن عمر هَذَا، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن محَارب عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 مُرْسل، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن الْمُرْسل أشبه، وَقَالَ المنذريُّ: إِن الْمَشْهُور فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مُرْسل، قَالَ: وَهُوَ غَرِيب، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة ابْن أبي شبية - يَعْنِي: مُحَمَّد بن عُثْمَان - يَعْنِي: السالفة الموصولة -: وَلَا أرَاهُ يحفظه. قلت: قد صَححهُ الْحَاكِم، كَمَا سلف، وَقد أيده رِوَايَة مُحَمَّد بن خَالِد الموصولة السالفة عَن أبي دَاوُد، وَرِوَايَة ابْن مَاجَه من طريقٍ آخر سلفتْ أَيْضا، فترجَّحَتْ إِذا، وأعلَّ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» طَرِيق الْوَصَّافِي، فَذكره من طَرِيقه، ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح؛ لأجْل الْوَصَّافِي هَذَا. قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «كتاب الْمَجْرُوحين» من هَذِه الطَّرِيق، وَقَالَ: عبيد الله بن الْوَلِيد الْوَصَّافِي هَذَا مُنكر الحَدِيث جدًّا، يَرْوي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، حَتَّى (إِذا) سَمعه (المستمع) سَبَقَ إِلَى قلبه أَنه كالمعتمد لَهَا، وَاسْتحق التركَ، وكتبنا عَنهُ نُسْخَة كلهَا مَقْلُوبَة. وَأما طَرِيق معَاذ: فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن (سِنِين) ثَنَا عُمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد، ثَنَا حميد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 بن مَالك اللَّخْمِيّ، ثَنَا مَكْحُول، عَن مَالك بن (يخَامر) ، عَن معَاذ مَرْفُوعا: «مَا أحلَّ الله شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاق، فَمَنْ طلق وَاسْتَثْنَى (فَلهُ ثنياه» وَحميد هَذَا) ضعفه يَحْيَى وَأَبُو زرْعَة وغيرُهما، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَأعله ابْن الْقطَّان بعمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن سِنِين، وَقَالَ: إنَّهُمَا مَجْهُولَانِ. قلت: (إِسْحَاق) هُوَ الْخُتلِي صَاحب «الديباج» ، قَالَ الْحَاكِم: لَيْسَ بالقويّ، وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيف، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بالقويّ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن حميد بن مَالك اللَّخْمِيّ، عَن مَكْحُول، عَن معَاذ مَرْفُوعا: «يَا معَاذ، مَا خَلَقَ الله - تَعَالَى - شَيْئا عَلَى وَجه الأَرْض أحبَّ إِلَيْهِ من الْعتاق، وَلَا خلق الله - تَعَالَى - عَلَى وَجه الأَرْض أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق، فَإِذا قَالَ الرجل لمملوكه: أَنْت حُرٌّ - إِن شَاءَ الله - فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا اسْتثِْنَاء لَهُ، وَإِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته: أنتِ طَالِق - إِن شَاءَ الله - فَلهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَلَا طَلَاق عَلَيْهِ» . الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الله - تَعَالَى -: (فطلقوهن لعدتهن) أَي: للْوَقْت الَّذِي يشرعن فِي الْعدة، ورُوي عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَرَأَ «لقبل عدتهن) وتكلَّموا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 فِي أَنه قراءةٌ أَو تفسيرٌ. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عُمر: «أَنه طلَّق امْرَأَته وَهِي حَائِض، تَطْلِيقَة وَاحِدَة؛ فَأمره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُرَاجِعهَا، ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض عِنْده حَيْضَة أُخْرَى، ثمَّ يُمْهِلهَا حَتَّى تطهر مِنْ حَيْضهَا، فَإِن أَرَادَ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا حِين تطهر مِنْ قَبْل أَن يُجَامِعهَا؛ فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تُطَلَّق لَهَا النِّسَاء» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قَالَ ابْن عُمر: وَقَرَأَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فراجِعْهَا، وحُسِبَتْ لَهُ الطَّلقَة الَّتِي طَلقهَا» . وَفِي أُخْرَى لَهُ: «مُرْهُ، فليراجِعهَا، ثمَّ ليطلقْهَا طَاهِرا أَو حَامِلا» . وَفِي أُخْرَى لَهُ: « (مره فَلْيُرَاجِعهَا) ثمَّ إّذا طهرت فَلْيُطَلِّقهَا» . قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى هَذَا الحديثَ جماعاتٌ عَن ابْن عُمر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمره أَن يُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ إِن شَاءَ أمسك، وَإِن شَاءَ طلق» . وَفِي أُخْرَى لَهُ: « (قَالَ) ابْن عمر: فردَّها عليَّ، وَلم يرهَا شَيْئا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 قَالَ أَبُو دَاوُد: (و) الْأَحَادِيث كلهَا عَلَى خلاف هَذَا. الحَدِيث الثَّالِث «أَن ابْن عمر طلَّق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَسَأَلَ (عمر) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ذَلِك، فَقَالَ: مُرْهُ، فليراجِعْهَا، ثمَّ ليُمسكْهَا (حَتَّى) تطهر ثمَّ تحيض (ثمَّ تطهر) ثمَّ إِن شَاءَ أمسك، وَإِن شَاءَ طلق، فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تُطلَّق لَهَا النِّسَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بِطُولِهِ كَمَا ترَاهُ. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عمر: «أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض عَلَى عَهْدِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَسَأَلَ عمرُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ذَلِك، فَقَالَ: مُرْهُ فليراجِعْهَا، ثمَّ ليُمْسِكْهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض، ثمَّ تطهر، ثمَّ إِن شَاءَ أمسك بعد، وَإِن شَاءَ طلق قبل أَن يمس، فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تطلق لَهَا النِّسَاء» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه طلَّق امْرَأَته تَطْلِيقَة وَاحِدَة، فَأمره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُرَاجِعهَا، ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض عِنْده حَيْضَة أُخْرَى، ثمَّ (يمْسِكهَا) حَتَّى تطهر مِنْ حَيْضهَا، فَإِن أَرَادَ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا حِين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 تطهر، مِنْ قَبْلِ أَن يُجَامِعهَا، فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تُطلق لَهَا النِّسَاء» . فَائِدَة: اسْم هَذِه الْمُطلقَة: آمِنَة بنت غفار. قَالَه ابْن باطيش، وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث نَافِع: «أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عبد الله طلق امْرَأَته النوار وَهِي حَائِض ... » الحديثَ. فَائِدَة أُخْرَى: رَوَى قَاسم بن أصبغ: «أَن ابْن عمر طلَّق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَأمره عَلَيْهِ السَّلَام أَن يُرَاجِعهَا، فَإِذا طهرت مَسهَا، حَتَّى إِذا طهرت مرّة أُخْرَى؛ فَإِن شَاءَ طلق، وَإِن شَاءَ أمسك» . وَفِي هَذَا زِيَادَة: «مَسهَا» فِي الطُّهْر الأول. وَأعله عبد الْحق (بمعلى) بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، قَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف، وَقَالَ (غَيره) : مَتْرُوك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن ابْن عمر: «أَنه طلق امْرَأَته ثَلَاثًا، فردَّها عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى السُّنَّة» . وَهِي رِوَايَة (مُنكرَة) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كلُّ رُوَاته شيعَة ويبطله مَا فِي «الصَّحِيح» مِنْ أَنه طلَّق وَاحِدَة. وَفِي رِوَايَة (لَهُ) من حَدِيث: مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان قَالَ: سمعتُ عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر «مُرْ عَبْدَ الله فليراجِعْها، فَإِذا اغتسلتْ فليتركْهَا حَتَّى تحيض، فَإِذا اغتسلتْ من حَيْضَتهَا فَلَا يَمَسهَا حَتَّى يطلقهَا، فَإِن شَاءَ أَن يمْسِكهَا فليمسكْهَا فَإِنَّهَا الْعدة الَّتِى أَمر الله أَن تطلق لَهَا النِّسَاء» . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. (وَذكر الْغسْل غَرِيب) . الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ: وَإِذا خَالعَ الحائضَ أَو طلَّقَهَا عَلَى مالٍ فَهُوَ غير مُحرَّم، وَاحْتج عَلَيْهِ بِإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى: (فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) . وَبِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أطلق الإذْنَ لِثَابِت بن قيس فِي الْخلْع، عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أوَّل كتاب الخُلْع، من غير بحثٍ واستفصال عَن حَال الزَّوْجَة، وَلَيْسَ الْحيض بأمرٍ نَادِر الْوُجُود فِي (حق) النِّسَاء. هَذَا كَلَام الرَّافِعِيّ، وَسلف الحَدِيث فِي بَابه وَاضحا، وَتبع فِي ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 الشَّافِعِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «الْمُخْتَصر» عقب ذكْر الْخَبَر: وَلم يَقُلْ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تأخذْهُ مِنْهَا إِلَّا فِي قبل عدتهَا، كَمَا أَمر المطلِّقَ غَيره. وَذَلِكَ (إِشَارَة) إِلَى مَا ذكره الرَّافِعِيّ. لَكِن فِي رِوَايَة الشَّافِعِي وَغَيره «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج إِلَى الصُّبْح، فَوجدَ حَبِيبَة بنت سهل عِنْد بَابه فِي الْغَلَس» وَبِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الَّذِي فِي الْمَسْجِد، ويقوى بِقَرِينَة خُرُوجه مِنْهُ إِلَى الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ كَذَلِك (لم يكن) فِي تَركه السُّؤَال (عَن الْحَال) دلَالَة عَلَى عُمُوم الْمقَال (لِأَن) دُخُولهَا الْمَسْجِد دَلِيل عَلَى كَونهَا طَاهِرَة. الحَدِيث الْخَامِس حَدِيث ابْن عمر: «مُرْهُ، فليراجِعْهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف مَبْسُوطا. الحَدِيث السَّادِس «أَن عُوَيْمِر الْعجْلَاني لما لَاعن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: كذبت عَلَيْهَا إِن أمسكْتهَا، هِيَ طَالِق (ثَلَاثًا) » . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 حَدِيث سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي اللّعان - إِن شَاءَ الله ذَلِك وقدَّره. الحَدِيث السَّابِع رُوي فِي قصَّة ابْن عُمر فِي بعض الرِّوَايَات: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «مُرْهُ، فليراجِعْهَا حَتَّى تحيض، ثمَّ تطهر» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا لأحد الْوَجْهَيْنِ: أَنه إِذا رَاجَعَهَا لَهُ أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي لتِلْك الْحَيْضَة، وَقد سلفت هَذِه الرِّوَايَة فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّانِي، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: وأظهرها لَا. فليمسكُهَا إِلَى أَن تحيض، وتطهر مرّة أُخْرَى. قَالَ: وَهَذَا مَا ورد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي الْقِصَّة عَلَى مَا قدمْنَاهُ. قلت: وَقد أسلفنا ذَلِك. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: (الطَّلَاق مَرَّتَانِ (: فَأَيْنَ الثَّالِثَة يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن إِسْمَاعِيل بن سميع قَالَ: سمعتُ أَبَا (رزين) الْأَسدي يَقُول: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَقَالَ: يَا سَوَّلَ الله) : أرأيتَ قَول الله - تَعَالَى -: (الطَّلَاق مَرَّتَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان) فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: تَسْرِيح بِإِحْسَان» . وَهَذَا مُرْسل، فَإِن أَبَا رزين هَذَا من التَّابِعين. قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» (قَالَ: وَلم يذكرهُ فِي الصَّحَابَة) غير ابْن شاهين، قَالَ عبد الْحق: (و) قد أسْند هَذَا عَن إِسْمَاعِيل بن سميع، عَن أنس، وَعَن قَتَادَة، عَن أنس، والمرسل أصح، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن الْمُرْسل هُوَ الصَّوَاب. وَرَوَاهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا (عبيد الله) بن جرير بن جبلة، ثَنَا عبيد الله بن عَائِشَة، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا قَتَادَة، عَن أنس، « (أَن رجلا) قَالَ: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ قَالَ الله - تَعَالَى -: (الطَّلَاق مَرَّتَانِ (فَلم صَار ثَلَاثًا؟ ! قَالَ: إمْسَاك بِمَعْرُوف، أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان» . ثمَّ رَوَاهُ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد الْقطَّان، ثَنَا إِدْرِيس (بن عبد الْكَرِيم الْمُقْرِئ، ثَنَا لَيْث بن حَمَّاد، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 ثَنَا إِسْمَاعِيل بن سميع) الْحَنَفِيّ، عَن أنس: «قَالَ رجل للنَّبِي (: إِنِّي أسمع الله - تَعَالَى - يَقُول: (الطَّلَاق مَرَّتَانِ (فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: إمْسَاك بِمَعْرُوف، أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا قَالَ: عَن أنس، وَالصَّوَاب: عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي رزين مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ ابْن الْقطَّان وَعِنْدِي أَن هذَيْن الْحَدِيثين صَحِيحَانِ؛ فَإِن (عبيد الله) ابْن عَائِشَة ثِقَة، قد برِئ مِمَّا قذف بِهِ من الْقدر، وَهُوَ أحد الأجواد الْمَشْهُورين بالجود، وأخباره فِي ذَلِك كَثِيرَة، وَهُوَ سيد من سَادَات أهل الْبَصْرَة، وَكَانَ عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَيَّام النَّاس، وَكَانَ عِنْده عَن حَمَّاد بن سَلمَة تِسْعَة آلَاف حديثٍ. و (عبيد الله) بن جرير بن جبلة قَالَ الْخَطِيب: كَانَ ثِقَة. وَأما الحَدِيث الثَّانِي: فَإِن مَدَاره عَلَى إِسْمَاعِيل بن سميع، وَعَلِيهِ اخْتلفُوا؛ فَمن قَائِل (عَنهُ) عَن أبي رزين مَرْفُوعا كالثوري، وَمن قَائِل عَنهُ عَن أنس [كَعبد الْوَاحِد] بن زِيَاد، وَعبد الْوَاحِد ثِقَة، وَلَيْث بن حَمَّاد هَذَا صَدُوق. قَالَه الْخَطِيب، (وَإِدْرِيس ثِقَة وَفَوق الثِّقَة بِدَرَجَة، قَالَه الْخَطِيب) وَقَالَ ابْن الْمُنَادِي: كتب النَّاس عَنهُ لِثِقَتِهِ وجلالته، وَإِسْمَاعِيل بن سميع فِي نَفسه كُوفِي ثِقَة مَأْمُون، (قَالَه) ابْن معِين. وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 أَبُو حَاتِم: صَدُوق، صَالح الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: لم يكن بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث. قَالَ ابْن الْقطَّان: فالحديثان صَحِيحَانِ. قلت: وأمَّا الْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ وَهَّى طَريقَة الدَّارَقُطْنِيّ عَن قَتَادَة، عَن أنس، فَقَالَ بعد أَن أخرج حديثَ إِسْمَاعِيل بن سميع عَن أنس فَقَالَ: «إِن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسمع الله - تَعَالَى - يَقُول: (الطَّلَاق مَرَّتَانِ (، (فَلِمَ صَار ثَلَاثًا) ؟ قَالَ: إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان هِيَ الثَّالِثَة» . كَذَا قَالَ: عَن أنس، وَالصَّوَاب: عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي رزين، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، كَذَا رَوَاهُ جمَاعَة من الثِّقَات عَن إِسْمَاعِيل، ثمَّ سَاقه من حَدِيث أبي رزين، ثمَّ قَالَ: يُرْوى عَن قَتَادَة، عَن أنس، وَلَيْسَ بِشَيْء. الحَدِيث التَّاسِع (أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى منزل حَفْصَة، فَلم يجدهَا، وَكَانَت قد خرجتْ إِلَى بَيت أَبِيهَا، فَدَعَا ماريةَ إِلَيْهِ، وأتتْ حفصةُ فعرفتِ الحالَ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، فِي بَيْتِي وَفَى يومي وَعَلَى فِرَاشِي! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسترضيها: إِنِّي أُسِرُّ إِلَيْك سرًّا فاكْتُميْه هِيَ عليَّ حرَام. فَنزل قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك) الْآيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 «سُنَنهمْ» ، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور قريبٌ من لفظ الْبَيْهَقِيّ. وَهَذَا لَفظه عَن سعيد بن مَنْصُور: ثَنَا هشيم، أَنا (عُبَيْدَة) ، عَن إِبْرَاهِيم وجويبر، عَن الضَّحَّاك «أَن حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها زارت أَبَاهَا ذَات يَوْم، وَكَانَ يَوْمهَا، فلمَّا جَاءَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يرهَا فِي الْمنزل: أرسل إِلَى أَمَتِهِ ماريةَ القبطيةِ، فَأصَاب مِنْهَا فِي بَيت حَفْصَة، فَجَاءَت حفصةُ عَلَى تِلْكَ الْحَال فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أتفعلُ هَذَا فِي بَيْتِي [و] فِي يومي؟ ! قَالَ: فَإِنَّهَا حرَام عليَّ، لَا تُخْبِرِي بذلك أحدا. فَانْطَلَقت حَفْصَة إِلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَأَخْبَرتهَا بذلك، فَأنْزل الله - تَعَالَى - فِي كِتَابه: (يَا أَيهَا النَّبِي لِمَ تحرم مَا أحل الله لَك (إِلَى قَوْله: (وَصَالح الْمُؤمنِينَ) ، فأُمر أَن يكفِّر عَن يَمِينه وَيُرَاجع أَمَتَه» . وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عمر قَالَ: «دخل النبيُّ بأُمِّ وَلَده مَارِيَة فِي بَيت حَفْصَة، فوجدتْه حفصةُ مَعهَا» ثمَّ ذكر الحديثَ نَحْو رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ فِي آخِره: «فذكرتْه لعَائِشَة، فآلى أَن لَا يدْخل عَلَى نِسَائِهِ شهرا، فاعتزلهن تسعا وَعشْرين لَيْلَة، فَأنْزل الله - تَعَالَى -: (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك (الْآيَة) . وَلَفظ النَّسَائِيّ: عَن أنس: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كانتْ لَهُ أَمَة يَطَؤُهَا، فَلم تزل بِهِ عَائِشَة وَحَفْصَة حَتَّى حرَّمها عَلَى نَفسه، فَأنْزل الله - تَعَالَى -: (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرِّم (الْآيَة» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِهَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 وَرَوَاهُ أَبُو داو أَيْضا فِي «مراسيله» عَن قَتَادَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بَيت حَفْصَة، فدخلتْ فرأتْ مَعَه فَتَاتَهُ، فَقَالَت: فِي بَيْتِي ويومي، فَقَالَ: اسكتي، فواللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا، وَهِي عليَّ حرامٌ» . فَائِدَة: قَالَ القَاضِي عِيَاض: اخْتلف فِي سَبَب نزُول قَوْله تَعَالَى: (لم تحرم مَا أحلَّ الله لَك (فَقَالَت عَائِشَة: «فى قصَّة الْعَسَل» . وَعَن زيد بن أسلم: «فى تَحْرِيم مَارِيَة» وَالصَّحِيح: أَنه فِي الْعَسَل، لَا فِي قصَّة مَارِيَة، الَّتِي لم تأت من طَرِيق صَحِيح. هَذَا لَفظه. الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النبىَّ (حرَّم مَارِيَة عَلَى نَفسه، فَنزل قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم) الْآيَة، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كلَّ مَنْ حرَّم عَلَى نَفسه مَا كَانَ حَلَالا أَن يعْتق رَقَبَة، أَو يطعم عشرَة مَسَاكِين، أَو يكسوهم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن أبي صَالح، عَن ابْن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم) : أَمر اللَّه نبيه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْمُؤمنِينَ إِذا حرَّموا شَيْئا مِمَّا أحل الله: أَن يكفِّروا عَن أَيْمَانهم بإطعام عشرَة مَسَاكِين، أَو كسوتهم، أَو تَحْرِير رَقَبَة، وَلَيْسَ يدْخل فِي ذَلِك طَلَاق» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خيَّر نساءَه بَين المُقَام مَعَه وَبَين مُفَارقَته، لمَّا نزل قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيهَا النبى قل لِأَزْوَاجِك) الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عَائِشَة، كَمَا تقدَّم فى الخصائص، فراجِعْه مِنْهُ. وَفَى «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث عليّ بإسنادٍ ضَعِيف: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خيَّر نِسَاءَهُ بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلم يخيِّرهن الطَّلَاق» . الحَدِيث الثَّانِي عشر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعَائِشَة لمَّا أَرَادَ تَخْيِير نِسَائِهِ: إِنِّي ذاكرٌ لَك أمرا، فَلَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» . هَذَا الحَدِيث بعضٌ مِنَ الذى قبْله، وَقد أَشَرنَا إِلَى موضِعين، ثمَّ اعلمْ: أَن الرافعى نقل عَن الْأَصْحَاب: أَن الأَصْل فِي تَجْوِيز تَفْوِيض الطَّلَاق إِلَى زَوجته تخييره - عَلَيْهِ السَّلَام - نِسَائِهِ، كَمَا تقدم، ثمَّ ذكر هَذَا الحديثَ وَقَالَ: إِنَّه احْتُجَّ بِهِ عَلَى جَوَاز تَأْخِير التَّطْلِيق وَالْحَالة هَذِه، وَلَا يشْتَرط فِيهِ التورية. وَفِيه نظر؛ فَإِن ظَاهر الْآيَة يَقْتَضِي أَنه لم يكن الْقَصْد تَفْوِيض الطَّلَاق إِلَيْهَا وَلَا توكيلها، فندب إعلامها بذلك، حَتَّى إِذا أجازتِ الفراقَ أنشأ رسولُ الله فراقَهَا بعد ذَلِك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثلاثٍ: عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ ... » الحديثَ. هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي كتاب: الصَّلَاة، فراجِعْه. الحَدِيث الرَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث جَدُّهن جَدٌّ وهزلهُنَّ جَدٌّ: الطَّلَاق، وَالنِّكَاح، وَالْعتاق» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الغزاليّ فِي «الوسيطِ» ، و «الوسيطُ» تبع «النهايةَ» . والوارد فِي كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة: «الرُّجْعة» بدل «الْعتاق» . رَوَاهُ هَكَذَا: أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة: عَطاء بن أبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 رَبَاح، عَن يُوسُف بن مَاهك الْمَكِّيّ، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. وَقد ذكره الرافعيُّ بَعْدُ عَلَى الصَّوَاب؛ حَيْثُ قَالَ: ويُرْوَى بدل «الْعتاق» : «الرّجْعَة» . وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُورِدهُ عَلَى الْعَكْس، فيذكره أَولا بِلَفْظ: «الرّجْعَة» ، ثمَّ يَقُول: ويُرْوى بدل «الرّجْعَة» : «الْعتاق» . فَإِنَّهُ مرويٌّ أَيْضا بِهِ. إِسْنَاده ضَعِيف، كَمَا ستعلمه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يُصَحِّحهُ، لِأَنَّهُ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن [بن] حبيب بن أردك مولَى بني مَخْزُوم، وَإِن كَانَ قد رَوَى عَنهُ جماعةٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يعرف حَاله. قلت: قد عرفت. قَالَ النَّسَائِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، قَالَ [الْحَاكِم] : إِنَّه من ثِقَات الْمَدَنِيين، وَإنَّهُ حَدِيث صَحِيح. وَأقرهُ عَلَى ذَلِك صاحبُ «الْإِلْمَام» ، وَخَالف ابْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ: رُوي فِيهِ أَيْضا: «وَالْعِتْق» ، وَلَا يَصح مِنْهُ شَيْء. وَأنكر عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ بتحسين التِّرْمِذِيّ لَهُ، وَقَالَ: إِن أَرَادَ لَيْسَ مِنْهُ شَيْء عَلَى شَرط الصَّحِيح؛ فَلَا كَلَام، وَإِن أَرَادَ أَنه ضَعِيف؛ فَفِيهِ نظر، فَإِنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 حسنٌ كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ. قلت: وصحيحٌ كَمَا قَالَه الْحَاكِم، وَلَعَلَّ ابْن الْعَرَبِيّ أَرَادَ بِهَذِهِ الرِّوَايَة مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، حَدثنِي عبد الله بن أبي جَعْفَر، عَن حَنش بن عبد الله السبائي، عَن فضَالة بن [عبيد] الْأنْصَارِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ثَلَاث لَا يجوز اللّعب فِيهِنَّ: الطَّلَاق، وَالنِّكَاح، وَالْعِتْق» (مِمَّن عرف) . وَعبد الله هَذَا فِيهِ خلاف، وثَّقه أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم، وَقَالَ مُحَمَّد بن حميد: كَانَ فَاسِقًا. قَالَ ابْن عدي: فِي بعض حَدِيثه مَا لَا يتُابع عَلَيْهِ. ثمَّ تنبه بعد ذَلِك لوهن فَاحش وَقع لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِي هَذَا الحَدِيث؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» بعد أَن أخرجه من طَرِيق التِّرْمِذِيّ: فِي إِسْنَاده عَطاء، وَهُوَ ابْن عجلَان، مَتْرُوك الحَدِيث. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ، فعطاء هَذَا ابْن أبي رَبَاح كَمَا وَقع مُبَيَّنًا فِي «سنَن أبي دَاوُد» ، و «ابْن مَاجَه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من ثَلَاث طرق، وَكَذَا بيَّنه الحافظان ابْن طَاهِر، والمزي فِي «أطرافهما» وَسبب هَذِه الْمقَالة مِنْهُ أَنه وَقع فِي رِوَايَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 التِّرْمِذِيّ غير مَنْسُوب، وَهِي الَّتِي سَاقهَا، وَكَذَا فِي إِحْدَى رِوَايَات الدَّارَقُطْنِيّ. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رُفع عَن أُمتي الْخَطَأ، وَالنِّسْيَان، وَمَا اسْتُكْرهوا عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة فراجِعْه مِنْ ثَمَّ. الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا طَلَاق فِي إغلاق» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها [قَالَت] : سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا طَلَاق فِي إغلاق» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَذَلِك بِزِيَادَة: «وَلَا إِعْتَاق» . وَفِي إسنادهما مُحَمَّد بن عبيد بن أبي صَالح، وَقد ضعفه أَبُو حَاتِم، ووثَّقه ابْن حبَان. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من هَذَا الطَّرِيق بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم - أَي فِي ابْن إِسْحَاق - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 لَكِن لم يحْتَج بِهِ مُسلم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْحَاكِم: مُحَمَّد بن عبيد بن صَالح، بِإِسْقَاط «أبي» ، وَكَأن الصَّوَاب الأوَّل. قَالَ الْحَاكِم بعد أَن أخرجه من طَرِيقه: قد تَابع أَبُو صَفْوَان الْأمَوِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَلَى رِوَايَته عَن ثَوْر بن يزِيد، فأسقط من الْإِسْنَاد مُحَمَّد بن عبيد، فَرَوَاهُ عَن [ثَوْر] بن يزِيد، عَن صَفِيَّة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا. قلت: لَكِن فِيهِ نعيم بن حَمَّاد، وَهُوَ صَاحب مَنَاكِير، وَضعف هَذَا الحَدِيث عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِسَبَب مُحَمَّد بن عبيد الْمَذْكُور، وَقَالَ: إِنَّه ضعيفٌ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَنهُ، وَلَكِن فِي إِسْنَاده عبيد بن أبي صَالح، بِإِسْقَاط مُحَمَّد. وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى من رِوَايَة ثَوْر، عَن (عُبَيْدَة بن سُفْيَان) عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن عَائِشَة، قَالَ الْمزي فِي «تهذيبه» : وَرِوَايَة أبي دَاوُد هَذَا الحَدِيث عَن ثَوْر، عَن مُحَمَّد بن عبيد بن أبي صَالح أصوب من رِوَايَة ابْن مَاجَه، قَالَ: وَكَذَا قَالَه ابْن أبي حَاتِم وَغَيره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهَا مُحَمَّد بن عبيد الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، وَمُحَمّد بن عُثْمَان جَمِيعًا، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا طَلَاق وَلَا إِعْتَاق فِي إغلاق» . وسَاق ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الإِمَام أَحْمد محتجًا بِهِ، وَلم يضعِّف محمدَ بن عبيد هَذَا، وَلَا ذكره فِي «ضُعَفَائِهِ» ، وَلَيْسَ بجيِّدٍ مِنْهُ. تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: فَسَّرَ علماءُ الْعَرَبيَّة الإغلاق بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد [قَالَه] الإِمَام أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عَلَى مَا نَقله ابْنه فِي «علله» عَنهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَغَيره: إِنَّه الْإِكْرَاه عَلَى الطَّلَاق وَالْعتاق، وَهُوَ مِنْ أغلقت الْبَاب، كَأَن الْمَكْرُوه أُغْلق عَلَيْهِ حَتَّى يفعل، قَالَ المطرزي فِي (الْمغرب) : ومَنْ أوَّله بالجنون، وَأَن الْجُنُون هُوَ المغلق عَلَيْهِ، فقد أبْعَدَ. قَالَ: وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» الإغلاق: أَظُنهُ الْغَضَب. وَمِنْه: إياك والمغلق، أَي الضجر والغلق، وَمَعْنَاهُ: لَا تغلق التطليقات كلهَا دفْعَة حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْء، لَكِن تُطَلِّق طَلَاق السّنة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 الحَدِيث السَّابِع عشر ورد الْخَبَر بِأَن «مَنْ أعتق شِقْصا من عبد أعتق كُله إِن كَانَ لَهُ مَال، وَإِلَّا يستسعى غير مشقوق عَلَيْهِ» . وَفَى «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث همام، عَن قَتَادَة، عَن أبي [الْمليح] عَن أَبِيه: أَن رجلا أعتق شِقْصا من غُلَام، فَذكر ذَلِك للنبيِ (، فَقَالَ: لَيْسَ لله شريك) . قَالَ أَبُو دَاوُد: زَاد ابْن كثير فِي حَدِيثه: «فَأجَاز - عَلَيْهِ السَّلَام - عِتْقه» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، وَمن حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، وَهِشَام، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْمليح بِدُونِ ذكر أَبِيه، ثمَّ قَالَ: هِشَام، وَسَعِيد أثبت [فِي] قَتَادَة [من] همام، وحديثهما أَوْلى بِالصَّوَابِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 قلت: قد رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن بكر السَّهْمِي: ثَنَا سعيد، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه: «أَن رجلا من قومه أعتق شِقْصا لَهُ [من] مَمْلُوك، فَرفع ذَلِك [إِلَى] النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَجعل عَلَيْهِ خُلَاصَة فِي مَاله [و] قَالَ: لَيْسَ لله شريك» . فَهَذَا عبد الله بن بكر رَوَاهُ عَن سعيد، وَقَالَ فِيهِ عَن أَبِيه: «أَن رجلا من هُذَيْل أعتق سقصًا لَهُ من مَمْلُوك، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: هُوَ حر كُله، لَيْسَ لله شريك» . الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح، وَلَا عِتْق إِلَّا بعد مِلْك» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من عدَّة طرق: مِنْهَا: طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا طَلَاق لمَنْ لَا يملك، وَلَا عتاق لمَنْ لَا يملك» . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَشَاهده الْمَشْهُور فِي الْبَاب: عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا طَلَاق قَبْل نِكَاح» . وَفِي حَدِيث هشيم: «لَا نَذْرَ لابْنِ آدم فِيمَا لَا يملك، وَلَا طَلَاق فِيمَا لَا يملك، وَلَا عتاق فِيمَا لَا يملك» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 ثمَّ أسْند الحاكمُ من طَرِيق ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «مَا قَالَهَا ابْن مَسْعُود، وَإِن يكن قَالَهَا [فَزَلّةٌٌ] من عالمٍ، فِي الرجل يَقُول: إِن تزوجتُ فُلَانَة فَهِيَ طالقٌ، فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن) وَلم يقل: إِذا طلّقْتُم الْمُؤْمِنَات ثمَّ نكحتموهن» . ثمَّ قَالَ - أَعنِي: الْحَاكِم -: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، هَذَا آخر مَا ذكره هِشَام، ثمَّ أعَاد قَول ابْن عَبَّاس فِي أثْنَاء كتاب التَّفْسِير، فِي سُورَة الْأَحْزَاب لَكِن بِلَفْظ آخر وَهُوَ: «أَن ابْن عَبَّاس تلى قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ) : فَلَا يكون طَلَاق حَتَّى يكون نِكَاح» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، قَالَ الْحَاكِم: أَنا متعجبٌ من الشَّيْخَيْنِ والإمامين - يعْنى: البُخَارِيّ وَمُسلمًا -، كَيفَ أهملا هَذَا الحَدِيث وَلم يخرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ؟ ! ، فقد صَحَّ عَلَى شَرطهمَا: حديثُ ابْنِ عُمر، وعائشةَ، وعَبْدِ الله بن عَبَّاس، ومعاذِ بن جبل، وجابرِ بْنِ عبد الله. أما حَدِيث ابْن عمر: فَرَوَاهُ نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا [طَلَاق إِلَّا] بعد نِكَاح» . قلت: وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن صاعد أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا أعرف لَهُ عِلّة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 وَأما حَدِيث عَائِشَة: فَرَوَاهُ عُرْوَة عَنْهَا مَرْفُوعا بِهِ وَزِيَادَة: «وَلَا عتق إِلَّا بَعْدَ مِلْك» . قلت: قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: حَدِيث مُنكر، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح، وَلَا عتق قَبْل مِلْك» . ثمَّ قَالَ: إِنَّه لَا يَصح، فِيهِ بشر بن السّري. قَالَ الحميدى: لَا يحل أَن يكْتب عَنهُ. وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس: فَرَوَاهُ عَطاء بن أبي رَبَاح عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق لمَنْ لَا يملك» . وَأما حَدِيث معَاذ: فَرَوَاهُ طَاوس عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح، وَلَا عتق إِلَّا بعد مِلْك» . وَأما حَدِيث جَابر بن عبد الله فَرَوَاهُ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَنهُ مَرْفُوعا «لَا طَلَاق لما لَا يملك، وَلَا عتق لما لَا يملك» . وَفَى رِوَايَة عَنهُ: «لَا طَلَاق وَلَا نِكَاح» . قلت: وَرَوَاهُ أَبُو الزبير عَنهُ، كَذَا أخرجه أَبُو يَعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سهم الْأَنْطَاكِي، ثَنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، ثَنَا مُبشر بن عبيد، عَن أبي الزبير عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 (: «لَا تنْكح النِّسَاء إِلَّا من الْأَكفاء، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إِلَّا الْأَوْلِيَاء، وَلَا مهر دون عدَّة دَرَاهِم» . وَعَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا طَلَاق قَبْلَ نِكَاح، وَلَا عتق قَبْلَ ملك، وَلَا نِكَاح إِلَّا بوليٍّ» . قَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد الْمَقْدِسِي: رجال إِسْنَاده ثِقَات، كَذَا نَقله عَنهُ الْحَافِظ شرف الدِّين الدمياطي وَأقرهُ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، ف [مُبشر] بن عبيد: وضَّاع، هَالك. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي (علله) من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا «لَا طَلَاق قَبْلَ نِكَاح، وَلَا عتق لمن لَا يملك، وَلَا صمت يَوْم إِلَى اللَّيْل، وَلَا وصال فِي صِيَام، وَلَا رضَاع بعد فِطَام، وَلَا يُتْمَ بعد حُلُم، وَلَا رَهْبَانِيَّة [فِينَا] » . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، لأجْلِ سعيد بن المزبان الْبَقَّال: مَتْرُوك. قَالَ الْحَاكِم: مدَار سَنَد هَذَا الحَدِيث، يَعْنِي: أصل حَدِيث: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح، وَلَا عتق قبل ملك» : عَلَى إسنادين ذاهبَيْن؛ جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن النزال بن سُبْرَة، عَن عَلّي، وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، فَلذَلِك لم يَقع الِاسْتِقْصَاء من الشَّيْخَيْنِ فِي [طلب] هَذِه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 الْأَسَانِيد الصَّحِيحَة. قلت: وَطَرِيق جُوَيْبِر: أخرجهَا ابْن مَاجَه بِلَفْظ: «لَا طَلَاق قبل النِّكَاح» . وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من وَجه آخر عَن عليِّ مَرْفُوعا بِلَفْظ: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد ملك، وَلَا عتاق إِلَّا بعد ملك» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، لأجْل عبد الله بن زِيَاد بن [سمْعَان] الكذَّاب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن الْمُنْكَدر مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ الصَّوَاب. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، وَلَا يَصح، عَن جَابر، وَنقل بَعْد عَن الدَّارَقُطْنِيّ: أَن الْمَحْفُوظ فِيهِ وَقفه عَلَى جُوَيْبِر، بعد أَن أردفه بِلَفْظ: «لَا يُتْمَ بعد حُلُم، وَلَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح، وَلَا عتق إِلَّا بعد ملك، وَلَا وصال فِي صِيَام، وَلَا صَمْت يَوْم إِلَى اللَّيْل» . ثمَّ ذكر الْحَاكِم حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب فِي كتاب: الْأَيْمَان وَالنُّذُور، فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمرو: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ طلق مَا لَا يملك فَلَا طَلَاق لَهُ، ومَنْ أعتق مَنْ لَا يملك فَلَا عتاق لَهُ، ومَنْ نذر فِيمَا لَا يملك فَلَا نذر لَهُ، ومَنْ حلف عَلَى معصيةٍ فَلَا يَمِين لَهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 ومَنْ حلف عَلَى قطيعة رحم: فَلَا يَمِين لَهُ» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. قلت: وَعبد الرَّحْمَن هَذَا قَالَ فِيهِ أَحْمد: مَتْرُوك. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. قَالَ الْحَاكِم: و [عِنْد] عَمْرو بن شُعَيْب فِيهِ إسنادٌ آخر، فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، عَن سعيد بن الْمسيب: « [أَن أَخَوَيْنِ] من الْأَنْصَار كَانَ بَينهمَا مِيرَاث، فَسَأَلَ أحدُهُما صَاحبه الْقِسْمَة، فَقَالَ: لَئِن عُدَّتَ سَأَلتنِي الْقِسْمَة: لم أكلِّمك أبدا، وكل ماليِ فِي رتاج الْكَعْبَة، فَقَالَ عمر بن الْخطاب: إِن الْكَعْبَة لغَنِيَّة عَن مَالك، كفر [عَن يَمِينك] وكلِّمْ أَخَاك، فَإِنِّي سمعتُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا يَمِين عَلَيْك، وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة الرب، وَلَا فِي قطيعة الرَّحِم، وَلَا فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. قلت: وَحَدِيث عَمرو بن شُعَيْب هَذَا أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث مطر الْوراق عَنهُ بِلَفْظ «د» : «لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 طَلَاق إِلَّا فِيمَا تملك، وَلَا عتق إِلَّا فِيمَا تملك، وَلَا بيع إِلَّا فِيمَا تملك، وَلَا وَفَاء نذر فِيمَا لَا تملك» . وَلَفظ النَّسَائِيّ: «لَيْسَ عَلَى رجلٍ بيعٌ فِيمَا لَا يملك» . وَلَفظ أَحْمد: «لَيْسَ عَلَى رجلٍ طَلَاق فِيمَا لَا يملك وَلَا عتاق فِيمَا لَا يملك، وَلَا بيع فِيمَا لَا يملك» . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْأَحول عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا نذر لِابْنِ آدم فِيمَا لَا يملك، وَلَا عتق لَهُ فِيمَا لَا يملك، وَلَا طَلَاق لَهُ فِيمَا لَا يملك» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، قَالَ: وَهُوَ أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقَالَ [البُخَارِيّ أَنه] : أصح شَيْء فِي الطَّلَاق قَبْل النِّكَاح. وَقَالَ الْخطابِيّ: أسعد النَّاس بِهَذَا الحَدِيث مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ وأجْرَاه عَلَى عُمُومه، إذْ لَا حُجَّة مَعَ مَنْ فرق بَين حالٍ وحالٍِ، والْحَدِيث حسن. قلت: وَفَى الْبَاب أَيْضا عَن الْمسور [بن] مخرمَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيثه مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح، وَلَا عتق قبل ملك» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 وَفَى إِسْنَاده عليّ بن حُسَيْن بن وَاقد: ضعَّفه أَبُو حَاتِم، وقوَّاه (عُرْوَة) ، وَهِشَام بن سعد المَخْزُومِي: وَهُوَ من رجال مُسلم فِي الشواهد، وَقد ضَعَّفُوهُ، وَاقْتصر عَلَى هَذِه الطَّرِيقَة صَاحب «الْإِلْمَام» ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر الصدِّيق، وعليُّ بن أَبَى طَالب، وَابْن عَبَّاس، ومعاذ، وَزيد، وَأَبُو سعيد، وَعمْرَان، وَأَبُو مُوسَى، وَأَبُو هُرَيْرَة، والمسور، وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالَ: وَأَصَح حَدِيث فِيهِ وأشْهَرُه: حديثُ عَمرو بن شُعَيْب المتقدِّم، وحديثُ الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة ... . قَالَه البُخَارِيّ. قَالَ: وروُي مِثْلُ ذَلِك عَن جماعات من التَّابِعين فَذكرهمْ، وَفَى «علل ابْن أَبَى حَاتِم» : سَمِعت أبي يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن خلف الْعَسْقَلَانِي يَقُول قَالَ ليِ يَحْيَى بْنُ معِين: لَا يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح» ، وَأَصَح شَيْء فِيهِ: حديثُ [الثَّوْريّ] عَن ابْن الْمُنْكَدر عَمَّنْ سمع طاوسًا أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح» . وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي « [استذكاره] » : إِن هَذَا الحَدِيث قد رُوي من وُجُوه، إِلَّا أَنَّهَا عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، معلولة. قلت: وَقد عرفتَ صِحَة بَعْضهَا من كَلَام التِّرْمِذِيّ، وَالْحَاكِم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 ، وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم، وَلَا يقْدَح فِيهَا بعض طرقها الضعيفة. الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «دَعَتْنِى أُمِّي إِلَى قريبٍ لَهَا، فراودني فِي الْمهْر، فَقلت: إِن نكحتها فَهِيَ طالقٌ ثَلَاثًا، ثمَّ سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: انْكحْهَا؛ فَإِنَّهُ لَا طَلَاق قَبْل نِكَاح» . هَذَا الحَدِيث غريبٌ من هَذَا الْوَجْه. وَهُوَ فِي «الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث زيد بن عَلّي عَن آبَائه: «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله: إِن أُمِّي عَرَضَتْ عليَّ قرَابَة لَهَا أَتَزَوَّجُهَا، فَقلت: (هى طالقٌ ثَلَاثًا إنْ تزوجْتُهَا) ؟ ، فَقَالَ النبى (: هَل كَانَ قبل ذَلِك مِنْ مِلْكٍ؟ ، قَالَ: لَا. قَالَ: لَا بَأْس، تزوَّجْهَا» . وَفِيه أَيْضا من حَدِيث: عَلّي بن قرين - الْكذَّاب -، ثَنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن خَالِد بن معدان، عَن أَبَى ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ: «قَالَ عَمٌّ لي: اعملْ لي عملا حَتَّى أُزوِّجَكَ ابْنَتي، فَقلت: إنْ تزوجْتُهَا فَهِيَ طَالِق ثَلَاثًا، ثمَّ بَدَا لي أنْ أتزوَّجَهَا، فأتيتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلته. فَقَالَ لي: تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهُ لَا طَلَاق إِلَّا بعد نكاحٍ، فتزوجْتُهَا، فولدتْ لي سَعْدًا وسعيدًا» . وَفِيه أَيْضا من حَدِيث معَاذ بن جبل مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح وإنْ سَمَّيْتَ المرأةَ بِعَيْنِهَا» . وَإِسْنَاده واهٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 الحَدِيث الْعشْرُونَ رُوي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الطَّلَاق بِالرِّجَالِ، وَالْعدة بِالنسَاء» . [سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ] فَقَالَ: يرويهِ أَشْعَث بن سوار، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ عبد الله بن الأحلج، عَن أَشْعَث، عَن الشّعبِيّ، عَن عبد الله [بن عتبَة، عَن ابْن مَسْعُود] كَذَلِك رَفعه وَخَالفهُ شعبةُ فَرَوَاهُ عَن أَشْعَث [عَن الشّعبِيّ] عَن مَسْرُوق [عَن عبد الله قَالَ: (السّنة فِي الطَّلَاق وَالْعدة بِالنسَاء) . وَرَوَاهُ الْحسن بن صَالح، عَن أَشْعَث، عَن الشّعبِيّ] عَن عبد الله مثله، لم يذكر [بَينهمَا] أحدا. قَالَ: وَيُشبه أَن يكون هَذَا من أَشْعَث، وَالله أعلم. وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْريّ، وَابْن [فُضَيْل] وأسباط كلُّهم، عَن أَشْعَث، عَن الشّعبِيّ [عَن عبد الله، وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: عَن أَشْعَث، عَن الشّعبِيّ] ، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله مثل [قَول] شُعْبَة. هَذَا آخر مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 وَحَال «أَشْعَث» مَعْرُوف، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» مَوْقُوفا عَلَى ابْنِ مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، وَقَالَ بعض مَنْ تَبَصَّرَ هَذِه الْمَسْأَلَة: رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. قلت: وَفِي «علل أَحْمد» : ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر [غنْدر] ، ثَنَا همام، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن المسيَّب: «أَن عليًَّا قَالَ: السُّنَّة بِالنسَاء - يعْنى: الطَّلَاق -، وَالْعدة» . قَالَ مُحَمَّد: قلت لهمام: مَا يرويهِ أحدٌ غَيْرك عَن سعيد؟ ، قَالَ: مَا أَشك فِيهِ وَمَا أَمْتَري. وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» عَن عليّ: أَنه قَالَ: «السُّنَّة بِالنسَاء - يَعْنِي: الطَّلَاق -، وَالْعدة» . وَكَذَا حَكَاهُ فِي «الاستذكار» عَنهُ. . انْتَهَى. الحَدِيث الحادى بعد الْعشْرين رُوي عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفًا: «العَبْد يطلَّق تَطْلِيقَتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مَوْقُوفا عَلَى ابْن عُمر (بِاللَّفْظِ) الْمَذْكُور، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الأُمِّ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» لَكِن بِلَفْظ: «يَنْكِحُ العبدُ اثْنَتَيْنِ، ويطلِّق اثْنَتَيْنِ، وعدة الْأمة حيضتين، فَإِن لم تحضْ فشهرين» . وَالْمَاوَرْدِيّ أخرجه من حَدِيث (عَطِيَّة) عَنهُ مَرْفُوعا: «يطلِّق العَبْد تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتعْتَد الأَمة حيضتين» . ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أثبت من حَدِيث عَائِشَة، [لِأَن فِي حَدِيث مظَاهر]- يَعْنِي: الَّذِي. فِي إِسْنَاد حَدِيثهَا - من (الالتواء) . قلت: وَالْآخر قد قيل: إِنَّه مُنْقَطع، وَمن الْعجب أَن الْغَزالِيّ فِي «بسيطه» تبعا للْإِمَام قَالَ: وَقد صَحَّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تَعْتَد الأَمَةُ بحيضتين» . قلت: وَقد رُوي من حَدِيث ابْن عُمر مَرْفُوعا بلفظٍ آخر، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» بإسنادهم إِلَيْهِ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «طَلَاق الأَمة اثْنَتَانِ، وعدتها حيضتان» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَيْضا بِسَبَب عُمر بن شبيب الْكُوفِي الواهي، وعَطِيَّة الْعَوْفِيّ الواهي أَيْضا، الْمَذْكُورين فِي إِسْنَاده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث مُنكر غير ثَابت، من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن عَطِيَّة ضَعِيف، وَسَالم وَنَافِع أثبت مِنْهُ وَأَصَح رِوَايَة، وَالْوَجْه الآخر: أَن عمر بن شبيب ضَعِيف، لَا يحْتَج بروايته. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عُمَرُ بْنُ شبيب مَرْفُوعا، وَكَانَ ضَعِيفا، وَالصَّحِيح: مَا رَوَاهُ سَالم وَنَافِع، عَن ابْن عمر مَوْقُوفا أَنه قَالَ: «إِذا طلَّق العبدُ امْرَأَته طَلْقَتَيْنِ: فقد حَرُمَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى تنْكح زوجا غَيره، حُرَّةً كَانَت أَو أَمَة، وعدة الْحرَّة ثلاثُ حِيَض، وعدة الْأمة حيضتان» . هَكَذَا رَوَاهُ فِي «الْمُوَطَّأ» . قلت: وَحَدِيث عَائِشَة السالف فِي كَلَام الْمَاوَرْدِيّ: أخرجه أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة مظَاهر بن أسلم، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِلَفْظ الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين أَولا، وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «طَلَاق العَبْد اثْنَتَانِ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث مَجْهُول، وَكَذَا نقل ابْن الْأَعرَابِي عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مظَاهر بن أسلم، وَمظَاهر: لَا نَعْرِف [لَهُ] فِي الْعلم غَيْرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يُحفظ إِلَّا عَن مظَاهر، وَقَالَ أَبُو عَاصِم النَّبِيل: لَيْسَ بِالْبَصْرَةِ حَدِيث أنكر من هَذَا، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ مظَاهر بن أسلم، وَهُوَ رجل مَجْهُول، يُعْرف بِهَذَا الحَدِيث، وَالصَّحِيح عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد: «أَنه سُئِلَ عَن عدَّة الأَمة، فَقَالَ: النَّاس يَقُولُونَ: حيضتان» . وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ عبد الْحق: ذُكر عَن ابْن الْقَاسِم أَنه قيل لَهُ: أَبَلَغَكَ من هَذَا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْء؟ ، قَالَ: لَا. وَنَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا، وَقَالَ [الْمزي] فِي «أَطْرَافه» : رفْعه غير مَحْفُوظ. قلت: وَأما الْحَاكِم فَرَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ «مظَاهر بن أسلم» : شيخ من أهل الْبَصْرَة، لم يذكرهُ أحدٌ مِنْ مُتَقَدِّمي مَشَايِخنَا بِجرح فَإِذا الحَدِيث. [صَحِيح وَلم يخرجَاهُ] . قلت: عجيبٌ مِنْهُ، فقد ضعفه أَبُو حَاتِم، وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. مَعَ أَنه لَا يُعْرف، ووَهَِمَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 فَعَزاهُ إِلَى يَحْيَى بن سعيد، فاجْتَنِبْهُ، وَقَالَ فِيهِ الرزاي: مُنكر الحَدِيث. فَأَما ابْن حبَان: فَذكره فِي «الثِّقَات» من أَتبَاع التَّابِعين، رَوَى عَنهُ: ابْنُ جريج والثوريُّ وعاصمُ النَّبِيل. الحَدِيث الثَّانِي و [الْعشْرُونَ] «أَن ركَانَة بن عَبْد يزِيد أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي طلقت امْرَأَتي سهيمة الْبَتَّةَ، وواللَّهِ مَا أردتُ إِلَّا وَاحِدَة؟ ، فَقَالَ [رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة؟ فَقَالَ:] واللَّهِ مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة؛ فردَّها عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» . رَوَاهُ الشَّافِعِي من رِوَايَة عبد الله بن عليّ بن السَّائِب، عَن نَافِع بن عجير بن عَبْد يزِيد (أَن ركَانَة بن عَبْد يزِيد طلَّق امْرَأَته سهيمة الْبَتَّةَ، ثمَّ أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي طلقتُ امْرَأَتي سهمية الْبَتَّةَ؛ [و] واللَّهِ مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة [فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لركانة: وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة؟ فَقَالَ ركَانَة: وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة] ، فردَّها إِلَيْهِ، وَطَلقهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 الثانيةَ فِي زمن عمر، وَالثَّالِثَة فِي زمن عُثْمَان) . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عبد الله بن يزِيد بن ركَانَة، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «أتيتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فقلتُ: يَا رَسُول الله إِنِّي طلقت امْرَأَتي الْبَتَّةَ، فَقَالَ: مَا أردتَ [بهَا] ؟ قلت: وَاحِدَة، قَالَ: واللَّهِ؟ ، قلت: واللًَّهِ، قَالَ: فَهُوَ مَا أردتَ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة نَافِع بن عجير بن عَبْد يزِيد بن ركَانَة «أَن ركَانَة بن عَبْد يزِيد طلق امْرَأَته سهيمة الْبَتَّةَ فَأخْبر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بذلك وَقَالَ: واللَّهِ مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة [فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة؟] فَقَالَ ركَانَة: واللَّهِ مَا أردتُ إِلَّا وَاحِدَة، فردَّها إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَطلقهَا الثَّانِيَة فِي زمَان عمر، وَالثَّالِثَة فِي زمَان عُثْمَان» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من رِوَايَة عبد الله بن عَلّي بن يزِيد بن ركَانَة، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَنه طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَا أردتَ؟ قَالَ: وَاحِدَة. قَالَ: اللَّهِ؟ قَالَ: اللَّهِ. قَالَ: هُوَ عَلَى مَا أردتَ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا أصح من حَدِيث ابْن جريج: «أَن ركَانَة طلق امْرَأَته ثَلَاثًا» ؛ لأَنهم أهل بَيته وهُمْ أعلم بِهِ، وَحَدِيث ابْن جريج [رَوَاهُ] عَن بعض بني [أبي] رَافع، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الله بن عَلّي بن يزِيد بن ركَانَة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 عَن أَبِيه، عَن جده: «أَنه طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَا أردْت بهَا؟ ، قَالَ: وَاحِدَة. قَالَ: آللَّهِ مَا أردتَ بهَا إِلَّا وَاحِدَة. قَالَ: اللَّهِ مَا أردتُ بهَا إِلَّا وَاحِدَة. قَالَ: فردَّها عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» : سمعتُ أَبَا الْحسن عَلّي بن مُحَمَّد الطنافسي يَقُول: مَا أشرف هَذَا الحَدِيث! . وَأخرجه ابْن [حبَان] فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة عبد الله [بن عَلّي] بن يزِيد بن ركَانَة، كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته الثَّانِيَة. وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَمَا سَاقه ابْنُ حبَان سندًا ومتنًا، ثمَّ قَالَ: قد انحرف الشَّيْخَانِ - يَعْنِي: البخاريَّ وَمُسلمًا - عنِ الزبير بن سعيد الْهَاشِمِي - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده -، غير أَن لهَذَا الحَدِيث مُتَابَعًا من بنت رُكانة بن [عبد] يزِيد المطلبي، فَيصح بِهِ الحَدِيث، ثمَّ رَوَاهُ عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن عَمه مُحَمَّد بن عَلّي بن شَافِع، عَن نَافِع بن عجير بن عَبْد يزِيد «أَن ركَانَة بن عَبْد يزِيد طلَّق امْرَأَته سهيمة الْبَتَّةَ» . ثمَّ سَاقه بِلَفْظ أبي دَاوُد فِي الرِّوَايَة الأولَى، ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: قد صَحَّ الحَدِيث بِهَذِهِ الرِّوَايَة، فَإِن الإِمَام الشَّافِعِي قد أتقنه وَحفظه عَن أهل بَيته، والسائب بن عَبْد [يزِيد أَب الشافع بن السَّائِب وَهُوَ أَخ ركَانَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 بن عبد يزِيد] وَمُحَمّد بن عَلّي بن شَافِع عَم الشَّافِعِي: شيخُ قُرَيْش فِي عصره. وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا فِي كتاب «عُلُوم الحَدِيث» بِلَفْظ أبي دَاوُد الثَّانِي، ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث عَن آخِرهم قرشيون، وَأما التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَسَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي: البخاريَّ - عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إِنَّه مُضْطَرب؛ (حَيْثُ رُوي تَارَة أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا، وَتارَة وَاحِدَة، وَتارَة الْبَتَّةَ وَهُوَ أصحُّها، والثلاثُ ذكرت فِيهِ عَلَى الْمَعْنى) ، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد كَمَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، وَعلله: [حَدِيث] ركَانَة لَيْسَ بِشَيْء، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: طرقه ضَعِيفَة، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» : فِي تَصْحِيح أبي دَاوُد لهَذَا الحَدِيث نَظَرٌ؛ فقد ضعفه الإِمَام أَحْمد، وَهُوَ مُضْطَرب إِسْنَادًا ومتنًا؛ لِأَن فِي إِسْنَاده الزبير بن سعيد الْهَاشِمِي الْمدنِي: وَقد ضعفه غيرُ واحدٍ. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيف. وَكَذَلِكَ قَالَ عَلّي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 بن الْمَدِينِيّ وزَكَرِيا [السَّاجِي] وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ يَحْيَى مَرَّةً: ثِقَة. وَقَالَ الْعقيلِيّ الْحَافِظ: هَذَا حَدِيث لَا يُتابع عَلَيْهِ وَلَا يُعرف إِلَّا بِهِ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عَلّي بن يزِيد بن ركَانَة: إِسْنَاده مُضْطَرب وَلَا يُتابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: إِسْنَاده مُخْتَلف فِيهِ. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : فِي إِسْنَاده عبد الله بن عَلّي بن السَّائِب، عَن نَافِع بن عجير، عَن ركَانَة، وَالزبير بن سعيد، عَن عبد الله بن عَلّي بن عَبْد يزِيد بن ركَانَة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: وَكلهمْ ضَعِيف، الزبير أَضْعَفُهُمْ. قَالَ البُخَارِيّ: عَلّي بن يزِيد بن ركَانَة، عَن أَبِيه: لم يَصح حَدِيثه، وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : هَذَا الحَدِيث ضعَّفوه. قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي أَوَاخِر كتاب التَّفْسِير مِنْهُ، من حَدِيث ابْن عَبَّاس: [قَالَ: طلق عبد يزِيد أَبُو ركَانَة أم ركَانَة ثمَّ نكح امْرَأَة من مزينة فَجَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] فَقَالَت: يَا رَسُول الله: مَا تغني عني هَذِه الشعرة، لشعرةٍ أَخَذتهَا من رَأسهَا، فَأخذ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَمِيَّةٌ عِنْد ذَلِك، فَدَعَا ركَانَة وإخوتَه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعَبْدِ يزِيد: طلِّقْها، فَفعل، فَقَالَ لأبي ركَانَة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 ارتجِعْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله: إِنِّي طَلقتهَا، قَالَ: قد علمتُ ذَلِك، فارتجِعْهَا، فَنزلت (يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن) . ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قلت: فِيهِ نظر، لأجْل مُحَمَّد بن [عبيد الله] بن أبي رَافع الواهي، قَالَ الذَّهَبِيّ: فَالْخَبَر خطأ، عَبْدُ يزِيد لم يدْرك الْإِسْلَام. قلت: وَرُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا عَلَى نمطٍ آخر، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث: ابْن إِسْحَاق، ثَنَا دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «طلق ركانةُ بْنُ [عبد] يزِيد امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مجْلِس وَاحِد، فَحزن عَلَيْهَا حزنا شَدِيدا، فَسَأَلَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَيفَ طلقْتَها؟ قَالَ: طلقتُهَا ثَلَاثًا. قَالَ: فِي مجلسٍ واحدٍ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: [فَإِنَّمَا تِلْكَ] وَاحِدَة؛ فارتجِعْهَا إِن شئتَ، فرجعها» . قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح، ابْن إِسْحَاق مَجْرُوح، وَدَاوُد أشدُّ مِنْهُ ضعفا، قَالَ: والْحَدِيث الأوَّل أقرب، وَكَأن هَذَا من غلط الروَاة. فَائِدَة: رُكَانة بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة، وبالنون بعد الإلِف، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْوَقار بِمَعْنى السَّكِيْنَة، يُقَال مِنْهُ رُكن - بِالضَّمِّ - ركَانَة فَهُوَ ركينٌ، و الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 «ركَانَة» هَذَا هُوَ ابْن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي المطلبي الْحِجَازِي، ثمَّ الْمَكِّيّ، ثمَّ الْمدنِي، الصَّحَابِيّ، وَهُوَ بِضَم الرَّاء وَتَخْفِيف الْكَاف، وبالنون، وَلَيْسَ فِي الْأَسْمَاء ركَانَة غَيره ... هَكَذَا قَالَه البُخَارِيّ، وَابْن أَبَى حَاتِم وغيرُهما، أَسْلَمَ يَوْم الْفَتْح، وَكَانَ من أَشد النَّاس، وَهُوَ الَّذِي صارعه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَصَرَعَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، تُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين، وَقيل: تُوفِّي فِي خلَافَة عُثْمَان. فَائِدَة ثَانِيَة: اخْتُلِف فِي اسْم امْرَأَة ركَانَة، فروَى الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» : أَن اسْمهَا هشيمة، ثمَّ قَالَ: وَالْأَشْهر سهيمة، قَالَ: وَقيل سهيمة، وسفيحة، وَفَى «ابْن الْأَثِير» : الْجَزْم بِأَنَّهَا سهيمة المزنية ... انْتَهَى. زَاد غَيره: وَقيل: بنت عُمَيْر. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ طلَّقَ أَو أعْتَقَ وَاسْتَثْنَى فَلهُ ثنياه» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك إِمَام الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي «نهايته» : رَوَى أَبُو الْوَلِيد فِي «مجرده» عَن معدي كرب مَرْفُوعا فَذكره، وَهَذَا قد رَوَاهُ من الطَّرِيق الْمَذْكُور بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب «معرفَة الصَّحَابَة» إِلَّا أَنه قَالَ «ثُمَّ» بدل «الْوَاو» . وَفَى «كَامِل ابْن عدي» و «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق - إِن شَاءَ الله -، أَو غُلَامه: أَنْت حُرٌّ - إِن شَاءَ الله -، أَو عَلَيْهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله - إِن شَاءَ الله - فَلَا شَيْء عَلَيْهِ» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، ثمَّ قَالَ ابْن عدي: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده مُنكر، لَا يرويهِ إِلَّا إسحاقُ بن أبي يَحْيَى الكعبي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِمثلِهِ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح، لَا يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا إِسْحَاق بن أبي يَحْيَى، وَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» : لَا يروي هَذَا الحَدِيث إِلَّا إسحاقُ هَذَا. وَقَالَ فِيهِ ابْن عدي: إِنَّه حدَّث عَن الثِّقَات بِالْمَنَاكِيرِ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا (يحل) الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار، زَاد فِي كِتَابه «الضُّعَفَاء» عَن الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (وَرُوِيَ) عَن الْجَارُود بن يزِيد، عَن بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا فِي الطَّلَاق وَحده، وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف. وَفِي حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا حلف الرجلُ فَقَالَ: إِن شَاءَ الله، فقد اسْتثْنى» . وَفَى رِوَايَة: «مَنْ حلف عَلَى يمينٍ فَقَالَ: إِن شَاءَ الله، فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ فعل، وَإِن شَاءَ لم يفعل» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 قلت: وَحَدِيث ابْن عمر هَذَا أخرجه أَصْحَاب «السّنَن» الْأَرْبَعَة، وَصَححهُ ابْن حبَان، وسيأتى وَاضحا فِي كتاب: الْأَيْمَان - إِن شَاءَ الله وَقدره -. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: الِاسْتِثْنَاء مَعْهُود، وَفَى الْقُرْآن وَالسّنة مَوْجُود. هُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ كثير فِي السّنة، كَحَدِيث: «لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب» . وغَيرِه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَثِيرًا مَا وَقع فِي كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه كرر اللفظَ الواحِدَ. هُوَ كَمَا قَالَ، وَمن ذَلِك: الحَدِيث السالف: «أَيُّمَا امْرَأَة نكحتْ نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا، فنكاحها بَاطِل - وكرَّرَ ذَلِك ثَلَاثًا» . وَمِنْهَا: «أَنه إِذا تكلَّم بكلمةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا، وَإِذا سلَّم سَلَّمَ ثَلَاثًا» . أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس. وَمِنْهَا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «واللَّهِ لأغزونَّ قُريْشًا - ثَلَاثًا» وَسَيَأْتِي فِي: الْأَيْمَان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 وَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن ابْن مَسْعُود: «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَام - إِذا دَعَا: دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا» . وَفَى «مُسْند أَحْمد» و «صَحِيح ابْن حبَان» عَنهُ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُعجبهُ أَن يَدْعُو ثَلَاثًا، ويستغفر ثَلَاثًا» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين «أَن جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أُعطي جناحين يطير بهما» . هَذَا صَحِيح، (فَفِي) البُخَارِيّ عَن الشّعبِيّ: «أَن ابْن عمر كَانَ إِذا سلَّم عَلَى ابْنِ جَعْفَر قَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا ابْنَ ذِي الجناحين» . جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غير «البُخَارِيّ» : «أَنه قُطِعَتْ يَدَاهُ (فى) غَزْوَة مُؤْتَة، فَجعل الله لَهُ جناحين يطير بهما» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَفِيه - أَعنِي: «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» - و «صَحِيح ابْن حبَان» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رأيتُ جعفرًا يطير فِي الْجنَّة مَعَ الْمَلَائِكَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 هَذَا (لفظ) التِّرْمِذِيّ. وَلَفظ الْحَاكِم وَابْن حبَان: «رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب مَلَكًا يطير مَعَ الْمَلَائِكَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح. قلت: لَا، بل واهٍ؛ فَإِن فِي إِسْنَاد الْحَاكِم: الْمَدِينِيّ، وَهُوَ واهٍ. وَفِيه أَيْضا - أَعنِي: «الْمُسْتَدْرك» - من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لمَّا أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَتْلُ جَعْفَر: دَاخله من ذَلِك، فَأَتَاهُ جبريلُ فَقَالَ: إِن الله جعل لجعفرٍ جناحين مسرَّجين بِالدَّمِ؛ يطيرُ بهما مَعَ الْمَلَائِكَة» . قَالَ الْحَاكِم: لَهُ طرق عَن الْبَراء، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «اختصاره للمستدرك» : طرقه كلهَا ضَعِيفَة عَن الْبَراء. وَفِيه أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دخلتُ الجنةَ فَإِذا جَعْفَر يطير مَعَ الْمَلَائِكَة» . صَححهُ أَيْضا، وَلَا يَصح، فَفِي إِسْنَاده «سَلمَة بن وهرام» : وَقد ضَعَّفُوهُ. قلت: ورُوي أَيْضا من حَدِيث عليّ بن أبي طَالب - كرَّم الله وَجهه -، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 وَهُوَ واهٍ، قَالَ ابْن عدي: هُوَ بَاطِل عَن الثَّوْريّ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث (عليّ بن عَلّي الْهِلَالِي) ، عَن أَبِيه [و] من حَدِيث أبي الْيُسْر: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «رَأَيْت جعفرًا ذَا جناحين مضرجًا بالدماء، وَزيد مُقَابِله، وَابْن رَوَاحَة مَعَهم كَأَنَّهُ معرض عَنْهُم، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَن ذَلِك: (إِن) جعفرًا حِين تقدم، فَرَأَى الْقَتْلَى لم يصرف وَجهه، وَزيد كَذَلِك، وَابْن رَوَاحَة صرف وَجهه» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فى: الْبيُوع، وَكَذَا حَدِيث: «صُومُوا لرُؤْيَته» . سلف فِي: الصَّوْم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب - بِحَمْد الله ومنِّه -. وَأما آثاره: فستة عشر: أَحدهَا: «أَن رجلا عَلَى عهد عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ لامْرَأَته: حَبْلُكِ عَلَى غاربك، (فَلَقِيَهُ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: أنْشدك الله وبهذه البنية هَل أردْت بِقَوْلِك حبلك عَلَى غاربك الطَّلَاق) . فَقَالَ الرجل: أردْت الْفِرَاق؟ ، فَقَالَ: هُوَ مَا أردتَ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» : أَنه بلغه «أَنه كُتِبَ إِلَى عمر بن الْخطاب من الْعرَاق: أَن رجلا قَالَ لامْرَأَته: حَبْلُك عَلَى غاربك، فَكتب عَمرُ إِلَى عَامله: أَن مُرْهُ فليوافيني فِي الْمَوْسِم، فَبَيْنَمَا عمرُ بن الْخطاب يطوف بِالْبَيْتِ إذْ لقِيه الرجلُ فسلَّم عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْت.؟ ، قَالَ: أَنا الذى أَمَرْتَ أَن يجلب عَلَيْك. (قَالَ) : أُنْشِدُكَ بربِّ هَذِه البِنْيَة؛ هَل (أردْت بِقَوْلِك) حبلك عَلَى غاربك الطلاقَ؟ ، فَقَالَ (الرجل) : لَو اسْتَحْلَفْتِنَي فِي غير هَذَا الْمَكَان مَا صَدَقْتُكَ؛ أردتُ الفراقَ، فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: هُوَ مَا أردتَ» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ: إِنَّه قَالَ لامْرَأَته: حبْلك عَلَى غاربك، فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وافِ مَعنا الْمَوْسِم، فَأَتَاهُ الرجلُ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ: أَتَرَى ذَلِك الأصلع يطوف بِالْبَيْتِ، اذهبْ إِلَيْهِ، فَسَلْهُ ثمَّ ارجعْ فَأَخْبرنِي بِمَا رَجَعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 إِلَيْك، قَالَ: فذهبتُ إِلَيْهِ، فَإِذا هُوَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَقَالَ: مَنْ بَعثك إليَّ؟ ، فَقَالَ: أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: إِنَّه قَالَ لامْرَأَته: حبْلُك عَلَى غاربك، فَقَالَ: اسْتَقْبِلِِ الْبَيْت واحلف بِاللَّه مَا أردتَ طَلَاقا، فَقَالَ الرجل: وَأَنا أَحْلف باللَّه مَا أردتُ إِلَّا الطَّلَاق؟ فَقَالَ: بَانَتْ مِنْك امْرَأَتك» . وَفَى رِوَايَة لَهُ أَيْضا: من حَدِيث سعيد بن [مَنْصُور، نَا هشيم، أَنا] مَنْصُور، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح: «أَن رجلا قَالَ لامْرَأَته: حبلك عَلَى غاربك - قَالَ ذَلِك مرَارًا - فَأَتَى عُمرَ بْنَ الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فاستحلفه بَين [الرُّكْن] وَالْمقَام مَا الذى أردتَ بِقَوْلِك؟ ، قَالَ: أردتُ الطلاقَ؛ ففرَّق بَينهمَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا استحلفه عَلَى إِرَادَة التَّأْكِيد بالتكرير دون الِاسْتِئْنَاف، وَكَأَنَّهُ أقرَّ فَقَالَ: أردتُ بِكُل مَرَّةٍ إِحْدَاث طلاقٍ ففرَّق بَينهمَا. قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: وَذكر ابْن جريج، عَن عَطاء: «أَن عمر بن الْخطاب رُفِعَ إِلَيْهِ رجلٌ قَالَ لامْرَأَته: حَبْلُك عَلَى غاربك، فَقَالَ لعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: انْظُرْ بَينهمَا» فَذكر مَعْنَى مَا روينَا، إِلَّا أَنه قَالَ: «فأمضاه عليٌّ ثَلَاثًا» . قَالَ: وذُكِرَ عَن سعيد، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن عَن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، مِثْلَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا لَا يُخَالف رِوَايَة مَالك، وَكَأن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جعلهَا وَاحِدَة كَمَا قَالَ فِي الْبَتَّةَ، وعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جعلهَا ثَلَاثًا، وَيحْتَمل أَنَّهُمَا جعلاه ثَلَاثًا لتكريره اللَّفْظ - فِي الْمَدْخُول بهَا - ثَلَاثًا، وإرادته بِكُل مرّة إِحْدَاث طلاقٍ، كَمَا قُلْنَا فِي رِوَايَة [مَنْصُور] عَن عَطاء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 الْأَثر الثَّانِي: «أَن رجلا أَتَى ابْنَ عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: إِنِّي جعلتُ امْرَأَتي عليَّ حَرَامًا؟ ، قَالَ: كذبتَ؛ لَيست عليكَ بحرامٍ، ثمَّ تلى: (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك) الْآيَة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ، وَزَاد فِي آخِره: «عَلَيْك أَغْلَظُ الْكَفَّارَة: عِتْقُ رَقَبَة» . الْأَثر الثَّالِث إِلَى الْعَاشِر: قَالَ الرَّافِعِيّ: اخْتلفت الصَّحَابَة فِي لفظ «الْحَرَام» ، فَذهب أَبُو بكر، وَعَائِشَة إِلَى: أَنه يَمِين، وكفارته كَفَّارَة يَمِين. وَذهب عمر إِلَى أَنه صَرِيح فِي (طَلْقَة رَجْعِيَّة وَعُثْمَان إِلَى أَنه ظِهَار وَعلي إِلَى أَنه صَرِيح فِي) الطلقات [الثَّلَاث] وَبِه قَالَ زيدٌ وَأَبُو هُرَيْرَة، وَذهب ابْن مَسْعُود إِلَى: أَنه لَيْسَ بِيَمِين، وَفِيه كَفَّارَة يَمِين. وَهَذِه الْآثَار ذكرهَا البيهقيُّ فِي «سنَنه» . مِنْهَا: أثر عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. ورُوي عَن ابْن مَسْعُود: أَنه قَالَ فِيهِ: «إِن نَوى يَمِينا فيمينٌ، وَإِن نَوى طَلَاقا فطلاقٌ، وَهُوَ مَا نَوى من ذَلِك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ: «نِيَّته فِي الْحَرَام مَا نَوى، إِن لم يكن نَوى طَلَاقا فَهِيَ يمينٌ» . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ عَنهُ: «إِن نَوى طَلَاقا فَهِيَ تَطْلِيقَة وَاحِدَة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 وَهُوَ أملك بالرجعة، وَإِن لم يَنْوِ طَلَاقا فيمينٌ يُكَفِّرُهَا» . وَهَذِه الرِّوَايَات الثَّلَاث مُخَالفَة لما نَقله الرَّافِعِيّ عَنهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: واختلفتِ الروايةُ عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي ذَلِك، فَرُوي عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ «هُوَ يَمِين يكفرهَا» . ورُوي عَنهُ: «أَنه أَتَاهُ رجل قد [طلق] امْرَأَته [تَطْلِيقَتَيْنِ] فَقَالَ: أنْتِ عليَّ حرَام، فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لَا أَرُدُّهَا إِلَيْك» . قَالَ: وروينا عَن عليّ وزيدٍ بن ثَابت: «أَن فِي البَرِيَّة والبتة وَالْحرَام أَنَّهَا ثلاثٌ ثلاثٌ» . قَالَ: وَرَوَى مطرف عَن عَامر - هُوَ: الشّعبِيّ -: «فى الرجل يَجْعَل امْرَأَته عَلَيْهِ حَرَامًا، قَالَ: يَقُولُونَ: إِن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (جعلهَا ثَلَاثًا قَالَ عَامر: مَا قَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) هَذَا إِنَّمَا قَالَ: لَا أُحِلُّهَا وَلَا أُحرِّمُهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالرِّوَايَة الْمَاضِيَة عَن عَلّي: «أَنَّهَا ثَلَاث إِذا نَوى» . إِلَّا أَنَّهَا رِوَايَة ضَعِيفَة. الْأَثر الْحَادِي عشر: عَن (قدامَة) بن إِبْرَاهِيم: «أَن رجلا عَلَى عَهْدِ عمر بن الْخطاب تدلىَّ (بِحَبْلٍ) ليشتار عسلًا، فأقبلتْ امرأتُه فجلستْ عَلَى الحَبْلِ وَقَالَت: تُطَلِّقنِي ثَلَاثًا وَإِلَّا قطعتُ الْحَبل، فذكَّرَها (الله) وَالْإِسْلَام، فأبتْ، فَطلقهَا ثَلَاثًا، ثمَّ خرج إِلَى عمر، فَذكر ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 لَهُ، فَقَالَ: ارجعْ إِلَى أهلك؛ فَلَيْسَ بطلاقٍ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الْملك بن قدامَة [بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد] بن حَاطِب الجُمَحِي، عَن أَبِيه: «أَن رجلا تدلىَّ» فَذكره. ثمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن عُمر. قَالَ: ورُوي: «أَن عمر أَبَانهَا مِنْهُ» . وَالرِّوَايَة الأولَى أشبه. قلت: مَعَ انقطاعها، فَإِن قدامَة لم يدْرك عُمَرَ، إِنَّمَا يروي، عَن ابْنه عبد الله بن عمر، وَسَهل بن سعد، وَغَيرهمَا من الْمُتَأَخِّرين. لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ مَرَّةً: إِن رِوَايَة: «أَبَانَهَا مِنْهُ» خطأ، والْحَدِيث مُنْقَطع. قلت: وَأما حَدِيث صَفْوَان بن (عمرَان) : «أَن رجلا كَانَ نَائِما مَعَ امْرَأَته، فقامتْ وَأخذت سكينًا وجلستْ عَلَى صَدره، ووضعتْ السكين عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَت: طلقْنِي ثَلَاثًا، وَإِلَّا ذبَحْتُك، فطلَّقَهَا، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: لَا قيلولة فِي الطَّلَاق» . فضعيفٌ، ذكره ابْن أَبَى حَاتِم فِي «علله» عَن أبي زُرْعة: أَنه رُوي من حَدِيث صَفْوَان هَذَا، ثمَّ قَالَ أَبُو زرْعَة: هَذَا حَدِيث واهٍ جدا. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ صَفْوَان، ومداره عَلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 فَائِدَة: قَوْله: (يشتار) : هُوَ بالشين الْمُعْجَمَة وبالراء الْمُهْملَة، يُقَال: شِرْتُ الْعَسَل أشور، عَلَى وزن: قلت أَقُول، واشْتَرْتُ عَلَى وزن: اخْتَرْت، إِذا جَنَيْتَه من مَكَان النَّحْل فِي الْجبَال أَو غَيرهَا، وأشرت لُغَة فِيهِ، ذكره الْجَوْهَرِي فِي الْكَلَام عَلَى: «شور» . الْأَثر الثَّانِي عشر: «أَن عمر (بن الْخطاب) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سُئِلَ عَمَّنْ طلَّق طَلْقَتَيْنِ، فانقضتْ عدتهَا، فتزوَّجَها غيرُه وفارقها، ثمَّ تزوَّجها الأَوَّلُ، فَقَالَ: (هِيَ) عِنْده عَلَى مَا بَقِي من الطَّلَاق» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث: الْحميدِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حميدِ بْنِ عبد الرَّحْمَن، وعبيدِ الله - هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة -، وسليمانَ بْنِ يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «سَأَلت عُمرَ عَن رجلٍ من أهل الْبَحْرين طلق امْرَأَته تَطْلِيقَة [أَو اثْنَتَيْنِ] ، فنكحتْ زوجا، ثمَّ مَاتَ عَنْهَا أَو طلَّقَهَا، فرجعتْ إِلَى الزوْج الأول، عَلَى كم هِيَ عِنْده؟ ، قَالَ: هِيَ عِنْده عَلَى مَا بَقِي» . قَالَ الْحميدِي: وَكَانَ سُفْيَان قيل لَهُ: فيهم سعيد بن المسيَّب؟ ، فَقَالَ: ثَنَا الزُّهْرِيّ. هَكَذَا، لم [يزدنا] عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، فلمَّا فرغ مِنْهُ قَالَ: لَا أحفظ فِيهِ عَن الزُّهْرِيّ سعيدًا، وَلَكِن يَحْيَى بن سعيد حدَّثْنَاه، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة نَحْو ذَلِك، (وَكَانَ) حَسبك بِهِ. الْأَثر الثَّالِث عشر: «أَن نفيعًا - وَكَانَ عَبْدًا سَأَلَ عُثْمَان وزيدًا، وَقَالَ: طلقتُ (امْرَأَة لي) حرَّة طَلْقَتَيْنِ؟ ، فَقَالَا: حَرُمَتْ عَلَيْك» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك عَنْهُمَا، وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» أَيْضا كَذَلِك. الْأَثر الرَّابِع عشر: «أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طلَّق امْرَأَته الكلبيةَ فِي مرض مَوته، فورَّثها عثمانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق (فِي «مُصَنفه» ) عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة «أَنه سَأَلَ عَبْدَ الله بْنَ الزبير [عَن الرجل يُطلق الْمَرْأَة فيبتها ثمَّ يَمُوت وَهِي فِي عدتهَا] ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزبير: «طلَّق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِنْتَ الْأَصْبَغ الْكَلْبِيَّة، فَبَتَّهَا، ثمَّ مَاتَ، فورَّثها عثمانُ فِي عدتهَا» . ورَوَى حَمَّاد بن سَلمَة، ومِنْ طَرِيقه رَوَاهُ ابْنُ حزم، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه: «أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طلَّق امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مَرضه، فَقَالَ عُثْمَان: لَئِنْ مِتَّ لأُوَرِّثُهَا مِنْكَ» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن ابْن شهَاب، عَن طَلْحَة بن عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 الله بن عَوْف - قَالَ: وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بذلك -، وَعَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: «أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طلَّق امْرَأَته الْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيض، فورَّثها عُثْمَان بن (عَفَّان) مِنْهُ بعد انْقِضَاء عدتهَا» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ الطَّلَاق فِي هَذِه الْقِصَّة بسؤالها. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد (قَالَ) مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : أَنه سمع (ربيعَة) ابْن أبي عبد الرَّحْمَن يَقُول: بَلغنِي «أَن (امْرَأَة) عبد الرَّحْمَن بن عَوْف سَأَلته أَن يطلِّقَهَا، فَقَالَ: إِذا حِضْتِ ثمَّ طهرتِ فآذنيني، فَلم تَحضْ حَتَّى مرض عبدُ الرَّحْمَن بن عَوْف، فلمَّا طهرتْ آذنَتْهُ، فطلَّقَهَا الْبَتَّةَ، أَو تَطْلِيقَة لم يكن بَقِي لَهُ عَلَيْهَا من الطَّلَاق غَيْرَها. (وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَوْمئِذٍ مَرِيض. فَورثَهَا عُثْمَان بن عَفَّان مِنْهُ بعد انْقِضَاء عدتهَا» ) . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي بِدُونِهِ، فروَى عَن ابْن أبي روَّاد وَمُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن أَبَى مليكَة «أَنه سَأَلَ ابْنَ الزبير عَن الرجل يُطلق الْمَرْأَة فيبتها، ثمَّ يَمُوت وهى فِي عدتهَا؟ ، فَقَالَ عبد الله بن الزبير: طلَّق عبدُ الرَّحْمَن بْنُ عَوْف تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغ الْكَلْبِيَّة، فَبَتَّهَا، ثمَّ مَاتَ، وَهِي فِي عدتهَا، فورَّثها عثمانُ. قَالَ ابْن الزبير: وَأما أَنا: فَلَا أرَى أَن (تَرث) مبتوتة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 قَالَ الشَّافِعِي فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَن الرّبيع عَنهُ حَدِيث ابْنِ الزبير: مُتَّصِل، وَهُوَ يَقُول: «ورَّثها عثمانُ فِي الْعدة» . وَحَدِيث ابْن شهَاب: مَقْطُوع. قلت: لم يظْهر فِي وَجهه انقطاعُهُ، وَقد نقل عَنهُ البيهقيُّ إِثْر هَذَا، أَنه قَالَ فِي «الْإِمْلَاء» : «ورَّثَ عثمانُ بن عَفَّان امْرَأَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف - وَقد طَلقهَا ثَلَاثًا - بَعْدَ انْقِضَاء الْعدة» . قَالَ: وَهُوَ فِيمَا [يخيل] إليَّ أثْبَتُ الْحَدِيثين، وَذكر الْبَيْهَقِيّ مَا يُؤَكد رِوَايَة مَالك بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل، وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «استذكاره» : اخْتلف عَن عُثْمَان: هَل ورَّث زوجةَ عَبْدِ الرَّحْمَن فِي الْعدة؟ أَو بعْدهَا؟ ، وَأَصَح الرِّوَايَات عَنهُ: أَنه ورَّثها بعد انْقِضَاء الْعدة. تَنْبِيَهات: أَحدهَا: وَقع فِي رِوَايَة مَالك السالفة: «أَن عبد الرَّحْمَن طَلقهَا الْبَتَّةَ» . وَوَقع فِي رِوَايَته الْأُخْرَى: «أَنه طَلقهَا الْبَتَّةَ، أَو تَطْلِيقَة لم يكن بَقِي لَهُ عَلَيْهَا من الطَّلَاق غَيرهَا» . وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي: «أَنه بَتَّ طلاقَهَا» . وَذكر الْبَيْهَقِيّ من هَذِه الطّرق، وَنقل عَن الشَّافِعِي: «أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 وَفَى «تَارِيخ ابْن عَسَاكِر» : « (أَنَّهَا كَانَت آخر طلقاتها الثَّلَاث وَذكر) أَنه كَانَ لَهَا سوء خلق، فَطلب الطَّلَاق» . وَقَالَ ابْن حزم: صَحَّ (أَنه - يَعْنِي: عُثْمَان - ورَّثَ امرأةَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْكَلْبِيَّة، وَقد طَلقهَا وَهُوَ مَرِيض آخِرٍ ثلاثَ تَطْلِيقَات) . التَّنْبِيه الثَّانِي: زَوْجَة عبد الرَّحْمَن اسْمهَا: تُماضِر، كَمَا سلف فِي رِوَايَة الشَّافِعِي، وَهِي بِضَم التَّاء ثمَّ ألف ثمَّ ضاد مُعْجمَة مَكْسُورَة ثمَّ رَاء مُهْملَة، ووالدها الأصْبغ، بِفَتْح الْهمزَة ثمَّ صَاد مُهْملَة سَاكِنة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة، ثمَّ غين مُعْجمَة، ابْن عَمرو بن ثَعْلَبَة بن حصن بن كلب، وَأمّهَا: جوَيْرِية بنت وبرة بن رُومَان. قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَهِي أوَّل كلبيَّة نَكَحَهَا قريشيٌّ. التَّنْبِيه الثَّالِث: قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَابْن دَاوُد - مِنَ الشَّافِعِيَّة -: صُولِحَتْ زَوْجَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْمَذْكُورَة من ربع الثُّمُن عَلَى ثَمَانِينَ ألْف دَنَانِير، وَقيل: دراهمٍ. التَّنْبِيه الرَّابِع: هَذَا الْأَثر اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ تبعا للأصحاب لِلْقَوْلِ الْقَدِيم، عَلَى: أَن المبتوتة فِي مرض (الْمَوْت) تَرِثُ. وَلَا حُجَّة فِيهِ؛ لِأَن ابْن الزبير خَالف عُثْمَان فِي ذَلِك، كَمَا سلف، وَإِذا اختلفَتِ الصحابةُ لم يكن قَول بَعضهم حُجَّة. وَهَذَا هُوَ جَوَاب القَوْل الصَّحِيح الْجَدِيد عَن فِعْل عُثْمَان. الْأَثر الْخَامِس عشر: « (عَن) ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَنه سُئِلَ عَن رجلٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق إِلَى سَنَةٍ، فَقَالَ: هِيَ امْرَأَته يسْتَمْتع بهَا إِلَى سَنَةٍ» . وَهَذَا الْأَثر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم «فِي رجل قَالَ لامْرَأَته: هِيَ طَالِق إِلَى سنة، قَالَ: هِيَ امْرَأَته يسْتَمْتع مِنْهَا إِلَى سنة» . قَالَ: ورُوي مِثْلُهُ عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ: «أَنه كَانَ يرَى الِاسْتِثْنَاء وَلَو بَعْدَ سَنَةٍ» . وَرَوَاهُ هُوَ أَيْضا والبيهقيُّ عَنهُ: أَنه قَالَ: «إِذا حلف الرجل عَلَى يمينٍ، فَلهُ أَن يَسْتَثْنِي وَلَو (إِلَى) سَنَةٍ، وَإِنَّمَا نزلتْ هَذِه الْآيَة فِي هَذَا: (وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت) ، قَالَ: إِذا ذَكَرَ اسْتثْنى» . قَالَ عَلّي بن مسْهر: وَكَانَ الْأَعْمَش يَأْخُذ بِهَذَا. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: بقول ابْنِ عُمر نَأْخُذ للأمان، حَيْثُ قَالَ: كل اسْتثِْنَاء مَوْصُول، فَلَا حنث عَلَى صَاحبه، وإنْ كَانَ غير مَوْصُول فَهُوَ حانثٌ. قَالَ: وَيحْتَمل قَول ابْن عَبَّاس أَن يكون المُرَاد بِهِ أَنه كَانَ مُسْتَعْملا لِلْآيَةِ، وَإِن ذكر الِاسْتِثْنَاء بعد حِين، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله) لَا فِيمَا يكون يَمِينا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 قلت: وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ القرافيُّ (فى) «الْأُصُول» فِي تَعْلِيقه عَلَى الْحِنْث، حَيْثُ قَالَ: الْمَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ فِي اسْتثِْنَاء الْمَشِيئَة، لقَوْله تَعَالَى: (وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت) (فَإِنَّهُ قَالَ: إِن سَبَب نُزُولهَا ترك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ وتقديرها كَمَا قَالَ ابْن العصري فِي التَّفْسِير (وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت) أَي إِذا شِئْت الِاسْتِثْنَاء) : أَي إِذا تذكرت وَلَو بَعْدَ سَنَةٍ فَقُلْ: إِن شَاءَ الله؛ فَإِنَّهُ يُسقط عَنْك الْمُؤَاخَذَة فِي ترك الِاسْتِثْنَاء، وَقدره الْعِرَاقِيّ بِأَن: الذكْر فِي زمن النسْيَان مُحَال، فدلَّ عَلَى أَنه أَرَادَ طرف بِمَنْع النسْيَان فِي جُزْء مِنْهُ، والذكْر فِي جُزْء آخر، وَلم يحدده الشَّرْع، فَجَاز عَلَى التَّرَاخِي. الْأَثر السَّادِس عشر: عَن زيد بن ثَابت أَنه لَا يَقع الطَّلَاق فِي الْمَسْأَلَة السريجية. وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني مَنْ خَرَّجه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 كتاب الرّجْعَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 كتاب الرّجْعَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة: أَحدهَا قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قصَّة طَلَاق ابْن عمر: «مُرْهُ فليراجِعْهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي كتاب الطَّلَاق بطولِهِ. ثَانِيهَا «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لرُكَانَةَ: ارْدُدْها» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أَيْضا فى: الطَّلَاق، لَكِن (لَفظه) «ارْتَجِعْهَا» . قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» : وَذَلِكَ عندنَا فِي الْعدة، وَالله أعلم. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يُجْمع أحدكُم فِي بطن أمه أَرْبَعُونَ يَوْمًا نُطْفَة، وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا علقَة، وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا مُضْغَة، ثمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرّوح» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى صِحَّته وثبوته وَعظم موقعه، وَأَنه أحد أَرْكَان الْإِسْلَام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق: «إِن أحدكُم يُجْمَعُ خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ يكون علقَة مِثْلَ ذَلِك، ثمَّ يكون مُضْغَة مِثْل ذَلِك، ثمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فينفخ فِيهِ الرّوح، وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات، بكتب أَجله، وَعَمله، ورزقه، وشقي أم سعيد، فوالذي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة، حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب، فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها، وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار، حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب، فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها» . وَذكر الرافعيُّ فِي أَوَائِل الْبَاب أَن: «رجعتك» و «أرجعتك» و «ارتجعتك» سَوَاء صَرِيح، لوُرُود الْأَخْبَار والْآثَار بهَا، وَقد سلف لَك حَدِيث ابْن عمر: (مُرْهُ فليراجِعْها) . وحديثُ ركَانَة: (ارْتَجِعْهَا) . هَذَا آخر مَا ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث. وَأما الْآثَار فاثنان: أَحدهمَا: «أَن عمرَان بن الْحصين سُئِلَ عَمَّن رَاجع (امْرَأَته) وَلم يُشْهِدْ، فَقَالَ: رَاجَعَ فِي غير سُنَّة، فَيُشْهِد الْآن» . وَهَذَا الْأَثر حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 ولَفْظُ الْبَيْهَقِيّ قريبٌ من لفظ الرافعيِّ، فَإِن لَفظه: عَن ابْن سِيرِين: «أَن عمرَان بن حُصَيْن سُئِلَ عَن رجلٍ طلق امْرَأَته وَلم يُشْهِدْ، وراجع وَلم يُشْهِدْ، قَالَ عمرَان: طَلَّقَ فِي غير عدَّة، ورَاجَعَ فِي غير سُنَّة، فلِيُشْهِد الْآن» . وَلَفظ أبي دَاوُد: «أَن عمرَان سُئِلَ عَن الرجل يُطلق امْرَأَته، ثمَّ يَقع بهَا، وَلم يُشْهِدْ عَلَى طَلاقهَا وَلَا عَلَى رَجعتهَا، (فَقَالَ) : طَلَّقْتَ لغير سُنَّةٍ، وراجعت لغير سنة، أشهد عَلَى طَلاقهَا وَعَلَى رَجعتهَا، وَلَا تَعُدْ» . وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ أبي دَاوُد، إِلَّا أَنه لم يَقُلْ «وَلَا تَعُدْ» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : « (وليْستَغْفر) اللَّه» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «اتَّقِ (اللَّهَ وَأشْهد) » . الْأَثر الثانى: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه أُتي بِامْرَأَة وَلَدَتْ لسِتَّة أشهر، فَشَاور الْقَوْم فِي رَجمهَا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أنزل الله: (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) ، (وَأنزل (وفصاله فِي عَاميْنِ) وَإِذا كَانَ الْحمل والفصال ثَلَاثُونَ شهرا) والفصال فِي عَاميْنِ، كَانَ أقل الْحمل سِتَّة أشهر» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» (مفصلا) ، أَنه بلغه: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 «أَن عُثْمَان بن عَفَّان أُتي بِامْرَأَة قد ولدت فِي سِتَّة أشهر، فَأمر بهَا أَن ترْجم، فَقَالَ عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لَيْسَ ذَلِك عَلَيْهَا، إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه: (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) ، وَقَالَ: (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة) ، فالحمل يكون سِتَّة أشهر، فَلَا رجم عَلَيْهَا، فَبَعَثَ عثمانُ فِي أَثَرهَا، فَوَجَدَهَا قد رُجِمَتْ» . هَكَذَا فِي «الْمُوَطَّأ» أَن المناظِرَ فِي ذَلِك عليٌّ لَا ابْنُ عَبَّاس، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: فَرجع عُثْمَان ومَنْ حضر إِلَى قَوْله: فَصَارَ إِجْمَاعًا، وَرَوَاهُ ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو عبيد مولَى عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر: (أَن عُثْمَان بن عَفَّان خَرَجَ يَوْمًا فصلىَّ الصَّلَاة، ثمَّ جلس عَلَى الْمِنْبَر، فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثمَّ قَالَ: أما بعد: فَإِن هَاهُنَا امْرَأَة إخالها قد جَاءَت بشيءٍ، ولدتْ فِي سِتَّة أشهر، فَمَا ترَوْنَ فِيهَا؟ ، فناداه ابْنُ عَبَّاس فَقَالَ: إِن الله قَالَ: (وَوَصينَا الإنسانَ (إِلَى قَوْله: (ثَلَاثُونَ شهرا) ، وَقَالَ: (والوالدات يُرْضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين» ) الآيةَ، فَأَقل الْحمل سِتَّة أشهر، فَتَركهَا عُثْمَان، وَلم يرجمها» . وَهَذَا مُطَابق لرِوَايَة الرَّافِعِيّ، إسنادها صَحِيح، وَفِي «الاستذكار» لِابْنِ عبد الْبر: «أَن ابْن عَبَّاس أنكر عَلَى عمر» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم عَلَى نمط آخر، عَن الْأَصَم، حَدثنَا يَحْيَى بن أبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 طَالب، نَا أَبُو بدر (شُجَاع) بن الْوَلِيد، ثَنَا سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن دَاوُد بن [أبي] القصاب، عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود الديلِي: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أُتي بِامْرَأَة [قد ولدتْ] لسِتَّة أشهر، فَهَمَّ برجمها، فَبلغ ذَلِك عليًَّا، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا رجم، فَبلغ ذَلِك عُمَرَ، فَأرْسل إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمَنْ أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة) ، وَقَالَ: (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) ، فستة أشهر: حمله، وحولين: تمامٌ، لَا حدَّ عَلَيْهَا - أَو قَالَ: لَا رجم عَلَيْهَا - قَالَ: فخلى عَنْهَا: (ثمَّ ولدتْ» . وَكَذَا رَوَاهُ الحسنُ عَن عُمَرَ موصلًا. كَمَا رَوَاهُ أَبُو الْأسود (و) فِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «إِذا حملتْهُ تسعةَ أشهر أرضعَتْهُ وَاحِدًا وَعشْرين شهرا، وَإِذا حملَتْه سِتَّة أشهر: أرضعتْه أَرْبَعَة وَعشْرين شهرا، ثمَّ تلى: (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) » . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 كتاب الْإِيلَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 كتاب الْإِيلَاء ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين وأثرًا وَاحِدًا. الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَنْ حلف عَلَى يمينٍ فَرَأَى غَيْرَها خيرا مِنْهَا، فليأت الذى هُوَ خير، وليكفِّرْ عَن يَمِينه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عدي بن حَاتِم وَأبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وستكون لنا عودة إِلَيْهِ فِي كتاب: الْأَيْمَان - إِن شَاءَ الله -. وَهَذَا الحَدِيث ذكره الرافعيُّ دَلِيلا لما رَوَاهُ (عَن) أَحْمد بن حَنْبَل: أَنه إِذا آلَى ثمَّ فَاء بالوطىء: أَنه تلْزمهُ كَفَّارَة يَمِين؛ لِأَنَّهُ قد حلف بِاللَّه تَعَالَى، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فَذكره. وَفِي «التِّرْمِذِيّ» حَدِيث فِي غير الْمَسْأَلَة، رَوَاهُ من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «آلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من نِسَائِهِ، وحرَّم، فَجعل الحرامَ حَلَالا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 وَجعل فِي الْيَمين الْكَفَّارَة» . ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: ومرسلًا أشبه. الحَدِيث الثَّانِي رُوي: أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الطَّلَاق لِمَنْ أَخذ بالساق» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من (طَرِيقين) . أَحدهمَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله: [إِن] سَيِّدي زَوجنِي (أمة) ، وَهُوَ يُرِيد أَن يفرق بيني وَبَينهَا، قَالَ: فَصَعدَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمِنْبَر فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس مَا بَال أحدكُم يزوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ ثمَّ يُرِيد أَن يفرق بَينهمَا، إِنَّمَا الطَّلَاق لمَنْ أَخذ بالساق» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وعِلَّتُه: ابْن لَهِيعَة. الطَّرِيق الثَّانِي: (من) حَدِيث عصمَة بن مَالك قَالَ: «جَاءَ مَمْلُوك إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن مولَايَ زوَّجني ... » الحديثَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وعلَّتُه الْفضل بن الْمُخْتَار، قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 ابْن عدي: أَحَادِيثه مُنكرَة، وَعَامة أَحَادِيثه لَا يُتابع عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَجْهُول، وَأَحَادِيثه مُنكرَة، يحدث بالأباطيل. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. قلت: وَلِحَدِيث ابْن عَبَّاس السالف طَرِيق آخر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث: يَحْيَى بن عبد الحميد الْحمانِي، عَن يَحْيَى بن يعْلى، عَن مُوسَى بن أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن العَبْد يزوِّجه سَيِّدُهُ، بِيَدِ مَنْ الطَّلَاق؟ قَالَ: بِيَدِ مَنْ أَخذ بالساق» . الْحمانِي مَعَ حفظه وتأليفه للمسند: مِمَّن اخْتُلِفَ فِيهِ، وَثَّقَهُ ابْن معِين وغيرُه، وكذَّبه أَحْمد وَغَيره، والراوي عَنهُ إِن كَانَ التَّيْمِيّ فَثِقَة، وَإِن كَانَ ابْن الْمُعَلَّى (الْقَطوَانِي) فَلَيْسَ بِشَيْء. وَأما الْأَثر: فَقَالَ: (الرَّافِعِيّ) رووا: «أَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يطوف لَيْلًا، فَسمع امْرَأَة تَقول فِي طرف بَيتهَا: أَلا طَال هَذَا الليلُ وازور جَانِبه وأَرَّقْنِي ألاَّ حليل أُلاعبه فواللَّهِ لَوْلَا الله لَا شَيْء (فَوْقه) لزعزع من هَذَا السرير جوانبه مَخَافَة رَبِّي وَالْحيَاء يلمني وَأكْرم بَعْلِي أَن تنَال مراكبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 فبحث عمرُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) عَن حَالهَا، فأخبِرَ أَن زَوجهَا غَابَ فِيمَن غزا، فَسَأَلَ عمرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه النساءَ: كم تصبر الْمَرْأَة عَن زَوجهَا؟ تصبرُ شهرا؟ فَقُلْنَ: نعم، [فَقَالَ: تصبر شَهْرَيْن؟ ، فَقُلْنَ: نعم] ، فَقَالَ: فَثَلَاثَة أشهر؟ فَقُلْنَ: نعم، ويَقِلُّ صبرُها، قَالَ: أَرْبَعَة أشهر؟ ، فَقُلْنَ: نعم، (وَينفذ) صَبْرُها فَكتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد: فِي رجالٍ غَابُوا عَن نِسَائِهِم أَرْبَعَة أشهر أَن يردهم» . ويُرْوى: «أَنه سَأَلَ حفصةَ عَن ذَلِك، فأجابت بذلك» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ فِي أَوَائِل كتاب: السِّيَر، من رِوَايَة عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ: «خرج عمرُ من اللَّيْل فَسمع امْرَأَة تَقول: تطاول هَذَا اللَّيْل (واسودَّ) جَانِبه وأَرَّقْنِى أَلا حبيب أُلاَعِبُه فوَاللَّه لَوْلَا الله أَنِّي أراقبه لتحرك من هَذَا السرير (جوانبه) فَقَالَ عُمرُ بن الْخطاب لحفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: كم أَكثر مَا تصبر المرأةُ عَن زَوجهَا؟ فَقَالَت حَفْصَة: سِتَّة أَو أَرْبَعَة أشهر، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْبِسُ (الْجَيْش) أكْثَرَ مِنْ هَذَا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 وَرَوَاهُ ابْن وهب، عَن مَالك، عَن ابْن دينارٍ بِإِسْقَاط ابْن عمر، وَقَالَ فِي آخِرِه: الشَّك (فِي) أَرْبَعَة أَو سِتَّة، لَا أَدْرِي. وَحَكَى ابْنُ الرّفْعَة فِي «مطلبه» : أَن الَّذِي سَأَلَهَا عمر: مَيْمُونَة. فَائِدَة: الازورار: التحرك، وَكَذَا قَوْلهَا: لزعزع، وَقد صُرح بِهَذَا فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ. وَقَالَ صَاحب «المُسْتَعْذَب عَلَى المهذَّب» : ازور جَانِبه بعد (صباحه) (يُقَال) بِئْر (زوراء) أَي: (بعيدَة) الْغَوْر والزورة الْبَعِيدَة، وَهُوَ من الازورار. والأرق: السَّهر، وَالْمرَاد بالسرير: نَفْسها، شبهت نَفسهَا بالسرير من حَيْثُ إِنَّهَا فِرَاشٌ للرجل، ومركوب كسرير الْخشب الذى يجلس عَلَيْهِ، و (الحَليل) فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ تَبَعًا لصَاحب «المهذَّب» اشتقاقه إِمَّا من: الْحل ضد الْحَرَام، وَإِمَّا من: حُلولهما عَلَى الْفراش. قَالَه صَاحب «المستعذب عَلَى المهذَّب» ، وكنتُ أحفظه بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، إِلَى أَن عثرتُ عَلَى هَذَا الْكتاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 كتاب الظِّهَار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 كتاب [2] الظِّهَار ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث، وأثرًا وَاحِدًا. الحَدِيث الأول «أَن أَوْس بن الصَّامِت ظَاهَرَ من زَوجته خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة - عَلَى اختلافٍ فِي اسْمهَا ونسبها - فأتتْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مشتكيةً مِنْهُ، فَأنْزل الله - تَعَالَى - فيهمَا: (قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله) إِلَى آخر الْآيَات» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «الْحَمد لله الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَات، لقد جاءتِ المجادِلة (تَشْكُو) إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَأَنا فِي نَاحيَة الْبَيْت مَا أسمع مَا تَقول، فَأنْزل الله عَزَّ وجَلَّ: (قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله) » . وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت: «تبَارك الَّذِي وَسِعَ سَمعه كلَّ شيءٍ؛ (إِنِّي) لأسْمع كَلَام خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 ويَخْفى عليَّ بعضه، وَهِي تَشْتَكِي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زَوْجَهَا، وَهِي تَقول: يَا رَسُول الله، أكل شَبَابِي ونثرتُ لَهُ بَطْني، حَتَّى إِذا كَبُرَ سني وانقطعت لَهُ وَلَدي ظَاهَرَ منِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك. قَالَت عَائِشَة: فَمَا برحتْ حَتَّى نزل جبريلُ بهؤلاء (الْآيَات) : (قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا (الْآيَات. قَالَ: (وزوجُهَا) (أَوْس بن أَوْس) بْنُ الصَّامِت» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَه أَيْضا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن جميلَة كَانَت امْرَأَة أَوْس بن الصَّامِت، وَكَانَ أَوْس [امْرأ] بِهِ لَمَمٌ، فَإِذا اشْتَدَّ بِهِ لمَمُهُ: ظَاهر من امْرَأَته، فَأنْزل الله - تَعَالَى - فِيهِ كَفَّارَة الظِّهَار» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حديثٌ صحيحٌ عَلَى شَرط مُسلم، ذَكَرَ ذَلِكَ كلَّه فِي كتاب: التَّفْسِير من «مُسْتَدْركه» . وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» هَذِه الرِّوَايَة. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث (خُوَيْلَةَ) بنت مَالك بن ثَعْلَبَة قَالَت: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 «ظاهَرَ منِّي زَوجي أوسْ بْنُ الصَّامِت، فجئتُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَشْكُو إِلَيْهِ، وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يجادلني فِيهِ وَيَقُول: اتَّقِي اللهَ، فَإِنَّهُ ابْن عمك، فَمَا (برحتُ) حَتَّى نزل الْقُرْآن: (قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا (إِلَى الْفَرْض، قَالَ: يعتقُ رَقَبَة. قلتُ: لَا يَجِدُ. قَالَ: يَصُومُ شَهْرَيْن مُتَتَابعين. قَالَت: يَا رَسُول الله، (إِنَّه) شيخٌ كَبِير، مَا بِهِ من صيامٍ. قَالَ: قلت: يطعم سِتِّينَ مِسْكينا. قلتُ: مَا عِنْده شَيْء يتصدَّق بِهِ (قَالَت) : فَأَتَى (ساعتئذ) (بعرق) من تمرٍ، قلت: يَا رَسُول الله، (وَإِنِّي) أُعينه (بعرق) آخَرٍ، قَالَ: قد (أَحْسَنت) اذهبي فأطعمي بهَا عَنهُ سِتِّينَ مِسْكينا، وارجعي إِلَى ابْن عمك» . (قَالَ) : والعرق سُتُّون صَاعا. وَفِي رِوَايَة لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوه، إِلَّا أَنه قَالَ: و (الْعرق) : مكتل يسع ثَلَاثِينَ صَاعا. قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 أَبُو دَاوُد: هَذَا أَصَحُّ الْحَدِيثين. وَخَالف ابْنُ الْقطَّان، فأعله من طريقيه بِأَن قَالَ: يَرْويه مُحَمَّد بن إِسْحَاق (عَن معمر بن عبد الله بن حَنْظَلَة، وَمعمر لم يذكر بِأَكْثَرَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق) عَنهُ، فَهُوَ مَجْهُول الْحَال. قلت: لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَرَوَاهُ فِي «صَحِيحه» بِنَحْوِ هَذِه الرِّوَايَة، وَلم يذكر قَدْرَ (الْعرق) ، وَقَالَ فِيهِ: «فليطعمْ سِتِّينَ مِسْكينا وَسْقًا من تمر» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: « (الْعرق) : زبيل (يَأْخُذ) خَمْسَة عشر صَاعا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فأُتي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بتمرٍ، فَأعْطَاهُ إِيَّاه، وَهُوَ قريبٌ من خَمْسَة عشر صَاعا، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بهَا. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عَلَى أفْقر منِّي وَمن (أَهلِي) ؟ ! فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كُلْهُ أَنْت وأهْلُك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ، عَن عَطاء، عَن (أَوْس أخي) عبَادَة بن الصَّامِت: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعطَاهُ خَمْسَة عشر صَاعا من شعير إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 قَالَ أَبُو دَاوُد: عَطاء لم يدْرك أوسَ بْنَ الصَّامِت، هَذَا مُرْسل، أَوْس من أهل بدر (قديم الْمَوْت) ، وَإِنَّمَا رَوَوْهُ عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، [أَن] أَوْس. قَالَ: وَعَطَاء لم يسمع من أَوْس. وَفِي رِوَايَة للدارقطني عَن أنس: «أَن أَوْسًا قَالَ: مَا أجدُ إِلَّا أَن تعينني بعونٍ (و) صلةٍ، فأعانه عَلَيْهِ السَّلَام بِخَمْسَة عشر صَاعا. قَالَ: وَكَانُوا يرَوْنَ أَن عِنْده مثلهَا، وَذَلِكَ لستين مِسْكينا» . وَفِي رِوَايَة (الطَّحَاوِيّ) عَن خَوْلَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعَان زَوْجَهَا حِين ظَاهر مِنْهَا (بعرق) ، وأعانَتْه هِيَ (بعرق) آخر، وَذَلِكَ سِتُّونَ صَاعا» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن الْمَرْأَة اسْمهَا خُوَيْلَة بنت (خويلد) ، وَأَنَّهَا امرأةٌ جَلِدَةٌ، وَأَنه ضعيفٌ. وَفِيه عِنْد ذكْر الرَّقَبَة: «واللهِ مَا لَهُ خَادِم غَيْرِي» . وَفِيه عِنْد الصَّوْم: «إِنَّه إِذا لم يَأْكُل فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ (بلي) (بَصَره) » . وَفِيه عِنْد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 الْإِطْعَام: «واللهِ مَا لنا فِي الْيَوْم إِلَّا (وقية) » . وَفِيه: «فَلْيَنْطَلِقْ إِلَى فلانٍ، فيأخُذْ مِنْهُ شَطْرَ وَسْقٍ من تمر، فليتصدقْ بِهِ عَلَى سِتِّينَ مِسْكينا، وليراجِعْكِ» . وَفِيه: «فانْطَلَقَ يسْعَى حَتَّى جَاءَ بِهِ، قَالَت: وعَهْدِي بِهِ قَبلَ ذَلِكَ مَا يستطيعُ أَن يحمل عَلَى ظَهْره خَمْسَة آَصْعِ تَمْرٍ من الضَّعْفِ» . وَفِي إِسْنَاد هَذِه «أَبُو حَمْزَة الثمالِي» : وَقد ضَعَّفُوهُ. واعلمْ: أَنه قد أسلفنا عَن الرَّافِعِيّ: أَنه قَالَ وَقع الِاخْتِلَاف فِي اسْم زَوْجَة أَوْس بن الصَّامِت وَفِي نَسَبهَا. فَأَما اسْمهَا فقد أسلفنا ذَلِكَ فِيهِ هَل هِيَ خَوْلَة أَو خُوَيْلَة بِالتَّصْغِيرِ، أَو: جميلَة، ورجَّح الأَوَّلَ غَيْرُ واحدٍ، كَمَا قَالَه الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» وَقيل: اسْمهَا «حَبِيبَة» حَكَاهُ صَاحب «الْمطلب» ، وَذكر أَن خَوْلَة هِيَ بنت جميل، وَلَا أعرف (لَهُ) سلفا فِي ذَلِكَ. وَأما الِاخْتِلَاف فِي نَسَبهَا: فَقيل: خَوْلَة بنت مَالك بن ثَعْلَبَة، وَقيل: خُوَيْلَة بنت خويلد - بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا -، وَقيل: بنت ثَعْلَبَة بن مَالك بن الأجشم، وَقيل: (بنت الصَّامِت، وَذكر هَذَا الِاخْتِلَاف أَبُو نعيم بعد أَن قَالَ: و) خَوْلَة الْأَنْصَارِيَّة، المظاهَرُ مِنْهَا مختلفٌ فِي اسْمهَا ونسبها. وَذكر الِاخْتِلَاف الَّذِي ذكرته أَولا فِي اسْمهَا، خلا «جميلَة» . تَنْبِيهَات: أَحدهَا: زَوجهَا أوسٌ أَنْصَارِي خزرجي، وَهُوَ أَخُو عبَادَة بن الصَّامِت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 (الثَّانِي) : قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكَانَ ذَلِكَ أول (ظِهَار) جَرَى فِي الْإِسْلَام، كَمَا سَاقه الطَّبَرَانِيّ بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ السالف (عَنهُ) ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» من حَدِيث: الْأَصَم [نَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد] ، ثَنَا [عبيد الله] بن مُوسَى، ثَنَا أَبُو حَمْزَة (الثمالِي) ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «وَكَانَ أوَّل مَنْ ظاهَرَ فِي الْإِسْلَام: أَوْس» فَذكره. الثَّالِث: اللمم: طرق من الْجُنُون، قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» ، وَنقل النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» عَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمروزِي: أَن المُرَاد باللمم: الْإِلْمَام بِالنسَاء وَشدَّة الشوق إلَيْهِنَّ. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: تَعْلِيق الظِّهَار صَحِيح، وَاحْتج لَهُ بِمَا رُوي: «أَن (سَلمَة) بن صَخْر رَضي اللهُ عَنهُ جعل امْرَأَته عَلَى نَفسه كظهْر أُمِّه إِن غشيها حَتَّى ينْصَرف رمضانُ، فَذكر ذَلِكَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: أعْتِقْ رَقَبَة» . هَذَا الحَدِيث كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا، وَرَوَاهُ بعد ذَلِكَ بِلَفْظ: «أَن سَلمَة بن صَخْر ظاهَرَ مِنِ امْرَأتِهِ حَتَّى يَنْسَلِخ رمضانُ، ثمَّ وَطئهَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 المدَّةِ، فَأمره النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بتحرير رقبةٍ» وَهُوَ حَدِيث جيدٌ مذكورٌ باللفظين المذكورَيْن: أما الأوَّل: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، وَأبي سَلمَة: «أَن سَلمَة بن صَخْر البياضي جعل امْرَأَته عَلَيْهِ كظهْر أُمِّه إِن غشيها حَتَّى يمْضِي رمضانُ، فلمَّا مَضَى النِّصْفُ من رَمَضَان سمنت المرأةُ وتربعت، فأعْجَبَتْهُ، فغشيها لَيْلًا، ثمَّ أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أعْتِقْ رَقَبَة. فَقَالَ: لَا أجد. فَقَالَ: صُمْ شَهْرَيْن مُتَتَابعين. قَالَ: لَا أَسْتَطِيع. قَالَ: أطعِمْ سِتِّينَ مِسْكينا [قَالَ: لَا أجد] . قَالَ: فأُتي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعرق فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا أَو سِتَّة عشر صَاعا، فَقَالَ: تصدَّقْ بِهَذَا عَلَى سِتِّينَ مِسْكينا» . وَأما اللَّفْظ الثَّانِي: فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار، عَن سَلمَة بن صَخْر البياضي قَالَ: «كنتُ امْرَءًا أُصيبُ من النِّسَاء مَا لَا يُصيب غَيْرِي، فلمَّا دخل شهرُ رَمَضَان خِفْتُ أَن أُصيبَ مِنِ امْرَأَتي شَيْئا تتايع بِي حَتَّى أصبح، فظاهرتُ مِنْهَا حَتَّى يَنْسَلِخ شَهْرُ رَمَضَان، فَبينا هِيَ تخدمني ذَات لَيْلَة (إِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 تكشف) لي مِنْهَا شَيْء، فَمَا لَبِثت أَن نزوتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أصبحتُ خرجتُ إِلَى قومِي فأخبرتُهُم الخَبَرَ، قَالَ: فقلتُ: امْشُوا معي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالُوا: لَا واللهِ. فانطلقتُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأخبرتُه. فَقَالَ: أَنْت بِذَاكَ يَا سَلمَة؟ قلت: أَنا بِذَاكَ يَا رَسُول الله - مرَّتَيْنِ - وَأَنا صابرٌ لأمْر الله، فاحْكُمْ فيَّ بِمَا أَرَاك الله. قَالَ: حَرِّرْ رَقَبَة. قلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ؛ مَا أَمْلُكُ رَقَبَة غَيرهَا، وضربتُ صفحةَ رقبتي. قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْن مُتَتَابعين. قَالَ: وَهل أصبتُ الَّذِي أصبتُ إِلَّا من الصّيام. قَالَ: فأطعمْ وَسْقاً من تمرٍ بَين سِتِّينَ مِسْكينا. قلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ؛ لقد بتنا (وحشين) ، مَا أمْلِكُ لنا طَعَاما. قَالَ: فانْطَِقْ إِلَى صَاحب صَدَقَة بني زُرَيْق، فليدفَعْهَا إِلَيْك. قَالَ: فأطعمْ سِتِّينَ مِسْكينا وَسْقًا من تمرٍ، وكُلْ أَنْت وعيالُك بَقِيَّتَهَا. فرجعتُ إِلَى قومِي فقلتُ: وجدتُ عنْدكُمْ الضيقَ وسوءَ الرَّأْي، ووجدتُ عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - السعَة وحُسْنَ الرَّأْي، (و) قد أَمرنِي - أَو - أَمر لي بصدقتكم» . قَالَ ابْن إِدْرِيس: [وَبَنُو] بياضة بطن من (بني) زُرَيْق. هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَهُوَ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن عَمرو بن عَطاء، (عَن) سُلَيْمَان بن يسَار، عَن سَلمَة بن صَخْر بِهِ، وَلَفظ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 التِّرْمِذِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن سلمَان بن صَخْر «أَنه جعل امْرَأَته عَلَيْهِ كَظهر أمه حَتَّى يمْضِي رَمَضَان، فَلَمَّا مَضَى نصف من رَمَضَان وَقع عَلَيْهَا لَيْلًا، فَأَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر ذَلِكَ لَهُ ... » . ثمَّ ذكر الْبَاقِي نَحوه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. وَلَفظ ابْن مَاجَه [كطريق] أبي دَاوُد: «لما دخل رَمَضَان ظَاهَرت من امْرَأَتي حَتَّى يَنْسَلِخ رَمَضَان ... » . وَالْبَاقِي نَحوه. وَرِوَايَة أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه مُنْقَطِعَة، قَالَ البُخَارِيّ فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ: سُلَيْمَان بن يسَار لم يسمع عِنْدِي من سَلمَة بن صَخْر. وَكَذَا نقل غَيره عَنهُ أَن سُلَيْمَان لم يدْرك سلمةَ، لَا جرم قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : إِنَّه مُنْقَطع. وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيق أبي دَاوُد وابْنِ مَاجَه، وَفِيه عنعنة ابْن إِسْحَاق أَيْضا، وَلم يذكر تأقِيْتَ الظِّهَار، بل قَالَ: «فلمَّا دخل رَمَضَان ظاهَرَ من امْرَأَته؛ مَخَافَة أَن يُصِيب مِنْهَا شَيْئا من اللَّيْل ... » الحَدِيث إِلَى آخِره. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي: فِي الشواهد لَا فِي الْأُصُول؛ لِأَن مُسلما لم يحْتَج بابْنِ إِسْحَاق، (وَإِنَّمَا) ذكره مُتَابعَة، كَمَا نَبَّهنا عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ. قَالَ الْحَاكِم: وَله شَاهد من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 ثمَّ رَوَاهُ عَن ابْن خُزَيْمَة، أبنا هِشَام بن عليّ، ثَنَا عبد الله بن رَجَاء، ثَنَا حَرْب بن شَدَّاد، عَن ابْن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن: «أَن سَلْمان بن صَخْر الْأنْصَارِيّ جعل امْرَأَته كظهْر أُمِّه. .» . فَذكر الحديثَ بِنَحْوِهِ مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: «سلمَان بن صَخْر» هُوَ «سَلمَة بن صَخْر» ، يُقَال فِيهِ هَذَا وَهَذَا، كَمَا سلف، وَقد نَصَّ عَلَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيّ وغيرُه، و «سَلمَة» أصح وَأشهر، كَمَا قَالَه ابْن الْأَثِير وَالنَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» وغَيْرُهما، وَهُوَ أَيْضا أنصاريّ خزرجيّ، وَيُقَال لَهُ: «بياضي» لِأَنَّهُ حَلِيف بني بياضة. ثَانِيهَا: فِي (أَلْفَاظه) : قَوْله: «تتايع» هُوَ بمثناة تَحت قبل الْعين، فَقَالَ: تتايع فِي الْخَيْر وتتايع فِي الشَّرّ، قَالَ صَاحب «التنقيب» فِي كَلَامه عَلَى «المهذَّب» بعد أَن ضبط تتايع بِمَا (ضبطته) التتايع عبارَة (عَن) المسارعة إِلَى الشَّيْء (و) التهافت عَلَيْهِ. قَالَ: وَلم تسْتَعْمل هَذِه (اللَّفْظَة) فِي المسارعة إِلَى الْخَيْر إِلَّا عَلَى وجْه شَاذ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 وَأما «التَّتَابُع» بباء مُوَحدَة قبل الْعين، فَلَا يُسْتعمل عِنْد الْجُمْهُور إِلَّا فِي الْمُتَابَعَة إِلَى الْخَيْر. وَقَوله: «نزوتُ» : هُوَ بِفَتْح النُّون، ثمَّ زَاي مُعْجمَة، ثمَّ وَاو سَاكِنة، أَي: وَثَبْتُ عَلَيْهَا (أَرَادَ) الْجِمَاع. وَقَوله: «أَنْت بِذَاكَ» مَعْنَاهُ: أَنْت الملم بِذَاكَ، والمرتكب لَهُ. وَقَوله: «وَحْشين» : هُوَ بِفَتْح الْوَاو، ثمَّ حاء مُهْملَة سَاكِنة، ثمَّ شين مُعْجمَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت، ثمَّ نون، أَي: مقفرين لَا طَعَام لنا، يُقَال: رجل وَحْش - بِسُكُون الْحَاء - وَقوم أوحاش. وَبَنُو زُريق: بِضَم الزَّاي، ثمَّ رَاء مُهْملَة مَفْتُوحَة، ثمَّ مثناة تَحت (ثمَّ قَاف) ، وَكَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» ، وهُمْ بطن من الْأَنْصَار. ثَالِثهَا: اعْترض ابْن الرّفْعَة عَلَى الرَّافِعِيّ فِي استدلاله بِهَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ عَلَى صِحَة تَعْلِيق الظِّهَار بِمَا ذكره من حَدِيث سَلمَة، وَالَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: «أَنه ظاهَرَ حَتَّى يَنْسَلِخ رمضانُ» : فَهُوَ ظِهَار مُؤَقّت لَا معلَّق، قَالَ: فَلَعَلَّ تِلْكَ رِوَايَة أُخْرَى. وَقَالَ فِي «مطلبه» : الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِيهِ غير هَذِه، وَلَا حُجَّة فِيهَا عَلَى جَوَاز التَّعْلِيق. هَذَا مَا ذكره فِي كِتَابيه، وَرِوَايَة الْبَيْهَقِيّ السالفة طبْقَ مَا ذكره الرَّافِعِيّ، فَلَا اعْتِرَاض إِذن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لرجلٍ ظاهَرَ من امْرَأَته وواقعها: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ) . ويُرْوى: «اعْتَزِلْهَا حَتَّى تكفِّر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أصحابُ «السّنَن» الْأَرْبَعَة د، وت، (وق) ، وس، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ: «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد ظَاهر من امرأتِهِ فَوَقع عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي ظاهرتُ من امْرَأَتي فوقعتُ عَلَيْهَا قبل أَن أكفِّر، قَالَ: وَمَا حملك عَلَى ذَلِكَ - يَرْحَمك الله -؟ قَالَ: رأيتُ خُلخْالَهَا فِي ضوء الْقَمَر. فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تفعل مَا أَمر الله - عَزَّ وجَلَّ -» . هَذَا لفظ ت، وس. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عِكْرِمَة مُرْسلا، وَقَالَ فِيهِ: «رأيتُ خُلْخَالَهَا - أَو ساقَهَا - فِي ضوء الْقَمَر» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «اعْتَزِلْهَا حَتَّى تقضي مَا عليكَ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عِكْرِمَة: «أَن رجلا ظَاهر من امْرَأَته، ثمَّ وَاقعهَا قبل أَن يكفِّرَ، فَأَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ، فَقَالَ: مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 حملك عَلَى مَا صنعتَ؟ قَالَ: رَأَيْت بَيَاض ساقِهَا فِي الْقَمَر. قَالَ: فاعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ عَنْك» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس (بِمَعْنَاهُ. وَقد رَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس) «أَن رجلا ظاهَرَ من امْرَأَته، فغشيها قبل أَن يكفِّر، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر ذَلِكَ [لَهُ] فَقَالَ: مَا حملك عَلَى ذَلِكَ؟ ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، رأيتُ بَيَاض حَجْلَيهَا فِي الْقَمَر، فَلم أملك (نَفسِي) - يَعْنِي: أَن وقعتُ عَلَيْهَا - فَضَحِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأمره أَن لَا يَقْرَبْهَا حَتَّى يكفِّر» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: (الْمُرْسل) أوْلى بِالصَّوَابِ من الْمسند. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: رَفْعُه خطأ، وَالصَّوَاب أَنه مُرْسل، بِإِسْقَاط ابْن عَبَّاس. وَقَالَ الْحَاكِم: شاهدُ هَذَا الحديثِ حديثُ إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن (عَمْرو) بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رجلا ظاهَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 مِنِ امرأتِهِ. .» الحديثَ، وَفِي آخِرِه: «أمسكْ عَنْهَا (حَتَّى تكفر) » . وَلم يحْتَج الشَّيْخَانِ بِإِسْمَاعِيل وَلَا بالحكم بن أبان - يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد الحَدِيث الأول - قَالَ: إِلَّا أَن «الحكم بن أبان» صَدُوق. قلت: «إِسْمَاعِيل» واهٍ، وَفِي إِسْنَاد رِوَايَة الْحَاكِم الأُولى «حَفْص بن عمر [الْعَدنِي] » : وَهُوَ ثِقَة، قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يُرْوى بإسنادٍ أحسن من هَذَا، عَلَى أَن «إِسْمَاعِيل بن مُسلم» قد تُكُلِّمَ فِيهِ، ويَرْوي عَنهُ جماعةٌ كثيرةٌ من أهل الْعلم. وَأما الْحَافِظ أَبُو بكر الْمعَافِرِي فَقَالَ: لَيْسَ فِي الظِّهَار حَدِيث صَحِيح يُعوَّل عَلَيْهِ. ونقضه الْمُنْذِرِيّ فِي «اختصاره للسنن» فَقَالَ: قد صَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات، وَسَمَاع بَعضهم من بعض مشهورٌ. وترجمة عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس احْتج بهَا البخاريُّ فِي غير موضعٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. هَذَا آخر أَحَادِيث الْبَاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 وَأما أَثَره: فَهُوَ مَا رُوِيَ عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «إِذا ظَاهر الرجل من أَربع نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة ثمَّ أمسكهن فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة» . وَهُوَ أثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح إِلَى) مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس، [عَن عمر] «أَنه قَالَ فِي رجل ظَاهر من أَربع نسْوَة قَالَ: كَفَّارَة وَاحِدَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر «أَنه قَالَ فِي رجل ظَاهر من ثَلَاث نسْوَة قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : وَهُوَ صَحِيح عَنهُ. قلت: وَهَذَا (مِنْهُ يدل) عَلَى صِحَة سَماع (سعيد مِنْهُ) . قَالَ: وَبِه قَالَ عُرْوَة بن الزبير وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، قَالَ مَالك: وَذَلِكَ (الْأَمر) عندنَا. وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، وَقَالَ فِي الْجَدِيد: عَلَيْهِ فِي كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ (كَفَّارَة) . وَهُوَ رِوَايَة قَتَادَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ. وَبِه قَالَ الحكم بن عتيبة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 كتاب الْكَفَّارَات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 كتاب الْكَفَّارَات ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث: أَحدهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْوضُوء وَاضحا. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَهُ أَعْجَمِيَّة - أَو خرساء - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عَلّي عتق رَقَبَة فَهَل يُجزئ عني (هَذِه) فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَيْن الله فَأَشَارَتْ (إِلَى السَّمَاء) ، ثمَّ قَالَ لَهَا: من أَنا؟ فَأَشَارَتْ إِلَى أَنه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن رجل من الْأَنْصَار «أَنه جَاءَ بأَمَةٍ لَهُ سَوْدَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عَلّي عتق (رَقَبَة) مُؤمنَة، فَإِن كنت ترَى هَذِه مُؤمنَة (أعتقتها) . فَقَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أتشهدين أَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 لَا إِلَه إِلَّا الله؟ قَالَت: نعم. قَالَ: أتشهدين أَنِّي رَسُول الله؟ قَالَت: نعم. قَالَ: أتؤمنين بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت؟ قَالَت: نعم. (قَالَ: أعْتقهَا فَإِنَّهَا مُؤمنَة» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَيْضا من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود «أَن رجلا من الْأَنْصَار جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِجَارِيَة لَهُ سَوْدَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عَلّي رَقَبَة مُؤمنَة أفأعتق هَذِه؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أتشهدين أَن لَا إِلَه إِلَّا الله؟ قَالَت: نعم. قَالَ: أتشهدين أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله؟ قَالَت: نعم. قَالَ: أتؤمنين بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت؟ قَالَت: نعم) . (فَقَالَ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فاعتقها» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل. قَالَ: وَقد رُوِيَ مَوْصُولا بِبَعْض مَعْنَاهُ. فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى عون بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: حَدَّثَني أبي، عَن جدي قَالَ: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأمة سَوْدَاء (فَقَالَت) : يَا رَسُول الله، إنَّ عليَّ رَقَبَة مُؤمنَة (أفتجزئ) عني هَذِه؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: من رَبك؟ قَالَت: رَبِّي الله. قَالَ: فَمَا دينك؟ قَالَت: الْإِسْلَام (ديني) . قَالَ: فَمن أَنا؟ قَالَت: أَنْت رَسُول الله. قَالَ: أفتصلين الْخمس وتُقرِّينَ بِمَا جئتُ بِهِ من عِنْد الله؟ قَالَت: نعم. فَضرب عَلَى ظهرهَا وَقَالَ: (اعتقيها) » . وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» بِهَذَا الْإِسْنَاد وَاللَّفْظ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 لَهُ، ثمَّ قَالَ: عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أدْرك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَسمع مِنْهُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة عون بن عبد الله (عَن عبد الله) بن عتبَة، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِجَارِيَة سَوْدَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عليّ رَقَبَة مُؤمنَة. فَقَالَ لَهَا: أَيْن الله؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء بإصبعها. فَقَالَ لَهَا: فَمن أَنا؟ فَأَشَارَتْ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِلَى السَّمَاء - يَعْنِي أَنْت رَسُول الله - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة» . إِذا عرفت هَذِه الرِّوَايَات وتأملتها (ظهر لَك) أَن الشَّك الْوَاقِع فِي رِوَايَة المُصَنّف: (وَهُوَ) «أَعْجَمِيَّة أَو خرساء» غَرِيب، بل رِوَايَة الشَّافِعِي صَرِيحَة فِي كَونهَا كَانَت (ناطقة) وَهِي مَا رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ قَالَ: أبنا مَالك، عَن هِلَال بن أُسَامَة، عَن عَطاء بن يسَار، عَن عمر بن الحكم، قَالَ: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن جَارِيَة لي كَانَت ترعى غنما لي فجئتها وَقد فقدت شَاة [من الْغنم] فسألتها فَقَالَت: أكلهَا الذِّئْب (فأسفت) عَلَيْهَا وَكنت من بني آدم فلطمت وَجههَا، وَعلي رَقَبَة (أفأعتقها) ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَيْن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 الله؟ فَقَالَت: فِي السَّمَاء. فَقَالَ: من أَنا؟ قَالَت: أَنْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: فاعتقها» . قَالَ الشَّافِعِي: اسْم الرجل مُعَاوِيَة بن الحكم كَذَا رَوَى الزُّهْرِيّ وَيَحْيَى بن أبي كثير. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن مَالك بن أنس، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن يَحْيَى عَن مَالك (مجودًا) فَقَالَ: عَن مُعَاوِيَة بن الحكم. ثمَّ ذكر بِسَنَدِهِ، عَن يَحْيَى، عَن مَالك، عَن هِلَال، عَن عَطاء، عَن مُعَاوِيَة. قلت: الَّذِي فِي [موطأ] يَحْيَى بن يَحْيَى بِهَذَا السَّنَد عمر بن الحكم لَا مُعَاوِيَة، وَهَكَذَا أوردهُ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ مَالك فِي هَذَا الحَدِيث: عَن هِلَال، عَن عَطاء، عَن عمر بن الحكم. لم تخْتَلف الرِّوَايَة عَنهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ وهم عِنْد جَمِيع أهل الْعلم (بِالْحَدِيثِ) . قلت: (وَحَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم أخرجه م فِي «صَحِيحه» ) . وَثمّ حَدِيث آخر مثل مَا ذكره المُصَنّف، أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان من حَدِيث الشَّرِيد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 «قلت: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي أوصت أَن نعتق عَنْهَا رَقَبَة وَعِنْدِي جَارِيَة سَوْدَاء. قَالَ: ادْع بهَا. فَجَاءَت، فَقَالَ: من رَبك؟ قَالَت: الله. قَالَ: (من) أَنا؟ قَالَت: رَسُول الله. قَالَ: اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة» . وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: خَالِد بن عبد الله أرْسلهُ لم يذكر الشريد. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ فِي حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي جَامع فِي (نَهَار) رَمَضَان «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى بعرق من تمر فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا فَقَالَ: خُذ هَذَا وَأطْعم عَنْك سِتِّينَ مِسْكينا» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي كتاب الصّيام وَلَفظه «خُذ هَذَا فَتصدق بِهِ» وَذكر الْعدَد سلف فِيهِ أَولا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 كتاب اللّعان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 كتاب اللّعان ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فخمسة وَعِشْرُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِشريك ابْن سَحْمَاء، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الْبَيِّنَة أَو حدٌ فِي ظهرك. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِذا رَأَى أَحَدنَا عَلَى امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة؟ ! فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: البينةُّ أَو حَدٌّ فِي ظهرك. فَقَالَ هِلَال: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ (نَبيا) إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يُبرئ ظَهْري من الْحَد، فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأنزل قَوْله: (والذَّين يَرُمون أَزوَاجهم) الْآيَات» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ بدل: «فَنزل جِبْرِيل ... » إِلَى آخِره: «فَنزلت (وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم (فَقَرَأَ حَتَّى بلغ (من الصَّادِقين) فَانْصَرف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأرْسل إِلَيْهِمَا فجاءا، فَقَامَ هِلَال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 بن أُميَّة فَشهد وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: إِن الله يعلم أَن أَحَدكُمَا كَاذِب فَهَل مِنْكُمَا من تائب؟ ثمَّ قَامَت فَشَهِدت، فَلَمَّا كَانَت عِنْد الْخَامِسَة (أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين ( [وقفوها] (وَقَالُوا) : إِنَّهَا مُوجبَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: فتلكأت وَنَكَصت حَتَّى ظننا أَنَّهَا سترجع فَقَالَت: لَا أفضح قومِي سَائِر الْيَوْم. فمضت، قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أبصروها فَإِن جَاءَت بِهِ أكحل (الْعَينَيْنِ) سابغ الأليتَيَن خَدلج السَّاقَيْنِ فَهُو لِشَريك ابْن سَحماء فَجَاءت بِهِ كَذَلِك، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَوْلَا مَا مَضَى من كتاب الله لَكَانَ لي وَلها شَأْن» . وَأخرج مُسلم فِي «صَحِيحه» (طرفا) من رِوَايَة أنس رَضي اللهُ عَنهُ. فَائِدَة: شريك هَذَا - بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة - أَنْصَارِي بلوي حَلِيف الْأَنْصَار، يُقال: إِنَّهُ شَهد مَعَ أَبِيه أحدا، وَأَخْطَأ من زعم أَنه كَانَ يَهُودِيّا. سَحْمَاء: أُمُّه عَلَى الْأَصَح، وَأَبوهُ عبد بن معتب، وسحماء - بسين مَفْتُوحَة، ثمَّ حاء سَاكِنة مهملتين، وبالمد - مَأْخُوذ من السُّحمَةُ - بِضَم السِّين - وَهِي السوَاد، والمذكر أسحم، والمؤنثة: سَحْمَاء، وَيُقَال هَذَا اللَّفْظ، وَمَا يصرف مِنْهُ للسواد أَيْضا، وَلَكِن بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، والسخام سَواد الْقدر خَاصَّة. تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: (وَشريك) هَذَا هُوَ المرمي بِالزِّنَا، سُئِلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 فَأنْكر، وَلم يحلفهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَهَذَا سبقه إِلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» حَيْثُ قَالَ: وَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَرِيكا فَأنْكر، فَلم يحلفهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون إنماأخذه عَن هَذَا التَّفْسِير فَإِنَّهُ كَانَ مسموعًا لَهُ. ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى مقَاتل بن (حَيَّان) فِي قَوْله (وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات) إِلَى أَن قَالَ: «فَأَرْسَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الزَّوْج والخليل، وَالْمَرْأَة» إِلَى أَن قَالَ: «فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَيحك مَا يَقُول ابْن عمّك؟ ! فَقَالَ: (اقْسمْ) بِأَنَّهُ مَا رَأَى مَا يَقُول وَأَنه لمن الْكَاذِبين ... » ثمَّ لم يذكر أَنه أَحْلف شَرِيكا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم أَجِدهُ فِي الرِّوَايَات (المنقطعة) . ثمَّ اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ لأحد الْقَوْلَيْنِ فِي أَن الْقَاذِف إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَى زنا الْمَقْذُوف أَن لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفه أَنه مَا زنَى. (وَتعقبه) ابْن الرّفْعَة فَقَالَ فِي «مطلبه» : فِيهِ نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن ابْن الصّباغ قيل قَالَ: بَاب مَا جَاءَ فِي اللّعان بِمَسْأَلَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يبْعَث إِلَى شريك. ثَانِيهَا: أَنه لم ينْقل أَن شَرِيكا طلب الْحَد مِمَّن رَمَاه، وَالْيَمِين إِن تَوَجَّهت فَإِنَّمَا تكون بعد طلب الْمَقْذُوف الْحَد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 الحَدِيث الثَّانِي عَن سهل بن سعد السَّاعِدِي رَضي اللهُ عَنهُ «أَن عُويْمِر العَجَلاني قَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا فيقتله فَتَقْتُلُونَهُ أم كَيفَ يفعل؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قد أنزل الله فِيك وَفِي صَاحبَتك فَاذْهَبْ فَائت بهَا. قَالَ سهل: فَتَلَاعَنا فِي الْمَسْجِد وَأَنا مَعَ النَّاس عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَزَادا: «فَلَمَّا فرغا قَالَ عُوَيْمِر: كذبت عَلَيْهَا يَا رَسُول الله إِن أَمْسَكتهَا. فَطلقهَا ثَلَاث قبل أَن يَأْمُرهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ ابْن شهَاب: فَكَانَت سنة المتلاعنين» . وَفِي رِوَايَة لَهما بِنَحْوِهِ، وأدرج فِيهِ قَوْله: «وَكَانَ فِرَاقه إِيَّاهَا بَعْدُ سُنَّةً فِي المتلاعنين» وَلم يقل: أَنه من قَول الزُّهْرِيّ، وَزَاد فِيهَا: قَالَ سهل: (وَكَانَت حَامِلا فَكَانَ ابْنهَا ينْسب (إِلَى أمه) ثمَّ جرت السّنة أَنه يَرِثهَا وترث مِنْهُ مَا فرض الله لَهَا» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «حضرت لعانهما عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَأَنا ابْن (خمس عشرَة) سنة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 وَهَذِه فِي «البُخَارِيّ» بِلَفْظ: «شهِدت المتلاعنين وَأَنا ابْن (خمس عشرَة) سنة» . فَائِدَة: الْجُمْهُور عَلَى أَن آيَة اللّعان نزلت بِسَبَب هِلَال هَذَا لَا بِسَبَب عُوَيْمِر، وَهُوَ أول رجل لَاعن فِي الْإِسْلَام، (وَجزم بِهِ) الرَّافِعِيّ أَيْضا (فِي الْكتاب) حَيْثُ قَالَ: ذكرُوا أَن الْآيَات وَردت فِي قصَّة هِلَال بن أُميَّة، وَقَوله فِي الْقِصَّة الثَّانِيَة: «أنزل فِيك وَفِي صَاحبَتك» حمل عَلَى أَن المُرَاد (أَنه بَين) حكم الْوَاقِعَة بِمَا أنزل فِي حق هِلَال، وَالْحكم عَلَى الْوَاحِد حكم عَلَى الْجَمَاعَة. وَجمع النَّوَوِيّ فِي «شَرحه لمُسلم» بَين الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: يحْتَمل أَنَّهُمَا نزلت فيهمَا جَمِيعًا، فلعلهما سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ متقاربين فَنزلت الْآيَة فيهمَا وَسبق هِلَال بِاللّعانِ، فَيصدق أَنَّهَا نزلت فِي هَذَا وَذَاكَ، وَأَن هلالاً أول من لَاعن. ثمَّ اعْلَم أَنه وَقع فِي «الْوَسِيط» تبعا لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالْقَاضِي حُسَيْن: عُوَيْمِر بن مَالك، وَلَا أعلم لَهُم سلفا، وَإِنَّمَا هُوَ ابْن أَبيض، أَو ابْن الْحَارِث، أَو ابْن أشقر كَمَا أوضحته فِي تخريجي لأحاديثه فَتنبه لذَلِك، وَوَقع فِي كَلَامه شَيْء آخر قد نبهت عَلَيْهِ فِي الْكتاب الْمَذْكُور فَرَاجعه مِنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: «العينان تزنيان، وَالْيَدَانِ تزنيان» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه باللمم مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إِن الله كتب عَلَى ابْن آدم حَظه من الزِّنَا أدْرك ذَلِكَ لَا محَالة، فزنا الْعين النّظر، وزنا اللِّسَان النُّطْق، وَالنَّفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذَلِكَ ويكذبه» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كتب عَلَى ابْن آدم نصِيبه من الزِّنَا مدرك ذَلِكَ لَا محَالة، فالعينان زناهما النّظر، والأذنان ذناهما الِاسْتِمَاع، وَاللِّسَان زِنَاهُ الْكَلَام، وَالْيَد زنَاهَا الْبَطْش، وَالرجل زنَاهَا الخطا، وَالْقلب يهْوَى ويتمنى، وَيصدق ذَلِكَ الْفرج ويكذبه» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا مَرْفُوعا: «العينان تزنيان، وَاللِّسَان يَزْنِي، وَالْيَدَانِ تزنيان، وَالرجلَانِ تزنيان ويحقق ذَلِكَ الْفرج ويكذبه» . وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث همام، عَن عَاصِم، عَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «العينان تزنيان، وَالْيَدَانِ تزنيان، وَالرجلَانِ تزنيان» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن عَفَّان، عَن همام بِهِ. الحَدِيث الرَّابِع «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن امْرَأَتي لَا ترد يَد لامس. قَالَ: طَلقهَا. قَالَ: إِنِّي أحبها، قَالَ: أمْسكهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن هَارُون بن رِئَاب، عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، قَالَ: «أَتَى رجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن امْرَأَتي لَا ترد يَد لامس. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: طَلقهَا. فَقَالَ: إِنِّي أحبها قَالَ: أمْسكهَا إِذا» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي بَاب تَزْوِيج الْأَبْكَار فَقَالَ: كتب إليَّ حُسَيْن بن حُرَيْث الْمروزِي: ثَنَا الْفضل بن مُوسَى، عَن الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن امْرَأَتي لَا تمنع يَد لامس. قَالَ: غربها. قَالَ: أَخَاف أَن تتبعها نَفسِي. قَالَ: فاستمتع بهَا» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي بَاب تَزْوِيج الزَّانِيَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا يزِيد، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة وَغَيره، عَن هَارُون بن رِئَاب، عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر. وَعبد الْكَرِيم، عَن عبد الله بن عبيد، عَن ابْن عَبَّاس - رَفعه إِلَى ابْن عَبَّاس، وَهَارُون لم يرفعهُ - قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إِن عِنْدِي امْرَأَة من أحب النَّاس إِلَيّ، وَهِي لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 تمنع يَد لامس. قَالَ: طَلقهَا. قَالَ: لَا أَصْبِر عَنْهَا. قَالَ: استمتع بهَا» . وَهَذِه الْأَسَانِيد كل رجالها ثِقَات: سُفْيَان لَا يسْأَل عَن مثله، وَهَارُون من رجال م، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. وَعبد الله بن عبيد الله من رِجَاله أَيْضا، وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَإسْنَاد رِوَايَة الشَّافِعِي هَذِه غير مُتَّصِلَة، وحسين بن حُرَيْث من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره. وَالْفضل بن مُوسَى هُوَ السينَانِي - بسين مُهْملَة مَكْسُورَة، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ نون، ثمَّ ألف، ثمَّ نون، ثمَّ مثناة تَحت - نِسْبَة إِلَى سينان - قَرْيَة من قرَى مرو - من رجال الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَالنَّاس. وَالْحُسَيْن بن وَاقد، أخرجَا لَهُ أَيْضا ووثق. وَعمارَة من رجال البُخَارِيّ، ووثق. وَعِكْرِمَة أحد رِجَاله وَهُوَ أحد الْأَعْلَام. وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل شيخ النَّسَائِيّ (قَالَ) هُوَ فِي حَقه: حَافظ ثِقَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَيزِيد هُوَ ابْن هَارُون أحد الْأَعْلَام أخرجَا لَهُ أَيْضا. وَكَذَا حَمَّاد بن سَلمَة إِلَّا أَن البُخَارِيّ أخرج لَهُ تَعْلِيقا. وَعبد الْكَرِيم، قَالَ (النَّسَائِيّ) فِي حَقه: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 قَالَ: وَهَارُون بن رِئَاب أثبت مِنْهُ، وَقد أرسل الحَدِيث، وَهَارُون ثِقَة وَحَدِيثه أولَى بِالصَّوَابِ من حَدِيث عبد الْكَرِيم. وَقَالَ فِي «سنَنه» قبل ذَلِكَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت. يَعْنِي الرِّوَايَة المرفوعة. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْخلْع، عَن الْحُسَيْن بن حُرَيْث، ثَنَا الْفضل بن مُوسَى، ثَنَا الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن امْرَأَتي لَا تمنع يَد لامس. فَقَالَ: غربها إِن شِئْت. قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن تتبعها نَفسِي. قَالَ: استمتع بهَا» . ثمَّ أخرجه عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن النَّضر بن شُمَيْل، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، أبنا هَارُون بن رِئَاب، عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن تحتي امْرَأَة لَا ترد يَد لامس. قَالَ: طَلقهَا. قَالَ: إِنِّي لَا أَصْبِر عَنْهَا. قَالَ: (أمْسكهَا)) ثمَّ قَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا خطأ وَالصَّوَاب مُرْسل. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد» : رجال هَذَا الحَدِيث مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى الِاتِّفَاق والانفراد. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْحُسَيْن بن وَاقد تفرد بِهِ عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة، وَأَن (الْفضل بن مُوسَى) تفرد بِهِ عَن الْحُسَيْن بن وَاقد. وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هَذَا حَدِيث مَشْهُور صَحِيح، وَإسْنَاد أبي دَاوُد صَحِيح. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي «مَوْضُوعَاته» من حَدِيث عبيد الله بن عُمَيْر، عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي، عَن أبي الزبير، قَالَ: «أَتَى رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن امْرَأَتي لَا ترد (يَد) لامس. قَالَ: طَلقهَا. قَالَ: إِنِّي أحبها. قَالَ: فاستمتع بهَا» . ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ عبيد بن عُمَيْر، وَحسان بن عَطِيَّة كِلَاهُمَا عَن (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ نقل عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا يثبت) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَيْسَ لَهُ أصل. قلت: وَهَذَا لَا يقْدَح فِيمَا أسلفناه من الطّرق. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت (أبي عَن) حَدِيث معقل، عَن أبي الزبير، عَن جَابر ... فَذكره، فَقَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن كثير، عَن سُفْيَان (ثَنَا) عبد الْكَرِيم: حَدَّثَني أَبُو الزبير، عَن مولَى [لبني] هَاشم، قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره. وَرَوَاهُ غَيره، عَن الثَّوْريّ هَكَذَا فَسَمَّى هَذَا الرجل هشامًا مولَى لبني (هَاشم) قيل لأبي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 أَيهمَا أشبه؟ قَالَ: الثَّوْريّ أحفظ. ثمَّ تنبه بعد ذَلِكَ لأمر غَرِيب وَقع لصَاحب «التنقيب» فَإِنَّهُ عزا هَذَا الحَدِيث إِلَى البُخَارِيّ، وَهُوَ من الْعجب العجاب. فَائِدَة: اخْتلف فِي مَعْنَى قَوْله: « (لَا) ترد يَد لامس» عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد بِهِ الْفُجُور. مِنْهُم النَّسائي، وَقد بوب عَلَيْهِ كَمَا سلف تَزْوِيج الزَّانِيَة. وَمِنْهُم ابْن الْأَعرَابِي، فَإِنَّهُ لما سُئِلَ عَنهُ قَالَ: إِنَّه من الْفُجُور. وَمِنْهُم الْخطابِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي (معالمه) مَعْنَاهُ الرِّيبَة، وَأَنَّهَا مطاوعة لمن أرادها لَا ترد يَده. قَالَ: وَقَوله: «غربها» أَي أبعدها بِالطَّلَاق، وأصل الغرب الْبعد. قَالَ: وَفِيه دلَالَة جَوَاز نِكَاح الْفَاجِرَة. قَالَ: وَقَوله «فاستمتع بهَا» أَي: لَا تمسكها إِلَّا بِقدر مَا تقضي مُتْعَة النَّفس مِنْهَا وَمن وطرها، والاستمتاع بالشَّيْء الِانْتِفَاع بِهِ مُدَّة، وَمِنْه نِكَاح الْمُتْعَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (إِنَّمَا هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاع) . وَمِنْهُم ابْن الْأَثِير فَإِنَّهُ قَالَ فِي «جَامعه» : مَعْنَى «لَا ترد يَد لامس» أَي أَنَّهَا مطاوعة لمن طلب مِنْهَا الرِّيبَة والفاحشة. وَمِنْهُم الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى الْمَرْأَة إِذا لم تصن فرجهَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» بعد مَا أسلفناه عَن الْخطابِيّ: احْتج بالْخبر الْمَذْكُور جماعات من الْعلمَاء عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 أَن الْمَرْأَة إِذا لم تكن عفيفة يُستحب للزَّوْج طَلاقهَا، وَاحْتج بِهِ بَعضهم عَلَى [صِحَة] نِكَاح الزَّانِيَة، وَعَلَى أَن الزَّوْجَة إِذا زنت لَا يَنْفَسِخ نِكَاحهَا. قَالَ: وَهَذَا كُله مصير مِنْهُم (عَلَى) أَن المُرَاد باللمس: الزِّنَا. قَالَ [النَّوَوِيّ] : فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَشَارَ عَلَيْهِ أَولا بفراقها نصيحة لَهُ وشفقة عَلَيْهِ فِي تنزهه من معاشرة من هَذَا حَالهَا، فَأعْلم الرجل شدَّة محبته لَهَا وخوفه فتْنَة بِسَبَب فراقها، فَرَأَى عَلَيْهِ السَّلَام الْمصلحَة لَهُ فِي هَذَا الْحَال بإمساكها خوفًا من مفْسدَة عَظِيمَة تترتب عَلَى فراقها، وَدفع أعظم الضررين بأخفهما مُتَعَيّن، و [لَعَلَّه] يُرْجَى الصّلاح بعد، ثمَّ شرع النَّوَوِيّ بعد (فِي) تَضْعِيف مَا سُوَى هَذَا القَوْل. وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن المُرَاد أَنَّهَا لَا ترد يَد من يلمس مِنْهَا مَالا. يَقُول: هِيَ سخية تضع مَا كَانَ عِنْدهَا. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» : هَذَا الحَدِيث حمله أَبُو بكر الْخلال عَلَى الْفُجُور وَلَا يجوز هَذَا، إِنَّمَا يحمل عَلَى تفريطها فِي المَال لَو صَحَّ الحَدِيث. ثمَّ نقل كَلَام (الإِمَام) أَحْمد السالف فِيهِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي - عَلَى مَا نَقله ابْن صَخْر فِي فَوَائده -: (إِنَّمَا كنى) عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 بذلها الطَّعَام، وَمَا يدْخلهُ عَلَيْهَا لَا غير. وأوضح ابْن نَاصِر الْحَافِظ ذَلِكَ فِي جُزْء لَهُ مُفْرد وصوبَ هَذَا القَوْل وَخطأ الأول. وَنقل الْمُنْذِرِيّ عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ تُعطي من مَاله. فَقيل لَهُ: إِن أَبَا عبيد يَقُول: من الْفُجُور. فَقَالَ: لَيْسَ عندنَا إِلَّا أَنَّهَا تُعْطِي من مَاله، وَلم يكن عَلَيْهِ السَّلَام يَأْمر أَن يمْسِكهَا وَهِي تفجر. وَمَا حَكَاهُ عَن أبي عبيد خَالفه فِيهِ الْحَافِظ ابْن نَاصِر فَإِنَّهُ حَكَى عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّه من التبذير. قَالَ: وَكَذَا ذكر غَيره من عُلَمَاء الْإِسْلَام، وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: مَعْنَاهُ: أمْسكهَا عَن الزِّنَا إِمَّا بمراقبتها وَإِمَّا بِكَثْرَة جِمَاعهَا. وَهُوَ حسن بَالغ. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث احْتج بِهِ الرَّافِعِيّ عَلَى أَن الزَّوْج إِذا تَيَقّن زنا زَوجته أَو ظَنّه ظنًّا مؤكدًا وَلم يكن ثمَّ ولد أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْقَذْف، بل يجوز أَن يستر عَلَيْهَا ويفارقها بِغَيْر طَرِيق اللّعان، وَلَو أمْسكهَا لم يحرم. وَفِيه مُوَافقَة القَوْل الأول أَن المُرَاد بِهِ الْفُجُور، وَلَكِن فِيهِ مُخَالفَة لما ذكر الْحَافِظ ابْن نَاصِر فَإِنَّهُ ذكر لروايته لهَذَا الحَدِيث أَن لَهُ مِنْهَا ولد فَإِنَّهُ قَالَ: «شكى هَذَا الرجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَنَّهَا) (تعري) طَعَامه، وتمره، ولبنه، وَأَنَّهَا تعطيه للسؤال، وَأَنَّهَا لَا تبقي فِي بَيت زَوجهَا شَيْئا من الطَّعَام، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: طَلقهَا. قَالَ: إِنِّي أحبها ولي مِنْهَا ولد. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: فاستمتع بهَا» . ثمَّ (نَفَى) (بعد ذَلِكَ أَن يُعْطين من أبيتهن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 (شَيْئا) إِلَّا بِإِذن (أَزوَاجهنَّ) ثمَّ رخص لَهُنَّ بعد ذَلِكَ فِي الصَّدَقَة فَقَالَ: «إِذا أنفقت الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا بِالْمَعْرُوفِ بِغَيْر إِذْنه فالأجر بَينهمَا نِصْفَانِ للزَّوْج بِمَا كسب وللمرأة مَا أنفقت» وَرخّص لَهُنَّ فِي إطْعَام الْأَشْيَاء الرّطبَة الَّتِي إِذا تركت فَسدتْ وحُمَّت وَلم تُؤْكَل. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا امْرَأَة أدخلت عَلَى قوم من لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ من الله فِي شَيْء وَلم يدخلهَا جنته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الله بن يُونُس، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول حِين نزلت آيَة الْمُلَاعنَة: «أَيّمَا امْرَأَة أدخلت عَلَى قوم من لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ من الله فِي شَيْء، وَلنْ يدخلهَا الله جنته، وَأَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ، احتجب الله مِنْهُ، وفضحه عَلَى رُءُوس الْأَوَّلين والآخرين» . وَرَوَاهُ ابْن حبَان، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» أَيْضا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ البُخَارِيّ: وَعبد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 بن يُونُس، عَن المَقْبُري رَوَى عَنهُ يزِيد بن الْهَاد (يعرف بِحَدِيث وَاحِد) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: عبد الله بن يُونُس يعرف بِحَدِيث وَاحِد، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... وَذكر هَذَا الحَدِيث، رَوَى عَنهُ يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد، سَمِعت أبي يَقُول ذَلِكَ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : عبد الله بن يُونُس هَذَا (لَا يعرف حَاله و) لَا يعرف لَهُ راو غير يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد، وَلَا يعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث. قلت: وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن يَحْيَى بن حَرْب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ مُوسَى بن عُبَيْدَة (الربذي) وَاخْتلف عَنهُ: فَرَوَاهُ بكر بن عبد الله بن عُبَيْدَة (الربذي) ، عَن عَمه، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَخَالفهُ زيد بن الْحباب فَرَوَاهُ عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة، وَأدْخل بَينه وَبَين المَقْبُري رجلا يُقَال لَهُ يَحْيَى بن حَرْب، وَهُوَ رجل مَجْهُول، وَقَول زيد بن الْحباب أشبه بِالصَّوَابِ. قَالَ: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث يزِيد بن الْهَاد، عَن عبد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 بن يُونُس، عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ صَحِيح، وَعبد الله بن يُونُس لَا أعرفهُ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ، احتجب الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة، وفضحه عَلَى رُءُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث هُوَ قِطْعَة من الحَدِيث الَّذِي قبله، وَقد سلف بِلَفْظِهِ. الحَدِيث السَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ: «أَن رجلا قَالَ للنَّبِي (: إِن امْرَأَتي ولدت غُلَاما أسود. قَالَ: هَل لَك من إبل. قَالَ: نعم. قَالَ: مَا ألوانها؟ قَالَ: حمر. قَالَ: (فَهَل) فِيهَا من أَوْرَق؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَنى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ: عَسى أَن يكون نَزعه عرق. قَالَ: فَلَعَلَّ هَذَا نَزعه عرق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَفِي روايتهما «وَهُوَ يعرض بِأَن يَنْفِيه فَلم يرخص لَهُ فِي الانتفاء مِنْهُ فَقَالَ: هَل لَك من إبل ... » إِلَى آخِره. فَائِدَة: الأورق الَّذِي فِيهِ سَواد (و) لَيْسَ بصاف، وَمَعْنى نَزعه (عرق) أشبهه واجتذبه، وَأظْهر لَونه عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بالعرق هُنَا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 الأَصْل من النّسَب تَشْبِيها بعرق (الثَّمَرَة) ، وَقد ذكرت اسْم هَذَا الرجل فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَرَاجعه مِنْهُ فَإِنَّهُ مُهِمّ. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لهِلَال بن أُميَّة: احْلِف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّك لصَادِق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «لما قذف هِلَال بن أُميَّة امْرَأَته قيل لَهُ: ليجلدنك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَمَانِينَ جلدَة. قَالَ: الله أعدل من ذَلِكَ أَن يضربني ثَمَانِينَ ضَرْبَة، وَقد علم أَنِّي رَأَيْت حَتَّى استيقنت، وَسمعت حَتَّى استثبت، لَا وَالله (لَا) يضربني أبدا. فَنزلت آيَة الْمُلَاعنَة، فَدَعَا بهما النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين نزلت الْآيَة فَقَالَ: الله يعلم أَن أَحَدكُمَا كَاذِب فَهَل (مِنْكُمَا من) تائب. فَقَالَ هِلَال: وَالله إِنِّي لصَادِق. فَقَالَ لَهُ: احْلِف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنِّي لصَادِق - يَقُول ذَلِكَ أَربع مَرَّات - فَإِن كنتُ كَاذِبًا فعلي لعنة الله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قِفُوهُ عِنْد الْخَامِسَة فَإِنَّهَا مُوجبَة. فَحلف، ثمَّ قَالَت أَرْبعا: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّه لمن الْكَاذِبين فَإِن كَانَ صَادِقا فعلَيْهَا (غضب) الله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قفوها عِنْد الْخَامِسَة فَإِنَّهَا مُوجبَة. فترددت وهمت بالاعتراف، ثمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 قَالَت: لَا أفضح قومِي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن جَاءَت بِهِ أكحل أدعج سابغ الأليتين، ألف الفخذين خَدلج السَّاقَيْن فَهُوَ للَّذي رميت بِهِ، وَإِن جَاءَت بِهِ أصفر سبطًا فَهُوَ لهِلَال بن أُميَّة. فَجَاءَت بِهِ عَلَى صفة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يُخرجهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَة. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لما أَتَت الْمَرْأَة بِالْوَلَدِ عَلَى النَّعْت الْمَذْكُور الْمَكْرُوه، قَالَ: «لَوْلَا الْأَيْمَان لَكَانَ لي وَلها شَأْن» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَذَلِك سَوَاء، وَهُوَ فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» بِلَفْظ: «لَوْلَا مَا مَضَى من كتاب الله» سلف أول الْبَاب. الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَالْبَيْهَقِيّ) فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما بِلَفْظ: «المتلاعنان إِذا تفَرقا لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 يَجْتَمِعَانِ أبدا» ، وَفِي رِوَايَة لَهما من حَدِيث سهل: «فَفرق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينهمَا وَقَالَ: لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد فِي حَدِيث سهل أَيْضا: «مَضَت السنةُ بعد فِي المتلاعنين أَن يفرق بَينهمَا، ثمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ (أبدا) » وَقد تقدم فِي أول الْبَاب قَول (ابْن) شهَاب: فَكَانَت بعد سنة فِي المتلاعنين. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرق بَين المتلاعنين وَقَضَى بِأَن لَا ترمى وَلَا وَلَدهَا، (فَمن رَمَاهَا أَو رَمَى وَلَدهَا فَعَلَيهِ الْحَد) » . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما آخر حَدِيث هِلَال بن أُميَّة، وَفِي إِسْنَاده عباد بن مَنْصُور، وَقد تكلم فِيهِ غير وَاحِد وَكَانَ قدريًّا دَاعِيَة. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، قَالَا: «جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ جَالس فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أنْشدك الله أَلا قضيت لي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 بِكِتَاب الله. فَقَالَ: الْخصم الآخر وَهُوَ أفقه مِنْهُ: نعم فَاقْض بَيْننَا بِكِتَاب الله وائذن لي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قل. فَقَالَ: إِن ابْني كَانَ عسيفًا عَلَى هَذَا فزنا بامرأته، وَإِنِّي اجتزت أَن عَلَى ابْني الرَّجْم، وافتديت مِنْهُ بِمِائَة شَاة ووليدة، فَسَأَلت أهل الْعلم فَأَخْبرُونِي أَن عَلَى ابْني جلد مائَة وتغريب عَام، وَأَن عَلَى الْمَرْأَة الرَّجْم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله، (الوليدة) وَالْغنم رد عَلَيْك، وَعَلَى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام، واغد يَا أنيس - رجل من أسلم - إِلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن (اعْترفت فارجمها. فَغَدَا عَلَيْهَا) فَاعْترفت فَأمر بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرجمت» . قَالَ مَالك: والعسيف: الْأَجِير. هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ « (فَافْتَدَيْت) مِنْهُ مائَة شَاة وَجَارِيَة لي» وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكرْنَاهُ، إِذْ الوليدة: الْأمة، وَجَمعهَا ولائد. وَأَرَادَ بقوله: «اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله مَا كتب عَلَى عباده من الْحُدُود وَالْأَحْكَام وَلم يرد بِهِ الْقُرْآن؛ لِأَن النَّفْي وَالرَّجم لَا ذكر لَهما فِيهِ، وَقيل: إِن ذَلِكَ من مُجمل الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: (ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب) فبينه الشَّارِع. قَالَ الرَّافِعِيّ: قَالَ الْعلمَاء: وَإِنَّمَا بعث أنيسًا ليخبر بِأَن الرجل الآخر قَذَفَها بِابْنِهِ لَا ليفحص عَن زنَاهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: أنيس هَذَا هُوَ ابْن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ مَعْدُود فِي الشاميين، قَالَ ابْن عبد الْبر: وَيُقَال ابْن (مرْثَد) . قَالَ ابْن الْأَثِير: وَالْأول أشبه بِالصِّحَّةِ لِكَثْرَة الناقلين لَهُ وَلِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقْصد أَن لَا يُؤمر فِي الْقَبِيلَة إِلَّا رجلا مِنْهَا لنفورهم من حكم غَيره، وَكَانَت امْرَأَة أسلمية. ثَانِيهمَا: رَوَى الحَدِيث الْمَذْكُور، ت، وس، وق وَفِيه ذكر: شبْل مَعَ أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد، وَقد قيل: إِن (شبلاً) هَذَا لَا صُحْبَة لَهُ. نَص عَلَى ذَلِكَ يَحْيَى بن معِين، وَيُشبه أَن يكون الشَّيْخَانِ تركاه لذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم: رجل حلف يَمِينا عَلَى مَال مُسلم فاقتطعه، وَرجل (حلف) عَلَى يَمِين بعد صَلَاة الْعَصْر لقد أعْطى بسلعته أَكثر مِمَّا أعطي، وَرجل منع فضل المَاء» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ: «ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم رجل (حلف) عَلَى سلْعَة لقد أعْطى بهَا أَكثر مِمَّا أعطي وَهُوَ كَاذِب، وَرجل حلف عَلَى يَمِين كَاذِبَة بعد الْعَصْر ليقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم، وَرجل منع فضل مَائه، فَيَقُول الله لَهُ: الْيَوْم أمنعك فضلي كَمَا منعت (فضل) مَا لم تعْمل يداك» . (وَرِوَايَة) مُسلم: «ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة، ولاينظر إِلَيْهِم وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم: رجل عَلَى فضل ماءٍ بالفلاة يمنعهُ من ابْن السَّبِيل، وَرجل بَايع رجلا سلْعَةً بَعَد الْعَصْرِ فَحلف لَهُ بِاللَّه لأخذها بِكَذَا وَكَذَا، فصدَّقه، وَهُوَ عَلَى غير ذَلِكَ، وَرجل بَايع إِمَامًا لَا يبايعه إِلَّا لدُنْيَا فَإِن أعطَاهُ مِنْهَا (وفاه) ، وَإِن لم يُعْطه لم (يفه) » . الحَدِيث الرَّابِع عشر اشْتهر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «فِي يَوْم الْجُمُعَة سَاعَة لايوافقها عبد مُسلم يُصَلِّي يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ) من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ وَسقط فِي رِوَايَات لَفْظَة «يُصَلِّي» ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم «وَأَشَارَ عَلَيْهِ السَّلَام بِيَدِهِ (يقللها) » وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَهِي سَاعَة خَفِيفَة» وَذكر الرَّافعي عقب رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث مَا نَصه، قَالَ كَعْب الْأَحْبَار: هِيَ السَّاعَة بعد الْعَصْر. اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «يُصَلِّي» وَالصَّلَاة بعد الْعَصْر مَكْرُوهَة، فَأجَاب بِأَن العَبْد فِي الصَّلَاة مَا دَامَ ينْتَظر الصَّلَاة. قلت: الْمَوْجُود فِي كتب الحَدِيث أَن ذَلِكَ من قَول عبد الله بن سَلام لَا من قَول كَعْب، والمعترض هُوَ أَبُو هُرَيْرَة. وَكَذَا أخرجه مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: (صَحِيح) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَلَعَلَّ سَبَب مَا وَقع فِيهِ الرَّافِعِيّ أَنه وَقع فِي الحَدِيث أَن أَبَا هُرَيْرَة سَأَلَ أَولا كَعْب الْأَحْبَار، ثمَّ سَأَلَ عبد الله بن سَلام فَأَجَابَهُ، ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ وأجابه بِمَا تقدم، فَتنبه لذَلِك. فَائِدَة: اخْتلف الْعلمَاء فِي تعْيين هَذِه السَّاعَة عَلَى عدَّة أَقْوَال كَثِيرَة وَقد أوضحتها فِي جُزْء مُفْرد فَرَاجعهَا مِنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 الحَدِيث الْخَامِس عشر أَن اللّعان حَضَره عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَسَهل بن سعد رَضي اللهُ عَنهم. هَذَا صَحِيح عَنْهُم أَمَّا حُضُور ابْن عَبَّاسٍ وسَهْلٍ بن سَعْدٍ فَتَقَدَّم حَديثهما فِي أولِ البابِ، وَأما حُضُور ابْن عمر فَأخْرج الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» قصَّة اللّعان من طَرِيقه، وَلَيْسَ فِيهَا حُضُوره لَهَا صَرِيحًا، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ذكره من طَرِيق ابْن عمر: وَقد رَوَى قصَّة المتلاعنين، عبد الله بن مَسْعُود، وَابْن عَبَّاس، وَأنس بن مَالك، وَفِي ذَلِكَ دلَالَة عَلَى شهودهم مَعَ غَيرهم تلاعنهما. هَذَا كَلَامه. وَلقَائِل أَن يَقُول: لَا يلْزم من الرِّوَايَة الْحُضُور. الحَدِيث السَّادِس عشر ورد أَن الْيَمين الْفَاجِرَة (تدع) الديار بَلَاقِع. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» من حَدِيث الإِمَام أبي حنيفَة عَن يَحْيَى بن أبي كثير [عَن] مُجَاهِد، وَعِكْرِمَة، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ شَيْء أُطِيع الله (فِيهِ) أعجل ثَوابًا من صلَة الرَّحِم، وَلَيْسَ شَيْء أعجل عقَابا من الْبَغي وَقَطِيعَة الرَّحِم، وَالْيَمِين الْفَاجِرَة تدع الديار بَلَاقِع» . قَالَ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» : كَذَا رَوَاهُ عبد الله بن يزِيد (الْمُقْرِئ) (عَن أبي حنيفَة، وَخَالفهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان وَعلي بن ظبْيَان وَالقَاسِم بن الحكم فَرَوَوْه) ، عَن أبي حنيفَة، عَن نَاصح بن عبد الله، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. وَقيل: عَن يَحْيَى، عَن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه. قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور بِالْإِرْسَال. ثمَّ سَاقه من حَدِيث عبد الرَّزَّاق: أبنا معمر، عَن يَحْيَى بن أبي كثير يرويهِ قَالَ: «ثَلَاث من كن فِيهِ رَأَى وبالهن قبل مَوته ... » فَذَكرهنَّ (وَفِي آخِرهنَّ) «وَالْيَمِين الْفَاجِرَة تدع الديار بَلَاقِع» . وَعَن مَكْحُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن أعجل الْخَيْر ثَوابًا صلَة الرَّحِم، وَإِن أعجل الشَّرّ عُقُوبَة الْبَغي وَالْيَمِين (الصَّبْر) الْفَاجِرَة تدع الديار بَلَاقِع» . قلت: وَذكره الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» من أَربع طرق: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 أَحدهَا: من حَدِيث نَاصح بن عبد الله، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: وناصح هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث مُنكر. ثَانِيهَا: مُحَمَّد بن عبد الله بن علاثة، عَن هِشَام بن حسان، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه مَرْفُوعا. وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لم يسمع من أَبِيه شَيْئا، وَابْن علاثة فِيهِ ضعف. قلت: وَأخرجه الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من هَذَا الْوَجْه «الْيَمين الْفَاجِرَة تذْهب المَال» ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم أسْند هِشَام بن حسان، عَن يَحْيَى بن أبي كثير غير هَذَا الحَدِيث، وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن هِشَام إِلَّا ابْن علاثة، وَابْن علاثة (هَذَا) لين الحَدِيث. ثَالِثهَا: من حَدِيث الْحَارِث، عَن عَلّي قَالَ: والْحَارث لَيْسَ بِحجَّة. رَابِعهَا: من (طَرِيق) شَامي (رَوَاهُ) إِبْرَاهِيم بن هَانِئ، عَن أَبِيه هَانِئ بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَمه إِبْرَاهِيم بن أبي (عبلة) ، عَن (أم الدَّرْدَاء عَن) أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا. قَالَ: وَهَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل وَرِجَاله لم يقْدَح فيهم، وَهُوَ أقرب إِلَى الصَّوَاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 (الحَدِيث) السَّابِع عشر « (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) قَالَ للمتلاعنين: حسابكما عَلَى الله أَحَدكُمَا كَاذِب، فَهَل مِنْكُمَا تائب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للمتلاعنين: حسابكما عَلَى الله أَحَدكُمَا كَاذِب لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا ... » الحَدِيث، وَفِي لفظ: «فرق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين أخوي بني عجلَان وَقَالَ: الله يعلم أَن أَحَدكُمَا كَاذِب، فَهَل مِنْكُمَا تائب» وَسلف فِي الْبَاب أَيْضا (من حَدِيث) ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما بِنَحْوِهِ. الحَدِيث الثَّامِن عشر، وَالتَّاسِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: ذكر (أَن) بِالْمَدِينَةِ يُلَاعن عِنْد الْمِنْبَر، وَهُوَ لفظ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» . وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: يُلَاعن عَلَى الْمِنْبَر. وَيروَى اللفظان عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هُوَ كَمَا قَالَ. وَقد ذكر الرَّافِعِيّ بعد ذَلِكَ فَذكر عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف عِنْد منبري عَلَى يَمِين آثمة وَلَو بسواك وَجَبت لَهُ النَّار» . وَعَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف عَلَى منبري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 (هَذَا) بِيَمِين آثمة تبوأ مَقْعَده من النَّار» . فَأَما حَدِيث (أبي) هُرَيْرَة (فَأخْرجهُ) أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ «لَا يحلف (عِنْد هَذَا) الْمِنْبَر عبد وَلَا أمة عَلَى يَمِين آثمة وَلَو عَلَى سواكٍ رطب إِلَّا وَجَبت لَهُ النَّار» . وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. فَائِدَة: قَوْله: «رُطْب» هُوَ بِضَم الرَّاء، وإسْكَان الطَّاء كَذَا قَيده الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» فِي فصل رطب، قَالَ: وَهُوَ الْكلأ وَهُوَ مثل عُسْر (وعُسُر) أَي فَيجوز فِيهِ ضم الطَّاء، وَكَذَا قَيده النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» فِي الْفَصْل الْمَذْكُور، وصحف بعض شُيُوخنَا الْفُقَهَاء فِي كَلَامه عَلَى الرَّافِعِيّ (وَالرَّوْضَة) «سواك» ب «شِرَاك» بالشين الْمُعْجَمَة، ثمَّ رَاء مُهْملَة، ثمَّ قَالَ: هُوَ السّير الَّذِي فِي أَعلَى النَّعْل تدخل فِيهِ الرجل للاستقرار. و (هُوَ) ذُهُول عَجِيب مِنْهُ فاحذره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 وَأما حَدِيث جَابر: فَرَوَاهُ مَالك فِي «موطئِهِ» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَكَذَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «لَا يحلف أحد عِنْد منبري هَذَا عَلَى يَمِين آثمة وَلَو عَلَى سواك أَخْضَر إِلَّا تبوأ مَقْعَده من النَّار» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ مَالك، وَابْن حبَان إِلَّا أَنه قَالَ: «عَلَى يَمِين» بدل «بِيَمِين» . وَرَوَاهُ أَحْمد بلفظين أَحدهمَا: «لَا يحلف أحد عَلَى منبري كَاذِبًا إِلَّا تبوأ مَقْعَده من النَّار» . ثَانِيهمَا: أَيّمَا امْرِئ من الْمُسلمين حلف عِنْد منبري هَذَا عَلَى يَمِين كَاذِبَة يسْتَحق بهَا حق مُسلم (أدخلهُ) الله النَّار وَلَو عَلَى سواك أَخْضَر» . وَفِي سَنَده هَذَا مَجْهُول. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِلَفْظ: «من حلف بِيَمِين آثمة عِنْد منبري هَذَا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَلَو عَلَى سواك أَخْضَر» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيقين عَن جَابر مَرْفُوعا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 أَحدهمَا: كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ «يتبوأ» إِلَّا أَنه قَالَ: «فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده» بدل «يتبوأ» . ثَانِيهمَا: بِلَفْظ «من حلف عَلَى منبري هَذَا عَلَى يَمِين آثمة فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» وَقَالَ: «إِلَّا وَجَبت لَهُ النَّار، وَلَو عَلَى سواك أَخْضَر» . قَالَ الْحَاكِم فِي هَذِه الطَّرِيق: هَذَا حَدِيث صَحِيح (الْإِسْنَاد) . وَقَالَ فِي الأولَى: رَوَاهَا مَالك بن أنس، عَن هَاشم بن هَاشم، عَن عبد الله بن (نسطاس) ، عَن جَابر. وَرَوَاهُ ابْن زبالة بِلَفْظ: «أحد ساقي الْمِنْبَر عَلَى عقر الْحَوْض فَمن حلف (عِنْده) عَلَى يَمِين فاجرة يقتطع مَال امْرِئ مُسلم فَليَتَبَوَّأ يَمِينا من النَّار» وَقَالَ: عقر الْحَوْض: من حَيْثُ يصب المَاء فِي الْحَوْض. قلت: وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَأبي أُمَامَة الْحَارِث بن ثَعْلَبَة. أما حَدِيث سَلمَة فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن (مُوسَى بن هَارُون ثَنَا) [أَبُو مُوسَى الْأنْصَارِيّ] ثَنَا عَاصِم بن عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 الْعَزِيز الْأَشْجَعِيّ، ثَنَا يزِيد بن أبي عبيد، عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحلف أحد عَلَى الْمِنْبَر عَلَى يَمِين كَاذِبَة إلاَّ تبوَّأَ مَقْعَده من النَّار» . وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة الْحَارِث بن ثَعْلَبَة: فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «مُعْجَمه» الْمَذْكُور، عَن عَمْرو بن السَّرْح، وَأَبُو بشر الدولابي فِي كِتَابه «الْأَسْمَاء والكنى» عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، قَالَا: ثَنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا (عبد الله بن الْمُنِيب بن عبد الله بن أبي أُمَامَة بن ثَعْلَبَة قَالَ: أَخْبرنِي أبي، عَن عبد الله بن عَطِيَّة، عَن) عبد الله بن أنس، عَن أبي أُمَامَة الْحَارِث بن ثَعْلَبَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف عِنْد منبري هَذَا [بِيَمِين] كَاذِبَة يسْتَحل بهَا مَال امْرِئ مُسلم بِغَيْر حق فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ عدلا وَلَا صرفا» . الحَدِيث الْعشْرُونَ رُوِيَ (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَاعن بَين الْعجْلَاني وَامْرَأَته عَلَى الْمِنْبَر) . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، ثَنَا الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن عمرَان بن أبي [أنس] قَالَ: سَمِعت عبد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 بن جَعْفَر يَقُول: «حضرت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين لَاعن بَين عُوَيْمِر الْعجْلَاني وَامْرَأَته مرجع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من تَبُوك، فَأنْكر حملهَا الَّذِي فِي بَطنهَا، فَقَالَ: هُوَ من ابْن السحماء. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَات امْرَأَتك فقد نزل الْقُرْآن فيكما. ولاعن بَينهمَا بعد الْعَصْر عِنْد الْمِنْبَر» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا بلغنَا هَذَا الحَدِيث (مَوْصُولا) من (جِهَة) مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: وَيروَى مُنْقَطِعًا عَن ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب أَو غَيره «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر الزَّوْج وَالْمَرْأَة فَحَلفا بعد الْعَصْر عِنْد الْمِنْبَر» يَعْنِي فِي حَدِيث سهل بن سعد. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 وَغَيره رَضي اللهُ عَنهم وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنهما وَله طرق عديدة. قَالَ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» : رَوَاهُ أَيْضا من الصَّحَابَة عَائِشَة، وَابْن عمر، وَعبد الله بن زيد الْمُزنِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَسَهل بن سعد، وَالصديق، والفاروق، وَعلي بن أبي طَالب، وَجَابِر بن عبد الله، وَسعد بن أبي وَقاص، وَجبير بن مطعم، وَالزبير بن الْعَوام، وَأَبُو سعيد زيد بن ثَابت - وَقيل: زيد بن خَارِجَة - وَأَبُو وَاقد اللَّيْثِيّ، ومعاذ بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ أَبُو حليمة الْقَارئ، وَأنس بن مَالك، وَأَبُو (الْمُعَلَّى) الْأنْصَارِيّ. فَائِدَة: فِي مَعْنَى الحَدِيث قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن ذَلِكَ الْموضع بِعَيْنِه ينْقل إِلَى الْجنَّة. وَرجحه ابْن النجار فِي كِتَابه « (تَارِيخ) الْمَدِينَة» ، وَقَالَ: إِنَّه الَّذِي يقوى عِنْدِي. وَثَانِيهمَا: أَن الْعِبَادَة فِيهِ تُؤدِّي إِلَى الْجنَّة فَمن لزم طَاعَة الله فِي هَذِه الْبقْعَة (آل) بِهِ الْحَال إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة. وَجَاء فِي رِوَايَة أُخْرَى بدل «قَبْرِي» «بَيْتِي» وَهُوَ المُرَاد كَمَا قَالَه زيد بن أسلم وَقيل: إِنَّه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 عَلَى ظَاهره، وَرُوِيَ «حُجْرَتي» بدل «قَبْرِي» وَهُوَ (هُوَ) لِأَن قَبره فِي حجرته (وَهُوَ) بَيته. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: مَعْنَاهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت الصَّحَابَة تقتبس مِنْهُ الْعلم فِي ذَلِكَ الْموضع، وَهُوَ مثل الرَّوْضَة، قَالَ: وَيُؤَيِّدهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «إِذا مررتم برياض الْجنَّة فارتعوا. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَمَا رياض الْجنَّة؟ قَالَ: حِلق الذّكر» . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا فرغ من الْكَلِمَات الْأَرْبَع بَالغ القَاضِي فِي تخويفه وتحذيره وَأمر رجلا أَن يضع يَده عَلَى فِيهِ فَلَعَلَّهُ ينزجر وَيمْتَنع، وَقَالَ لَهُ الْحَاكِم أَو صَاحب مَجْلِسه: اتَّقِ الله فقولك «فعلي لعنة الله» يُوجب اللَّعْنَة إِن كنت كَاذِبًا، وتضع الْمَرْأَة يَدهَا عَلَى فَم الْمَرْأَة إِذا انْتَهَت إِلَى كلمة الْغَضَب فَإِن أَبَيَا إلاّ المُضِيّ لقنتها الْكَلِمَة الْخَامِسَة. ورد النَّقْل بذلك عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي (سنَن أبي دَاوُد) من هَذَا الْوَجْه أَعنِي من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن هلالاً لما لَاعن وَانْتَهَى إِلَى الْكَلِمَة الْخَامِسَة قيل لَهُ: يَا هِلَال، اتَّقِ الله فَإِن عَذَاب (الدُّنْيَا) أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة؛ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 وَإِن هَذِه الْمُوجبَة الَّتِي توجب عَلَيْك الْعَذَاب. فَقَالَ: وَالله لَا يُعذبني الله عَلَيْهَا كَمَا لم يجلدني عَلَيْهَا. فَشهد الْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين. ثمَّ قيل لَهَا: اشهدي. فَشَهِدت أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين (فَلَمَّا كَانَت) الْخَامِسَة قيل لَهَا: اتقِي الله فَإِن عَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة وَإِن هَذِه الْمُوجبَة الَّتِي توجب (عَلَيْك) الْعَذَاب فتلكأت سَاعَة ثمَّ قَالَت: وَالله لَا أفضح قومِي. فَشَهِدت الْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين، فَفرق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينهمَا وَقَضَى أَن لَا يُدعَى وَلَدهَا لأَب [وَلَا ترمى] وَلَا يُرْمَى وَلَدهَا، من رَمَاهَا أَو رَمَى وَلَدهَا فَعَلَيهِ الْحَد، وَقَضَى أَن لَا بَيت عَلَيْهِ لَهَا وَلَا قوت من أجل أَنَّهُمَا يتفرقان من غير طَلَاق وَلَا متوفى عَنْهَا. قَالَ عِكْرِمَة: فَكَانَ وَلَدهَا بعد ذَلِكَ أَمِيرا عَلَى مصر وَمَا يُدعَى لأَب» . وَفِي إِسْنَاده عباد بن مَنْصُور قد تكلمُوا فِي رَأْيه وَرِوَايَته، وَرَوَى هُوَ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر رجلا حِين أَمر المتلاعنين أَن يتلاعنا أَن (يضع) يَده عِنْد الْخَامِسَة عَلَى فِيهِ وَيَقُول: إِنَّهَا مُوجبَة» . وَلم أر فِي (هَذَا) الحَدِيث وضع امْرَأَة يَدهَا عَلَى فمها كَمَا فِي جَانب الرجل فنتبعه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا» . هَذَا الحَدِيث سبق فِي الْبَاب وَاضحا. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لَاعن بَين هِلَال بن أُميَّة وَزَوجته، وَكَانَت حَامِلا وَنَفَى هِلَال الْحمل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه أول الْبَاب. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين أورد الْوَعيد فِي نفي من هُوَ مِنْهُ واستلحاق من لَيْسَ مِنْهُ. هَذَا (الحَدِيث) صَحِيح، وَقد سلف حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي ذَلِكَ فِي الحَدِيث الْخَامِس من أَحَادِيث الْبَاب. وَفِي (مُسْند أَحْمد) عَن وَكِيع، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن [أبي] المجالد، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من انْتَفَى من وَلَده ليفضحه فِي الدُّنْيَا فضحه الله يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس الأشهاد قصاص بقصاص» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص، وَأبي بكرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ادَّعَى أَبَا فِي الْإِسْلَام غير أَبِيه وَهُوَ يعلم أَنه غير أَبِيه فالجنة عَلَيْهِ حرَام» . وَفِيهِمَا أَيْضا من حَدِيث أبي ذَر رَضي اللهُ عَنهُ «لَيْسَ من رجل ادَّعَى (إِلَى غير) أَبِيه وَهُوَ يُعلمهُ إِلَّا كفر، وَمن ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ منا وليتبوأ مَقْعَده من النَّار» . وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: «من ادَّعَى إِلَى غير أَبِيه أَو انْتَهَى إِلَى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله المتتابعة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من انتسب إِلَى غير أَبِيه أَو تولى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ» . وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا بِلَفْظ: «من ادَّعَى» بدل «من انتسب» ] وَفِيه] أَيْضا من رِوَايَة ابْن عَمْرو؛ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ادَّعَى إِلَى غير أَبِيه لم يرح رَائِحَة الْجنَّة، وَإِن رِيحهَا ليوجد من مسيرَة خَمْسمِائَة عَام» . وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» عَن أبي بكر مَرْفُوعا: «كفر بِاللَّه من ادَّعَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 بِنسَب لَا يعرف» ، قَالَ: الصَّوَاب من رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش [مَوْقُوفا] . وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث رشدين، عَن زبان، عَن سهل، عَن أَبِيه رَفعه «إِن لله - تَعَالَى - عبادًا لَا يكلمهم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَا ينظر إِلَيْهِم. قيل لَهُ: من أُولَئِكَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: متبرئ من وَالِديهِ وراغب عَنْهُمَا، ومتبرئ من وَلَده، وَرجل أنعم عَلَيْهِ قوم فَكفر نعمتهم وتبرأ مِنْهُم» . وَهَذَا سَنَد واه، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فَثَلَاثَة: أَحدهَا: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «لَو أَن قدم ليقام عَلَيْهِ الْحَد، وَادَّعَى أَنه أول مَا [ابْتُلِيَ] بِهِ، إِن الله كريم لَا يهتك السّتْر أول مرّة» . وَهَذَا الْأَثر ذكره (الشَّافِعِي) فِي «الْأُم» بِلَفْظ: «وَقد أُتِي بِرَجُل إِلَى عمر بن الْخطاب وَقدم لإِقَامَة الْحَد، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن هَذَا مني لأوّل مرّة. فَقَالَ: كذبت، الله أكبر أَن يفضح عَبده بِأول جريمته» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي إِسْحَاق، ثَنَا عَفَّان، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَن ثَابت، عَن أنس «أَن عمر أُتِي بسارق فَقَالَ: وَالله مَا سرقت قطّ قبلهَا. فَقَالَ: كذبت، مَا كَانَ الله ليسلم (عبدا) عِنْد أول ذَنبه (فَقَطعه) » . الْأَثر الثَّانِي: قصَّة أبي بكرَة الثَّقَفِيّ حَيْثُ كرر قذف الْمُغيرَة وَلم يُكَرر عَلَيْهِ الْحَد. وَهَذَا الْأَثر سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْقَذْف فَإِنَّهُ أولَى (بِهِ) . الْأَثر الثَّالِث: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «إِذا أقرّ الرجل بولده طرفَة عين لم يكن لَهُ نَفْيه» . وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن شُرَيْح عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 كتاب الْعدَد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 كتاب الْعدَد ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فسبعة: أَحدهَا «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك» . هَذَا الحَدِيث سبق الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْحيض وَاضحا فَليُرَاجع مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِابْنِ عمر وَقد طلق امْرَأَته فِي الْحيض إِن السّنة أَن تسْتَقْبل الطُّهْر ثمَّ تطلقها فِي كل قرء طَلْقَة» . هَذَا الحَدِيث سلف، بِطرقِهِ فِي كتاب الطَّلَاق فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث الثَّالِث «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ فطلقوهن (لقبل) (عدتهن) » . وَهَذَا الحَدِيث هُوَ بعض من الَّذِي قبله، وَقد قدمنَا مَا أسلفناه فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 الطَّلَاق. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقبل الشَّيْء أَوله. الحَدِيث الرَّابِع عَن ابْن عمر (مَرْفُوعا و) مَوْقُوفا «يُطلق العَبْد تَطْلِيقَتَيْنِ وَتعْتَد الْأمة بقرءين» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الطَّلَاق وَاضحا فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تسق (بمائك) زرع غَيْرك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث رويفع بن ثَابت الْأنْصَارِيّ [قَالَ: «كنت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] حِين افْتتح حنين فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: لَا يحل لأحد يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يسْقِي مَاءَهُ زرع غَيره» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. زَاد أَحْمد: «وَلَا أَن يبْتَاع مغنمًا حَتَّى يقسم» ثمَّ ذكر الثَّوْب وَالدَّابَّة كَمَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَة ابْن حبَان. زَاد أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته: «وَلَا يحل لمُؤْمِن يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر [أَن] يَقع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 عَلَى امْرَأَة من سبي حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا، وَلَا يحل لامرئ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يَبِيع مغنمًا حَتَّى يُقسم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا بِحَيْضَةٍ» . ثمَّ قَالَ: وَهَذِه الرِّوَايَة لَيست مَحْفُوظَة وَهِي وهم من أبي مُعَاوِيَة. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِدُونِ الِاسْتِبْرَاء، وَهَذَا لَفظه: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يسْقِي مَاءَهُ ولد غَيره، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يَأْخُذ دَابَّة من الْمَغَانِم فَيركبهَا حَتَّى إِذا أعجفها ردَّها فِي الْمَغَانِم، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس ثوبا من الْمَغَانِم حَتَّى إِذا أخلقه رده فِي الْمَغَانِم» . قلت: وَله طَرِيق آخر من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ. أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيقه (أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى يَوْم خَيْبَر عَن بيع الْمَغَانِم حَتَّى تقسم، وَعَن الحبالى أَن يوطئن حَتَّى يَضعن مَا فِي بطونهن، وَقَالَ: لَا تسق (ماءك زرع) غَيْرك، وَعَن (أكل) لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَعَن لحم كل ذِي نَاب من السبَاع» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ ذكر ذَلِكَ فِي موضِعين من «مُسْتَدْركه» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 الحَدِيث السَّادِس ثَبت (أَن سبيعة الأَسلمية ولدت بعد وَفَاة زَوجهَا بِنصْف شهر فَقَالَ لَهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حللت فَانْكِحِي من شِئْت من الْأزْوَاج» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مطولا أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أم سَلمَة من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا، وَمن حَدِيث الْمسور، عَن سبيعة. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أم سَلمَة أَيْضا، وَلَفظ الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ إِحْدَى روايتي مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» برمتِهِ، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح تَقْدِير الْمدَّة بِنصْف شهر إِنَّمَا فِي البُخَارِيّ (أَنَّهَا وضعت بعده بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة) وَفِي أُخْرَى لَهُ: «فَمَكثت قَرِيبا من عشر لَيَال» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «بِليَال) من غير تعْيين. وَفِي مُسلم هَذِه الْأَخِيرَة. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث ابْن مَسْعُود (بِخمْس (عشرَة) لَيْلَة) . كَمَا فِي الرَّافِعِيّ وَفِي رِوَايَة لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 من حَدِيث الْأسود عَن أبي السنابل «بِثَلَاث وَعشْرين لَيْلَة» وَفِيه غير ذَلِكَ من الِاضْطِرَاب كَمَا أوضحته فِي شرحي لعمدة الْأَحْكَام فلتراجعه مِنْهُ. فَائِدَة: اسْم زَوجهَا سعد بن خَوْلَة. الحَدِيث السَّابِع عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «امْرَأَة الْمَفْقُود تصبر حَتَّى يَأْتِيهَا يَقِين مَوته أَو طَلَاقه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارقطني فِي «سنَنه» ، عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد، ثَنَا مُحَمَّد بن الْفضل بن جَابر، ثَنَا (صَالح بن مَالك) ، ثَنَا سوار بن مُصعب، ثَنَا مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل الْهَمدَانِي، عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «امْرَأَة الْمَفْقُود امْرَأَته حَتَّى يَأْتِيهَا الْخَبَر» . وَلم يُضعفهُ. وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة، وَرِجَاله من مُحَمَّد بن الْفضل إِلَى الْمُغيرَة مَا بَين ضَعِيف ومجهول، مُحَمَّد بن الْفضل وَشَيْخه لَا يعرفان، كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان. وسوار واهٍ، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَمُحَمّد بن شُرَحْبِيل: مَتْرُوك. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: حَدِيث مُنكر قَالَ: (وَرَاوِيه) عَن الْمُغيرَة هُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث يروي عَن الْمُغيرَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَحَادِيث مَنَاكِير أباطيل. وَأعله عبد الْحق بِمُحَمد هَذَا فَقَط وَقَالَ إِنَّه مَتْرُوك، وأهمل مَا أسلفناه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد أَن رَوَى عَن عَلّي أَنَّهَا لَا (تتَزَوَّج) وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنَّهَا تلوم وتصبر. وَرَوَى فِيهِ حَدِيث مُسْند فِي إِسْنَاده من لَا يحْتَج بحَديثه: أبنا أَبُو الْحسن (عَلّي بن أَحْمد) بن عَبْدَانِ، أَنا أَحْمد بن عبيد (الصفار) ، ثَنَا مُحَمَّد بن الْفضل بن جَابر، فَذكره كَمَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ لَكِن لَفظه «الْبَيَان» بدل «الْخَبَر» . قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَكَرِيَّا بن يَحْيَى الوَاسِطِيّ، عَن سوار بن مُصعب، وسوار ضَعِيف. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فستة وَعِشْرُونَ أثرا: أَحدهَا، وَثَانِيها: عَن عَائِشَة، وَزيد بن ثَابت رَضي اللهُ عَنهما أَنَّهُمَا قَالَا: (إِذا طعنت الْمُطلقَة فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَرِئت مِنْهُ) . هَذَا صَحِيح عَنْهُمَا. أما أثر عَائِشَة: فَرَوَاهُ مَالك فِي «موطئِهِ» ، عَن ابْن شهَاب، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 عُرْوَة بن الزبير عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: «انْتَقَلت حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق حِين دخلت فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، قَالَ ابْن شهَاب: فَذكرت ذَلِكَ لعمرة بنت عبد الرَّحْمَن فَقَالَت: صدق عُرْوَة (و) قد جادلها فِي ذَلِكَ النَّاس، وَقَالُوا: إِن الله - تَعَالَى - يَقُول: (ثَلَاثَة قُرُوء) ، فَقَالَت عَائِشَة: وتدرون مَا الْأَقْرَاء؟ إِنَّمَا الْأَقْرَاء الْأَطْهَار) قَالَ (ابْن) بكير: وأبنا مَالك، عَن ابْن شهَاب أَنه قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن يَقُول: مَا أدْركْت أحدا من فقهائنا إِلَّا وَهُوَ يَقُول: هَذَا يُرِيد الَّذِي قَالَت عَائِشَة (رَضي اللهُ عَنها. وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ أَيْضا عَن عمْرَة عَن عَائِشَة) قَالَت: «إِذا دخلت الْمُطلقَة فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَرِئت مِنْهُ» . وَأما أثر زيد بن ثَابت: فَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَيْضا، عَن نَافِع، وَزيد بن أسلم، عَن سُلَيْمَان بن (يسَار) (أَن الْأَحْوَص هلك بِالشَّام حِين دخلت امْرَأَته فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، وَقد كَانَ طَلقهَا وَكتب مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان إِلَى زيد بن ثَابت فَسَأَلَهُ عَن ذَلِكَ فَكتب إِلَيْهِ زيد أَنَّهَا إِذا دخلت فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَرِئت مِنْهُ، وَبرئ مِنْهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 وَلَا تَرثه وَلَا يَرِثهَا) . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك وَقَالَ: «وَكَانَ قد طَلقهَا» وَالْبَاقِي بِمثلِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ (عَن) سُلَيْمَان بن يسَار، قَالَ: (كتب مُعَاوِيَة إِلَى زيد فَكتب (زيد) إِذا طعنت الْمُطلقَة فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَرِئت مِنْهُ) . الْأَثر الثَّالِث، وَالرَّابِع: عَن عُثْمَان، وَابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذا طعنت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فَلَا رَجْعَة (لَهُ) » . أما أثر عُثْمَان: فَغَرِيب لم أعثر عَلَيْهِ بعد الْبَحْث عَنهُ. وَأما أثر ابْن عمر، فَرَوَاهُ مَالك، وَالشَّافِعِيّ، عَنهُ، عَن نَافِع، عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: (إِذا طلق الرجل امْرَأَته فَدخلت فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَرِئت مِنْهُ وَبرئ مِنْهَا وَلَا تَرثه وَلَا يَرِثهَا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَمن حَدِيث أَيُّوب، عَن نَافِع عَنهُ، قَالَ: إِذا دخلت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فَلَا رَجْعَة لَهُ عَلَيْهَا. الْأَثر الْخَامِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: تَعْتَد الْأمة بقرءين عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه (قَالَ) : «يُطلق العَبْد تَطْلِيقَتَيْنِ وَتعْتَد الْأمة بقرءين» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 وَهَذَا الْأَثر صَحِيح: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولَى (آل) طَلْحَة، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، عَن عبد الله بن عتبَة، عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: (ينْكح العَبْد امْرَأتَيْنِ وَيُطلق تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتعْتَد الْأمة بحيضتين، فَإِن لم تكن تحيض فشهرين، أَو شهرا وَنصفا» . قَالَ سُفْيَان (وَكَانَ) ثِقَة. ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَلّي بن الْمَدِينِيّ، حَدَّثَني يَحْيَى بن سعيد، ثَنَا شُعْبَة، حَدَّثَني مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، عَن عبد الله بن عتبَة، عَن عمر بن الْخطاب رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «عدَّة الْأمة إِذا لم تَحض شَهْرَيْن، وَإِذا حَاضَت حيضتين» . ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق الشَّافِعِي: أبنا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ، عَن رجل من بني ثَقِيف أَنه سمع عمر بن الْخطاب يَقُول: (لَو اسْتَطَعْت لجعلتها حَيْضَة وَنصفا. فَقَالَ: رجل فاجعلها شهرا وَنصفا فَسكت عمر رَضي اللهُ عَنهُ) . الْأَثر السَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ عقب ذَلِكَ: وَيروَى ذَلِكَ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفًا. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفنا فِي الْبَاب وأحلناه عَلَى الطَّلَاق. الْأَثر السَّابِع: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْقَدِيم أَنَّهَا تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر لنفي الْحمل، ثمَّ تَعْتَد بِالْأَشْهرِ وَهُوَ مَذْهَب عمر رَضي اللهُ عَنهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقد رَوَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 مَالك، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن يَحْيَى بن سعيد، وَيزِيد بن عبد الله بن قسيط، عَن ابْن الْمسيب أَنه قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: «أَيّمَا امْرَأَة طلقت فَحَاضَت حَيْضَة أَو حيضتين، ثمَّ رفعتها حَيْضَة فَإِنَّهَا تنْتَظر تِسْعَة أشهر (فَإِن بَان بهَا حمل فَذَاك وَإِلَّا اعْتدت بعد التِّسْعَة ثَلَاثَة أشهر) ثمَّ حلت) . الْأَثر الثَّامِن: «أَن حبَان بن منقذ طلق امْرَأَته طَلْقَة وَاحِدَة، وَكَانَت لَهَا مِنْهُ بُنية صَغِيرَة ترضعها فتباعد حَيْضهَا وَمرض حبَان. فَقيل لَهُ: إِنَّك إِن مت وَرثتك. فَمَضَى إِلَى عُثْمَان وَعِنْده عَلّي وَزيد رَضي اللهُ عَنهم فَسَأَلَهُ عَن ذَلِكَ فَقَالَ لعَلي وَزيد: مَا تريان؟ (فَقَالَا) : نرَى أَنَّهَا إِن مَاتَت ورثهَا، وَإِن مَاتَ ورثته؛ لِأَنَّهَا لَيست من الْقَوَاعِد اللَّاتِي يَئِسْنَ من الْمَحِيض وَلَا من اللواتي لم يحضن فَحَاضَت حيضتين، وَمَات حبَان قبل انْقِضَاء الثَّالِثَة فَورثَهَا عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن (سعيد بن سَالم) ، عَن ابْن جريج، عَن عبد الله بن أبي بكر، أخبرهُ «أَن رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ حبَان بن منقذ طلق امْرَأَته وَهُوَ صَحِيح، وَهِي ترْضع ابْنَته، فَمَكثَ سَبْعَة عشر شهرا لَا تحيض يمْنَعهَا الرَّضَاع أَن تحيض، ثمَّ مرض حبَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 بعد أَن طَلقهَا بسبعة أشهر أَو ثَمَانِيَة، فَقيل لَهُ: إِن امْرَأَتك تُرِيدُ أَن تَرث. فَقَالَ لأَهله: احْمِلُونِي إِلَى عُثْمَان. فَحَمَلُوهُ إِلَيْهِ، فَذكر لَهُ شَأْن امْرَأَته وَعِنْده عَلّي بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت فَقَالَ لَهما عُثْمَان: مَا تريان؟ فَقَالَا: نرَى أَنَّهَا تَرثه إِن مَاتَ ويرثها إِن مَاتَت؛ فَإِنَّهَا لَيست من الْقَوَاعِد اللَّاتِي يئسن من الْمَحِيض، وَلَيْسَت من الْأَبْكَار اللَّاتِي لم يبلغن الْمَحِيض (ثمَّ) هِيَ عَلَى عدَّة حَيْضهَا مَا كَانَ (من) قَلِيل أَو كثير، فَرجع حبَان إِلَى أَهله فَأخذ ابْنَته فَلَمَّا فقدت الرَّضَاع حَاضَت حَيْضَة ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى، ثمَّ توفّي حبَان قبل أَن تحيض الثَّالِثَة فاعتدت عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وورثته» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان أَنه (قَالَ) : (كَانَت عِنْد جده حبَان امْرَأَتَانِ لَهُ هاشمية وأنصارية، فَطلق الْأَنْصَارِيَّة (وَهِي) ترْضع، فمرت بهَا سنة، ثمَّ هلك عَنْهَا وَلم تَحض، فَقَالَت: أَنا أرثه لم (أحض) فاختصما إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ، فلامت الهاشمية عُثْمَان، فَقَالَ عُثْمَان: ابْن عمك (هُوَ) أَشَارَ (علينا) بِهَذَا، يَعْنِي عَلّي بن أبي طَالب رَضي اللهُ عَنهُ» . فَائِدَة: حَبان هَذَا بِفَتْح الْحَاء بِلَا خلاف، وَقد سلف فِي الْبيُوع وَاضحا، وَاسم هَذِه الْأَنْصَارِيَّة لم أره، وَأما الهاشمية فاسمها زَيْنَب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 الصُّغْرَى بنت ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بن هَاشم الهاشمية. نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» . تَنْبِيه: ظَاهر إِيرَاد الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» أَن زَوْجَة حبَان هَذِه كَانَت مِمَّن انْقَطع حَيْضهَا بِغَيْر عَارض، وَلَيْسَ بجيد؛ لرِوَايَة الْبَيْهَقِيّ السالفة، والرافعي مَشَى عَلَى الصَّوَاب ذكره دَلِيلا عَلَى من انْقَطع حَيْضهَا بِعَارِض. الْأَثر التَّاسِع: «أَن عَلْقَمَة طلق امْرَأَته طَلْقَة أَو طَلْقَتَيْنِ، فَحَاضَت حَيْضَة ثمَّ ارْتَفع حَيْضهَا سَبْعَة عشر شهرا، ثمَّ مَاتَت، فَأَتَى ابْن مَسْعُود فَقَالَ: حبس الله عَلَيْك مِيرَاثهَا. وَوَرَّثَهُ مِنْهَا» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن حَمَّاد وَالْأَعْمَش وَمَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة بن قيس «أَنه طلق امْرَأَته تَطْلِيقَة أَو تطلقتين، ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أَو حيضتين ثمَّ ارْتَفع حَيْضهَا سَبْعَة عشر شهرا، أَو ثَمَانِيَة عشر شهرا، ثمَّ مَاتَت (فجَاء) إِلَى ابْن مَسْعُود فَسَأَلَهُ فَقَالَ: حبس الله عَلَيْك مِيرَاثهَا. فورثه مِنْهَا» . الْأَثر الْعَاشِر: مَذْهَب عمر فِي تربصها بسبعة أشهر ثمَّ تَعْتَد ثَلَاثَة أشهر، وَهَذَا قد سلف فِي الْبَاب قَرِيبا، وَهُوَ الْأَثر السَّابِع. الْأَثر الْحَادِي عشر: قَالَ الرَّافِعُّي: وَرَوَى عَن عمر أَنه قَالَ: «أَيّمَا امْرَأَة طلقت فَحَاضَت حَيْضَة أَو حيضتين ثمَّ ارْتَفع حَيْضهَا فَإِنَّهَا تنْتَظر تِسْعَة أشهر، فَإِن بَان بهَا حمل فَذَاك، وَإِلَّا اعْتدت بِثَلَاثَة أشهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 وحلت» . وَهَذَا الْأَثر هُوَ عين الْعَاشِر، وَالسَّابِع أَيْضا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِلَى ظَاهر هَذَا كَانَ يذهب الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ فِي الْجَدِيد إِلَى قَول ابْن مَسْعُود، ثمَّ حمل كَلَام عمر عَلَى كَلَام عبد الله فَقَالَ: قد يحْتَمل قَول عمر أَن تكون الْمَرْأَة قد بلغت السن الَّتِي من بلغَهَا من نسائها (يئسن من الْمَحِيض) فَلَا يكون مُخَالفا لقَوْل ابْن مَسْعُود، وَذَلِكَ وَجه عندنَا. (الْأَثر الثَّانِي عشر) : عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه قَالَ فِي بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد: كَيفَ تبيعهن وَقد خالطت لحومنا لحومهن ودماءنا دماؤهن» . هَذَا الْأَثر لم أره بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ، والرافعي ذكره دَلِيلا عَلَى أحد الْقَوْلَيْنِ فِي انْقِضَاء الْعدة، وَإِيجَاب الْغرَّة، وَحُصُول الِاسْتِيلَاد فِيمَا إِذا أَلْقَت (قِطْعَة) لحم وَقَالَ القوابل: إِنَّه أصل آدَمِيّ وَلَيْسَ فِيهِ صُورَة ظَاهِرَة وَفِي «الْمُوَطَّأ» عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: أَيّمَا وَلِيدة ولدت من سَيِّدهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعهَا وَلَا يَهَبهَا وَلَا يُورثهَا ويستمتع بهَا مَا عَاشَ فَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة. تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ هَذَا عَن مَالك أَنه قَالَ: هَذِه جارتنا امْرَأَة مُحَمَّد بن عجلَان امْرَأَة صدق (وَزوجهَا رجل صدق) ، حملت ثَلَاثَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 أبطن فِي اثْنَي عشر سنة تحمل كل بطن أَربع سِنِين. وَهَذَا لَا يلْزَمنِي تَخْرِيجه لكني أتبرع بِهِ، وَهَذَا قد أسْندهُ الدَّارقُطْنيُّ إِلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى القتيبي أَن (هرم) بن حَيَّان حملت بِهِ أُمُّهُ ارْبَعْ سِنِين. قلت: عبارَة (ابْن حزم) فِي إِيرَاده أَنَّهَا حملت بِهِ سنتَيْن فَإِنَّهُ لما حَكَى عَن الزُّهْرِيّ وَمَالك: أَن أَكثر الْحمل سبع سِنِين قَالَ: وَاحْتج مقلدون بِأَن مَالِكًا ولد لثَلَاثَة أَعْوَام وَأَن نسَاء من العجلان (ولدن) لثلاثين شهرا، وَأَن مولاة لعمر بن عبد الْعَزِيز حملت ثَلَاث سِنِين، وأَن (هرم) بن حَيَّان، وَالضَّحَّاك بن مُزَاحم حمل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا سنتَيْن، قَالَ مَالك: بَلغنِي عَن امْرَأَة حملت سبع سِنِين. ثمَّ وَهَّى ذَلِكَ قَالَ: وَلَا يجوز أَن يكون حمل أَكثر من تِسْعَة أشهر وَلَا أقل من سِتَّة أشهر لقَوْله تَعَالَى: (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) وَقَوله: (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة) فَمن ادَّعَى حملا وفصالاً يكون أَكثر من ثَلَاثِينَ شهرا فقد قَالَ الْبَاطِل والمحال، ورد كَلَام الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 جهارًا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون الْحمل عَاميْنِ قَالَ: وَاحْتج لَهُ أَصْحَابه بِحَدِيث فِيهِ الْحَارِث بن حصيرة - وَهُوَ هَالك -: (أَن ابْن صياد ولد لِسنتَيْنِ) وَهَذَا كذب وباطل، وَابْن حصيرة هَذَا - سَيَأْتِي - يَقُول بالرجعة. وَعَن أبي سُفْيَان، عَن أَشْيَاخ لَهُم عَن عمر «أَنه رفع إِلَيْهِ امْرَأَة غَابَ عَنْهَا زَوجهَا سنتَيْن فجَاء وَهِي حُبْلَى فهم (عمر) برجمها فَقَالَ لَهُ معَاذ بن جبل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن يكون السَّبِيل لَك عَلَيْهَا فَلَا سَبِيل لَك عَلَى مَا فِي بَطنهَا، فَتَركهَا عمر حَتَّى ولدت فَولدت غُلَاما قد نَبتَت ثناياه فَعرف زَوجهَا (شبهها) ، فَقَالَ عمر: عجز النِّسَاء أَن (يلدن) مثل معَاذ، لَوْلَا معَاذ هلك عمر» . قَالَ ابْن حزم: وَهَذَا أَيْضا بَاطِل؛ لِأَنَّهُ عَن أبي سُفْيَان، وَهُوَ ضَعِيف، عَن أَشْيَاخ لَهُم وهم مَجْهُولُونَ. وَمن طَرِيق سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن جريج، عَن جميلَة بنت سعد، عَن عَائِشَةَ أُم الْمُؤْمنينَ قَالَتْ: «مَا تزيد الْمَرْأَة فِي الْحمل عَلَى سنتَيْن قدر مَا يتَحَوَّل ظلّ هَذَا المغزل» . جميلَة بنت سعد مَجْهُولَة لَا يُدْرَى من هِيَ، فَبَطل هَذَا القَوْل. وَقَالَت طَائِفَة لَا يكون الْحمل أَكثر من أَربع سِنِين، (رويناهُ عَن سعيد بن الْمسيب) من طَرِيق فيهَا عَلّي بن (زيد) بن جدعَان، وَهُوَ ضَعِيف، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَلَا نعلم لهَذَا القَوْل شُبْهَة تعلقوا بهَا أصلا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 وَقَالَت طَائِفَة: يكون الْحمل خمس سِنِين وَلَا يكون أَكثر أصلا، وَهُوَ قَول [عباد] بن الْعَوام، وَاللَّيْث، وَرُوِيَ عَن مَالك أَيْضا، وَلَا نعلم لَهُ مُتَعَلقا أصلا ثمَّ حَكَى القَوْل السالف، فاستفد ذَلِكَ. فَائِدَة: قَوْله: امْرَأَة صدقٍ هُوَ منون عَلَى الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ للْمُبَالَغَة بِمَعْنى صَادِق، كَرجل عدل وَامْرَأَة عدلٍ أَي: عَادل، وعادلة. وَفِي تَأْوِيله مَذَاهِب للنحاة مَشْهُورَة. وهرم بِفَتْح الْهَاء، وَرَأَيْت من عاصرته من الْفُقَهَاء يُسَكِّنُ رَاءهُ وَالَّذِي أحفظ كسرهَا. وحيان: بمثناة تَحت. وَقد ذكر النَّوَوِيّ فِي آخر فَتَاوِيهِ أَنه اشْتهر فِي كتب الرَّقَائِق أَنه حِين دفنوه أرسل الله سحابًا فأمطرت حوالي الْقَبْر وَلم يصب الْقَبْر مِنْهُ شَيْئا. الْأَثر الثَّالِث عشر: «أَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ فِي امْرَأَة الْمَفْقُود: تتَربص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بعد ذَلِكَ» . هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «أَيّمَا امْرَأَة فقدت زَوجهَا فَلم تدر أَيْن هُوَ فَإِنَّهَا تنْتَظر أَربع سِنِين، ثمَّ تنْتَظر أَرْبَعَة أشهر وَعشرا» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك عَنهُ، وَفِي رِوَايَة (ابْن) بكير، عَن مَالك: (ثمَّ تحل) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ يُونُس بن يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 وَزَاد فِيهِ قَالَ: وَقَضَى فِي ذَلِكَ عُثْمَان بن عَفَّان بعد عمر رَضي اللهُ عَنهما. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو عبيد، عَن مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر، وَعُثْمَان رَضي اللهُ عَنهما قَالَا: «امْرَأَة الْمَفْقُود تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، ثمَّ تنْكح» . ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، أبنا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ «أَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أجل امْرَأَة الْمَفْقُود أَربع سِنِين» . ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث شُعْبَة: سَمِعت منصورًا يحدث، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، قَالَ: «قَضَى عمر فِي الْمَفْقُود تربص امرأتُه أَربع سِنِين، ثمَّ يطلقهَا (ولي) زَوجهَا، ثمَّ تربص بعد ذَلِكَ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ثمَّ تُزَوَّج» . الْأَثر الرَّابِع عشر، وَالْخَامِس عشر: عَن عمر، وَعلي رَضي اللهُ عَنهما أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذا كَانَ عَلَى الْمَرْأَة عدتان من شَخْصَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يتداخلان» . وَهَذَا صَحِيح عَنْهُمَا، أما الأول: فَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ رَضي اللهُ عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، وَسليمَان بن يسَار أَن طليحَة كَانَت تَحت رشيد الثَّقَفِيّ وَطَلقهَا الْبَتَّةَ، فنكحت فِي عدتهَا فضربها عمر رَضي اللهُ عَنهُ، وَضرب زَوجهَا بالمخفقة ضربات وَفرق بَينهمَا ثمَّ قَالَ عمر بن الْخطاب رَضي اللهُ عَنهُ: أَيّمَا امْرَأَة نكحت فِي عدتهَا فَإِن كَانَ زَوجهَا الَّذِي تزَوجهَا لم يدْخل بهَا فرق بَينهمَا ثمَّ اعْتدت بَقِيَّة عدتهَا من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 زَوجهَا الأول وَكَانَ خاطبًا من الْخطاب، وَإِن كَانَ دخل بهَا فرق بَينهمَا، ثمَّ اعْتدت بَقِيَّة عدتهَا من زَوجهَا الأول، ثمَّ اعْتدت من الآخر ثمَّ لم (ينْكِحهَا) أبدا. قَالَ سعيد - يَعْنِي ابْن الْمسيب -: وَلها مهرهَا بِمَا اسْتحلَّ مِنْهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَوله: «لم ينْكِحهَا أبدا» قد كَانَ الشَّافِعِي يَقُول بِهِ فِي الْقَدِيم ثمَّ رَجَعَ عَنهُ كَمَا رَوَى الثَّوْريّ، عَن أَشْعَث، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق «أَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ رَجَعَ عَن ذَلِكَ وَجعل لَهَا مهرهَا وجعلهما يَجْتَمِعَانِ» . وَأما الْأَثر الثَّانِي فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن يَحْيَى بن حسان، عَن جرير، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن زَاذَان أبي عمر، عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه قَضَى فِي الَّذِي تزوج فِي عدتهَا أَنه يفرق بَينهمَا وَلها الصَدَاق (بِمَا) اسْتحلَّ من فرجهَا وتكمل مَا أفسدت من عدَّة الأول، وَتعْتَد من الآخر» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء عَن عَلّي «فِي الَّتِي تُزوج فِي عدتهَا قَالَ: تكمل بَقِيَّة عدتهَا من الأول، ثمَّ تَعْتَد من الآخر عدَّة جَدِيدَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا. الْأَثر السَّادِس عشر: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: « (لَو) وضعت وَزوجهَا عَلَى السرير حلت» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن نَافِع، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 ابْن عمر «أَنه سُئِلَ عَن الْمَرْأَة يتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَقَالَ ابْن عمر: إِذا وضعت حملهَا فقد حلت. فَأخْبرهُ رجل من الْأَنْصَار أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَو ولدت وَزوجهَا عَلَى السرير لم يدْفن (لحلت)) . الْأَثر السَّابِع عشر: عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَنَّهَا قَالَت: «لَو استقبلنا من أمرنَا مَا استدبرنا مَا غسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا نساؤه» . وَهَذَا الْأَثر حسن صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَقَالَ صَاحب «الْإِلْمَام» : فِي إِسْنَاده يَحْيَى بن عباد، وَقد وَثَّقَهُ يَحْيَى. وَعباد أخرج لَهُ مُسلم. فعلَى (قَوْلهمَا) هُوَ صَحِيح. فَائِدَة: قيل إِن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها كَانَت تظن أَنَّهُنَّ لَو تركن حقهن من غسله (تولى) أَبُو بكر الْغسْل، فَلَمَّا تولاه عَلّي وَالْعَبَّاس نَدِمت عَلَى مَا تركت. ذكره فِي «النِّهَايَة» . الْأَثر الثَّامِن عشر: «أَن أَسمَاء بنت عُمَيْس (غسلت) زَوجهَا أَبَا بكر وَكَانَ قد أَوْصَى بذلك» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْوَاقِدِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أخي الزُّهْرِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: «توفّي أَبُو بكر رَضي اللهُ عَنهُ لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثمان بَقينَ من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 جُمَادَى الأولَى سنة ثَلَاث عشرَة وَأَوْصَى أَن تغسله أَسمَاء بنت عُمَيْس امْرَأَته وَأَنَّهَا ضعفت فاستعانت بِعَبْد الرَّحْمَن» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْمَوْصُول وَإِن كَانَ رَاوِيه مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ صَاحب التَّارِيخ والمغازي وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ فَلهُ شَوَاهِد مَرَاسِيل عَن ابْن أبي مليكَة، وَعَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم «أَن أَسمَاء بنت عُمَيْس غسلت زَوجهَا أَبَا بكر» وَذكر بَعضهم أَن أَبَا بكر أَوْصَى بذلك. ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَائِشَة وَضَعفه، وَفِي «الْمُوَطَّأ» عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم «أَن أَسمَاء بنت عُمَيْس غسلت أَبَا بكر الصّديق، فَلَمَّا فرغت قَالَت لمن حضرها من (الْمُهَاجِرين) : إِنِّي صَائِمَة وَإِن هَذَا يَوْم شَدِيد الْبرد فَهَل عليَّ من غسل؟ قَالُوا: لَا» . وَهَذَا مُنْقَطع. فَائِدَة: عُمَيْس تَصْغِير عمس - بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم ثمَّ سين مُهْملَة - وَهُوَ التجاهل أَي إِظْهَار الْجَهْل بالشَّيْء وَأَنت عَارِف بِهِ. الْأَثر التَّاسِع عشر وَالْعشْرُونَ وَالْحَادِي وَالْعشْرُونَ: لما حَكَى الرَّافِعِيّ عَن الْقَدِيم أَن امْرَأَة الْمَفْقُود تَتَرَبَّص أَربع سِنِين وَتعْتَد عدَّة الْوَفَاة ثمَّ تُنكح. قَالَ: وَيروَى ذَلِكَ عَن عمر وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهم. وَهُوَ كَمَا قَالَ أما أثر عمر فقد سلف عَن رِوَايَة «الْمُوَطَّأ» وَأما أثر عُثْمَان فسلف فِيهِ أَيْضا، وَأما أثر ابْن عَبَّاس فَذكره أَبُو عبيد عَلَى مَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ عَن يزِيد، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن جَعْفَر بن أبي وحشية، عَن عَمْرو بن هرم، عَن جَابر بن (زيد) «أَنه شهد ابْن عَبَّاس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 وَابْن عمر تذاكرا امْرَأَة الْمَفْقُود، فَقَالَا: تربص بِنَفسِهَا أَربع سِنِين، ثمَّ تَعْتَد عدَّة الْوَفَاة. حَتَّى ذكرُوا النَّفَقَة فقَالَ ابْن عمر: لَهَا نَفَقَتهَا لحبسها نَفسهَا عَلَيْهِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا يضر ذَلِكَ بِأَهْل الْمِيرَاث، وَلَكِن لتنفق، فَإِن قدم أَخَذته من مَاله وَإِن لم يقدم فَلَا شَيْء لَهَا» . الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث بعد الْعشْرين: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَاحْتج للجديد أَنه لَا يجوز لَهَا أَن تُنكح حَتَّى تتيقن مَوته أَو طَلَاقه وَتعْتَد بِمَا رُوِيَ عَن الْمُغيرَة فَذكر الحَدِيث السالف الْمَرْفُوع الواهي. وَعَن عَلَى أَنه قَالَ: «هَذِه امْرَأَة ابْتليت فَلتَصْبِر» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن يَحْيَى بن حسان، عَن أبي عوَانَة، عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، عَن الْمنْهَال بن (عَمْرو) ، عَن عباد بن عبد الله الْأَسدي، عَن عَلّي «قَالَ فِي امْرَأَة الْمَفْقُود: إِنَّهَا لَا تتَزَوَّج» وَذكره مرّة بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَقَالَ عليّ فِي امْرَأَة الْمَفْقُود: «امْرَأَة ابْتليت فَلتَصْبِر لَا تنْكح حَتَّى يَأْتِيهَا نعي مَوته» قَالَ الشَّافِعِي: وَبِهَذَا نقُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرِوَايَة خلاس بن (عَمْرو) عَن أبي الْمليح، عَن عَلّي: «إِذا جَاءَ الأول خير بَين الصَدَاق الْأَخير وَبَين امْرَأَته» . ضَعِيفَة، وَأَبُو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 الْمليح لم يسمعهُ من عَلّي، ثمَّ رَوَى عَنهُ مَا يضعف هَذَا ووهاه، ثمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُور عَن عَلّي الأول. الْأَثر الرَّابِع بعد الْعشْرين: «أَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ لما عَاد الْمَفْقُود مكنه من أَخذ زَوجته» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعد، عَن قَتَادَة، عَن أبي نَضرة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، وَقد سقته بِطُولِهِ فِي تخريجي لأحاديث «الْمُهَذّب» فَرَاجعه مِنْهُ. الْأَثر الْخَامِس بعد الْعشْرين: لما حَكَى الرَّافِعِيّ، عَن الْكَرَابِيسِي، عَن الشَّافِعِي أَن الْمَفْقُود بِالْخِيَارِ بَين أَن يَنْزِعهَا من الثَّانِي، وَبَين أَن يَتْرُكهَا وَيَأْخُذ مهر الْمثل مِنْهُ. قَالَ: مُسْتَنده أَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ كَذَلِك قَضَى، هُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ فِي الْأَثر الْمشَار إِلَيْهِ قَرِيبا كَذَلِك سَوَاء. الْأَثر السَّادِس بعد الْعشْرين: ذكر الرَّافِعِيّ أَن الزَّوْج الْغَائِب إِذا طلق أَو مَاتَ فالعدة من وَقت الطَّلَاق أَو الْمَوْت لَا من وَقت بُلُوغ الْخَبَر، قَالَ: وَعَن بعض (الصَّحَابَة) خِلَافه، وَهَذَا الَّذِي أفهمهُ الرَّافِعِيّ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث شُعْبَة، عَن الحكم بن عتيبة، عَن أبي صَادِق أَن عليًّا قَالَ: «تَعْتَد من يَوْم يَأْتِيهَا الْخَبَر» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشّعبِيّ، عَن عَلّي. وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي كتاب عَلّي، وَعبد الله بلاغًا عَن (هشيم) ، عَن أَشْعَث، عَن الحكم، عَن أبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 صَادِق، عَن ربيعَة بن (ناجد) ، عَن عَلّي، قَالَ: «الْعدة من يَوْم يَمُوت أَو يُطلق» قَالَ: وَالرِّوَايَة الأولَى عَن عَلّي أشهر، وَنحن إِنَّمَا نقُول بِمَا قدمْنَاهُ من قَول غَيره اسْتِدْلَالا بِالْكتاب، وَأَشَارَ بذلك إِلَى مَا أخرجه أَولا من حَدِيث نَافِع، عَن عمر قَالَ: «تَعْتَد الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا مُنْذُ يَوْم طلقت وَتُوفِّي عَنْهَا زَوجهَا» . وَعَن الْأسود، ومسروق، وَعبيدَة، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «عدَّة الْمُطلقَة من حِين تطلق، والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا من حِين يتوفى» . (و) روينَا عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر، عَن زيد أَحْسبهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «من (يَوْم) يَمُوت» . وَفِي كتاب ابْن الْمُنْذر، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «تَعْتَد من يَوْم طَلقهَا أَو مَاتَ عَنْهَا» . ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ، عَن سعيد بن جُبَير، وَسَعِيد بن الْمسيب، وَسليمَان بن يسَار أَنهم قَالُوا: من يَوْم مَاتَ أَو طلق. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح، وَالنَّخَعِيّ، وَالزهْرِيّ، وَغَيرهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 بَاب الْإِحْدَاد ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ خَمْسَة أَحَادِيث: أَحدهَا: عَن أم عَطِيَّة رَضي اللهُ عَنها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحد الْمَرْأَة فَوق ثَلَاث إِلَّا عَلَى زوج فَإِنَّهَا تحد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَلَا تلبس ثوبا مصبوغًا إِلَّا ثوب عصب وَلَا تكتحل وَلَا تمس طيبا إِلَّا إِذا طهرت نبذة من قسط أَو أظفار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه، وللنسائي «وَلَا تمشط» وَرِجَاله ثِقَات عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ خلا شَيْخه [حُسَيْن بن] مُحَمَّد بن أَيُّوب الزَّارِع فَإِنَّهُ صَدُوق كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم. فَائِدَة: «لَا تحُد» هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة مَضْمُومَة ومكسورة، وبالمعجمة وَهُوَ غَرِيب، والعصب - بِالْعينِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ -: ضرب من برود الْيمن، كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَهُوَ مَا صبغ غَزْلُه. والنُبذة - بِضَم النُّون -: الْقطعَة وَالشَّيْء الْيَسِير وَأدْخل فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 (الْهَاء) لإِرَادَة الْقطعَة كَمَا نبه عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، والقُسط - بِضَم الْقَاف، وَيُقَال: بِالْكَاف كَمَا ورد فِي بعض رِوَايَات البُخَارِيّ. (وبتاء بدل) من الطَّاء لَا بِالْبَاء الْمُوَحدَة فَإِنَّهُ تَصْحِيف، وَهُوَ والأظفار نَوْعَانِ (من) البخُور، وليسا من مَقْصُود الطّيب، رخص فِيهِ للمغتسلة من الْحيض لإِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة تتبع أثر الدَّم لَا للتطيب. والأظفار - بالظاء الْمُعْجَمَة -: جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَقيل: مفرده: ظفر. حَكَاهُ ابْن الْأَثِير. وَقَوله: «من قسط أَو أظفار» : قَالَ الرَّافِعِيّ: قد يرْوَى هَكَذَا عَلَى الشَّك، وَيروَى «من قسط وأظفار» وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَالْأولَى هِيَ المودوعة فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالثَّانيَِة فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» غير مُتَّصِلَة، وَفِي النَّسَائِيّ أَيْضا. الحَدِيث الثَّانِي عَن أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا تَلْبس المعصفر من الثِّيَاب وَلَا الممشقة وَلَا الحُلي وَلَا تختضب وَلَا تكتحل» . هَذَا الحَدِيث كرر الرَّافِعِيّ بعضه فِي الْبَاب وَهُوَ حَدِيث حسن، رَوَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد جيد إِلَّا أَن س لم يذكر (الْحلِيّ) ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ (مَوْقُوفا) عَلَيْهَا. وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فوهاه فَقَالَ بعد أَن أخرجه: فِي هَذَا الْخَبَر ذكر الْحلِيّ وَلَا يَصح؛ لِأَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان ضَعِيف. وَإِبْرَاهِيم هَذَا هُوَ فِي طَرِيق الْجَمَاعَة؛ لأَنهم أَخْرجُوهُ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير عَنهُ، عَن بديل، عَن الْحسن بن مُسلم، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن أم سَلمَة، وَإِبْرَاهِيم هَذَا احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَوَثَّقَهُ النَّاس، وأثنوا عَلَيْهِ، نعم رَمَوْهُ بالإرجاء، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثِقَة، إِنَّمَا تكلمُوا فِيهِ للإرجاء، وَانْفَرَدَ ابْن عمار الْموصِلِي فَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف مُضْطَرب الحَدِيث وَلم ينْفَرد بِهِ إِبْرَاهِيم بل تَابعه معمر عَلَيْهِ. أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أبي أُسَامَة، عَن سُفْيَان، عَن معمر، عَن بديل بِهِ بِلَفْظ: «لَا (تخضب) الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَلَا تكتحل، وَلَا تطيب، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 وَلَا تلبس ثوبا مصبوغًا وَلَا تلبس حليًّا» . وَقد أخرج ابْن حزم هَذَا بعد من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن معمر بِهِ لكنه أخرجه مَوْقُوفا. نعم الرافع مَعَه زِيَادَة علم، وَأم سَلمَة لَا تَقول هَذَا إِلَّا عَن تَوْقِيف من الشَّارِع. فَائِدَة: الممشقة: المصبوغة بالمشق، وَهُوَ الْمغرَة. قَالَه الرَّافِعِيّ، قَالَ: وَيُقَال: شبه الْمغرَة وَهُوَ الطين الْأَحْمَر، وَقد تحرّك الْغَيْن، والعامة تنطق بِهِ مضموم الْمِيم، وَالصَّوَاب فتحهَا. الحَدِيث الثَّالِث عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد عَلَى ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا عَلَى زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك من هَذَا الْوَجْه. تَنْبِيه: ادَّعَى الرَّافِعِيّ أَن عُمُوم «لَا يحل لامْرَأَة» دَالٌّ عَلَى تَحْرِيم الْإِحْدَاد عَلَى الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة، وَفِيه نظر، فَإِن (الْمَوْت) لَا يُؤثر فِي عدتهَا وَقد يُجَاب بِأَن فرض المسئلة فِي عدتهَا عَن مستفرشها بِشُبْهَة إِذا مَاتَ 1651) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 الحَدِيث الرَّابِع عَن أم عَطِيَّة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كُنَّا ننهى أَن نحد عَلَى ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا عَلَى زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَأَن نكتحل وَأَن نلبس ثوبا معصفرًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: بدل «ثوبا معصفرًا» «ثوبا مصبوغًا إِلَّا ثوب عصب» كَمَا سلف أول الْبَاب. الحَدِيث الْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل عَلَى أم سَلمَة وَهِي حادة عَلَى أبي سَلمَة، وَقد جعلت عَلَى عينهَا صبرا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أم سَلمَة؟ فَقَالَت: هُوَ صَبر لَا طيب فِيهِ. قَالَ: اجعليه بِاللَّيْلِ، وامسحيه بِالنَّهَارِ» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فَقَالَ: أبنا مَالك أَنه بلغه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل عَلَى أم سَلمَة وَهِي حادة عَلَى أبي سَلمَة وَقد جعلت عَلَى عينهَا صبرا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أم سَلمَة؟ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا هُوَ صَبر. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: اجعليه بِاللَّيْلِ وامسحيه بِالنَّهَارِ» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» (بلاغًا) أَيْضا كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ مُسْندًا من حَدِيث ابْن وهب، عَن مخرمَة بن بكير، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت الْمُغيرَة بن الضَّحَّاك يَقُول: أَخْبَرتنِي أم حَكِيم بنت أسيد، عَن أمهَا «أَن زَوجهَا توفّي، وَكَانَت تَشْتَكِي عينهَا فتكتحل بكحل الْجلاء» . قَالَ أَحْمد - يَعْنِي ابْن صَالح أحد رُوَاته -: الصَّوَاب كحل الجلا يَعْنِي مَقْصُور - فَأرْسلت (مولَى) لَهَا إِلَى أم سَلمَة فَسَأَلَهَا عَن كحل الْجلاء فَقَالَت: لَا (تكتحل) بِهِ إِلَّا من أَمر لَا بُد مِنْهُ يشْتَد عَلَيْك فتكتحليه بِاللَّيْلِ وتمسحيه بِالنَّهَارِ، ثمَّ قَالَت عِنْد ذَلِكَ أم سَلمَة: دخل عَليَّ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين توفّي أَبُو سَلمَة، وَقد جعلت عَلَى (عَيْني) صبرا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أم سَلمَة؟ فَقَالَت: إِنَّمَا هُوَ صَبر يَا رَسُول الله لَيْسَ فِيهِ طيب (قَالَ) : إِنَّه ليشب الْوَجْه فَلَا تجعليه إِلَّا بِاللَّيْلِ وتنزعيه بِالنَّهَارِ، وَلَا تمتشطي بالطيب وَلَا بِالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خضاب. قلت: بِأَيّ شَيْء أمتشط يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بالسدر تغلفين بِهِ رَأسك» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ مثله إِلَّا أَنه لم يذكر قَول أَحْمد، وَلَا قَوْله: « (وتنزعه) بِالنَّهَارِ» . وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مَالك بلاغًا قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَقد روينَا بِإِسْنَاد مَوْصُول ... فَذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، وَلَعَلَّه يرَى بِسَمَاع مخرمَة من أَبِيه، وَفِيه خلاف. وَأعله الْمُنْذِرِيّ بِجَهَالَة أم حَكِيم، فَقَالَ: أمهَا مَجْهُولَة. وَقَالَ عبد الْحق: لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد يعرف؛ لِأَنَّهُ عَن أم حَكِيم، عَن أمهَا، عَن مولاة لَهَا، عَن أم سَلمَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 فَائِدَة: الصَّبْر - بِكَسْر الْبَاء، وَيجوز إسكانها - مَعْرُوف، قَالَ الْأَزْهَرِي: والجلاء، والجلي، والجلا: الإثمد، وَقيل: كحل وَقد جَاءَ فِي بعض نسخ «الْمُوَطَّأ» بِالْكَسْرِ وَالْمدّ، وَقد سلف مَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد. وَقَالَ الْخطابِيّ: سمي بذلك لِأَنَّهُ يجلو الْعين. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» : هُوَ بِالْفَتْح وَالْقصر: كحل الإثمد، وبالكسر وَالْمدّ: كحل، وَمَعْنى يشب الْوَجْه: يوقده وينوره، من شب النَّار إِذا أوقدها، وَقَوله: «تغلفين رَأسك» يُقَال: غلفت الْمَرْأَة وَجههَا بالحمرة، إِذا جَعلتهَا (عَلَيْهِ) ، وَكَذَلِكَ غلفت شعرهَا إِذا لطخت بهَا وَأَكْثَرت مِنْهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 بَاب السُّكْنَى للمعتدة ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث (فسبعة) : الحَدِيث الأول «أَن فريعة بنت مَالك أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ قتل زَوجهَا فَسَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن ترجع إِلَى أَهلهَا وَقَالَت: إِن زَوجي لم يتركني فِي منزل (يملكهُ) فأَذِنَ لَهَا فِي الرّجُوع قَالَت: فَانْصَرَفت حَتَّى إِذا كنت فِي (الْحُجْرَة) أَو فِي الْمَسْجِد دَعَاني فَقَالَ: امكثي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن سعد بن إِسْحَاق، عَن عمته زَيْنَب، عَن الفريعة. وَأحمد عَن يَحْيَى بن سعيد عَن سعد بِهِ. وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي، وَالتِّرْمِذِيّ، عَن مُحَمَّد بن بشار، عَن يَحْيَى بن سعيد بِهِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى، عَن (معن) ، عَن مَالك بِهِ. وَالنَّسَائِيّ، عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث. وَمن طَرِيق آخر عَن سعد بن إِسْحَاق. وَابْن مَاجَه، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن سعد بِهِ. وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، وَأبي مُسلم الْكشِّي، عَن القعْنبِي، عَن مَالك، وَلما رَوَاهُ عبد الْغَنِيّ بن سعيد من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن يزِيد بن مُحَمَّد، عَن سعد بن إِسْحَاق، قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث يزِيد بن مُحَمَّد لَا أعلم حدَّث بِهِ عَنهُ إِلَّا يزِيد بن أبي حبيب. قلت: وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن إِسْحَاق، وَأَبُو بَحر البكراوي، عَن سعد كَذَلِك، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، عَن إِسْحَاق بن سعد، وَقيل: عَن حَمَّاد، عَن سعد بن إِسْحَاق، وَإِسْحَاق من رِوَايَة حَمَّاد أشهر، وَسعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 من رِوَايَة (غَيره أشهر) كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، قَالَ: وَزعم مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي - فِيمَا يرَى - أَنَّهُمَا اثْنَان. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَإِن لم يَكُونَا اثْنَيْنِ فسعد بن إِسْحَاق أولَى لموافقته سَائِر الروَاة عَن سعد، قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور بِسَعْد بن إِسْحَاق، وَقد رَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : قَول من قَالَ عَن سعد بن إِسْحَاق هُوَ الصَّحِيح. وسياقة الحَدِيث لمَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأبي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، عَن سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة، عَن عمته زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة «أَن الفريعة بنت مَالك بن سِنَان - وَهِي أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ - أخْبرتهَا أَنَّهَا جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تسأله أَن ترجع إِلَى أَهلهَا فِي بني خُدرة؛ فَإِن زَوجهَا خرج فِي طلب أعبد لَهُ أَبقوا حَتَّى إِذا كَانُوا بِطرف الْقدوم لحقهم فَقَتَلُوهُ، قَالَت: فَسَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أرجع إِلَى أَهلِي فِي بني خدرة فَإِن زَوجي لم يتركني فِي مسكن يملكهُ وَلَا نفقةٍ، قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: نعم. قَالَت: فَانْصَرَفت حَتَّى إِذا كنت فِي (الْحُجْرَة) ناداني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَو أمَر بِي فنوديت، فَقَالَ: كَيفَ قلت؟ فَرددت عَلَيْهِ الْقِصَّة الَّتِي ذكرت لَهُ من (شَأْن) زَوجي، فَقَالَ: أبيتي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، قَالَت: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان بن عَفَّان أرسل إليّ فَسَأَلَنِي عَن ذَلِكَ، فَأَخْبَرته فَاتبعهُ وَقَضَى بِهِ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 وَسِياقة النَّسَائِيّ «أَن زَوجهَا تَكَارَى عُلُوجًا لَيعمَلُوا لَهُ فَقَتَلُوهُ، فَذكرت ذَلِكَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَت: إِنِّي لست فِي مسكن لَهُ وَلَا يجْرِي عَلّي مِنْهُ رزق، [أفأنتقل إِلَى أَهلِي ويتاماي وأقوم عَلَيْهِم؟] قَالَ: افعلي. ثمَّ قَالَ: كَيفَ قلت؟ فأعادت عَلَيْهِ (قَوْلهَا) ، فَقَالَ: اعْتدي حَيْثُ بلغك الْخَبَر» . وَفِي لفظٍ «أَن زَوجهَا خرج فِي طلب أعلاج لَهُ [فَقَتَلُوهُ] وَكَانَت فِي دارٍ قاصية فَجَاءَت وَمَعَهَا أَخَوَاهَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكرُوا [لَهُ] فَرخص لَهَا حَتَّى إِذا رجعت دَعَاهَا، فَقَالَ: اجلسي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله» . وسياقة ابْن مَاجَه أَن الفريعة بنت مَالك قَالَت: «خرج زَوجي فِي طلب أعْلاج لَهُ فأدركهم بِطرف الْقدوم فَقَتَلُوهُ، فجَاء نعي زَوجي وَأَنا فِي دارٍ من دور الْأَنْصَار شاسعة عَن دَار أَهلِي [فَأتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّه جَاءَ نعي زَوجي وَأَنا فِي دَار شاسعة عَن دَار أَهلِي] وَدَار إخوتي (وَلم يدع) مَالا ينْفق عليّ، وَلَا مَالا ورثته، وَلَا دَارا يملكهَا، فَإِن رَأَيْت أَن تَأذن [لي] فَألْحق بدار أَهلِي وَدَار إخوتي فَإِنَّهُ أحبُّ إِلَيّ وأَجْمَع لي فِي بعض أَمْرِي، قَالَ: فافعلي (مَا) شِئْت. قَالَت: فَخرجت قريرة عَيْني لما قَضَى الله لي عَلَى لِسَان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 حَتَّى إِذا كنت فِي الْمَسْجِد أَو فِي (بعض) الْحُجْرَة دَعَاني، فَقَالَ: كَيفَ زعمت؟ قَالَت: فقصصت عَلَيْهِ، فَقَالَ: امكثي فِي بَيْتك الَّذِي جَاءَ فِيهِ نعي زَوجك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه. وَقد أخرجه مَعَ من تقدم أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من الطَّرِيق الْمَذْكُور. وَلم يذكر ابْن حبَان فِي أحد طريقيه إرْسَال عُثْمَان وَذكره فِي الْأُخْرَى، ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الْخَبَر الزُّهْرِيّ عَن مَالك، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد من طَرِيق حَمَّاد بن زيد، عَن إِسْحَاق بن سعد، عَن زَيْنَب، وَمن طَرِيق يَحْيَى بن سعيد، عَن سعد بن إِسْحَاق (عَن زَيْنَب، عَن فريعة. قَالَ: وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن سعد) ، عَن زَيْنَب عَنْهَا، قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي: هَذَا حَدِيث صَحِيح ومحفوظ وهما اثْنَان: سعد بن إِسْحَاق وَهُوَ أشهرهما، وَإِسْحَاق بن سعد بن كَعْب، وَقد رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، فقد ارْتَفَعت عَنْهُمَا جَمِيعًا الْجَهَالَة. وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ فِي «محلاه» : حَدِيث فريعة هَذَا (فِيهِ) زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة وَهِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 مَجْهُولَة لَا تعرف، وَلَا رَوَى عَنْهَا أحد غير (سعد) بن إِسْحَاق، وَهُوَ غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ عَلَى أَن النَّاس أخذُوا عَنهُ هَذَا الحَدِيث لغرابته، وَلِأَنَّهُ لم يُوجد عِنْد أحد سواهُ [فسفيان] يَقُول سعيد، وَمَالك وَغَيره يَقُولُونَ سعد، وَالزهْرِيّ يَقُول عَن ابْن كَعْب بن عجْرَة (فَبَطل) الِاحْتِجَاج بِهِ؛ إِذْ لَا يحل أَن يُؤْخَذ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا مَا لَيْسَ فِي إِسْنَاده مَجْهُول وَلَا ضَعِيف. وَنقل هَذَا التَّعْلِيل عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عَن ابْن حزم مُخْتَصرا، وَأقرهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: قَالَ عَلّي بن أَحْمد: زَيْنَب هَذِه مَجْهُولَة لم يرو حَدِيثهَا غير سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب وَهُوَ غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ. مَالك يَقُول: فِيهِ إِسْحَاق بن سعد، وسُفْيَان يَقُول: سعيد. وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: كَأَن عبد الْحق ارتضى هَذَا القَوْل من ابْن حزم وَصَححهُ عَلَى قَول ابْن عبد الْبر إِنَّه حَدِيث مَشْهُور. قلت: وَعِنْدِي أَنه لَيْسَ كَمَا ذهب إِلَيْهِ، بل الحَدِيث صَحِيح فَإِن سعد بن إِسْحَاق ثِقَة، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَزَيْنَب (كَذَلِك) ثِقَة، وَفِي (تَصْحِيح) التِّرْمِذِيّ توثيقها وتوثيق (سعد بن إِسْحَاق، وَلَا يضر الثِّقَة أَلا يروي عَنهُ إِلَّا وَاحِد. قَالَ: وَأما قَول ابْن حزم) إِسْحَاق بن سعد فَكَذَا وَقع فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 نسخ (صَحِيحَة) وَهُوَ خطأ وَصَوَابه سعد بن إِسْحَاق، قَالَ: وَالْأَمر فِيهِ بَين. قلت: وتخطئته فِي ذَلِكَ لَيْسَ بجيد، فقد أسلفنا عَن الذهلي الْحَافِظ أَنَّهُمَا اثْنَان، وَقَول ابْن حزم: لم يرو عَن زَيْنَب غير سعد بن إِسْحَاق لَيْسَ كَذَلِك، وَكَأَنَّهُ تَابع فِي ذَلِكَ عليّ بن الْمَدِينِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لم يرو عَنْهَا غَيره، وَقد رَوَى عَنْهَا إِسْحَاق بن سعد كَمَا سلف، وَسعد بن إِسْحَاق - كَمَا سلف أَيْضا إِن كَانَ آخر - وَابْن أَخِيهَا سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن كَعْب بن عجْرَة، رَوَى حَدِيثه الإِمَام أَحْمد، أَنبأَنَا بِهِ غير وَاحِد عَن الْفَخر بن البُخَارِيّ، أبنا حَنْبَل، أبنا ابْن الْحصين، أبنا ابْن الْمَذْهَب، أبنا الْقطيعِي، أَنبأَنَا عبد الله بن أَحْمد، حَدَّثَني أبي، حَدَّثَني يَعْقُوب (ثَنَا أبي) ، عَن ابْن إِسْحَاق، حَدَّثَني عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن معمر بن حزم، عَن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن كَعْب بن عجْرَة، عَن عمته زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة - وَكَانَت عِنْد أبي سعيد الْخُدْرِيّ - عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «اشْتَكَى النَّاس عليًّا فَقَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَطِيبًا فَسَمعته يَقُول: أَيهَا النَّاس لَا تَشكوا عليًّا فوَاللَّه (إِنَّه) لأخشين فِي ذَات الله أَو فِي سَبِيل الله» . قلت: وَأما زَيْنَب فقد أسلفنا ثقتها فِي كَلَام ابْن الْقطَّان، وَمِمَّنْ وثقها ابْن حبَان فَإِنَّهُ ذكرهَا فِي «ثقاته» بل ذكرهَا ابْن فتحون وَأَبُو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 إِسْحَاق بن الْأمين فِي جملَة (الصَّحَابَة) فصح الحَدِيث وَللَّه الْحَمد. فَائِدَة: الفُرَيعة بِضَم الْفَاء وَفتح الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، وَيُقَال أَيْضا الفارعة، وَهِي خدرية أنصارية أُخْت أبي سعيد لِأَبِيهِ وَأمه، وَأمّهَا أنيسَة بنت أبي خَارِجَة (عَمْرو) بن قيس بن مَالك، قَالَه ابْن سعد، وَقَالَ غَيره: اسْمهَا حَبِيبَة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وَلم يحك (الْمزي) فِي «تهذيبه» غَيره. شهِدت الفريعة بيعَة الرضْوَان. فَائِدَة ثَانِيَة: الفريعة يجوز أَن تكون تصغيرًا للفرعة بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء مَفْتُوحَة وساكنة اسْم (للقملة) وَهُوَ مَا (اقْتصر) عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي، وَيجوز أَن يكون من قَوْلهم: فُلَانَة فرعت قَومهَا فَهِيَ فارعتهم إِذا كَانَت أجمل (مَا) فيهم، ثمَّ حذفت الْألف لتصغيره تَصْغِير التَّرْخِيم. فَائِدَة ثَالِثَة: الْقدوم الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ بتَخْفِيف الدَّال كَذَا قَيده الْحَازِمِي فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن، قَالَ: وَهُوَ جبل بالحجاز (قرب) الْمَدِينَة قَالَ: وَهُوَ بتَخْفِيف الدَّال أَيْضا قَرْيَة كَانَت عِنْد حلب، وَقيل: كَانَ اسْم مجْلِس إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام بحلب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 وَفِي الحَدِيث «اختتن إِبْرَاهِيم بالقدوم» أَرَادَ بِهِ الْموضع كَذَا جَاءَ مُفَسرًا فِي الحَدِيث، قَالَ: وَقَول أَحْمد بن يَحْيَى الْقدوم - بتَشْديد الدَّال - اسْم مَوضِع، إِن أَرَادَ أحد هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا يُتَابع عَلَى ذَلِكَ (لِاجْتِمَاع) (أهل) النَّقْل عَلَى خلاف ذَلِكَ، وَإِن أَرَادَ موضعا ثَالِثا صَحَّ. قلت: وَكَذَا جزم ابْن حبَان بِأَن الْقدوم الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ الْمَذْكُور فِي الاختتان، فَقَالَ فِي «صَحِيحه» عقب هَذَا الحَدِيث: الْقدوم مَوضِع بالحجاز، قَالَ: وَهُوَ الْموضع الَّذِي رُوِيَ فِي بعض الْأَخْبَار أَن إِبْرَاهِيم اختتن بالقدوم. وَوَقع فِي الْمطلب لِابْنِ الرّفْعَة أَن الْقدوم (فِي) هَذَا الحَدِيث يشدد ويخفف وَأَنه عَلَى سِتَّة أَمْيَال من الْمَدِينَة وَتَبعهُ الشَّيْخ نجم الدَّين البالسي فِي شَرحه للتّنْبِيه. فليحذر التَّشْدِيد. فَائِدَة رَابِعَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: من قَالَ: أَنه لَا سُكْنى للمعتدة من الْوَفَاة، قَالَ: قَوْله أمكثي فِي بَيْتك (ندب) لَهَا إِلَى الِاعْتِدَاد فِي ذَلِكَ الْبَيْت وَالْمَذْكُور أَولا بَيَان أَنه لَا سُكْنى لَهَا، و [ذهب] كثير من الْأَصْحَاب إِلَى بِنَاء الْقَوْلَيْنِ [عَلَى التَّرَدُّد] فِي [أَن] حَدِيث فريعة منزل (عَلَى) هَذَا التَّنْزِيل (أَو) الأول بِأَنَّهُ حكم بِأَنَّهُ لَا سُكْنى لَهَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 وَالَّذِي ذكره آخرا ينْسَخ الأول (قَالَ) : وَرُبمَا أُشير إِلَى حمل الأول عَلَى السَّهْو وَالثَّانِي عَلَى التَّدَارُك وَقد يسهو عَلَيْهِ السَّلَام (لكنه) لَا يقر عَلَى خطأ. الحَدِيث الثَّانِي «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش بت زَوجهَا طَلاقهَا فَأمرهَا أَن تَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف فِي بَاب النَّهْي عَن الْخطْبَة عَلَى الْخطْبَة لَكِنَّهَا فَاطِمَة بنت قيس، وَأما فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش فأخرى رَوَت حَدِيث الِاسْتِحَاضَة فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث عَن مُجَاهِد «أَن رجَالًا اسْتشْهدُوا بِأحد، فَقَالَ نِسَاؤُهُم: يَا رَسُول الله، إِنَّا نستوحش فِي بُيُوتنَا فنبيت عِنْد إحدانا. فَأذن (لَهُنَّ) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يتحدثن عِنْد إِحْدَاهُنَّ فَإِذا كَانَ وَقت النّوم تأوي كل امْرَأَة إِلَى بَيتهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي إِسْمَاعِيل بن كثير، عَن مُجَاهِد، قَالَ: «اسْتشْهد رجال يَوْم أحد فأيم نساؤهن وَكن متجاورات فِي دَار، فجئن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقُلْنَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا (لنستوحش) بِاللَّيْلِ فنبيت عِنْد إحدانا، فَإِذا أَصْبَحْنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 تبددنا إِلَى بُيُوتنَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: تحدثن عِنْد إحداكنّ مَا بدا لكنّ، فَإِذا أردتن النّوم فلْتؤب كل امْرَأَة إِلَى بَيتهَا» وَهَذَا معضل وَعبد الْمجِيد هَذَا من رجال مُسلم مَقْرُونا بِهِشَام بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ثِقَة دَاعِيَة إِلَى الإرجاء، وَتَركه ابْن حبَان. قلت: وَتَابعه عبد الرَّزَّاق فَرَوَاهُ عَن ابْن جريج، عَن عبد الله بن كثير، عَن مُجَاهِد، ذكره عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل. قلت: ويقوى هَذَا الْمُرْسل بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا تخرجان بِالنَّهَارِ وَلَا تبيتان لَيْلَة تَامَّة عَن بيوتهما» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ: أَنه قَالَ: «الْمُطلقَة الْبَتَّةَ تزور بِالنَّهَارِ وَلَا (تغيب عَن) بَيتهَا» . وَفِي (رِوَايَة) أُخْرَى لَهُ: أَنه كَانَ يَقُول: «لَا يصلح (للْمَرْأَة) أَن تبيت لَيْلَة وَاحِدَة إِذا كَانَت فِي عدَّة وَفَاة أَو طَلَاق إلاّ فِي (بَيتهَا) » . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن عَلْقَمَة «أَن نسَاء من هَمَدَان نعي لَهُنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 أَزوَاجهنَّ فسألن ابْن مَسْعُود فَقُلْنَ: [إِنَّا نستوحش] فأمرهن أَن يجتمعن بِالنَّهَارِ فَإِذا كَانَ اللَّيْل فَلْتَرْجِعْ كل امْرَأَة إِلَى بَيتهَا» (وَلما) رَوَاهُ أَيْضا عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن رجل من أسلم «أَن امْرَأَة سَأَلت أم سَلمَة مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا تمرض أَبَاهَا، قَالَت أم سَلمَة: كوني أحد طرفِي النَّهَار فِي بَيْتك» (وَلما) رَوَى مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن يَحْيَى بن سعيد أَنه قَالَ: «بَلغنِي أَن السَّائِب بن خباب توفّي وَأَن امْرَأَته جَاءَت عبد الله بن عمر فَذكرت وَفَاة زَوجهَا وَذكرت لَهُ حرثًا (لَهُم) بقناة و (سَأَلته) هَل يصلح لَهَا أَن تبيت فِيهِ فَنَهَاهَا عَن ذَلِكَ، فَكَانَت تخرج من الْمَدِينَة بِسحر فَتُصْبِح فِي حرثِهم فتظل فِيهِ يَوْمهَا ثمَّ تدخل الْمَدِينَة إِذا (أمست) تبيت فِي بَيتهَا» . فَائِدَة: قَوْله فِي حَدِيث مُجَاهِد «فأيَّم نِسَاؤُهُم» (أَي) صرن أيامى جمع أَيِّم: وَهِي الَّتِي لَا زوج لَهَا. وَقَوله: «مَا بَدَا لَكُنَّ» أَي مَا شئتن، و (طرق) لَكُنَّ من سَهْو الحَدِيث، وَقَوله: فلتؤب أَي ترجع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 الحَدِيث الرَّابِع عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «طُلقت خَالَتِي ثَلاثًا فَخرجت تَجِد نخلا لَهَا، فَنَهَاهَا رجل، فَأَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكرت ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ: اخْرُجِي فجدي نخلك لَعَلَّك أَن تصدقي مِنْهُ أَو تفعلي مَعْرُوفا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك وَمُسلم فِي «صَحِيحه» وَهُوَ من أَفْرَاده وَلم يذكر لَفْظَة «ثَلَاثًا» . وَهَذَا لَفظه: «طلقت خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَن تَجِد نخلها فزجرها رجل أَن تخرج، فَأَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: بلَى فجدي نخلك فَإنَّك عَسى أَن تصدقي أَو تفعلي مَعْرُوفا» . أخرجه من حَدِيث مُحَمَّد بن حَاتِم، عَن يَحْيَى بن سعيد، [عَن ابْن جريج] عَن أبي الزبير، عَن جَابر بِهِ. وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه» عَن الْقطيعِي، (عَن عبد الله بن أَحْمد) عَن (أَبِيه) عَن يَحْيَى بِهِ، بِلَفْظ أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح (عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. فَكَأَنَّهُ استدرك عَلَيْهِ لَفْظَة «ثَلَاثًا» فَإِنَّهَا لَيست فِيهِ. وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَن شَيْخه الْحَاكِم قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح) وَرَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَأَرَادَ أَصله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 فَائِدَة: خالةُ جابرٍ هَذِه ذكرهَا أَبُو مُوسَى فِي الصَّحَابَة وَلم يسمهَا. فَائِدَة ثَانِيَة: مَعْنَى تَجِد تقطع، والجداد فِي النّخل كالحصاد فِي الزَّرْع. الحَدِيث الْخَامِس «أَن الغامدية لما أَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاعْتَرَفت بِالزِّنَا رَجمهَا بعد وضع الْحمل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث بُرَيْدَة رَضي اللهُ عَنهُ، وسيأتيك فِي بَاب حدّ الزِّنَا - إِن شَاءَ الله ذَلِكَ وَقدره. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي قصَّة العسيف: «اغْدُ يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها» وَلم يَأْمر بإحضارها. هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سبق بِطُولِهِ فِي بَاب اللّعان. فَائِدَة: اسْم الغامدية: سبيعة، وَقيل: أبيَّة، حَكَاهَا الْخَطِيب فِي [مبهماته] وعدها أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الصَّحَابَة، وَاسم الْمَرْأَة الْأُخْرَى لم أَقف عَلَيْهِ بعد الْبَحْث عَنهُ فتطلبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 الحَدِيث السَّابِع اشْتهر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «لَا يخلون رجل بِامْرَأَة فَإِن ثالثهما الشَّيْطَان» . هُوَ كَمَا قَالَ وَله طرق: أَحدهَا: من حَدِيث عَامر بن ربيعَة، رَوَاهُ أَحْمد، (وَالْحَاكِم وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح) . ثَانِيهَا: (وَصَححهُ ابْن حبَان) من حَدِيث عمر بن الْخطاب، رَوَاهُ أَحْمد (وَالْحَاكِم وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح) . ثَالِثهَا: من حَدِيث جَابر بن عبد الله، رَوَاهُ ابْن حبَان (وَأَصله فِي مُسلم) . وَقد ذكرتها بألفاظها فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فِي بَاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 صفة الْأَئِمَّة، وأصل الحَدِيث فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِدُونِ الزِّيَادَة (الْأَخِيرَة) وَهِي «فَإِن ثالثهما الشَّيْطَان» وَلَفْظهمَا: «لَا يَخلون رجل بِامْرَأَة إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم» ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «لَا يدْخل عَلَيْهَا رجل إلاّ وَمَعَهَا محرم» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة: أَحدهَا: «أَن عليا رَضي اللهُ عَنهُ نقل (ابْنَته) أم كُلْثُوم بَعْدَمَا اسْتشْهد عمر رَضي اللهُ عَنهُ بِسبع لَيَال» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن فراس، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: «نقل عَلّي أم كُلْثُوم بعد قتل عمر بِسبع ليالٍ» . قَالَ: وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ فِي «جَامعه» وَقَالَ: لِأَنَّهَا كَانَت فِي دَار الْإِمَارَة. الْأَثر الثَّانِي: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «لَا يصلح للْمَرْأَة أَن تبيت لَيْلَة وَاحِدَة إِذا كَانَت فِي عدَّة طَلَاق أَو وَفَاة إلاّ فِي بَيتهَا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، عَن عبد الله أَنه كَانَ يَقُول ... فَذكره، وَقد أسلفنا رِوَايَته عَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. وَعرفت حَال عبد الْمجِيد هَذَا أَيْضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 الْأَثر الثَّالِث: قَالَ الرَّافِعِيّ: لَو كَانَت تبدو وتستطيل بلسانها عَلَى أحمائها يجوز إخْرَاجهَا من الْمسكن، قَالَ تَعَالَى: (لَا تخرجوهنّ من بُيُوتهنَّ وَلَا يخرجنْ إلاّ أَن يَأْتِين بفاحشةٍ مبينَة) والفاحشة مفسّرة بذلك فِيمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره رَضي اللهُ عَنهم. هُوَ كَمَا قَالَ: فقد رَوَى الشَّافِعِي، عَن [عبد الْعَزِيز بن] مُحَمَّد الدراورْدي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله « (إلاّ أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة) ، قَالَ: أَن تبذُو عَلَى أَهلهَا فَإِذا بَذَت عَلَيْهِم فقد حلّ لَهُم إخْرَاجهَا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث عَمْرو مولَى الْمطلب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «الْفَاحِشَة المبينة أَن تفحش الْمَرْأَة عَلَى أهل الرجل وتؤذيهم» . (قَالَ الشَّافِعِي) : سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس تدل عَلَى أَن مَا تَأَول ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة هُوَ الْبذاء عَلَى أهل زَوجهَا هُوَ كَمَا تَأَول - إِن شَاءَ الله - وَقَول الرَّافِعِيّ: أَن غير ابْن عَبَّاس قَالَ ذَلِكَ ستعلمه عَلَى (الإثر إِن شَاءَ الله) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 الْأَثر الرَّابِع: عَن سعيد بن الْمسيب «أَنه كَانَ فِي لِسَان فَاطِمَة بنت قيس ذرابة فاستطالت عَلَى أحمائها» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون (عَن أَبِيه) ، قَالَ: «قلت: (لسَعِيد بن الْمسيب: أَيْن تَعْتَد الْمُطلقَة ثَلَاثًا؟ قَالَ: تَعْتَد فِي بَيتهَا، قَالَ: قلت) : أَلَيْسَ قد أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَاطِمَة بنت قيس أَن تَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم؟ ثمَّ قَالَ: تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي فتنت النَّاس إِنَّهَا استطالت بلسانها عَلَى أحمائها، فَأمرهَا عَلَيْهِ السَّلَام أَن تَعْتَد فِي بَيت (ابْن) أم مَكْتُوم، وَكَانَ رجلا مكفوف الْبَصَر» . قلت: وَقد رُوِيَ أَن سَبَب ذَلِكَ خوفها أَن (يقتحم) عَلَيْهَا كَمَا أخرجه مُسلم فَيكون كل وَاحِد مِنْهُمَا عذر. فَائِدَة: الذرابة (بذال مُعْجمَة) مَفْتُوحَة: الحدة، يُقَال (فِيهِ) : لِسَان ذرب وَفِيه ذرابة، وَالله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 بَاب الِاسْتِبْرَاء ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث: أَحدهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس: لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض» . هَذَا الحَدِيث (كَرَّرَه) الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَقد سلف بَيَانه فِي آخر كتاب الْحيض وَاضحا فَرَاجعه مِنْهُ. ثَانِيهَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا تسق بمائك زرع غَيْرك» . هَذَا الحَدِيث سلف أَيْضا فِي الْعدَد وَاضحا. ثَالِثهَا «أَن سعد بن أبي وَقاص، وَعبد بن زَمعَة رَضي اللهُ عَنهما تنَازعا عَام الْفَتْح فِي ولد (وليدة) زَمعَة، وَكَانَ زَمعَة قد مَاتَ، فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله إِن أخي كَانَ عهد إليّ فِيهِ، وَذكر أَنه ألم بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ عبد: هُوَ أخي وَابْن وليدة أبي ولد عَلَى فرَاشه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها. بِمَعْنَاهُ وَزِيَادَة وَقد ذكرته بفوائده فِي شرحي للعمدة فسارع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات. وَأما آثَار الْبَاب فستة: أَحدهَا: عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَنه قَالَ: «وَقعت فِي نَفسِي جَارِيَة من سبي جَلُولَاء فَنَظَرت إِلَيْهَا فَإِذا عُنُقهَا مثل إبريق الْفضة، فَلم أتمالك أَن وَثَبت عَلَيْهَا فَقَبلتهَا وَالنَّاس ينظرُونَ وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد» . وَهَذَا الْأَثر لم أر من أخرجه عَنهُ إِلَّا ابْن الْمُنْذر فَإِنَّهُ ذكره فِي «إشرافه» بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَقد روينَا عَن ابْن عمر «أَنه قبل جَارِيَة وَقعت فِي سَهْمه يَوْم جَلُولَاء» وأسنده فِي كِتَابه «الْأَوْسَط» وَمِنْه نقلت بعد أَن لم أظفر بِهِ إلاّ بعد عشْرين سنة من تبييض هَذَا الْكتاب فاستفده وَللَّه الْحَمد. فَقَالَ: ثَنَا (عَلّي بن) عبد الْعَزِيز، ثَنَا حجاج، ثَنَا حَمَّاد، أَنبأَنَا عَلّي بن زيد، عَن أَيُّوب بن عبد الله اللَّخْمِيّ، عَن ابْن عمر، قَالَ: «وَقعت فِي سهمي جَارِيَة يَوْم جَلُولَاء كَأَن عُنُقهَا إبريق فضَّة قَالَ: فَمَا ملكت نَفسِي أَن وَثَبت عَلَيْهَا فَجعلت أقبلها وَالنَّاس ينظرُونَ» . وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن رِوَايَة الرَّافِعِيّ «فِي نَفسِي» صَوَابه «فِي سهمي» فَتَأَمّله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 قَالَ ابْن الْمُنْذر: ذكر لِأَحْمَد حَدِيث ابْن عمر هَذَا فَقَالَ: ذَاك عَلَى السَّبي لَيْسَ لَهُ أَن يردهَا وَالَّذِي تستبرئ، عَسى أَن تكون أم ولد لرجل أَو يكون فِي بَطنهَا ولد. فَائِدَة: جَلُولاء - بِفَتْح الْجِيم وَضم اللَّام وبالمد - قَرْيَة بنواحي فَارس النِّسْبَة إِلَيْهَا جلولي عَلَى غير قِيَاس كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَعبارَة «التَّهْذِيب» (أَنَّهَا [بَلْدَة] بَينهَا وَبَين بَغْدَاد نَحْو من مرحلة، وَقَالَ صَاحب (التنقيب) وَتَبعهُ البالسي فِي (شرح التَّنْبِيه) : بَينهمَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ فرسخًا) وَعبارَة (صَاحب) (التنقيب) أَنه مَوضِع بِأَرْض الْعرَاق جرت فِيهِ وَاقعَة (وَقعت) سنة سِتّ عشرَة. وَعبارَة صَاحب (المستعذب عَلَى الْمُهَذّب) أَنَّهَا قَرْيَة من قرَى فَارس. وَعبارَة الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» أَنه بِالشَّام مَعْرُوف عقد سعد بن أبي وَقاص لهاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص لِوَاء وَوَجهه فَفتح جَلُولَاء يَوْم اليرموك وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم فقئت عينه قَالَ: وَكَانَت جَلُولَاء تسمى فتح الْفتُوح بلغت غنائمها ثَمَانِيَة عشر ألف ألف قَالَ: وَكَانَت سنة سبع عشرَة وَقيل تسع عشرَة قَالَ: وَقد قيل إِن سَعْدا شَهِدَهَا وَعبارَة النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» كَانَ بهَا غزَاة للْمُسلمين فِي زمن عمر وغنموا من الْفرس سَبَايَا وغيرهن بِحَمْد الله وفضله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 الْأَثر الثَّانِي: (عَن) ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «عدَّة أم الْوَلَد إِذا هلك سَيِّدهَا حَيْضَة، واستبراؤها بقرءٍ وَاحِد» . هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : عَن نَافِع، عَن ابْن عمر (أَنه) قَالَ: « (فِي) أم الْوَلَد يتوفى عَنْهَا سَيِّدهَا تَعْتَد بِحَيْضَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن نمير، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «عدَّة أم الْوَلَد حَيْضَة» وَرَوَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن صَالح الْقرشِي، ثَنَا الْعمريّ، عَن نَافِع قَالَ: «سُئِلَ ابْن عمر عَن عدَّة أم الْوَلَد فَقَالَ: حَيْضَة. فَقَالَ رجل: إِن عُثْمَان كَانَ يَقُول ثَلَاثَة قُرُوء. قَالَ عُثْمَان: خيرنا وَأَعْلَمنَا» قَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَاد ضعف، وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي أُسَامَة، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَنهُ «عدَّة أم الْوَلَد إِذا مَاتَ سَيِّدهَا، وَالْأمة إِذا أعتقت أَو وهبت: حَيْضَة» قَالَ: وروينا عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «تستبرأ الْأمة بِحَيْضَة» . قلت: وَأما أثر عَمْرو بن الْعَاصِ: « (لَا) تلبسوا علينا سنة (نَبينَا) عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا عدَّة الْحرَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا (زَوجهَا) » فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَضَعفه الدَّارَقُطْنِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بالانقطاع بَين قبيصَة وَعَمْرو، وَأعله ابْن حزم بمطر الْوراق، وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ مُسلم، (وَلم ينْفَرد بِهِ بل تَابعه قَتَادَة، لَا جرم) استدركه الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. الْأَثر الثَّالِث: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «لَا تَأتِينِي أم ولد يعْتَرف سَيِّدهَا أَنه قد ألم بهَا إِلَّا (ألحقت) بِهِ وَلَدهَا؛ فأرسلوهن بعد أَو أمسكوهن» . هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه (أَن) عمر قَالَ: «مَا بَال رجال يطئون ولائدهم ثمَّ (يعتزلونهن) لَا تَأتِينِي وليدة يعْتَرف سَيِّدهَا أَنه قد ألم بهَا إِلَّا ألحقت بِهِ وَلَدهَا، فاعتزلوا بعد أَو اتْرُكُوا» . قَالَ: وثنا مَالك، عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد، عَن عمر «فِي إرْسَال الولائد يوطئن» بِمثل مَعْنَى حَدِيث ابْن شهَاب، عَن سَالم وَلَفظه: «مَا بَال رجال يطئون ولائدهم ثمَّ يدعوهن يخْرجن، لَا تَأتِينِي وليدة يعْتَرف سَيِّدهَا (أَن) قد ألم بهَا إِلَّا ألحقت بِهِ وَلَدهَا، فأرسلوهن بعد أَو أمسكوهن» . الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَإِن ولدت - أَي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 الْأمة - لسِتَّة أشهر إِلَى أَربع سِنِين؛ فالمنصوص وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يلْحقهُ الْوَلَد - يَعْنِي: إِذا نَفَاهُ - قَالَ: وَاحْتج لَهُ؛ بِأَن عمر وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس نفوا أَوْلَاد جوارٍ لَهُم، وَهَذِه الْآثَار ذكرهَا الشَّافِعِي إِذْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَصَم عَن الرّبيع قَالَ: قلت للشَّافِعِيّ: فَهَل خالفك فِي هَذَا غَيرنَا؟ قَالَ: نعم، بعض (المشرقيين) قلت: فَمَا كَانَ من حجتهم؟ قَالَ: كَانَت حجتهم أَن قَالُوا: انْتَفَى عمر من ولد جَارِيَة لَهُ، وانتفى زيد بن ثَابت من ولد جَارِيَة لَهُ، وانتفى ابْن عَبَّاس من ولد جَارِيَة (لَهُ) فَقلت: فَمَا كَانَ حجتك (عَلَيْهِم) - يَعْنِي: جوابك؟ قَالَ: أما عمر فَروِيَ عَنهُ أَنه أنكر حمل جَارِيَة لَهُ أقرَّت بالمكروه، وَأما زيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس؛ فَإِنَّهُمَا أنكرا أَن (كَانَا فعلا) ولد جاريتين (عرفا) أَن لَيْسَ مِنْهُمَا فحلال لَهما، وَكَذَلِكَ لزوج الْحرَّة إِذا (علم) أَنَّهَا حبلت من زنا أَن يدْفع وَلَدهَا وَلَا يلْحق (بنسبه) من لَيْسَ مِنْهُ، [فِيمَا] بَينه وَبَين الله عَزَّ وجَلَّ (ثمَّ تكلم) بِكَلَام طَوِيل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 كتاب الرَّضَاع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 كتاب الرَّضَاع ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَمَانِيَة أَحَادِيث. أَحدهَا عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يحرم من (الرضَاعَة) مَا يحرم من النّسَب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من هَذَا الْوَجْه، كَمَا سلف فِي بَاب مَا يحرم من النِّكَاح. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: الْوُصُول إِلَيْهَا - أَي: الْمعدة - يثبت الْحُرْمَة سَوَاء ارتضع الصَّبِي أَو حلب اللَّبن أَو أوجر فِي حلقه حَتَّى وصل إِلَى (معدته) ؛ لِأَن الْإِرْضَاع مَا أنبت اللَّحْم وأنشز الْعظم، عَلَى مَا ورد فِي الْخَبَر. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن عبد السَّلَام بن مطهر، عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن أبي مُوسَى - هُوَ الهالي - عَن أَبِيه، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 ابْن (لعبد الله) بن مَسْعُود «أَن رجلا كَانَ مَعَه امْرَأَته وَهُوَ فِي سفر (فَولدت) فَجعل الصَّبِي لَا يمص فَأخذ وَجها يمص لَبنهَا ويمجه - حَتَّى وجدت طعم لَبنهَا فِي حلقي - فَأَتَى (أَبَا) مُوسَى، (فَذكر) ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: حرمت عَلَيْك امْرَأَتك. فأتىابن مَسْعُود فَقَالَ: أَنْت الَّذِي تُفْتِي كَذَا وَكَذَا وَقد قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا رضَاع إِلَّا مَا شَذَّ الْعظم وَأنْبت اللَّحْم» ؟ ! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا (تسلونا) وَهَذَا الحبر فِيكُم» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وثنا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي، ثَنَا وَكِيع، عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن أبي مُوسَى الْهِلَالِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: أنشز الْعظم. رجالهما، ثِقَات [إِلَّا] أَبَا مُوسَى الْهِلَالِي ووالده فَإِنَّهُمَا مَجْهُولَانِ كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم لما سُئِلَ عَنْهُمَا، لَكِن ذكر ابْن حبَان فِي «ثقاته» أَبَا مُوسَى، فَأَما ابْن عبد الله بن مَسْعُود فَلَا أعرفهُ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِإِسْقَاط ابْنه كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن أبي مُوسَى الْهِلَالِي، عَن أَبِيه فَذكره بالقصة الأولَى، وَفِي آخِره: لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا أنبت اللَّحْم وأنشز الْعظم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث النَّضر بن شُمَيْل، ثَنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد أَولا، ثمَّ من حَدِيث أبي حُصَيْن عَن أبي عَطِيَّة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ: «إِن امْرَأَتي ورم ثديها فمصصته فَدخل حلقي (شَيْء) سبقني فَشدد عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَأَتَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: سَأَلت أحدا غَيْرِي، قَالَ: نعم (أَبَا) مُوسَى فَشدد عَلّي، فَأَتَى أَبَا مُوسَى فَقَالَ: أرضيع هَذَا؟ ! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحَبْرُ فِيكُم» . قَالَ: وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن أبي حُصَيْن (و) زَاد فِيهِ عَن عبد الله «إِنَّمَا (الرَّضَاع) مَا أنبت اللَّحْم وَالدَّم» . فَائِدَة: أنشز يرْوَى بالزاي وَمَعْنَاهُ غلظ الْعظم، وَيروَى بالراء الْمُهْملَة وَمَعْنَاهُ الشدّة وَالْقُوَّة وَهُوَ (يرجع) إِلَى الأول فِي التَّحْقِيق. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا رضَاع إلاّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي الْوَلِيد بن برد الْأَنْطَاكِي، ثَنَا الْهَيْثَم بن جميل، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحرم من الرَّضَاع إلاّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» ، ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ عَن ابْن عُيَيْنَة غير الْهَيْثَم بن جميل وَهُوَ ثِقَة حَافظ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس (أَنه كَانَ يَقُول: (لَا رضَاع بعد حَوْلَيْنِ كَامِلين) . وَقَالَ ابْن عدي: هَذَا الحَدِيث يعرف بالهيثم بن جميل مُسْندًا عَن ابْن عُيَيْنَة وَغير الْهَيْثَم لَا يرفعهُ عَن ابْن عَبَّاس) والهيثم هَذَا سكن أنطاكية، وَيُقَال: هُوَ الْبَغْدَادِيّ ويغلط الْكثير عَلَى الثِّقَات كَمَا يغلط غَيره وَأَرْجُو أَنه لَا يتَعَمَّد الْكَذِب، وَذكر ابْن أبي حَاتِم الْهَيْثَم هَذَا، وَقَالَ: وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَولا مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (لَا رضَاع إلاّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ) ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف، ثمَّ أوردهُ مَرْفُوعا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ السالفة، ثمَّ نقل كَلَام ابْن عدي السالف مُخْتَصرا إِلَى قولة ابْن عَبَّاس، وَكَذَا فِي «الْمعرفَة» الصَّحِيح مَوْقُوف وأعل ابْن الْقطَّان رِوَايَة الرّفْع بِأبي الْوَلِيد الأنطَاكِي فَقَالَ: لَا يعرف وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ. فَهُوَ مَعْرُوف الْعين وَالْحَال. ذكره النَّسَائِيّ فِي «كناه» فِيمَن كنيتهُ أَبُو الْوَلِيد فَقَالَ: مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْوَلِيد بن برد الْأَنْطَاكِي صَالح، وَذكره ابْن أبي حَاتِم فَقَالَ: رَوَى عَن الْهَيْثَم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 بن جميل وَأَبِيهِ، ورواد بن الْجراح، وَمُحَمّد بن كثير المصِّيصِي أَدْرَكته وَلم (أسمع) مِنْهُ، وَكتب إليَّ بِشَيْء يسير من فَوَائده. وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ هُنَا أَن أَبَا الْوَلِيد هَذَا رَوَى عَنهُ الْحسن بن إِسْمَاعِيل، وَإِبْرَاهِيم [بن دبيس بن أَحْمد] وَغَيرهمَا، فَزَالَتْ الْجَهَالَة العينية والحالية عَنهُ وَللَّه الْحَمد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَى عَن عمر وَابْن مَسْعُود التَّحْدِيد بالحولين: ورويناه عَن التَّابِعين سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَالشعْبِيّ. قلت: ويحتج لَهُ أَيْضا بِحَدِيث فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا فتق الأمعاء فِي الثدي وَكَانَ قبل الْفِطَام» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَعَزاهُ ابْن حزم إِلَى النَّسَائِيّ ثمَّ قَالَ: هَذَا خبرٌ مُنْقَطع؛ لِأَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر لم تسمع من أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ؛ لِأَنَّهَا كَانَت أسن من زَوجهَا (هِشَام) بِاثْنَيْ عشر عَاما، وَكَانَ مولد هِشَام سنة سِتِّينَ فمولد فَاطِمَة عَلَى هَذَا سنة ثَمَان وَأَرْبَعين، وَمَاتَتْ أم سَلمَة سنة تسع وَخمسين وَفَاطِمَة صَغِيرَة لم تلقها، فَكيف أَن تحفظ عَنْهَا، وَلم تسمع من خَالَة أَبِيهَا عَائِشَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 أم الْمُؤمنِينَ شَيْئا، وَهِي فِي حجرها إِنَّمَا (أبعد) سماعهَا من جدَّتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر. وَتبع عبد الْحق ابْن حزم عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» : تكلمُوا فِي سَماع فَاطِمَة بنت الْمُنْذر من أم سَلمَة، ثمَّ ذكر بعض كَلَام ابْن حزم وَيَنْبَغِي أَن تحرر رِوَايَة النَّسَائِيّ، فَلم أرَ أحدا من أَصْحَاب الْأَطْرَاف عزاهُ إِلَّا إِلَى التِّرْمِذِيّ خاصّة، وَقَول ابْن حزم: أَنه مُنْقَطع؛ لِأَن فَاطِمَة لم تسمع من أم سَلمَة وَذكر مولدها عَجِيب؛ لِأَن (عمر) فَاطِمَة حِين مَاتَت أم سَلمَة عَلَى مَا ذكر إِحْدَى عشرَة سنة فَكيف (لم) تلقها وهما فِي الْمَدِينَة. وَقد رُوِيَ عَن [هِشَام] أَيْضا أَن فَاطِمَة أكبر مِنْهُ بِثَلَاث عشرَة سنة فَيكون عَلَى هَذَا عمرها إِذْ ذَاك اثْنَي عشرَة سنة، وَعَلَى قَول من يَقُول (إِن) أم سَلمَة توفيت سنة اثْنَيْنِ و [سِتِّينَ] ، خمس عشرَة سنة. وَقد أخرج ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» الحَدِيث الْمَذْكُور أَيْضا من هَذَا الطَّرِيق إِلَى قَوْله (الأمعاء) » . وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يحرم من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 الرَّضَاع المصة وَلَا المصتان، وَلَا يحرم إلاّ مَا فتق الأمعاء» . الحَدِيث الرَّابِع عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ فِيمَا أنزل الله تَعَالَى من الْقُرْآن عشر رَضعَات (مَعْلُومَات) يحرمن، ثمَّ نسخن بخمسٍٍ مَعْلُومَات فَتوفي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهن فِيمَا (يقْرَأ) من الْقُرْآن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَقَوله: وَهن فِيمَا يقْرَأ» أَي حكما كَمَا نبه عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ، وَقَالَ غَيره أَن النّسخ بِخمْس رَضعَات تَأَخّر إنزالهُ جدًّا حَتَّى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام توفّي وَبَعض النَّاس تقْرَأ خمس رَضعَات قُرْآنًا متلوًا لكَونه لم يبلغهُ النّسخ لقرب عَهده فَلَمَّا بَلغهُمْ النّسخ بعد ذَلِكَ رجعُوا عَن ذَلِكَ. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحرم المصّة وَلَا المصّتان، وَلَا الرضعة وَلَا الرضعتان» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق: أَحدهَا: من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تحرم المصّة وَلَا المصّتان» . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك من حَدِيث عبد الله بن الزبير عَنْهَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «لَا تحرم الْخَطفَة والخطفتان» . ثَانِيهَا: من حَدِيث أم الْفضل مَرْفُوعا: «لَا تحرم الإملاجة وَلَا الإملاجتان» . رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ أَيْضا وَذكر فِيهِ قصَّة، وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رجلا من بني عَامر بن صعصعة، قَالَ: يَا نَبِي الله، هَل تحرم الرضعة الْوَاحِدَة؟ قَالَ: لَا» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا تحرم الرضعة أَو الرضعتان أَو المصّة أَو المصّتان» . وَفِي لفظ: «والرضعتان والمصتان» من غير ألف. والملج: الرَّضَاع. قَالَ الرَّافِعِيّ: قيل المُرَاد بالمصّة هُنَا الجرعة يتجرعها وبالرضعة الرضعة الثَّانِيَة. ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الله بن الزبير أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحرم المصّة وَلَا المصتان» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: الصَّحِيح عِنْد أهل الحَدِيث حَدِيث ابْن الزبير عَن عَائِشَة أَي كَمَا سلف عَن رِوَايَة مُسلم. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» ، قَالَ: لِأَنَّهُ زَاد، وَأما ابْن حبَان فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 رَابِعهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه «لَا يحرم من الرضَاعَة المصة وَلَا المصتان، وَلَا يحرم مِنْهُ إلاّ مَا فتق الأمعاء من اللَّبن» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا يَصح مَرْفُوعا، وَصَححهُ غَيره. كَمَا قَالَ عبد الْحق؛ لِأَن الَّذِي رَفعه حَمَّاد بن سَلمَة وَهُوَ ثِقَة، وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق، فَقَالَ: هُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَلم يُنَبه. تَنْبِيه: اعْترض ابْن جرير الطَّبَرِيّ عَلَى حَدِيثي عَائِشَة، وَأم الْفضل قَالَ: إنَّهُمَا مضطربان حَيْثُ رُوِيَ الأول عَن (ابْن) الزبير (تَارَة وَبَعْضهمْ عَنهُ عَن الزبير) مَرْفُوعا، (وَبَعْضهمْ عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَبَعْضهمْ عَنْهَا مَوْقُوفا، وَحَيْثُ رُوِيَ الثَّانِي عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن صَالح أبي الْخَلِيل، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن مُسَيْكَة، عَن عَائِشَة مَوْقُوفا) . وَهَذَا الِاضْطِرَاب عَن الْقَائِل لَا يقْدَح إِذْ يحْتَمل أَنه سَمعه من الشَّارِع مرّةً بِوَاسِطَة ومرّةً بِدُونِهَا، فَحدث بِكُل مرّة عَلَى مَا سمع وَبسط تَارَة فَرَوَاهُ مَرْفُوعا وَلم يبسط أُخْرَى فَوَقفهُ، وَمن جملَة طرق مُسلم لحَدِيث أم الْفضل من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن صَالح، عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن أم الْفضل بِإِسْقَاط مسيْكة هَذِه، وَكَذَا رَوَاهُ بإسقاطها حَمَّاد بن سَلمَة، وَهَمَّام أخرجهُمَا مُسلم أَيْضا فَينْظر رِوَايَة مسيْكة من أخرجهَا فَإِن ثَبت حمل عَلَى أَن لسَعِيد بن أبي عرُوبَة فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 إسنادين، وَقد أجَاب بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» فَقَالَ: بعد أَن أخرجه من حَدِيث ابْن الزبير مَرْفُوعا عَن أَبِيه رَفعه: «لَا تحرم المصة والمصتان، وَلَا الإملاجة وَلَا الإملاجتان» وَبعد أَن أخرجه من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا: «لَا تحرم المصة والمصتان» لست أنكر أَن يكون ابْن الزبير سمع هَذَا الْخَبَر من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (وسَمعه من أَبِيه وخالته) فَمرَّة رَوَى مَا سمع، وَمرَّة رَوَى عَنْهَا قَالَ: وَهَذَا شَيْء مستفيض فِي الصَّحَابَة. تَنْبِيه: بِأَن ورد حَدِيث (يُخَالف هَذَا الحَدِيث لكنه ضَعِيف مُنْقَطع ذكره عبد الْحق من حَدِيث) ابْن وهب، عَن مسلمة بن عَلّي، عَن رجال من أهل الْعلم، عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل، عَن أم الْفضل بنت الْحَارِث قَالَت: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مَا يحرم من الرَّضَاع، فَقَالَ: الرضعة والرضعتان» ، ثمَّ قَالَ: مسلمة بن عَلّي ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، وَقد أنكر عَلَى ابْن وهب الرِّوَايَة عَنهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع. الحَدِيث السَّادِس قَالَ الرَّافِعِيّ: قد قرر أَن لبن الْفَحْل يحرم وَبِه قَالَ عَامَّة الْعلمَاء، وَعَن بعض الصَّحَابَة رَضي اللهُ عَنهم خِلَافه وَاخْتَارَهُ عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الشَّافِعِي. لنا مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن أَفْلح أَخا (أبي) القعيس جَاءَ يسْتَأْذن عَلَيْهَا وَهُوَ عَمها من الرضَاعَة بعد أَن أنزلت آيَة الْحجاب، قَالَت: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 فأبيت أَن آذن لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أخْبرته بِالَّذِي صَنَعته، فَقَالَ: إِنَّه عمك فائذني لَهُ. فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا أرضعتني الْمَرْأَة وَلم يرضعني الرجل، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّه عمك فليلج عَلَيْك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَأَبُو القعيس زوج الْمَرْأَة الَّتِي أرضعت عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها. فَائِدَة: القَعَس: بقاف وَعين مفتوحتين ثمَّ سين مُهْملَة خُرُوج الصَّدْر وَدخُول الظّهْر ضد الحدب، يَقُول رجل: أقعس وقعس. فالواقع فِي الحَدِيث مصغر فَيجوز أَن يكون تصغيرًا لكل من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة إِلَّا أَنه إِن كَانَ تصغيرًا لأقعس فَيكون مَحْذُوف (الزَّوَائِد لكَونه تَصْغِير للترخيم) وَمَا ذكره عَن بعض الصَّحَابَة قد أخرجه الشَّافِعِي عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد [عَن مُحَمَّد] بن عَمْرو، عَن أبي (عُبَيْدَة بن) عبد الله بن زَمعَة «أَن أمه زَيْنَب بنت أبي سَلمَة أرضعتها أَسمَاء بنت أبي بكر امْرَأَة الزبير بن الْعَوام، فَقَالَت زَيْنَب بنت أبي سَلمَة: وَكَانَ الزبير يدْخل عليَّ وَأَنا أمتشط فَيَأْخُذ بقرن من قُرُون رَأْسِي فَيَقُول: أقبلي عليّ، فحدثيني أرَاهُ أَنه أبي وَمَا ولد فهم إخوتي ثمَّ أَن عبد الله بن الزبير قبل الْحرَّة أرسل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 إليَّ فَخَطب (إِلَى) أم كُلْثُوم ابْنَتي عَلَى حَمْزَة بن الزبير وَكَانَ حَمْزَة للكلبية فَقَالَت لرَسُوله: وَهل تحل لَهُ إِنَّمَا هِيَ ابْنة أَخِيه، فَأرْسل إِلَيّ عبد الله بن الزبير إِنَّمَا أردْت بِهَذَا الْمَنْع لما قبلك لَيْسَ لَك بِأَخ أَنا وَمَا ولدت أَسمَاء فهم إخْوَتك، وَمَا كَانَ من ولد الزبير من غير أَسمَاء (فليسوا) لَك بإخوة فأرسلي فسلي عَن هَذَا، فَأرْسلت فَسَأَلت وَأَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - متوافرون وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَقُلْنَ لَهَا: إِن الرضَاعَة من قبل الرجل لَا تحرم شَيْئا فأنكحتها إِيَّاه فَلم تزل عِنْده حَتَّى هلك» . وَإِسْنَاده عَلَى شَرط الصَّحِيح، عبد الْعَزِيز من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَأَبُو عُبَيْدَة من رجال مُسلم. ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ (من) حَدِيث عَائِشَة أثرا عَن ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: رَوَى الشَّافِعِي «أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن رجل لَهُ امْرَأَتَانِ أرضعت إِحْدَاهمَا غُلَاما وَالْأُخْرَى جَارِيَة أينكح الْغُلَام (الْجَارِيَة) فَقَالَ: [لَا] اللقَاح وَاحِد (يَعْنِي) أَنَّهُمَا أَخَوان لأبٍ» وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِن الشَّافِعِي رَوَاهُ عَن مَالك وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن ابْن شهَاب، عَن عَمْرو بن (الشريد) عَن عبد الله بن عَبَّاس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن رجل كَانَت لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 امْرَأَتَانِ فأرضعت إِحْدَاهمَا غُلَاما وأرضعت الْأُخْرَى جَارِيَة فَهَل يتَزَوَّج) الْغُلَام الْجَارِيَة؟ فَقَالَ: لَا، اللقَاح وَاحِد» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» كَذَلِك سندًا ومتنًا إِلَّا أَنه قَالَ: «جاريتين» بدل «امْرَأتَيْنِ» . الحَدِيث السَّابِع لما ذكر الرَّافِعِيّ فِيمَا إِذا ارتضع من لبن در عَلَى وَطْء شُبْهَة وَلم يكن ثمَّ قافة (وَلَا مَا يتَعَيَّن بِهِ كَونه ولد إِحْدَاهمَا هَل للرضيع أَن ينتسب بِنَفسِهِ فِيهِ قَولَانِ) عَن الْأُم أَحدهمَا: لَا كَمَا لَا يعرض عَلَى الْقَافة وَيُخَالف الْمَوْلُود فَإِنَّهُ يعول عَلَى ميل الطَّبْع بِسَبَب أَنه مَخْلُوق من مَائه وأصحهما نعم كالمولود وَالرّضَاع يُؤثر فِي الطباع والأخلاق وَاسْتشْهدَ لذَلِك بِمَا يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنا سيد ولد آدم بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد واسترضعت فِي بني زهرَة» . وَيروَى «أَنه أفْصح الْعَرَب بيد أَنِّي من قُرَيْش ... » إِلَى آخِره. هَذَا الحَدِيث ذكره الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي مطلبه وَلم يعزه إِلَّا إِلَى الْفُقَهَاء، فَقَالَ: رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أَنا أفْصح الْعَرَب بيد أَنِّي من قُرَيْش، وأخوالي بني زهرَة وارتضعت فِي بني سعد» كَذَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ قَالَ فِي الشَّامِل وَتَعْلِيق القَاضِي أَنه قَالَ: «أَنا أفصحكم وَلَا فَخر بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد وارتضعت فِي بني زهرَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الرَّافِعِيّ قَالَ: وَالْمَشْهُور مَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَأَقُول أَنا الَّذِي ألفيته فِي كتب الحَدِيث بعد الفحص البليغ والتتبع الشَّديد. مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث بَقِيَّة، عَن مُبشر بن عبيد، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا ابْن عبد الْمطلب، أَنا أعرب الْعَرَب ولدتني قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد بن بكر فَأَنَّى يأتيني اللّحن» وَهَذَا سَنَد ظَاهر الضعْف، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي «الشفا» فِي الْبَاب الثَّانِي من الْقسم الأول وَقد قَالَ لَهُ أَصْحَابه: «مَا رَأينَا الَّذِي (هُوَ) أفْصح مِنْك، قَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَإِنَّمَا أنزل الْقُرْآن بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين ... » وَقَالَ مرّة أُخْرَى: «بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد» . وَفِي غَرِيب أبي عبيد وَكتاب الْمَطَر لِابْنِ دُرَيْد من حَدِيث مُوسَى بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما وصف سحابه طلعت عَلَيْهِم، قَالَ: يَا رَسُول الله مَا رَأينَا الَّذِي هُوَ أفْصح مِنْك قَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَإِنَّمَا أنزل الْقُرْآن بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين» . وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب «الْمَطَر والرعد» مُرْسلا من حَدِيث (مُوسَى بن) مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه، قَالَ: «كَانُوا عِنْد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي يَوْم دخن، فَقَالَ: مَا ترَوْنَ بَواسِقَها. .» فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَقَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله مَا أفصحك أَو مَا رَأَيْت الَّذِي هُوَ أعرب أَو أفْصح مِنْك، فَقَالَ: حق لي وَإِنَّمَا أنزل الْقُرْآن بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين» ، وَرَوَاهُ الرامَهُرْمُزِي فِي «أَمْثَاله» بِنَحْوِهِ هَذَا مَا وجدته بعد التتبع من مظانه، وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» بِلَفْظ: «أَنا أفْصح الْعَرَب وَلَا فَخر بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد واسترضعت فِي بني زهرَة» . وَلم يعزه صَاحب (التنقيب) كعادته فِي الغرائب وَإِنَّمَا تكلم عَلَى أَفْرَاده فَقَالَ: قَوْله: «بيد أَنِّي من قُرَيْش» (مَعْنَاهُ أَنِّي من قُرَيْش) أَرَادَ بذلك تفخيم أَمر قُرَيْش، قَالَ: وَيروَى «ميد» بِالْمِيم بدل الْبَاء، وَالْمِيم بدل إِحْدَاهمَا من الآخر. كَمَا يُقَال ضرب لَازم، ولازب، وَقَالَ صَاحب «المستعذب عَلَى الْمُهَذّب» «بيد» يكون بِمَعْنى غير، يُقَال: إِنَّه لكثير المَال بيد أَنه بخيل، وَمَعْنَاهَا هُنَا: لأجل أَنِّي من قُرَيْش، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: مَعْنَاهُ غير أَنِّي من قُرَيْش، وَقيل: عَلَى أَنه من قُرَيْش، وَقَوله: نشأت فِي بني سعد أَرَادَ مقَامه عِنْد حليمة السعدية لِأَنَّهَا مرضعته، وَفِي «الصِّحَاح» نشأت فِي بني فلَان نشأة ونشوءًا إِذا شببت فيهم. وزهرة أَبُو قَبيلَة، وَقَوله: «وَلَا فَخر» هُوَ بِسُكُون الْخَاء وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ، فَقيل: كَانَ بَين يَدَيْهِ مُؤمنُونَ ومنافقون، فسر قُلُوب الْمُؤمنِينَ بقوله: «أَنا سيد ولد آدم» وَقطع أَلْسِنَة الْمُنَافِقين بقوله «وَلَا فَخر» وَقيل مَعْنَاهُ: وَلَا فَخر لي بذلك بل فخري بربي، وَقيل غير ذَلِكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 الحَدِيث الثَّامِن «أَن عقبَة بن الْحَارِث نكح بِنْتا لأبي إهَاب بن عَزِيز فَأَتَتْهُ امْرَأَة، فَقَالَت: قد أرضعت عقبَة [وَالَّتِي] (نَكَحَهَا) ، فَقَالَ لَهَا عقبَة: لَا أعلم أَنَّك (أرضعتني) وَلَا أخبرتيني، فارسل إِلَى [آل أبي] إهَاب فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: مَا علمنَا أَرْضَعتك صَاحبَتك، فَركب إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كَيفَ وَقد قيل، ففارقها ونكحت زوجا غَيره» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي سقناه هُوَ لَفظه فِي كتاب الشَّهَادَات من «صَحِيحه» ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: تَعْرِيف الْمَنْكُوحَة بِأم يَحْيَى، وَاسْمهَا غنية كَمَا أَفَادَهُ ابْن مَاكُولَا. وَفِي رِوَايَة لَهُ أَعنِي البُخَارِيّ وَأَن الْمَرْأَة أمَة سَوْدَاء، وَفِي رِوَايَة لَهُ: وَكَانَت تَحْتَهُ ابْنة [أبي] إهَاب. من الأوهام عزو هَذَا الحَدِيث إِلَى مُسلم أَيْضا كَمَا وَقع فِيهِ صَاحب (التنقيب) وَهُوَ ظَاهر سكُوت (عُمْدَة الْأَحْكَام) عَنهُ فَتنبه لَهُ، وَقد استدركته عَلَيْهِ فِي شرحي وَللَّه الْحَمد هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 كتاب النَّفَقَات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت كتاب النَّفَقَات ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث أحد عشر حَدِيثا: الحَدِيث الأول «أَن هندًا امْرَأَة أبي سُفْيَان جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا (سُفْيَان) رجل شحيح لَا يعطيني من النَّفَقَة مَا يَكْفِينِي وَوَلَدي إِلَّا مَا أَخَذته سرًّا وَهُوَ لَا يعلم، فَهَل عليَّ (فِي ذَلِك شَيْء) فَقَالَ: خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَقد كرر الرَّافِعِيّ بعضه فِي الْبَاب، وَفِي رِوَايَة لَهما: «مُمْسك» بدل «شحيح» ، وَفِي أُخْرَى: «مِسِّيك» وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 أُخْرَى: «فَهَل عليَّ حرج أَن أنْفق عَلَى عِيَاله من مَاله بِغَيْر إِذْنه؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلام: لَا حرج عَلَيْك أَن تنفقي عَلَيْهِم بِالْمَعْرُوفِ» . وَفِي أُخْرَى للْبُخَارِيّ: «أَن أطْعم من الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: [إِلَّا] بِالْمَعْرُوفِ» . وَلم يذكر «من تطعم» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير، عَن هِنْد قلت: «يَا رَسُول الله، أفنطعم عبيدنا من مَاله؟ قَالَ: نعم» . قَالَ الرَّافِعِيّ: واستخرج الْأَصْحَاب من الْخَبَر وَرَاء (وجوب) نَفَقَة الزَّوْجَة وَالْولد فَوَائِد، مِنْهَا: أَنه يجوز للْمَرْأَة الْخُرُوج من بَيتهَا لتستفتي. قلت: فِي هَذَا نظر؛ لِأَنَّهَا خرجت عَام الْفَتْح مُتَقَدّمَة عَلَى سَائِر النِّسَاء لما نزل: (يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك) فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أُبايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا. فَقَالَت هِنْد: لَو أشركنا بِاللَّه شَيْئا مَا دَخَلنَا فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ: أُبايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تقتلنَّ أولادكنَّ. فَقَالَت هِنْد: هَل تركْتُم لنا من ولد، رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كبارًا. فَقَالَ: أبُايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تزنين. فَقَالَت هِنْد: أُفٍّ أوَ تَزني الْحرَّة؟ ! الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 فَقَالَ: أبُايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تسرقنَ شَيْئا. فَقَالَت هِنْد: إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح ... » الحَدِيث. وَظَاهر هَذَا، أَنه لم تكن خرجت لتستفتي عَنْهُم. (قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمِنْهَا أَنه يجوز للْقَاضِي أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ عَلَى الْغَائِب، وَأجِيب عَنْهَا بِأَنَّهُ أفتَى وَلم يقْض. هَذَا لَفظه وَهُوَ [يَقْتَضِي] بِأَنَّهُ أفتَى وَهُوَ مَا رَجحه فِي بَاب نَفَقَة الْأَقَارِب، وَجزم فِي أول الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب بِأَنَّهُ حكم عَلَى غَائِب، وَسَيَأْتِي هُنَالك قصَّة لَهُ، ثمَّ ذكر عَنْهُم) فَوَائِد أُخْرَى ذكرتها فِي شرحي للعمدة، مَعَ زيادات فليُراجع مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي أَنه عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: «إِن الله أَعْطَاكُم (ثلث أَمْوَالكُم) فِي آخر أعماركم» . هَذَا الحَدِيث، تقدم بَيَانه وَاضحا فِي «الْوَصَايَا» فَرَاجعه (من تَمَّ) . الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، سُئل عَن حق الزَّوْجَة عَلَى الزَّوْج، فَقَالَ: أَن تطعمها إِذا طعمت، وتكسوها إِذا (اكتسيت) » . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي قزعة سُوَيْد بن [حُجَيْر] ، عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة، عَن أَبِيه مُعَاوِيَة (بن) حيْدَة، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله مَا حق زَوْجَة إحدانا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَن تطعمها إِذا طعمت، وتكسوها إِذا اكتسيت أَو (كُسِيت) ، وَلَا تقبح، وَلَا تهجر إِلَّا فِي الْبَيْت» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث حَكِيم بن مُعَاوِيَة أَيْضا، عَن أَبِيه «أَن رجُلاً سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا حق الْمَرْأَة عَلَى الزَّوْج؟ قَالَ: أَن يطْعمهَا إِذا (أطْعم) وَأَن تكسوها إِذا (اكتسيت) ، وَلَا يضْرب الْوَجْه (وَلَا يقبح) وَلَا يهجر إِلَّا فِي الْبَيْت» . وَعَزاهُ المزِّيُّ فِي «أَطْرَافه» إِلَى النَّسَائِيّ فِي «عشرَة النِّسَاء» وَفِي «التَّفْسِير» بأتم مِنْهُ، ورأيته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 فِي الْموضع الأول من رِوَايَة ابْن الْأَحْمَر. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ أبي دَاوُد، بِزِيَادَة: «وَلَا يضْرب الْوَجْه» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وألزم الدَّارَقُطْنِيّ الشَّيْخَيْنِ تَخْرِيج (هَذِه) التَّرْجَمَة، وَهِي: حَكِيم بن مُعَاوِيَة عَن أَبِيه. وَقَالَ فِي «علله» فِي حَدِيث مُعَاوِيَة: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده، قلت: «يَا رَسُول الله، نساؤنا، مَا نأتي مِنْهَا وَمَا ندر؟ قَالَ: أئت حرثك أنَّى شِئْت، وأطعمها إِذا طعمت، (واكسوها) إِذا اكتسيت. قَالَ: وَلَا تقبح (الْوَجْه وَلَا تضرب» قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة: «إِذا طعمت وتكسوها إِذا اكتسيت. قَالَ: وَلَا تقبح) أَن تَقول: قبحك الله» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة، عَن أَبِيه، عَن جده مُعَاوِيَة، قَالَ: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقلت: مَا تَقول فِي نسائنا؟ فَقَالَ: أطعموهنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ، واكسوهنَّ مِمَّا (تلبسُونَ) ، وَلَا تضربوهنَّ، وَلَا تقبحوهنَّ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «عشرَة النِّسَاء» من «سنَنه» (من حَدِيث بهز أَيْضا فِي رِوَايَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 ابْن الْأَحْمَر كَمَا سلف) . (الحَدِيث) الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة بنت قيس: «لَا نَفَقَة لَك عَلَيْهِ» وَكَانَت مبتوتة حَائِلا. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وَقد تقدم قِطْعَة مِنْهُ فِي بَاب: «النَّهْي عَن الْخطْبَة عَلَى الْخطْبَة» . فَإِن قلتَ: كَيفَ تَعمل فِي رِوَايَة مُسلم الْأُخْرَى عَنْهَا: «فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة» . قلتُ: هِيَ من رِوَايَة مجَالد وَحده عَن الشّعبِيّ، كَمَا بَينه الْحسن بن عَرَفَة، عَن هشيم، وكما بَينه سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَبدَة بن سُلَيْمَان وَمُسلم، وَالدَّارَقُطْنِيّ سَاقهَا من طَرِيق جمَاعَة وَمِنْهُم مجَالد وقرنه بهم، وَهُوَ يُوهم أَنه من رِوَايَة جَمِيعهم وَقد سبق أَنهم لم يرووها، وَإِنَّمَا انْفَرد بهَا مجَالد، وَقد تولى بَيَان ذَلِك الْخَطِيب فِي كِتَابه «غنية الملتمس فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 أيضاح الملتبس» وَتَبعهُ ابْن الْقطَّان، فَإِن قيلَ: قد رويت هَذِه الزِّيَادَة من غير طَرِيق مجَالد، رَوَاهَا النَّسَائِيّ، من حَدِيث سعيد بن [يزِيد] الأحمسي، ثَنَا الشّعبِيّ، عَن فَاطِمَة ... فَذكره. قلتُ: سعيد هَذَا كُوفِي لم تثبت عَدَالَته كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان فِي «كِتَابه» وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه: شيخ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 الحَدِيث الْخَامِس (قَالَ (: «أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الْحيض وَغَيره كَمَا مر. الحَدِيث السَّادِس) قَالَ الرَّافِعِيّ بعد (أَن) قرر أَنه إِذا سلم النَّفَقَة عَلَى ظن الْحمل فَبَان خِلَافه أَن لَهُ الرُّجُوع، مَا نَصه: وَعَن القَاضِي الْحُسَيْن أَنه احْتج لذَلِك بِمَا رُوِي « (أَن) أبي بن كَعْب رضى الله عَنهُ علم رجلا الْقُرْآن أَو شَيْئا مِنْهُ، فأهدى لَهُ قوسًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن أَخَذتهَا أخذت قوسًا من النَّار» . وَقَالَ: إِن ذَلِك (الرجل) ظن وجوب الْأُجْرَة عَلَيْهِ من غير شَرط وَكَانَ يُعْطي الْقوس عَلَى ظن أَنه عَن الْوَاجِب عَلَيْهِ، فَمنع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من أَخذه. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن سهل بن أبي سهل، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، عَن ثَوْر بن يزِيد، قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن سلم، عَن عَطِيَّة الكلَاعِي، عَن أبي بن كَعْب قَالَ: «علمت رجلا من الْقُرْآن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 فأهدى لي قوسًا، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن أَخَذتهَا أخذت قوسًا من نارٍ. فرددتها» . عبد الرَّحْمَن هَذَا لَيْسَ بالمشهور، رَوَى لَهُ ابْن مَاجَه هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : إِنَّه ضَعِيف، وَإِن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لأَجله. وَكَذَا جزم بضعفه فِي كِتَابه «الضُّعَفَاء والمتروكين» ، من غير نِسْبَة ذَلِك لأحدٍ، لَكِن خَالف ذَلِك فاستدل بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فِي «تَحْقِيقه» لمذهبه. وَذكر الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» بَين عبد الرَّحْمَن وثورٍ «خَالِد بن معدان» وَلم أره فِي نُسْخَة من نسخ ابْن مَاجَه، وَقد وهم فِي ذَلِك ثمَّ ذكر اضطرابًا فِي إِسْنَاده، فَقَالَ: رَوَاهُ مُوسَى بن عَلّي بن رَبَاح، عَن أَبِيه، عَن أبي بن كَعْب، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن جحادة، عَن رجل يُقَال لَهُ: أبان، عَن أُبي، وَرَوَاهُ بنْدَار، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُسلم، عَن عطيَّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 بِهِ، وَرَوَى هِشَام بن عمار، عَن عَمْرو بن وَاقد، عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء «أَن أُبي بن كَعْب أَقرَأ رجلا من أهل الْيمن سُورَة، فَرَأَى عِنْده قوسًا، فَقَالَ: تبيعها؟ [فَقَالَ] : لَا، بل هِيَ لَك. فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن كنت تُرِيدُ أَن تقلَّد قوسًا من نَار فَخذهَا» . وَرَوَى إِسْمَاعِيل بن عيَّاش، عَن عبد ربه بن سُلَيْمَان بن عُمير بن زيتون، عَن الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي: «أَقْرَأَنِي أبي بن كَعْب الْقُرْآن، فأهديتُ لَهُ قوسًا، فغدا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ (متقلدها) » فَذكر الحَدِيث. انْتَهَى مَا ذكره الْحَافِظ جمال الدَّين، وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن هَارُون الرَّوْيَانِيّ، عَن بنْدَار بِخِلَاف مَا ذكره عَنهُ حَيْثُ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، ثَنَا ثَوْر بن يزِيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي مُسلم، عَن عَطِيَّة بن قيس الكلَاعِي، عَن أُبيّ بن كَعْب «أَنه علَّم رجلا من الْقُرْآن، فأهدى إِلَيْهِ قوسًا، فَوَقع فِي نَفسِي شَيْء، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن أَخَذتهَا فَخذهَا قوسًا من نَار» . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي أثْنَاء «الْإِجَارَة» من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي بكر، ثَنَا يَحْيَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 بن سعيد، عَن ثَوْر، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن ... فَذكره، وَقَالَ: إِنَّه مُنْقَطع. وَلم يبين سَبَب انْقِطَاعه، ورماه بالانقطاع أَيْضا ابْن عبد الْبر، وَبَينه الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي، فَقَالَ: عَطِيَّة بن قيس الرَّاوِي عَن أبي، أرسل عَنهُ وَهُوَ ثِقَة أخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» . قلت: وعطيَّة هَذَا تَابِعِيّ، وَذكر صَاحب «الْكَمَال» عَن أبي مسْهر أَنه ولد فِي حَيَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فعلَى هَذَا رِوَايَته عَن أبي مَحْمُولَة عَلَى الِاتِّصَال. قلت: وَله طَرِيق آخر عِنْد عبد الْحق، رَوَاهُ قَاسم بن أصبغ بِإِسْنَاد ضَعِيف ومنقطع، وبيَّن ذَلِك ابْن الْقطَّان فِي «علله» بِأَن قَالَ: فِيهِ عبد الله بن روح، وَلَا يُعرف حَاله، وَرَوَاهُ عَن أُبي بن كَعْب أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، وَلم يُشَاهد أَبُو إِدْرِيس ذَلِك (فَإِنَّهُ لَا صُحْبَة لَهُ، إِلَّا أَن يكونُ أبيِّ أخبرهُ بِمَا اتّفق لَهُ وَلَيْسَ ذَلِك) فِيهِ. قَالَ: وَرُوِيَ من طرقٍ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء يثبت الْبَتَّةَ، ذكرهَا بقيّ بن مخلد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 قلت: وَمِنْهَا حَدِيث عُبادة بن الصَّامِت وَأبي الدَّرْدَاء: أما حَدِيث عُبادة؛ فَأخْرجهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث مُغيرَة بن زِيَاد، عَن عُبادة بن نُسَي، عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة، عَن عُبادة بن الصَّامِت، قَالَ: «علَّمت نَاسا من أهل الصّفة الْكِتَابَة وَالْقُرْآن، فأهدى إليَّ رجل مِنْهُم قوسًا، فَقلت: أرمي (عَنْهَا) فِي سَبِيل الله، فَسَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن سرك أَن تُطوق طوقًا من نَار فاقبلها» أُعلَّ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: الْمُغيرَة بن زِيَاد، جزم بضعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح، وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَنه مِمَّن اخْتلف فِي حَاله. وَقد وَثَّقَهُ وَكِيع وَابْن معِين وَالْعجلِي وَغَيرهم، وَتكلم فِيهِ البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهمَا، قَالَ أَحْمد: كل حديثٍ رَفعه فَهُوَ مُنكر. وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ مَعْرُوف بِحمْل الْعلم، وَله مَنَاكِير، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 مِنْهَا هَذَا. وَأما الْحَاكِم، فصحح حَدِيثه هَذَا، وَخَالف مرّة، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الْمُغيرَة بن زِيَاد، صَاحب مَنَاكِير، لم (يخْتَلف أحد) فِي تَركه، وَيُقَال: إِنَّه حدث عَن عُبادة بن نُسَي بِحَدِيث مَوْضُوع. الْوَجْه الثَّانِي: أَن الْأسود بن ثَعْلَبَة، مَجْهُول لَا يعرف. قَالَه ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن الْقطَّان، وَزَاد: أَنه لَا يعرف رَوَى عَنهُ غير عُبادة بن نُسي. وَتبع ابْن حزم فِي نَقله ذَلِك عَن ابْن الْمَدِينِيّ وَالَّذِي نَقله غير ابْن حزم عَنهُ: لَا أعرف لَهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. وَأسْندَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ - أَعنِي عَلّي بن الْمَدِينِيّ - أَنه قَالَ: إِسْنَاده كُله مَعْرُوف، إِلَّا الْأسود بن ثَعْلَبَة، فَإِنَّهُ لَا يحفظ عَنهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. قلت: لَهُ حديثان آخرَانِ: «أَنْتُم الْيَوْم عَلَى بَيِّنَة من ربكُم» . رَوَاهُ أَبُو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 الشَّيْخ فِي «ثَوَاب الْأَعْمَال» . وَالثَّانِي: فِيهِ ذكر الشُّهَدَاء. رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ. وَذكر الأسودَ ابنُ حبّان فِي «ثقاته» وَتَابعه (جُنادة) بن أبي أُميَّة؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بَقِيَّة، ثَنَا بشر بن عبد الله بن يسَار، عَن عُبادة بن نُسي، عَن (جُنادة) بن أبي أُميَّة، عَن عُبادة، وتابع بَقِيَّة أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج، عَن بشر بن عبد الله؛ أخرجه أَحْمد وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء؛ فقد تقدم. وَله طَرِيق آخر صَحِيح الْإِسْنَاد رَوَاهُ الدَّارمِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن يَحْيَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله، عَن أم الدَّرْدَاء (عَن أبي الدَّرْدَاء) ، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَخذ قوسًا عَلَى (تَعْلِيمه) الْقُرْآن قلَّده الله قوسًا من نَار» . وَهَذَا إِسْنَاد كُله عَلَى شَرط مُسلم إِلَّا عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. وَقد أخرج مُسلم بالسَّند الْمَذْكُور حَدِيثا عَن دَاوُد بن رُشيد، عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ فِي الصَّوْم فِي السّفر. وَأما الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ قبل أَن أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الدَّارمِيّ: رُوِيَ من وجهٍ ضَعِيف عَن أبي الدَّرْدَاء. ثمَّ سَاقه (من طَرِيقه) ، ثمَّ نقل عَن الدَّارمِيّ، عَن دُحَيْم، أَنه قَالَ: حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من تقلَّد قوسًا عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن» . لَيْسَ لَهُ أصل. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب حَدِيث عُبادة بن الصَّامِت: هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى عُبادة بن نُسي كَمَا ترَى، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي سعيد أصح إِسْنَادًا (مِنْهُ) . وَمرَاده بِحَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي سعيد فِي قصَّة اللديغ، وَالْأول فِي خَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 وَالثَّانِي فِي خَ وم. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : لَيْسَ هَذِه الطّرق تعَارض مَا (قد) صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن أَحَق مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله» وَهُوَ كَمَا قَالَا. الحَدِيث (السَّابِع) عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته: يفرق بَينهمَا» . وَيروَى: «من أعْسر بِنَفَقَة امْرَأَته، (فرق) بَينهمَا» و «سُئِلَ سعيد بن الْمسيب عَن رجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا. فَقَالَ لَهُ: سنة؟ قَالَ: نعم سنة» . قَالَ الشَّافِعِي: الَّذِي يشبه قَول ابْن الْمسيب أَنه سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَى من جِهَة الشَّافِعِي (ثَنَا) سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: «سَأَلت سعيد بن الْمسيب عَن الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا. قَالَ أَبُو الزِّنَاد: قلت: سنة؟ فَقَالَ سعيد: سنة» . قَالَ الشَّافِعِي: وَالَّذِي يشبه قَول سعيد سنة أَن يكون سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ رَوَى من جِهَة الدَّارَقُطْنِيّ ثَنَا عُثْمَان بن أَحْمد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 بن السماك وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع، وَإِسْمَاعِيل بن عَلّي قَالُوا: ثَنَا أَحْمد بن عَلّي الخزاز، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم (الباوردي) ، ثَنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا» قَالَ: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، بِمثلِهِ. هَذَا مَا فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَنت إِذا تَأَمَّلت مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وجدته مُخَالفا لما أوردهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: حَدثكُمْ القَاضِي الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الله بن أَحْمد بن أبي (ميسرَة) ، ثَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ، ثَنَا سعيد بن أبي أَيُّوب، حَدثنِي مُحَمَّد بن عجلَان، عَن زيد بن أسلم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى، وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلَى، وابدأ بِمن تعول. قَالَ: وَمن أعول يَا رَسُول الله؟ قَالَ: امْرَأَتك تَقول: أَطْعمنِي وَإِلَّا فارقني. خادمك يَقُول: أَطْعمنِي واستعملني. ولدك يَقُول: إِلَى من تتركني» . ثمَّ قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 حَدثكُمْ أَبُو بكر الشَّافِعِي، ثَنَا مُحَمَّد بن بشر بن مطر، ثَنَا (شَيبَان) بن فروخ، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمَرْأَة تَقول لزَوجهَا: أَطْعمنِي وَإِلَّا طَلقنِي. وَيَقُول عَبده: أَطْعمنِي واستعملني. وَيَقُول وَلَده: إِلَى من تكلنا» . قَالَ - (يَعْنِي) : شَيبَان بن فروخ -: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، أَنه قَالَ «فِي الرجل يعجز عَن نَفَقَة امْرَأَته قَالَ: إِن عجز فرق بَينهمَا» ثمَّ قَالَ: حَدثكُمْ عُثْمَان بن أَحْمد [بن] السماك وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع وَإِسْمَاعِيل بن عَلّي قَالُوا: ثَنَا أَحْمد بن عَلّي الخزار، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الباوردي، ثَنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا» . ثمَّ قَالَ: (حَدثكُمْ عُثْمَان بن أَحْمد وَعبد الْبَاقِي وَإِسْمَاعِيل بن عَلّي، قَالُوا: ثَنَا أَحْمد بن عَلّي الخزاز، قَالَ: ثَنَا إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم) ثَنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، مثله. هَذَا نَص مَا فِي الدَّارَقُطْنِيّ برمتِهِ، وَالظَّاهِر أَن قَوْله «مثله» عَائِد إِلَى الْمَتْن السالف الَّذِي ذكره عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 زيد بن أسلم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ عقبه بِكَلَام ابْن الْمسيب، ثمَّ الْعَطف عَلَى الأول، فَذكر من وَجه آخر عَن حَمَّاد بِسَنَدِهِ الأول، وَلَيْسَ رَاجعا إِلَى مَا نَقله سعيد بن الْمسيب. وَالْبَيْهَقِيّ لم يذكر الأول بل ذكر كَلَام ابْن الْمسيب من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ ذكر السَّنَد الآخر الْمَرْفُوع وَفِي آخِره «مثله» ففهم عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَن المُرَاد بقوله: «مثله» كَلَام ابْن الْمسيب، وَأَن ذَلِك من هَذَا الْوَجْه مَرْفُوع، وَكَذَا وَقع للبيهقي هَذَا فِي «الْمعرفَة» فَإِنَّهُ قَالَ - لما أسْند أَبُو سعيد من طَرِيق الشَّافِعِي كَمَا سلف -: وَقد رُوِيَ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته قَالَ: يفرق بَينهمَا» . قَالَ: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، بِمثلِهِ. ثمَّ أسْندهُ عَن الدَّارَقُطْنِيّ إِلَى إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَكَذَا وَقع لَهُ فِي «خلافياته» أَيْضا بِزِيَادَة فَإِنَّهُ لما رَوَى كَلَام سعيد من طَرِيق الشَّافِعِي رَوَاهُ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثل ألفاظهم سَوَاء. هَذَا نَص مَا ذكره فَتنبه (لذَلِك) ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك فِي «علل ابْن أبي حَاتِم» سَأَلت أبي عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 حَدِيث أبي هُرَيْرَة ... فَذكر كَمَا سلف مَرْفُوعا، فَقَالَ: وهِمَ إِسْحَاق رَاوِيه فِي اختصاره، إِنَّمَا الحَدِيث: «ابدأ بِمن تعول، تَقول امْرَأَتك: أنْفق عليَّ أَو طَلقنِي» ثمَّ اعْلَم أَن ابْن حزم ضعف مَا سلف عَن سعيد بِأَن قَالَ: روينَا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن الثَّوْريّ، عَن يَحْيَى الْأنْصَارِيّ، عَن ابْن الْمسيب، قَالَ: «إِذا لم يجد الرجل مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته أجبر عَلَى طَلاقهَا» ، ثمَّ قَالَ: لم نجد لأهل هَذِه الْمقَالة (حجَّة) أصلا إِلَّا تعلقهم بقول ابْن الْمسيب: «إِنَّه سنة» وَقد صَحَّ عَنهُ قَولَانِ: أَحدهمَا: يجْبر عَلَى مفارقتها. و: أَلا يفرق بَينهمَا. وهما (قَولَانِ) مُخْتَلِفَانِ وَلم يقل: إِنَّه سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَلَو قَالَ ذَلِك كَانَ مُرْسلا، وَلَعَلَّه أَرَادَ سنة عمر كَمَا (روينَا) من فعله. ثمَّ ذكر عَن جمع من التَّابِعين مثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: وَلَا نَأْخُذ بقول من يفرق بَينهمَا كَأبي حنيفَة؛ لِأَن الله - تَعَالَى - قَالَ: (لينفق ذُو سَعَة من سعته) الْآيَة. وَلِأَن أَبَا بكر قَالَ: «يَا رَسُول الله، لَو رَأَيْت ابْنة خَارِجَة سَأَلتنِي النَّفَقَة فَقُمْت إِلَيْهَا فَوَجَأْت عُنُقهَا. فَضَحِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: هن حَولي كَمَا ترَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَة. فَقَامَ أَبُو بكر إِلَى عَائِشَة يجَأ عُنُقهَا، وَقَامَ عمر إِلَى حَفْصَة يجَأ عُنُقهَا، كِلَاهُمَا يَقُول: تسألن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا لَيْسَ عِنْده» . الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 حَدِيث جَابر، قَالَ: وَمن الْمحَال (الْمُبين) أَن يضربا عَلَى حق. تنبيهُُ: مَا نقل عَن الشَّافِعِي (كَون) من لفظ السّنة مَرْفُوعا قد نقل عَنهُ (الدَّاودِيّ) فِي «شرح الْمُخْتَصر» نَحوه أَيْضا، وَلَكِن فِي الْقَدِيم خَاصَّة فَقَالَ فِي بَاب أَسْنَان إبل الْخَطَأ: إِن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم كَانَ يرَى أَن ذَلِك مَرْفُوع إِذا صدر من الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ لأَنهم قد يطلقونه ويريدون سنة الْبَلَد. وَفِي «الْأُم» مَا يُوَافق الأول فِي «بَاب ذكر الْكَفَن» حَيْثُ قَالَ: وَابْن (عَبَّاس) وَالضَّحَّاك بن قيس صحابيان (لَا يَقُولَانِ السّنة إِلَّا سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَذكر بعده بِقَلِيل مثله، وَظَاهره يَقْتَضِي أَن التَّابِعِيّ لَيْسَ كَذَلِك، وَحِينَئِذٍ (يتَحَصَّل) فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال أنَّ الرّفْع بِالنِّسْبَةِ إِلَى (الصَّحَابِيّ) مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد وَالْقَدِيم مَعًا فَيكون أرجح من (عَكسه) . تَنْبِيه آخر: قَول الرَّافِعِيّ بعد إِيرَاده الحَدِيث السالف: وَيروَى: «من أعْسر بِنَفَقَة امْرَأَته فرق بَينهمَا» . لَا أعلمهُ مرويًا بِهَذَا اللَّفْظ أصلا بعد الفحص عَنهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 الحَدِيث الثَّامِن ورد فِي الْخَبَر: «طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ» . هَذَا صَحِيح، فَفِي «صَحِيح مُسلم» ، من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَام الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَة، وَطَعَام الْأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية» . وَهَذَا الحَدِيث وَقع ذكره فِي «الْوَجِيز» أَيْضا، وبيَّن الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» (رَاوِيه) وَعَزاهُ إِلَى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة جَابر وَإِلَى ابْن مَاجَه من رِوَايَة عمر، وَلَا شكّ أَن عزوه إِلَى «صَحِيح مُسلم» أولَى. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه، وَولده من كَسبه فَكُلُوا من أَمْوَالهم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَصْحَاب السّنَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 الْأَرْبَعَة، وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن أطيب مَا أكلْتُم من كسبكم، وَإِن أَوْلَادكُم من كسبكم» . هَذَا لَفظهمْ خلا ابْن مَاجَه فَإِن لَفظه: «مَا أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه، وَإِن وَلَده من كَسبه» وَإِلَّا إِحْدَى روايتي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم فَإِن لَفظهمْ: «ولد الرجل من كَسبه وَأطيب كَسبه فَكُلُوا من أَمْوَالهم» . وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحَاكِم «وَأطيب كَسبه» وَفِي رِوَايَة لَهُ كَمَا أوردهُ الرَّافِعِيّ سَوَاء إِلَّا قَوْله: «فَكُلُوا من أَمْوَالهم» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا (حَدِيث) حسن. وَقَالَ الْحَاكِم فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح، عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: (صَحَّ) رَفعه من رِوَايَة يَحْيَى الْقطَّان وَلم يرفعهُ غَيره. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: رُوِيَ عَن الْأسود، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَعَن عمَارَة، عَن عمته، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 عَن عَائِشَة (مَرْفُوعا) . فَقَالَ أبي: عَن عمَارَة أشبه وَأَرْجُو أَن يَكُونَا صَحِيحَيْنِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا أَيْضا. وَخَالف ابْن الْقطَّان (فَقَالَ) فِي كِتَابه «الْوَهم وَالْإِيهَام» : رُوِيَ تَارَة عَن عمَارَة عَن عمته، وَتارَة عَنهُ عَن أمه، وكلتاهما لَا تعرف. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «إنَّ أَوْلَادكُم هبة الله لكم، يهبُ لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهبُ لمن يَشَاء الذُّكُور (وَأَوْلَادكُمْ) وَأَمْوَالهمْ لكم إِذا احتجتم إِلَيْهَا» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ هَكَذَا، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث: «أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه وَولده من كَسبه» . هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَلم يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا، وَالزِّيَادَة وَهِي: «إِذا احتجتم (إِلَيْهَا) » رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: لَيست بمحفوظة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إِنَّهَا مُنكرَة. الحَدِيث الْعَاشِر «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، معي دِينَار. فَقَالَ: أنفقهُ عَلَى نَفسك. فَقَالَ: معي آخر. فَقَالَ: أنفقهُ عَلَى ولدك. فَقَالَ: معي آخر. فَقَالَ: أنفقهُ عَلَى أهلك» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان [بن] عُيينة، عَن مُحمد بن عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عِنْدِي دِينَار. فَقَالَ: أنفقهُ عَلَى نَفسك. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عِنْدِي آخر. قَالَ: أنفقهُ عَلَى ولدك. قَالَ: عِنْدِي آخر قَالَ: (أنفقهُ عَلَى أهلك. قَالَ: عِنْدِي آخر. قَالَ: أنفقهُ عَلَى خادمك. قَالَ عِنْدِي آخر قَالَ:) أَنْت أعلم» . قَالَ المَقْبُري: ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة إِذا حَدثَك بِهَذَا: «يَقُول ولدك: أنْفق عليّ إِلَى من تَكِلنِي؟ وَتقول زَوجتك: أنْفق عليَّ أَو طَلقنِي. وَيَقُول خادمك: أنْفق عليَّ أَو بِعني» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيق الشَّافِعِي الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنْت أبْصر» بدل (أَنْت) أعلم» . وَفِي أُخْرَى لَهُ: «عَلَى زَوجتك» بدل «أهلك» . وَرَوَاهُ أَيْضا أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه أَيْضا - أَعنِي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - بِلَفْظ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «تصدقوا. قَالَ رجل: عِنْدِي دِينَار. قَالَ: تصدق بِهِ عَلَى نَفسك. قَالَ: عِنْدِي دِينَار آخر. قَالَ: تصدق بِهِ عَلَى زَوجتك. قَالَ: عِنْدِي دِينَار آخر، قَالَ: تصدق بِهِ عَلَى ولدك. قَالَ: عِنْدِي دِينَار آخر. قَالَ: تصدق بِهِ عَلَى خادمك. قَالَ: عِنْدِي دِينَار آخر. قَالَ: أَنْت أبْصر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 الحَدِيث رُوَاته ثِقَات. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد لكنه قدم الْوَلَد عَلَى الزَّوْجَة كَمَا فِي الْكتاب؛ وَرِوَايَة الشَّافِعِي السالفة، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح. عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» فَتَارَة قدم الزَّوْجَة عَلَى الْوَلَد وَتارَة عكس. وَقَالَ ابْن حزم: اخْتلف سُفْيَان وَيَحْيَى الْقطَّان، فَقدم سُفْيَان الْوَلَد عَلَى الزَّوْجَة، وَقدم يَحْيَى الزَّوْجَة عَلَى الْوَلَد، وَكِلَاهُمَا ثِقَة، فَالْوَاجِب أَن لَا يقدم الْوَلَد عَلَى الزَّوْجَة وَلَا الزَّوْجَة عَلَى الْوَلَد، بل يَكُونَا سَوَاء؛ لِأَنَّهُ قد صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ [يُكَرر] كَلَامه ثَلَاث مَرَّات، فَيمكن أَن يكون كرر فتياه ثَلَاث مَرَّات، فَمرَّة قدم الْوَلَد وَمرَّة قدم الزَّوْجَة فصارا سَوَاء. قلت: وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث جَابر تَقْدِيم الْأَهْل عَلَى (ذَوي) الْقَرَابَة. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ لما (قرر) تَقْدِيم نَفَقَة الزَّوْجَة عَلَى الْقَرِيب، ثمَّ قَالَ: وَاعْترض الإِمَام بِأَن (نَفَقَتهَا) إِذا كَانَت كَذَلِك كَانَت كالديون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 (وَنَفَقَة الْقَرِيب فِي مَال الْمُفلس مُقَدّمَة عَلَى الدُّيُون) وَخرج لذَلِك احْتِمَالَانِ فِي الْمَسْأَلَة وأيده بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: (قدم) نَفَقَة الْوَلَد عَلَى نَفَقَة الْأَهْل كَمَا قدم نَفَقَة النَّفس عَلَى نَفَقَة الْوَلَد. وَهَذَا ماش عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ المتقدمتين دون الْأُخْرَى الْمُقدمَة للزَّوْجَة عَلَى الْوَلَد، فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَن رجلا أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: من أبر؟ قَالَ: أمك. قَالَ: ثمَّ من؟ قَالَ: أمك. (قَالَ) ثمَّ (من) قَالَ: أَبَاك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، من أَحَق النَّاس بِحسن صَحَابَتِي؟ قَالَ: أمك. (قَالَ) ثمَّ من؟ قَالَ: أمك. قَالَ: ثمَّ من؟ قَالَ: أمك. قَالَ: ثمَّ من؟ قَالَ: ثمَّ أَبوك» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «أمك، ثمَّ أمك، ثمَّ أَبَاك، ثمَّ أدناك أدناك» . زَاد ابْن حبَان: قَالَ: «فيرون أَن للْأُم ثُلثي الْبر» . وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 ذكره الرَّافِعِيّ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، من أبر؟ قَالَ: أمك. قلت: ثمَّ من؟ قَالَ: أمك. قلت: ثمَّ من؟ قَالَ: أمك. قلت ثمَّ من؟ قَالَ: ثمَّ أَبَاك، ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب» . هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ، وَلَفظ أبي دَاوُد «قلت: يَا رَسُول الله، من أبر؟ قَالَ: أمك، ثمَّ أمك، ثمَّ أمك، ثمَّ أَبَاك، ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. (و) رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: (هَذَا) حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ عَلَى شَرطهمَا فِي حَكِيم بن مُعَاوِيَة أَنه لَيْسَ لَهُ راو غير بهز، وَقد رَوَى عَنهُ غير بهز، وَقد رَوَى عَنهُ (أَبُو) قزعة الْبَاهِلِيّ. قَالَ: ثمَّ وجدنَا لهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد (فَذكرهَا) بأسانيده. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث كُلَيْب بن مَنْفَعَة الْحَنَفِيّ، عَن جده «أَنه أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، من أبر؟ قَالَ: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ومولاك الَّذِي يَلِي ذَلِك، حقًّا وَاجِبا ورحمًا مَوْصُولَة» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ: هِيَ أشبه من رِوَايَة من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 رَوَى عَن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن جدِّه. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ من الْأَحَادِيث. وَذكر فِيهِ: أَن نَفَقَة الْوَلَد عَلَى الْأَب منصُوصٌ عَلَيْهَا فِي قصَّة هِنْد وَغَيرهَا، فَأَما حَدِيث هِنْد فسلف أول الْبَاب، وَأما غَيره، فَلَعَلَّهُ إِشَارَة إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف: «خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى» إِلَى أَن قَالَ «ولدك يَقُول: إِلَى من تتركني» . وَذكر فِيهِ، من الأثار أثرا وَاحِدًا: وَهُوَ «أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد فِي رجال غَابُوا عَن نِسَائِهِم فَأَمرهمْ أَن يأمروهم إِمَّا بِأَن ينفقوا وَإِمَّا أَن يطلقوا، فَإِن طلقوا (بعثوا بِنَفَقَة) مَا حبسوا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مُسلم بن خَالِد، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. قَالَ الشَّافِعِي: وأحسب أَنه لم يكن يحضرهُ عمر. قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» بِإِسْنَاد جيد. وَمن جِهَته أخرجه ابْن الْمُنْذر فِي كِتَابه «الْأَوْسَط» قَالَ فِيهِ: ثَنَا إِسْحَاق، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كتب عمر إِلَى أُمَرَاء الأجناد: أَن ادعُ فلَانا وَفُلَانًا - نَاسا قد انْقَطَعُوا من الْمَدِينَة وخلو مِنْهَا - إِمَّا أَن يرجِعوا إِلَى نِسَائِهِم وَإِمَّا أَن يبعثوا إليهنَّ نَفَقَة، وَإِمَّا أَن يطلِّقوا ويبعثوا نَفَقَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 مَا مَضَى» . وَقَالَ: قيل: هَذَا ثَابت عَن عمر أَنه كتب يَأْمُرهُم أَن ينفقوا أَو يطلقوا. وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» فَقَالَ: سَمِعت أبي وَذكر حَدِيث حَمَّاد، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع «أَن عمر كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد: أَن مُروا أهل الْمَدِينَة أَن يقدموا عَلَى نِسَائِهِم أَو يطلقوهنَّ فيبعثوا إليهنَّ بِنَفَقَة (مَا) مَضَى» قَالَ (أبي) : نَحن نَأْخُذ بِهَذَا فِي نَفَقَة مَا مَضَى. قَالَ الشَّافِعِي - فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ (عَنهُ) -: وَلم يُخَالِفهُ أحد من الصَّحَابَة. وَقَالَ ابْن حزم: لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لم يُخَاطب بذلك إِلَّا أَغْنِيَاء قَادِرين عَلَى النَّفَقَة وَلَيْسَ فِيهِ (ذكر حكم [الْمُعسر] بل قد صَحَّ عَن عمر إِسْقَاط طلب الْمَرْأَة للنَّفَقَة إِذا أعْسر بهَا الزَّوْج) (و) ذكر فِيهِ عَن زيد بن أسلم «أَنه فسَّر قَوْله تَعَالَى (ذَلِك أدنَى أَن لَا تعولُوا) : أَن لَا تكْثر عيالكم» وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ و (الدَّارَقُطْنِيّ) فِي «سُنَنهمَا» بِلَفْظ: «أَن لَا يكثر من تعولُوا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 بَاب الْحَضَانَة ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَادِيث وأثرين. أما الْأَحَادِيث فخمسة أَحدهَا عَن عبد الله بن (عَمْرو) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن ابْني هَذَا بَطْني لَهُ وعَاء، وثديي لَهُ سقاء، وحجري لَهُ حَوَّاء، وَإِن أَبَاهُ طَلقنِي وَأَرَادَ أَن (يَنْزعهُ) مني. فَقَالَ: أنتِ أَحَق بِهِ مَا لم تنكحي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ كَذَلِك أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بإسنادٍ صَحِيح، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله بن عَمْرو، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. فَائِدَة: (الحَجر) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ (الحِضْن) مَا دون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 الْإِبِط إِلَى الكشح، و (الحواء) بِكَسْر الْحَاء (مَمْدُود) اسْم للمكان الَّذِي يحوي الشَّيْء، أَي: يضمه ويجمعه. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خير غُلَاما بَين أَبِيه الْمُسلم وَأمه المشركة، فَمَال إِلَى الْأُم، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اللَّهُمَّ اهده. فَمَال إِلَى الْأَب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَعبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث عبد الحميد بن جَعْفَر الْأنْصَارِيّ، [عَن أَبِيه] عَن جده «أَن جَده أسلم، وأبت امْرَأَته أَن تسلم فجَاء بِابْن لَهَا صَغِير لم يبلغ، قَالَ: فأجلس النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَاهُ هَاهُنَا وَالأُم هَاهُنَا، ثمَّ خَيره، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اهده. فَذهب إِلَى (أَبِيه) » . وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا، وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث (عبد الحميد) بن جَعْفَر الْأنْصَارِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي أبي، عَن جدي رَافع بن سِنَان «أَنه أسلم وأبت امْرَأَته أَن تسلم فَأَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: ابْنَتي وَهِي فطيم - أَو شبهه - وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 رَافع: ابْنَتي. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اقعد نَاحيَة. وَقَالَ لَهَا: اقعدي نَاحيَة. وأقعد (الصَّبِي) بَينهمَا، ثمَّ قَالَ: [ادعواها] . (فمالت إِلَى أمهَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اللَّهُمَّ اهدها) . فمالت إِلَى أَبِيهَا فَأَخذهَا» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، من حَدِيث (عبد الحميد) بن سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن أَبَوَيْهِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَحدهمَا كَافِر وَالْآخر (مُسلم) فخيره فَتوجه إِلَى الْكَافِر، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهده. فَتوجه إِلَى الْمُسلم فَقَضَى لَهُ بِهِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَمَا رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. وَلم يُبينهُ، وَبَينه ابْن الْقطَّان فَقَالَ: الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور: هُوَ أَنه من رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس وَأبي عَاصِم وَعلي بن غراب، كلهم عَن (عبد الحميد) بن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن جده رَافع بن سِنَان (قَالَ) (عبد الحميد) بن جَعْفَر بن عبد الله بن الحكم بن رَافع بن سِنَان، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 و (عبد الحميد) ثِقَة، وَأَبوهُ جَعْفَر كَذَلِك، قَالَه الْكُوفِي. ذكر رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس هَذِه أَبُو دَاوُد، وَرِوَايَة أبي عَاصِم وَعلي بن غراب فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» وَسميت الْبِنْت الْمَذْكُورَة من رِوَايَة [أبي] عَاصِم «عميرَة» - أَي: بنت أبي الحكم - كَمَا فِي «الْمعرفَة» لأبي نعيم. (قلت) : وَاخْتلف أَيْضا فِي مَتنه فَرَوَاهُ عُثْمَان البَتِّي، عَن (عبد الحميد) بن سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن أَبَوَيْهِ اخْتَصمَا فِيهِ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر كَافِر، فخيره، فَتوجه إِلَى الْكَافِر، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهده. فَتوجه إِلَى الْمُسلم، فَقَضَى بِهِ» . هَكَذَا ذكره أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم - هُوَ ابْن علية - عَن عُثْمَان، وَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوب الدَّوْرَقِي عَن إِسْمَاعِيل أَيْضا. وَرَوَاهُ يزِيد بن زُرَيْع، عَن عُثْمَان البتي، وَقَالَ فِيهِ: عَن (عبد الحميد) بن (يزِيد بن سَلمَة «أَن جده أسلم وأبت امْرَأَته أَن تسلم وَبَينهمَا ولد صَغِير» فَذكر مثله. رَوَاهُ عَن) يزِيد بن ذريع يَحْيَى بن (عبد الحميد) من رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ. ذكر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 هَذَا كُله قَاسم بن أصبغ فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْقطَّان، قَالَ - أَعنِي: ابْن الْقطَّان -: إِلَّا أَن هَذِه الْقِصَّة هَكَذَا تجْعَل الْمُخَير غُلَاما وجدًّا ل (عبد الحميد) بن يزِيد بن سَلمَة لَا يَصح؛ لِأَن (عبد الحميد) وأباه وجده لَا يعْرفُونَ وَلَو صحت لم [يَنْبغ] أَن يَجْعَل خلافًا لرِوَايَة أَصْحَاب عبد الحميد) بن جَعْفَر فَإِنَّهُم ثِقَات، وَهُوَ وَأَبوهُ ثقتان، وجده رَافع بن سِنَان مَعْرُوف. بل كَانَ يجب أَن يُقَال: لعلهما قصتان خَيَّر فِي أَحدهمَا (غُلَاما) (فِي) الْأُخْرَى جَارِيَة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامعه» : إِن رِوَايَة من رَوَى أَنه كَانَ غُلَاما أصح. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: (عبد الحميد) بن جَعْفَر وَإِن ضعفه يَحْيَى بن سعيد من جِهَة الْقدر، وسُفْيَان كَانَ يحمل عَلَيْهِ بِسَبَب خُرُوجه مَعَ (عبد الله) ، فَلَا يقْدَح ذَلِك فِيهِ، وَقد زكَّاه المزكُّون: أَحْمد وَابْن معِين وَالنَّسَائِيّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 وَأخرج لَهُ مُسلم، وَقَالَ صَاحب «الْمُغنِي» الْحَنْبَلِيّ - بعد أَن ذكر الحَدِيث، وَأَن الْمُخَير كَانَت بِنْتا -: قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَلَى غير هَذَا الْوَجْه وَلَا يُثبتهُ أهل النَّقْل، وَفِي إِسْنَاده مقَال، قَالَه ابْن الْمُنْذر. ثَانِيهَا: ذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر، وَفِيه أَنه عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لَهما: «هَل لَكمَا أَن (تخيراه) فَقَالَا: نعم» . ثَالِثهَا: قَالَ أَبُو نعيم الْحَافِظ: ذكر بعض الْمُتَأَخِّرين - يَعْنِي ابْن مَنْدَه - أَن (هَذَا) الحَدِيث رَوَاهُ بعض الْمُتَأَخِّرين عَن شيخ، عَن أبي مَسْعُود، عَن (عبد الرَّزَّاق) وَقَالَ فِيهِ: «عَن جده حوط أَنه أسلم» وَهُوَ وهم ظَاهر، وَإِنَّمَا جده رَافع بن سِنَان. رَابِعهَا: اسْم هَذِه الْجَارِيَة «عميرَة» كَمَا سلف، وَكَذَا وَقع فِي الدَّارَقُطْنِيّ. خَامِسهَا: احْتج الْإِصْطَخْرِي من أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَنه يثبت (للكافرة) حق الْحَضَانَة، وَأجَاب غَيره من الْأَصْحَاب عَنهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ أَو مَحْمُول عَلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلام عرف أَنه يُسْتَجَاب دعاؤه وَأَنه يخْتَار الْأَب الْمُسلم (وقصده) بالتخيير استمالة قلب الْأُم. كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 عَنْهُم، وَهُوَ أولَى من قَول ابْن الصّباغ وَالْمَاوَرْدِيّ، وتبعهما صَاحب الْمطلب (فَقَالَ: إِنَّه) حَدِيث ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث. وَادَّعَى الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ نسخه بِإِجْمَاع الْأمة عَلَى أَنه لَا يسلَّم إِلَى الْكَافِر. قَالَ القَاضِي مُجَلِّي: وَلَعَلَّ نَسْخَه وَقع بقوله تَعَالَى: (وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤمنِينَ سَبِيلا) قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: (و) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام دَعَا بهدايته إِلَى مُسْتَحقّ كفَالَته لَا إِلَى الْإِسْلَام لثُبُوت إِسْلَامه بِإِسْلَام أَبِيه، فَلَو لأمه حق [لأقرها] وَلما دَعَا بهدايته إِلَى مُسْتَحقّه. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: هَذَا الْخَبَر كَانَ فِي مَوْلُود غير مميزٍ. قلت: قد سلف ذَلِك فِي الحَدِيث وَهُوَ قَوْله: «وَهِي فطيم أَو شبهه» . الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْأُم أَحَق بِوَلَدِهَا مَا لم تتَزَوَّج» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث [أبي] العوَّام، عَن الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن امْرَأَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 خَاصَمت زَوجهَا فِي وَلَدهَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْمَرْأَة أَحَق بِوَلَدِهَا مَا لم تتَزَوَّج» . وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف بِسَبَب الْمثنى بن الصَّباح، فَإِنَّهُم ضَعَّفُوهُ، و (أَبُو) الْعَوام هُوَ عمرَان بن دَاَور الْقطَّان وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَمَا سلف فِي صَلَاة الْجَمَاعَة. وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث الأول اسْتدلَّ بهما الرَّافِعِيّ عَلَى أَنَّهَا إِذا نكحت أجنبيًّا سقط حضانتها، وَلَا دلَالَة فيهمَا عَلَى ذَلِك، إِنَّمَا يدلان عَلَى عدم تَقْدِيمهَا، وَحِينَئِذٍ فَيحْتَمل السُّقُوط وَيحْتَمل التَّسَاوِي، حَتَّى لَا تقدم أَحدهمَا إِلَّا بِقرْعَة أَو تَخْيِير من الطِّفْل أَو اجْتِهَاد من الْحَاكِم أَو غير ذَلِك. الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ: وَاحْتج فِي «التَّتِمَّة» لبَقَاء حق الْحَضَانَة إِذا نكحت مُسْتَحقَّة الْحَضَانَة من لَهُ حق فِي الْحَضَانَة أَو كَانَت فِي نِكَاح مثله، بِمَا رُوِيَ «أَن عليًّا وجعفرًا وَزيد بن حَارِثَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم تنازعوا فِي حضَانَة بنت حَمْزَة بعد أَن اسْتشْهد، فَقَالَ عَلّي: بنت عمىِ، وَعِنْدِي بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ زيد: بنت أخي - وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام قد آخَى بَين زيد وَحَمْزَة - وَقَالَ جَعْفَر: الْحَضَانَة لي، هِيَ بنت عمي وَعِنْدِي خَالَتهَا. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْخَالَة أم - وَفِي رِوَايَة: الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم - وَسلمهَا إِلَى جَعْفَر [و] جعل لَهَا الْحَضَانَة، وَهِي ذَات زوج» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي من مَكَّة - فاتبعتهم ابْنة حَمْزَة تنادي: يَا عَم. فَتَنَاولهَا عَلّي فَأَخذهَا بِيَدِهِ وَقَالَ لفاطمة: دُونك ابْنة عمك (فاحمليها) فاختصم فِيهَا عَلّي وَزيد (و) جَعْفَر، فَقَالَ عليّ: أَنا أَحَق بهَا وَهِي ابْنة عمي. (وَقَالَ جَعْفَر: ابْنة عمي) وخالتها تحتي. وَقَالَ زيد: بنت أخي. فَقَضَى (بهَا) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لخالتها، وَقَالَ: الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم. وَقَالَ لعليّ: أَنْت مني وَأَنا مِنْك. وَقَالَ لجَعْفَر: أشبهتَ خُلقي وخَلقي. وَقَالَ لزيد: أَنْت أخونا ومولانا» . وَعَزاهُ الْمجد فِي «أَحْكَامه» وَابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» إِلَى مُسلم أَيْضا، وَهُوَ ظَاهر إِيرَاد «الْعُمْدَة» أَيْضا، وَلم يعزه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» والمزي فِي «أَطْرَافه» إِلَّا إِلَى البُخَارِيّ وَحده، وَكَأن مُرَاد الْأَوَّلين بِإِخْرَاج مُسلم (مِنْهُ فِي) قصَّة الْحُدَيْبِيَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا هَذِه القصَّة أَيْضا من حَدِيث عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي قصَّة بنت حَمْزَة، قَالَ: «فَقَالَ جَعْفَر: أَنا أَحَق بهَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 (فَإِن) خَالَتهَا عِنْدِي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما الْجَارِيَة فأقضي بهَا لجَعْفَر، فَإِن خَالَتهَا عِنْده، وَإِنَّمَا الْخَالَة أم» . قَالَ: والْحَدِيث الأول أصح من هَذَا. قلت: وَحَدِيث عليّ هَذَا أخرجه الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد بِهِ وَالْبَزَّار وَقَالَ: لَا يرْوَى عَن عليّ إِلَّا من الطَّرِيق الْمَذْكُور. وَأعله ابْن حزم وَقَالَ: إِسْرَائِيل ضَعِيف، وهانئ وهبيرة مَجْهُولَانِ. وَوهم فِي ذَلِك، أما إِسْرَائِيل فاحتج بِهِ الشَّيْخَانِ، ووُثِّق هَانِئ، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وهبيرة هُوَ ابْن يريم رَوَى عَن جمَاعَة، وَعنهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، وَقد أسلفنا حَاله فِي (بَاب) النَّجَاسَات فِي أَوَائِل الْكتاب. وَأَبُو فَاخِتَة قَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بحَديثه. وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث مُحَمَّد بن نَافِع بن عجير، عَن أَبِيه، عَن عَلّي فِي قصَّة بنت حَمْزَة، قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 «فَقَالَ جَعْفَر: أَنا أَحَق بهَا وَإِن خَالَتهَا عِنْدِي. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أما الْجَارِيَة فأقضي بهَا لجَعْفَر وَإِن خَالَتهَا عِنْده، وَإِنَّمَا الْخَالَة أم» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن نَافِع بن عجير، عَن أَبِيه، عَن عَلّي. فاضطرب إِسْنَاده كَمَا ترَى. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خيَّرَ غُلامًا بَين أَبِيه وَأمه» . وَعنهُ: «أَنه اخْتصم رجل وَامْرَأَة فِي (وَلَده مِنْهَا) إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَت الْمَرْأَة: يَا رَسُول الله، إِن ابْني هَذَا قد نَفَعَنِي وسقاني من بِئْر أبي عنبة، وَإِن أَبَاهُ يُرِيد أَن يَأْخُذهُ مني. فَقَالَ الْأَب: لَا أحد يحاقني فِي ابْني. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا غُلَام، هَذِه أمك وَهَذَا أَبوك، فَاتبع أَيهمَا شِئْت. فَاتبع أمه» . وَيروَى «أَن رجلا وَامْرَأَة أَتَيَا أَبَا هُرَيْرَة يختصمان فِي ابْن لَهما، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لأقضين بَيْنكُمَا بِمَا شهِدت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقْضِي بِهِ، يَا غُلَام، هَذَا أَبوك وَهَذِه أمك، فاختر أَيهمَا شِئْت» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث هِلَال بن أبي مَيْمُونَة، عَن أَبِيه، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 أبي هُرَيْرَة وَقَالَ: حسن. وَنقل ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» عَنهُ تَصْحِيحه وَتَبعهُ صَاحب (الْمُنْتَقَى) نعم صَححهُ ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» من حَدِيث هِلَال بن أبي مَيْمُونَة، وَأَيْضًا عَن أبي مَيْمُونَة «أَنه شهد أَبَا هُرَيْرَة خير غُلَاما بَين أَبِيه وَأمه، وَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خير غُلَاما بَين أَبَوَيْهِ» . وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي من حَدِيث هِلَال بن أبي مَيْمُونَة - وَقيل: أُسَامَة - أَن أَبَا مَيْمُونَة سليما - من أهل الْمَدِينَة رجل صدق - قَالَ: «بَيْنَمَا أَنا جَالس مَعَ أبي هُرَيْرَة جَاءَتْهُ امْرَأَة فارسية مَعهَا ابْن لَهَا وَقد طَلقهَا زَوجهَا فادعياه، فَقَالَت: يَا أَبَا هُرَيْرَة - رطنت بِالْفَارِسِيَّةِ - زَوجي يُرِيد أَن يذهب بِابْني. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اسْتهمَا عَلَيْهِ - رطن لَهَا بذلك - فجَاء زَوجهَا فَقَالَ: من يحاقني فِي وَلَدي؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اللَّهُمَّ إِنِّي (لأقول هَذَا لِأَنِّي) سَمِعت امْرَأَة جَاءَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنا قَاعد عِنْده فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن زَوجي يُرِيد أَن يذهب بِابْني، وَقد سقاني من بِئْر أبي عنبة وَقد نَفَعَنِي. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اسْتهمَا عَلَيْهِ. فجَاء زَوجهَا فَقَالَ: من يحاقني فِي وَلَدي؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا أَبوك وَهَذِه أمك. (فَأخذ بيد) أمه فَانْطَلَقت بِهِ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي كتاب الْأَحْكَام فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا بِلَفْظ أبي دَاوُد (رَوَاهُ) مُخْتَصرا أَيْضا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُسْنده» أَيْضا، عَن وَكِيع، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي مَيْمُونَة، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: اسْتهمَا (فِيهِ) (وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: تخير أَيهمَا شِئْت. قَالَ: فَاخْتَارَ أمه فَذَهَبت بِهِ» ) . وَلما أخرجه ابْن حزم فِي «محلاه» عَنهُ أعله بِأبي مَيْمُونَة هَذَا، فَقَالَ: أَبُو مَيْمُونَة هَذَا مَجْهُول لَيْسَ هُوَ وَالِد هِلَال الَّذِي رَوَى عَنهُ. قلت: هُوَ سليم كَمَا سلف فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَكَذَا سَمَّاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا بعد إِيرَاده الحَدِيث، وَكَذَا سَمَّاهُ البُخَارِيّ، قَالَ ابْن عَسَاكِر: وَيُقَال: «سلمَان» رَوَى عَن جمَاعَة، وَعنهُ جمَاعَة، وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بوالد هِلَال. وَقَالَ عبد الْحق: يرويهِ هِلَال بن أُسَامَة، عَن أبي مَيْمُونَة سلْمَى - من أهل الْمَدِينَة رجل صدق - عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يفهم من هَذَا الْكَلَام تَصْحِيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 الحَدِيث وَلَا (توهِينه) وَذَلِكَ أَن أَبَا مَيْمُونَة هَذَا إِن لم يكن رَوَى عَنهُ غير هِلَال بن أُسَامَة (فَيَنْبَغِي أَن يكون عَلَى مذْهبه مَجْهُولا، وَلَا يَنْفَعهُ قَول هِلَال بن أُسَامَة فِيهِ: رجل صدق. وَإِن كَانَ لَا يعرف، وَأَيْضًا إِنَّه لم يثن عَلَيْهِ إِلَّا بالصلاح وَذَلِكَ لَا يقْضِي لَهُ بالثقة وَلَا بِالصّدقِ الَّذِي نبتغيه فِي الرِّوَايَة، قيل: لم نر الصَّالِحين فِي شَيْء أكذب مِنْهُم فِي الحَدِيث. فَأَما هِلَال بن أُسَامَة) فقد كنى من حَدثهُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور أَبَا مَيْمُونَة وَسَماهُ «سلْمَى» ، وَذكر أَنه مولَى من أهل الْمَدِينَة وَوَصفه بِأَنَّهُ رجل صدق، وَهَذَا الْقدر كَاف فِي الرَّاوِي مَا لم يتَبَيَّن خِلَافه، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قد رَوَى عَن أبي مَيْمُونَة الْمَذْكُور أَبُو النَّضر، قَالَه أَبُو حَاتِم، (ثمَّ) رَوَى عَنهُ يَحْيَى بن أبي كثير هَذَا الحَدِيث نَفسه، ثمَّ سَاق الحَدِيث من «مُسْند ابْن أبي شيبَة» ثمَّ قَالَ: فجَاء من هَذَا جودة هَذَا الحَدِيث وَصِحَّته، وَلَعَلَّه مَقْصُود (عبد الْحق) . فَائِدَة: قَوْلهَا: «نَفَعَنِي وسقاني» مَعْنَاهُ بلغ حدًّا (لينْتَفع بِهِ بِحمْل) مَاء أَو مَتَاع. كَمَا نبه عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ، والبئر الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث عَلَى ميلين من الْمَدِينَة كَذَا ذكره أَبُو عبيد الْبكْرِيّ. قَالَ: وَهِي مَعْرُوفَة ولفظها عَلَى لفظ الْمَأْكُول. والرطانة - بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا -: الْكَلَام بالأعجمية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 والاستهام: المقارعة. ويحاقني: أَي يُنَازعنِي فِي حَقي مِنْهُ. تَنْبِيه: قيل هَذَا فِي الْغُلَام الَّذِي عقل وَاسْتَغْنَى عَن الْحَضَانَة، فَإِذا كَانَ كَذَلِك خير بَين وَالِديهِ، وللعلماء خلاف فِي ذَلِك. (قَالَ) الْخطابِيّ: وَإِن صَحَّ الحَدِيث فَلَا مَذْهَب عَنهُ. قلت: قد صُحح كَمَا سلف. هَذَا آخر مَا ذكر (فِيهِ) من الْأَحَادِيث. وَأما الأثران، (أَحدهمَا) : «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه خيَّر غُلَاما بَين أَبَوَيْهِ» وَهَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» (بِغَيْر) إِسْنَاد فَقَالَ: جَاءَ عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه خيرَّ غُلَاما بَين أَبَوَيْهِ» . وأسنده فِي الْقَدِيم عَلَى مَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن يزِيد بن يزِيد بن جَابر، عَن إِسْمَاعِيل بن (عبيد الله) بن أبي المُهَاجر، عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم «أَن عمر بن الْخطاب خير غُلَاما بَين أَبِيه وَأمه» . الْأَثر الثَّانِي: عَن عمَارَة الْجرْمِي قَالَ: «خيرَّني عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بَين أُمِّي وَعمي وَأَنا ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان» . هَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَعَن عمَارَة قَالَ: «خيرَّني عَليّ بَين أُمِّي وَعمي، ثمَّ قَالَ لأخ أَصْغَر مني: وَهَذَا أَيْضا لَو قد بلغ خيرته» وَقَالَ فِي الحَدِيث: «وَكنت ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 سِنِين» وَذكره فِي «الْأُم» مُسْندًا من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن يُونُس بن عبد الله الْجرْمِي، عَن عمَارَة الْجرْمِي قَالَ: «خيرَّني عَلّي بَين أُمِّي وَعمي، وَقَالَ لأخ لي أَصْغَر مني: وَهَذَا لَو بلغ مبلغ هَذَا خيرته» . وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي: قَالَ إِبْرَاهِيم، عَن يُونُس، عَن عمَارَة، عَن عَلّي، مثله وَقَالَ فِي الحَدِيث: «وَكنت ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن يُونُس بن عبد الله، عَن عمَارَة، وَذكر نَحوه، وَفِيه: «وَقَالَ لأخ لي أَصْغَر مني: وَهَذَا لَو بلغ لخيرته» . قَالَ إِبْرَاهِيم: وَفِي الحَدِيث: «وَكنت ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين» . وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث حَيْثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن شُعْبَة، عَن يُونُس الْجرْمِي، عَن عَلّي بن ربيعَة، قَالَ: «شهِدت عليًّا ... » فَذكر الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ (عَن) يُونُس الْجرْمِي، عَن عمَارَة، عَن عَليَّ. قلت لأبي: الْخَطَأ من أبي دَاوُد أَو من شُعْبَة؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَكَانَ أَكثر خطأ شُعْبَة فِي أَسمَاء الرِّجَال. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 بَاب (نَفَقَة) الرَّقِيق والرفق بهم وَنَفَقَة الْبَهَائِم ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث. أَحدهَا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «للمملوك طَعَامه وَكسوته بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلف من الْعَمَل (مَا لَا) يُطيق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم كَذَلِك من هَذَا الْوَجْه إِلَّا أَنه قَالَ: (مَا يُطيق) . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَفِي إِسْنَاده (مُحَمَّد بن عجلَان) ، وَفِيه لين. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «هم إخْوَانكُمْ خولكم جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم، فَمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 كَانَ (أَخُوهُ) تَحت يَده فليطعمه مِمَّا يَأْكُل ويلبسه مِمَّا يلبس» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث الْمَعْرُور بن سُوَيْد، قَالَ: «رَأَيْت أَبَا ذَر عَلَيْهِ حٌلة وَعَلَى غُلَامه مثلهَا فَسَأَلته عَن ذَلِك فَذكر أَنه سَاب رجلا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّك امْرؤُُ فِيك جَاهِلِيَّة. قلت عَلَى سَاعَتِي هَذِه من كبر السن؟ ! قَالَ: نعم، هم إخْوَانكُمْ وخولكم جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم، فَمن كَانَ أَخُوهُ تَحت يَده فليطعمه مِمَّا يَأْكُل وليلبسه مِمَّا يلبس، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ. فَإِن كلفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَإِن كلفه بِمَا يغلبه فليعنه» وَفِي رِوَايَة لَهما: «فليبعه» . فَائِدَة: الخوَل - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وواو مَفْتُوحَة -: الحشم، الْوَاحِد خائل، وَقد يكون الخول وَاحِدًا، وَهُوَ اسْم يَقع عَلَى العَبْد وَالْأمة، وَقَالَ الْفراء: إِنَّه جمع خائل، وَهُوَ الرَّاعِي. وَقَالَ غَيره: هُوَ مَأْخُوذ من التخويل وَهُوَ التَّمْلِيك. حَكَاهُ الْجَوْهَرِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا (جَاءَ) أحدكُم خادمه بطعامه، وَقد كَفاهُ حره وَعَمله، فليقعد فَليَأْكُل مَعَه، وَإِلَّا فليناوله أَكلَة من طَعَام» . وَفِي رِوَايَة قَالَ: «إِذا كفَى أحدكُم خادمه طَعَامه حره ودخانه فليجلسه مَعَه، فَإِن أَبَى فليروغ لَهُ لقْمَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث (أبي) هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أَتَى أحدكُم خادمه بطعامه، فَإِن لم يجلسه مَعَه فليناوله [لقْمَة أَو] لقمتين أَو أَكلَة أَو أكلتين فَإِنَّهُ ولي حرَّه وعلاجه» . هَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم: «إِذا صنع لأحدكم خادمه طَعَامه ثمَّ جَاءَ بِهِ، وَقد ولي حره ودخانه، فليقعده مَعَه (فَليَأْكُل) ، فَإِن كَانَ الطَّعَام مشفوهًا قَلِيلا فليضع مِنْهُ فِي يَده أَكلَة أَو أكلتين» . قَالَ دَاوُد بن قيس: يَعْنِي لقْمَة أَو لقمتين. وَأخرجه الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 فَائِدَة: الأَُكلة - بِضَم الْهمزَة -: اللُّقْمَة، وَبِفَتْحِهَا: الْمرة الْوَاحِدَة من الْأكل، وَلَيْسَ مرَادا هُنَا، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّهَا هُنَا بِالضَّمِّ. وحره: تَعبه ومشقته. وعلاجه: مزاولته. وروغ اللُّقْمَة: رَوَاهَا دسمًا. والمشفوه: الْقَلِيل. فَائِدَة: أَشَارَ الشَّافِعِي فِي ذَلِك إِلَى ثَلَاث احتمالات، ذكرهَا الرَّافِعِيّ: أَحدهَا: وجوب الترويغ والمناولة. ثَانِيهَا: وجوب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه. (وأصحهما) أَنه لَا (يجب) وَاحِد مِنْهُمَا. انْتَهَى. وَقد يتَوَقَّف النَّاظر فِي تغايرها؛ لِأَن حَقِيقَة الأول التَّخْيِير، وَالثَّانِي كَذَلِك، وَالْأول يَقُول بأفضلية الإجلاس، وَالثَّانِي يُسَوِّي بَينهمَا. وَلما ذكر الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» هَذِه الثَّلَاثَة ذكر بدل الأول أَنه يجب التَّرْتِيب، وَرجح الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» الِاحْتِمَال الأول، وَقَالَ: إِنَّه أولَى بِمَعْنى الحَدِيث، (بِخِلَاف) مَا رَجحه الرَّافِعِيّ. الحَدِيث الرَّابِع ثَبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «عذبت امْرَأَة فِي هرة (سجنتها) حَتَّى مَاتَت (فَدخلت فِيهَا النَّار، لَا هِيَ أطعمتها وسقتها إِذْ هِيَ حبستها، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 هِيَ تركتهَا تَأْكُل) من خشَاش الأَرْض» . أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «حَتَّى مَاتَت جوعا فَدخلت فِيهَا النَّار» . ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَفعه: «عذبت امْرَأَة فِي هرة لم تطعمها، وَلم تسقها، وَلم تتركها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض» . رَوَاهُ مُسلم و (قَالَ) البُخَارِيّ لما سَاق حَدِيث ابْن عمر: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة (مثله) . ثَالِثهَا: من حَدِيث جَابر، أخرجه مُسلم فِي الْكُسُوف وَلَفظه: «وَعرضت عليَّ النَّار فَرَأَيْت امْرَأَة من بني إِسْرَائِيل تعذب فِي هرة لَهَا ربطتها فَلم تطعمها، وَلم [تدعها] تَأْكُل من خشَاش الأَرْض» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رَأَيْت فِي النَّار امْرَأَة حميرية سَوْدَاء طَوِيلَة» وَلم يقل: «من بني إِسْرَائِيل» . وَفِي رِوَايَة: «رَأَيْت فِيهَا صَاحِبَة الْهِرَّة الَّتِي ربطتها فَلم تطعمها ... » الحَدِيث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 رَابِعهَا: من حَدِيث (أَسمَاء) رَوَاهُ مُسلم أَيْضا وَلَفظه: «فَإِذا امْرَأَة حبستها هرة» . الحَدِيث، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه فِي بَاب مَا (يُقَال) بعد التَّكْبِير. خَامِسهَا وسادسها: من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَعقبَة بن عَامر (رَوَاهُمَا) ابْن حبَان فِي «صَحِيحه) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، بِهِ. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «فِي هرة» أَي: (بِسَبَب) هرة. و «الخشاش» بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا. قالهُ الرَّافِعِيّ، وَبِضَمِّهَا كَمَا حَكَاهُ القَاضِي فِي «مشارقه» وَالْفَتْح أشهر. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهُوَ هوَام الأَرْض. قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّواب، وَقد جَاءَ ذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم: «تَأْكُل من (حشرات) الأَرْض» ، وَأبْعد من قَالَ: إِنَّه النَّبَات. والخشاش بِالْمُعْجَمَةِ، وَقيل بِالْمُهْمَلَةِ، وَهَذِه الْمَرْأَة يجوز أَن تكون كَافِرَة، لَكِن ظَاهر الحَدِيث أَنَّهَا مسلمة وعذبت عَلَى إصرارها عَلَى ذَلِك، وَلَيْسَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 الحَدِيث تخليدها. (قلت: رَوَى الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي «تَارِيخ أَصْبَهَان» أَنَّهَا كَافِرَة، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْبَعْث والنشور» أَنَّهَا عَن عَائِشَة؛ فَتكون من جملَة اسْتِحْقَاقهَا النَّار حبس الْهِرَّة، وأبداه القَاضِي احْتِمَالا، وَأنْكرهُ النَّوَوِيّ واستبعده) . وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أثرا وَاحِدًا: وَهُوَ: رُوِيَ عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَنه قَالَ: «لَا تكلفوا الصَّغير الْكسْب فيسرق، وَلَا الْأمة غير ذَات الصَّنْعَة فتكتسب بفرجها» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي كَذَلِك فِي «الْمُخْتَصر» بِغَيْر إِسْنَاد وأسنده فِي غَيره، عَن مَالك وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن (عَمه) أبي سُهَيْل، عَن أَبِيه، أَنه سمع عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَنه (قَالَ) : «لَا تكلفوا الصَّغِير الْكسْب (فَإِنَّكُم مَتى كلفتموه الْكسْب) (يسرق) وَلَا الْأمة غير ذَات الصَّنْعَة (الْكسْب فَإِنَّهُ مَتى كلفتموها الْكسْب) (كسبت) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 بفرجها» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَزَاد ابْن أبي أويس فِي رِوَايَته: «وعفوا إِذا أعفكم الله وَعَلَيْكُم من المطاعم بِمَا طَابَ مِنْهَا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَفعه بَعضهم عَن عُثْمَان من حَدِيث الثَّوْريّ. وَرَفعه ضَعِيف. فَائِدَة: قَالَ صَاحب «الْمطَالع» وَقع فِي «موطأ يَحْيَى» : الْمَرْأَة. وَفِي « (موطأ) ابْن بكير» : الْأمة. وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْأمة أوجه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 كتاب الْجراح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 كتاب الْجراح بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيد فِي الْقَتْل ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث: أَحدهَا (أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ أَي الذَّنب أكبر عِنْد الله؟ فَقَالَ: أَن تجْعَل لله ندًّا وَهُوَ خلقك. قيل: ثمَّ (أَي) قَالَ: أَن تقتل ولدك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح، عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَي الْكَبَائِر أكبر؟ قَالَ: أَن تجْعَل لله نِدًّا وَهُوَ خلقك. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك من أجل أَن يَأْكُل مَعَك» . وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ: «سَأَلت - أَو سُئِلَ - رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَي الذَّنب عِنْد الله أعظم؟ قَالَ: أَن تجْعَل لله ندًّا وَهُوَ خلقك. قَالَ: قلت: إِن ذَلِك لعَظيم. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك مَخَافَة أَن يطعم مَعَك. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك. قَالَ: وَنزلت هَذِه الْآيَة تَصْدِيقًا لقَوْل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ» . فَائِدَة: الند: الْمثل، والحليلة: الْمَرْأَة، و (الحليل) : الزَّوْج. الحَدِيث الثَّانِي عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل قتل امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: كفر بعد إِيمَان، وزنا بعد إِحْصَان، وَقتل نفسٍ بِغَيْر حق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي «مُسْنده» ، وَابْن مَاجَه (وَالنَّسَائِيّ فِي (سُنَنهمَا) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه) ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف «أَن عُثْمَان بن عَفَّان أشرف يَوْم الدَّار فَقَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه، أتعلمون أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَا يحل دم امرئٍ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: زنا بعد إِحْصَان، وارتداد بعد إِسْلَام، أَو قتل نَفْس بِغَيْر حق ليقْتل بِهِ؟ فوَاللَّه مَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وَلَا ارتددت مُنْذُ بَايَعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَا قتلت النَّفس الَّتِي حرم الله فَبِمَ تقتلونني» . هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 لفظ الْحَاكِم، وَلَفظ البَاقِينَ بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد فرفعه، وَرَوَاهُ الْقطَّان وَغير وَاحِد عَن يَحْيَى بن سعيد فوقفوه عَلَى عُثْمَان قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وجهٍ عَن عُثْمَان مَرْفُوعا. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل دم امْرِئ مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: الثّيّب الزَّانِي، وَالنَّفس بِالنَّفسِ، والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «والمفارق من الدَّين التارك للْجَمَاعَة» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «التارك لِلْإِسْلَامِ» . وَفِي رِوَايَة للنسائي: « (زَان مُحصن) » وَفِيه: «لَا يحل قتل مُسلم إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاث خِصَال: رجل يقتل مُسلما مُتَعَمدا، وَرجل يخرج من الْإِسْلَام فيحارب الله وَرَسُوله فَيقْتل، أَو يصلب، أَو ينفى من الأَرْض» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ مُسلم، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عُثْمَان، مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ هَكَذَا إِلَّا مطر الْوراق. الحَدِيث الثَّالِث فِي الْخَبَر: «لقتل مُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . هَذَا الْخَبَر مَشْهُور، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فَقَالَ: (أَخْبرنِي) مُسلم بن خَالِد الزنْجِي بِإِسْنَاد لَا أحفظه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قتل الْمُؤمن عِنْد الله يعدل زَوَال الدُّنْيَا» . وَقد أُسند (هَذَا) من وُجُوه صَحِيحَة لَا مطْعن لأحدٍ فِي رجالها. أَحدهَا: من حَدِيث عبد الله بن بُريدة، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «قتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الْحسن بن إِسْحَاق الْمروزِي، عَن خَالِد بن خِدَاش، عَن حَاتِم (بن) إِسْمَاعِيل، عَن (بَشير) بن المُهَاجر الغَنَوي، عَن عبد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 بن بُريدة (بِهِ) . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، كل رِجَاله ثِقَات مُحْتَج بهم فِي «الصَّحِيح» . (ثَانِيهَا: من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، مَرْفُوعا: «لزوَال الدُّنْيَا أَهْون عِنْد الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حقٍ» رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح) . (ثَالِثهَا) : من حَدِيث عبد الله بن (عَمْرو) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لزوَال الدُّنْيَا أَهْون (عِنْد) الله من قتل رجل مُسلم» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا عَلَى عبد الله بن عَمْرو، وَالْمَوْقُوف أصح. وَفِي رِوَايَة للنسائي: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقتل الْمُؤمن (أعظم عِنْد الله) من زَوَال الدُّنْيَا» . وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقتل الْمُؤمن (أعظم عِنْد الله) من زَوَال الدُّنْيَا» (فِي رِوَايَة لَهُ: «قتل مُؤمن عِنْد الله أعظم من زَوَال الدُّنْيَا» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» لم يروه عَن (ابْن) المُهَاجر إِلَّا ابْن إِسْحَاق، تفرد بِهِ مُحَمَّد بن (سَلمَة) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، عَن إِسْمَاعِيل مولَى عبد الله بن عَمْرو، عَن عبد الله بن (عَمْرو) مَرْفُوعا: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقتل الْمُؤمن (أعظم) عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا» فَقَالَا: هَكَذَا رَوَاهُ الحكم بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن (سَلمَة) ، عَن ابْن إِسْحَاق (والخراسانيون) يدْخلُونَ بَين ابْن إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم بن مهَاجر (الْحسن بن عمَارَة) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «وَالله (للدنيا) وَمَا فِيهَا أَهْون عَلَى الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حق» . لَكِن فِي إِسْنَاده يزِيد بن زِيَاد الشَّامي وَقد ضعَّفوه. الحَدِيث الرَّابِع وَقَالَ أَيْضا: «من أعَان عَلَى قتل مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة لَقِي الله وَهُوَ مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن (الثِّقَة) عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من أعَان ... » فَذكره بِحَذْف لَفْظَة «وَلَو» ذكره من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من طَرِيقه مَرْفُوعا «من شرك فِي دم حرَام بِشَطْر كلمة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله» وَفِي سَنَده [عبد الله] بن خرَاش، وَلَا أعرفهُ. ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من طَرِيقه مَرْفُوعا، وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ لفظ ابْن مَاجَه، إِلَّا أَنه قَالَ: «مُؤمن» بدل «مُسلم» (وبحذف «وَلَو» ) وبحذف «وَهُوَ» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «من أعَان عَلَى قتل مُسلم لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب عَلَى جَبهته: آيس من رَحْمَة الله» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يَوْم يلقاه» . وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن زِيَاد، وَقيل: ابْن أبي زِيَاد، وَقد ضَعَّفُوهُ قَالَ البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنه لما كبر سَاءَ حفظه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 وَتغَير، وَكَانَ يَتَلَقَّن مَا لقِّن فَوَقَعت الْمَنَاكِير فِي حَدِيثه، فسماع من سمع مِنْهُ قبل (التَّغَيُّر) صَحِيح. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ ذكر كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ، ثمَّ نقل عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. وَقَالَ ابْن حبَان: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع، لَا أصل لَهُ من حَدِيث الثِّقَات. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَقد رُوِيَ هَذَا الْمَتْن مُرْسلا، عَن الْفرج بن فضَالة، عَن الضَّحَّاك، عَن الزُّهْرِيّ يرفعهُ قَالَ: «من أعَان عَلَى قتل مُؤمن بِشَطْر كلمة لَقِي الله - عَزَّ وَجَلَّ - (يَوْم الْقِيَامَة) مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله» . قلت: والفرج بن فضَالة قوَّاه أَحْمد، وضَعَّفه غَيره. قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. ثَالِثهَا: من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته) ، من حَدِيث حَكِيم بن نَافِع، عَن خلف بن حَوْشَب، عَن (الحكم بن عتيبة) عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر مَرْفُوعا: «من أعَان عَلَى امْرِئ مُسلم (بِشَطْر) كلمة لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة (مَكْتُوب) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح. قَالَ أَبُو زرْعَة: حَكِيم بن نَافِع لَيْسَ بِشَيْء. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث (عَمْرو بن) مُحَمَّد الأعسم، عَن يَحْيَى بن سَالم الْأَفْطَس، عَن أَبِيه، عَن سعيد، عَن عمر مَرْفُوعا: «من أعَان عَلَى سفك دم امرئٍ مُسلم (بِشَطْر كلمة) لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله» . قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح. قَالَ ابْن حبَان: الأعسم يروي عَن الثِّقَات الْمَنَاكِير، وَيَضَع أسامي للمحدثين، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. ثمَّ ذكره من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: «يَجِيء الْقَاتِل يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله» . ثمَّ قَالَ: وَهَذَا لَا يَصح، فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عُثْمَان (بن أبي شيبَة) كذبه عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، وعطية الْعَوْفِيّ وَقد ضعَّفه الْكل. فَائِدَة: نقل الْقُرْطُبِيّ فِي أول تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، عَن (سُفْيَان) أَنه قَالَ فِي تَفْسِير شطر الْكَلِمَة: أَن يَقُول فِي اقْتُل: اق. كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «كفَى بِالسَّيْفِ شا» . مَعْنَاهُ شافيًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 تَنْبيِه: ذكر الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام عَلَى الْإِكْرَاه فِي وجوب التَّلَفُّظ بِكَلِمَة الْكفْر أَن الْأَصَح عدم وجوب التَّلَفُّظ (بهَا) للأحاديث الصَّحِيحَة فِي الْحَث عَلَى (الصَّبْر) عَلَى الدَّين، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي ضرب مِنْهُ. وَهُوَ الْخَامِس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص (ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا: أَحدهَا «أَن الرّبيع بنت النَّضر - عمَّة أنس بن مَالك - كسرت ثنية جَارِيَة فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْقصاصِ، فَقَالَ أَخُوهَا أنس بن النَّضر: أتكسر ثنية الرّبيع! لَا وَالله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كتاب الله الْقصاص» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن الرُّبَيع كسرت ثنية جَارِيَة، فطلبوا إِلَيْهَا الْعَفو فَأَبَوا، فعرضوا الأَرْش فَأَبَوا، فَأتوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَبَوا إِلَّا الْقصاص، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْقصاصِ، فَقَالَ أنس بن النَّضر: أتكسر ثنية الرُّبَيع! لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، لَا تكسر ثنيتها. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا أنس، كتاب الله الْقصاص. فَرضِي الْقَوْم فعفوا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن من عباد الله من لَو أقسم عَلَى الله لَأَبَره» . وَأخرجه مُسلم عَلَى وَجه آخر عَن أنس أَيْضا «أَن أُخْت الرُّبيع أم حَارِثَة جرحت إنْسَانا فاختصموا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: الْقصاص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 الْقصاص. فَقَالَت أم الرّبيع: يَا رَسُول الله، أيقتص من فُلَانَة! وَالله لَا يقْتَصّ مِنْهَا. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: سُبْحَانَ الله يَا أم الرّبيع! الْقصاص كتاب الله. قَالَت: وَالله لَا يقْتَصّ مِنْهَا أبدا. (قَالَ) : فَمَا زَالَت حَتَّى قبلوا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن من عباد الله من لَو أقسم عَلَى الله لأبرَّه» . (فَائِدَتَانِ: الأولَى: رجح بَعضهم رِوَايَة البُخَارِيّ (أَن الرّبيع كسرت ثنية جَارِيَة) عَلَى رِوَايَة مُسلم «أَن أُخْت الرّبيع جرحت إنْسَانا» وَقَالَ ... الثَّانِيَة: فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَن الْحَالِف أنس بن النَّضر، وَفِي مُسلم أم الرّبيع وَهِي بِفَتْح الرَّاء وَكسر ... ) النَّوَوِيّ فِي «شَرحه لمُسلم» ، وَإِن كَانَ الدمياطي والمزي ضما الرَّاء وفتحا الْبَاء للجارحة، وَجمع الرَّافِعِيّ فِي «أَحْكَامه» أَن كلًّا مِنْهُمَا حلف عَلَى أَنه لَا يقْتَصّ مِنْهَا، وَأَن الْجراحَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 نسبت إِلَى إِحْدَاهمَا بِالْمُبَاشرَةِ، وَإِلَى الْأُخْرَى بِالسَّبَبِ، وَنسب الْقصاص إِلَى إِحْدَاهمَا من جِهَة أَنَّهَا الْمُبَاشرَة للجناية، وَإِلَى الْأُخْرَى من جِهَة تأثرها بالاقتصاص من هَذِه فَكل مَا نيل مِنْهَا نيل من أُخْتهَا. فَائِدَة ثَالِثَة: قَوْله: «كتاب الله الْقصاص» المُرَاد بهَا قَوْله تَعَالَى: (وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا) إِلَّا أَنه فِي نقل الرَّافِعِيّ عَن الْأَصْحَاب أَن هَذَا وَإِن كَانَ خَبرا مَا فِي التَّوْرَاة، لَكِن شرع من قبلنَا شرع لنا إِذا لم يرد نَاسخ لَهُ عَلَى رَأْي الْأُصُولِيِّينَ، وَبِتَقْدِير أَن لَا يكون كَذَلِك، فَإِن ورد مَا يقرره فَهُوَ شرع لنا لَا محَالة ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَمَا ذكره من أَن قَوْله: «كتاب الله الْقصاص» تَقْرِير لشرع من قبلنَا غَرِيب، فَإِنَّهُ إِخْبَار عَمَّا فِي كتاب الله - تَعَالَى - لَا إنْشَاء حكم، بل الْجَواب عِنْد من لَا يَقُول بِأَنَّهُ شرع لنا، أَن ذَلِك إِشَارَة إِلَى آيَات تدل عَلَيْهَا بِالْعُمُومِ لقَوْله تَعَالَى: (وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا) وَقَوله: (فَمن اعْتَدَى عَلَيْكُم) الْآيَة، وَقَوله: (وَإِن عَاقَبْتُمْ) الْآيَة وَهَذِه الْآيَات وَإِن طرقها التَّخْصِيص إِلَّا أَن دلالتها بَاقِيَة عَلَى مَا لم يثبت تَخْصِيصه. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ (: «قيل السَّوْط والعصى فِيهِ مائَة من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي بَاب الدِّيات، وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة حَمَّاد عَن خَالِد، عَن الْقَاسِم بن ربيعَة، عَن عقبَة بن أَوْس، عَن عبد الله بن عَمْرو «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب يَوْم الْفَتْح بِمَكَّة فَكبر ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده، صدق وعده، وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده، أَلا كل مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تذكر وتدعى من دم أَو مَال تَحت قدمي، إِلَّا مَا كَانَ من سِقَايَة الْحَاج وسدانة الْبَيْت. ثمَّ قَالَ: أَلا إِن دِيَة الْخَطَأ شبه الْعمد مَا كَانَ بِالسَّوْطِ والعصا (فِيهِ) مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بطونها أَوْلَادهَا» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «عقل شبه الْعمد مغلَّظ مثل عقل الْعمد وَلَا يقتل صَاحبه» زَاد فِي رِوَايَة «وَذَلِكَ أَن [ينَزْوَ] الشَّيْطَان بَين النَّاس فَتكون دِمَاء فِي عمياء فِي غير ضغينة وَلَا حمل سلَاح» . وَلَفظ ابْن مَاجَه « (الْخَطَأ) شبه الْعمد، قَتِيل السَّوْط والعصى مائَة من الْإِبِل أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بطونها أَوْلَادهَا» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن خَالِد الْحذاء، عَن الْقَاسِم بن ربيعَة، عَن عقبَة بن أَوْس، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم فتح مَكَّة: أَلا إِن قَتِيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 الْخَطَأ شبه الْعمد قَتِيل السَّوْط والعصى، وَالدية مُغَلّظَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بطونها أَوْلَادهَا» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ الْقَاسِم بن ربيعَة، عَن ابْن (عمر) مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ كَذَلِك أَيْضا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن جدعَان، عَن الْقَاسِم عَنهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ يَوْم فتح مَكَّة وَهُوَ عَلَى درج الْكَعْبَة فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده) أَلا إِن قَتِيل الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط والعصى، فِيهِ مائَة من الْإِبِل، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا، أَلا إِن كل مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة وَدم تَحت قدمي هَاتين، إِلَّا مَا كَانَ من سدانة الْبَيْت وسقاية الحاجِّ، أَلا إِنِّي قد أمضيتها لأَهْلهَا كَمَا كَانَا» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن جدعَان بِهِ بِلَفْظ: «أَلا إِن قَتِيل الْخَطَأ» إِلَى قَوْله: «أَوْلَادهَا» . وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، أَنا عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن يَعْقُوب السدُوسِي، عَن ابْن عمر، رَفعه: «أَلا إِن دِيَة الْخَطَأ الْعمد (وَالسَّوْط والعصى) » . الحَدِيث. وَعلي بن زيد بن جدعَان قد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ غير مرّة، وَالقَاسِم لَا يَصح سَمَاعه من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 ابْن (عمر) كَمَا قَالَه عبد الْحق وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: حضرت مجْلِس الْمُزنِيّ يَوْمًا وَسَأَلَهُ سَائل من الْعِرَاقِيّين عَن شِبه الْعمد، فَقَالَ السَّائِل: إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - وصف الْقَتْل فِي كِتَابه صفتين عمدا وَخطأ، فَلم قُلْتُمْ إِنَّه عَلَى ثَلَاثَة أَصْنَاف؟ وَلم قُلْتُمْ شبه الْعمد؟ فاحتج الْمُزنِيّ بِحَدِيث ابْن عمر، فَقَالَ لَهُ مناظره: أتحتج بعلي بن زيد بن جدعَان؟ (فَسكت) الْمُزنِيّ، فَقلت لمناظره: قد رَوَى هَذَا الْخَبَر غير عَلّي بن زيد. فَقَالَ: وَمن رَوَاهُ غير عَلّي؟ قلت: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وخَالِد الْحذاء. قَالَ لي: فَمن عقبَة بن أَوْس؟ (فَقلت) : عقبَة بن أَوْس رجل من أهل الْبَصْرَة؛ فقد رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن سِيرِين مَعَ جلالته. فَقَالَ للمزني: أَنْت تناظر أم هَذَا؟ فَقَالَ: إِذا جَاءَ الحَدِيث فَهُوَ مناظر؛ لِأَنَّهُ أعلم بِالْحَدِيثِ مني، ثمَّ أَتكَلّم أَنا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَرَادَ ابْن خُزَيْمَة بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذكرهَا طَرِيق حَدِيث عبد الله بن (عمر) يَعْنِي (السالف) . وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه) : حَدِيث ابْن عمر هَذَا مُضْطَرب الْإِسْنَاد، يرويهِ الْقَاسِم بن ربيعَة. فَتَارَة يَقُول: عَن يَعْقُوب بن أَوْس. وَتارَة يَقُول: عَن عقبَة بن أَوْس، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَتارَة يَقُول: عَن (ابْن عمر) ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 وَتارَة يَقُول: (عَن ابْن عَمْرو) . قلت: عقبَة بن أَوْس وَيَعْقُوب بن أَوْس وَاحِد كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى يَحْيَى بن معِين، وَأغْرب ابْن حزم فَقَالَ: عُقبة هَذَا مَجْهُول. وَتَبعهُ عبد الْحق فَقَالَ: لَيْسَ بالمشهور وَلَيْسَ بجيد، فقد رَوَى عَنهُ جماعات وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ ابْن الْقطَّان. (وَقَالَ عبد الْحق: طَريقَة عبد الله بن عَمْرو هِيَ الصَّحِيحَة. أَي وَطَرِيقَة ابْن عمر ضَعِيفَة كَمَا سلف. قلت: لَا جرم) أخرجهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِنَحْوِ من لفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : هُوَ صَحِيح وَلَا يضرّهُ الِاخْتِلَاف قَالَ: وَأما رِوَايَة ابْن عمر (فَلَا) ؛ لضعف ابْن جدعَان. وَخَالف أَبُو زرْعَة فَقَالَ فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : حَدِيث ابْن عمر أصح من حَدِيث ابْن عَمْرو. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَقد رُوِيَ حَدِيث ابْن عمر مُرْسلا وَهُوَ أشبه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث اخْتلف فِيهِ عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 الْقَاسِم بن ربيعَة فَروِيَ عَنهُ (عَن ابْن عمر، وَعنهُ) ، عَن ابْن عَمْرو، وأرسله حميد الطَّوِيل، عَن الْقَاسِم بن ربيعَة، وَقَالَ خَالِد الْحذاء: عَن الْقَاسِم، عَن عقبَة بن أَوْس، عَن ابْن عمر، وَهَذَا أشبه. وَسُئِلَ يَحْيَى فِيمَا حَكَاهُ الْحَاكِم (بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ) عَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو - يَعْنِي السالف - فَقَالَ لَهُ الرجل: إِن سُفْيَان يَقُول: عَن عبد الله بن عمر. فَقَالَ يَحْيَى بن معِين: عَلّي بن زيد لَيْسَ بِشَيْء، والْحَدِيث حَدِيث (خَالِد) إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن عَمْرو. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «فِي بطونها أَوْلَادهَا» مِمَّا يسْأَل عَنهُ، وَيُقَال: الخلفة هِيَ الَّتِي فِي بَطنهَا وَلَدهَا، فَمَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك؟ وَأجِيب عَنهُ بأجوبة: أَحدهَا: أَنه تَأْكِيد وإيضاح. ثَانِيهَا: أَنه تَفْسِير لَهَا لَا قيد. ثَالِثهَا: أَنه نفي لوهم متوهم يتَوَهَّم أَنه يَكْفِي فِي الخلفة أَن تكون حملت فِي وَقت مَا وَلَا يشْتَرط حملهَا حَالَة دَفعه فِي الدِّيَة. رَابِعهَا: أَنه إِيضَاح (بحكمها) وَأَنه يشْتَرط فِي نَفْس الْأَمر أَن تكون حَامِلا، وَلَا يَكْفِي قَول أهل الْخِبْرَة أَنَّهَا خلفة إِذا بَينا أَنه لم يكن فِي بَطنهَا ولد. خَامِسهَا: ذكره الرَّافِعِيّ حَيْثُ قَالَ: (وَقيل) اسْم الخلفة يَقع عَلَى الْحَامِل، وَعَلَى الَّتِي ولدت وَوَلدهَا يتبعهَا. فَأَرَادَ أَن يبين أَن الْوَاجِب الْحَامِل، ثمَّ ذكر الْوَجْه السالف فَقَالَ: وَيجوز أَن يُقَال هُوَ تَفْسِير الخلفة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 الحَدِيث الثَّالِث «أَن يَهُودِيّا رض رَأس جَارِيَة بَين حجرين فَقَتلهَا فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - برض رَأسه بَين حجرين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب بِلَفْظ: «أَن يهوديًّا (رضخ) رَأس جَارِيَة بِالْحِجَارَةِ فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (أَن يرض) رَأسه بِالْحِجَارَةِ» . وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن يهوديًّا قتل جَارِيَة عَلَى أوضاح لَهَا فَقَتلهَا بِحجر، فجيء بهَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَبهَا رَمق فَقيل لَهَا: أَقْتلك فلَان؟ فَأَشَارَتْ برأسها أَن لَا، ثمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَة فَأَشَارَتْ برأسها أَن لَا، ثمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَة فَقَالَت: نعم، وأشارت برأسها، فَقتله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بحجرين» . وَفِي روايةٍ لَهما (فرض) رَأسه بَين حجرين» وَفِي رِوَايَة لَهما» : «أَن يهوديًّا (رضخ) رَأس جَارِيَة بَين حجرين فَأخذ الْيَهُودِيّ فَأقر، فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يرض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 رَأسه بِالْحِجَارَةِ» . وَقَالَ همام: «بحجرين» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَن الْيَهُودِيّ اعْترف بَعْدَمَا أشارت إِلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قتل يهوديًّا [بِجَارِيَة] قَتلهَا عَلَى أوضاح لَهَا» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَن رجلا من الْيَهُود قتل جَارِيَة عَلَى حُلي لَهَا ثمَّ أَلْقَاهَا فِي القليب، ورضخ رَأسهَا بِالْحِجَارَةِ، فَأخذ فَأتي بِهِ رَسُول «وَأمر) أَن يرْجم حَتَّى يَمُوت، فرجم حَتَّى مَاتَ» . الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « (يقتل) الْقَاتِل ويصبر الصابر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» (عَن) أبي دَاوُد (الْحَفرِي) عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا أمسك الرجلُ الرجلَ وَقَتله الآخر، يقتل الَّذِي قتل وَيحبس الَّذِي أمسك» . وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه غير مَحْفُوظ. قَالَ: وَقد قيل: عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: هُوَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ وَلَفظه: «أُتي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - برجلَيْن أَحدهمَا قتل وَالْآخر أمسك، فَقتل الْقَاتِل، وَحبس الممسك» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي رجل أمسك رجلا وَقتل الآخر، قَالَ: يقتل الْقَاتِل، وَيحبس الممسك» . وَعَن سُفْيَان، عَن جَابر، عَن عَامر، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَنه) قَضَى بذلك. قَالَ: (وَكَذَلِكَ) معمر، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة يرفعهُ، قَالَ: «اقْتُلُوا الْقَاتِل، واصبروا الصابر» . قلت: وَكَذَا هُوَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ، عَن معمر وَابْن جريح، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة رفع الحَدِيث، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يقتل الْقَاتِل ويصبر الصابر» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: والإرسال فِي هَذَا الحَدِيث أَكثر. وَتَبعهُ عبد الْحق، وتعقبهما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: (أوهما) بِهَذَا القَوْل ضعف (الْخَبَر) وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح، فَإِن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة من الثِّقَات فَلَا يعد رَفعه مرّة وإرساله أُخْرَى اضطرابًا، إِذْ يجوز لِلْحَافِظِ أَن يُرْسل الحَدِيث عِنْد المذاكرة فَإِذا أَرَادَ التحميل أسْندهُ، وَإِنَّمَا يعد هَذَا اضطرابًا (بِمن) لم نثق بحفظه، وَالثَّوْري أحد الْأَئِمَّة وَقد وَصله غَيره كَمَا ذكر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 فَائِدَة: قَالَ أَبُو عُبيد فِي «غَرِيبه» بعد أَن أخرج الحَدِيث بِلَفْظ «اقْتُلُوا الْقَاتِل واصبروا الصابر» ، قَوْله: «اصْبِرُوا» ، يَعْنِي: احْبِسُوا الَّذِي حَبسه. وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ: قيل: مَعْنَاهُ أَنه يحبس تعزيرًا وَالصَّبْر هُوَ الْحَبْس، يَقُول: صَبر يصبِر بِكَسْر الْبَاء فِي الْمُضَارع، وصبرته أَنا أَي حَبسته، قَالَ تَعَالَى: (واصبر نَفسك) الْآيَة. قَالَ الْجَوْهَرِي ثمَّ ذكر الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: أَي احْبِسُوا الَّذِي حَبسه للْمَوْت حَتَّى يَمُوت. هَذَا لَفظه. وَالْفُقَهَاء ينازعون فِي حَبسه للْمَوْت كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي (الْفِقْه) . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كَانَ الرجل فِيمَن كَانَ قبلكُمْ يحْفر لَهُ فِي الأَرْض فَيجْعَل فِيهِ، فيجاء بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع عَلَى رَأسه فَيشق بِاثْنَيْنِ (وَمَا) يصده عَن دينه، وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون لَحْمه من عظم وعصبٍ وَمَا يصده ذَلِك عَن دينه» . هَذَا الحَدِيث (أخرجه) البُخَارِيّ من حَدِيث خباب (بن) الْأَرَت قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ (مُتَوَسِّد) بردة (لَهُ) فِي ظلّ الْكَعْبَة (فَقُلْنَا) : أَلا تَسْتَنْصِر لنا، أَلا تَدْعُو لنا؟ فَقَالَ (: قد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 كَانَ من قبلكُمْ يُؤْخَذ الرجل فيحفر لَهُ فِي الأَرْض (حفيرة) فَيجْعَل فِيهَا، ثمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع عَلَى رَأسه فَيجْعَل نِصْفَيْنِ، وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون لَحْمه وعظمه، مَا يصده ذَلِك عَن دينه، وَالله لَيتِمَّن الله هَذَا الْأَمر حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله وَالذِّئْب عَلَى غنمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون» وَأخرجه أَبُو دَاوُد بِلَفْظ الرَّافِعِيّ (سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه» بدل «يصده» ، وَهنا فَائِدَة) المئشار بِهَمْزَة بعد الْمِيم هَذَا هُوَ (الْأَفْصَح) وَيجوز تَخْفيف الْهمزَة، وَيجوز بالنُّون بدلهَا. ذكره (كُله) النَّوَوِيّ فِي «شَرحه لمُسلم» ، فِي «بَاب ذكر الدَّجَّال» وَهُوَ (ملخص) من الصِّحَاح فِي مَادَّة: أشر، ووشر، وَنشر. الحَدِيث السَّادِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (أَلا) لايقتل مُؤمن بِكَافِر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي جُحَيْفَة وهْب بن عبد الله السَّوائي قَالَ: «قلت لعَلي: يَا أَمِير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 الْمُؤمنِينَ، هَل عنْدكُمْ شَيْء من الْوَحْي إِلَّا مَا فِي كتاب الله؟ قَالَ: لَا وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة مَا عَلمته إِلَّا فهما يُعْطِيهِ الله رجلا فِي الْقُرْآن وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة. قلت: وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة؟ قَالَ: فِيهَا الْعقل وفكاك الْأَسير، وَأَن لَا يقتل مُسلم بِكَافِر» . هَكَذَا هُوَ فِي بَابَيْنِ من البُخَارِيّ: «مسلمٌ بِكَافِر» وَهُوَ من أَفْرَاده كَمَا نبه عَلَيْهِ الْحميدِي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ (و) الْبَزَّار من حَدِيث قيس بن عباد، عَن عَلّي فِي الصَّحِيفَة الَّتِي عِنْده: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده» . قَالَ الْبَزَّار: رُوِيَ عَن عَلّي من غير وَجه، وَهَذَا الْإِسْنَاد أحسن إِسْنَاد يرْوَى فِي ذَلِك وأصحه. قَالَ: وَلَا نعلم أسْند قيس بن عباد عَن عَلّي إِلَّا حديثين أَحدهمَا هَذَا وَثَانِيهمَا حَدِيثه فِي سَبَب نزُول (هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم) وَسَيَأْتِي هَذَا فِي أثْنَاء السّير إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا، وحسَّنه التِّرْمِذِيّ، وَلَفظ أبي دَاوُد: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر» وَلَفظ البَاقِينَ: «مسلمٌ» بدل: «مُؤمن» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِمثل حَدِيث قيس بن عباد السالف. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عمر فِي حَدِيث طَوِيل بِلَفْظ: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا من رِوَايَة عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَالْحسن أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم الْفَتْح: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر» . قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» (و «الْمُخْتَصر» : و) هَذَا عَام عِنْد أهل الْمَغَازِي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تكلم بِهِ فِي خطبَته يَوْم الْفَتْح، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُسْندًا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب (عَن أَبِيه عَن جده) وَحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن. هَذَا آخر كَلَام الشَّافِعِي. وَقيل: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَه فِي خطْبَة الْوَدَاع. حَكَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمرَان وَعَائِشَة أَيْضا وَعَزاهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن. تَنْبِيه: هَذِه الْأَحَادِيث دَالَّة عَلَى ضعف حَدِيث ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قتل مُسلما بمعاهد وَقَالَ: أَنا أكْرم من وفَّى بِذِمَّتِهِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ خطأ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: وَصله بِذكر ابْن عمر (فِيهِ) وَإِنَّمَا هُوَ (عَن) ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. ثَانِيهمَا: رِوَايَته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 عَن إِبْرَاهِيم (عَن) ربيعَة، وَإِنَّمَا يرويهِ إِبْرَاهِيم، عَن ابْن الْمُنْكَدر، وَالْحمل فِيهِ عَلَى عمار بن مطر الرهاوي، وَقد كَانَ يقلب الْأَسَانِيد وَيسْرق الْأَحَادِيث حَتَّى كثر ذَلِك فِي رواياته وَسقط عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو عبيد: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِمُسْنَد وَلَا يَجْعَل مثله إِمَامًا (تسْقط) بِهِ دِمَاء الْمُسلمين. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَى ابْن أبي يَحْيَى لَيْسَ لَهُ وَجه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم (يروه) غير إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَالصَّوَاب عَن ربيعَة، عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف لَا تقوم بِمثلِهِ حجَّة إِذا وصل الحَدِيث، فَكيف بِمَا يُرْسِلهُ. وَمَا أحسن قَول الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل: من حكم بِحَدِيث ابْن الْبَيْلَمَانِي فَهُوَ عِنْدِي مُخطئ، فَإِن حكم بِهِ حَاكم (وَرفع) إِلَى حَاكم آخر (رده) . الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يقتل حرّ بِعَبْد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث عُثْمَان بن مقسم الْبري، عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، عُثْمَان هَذَا كذبه يَحْيَى وَغَيره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 وجويبر مَتْرُوك، وَالضَّحَّاك لم يدْرك ابْن عَبَّاس، فَهُوَ إِذن ضَعِيف مُنْقَطع، وَقد ضعفه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فَقَالَ: فِي إِسْنَاده ضعف. وَعبد الْحق (قَالَ) : إِنَّه (مُنْقَطع) (وَقد ضعفه الْبَيْهَقِيّ) . وَقَالَ ابْن الْقطَّان: ترك عبد الْحق أَن يبين أَنه من رِوَايَة عُثْمَان الْبري عَنهُ، وَقد قَالَ فِي حَدِيث آخر: إِنَّه كثير الْوَهم وَالْخَطَأ، وَكَانَ صَاحب بِدعَة كَانَ يُنكر الْمِيزَان، وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ (فاحتج) بِهِ فِي «تَحْقِيقه» وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ. قَالَ عبد الْحق: وَقد رَوَى أَيْضا من رِوَايَة عمر بن عِيسَى الْأَسْلَمِيّ، عَن ابْن جُريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عمر مَرْفُوعا: «لَا يُقَاد مَمْلُوك من مَالِكه، وَلَا ولد من وَالِده» . وَعمر هَذَا مُنكر الحَدِيث ضَعِيف، قَالَه ابْن عدي، (ورويا) - أَعنِي: الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ - عَن عَلّي أَنه قَالَ: «من السّنة أَن لَا يقتل حر بِعَبْد» . وَهُوَ ضَعِيف لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن فِي إِسْنَاده جَابر الْجعْفِيّ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : تفرد بِهِ جَابر. وَثَانِيهمَا: أَنه لَيْسَ بمتصلٍ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 قَالَه عبد الْحق. ورويا (أَيْضا) ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن أَبَا بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، كَانَا لَا يقتلان الْحر بقتل العَبْد» وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا، وَفِي إِسْنَاده ابْن أَرْطَاة وَقد ضَعَّفُوهُ لَكِن تَابعه عَلَيْهِ (عَمْرو) بن عَامر. وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن قَالَ: «لَا يُقَاد الْحر بِالْعَبدِ» . وَفِيه أَيْضا: عَن ابْن أبي جَعْفَر، عَن بكير قَالَ: «مَضَت السّنة بِأَن لَا يقتل الْحر الْمُسلم بِالْعَبدِ وَإِن قَتله عمدا، وَعَلِيهِ الْعقل» . فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة. تَنْبِيه: مَا عَارض هَذِه الْأَحَادِيث والْآثَار مُتَكَلم فِيهَا أَيْضا. فَفِي الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الحكم، عَن عَلّي وَابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَا: «إِذا قتل الْحر العَبْد مُتَعَمدا فَهُوَ قَود» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا تقوم بِهِ حجَّة؛ لِأَنَّهُ مُرْسل. وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 (عَن) عَلّي وَعبد الله بن عَبَّاس (فِي الْحر يقتل العَبْد (قَالَا) : الْقود» . ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ -: هُوَ مُنْقَطع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وثنا عبد الله بن وهب (قَالَ) أَخْبرنِي ابْن أبي ذِئْب وَمَالك بن أنس، عَن ابْن شهَاب أَنه قَالَ: «لَا قَود بَين الْحر وَالْعَبْد فِي شَيْء إِلَّا أَن العَبْد إِذا قتل الْحر عمدا قتل بِهِ» . وَقَالَ لي مَالك مثله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (و) روينَا عَن ابْن جريج، عَن عَطاء مثله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أما حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة مَرْفُوعا: «من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ، وَمن جدعه جدعناه، وَمن خصاه خصيناه» . قَالَ قَتَادَة: ثمَّ إِن الْحسن نسي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: «لَا يقتل حر بعبدٍ» (و) يشبه أَن يكون الْحسن لم ينس الحَدِيث لَكِن رغب عَنهُ لضَعْفه، وَأكْثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ رَغِبُوا عَن رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة. قلت: وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ حسَّن الحَدِيث (و) قَالَ الْحَاكِم: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا، وَأجَاب غير الْبَيْهَقِيّ بأوجه: أَحدهَا: أَنه ورد عَلَى وَجه الْوَعيد، وَقد يتواعد بِمَا لَا يفعل، كَمَا قَالَ: «من شرب الْخمر فِي الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ» . قَالَه ابْن قُتَيْبَة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه) : إِنَّه الصَّحِيح. ثَانِيهَا: أَنه أَرَادَ من كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 عَبده لِئَلَّا يتَوَهَّم بِعَدَمِ الرّقّ مَانِعا، ذكره صَاحب «الْمُنْتَقَى» فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: أَكثر أهل الْعلم عَلَى أَن السَّيِّد لَا يقتل بِعَبْدِهِ، وتأولوا هَذَا الحَدِيث عَلَى ذَلِك. وَقد رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رجلا قتل عَبده مُتَعَمدا فجلده النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ونفاه سنة ومحى سَهْمه من الْمُسلمين، وَلم يقده بِهِ، وَأمره أَن يعْتق رَقَبَة» . وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة إِسْمَاعِيل (بن) عَيَّاش إِذْ هُوَ حجَّة فِيمَا رَوَى عَن أهل الشَّام (وَقد رَوَى) هَذَا الحَدِيث عَن الْأَوْزَاعِيّ وَهُوَ من عُلَمَاء أهل الشَّام. ثَالِثهَا: أَنه مَنْسُوخ بِحَدِيث: «من حُرق بالنَّار أَو مُثل بِهِ فَهُوَ حر، وَهُوَ مولَى لله وَرَسُوله» . قَالَه ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه) . الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا (يُقَاد) الْوَالِد بِالْوَلَدِ» . هَذَا الحَدِيث مرويٌ من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا يُقَاد الْوَالِد بِالْوَلَدِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث (عَمْرو بن) شُعَيْب، عَن (أَبِيه، عَن جده، عَنهُ) (رَوَاهُ) ابْن مَاجَه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 أَيْضا وعلته الْحجَّاج بن أَرْطَاة (وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : رَوَاهُ حجاج بن أَرْطَاة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «حضرت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[يُقيد] الْأَب من ابْنه وَلَا يُقيد الابْن من أَبِيه) . ثَانِيهَا: من حَدِيث سراقَة بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «حضرت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يُقيد) الْأَب من ابْنه وَلَا يُقيد الابْن من أَبِيه» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَنهُ بِهِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه من حَدِيث سراقَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيح، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش (و) الْمثنى بن الصَّباح، والمثنى يضعف فِي الحَدِيث. قلت: وَإِسْمَاعِيل (هَذَا) ضَعِيف عَن غير الشاميين، وَهُوَ هَا هُنَا رَوَى عَن الْمثنى بن الصَّباح وَلَيْسَ بشامي. قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن الْحجَّاج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف، ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو بن شُعَيْب مُرْسلا، وَهَذَا حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَفعه: «لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد، وَلَا يقتل الْوَالِد بِالْوَلَدِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه. قلت: وَقد تَابعه عَلَى رِوَايَته الْحسن بن عبيد الله الْعَنْبَري، عَن عَمْرو بن دِينَار، أَفَادَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، و «مَعْرفَته» قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أهل الْعلم أَن الْأَب إِذا قتل ابْنه لَا يقتل بِهِ، وَإِذا قذفه لَا يُحد. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه) : هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا معلولة لَا يَصح مِنْهَا شَيْء. وبيَّن ذَلِك ابْن الْقطَّان كَمَا بَيناهُ. رَابِعهَا: (من) حَدِيث ابْن لَهِيعَة، ثَنَا عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَا يُقَاد وَالِد من وَلَده، وَيَرِث المَال من يَرث الْوَلَاء» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده) من هَذَا الْوَجْه عَن ابْن لَهِيعَة بِالتَّحْدِيثِ، وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يسمع ابْن لَهِيعَة من عَمْرو بن شُعَيْب شَيْئا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «الْأَفْرَاد» من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر (اليمامي) ، عَن يَعْقُوب بن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن (عَمْرو) . وَمُحَمّد وَيَعْقُوب لَا يحْتَج بهما. قلت: وَلِحَدِيث (عمر) السالف طَرِيق آخر، رَوَاهُ أَحْمد، عَن أسود بن عَامر، أَنا جَعْفَر الْأَحْمَر، عَن مطرف، عَن الحكم، عَن مُجَاهِد قَالَ: «حذف رجل ابْنا لَهُ بِسيف فَقتله فرُفع إِلَى عمر فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا يُقَاد الْوَالِد من وَلَده. لقتلتك قبل أَن تَبْرَح» . وَطَرِيق آخر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مطرف بن طريف، عَن الحكم بن عتيبة، عَن رجل يُقَال لَهُ: عرْفجَة، عَن عمر بن الْخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -، قَالَ: سَمِعت رَسُول (يَقُول: «لَيْسَ عَلَى (الْوَالِد) قَود من وَلَده» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب «أَن رجلا من بني (مُدْلِج) يُقَال لَهُ: قَتَادَة، حذف ابْنه بِسيف فَأصَاب سَاقه، فنزا فِي جرحه فَمَاتَ، فَقدم سراقَة بن جعْشم عَلَى عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ عمر: أعدد لي عَلَى قديد عشْرين وَمِائَة بعير حَتَّى أقدم عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم عمر أَخذ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 من تِلْكَ الْإِبِل ثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة، ثمَّ قَالَ: أَيْن أَخ الْمَقْتُول؟ قَالَ: هَا أَنا ذَا. قَالَ: خُذْهَا فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَيْسَ لقَاتل شَيْء» . قَالَ الشَّافِعِي: وَقد حفظته عَن عدد من أهل الْعلم لقيتهم أَن لَا يقتل الْوَالِد بِالْوَلَدِ، وَبِذَلِك أَقُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع، فأكده الشَّافِعِي بِأَن عددا من أهل الْعلم يَقُول بِهِ. (قَالَ) : وَقد رُوِيَ مَوْصُولا فساقه من حَدِيث مُحَمَّد بن عجلَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: «نحلت لرجل من بني مُدْلِج جَارِيَة فَأصَاب مِنْهَا ابْنا، فَكَانَ يستخدمها، فَلَمَّا شب الْغُلَام دَعَاهَا يَوْمًا فَقَالَ: اصنعي كَذَا وَكَذَا. (فَقَالَ) : لَا تَأْتِيك حَتَّى مَتى (تستأمي) أُمِّي. قَالَ: فَغَضب فَحَذفهُ بِسيف فَأصَاب رجله، فنزف الْغُلَام فَمَاتَ، فَانْطَلق فِي رهطٍ من قومه إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَقَالَ: يَا عَدو نَفسه، أَنْت الَّذِي قتلت ابْنك، لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا يُقَاد الْأَب من ابْنه. لقتلتك، هَلُمَّ دِيَته. فَأَتَاهُ بِعشْرين أَو ثَلَاثِينَ وَمِائَة بعير، فَخير مِنْهَا مائَة فَدَفعهَا إِلَى ورثته وَترك أَبَاهُ» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة) (إِسْنَاده) صَحِيح. وَنقل هَذِه القولة عَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا صَاحب «الْإِلْمَام» وَأقرهُ عَلَيْهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 قلت: وَهَذِه الطَّرِيق هِيَ الْعُمْدَة وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمهَا، وَالْأول شَاهد لَهَا. الحَدِيث التَّاسِع يرْوَى عَن (عَمْرو) بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب فِي كِتَابه إِلَى أهل الْيمن: أَن الذّكر يقتل بِالْأُنْثَى» . هَذَا الحَدِيث عُمْدَة الدِّيات، وَقد فرقه الرَّافِعِيّ فِي مَوَاضِع من الْكتاب، وَأَنا أذكرهُ هُنَا مجموعًا وأحيل (عَلَيْهِ) مَا يَقع (بعده) عَلَيْهِ، وَهُوَ (مُشْتَمل) أَيْضا عَلَى غير الدِّيات من الْفَرَائِض وَالسّنَن وَالصَّدقَات، وَهُوَ حَدِيث متداول (من) الْأُمَّهَات، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه: «أَن فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعَمْرو بن حزم فِي الْعُقُول: أَن فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْأنف إِذا أوعب (جدعه) مائَة من الْإِبِل، وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة، وَفِي الْجَائِفَة مثلهَا، وَفِي الْعين خَمْسُونَ، وَفِي الْيَد خَمْسُونَ، وَفِي الرجل خَمْسُونَ، وَفِي كل أصْبع مِمَّا هُنَالك عشر من الْإِبِل، وَفِي السن خمس، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله) ، عَن ابْن شهَاب، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 قَالَ: «قَرَأت فِي كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى نَجْرَان، وَكَانَ الْكتاب عِنْد أبي بكر بن حزم، فَكتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فِيهِ) : هَذَا (بَيَان) من الله وَرَسُوله (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ) وَكتب الْآيَات حَتَّى بلغ (إِلَى) (إِن الله سريع الْحساب) ثمَّ كتب: هَذَا (كتاب) الْجراح: فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْأنف إِذا (أوعى) جدعه مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْعين خَمْسُونَ من الْإِبِل وَفِي الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل، وَفِي الرجل خَمْسُونَ من الْإِبِل، وَفِي كل إِصْبَع (فَمَا) هُنَالك عشر من الْإِبِل، وَفِي المأمولة ثلث الدِّيَة، وَفِي المنقلة خمس عشرَة، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس (من) الْإِبِل، وَفِي السّنَن خمس من الْإِبِل» . قَالَ ابْن شهَاب: فَهَذَا الَّذِي قَرَأت فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عِنْد أبي بكر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 بن حزم. وَهُوَ فِي رِوَايَة (لَهُ) من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قَالَ: «كَانَ فِي كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي هَذَا - (و) فِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي اللِّسَان الدِّيَة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» عَن عَمْرو بن مَنْصُور الْحَافِظ عَن الحكم بن مُوسَى، عَن يَحْيَى بن حَمْزَة، عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد حَدثنِي الزُّهري، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كتب إِلَى أهل الْيمن كتابا فِيهِ السُنن والفرائض والديات، وَبعث بِهِ مَعَ عَمْرو بن حزم فَقُرئت عَلَى أهل الْيمن وَهَذِه نسختها: من مُحَمَّد النَّبي إِلَى شُرَحْبِيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قَيْل ذِي رعين ومعافر وهمدان أما بعد - وَكَانَ فِي كِتَابه -: إِن من اعتبط مُؤمنا قتلا عَن بَيِّنَة فَإِنَّهُ قَود إِلَّا أَن يرْضَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، وَإِن فِي النَّفس الدِّيَة مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْأنف إِذا أُوعبَ جَدْعه الدِّيَة، وَفِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي الشفتين الدِّيَة، وَفِي البيضتين الدِّيَة، وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الصلب الدِّيَة، وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة، وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة، وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة، وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة، وَفِي المنقلة خمس عشرَة من الْإِبِل، وَفِي كل أصْبع من أَصَابِع الْيَد وَالرجل عشر من الْإِبِل، وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 السن خمس من الْإِبِل، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل، وَأَن الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أهل الذَّهَب ألف دِينَار» وَفِي رِوَايَة لَهُ مثله، وَقَالَ فِيهَا: «وَفِي الْعين الْقَائِمَة نصف الدِّيَة، وَفِي الْيَد الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة، وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الحكم بن مُوسَى، عَن يَحْيَى بن حَمْزَة، عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب إِلَى أهل الْيمن بِكِتَاب فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن والديات وَبعث بِهِ مَعَ عَمْرو بن حزم وَقُرِئَ عَلَى أهل الْيمن وَهَذِه نسختها: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من مُحَمَّد النَّبِي إِلَى شُرَحْبِيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والْحَارث بن عبد كلال قَيْل ذِي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد: فقد رَجَعَ رَسُولكُم وأعطيتم من المعافر خمس الله، وَمَا كتب الله عَلَى الْمُؤمنِينَ من الْعشْر فِي الْعقار، وَمَا سقت السَّمَاء أَو كَانَ سيحًا أَو بعلاً الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق، وَمَا سقِِي بالرشاء والدالية فَفِيهِ نصف الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق» ثمَّ ذكر نصيب الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم ومتعلقاتها - وَقد ذكرت ذَلِك بِطُولِهِ فِي «تحفة الْمُحْتَاج إِلَى أَدِلَّة الْمِنْهَاج» فَرَاجعه مِنْهُ - إِلَى أَن قَالَ: «وَكَانَ فِي الْكتاب أَن أكبر الْكَبَائِر عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة إشراك بِاللَّه، وَقتل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 النَّفس المؤمنة بِغَيْر حق، والفرار يَوْم الزَّحْف، وعقوق الْوَالِدين، وَرمي المحصنة، وَتعلم السحر، وَأكل الرِّبَا، وَأكل مَال الْيَتِيم، وَأَن الْعمرَة الْحَج الْأَصْغَر، وَلَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر، وَلَا طَلَاق قبل إملاك، وَلَا عتاق [حَتَّى] يبْتَاع، وَلَا يصلين مِنْكُم وَاحِد لَيْسَ عَلَى مَنْكِبَيْه شَيْء، وَلَا يحتبين فِي ثوب وَاحِد لَيْسَ بَين فرجه وَبَين السَّمَاء شَيْء، وَلَا يصلين أحدكُم فِي ثوب وَاحِد وَشقه بَادِي، وَلَا يصلين أحد مِنْكُم عاقص شعره» . وَكَانَ فِي الْكتاب: «أَن من اعتبط مُؤمنا قتلا عَن بَيِّنَة فَإِنَّهُ قَود إِلَّا أَن يرْضَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، وَأَن فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل، وَفِي [الْأنف] إِذا أوعب جدعه الدِّيَة، وَفِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي البيضتين الدِّيَة، وَفِي الشفتين الدِّيَة، وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الصلب الدِّيَة، وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة، وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة، وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة، وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة، وَفِي المنقلة خمس عشرَة من الْإِبِل، وَفِي كل إِصْبَع من الْأَصَابِع من الْيَد وَالرجل عشر من الْإِبِل، وَفِي السن خمس من الْإِبِل، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل، وَأَن الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أهل الذَّهَب ألف دِينَار» . وَرَوَاهُ أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» مَعَ تفَاوت يسير، قَالَ النَّسَائِيّ بعد أَن رَوَاهُ عَن الْهَيْثَم بن مَرْوَان، عَن مُحَمَّد بن بكار، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 يَحْيَى بن حَمْزَة، عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر: وَهَذَا أشبه بِالصَّوَابِ من حَدِيث عَمْرو بن مَنْصُور - يَعْنِي السالف - قَالَ: وَسليمَان بن أَرقم مَتْرُوك الحَدِيث. قَالَ: وَقد يروي هَذَا الحَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» : قد أسْند هَذَا الحَدِيث وَلَا يَصح. قَالَ: وَالَّذِي فِي إِسْنَاده سُلَيْمَان بن دَاوُد وهم إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان بن أَرقم. وَقَالَ فِي غَيرهَا: هَذَا الحَدِيث لَا أحدث بِهِ، وَقد وهم فِيهِ الحكم بن مُوسَى فِي قَوْله: «عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد» وَقد حَدثنِي هَذَا الحَدِيث أَبُو هُبَيْرَة مُحَمَّد بن الْوَلِيد الدِّمَشْقِي أَنه قَرَأَهُ فِي أصل يَحْيَى بن حَمْزَة: «سُلَيْمَان بن أَرقم» . وَهَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: إِنَّه الصَّوَاب. وَصَالح بن أَحْمد جزرة وَأَبُو الْحسن الْهَرَوِيّ، وَقَالَ غَيره: غلط. وَقَالَ ابْن مَنْدَه: كَذَلِك قرأته فِي أصل يَحْيَى بن حَمْزَة وَإنَّهُ الصَّوَاب. وَقَالَ صَالح جزرة: حَدثنَا دُحَيْم قَالَ: نظرت فِي كتاب يَحْيَى حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي الصَّدقَات فَإِذا هُوَ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم. قَالَ: وَيُقَال: إِنَّه وجد كَذَلِك بالعراق، وَمِنْهُم من يَقُول: سُلَيْمَان بن دَاوُد الدِّمَشْقِي. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قد رُوِيَ عَن سُلَيْمَان حَدِيث عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن حزم، الحَدِيث الطَّوِيل؛ لَا يكْتب عَنهُ. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : صحيفَة عَمْرو بن حزم مُنْقَطِعَة لَا تقوم بهَا حجَّة، وَسليمَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 بن دَاوُد الْجَزرِي الَّذِي رَوَاهَا مُتَّفق عَلَى تَركه، وَأَنه لَا يحْتَج بِهِ. كَذَا فِي «كتاب الزَّكَاة» من «محلاه» وَقَالَ فِي «الدِّمَاء وَالْقصاص مِنْهُ» وَقد أورد بعضه: سُلَيْمَان بن دَاوُد ضَعِيف مَجْهُول الْحَال. وَهَذِه عبارَة غَرِيبَة مِنْهُ مَعَ الأول. وَقَالَ عبد الْحق: سُلَيْمَان بن دَاوُد، هَذَا الَّذِي يروي هَذِه النُّسْخَة) عَن الزُّهْرِيّ هُوَ ضَعِيف، وَيُقَال: إِنَّه سُلَيْمَان بن أَرقم. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : ترجح أَنه ابْن أَرقم. فَالْحَدِيث إِذا ضَعِيف الْإِسْنَاد. وَخَالفهُم فِي ذَلِك الْحَافِظ أَبُو أَحْمد بن عدي فَقَالَ: هَذَا خطأ، وَالْحكم بن مُوسَى فقد ضبط ذَلِك، وَسليمَان بن دَاوُد صَحِيح كَمَا ذكره (الحكم) ، وَقد رَوَاهُ عَنهُ يَحْيَى بن حَمْزَة إِلَّا أَنه مَجْهُول. وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: عرضت هَذَا الحَدِيث عَلَى أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ: هَذَا حَدِيث رجل من أهل الجزيرة يُقَال لَهُ: سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، لَيْسَ بِشَيْء. قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا أَيْضا خطأ، وَسليمَان بن دَاوُد صَحِيح كَمَا (ذكره) الحكم بن مُوسَى. قَالَ ابْن عدي: وَحَدِيث سُلَيْمَان بن دَاوُد مجود الْإِسْنَاد. قلت: وَقد تكلم (الْحفاظ) عَلَى كل من سُلَيْمَان بن أَرقم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 وَسليمَان بن دَاوُد قَالَ يَحْيَى فِي سُلَيْمَان بن أَرقم: لَيْسَ بِشَيْء، لَا يُسَاوِي فلسًا. وَقَالَ البُخَارِيّ: (تَرَكُوهُ) . وَقَالَ يَحْيَى فِي سُلَيْمَان بن دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: شَامي ضَعِيف. وَقَالَ مرّة: لَا يعرف، والْحَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ ابْن حبَان: صَدُوق. وَقَالَ (ابْن أبي حَاتِم) وَأَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا بَأْس بِهِ. قَالَ: وَلَا يثبت عَنهُ هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هُوَ ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: سَمِعت ابْن أبي دَاوُد (يَقُول) : سُلَيْمَان بن دَاوُد هَذَا وَسليمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي ضعيفان جَمِيعًا. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بحَديثه إِذا انْفَرد. وأعل هَذَا الحَدِيث بِوَجْه آخر وَهُوَ الْإِرْسَال، فقد رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن الزنْجِي، عَن ابْن جريج، عَن عبد الله بن أبي بكر مُرْسلا. قَالَ ابْن جريج: فَقلت لعبد الله بن أبي بكر: أَفِي شكّ أَنْت أَنه كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: لَا. وَرَوَاهُ يُونُس بن يزِيد وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز، عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا. وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي كِتَابه «الرَّد عَلَى بشر» ، عَن نعيم بن حَمَّاد، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن عبد الله بن أبي بكر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده ... الحَدِيث، وَهَذَا اخْتِلَاف آخر. وجماعات صححوا الحَدِيث مِنْهُم: أَبُو حَاتِم بن حبَان فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: سُلَيْمَان بن دَاوُد هُوَ الْخَولَانِيّ من أهل دمشق فَقِيه مَأْمُون. قَالَ: وَسليمَان بن أَرقم لَا شَيْء، وجميعًا يرويان عَن الزُّهْرِيّ. وَمِنْهُم الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه» كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث كَبِير مُفَسّر فِي هَذَا الْبَاب شهد لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِمَام الْعلمَاء فِي عصره مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ بِالصِّحَّةِ. ثمَّ سَاق ذَلِك عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث من شَرط هَذَا الْكتاب. قَالَ: وَسليمَان بن دَاوُد الدِّمَشْقِي الْخَولَانِيّ مَعْرُوف بالزهري، وَإِن كَانَ يَحْيَى بن معِين غمزه فقد عدله غَيره، كَمَا (أخبرنيه) أَبُو أَحْمد الْحُسَيْن بن عَلّي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم، ثمَّ قَالَ: سَمِعت أبي (و) سُئِلَ عَن حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّذِي كتبه فِي الصَّدقَات، فَقَالَ: سُلَيْمَان بن دَاوُد عندنَا مِمَّن لَا بَأْس بِهِ. قَالَ [أَبُو] مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: وَسمعت أَبَا زرْعَة يَقُول ذَلِك. وَمِنْهُم الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ لما أخرجه فِي «سنَنه» مطولا رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه سُئِلَ عَن (حَدِيث) عَمْرو بن حزم هَذَا، فَقَالَ: أَرْجُو أَن يكون صَحِيحا. (قَالَ) البيهقى: قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ: حَدِيث سُلَيْمَان بن دَاوُد هَذَا مجود الْإِسْنَاد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد أَثْنَى عَلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد الْخَولَانِيّ هَذَا: أَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، وَجَمَاعَة من الْحفاظ، (وَرَأَوا) هَذَا الحَدِيث مَوْصُولا حسنا. وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْحَافِظ: لَا أعلم فِي جَمِيع الْكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عَمْرو بن حزم هَذَا فَإِن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والتابعون (ترجع) إِلَيْهِ وَيدعونَ آراءهم. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي «رسَالَته» لم يقبلُوا هَذَا الحَدِيث حَتَّى (يثبت) عِنْدهم أَنه كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. (و) قَالَ ابْن عبد الْبر: كتاب عَمْرو بن حزم هَذَا (كتاب) مَشْهُور عِنْد أهل السّير، مَعْرُوف مَا فِيهِ عِنْد أهل الْعلم (معرفَة) يُستغنى بشهرتها عَن الْإِسْنَاد؛ لِأَنَّهُ أشبه التَّوَاتُر فِي مَجِيئه لتلقي النَّاس لَهُ بِالْقبُولِ (والمعرفة) . قَالَ: وَمِمَّا يدلك عَلَى شهرة كتاب (عَمْرو) بن حزم، وَصِحَّته مَا ذكره ابْن وهب، عَن مَالك وَاللَّيْث بن سعد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: وجد كتاب عِنْد آل حزم يذكرُونَ أَنه من رَسُول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 الله (فِيهِ: «وَفِيمَا هُنَالك من الْأَصَابِع عشر عشر» فَصَارَ الْقَضَاء فِي الْأَصَابِع إِلَى عشر عشر. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» : هَذَا حَدِيث (ثَابت) مَحْفُوظ إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - إِلَّا أَنا نرَى أَنه كتاب غير مسموع عَمَّن فَوق الزُّهري. الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: «فِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث بعض من الحَدِيث الَّذِي فَرغْنَا (آنِفا) مِنْهُ، وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» من هَذَا الْوَجْه، وَمن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب أَيْضا، وَقد عزيته فِي تخريجي لأحاديثه، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي مُوسَى أَيْضا. الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» (وَهُوَ من أَفْرَاده) من حَدِيث أبي يعْلى شَدَّاد بن أَوْس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 «إِن الله كتب الْإِحْسَان عَلَى كل شَيْء، فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة، وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته» . وَرَوَاهُ (أَحْمد و) أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِلَفْظ: «الذّبْح» وَهُوَ بِفَتْح الذَّال بدل: «الذبْحَة» ، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَهُوَ فِي كثير من نسخ مُسلم، (وللنسائي) رِوَايَة (أُخْرَى) كالأولى. فَائِدَة: القِتلة والذِّبحة - بِكَسْر الْقَاف والذال - أَي: هَيْئَة الْقَتْل وَالذّبْح. وَقَوله «وليُحِد» هُوَ بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء، يُقَال: أحد السكين وحددها واستحدها، كل ذَلِك بِمَعْنى. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أَن الغامدية أَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: زَنَيْت فطهرني، وَالله إِنِّي لحُبلى. قَالَ: اذهبي حَتَّى تلدي. فَلَمَّا ولدت أَتَت بِالصَّبِيِّ فِي خرقَة فَقَالَت: هَذَا قد وَلدته. قَالَ: اذهبي فأرضعيه. فَلَمَّا (فَطَمته) أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَده كسرة خبز فَقَالَت: قد فَطَمته، فَدفع الصَّبِي إِلَى رجل من الْمُسلمين (وَأمر) برجمها» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهُوَ حَدِيث طَوِيل (يشْتَمل) عَلَى قصَّتهَا وقصة مَاعِز الْأَسْلَمِيّ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي «حد الزِّنَا» إِن شَاءَ الله، وَجَاء فِي «صَحِيح مُسلم» أَيْضا مَا ظَاهره: أَنه رَجمهَا عقب الْولادَة فتأول. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه (قَالَ) : «من حرَّق حرقناه، وَمن غرق غرقناه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» من حَدِيث بشر بن حَازِم، عَن عمرَان (بن نَوْفَل) بن يزِيد بن الْبَراء، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من عرض (عرضنَا) لَهُ، وَمن حرق حرقناه، وَمن غرق غرقناه» . رَوَاهُ هَكَذَا وَسكت عَلَيْهِ، وَذكره فِي «الْمعرفَة» وَقَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَاد بعض من يجهل. ذكر فِي أثْنَاء السّرقَة (وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» : إِنَّه لَا يثبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَإِنَّمَا قَالَه زِيَاد فِي خطبَته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 الحَدِيث الرَّابِع عشر ورد أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق كلهَا (ضَعِيفَة) : أَحدهَا: من طَرِيق النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك وَالطَّبَرَانِيّ فِي « (أكبر) معاجمه» (وَلَفظه: «لَا عمد إِلَّا بِالسَّيْفِ» . وَالْبَيْهَقِيّ وَلَفظه: «لَا قَود إِلَّا بحديدة» وَالْبَزَّار فِي «مُسْنده» وَلَفظه) : «الْقود بِالسَّيْفِ، وَلكُل خطأ أرش» وعلته جَابر الْجعْفِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مطعون فِيهِ. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ وَاخْتلف عَلَيْهِ فِي لَفظه. وَوَقع فِي «تَحْقِيق ابْن الْجَوْزِيّ» هُنَا أَنهم اتَّفقُوا عَلَى تَكْذِيبه، وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ، وَقد قَالَ هُوَ فِي مَوضِع آخر: اعْترض عَلَيْهِ بِتَضْعِيف جَابر أما جَابر فقد وَثَّقَهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة، وناهيك (بهما) . فَكيف يَقُول هَذَا ثمَّ يَحْكِي الِاتِّفَاق! وَفِي « (سنَن) الْبَيْهَقِيّ» : قيس بن الرّبيع وَقد ضَعَّفُوهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بِلَفْظ: «كل شَيْء خطأ إِلَّا السَّيْف، وَفِي كل خطأ أرش» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كل شَيْء خطأ إِلَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 مَا كَانَ بحديدة، وَلكُل خطأ أرش» . وَرَوَاهُ (أَحْمد) فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «لكل شَيْء خطأ إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَلكُل خطأ أرش» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ بِلَفْظ: «لَا قَود إِلَّا بحديدة» وَفِي سَنَده قيس السالف. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِلَفْظ: «لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ» وَفِيه مَكَان «قيس» هَذَا «سُفْيَان الثَّوْريّ» كَمَا فِي إِحْدَى روايتي الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو عَازِب الْمَذْكُور فِي رواياتهم لَيْسَ بِمَعْرُوف، واسْمه مُسلم بن عَمْرو، كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم وَغير وَاحِد، وَقَالَ غَيره: اسْمه مُسلم بن أَرَاك. وَوَقع كَذَلِك فِي إِحْدَى روايتي الدَّارَقُطْنِيّ. ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي [بكرَة] رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا كَذَلِك رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم أحدا أسْنده بِأَحْسَن من هَذَا الْإِسْنَاد وَلَا نعلم أحدا قَالَ: «عَن أبي (بكرَة) » إِلَّا (الْحر) بن مَالك وَلم يكن بِهِ بَأْس، وَأَحْسبهُ أَخطَأ فِي هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 الحَدِيث؛ لِأَن النَّاس يَرْوُونَهُ عَن الْحسن مُرْسلا. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالْبَزَّار يرويهِ عَن شيخ (لَهُ) يُقَال لَهُ: أَبُو زيد الأبلي، عَن (الْحر) بن مَالك الْمَذْكُور وَلَا أعرف حَال (أبي) زيد هَذَا. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم فِي (الْحر) بن مَالك: لَا بَأْس بِهِ. قلت: فِيهِ مَعَ ذَلِك مبارك بن فضَالة وَثَّقَهُ قوم، وَضَعفه آخَرُونَ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مُتَابعَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ووثقاه. وَقَالَ (عَفَّان) : كَانَ ثِقَة (وَكَانَ وَكَانَ) . وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ، وَكَانَ ابْن عدي لَا يروي عَنهُ، أنكر أَحْمد قَوْله فِي غير حَدِيث عَن الْحسن، ثَنَا عمرَان. وَأَصْحَاب الْحسن لَا يَقُولُونَ ذَلِك وَكَانَ يُدَلس، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: كَانَ يُدَلس كثيرا فَإِذا قَالَ «حَدثنَا» فَهُوَ ثِقَة. وَقَالَ [يَحْيَى] الْقطَّان: لم أقبل مِنْهُ شَيْئا قطّ إِلَّا شَيْئا يَقُول فِيهِ «حَدثنَا» ، وَحَدِيثه هَذَا لم يقل فِيهِ «حَدثنَا» وَإِنَّمَا رَوَاهُ بِلَفْظ «عَن» . وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ السَّعْدِيّ: يضعف. وَقَالَ أَحْمد لرجل سَأَلَهُ عَنهُ: دَعه، وَلم يعبأ بِهِ. وَقَالَ عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 الْحق: أسْند (الْحر) بن مَالك (هَذَا) لَا بَأْس بِهِ، وَالنَّاس يرسلونه عَن الْحسن. وَفِي «خلافيات» الْبَيْهَقِيّ أَن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيّ، ومبارك غير مُحْتَج بِهِ تَركه ابْن مهْدي وَابْن سعيد فَمن بعدهمَا؟ ! قَالَ ابْن أبي حَاتِم (فِي «علله» ) : سَأَلت أبي عَنهُ؟ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَقَول الْبَزَّار: لَا (نعلم) أحدا قَالَ فِيهِ عَن مبارك، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة غير (الْحر) بن مَالك. غَرِيب، فَإِنَّهُ قد قَالَ ذَلِك غير مبارك، الوليدُ بن صَالح، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا أَفَادَهُ ابْن الْقطَّان. قلت: وَفِي الْبَيْهَقِيّ «الْوَلِيد بن مُسلم» بدل «ابْن صَالح» . ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا كَذَلِك. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وعلته أَبُو معَاذ سُلَيْمَان بن أَرقم، وَهُوَ مَتْرُوك، (وَنقل) ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» (أَنهم) أَجمعُوا عَلَى تَركه، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 وَقَالَ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. رَابِعهَا: من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «لَا قَود فِي النَّفس وَغَيرهَا إِلَّا بحديدة» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك وعلته مُعلى بن هِلَال (وَهُوَ) كَذَّاب وَضاع، قَالَ أَحْمد: مَتْرُوك الحَدِيث، حَدِيثه مَوْضُوع كذب. خَامِسهَا: من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا (إِلَّا بِسَيْفِهِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» كَذَلِك وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «لَا قَود إِلَّا بسلاح» وعلته عنعنة بَقِيَّة وَأَبُو معَاذ سُلَيْمَان بن أَرقم (الْمَتْرُوك) السالف. (سادسها: من حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ وَأَبُو عَازِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: «لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأ عَلَى الْعَاقِلَة» ذكره الْمزي فِي «أَطْرَافه» وعلته جَابر الْجعْفِيّ وَأَبُو عَازِب السالف،) وَفِيه أَيْضا أَبُو شيبَة وَهُوَ غير مُحْتَج بِهِ. فتلخص من هَذَا كُله ضعف الحَدِيث من جَمِيع طرقه الْمَذْكُورَة، وَقد صرح بضعفه جماعات من الْحفاظ مِنْهُم: الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ لما أخرجه من طَرِيق ابْن مَسْعُود والنعمان وَأبي بكرَة قَالَ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت لَهُ إِسْنَاد، مُعلى مَتْرُوك، وَسليمَان ضَعِيف، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 ومبارك لَا يحْتَج بِهِ، وَجَابِر مطعون فِيهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي «خلافياته» ، وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» مَا ملخصه: (أوجهه) كلهَا ضَعِيفَة. وَمِنْهُم: عبد الْحق، فَإِنَّهُ ذكره فِي «أَحْكَامه» من طَرِيق أبي بكرَة والنعمان، وَضعفهمَا، ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا عَن عَلّي وَأبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود، وَكلهَا ضَعِيفَة وَمِنْهُم: ابْن الْجَوْزِيّ، فَإِنَّهُ ذكره فِي «تَحْقِيقه» من طَرِيق عَلّي، وَأبي هُرَيْرَة، وَابْن مَسْعُود، وضعفها كلهَا، وَلَعَلَّ الرَّافِعِيّ (لما) استشعر ضعف هَذَا الحَدِيث قَالَ: ورد. وَلم يجْزم بِرَفْعِهِ، هَذَا آخر (الْكَلَام عَلَى) أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فثمانية: أَحدهَا: «أَن رجلَيْنِ شَهدا عِنْد عَلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (عَلَى رجل) بِسَرِقَة فَقَطعه، ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا. فَقَالَ: لَو أعلم أنكما تعمدتما لَقطعت أيديكما» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ البُخَارِيّ (فِي تَرْجَمَة بَاب) وَهَذَا لَفظه: وَقَالَ مطرف، عَن الشّعبِيّ «فِي رجلَيْنِ شَهدا عَلَى رجل أَنه سرق فَقَطعه عَلّي، ثمَّ جَاءَا بآخر فَقَالَا: أَخْطَأنَا. فَأبْطل شَهَادَتهمَا فَأخذ بدية الأول، وَقَالَ: لَو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن مطرف، عَن الشّعبِيّ «أَن رجلَيْنِ (شَهدا) عِنْد عَليّ بِالسَّرقَةِ فَقطع عَليّ يَده، ثمَّ جَاءَا بآخر، فَقَالَا: هَذَا هُوَ السَّارِق وأخطأنا عَلَى الأول» . وَفِي رِوَايَة لَهُ « (لَا الأول) فأغرم عَلَى الشَّاهِدين (دِيَة الْمَقْطُوع) الأول وَقَالَ: لَو أعلم أنكما تعمدتما لَقطعت أيديكما. وَلم يقطع الثَّانِي» . قَالَ الشَّافِعِي: بِهَذَا نقُول. قلت: وَإِسْنَاده صَحِيح، عَلَى رَأْيه. الْأَثر الثَّانِي: «أَن رجلا قتل آخر فِي عهد عمر، فطالب أولياءه بالقود، ثمَّ قَالَت أُخْت الْقَتِيل - وَكَانَت زَوْجَة الْقَاتِل -: قد عَفَوْت عَن حَقي. فَقَالَ عمر: عتق الرجل» . هَذَا الْأَثر رَأَيْت من عزاهُ إِلَى رِوَايَة عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الْأَعْمَش، عَن زيد بن وهب: «أَن عمر بن الْخطاب رفع إِلَيْهِ رجل فَقَالَت امْرَأَة الْقَاتِل: قد عَفَوْت عَن حَقي من زَوجي. فَقَالَ عمر: عتق الرجل من الْقَتْل» . وَترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «بَاب عَفْو بعض الْأَوْلِيَاء عَن الْقصاص دون بعض» ثمَّ صَدره بِحَدِيث عَائِشَة الْمَرْفُوع «عَلَى المقتتلين أَن ينحجزوا الأول فَالْأول، وَإِن كَانَت امْرَأَة» . وَإِسْنَاده صَحِيح. قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ أَن يقتل الْقَتِيل وَله وَرَثَة رجال وَنسَاء، يَقُول: فَأَيهمْ عَفا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 عَن دَمه من الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من رجل أَو امْرَأَة فعفوه جَائِز؛ لِأَن قَوْله: «ينحجزوا» يَعْنِي يكفوا عَن الْقود. ثمَّ ذكر الْبَيْهَقِيّ بعده بِإِسْنَاد صَحِيح، عَن زيد بن وهب أَنه قَالَ: «وجد رجل عِنْد (امْرَأَته) رجلا فَقَتلهَا، فَرفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (فَوجدَ عَلَيْهَا بعض إخوتها فَتصدق [عَلَيْهِ] بِنَصِيبِهِ فَأمر عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) لسائرهم بِالدِّيَةِ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن رجلا قتل (امْرَأَته) استعدى ثَلَاثَة إخْوَة لَهَا عَلَيْهِ، فَرفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَعَفَا أحدهم، فَقَالَ عمر للباقين: خذا ثُلثي الدِّيَة فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى قَتله» . وَرَوَى الشَّافِعِي، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن أبي حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: «أَن عمر بن الْخطاب أُتِي بِرَجُل قد قتل عمدا فَأمر بقتْله، فَعَفَا بعض الْأَوْلِيَاء فَأمر بقتْله، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَانَت النَّفس لَهُم جَمِيعًا، فَلَمَّا عَفا هَذَا أَحْيَا النَّفس فَلَا يَسْتَطِيع (أَن) يَأْخُذ حَقه حَتَّى يَأْخُذ غَيره فَمَا ترَى؟ قَالَ: أرَى أَن تجْعَل الدِّيَة عَلَيْهِ فِي مَاله وترفع حِصَّته الَّتِي عَفا. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَأَنا أرَى ذَلِك» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع - أَي بَين إِبْرَاهِيم وَعمر - والموصول (قبله) يؤكده. الْأَثر الثَّالِث: « (أَن عمر) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَوْصَى وَهُوَ مَجْرُوح: لَا يعِيش مثله» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَو أصَاب الحشوة خرق وَقطع وَكَانَ يتقين مَوته بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَهُوَ الَّذِي يجب الْقصاص (بقتْله) وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك عَلَى مَا رُوِيَ «أَن الطَّبِيب سقَاهُ لَبَنًا فَخرج من (جروحه) لما أصَاب أمعاءه من الْخرق، فَقَالَ الطَّبِيب: اعهد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ» . هَذَا هُوَ الْأَثر الْوَارِد فِي وَفَاة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد أخرجه البُخَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي «صَحِيحه» مطولا من حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ قَالَ: (رَأَيْت عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قبل أَن يصاب بأيام بِالْمَدِينَةِ (وَقد وَفد عَلَيْهِ) حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَعُثْمَان بن حنيف، قَالَ: كَيفَ فعلتما؟ (تخافان) أَن تَكُونَا قد حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق؟ قَالَا: حملناها أمرا هِيَ لَهُ مطيقة وَمَا فِيهَا كَبِير فضل. فَقَالَ: (انظرا) أَن تَكُونَا حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق. فَقَالَا: لَا. فَقَالَ عمر: لَئِن سلمني الله لأدعنَّ أرامل (أهل) الْعرَاق لَا يحتجن إِلَى أحد بعدِي أبدا. (فَقَالَ) : فَمَا أَتَت إِلَّا رَابِعَة حَتَّى أُصِيب. قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون: وَإِنِّي لقائم مَا بيني وَبَينه إِلَّا عبد الله بن عَبَّاس غَدَاة أُصِيب - وَكَانَ إِذا مرَّ بَين الصفين قَامَ بَينهمَا، فَإِذا رَأَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 خللاً قَالَ: اسْتَووا. حَتَّى إِذا لم ير فيهم خللاً تقدم فَكبر، وَرُبمَا قَرَأَ سُورَة يُوسُف أَو النَّحْل أَو نَحْو ذَلِك فِي الرَّكْعَة الأولَى حَتَّى يجْتَمع النَّاس - فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كبر فَسَمعته يَقُول: قتلني - أَو أكلني - الْكَلْب. (حِين طعنه) فطار العلج بسكين ذَات طرفين لَا يمر عَلَى أحد يَمِينا وَلَا شمالاً إِلَّا طعنه، حَتَّى إِذا طعن ثَلَاثَة عشر رجلا مَاتَ مِنْهُم تِسْعَة - وَفِي رِوَايَة: سَبْعَة - فَلَمَّا رَأَى ذَلِك رجل من الْمُسلمين طرح عَلَيْهِ برنسًا فَلَمَّا ظن العلج أَنه مَأْخُوذ (نحر) نَفسه، فَتَنَاول عمر يَد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فقدمه، فَأَما من كَانَ يَلِي عمر فقد رَأَى الَّذِي رَأَيْت، وَأما نواحي الْمَسْجِد فَإِنَّهُم لَا يَدْرُونَ مَا الْأَمر غير أَنهم فقدوا صَوت عمر وهم يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله. فَصَلى بهم عبد الرَّحْمَن صَلَاة خَفِيفَة فَلَمَّا انصرفوا، قَالَ: يَا ابْن عَبَّاس، انْظُر من قتلني. فجال سَاعَة ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَام الْمُغيرَة. فَقَالَ: الصَّنَع؟ (قَالَ) : نعم. قَالَ: قَاتله الله لقد كنت أمرت بِهِ مَعْرُوفا، الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل ميتتي بيد رجل مُسلم، قد كنت (أَنْت) وَأَبُوك تحبان (أَن) تكْثر العلوج بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَ الْعَبَّاس أَكْثَرهم رَقِيقا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن شِئْت فعلت - أَي إِن شِئْت قتلنَا - قَالَ: بَعْدَمَا تكلمُوا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا (حَجكُمْ) ؟ ! فَاحْتمل إِلَى بَيته فَانْطَلَقْنَا مَعَه، وَكَأن النَّاس لم تصبهم مُصِيبَة قبل يَوْمئِذٍ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 فَقَائِل يَقُول: أَخَاف عَلَيْهِ. وَقَائِل يَقُول: (لَا بَأْس. فَأتي بنبيذ) (فشربه) فَخرج من جَوْفه، ثمَّ أُتِي بِلَبن (فشربه) فَخرج من جَوْفه، فعملوا أَنه ميت، قَالَ: (فَدَخَلْنَا) عَلَيْهِ وَجَاء النَّاس يثنون عَلَيْهِ، وَجَاء رجل شَاب (فَقَالَ: أبشر) يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ببشرى الله - عَزَّ وَجَلَّ - قد كَانَ لَك من صُحْبَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد عَلمته، ثمَّ وليت فعدلت، ثمَّ شَهَادَة. قَالَ: وددت أَن ذَلِك كَانَ كفافًا لَا عَلّي وَلَا لي. فَلَمَّا أدبر الرجل إِذا إزَاره يمس الأَرْض، فَقَالَ: ردوا عليَّ الْغُلَام. فَقَالَ: يَا ابْن أخي، ارْفَعْ ثَوْبك؛ فَإِنَّهُ أنقى لثوبك وَأَتْقَى لربِّك، يَا عبد الله بن عمر، انْظُر مَا عَلّي من الدَّين. فحسبوه فوجدوه سِتَّة وَثَمَانِينَ ألفا أَو نَحوه، فَقَالَ: إِن وَفَى بِهِ مَال عمر فأده من أَمْوَالهم، وَإِلَّا فسل فِي بني عدي بن كَعْب، فَإِن لم تف أَمْوَالهم فسل فِي قُرَيْش وَلَا تعدهم إِلَى غَيرهم، وأدِّ عني هَذَا المَال، انْطلق إِلَى أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، فَقل: يقْرَأ عَلَيْك عمر السَّلَام، وَلَا تقل أَمِير الْمُؤمنِينَ (فَإِنِّي) لست للْمُؤْمِنين (أَمِيرا) ويستأذن أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ. فَسلم وَاسْتَأْذَنَ، ثمَّ دخل عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا (قَاعِدَة تبْكي) فَقَالَ: يقْرَأ عَلَيْك عمر السَّلَام ويستأذن أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ. فَقَالَت: كنت أريده لنَفْسي، ولأوثرنه بِهِ الْيَوْم عَلَى نَفسِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 فَلَمَّا أقبل (قيل) : هَذَا عبد الله بن عمر قد جَاءَ. فَقَالَ: ارفعوني. فأسنده رجل إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لديك؟ (قَالَ) : الَّذِي تحب (يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَذِنت) . فَقَالَ: الْحَمد لله، (مَا كَانَ عليَّ مَا كَانَ شَيْء أهمُّ) إليَّ من ذَلِك، فَإِذا أَنا قبضت فاحملوني، ثمَّ سلِّم [فَقل] يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب فَإِن (أَذِنت) (فأدخلوني) ، وَإِن ردتني فردوني إِلَى مَقَابِر الْمُسلمين. وَجَاءَت أم الْمُؤمنِينَ حَفْصَة وَالنِّسَاء (تسترنها) ، فَلَمَّا رَأَيْتهَا قمنا، فولجت عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْده سَاعَة، وَاسْتَأْذَنَ [الرِّجَال] فولجتُ دَاخِلا لَهُم فسمعنا بكاءها من الدَّاخِل، فَقَالُوا: أوص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، اسْتخْلف. قَالَ: مَا أرَى أحدا أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر - (أَو) الرَّهْط - (الَّذين) توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ عَنْهُم رَاض، فَسَمَّى عليًّا وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزبير وسعدًا وَعبد الرَّحْمَن، وَقَالَ: يشهدكم عبد الله وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء - كَهَيئَةِ التَّعْزِيَة لَهُ - فَإِن أَصَابَت الإمرة سَعْدا فَهُوَ ذَاك، وَإِلَّا فليستعن بِهِ أَيّكُم مَا أُمِّر، (فَإِنِّي) لم أعزله من عجز وَلَا خِيَانَة. وَقَالَ: أوصِي الْخَلِيفَة بعدِي بالمهاجرين الْأَوَّلين، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 أَن يعرف لَهُم حَقهم ويحفظ لَهُم حرمتهم، (وأوصيه) بالأنصار خيرا، الَّذين تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم، أَن يقبل من محسنهم وَيَعْفُو عَن مسيئهم، وأُوصيه بِأَهْل الْأَمْصَار خيرا، فَإِنَّهُم ردءُ الْإِسْلَام وجباة المَال وغيظ الْعَدو، وَأَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا فَضلهمْ عَن رضى مِنْهُم، وأوصيه بالأعراب خيرا، فَإِنَّهُم أصل الْعَرَب، ومادة الْإِسْلَام، أَن يُؤْخَذ من حَوَاشِي أَمْوَالهم ويُرد عَلَى فقرائهم، وأُوصيه بذمةِ الله وذمةِ رَسُوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، أَن يُوفي لَهُم (بعهدهم) ، وَأَن يُقَاتل من ورائهم، وَلَا يُكلفوا إِلَّا طاقتهم. (قَالَ) : فَلَمَّا قبض خرجنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نمشي فَسلم عبدُ الله بن عُمر وَقَالَ: يستأذنُ عمر بن الْخطاب. قَالَت: (أدخلوه) . فَأدْخل وَوضع هُنَالك مَعَ صَاحِبيهِ، فَلَمَّا فرغ من دَفنه اجْتمع هَؤُلَاءِ الرهطُ، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: اجعلوا أَمركُم إِلَى ثلاثةٍ مِنْكُم. فَقَالَ الزبير: قد جعلت أَمْرِي إِلَى عَليّ. وَقَالَ طَلْحَة: قد جعلت أَمْرِي إِلَى عُثْمَان. وَقَالَ سعد: قد جعلتُ أَمْرِي إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أيكما يبرأ من هَذَا الْأَمر فنجعله إِلَيْهِ، وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام لينظرنَّ أفضلهم فِي نَفسه. فأسكت الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أفتجعلونه إليَّ، وَالله عليَّ أَن لَا آلو عَن أفضلكم؟ قَالَا: نعم. فَأخذ بيد أَحدهمَا فَقَالَ: لَك من قرَابَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد علمت، فَالله عَلَيْك لَئِن أمَّرْتُك لتعدِلنَّ، وَلَئِن أمَّرت عُثْمَان لتسمعنَّ (ولتطيعن) . ثمَّ خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك، فَلَمَّا أَخذ الْمِيثَاق قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 ارْفَعْ يدك يَا عُثْمَان. فَبَايعهُ (فَبَايع) لَهُ عَلّي، وولج أهل الدَّار فَبَايعُوهُ» . رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِكُل هَذَا اللَّفْظ، وَفِيه بعض أَلْفَاظ غَرِيبَة يَنْبَغِي أَن تضبط مِنْهَا: قَوْله: «الصَّنَع» : هُوَ بِفَتْح الصَّاد وَالنُّون، وَهُوَ الصَّانِع الْمجِيد المتقن وَالْمَرْأَة صناع. وَقَوله: «أَي (لاَتَعْدُهم) » : أَي لَا تجاوزهم، يُقَال: عداهُ يعدوه إِذا جاوزه إِلَى غَيره. و «الرَّقِيق» اسْم لجَمِيع العبيد وَالْإِمَاء. و «الْبُرْنُس» : قلنسوة طَوِيلَة كَانَ يلبسهَا الزهاد فِي صدر الْإِسْلَام. و «النَّبِيذ» : شراب هُوَ تمر أَو زبيب منبوذ فِي ماءٍ، وَالْمرَاد بِهِ الْحَلَال الْمُبَاح الَّذِي لَا يسكر. وَقَوله: «فَإِنَّهُم ردءُ الْإِسْلَام» أَي عونه. وَقَاتل عمر هُوَ أَبُو لؤلؤة فَيْرُوز غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَدو الله، قيل: ضربه سِتّ ضربات. الْأَثر الرَّابِع لما ذكر الرَّافِعِيّ عَن عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذا قتل الرجل الْمَرْأَة يُخَيّر وَليهَا بَين أَن يَأْخُذ دِيَتهَا وَبَين أَن يقْتله ويبذل نصف دِيَته، (و) إِذا قتلت الْمَرْأَة الرجل يُخَيّر وليه بَين أَن (يَأْخُذ) جَمِيع دِيَته من مَالهَا وَبَين أَن يَقْتُلهَا وَيَأْخُذ نصف دِيَته» . قَالَ: وَيروَى مثله عَن عليّ - كرم الله وَجهه - فِي رِوَايَة. وَهَذَا (الْأَثر) لَا أعلم من خرجه عَنهُ، وَرَأَيْت بِخَط بَعضهم أَنه مُنْقَطع؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة الشّعبِيّ عَنهُ (فليتتبع) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 الْأَثر الْخَامِس: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «قتل خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل قَتَلُوهُ غيلَة، وَقَالَ: لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن يَحْيَى بن سعيد [عَن] سعيد بن الْمسيب: «أَن عمر بن الْخطاب قتل (نَفرا) خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل قَتَلُوهُ قتل غيلَة، وَقَالَ: لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن مَالك كَذَلِك، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَرْجَمَة بَاب قَالَ: (قَالَ) لي ابْن بشار: حَدثنَا يَحْيَى، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن غُلَاما قُتل غيلَة، فَقَالَ عمر: لَو اشْترك فِيهِ أهل صنعاء لقتلتهم» . قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ مُغيرَة بن حَكِيم، عَن أَبِيه: «إِن أَرْبَعَة قتلوا صبيًّا فَقَالَ عمر ... » مثله. وَفِي رِوَايَة (للدارقطني) وَالْبَيْهَقِيّ الْجَزْم «بِأَن عمر قتل سَبْعَة فِي دم غُلَام اشْتَركُوا فِي قَتله، (وَقَالَ) : لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 وَفِي رِوَايَة (للبيهقي) بإسنادٍ جيد عَن جرير بن حَازِم، أَن الْمُغيرَة بن حَكِيم الصَّنْعَانِيّ حَدثهُ، عَن [أَبِيه] : «أَن امْرَأَة من (صنعاء) غَابَ عَنْهَا زَوجهَا وَترك فِي حجرها ابْنا لَهُ من غَيرهَا، غُلَام يُقَال لَهُ: أصيل، فاتخذت الْمَرْأَة بعد زَوجهَا خَلِيلًا، فَقَالَت لخليلها: إِن هَذَا الْغُلَام يفضحنا فاقتله. فَأَبَى فامتنعت مِنْهُ، فطاوعها (فَاجْتمع) عَلَى قَتله الرجل [وَرجل آخر] وَالْمَرْأَة وخادمها فَقَتَلُوهُ، ثمَّ قطعوه أَعْضَاء وجعلوه فِي عَيْبةٍ من أَدَم وطرحوه فِي ركية فِي نَاحيَة الْقرْيَة وَلَيْسَ فِيهَا مَاء، ثمَّ صاحت الْمَرْأَة، فَاجْتمع النَّاس فَخَرجُوا يطْلبُونَ الْغُلَام، قَالَ: فَمر رجل بالركية الَّتِي فِيهَا الْغُلَام فَخرج مِنْهَا الذُّبَاب الْأَخْضَر (فَقلت) وَالله إِن فِي هَذِه لجيفة (وَمَعِي) خليلها فَأَخَذته رعدة، فذهبنا بِهِ فحبسناه وَأَرْسَلْنَا رجلا فَأخْرج الْغُلَام، فأخذنا الرجل فاعترف فَأخْبرنَا (الْخَبَر) فَاعْترفت الْمَرْأَة وَالرجل الآخر وخادمها، وَكتب (لعَلي) - وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير - بشأنهم فَكتب إِلَيْهِ عمر بِقَتْلِهِم جَمِيعًا، وَقَالَ: وَالله لَو أَن أهل صنعاء اشْتَركُوا (فِي) قَتله لقتلتهم أَجْمَعِينَ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 فَائِدَة: «صَنْعاء» : بِفَتْح الصَّاد وَإِسْكَان النُّون وبالمد فِيهِ وَهِي صنعاء الْيمن، وَهِي قَاعِدَة الْيمن، وَهِي من عجائب الدُّنْيَا كَمَا قَالَه الشَّافِعِي، وينسب إِلَيْهَا صنعاني عَلَى غير قِيَاس. وَذكر الْحَازِمِي فِي «مؤتلفه» : أَن صنعاء الْيمن يُقَال لَهَا: أَزَال، بِفَتْح الْهمزَة وَالزَّاي، ثمَّ ألف، ثمَّ لَام، وَيجوز كسرهَا وَضمّهَا، ذكره فِي بَاب الْهمزَة. وَذكر فِي حرف الضَّاد الْمُعْجَمَة أَن ضنعان لُغَة قَليلَة فِي صنعاء. فَائِدَة (ثَانِيَة) : لَهُم صنعاء دمشق قَرْيَة كَانَت فِي جَانبهَا الغربي فِي نَاحيَة الربوة، وَصَنْعَاء الرّوم. فَائِدَة أُخْرَى: «الغِيْلة» : بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت سَاكِنة بنقطتين. (تَنْبِيهُ) : الْحِيلَة والغيلة عَلَى أَنْوَاع: أَحدهَا: (الحنكة وَالْقَتْل) هَذَا وَهُوَ أَن يحتال فِي قَتله. ثَانِيهَا: قتل (الفتك) وَهُوَ أَن يكون آمنا فيراقب حَتَّى يجد مِنْهُ غَفلَة (فيقتله) . ثَالِثهَا: قتل الصَّبْر وَهُوَ الْقَتْل مجاهرة. رَابِعهَا: قتل الْغدر وَهُوَ الْقَتْل بعد الْأمان وَقَوله: «تمالأ» هُوَ مَهْمُوز أَي: تعاون، قَالَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «وَالله مَا قتلت عُثْمَان وَلَا مالأت فِي قَتله» أَي عاونت. قَالَ الْخطابِيّ فِي «تصاحيف الروَاة» : هُوَ مَهْمُوز من الْمَلأ، أَي صَارُوا كلهم مَلأ وَاحِدًا فِي قَتله، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 قَالَ: و (المحدثون) يَقُولُونَهُ بِغَيْر همز، وَالصَّوَاب الْهَمْز؛ لِأَن الْمَلأ مَهْمُوز غير مَقْصُور الْعَصَا. الْأَثر السَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ عَن أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: «عِنْدِي أَنه لَا يقْتَصّ باللطمة، كَمَا لَا يقْتَصّ بالهاشمة؛ لِأَن لَا قصاص فِي اللَّطْمَة لَو انْفَرَدت كالهاشمة، وَاحْتج لَهُ (بأثر) عليّ - كرم الله وَجهه - وَهَذَا حسن. هَذَا الْأَثر غَرِيب كَذَلِك، وَقَالَ البُخَارِيّ عَكسه، فَقَالَ فِي أثْنَاء الدِّيات: وأقاد أَبُو بكر (وَابْن الزبير) وعليّ وسُويد بن مقرن من لطمة. الْأَثر (السَّابِع وَالثَّامِن) : عَن عمر وعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما (أَنَّهُمَا) قَالَا: «من مَاتَ من حدٍّ أَو قصاص فَلَا دِيَة لَهُ، (الْحق) قَتله» . وَهَذَا رَوَاهُ عَنْهُمَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عَطاء عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عمر بن الْخطاب وَعلي أَنَّهُمَا قَالَا: « (فِي) الَّذِي يَمُوت فِي الْقصاص: لَا دِيَة لَهُ» . ثمَّ رَوَى من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن أبي يَحْيَى، عَن عَلّي، قَالَ: «من مَاتَ فِي حد فَإِنَّمَا قَتله الْحَد فَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 عقل لَهُ (مَاتَ) فِي حد من حُدُود الله» . قَالَ ابْن الْمُنْذر: (ورويناه) عَن أبي بكر أَيْضا. تَنْبِيه: لما ذكر الرَّافِعِيّ، عَن أبي إِسْحَاق: «أَن الشلاء لَا تقطع مُطلقًا» علله بِأَن الشَّرْع لم يرد بِالْقصاصِ فِيهَا، ثمَّ ذكر أَن الْمَشْهُور أَنه يُرَاجع أهل الْخِبْرَة ... إِلَى آخِره. وَيُؤَيّد مَا ذكره مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَنه قَالَ: «فِي الْيَد الشلاء ثلث دِيَتهَا» . قَالَ: (و) روينَا عَن مَسْرُوق أَنه قَالَ: «فِي الْيَد الشلاء حكم» وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ: «فِي الْيَد الشلاء حُكُومَة عدلٍ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 بَاب الْعَفو عَن الْقصاص ذكر فِيهِ حديثين وأثرين: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « [فِي] الْعمد الْقود» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، رَفعه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قتل فِي عمية أَو عصبية بِحجر أَو سَوط أَو عَصا، فَعَلَيهِ عقل الْخَطَأ، وَمن قتل عمدا فَهُوَ قَود، وَمن حَال بَينه وَبَينه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، (لَا يقبل مِنْهُ صرف وَلَا عدل) » . وَإسْنَاد رِوَايَة ابْن مَاجَه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ (وَوَصله) الْحسن بن عمادة وَالْحسن بن مُسلم أَيْضا. أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طريقهما، وَرَوَاهُ عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس مُرْسلا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَفِي رِوَايَة للدارقطني من حَدِيث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا: «الْعمد قَود إِلَّا أَن يعْفُو ولي الْمَقْتُول» . وَفِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، قَالَ - أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ - فِي «علله» : وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة (أَيْضا) مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ أَيْضا طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا. قَالَ: وَالصَّحِيح عَن طَاوس مُرْسلا. الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي شُرَيْح الكعبي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثمَّ أَنْتُم يَا خُزَاعَة قتلتم هَذَا الْقَتِيل من هُذَيْل، وَأَنا وَالله عاقله، فَمن قتل بعده قَتِيلا فأهله بَين خيرتين (إِن أَحبُّوا قتلوا وَإِن أَحبُّوا أخذُوا الْعقل» . هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة: الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَأَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «أَلا إِنَّكُم معشر خُزَاعَة قتلتم هَذَا الْقَتِيل من هُذَيْل وَإِنِّي عاقله، فَمن قتل لَهُ بعد مَقَالَتي هَذِه قَتِيل فأهله بَين خيرتين بَين أَن يَأْخُذُوا الْعقل، وَبَين أَن يقتلُوا» وَالتِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «ثمَّ إِنَّكُم معشر خُزَاعَة قتلتم هَذَا الرجل من هُذَيْل، وَإِنِّي عاقله، فَمن قتل لَهُ قَتِيل بعد الْيَوْم، فأهله بَين خيرتين) إِمَّا أَن يقتلُوا أَو يَأْخُذُوا (الْعقل) » . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَرُوِيَ عَن أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 قتل لَهُ قَتِيل فَلهُ أَن يقتل أَو يعْفُو أَو يَأْخُذ الدِّيَة» (فَظَاهر) كَلَام التِّرْمِذِيّ هَذَا يُعْطي أَن أَبَا شُرَيْح هَذَا غير الأول، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ إِيَّاه، وَهُوَ كعبي خزاعي؛ لِأَن كَعْبًا بطن من خُزَاعَة. وأصل هَذَا الحَدِيث فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ - لما فتح الله عَلَى رَسُوله مَكَّة -: مَن قُتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين إِمَّا أَن يقتل، وَإِمَّا أَن يفدى» . وَأما الأثران فهما: مَا رُوِيَ عَن عمر وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذا عَفا بعض الْمُسْتَحقّين للْقصَاص أَن الْقصاص يسْقط، وَإِن لم يرض الْآخرُونَ» . وَلَا مُخَالف لَهما من الصَّحَابَة (وَكَانَ كالإجماع) ، وَقد (أخرجهُمَا «الْبَيْهَقِيّ» ) كَمَا سلف فِي الْأَثر الثَّانِي فِي الْبَاب قبله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 كتاب الدِّيات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 كتاب الدِّيات ذكر فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فستة وَسِتُّونَ: الحَدِيث الأول عَن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتب إِلَى أهل الْيمن (بِكِتَاب) - ذكر فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن والديات - وَفِيه: أَن فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهَذِه الْمِائَة تجب إِذا كَانَ الْقَتْل خطأ، (مخمسة) : عشرُون مِنْهَا بنت مَخَاض، وَعِشْرُونَ بنت لبون، وَعِشْرُونَ ابْن لبون، وَعِشْرُونَ حقة، وَعِشْرُونَ جَذَعَة. وَبِه قَالَ مَالك، وَبدل أَبُو حنيفَة «ابْنا لبون» ب «ابْنا الْمَخَاض» وَبِه قَالَ أَحْمد، وَعَن ابْن الْمُنْذر مثله، وَاحْتج الْأَصْحَاب بِمَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي دِيَة الْخَطَأ بِمِائَة من الْإِبِل» وفصلها عَلَى مَا ذكرنَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 وَيروَى ذَلِك مَوْقُوفا عَلَى ابْن مَسْعُود، وَعَن سُلَيْمَان بن يسَار أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: «دِيَة الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل» وَفصل كَذَلِك. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَرْفُوعا الْأَئِمَّة أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن زيد بن جُبَير، عَن خِشْف بن مَالك الطَّائِي، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه « (أَن) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي دِيَة الْخَطَأ بِمِائَة من الْإِبِل: عشرُون حقة، وَعِشْرُونَ جَذَعَة، وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض، وَعِشْرُونَ بنت لبون، وَعِشْرُونَ بني مَخَاض (ذكر) » ، بدل «ابْن لبون» . وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، الْحجَّاج (بن أَرْطَاة) ضَعِيف مُدَلّس (وَرِوَايَة ابْن مَاجَه وَإِن صرح فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ) ، فَقَالَ: «ثَنَا زيد بن جُبَير» فقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي حَقه: إِنَّه (يُدَلس) عَن الضُّعَفَاء فَإِذا قَالَ: «ثَنَا فلَان» فَلَا يرتاب بِهِ. وخِشْف - بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة، ثمَّ شين مُعْجمَة سَاكِنة، ثمَّ فَاء - بن مَالك مَجْهُول، كَمَا قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والخطابي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 وَقَالَ الْأَزْدِيّ: إِنَّه لَيْسَ (بِذَاكَ) . قَالَ الْخطابِيّ: وَعدل الشَّافِعِي عَن القَوْل بِهِ، لما ذكرنَا من الْعلَّة فِي رِوَايَته وَلِأَن فِيهِ «بني مَخَاض» وَلَا مدْخل لبني مَخَاض فِي شَيْء من أَسْنَان الصَّدَقَة. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قصَّة الْقسَامَة «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ودى) قَتِيل خَيْبَر بِمِائَة من إبل الصَّدَقَة» وَلَيْسَ (فِي) أَسْنَان الصَّدَقَة ابْن مَخَاض. وَخَالف النَّسَائِيّ فوثق خِشْفًا، وَكَذَا ابْن حبَان ذكره فِي «ثقاته» من التَّابِعين، وَقَالَ: (إِن) عداده فِي أهل الْكُوفَة يروي عَن عمر وَابْن مَسْعُود، (و) رَوَى عَنهُ زيد بن جُبَير الطَّائِي. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا الحَدِيث (لَا نعرفه) مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى عبد الله. وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ مَرْفُوعا عَن عبد الله إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ عبد الْحق: رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث من حَدِيث الْحجَّاج [عَن] زيد، عَن خِشْف، عَن عبد الله، وَهُوَ إِسْنَاد ضَعِيف، وسط الدَّارَقُطْنِيّ القَوْل فِي «سنَنه» فِي هَذَا الحَدِيث (فَإِنَّهُ لما ذكره) من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 حَدِيث (أبي) عُبَيْدَة، عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ السالف، وَفِيه: «وَعِشْرُونَ (بَنو) لبون ذُكُور» . قَالَ: هَذَا إِسْنَاد حسن، وَرُوَاته ثِقَات. قَالَ: وَقد رُوِيَ (عَن) عَلْقَمَة، عَن عبد الله بِنَحْوِ هَذَا، ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن حجاج، عَن زيد، عَن خِشْف، عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الدِّيَة فِي الْخَطَأ ... » فَذكره كَمَا سلف أَولا، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف غير ثَابت عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ من وُجُوه (عديدة) : أَحدهَا: أَنه مُخَالف لما رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة (بن) عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه بالسند الصَّحِيح [عَنهُ] الَّذِي لَا (مطْعن) فِيهِ [و] لَا تَأْوِيل عَلَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدَة أعلم بِحَدِيث أَبِيه ومذهبه من خِشْف بن مَالك ونظرائه، وَعبد الله (بن) مَسْعُود أَتْقَى لربِّه وأشح عَلَى دينه من أَن يروي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه (قَضَى) بِقَضَاء ويفتي (هُوَ) بِخِلَافِهِ، هَذَا لَا يتَوَهَّم مثله عَلَى عبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ الْقَائِل فِي مَسْأَلَة وَردت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 عَلَيْهِ لم يسمع [فِيهَا] من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَيْئا لم يبلغهُ (عَنهُ) فِيهَا قَول: «أَقُول فِيهَا برأيي، فَإِن كَانَ صَوَابا فَمن الله، وَإِن كَانَ خطأ فمني» . ثمَّ [بلغه] بعد ذَلِك أَن فتياه فِيهَا وَافق قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مثلهَا فَرَآهُ أَصْحَابه فَرح عِنْد ذَلِك فَرحا مَا فَرح مثله؛ بموافقة (فتياه) قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَمن كَانَت هَذِه صفته وَهَذَا حَاله كَيفَ يَصح عَنهُ أَن يروي عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَيُخَالِفهُ! وَيشْهد لذَلِك مَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: «دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا» ثمَّ فَسرهَا كَمَا فَسرهَا عَنهُ أَبُو عُبَيْدَة وعلقمة سَوَاء. وَهَذِه الرِّوَايَة وَإِن كَانَ فِيهَا إرْسَال فإبراهيم النَّخعِيّ هُوَ من أعلم النَّاس بِعَبْد الله وفتياه. ثَانِيهَا: أَن الْمَرْفُوع الَّذِي فِيهِ ذكر: «بني (مَخَاض) » لَا نعلم من رَوَاهُ إِلَّا خشف، عَن ابْن مَسْعُود، وَهُوَ رجل (مَجْهُول) لم (يروه) عَنهُ إِلَّا زيد بن جُبَير، (وَأهل) الْعلم (لَا) يحتجون بِخَبَر (مُنْفَرد) بروايته رجل مَجْهُول غير مَعْرُوف. ثَالِثهَا: أَن خبر خِشْف بن مَالك لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن زيد بن جُبَير عَنهُ، غير حجاج بن أَرْطَاة، وَالْحجاج رجل مَشْهُور بالتدليس (وَلِأَنَّهُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 يحدث عَمَّن لم يلقه وَلم يسمع مِنْهُ. ثمَّ ذكر أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي الْحجَّاج. رَابِعهَا: أَن (جمَاعَة) من (الثِّقَات) رَوَوْهُ عَن الْحجَّاج فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ (عبد الرَّحِيم) بن سُلَيْمَان وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَلَى اللَّفْظ الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَنهُ. وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأمَوِي، عَن الْحجَّاج فَجعل مَكَان (الحقاق) «بني اللَّبُون» . وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير وَحَفْص بن غياث وَجَمَاعَة، عَن الْحجَّاج بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ: «جعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا» وَلم يزِيدُوا عَلَى هَذَا، وَلم يذكرُوا فِيهِ تَفْسِير الْأَخْمَاس (وَيُشبه) أَن يكون الْحجَّاج رُبمَا كَانَ يُفَسر الْأَخْمَاس بِرَأْيهِ بعد فَرَاغه من الحَدِيث، فيتوهم السَّامع أَن ذَلِك فِي الحَدِيث وَلَيْسَ كَذَلِك. خَامِسهَا: أَنه رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَن جمَاعَة من (الصَّحَابَة) الْمُهَاجِرين فِي دِيَة الْخَطَأ بأقاويل مُخْتَلفَة لَا نعلم رُوِيَ عَن أحد مِنْهُم ذكر «بني مَخَاض» إِلَّا فِي حَدِيث (خِشْف) هَذَا. هَذَا آخر مَا ذكره (الدَّارَقُطْنِيّ) مُلَخصا. ولمّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (عَن) ابْن مَسْعُود من طَرِيق إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَلْقَمَة عَنهُ، أَنه قَالَ: «فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 الْخَطَأ أَخْمَاسًا: عشرُون حقة، وَعِشْرُونَ جَذَعَة، وَعِشْرُونَ بَنَات لبون، وَعِشْرُونَ بَنَات مَخَاض، وَعِشْرُونَ بني مَخَاض» . قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وَكِيع فِي كِتَابه «المُصَنّف» فِي الدِّيات، عَن الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله. وَعَن (سُفْيَان) ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي (وَعبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي، عَن الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث) يزِيد بن هَارُون، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي مجلز، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن عبد الله «فِي دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاس، خمس بَنو مَخَاض ... » إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عَن عبد الله بن مَسْعُود (بِهَذِهِ) الْأَسَانِيد. قَالَ: وَقد رَوَى بعض حفاظنا - وَهُوَ الدَّارَقُطْنِيّ - هَذِه الْأَسَانِيد، عَن عبد الله، وَجعل مَكَان «بني الْمَخَاض» «بني اللَّبُون» . قَالَ: وَهُوَ غلط. وَقَالَ فِي «خلافياته» : كَذَا رَوَاهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ الأوحد فِي عصره فِي هَذَا الشَّأْن وَهُوَ واهم فِيهِ، والجواد رُبمَا يعثر. قَالَ: وَقد رَأَيْته فِي «كتاب ابْن خُزَيْمَة» وَهُوَ إِمَام فِي رِوَايَة وَكِيع، عَن سُفْيَان بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك «بني لبون» . وَفِي رِوَايَة: سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن أبي مجلز، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن ابْن مَسْعُود، كَذَلِك «بني لبون» . وَرَوَاهُ من حَدِيث ابْن أبي زَائِدَة، عَن أَبِيه وَغَيره، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَلْقَمَة، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 ابْن مَسْعُود (كَذَلِك) «بني مَخَاض» فَإِن كَانَ مَا روياه (مَحْفُوظًا) فَهُوَ الَّذِي نَمِيل إِلَيْهِ، وَصَارَت الرِّوَايَات فِيهِ عَن ابْن مَسْعُود (متعارضة) ، وَمذهب عبد الله مَشْهُور فِي «بني الْمَخَاض» . وَقد اخْتَار ابْن الْمُنْذر فِي هَذَا مذْهبه، وَاحْتج بِأَن الشَّافِعِي إِنَّمَا صَار إِلَى قَول أهل الْمَدِينَة فِي دِيَة الْخَطَأ؛ لِأَن النَّاس قد اخْتلفُوا فِيهِ، وَالسّنة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَردت مُطلقَة بِمِائَة من الْإِبِل غير مفسرة، وَاسم الْإِبِل يتَنَاوَل الصغار والكبار، فالتزم الْقَاتِل أقل مَا قَالُوا إِنَّه يلْزمه، وَكَانَ عِنْده قَول أهل الْمَدِينَة أقل مَا قَالُوا فِيهَا، وَكَأَنَّهُ لم يبلغهُ قَول ابْن مَسْعُود، فَوَجَدنَا قَول عبد الله أقل مَا قيل فِيهَا لِأَن «بني الْمَخَاض» أقل من «بني اللَّبُون» وَاسم الْإِبِل يتَنَاوَلهُ، فَكَانَ هُوَ الْوَاجِب دون مَا زَاد عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول صَحَابِيّ (فَهُوَ أولَى من غَيره) . (قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ حَدِيث ابْن مَسْعُود من وَجه) آخر مَرْفُوعا، وَلَا يَصح رَفعه ... فَذكره من رِوَايَة أبي دَاوُد وَغَيره كَمَا مر، قَالَ: (وَقَالَ) أَبُو دَاوُد: هُوَ قَول عبد الله. يَعْنِي إِنَّمَا رُوِيَ من قَول عبد الله مَوْقُوفا غير مَرْفُوع. ثمَّ نقل الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارَقُطْنِيّ مَا قَالَه فِي خِشْف وَالْحجاج، ثمَّ قَالَ: وكيفما كَانَ فالحجاج غير مُحْتَج بِهِ، وخِشْف مَجْهُول، وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى عبد الله بن مَسْعُود، وَالصَّحِيح عَن عبد الله أَنه جعل أحد أخماسها «بني الْمَخَاض» فِي الْأَسَانِيد الَّتِي تقدَّم ذكرهَا، لَا كَمَا توهمه الدَّارَقُطْنِيّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 (قَالَ) : وَقد اعتذر من رغب عَن قَول عبد الله بن مَسْعُود فِي هَذَا بشيئين: أَحدهمَا: ضعف رِوَايَة خِشْف عَن ابْن مَسْعُود بِمَا ذكرنَا، وَانْقِطَاع رِوَايَة من رَوَاهُ عَنهُ مَوْقُوفا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عبد الله، وَأَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه، وَأَبُو إِسْحَاق عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله. وَرِوَايَة إِبْرَاهِيم عَن عبد الله مُنْقَطِعَة لَا شكّ فِيهَا، وَرِوَايَة أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه؛ لِأَن أَبَا عُبَيْدَة لم يدْرك أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ رِوَايَة أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن عَلْقَمَة مُنْقَطِعَة؛ لِأَن أَبَا إِسْحَاق رَأَى عَلْقَمَة لَكِن لم يسمع مِنْهُ شَيْئا. (وَثَانِيهمَا) حَدِيث سهل بن أبي (حثْمَة) فِي الَّذِي (وداه) رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِيهِ: «بِمِائَة من إبل الصَّدَقَة» «وَبَنُو الْمَخَاض» لَا أصل لَهَا فِي أصل الْقسَامَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث الْقسَامَة (وَإِن) كَانَ فِي قتل الْعمد وَنحن نتكلم فِي قتل الْخَطَأ (فحين) لم يثبت ذَلِك الْقَتْل عَلَى أحدٍ مِنْهُم بِعَيْنِه وداه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بدية الْخَطَأ مُتَبَرعا بذلك، وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ (أَنه) قَالَ: «من إبل الصَّدَقَة» وَلَا مدْخل (للخلفات) الَّتِي تجب (فِي) دِيَة الْعمد فِي (إبل الصَّدقَات) وَأجَاب ابْن الْجَوْزِيّ عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ بِأَن قَالَ: يُعَارض قَوْله إِن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من (أَبِيه فَكيف جَازَ أَن يسكت عَن ذكر) هَذَا؟ ! ثمَّ إِنَّه إِنَّمَا حَكَى عَنهُ فتواه، وخِشْف رَوَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمَتى كَانَ الْإِنْسَان ثِقَة فَيَنْبَغِي أَن يقبل قَوْله، وَكَيف يُقَال عَن الثِّقَة إِنَّه مَجْهُول؟ ! وَاشْتِرَاط الْمُحدثين أَن يروي عَنهُ اثْنَان لَا وَجه لَهُ. هَذَا آخر كَلَامه وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، وَكَيف ذهل عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة! وَأما ذكر ذَلِك تَرْجِيحا لمذهبه فِي إِبْدَال «بني اللَّبُون» ب «بني الْمَخَاض» ، وَالْمَاوَرْدِيّ - من الشَّافِعِيَّة - قَالَ: رَوَاهُ مَوْقُوفا عَن قَتَادَة، عَن لَاحق بن حميد، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الْحجَّاج، عَن زيد، عَن خِشْف، عَن ابْن مَسْعُود (مَرْفُوعا) بِذكر «بني اللَّبُون» . قَالَ: وَهَذِه الرِّوَايَة أثبت من رِوَايَة (عبد الرَّحِيم) بن سُلَيْمَان عَن الْحجَّاج بِهِ؛ لِأَن هَذَا خلاف مَا رَوَاهُ عَنهُ ابْنه عبد الله وعلقمة، وَهُوَ لَا يُفْتِي بِخِلَاف مَا يروي. قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَحَدِيث الْحجَّاج ضَعِيف، وخِشْف مَجْهُول؛ لِأَنَّهُ لم يرو عَنهُ إِلَّا زيد بن جُبير. وَأما مَا ذكره الرَّافِعِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار، فَرَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن ابْن شهَاب وَرَبِيعَة بن عبد الرَّحْمَن، وبلغه عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: «دِيَة الْخَطَأ عشرُون ابْنة مَخَاض، وَعِشْرُونَ ابْنة لبون، وَعِشْرُونَ ابْن لبون (ذكر) وَعِشْرُونَ حقة، وَعِشْرُونَ جَذَعَة» . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَسليمَان هَذَا تَابِعِيّ. وَأَشَارَ بقوله: «يَقُولُونَ» إِلَى الصَّحَابَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 فَذَاك إِجْمَاع. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مثل ذَلِك عَن الْفُقَهَاء السَّبْعَة ومشيخة جلة سواهُم من نظرائهم. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «إِن أَعْتَى النَّاس (عَلَى) الله ثَلَاثَة: رجل قتل فِي الْحرم، وَرجل قتل غير قَاتله، وَرجل قتل بذحل الجاهليَّة» . (لما ذكر الرَّافِعِيّ أَنه لم يرد فِي الْإِحْرَام من التَّغْلِيظ مَا ورد فِي الْقَتْل فِي الْحرم قَالَ: وَرُوِيَ الحَدِيث من أوجه أخر) . أَحدهَا: من طَرِيق عبد الله بن (عَمْرو) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «أعدى» بِالدَّال الْمُهْملَة بدل «أَعْتَى» بِالتَّاءِ، وَقَالَ: «بذحُول» بدل «بذحل» . ثَانِيهَا: من طَرِيق عبد الله بن عمر فِي حَدِيث طَوِيل بِلَفْظ: «وَإِن أَعْتَى النَّاس عَلَى الله ثَلَاثَة: من قتل فِي حرم الله، أَو قتل غير قَاتله لذحل الْجَاهِلِيَّة» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك سَوَاء وَمن هَذِه الطَّرِيق، وَيجوز أَن يكون هُوَ عبد الله بن عَمْرو فَسَقَطت الْوَاو، وَالله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 ثَالِثهَا: من طَرِيق أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَعْتَى النَّاس عَلَى الله من قتل غير قَاتله، أَو طلب بِدَم الْجَاهِلِيَّة وَمن (بصر) عَيْنَيْهِ فِي النّوم مَا لم تبصر» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ: «وَإِن أعدى النَّاس عَلَى الله ثَلَاثَة: رجل قتل (فِيهَا) - يَعْنِي مَكَّة - وَرجل قتل غير قَاتله (بذحل الْجَاهِلِيَّة) » . (وَلم يذكر الثَّالِثَة، وَرَوَاهُ فِي مَوضِع آخر بِلَفْظ: «أَعْتَى النَّاس عَلَى الله رجل قتل غير قَاتله، أَو طلب بِدَم الْجَاهِلِيَّة من أهل الْإِسْلَام، وَمن بصر عَيْنَيْهِ فِي النّوم مَا لم تبصره» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «وَإِن أَعْتَى النَّاس عَلَى الله ثَلَاثَة: رجل قتل فِيهَا - يَعْنِي مَكَّة - وَرجل قتل غير قَاتله، وَرجل طلب بذحل فِي الْجَاهِلِيَّة» ) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق و [خُولِفَ] ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَطاء بن يزِيد، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 عَن أبي شُرَيْح مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ عقيل وَيُونُس وَغَيرهمَا (عَن الزُّهْرِيّ) عَن مُسلم بن يزِيد، عَن أبي شُرَيْح مَرْفُوعا وَهُوَ الصَّحِيح، وَأَخْطَأ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق. (قلت: وَمَعَ خطئه فَفِيهِ مقَال) . قَالَ الْعجلِيّ: يكْتب حَدِيثه، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. (وَكَذَا) قَالَ أَبُو حَاتِم وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ مِمَّن يعْتَمد عَلَى حفظه، وَإِن كَانَ مِمَّن يحْتَمل فِي بعض. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. رَابِعهَا: من طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «وجد فِي قَائِم سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كِتَابَانِ) : إِن أَشد النَّاس عتوًّا رجل ضرب غير ضاربه، وَرجل قتل غير قَاتله، وَرجل تولى غير أهل نعْمَته، فَمن فعل ذَلِك فقد كفر بِاللَّه وَرَسُوله، لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا» . رَوَاهُ الْحَاكِم، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد [عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد] عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «وجد فِي قَائِم سيف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كتاب) : إِن أعدى النَّاس عَلَى الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْقَاتِل غير قَاتله، والضارب غير ضاربه، وَمن تولى غير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 موَالِيه، فقد كفر بِمَا أنزل الله (عَلَى مُحَمَّد) - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أبْغض النَّاس إِلَى الله ثَلَاثَة: ملحد فِي الْحرم، ومبتغ فِي الْإِسْلَام سنة الْجَاهِلِيَّة، ومطلب دم امْرئٍ بِغَيْر حقٍّ ليهريق دَمه» . فَائِدَة: العتو - بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة -: التكبر والتجبر. يُقَال: عتا يعتو عُتوًّا، وعُتيًّا - بِضَم الْعين وَكسرهَا - فَهُوَ عَاتٍ، وَأما عثى - بالثاء الْمُثَلَّثَة - يعثو فَمَعْنَاه: أفسد وَكَذَلِكَ عَثِي - بِكَسْر الثَّاء - يعثى بِفَتْحِهَا - قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين) . وَقَوله: «غير قَاتله» هُوَ مجَاز جعل قَاتل مُوَرِثه قَاتلا لَهُ، وَمِنْه: «وتستحقون دم صَاحبكُم - أَو قَالَ: قاتلكم» . وَأما «الذحْل» فبذال مُعْجمَة وحاء مُهْملَة سَاكِنة، وَهُوَ الحقد والعداوة، يُقَال: طلب بذحله أَي بثأره. وَالْجمع ذحول. قَالَه الْجَوْهَرِي. الحَدِيث الرَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلا إنَّ فِي قتل الْعمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط والعصا مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» فَرَاجعه مِنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 الحَدِيث الْخَامِس عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قتل مُتَعَمدا سلم إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، فَإِن أحبُّوا قتلوا، وَإِن أَحبُّوا أخذُوا الْعقل ثَلَاثِينَ حقة، وَثَلَاثِينَ جَذَعَة، وَأَرْبَعين خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا» . هَذَا الحَدِيث عزاهُ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب إِلَى بعض الشُّرُوح وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، فَإِنَّهُ حَدِيث مَشْهُور فِي كتابي التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه لَكِن من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو - بِالْوَاو - ولعلها مِمَّا أسقطها النَّاسِخ، أَخْرجَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قتل مُتَعَمدا دفع إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، فَإِن شَاءُوا قتلوا، وَإِن شَاءُوا أخذُوا الدِّيَة، وَهِي: ثَلَاثُونَ حقة، وَثَلَاثُونَ جَذَعَة، وَأَرْبَعُونَ خلفة، وَمَا صُولحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُم. وَذَلِكَ لتشديد الْعقل» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن رَاشد المكحولي الدِّمَشْقِي وَقد وَثَّقَهُ أَحْمد وَجَمَاعَة، وَلينه النَّسَائِيّ، وَنسب إِلَى الْقدر وَأَنه يرَى الْخُرُوج. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُحَمَّد هَذَا وَإِن كُنَّا نروي حَدِيثه لرِوَايَة الْكِبَار عَنهُ، فَلَيْسَ مِمَّن تقوم الْحجَّة بِمَا ينْفَرد بِهِ. وَقَالَ صَاحب «الْإِلْمَام» : رَوَاهُ مُحَمَّد بن رَاشد، عَن سُلَيْمَان وَقد وثقا. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 «إِن من قتل خطأ فديته من الْإِبِل (مائَة) : ثَلَاثُونَ بنت مَخَاض، وَثَلَاثُونَ بنت لبون، وَثَلَاثُونَ حقة، وَعشر بني لبون» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا لَا يحْتَج بِمثلِهِ، فِيهِ مُحَمَّد بن رَاشد وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» : لَعَلَّه يُرِيد خطأ الْعمد حملا عَلَى مَا سلف؛ لِأَن التنويع نوع من التَّغْلِيظ. الحَدِيث السَّادِس «أَن امْرَأتَيْنِ ضرتين اقتتلتا فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود فسطاط فَمَاتَتْ، فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالدِّيَةِ عَلَى عاقلتها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» مطولا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة والمغيرة بن شُعْبَة. (ذكره) الرَّافِعِيّ آخر الْبَاب، وَقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ وَاضحا فِي «شرحي للعمدة» مَعَ بَيَان هَاتين الْمَرْأَتَيْنِ، فَرَاجعه مِنْهُ ترَى مهمات، (وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 الحَدِيث السَّابِع حَدِيث: «الْعمد الْخَطَأ» عَلَى مَا تقدم، قد سلف هَذَا وَاضحا. الحَدِيث الثَّامِن عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلا إِن فِي الدِّيَة الْعُظْمَى مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد مُنْقَطع، من حَدِيث إِسْحَاق بن يَحْيَى بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، قَالَ: «إِن من قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي الدِّيَة الْكُبْرَى الْمُغَلَّظَة بِثَلَاثِينَ ابْنة لبون، وَثَلَاثِينَ حقة (وَأَرْبَعين خلفة، وَقَضَى فِي الدِّيَة الصُّغْرَى بِثَلَاثِينَ ابْنة لبون، وَثَلَاثِينَ حقة) وَعشْرين بنت مَخَاض، وَعشْرين بني مَخَاض ذُكُور، ثمَّ غلت (الْإِبِل) بعد وَفَاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وهانت الدَّرَاهِم فقوم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إبل الدِّيَة سِتَّة آلَاف حِسَاب أُوقِيَّة وَنصف لكل بعير، ثمَّ غلت الْإِبِل وهانت الدَّرَاهِم فأقامها عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اثْنَي عشر ألف دِرْهَم حِسَاب [ثَلَاث] (أَوَاقٍ) لكل بعير، وَيُزَاد ثلث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 الدِّيَة فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَثلث آخر للبلد الْحَرَام، (أُقِيمَت) دِيَة الْحرم (عشْرين) ألفا. قَالَ: (و) كَانَ (يُقَال) يُؤْخَذ من أهل الْبَادِيَة من ماشيتهم لَا يكلفون الْوَرق (وَلَا) الذَّهَب (وَيُؤْخَذ) من كل قوم من مَالهم قيمَة الْعدْل فِي أَمْوَالهم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع، إِسْحَاق بن يَحْيَى لم يدْرك عبَادَة بن الصَّامِت. الحَدِيث التَّاسِع والعاشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل» . وَقَالَ: «فِي قَتِيل (السَّوط) والعصا مائَة من الْإِبِل» . هَذَانِ الحديثان تقدما فراجعهما. الحَدِيث الْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر عَن مَكْحُول وَعَطَاء قَالَا: «أدركنا النَّاس عَلَى أَن دِيَة الْحر الْمُسلم عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائَة من الْإِبِل، فقومها عمر بِأَلف دِينَار (أَو) اثْنَي عشر ألف دِرْهَم» . هَذَانِ الحديثان رَوَاهُمَا الشَّافِعِي، عَن مُسلم، عَن عبيد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 بن عمر، عَن أَيُّوب بن مُوسَى، عَن ابْن شهَاب، وَعَن مَكْحُول وَعَطَاء قَالُوا: «أدركنا النَّاس عَلَى أَن دِيَة الْحر الْمُسلم عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائَة من الْإِبِل، فقوم عمر بن الْخطاب (تِلْكَ) الدِّيَة عَلَى (الْقَرَوِي) ألف دِينَار، أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: زَاد أَبُو سعيد - يَعْنِي ابْن أبي عَمْرو - عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع فِي رِوَايَته قَالَ: «فَإِن كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ من الْأَعْرَاب فديته مائَة من الْإِبِل، لَا يُكَلف الْأَعرَابِي الذَّهَب وَلَا الْوَرق» . وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا (رَأَيْنَاهُ) من «مُسْنده» بعد قَوْله: «أَو (اثْنَي) عشر ألف دِرْهَم، ودية الْحرَّة الْمسلمَة إِذا كَانَت من أهل الْقرى خَمْسمِائَة دِينَار أَو سِتَّة آلَاف دِرْهَم، فَإِن كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا من الْأَعْرَاب فَفِيهَا خَمْسُونَ من الْإِبِل، ودية الأعرابية إِذا أَصَابَهَا الْأَعرَابِي خَمْسُونَ من الْإِبِل، لَا يُكَلف الْأَعرَابِي الذَّهَب وَلَا الْوَرق» . (و) رَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مُسلم، عَن ابْن جريج قَالَ: «قلت لعطاء: الدِّيَة الْمَاشِيَة أَو الذَّهَب؟ قَالَ: كَانَت الْإِبِل حَتَّى كَانَ عمر فقوم الْإِبِل عشْرين وَمِائَة كل بعير، فَإِن شَاءَ الْقَرَوِي أعطَاهُ مائَة (نَاقَة) وَلم يُعْطه ذَهَبا كَذَلِك الْأَمر الأول» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شريك بن عبد الله «أَن عُثْمَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 قَضَى بِالدِّيَةِ اثْنَا عشر ألفا وَكَانَت الدَّرَاهِم يَوْمئِذٍ (وزن) سِتَّة» . قَالَ الشَّافِعِي: رَوَى عَطاء وَمَكْحُول وَعَمْرو بن شُعَيْب وعدة من أهل الْحجاز «أَن عمر فرض الدِّيَة (اثْنَي) عشر ألف دِرْهَم» (وَلم أعلم) أحدا بالحجاز خَالفه فِيهِ بالحجاز وَلَا عَن عُثْمَان، وَمِمَّنْ قَالَ الدِّيَة اثْنَا عشر ألف دِرْهَم: ابْن عَبَّاس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَلَقَد رَوَاهُ عِكْرِمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه قَضَى فِي الدِّيَة اثْنَي عشر ألف دِرْهَم» . قَالَ الشَّافِعِي: فَقلت لمُحَمد بن الْحسن: أفتقول إِن الدِّيَة اثْنَا عشر ألف دِرْهَم (وزن) سِتَّة؟ فَقَالَ: لَا. فَقلت: فَمن أَيْن زعمت أَنَّك عَن عمر (قلتهَا) وَأَن عمر قَضَى بهَا بِشَيْء لَا تقضي بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الرِّوَايَة عَن عمر هَذِه مُنْقَطِعَة، وَكَذَلِكَ عَن عُثْمَان، وَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب - يَعْنِي فِي ذَلِك - قد رُوِيَ مَوْصُولا وَمَعَهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس. الحَدِيث الثَّالِث وَالرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قضي فِي الدِّيَة بِأَلف دِينَار، أَو (اثْنَي) عشر (ألف دِرْهَم) » . وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن رجلا قتل عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَجعل دِيَته (اثْنَي) عشر ألف دِرْهَم» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 أما الحَدِيث الأول، فقد سلف فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم الطَّوِيل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «وَعَلَى أهل الذَّهَب ألف دِينَار) وَأما قَضَاؤُهُ بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم فَهُوَ (غير) حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور بعده. وَأما الحَدِيث الثَّانِي؛ فَأخْرجهُ «أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث عِكْرِمَة، عَنهُ، قَالَ: «قتل رجل عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دِيَته (اثْنَي) عشر ألفا» زَاد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي إِحْدَى روايتيه: (وَذَلِكَ قَوْله: (وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله) فِي أَخذ الدِّيَة» . وَفِي أبي دَاوُد: «أَن ذَلِك الرجل من بني عدي» . قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن (عَمْرو) عَن عِكْرِمَة لم يذكر ابْن عَبَّاس. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ - بعد أَن رَوَاهُ (من حَدِيث) مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عِكْرِمَة، وَمن حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بِدُونِ ابْن عَبَّاس -: لَا نعلم أحدا يذكر فِي هَذَا الحَدِيث، عَن ابْن عَبَّاس غير مُحَمَّد بن مُسلم. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الْمُرْسل أصح. قلت: وَمُحَمّد هَذَا هُوَ الطَّائِفِي فِيهِ لين، وَقد وثق. قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الْمُتَابَعَة وَمُسلم فِي الاستشهاد. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: لَهُ فِي مُسلم فَرد حَدِيث وَاحِد. وَقَالَ شَيخنَا قطب الدَّين عبد الْكَرِيم: احْتج بِهِ مُسلم. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: ثِقَة. وَقَالَ مرّة: إِذا حدث من حفظه يُخطئ، وَإِذا حدث من كِتَابه فَلَيْسَ بِهِ بَأْس. وضعَّفه أَحْمد (جدًّا) . وَقَالَ النَّسَائِيّ: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي (هَذَا الحَدِيث وَهَذَا) الحَدِيث خطأ، وَالصَّوَاب عَن عِكْرِمَة مُرْسل. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق: إِن الْمُرْسل أصح. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن مَيْمُون، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو، عَن عِكْرِمَة. قَالَ: (سمعناه مرّة) يَقُول، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَضَى بِاثْنَيْ عشر ألفا فِي الدِّيَة» ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن مَيْمُون لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَالصَّوَاب عَن عِكْرِمَة مُرْسل. وَقَالَ ابْن معِين: ابْن عُيَيْنَة أثبت من الطَّائِفِي فِي عَمْرو بن دِينَار وأوثق مِنْهُ. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي مُحَمَّد بن صاعد، عَن مُحَمَّد بن مَيْمُون، وَقَالَ فِيهِ: عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ مُحَمَّد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 بن مَيْمُون، وَإِنَّمَا قَالَ لنا فِيهِ: عَن ابْن عَبَّاس مرّة وَاحِدَة، وَأكْثر ذَلِك كَانَ يَقُول: عَن عِكْرِمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَذكره الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الطَّائِفِي مَوْصُولا وَقَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار مَوْصُولا. قلت: وَمُحَمّد بن مَيْمُون هَذَا هُوَ أَبُو عبد الله الْمَكِّيّ الْخياط الْبَزَّاز رَوَى عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، وَخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالح. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: رُبمَا وهم. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: كَانَ أميًّا مغفلاً، رَوَى عَن شُعْبَة حَدِيثا بَاطِلا، وَمَا أبعد أَن يكون وضع لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ أميًّا. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَذكر حَدِيث ابْن (مُسلم) هَذَا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: إِن قيل رَوَاهُ سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن عِكْرِمَة مُرْسلا، وَلم يذكر ابْن عَبَّاس غير (مُحَمَّد) بن مُسلم، وَقد ضعَّفه أَحْمد. قُلْنَا: قد قَالَ يَحْيَى: هُوَ ثِقَة. وَالرَّفْع زِيَادَة. قَالَ: ثمَّ قد رُوِيَ من غير طَرِيقه. ثمَّ سَاقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ السالفة الَّتِي فِي إسنادها مُحَمَّد بن مَيْمُون وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ؛ فقد ذكر هُوَ فِي كِتَابه مُحَمَّد بن مُسلم وَمُحَمّد بن مَيْمُون وَقد قررهم فِي خطْبَة «ضُعَفَائِهِ» بِغَيْر تَقْدِيم الْجرْح عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 التَّعْدِيل. وَأما ابْن حزم فَذكره فِي «محلاه» من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن مُسلم، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَنه قَضَى بِالدِّيَةِ اثْنَي عشر ألف دِرْهَم» . (ثمَّ) قَالَ: مُحَمَّد هَذَا سَاقِط لَا يحْتَج بحَديثه. ثمَّ ذكره من طَرِيق ابْن عُيينة السالفة، عَن النَّسَائِيّ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ؛ لِأَن قَوْله فِي الْخَبَر الْمَذْكُور «يَعْنِي فِي الدِّيَة» لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَا فِي الْخَبَر بَيَان أَنه من قَول ابْن عَبَّاس، فالقطع أَنه قَوْله حكم بِالظَّنِّ، فَإِن كَانَ من قَول من دون ابْن عَبَّاس فَلَا حجَّة فِيهِ، وَقد يقْضِي عَلَيْهِ السَّلَام بِاثْنَيْ عشر (ألفا) فِي دين أَو فِي دِيَته بتراضي الْغَارِم والمقضي لَهُ (فَإِذا) لَيْسَ فِي الْخَبَر بَيَان أَنه قَضَى فِيهِ عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن الدِّيَة اثْنَا عشر ألف دِرْهَم، وَالَّذِي رَوَاهُ مشاهير أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة عَنهُ فِي هَذَا الْخَبَر فَإِنَّمَا هُوَ عَن عِكْرِمَة لم يذكر فِيهِ ابْن عَبَّاس، كَمَا روينَا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عِكْرِمَة قَالَ: «قتل مولَى لبني عدي بن كَعْب رجلا من الْأَنْصَار، فَقَضَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي دِيَته بِاثْنَيْ عشر (ألفا) » والمرسل لَا تقوم بِهِ حجَّة. هَذَا آخر كَلَامه. وَقَوله فِي الطَّائِفِي: «إِنَّه سَاقِط وَإنَّهُ لَا يحْتَج بحَديثه» لَيْسَ بجيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 مِنْهُ، وَقد أسلفت لَك أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ وَلَا يَنْتَهِي حَاله إِلَى هَذَا، وَقد تقدم عَن الْبَيْهَقِيّ أَن سُفْيَان رَوَاهُ مَوْصُولا. وَقَول ابْن حزم أَن قَوْله: « (يَعْنِي) فِي الدِّيَة» إِنَّه لَيْسَ من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلَا من كَلَام ابْن عَبَّاس. (سلف مَا) يُخَالِفهُ. الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانَ يقوم) الْإِبِل عَلَى أهل الْقرى، فَإِذا غلت رفع فِي قيمتهَا، وَإِذا هَانَتْ نقص من قيمتهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقوم الْإِبِل عَلَى أهل الْقرى أَرْبَعمِائَة دِينَار أَو عدلها من (الْوَرق) ويقسمها عَلَى أَثمَان الْإِبِل، فَإِذا غلت رفع فِي قيمتهَا، وَإِذا هَانَتْ نقص من قيمتهَا عَلَى أهل الْقرى الثّمن مَا كَانَ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد (عَن) مُحَمَّد بن رَاشد، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يقوم دِيَة الْخَطَأ عَلَى أهل الْقرى أَرْبَعمِائَة دِينَار أَو عدلها من الْوَرق، ويقومها عَلَى أَثمَان الْإِبِل، (فَإِذا) غلت رفع فِي قيمتهَا (فَإِذا) (هَانَتْ) (رخصًا) ينقص من قيمتهَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 وَبَلغت عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا بَين أَرْبَعمِائَة إِلَى ثَمَانمِائَة دِينَار أَو عدلها من الْوَرق ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم، وَقَضَى عَلَى أهل (الْبَقر) بِمِائَتي بقرة، وَمن كَانَ دِيَة عقله فِي (شَاءَ) (فألفي شَاة) . وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الْعقل مِيرَاث بَين وَرَثَة الْقَتِيل عَلَى قرابتهم فَمَا فضل فللعصبة. وَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْأنف إِذا جدع الدِّيَة كَامِلَة، وَإِن جدعت ثندوته فَنصف الْعقل (خَمْسُونَ من الْإِبِل أَو عدلها من الذَّهَب أَو الْوَرق أَو مائَة بقرة أَو ألف شَاة، وَفِي الْيَد إِذا قطعت نصف الْعقل، وَفِي الرجل نصف الْعقل) وَفِي المأمومة ثلث الْعقل ثَلَاث وَثَلَاثُونَ من الْإِبِل أَو قيمتهَا من الذَّهَب أَو الْوَرق أَو الْبَقر أَو الشَّاة، وَفِي الْجَائِفَة مثل ذَلِك، وَفِي الْأَصَابِع فِي كل أصْبع عشر من الْإِبِل، وَفِي الْأَسْنَان خمس من الْإِبِل فِي كل سنّ، وَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن عقل الْمَرْأَة بَين عصبتها من كَانُوا لَا يَرِثُونَ مِنْهَا شَيْئا إِلَّا مَا فضل عَن (ورثتها) وَإِن قلت فعقلها بَين ورثتها (وهم) يقتلُون قاتلها، قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَيْسَ للْقَاتِل شَيْء (فَإِن) لم يكن لَهُ وَارِث فوارثه أقرب النَّاس إِلَيْهِ، وَلَا يَرث الْقَاتِل شَيْئا» . قَالَ مُحَمَّد بن رَاشد: هَذَا كُله حَدثنِي بِهِ سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بالسند الْمَذْكُور إِلَى قَوْله: «فللعصبة» ثمَّ من عِنْد قَوْله: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن عقل الْمَرْأَة» إِلَى قَوْله: «وهم يقتلُون قاتلها» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا بالسَّند الْمَذْكُور بِلَفْظ: «من قتل خطأ فديته من الْإِبِل ثَلَاثُونَ بنت مَخَاض، وَثَلَاثُونَ بنت لبون، وَثَلَاثُونَ حقة، وَعِشْرُونَ بني لبون، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقومها عَلَى أهل الْقرى أَرْبَعمِائَة دِينَار أَو عدلها من الْوَرق، ويقومها عَلَى أَثمَان الْإِبِل، إِذا غلت رفع فِي ثمنهَا، وَإِذا هَانَتْ نقص من ثمنهَا عَلَى نَحْو الزَّمَان، مَا كَانَ يبلغ قيمتهَا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا بَين الأربعمائة دِينَار إِلَى ثَمَانمِائَة دِينَار أَو عدلها من الْوَرق ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم (وَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن من كَانَ عقله فِي الْبَقر) عَلَى أهل الْبَقر مِائَتي بقرة، وَمن كَانَ عقله فِي الشاءِ عَلَى أهل الشَّاء ألفي شَاة» . وَمُحَمّد بن رَاشد وَسليمَان بن مُوسَى سلف حَالهمَا فِي الحَدِيث الْخَامِس من الْبَاب. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان ثَنَا حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «كَانَت قيمَة الدِّيَة عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَمَانمِائَة دِينَار أَو ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم، ودية أهل الْكتاب يَوْمئِذٍ عَلَى النّصْف من دِيَة الْمُسلمين. قَالَ: فَكَانَت كَذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 حَتَّى اسْتخْلف عمر فَقَامَ (خَطِيبًا) فَقَالَ: أَلا إِن الْإِبِل قد غلت ففرضها عمر عَلَى أهل الذَّهَب ألف دِينَار، وَعَلَى أهل الْوَرق اثْنَي عشر ألف دِرْهَم، وَعَلَى أهل الْبَقر مِائَتي بقرة، وَعَلَى أهل الشَّاء ألفي شَاة، وَعَلَى أهل الْحلَل مِائَتي حلَّة» . وَعبد الرَّحْمَن هَذَا هُوَ البكراوي ضعفه جمَاعَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي. الحَدِيث السَّادِس عشر عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دِيَة الْمَرْأَة نصف دِيَة الرجل» . هَذَا الحَدِيث لَا (أعلم) من خرجه من حَدِيث عَمْرو بن حزم وَقد أسلفناه بِطُولِهِ، وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ، نعم هُوَ مَوْجُود بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا. أخرجه الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك، قَالَ: وَيروَى ذَلِك من وَجه آخر عَن (عبَادَة) بن نسي، وَفِيه ضعف. وَقَالَ فِي الْبَاب الَّذِي بعده: رُوِيَ عَن معَاذ بن جبل، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْنَاد لَا يثبت مثله. قلت: وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب آثَار تعضد هَذَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عقل الْمَرْأَة كعقل الرجل إِلَى ثلث الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عقل الْمَرْأَة مثل عقل الرجل حَتَّى تبلغ الدِّيَة من ثلثهَا» وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف (لِأَنَّهُ) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل، عَن غير الشاميين فَإِن ابْن جريج حجازي مكي. وَقد قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ثِقَة فِيمَا رَوَى عَن الشاميين. وَقَالَ أَحْمد: مَا رَوَى عَن الشاميين صَحِيح، وَمَا رَوَى عَن الْحِجَازِيِّينَ فَلَيْسَ بِصَحِيح. قَالَ الشَّافِعِي: وَكَانَ مَالك يذكر أَنه السّنة وَكنت أتابعه عَلَيْهِ وَفِي نَفسِي مِنْهُ شَيْء، حَتَّى علمت أَنه يُرِيد سنة أهل الْمَدِينَة فَرَجَعت عَنهُ. قلت: وَحَدِيث عَمْرو هَذَا (يرجح مَا قَالَه) مَالك. الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ (أَرْبَعَة آلَاف) » . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ وَعَزاهُ الرَّافِعِيّ إِلَى احتجاج الْأَصْحَاب، وَصَاحب «الْمطلب» عزاهُ إِلَى رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْمروزِي فِي شَرحه، وَإِنَّمَا أعرفهُ من قَضَاء عمر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 رَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن فُضَيْل بن عِيَاض، عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، عَن ثَابت الْحداد، عَن ابْن الْمسيب «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: قَضَى فِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ بأَرْبعَة آلَاف، وَفِي دِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم» (وَفِي «علل أَحْمد» : وثنا عبد الله، ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا شريك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر: «دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَاف، والمجوسي ثَمَانمِائَة» فَحدثت بِهِ أبي فَأنْكر أَن يكون من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث ثَابت الْحداد، قَالَ أبي: وَقد رَوَاهُ قَتَادَة، عَن سعيد) وَفِي سَماع ابْن الْمسيب (من عمر) مقَال. قَالَ مَالك: لم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سمع مِنْهُ. وَقد جَاءَ عَن عمر خلاف هَذَا (قَالَ) عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» ثَنَا رَبَاح (بن) عبيد الله، أَخْبرنِي حميد الطَّوِيل أَنه سمع أنس بن مَالك يحدث: «أَن يَهُودِيّا قتل غيلَة، فَقَضَى فِيهِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم» وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: ثَنَا إِبْرَاهِيم بن منقذ، ثَنَا عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ، عَن سعيد بن أبي أَيُّوب، حَدثنِي يزِيد بن أبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 حبيب أَن جَعْفَر بن عبد الله بن الحكم أخبرهُ: «أَن رِفَاعَة بن السموءل الْيَهُودِيّ قتل بِالشَّام فَجعل عمر دِيَته ألف دِينَار» وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم خلا ابْن منقذ وَهُوَ ثِقَة (أخرج لَهُ) الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . قلت: وَرُوِيَ عَن عُثْمَان مثل مَا رُوِيَ عَن عمر أَولا: رَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن صَدَقَة بن يسَار قَالَ: «أرسلنَا إِلَى سعيد بن الْمسيب نَسْأَلهُ (عَن) دِيَة الْمعَاهد، فَقَالَ: قَضَى فِيهِ عُثْمَان بأَرْبعَة آلَاف. قَالَ: فَقُلْنَا: فَمن (قبله) ؟ قَالَ: فحصبنا» وَرُوِيَ عَن عُثْمَان بِخِلَاف ذَلِك وَهُوَ مُنْقَطع. قلت: وَقد ورد أَيْضا أَن دِيَة الْكَافِر نصف دِيَة الْمُسلم، لكنه مُتَكَلم فِيهِ. الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ويقيموا الصَّلَاة، ويؤتوا الزَّكَاة؛ فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وحسابهم عَلَى الله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَهُوَ حَدِيث عَظِيم أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لمُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ مثله إِلَّا أَنه قَالَ: «بِحَق الْإِسْلَام» وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أنس: «فَإِذا شهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صَلَاتنَا؛ حرمت علينا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ (إِلَّا بِحَقِّهَا» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان «فقد حرمت دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ) وَلَهُم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا عَلَيْهِم» . الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي الْكتاب الَّذِي كتبه (إِلَى) أهل الْيمن: (وَفِي) الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن أبي بكر بن عبيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 446 الله [بن عمر] ، عَن أَبِيه، عَن عمر، مَرْفُوعا بِهِ، وَبِزِيَادَة عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبا بِطُولِهِ وَكَلَام الْبَزَّار عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي المواضح خمس (خمس) » هَذَا لَفظهمْ خلا النَّسَائِيّ؛ فَإِن لَفظه «لما افْتتح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَكَّة قَالَ فِي خطبَته: فِي المواضح خمسٌ خمسٌ» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَفِي رِوَايَة: لعبد الرَّزَّاق (عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: «قضي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْمُوَضّحَة بِخمْس من الْإِبِل أَو عدلها من الذَّهَب أَو الْوَرق) أَو الْبَقر أَو الشَّاء» وَهِي مُرْسلَة كَمَا ترَى. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين عَن عَمْرو بن حزم، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي المنقلة خمس عشرَة من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» أَيْضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 447 الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أوجب فِي الهاشمة (عشرا) من الْإِبِل» . قَالَ الرَّافِعِيّ: كَذَا ذكر بعض الْأَصْحَاب. وَمِنْهُم من قَالَ: لم يرد فِي الهاشمة شَيْء عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِنَّمَا جَاءَ فِي ذَلِك عَن زيد بن ثَابت مَوْقُوفا عَلَيْهِ. هُوَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِل الْأَخير، فَلَا يحضرني من رَوَاهُ مَرْفُوعا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف. أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ كَذَلِك بِلَفْظ: «فِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل، وَفِي الهاشمة عشر، وَفِي المنقلة خمس عشرَة، وَفِي المأمومة: ثلث الدِّيَة» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين عَن عَمْرو بن حزم، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي المأمومة ثلث الدِّيَة» . هَذَا (الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي المأمومة ثلث الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَكِن من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 448 أَبِيه، عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي المأمومة ثلث الْعقل ثَلَاث وَثَلَاثُونَ ... » وَقد تقدم قَرِيبا بِطُولِهِ فَرَاجعه مِنْهُ وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس عشر. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين عَن مَكْحُول مُرْسلا «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل فِي الْمُوَضّحَة خمْسا من الْإِبِل، وَلم يُوقف فِيمَا دون ذَلِك شَيْئا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَنهُ قَالَ: «قضي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْجِرَاحَات، فِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل ... » الحَدِيث ( ... ) عَن الْحسن «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يعقل مَا دون الْمُوَضّحَة بِشَيْء» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن شهَاب وَرَبِيعَة وَأبي الزِّنَاد وَإِسْحَاق بن عبد الله «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يعقل مَا دون الْمُوَضّحَة، وَجعل مَا دون الْمُوَضّحَة عفوا بَين الْمُسلمين» وَقَالَ مَالك بن أنس: الْأَمر الْمجمع عَلَيْهِ عندنَا أَنه لَيْسَ فِيمَا دون الْمُوَضّحَة من الشجاج عقل حَتَّى تبلغ الْمُوَضّحَة، وَإِنَّمَا الْعقل فِي الْمُوَضّحَة فَمَا [فَوْقهَا] وَذَلِكَ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - انْتَهَى فِي كِتَابه إِلَى الْمُوَضّحَة لعَمْرو بن حزم فَجعل فِيهَا خمس. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين عَن عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» . الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل فِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلِي، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن أبي بكر بن عبيد الله بن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي الْأنف إِذا استوعب جدعه الدِّيَة، وَفِي الْعين خَمْسُونَ، وَفِي الْيَد خَمْسُونَ، وَفِي الرجل خَمْسُونَ، وَفِي الْجَائِفَة ثلث النَّفس، وَفِي المنقلة خمس عشرَة، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس، وَفِي السن خمس، وَفِي كل إِصْبَع مِمَّا هُنَالك عشر عشر» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عمر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلَا نعلم رَوَى عِكْرِمَة بن خَالِد عَن أبي بكر بن عبيد الله إِلَّا هَذَا الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، ثَنَا أَبُو الْجَواب، ثَنَا عمار بن رُزَيْق، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن أبي بكر بن عبيد الله بن عمر، عَن عمر، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «فِي الْأنف الدِّيَة إِذا استوعى جدعه مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْيَد خَمْسُونَ، وَفِي الرجل خَمْسُونَ، وَفِي الْعين خَمْسُونَ، وَفِي الْأمة ثلث النَّفس، فِي الْجَائِفَة ثلث النَّفس، وَفِي المنقلة خمس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 450 عشرَة، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس، وَفِي السن خمس، وَفِي كل إِصْبَع مِمَّا هُنَالك عشر» قَالَ: وَرَوَاهُ وَكِيع عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن رجل من آل عمر قَالَ: «قضي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » فَذكره بِزِيَادَات ونقصان. قلت: وَرَوَى الْقطعَة الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا، فقد سلف قَرِيبا بِطُولِهِ فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين رُوِيَ فِي كتاب عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْأذن خَمْسُونَ من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث لَيْسَ واردًا فِي طَرِيق حَدِيث عَمْرو بن حزم، والرافعي عزاهُ إِلَى الموجهين لظَاهِر الحَدِيث، حَيْثُ قَالَ بعد أَن ( ... ) أَن فِي الْأُذُنَيْنِ ( ... ) الإِمَام قَالَ: الَّذِي يُقَوي هَذَا الْوَجْه أَنه لم يجز عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للأذنين ذكرا فِي كتاب عَمْرو بن حزم مَعَ سَائِر الْأَعْضَاء الَّتِي أوجب فِيهَا الدِّيَة، وَذَلِكَ يشْعر بإخراجها عَن الْأَعْضَاء الَّتِي لَهَا بدل مُقَدّر لَكِن الموجهين لظَاهِر الْمَذْهَب رووا عَن كتاب عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن فِي الْأُذُنَيْنِ خمسين من الْإِبِل» هَذَا لَفظه، وَفِي «النِّهَايَة» لإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا أَنه لم يجز لَهَا ذكر فِي كتاب عَمْرو بن حزم، قَالَ: وَقد رَوَاهُ بَعضهم - يَعْنِي: القَاضِي الْحُسَيْن - عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ مجازفة فِي الرِّوَايَة، وَلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 451 يَصح عندنَا خبر بذلك فِي كتب الحَدِيث. قلت: وَمَعَ الْمَاوَرْدِيّ القَاضِي الْحُسَيْن؛ فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَى عَمْرو بن حزم «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي كِتَابه إِلَى أهل الْيمن: وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة» . قلت: وَهَذَا الحَدِيث أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْأَصَم عَن بَحر بن نصر، عَن ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد، عَن ابْن شهَاب قَالَ: «قَرَأت كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّذِي كتبه لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه عَلَى نَجْرَان فَكتب فِيهِ: وَفِي الْأذن خَمْسُونَ من الْإِبِل» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا) . الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَفِي الْعين: خَمْسُونَ من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ لفظ مَالك وَأبي دَاوُد. الحَدِيث الْحَادِي (وَالثَّلَاثُونَ) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «فِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث هُوَ حَدِيث عَمْرو بن حزم الْمَذْكُور رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 452 الْمَذْكُور النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ والرافعي غاير بَينهمَا وهما حَدِيث وَاحِد بِلَفْظ مُخْتَلف، اللَّهُمَّ إِلَّا (أَن يُرِيد) أَنه ورد حَدِيث آخر غير حَدِيث (عَمْرو) بن حزم، وَقد جَاءَ من (طَرِيق آخر) ، لَكِن بِاللَّفْظِ الأول رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْعين خَمْسُونَ» وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل أسلفناه، وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، وَقد صَّرح بِالتَّحْدِيثِ (كَمَا سلف) وَقد أسلفناه أَيْضا عَن رِوَايَة الْبَزَّار من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن أبي بكر بن عبيد الله (بن عمر) ، عَن أَبِيه، عَن عمر. الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع بعد (الثَّلَاثِينَ) عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «فِي كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَفِي الْأنف إِذا أوعى جدعًا الدِّيَة» . أَي استوعب، وَحمل ذَلِك عَلَى المارن دون جَمِيع الْأنف؛ لما رُوِيَ عَن طَاوس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «عِنْدِي كتاب النبَّي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 (، وَفِيه: وَفِي الْأنف إِذا قطع مارنه مائَة من الْإِبِل» وَيروَى: «وَفِي الْأنف إِذا استؤصل المارن الدِّيَة الْكَامِلَة» . أما حَدِيث عَمْرو بن حزم فسلف فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص بِطُولِهِ، وَأما حَدِيث: طَاوس فَذكره الشَّافِعِي (فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ إِلَى الشَّافِعِي) قَالَ: وَقد رَوَى ابْن طَاوس، عَن أَبِيه قَالَ: «عِنْد أبي كتاب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهِ: وَفِي الْأنف إِذا قطع المارن مائَة من الْإِبِل» وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن (جريج) قَالَ: أَخْبرنِي طَاوس، قَالَ فِي الْكتاب الَّذِي عِنْدهم عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «وَفِي الْأنف إِذا قطع من المارن مائَة من الْإِبِل» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد، عَن رجل من آل عمر قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْأنف إِذا استوعب مارنه الدِّيَة» . وَأما الرِّوَايَة الثَّالِثَة: فرواها الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: «كَانَ فِي كتاب عَمْرو بن حزم حِين بَعثه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى نَجْرَان: وَفِي الْأنف إِذا استؤصل المارن الدِّيَة الْكَامِلَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) «وَفِي الشفتين الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» . الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي اللِّسَان الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الْبَاب الْمشَار إِلَيْهِ وَاضحا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي اللِّسَان الدِّيَة» . الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الْجمال، فَقَالَ: هُوَ اللِّسَان» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن مُحَمَّد بن صَالح بن هَانِئ، ثَنَا الْحُسَيْن بن الْفضل (ثَنَا) مُوسَى بن دَاوُد الضَّبِّيّ، ثَنَا الحكم بن الْمُنْذر، عَن مُحَمَّد بن بشير الْخَثْعَمِي، عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي بن (الْحُسَيْن) ، عَن أَبِيه قَالَ: «أقبل الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَلِيهِ حلتان، وَله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 (ظفيرتان) وَهُوَ أَبيض، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَبَسم. فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله، مَا أضْحكك؟ أضْحك الله سنك. فَقَالَ: أعجبني جمال عَم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ الْعَبَّاس: مَا الْجمال (فِي الرجل) ؟ قَالَ: اللِّسَان» وَهَذَا مُرْسل لَا جرم، قَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب» : إِنَّه مُنْقَطع ثمَّ سرد السَّند الَّذِي ذكرته، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول. قلت: وَله طَرِيق آخر بإسنادٍ مظلم رَوَاهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ من حَدِيث أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن (بن) الْجَارُود الرقي، ثَنَا هِلَال بن الْعَلَاء، ثَنَا مُحَمَّد بن مُصعب، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن ابْن (الْمُنْكَدر) ، عَن جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «جمال الرجل فصاحة لِسَانه» . ثمَّ (قَالَ) : أَحْمد هَذَا كَانَ كذابا، وَمن بلاياه هَذَا الحَدِيث، (و) ذكره ابْن طَاهِر أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور (و) قَالَ: (لَعَلَّه من) ابْن الْجَارُود، فَإِنَّهُ غير مُعْتَمد، وَمُحَمّد بن مُصعب لَيْسَ بِشَيْء. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَفِي السن خمس من الْإِبِل» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر مِنْهُ. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «جعل رَسُول (أَصَابِع الْيَد وَالرجل سَوَاء وَقَالَ: الْأَسْنَان سَوَاء، الثَّنية والضرس سَوَاء، وَهَذِه (و) هَذِه سَوَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد صَحِيح، كَذَلِك (سَوَاء) إِلَّا أَنه قَالَ فِي أَوله «الْأَصَابِع سَوَاء» بدل «أَصَابِع الْيَد وَالرجل سَوَاء» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «هَذِه وَهَذِه» يَعْنِي: الْخِنْصر والإبهام. وَفِي رِوَايَة للإسماعيلي: «دِيَتهمَا سَوَاء» وَفِي أخري: «وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصر والإبهام» وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي دِيَة الْأَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ (عشر) من الْإِبِل لكل إِصْبَع» ثمَّ قَالَ: هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ ابْن الْقطَّان: كَذَا قَالَ، وَلَا أعلم لَهُ عِلّة تمنع من تَصْحِيحه، فرجاله كلهم ثِقَات، وَلَا يَنْبَغِي أَن يعل بِعِكْرِمَةَ؛ لِأَن (مَا) قيل فِيهِ فِي الْحَقِيقَة شَيْء لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعرج أهل الْعلم عَلَيْهِ. قلت: لَا جرم، أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه) وَلَفظه «دِيَة الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ سَوَاء عشر من الْإِبِل (لكل) إِصْبَع» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْأَسْنَان سَوَاء، والأصابع سَوَاء» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْأَصَابِع سَوَاء هَذِه وَهَذِه» . وَلابْن مَاجَه (مِنْهُ) : «الْأَسْنَان سَوَاء الثَّنية والضرس سَوَاء» وَرُوِيَ أَيْضا من غير طَرِيق ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا: «فِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل، وَفِي كل سنّ خمس من الْإِبِل، والأصابع والأسنان سَوَاء» (وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي مُوسَى، قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الْأَصَابِع سَوَاء) عشرا عشرا من الْإِبِل» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: «فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ الدِّيَة، وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا» . هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه غَرِيب، ويغني عَنهُ حَدِيث عَمْرو بن حزم، وَعَمْرو بن شُعَيْب السالفين مَعَ الْإِجْمَاع. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْيَدَيْنِ مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْيَد خَمْسُونَ، وَفِي كل أصْبع من أَصَابِع الْيَد وَالرجل: عشر من الْإِبِل» وَفِي (لفظ) : «كل أصْبع مِمَّا (هُنَالك) عشر من الْإِبِل» هَذَا الحَدِيث سلف فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قطع السَّارِق من الْكُوع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 أَبِيه، عَن جده: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِقطع السَّارِق من الْمفصل» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِمثلِهِ من حَدِيث عدي بن ثَابت وَجَابِر بن عبد الله، وَرَوَاهُ ابْن عدي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن (عمر) قَالَ: «قطع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَارِقا من الْمفصل» وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن سَلمَة وَلَا يعرف لَهُ حَال كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان، وَلَيْث حَاله مَعْرُوف. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَة» وَيروَى: «فِي البيضتين» . هَذَا الحَدِيث سلف فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» ، فَرَاجعه مِنْهُ، وَفِي «مَرَاسِيل أبي دَاوُد» من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الذّكر الدِّيَة» وفيهَا أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي (الْأُنْثَيَيْنِ) الدِّيَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الرجلَيْن الدِّيَة، وَفِي الْوَاحِدَة نصفهَا» . هَذَا الحَدِيث سلف فِي الْبَاب الْمشَار إِلَيْهِ قبل، فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْعقل الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ فِي كتاب عَمْرو بن حزم هَذَا بعد الْبَحْث عَنهُ، وكأنَّ الرَّافِعِيّ تبع الْمَاوَرْدِيّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ كَذَلِك، وَالَّذِي أعرفهُ أَنه من رِوَايَة معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (كَمَا) أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَقَالَ: إِن إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ أَي لِأَن فِي إِسْنَاده (رشدين بن) سعد، وَعبد الرَّحْمَن الأفريقي (وَقد) ضعفا، وَعبادَة بن نسي وَفِيه ضعف (كَمَا) قَالَ الْبَيْهَقِيّ. قَالَ: وروينا، عَن عمر بن الْخطاب مَا دلّ عَلَى «أَنه قَضَى فِي الْعقل بِالدِّيَةِ» . وَعَن زيد بن ثَابت مثله، وَفِي روايةٍ لَهُ عَن زيد: «مَضَت السّنة فِي الْعقل إِذا ذهب الدِّيَة» ، (وإسنادها صَحِيح) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الْبَصَر الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين عَن معَاذ (بن جبل) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي السّمع الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَفِي إِسْنَاده مَا فِي حَدِيث: «فِي الْعقل الدِّيَة» وَقد سلف قَرِيبا بَيَانه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن عمر بن الْخطاب مَا دلّ عَلَى «أَنه قَضَى فِي السّمع بِالدِّيَةِ» . قَالَ: وَعَن زيد بن ثَابت وَسَعِيد بن الْمسيب وَرَبِيعَة وَمَكْحُول وَيَحْيَى بن سعيد وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم وَغَيرهم مثله. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الشم الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لَا أعلم من خرجه لَا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا من غَيره بعد الْبَحْث عَنهُ، وَكَأن الرَّافِعِيّ قلد الْمَاوَرْدِيّ فِي إِيرَاده فَإِنَّهُ قَالَ: حَكَى بعض الروَاة عَن عَمْرو بن حزم أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة والسَّلام قَالَ: « (و) فِي الشم الدِّيَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 الحَدِيث الْخَمْسُونَ عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فِي الصلب الدِّيَة» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» . وَفِي «مَرَاسِيل أبي دَاوُد» من حَدِيث يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، عَن الزُّهْرِيّ: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي الصلب بِالدِّيَةِ» . الحَدِيث الْحَادِي (وَالْخَمْسُونَ) أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْبِئْر جَبَّار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا: «العجماء جرحها جُبَار، والبئر جُبَار، والمعدن جُبَار، و (فِي) الرِّكَاز الْخمس» . فَائِدَة: فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: «وَالنَّار جُبَار» . لَكِنَّهَا وهيت، قَالَ أَحْمد فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الرِّوَايَة لَيست بِشَيْء، لم تكن فِي الْكتب وَهِي بَاطِلَة لَيست صَحِيحَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: لم أزل أسمع أهل الحَدِيث، يَقُولُونَ: غلط (فِيهِ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 عبد الرَّزَّاق، إِنَّمَا هُوَ «الْبِئْر جُبَار» حَتَّى وجدته لأبي دَاوُد، عَن عبد الْملك الصَّنْعَانِيّ، عَن معمر، فَدلَّ أَن الحَدِيث لم ينْفَرد بِهِ عبد الرَّزَّاق. قلت: وَعبد الْملك هَذَا ضعفه همام بن يُوسُف وَأَبُو (الْفَتْح) الْأَزْدِيّ. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ تَصْحِيف «الْبِئْر» فَإِن أهل الْيمن يميلون (الْيَاء) ويكسرون النُّون، فَسَمعهُ بَعضهم عَلَى الإمالة فَكَتبهُ بِالْيَاءِ فنقلوه مُصحفا. فعلَى هَذَا، الَّذِي ذكره هُوَ عَلَى الْعَكْس مِمَّا قَالَه، فَإِن صَحَّ نَقله فَهِيَ النَّار يوقدها الرجل فِي ملكه لأربٍ فيطيرها الرّيح فتتلف مَتَاعا لغيره بِحَيْثُ لَا يملك ردهَا فَيكون هدرا. وَكَذَا قَالَ ابْن معِين عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحب «التَّمْهِيد» أَصله «الْبِئْر جَبَّار» وَلكنه صحفه معمر. ثمَّ قَالَ أَبُو عمر: فِي قَوْله نظر، وَلَا يسلم لَهُ حَتَّى يَتَّضِح. وَقَالَ فِي «الاستذكار» : لم يَأْتِ ابْن معِين عَلَى ذَلِك بِدَلِيل، وَلَيْسَ هَكَذَا ترد أَحَادِيث الثِّقَات. وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح تقوم بِهِ الْحجَّة. فَائِدَة ثَانِيَة: فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: «وَالرجل جُبَار» وَهِي واهية أَيْضا. قَالَ الشَّافِعِي: هَذِه الرِّوَايَة غلط؛ لِأَن الْحفاظ لم يحفظوها هَكَذَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: لم يروها غير سُفْيَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 بن حُسَيْن وَخَالفهُ الْحفاظ عَن الزُّهْرِيّ فَلم يذكرُوا هَذِه (الزِّيَادَة) وَبسط الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تضعيفها فِي «خلافياته» و «سنَنه» . وَقَالَ الْخطابِيّ: تكلم النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث، وَقيل: إِنَّه غير مَحْفُوظ (وسُفْيَان بن حُسَيْن مَعْرُوف بِسوء الْحِفْظ) . فَائِدَة ثَالِثَة: فِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: «والسائمة جُبَار» وَفِي إسنادها الْحسن بن عمَارَة أحد الهلكى، وَرَوَاهَا أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن خلف بن الْوَلِيد، ثَنَا عباد بن عباد، عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر رَفعه: «السَّائمة جَبَّار والمعدن جَبَّار، وَفِي الرِّكَاز الْخمس» . فَائِدَة رَابِعَة: «العجماء» مَمْدُود: الْبَهِيمَة، سميت بذلك لِأَنَّهَا لَا تنطق و «الجُبَار» : الهدر، وَقد (رَأَيْت) هَذَا التَّفْسِير (فِي) آخر الحَدِيث. قَالَ عبد الله بن أَحْمد فِي «الْمسند» : ثَنَا أَبُو كَامِل الجحدري (حَدثنَا) الْفضل بن سُلَيْمَان، حَدثنِي مُوسَى بن عقبَة، عَن إِسْحَاق بن يَحْيَى بن الْوَلِيد (بن) عبَادَة بن الصَّامِت (أَنه) ، قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 «إِن من قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الْبِئْر جُبار، والمعدن جُبَار، والعجماء جرحها جَبَّار» والعجماء: الْبَهِيمَة من الْأَنْعَام وَغَيرهَا، والجبار: هُوَ الهدر الَّذِي لَا يغرم (ثمَّ) (ذكره مطولا) ، كَذَا رَأَيْت فِي «الْمسند» إِسْحَاق بن يَحْيَى بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت، وَلَعَلَّه عَن عبَادَة، فَإِن الْمَعْرُوف أَنه يروي عَن جد أَبِيه عبَادَة (كَمَا) هُوَ فِي ابْن مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لم يُدْرِكهُ. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَعنهُ مُوسَى بن عقبَة فَقَط (و) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِسْحَاق بن يَحْيَى بن أخي عبَادَة بن الصَّامِت. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : إِسْحَاق بن يَحْيَى، عَن (مُحَمَّد) (بن يَحْيَى) بن عبَادَة بن الصَّامِت، قَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة. وَقَوله: «جرحها» : قَالَ بَعضهم (هُوَ هُنَا) بِفَتْح الْجِيم عَلَى الْمصدر لَا غير (قَالَ) : فَأَما الجُرح بِالضَّمِّ فالاسم. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَأكْثر مَا يقْرَأ هَذَا بِالضَّمِّ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين «أَن عمر (بن الْخطاب) رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مر تَحت ميزاب الْعَبَّاس بن عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 الْمطلب فقطر عَلَيْهِ قطرات، فَأمر بنزعه، فَخرج الْعَبَّاس (فَقَالَ) : أتقلع ميزابًا نَصبه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَدِهِ! فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وَالله لَا (ينصبنه) إِلَّا من يرقى عَلَى ظَهْري. وانحنى للْعَبَّاس حَتَّى رقي عَلَيْهِ فَأَعَادَهُ إِلَى مَوْضِعه» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي كتاب الصُّلْح، وَاضحا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن أَحْمد بن عَبدة، عَن سُفْيَان عَن أبي هَارُون الْمدنِي، قَالَ: «كَانَ فِي دَار الْعَبَّاس ميزاب يصب فِي الْمَسْجِد، فجَاء عمر فقلعه، فَقَالَ الْعَبَّاس: إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هُوَ الَّذِي (صنعه) بِيَدِهِ. فَقَالَ لَهُ عمر: لَا يكون لَك سلم (إِلَّا) ظَهْري حَتَّى ترده مَكَانَهُ» . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين رُوِيَ: «أَن نَاسا بِالْيمن حفروا زُبية للأسد فَوَقع الْأسد فِيهَا، فازدحم النَّاس عَلَيْهَا، فتردى فِيهَا وَاحِد فَتعلق بِوَاحِد فَجَذَبَهُ، وجذب الثَّانِي ثَالِثا، وَالثَّالِث رَابِعا، فَرفع ذَلِك إِلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: للْأولِ ربع الدِّيَة، وَللثَّانِي الثُّلُث، وللثالث النّصْف، وللرابع الْجَمِيع. فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَمْضَى قَضَاءَهُ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي (مسنديهما) ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة حَنش بن الْمُعْتَمِر الْكِنَانِي الصَّنْعَانِيّ قَالَ: ثَنَا عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما بَعَثَنِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن انتهينا إِلَى قوم قد بنوا زُبية للأسد (فَبينا) هم كَذَلِك يتدافعون إِذْ سقط رجل فَتعلق بآخر، ثمَّ تعلق الرجل بآخر حَتَّى صَارُوا أَرْبَعَة، فجرحهم الْأسد، فَانْتدبَ لَهُ رجل بِحَرْبَة فَقتله، وماتوا من جراحهم كلهم (فَقَامُوا) أَوْلِيَاء الأول إِلَى أَوْلِيَاء الآخر فأخرجوا السِّلَاح ليقتتلوا، فَأَتَاهُم عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَلَى تفيئة ذَلِك فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَن تقتتلوا وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حيُُّ؟ إِنِّي أَقْْضِي بَيْنكُم قَضَاء إِن رَضِيتُمْ بِهِ فَهُوَ الْقَضَاء وَإِلَّا (يحْجر) بَعْضكُم عَلَى بعض حَتَّى تَأْتُوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَيكون هُوَ الَّذِي يقْضِي بَيْنكُم فَمن عدا بعد ذَلِك فَلَا حق لَهُ، (اجْمَعُوا من قبائل الْعَرَب الَّذين حفروا الْبِئْر ربع الدِّيَة وَثلث الدِّيَة وَنصف الدِّيَة وَالدية كَامِلَة، فللأول ربع الدِّيَة، لِأَنَّهُ هلك من فَوْقه ثَلَاثَة، وَللثَّانِي ثلث الدِّيَة، وللثالث نصف الدِّيَة، وللرابع الدِّيَة كَامِلَة فَأَبَوا أَن يرْضوا، فَأتوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ عِنْد مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام) فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة [فَقَالَ: أَنا أَقْْضِي بَيْنكُم، واحتبى، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: إِن عليا قَضَى فِينَا فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة] فَأَجَازَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 لفظ أَحْمد، وَلَفظ الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ، وَفِي روايتهما: «للْأولِ ربع الدِّيَة من أجل أَنه هلك من فَوْقه ثَلَاثَة، وَالثَّانِي ثلث (دِيَة) لِأَنَّهُ هلك من فَوْقه اثْنَان، وللثالث نصف (دِيَة) لِأَنَّهُ هلك من فَوْقه وَاحِد، وَللْآخر الدِّيَة كَامِلَة» . وَفِي رِوَايَة: «وَجعل الدِّيَة عَلَى قبائل الَّذين ازدحموا» . (وحنش) هَذَا هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَبَعْضهمْ يَقُول: ابْن ربيعَة، تَابِعِيّ رَوَى عَنهُ سماك وَالْحكم بن عتيبة قَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِي حَدِيثه. وَأورد لَهُ فِي «ضُعَفَائِهِ» هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ: (لَيْسَ) بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ، ينْفَرد عَن عليّ بأَشْيَاء لَا تشبه حَدِيث الثِّقَات. وَقَالَ (الْبَيْهَقِيّ) : إِنَّه غير مُحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ عبدا صَالحا، وَلَيْسَ أَرَاهُم يحتجون بحَديثه. وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْبَزَّار فِي حَدِيثه هَذَا: لَا (نعلمهُ) يروي إِلَّا عَن عَلّي، وَلَا نعلم لَهُ طَرِيقا عَن عليٍّ إِلَّا هَذَا الطَّرِيق وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الناصرون (للأصح) فِي الْمَسْأَلَة لم يثبتوا قصَّة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَرُبمَا تكلفوا تَأْوِيلهَا. وَقَالَ صَاحب «الشَّامِل» : إِنَّه حَدِيث ضَعِيف لَا يُثبتهُ أهل النَّقْل، وَالْقِيَاس خِلَافه، وَكَذَا فِي «الْبَيَان» أَيْضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 الحَدِيث الرَّابِع بعد الْخمسين «أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل اقتتلتا، فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر - وَيروَى بعمود فسطاط - فقتلتها فَأسْقطت (جَنِينا) فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَة القاتلة، وَفِي الْجَنِين بغرة عبدٍ أَو أمة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . من حَدِيث أبي هُرَيْرَة والمغيرة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مطولا، وَقد سلف فِي (أَوَائِل) الْبَاب (طرفا) مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْخمسين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل اقتتلتا، فقتلت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَلكُل (وَاحِدَة) مِنْهُمَا زوج وَولد، فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بدية المقتولة عَلَى عَاقِلَة القاتلة، وبرأ الزَّوْج وَالْولد، ثمَّ مَاتَت القاتلة فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِيرَاثهَا لبنيها وَالْعقل عَلَى الْعصبَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن يَحْيَى بن حسان، أبنا اللَّيْث بن سعد، عَن ابْن شهَاب، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي جَنِين امْرَأَة من بني لحيان سقط مَيتا بغرة عبد أَو أمة، ثمَّ إِن الْمَرْأَة الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بالغرة توفيت، فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن مِيرَاثهَا (لابنتها) وَزوجهَا، وَالْعقل عَلَى عصبتها» . وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ كَذَلِك فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد: «ثمَّ إِن الْمَرْأَة الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بالغرة توفيت فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأَن مِيرَاثهَا لبنيها، وَأَن (الْعقل) عَلَى عصبتها» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر بن عبد الله: «أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل قتلت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى، وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا زوج وَولد، قَالَ: فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دِيَة (المقتولة) عَلَى عَاقِلَة القاتلة وبرأ زَوجهَا وَوَلدهَا (قَالَ: فَقَالَت عَاقِلَة المقتولة: مِيرَاثهَا لنا. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا مِيرَاثهَا لزَوجهَا وَوَلدهَا) » مجَالد ضعَّفوه، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين مرّة: صَالح. (وَوَقع) فِي أصل «الرَّوْضَة» تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، وَهَذَا لَفظه: وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَضَى بدية المقتولة عَلَى عَاقِلَة القاتلة وبرأ زَوجهَا وَوَلدهَا» انْتَهَى. وَقد عرفت مَا فِيهِ، وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» - و «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نُعَيْم - والسياق لَهُ - من حَدِيث الْمنْهَال بن خَليفَة، عَن سَلمَة بن تَمام، عَن أبي الْمليح (الْهُذلِيّ) ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ فِينَا رجل يُقَال لَهُ: حمل بن مَالك، لَهُ امْرَأَتَانِ (إِحْدَاهمَا) هذلية وَالْأُخْرَى عامرية، فَضربت (الهذلية) بطن العامرية بعمود ... » الحَدِيث. وَفِيه. «فَقَالَ عمرَان بن عُوَيْمِر أَخُو الضاربة أندي من (لَا أكل) » إِلَى آخِره، وَفِيه: «دَعْنِي من رجز الْأَعْرَاب، فِيهِ غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَو أمة، أَو خَمْسمِائَة، أَو فرس، أَو عشرُون وَمِائَة [شَاة] . فَقَالَ: يَا نَبِي الله! إِن لَهَا (ابْنَيْنِ) هما سادة [الْحَيّ] وهما أَحَق أَن (يعقلوا) عَن أمّهم قَالَ: (أَنْت) أَحَق أَن تعقل عَن أختك من وَلَدهَا. قَالَ: مَالِي شَيْء أَعقل فِيهِ. فَقَالَ: يَا حمل بن مَالك - وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَلَى صدقَات هُذَيْل، وَهُوَ زوج الْمَرْأَتَيْنِ وَأَبُو الْجَنِين الْمَقْتُول - اقبض من تَحت يدك من صدقَات هُذَيْل (عشْرين) وَمِائَة شَاة. فَفعل» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْخمسين «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَهُ ابْنه (فَقَالَ: من هَذَا) ؟ فَقَالَ: ابْني. فَقَالَ: (أما إِنَّه لَا) يجني عَلَيْك وَلَا تجني عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم من رِوَايَة أبي رمثة قَالَ «خرجت مَعَ أبي حَتَّى أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَرَأَيْت (بِرَأْسِهِ) ردع حناء، وَقَالَ لأبي: هَذَا ابْنك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أما إِنَّه لَا تجني عَلَيْهِ وَلَا يجني عَلَيْك (وَقَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) «وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى) وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: وَقَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن الْأَحْوَص «أَنه شهد حجَّة الْوَدَاع مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا يجني جَان إِلَّا عَلَى نَفسه، لَا يجني (وَالِد) عَلَى وَلَده، (وَلَا مَوْلُود عَلَى وَالِده) » . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَأخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة الخشخشاش الْعَنْبَري قَالَ: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعِي ابْني، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 (فَقَالَ) : ابْنك هَذَا؟ فَقلت: نعم. قَالَ: لَا يجني عَلَيْك وَلَا تجني عَلَيْهِ» . وَلأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ - مَعْنَى هَذَا الحَدِيث - من رِوَايَة ثَعْلَبَة من زَهْدَم الْيَرْبُوعي، وللنسائي وَابْن مَاجَه وَابْن حبَّان من رِوَايَة طَارق الْمحَاربي، وَلابْن مَاجَه بن رِوَايَة أُسَامَة بن شريك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. (فَائِدَة) : قَالَ الرَّافِعِيّ: لَيْسَ المُرَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور نفي نَفْس (الْجِنَايَة) ، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه لَا يلزمك مُوجب جِنَايَته، وَلَا يلْزمه مُوجب جنايتك. الحَدِيث السَّابِع بعد الْخمسين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «مَا (كَانَت) تقطع الْيَد فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الشَّيْء التافه» . (هَذَا الحَدِيث) سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي «كتاب اللّقطَة» فَرَاجعه مِنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 الحَدِيث الثَّامِن بعد الْخمسين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل الدِّيَة عَلَى الْعَاقِلَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف قَرِيبا (فَرَاجعه) . الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا اعترافًا» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ وَعَزاهُ الإِمَام فِي «نهايته» إِلَى رِوَايَة الْفُقَهَاء، فَقَالَ: قد رَوَى الْفُقَهَاء، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عبدا وَلَا اعترافًا» ، وغالب ظَنِّي أَن الصَّحِيح الَّذِي أوردهُ أَئِمَّة الحَدِيث: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا اعترافًا» فَلَو صَحَّ النَّقْل فِي (العَبْد) عَسُر التَّأْوِيل. وكأنَّ الرَّافِعِيّ تبعه فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَاخِر الْبَاب إِن هَذَا الحَدِيث (مِمَّا) تكلمُوا فِي ثُبُوته، وَنقل ابْن الصّباغ أَن الْخَبَر لم يثبت مُتَّصِلا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى ابْن الْعَبَّاس. قلت: وَالْمَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث مَا فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» من حَدِيث ابْن وهب عَن الْحَارِث بن نَبهَان، عَن مُحَمَّد (بن) سعيد عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن (جُنَادَة) بن أبي أُميَّة، عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تجْعَلُوا عَلَى الْعَاقِلَة من دِيَة الْمُعْتَرف شَيْئا» . وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، الْحَارِث مَتْرُوك مُنكر الحَدِيث، كَمَا قَالَه أَحْمد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ. وَمُحَمّد بن سعيد - أَظُنهُ المصلوب - الشَّامي الْكذَّاب الوضاع، قَالَ أَحْمد: حَدِيثه حَدِيث مَوْضُوع. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق حَيْثُ أعل الحَدِيث بِمُحَمد بن سعيد، وَقَالَ: أَظُنهُ المصلوب وَأصَاب فِي تشككه فِيهِ. وَلكنه ترك من لَا يشك فِي تَعْلِيله (بِهِ) وَهُوَ الْحَارِث بن نَبهَان. وَرُوِيَ عَن جماعات مَوْقُوفا عَلَيْهِم رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَامر [عَن عمر] أَنه قَالَ: «الْعمد وَالْعَبْد وَالصُّلْح وَالِاعْتِرَاف لَا تعقله الْعَاقِلَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (كَذَا) قَالَ: عَن عَامر، عَن عمر، وَهُوَ عَن عمر مُنْقَطع. قلت: وَضَعِيف، فَإِن فِيهِ عبد الْملك بن حُسَيْن وَقد ضَعَّفُوهُ قَالَ: وَالْمَحْفُوظ أَنه عَن عَامر الشّعبِيّ من قَوْله: «لَا تعقل الْعَاقِلَة عبدا وَلَا عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافًا» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَنه قَالَ: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافًا وَلَا مَا جنَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 الْمَمْلُوك» وَرَوَى مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: «مَضَت السّنة أَن الْعَاقِلَة لَا تحمل شَيْئا (من دِيَة الْعمد إِلَّا أَن تعينه الْعَاقِلَة من طيب نَفْس» قَالَ مَالك: وحَدثني يَحْيَى بن سعيد) مثل ذَلِك، قَالَ يَحْيَى: وَلم أدْرك النَّاس إِلَّا عَلَى ذَلِك، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْفُقَهَاء من أهل الْمَدِينَة أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: «لَا تحمل (الْعَاقِلَة) مَا كَانَ عمدا وَلَا بصلح وَلَا اعْتِرَاف وَلَا ماجنى الْمَمْلُوك، إِلَّا أَن يُحِبُّوا ذَلِك طولا مِنْهُم» . الحَدِيث السِّتُّونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بالغرة عَلَى الْعَاقِلَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن امْرَأتَيْنِ ضربت إِحْدَاهمَا بعمود فَأسْقطت، فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَضَى فِيهِ بغرة وَجعله عَلَى أَوْلِيَاء الْمَرْأَة» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: «وَجعله عَلَى عَاقِلَة الْمَرْأَة» وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: «عَلَى عصبَة الْمَرْأَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» : لَا أعلم مُخَالفا: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين» . قَالَ الرَّافِعِيّ: تكلم أَصْحَابنَا فِي وُرُود الْخَبَر بذلك، فَمنهمْ من قَالَ: ورد وَنسب إِلَى رِوَايَة عَلّي كرم الله وَجهه. وَمِنْهُم من قَالَ: أَرَادَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَة. وَأما التنجيم فَلم يرد بِهِ الْخَبَر، وَأخذ ذَلِك من إِجْمَاع الصَّحَابَة، كَمَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس: «أَنهم أجلوا الدِّيَة ثَلَاث سِنِين» انْتَهَى مَا ذكره وَمَا عزاهُ إِلَى الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ. لم أره فِي كَلَام غَيره، وَقد أضَاف تَأْجِيل الدِّيَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مرّة فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ كَمَا ذكره فِي «الرسَالَة» وأضافه مرّة أُخْرَى فِيهَا إِلَى قَول الْعَامَّة، وَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» . وَنقل ابْن الرّفْعَة فِي «شرح الْوَسِيط» عقب قَول الشَّافِعِي السالف فِي «الْمُخْتَصر» عَن ابْن الْمُنْذر، أَن مَا ذكره الشَّافِعِي لَا يعرف لَهُ أصل من كتاب وَلَا سنة (وَأَن) أَحْمد بن حَنْبَل سُئِلَ عَنهُ، فَقَالَ: لَا أعرف فِيهِ شَيْئا. فَقيل لَهُ: إِن أَبَا عبد الله رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: لَعَلَّه سَمعه من ذَلِك الْمدنِي فَإِنَّهُ كَانَ حسن الظَّن فِيهِ - يَعْنِي عَن ابْن أبي يَحْيَى. قَالَ ابْن دَاوُد من أَصْحَابنَا فِي «شرح الْمُخْتَصر» كَانَ الشَّافِعِي يروي هَذَا الحَدِيث وَيَقُول: حَدثنِي من هُوَ ثِقَة فِي الحَدِيث غير ثِقَة فِي دينه. ورد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 ابْن الرّفْعَة عَلَى ابْن الْمُنْذر مقَالَته الْمَذْكُورَة فَقَالَ: جَوَابه أَن من عرف حجَّة عَلَى من لم يعرف، وَقَول الشَّافِعِي لَا يرد بِمثل ذَلِك وَهُوَ أعرف الْقَوْم بالأخبار والتواريخ. وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» قولة الشَّافِعِي السالفة لم يعقبها إِلَّا بِقَضَاء عمر وَعلي، وَقَول يَحْيَى بن سعيد: «أَنه السّنة» فَإِنَّهُ رَوَى عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: وجدنَا عَاما فِي أهل الْعلم «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي جِنَايَة الْحر الْمُسلم عَلَى الْحر خطأ مائَة من الْإِبِل عَلَى عَاقِلَة الْجَانِي» ، وعامًا فيهم أَنَّهَا فِي مُضِيّ الثَّلَاث سِنِين فِي كل سنة ثلثهَا وبأسنان مَعْلُومَة. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ، عَن الْأَشْعَث بن سوار، عَن عَامر الشّعبِيّ، قَالَ: جعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين، وثلثي الدِّيَة فِي سنتَيْن، وَنصف الدِّيَة فِي سنتَيْن، وَثلث الدِّيَة فِي سنة» قَالَ: وَقَالَ لي مَالك مثل ذَلِك سَوَاء، وَقَالَ لي مَالك: فِي النّصْف يكون فِي سنتَيْن؛ لِأَنَّهُ زِيَادَة عَلَى الثُّلُث. قلت: وَهَذَا مُنْقَطع. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب «أَن عليّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَضَى بِالْعقلِ فِي قتل الْخَطَأ فِي ثَلَاث سِنِين» وَعَن يَحْيَى بن سعيد: «أَن من السّنة أَن تنجَّم الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين» هَذَا مَجْمُوع مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ، وَبَقِي عَلَيْك أثر ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَلَا يحضرني من خرجه عَنْهُمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 الحَدِيث الثَّانِي بعد السِّتين رُوِيَ فِي الْخَبَر: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا عبدا وَلَا اعترافًا» . هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا، وَبَقِي عَلَيْك أَن تعرف مَعْنَى قَوْله: «عبدا» ، وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبيد أَنه قَالَ: اخْتلفُوا فِي تَأْوِيله، فَقَالَ لي مُحَمَّد بن الْحسن: إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن يقتل العَبْد حرًّا، يَقُول: فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَة مَوْلَاهُ شَيْء من جِنَايَة عَبده، وَإِنَّمَا جِنَايَته فِي رقبته، وَاحْتج فِي ذَلِك بِشَيْء رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لَا تعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافًا وَلَا مَا جنَى الْمَمْلُوك» . قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ ابْن أبي لَيْلَى: إِنَّمَا مَعْنَاهُ العَبْد يجني عَلَيْهِ، يَقُول: فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَة الْجَانِي شَيْء، إِنَّمَا ثمنه فِي مَاله خاصَّة. وَإِلَيْهِ ذهب الْأَصْمَعِي وَلَا يرَى فِيهِ قَول غَيره جَائِزا، يذهب إِلَى أَنه لَو كَانَ الْمَعْنى عَلَى مَا قَالَه لَكَانَ الْكَلَام لَا تعقل الْعَاقِلَة عَن عبد. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ عِنْدِي كَمَا قَالَ ابْن أبي لَيْلَى، وَعَلِيهِ كَلَام الْعَرَب. الحَدِيث الثَّالِث بعد السِّتين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَة الْجَانِي» . هَذَا الحَدِيث تكَرر فِي الْبَاب وَقد سلف قَرِيبا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 الحَدِيث الرَّابِع بعد السِّتين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل رمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فقتلتها وَمَا فِي جوفها، فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بغرة عبدٍ أَو وليدة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَقد سلف بِلَفْظ آخر فِي الْبَاب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فقتلتها وَمَا فِي جوفها، فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْجَنِين بغرة عبدٍ أَو أمةٍ» . قلت: صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «فَقَضَى بدية جَنِينهَا غُرة عبد أَو أمة، فَقَالَ بَعضهم: كَيفَ ندي من لَا أكل وَلَا شرب وَلَا صَاح وَلَا اسْتهلّ فَمثل ذَلِك يطلّ - وَيروَى بَطل - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن هَذَا من إخْوَان (الْجَاهِلِيَّة) - وَيروَى أسجعًا كسجع الْجَاهِلِيَّة» . قلت: هَذَا صَحِيح، وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة) والمغيرة بن شُعْبَة وَلَفْظهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «الْكُهَّان» بدل «الْجَاهِلِيَّة» . فِي حَدِيث (مُغيرَة) «أسجع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 كسجع الْأَعْرَاب» . وَمَعْنى «يطلّ» يهدر. و «بَطل» من الْبطلَان. قَالَ الرَّافِعِيّ: يُقَال: «غرَّة عبد أَو أمة» عَلَى الْإِضَافَة. قَالَ: وَرُوِيَ عَلَى الْبَدَل وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ: والغرة الْخِيَار، وَيُقَال: طُلَّ دَمه، أَي (أهْدر) . الحَدِيث الْخَامِس بعد السِّتين قَالَ الرَّافِعِيّ فِي غرَّة الْجَنِين الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي فِيهِ أوجه. أَحدهَا: أَنه كمسلم قَالَ: وَقد يحْتَج لَهُ بِظَاهِر مَا رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى فِي الْجَنِين بغرة» . هَذَا الحَدِيث سلف فِي الْبَاب. لَكِن فِي جَنِين الْمَرْأَة السَّالفة الَّتِي ضربت بِحجر فقتلت وَمَا فِي بَطنهَا، فَتَأَمّله. الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَسَوَاء كَانَت الْجِنَايَة عمدا أَو خطأ فالغرة عَلَى الْعَاقِلَة، كَمَا ورد بِهِ الْخَبَر. وَهَذَا قد سلف فِي الْبَاب قَرِيبا. هَذَا آخر أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنّه. وَأما آثاره فسبعة وَثَلَاثُونَ: أَحدهَا: عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ فِي تخميس الدِّيَة وَقد سلف فِي أَوَائِل الْبَاب. ثَانِيهَا: عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَة الْخَطَأ مائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 من الْإِبِل» وَفصل كَذَلِك، وَهَذَا قد (تقدم) أَيْضا فِي الْموضع الْمَذْكُور. ثَالِثهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: عَن الْأَكْثَرين أَنه لَا (تتغلظ) بِمُجَرَّد الْقَرَابَة وَيعْتَبر مَعهَا الْمَحْرَمِيَّة، وَقد رُوِيَ عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَا يدل عَلَيْهِ ويشعر بِهِ وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد «أَن عمر بن الْخطاب قَضَى فِيمَن قتل فِي الْحرم أَو فِي الشَّهْر الْحَرَام (أَو) هُوَ محرم: بِالدِّيَةِ وَثلث الدِّيَة» هَذَا لَفظه، (و) هَذَا مُنْقَطع وَضَعِيف، وَرُوِيَ بعضه من طَرِيق آخر وَهُوَ مُنْقَطع أَيْضا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث (إِسْحَاق) بن يَحْيَى، عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: «زَاد - يَعْنِي عمر بن الْخطاب - ثلث الدِّيَة فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَثلث الدِّيَة فِي الْبَلَد الْحَرَام» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة، عَن عمر مَا دلّ عَلَى التَّغْلِيظ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَالْحُرْمَة. وَقد سلف حكم عمر فِيمَن قتل ابْنه فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» فِي الحَدِيث الثَّامِن مِنْهُ. الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة لَا تَقْتَضِي التَّغْلِيظ، وَتمسك الْأَصْحَاب (للْمَذْهَب) بالآثار عَن عمر، وَعُثْمَان، وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَادعوا فِيهَا الاشتهار وَحُصُول الِاتِّفَاق. هَذَا آخر كَلَامه. أما أثر عمر: فقد فَرغْنَا مِنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 آنِفا وَعرفت أَن لَيْسَ فِيهِ التَّغْلِيظ بِالْقَرَابَةِ. وَأما أثر عُثْمَان: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شُعْبَة: حَدثنَا عبد الله بن أبي نجيح قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: «أَن امْرَأَة مولاة (للعبلات) وَطئهَا رجل فَقَتلهَا وَهِي فِي الْحرم، فَجعل لَهَا عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دِيَة وَثلثا» وَرَوَاهُ من طَرِيق آخر كَذَلِك وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن [ابْن عُيَيْنَة عَن] أبي نجيح، عَن أَبِيه «أَن رجلا أوطأ امْرَأَة بِمَكَّة، فَقَضَى فِيهَا عُثْمَان (بِثمَانِيَة آلَاف) دِرْهَم: دِيَة وَثلث» . قَالَ الشَّافِعِي: ذهب عُثْمَان إِلَى التَّغْلِيظ (بقتلها) فِي الْحرم (قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان فِي هَذَا الحَدِيث فِي ذِي الْقعدَة «فَقَتلهَا» ) وَأما أثر ابْن عَبَّاس: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» مُتَّصِلا حَيْثُ قَالَ: روينَا عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «يُزَاد فِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الشَّهْر الْحَرَام أَرْبَعَة (آلَاف) وَفِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الْحرم» . وأسنده فِي «الْمعرفَة» من حَدِيث مُحَمَّد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن [أبي] زيد، عَن نَافِع بن جُبَير، قَالَ (قَالَ) ابْن عَبَّاس: «يُزَاد فِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الْأَشْهر الْحَرَام أَرْبَعَة (آلَاف) وَفِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الْحرم أَرْبَعَة (آلَاف) : دِيَة وَثلث» . وَرَوَاهُ ابْن حزم من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق. عَن عبد الرَّحْمَن بن [أبي] زيد، عَن نَافِع بن جُبَير قَالَ: «قتل رجل فِي الْبَلَد الْحَرَام فِي شهر حرَام، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: دِيَته اثْنَا عشر ألف دِرْهَم، والشهر الْحَرَام والبلد الْحَرَام أَرْبَعَة (آلَاف) » . وَاعْلَم أَن الرَّافعي ذكر بعد ذَلِك هَذِه الْآثَار أَيْضا، فَقَالَ يرْوَى عَن عمر «أَنه قَضَى فِيمَن قتل فِي الْحرم أَو فِي الشَّهْر الْحَرَام أَو محرما بدية وَثلث» (وَعَن عُثْمَان «أَنه قَضَى فِي امْرَأَة وطِئت بالأقدام بِمَكَّة بدية وَثلث) وَهُوَ ثَمَانِيَة (آلَاف) دِرْهَم» . ثمَّ حَكَى بعد ذَلِك وَجها أَنه إِذا تعدد سَبَب التَّغْلِيظ بِأَن قتل محرما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 فِي الْحرم، فَإِنَّهُ يُزَاد لكل سَبَب ثلث الدِّيَة فَيجب فِي قتل الْمحرم فِي الْحرم عشرُون ألف، وَيروَى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الْأَثر السَّابِع إِلَى الثَّالِث عشر: عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي والعبادلة - ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس - «دِيَة الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من دِيَة الرجل» قَالَ الْأَصْحَاب: قد اشْتهر ذَلِك وَلم يخالفوا فَصَارَ إِجْمَاعًا. أما الْأَثر عَن عمر وعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن، أبنا مُحَمَّد بن أبان، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عمر وَعلي أَنَّهُمَا قَالَا: «عقل الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من دِيَة (عقل) الرجل» . وَهَذَا مُنْقَطع كَمَا ترَاهُ، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن هشيم، أَخْبرنِي مُغيرَة، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَة الْبَارِقي إِلَى شُرَيْح من عِنْد عمر، أَن الْأَصَابِع سَوَاء الْخِنْصر والإبهام، وَأَن جراح الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء فِي السن (و) الْمُوَضّحَة، وَمَا خلا ذَلِك فعلَى النّصْف، وَأَن فِي عين الدَّابَّة ربع ثمنهَا، وَإِن أقل (الْأَحْوَال) أَن يصدق عَلَيْهَا عِنْد مَوته (وَلَده إِذا أقرّ بِهِ) قَالَ مُغيرَة: ونسيت الْخَامِسَة حَتَّى ذَكرنِي عُبَيْدَة أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا ورثته مَا دَامَت فِي الْعدة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن جَابر، عَن الشّعبِيّ، عَن شُرَيْح قَالَ: «كتب إِلَى عمر (بِخمْس) من صوافي الْأُمَرَاء: أَن الْأَسْنَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 سَوَاء، والأصابع سَوَاء، وَفِي عين الدَّابَّة ربع ثمنهَا، وَأَن الرجل يسْأَل عِنْد مَوته عَن وَلَده فَأَصدق مَا يكون عِنْد مَوته، وجراحات الرِّجَال وَالنِّسَاء (سَوَاء) إِلَى (الثُّلُث) » وَجَابِر ضَعِيف. وَرَوَى الشَّافِعِي أثر عَلّي: عَن مُحَمَّد بن الْحسن، أبنا أَبُو حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلّي أَنه قَالَ: «عقل الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من عقل الرجل فِي النَّفس وَمَا دونهَا» . وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور أَيْضا عَن هشيم، عَن الشَّيْبَانِيّ، وَابْن أبي لَيْلَى وزَكَرِيا، عَن الشّعبِيّ أَن عليا كَانَ يَقُول: «جراحات النِّسَاء عَلَى النّصْف من دِيَة الرجل فِيمَا قل وَكثر» وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي: لَا نعلم (ثُبُوته عَن عَلّي) . قلت: وَله (طَرِيق) آخر، عَن عَلّي ستعرفها بعد، وَأما أثر عُثْمَان: فَغَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، وَأما أثر ابْن مَسْعُود: فَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: نَا عَلّي بن الْجَعْد، أبنا شُعْبَة عَن الحكم، عَن الشّعبِيّ، عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ: «جراحات الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء إِلَى (الثُّلُث) فَمَا زَاد فعلَى النّصْف» وَقَالَ ابْن مَسْعُود: «إِلَّا السن والموضحة فَإِنَّهُمَا سَوَاء، وَمَا زَاد فعلَى النّصْف» وَقَالَ عَلّي بن أبي طَالب: «عَلَى النّصْف فِي كل شَيْء» قَالَ: وَكَانَ قَول عَلّي أعجبها إِلَى الشّعبِيّ (وَرَوَى) أَيْضا من حَدِيث إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن زيد بن ثَابت، وَابْن مَسْعُود، وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن ابْن مَسْعُود. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 وَأما أثر ابْن عمر: فَغَرِيب وَكَذَا أثر ابْن عَبَّاس ثمَّ إِن تَفْسِير الرَّافِعِيّ (العبادلة) بِثَلَاثَة: ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود، تبع فِيهِ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ (ذكره) كَذَلِك فِي «مفصلة» فِي الْكَلَام عَلَى علم العلمية، وَهُوَ غَرِيب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: عده لَهُم بِثَلَاثَة، وَالْمَعْرُوف أَنهم أَرْبَعَة صحابة أَوْلَاد صحابة. ثَانِيهمَا: عده ابْن مَسْعُود مِنْهُم، وَقد نَص الإِمَام أَحْمد (بن حَنْبَل) عَلَى أَنه لَيْسَ مِنْهُم والعبادلة عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير، (هَكَذَا) ذكره أهل هَذَا الْفَنّ وَغَيرهم، وَفِي الصَّحَابَة من اسْمه عبد الله فَوق المئين لَكِن هَؤُلَاءِ اشتهروا بالعبادلة. يروي الْبَيْهَقِيّ عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قيل لَهُ لما ذكر هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة (فَابْن) مَسْعُود؟ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ من العبادلة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسَببه أَن ابْن مَسْعُود تقدّمت وَفَاته وَهَؤُلَاء عاشوا حَتَّى احْتِيجَ إِلَى علمهمْ، فَإِذا اتَّفقُوا عَلَى شَيْء قيل هَذَا قَول العبادلة أَو فعلهم أَو مَذْهَبهم. (تَنْبِيه) : (وَقع فِي) مبهمات النَّوَوِيّ و «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» فِي تَرْجَمَة ابْن الزبير أَن صَاحب «الصِّحَاح» أثبت ابْن مَسْعُود فيهم وَحذف ابْن [عَمْرو] ثمَّ شرع يعْتَرض عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ قلد فِي ذَلِك غَيره، فَإِن الَّذِي فِي نسخ «الصِّحَاح» إِثْبَات ابْن [عَمْرو] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 دون ابْن مَسْعُود، نعم حذف ابْن الزبير فَإِنَّهُ عدهم ثَلَاثَة فَتنبه لذَلِك. الْأَثر الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر: عَن عمر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: «أَن دِيَة الْمَجُوسِيّ ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم» فَصَارَ إِجْمَاعًا. أما أثر عمر: فسلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الثَّامِن عشر مِنْهُ من طَرِيق الشَّافِعِي عَنهُ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي الْمِقْدَام، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر قَضَى فِي دِيَة الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عمر بذلك، قَالَ: «والمجوسية أَرْبَعمِائَة دِرْهَم» عَن عمر قَالَ: (و) قَالَ لي مَالك مثله وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا. وَأما أثر عُثْمَان: فَلَا يحضرني من خرجه عَنهُ. وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا حَكَاهُ عَن عمر وَحده، فَإِنَّهُ قَالَ: «قَضَى عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان فِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ بِثلث دِيَة الْمُسلم، وَقَضَى عمر فِي دِيَة الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم» . قَالَ الشَّافِعِي: وَلم نعلم أحدا قَالَ (فِي) دياتهم أقل من هَذَا. وَأما أثر ابْن مَسْعُود: (فَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن ابْن شهَاب «أَن عليا وَابْن مَسْعُود كَانَا يَقُولَانِ فِي دِيَة الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ ذَلِك عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الْخَيْر، عَن عقبَة بن عَامر، مَرْفُوعا: «دِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم» . (قَالَ الْبَيْهَقِيّ) : تفرد (بِهِ) أَبُو صَالح كَاتب اللَّيْث، وَالْأول أشبه أَن يكون مَحْفُوظًا. الْأَثر السَّادِس عشر: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَو طعنه وَنفذ السنان (من) الْبَطن حَتَّى خرج من الظّهْر أَو من أحد الجنبين إِلَى الآخر، فَفِيهِ وَجْهَان: وَيُقَال قَولَانِ أصَحهمَا: ويحكى عَن مَالك أَن الْحَاصِل جائفتان، لما رُوِيَ عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَضَى فِيهِ بِثُلثي الدِّيَة» وَلم يُخَالف، وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب: «أَن رجلا رَمَى رجلا فأصابته جَائِفَة فَخرجت من الْجَانِب الآخر، فَقَضَى (فِيهَا) أَبُو بكر بِثُلثي الدِّيَة» . وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا هشيم، ثَنَا حجاج، حَدثنِي عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن أَبَا بكر: «قَضَى فِي الْجَائِفَة نفذت ثُلثي الدِّيَة» . (قلت) : وَكِلَاهُمَا مُرْسل؛ لِأَن سعيدًا لم يدْرك أَبَا بكر، فَإِنَّهُ ولد لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. الْأَثر السَّابِع عشر وَالثَّامِن عشر: عَن عمر وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة» وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَى عَن عمر «أَنه: قَضَى فِي الْأذن بِنصْف الدِّيَة» وَعَن عَلّي أَنه قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 «فِي الْأذن النّصْف» قَالَ زيد بن أسلم: «مَضَت السّنة أَن فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة» . وَقَالَ عِكْرِمَة: «قَضَى (عمر) فِي الْأذن بِنصْف الدِّيَة» قَالَ معمر: وَالنَّاس عَلَيْهِ. الْأَثر التَّاسِع عشر: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه قَضَى فِي الترقوة بجمل، وَفِي الضلع بجمل» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «الْأُم» عَنهُ عَن زيد بن أسلم، عَن مُسلم بن جُنْدُب، عَن أسلم مولَى عمر بن الْخطاب «أَن عمر قَضَى فِي الضرس بجمل، وَفِي الترقوة بجمل، وَفِي الضلع بجمل» قَالَ الشَّافِعِي: فِي الأضراس خمس خمس؛ لما جَاءَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «فِي السن خمس ... » وَكَانَت الضرس سنا، وَأَنا أَقُول بقول عمر فِي الترقوة والضلع؛ لِأَنَّهُ لم يُخَالِفهُ أحد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيمَا عَلمته، فَلم أر أَن أذهب إِلَى رَأْي فأخالفه فِيهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِلَى هَذَا ذهب سعيد بن الْمسيب. قَالَ الشَّافِعِي: فَيُشبه أَن يكون مَا حُكيَ عَن عمر فِيمَا وصفت حُكُومَة لَا تَوْقِيت عقل، فَفِي كل عظم كسر من إِنْسَان غير السن حُكُومَة، وَلَيْسَ فِي (شَيْء) مِنْهَا أرش مَعْلُوم. الْأَثر الْعشْرُونَ وَالْحَادِي بعده: عَن عمر وَزيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «فِي إذهاب الْعقل الدِّيَة» . وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 عَنْهُمَا كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين. الْأَثر الثَّانِي بعد الْعشْرين: عَن زيد بن أسلم أَنه قَالَ: «مَضَت السُّنة فِي إِيجَاب الدِّيَة فِيمَا إِذا جني عَلَى لِسَانه فَأبْطل كَلَامه» وَهَذَا لم أره كَذَلِك وَفِي الْبَيْهَقِيّ (من) حَدِيث ابْن وهب، أَخْبرنِي عِيَاض بن عبد الله الفِهري، أَنه سمع زيد بن أسلم يَقُول: «مَضَت السّنة فِي أَشْيَاء من الْإِنْسَان، قَالَ: وَفِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي الصَّوْت إِذا انْقَطع الدِّيَة» . وَفِيه من حَدِيث عبد الله بن (عمر) مَرْفُوعا: « (و) فِي اللِّسَان الدِّيَة إِن امْتنع الْكَلَام» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي والْحَارث بن نَبهَان ضعيفان. الْأَثر الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس بعد الْعشْرين: (حَدِيث أبي بكر وَعمر وَعلي) أَنهم قَالُوا: «إِذا جنَى إِنْسَان (عَلَى آخر فِي صلبه) (فَذهب) جمَاعُة أَن الدِّيَة تلْزمهُ» . وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه (عَنهُ) ، وَقد سلف فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم الطَّوِيل: « (أَن) فِي الصلب الدِّيَة» . الْأَثر السَّادسُ بعد الْعشْرين: عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «فِي الْإِفْضَاء الدِّيَة» . وَهَذَا الْأَثر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. الْأَثر (السَّابِع) وَالثَّامِن وَالتَّاسِع بعد الْعشْرين: (عَن) عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جراح العَبْد من ثمنه كجراح الْحر من دِيَته» وَعَن عَليّ مثله وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه عَنْهُمَا. نعم فِي الْبَيْهَقِيّ عَنْهُمَا: فِي الْحر يقتل العَبْد ثمنه بَالغا مَا بلغ» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْمرَاد من الثّمن: الْقيمَة، (قَالَ) وَعَن سعيد بن الْمسيب مثلهمَا. قلت: هَذَا ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» وأسنده الْبَيْهَقِيّ إِلَى الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَنهُ، أَنه قَالَ: «عقل العَبْد فِي ثمنه» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «عقل العَبْد فِي ثمنه مثل عقل الْحر فِي دِيَته» . الْأَثر الثَّلَاثُونَ: ن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أرسل إِلَى امْرَأَة ذكرت عِنْده بِسوء فأجهضت مَا فِي بَطنهَا، فَقَالَ عمر للصحابة: مَا ترَوْنَ؟ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِنَّمَا أَنْت مؤدب، لَا شَيْء عَلَيْك. فَقَالَ: لعَلي: مَاذَا تَقول؟ فَقَالَ إِن لم يجْتَهد فقد غشك، وَإِن اجْتهد فقد أَخطَأ، أرَى أَن عَلَيْك الدِّيَة. فَقَالَ عمر: أَقْسَمت عَلَيْك لتفرقها فِي قَوْمك» . وَهَذَا الْأَثر علقه الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي «سنَنه» وَيذكر عَن الْحسن «أَنه قَالَ لعمر فِي جِنَايَة جناها عمر: عزمت لما قسمت الدِّيَة عَلَى بني ابْنك. قَالَ: فقسمتها عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 قُرَيْش» . وَقَالَ فِي «سنَنه» فِي «بَاب الشَّارِب يضْرب زِيَادَة عَلَى الْأَرْبَعين» قَالَ الشَّافِعِي: بلغنَا «أَن عمر بن الْخطاب أرسل (إِلَى امْرَأَة) فَفَزِعت فأجهضت مَا فِي بَطنهَا، فَاسْتَشَارَ عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يَدَيْهِ، فَأمر عمر عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فَقَالَ: عزمت عَلَيْك لتقسمنها عَلَى قَوْمك» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مطر الْوراق، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: «أرسل عمر إِلَى امْرَأَة مغيبة كَانَ يدْخل عَلَيْهَا فَأنْكر ذَلِك، فَقيل لَهَا: أجيبي عمر. قَالَت: وَيْلَهَا مَالهَا ولعمر. فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيق ضربهَا الطلق فَدخلت دَارا (فَأَلْقَت) وَلَدهَا، فصاح الصَّبِي صيحتين وَمَات، فَاسْتَشَارَ عمر الصَّحَابَة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعضهم أَن لَيْسَ لَهَا عَلَيْك؛ شَيْء إِنَّمَا أَنْت والٍ ومؤدب، فَقَالَ: مَا تَقول يَا عَلّي؟ فَقَالَ: إِن كَانُوا قَالُوا برأيهم فقد أخطأوا رَأْيهمْ، وَإِن كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاك فَلم ينصحوا لَك، أرَى أَن دِيَته عَلَيْك لِأَنَّك أَنْت أفزعتها وَأَلْقَتْ وَلَدهَا من سببك. فَأمر عَلّي أَن يُقيم عقله عَلَى قُرَيْش؛ فَأخذ عقلهَا من قُرَيْش لِأَنَّهُ أَخطَأ» وَهَذَا مُنْقَطع، الْحسن لم يدْرك عمر. فَائِدَة: قَوْله «لتفرقها فِي قَوْمك» قَالَ الرَّافِعِيّ: (قيل) أَرَادَ بِهِ قومه لَكِن أضافهم إِلَى عَلّي إِكْرَاما وإظهارًا للاتحاد. الْأَثر الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ: رُوِيَ «أَن بَصيرًا كَانَ يَقُود أَعْمَى فَوَقع الْبَصِير فِي بِئْر فَوَقع الْأَعْمَى فَوْقه فَقتله، فَقَضَى عمر بعقل الْبَصِير عَلَى الْأَعْمَى، فَذكر أَن الْأَعْمَى كَانَ ينشد فِي الْمَوْسِم: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 يَا أَيهَا النَّاس رأيتُ مُنْكرا هَل يعقل الْأَعْمَى الصحيحَ المبصرا خرّا مَعًا كِلَاهُمَا تكسرا» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث زيد بن الْحباب عَن موسي بن عَلّي بن رَبَاح اللَّخْمِيّ قَالَ: سَمِعت أبي (يَقُول) : «إِن أَعْمَى كَانَ ينشد فِي الْمَوْسِم فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس ... » إِلَى آخِره، إِلَّا أَنه قَالَ «لقِيت» بدل «رَأَيْت» . وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. الْأَثر الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ: قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي الْكَلَام عَلَى من يتَحَمَّل الْعَاقِلَة لَا يتَحَمَّل (أهل) الدِّيوَان بَعضهم من بعض. وَالْمرَاد الَّذين رتبهم الإِمَام للْجِهَاد وأدرَّ لَهُم أرزاقًا وجعلهم تَحت راية أَمِير يصدرون عَن رَأْيه، وَعند أبي حنيفَة: يتَحَمَّل بَعضهم من بعض، وَإِن لم يكن قرَابَة ويقدمون عَلَى الْقَرَابَة اتبَاعا لما ورد من قَضَاء عمر. قَالَ: وَاحْتج الْأَصْحَاب بِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَة، وَلم يكن فِي عَهده ديوَان، وَلَا فِي عهد أبي بكر، وَإِنَّمَا وَضعه عمر حِين كثر النَّاس، وَاحْتَاجَ إِلَى ضبط الْأَسْمَاء والأرزاق فَلَا يتْرك مَا اسْتَقر فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (مِمَّا) أحدث بعده، وَقَضَاء عمر كَانَ فِي الْأَقَارِب من أهل الدِّيوَان. هَذَا آخر كَلَامه. وَقَضَاء عمر هَذَا قد أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» «بَاب من فِي الدِّيوَان وَمن لَيْسَ فِيهِ من الْعَاقِلَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 495 سَوَاء. ثمَّ رَوَى فِيهِ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الزبير (عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَلَى كل بطن عقوله» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الزبير) أَنه سمع جَابِرا يَقُول: «كتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى كل بطن عقولة» . رَوَاهُ مُسلم. قَالَ الشَّافِعِي: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْعَاقِلَة، وَلَا ديوَان حَتَّى كَانَ الدِّيوَان حِين كثر المَال فِي زمَان عمر» . ثمَّ رَوَى عَن جَابر بن عبد الله: «أول من دون الدَّوَاوِين وَعرف العرفاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . (وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ) وَالْحَاكِم عَن الْأَصَم، ثَنَا (أَحْمد بن) عبد الْجَبَّار، نَا يُونُس بن بكير، عَن أبي إِسْحَاق، حَدثنِي عمر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الْأَخْنَس بن شريق قَالَ: «أخذت من آل عمر بن الْخطاب هَذَا الْكتاب - كَانَ مَقْرُونا (بِكِتَاب) الصَّدَقَة الَّذِي كتب (للعمال) -: بِسْم الِلَّه اِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كتاب مُحَمَّد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ من قُرَيْش ويثرب وَمن تَبِعَهُمْ فلحق بهم وجاهد مَعَهم، أَنهم أمة وَاحِدَة دون النَّاس (الْمُهَاجِرين) من قُرَيْش عَلَى ربعتهم (يتعاقلون) بَينهم وهم يفدون عانيهم بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ، وَبَنُو عَوْف - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 يَعْنِي الْأَنْصَار - عَلَى ربعتهم (يتعاقلون) ، (معاقلهم الأولَى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ) ثمَّ ذكر عَلَى هَذَا النسق بني الْحَارِث، ثمَّ بني سَاعِدَة، ثمَّ بني (خَيْثَمَة) ثمَّ بني النجار، ثمَّ بني عَمْرو بن عَوْف، ثمَّ بني النبيت، ثمَّ بني الْأَوْس، ثمَّ قَالَ: وَإِن الْمُؤمنِينَ لَا يتركون مُفْرَحًا مِنْهُم أَن يعطوه بِالْمَعْرُوفِ فِي فدَاء أَو عقل» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده، أَنه قَالَ: «كَانَ فِي كتاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن كل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ، وَأَن عَلَى الْمُؤمنِينَ أَن لَا يتْركُوا مُفْرَحًا مِنْهُم حَتَّى يعطوه فِي فدَاء أَو عقل» . قَالَ الْأَصْمَعِي فِي «المُفْرح» بِالْحَاء هُوَ الَّذِي قد أفرحه (الدَّين) - يَعْنِي أثقله. الْأَثر الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَضَى عَلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِأَن يعقل عَن موَالِي صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب، وَقَضَى بِالْمِيرَاثِ لابنها الزبير الْعَوام، وَلم يضْرب الدِّيَة عَلَى الزبير، وضربها عَلَى (عليِّ) لِأَنَّهُ كَانَ ابْن أَخِيهَا» . هَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي حَيْثُ قَالَ: «قَضَى عمر عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، بِأَن يعقل عَن موَالِي صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب، وَقَضَى للزبير بميراثها؛ لِأَنَّهُ ابْنهَا» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم «أَن عليًّا وَالزبير اخْتَصمَا فِي موَالِي لصفية إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَضَى بِالْمِيرَاثِ للزبير وَالْعقل عَلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وسها الإِمَام وَالْغَزالِيّ فِي «الْوَسِيط» فَجعلَا عليًّا ابْن عَمها. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أوضحت ذَلِك فِي تخريجي لأحاديث «الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ. الْأَثر الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «دِيَة الْمَرْأَة تضرب فِي سنتَيْن، تُؤْخَذ فِي آخر السّنة الأولَى ثلث دِيَة الرجل، وَالْبَاقِي فِي آخر السّنة الثَّانِيَة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ من حَدِيث عَامر الشّعبِيّ قَالَ: «جعل عمر بن الْخطاب الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين، وثلثي الدِّيَة فِي سنتَيْن، وَنصف الدِّيَة فِي سنتَيْن، وَثلث الدِّيَة فِي سنة» . وَقد سلف هَذَا فِي الْأَحَادِيث فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين. الْأَثر الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «العَبْد لَا يغرم سَيّده فَوق نَفسه شَيْئا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مُجَاهِد عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور بِزِيَادَة «وَإِن كَانَ الْمَجْرُوح أَكثر من ثمن العَبْد فَلَا يُزَاد لَهُ» . الْأَثر السَّادِس (وَالسَّابِع) بعد الثَّلَاثِينَ: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قوم الغُرة بِخمْس من الْإِبِل» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت، وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 498 رِوَايَة عَنهُ: أَن ذَلِك عِنْد عدم الْغرَّة وَهَذَا (غَرِيب) عَنهُ، وَالَّذِي أعرفهُ عَن عمر مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ: «أَنه قوم الْغرَّة بِخَمْسِينَ دِينَارا» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده مُنْقَطع وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن مَالك وَيَحْيَى بن أَيُّوب عَن ربيعَة أَنه بلغه «أَن الْغرَّة تقوم خمسين دِينَارا أَو سِتّمائَة دِرْهَم، ودية الْمَرْأَة خَمْسمِائَة (دِينَار) أَو سِتَّة آلَاف دِرْهَم، ودية جَنِينهَا عشر دِيَتهَا» . قَالَ مَالك: فنرى أَن جَنِين الْأمة عشر دِيَة أمه (وَالله أعلم) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 499 كتاب كَفَّارَة الْقَتْل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 501 كتاب كَفَّارَة الْقَتْل ذكر فِيهِ حديثين وأثرًا وَاحِدًا الحَدِيث الأول عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أَتَيْنَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صَاحب لنا قد اسْتوْجبَ النَّار بِالْقَتْلِ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اعتقوا عَنهُ رَقَبَة يعْتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ (وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. (الحَدِيث) الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْقَتْل كَفَّارَة» . هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة خُزَيْمَة بن ثَابت، من حَدِيث ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن بكير بن عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 503 الله، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن ابْن خُزَيْمَة بن ثَابت عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «الْقَتْل كَفَّارَة» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ قُتَيْبَة، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن ابْن الْمُنْكَدر نَفسه وَلم يذكر بكيرًا قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» مَوْقُوفا عَلَى الْحسن بن عَلّي وَابْن مَسْعُود فَقَالَ: أبنا عَلّي بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا سُفْيَان، عَن يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن، قَالَ: «كَانَ (زِيَاد) يتبع شيعَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فيقتلهم فَبلغ ذَلِك الْحسن بن عَلّي. فَقَالَ: اللَّهُمَّ (تفرد بِمَوْتِهِ) فَإِن الْقَتْل كَفَّارَة» . وَأخْبرنَا (الدبرِي) ، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن بعض أَصْحَابه، عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ (عَن مَسْرُوق) فِي الَّذِي يُصِيب الْحُدُود ثمَّ يقتل عمدا، قَالَ: إِذا جَاءَ الْقَتْل محى كل شَيْء. ويغني عَن هَذَا كُله الحَدِيث الصَّحِيح الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَتَى مِنْكُم حدًّا أقيم عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَته، وَمن ستره الله عَلَيْهِ فَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه، وَإِن شَاءَ غفر لَهُ» . قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي «شَرحه لمُسلم» : قَالَ أَكثر الْعلمَاء: الْحُدُود كَفَّارَة. اسْتِدْلَالا بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: وَمِنْهُم من توقف لحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 504 قلت: أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ القَاضِي: وَحَدِيث عُبادة الَّذِي نَحن فِيهِ أصح إِسْنَادًا، وَلَا تعَارض بَين الْحَدِيثين، فَيحْتَمل أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة قبل حَدِيث عُبادة فَلم يعلم (بِهِ) ثمَّ علم. وَأما الْأَثر: فَهُوَ: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صَاح بِامْرَأَة فَأسْقطت (جَنِينا) فَأعتق عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (غرَّة) » . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن لَيْث، عَن شهر بن حَوْشَب، عَنهُ ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده مُنْقَطع قلت: وَضَعِيف. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَيْضا قَالَ: «جَاءَ قيس بن عَاصِم التَّمِيمِي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي وَأَدت فِي الْجَاهِلِيَّة ثَمَان بَنَات فَقَالَ: اعْتِقْ عَن كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ نسمَة» . ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 505 كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 507 كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين: أَحدهمَا: عَن سهل بن أبي حثْمَة: «أَن عبد الله بن سهل (ومحيصة) بن مَسْعُود خرجا إِلَى خَيْبَر، فتفرقا لحاجتهما، فَقتل عبد الله، فَقَالَ محيصة للْيَهُود: أَنْتُم قَتَلْتُمُوهُ، (قَالُوا) مَا قَتَلْنَاهُ، فَانْطَلق هُوَ وَأَخُوهُ حويصة و (عبد الرَّحْمَن) بن سهل أَخُو الْمَقْتُول رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكرُوا لَهُ قتل عبد الله بن سهل، فَقَالَ: تحلفون خمسين يَمِينا وتستحقون دم صَاحبكُم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لم نشْهد وَلم نحضر. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (فتحلف) لكم الْيَهُود، فَقَالُوا: كَيفَ نقبل أَيْمَان قوم كفار؟ فَذكر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فدَاه من عِنْده، فَبعث إِلَيْهِم بِمِائَة نَاقَة، قَالَ سهل: لقد ركضتني مِنْهَا نَاقَة حَمْرَاء» . وَيروَى: «يقسم مِنْكُم خَمْسُونَ عَلَى رجل مِنْهُم فَيدْفَع برمتِهِ» وَفِي رِوَايَة «إِمَّا أَن تدوا صَاحبكُم، وَإِمَّا أَن تأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 509 حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة، قَالَ: «انْطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح فتفرقا، فَأَتَى محيصة إِلَى عبد الله بن سهل وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه قَتِيلا فدفنه، ثمَّ قدم الْمَدِينَة فَانْطَلق (عبد الرَّحْمَن) بن سهل ومحيصة وحويصة ابْنا مَسْعُود إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَذهب عبد الرَّحْمَن يتَكَلَّم، فَقَالَ: كبر كبر. وَهُوَ أحدث الْقَوْم فَسكت، فتكلما، فَقَالَ: أتحلفون وتستحقون (دم) قاتلكم أَو صَاحبكُم. (قَالُوا) : وَكَيف نحلف وَلم نشْهد وَلم نر؟ قَالَ: فتبرئكم يهود بِخَمْسِينَ. قَالُوا: كَيفَ نَأْخُذ أَيْمَان قوم كفار؟ فعقله النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عِنْده» وَفِي رِوَايَة لَهما (قَالَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام) : «يقسم خَمْسُونَ مِنْكُم عَلَى رجل مِنْهُم فَيدْفَع برمتِهِ. قَالُوا: أمرٌ لم نشهده كَيفَ نحلف؟ قَالَ: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين مِنْهُم. قَالُوا: يَا رَسُول الله، قوم كفار! . (قَالَ) : فوداه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من قبله. قَالَ سهل: فَدخلت مربدًا لَهُم يَوْمًا، (فركضتني) نَاقَة من تِلْكَ الْإِبِل ركضة برجلها» وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة، عَن رجل من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 510 (كبراء) قومه «أَن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إِلَى خَيْبَر من جهد أَصَابَهُم فَأَتَى محيصة فَأخْبر (أَن) عبد الله بن سهل قد قتل وَطرح فِي عين أَو فَقير فَأَتَى يهود فَقَالَ: أَنْتُم وَالله قَتَلْتُمُوهُ. فَقَالُوا: وَالله مَا قَتَلْنَاهُ. ثمَّ أقبل حَتَّى قدم عَلَى قومه فَذكر ذَلِك لَهُم، ثمَّ أقبل هُوَ وَأَخُوهُ حويصة - وَهُوَ أكبر مِنْهُ - وَعبد الرَّحْمَن بن سهل، فَذهب محيصة ليَتَكَلَّم - وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَر - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمحيصة: كَبِّر، كَبِّر - يُرِيد السِّنَّ - فَتكلم حويصة ثمَّ تكلم محيصة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِمَّا أَن تدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن تؤذنوا (بِحَرب) . فَكتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (إِلَيْهِم) فِي ذَلِك، فَكَتَبُوا: إِنَّا وَالله مَا قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لحويصة ومحيصة: فتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فتحلف لكم يهود؟ قَالُوا: لَيْسُوا مُسلمين. فوداه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عِنْده، فَبعث إِلَيْهِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائَة نَاقَة حَتَّى (أدخلت) عَلَيْهِم الدَّار. فَقَالَ سهل: فَلَقَد ركضتني مِنْهَا نَاقَة حَمْرَاء» . هَذَا كُله لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ عَن سهل بن أبي حثْمَة «هُوَ وَرِجَال من كبراء قومه ... » الحَدِيث، وَفِيه: «فَذهب محيصة ليَتَكَلَّم ... » وَفِي آخِره «فوداه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من عِنْده بِمِائَة نَاقَة حَتَّى (أدخلت) الدَّار، قَالَ سهل: فركضتني مِنْهَا نَاقَة» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى من قَتله. قَالُوا: مَا لنا بَيِّنَة. قَالَ: فَيحلفُونَ. قَالُوا: لَا نرضى بأيمان الْيَهُود. فكره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يبطل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 511 دَمه فوداه (رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) مائَة نَاقَة من إبل الصَّدَقَة» وَذكر مُسلم إِسْنَاده وَذكر بعضه وسَاق الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ: «فكره ... ... » إِلَى آخِره. فَائِدَة: حويصة ومحيصة: بتَشْديد الْيَاء عَلَى الْأَشْهر وَحكي تخفيفها. وَقَوله: «فوداه» هُوَ بتَخْفِيف الدَّال أَي دفع دِيَته وَقَوله: «من عِنْده» يحْتَمل أَنه من خَالص مَاله، وَيحْتَمل أَنه من مَال بَيت المَال. وَقَوله: «من إبل الصَّدَقَة» قَالَ بَعضهم: إِنَّهَا غلط من الروَاة؛ لِأَن الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة لَا تصرف هَذَا الْمصرف، إِنَّمَا تصرف لأصناف سماهم الله. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي من أَصْحَابنَا: ظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنه يجوز صرفهَا من إبل الصَّدَقَة. وتأوله (جمهورهم) عَلَى أَنه اشْتَرَاهَا من إبل الصَّدَقَة بعد أَن ملكوها، ثمَّ دَفعهَا (تَبَرعا) إِلَى أهل الْقَتِيل. «والرُّمه» (الْمَذْكُورَة) فِي الحَدِيث المُرَاد بهَا الْحَبل الَّذِي فِي رَقَبَة الْقَاتِل، فَيسلم فِيهِ إِلَى ولي الْمَقْتُول. و (المربد) بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْبَاء، الْموضع الَّذِي تجمع فِيهِ الْإِبِل وتجلس. «وَالْفَقِير» الْبِئْر الْقَرِيب القعر الواسعة الْفَم، وَقيل: هُوَ الحفرة الَّتِي تكون حول الْمحل. فَائِدَة: فِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» أَنه أول من كَانَت فِيهِ الْقسَامَة فِي الْإِسْلَام. تَنْبِيهُ: قَالَ الرَّافِعِيّ: فَإِن (كَانَ) الْوَارِث جمَاعَة فَقَوْلَانِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 512 أَحدهمَا أَن كل وَاحِد مِنْهُم يحلف خمسين يَمِينا، وأصحهما أَن الْأَيْمَان توزع عَلَيْهِم عَلَى قدر مواريثهم؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «يحلفُونَ خمسين يَمِينا» فَلم يُوجب عَلَى الْجَمَاعَة إِلَّا الْخمسين. هَذَا آخر كَلَامه وَالِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث عَجِيب؛ لِأَن الْوَارِث إِنَّمَا هُوَ أَخُو الْقَتِيل وَهُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن سهل، وحويصة ومحيصة أَعْمَامه، والحالف إِنَّمَا هُوَ الْوَارِث، إِنَّمَا عبر عَلَيْهِ السَّلَام بقوله «تحلفون» لِأَن الْحلف وَإِن صدر من وَاحِد لَكِن بعد اتِّفَاق العمين فِي الْعَادة فَإِنَّهُمَا حضرا مَعَهُمَا فِي الْقِصَّة فَعبر عَن اتِّفَاقهم (عَلَى الْحلف وَأَن صدر من وَاحِد) مجَازًا، وَهُوَ مجَاز شَائِع، والغريب أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ قد نبه عَلَى هَذَا كُله وَقد كَانَ يكثر من نَظِير كَلَامه. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْبَيِّنَة عَلَى من ادَّعَى وَالْيَمِين عَلَى من أنكر إِلَّا فِي الْقسَامَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُسلم (بن) خَالِد الزنْجِي، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَلم يضعفاه، وَمُسلم هَذَا فِيهِ مقَال. وَثَّقَهُ قوم وضعَّفه آخَرُونَ، لَا جرم قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» بعد أَن أخرجه من هَذِه الطَّرِيق: فِي إِسْنَاده لين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 513 قلت: وَثمّ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن ابْن جريج لم يسمع من عَمْرو بن شُعَيْب كَمَا قَالَه البُخَارِيّ فِيمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «سنَنه» فِي «بَاب وجوب (الْفطْرَة) عَلَى أهل الْبَادِيَة» . وَعلة أُخْرَى وَهِي أَن مُسلم بن خَالِد قد خُولِفَ فِيهِ، فَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق و [حجاج] ، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو مُرْسلا، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا وَاخْتلف فِيهِ عَلَى مُسلم أَيْضا، فَرَوَاهُ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الرَّازِيّ عَنهُ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة، مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) فِي «سنَنه» وَابْن عدي من هَذِه الطَّرِيق، ثمَّ قَالَ: هَذَانِ الإسنادان - يَعْنِي هَذَا وَالَّذِي قبله - يعرفان بِمُسلم بن خَالِد. وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الْبَاب عَن «التَّتِمَّة» : أَنه لَو وجد قَتِيل بَين قريتين أَو قبيلتين وَلم يعرف بَينه وَبَين (وَاحِد مِنْهُم) عَدَاوَة فَلَا يَجْعَل قربه من إِحْدَاهمَا لوثًا؛ لِأَن (الْعَادة) جرت بِأَن يبعد الْقَاتِل الْقَتِيل عَن (فنائه) وينقله إِلَى بقْعَة أُخْرَى دفعا للتُّهمَةِ عَن نَفسه وَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 514 رُوِيَ فِي الْخَبَر والأثر عَلَى خلاف مَا ذَكرْنَاهُ، فَإِن الشَّافِعِي لم يثبت إِسْنَاده. هَذَا كَلَامه، وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي إِسْرَائِيل، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «وجد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَتِيلا بَين قريتين فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فذرع) مَا بَينهمَا قَالَ: فَكَأَنِّي انْظُر إِلَى شبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . (رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَفظه: «أَن قَتِيلا وجد بَين حيَّين، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُقَاس إِلَى أَيَّتهمَا أقرب، فَوجدَ أقرب إِلَى أحد الْحَيَّيْنِ بشبر، فَقَالَ أَبُو سعيد: فَكَأَنِّي أنظر إِلَى شبر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) فَألْقَى دِيَته عَلَيْهِم» . ترْجم عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» «بَاب مَا رُوِيَ فِي الْقَتِيل يُوجد بَين قريتين» وَلَا يَصح. ثمَّ قَالَ بعد إِيرَاده: تفرد بِهِ أَبُو إِسْرَائِيل، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، وَكِلَاهُمَا لَا يحْتَج (بروايته) . وَأما الْأَثر فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن الشّعبِيّ، أَن عمر بن الْخطاب: «كتب فِي قَتِيل وجد بَين (قريتين) - خيوان ووداعة - أَن يُقَاس مَا بَين القريتين فَإلَى أَيَّتهمَا (كَانَ) أقرب أخرج إِلَيْهِ مِنْهُم خمسين رجلا حَتَّى (يوافونه) مَكَّة فأدخلهم الحِجْر فأحلفهم، ثمَّ قَضَى عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ، وَقَالُوا: مَا وَقت أَمْوَالنَا أَيْمَاننَا وَلَا أَيْمَاننَا أَمْوَالنَا. قَالَ عمر: كَذَلِك الْأَمر» . قَالَ الشَّافِعِي: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 515 لَيْسَ بِثَابِت، إِنَّمَا رَوَاهُ الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث الْأَعْوَر وَهُوَ مَجْهُول. قلت: عَجِيب هُوَ مَعْرُوف، لكنه مِمَّن اخْتلف فِيهِ. وَقَالَ الشّعبِيّ: كَانَ الْحَارِث كذابا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عمر، ومجالد غير مُحْتَج بِهِ. وَرُوِيَ عَن مطرف، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث بن الأزمع، عَن عمر، وَأَبُو إِسْحَاق لم يسمعهُ من الْحَارِث. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ، عَن أبي زيد، عَن شُعْبَة قَالَ: سَمِعت أَبَا إِسْحَاق يحدث حَدِيث الْحَارِث بن الأزمع: «أَن قَتِيلا وجد بَين ودَاعَة وخيوان» فَقلت: يَا أَبَا إِسْحَاق من حَدثَك؟ قَالَ: حَدثنِي مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث بن الأزمع فَعَادَت رِوَايَة (أبي) إِسْحَاق إِلَى حَدِيث مجَالد، وَاخْتلف فِيهِ عَلَى مجَالد فِي إِسْنَاده، (ومجالد) غير مُحْتَج بِهِ. قلت: وَعَن الْعقيلِيّ الْحَافِظ: أَن حَدِيث «إِذا وجد الْقَتِيل بَين قريتين ضمن أقربهما» لَيْسَ لَهُ أصل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 516 بَاب مَا جَاءَ أَن للسحر حَقِيقَة وَمَا جَاءَ فِي تنَاوله ذكر فِيهِ حديثين وأثرًا وَاحِدًا الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُحر حَتَّى كَانَ يخيل إِلَيْهِ أَنه يفعل الشَّيْء وَلم يَفْعَله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - طب حَتَّى أَنه ليُخَيل إِلَيْهِ أَنه قد صنع الشَّيْء وَمَا صنعه، وَأَنه دَعَا ربه، ثمَّ قَالَ: (أشعرت) أَن الله قد أفتاني فِيمَا (استفتيته فِيهِ) قَالَت عَائِشَة: وَمَا ذَاك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: جَاءَنِي (رجلَانِ) فَجَلَسَ أَحدهمَا عِنْد رَأْسِي، وَالْآخر عِنْد رجْلي فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا وجع الرجل؟ قَالَ الآخر: مطبوب. قَالَ: من طبه؟ قَالَ: لَبِيد بن الأعصم. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشط ومشاطة، وجُفِّ طلعة ذكر. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذروان - وذروان بِئْر فِي بني زُريق - قَالَت عَائِشَة: فَأَتَاهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَة فَقَالَ: وَالله لكأنَّ (ماءها) نقاعة الْحِنَّاء، ولكأن نخلها رُءُوس الشَّيَاطِين، قَالَت: فَقلت لَهُ: يَا رَسُول الله، هلا أخرجته؟ قَالَ: أما أَنا فقد شفاني الله، وكرهت أَن أثير عَلَى النَّاس مِنْهُ شرًّا» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي ذَلِك نزلت المعوذتان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 517 قلت: ذكره الثَّعْلَبِيّ فِي «تَفْسِيره» من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة بِغَيْر إسنادٍ. فَائِدَة: «بِئْر ذَرْوان» هَذِه بِفَتْح أَولهَا وَإِسْكَان ثَانِيهَا (سلف) محلهَا، وَحكي بِالْهَمْز (مَكَان) الذَّال، وَخَطأَهُ الْأَصْمَعِي وَصحح ابْن قُتَيْبَة ذِي أروان، وَلأبي زيد ذِي أَوَان، (ووهمه الْأصيلِيّ) . الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ منّا من سحر أَو سُحر لَهُ، أَو تكهن أَو كهن لَهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث عِيسَى بن إِبْرَاهِيم البركي، ثَنَا إِسْحَاق بن الرّبيع أَبُو حَمْزَة الْعَطَّار، عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن «أَنه رَأَى رجلا فِي عضده حَلقَة من صُفر، فَقَالَ لَهُ، مَا هَذِه؟ قَالَ: نعتت لي من (الراهبة) ، قَالَ: أما إِن مت وَهِي عَلَيْك وكلت إِلَيْهَا، قَالَ رَسُول (: لَيْسَ منا من تطير (أَو تطير لَهُ) أَو تكهن أَو تكهن لَهُ» أَظُنهُ قَالَ: «أَو سحر أَو سحر لَهُ» . وَإِسْحَاق هَذَا ضعَّفه الفلاَّس، وَقَالَ ابْن عدي: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 518 وَعِيسَى البركي صَدُوق لَهُ أَوْهَام» . قَالَ ابْن معِين: لَا يُسَوِّي شَيْئا، أَو لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء كَذَا فِي «الْكَمَال» لعبد الْغَنِيّ، ووهمه الْمزي وَقَالَ: إِنَّمَا (ذَاك) الْقرشِي، وَهُوَ أقدم من هَذَا. قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. قلت: والبركي مَنْسُوب إِلَى سكَّة البرك من الْبَصْرَة هَذَا كُله مَعَ الِاخْتِلَاف فِي سَماع الْحسن من عمرَان، كَمَا (سأذكره) فِي بَاب النّذر وَاضحا فَلَا عَلَيْك [إِلَّا] أَن تتمهل. وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «الْحِلْية» فِي تَرْجَمَة أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ من حَدِيث مُخْتَار بن غَسَّان، ثَنَا عِيسَى بن مُسلم، ثَنَا أَبُو دَاوُد (عَن) عبد الْأَعْلَى بن عَامر قَالَ: قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ: «دخلت الْمَسْجِد وأمير الْمُؤمنِينَ عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَلَى الْمِنْبَر. وَهُوَ يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الله أوحى إِلَى نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل ... » فَذكر حَدِيثا طَويلا إِلَى أَن قَالَ: «لَيْسَ منا من تطير أَو تطير لَهُ، أَو تكهن أَو تكهن لَهُ، أَو سحر أَو سحر لَهُ، إِنَّمَا أَنا وَخلقِي وكل (خلقي لَهُ) » . ثمَّ قَالَ أَبُو نعيم: غَرِيب من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن، لم نَكْتُبهُ إِلَّا من حَدِيث أبي دَاوُد الطهوي، تفرد بِهِ عَنهُ مُخْتَار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 519 قلت: مُخْتَار هَذَا أخرج لَهُ ابْن مَاجَه، وَلَا أعرف حَاله. وَعبد الْأَعْلَى بن عَامر هُوَ الثَّعْلَبِيّ ضعَّفوه، وَعِيسَى بن مُسلم، قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأما الْأَثر فَهُوَ: «أَن مُدبرَة لعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها سحرتها استعجالاً لعتقها، فباعتها عَائِشَة مِمَّن يسيء (ملكهَا) من الْأَعْرَاب» وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة [عمْرَة] عَنْهَا. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ ابْن (الصّلاح) : وَذكر أَن عَائِشَة قتلتها وَلَا يثبت، وَإِنَّمَا يثبت أَنَّهَا باعتها، قَالَ: وَفعلت ذَلِك أَيْضا حَفْصَة فِي «أَحْكَام الْقُرْآن» لإسماعيل. قلت: و «المعجم الْكَبِير» للطبراني، وَذكر أَن (ابْن عمر) أنكر ذَلِك عَلَيْهَا (إِذْ فعلته) دون أَمر السُلطان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 520 كتاب الْإِمَامَة وقتال الْبُغَاة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 521 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 523 كتاب الْإِمَامَة وقتال الْبُغَاة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة عشر حَدِيثا الحَدِيث الأول «أَن الْأَنْصَار وَقع بَينهم قتال، فَنزل قَوْله تَعَالَى (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا) الْآيَة، فقرأها عَلَيْهِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأقلعوا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قيل يَا رَسُول الله، لَو أتيت عبد الله بن أبي؟ قَالَ: فَانْطَلق إِلَيْهِ، وَركب حِمَاره وَركب مَعَه قوم من أَصْحَابه، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ عبد الله: تَنَح فقد آذَانِي نَتن حِمَارك. فَقَالَ رجل من الْمُسلمين: وَالله لحِمَار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أطيب ريحًا مِنْك. قَالَ: فَغَضب لكل وَاحِد مِنْهُمَا قومه فتضاربوا بِالْجَرِيدِ وَالنعال، فَبَلغنَا أَنَّهَا أنزلت فيهم هَذِه الْآيَة (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا» ) . الحَدِيث الثَّانِي عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بَايعنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى السّمع وَالطَّاعَة فِي المنشط وَالْمكْره وَأَن لَا ننازع الْأَمر أَهله» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 525 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفْظهمَا (عَنهُ) ، قَالَ: «بَايَعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر، والمنشط وَالْمكْره، وَعَلَى أَثَرَة علينا وَعَلَى أَن لَا ننازع الْأَمر أَهله (وَعَلَى أَن نقُول الْحق أَيْنَمَا كُنَّا وَلَا نَخَاف فِي الله لومة لائم» . وَفِي رِوَايَة «عَلَى أَن لَا ننازع الْأَمر أَهله) إِلَّا أَن تروا كفرا بواحًا عنْدكُمْ فِيهِ من الله برهَان» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» : «اسْمَع وأطع فِي عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة (علينا) وَإِن أكلُوا مَالك وضربوا ظهرك، إِلَّا أَن يكون مَعْصِيّة» . فَائِدَة: «المنشط» . مفعل من النشاط، الْأَمر الَّذِي ينشط لَهُ، وَيَجِيء إِلَيْهِ، ويؤثر فعله. و «الْمُكْره» : الَّذِي يكرههُ ويتثاقل عَنهُ. و «الأثرة» : بِفَتْح الْهمزَة والثاء، وَيُقَال: بِضَم الْهمزَة وَإِسْكَان الثَّاء، وبكسر الْهمزَة وَإِسْكَان الثَّاء، ثَلَاث لُغَات حكاهن صَاحب «الْمَشَارِق» ، وَهِي الاستئثار بالشَّيْء والانفراد بِهِ. وَالْمرَاد (فِي الحَدِيث) إِن منعنَا حَقنا من الْغَنَائِم والفيء، وَأعْطَى غَيرنَا (نصبر) عَلَى ذَلِك. و «الْكفْر البواح» : الجهَار. و «الْبُرْهَان» : الْحجَّة وَالدَّلِيل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 526 الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من فَارق الْجَمَاعَة قدر شبر فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ: «شبْرًا» بدل «قدر شبر» وَهُوَ مَوْجُود فِي النّسخ الصَّحِيحَة من الرَّافِعِيّ كَذَلِك وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا، وَكَذَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (كَذَلِك) إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: «قيد شبر» بدل: «قدر شبر» وَهُوَ لُغَة فِيهِ. قَالَ الْحَاكِم: وَرُوِيَ هَذَا الْمَتْن من رِوَايَة عبد الله بن عمر بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، ثمَّ سَاقه بِلَفْظ: «من خرج من الْجَمَاعَة قيد شبر فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه حَتَّى يُرَاجِعهُ» قَالَ: «وَمن مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَام جمَاعَة فَإِن موتته موتَة جَاهِلِيَّة» . (و) رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا، وَلَفظه: «فَمن فَارق الْجَمَاعَة قيد شبر فقد خلع ربق الْإِسْلَام من عُنُقه، إِلَّا أَن يُرَاجع» . وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم من هَذِه الطَّرِيق ثمَّ ذكر لَهُ شَاهِدين، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، قَالَ: والْحَارث الْأَشْعَرِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 527 صَحَابِيّ مَعْرُوف. قَالَ: ولهذه اللَّفْظَة شَاهد عَن مُعَاوِيَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا دخل النَّار» . فَائِدَة: أَرَادَ «بربقة الْإِسْلَام» : عقد الْإِسْلَام، وَأَصله أَن الربق حَبل فِيهِ عدَّة عرى يشد بهَا (الْغنم) (الْوَاحِدَة) من العُرى ربقة قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» . الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا» . هَذَا الحَدِيث (صَحِيح) أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَلَفظه فِي هَذَا: «من سَلَّ» بدل: «من حمل» . وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، بِلَفْظ: «من حمل» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من خرج من الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة فميتته جَاهِلِيَّة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 528 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من خرج من الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة فَمَاتَ (مَاتَ) ميتَة جَاهِلِيَّة وَمن (قَاتل) تَحت راية عمِّيَّةٍ يغْضب لعصبة، أَو يَدْعُو إِلَى عصبَة، أَو ينصر عصبَة، فقُتل فقتلة جَاهِلِيَّة، وَمن خرج عَلَى أمتِي يضْرب برهَا وفاجرها لَا يتحاشى من مؤمنها، وَلَا يَفِي بِعَهْد ذِي عهد، فَلَيْسَ مني وَلست مِنْهُ» . وَأخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من كره من أميره شَيْئا فليصبر، فَإِنَّهُ من خرج من السُّلْطَان شبْرًا مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة» وَفِي رِوَايَة لَهما: «فليصبر عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فَمَاتَ فميتة جَاهِلِيَّة» . وَأخرجه مُسلم فِي أَفْرَاده عَن نَافِع قَالَ: «جَاءَ عبد الله بن عمر إِلَى عبد الله بن مُطِيع، حِين كَانَ من (أَمر) الْحرَّة مَا كَانَ زمن يزِيد بن مُعَاوِيَة فَقَالَ: اطرحوا لأبي عبد الله وسَادَة، فَقَالَ: إِنِّي لم (آتِك) لأجلس أَتَيْتُك (لأحدثك) ، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 529 خلع يدا من (طَاعَة) لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة (و) وَلَا حجَّة لَهُ، وَمن مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقه بيعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة» . فَائِدَة: «العَمِّيّة» : بِكَسْر الْعين وَفتحهَا لُغَتَانِ، وَالْمِيم مَكْسُورَة مُشَدّدَة، وَالْيَاء مُشَدّدَة أَيْضا: (هِيَ) الْجَهَالَة والضلالة وَهِي فعلية من الْعَمى. وَقَوله: « (فميتته) جَاهِلِيَّة» . هِيَ بِكَسْر الْمِيم. أَي عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة قبل (المبعث) من الْجَهَالَة والضلالة. وَقَوله: «يغْضب لعصبة أَو يدعوا إِلَى عصبَة أَو ينصر عصبَة» كل هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاث بِالْعينِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَحَكَى القَاضِي عِيَاض: اعجامها، وَالصَّوَاب الأول. الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْأَئِمَّة من قُرَيْش» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: (أَحدهَا) : من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ النَّسَائِيّ (فِي) «كتاب الْقَضَاء» من «سنَنه» من رِوَايَة شُعْبَة، عَن عَلّي أبي الْأسد، عَن بكير بن وهب الْجَزرِي، عَن أنس مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، قَالَ: هَكَذَا يَقُول شُعْبَة: (عَن) عَلّي أبي الْأسد. وَرَوَى عَنهُ الْأَعْمَش فَقَالَ: عَن سهل أبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 530 الْأسد. قلت: وَبُكَيْر هَذَا، قَالَ الْأَزْدِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» فَقَالَ: يجهل. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُمَا (فَهُوَ) مَعْرُوف الْعين وَالْحَال، فقد رَوَى عَنهُ (عَلّي أَبُو الْأسد الثِّقَة، كَمَا قَالَ ابْن معِين، وَأَثْنَى عَلَيْهِ شُعْبَة وَرَوَى عَنهُ) أَبُو صَالح الْحَنَفِيّ. كَمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «كتاب الدُّعَاء» من رِوَايَة الْأَعْمَش عَنهُ، عَن بكير، عَن أنس (وَأَبُو صَالح هَذَا اسْمه [عبد الرَّحْمَن بن قيس] ثِقَة أخرج لَهُ مُسلم) وَوَثَّقَهُ ابْن معِين. وَرَوَى عَنهُ أَيْضا سهل أَبُو الْأسد. أخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من رِوَايَة مسعر بن كدام، عَنهُ، عَن بكير بِهِ. وَسَهل هَذَا ذكره أَبُو حَاتِم فِي «كِتَابه» وَنقل توثيقه عَن ابْن معِين وَأبي زرْعَة، وَذكره ابْن حبَان فِي ثِقَات التَّابِعين، وَكَلَام مُسلم فِي كِتَابه يَقْتَضِي أَن سهلاً أَبَا الْأسد وعليًّا أَبَا الْأسود وَاحِد، فقد عرفت أَن ثَلَاثَة رووا عَنهُ، وَأما حَاله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 531 فَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» عَلَى أَنه لم ينْفَرد بل تَابعه عَلَيْهِ خلق أَوَّلهمْ سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَنهُ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَإِسْنَاده عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَلما رَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» عَن مُحَمَّد بن معمر، ثَنَا أَبُو دَاوُد، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أَبِيه، عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْأَئِمَّة من قُرَيْش مَا عمِلُوا بِثَلَاث: إِذا استرحموا رحموا، وَإِذا عَاهَدُوا وفوا، وَإِذا حكمُوا عدلوا» . (قَالَ) : لَا نعلم أسْند سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن أنس إِلَّا هَذَا الحَدِيث. قلت: وَرِجَاله رجال الصَّحِيح أَبُو دَاوُد احْتج بِهِ مُسلم، وَعلي احْتج بِهِ البُخَارِيّ، وَالْبَاقُونَ احتجا بهم. لَكِن رَوَى ابْن عدي، عَن سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث قَالَ: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يُسأل عَن حَدِيث إِبْرَاهِيم هَذَا (فَقَالَ) : لَيْسَ هَذَا فِي كتب إِبْرَاهِيم، لَا يَنْبَغِي أَن يكون لَهُ أصل. ثانيهم: حبيب بن أبي ثَابت وَهُوَ ثِقَة أخرج لَهُ البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «كتاب الدُّعَاء» من رِوَايَة عبد الله بن فروخ الْخُرَاسَانِي، وَفِيه مقَال، قَالَ البُخَارِيّ: تعرف وتنكر. وَقَالَ الْجوزجَاني: أَحَادِيثه مَنَاكِير، لَكِن أَثْنَى عَلَيْهِ سعيد بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَنهُ، فَقَالَ: هُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 532 أَرْضَى أهل الأَرْض عِنْدِي، عَن ابْن جريج، عَن حبيب. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث حبيب من وَجه آخر عَن أنس، وَفِيه يَحْيَى بن عِيسَى الرَّمْلِيّ، أخرج لَهُ مُسلم، وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ، وَتكلم فِيهِ غَيرهمَا، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا. ثالثهم: قَتَادَة، عَن أنس، لَكِن بِلَفْظ: «إِن الْملك فِي قُرَيْش» . وَفِيه: سعيد بن بشير وَفِيه مقَال. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أخرجه من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن سهل، عَن بكير الْجَزرِي، عَن أنس قَالَ: «دخل علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَنحن فِي بَيت فِي نفر من الْمُهَاجِرين قَالَ: فَجعل كل رجل منا يوسِّع لَهُ يَرْجُو أَن يجلس إِلَى جنبه، (فَقَامَ) عَلَى بَاب الْبَيْت فَقَالَ: الْأَئِمَّة من قُرَيْش، ولي عَلَيْكُم حق عَظِيم، وَلَهُم مثله، مَا فعلوا ثَلَاثًا: إِذا استرحموا رحموا، وحكموا فعدلوا، وعاهدوا فوفوا؛ فَمن لم يفعل ذَلِك مِنْهُم فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ» . كَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَش، عَن سهل، (عَن بكير، عَن أنس، وَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة، عَن الْأَعْمَش، عَن سهل) يكنى أَبَا (الْأسد) ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مسعر بن كدام، عَن سهل وَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن عَلّي [بن] أبي الْأسد (وَقيل عَنهُ، عَن عَلّي أبي الْأسد) وَهُوَ واهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 533 فِيهِ. قَالَ: وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ الْأَعْمَش ومسعر. ثمَّ سَاقه من طَرِيق أُخْرَى إِلَى أنس. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» لَكِن فِي سَنَد الْبَيْهَقِيّ وَأَظنهُ فِي الآخر ربيعَة بن ناجد وَقد ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . لَكِن تفرد عَنهُ بالرواية أَبُو صَادِق، وَبَاقِي رِجَاله ثِقَات، وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه من هَذِه (الطَّرِيق) فِي آخر فَضَائِل الْقَبَائِل بِزِيَادَة عَلَيْهِ وَلم يُضعفهُ. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عَلّي مَرْفُوعا: «الْأَئِمَّة من قُرَيْش» فَقَالَ: يرويهِ مسعر وَاخْتلف عَنهُ فرفعه فيض بن الْفضل، عَن مسعر [عَن] سَلمَة بن كهيل، عَن أبي صَادِق، عَن ربيعَة بن ناجد، عَن عَلّي مَرْفُوعا. وَخَالفهُ (دَاوُد بن عبد الحميد) فَرَوَاهُ عَن مسعر، عَن عُثْمَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 534 بن الْمُغيرَة، عَن أبي صَادِق، وَرَفعه أَيْضا وَغَيرهمَا يرويهِ عَن مسعر مَوْقُوفا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ (أَبُو) عوَانَة، عَن عُثْمَان بن الْمُغيرَة مَوْقُوفا، وَالْمَوْقُوف أشبه بالصَّواب. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْأَئِمَّة من قُرَيْش» . رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي عَاصِم، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن سكين بن عبد الْعَزِيز، عَن أبي الْمنْهَال (سيَّار) بن سَلامَة عَن أبي بَرزَة بِهِ. وسكين هَذَا بَصرِي، وَثَّقَهُ وَكِيع وَابْن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» (من) أَتبَاع التَّابِعين، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعِيف. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ. قلت: ويعضد هَذِه الطّرق أَحَادِيث فِي الصَّحِيح دَالَّة عَلَى أَن الْأَئِمَّة من قُرَيْش. أَحدهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «النَّاس تبع لقريش فِي هَذَا الشَّأْن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم» . أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن عمر، مَرْفُوعا: «لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 535 قُرَيْش مَا بَقِي مِنْهُم اثْنَان» (أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم) أَيْضا (ثَالِثهَا) : من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «النَّاس تبع لقريش فِي الْخَيْر وَالشَّر» . (أخرجه مُسلم) . (رَابِعهَا) : من حَدِيث مُعَاوِيَة، مَرْفُوعا: «إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش لَا يعاديهم أحد إِلَّا (أكبه) الله عَلَى وَجهه» أخرجه البُخَارِيّ. (خَامِسهَا) : من حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «قُرَيْش وُلَاة النَّاس فِي الْخَيْر وَالشَّر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَرَوَى الشَّافِعِي (عَن ابْن أبي فديك) عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، أَنه بلغه، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ) : «قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها، وتعلموا من قُرَيْش وَلَا تُعالِمُوها» . وَرَوَى ابْن حبَّان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) قَالَ: «للقرشي قُوَّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 536 الرجلَيْن من غير قُرَيْش» . فَسَأَلَ سَائل ابْن شهَاب: مَا مَعْنَى ذَلِك؟ قَالَ: نبل الرَّأْي. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقد احْتج بِهَذَا - (يَعْنِي) «الْأَئِمَّة من قُرَيْش» - أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَلَى الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة فتركوا (مَا توهموه) . قلت: هَذِه الْقِصَّة أخرجهَا البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي جملَة حَدِيث طَوِيل إِلَى أَن قَالَ: «إِنَّه بَلغنِي أَن قَائِلا مِنْكُم يَقُول: إِنَّمَا كَانَت بيعَة (أبي) بكر فلتة وتمت. أَلا وَإِنَّهَا قد كَانَت كَذَلِك، وَلَكِن الله وقى شَرها، وَلَيْسَ فِيكُم من تقطع إِلَيْهِ الْأَعْنَاق مثل أبي بكر (وَإنَّهُ) كَانَ من خبرنَا حِين توفّي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الْأَنْصَار خالفونا واجتمعوا (بأسرهم) فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة، وَخَالف عَنَّا عليّ وَالزبير وَمن مَعَهُمَا، وَاجْتمعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أبي بكر، فَقلت لأبي بكر: انْطلق بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا هَؤُلَاءِ من الْأَنْصَار، فَانْطَلَقْنَا نريدهم، فَلَمَّا دنونا مِنْهُم لَقينَا مِنْهُم رجلَانِ صالحان فذكرا مَا (تمالأ) عَلَيْهِ الْقَوْم، فَقَالَا: أَيْن تُرِيدُونَ يَا معشر الْمُهَاجِرين؟ فَقُلْنَا: نُرِيد إِخْوَاننَا هَؤُلَاءِ من الْأَنْصَار، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُم (لَا) تقربوهم، اقضوا أَمركُم، فَقلت: وَالله لنأتينهم، فَانْطَلَقْنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 537 حَتَّى أتيناهم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة، فَإِذا رجل مزمل بَين ظهرانيهم فَقلت: من هَذَا؟ (فَقَالُوا) : هَذَا سعد بن عبَادَة. فَقلت: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يوعك. فَلَمَّا جلسنا قَلِيلا تشهد خطيبهم فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: أمَّا بعد، فَنحْن أنصار الله وكتيبة الْإِسْلَام، وَأَنْتُم يَا معشر الْمُهَاجِرين رَهْط منا، وَقد دفَّت دافة من قومكم، فَإِذا هم أَرَادوا أَن يختزلونا من أصلنَا وَإِن يحضنونا من الْأَمر. فَلَمَّا سكت أردْت أَن أَتكَلّم (وَكنت زورت مقَالَة أعجبتني أُرِيد أَن أقدمها بَين يَدي أبي بكر وَكنت أداري مِنْهُ بعض الْحَد فَلَمَّا أردْت أَن أَتكَلّم) قَالَ أَبُو بكر: عَلَى رسلك [فَكرِهت] أَن (أغضبهُ) فَتكلم أَبُو بكر، فَكَانَ أحكم مني وأوقر، وَالله مَا ترك من كلمة أعجبتني إِلَّا قَالَ فِي بديهته مثلهَا أَو (أفضل) مِنْهَا حَتَّى سكت، فَقَالَ: مَا ذكرْتُمْ (فِيكُم) من خير فَأنْتم لَهُ أهل، وَلنْ يعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إِلَّا (لهَذَا) الْحَيّ من قُرَيْش هم أَوسط الْعَرَب نسبا ودارًا، وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن فَبَايعُوا أَيهمَا شِئْتُم. فَأخذ بيَدي (وبيد) أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وَهُوَ جَالس بَيْننَا، فَلم أكره مِمَّا قَالَ غَيرهَا، كَانَ وَالله لِأَن أقدم فَتضْرب عنقِي لَا (يُقرِّبني) ذَلِك من إِثْم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 538 أحب إِلَيّ من (أَن) أتأمر عَلَى قوم فيهم أَبُو بكر، اللَّهُمَّ (إِلَّا) أَن تسول نَفسِي عِنْد الْمَوْت شَيْئا لَا أَجِدهُ الْآن، فَقَالَ قَائِل من الْأَنْصَار: أَنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجَّب، منا أَمِير ومنكم أَمِير يَا معشر قُرَيْش. فَكثر اللَّغط وَارْتَفَعت الْأَصْوَات حَتَّى فرقت من الِاخْتِلَاف، فَقلت: ابسُط يدك يَا أَبَا بكر فَبَايَعته وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ (ثمَّ) بَايعه الْأَنْصَار (ونزونا) عَلَى سعد بن عبَادَة، فَقَالَ قَائِل مِنْهُم: قتلتم سعد بن عبَادَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث عَائِشَة: «فَقَالَ أَبُو بكر: نَحن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء. فَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر: لَا وَالله لَا نَفْعل ذَلِك أبدا (منا أَمِير ومنكم) أَمِير، فَقَالَ أَبُو بكر: لَا وَلَكنَّا الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء، هم أَوسط الْعَرَب دَارا وأعرفهم أحسابًا فبايِعُوا عمر بن الْخطاب أَو أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، فَقَالَ عمر: بل نُبَايِعك، أَنْت خيرنا وَأحب إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَأخذ عمر بِيَدِهِ فَبَايعهُ وَبَايَعَهُ النَّاس. (فَقَالَ قَائِل) : قتلتم سعد بن عبَادَة. فَقَالَ عمر: قَتله الله» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَن مُحَمَّد بن يسَار فِي خطْبَة أبي بكر قَالَ: «وَإِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش مَا أطاعوا الله واستقاموا عَلَى أمره، قد بَلغَكُمْ ذَلِك أَو سمعتموه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، (وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 539 واصبروا إنَّ الله مَعَ الصابرين) فَنحْن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء إِخْوَاننَا (فِي الدَّين) وأنصارنا عَلَيْهِ» . فَائِدَة: فِي ضبط مَا وَقع فِي هَذَا الْأَثر من الْأَلْفَاظ الَّتِي قد تُصحف، وسنبين مَعَانِيهَا. «الفلت» الْفجأَة، وَذَلِكَ أَنهم لم ينتظروا بيعَة أبي بكر عَامَّة (الصَّحَابَة) وَإِنَّمَا ابتدرها عمر وَمن تَابعه. وَقَوله: «لَكِن وقى الله شَرها» يُرِيد الشَّرّ المتوقع فِي الفلتات لَا أَن بيعَة أبي بكر كَانَ فِيهَا شَرّ. قَالَه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . و «السَّقِيفَة» الصّفة فِي الْبَيْت. و «بَنو سَاعِدَة» بطن من الْأَنْصَار. و «المزمل» المدثر بِثَوْب وَنَحْوه، وظهرانيهم أَي: بَينهم. و «الوعك» : الحمَّى. و «الكتيبة» الْجَيْش. و «الدافة» الْجَمَاعَة من النَّاس من أهل الْبَادِيَة يقصدون الْمصر، أَي: جَاءَت جمَاعَة وَمَعْنى (يختزلونا) : (يقتطفونا) عَن مرادنا. وَمَعْنى «تحضنوننا» : تفردونا. وَمَعْنى «زورت» هيأت وزينت فِي نَفسِي كلَاما (لأذكره) . و «الْحَد» و «الحدة» سَوَاء من الْغَضَب. و «المدارأة» بِالْهَمْز: المدافعة بلين، وَسُكُون وَبِغير همز: الخديعة وَالْمَكْر، وَقيل: هما لُغَتَانِ بِمَعْنى (وَاحِد) . وَقَوله: «عَلَى رسلك» هُوَ بِكَسْر الرَّاء أَي عَلَى هنيتك. و «البديهة» ضد التروي والتفكر. وَقَوله: «إِلَّا أَن تسول لي نَفسِي» أَي تُحسنهُ. و «الجذيل» تَصْغِير (الجذل) وَهُوَ عود ينصب لِلْإِبِلِ الجربى تَحْتك بِهِ فتشتفي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 540 و «المحكك» : الَّذِي (يكثر) بِهِ الاحتكاك حَتَّى صَار أملس و «العذيق» بِضَم الْعين تَصْغِير العذق [و] بِفَتْحِهَا النَّخْلَة. و «المرجَّب» بِالْجِيم الْمسند بالرجبة وَهِي خَشَبَة ذَات (شعبتين) ، وَذَلِكَ إِذا طَالَتْ وَكثر حملهَا اتَّخذُوا ذَلِك لِضعْفِهَا (من) كَثْرَة حملهَا، وَالْمعْنَى: أَنِّي ذُو رَأْي يستشفى بِهِ فِي الْحَوَادِث، لَا سِيمَا فِي مثل هَذِه الْحَادِثَة، وَأَنِّي فِي ذَلِك كالعود الَّذِي يشفي الجربى (و) كالنخلة الْكَثِيرَة الْحمل؛ من توفر مواد الآراء عِنْدِي، ثمَّ إِنَّه أَشَارَ بِالرَّأْيِ الصائب عِنْده فَقَالَ: «منا أَمِير ومنكم أَمِير» و «الْفرق» : الْخَوْف (والفزع) . «اللَّغط» : كَثْرَة الْأَصْوَات واختلاطها. و «النزو» الْوُثُوب وَمِنْه نزى التيس عَلَى الشَّاة. وَقَول عمر لسعد: «قَتله الله» ، قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» يُرِيد فِي (سَبِيل الله) قَالَ ابْن حبَان: قَالَ مَالك: أَخْبرنِي الزُّهْرِيّ، أَن عُرْوَة بن الزبير أخبرهُ: أَن الرجلَيْن الأنصاريين اللَّذين لقيا الْمُهَاجِرين هما (عويم) بن سَاعِدَة و (معن بن) عدي. وَزعم مَالك أَن الزُّهْرِيّ سمع سعيد بن الْمسيب (يزْعم) أَن الَّذِي قَالَ يَوْمئِذٍ: «أَنا جذيلها المحكك» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 541 رجل من بني سَلمَة يُقَال لَهُ: حباب بن الْمُنْذر. وَحَكَى ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» قولا: أَنه سعد بن عبَادَة الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمَّر (عَلَى) غَزْوَة مُؤْتَة زيد بن حَارِثَة، وَقَالَ: إِن قتل زيد فجعفر، وَإِن قتل جَعْفَر فعبد الله بن رَوَاحَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَسلف فِي «كتاب الْوكَالَة» وَاضحا، وَذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي «الْوَصَايَا» وَعبارَته هُنَا نقلا عَن الْمَاوَرْدِيّ: (وَأَنه) إِذا عهد إِلَى اثْنَيْنِ (أَو) أَكثر عَلَى التَّرْتِيب، فَقَالَ: الْخَلِيفَة بعد موتِي فلَان، وَبعد مَوته فلَان، جَازَ وانتقلت الْولَايَة (إِلَيْهِم) عَلَى مَا (رتب) كَمَا رتب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُمَرَاء جَيش مُؤْتَة. قلت: وَوَقع كَمَا أخبر (النَّبِي) (وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» أَيْضا عَن أنس قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (فَقَالَ:) أَخذ الرَّايَة زيد بن (حَارِثَة) فأصيب (فَأَخذهَا) جَعْفَر فأصيب ثمَّ أَخذهَا عبد الله فأصيب، ثمَّ أَخذهَا خَالِد بن الْوَلِيد (من) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 542 غير إمرة فَفتح الله عَلَيْهِ، (فَمَا يسرني) - أَو قَالَ: مَا يسرهم - أَنهم عندنَا، وَإِن عَيْنَيْهِ لتذرفان» . الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اسمعوا وَأَطيعُوا وَإِن أمَّر عَلَيْكُم عبد حبشِي مجدع الْأَطْرَاف» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أم الْحصين الأحمسية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (قَالَت) : «حججْت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجَّة الْوَدَاع فرأيته حِين رَمَى جَمْرَة الْعقبَة، وَانْصَرف وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته وَمَعَهُ بِلَال وَأُسَامَة، أَحدهمَا يَقُود رَاحِلَته، وَالْآخر رَافع ثَوْبه عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يظله من الشَّمْس، قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قولا كثيرا لم أفهمهُ، وسمعته يَقُول: إِن أَمر عَلَيْكُم عبد أسود يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ (نَحوه فِي (الْإِمَارَة) فَقَط وَقَالَ: «عبدا حَبَشِيًّا مجدعًا» وَقَالَت أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بمنى أَو بِعَرَفَات. وَفِي رِوَايَة لَهُ) من حَدِيث أبي ذَر قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي (أَن اسْمَع وأطع وَلَو لعبد مجدع الْأَطْرَاف» وَقد سلف هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أنس أَيْضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 543 فَائِدَة: «المجدوع» : الْمَقْطُوع الْأَطْرَاف، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْأنف وَالْأُذن. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نزع يَده من طَاعَة إِمَامه فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَلَا حجَّة لَهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من خلع يدا من طَاعَة (إِمَامه) لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة لَا حجَّة لَهُ، وَمن مَاتَ لَيْسَ فِي عُنُقه بيعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة» . الحَدِيث الْعَاشِر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ولي عَلَيْهِ والٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئا من مَعْصِيّة الله فليكره مَا يَأْتِي من مَعْصِيّة الله، وَلَا ينزعن يَده من طَاعَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عَوْف بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «خِيَار أئمتكم الَّذين تحبونهم ويحبونكم، وَيصلونَ عَلَيْكُم وتصلون عَلَيْهِم، وشرار أئمتكم الَّذين تبغضونهم ويبغضونكم (وتلعنوهم ويلعنوكم) . قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله أَفلا ننابذهم؟ قَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُم الصَّلَاة، أَلا من ولي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 544 عَلَيْهِ والٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئا من مَعْصِيّة الله فليكره مَا يَأْتِي من مَعْصِيّة الله، وَلَا ينزعن يدا من طَاعَة» وَفِيه أَيْضا من حَدِيث أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (يسْتَعْمل) عَلَيْكُم أُمَرَاء تعرفُون وتنكرون، فَمن كره فقد برِئ، وَمن أنكر فقد سلم، وَلَكِن من رَضِي وتابع. قَالُوا: (أَولا نقاتلهم) ؟ قَالَ: لَا مَا صلوا» . وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من (كره) من أميره شَيْئا فليصبر، فَإِنَّهُ من خرج من السُّلْطَان شبْرًا مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة» . الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا بُويِعَ لخليفتين، فَاقْتُلُوا الآخر مِنْهُمَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَأعله ابْن الْقطَّان بِسَعِيد الجُريري، فَإِنَّهُ مختلط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 545 فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ لَا تطيعوه وَلَا تقبلُوا لَهُ قولا فَيكون كمن مَاتَ، وَقيل مَعْنَاهُ، إِن أصر وَلم يُبَايع الأول فَهُوَ بَاغ يُقَاتل أَي فَيكون عَلَى الأول بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُثَنَّاةِ تَحت. الحَدِيث الثَّانِي عشر فِي الْخَبَر الْمَشْهُور «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعمَّار: تقتلك الفئة الباغية» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي قَتَادَة، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَأم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، وَأخرجه البُخَارِيّ فِي بَاب التعاون فِي بِنَاء الْمَسْجِد من كتاب الصَّلَاة من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَثَبت ذَلِك فِي نُسْخَة صَحِيحَة مِنْهُ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ (من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَأحمد فِي «مُسْنده» ) من حَدِيث خُزَيْمَة بن ثَابت. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، من حَدِيث أبي الْهُذيْل، عَنهُ، وَمن حَدِيث أبي رَافع ومولاة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 546 لعمَّار، وَأبي الْيُسْر، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَمُعَاوِيَة وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعمر، وَعَمْرو بن حزم، وَأم سَلمَة، وَمن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن عمار، وَمن حَدِيث زِيَاد بن الْفَرد، وَأبي أَيُّوب، وَحُذَيْفَة، وَمن حَدِيث وَلَده مُحَمَّد عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره. بل قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «استيعابه» : تَوَاتَرَتْ (الْأَخْبَار) عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «تقتل عمار الفئة الباغية» وَهُوَ من أصح (الْأَحَادِيث) . قَالَ ابْن دحْيَة فِي (كِتَابه) «مرج الْبَحْرين» : وَكَيف يكون فِي هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 547 (الحَدِيث) اخْتِلَاف، وَقد رَأينَا مُعَاوِيَة نَفسه (حِين) لم يقدر عَلَى إِنْكَاره قَالَ: «إِنَّمَا قَتله من أخرجه» . وَلَو كَانَ حَدِيثا فِيهِ شكّ لرده مُعَاوِيَة وَأنْكرهُ، وَقد أجَاب (عَلّي) عَن قَول مُعَاوِيَة بِأَن قَالَ: «رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قتل حَمْزَة حِين أخرجه» وَهُوَ من عليّ إِلْزَام لَا جَوَاب عَنهُ. قلت: وَجَمَاعَة من الْحفاظ طعنوا فِي الحَدِيث. قَالَ الْخلال فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» عَنهُ أَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَيَحْيَى بن معِين، وَأَبا خَيْثَمَة، وَغَيرهم ذكرُوا هَذَا الحَدِيث: «تقتل عمار الفئة الباغية» ، فَقَالُوا: مَا فِيهِ حَدِيث صَحِيح. وَأَن الإِمَام أَحْمد قَالَ: قد رُوِيَ فِي «عمار تقتله الفئة الباغية» ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، لَيْسَ فِيهَا حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «التَّنْوِير» : هُوَ حَدِيث لَا مطْعن فِي صِحَّته، وَقد رَوَاهُ جمَاعَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد اسْتَوْفَى طرقه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» فَرَوَاهُ عَن مُعَاوِيَة نَفسه، وَعَن (عمر وَابْنه) وَغَيرهمَا، وَلَو كَانَ حَدِيثا غير صَحِيح لرده مُعَاوِيَة وَأنْكرهُ. الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِابْنِ مَسْعُود: يَا بن أم عبدٍ مَا حكم من بغى من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 548 أمتِي؟ قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا يتبع مدبرهم، وَلَا (يجاز) عَلَى جريحهم، وَلَا يقتل أسيرهم» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ ابْن عدي وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعبد الله ابْن مَسْعُود: «يَا ابْن مَسْعُود، أَتَدْرِي مَا حكم الله - تعالي - فِيمَن بغى من هَذِه الْأمة؟ قَالَ ابْن مَسْعُود: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: فَإِن حكم الله فيهم أَن لَا يتبع مدبرهم، وَلَا يقتل أسيرهم وَلَا يذفف عَلَى جريحهم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة: «وَلَا يجاز عَلَى جريحهم، وَلَا يقسم فيؤهم» . سكت عَنهُ الْحَاكِم، وَأعله ابْن عدي فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ. وَأعله أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي «خلافياته» : إِسْنَاده ضَعِيف، وَقَالَ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ كوثر بن حَكِيم وَهُوَ ضَعِيف. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه بَوَاطِيلُ، لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ مرّة: مَتْرُوك الحَدِيث. وَكَذَا قَالَ السَّعْدِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ الرازيان: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير، وَيَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَيْسَ من حَدِيث الْأَثْبَات. وَضَعفه أَيْضا الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» وَكَذَا عبد الْحق. فَائِدَة: «يُتّبع» : بِضَم الْيَاء وَتَشْديد التَّاء يطْلب. و «التذفيف» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 549 بِالْمُعْجَمَةِ، (وَيروَى) (بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ تتميم) الْقَتْل. وَقَوله فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ: «يَا ابْن أم عبد» قيل: أَرَادَ بِهِ عبد الله، أَي: يَا ابْن أمك. وَقيل: (اسْمه الَّذِي) سَمَّاهُ بِهِ أَبَوَاهُ عبد. وَقَوله: «لَا يجاز عَلَى جريحهم» ، أَي: لَا يتمم قَتله، يُقَال: أجزت عَلَيْهِ، أَي: أسرعت قَتله. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة عشر أثرا: الأول: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَاتل مانعي الزَّكَاة» . وَهَذَا أثر صَحِيح، وَقد سلف بِطُولِهِ فِي «الزَّكَاة» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَسَببه أَن بعض مانعي الزَّكَاة قَالُوا لأبي بكر: أمرنَا بِدفع الزَّكَاة إِلَى من صلَاته سكن لنا وَهُوَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم (إِلَى قَوْله (سكن لَهُم) ، وصلوات غَيره لَيست سكنًا لنا. الْأَثر الثَّانِي: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَاتل أَصْحَاب الْجمل، وَأهل الشَّام بالنهروان، وَقَاتل أهل الْبَصْرَة، وَلم يتبع بعد الِاسْتِيلَاء مَا (أَخَذُوهُ) من الْحُقُوق» . وَهَذَا مَعْرُوف عَنهُ وَلَا حَاجَة إِلَى الْخَوْض فِيهِ، وَلَا فِيمَا قَالَه الرَّافِعِيّ بعدُ من (أَن) أهل الْجمل والنهروان ثَبت أَنهم بغاة وَلَا (مَا) ذكره (فِي) مُعَاوِيَة - رَضِي الله (عَنْهُم) ، وَعَن سَائِر الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ. و «النهروان» : مَكَان بِقرب بَغْدَاد، وَهُوَ بِفَتْح النُّون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 550 (وَالرَّاء) وَإِسْكَان الْهَاء، كَذَا ضَبطه ثَعْلَب وَابْن قُتَيْبَة فِي «أدب الْكَاتِب» والجوهري فِي «صحاحه» وَآخَرُونَ، وَهُوَ الْمَشْهُور فِي ضَبطه كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» . وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ بِضَم النُّون (وَالرَّاء) وَذكره الجواليقي فِي كِتَابه «المعرب» بِالْوَجْهَيْنِ فَقَالَ: النهروان - بِفَتْح النُّون، وَالرَّاء - فَارسي مُعرب. قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سَمِعت من يَقُول: نهروان بضمهما. وَذكره السَّمْعَانِيّ فِي «أنسابه» بِالضَّمِّ (فَقَط) قَالَ: وَهِي بَلْدَة قديمَة لَهَا عدَّة نواحي خرب أَكْثَرهَا، وَهِي بِقرب بَغْدَاد. (ووهمه الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه «سير النبلاء» . وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي «مُعْجم مَا استعجم» النهروان، بالعراق مَعْلُوم بِفَتْح أَوله، وَإِسْكَان ثَانِيه، وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة وبكسرها أَيْضا نهروان (و) بضَمهَا أَيْضا نهروان (وَيُقَال) أَيْضا: بِضَم النُّون وَالرَّاء مَعًا، أَربع لُغَات وَالْهَاء فِي جَمِيعهَا سَاكِنة. وَسُئِلَ الْأَصْمَعِي: هَل هُوَ بِضَم النُّون (أَو) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 551 كسرهَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. وَأنْشد ابْن الطرماح: قل فِي شط نهروان (اغتماضي) وَدَعَانِي حب الْعُيُون المراض (فَأمْسك) الْأَثر الثَّالِث: «أَن الصَّحَابَة بَايعُوا أَبَا بكر فَأول من بَايعه عمر، ثمَّ وَافقه الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، وَقد أسلفناه بِطُولِهِ فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّادِس. الْأَثر الرَّابِع: «أَن أَبَا بكر عهد إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح مستفيض وَفِي الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن (مُحَمَّد بن يُوسُف) قَالَ: «بَلغنِي أَن أَبَا بكر أَوْصَى فِي مَرضه فَقَالَ لعُثْمَان اكْتُبْ: بِسْمِ الَلّهِ الرّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة عِنْد آخر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا، وَأول عَهده بِالآخِرَة (دَاخِلا فِيهَا) حِين يصدق الْكَاذِب. وَيُؤَدِّي الخائن، ويؤمن الْكَافِر، إِنِّي (اسْتخْلف) بعدِي عمر بن الْخطاب، فَإِن عدل فَذَاك ظَنِّي بِهِ ورجائي فِيهِ، وَإِن بدل وجار فَلَا أعلم الْغَيْب، وَلكُل امْرِئ مَا اكْتسب (من الْإِثْم) (وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أيَّ مُنْقَلب يَنْقَلِبُون (. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ مُتَّصِلا عَن هِشَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 552 بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. الْأَثر الْخَامِس: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جعل الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة، فاتفقوا عَلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، وَقد سلف بِطُولِهِ فِي «بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص» . الْأَثر السَّادس: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أقيلوني من الْخلَافَة» . وَهَذَا غَرِيب، لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. الْأَثر السَّابع: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سمع رجلا من الْخَوَارِج يَقُول لَا حكم إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ، وَتعرض بتخطئته فِي التَّحْكِيم. فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، لكم علينا ثَلَاث: لَا نمنعكم مَسَاجِد الله أَن تَذكرُوا فِيهَا اسْم الله وَلَا نمنعكم الْفَيْء مَا دَامَت أَيْدِيكُم مَعنا، وَلَا نبدأ بقتالكم» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي بلاغًا، وَالْبَيْهَقِيّ مَوْصُولا «أَن عليًّا بَيْنَمَا هُوَ يخْطب إِذْ سمع من نَاحيَة الْمَسْجِد قَائِلا يَقُول: لَا حكم ... » إِلَى آخِره. وَرَوَى مُسلم فِي «صَحِيحه» صَدره من حَدِيث عبيد الله بن أبي رَافع «أَن الحرورية لما خرجت عَلَى عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ مَعَه فَقَالُوا: لَا حكم إِلَّا لله. فَقَالَ عليّ بن أبي طَالب: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وصف نَاسا إِنِّي لأعرف صفتهمْ فِي هَؤُلَاءِ ... » الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 553 طَوِيل. قَالَ الرَّافِعِيّ: والخوارج فرقة من المبتدعة خَرجُوا عَلَى عَليّ (حَيْثُ) اعتقدوا أَنه يعرف قتلة عُثْمَان وَيقدر عَلَيْهِم وَلَا يقْتَصّ مِنْهُم لرضاه بقتْله ومواطأته إيَّاهُم، ويعتقدون أَن من أَتَى كَبِيرَة فقد كفر، وَاسْتحق الخلود فِي النَّار، ويطعنون (لذَلِك) فِي الْأَئِمَّة، وَلَا يَجْتَمعُونَ مَعَهم فِي الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات. أعاذنا الله من رُؤْيَتهمْ. قَالَ الشَّافِعِي: وَابْن ملجم الْمرَادِي قتل عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه متأولاً. قَالَ الرَّافِعِيّ: أَرَادَ الشَّافِعِي أَنه قَتله وَزعم أَن لَهُ شُبْهَة وتأويلاً بَاطِلا وَحكي أَن تَأْوِيله أَن امْرَأَة من الْخَوَارِج تسمى قطام، خطبهَا ابْن ملجم، وَكَانَ عَليّ قتل أَبَاهَا فِي جملَة الْخَوَارِج، فَوَكَّلَتْهُ فِي الْقصاص (وهما يزعمان أَن عَلَيْهِ قصاصا وَأَن الْوَاحِد من الْوَرَثَة ينْفَرد بِالْقصاصِ) ، وشرطت لَهُ مَعَ ذَلِك ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وعبدًا وقينة لتحببه (فِي ذَلِك) ، (وَفِي ذَلِك) قيل: كَمَهَرِ قَطَامٍ من فَصَيحٍ وأعجَم وَقتل عليٍّ بالحُسامِ المُصَمْصَم فَلَم أرَ مَهْرًا ساقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ ثَلاثَةُ آلافٍ وَعبدٍ وقَيْنَةٍ هَذَا آخر مَا ذكره. (أما مَا ذكره) من كَونه قَتله متأولا فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، بَاب الرجل يقتل وَاحِدًا من الْمُسلمين عَلَى التَّأْوِيل، ثمَّ ذكر عَن الشَّافِعِي مَا سَيَأْتِي. وَقَالَ ابْن حزم: لَا خلاف بَين أحد من الْأَئِمَّة فِي أَن ابْن ملجم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 554 قتل عليًّا متأولا (مُجْتَهدا) مُقَدرا عَلَى أَنه صَواب وَفِي ذَلِك يَقُول عمرَان بن (حطَّان) : ليبلغ من ذِي الْعَرْش رضوانا أَوْفَى الْبَريَّة عِنْد الله ميزانًا يَا ضَرْبَة من تَقِيّ مَا أَرَادَ بهَا إِلَّا إِنِّي [لأذكره حينا] فأحسبه وَقد أَجَابَهُ من الْمُتَقَدِّمين بكر بن حَمَّاد بِأَبْيَات ذكرهَا ابْن عبد الْبر فِي «استيعابه» ، وَمن الْمُتَأَخِّرين القَاضِي (أَبُو) الطّيب الطَّبَرِيّ ببيتين فَقَالَ: إِلَّا ليهْدم الْإِسْلَام أركانا) كَذَاك ألعن [عمرَان بن حطانا] يَا ضَرْبَة من شقي مَا أَرَادَ بهَا إِنِّي لأذكره يَوْمًا (فألعنه) وَفِي «الِاسْتِيعَاب» أَن ابْن ملجم قَالَ لشبيب الْأَشْجَعِيّ: هَل لَك أَن تساعدني عَلَى قتل عَلّي. (فَقَالَ) : وَيلك إِنَّه ذُو سابقةٍ فِي الْإِسْلَام، فَقَالَ ابْن ملجم: إِنَّه حكم الرِّجَال فِي دين الله، وَقتل إِخْوَاننَا الصَّالِحين. وَأَنه ضربه عَلَى رَأسه، وَقَالَ: الحكم لله يَا عَلّي (لَا) لَك، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 555 (لأصحابكم) . وَظَاهر هَذَا أَنه كَانَ مُسلما (متأولاً) وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي «كتاب السياسة» : أَن ابْن ملجم دخل الْمَسْجِد فِي (بزوغ) الْفجْر الأولَى، فَدخل فِي الصَّلَاة تَطَوّعا ثمَّ افْتتح الْقِرَاءَة فَجعل يُكَرر هَذِه الْآيَة (وَمن النَّاس من يشري نَفسه) فَأقبل عَلّي وَبِيَدِهِ مخفقة يوقظ النَّاس للصَّلَاة، فَمر بِابْن ملجم وَهُوَ يردد هَذِه الْآيَة، فَظن أَنه تعيى فِيهَا فَفتح لَهُ (وَالله رؤوف بالعباد) ثمَّ انْصَرف عَلّي فَتَبِعَهُ (فَضَربهُ) عَلَى قرنه، فَقَالَ عليّ: احْبِسُوهُ ثَلَاثًا وأطعموه واسقوه، فَإِن أعش أرَى فِيهِ رَأْيِي، وَإِن (أمت) فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تمثلوا بِهِ. فَمَاتَ فَأَخذه عبد الله بن جَعْفَر فَقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَلم يجزع، وَأَرَادُوا قطع لِسَانه فجزع، فَقيل لَهُ مَا هَذَا الْجزع عَلَى لسَانك وَحده؟ فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن تمر بِي سَاعَة من نَهَار لَا أذكر الله فِيهَا. ثمَّ قطعُوا لِسَانه، وضربوا عُنُقه» . وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي «تهذيبه» : أهل السّير لَا تدافع (عَنْهُم) «أَن عليًّا أَمر بقتل قَاتله قصاصا، وَنَهَى أَن يمثل بِهِ» . وَفِي كتاب «التَّجْرِيد» للقدوري الْحَنَفِيّ: أَنه لَو كَانَ مُرْتَدا لجازت الْمثلَة بِهِ، وَقد قَالَ (عَلّي) : لَا تمثلوا بِهِ، وَأَيْضًا مَا كَانَ عَلّي يقف قَتله عَلَى شَرط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 556 [الْمَوْت] ، وَلَو قتل لسعيه فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ لم يجز الْعَفو عَنهُ (أَي) وَقد قَالَ عَلّي: «إِن شِئْت (أَن) أعفو عَنهُ» . كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي (تذنيبه) : عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي، كَانَ من الْخَوَارِج المارقين، وَذكر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شهد (عَلَيْهِ) بالشقاوة. قلت: وَهَذَا الحَدِيث سَيَأْتِي فِي أثْنَاء الْأَثر الْحَادِي عشر، وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «التَّنْوِير» : لَا أعلم أحدا توقف فِي لعن ابْن ملجم، إِلَّا مَا كَانَ من عمرَان بن حِطّان أصلاه الله النيرَان. وَأما الْقِصَّة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ فرواها بِنَحْوِ ذَلِك الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِإِسْنَادِهِ إِلَى إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: «كَانَ عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي عشق امْرَأَة من الْخَوَارِج من تيم الربَاب يُقَال لَهَا: قطام فنكحها وَأصْدقهَا ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم، وَقتل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» وَفِي ذَلِك قَالَ الفرزدق؛ فَلم أر مهْرا ... الْبَيْت. كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ إِلَّا أَنه قَالَ: «بيّن غير مُعْجم» بدل: «من فصيح وأعجم» وَالْبَيْت الثَّانِي: كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء وَزَاد بَيْتا. ثَالِثا: وَلَا فتك إِلَّا دون فتك ابْن ملجم فَلَا مهر أغلا من عَلّي وَإِن غلا الْأَثر الثَّامِن: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ للَّذين قَاتلهم بعد مَا تَابُوا: تدون قَتْلَانَا وَلَا ندي قَتْلَاكُمْ» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 557 إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن [ضَمرَة] ، قَالَ: «ارْتَدَّ عَلْقَمَة بن علاثة عَن دينه بعد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَبَى أَن يجنح للسَّلم، فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لَا نقبل مِنْك إِلَّا بسلم مخزية أَو حَرْب مجلية، فَقَالَ: مَا سلم مخزية؟ قَالَ: تَشْهَدُون عَلَى قَتْلَانَا أَنهم فِي الْجنَّة وَأَن قَتْلَاكُمْ فِي النَّار وَلَا ندي قَتْلَاكُمْ. فَاخْتَارُوا سلما مخزية» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا فِي هَذِه الْقِصَّة: «أَن عمر بن الْخطاب رَأَى أَن لَا يدوا قَتْلَانَا، وَقَالَ: قَتْلَانَا قتلوا عَلَى أَمر الله فَلَا ديات لَهُم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي بَاب قتال أهل الرِّدَّة وَمَا أُصِيب فِي أَيْديهم من مَتَاع الْمُسلمين، عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: «جَاءَ (وَفد) بزاخة - أَسد وغَطَفَان - إِلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يسألونه الصُّلْح، فَخَيرهمْ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بَين الْحَرْب المجلية، أَو السّلم المخزية، (قَالَ: فَقَالُوا) : هَذَا الْحَرْب المجلية وَقد عَرفْنَاهُ، فَمَا السّلم المخزية؟ قَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: تؤدون الْحلقَة والكراع، وتتركون أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يرَى خَليفَة نبيه وَالْمُسْلِمين أمرا يعذرونكم بِهِ، وتدون قَتْلَانَا وَلَا ندي قَتْلَاكُمْ، وقتلانا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار، وتردون مَا أصبْتُم منا ونغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: قد رَأَيْت أمرا وسنشير عَلَيْك، أما أَن [يؤدوا] الحلقةوالكراع (فَنعما) رَأَيْت، وَأما أَن تتركوا أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يري الله خَليفَة نبيه وَالْمُسْلِمين [أمرا] يعذرونهم بِهِ (فَنعما) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 558 رَأَيْت (وَأما) أَن قتلاهم فِي النَّار وقتلانا فِي الْجنَّة (فَنعما) رَأَيْت وَأما أَن يدوا قَتْلَانَا فَلَا، (قَتْلَانَا) قتلوا عَلَى أَمر الله فَلَا ديات لَهُم. فَبَايع النَّاس عَلَى ذَلِك» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (و) قَول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الْأَمْوَال لَا يُخَالف قَوْله فِي الدِّمَاء، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَالله أعلم مَا أُصِيب فِي أَيْديهم من أَعْيَان (أَمْوَال) الْمُسلمين لَا تضمن مَا أتلفوه. فَائِدَة: «بُزَاخة» : الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْأَثر هِيَ - بِضَم الْبَاء، وَفتح الزَّاي وَالْخَاء الْمُعْجَمَة - مَوضِع، قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : بِالْبَحْرَيْنِ قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ مَاء (لِطَيِّئٍ) وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَاء لبني أَسد. الْأَثر التَّاسِع: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه نَادَى من وجد (مَاله) فليأخذه. قَالَ الرَّاوِي: فَمر بِنَا رجل فَعرف قدرا نطبخ فِيهَا فَسَأَلْنَاهُ أَن يصبر حَتَّى نطبخ فَلم يفعل» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ من رِوَايَة عرْفجَة، عَن أَبِيه: (أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما قتل أهل النهروان جال فِي عَسْكَرهمْ فَمن كَانَ يعرف شَيْئا أَخذه، حَتَّى بقيت قدر، ثمَّ رَأَيْتهَا أخذت بعد» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أُتِي برثة أهل النَّهر فعرفها، فَكَانَ من عرف شَيْئا أَخذه، حَتَّى بقيت قدر لم تعرف» . الْأَثر الْعَاشِر: «أُتِي عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَاتل أهل الْبَصْرَة، وَلم يتتبع بعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 559 الِاسْتِيلَاء مَا أَخَذُوهُ من الْحُقُوق» . وَهَذَا لَا يحضرني. وَفِي الْبَيْهَقِيّ: «بَاب أهل الْبَغي إِذا غلبوا عَلَى بلد وَأخذُوا صدقَات أَهلهَا، وَأَقَامُوا عَلَيْهِم الْحُدُود لم تعد عَلَيْهِم» اسْتِدْلَالا بِحَدِيث أبي ذَر: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أسمع (وأطع) وَلَو لعبد حبشِي مجدع الْأَطْرَاف» . أخرجه مُسلم. الْأَثر الْحَادِي عشر: عَن الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن عليًّا أَمر بِحَبْس ابْن ملجم وَقَالَ: إِن قَتَلْتُمُوهُ فَلَا تمثلوا بِهِ، وَرَأَى عَلَيْهِ الْقَتْل، فَقتله الْحسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . وَهَذَا الْأَثر (صَحِيح) رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد (عَن) جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ فِي (أَمر) ابْن ملجم بعد مَا ضربه: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فَإِن عِشْت فَأَنا ولي دمي أعفو إِن شِئْت، وَإِن شِئْت استقدت، وَإِن قَتَلْتُمُوهُ فَلَا تمثلوا بِهِ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَنهُ، وَرَوَى فِي «مَنَاقِب الشَّافِعِي» تأليفه فِي بَاب مَا جَاءَ فِي حسن مناظرة الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي ثَوْر قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: ناظرت، بشر بن غياث المريسي فِي الْمَقْتُول لَهُ (وَرَثَة) صغَار [وكبار] يقتل الْقَاتِل دون بُلُوغ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 560 الصغار؟ قَالَ: لَا. فَقلت لَهُ: فَإِن الْحسن بن عَلّي قتل ابْن ملجم، وَفِي الْوَرَثَة صغَار لم يبلغُوا. فَقَالَ: أَخطَأ الْحسن. فَقلت: مَا كَانَ عنْدك جَوَاب أحسن من هَذَا وهجرته يَوْمئِذٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَانَ الشَّافِعِي يذهب أَيْضا إِلَى أَنه لَا يقتل قصاصا قبل بُلُوغ الصغار، وَيُشبه أَن يكون حمل قتل الْحسن بن عَلّي ابنَ ملجم عَلَى أَنه من الساعين فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ، فَرَأَى قَتله بِالْولَايَةِ الْعَامَّة دون ولَايَة الْقصاص. وَقَالَ فِي «سنَنه» نقلا عَن بعض أَصْحَابنَا إِنَّمَا استبد بقتْله قبل بُلُوغ الصغار من (ولد) عَلّي؛ لِأَنَّهُ فعله حدًّا لكفره لَا قصاصا. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» يشبه أَن يكون الْحسن وقف عَلَى استحلال عبد الرَّحْمَن بن ملجم قتل أَبِيه فَقتله لأجل ذَلِك. وَاسْتدلَّ بعض من قَالَ ذَلِك. من أَصْحَابنَا بِمَا روينَا عَن أبي سِنَان الدؤَلِي «أَنه عَاد عليًّا فِي شكوى لَهُ قَالَ: فَقلت (لَهُ: لقد) تخوفنا عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: لكني وَالله مَا تخوفت؛ لِأَنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الصَّادِق (المصدوق) يَقُول: «إِنَّك ستضرب ضَرْبَة هَاهُنَا، وضربة هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى صدغيه - فيسيل دَمهَا حَتَّى تختضب لحيتك، وَيكون صَاحبهَا أشقاها كَمَا كَانَ عَاقِر النَّاقة أَشْقَى ثَمُود» وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي يَحْيَى، قَالَ: «لما جَاءُوا بِابْن ملجم إِلَى عَليّ، قَالَ: اصنعوا بِهِ مَا صنع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِرَجُل جُعِلَ لَهُ عَلَى أَن يقْتله، فَأمر أَن يُقتل ويُحرق بالنَّار» وَفِيه أَيْضا عَن أبي إِسْحَاق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 561 الْهَمدَانِي قَالَ: «رَأَيْت قَاتل عَلّي بن أبي طَالب يحرق بالنَّار فِي أَصْحَاب الرماح» وَفِيه أَيْضا عَن الشّعبِيّ قَالَ: «لما ضرب ابْن ملجم عليًّا تِلْكَ الضَّرْبَة أَوْصَى فَقَالَ: قد ضَرَبَنِي، فَأحْسنُوا إِلَيْهِ وألينوا (لَهُ) فرَاشه، فَإِن أعش فعفو أَو قصاص، وَإِن أمت فعاجلوه فَإِنِّي مخاصمه عِنْد رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» . الْأَثر الثَّانِي عشر: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعث ابْن عَبَّاس إِلَى أهل النهروان للْحَاجة والنصيحة فَرجع بَعضهم إِلَى الطَّاعَة بذلك» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» فِي حَدِيث طَوِيل، فِيهِ ذكر قصَّة الخارجين عَلَى عَلّي: «فَإِنَّهُ بعث إِلَيْهِم عبد الله بن عَبَّاس فناظرهم فَرجع مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف، وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا كَذَلِك. «وَأَنه بَعثه (إِلَيْهِم وَأَنه رَجَعَ) مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» «أَنه بَعثه إِلَى الحروراء فَرجع مِنْهُم عشرُون ألفا، وَبَقِي مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف قتلوا» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي زُميل الْحَنَفِيّ عَنهُ «أَن ابْن عَبَّاس (خرج) إِلَى الحرورية وَأَنَّهُمْ سِتَّة آلَاف (فحاجهم) فَرجع مِنْهُم أَلفَانِ، وَقتل الْبَاقِي» ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنه بَعثه. وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 562 الْبَيْهَقِيّ أَيْضا: «أَن عليًّا بعث الْبَراء بن عَازِب إِلَى أهل النَّهر إِلَى الْخَوَارِج فَدَعَاهُمْ ثَلَاثًا قبل أَن يقاتلهم» . الْأَثر الثَّالِث عشر: «أَنه نَادَى مُنَادِي عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم الْجمل أَلا لَا يتبع مدبرهم، وَلَا يذفف عَلَى جريحهم» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْحَاكِم: هُوَ صَحِيح، قَالَ: وَصَحَّ مثله فِي وقْعَة صفّين. فَائِدَة: قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «مرج الْبَحْرين» : كَانَت وقْعَة الْجمل فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة، وَقيل: كَانَت فِي يَوْم الْخَمِيس لعشر ليالٍ خلت مِنْهُ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، أفرجت عَن ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ألفا. قَالَه ابْن شبة، وَقيل: سَبْعَة عشر ألفا من أَصْحَاب عَائِشَة، وَمن أَصْحَاب عَلّي نَحْو من ألف رجل، وَقيل: أقل من ذَلِك، وَكَانَت إِقَامَة عليّ، وَمُعَاوِيَة بصفين تِسْعَة أشهر، وَقيل: سَبْعَة. وَقيل: ثَلَاثًا. وَكَانَ بَينهمَا قبل (الْقِتَال) نَحْو من سبعين زحفًا. وَقيل: فِي ثَلَاثَة أَيَّام من أَيَّام الْبيض سَبْعُونَ ألفا من الْفَرِيقَيْنِ. وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني من حَدِيث ابْن شهَاب «أَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن العَاصِي شهد الْقِتَال يَوْم صفّين، وَكَانَ أهل الشَّام يَوْم صفّين خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَمِائَة ألف، وَكَانَ (أهل) الْعرَاق عشْرين أَو ثَلَاثِينَ وَمِائَة ألف، وَقطع عَلَى خطام (جمل) عَائِشَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 563 (واسْمه عَسْكَر) سَبْعُونَ يدا من بني ضبة، كلما قطعت يَد رجل أَخذ الزِّمَام آخر، وهم ينشدون: تبَارك الْمَوْت إِذْ الْمَوْت نزل بني ضبة أَصْحَاب الْجمل وَالْمَوْت أشهى عندنَا من الْعَسَل الْأَثر الرَّابِع عشر «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قتل لَيْلَة الهرير ألفا وَخَمْسمِائة» . وَهَذَا قد سلف فِي صَلَاة الْخَوْف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 564 كتاب الرِّدَّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 565 كتاب الرِّدَّة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث تِسْعَة أَحَادِيث. الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل دم (امْرِئ) مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي أَوَائِل «بَاب الْجراح» . الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من بدّل دينه فَاقْتُلُوهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عِكْرِمَة (قَالَ) : «أُتِي عَليٌّ بزنادقة فأحرقهم. فَلَمَّا بلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو كنت أَنا لم أحرقهم؛ لنهي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تعذبوا بِعَذَاب الله. ولقتلتهم؛ لقَوْل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» «من ترك» بدل «من بدل» وَرَوَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 567 مَالك وَالشَّافِعِيّ عَنهُ من حَدِيث زيد بن أسلم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من غيرّ دينه فاضربوا عُنُقه» . قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع. أَي: لِأَن زيد بن أسلم إِنَّمَا يروي عَن الصَّحَابَة، عَن أَبِيه. وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا كَمَا تقدم. وَوَصله الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَلَفظه فِيهِ: «من يُخَالف دينه من الْمُسلمين فَاقْتُلُوهُ» . ثمَّ صَححهُ؛ لَكِن فِي إِسْنَاده حَفْص بن عمر الْعَدنِي وَقد ضَعَّفُوهُ. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِدُونِهِ وَقَالَ فِي آخِره: «فاضربوا عُنُقه» وَقَالَ: «إِذا شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ إِلَّا أَن يَأْتِي شَيْئا فيقام عَلَيْهِ حَده» . الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الله بن عمر، مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ. وَزِيَادَة: «فَإِن كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رجعت عَلَيْهِ» . وَأَخْرَجَا مثله من حَدِيث أبي ذرٍ أَيْضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 568 الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانَ إِذا أكل) لحس أَصَابِعه الثَّلَاث» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث كَعْب بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْكُل بِثَلَاث أَصَابِع فَإِذا فرغ لعقها» . وَله مثله: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد جَاءَ الْأَمر بذلك فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَجَابِر، أخرجهُمَا مُسلم وَمِنْهَا حَدِيث أم عَاصِم، أخرجه التِّرْمِذِيّ. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الجنَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سلف بَيَانه فِي اللّعان. الحَدِيث السَّادِس عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم رُومَان ارْتَدَّت، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأَن يعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام، فَإِن تابت وَإِلَّا قتلت» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 569 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ و) الدارقطني فِي «سنَنه» من طَرِيقين، هَذَا لَفظه (فِي) أَحدهمَا، وَلَفظه فِي الثَّانِي: «ارْتَدَّت امْرَأَة عَن الْإِسْلَام، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن (يعرضُوا) عَلَيْهَا الْإِسْلَام، فَإِن أسلمت وَإِلَّا قتلت، فَعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأَبت أَن تسلم فقتلت» . وإسنادهما غير ثَابت، فِي الأول: معمر بن بكار، قَالَ الْعقيلِيّ: فِي حَدِيثه وهم. وَذكره (ابْن أبي حَاتِم) وَسكت عَنهُ. وَالطَّرِيق الثَّانِي: مظلم، وَفِيه عبد الله بن عُطَارِد بن أذينة، وهاه ابْن حبّان (وَلما ذكره عبد الْحق بِاللَّفْظِ الأول نقل عَن ابْن عدي أَنه يرويهِ عبد الله هَذَا، وَأَنه لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَأَنه مُنكر الحَدِيث، قَالَ: وَلم أر للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما) . وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، قَالَ: فِي إِسْنَاده بعض من يجهل. ثمَّ رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول إِلَّا أَنه قَالَ: «مَرْوَان» بدل «رُومَان» وَكَأَنَّهُ من تَحْرِيف النَّاسِخ قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف، عَن الزُّهْرِيّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 570 عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن امْرَأَة ارْتَدَّت يَوْم أحد فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تستتاب فَإِن تابت وَإِلَّا قتلت» . وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي «تَحْقِيقه» من هَذِه الطّرق محتجًّا بهَا، وَضعف حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَرْفُوع: «لَا تقتل الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت» ثمَّ نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه لَا يَصح، وَذكره فِي «مَوْضُوعَاته» وَمذهب الزُّهْرِيّ أَنَّهَا تقتل إِذا لم تتب، وَهُوَ صَحِيح عَنهُ. فَائِدَة: «أم رُومَان» . بِضَم الرَّاء، كَذَا ضَبطه ابْن [معن] فِي «تنقيبه» وَحَكَى فِي «أم رَوْمَان أم عَائِشَة الصديقة (فتح) الرَّاء» . الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سلف (بِطُولِهِ) فِي «كتاب الدِّيات» . الحَدِيث الثَّامِن «أَنه اشْتَدَّ نَكِير النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أُسَامَة حِين قتل من تكلم بِكَلِمَة الْإِسْلَام، وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَهَا فرقا مني. فَقَالَ: هلا شققت عَن قلبه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 571 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أُسَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَرِيَّة إِلَى الحُرُقات فنذروا (فَهَرَبُوا) فَأَدْرَكنَا رجلا فَلَمَّا غشيناه قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. فضربناه حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَعرض فِي نَفسِي شَيْء من ذَلِك فَذَكرته للنّبي (فَقَالَ: من لَك بِلَا إِلَه إِلَّا الله يَوْم الْقِيَامَة. فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا قَالَهَا مَخَافَة السِّلَاح وَالْقَتْل. قَالَ: أَفلا شققت عَن قلبه حَتَّى تعلم (أقالها) من أجل ذَلِك أم لَا، من لَك بِلَا إِلَه إِلَّا الله يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُول حَتَّى وددت أَنِّي لم أسلم إِلَّا يَوْمئِذٍ» . فَائِدَة: «الحرقات» : اسْم قَبيلَة من جُهَيْنَة، وَجَمعهَا عَلَى لفظ «الحرقات» إِشَارَة إِلَى بطُون تِلْكَ الْقَبِيلَة، وهما فِي الأَصْل حرقان ابْنا قيس بن (تغلب) تَمِيم وَسعد. فَائِدَة أُخْرَى: ذكر الْخَطِيب فِي «مبهماته» من طَرِيق حميد بن هِلَال قَالَ: حَدثنِي من كَانَ فِي السّريَّة قَالَ: «حمل رجل من أَصْحَابنَا عَلَى رجل من الْمُشْركين، فَلَمَّا غشيه قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فَقتله، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أقتلته وَهُوَ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله؟ ! ... » الحَدِيث. قَالَ الْخَطِيب: اخْتلف فِي الْقَاتِل، قيل: أُسَامَة بن زيد وَقيل: الْمِقْدَاد بن عَمْرو. وَأما الْمَقْتُول فمرداس بن نهيك، وَقد علمت التَّصْرِيح بِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 572 أُسَامَة إِن كَانَت الْقِصَّة وَاحِدَة، وَأما الْمِقْدَاد، فَفِي «صَحِيح مُسلم» ، أَنه قَالَ: «يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن لقِيت رجلا من الكفَّار يقاتلني ... » الحَدِيث. و (قد) قيل إِن قَوْله (وَلَا تَقولُوا لمن ألْقَى إِلَيْكُم السَّلم) نزلت فِي هَذَا الْمَقْتُول، أَعنِي: مرداس بن نهيك. الحَدِيث التَّاسِع «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استتاب رجلا أَربع مَرَّات» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن وهب، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن رجل، عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استتاب نَبهَان أَربع مَرَّات، وَكَانَ نَبهَان ارْتَدَّ» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِسْنَاده مُرْسل، قَالَ: وَظَاهر الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيمَا يحقن بِهِ الدَّم يشْهد لهَذَا. قلت: (و) قد وصل هَذَا الْمُرْسل بإسْنادٍ واهٍ، أخرجه إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا، عَن (الْمُعَلَّى) ، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - استتاب رجلا ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام أَربع مَرَّات» . والمعلى هَذَا هُوَ ابْن هِلَال بن [سُوَيْد] الطَّحَّان، وَهُوَ هَالك هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 573 أَحدهَا: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه استتاب امْرَأَة من بني فَزَارَة ارْتَدَّت» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز التنوخي: «أَن امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم قرفة كفرت بعد إسْلَامهَا، فاستتابها أَبُو بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَلم تتب فَقَتلهَا» . قَالَ اللَّيْث: وَذَلِكَ الَّذِي سمعنَا وَهُوَ رَأْي. قَالَ عبد الله بن وهب: وَقَالَ لي مَالك مثل ذَلِك. قَالَ الشَّافِعِي: وَرَوَى بَعضهم عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قتل نسْوَة ارتددن عَن الْإِسْلَام» وَمَا كَانَ لنا أَن نحتج بِهِ (إِذا) كَانَ ضَعِيفا عِنْد أهل الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضعفه فِي انْقِطَاعه. قَالَ: وَقد رَوَيْنَاهُ من وَجْهَيْن مرسلين. تَنْبِيه: وَقع فِيمَا تقدم أَن الَّذِي قَتلهَا الصّديق هِيَ أم قرفة، وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا وَلَفظه: «أَن أَبَا بكر قتل أم قرفة الفزارية فِي ردتها (قتلة) مثلَة، شدّ رِجْلَيْهَا (بَين فرسين) ثمَّ صَاح بهما (فضرباها) فشقاها» . وَذكر الْوَاقِدِيّ أَنَّهَا قتلت يَوْم (بزاخة) (وَذكر) أَبُو عمر فِي «الاستذكار» : «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قتل يَوْم قُرَيْظَة وَالْخَنْدَق أم قرفة» فلعلها أُخْرَى. وَفِي «الْإِكْمَال» لِابْنِ مَاكُولَا، فِي حرف الْمِيم فِي تَرْجَمَة «مُجَشِّر ومُحَسَّر» : قيس بن المحسر كَانَ خرج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 574 مَعَ زيد بن حَارِثَة فِي السّريَّة إِلَى أم قرفة (فَأَخذهَا) ، وَهُوَ الَّذِي تولى قَتلهَا» وَالله أعلم. الْأَثر الثَّانِي: «أَن رجلا وَفد عَلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (من قبل أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) ، فَقَالَ لَهُ عمر: هَل من مغربة خبر؟ فَأخْبرهُ أَن رجلا كفر بعد إِسْلَامه، فَقَالَ: مَا فَعلْتُمْ بِهِ؟ فَقَالَ: قربناه، وضربنا عُنُقه. فَقَالَ: هلا حبستموه ثَلَاثًا وأطعمتموه كل يَوْم رغيفًا، واستتبتموه لَعَلَّه يَتُوب، اللهمَّ إِنِّي لم أحضر، وَلم آمُر، وَلم أَرض إِذْ بَلغنِي» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» عَن مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبدٍ الْقَارِي، عَن أَبِيه، أَنه قَالَ: «قدم عَلَى عمر بن الْخطاب ... » الحَدِيث بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. قَالَ الشَّافِعِي: (من) قَالَ لَا يتأنى بالمرتد (زَعَمُوا) أَن هَذَا الْأَثر الْمَرْوِيّ عَن عمر: «لَو حبستموه ثَلَاثًا» لَيْسَ بِثَابِت؛ لِأَنَّهُ لَا (يُعلمهُ) مُتَّصِلا، وَإِن كَانَ ثَابتا كَانَ لم يَجْعَل عَلَى من قَتله قبل ثَلَاث شَيْئا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوِيَ فِي التأني بالمرتد حَدِيث آخر عَن عمر بإسنادٍ متصلٍ، فَذكره عَن أنس بن مَالك قَالَ: «لما نزلنَا عَلَى تستر ... » فَذكر الحَدِيث فِي (الصَّحِيح) وَفِي قدومه عَلَى عمر بن الْخطاب «قَالَ عمر: يَا أنس، مَا فعل بالرهط السِّتَّة من بكر بن وَائِل الَّذين ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام فَلَحقُوا بالمشركين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 575 (قَالَ: فَأخذت بِهِ فِي حَدِيث آخر يشْغلهُ عَنْهُم، قَالَ: مَا فعل الرَّهْط الَّذين ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام فَلَحقُوا بالمشركين) من بكر بن وَائِل؟ قَالَ: (يَا) أَمِير الْمُؤمنِينَ، قتلوا فِي المعركة. قَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَهل كَانَ سبيلهم إِلَّا الْقَتْل؟ قَالَ: نعم، كنت (أعرض) عَلَيْهِم أَن يدخلُوا (فِي) الْإِسْلَام؛ فَإِن أَبَوا استودعتهم السجْن» . فَائِدَة: قَوْله: «هَل من مُغَرِّبة حبر» يُقَال بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا (مَعَ) الْإِضَافَة فيهمَا، وَأَصله من الغرب وَهُوَ الْبعد، يُقَال: دَار غربَة أَي: بعيدَة، الْمَعْنى: هَل من خبر جَدِيد جَاءَ من بلادٍ بعيدَة. قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «شرح الْمسند» . وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : شُيُوخ «الْمُوَطَّأ» فتحُوا الْغَيْن وكسروا الرَّاء وشددوها (وأضافوها) . قَالَ: وَقد تفتح الرَّاء وَقد تسكَّن الْغَيْن. قَالَ: ويجوّز بَعضهم نصب الْخَبَر عَلَى الْمَفْعُول من مَعْنَى الْفِعْل فِي مغربة. قَالَ: وَهَذَا مثل يُقَال: هَل من مغربة خبر؟ أَي: هَل عنْدكُمْ خبر عَن حَادِثَة تستغرب؟ وَقيل: هَل من خبر جَدِيد جَاءَ من بلدٍ بعيد؟ يُقَال: غرب الرجل (إِذا بعد) وَغرب أَيْضا بِالتَّخْفِيفِ وَسَار مغرب، ومغرب أَيْضا أَي: بعيد. الْأَثر الثَّالِث: «أَن أم مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة كَانَت مرتدة فاسترقها عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (واستولدها) » . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 576 وَهَذَا ذكره الْوَاقِدِيّ فِي «كتاب الرِّدَّة» من حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد «أَنه قسم سهم بني حنيفَة خَمْسَة أَجزَاء؛ فقسم عَلَى النَّاس أَرْبَعَة، وعزل الْخمس حَتَّى قدم بِهِ عَلَى أبي بكر» ثمَّ ذكر من عدّة طرق أَن أم مُحَمَّد بن عَلّي الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة كَانَت من ذَلِك السَّبي. قَالَ الرَّافِعِيّ: وقاس الْأَصْحَاب الْمَرْأَة عَلَى الرجل وَرووا أَن الْحَنَفِيَّة كَانَت أمة لبَعْضهِم، فَلَمَّا قُتِلَ علَى الرِّدَّة كَانَت من الْفَيْء. فَائِدَة: اسْم أم مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة: خَوْلَة بنت جَعْفَر بن قيس بن سَارِيَة بن مسلمة بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع. كَذَا حَكَاهُ ابْن مَاكُولَا فِي «إكماله» فِي «بَاب سَارِيَة من حرف السِّين» عَن ابْن الْكَلْبِيّ. قَالَ ابْن خلكان: (وَيُقَال) كَانَت من سبي الْيَمَامَة، وَصَارَت إِلَى عليّ. وَقيل: بل كَانَت سندية سَوْدَاء، وَكَانَت أمة لبني حنيفَة وَلم تكن مِنْهُم، وَإِنَّمَا صَالحهمْ خَالِد بن الْوَلِيد عَلَى الرَّقِيق وَلم يصالحهم عَلَى أنفسهم. الْأَثر الرَّابِع: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ لقوم من أهل الرِّدَّة جَاءُوا تَائِبين: تدون قَتْلَانَا، وَلَا ندي قَتْلَاكُمْ. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لَا نَأْخُذ لقتلانا دِيَة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْبَيْهَقِيّ، وَقد سلف فِي الْبَاب قبله بِطُولِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 577 قَالَ الرَّافِعِيّ - نقلا عَن الْأَئِمَّة -: (قَول) عمر ذَهَابًا إِلَى أَنهم لَا يضمنُون. (قلت) : وَيجوز أَن يكون الْغَرَض استمالتهم، أَي: لَا نَأْخُذ شَيْئا، وَإِن وَجب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 578 كتاب حد الزِّنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 579 كتاب حد الزِّنَا ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قلت يَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَي الذَّنب أعظم عِنْد الله؟ قَالَ: أَن تجْعَل لله ندًّا وَهُوَ (خلقك) . قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك خشيَة أَن يَأْكُل مَعَك. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تَزني بحليلة جَارك. فَأنْزل الله تَعَالَى تصديقها: (وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون» ) . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَقد سلف بِطُولِهِ فِي أول «بَاب الْخراج» فَرَاجعه. الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: أجمع أهل الْملَل عَلَى تَحْرِيم الزِّنَا وَيتَعَلَّق بِهِ الْحَد، وَكَانَ الْوَاجِب فِي صدر الْإِسْلَام الْحَبْس والإيذاء عَلَى مَا قَالَ (تَعَالَى) : (واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم (إِلَى قَوْله: (فآذوهما) . وَذهب عَامَّة الْأَصْحَاب إِلَى أَن الْحَبْس كَانَ فِي حق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 581 الثّيّب، والإيذاء (كَانَ) فِي حق الْبكر، وحملوا الْإِيذَاء عَلَى الثّيّب وَالتَّعْزِير بالْكلَام. وَعَن أبي الطّيب (بن) سَلمَة: أَن المُرَاد بالآيتين الْأَبْكَار، وَأَن الْحَبْس كَانَ فِي حق النِّسَاء، والإيذاء (بالْكلَام) فِي حق الرِّجَال، ثمَّ اسْتَقر الْأَمر عَلَى أَن الْبكر يجلد ويغرب، وَالثَّيِّب يرْجم، وَهل نسخ مَا كَانَ؟ قيل: لَا، بل بَان (بِمَا) اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر آخرا السَّبِيل والإيذاء المطلقان فِي الِاثْنَيْنِ عَلَى مَا رُوِيَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خُذُوا عني، خُذُوا عني، قد جعل الله لهنَّ سَبِيلا الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام، (و) الثّيّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» كَذَلِك سَوَاء. الحَدِيث الثَّالِث ثمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: نسخ مَا كَانَ، ثمَّ عَلَى قَول ابْن سَلمَة: الْحَبْس والإيذاء منسوخان بقوله - تعالي -: (الزَّانِيَة وَالزَّانِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 582 فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة) وَأما عَلَى قَول الْجُمْهُور، فَمن جوَّز نسخ الْكتاب بِالسنةِ قَالَ: نسخت عُقُوبَة الْبكر (بِآيَة الْجلد) و (عُقُوبَة (الثّيّب) بالأخبار الْوَارِدَة فِي الرَّجْم - (أَي) وَسَيَأْتِي - وَمن منع ذَلِك قَالَ) : عُقُوبَة الثّيّب نسخت بِالْقُرْآنِ أَيْضا إِلَّا أَنه لم يبْق متلوًا (رُوِيَ) عَن عمر أَنه قَالَ فِي خطبَته: «إِن الله - تَعَالَى - بعث مُحَمَّدًا (نبيًّا، وَأنزل عَلَيْهِ كتابا وَكَانَ فِيمَا أنزل عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم فتلوناها ووعيناها (الشيخُ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نكالاً من الله وَالله عَزِيز حَكِيم (. وَقد رجم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ورجمنا بعده، وَإِنِّي أخْشَى أَن يطول بِالنَّاسِ زمَان فَيَقُول قَائِل: لَا رجم فِي كتاب الله، الرَّجْم حق عَلَى كل من زنَى من رجل أَو امْرَأَة إِذا أحصنا، وَلَوْلَا أَنِّي أخْشَى أَن يَقُول النَّاس زَاد (عمر) فِي كتاب الله لأثبته عَلَى حَاشِيَة الْمُصحف» وَكَانَ ذَلِك بمشهد من الصَّحَابَة فَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد، وَحَكَى ابْن كج وَجها أَنه لَو قَرَأَ قَارِئ آيَة الرَّجْم فِي صلَاته لم تفْسد. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 583 حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه جلس عَلَى الْمِنْبَر، فَلَمَّا سكت الْمُؤَذّن قَامَ فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِنِّي قَائِل لكم مقَالَة قد قدر أَن أقولها، لَا أَدْرِي فلعلها بَين يَدي أَجلي، فَمن عقلهَا ووعاها (فليحدث) بهَا حَيْثُ انْتَهَت بِهِ رَاحِلَته، وَمن خشِي أَن لَا يَعْقِلهَا فَلَا أحل لأحدٍ أَن يكذب عليّ، إِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب، فَكَانَ مِمَّا أنزل عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ورجمنا بعده، وأخشى إِن طَال بِالنَّاسِ زمَان أَن يَقُول قَائِل: وَالله مَا نجد آيَة الرَّجْم فِي كتاب الله، فيضلوا بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله، وَالرَّجم فِي كتاب الله حق عَلَى من زنَى إِذا أحصن من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا قَامَت الْبَيِّنَة، وَكَانَ الْحَبل أَو الِاعْتِرَاف» . وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: «وَلَوْلَا أَنِّي أكره أَن أَزِيد فِي كتاب الله لكتبته فِي الْمُصحف؛ فَإِنِّي قد خشيت أَن يَجِيء أَقوام فَلَا يجدونه فِي كتاب الله فيكفرون بِهِ» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَايْم الله، لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس: زَاد فِي كتاب الله لكتبتها» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي «أَن الْآيَة: (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ) » . وَعَزاهَا إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم، وَمرَاده أصل الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الشَّيْخ وَالشَّيْخَة) إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نكالاً من الله وَالله عَزِيز حَكِيم (. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 584 حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، عَن خَالَته العجماء، قَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ (بِمَا) قضيا من اللَّذَّة» . أخرجه من ثَلَاث طرق (كَذَلِك، وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «صَحِيح الْحَاكِم» ) وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد و (فِي) «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم، عَن زر، عَن أُبيٍّ أَنه قَالَ: «كَانَت سُورَة الْأَحْزَاب توازي سُورَة الْبَقَرَة، وَكَانَ فِيهَا آيَة الرَّجْم (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نكالاً من الله وَالله عَزِيز حَكِيم (. وَفِي هَذِه الرِّوَايَة تعْيين مَحل هَذِه الْآيَة من الْقُرْآن. الحَدِيث الرَّابِع إِلَى التَّاسِع ثمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّا لَا ننسخ الْكتاب بِالسنةِ إِذا لم تتواتر، وَالرَّجم مِمَّا اشْتهر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قصَّة مَاعِز والغامدية واليهوديين، وَعَلَى ذَلِك جَرَى الْخُلَفَاء بعده وَبلغ حد التَّوَاتُر، فَعَن أبي هُرَيْرَة، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ أَحدهمَا: يَا رَسُول الله، اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله ... » الجزء: 8 ¦ الصفحة: 585 الحَدِيث الَّذِي تقدم فِي «اللّعان» ، وَفِي آخِره: «فَأمر أنيسًا الْأَسْلَمِيّ (أَن يَغْدُو) عَلَى امْرَأَة الآخر؛ فَإِن اعْترفت فارجمها، فَأَتَاهَا فَاعْترفت فرجمها» وَرُوِيَ: «أَن مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ اعْترف بِالزِّنَا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرجمه» . وَعَن بُرَيْدَة «أَن امْرَأَة من غامد اعْترفت بِالزِّنَا، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (برجمها) » . وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مثل ذَلِك فِي امْرَأَة من جُهَيْنَة. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَهُوَ مُشْتَمل عَلَى خَمْسَة أَحَادِيث، أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد فَتقدم بيانهما مَبْسُوطا فِي اللّعان، وَأما حَدِيث الْيَهُودِيين فَسَيَأْتِي حَيْثُ ذكره المُصَنّف، وَأما حَدِيث مَاعِز فَأخْرجهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَ مَاعِز بن مَالك إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، طهرني. فَقَالَ: وَيحك، ارْجع واستغفر الله وَتب إِلَيْهِ. قَالَ: فَرجع غير بعيد، ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، طهرني. فَأَعَادَ القَوْل عَلَيْهِ، فَأَعَادَ هُوَ حَتَّى إِذا كَانَت الرَّابِعَة قَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مِم أطهرك؟ قَالَ: من الزِّنَا. فَسَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أبه جُنُون؟ فَأخْبر أَنه لَيْسَ بمجنون، فَقَالَ: أشربت خمرًا؟ فَقَامَ رجل فاستنكهه فَلم يجد مِنْهُ ريح خمر، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أزنيت؟ قَالَ: نعم. فَأمر بِهِ فرجم، (وَكَانَ) النَّاس فِيهِ فرْقَتَيْن: (فَقَائِل) يَقُول: قد هلك، لقد أحاطت بِهِ خطيئته. (وَقَائِل) يَقُول: مَا تَوْبَة أفضل من تَوْبَة مَاعِز، إِنَّه جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوضع يَده فِي يَده (فَقَالَ) : اقتلني بِالْحِجَارَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 586 (قَالَ) : فلبثوا بذلك يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَة، ثمَّ جَاءَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وهم جُلُوس فَسلم ثمَّ جلس فَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لماعز بن مَالك. فَقَالُوا: غفر الله لماعز بن مَالك. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت بَين أمة لوسعتهم» . هَذَا لفظ مُسلم فِي إحدي روايتيه. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» : «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِنَّه الْآن لفي أَنهَار الْجنَّة ينغمس فِيهَا» . وَرَوَى قصَّة مَاعِز الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس وَمُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما رجم مَاعِز بن مَالك قَالَ: لقد رَأَيْته يتخضخض فِي أَنهَار الْجنَّة» . وَرَوَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِهِ فطرد فِي الثَّلَاث مَرَّات الأول» . فَائِدَة: مَاعِز هَذَا هُوَ ابْن مَالك، وَهُوَ أسلمي قَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ مَعْدُود فِي الْمَدَنِيين، كتب لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كتابا بِإِسْلَام قومه، رَوَى عَنهُ ابْنه عبد الله حَدِيثا وَاحِدًا. وَحَكَى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم خلف بن عبد الْملك الْقُرْطُبِيّ، عَن أبي (عَلّي) بن السّكن، وَأبي الْوَلِيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 587 بن الفرضي: أَن ماعزًا لقب لَهُ، وَأَن اسْمه غَرِيب بن مَالك. وَأما حَدِيث الغامدية: فَأخْرجهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» عقب (حَدِيث) مَاعِز من رِوَايَة بُرَيْدَة قَالَ: «ثمَّ جَاءَت امْرَأَة من غامد من الأزد، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، طهرني. قَالَ: وَيحك، ارجعي فاستغفري الله وتوبي إِلَيْهِ. فَقَالَت: أَرَاك تُرِيدُ أَن ترددني كَمَا رددت مَاعِز بن مَالك. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالَت: إِنَّهَا حُبلى من الزِّنَا، فَقَالَ: آنت؟ قَالَت: نعم. فَقَالَ لَهَا: حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنك. قَالَ: فكفلها رجل من الْأَنْصَار حَتَّى وضعت، قَالَ: (فَأتي) النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين وضعت، (فَقَالَ) : وضعت الغامدية يَا رَسُول الله، قَالَ: إِذا لَا نرجمها وَنَدع وَلَدهَا صَغِيرا، لَيْسَ (لَهُ) من يرضعه. فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: إليَّ رضاعه يَا رَسُول الله. فرجمها» هَذَا لفظ إِحْدَى روايتي مُسلم، وَقد سلف فِي «بَاب السُّكْنَى للمعتدة» الِاخْتِلَاف فِي اسْمهَا. وَفِي «علل (ابْن) أبي حَاتِم» : سُئِلَ أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَذكره وَفِيه: أَنَّهَا قَالَت: «أقِم عليَّ الْحَد، فَقَالَ: حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنك. فَلَمَّا وضعت جَاءَت فَقَالَت: قد (وضعت) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 588 قَالَ: فاذهبي فأرضعيه حَتَّى تفطميه. فَذَهَبت فأرضعته حَتَّى فَطَمته، ثمَّ جَاءَت فَقَالَ: قد فَطَمته. قَالَ: اذهبي فاكفليه. فَذَهَبت، ثمَّ جَاءَت هِيَ وَأُخْت لَهَا تماشيان، فَقَالَت: هَذِه أُخْتِي تكفله. فَجعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[يعجب] مِنْهَا، وَمن أُخْتهَا، ثمَّ أَمر بهَا أَن ترْجم، ثمَّ قَالَ: إِذا وضعتموها فِي حفرتها فليذهب رجل (مِنْكُم) من بَين يَديهَا كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يرميها حَتَّى إِذا (شغلها) فليذهب (بِرَجُل) مِنْكُم (من) خلفهَا بِحجر عَظِيم فليرم [بِهِ] رَأسهَا» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أبي: هَذَا حَدِيث مُنكر. وَأما حَدِيث عمرَان: فَأخْرجهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» أَيْضا عَنهُ: «أَن امْرَأَة من جُهَيْنَة أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهِي حُبلى من الزِّنَا، فَقَالَت: يَا نَبِي الله، أصبت حدًّا فأقمه عليّ. قَالَ: فَدَعَا نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَليهَا، فَقَالَ: أحسن إِلَيْهَا، فَإِذا وضعت فائتني بهَا. فَفعل، فَأمر بهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فشكت عَلَيْهَا ثِيَابهَا، ثمَّ أَمر بهَا فرجمت، ثمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عمر: تصلي عَلَيْهَا يَا نَبِي الله وَقد زنت؟ ! فَقَالَ (لي) : يَا عمر، لقد تابت تَوْبَة لَو قسمت بَين سبعين من أهل الْمَدِينَة لوسعتهم، وَهل وجدت تَوْبَة أفضل من أَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 589 جَادَتْ بِنَفسِهَا إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ؟» . وَفِي النَّسَائِيّ: «حضر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَجمهَا ورماها بِحجر قدر الحمصة، وَهُوَ رَاكب عَلَى بغلته، ثمَّ قَالَ للنَّاس: ارموا، وَإِيَّاكُم وَجههَا» . وَفِي الطَّبَرَانِيّ: «لقد تابت تَوْبَة لَو قَامَ بهَا أهل الْمَدِينَة لقبل مِنْهُم» . الحَدِيث التَّاسِع (إِلَى الثَّالِث عشر) قَالَ الرَّافِعِيّ: حد المحصنين الرَّجْم، رجلا كَانَ أَو امْرَأَة، وَلَا يجلد مَعَ الرَّجْم، خلافًا لِأَحْمَد حَيْثُ قَالَ: يجلد ثمَّ يرْجم. وَبِه قَالَ ابْن الْمُنْذر لما سبق من حَدِيث عبَادَة وَيروَى: «أَن عليًّا - كرم الله وَجهه - جلد شراحة الهمدانية ثمَّ رَجمهَا، (وَقَالَ) : جلدتها بِكِتَاب الله، ورجمتها بسُنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَوجه ظَاهر الْمَذْهَب مَا رُوِيَ عَن جَابر: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجم ماعزًا وَلم يجلده، ورجم الغامدية وَلم يرد أَنه جلدهَا» . قَالَ الْأَصْحَاب: وَحَدِيث عبَادَة فِي الْجلد مَنْسُوخ بِفعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمَا نقل عَن عَليّ فَعَن عمر خِلَافه. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ، وَهُوَ (يشْتَمل) عَلَى أَرْبَعَة أَحَادِيث: (أَحدهَا) حَدِيث عبَادَة (بن الصَّامِت) : وَقد سلف قَرِيبا. ثَانِيهَا: حَدِيث عليّ: رَوَاهُ كَذَلِك أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالنَّسَائِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 590 فِي «سنَنه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» قَالَ: وَإِسْنَاده صَحِيح وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وَكَانَ الشّعبِيّ يذكر أَنه شهد رجم شراحة، وَيَقُول: إِنَّه لَا يحفظ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ غير ذَلِك. وَعَزاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع الْأَسَانِيد» والمزي فِي «أَطْرَافه» إِلَى البُخَارِيّ أَيْضا. وَلما ذكره الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور قَالَ: هَكَذَا ذكره (أَبُو) مَسْعُود فِي) «الْأَطْرَاف» ، والْحميدِي فِي «جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ» وَقَالا: رَوَاهُ البُخَارِيّ، قَالَ: وَلم أره فِي البُخَارِيّ إِلَّا عَن الشّعبِيّ، عَن عَلّي حِين رجم الْمَرْأَة يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: «رجمتها بِسنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ: وَيحْتَمل أَن (يكون) فِي بعض النّسخ كَمَا ذكرا. فَائِدَة: «شراحة» هَذِه بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة؛ فاعلمه فَإِنَّهُ يلتبس ب «شراجة» بِالْجِيم، وَهُوَ زيد بن شراجة شيخ لعوف الْأَعرَابِي، وَإِن كَانَ حُكيَ فِي هَذَا أَيْضا بِالْحَاء الْمُهْملَة لَكِن الإعجام أصح كَمَا قَالَه يَحْيَى بن معِين. وتَنْبِيه لأمر آخر وَرَاء هَذَا كُله، وَهُوَ أَن شراحة بِالْحَاء أَو بِالْجِيم بِضَم (أَوله) إِذْ لَا يفتح كَمَا يجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَة، كَذَا ضَبطه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 591 ابْن نقطة بِخَطِّهِ فِي كتاب «الْإِكْمَال» فِي موضِعين؛ فاعلمه. ثَالِثهَا: حَدِيث جَابر - وَهُوَ ابْن سَمُرَة - رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَنهُ: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجم مَاعِز بن مَالك» . وَلم يذكر (جلدا) هَذَا لَفظه. وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . رَابِعهَا: حَدِيث رجم الغامدية دون جلدهَا: وَهُوَ مَشْهُور فِي طرقه، قَالَ الشَّافِعِي: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «خُذُوا عني قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا» ، أول مَا انْزِلْ فنسخ بِهِ الْحَبْس والأذى عَن (الزَّانِيَيْنِ) فَلَمَّا رجم عَلَيْهِ السَّلَام ماعزًا (وَلم يجلده) وَأمر أنيسًا أَن (يغدوا) عَلَى امْرَأَة الآخر «فَإِن اعْترفت (فارجمها) » . دلّ عَلَى نسخ الْجلد عَن الزَّانِيَيْنِ الحرين الثيبين. (قُلْنَا) وَقَول الرَّافِعِيّ: وَمَا نقل عَن عليّ فَعَن عمر خِلَافه هُوَ حَدِيث عمر السالف، فَإِنَّهُ لم يذكر فِيهِ إِلَّا الرَّجْم. الحَدِيث الثَّالِث عشر حَدِيث هِنْد فِي الْبيعَة: «أوتزني الْحرَّة؟ !» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» ، عَن نصر بن عَلّي (حَدَّثتنِي غِبْطَة) أم عَمْرو - عَجُوز من بني مجاشع - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 592 (قَالَت) حَدَّثتنِي عَمَّتي، عَن جدتي، عَن عَائِشَة قَالَت: «جَاءَت هِنْد بنت عتبَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لتبايعه، فَنظر إِلَى (يَديهَا) فَقَالَ لَهَا: اذهبي فغيري يَديك. قَالَت: فَذَهَبت فغيرتها بحناء، ثمَّ جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أُبَايِعك عَلَى أَلا تشركي بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تسرقي، وَلَا تَزني. قَالَت: أوتزني الْحرَّة؟ ! قَالَ: وَلَا (تقتلي أولادك) خشيَة إملاق. قَالَت: وَهل تركت لنا أَوْلَادًا (فنقتلهم) ؟ ! قَالَت: فَبَايَعته ثمَّ قَالَت لَهُ - وَعَلَيْهَا (سواران) من ذهب -: مَا تَقول فِي هذَيْن السوارين؟ قَالَ: (جمرتين) من جمر جَهَنَّم» . وَقد وَقع لنا هَذَا الحَدِيث بعلو أنبأنيه المزيّ وَغَيره، أبنا أَحْمد بن هبة الله، أبنا (عبد الْمعز) بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ، أَنا تَمِيم بن أبي سعيد الْجِرْجَانِيّ، أَنا أَبُو سعيد الكنجروذي، أَنا أَبُو عَمْرو بن حمدَان، أبنا أَبُو يعْلى ... فَذكره، وَفِي إِسْنَاده نسْوَة (و) لَا يعرفن. وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي (كِتَابه) «معرفَة الصَّحَابَة» من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 593 حَدِيث (كرْدُوس بن مُحَمَّد بن خلف) ، ثَنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، ثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد، (عَن) هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، قَالَ: «قَالَت هِنْد لأبي سُفْيَان: إِنِّي أُرِيد أَن أبايع (مُحَمَّدًا) ، قَالَ: قد رَأَيْتُك (تَكْفِي) من هَذَا الحَدِيث أمس. فَقَالَت: إِنِّي وَالله (مَا رَأَيْت) الله عبد حق عِبَادَته فِي هَذَا الْمَسْجِد قبل اللَّيْلَة، وَالله إنْ باتوا إِلَّا مصلين قيَاما وركوعًا وسجودًا. قَالَ: فَإنَّك قد فعلت (فاذهبي) بِرَجُل من قَوْمك مَعَك، قَالَ: (فَذَهَبت) إِلَى عُثْمَان فَذهب مَعهَا، فَدخلت وَهِي (منتقبة) فَقَالَ: تبايعي عَلَى أَن أَلا تشركي بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تسرقي، وَلَا تَزني. فَقلت: أَو (هَل) تَزني الْحرَّة؟ ! قَالَ: وَلَا تقتلي (ولدك) فَقَالَت: إِنَّا رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا و (قَتلتهمْ) كبارًا. قَالَ: قَتلهمْ الله يَا هِنْد. فَلَمَّا فرغ من الْآيَة بايعته قَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي بَايَعْتُك عَلَى أَن لَا أسرق وَلَا أزني، وإنَّ أَبَا سُفْيَان رجل بخيل وَلَا يعطيني مَا يَكْفِينِي إِلَّا مَا أخذت مِنْهُ من غير علمه. قَالَ: مَا تَقول يَا أَبَا سُفْيَان؟ فَقَالَ (أَبُو) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 594 سُفْيَان: أما يَابسا فَلَا، وَأما رطبا فأحله. قَالَ: فحدثتني عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهَا: خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ أَبُو نعيم: لَا نعلم أحدا سَاقه هَذَا السِّيَاق إِلَّا عبد الله. وَاقْتصر سُفْيَان عَلَى قَوْله: «إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح» قلت: وَيَعْقُوب هَذَا ضعفه أَبُو زرْعَة. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء. وَعبد الله بن مُحَمَّد بن (عُرْوَة) الظَّاهِر أَنه عبد الله بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عُرْوَة وَهُوَ واهٍ. قَالَ ابْن حبَّان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وسَاق ابْن عدي لَهُ أَحَادِيث فَقَالَ: عامتها مِمَّا لَا يُتَابع عَلَيْهِ الثِّقَات. وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» فِي تَرْجَمَة فَاطِمَة بنت عتبَة أُخْت هِنْد بِإِسْنَادِهِ إِلَى فَاطِمَة بنت عتبَة «أَن أَبَا حُذَيْفَة ذهب بهَا وبأختها هِنْد تبايعان رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا اشْترط عَلَيْهِنَّ قَالَت هِنْد: أوتعلم فِي نسَاء قَوْمك من هَذِه الهنات والعاهات (شَيْئا) . فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَة لَهَا: الْآن فبايعيه، فَإِنَّهُ هَكَذَا يشْتَرط» وَفِيه فِي سُورَة الامتحان بِإِسْنَادِهِ إِلَى فَاطِمَة فَذكره، وَزَاد: « (فَقَالَت) هِنْد: لَا أُبَايِعك عَلَى السّرقَة، إِنِّي أسرق من زَوجي. فَكف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَده وكفت يَدهَا، حَتَّى أرسل إِلَى أبي سُفْيَان يتَحَلَّل لَهَا مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: أما الرطب فَنعم وَأما الْيَابِس فَلَا، وَلَا نعْمَة. قَالَت: فَبَايَعْنَاهُ ... » الحَدِيث ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْحَازِمِي فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 595 «ناسخه ومنسوخه» من حَدِيث حُصَيْن، عَن عَامر الشّعبِيّ، وَفِيه: «فَلَمَّا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (وَلَا يَزْنِين) . قَالَت: أوتزني الْحرَّة؟ ! لقد كُنَّا نستحي من ذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة فَكيف فِي الْإِسْلَام» . ثمَّ قَالَ الْحَازِمِي: هَذَا مُنْقَطع. قلت: وَذكره السُّهيْلي أَيْضا قَالَ: «كَانَ من حَدِيث هِنْد يَوْم الْفَتْح أَنَّهَا بَايَعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَهُوَ عَلَى الصَّفا وَعمر دونه بِأَعْلَى الْعقبَة، فَجَاءَت فِي نسْوَة من قُرَيْش يبايعن عَلَى الْإِسْلَام وَعمر يكلمهن عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَمَّا أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا، قَالَت هِنْد: قد علمنَا أَنه لَو كَانَ مَعَ الله غَيره لأغنى عَنَّا. فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا يَسْرِقن) . قَالَت: وَهل تسرق الْحرَّة؟ ! وَلَكِن يَا رَسُول الله أَبُو سُفْيَان رجل مِسِّيك (و) رُبمَا أخذت من مَاله بِغَيْر علمه مَا يصلح وَلَدي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ. ثمَّ قَالَ: لِأَنَّك لأَنْت هِنْد؟ قَالَت: نعم يَا رَسُول الله، اعْفُ عني عَفا اللهُ عَنْك. وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضرا، فَقَالَ: أَنْت فِي حل مِمَّا أخذت. فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا يَزْنِين) قَالَت: وَهل تَزني الْحرَّة يَا رَسُول الله؟ ! فَلَمَّا قَالَ: (وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف) قَالَت: بِأبي أَنْت وَأمي مَا أكرمك وَأحسن مَا دَعَوْت إِلَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعت: (وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ) قَالَت: وَالله قد رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا حَتَّى قَتلتهمْ أَنْت وَأَصْحَابك ببدر كبارًا. قَالَ: فَضَحِك عمر من قَوْلهَا حَتَّى مَال» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 596 الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا وَمَعَهَا زَوجهَا أَو محرم لَهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن تُسَافِر الْمَرْأَة مسيرَة يَوْمَيْنِ أَو لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم» . وَذكر الْمحرم ثَابت فيهمَا، من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا مَعَ ذِي محرم» . وَمن حَدِيث ابْن عمر: «لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «فَوق ثَلَاث» . وَفِي أُخْرَى: «ثَلَاثَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر تُسَافِر مسيرَة ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم» . وَفِي أُخْرَى لَهُ: «لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر سفرا يكون ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا إِلَّا وَمَعَهَا أَبوهَا أَو ابْنهَا أَو زَوجهَا أَو أَخُوهَا أَو ذُو محرم مِنْهَا» . وَفِي أُخْرَى لَهُ: «لَا تُسَافِر الْمَرْأَة يَوْمَيْنِ من الدَّهْر إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم مِنْهَا أَو زَوجهَا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 597 وثابت فيهمَا أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «لَا يحل لامْرَأَة تُسَافِر مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة إِلَّا مَعَ ذِي محرم عَلَيْهَا» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم أُخْرَى: «لَيْلَة» وَأغْرب الْحَاكِم فاستدركها عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّهَا عَلَى شَرطه. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَا تُسَافِر امْرَأَة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا مَعَ ذِي محرم» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَابْن حبَان: «بريدًا» وَفِي الطَّبَرَانِيّ «الْكَبِير» ، من حَدِيث أبي مَالك الْجَنبي، عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «لَا تُسَافِر الْمَرْأَة ثَلَاثَة أَمْيَال إِلَّا مَعَ زوج أَو (مَعَ ذِي) محرم» . فَقيل لِابْنِ عَبَّاس: النَّاس يَقُولُونَ: ثَلَاثَة أَيَّام. قَالَ: إِنَّمَا هُوَ وهم. قلت: وَهَذَا سَنَد واهٍ، وَاخْتِلَاف هَذِه الْأَلْفَاظ لاخْتِلَاف السَّائِلين والمواطن، وَلَيْسَ فِي النَّهْي عَن الثَّلَاثَة تَصْرِيح بِإِبَاحَة الْيَوْم أَو اللَّيْلَة أَو الْبَرِيد، وَالْحَاصِل أَن كل مَا يُسمى سفرا ينْهَى عَنهُ بِغَيْر زوج أَو محرم. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجم يهوديين زَنَيَا وَكَانَا قد أحصنا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 598 حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: [سَمِعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ] «زنَى رجل وَامْرَأَة من الْيَهُود وَقد أحصنا، حِين قدم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَدِينَة، وَقد كَانَ الرَّجْم مَكْتُوبًا عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة، فَتَرَكُوهُ وَأخذُوا بالتجبية، يضْرب مائَة بِحَبل مَطْلِي بقار وَيحمل عَلَى حمَار وَوَجهه مِمَّا يَلِي دبُر الْحمار، فَاجْتمع أَحْبَار من أَحْبَارهم، فبعثوا قوما آخَرين إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: سلوه عَن حد الزَّانِي ... » قَالَ: وسَاق الحَدِيث، قَالَ (فِيهِ) : «وَلم (يَكُونُوا) من أهل دينه، فَيحكم بَينهم، فَخير فِي ذَلِك (قَالَ) : (فَإِن جاءوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم) » هَذَا لفظ أبي دَاوُد بِكَمَالِهِ، وَأَشَارَ بقوله: «وسَاق الحَدِيث» إِلَى مَا رَوَاهُ أَولا بِإِسْنَاد لَيْسَ فِيهِ [ابْن] إِسْحَاق، عَن أبي هُرَيْرَة: «زنَى رجل من الْيَهُود وَامْرَأَة، فَقَالَ: بَعضهم لبَعض: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِي - (- فَإِنَّهُ نَبِي بعث بِالتَّخْفِيفِ، فَإِن أَفتانا بِفُتْيَا دون الرَّجْم قبلناها واحتججنا [بهَا] عِنْد الله، قُلْنَا: فتيا نَبِي من أنبيائك. قَالَ: فَأتوا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد فِي أَصْحَابه، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم، مَا ترَى فِي رجل وَامْرَأَة مِنْهُم زَنَيَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 599 ؟ فَلم يكلمهم كلمة حَتَّى أَتَى بَيت مدارسهم فَقَامَ عَلَى الْبَاب فَقَالَ: أنْشدكُمْ (بِاللَّه) الَّذِي أنزل التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة عَلَى من زنَى إِذا أحصن؟ قَالُوا: يحمم ويُجبه ويجلد - وَالتَّجْبِيَة: أَن يحمل الزانيان عَلَى حمَار وتقابل أقفيتهما وَيُطَاف بهما - قَالَ: وَسكت شَاب مِنْهُم، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ألظّ بِهِ النِّشدة، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدتنَا فَإنَّا نجدُ فِي التَّوْرَاة الرَّجْم. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَمَا أول مَا ارتخصتم أَمر الله؟ قَالُوا: زنَى ذُو قرَابَة من ملكٍ من مُلُوكنَا فَأخر عَنهُ الرَّجْم، ثمَّ زنَى رجل فِي أسرة [من] النَّاس فَأَرَادَ رجمه، فحال قومه دونه، وَقَالُوا: لَا نرجم صاحبنا حَتَّى (يَجِيء صَاحبك) فنرجمه. فَاصْطَلَحُوا (عَلَى) هَذِه الْعقُوبَة بَينهم. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَإِنِّي أحكم (بَيْنكُم) بِمَا فِي التَّوْرَاة. فَأمر بهما فَرُجِمَا» . قَالَ الزُّهْرِيّ: فَبَلغنَا أَن هَذِه (الْآيَة) نزلت فيهم: (إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدى وَنور يحكمُ بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا) كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُم. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ ضَعِيف عَن عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ: «أَن الْيَهُود أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّة زَنَيَا، (قد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 600 أحصنا) فَأمر بهما رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَرُجِمَا. قَالَ عبد الله بن الْحَارِث: فَكنت أَنا (ممَّن) رجمهما» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيروَى هَذَا اللَّفْظ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن (يزِيد) بن ركَانَة، عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الشَّيْبَانِيّ. عَن ابْن عبَّاس قَالَ: «أُتِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّة قد أحصنا، (فسألوا) أَن يحكم فِيمَا بَينهم فَحكم بَينهمَا بِالرَّجمِ» . قلت: وَأخرجه الْحَاكِم (كَذَلِك) فِي «مُسْتَدْركه» ، وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وأوضح حَال إِسْمَاعِيل الشَّيْبَانِيّ هَذَا. وأصل قصَّة رجم الْيَهُودِيين فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر، وَفِيه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلام أَمر بهم فَرُجِمَا» . وَفِيه: «أَن الرجل جعل يحني عَلَى الْمَرْأَة يَقِيهَا الْحِجَارَة» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» ، من حَدِيث جَابر قَالَ: «رجم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (رجلا) من أسلم ورجلاً من الْيَهُود وَامْرَأَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب - يَعْنِي «رجم أهل الْكتاب» - عَن ابْن عمر، والبراء، وَجَابِر، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 601 وَابْن أبي أَوْفَى، وَعبد الله بن الْحَارِث بن جَزْءٍ، وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر بن سَمُرَة، (قَالَ) وَحَدِيث ابْن عمر حَدِيث حسن صَحِيح، وَحَدِيث جَابر بن سَمُرَة حسن غَرِيب. الحَدِيث السَّادِس عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من وجدتموه يعْمل عمل قوم لوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة خلا النَّسَائِيّ، وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ كلهم من هَذَا الْوَجْه (رَوَاهُ) أَحْمد، عَن أبي الْقَاسِم بن أبي الزِّنَاد، عَن ابْن أبي حَبِيبَة، [عَن] دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا: «اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فِي عمل قوم لوط، والبهيمة وَالْوَاقِع عَلَى الْبَهِيمَة، وَمن وَقع عَلَى ذَات محرمٍ فَاقْتُلُوهُ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن النُّفَيْلِي، عَن الدَّرَاورْدِي، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو مولَى الْمطلب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عباسٍ مَرْفُوعا. كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن الدَّرَاورْدِي بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 602 سَوَاء. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن مُحَمَّد بن الصَّباح وَأبي بكر بن الخلاد كِلَاهُمَا، عَن الدَّرَاورْدِي سَوَاء. وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمْرو بِهِ، (وَمن حَدِيث [عبد الله بن جَعْفَر] المخرمي عَن عَمْرو بِهِ) سَوَاء أَيْضا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، عَن شَيْخه الْحَاكِم بِهِ وَرَوَاهُ ابْن عدي، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «مُعْجَمه» ، من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عباسٍ، ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح دَاوُد بن الْحصين. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، بِمثلِهِ. وَرَوَاهُ عباد بن مَنْصُور، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، رَفعه. وَرَوَاهُ ابْن جريج، عَن إِبْرَاهِيم، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، رَفعه. وَرَوَاهُ سعيد بن جُبَير، وَمُجاهد، عَن ابْن عَبَّاس، أَنه قَالَ: «فِي الْبكر يُوجد عَلَى اللوطية؟ قَالَ: يرْجم» . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّمَا يعرف هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَرَوَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق هَذَا الحَدِيث، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، فَقَالَ: «مَلْعُون من عمل عمل قوم لوط» وَلم يذكر الْقَتْل فِيهِ، وَذكر فِيهِ: «مَلْعُون من أَتَى الْبَهِيمَة» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 603 هَذَا آخر كَلَامه، وَعَمْرو هَذَا من رجال «الْمُوَطَّأ» و «الصَّحِيح» لَكِن تكلم فِيهِ بَعضهم كَمَا أوضحته لَك فِي «بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام» وَنقل عبد الْحق، عَن النَّسَائِيّ أَنه قَالَ: هُوَ ثِقَة، لَكِن يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث. وَأما الْحَاكِم فَقَالَ فِي «مُسْتَدْركه» بعد أَن أخرجه من جِهَته فِي كل من طريقيه: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من عمل عمل قوم لوط فارجموا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ» . قلت: فِيهِ عبد الرَّحْمَن الْعمريّ وَهُوَ سَاقِط، وَابْن أبي (حَبِيبَة) الْوَاقِع فِي رِوَايَة أَحْمد، وَثَّقَهُ أَحْمد نَفسه وَضَعفه (غَيره) ، وَدَاوُد بن الْحصين من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَإِن لينه أَبُو زرْعَة. وَرَوَى الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» ، من حَدِيث عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عباسٍ مَرْفُوعا: «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من غيرّ تخوم الأَرْض، لعن الله من كمه الْأَعْمَى عَن السَّبيل، لعن الله من سبَّ وَالِديهِ، لعن الله من تولى غير موَالِيه، لعن الله من عمل عمل قوم لوط» . وَفِي رِوَايَة: «لعن الله من وَقع عَلَى بَهِيمَة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَقَالَ: سُلَيْمَان بن بِلَال: سَمِعت يَحْيَى بن سعيد وَرَبِيعَة يَقُولَانِ: «من عمل عمل قوم لوطٍ، فَعَلَيهِ الرَّجم رجلا كَانَ أَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 604 امْرَأَة» . قلت: وَأخرج النَّسَائِيّ من طَرِيق قُتَيْبَة، عَن الدَّرَاورْدِي، عَن (عَمْرو) مَرْفُوعا: «لعن الله من وَقع عَلَى بهيمةٍ» . ثمَّ قَالَ: عَمْرو لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» : قد تَابعه خَالِد بن مخلد، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمْرو. وَقَالَ ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» : لم يثبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه رجم فِي اللواط، وَلَا أَنه حكم فِيهِ، وَثَبت عَنهُ أَنه قَالَ: «اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ» رَوَاهُ عَنهُ ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «أحصنا أَو لم يحصنا» . كَذَا قَالَ، وَقد علمت مَا فِيهِ، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَاسْتشْهدَ بِهِ الْحَاكِم، وَقَالَ [التِّرْمِذِيّ] : فِي إِسْنَاده مقَال، لَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ عَن (سُهَيْل بن أبي صَالح) (غير) عَاصِم الْعمريّ وَهُوَ يضعَّف فِي الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن جَابر أَيْضا. فَائِدَة: ادَّعَى ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» نسخ حَدِيث ابْن عباسٍ هَذَا بِحَدِيث عُثْمَان: «لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث» وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، فَأَيْنَ التَّارِيخ؟ بل هُوَ دَاخل فِي حَدِيث عُثْمَان؛ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 605 لِأَن فِيهِ «زنا بعد إِحْصَان» واللوطي زَان، لَا جرم تعقبه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» بِمَا ذكرت. الحَدِيث السَّابع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أَتَى الرجل الرجل فهما زانيان» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن خَالِد الْحذاء، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أَتَى الرجل الرجل فهما زانيان، وَإِذا أَتَت الْمَرْأَة الْمَرْأَة فهما زانيتان» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا لَا أعرفهُ، وَهُوَ مُنكر (بِهَذَا) الْإِسْنَاد. قلت: مُحَمَّد هَذَا مَعْرُوف، يُقَال لَهُ: الْمَقْدِسِي الْقشيرِي، رَوَى عَن: جَعْفَر بن مُحَمَّد، وَحميد الطَّوِيل، وخَالِد الْحذاء، وَعبيد الله بن عمر، وَفطر بن خَليفَة. رَوَى عَنهُ: أَبُو حَمْزَة، وَبَقِيَّة، وَأَبُو بدر، وَسليمَان (بن) شُرَحْبيل. ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «كِتَابه» ، وَقَالَ: ذكره البُخَارِيّ. قَالَ: وَسَأَلت أبي عَنهُ (فَقَالَ) : مَتْرُوك الحَدِيث، كَانَ يكذب، ويفتعل الحَدِيث. قلت: وَله طَرِيق آخر إِلَى أبي مُوسَى، أخرجه الْأَزْدِيّ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، من حَدِيث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 606 بشر بن الْفضل (البَجلِيّ) ، عَن أنس بن سِيرِين، عَن أبي يَحْيَى، عَن أبي (مُوسَى) مَرْفُوعا: «إِذا بَاشر الرجل الرجل، وَالْمَرْأَة الْمَرْأَة فهما زانيان» . قَالَ الْأَزْدِيّ: (بشر) هَذَا مَجْهُول. الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَتَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ، واقتلوا الْبَهِيمَة - قيل لِابْنِ عَبَّاس: فَمَا شَأْن الْبَهِيمَة؟ قَالَ: مَا أرَاهُ قَالَ ذَلِك إِلَّا أَنه كره (أَن يُؤْكَل) لَحمهَا، وَقد عمل بهَا ذَلِك الْعَمَل» . وَيروَى أَنه قَالَ فِي الْجَواب: «إِنَّهَا تُرى، فَيُقَال: هَذَا الَّذِي فعل بهَا مَا فعل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» بِإِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس السَّالف، وَقد سلف هُنَاكَ لفظ أَحْمد. وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «من أَتَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ، واقتلوها مَعَه» . وَلَفظ أبي دَاوُد مثله، وَزَاد الْمقَالة الأولَى الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: «من وجدتموه وَقع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 607 عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة - فَقيل لِابْنِ عَبَّاس: مَا شَأْن الْبَهِيمَة؟ قَالَ: مَا سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي ذَلِك شَيْئا، وَلَكِن أرَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كره أَن يُؤْكَل من لَحمهَا وَينْتَفع بهَا، وَقد عمل (بهَا) ذَلِك الْعَمَل» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مَلْعُون من وَقع عَلَى بَهِيمَة. وَقَالَ: اقْتُلُوهُ واقتلوها؛ لَا يُقَال هَذِه (الَّتِي) فعل بهَا كَذَا وَكَذَا» وَقد سلف لَعنه من طَرِيق الْحَاكِم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا فِي الحَدِيث السَّادِس عشر. (قَالَ أَبُو دَاوُد: وَفِي رِوَايَة عَاصِم، عَن أبي رزين، عَن ابْن عَبَّاس، أَنه قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي) (الْبَهِيمَة) حد» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَلِكَ قَالَ: عَطاء. قَالَ: وَحَدِيث عَاصِم يضعف حَدِيث عَمْرو بن أبي عَمْرو. (و) قَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد أَن ابْن عَبَّاس لَو كَانَ عِنْده فِي الْبَاب حَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يُخَالِفهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا. (وَقد رَوَى) سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَاصِم، عَن أبي رزين، عَن ابْن عَبَّاس، أَنه قَالَ: «من أَتَى بَهِيمَة فَلَا حد عَلَيْهِ» قَالَ: وَهَذَا أصح من الحَدِيث الأول. (وَكَذَا أخرجه) النَّسَائِيّ، من حَدِيث أبي حنيفَة، عَن عَاصِم ثمَّ قَالَ: هَذَا غير صَحِيح، وَالْأول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 608 ضَعِيف. وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، عَن عبد الله بن جَعْفَر المخرمي، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من وجدتموه يَأْتِي بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ، واقتلوا الْبَهِيمَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث عباد بن مَنْصُور، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا، بِمثلِهِ. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ قَول ابْن عَبَّاس السالف من رِوَايَة أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل، عَن دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا: «من وَقع عَلَى ذَات محرم فَاقْتُلُوهُ، وَمن وَقع عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة» . وَقد عرفت حَال إِبْرَاهِيم هَذَا فِيمَا مَضَى فَإِنَّهُ ابْن أبي حَبِيبَة. وَرَوَى الْحَاكِم الْقطعَة الأولَى (من هَذَا الحَدِيث) بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وصححها. وَلما نقل الْبَيْهَقِيّ كَلَام أبي دَاوُد السالف إِلَى حَدِيث عَاصِم يضعف حَدِيث عَمْرو بن أبي عَمْرو. قَالَ: قد روينَا حَدِيث عَمْرو بن أبي عَمْرو (من) أوجه عَن عِكْرِمَة، وَلَا أرَى عَمْرو بن أبي عَمْرو يقصر عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة فِي الْحِفْظ، كَيفَ وَقد تَابعه عَلَى رِوَايَته جمَاعَة، وَعِكْرِمَة عِنْد أَكثر الْأَئِمَّة من الثِّقَات الْأَثْبَات. قلت: وَالشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي اخْتِلَاف عليّ وَعبد الله، قَالَ: إِن صَحَّ قلتُ بِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك؛ لِأَن فِي رُوَاته ضعفاء. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 609 كَلَام، وَقد عَلمته أَنْت وَاضحا. فَائِدَة: قَالَ ابْن شاهين: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان: «لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث» . قلت: ومعارض بِالْحَدِيثِ الْآتِي وَهُوَ: «النَّهْي عَن ذبح الْحَيَوَان إِلَّا لمأكله» إِن ثَبت. الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من وَقع عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي إِسْنَاده كَلَام. هَذَا الحَدِيث ذكره ابْن عدي فِي «كَامِله» ، عَن أَحْمد بن عَلّي بن الْمثنى، ثَنَا عبد الْغفار بن عبد الله بن الزبير، ثَنَا عَلّي بن مسْهر، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَتَى الْبَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة» . قَالَ ابْن عدي: قَالَ (لنا) ابْن الْمثنى: بَلغنِي أَن عبد الْغفار رَجَعَ عَنهُ. وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» أَيْضا، من حَدِيث (أبي) الشَّيْخ، ثَنَا أَبُو يعْلى، ثَنَا عبد الصَّمد بن عبد الله، ثَنَا عَلّي بن مسْهر فَذكره بِلَفْظ: «من وَقع عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة مَعَه» . تَنْبِيه: فِي «علل ابْن أبي حَاتِم» ، عَن أَبِيه، من حَدِيث يزِيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 610 بن أبي زِيَاد، عَن زيد بن وهب مَرْفُوعا: «تَعُج الأَرْض من ثَلَاثَة: من الديوث، وَالَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة، وَالشَّيْخ الزَّانِي» . ثمَّ قَالَ: قَالَ (أبي) : هَذَا حَدِيث لَا أعرفهُ. الحَدِيث الْعشْرُونَ رُوِيَ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلام نهَى عَن ذبح (الْحَيَوَان) إِلَّا لمأكله» . هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي «كتاب الْغَصْب» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ» . هَذَا الحَدِيث (أخرجه أَبُو مُسلم الْكَجِّي، عَن ابْن الْمُقْرِئ، ثَنَا مُحَمَّد بن عَلّي الشَّامي، ثَنَا أَبُو عمرَان الْجونِي، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ» (و) ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» كَذَلِك فَقَالَ: قد روينَا عَن عَلّي مَرْفُوعا: «ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ» . ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة الْآتِي، وَقَالَ: يزِيد الْمَذْكُور فِيهِ غير قوي. ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ عَنهُ وَكِيع (مَرْفُوعا) ، وَهُوَ أشبه. قَالَ: وَأَصَح مَا رُوِيَ فِيهِ حَدِيث سُفْيَان، عَن عَاصِم، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «ادرءوا الْجلد وَالْقَتْل عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 611 قلت: وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يزِيد بن زِيَاد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ادرءوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم، فَإِن كَانَ لَهُ مخرج فَخلوا سَبيله، فَإِن الإِمَام إِن يُخطئ فِي الْعَفو خير من أَن يُخطئ فِي الْعقُوبَة» . ثمَّ قَالَ: ثَنَا هناد، ثَنَا وَكِيع، عَن يزِيد بن زِيَاد، نَحْو هَذَا الحَدِيث، وَلم يرفعهُ. قَالَ: وَلَا نَعْرِف حَدِيث عَائِشَة هَذَا مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن ربيعَة، عَن يزِيد بن زِيَاد الدِّمَشْقِي، وَهُوَ ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَرِوَايَة وَكِيع أصح، وَقد رَوَى نَحْو هَذَا عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة أَنهم قَالُوا مثل ذَلِك، وَيزِيد بن زِيَاد الدِّمَشْقِي يضعف فِي الحَدِيث، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» كَذَلِك سندًا ومتنًا. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا ذكره نظر، وَيزِيد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده واه بِمرَّة، قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقد ضعفه بِهِ تِلْمِيذه الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي «خلافياته» : هَذَا حَدِيث مَشْهُور بَين الْعلمَاء، وَإِسْنَاده ضَعِيف. قَالَ: وَيزِيد هَذَا غير مُحْتَج بِهِ، وَقد تفرد بِهِ، وَرَوَاهُ وَكِيع، عَن يزِيد مَوْقُوفا. قَالَ. وَقد رُوِيَ عَن عَلّي مَرْفُوعا بِهِ (وَإِسْنَاده شبه لَا شَيْء) وَرُوِيَ عَن عبد الله، ومعاذ، وَعقبَة بن عَامر مَوْقُوفا. وَقَالَ فِي «سنَنه» : تفرد بِهِ يزِيد بن زِيَاد، عَن الزُّهْرِيّ، وَفِيه ضعف، قَالَ: وَرِوَايَة وَكِيع أقرب إِلَى الصَّوَاب - يَعْنِي رِوَايَة الْوَقْف. قَالَ: وَرَوَاهُ رشدين (بن) سعد، عَن عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، مَرْفُوعا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 612 وَرشْدِين ضَعِيف. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ادرءوا الْحُدُود (بِالشُّبُهَاتِ) وَلَا يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يعطل الْحُدُود» وَفِي إِسْنَاده ضعف، فِيهِ الْمُخْتَار بن نَافِع، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ مُنْقَطِعًا وموقوفًا عَلَى عمر وَابْن مَسْعُود أَيْضا، (وَفِي) رِوَايَة عَن ابْن مَسْعُود «إِذا اشْتبهَ الْحَد فادرأه» وَهُوَ مُنْقَطع. قَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْنَاد مَوْصُول (عَنهُ) : «ادرءوا الْجلد وَالْقَتْل عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: (وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله بن [عَمْرو] . قلت: أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه، فِي «سنَنه» عَنهُ مَرْفُوعا: «ادفعوا الْحُدُود مَا وجدْتُم لَهُ مدفعًا» ) . وَفِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن الْفضل المَخْزُومِي وَهُوَ ضَعِيف، وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث [عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز] عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «تعافوا الْحُدُود فِيمَا بَيْنكُم، فَمَا بَلغنِي من حد فقد وَجب» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 613 الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي «بَاب شُرُوط الصَّلَاة» وَاضحا. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (أَنه) قَالَ: «جَاءَ مَاعِز بن مَالك إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي قد زَنَيْت. فَأَعْرض عَنهُ. ثمَّ جَاءَهُ من شقَّه الْأَيْمن فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قد زَنَيْت. فَأَعْرض عَنهُ. ثمَّ جَاءَهُ من شقَّه الْأَيْسَر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي قد زَنَيْت. فَأَعْرض عَنهُ. ثمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قد زَنَيْت. قَالَ ذَلِك أَربع مَرَّات، قَالَ: أبك جُنُون؟ فَقَالَ: لَا يَا رَسُول الله. فَقَالَ: أحصنت؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَانْطَلقُوا بِهِ فارجموه. فَانْطَلقُوا، فَلَمَّا مسته الْحِجَارَة أدبر يشْتَد، فَلَقِيَهُ رجل فِي يَده لحي (جمل) فَضَربهُ فصرعه، فَذكرُوا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هزيمته حِين مسته الْحِجَارَة، فَقَالَ: هلا تَرَكْتُمُوهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِلَفْظ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَتَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجل من النَّاس وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فناداه: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت ... » الحَدِيث إِلَى قَوْله: «فاذهبوا بِهِ فارجموه» قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي من سمع جَابِرا قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 614 «فَكنت فِيمَن رجمه فرجمناه بالمصلى، فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة فر حَتَّى أدركناه بِالْحرَّةِ فرجمناه» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِاللَّفْظِ الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ «أحصنت» . (ثمَّ) قَالَ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن جَابر «أَن رجلا من أسْلم جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاعترف بِالزِّنَا فَأَعْرض عَنهُ، ثمَّ اعْترف فَأَعْرض عَنهُ (حَتَّى) شهد عَلَى نَفسه أَربع مَرَّات، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أبك جُنُون؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أحصنت؟ قَالَ: نعم. فَأمر بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فرجم بالمصلى، فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة فرَّ فَأدْرك فرجم حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خيرا، وَلم يُصَِلّ عَلَيْهِ» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ نقلا عَن الْأَصْحَاب: لم يكن ترديد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ماعزًا لِيُقِر أَربع مَرَّات، وَلكنه ارتاب فِي أمره، فاستثبته ليعرف أبه جُنُون، أَو سُكْر أم لَا؟ وَإِلَّا فالإقرار مرّة وَاحِدَة كَافِيَة بِدَلِيل مَا رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأنيس: «اغْدُ عَلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها ... » وَقد سبق تعلق الرَّجْم بِمُطلق الِاعْتِرَاف. هَذَا الحَدِيث سلف فِيمَا مَضَى كَمَا نبه عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ أَيْضا، وَلَك أَن تَقول قد رَوَى أَبُو دَاوُد من طَرِيق نعيم بن هزال [عَن أَبِيه] أَنه عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 615 قَالَ لَهُ: «إِنَّك قلت أَربع مَرَّات، فبمن؟ قَالَ: بفلانة» . وَرَوَى أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن بُريدة قَالَ: «كُنَّا نتحدث أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن مَاعِز بن مَالك لَو جلس فِي رَحْله بعد اعترافه ثَلَاث مَرَّات لم يَطْلُبهُ، وَإِنَّمَا رجمه عِنْد الرَّابِعَة» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «كُنَّا أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نتحدث أَن الغامدية وماعز بن مَالك لَو رجعا ... » الحَدِيث. وَفِي النَّسَائِيّ: «لَو لم يجيبا فِي الرَّابِعَة لم يطلبهما رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَعند ابْن أبي شيبَة: أَن بعد الرَّابِعَة حَبسه، ثمَّ سَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: مَا نعلم إِلَّا خيرا. فَأمر برجمه. فَدلَّ ذَلِك عَلَى أَن الِاعْتِبَار بتعدده أَرْبعا، وَحَدِيث الغامدية السالف إِن تَأَخّر عَنهُ فَهُوَ نَاسخ لَهُ، وَإِن تقدمه فَيحمل قَوْله: «فَإِن اعْترفت» عَلَى الِاعْتِرَاف الْمَعْرُوف فِي حَدِيث مَاعِز عَلَى أَن (ظَاهر) رِوَايَة النَّسَائِيّ السالفة «أَنَّهَا اعْترفت أَيْضا أَرْبعا» وَهِي غَرِيبَة. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَتَى من هَذِه القاذورات شَيْئا فليستتر بستر الله، فَإِن من أبدى لنا صفحته، أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد» وَفِي رِوَايَة: «حد الله» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن زيد بن أسْلم: «أَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 616 رجلا اعْترف عَلَى نَفسه بِالزِّنَا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَدَعَا لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِسَوْط، فَأتي بِسَوْط مكسور، فَقَالَ: فَوق هَذَا. فَأتي بِسَوْط جَدِيد لم تقطع ثَمَرَته، فَقَالَ: دون هَذَا. فَأتي بِسَوْط قد ركب بِهِ ولان، فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فجلد، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، قد آن لكم أَن تنتهوا عَن حُدُود الله، فَمن أصَاب من هَذِه القاذورات شَيْئا فليستتر بستر الله، فَإِنَّهُ من يُبدْ لنا صفحته نقم عَلَيْهِ كتاب الله» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنْقَطع، لَيْسَ مِمَّا تثبت بِهِ - هُوَ نَفسه - حجَّة، وَقد رَأَيْت (من) أهل الْعلم عندنَا من يعرفهُ وَيَقُول بِهِ، فَنحْن نقُول بِهِ (و) قَالَ ابْن الصَّلاح: كَانَ الشَّافِعِي يَقُول: إِسْنَاده ضَعِيف وَمَتنه حجَّة، بِأَمْر من خَارج. وَقَالَ الشَّافِعِي - فِي مَوضِع آخر -: هَذَا الحَدِيث مَعْرُوف عندنَا، وَهُوَ غير مُتَّصِل الْإِسْنَاد فِيمَا أعرفهُ و (نقل) عبد الْحق، عَن ابْن عبد الْبر، أَنه قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا (أعلم) أسْند بِهَذَا اللَّفْظ من وَجه من الْوُجُوه. قلت: قد أسْند بعضه من طَرِيق ابْن عمر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع - وناهيك بهما - عَن أَسد بن مُوسَى - وَهُوَ أَسد السّنة، قَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَة - عَن أنس بن عِيَاض - وَهُوَ ثِقَة من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» - عَن يَحْيَى بن سعيد، (و) عبد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 617 بن دِينَار - وناهيك بهما - عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ بعد أَن رجم الْأَسْلَمِيّ، فَقَالَ: اجتنبوا هَذِه (القاذورات) الَّتِي نهَى الله عَنْهَا فَمن ألمَّ فليستتر بستر الله، وليتب إِلَى الله، فَإِنَّهُ من يبد لنا صفحته نقم عَلَيْهِ كتاب الله عزَّ وَجل» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وأسنده الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، عَن أبي الْفَتْح هِلَال بن مُحَمَّد الحفار الْحَافِظ، عَن الْحُسَيْن بن يَحْيَى بن عَيَّاش الْقطَّان، عَن حَفْص بن عَمْرو الربالي، عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد أَن رجم الْأَسْلَمِيّ قَالَ: اجتنبوا هَذِه (القاذورات) الَّتِي نهَى الله عَنْهَا، فَمن ألمَّ فليستتر بستر الله - تَعَالَى» وأسنده أَيْضا، عَن أبي الْحسن بن عَبْدَانِ، عَن أَحْمد بن عبيد، عَن عمر بن أَحْمد بن بشر، عَن هَارُون بن مُوسَى الْفَروِي، عَن أبي ضَمرَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عبد الله بن دِينَار ... فَذكره بِمثلِهِ، وَزَاد: «وليتب إِلَى الله، فَإِنَّهُ من أبدى لنا صفحته نقم عَلَيْهِ كتاب الله» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رُوِيَ، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَعَن عبد الله بن دِينَار، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. مُرْسلا، وَهُوَ أشبه. وَقَالَ ابْن الصّباغ من أَصْحَابنَا: قد رُوي هَذَا الحَدِيث مُسْندًا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَأغْرب الإِمَام، فَقَالَ فِي «نهايته» : وَقَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من أَتَى من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 618 هَذِه القاذورات (شَيْئا) فليستتر بستر الله» فَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته. هَذَا لَفظه، وَحط عَلَيْهِ ابْن الصَّلاح، وَقَالَ: هَذَا مِمَّا يتعجب مِنْهُ الْعَارِف بِالْحَدِيثِ. قَالَ: وَله أشباه (بذلك) كثير أوقعه (فِيهَا) إطراحه صناعَة الحَدِيث الَّذِي يفْتَقر إِلَيْهَا كل فَقِيه وعالم. قلت: لم يرد الإِمَام بقوله: «مُتَّفق عَلَى صِحَّته» مِمَّا اصْطلحَ عَلَيْهِ (من) اصْطلحَ عَلَى إِطْلَاق هَذِه الْعبارَة (عَلَى) مَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بل مُرَاده إِن سَنَده صَحِيح، وَقد أسلفت عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصّحاح» إِلَى قَوْله «بستر الله» . فَائِدَة: «القاذورات» : بِالذَّالِ (الْمُعْجَمَة) . مَا يُوجب الْعقُوبَة وَتطلق القاذورة أَيْضا عَلَى الَّذِي يمْتَنع من تعَاطِي المستقذر، وَعَلَى الرجل الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ، وَبِمَا صَنع. قَالَه ابْن الْأَثِير. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي قصَّة مَاعِز: «لَعَلَّك قبلت، لَعَلَّك لمست» . هَذَا (الحَدِيث) صَحِيح، فقد أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما أَتَى مَاعِز النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ لَهُ: لَعَلَّك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 619 قبلت، أَو غمزت، أَو نظرت. قَالَ: لَا يَا رَسُول الله. قَالَ: أنكْتها؟ ! لَا يكني، فَعِنْدَ ذَلِك أَمر برجمه» . واستدركه الْحَاكِم عَلَى شَرط (الشَّيْخَيْنِ وأنهما) لم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا ذكر عَلَيْهِ السَّلَام هَذِه اللَّفْظَة؛ لِأَنَّهُ خَافَ أَن لَا يعرف مَاعِز الزِّنَا كَيفَ، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «العينان تزنيان، وَالْيَدَانِ تزنيان» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَجَاء فِي رِوَايَة فِي قصَّة مَاعِز: «فَهَلا تَرَكْتُمُوهُ» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة سلفت (قَرِيبا. قَالَ: وَرُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لماعز: «ارْجع واستغفر الله وَتب إِلَيْهِ» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة سلفت) فِي أَوَائِل الْبَاب فِي حَدِيث بُرَيْدَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «هلا رددتموه إليَّ لَعَلَّه يَتُوب» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، من حَدِيث يزِيد بن نعيم بن هزال، عَن أَبِيه، قَالَ: «كَانَ مَاعِز بن مَالك يَتِيما فِي حجر أبي، فَأصَاب جَارِيَة من الْحَيّ، فَقَالَ لَهُ أبي: ائْتِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ بِمَا صنعت لَعَلَّه يسْتَغْفر لَك - وَإِنَّمَا يُريد بذلك رَجَاء أَن يكون لَهُ مخرجا - فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت، فأقم عليّ كتاب الله. فَأَعْرض عَنهُ. (فَعَاد فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت فأقم عليَّ كتاب الله. فَأَعْرض عَنهُ) حَتَّى قَالَهَا أَربع مَرَّات. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قد قلتهَا أَربع مَرَّات، فبمن؟ قَالَ: بفلانة. قَالَ: هَل ضاجعتها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: هَل باشرتها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: هَل جامعتها؟ (قَالَ: نعم) قَالَ: فَأمر بِهِ أَن يرْجم، فَأخْرج بِهِ إِلَى الحَرَّة، فَلَمَّا رجم فَوجدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 620 مس الْحِجَارَة فجزع فَخرج يشْتَد، فَلَقِيَهُ عبد الله بن أنيس، وَقد عجز أَصْحَابه فَنزع لَهُ بوظيف - وظيف الْبَعِير: خفه - بعيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقتله، ثمَّ أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: هلا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّه يَتُوب فيتوب الله عَلَيْهِ» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِنَحْوِهِ، وَفِي إِسْنَاده هِشَام بن سعد المَخْزُومِي الْمدنِي قَالَ فِيهِ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَمرَّة: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَمرَّة: ضَعِيف. قَالَ: وَكَانَ يَحْيَى الْقطَّان لَا يكْتب عَنهُ. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ هُوَ بمحكم الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: لين. قَالَ: وَقد احْتج بِهِ مُسلم. (و) قَالَ (عبد الْحق) : هَذَا إِسْنَاد لَا يحْتَج بِهِ. قلت: وَله طَرِيق آخر. قَالَ ابْن سعد: أَنا مُحَمَّد بن عمر، قَالَ: حَدثنِي (هَاشم) بن عَاصِم، عَن يزِيد بن نعيم بن هزّال، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كَانَ مَالك (أَبُو مَاعِز قد أَوْصَى إِلَيّ بِابْنِهِ فَكَانَ فِي حجري أكفله بِأَحْسَن) مَا يكفل بِهِ أحدا، فَجَاءَنِي يَوْمًا فَقَالَ لي: إِنِّي [كنت] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 621 (أطلب) مهيرة امْرَأَة كنت أعرفهَا، حَتَّى (أتيت) مِنْهَا الْآن مَا كنت أُرِيد، ثمَّ نَدِمت عَلَى مَا أتيت، فَمَا رَأْيك؟ فَأمره أَن يَأْتِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فيخبره، فَأَتَاهُ فاعترف عِنْده بِالزِّنَا - وَكَانَ مُحصنا - فَأمر بِهِ أَبَا بكر الصّديق فرجمه فمسته الْحِجَارَة ففر يعدو قبل العقيق، فَأدْرك بالمكيمن، وَكَانَ الَّذِي أدْركهُ عبد الله بن أنيس بوظيف حمَار فَلم يزل يضْربهُ بِهِ حَتَّى قَتله، ثمَّ جَاءَ عبد الله بن أنيس إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ، قَالَ: فَهَلا تَرَكْتُمُوهُ (لَعَلَّه) يَتُوب فيتوب الله عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: يَا هزال، بئس مَا صنعت بيتيمك، لَو سترت عَلَيْهِ بِطرف ردائك لَكَانَ خيرا لَك. قَالَ: يَا رَسُول الله، (لم أدر أَن) فِي الْأَمر سَعَة. ودعا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَرْأَة الَّتِي أَصَابَهَا فَقَالَ: اذهبي. وَلم يسْأَلهَا عَن شَيْء، فَقَالَ النَّاس (فِي) مَاعِز (فَأَكْثرُوا) فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لقد تَابَ تَوْبَة لَو تابها طَائِفَة من أمتِي لأجزأت عَنْهُم» . فَائِدَة: «هَزّال» : بِفَتْح الْهَاء وَتَشْديد الزَّاي (أسلمي) لَهُ صُحْبَة قَالَه ابْن حبَان، وَابْن مَنْدَه، والعسكري، وَابْنه نعيم مُخْتَلف فِي صحبته. قَالَ أَبُو عمر: لَا (صُحْبَة) لَهُ، وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لِابْنِهِ، هَذَا أولَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 622 بِالصَّوَابِ. وَقَالَ ابْن مَنْدَه: فِيهِ نظر. وَقَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» : اخْتلف فِي صحبته، وَفِي إِسْنَاد حَدِيثه، وَلم يُورد لَهُ غير هَذَا الحَدِيث. وَكَانَ مَالك أَبُو مَاعِز قد أَوْصَى إِلَى هزال بِابْنِهِ مَاعِز، وَكَانَ فِي حجره فَكَفَلَهُ كَمَا سلف فِي الحَدِيث، وَهَذِه الْمَرْأَة الَّتِي زنَى بهَا مَاعِز قيل اسْمهَا «فَاطِمَة» ، وَقد وَقع (ذَلِك) فِي بعض طرق أبي دَاوُد. قَالَه الْخَطِيب، ثمَّ الْمُنْذِرِيّ. وَقيل: اسْمهَا «منيرة» : حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي «مُخْتَصر المبهمات» . الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر برجم مَاعِز والغامدية وَلم يحضر» هُوَ كَمَا ذكر، وَالْأَحَادِيث كلهَا مصرحة بِهِ، قَالَ الشَّافِعِي: أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - برجم مَاعِز وَلم يحضرهُ، وَأمر أنيسًا أَن يَأْتِي امْرَأَة فَإِن اعْترفت فارجمها، وَلم يقل أعلمني وَلَا حضرني. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «فِي قصَّة مَاعِز قَالَ: أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - برجمه، فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى أَن وصلنا إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد، فَمَا أوثقناه وَلَا حفرنا لَهُ، ورميناه بالعظام والمدر والخزف، ثمَّ اشْتَدَّ واشتددنا إِلَيْهِ (حَتَّى أَتَى) عرض الْحرَّة، فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الْحرَّة حَتَّى سكن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 623 وَجَاء فِي «صَحِيح مُسلم» أَيْضا من حَدِيث بُرَيْدَة «أَنه حفر لماعز» واستدركه الْحَاكِم وَقَالَ: «حُفْرَة إِلَى صدرة» ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حفر للغامدية» . هَذَا صَحِيح، أخرجه مُسلم، من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهَذَا لَفظه: «ثمَّ أَمر لَهَا فحفر لَهَا إِلَى صدرها، وَأمر النَّاس فرجموها» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يحْفر للجهنية» . قلت: هُوَ ظَاهر الحَدِيث، وَقد سلف بِطُولِهِ فِي أَوَائِل الْبَاب من حَدِيث عمرَان بن حُصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف: «أَن رجلا مقْعدا زنَى بِامْرَأَة، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يجلد بأثكال النّخل» وَيروَى: «أَنه أَمر أَن يَأْخُذُوا مائَة شِمْرَاخ، فَيَضْرِبُوهُ بهَا ضَرْبَة وَاحِدَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد وَأبي الزِّنَاد كِلَاهُمَا، عَن أبي أُمَامَة (بن) سهل (بن حنيف «أَن رجلا - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 624 قَالَ أَحدهمَا: أحبن. وَقَالَ الآخر: مقْعدا - كَانَ عِنْد جوَار سعد) فَأصَاب امْرَأَة حَبل فرمته بِهِ، فَسئلَ فاعترف فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِ - قَالَ أَحدهمَا: فجلد بأثكال النّخل. وَقَالَ الآخر: بأثكول النّخل» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ عَن سُفْيَان مُرْسلا، وَرُوِيَ عَنهُ مَوْصُولا بِذكر أبي سعيد فِيهِ. وَقيل: عَن أبي الزِّنَاد، عَن أبي أُمَامَة، عَن أَبِيه. وَقيل: عَن (أبي) أُمَامَة، عَن سعيد بن سعد بن عبَادَة قَالَ: «كَانَ بَين (إمائنا) رجل مُخْدج ضَعِيف، فَلم نرع إِلَّا وَهُوَ عَلَى أمة من إِمَاء الدَّار يخْبث بهَا، فَرفع شَأْنه سعد بن عبَادَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: اجلدوه مائَة سَوط. (فَقَالُوا) : يَا نَبِي الله، هُوَ أَضْعَف من (ذَاك) لَو ضَرَبْنَاهُ مائَة سَوط مَاتَ، قَالَ: فَخُذُوا لَهُ عثْكَالًا فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَاضْرِبُوهُ وَاحِدَة» . وَرَوَى هَذَا أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَفِيه: «وَكَانَ مُسلما» وَفِي آخِره: «وخلوا سَبيله» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث فليح، عَن أبي حَازِم، عَن سهل بن سعد، «أَن وليدة فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (حبلت) من الزِّنَا، فَسُئِلت: من أحبلك؟ قَالَت: أحبلني المقعد. فَسئلَ عَن ذَلِك فاعترف بِهِ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنَّه لضعيف عَن الْجلد، فَأمر بِمِائَة عثكول فَضَربهُ بهَا ضَرْبَة وَاحِدَة» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا قَالَ، وَالصَّوَاب، عَن أبي حَازِم، عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 625 مُرْسلاً - وَكَذَا قَالَ فِي «علله» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، من حَدِيث ابْن شهَاب، عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، عَن بعض أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْأَنْصَار: «أَنه اشْتَكَى رجل مِنْهُم حَتَّى أضني، فَعَاد جلده عَلَى عظم، فَدخلت عَلَيْهِ جَارِيَة لبَعْضهِم، فهش لهَا فَوَقع عَلَيْهَا، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ رجال قومه يعودونه أخْبرهُم بذلك، وَقَالَ: استفتوا لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَإِنِّي قد وَقعت عَلَى جَارِيَة دخلت عليّ. فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَقَالُوا: مَا رَأينَا بِأحد من الضّر مثل الَّذِي هُوَ بِهِ، وَلَو حملناه إِلَيْك لتفسخت عِظَامه، مَا هُوَ إِلَّا جلد عَلَى عظم، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَأْخُذُوا لَهُ مائَة شِمْرَاخ فليضربوه بهَا ضَرْبَة وَاحِدَة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، عَن أَبِيه بِمثل لفظ أبي دَاوُد. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، من حَدِيث سعيد بن سعد بن عبَادَة، بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ السالف. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، من حَدِيث أبي أُمَامَة، عَن أبي سعيد، كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ أَولا فَالْحَاصِل: أَن هَذَا الحَدِيث من «مُسْند أبي أُمَامَة» عَن أبي سعيد، وَمن «مسْند سعيد بن سعد بن عُبادة» لَا جرم قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. قلت: وَالظَّاهِر أَن هَذَا الِاخْتِلَاف لَا يضرّهُ، وَفِي «أَحْكَام» ابْن الطلاع، عَن «أَحْكَام» القَاضِي إِسْمَاعِيل أَن هَذَا كَانَ خاصًّا. فَائِدَة: فِي بَيَان أَلْفَاظ وَقعت فِي الحَدِيث. «الأحبن» بِالْحَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 626 الْمُهْملَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة: من بِهِ استسقاء و «المُخْدَج» بِضَم الْمِيم وَإِسْكَان الْخَاء وَفتح الدَّال: النَّاقِص الخِلقة قَالَه الْجَوْهَرِي، وَابْن الصّلاح فِي «مشكله» - وَفِي غَرِيب الحَدِيث أَن المُخدج السقيم. و «العِثكال» بِكَسْر (الْعين) الْمُهْملَة، ثمَّ مُثَلّثَة هُوَ الَّذِي يكون فِيهِ الرطب، وَهُوَ بِمَنْزِلَة العنقود فِي الْكَرم، وَيُقَال لَهُ: إثكال، بِأَلف بدل الْعين. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أقِيمُوا الْحُدُود عَلَى مَا ملكت أَيْمَانكُم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، من رِوَايَة عليّ - كرم الله وَجهه - قَالَ: «فجرت جَارِيَة لآل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا عليّ، انْطلق فأقم عَلَيْهَا الْحَد. قَالَ: فَانْطَلَقت فَإِذا بهَا دم يسيل لم يَنْقَطِع. فَأَتَيْته، فَقَالَ: يَا عليّ، أفرغت؟ قلت: أتيتها ودمها يسيل. فَقَالَ: دعها حَتَّى يَنْقَطِع دَمهَا، وأقم عَلَيْهَا الْحَد، أقِيمُوا الْحُدُود عَلَى مَا ملكت أَيْمَانكُم» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ [شُعْبَة] ، عَن عبد الْأَعْلَى (وَقَالَ) : «لَا تضربها حَتَّى تضع» وَالْأول أصح. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، وَفِي إسنادهما عبد الْأَعْلَى بن عَامر الثَّعْلَبِيّ، قَالَ فِيهِ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة: (ضَعِيف) الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: تعرف وتنكر. وَقَالَ مرّة: ثِقَة. وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 627 النَّسَائِيّ فِي «سنَنه الْكُبْرَى» : لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَقَالَ ابْن عدي: حدث بأَشْيَاء لَا يُتَابع عَلَيْهَا. قلت: لَكِن تَابع عبد الْأَعْلَى السديُّ فَرَوَاهُ، عَن عبد خير، عَن عَليّ مَرْفُوعا: «إِذا زنت إماؤكم فأقيموا عَلَيْهِنَّ الْحُدُود أحصن أَو لم يحصن» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه خطب فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، أقِيمُوا الْحُدُود عَلَى أرقائكم من أحصن مِنْهُم وَمن لم يحصن، فَإِن أمة لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زنت فَأمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أجلدها، فأتيتها فَإِذا هِيَ حَدِيثَة عهد بنفاس، فَخَشِيت إِن أَنا جلدتها أَن أقتلها، فَذكرت ذَلِك للنَّبِي «فَقَالَ) أَحْسَنت، حَتَّى تماثل» . وَأغْرب الْحَاكِم فاستدرك هَذَا الحَدِيث عَلَى مُسلم وَهُوَ فِيهِ. وَفِي «مُسْند أَحْمد» من رِوَايَة ابْنه عبد الله، عَن عَلّي قَالَ: «أَرْسلنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أمة لَهُ سَوْدَاء زنت ... » الحَدِيث، وَفِي آخِره: «فاجلدها خمسين» . الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا زنت أمة أحدكُم فَتبين زنَاهَا فليجلدها وَلَا تَثْرِيب عَلَيْهَا، ثمَّ إِن زنت فليجلدها الْحَد وَلَا تَثْرِيب عَلَيْهَا، فَإِن زنت الثَّالِثَة فَتبين زنَاهَا فليبعها وَلَو بِحَبل من شعر» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 628 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فليحدها وَلَا يعيِّرها ثَلَاث (مرار) فَإِن عَادَتْ فِي الرَّابِعَة فليجلدها وليبعها بضفير أَو بِحَبل من شعر» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قَالَ فِي كل مرّة فليضربها، كتاب الله، وَلَا تَثْرِيب عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي الرَّابِعَة: فَإِن عَادَتْ فليضربها، كتاب الله، ثمَّ ليبعها وَلَو بِحَبل من شعر» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْأمة إِذا زنت، وَلم تحصن. قَالَ: إِن زنت فاجلدوها، وَإِن زنت فاجلدوها، ثمَّ إِن زنت فاجلدوها، ثمَّ [بيعوها] وَلَو بضفير (قَالَ [ابْن شهَاب] : لَا أَدْرِي أبعد الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة. قَالَ [ابْن شهَاب] : والضفير) الْحَبل» . فَائِدَة: «التثريب» : بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم) ، أَي: لَا توبيخ، وَلَا لوم. قَالَ الْخطابِيّ: وَمَعْنى لَا يثرب: لَا يقْتَصر عَلَى التثريب. وَحَكَى الرَّافِعِيّ قَوْلَيْنِ فِيهِ، أَحدهمَا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 629 أَنه لَا يوبخها وَلَا يعيرها وَهَذَا مَا رَجحه غَيره. ثَانِيهمَا: لَا يُبَالغ فِي جلدهَا حَتَّى يدميها. وَهَذَا مَأْخُوذ من الثريب - بالثاء الْمُثَلَّثَة - وَهُوَ يتحتم يَعْنِي (الْإِيذَاء) أَي لَا تبالغ فِي الضَّرْب (بِحَيْثُ) يَنْتَهِي (إِلَى التثريب) قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يتَعَرَّض (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي حَقّهَا للتغريب بل قَالَ: فليجلدها الْحَد» وَلم يتَعَرَّض) لغيره، وَهُوَ كَمَا قَالَ. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بالغامدية فرجمت، وصلَّى عَلَيْهَا، ودفنت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهَذَا لَفظه: «ثمَّ أَمر بهَا فَصَلى عَلَيْهَا، ودفنت» . فَائِدَة: قَوْله: «فَصَلى عَلَيْهَا» (قَالَ القَاضِي عِيَاض) : هُوَ بِفَتْح الصَّاد وَاللَّام عِنْد جَمَاهِير رُوَاة مُسلم. قَالَ: وَعند الطَّبَرَانِيّ بِالضَّمِّ، قَالَ: وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة، وَأبي دَاوُد. قَالَ: وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَأَمرهمْ أَن يصلوا عَلَيْهَا» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَصْحَابه أَن يصلوا عَلَى الجهنيَّة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 630 قلت: الَّذِي جَاءَ فِي قصَّتهَا «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صَلَّى (عَلَيْهَا) أَيْضا صَرِيحًا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل، وَهَذَا لفظ مُسلم من حَدِيث عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «ثمَّ أَمر بهَا فرجمت ثمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، قَالَ عمر: أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقد زنت؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لقد تابت تَوْبَة لَو قسمت بَين سبعين من أهل الْمَدِينَة لوسعتهم» . وَلَو ذكر الرَّافِعِيّ هَذَا عَلَى الْعَكْس لَكَانَ (الْعَكْس) أصوب لما تقدم من الِاخْتِلَاف فِي الأول. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ من الْأَحَادِيث فِي الْبَاب، وَذكر الرَّافِعِيّ بعد الحَدِيث الثَّالِث عشر أَن الْخَبَر ورد بِنَفْي المخنثين، قَالَ: وَهُوَ تَعْزِير. وَهُوَ كَمَا قَالَ ( ... بِكَسْر النُّون عَلَى الْأَفْصَح وَيجوز فتحهَا) وَهَذَا الْخَبَر أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء، والمتشبهات (من النِّسَاء بِالرِّجَالِ) » . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لعن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - المخنثين من الرِّجَال، (والمترجلات) من النِّسَاء، وَقَالَ: (أخرجوهن) من بُيُوتكُمْ. (قَالَ) : فَأخْرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فلَانا، وَأخرج (عمر) (فُلَانَة) » . وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 631 رِوَايَة (لَهُ) : « (أخرجوهنَّ) من بُيُوتكُمْ. وَأخرج فلَانا، وَأخرج (فلَانا) » وَأخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أم سَلمَة: «لَا يدخلن هَؤُلَاءِ عَلَيْكُم» وَمن حَدِيث عَائِشَة: «لَا يدخلن عليكن. قَالَت: فحجبوه» . وَفِي البُخَارِيّ أَن اسْمه «هيت» وَأخرجه أَبُو دَاوُد، من حَدِيث أبي يسَار الْقرشِي، عَن أبي هَاشم، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتي بمخنثٍ قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا بَال هَذَا؟ فَقيل: يَا رَسُول الله، يتشبه بِالنسَاء. فَأمر بِهِ فنفي إِلَى النقيع. قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَلا نَقْتُلهُ. قَالَ: إِنِّي نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين» . قَالَ أَبُو أُسَامَة: و «النقيع» بالنُّون: نَاحيَة عَن الْمَدِينَة، وَلَيْسَ بِالبَقِيعِ. قلت: وَأَبُو يسَار هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول. وَاعْتَرضهُ صَاحب «الْمِيزَان» فَقَالَ: رَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث، وَهَذَا شيخ لَيْسَ بضعيف، وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق مفضَّل بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَنهُ، والمفضَّل هَذَا كُوفِي مَاتَ شابًّا، تفرد بِهَذَا، وَقد وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم. قلت: لَكِن أَبُو هَاشم الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة نكرَة لَا يعرف كَمَا نصَّ عَلَيْهِ هُوَ. وَقيل: إِنَّه ابْن عمّ أبي هُرَيْرَة وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» ، (من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 632 حَدِيث) ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد، عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة قَالَ: «كَانَ المخنثون عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَلَاثَة: ماتع، وَهدم، وهيت، وَكَانَ ماتع لفاختة بنت عَمْرو بن عَائِذ خَالَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَمَنعه عَلَيْهِ السَّلَام من الدُّخُول عَلَى نِسَائِهِ وَلَا الْمَدِينَة، ثمَّ اسْتثْنى لَهُ يَوْمًا فِي الْجُمُعَة يسْأَل ثمَّ يذهب، فَلم يزل كَذَلِك عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - و (أبي) بكر، وَعَلَى عهد عمر، وَنفي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَاحبه هدم، وَالْآخر هيت» . وفيهَا أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: أخرجُوا المخنثين من بُيُوتكُمْ فَأخْرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مخنثًا، وَأخرج عمر مخنثًا» . قَالَ: وأبنا معمر، عَن أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة قَالَ: «أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِرَجُل من المخنثين فَأخْرج من الْمَدِينَة، وَأمر أَبُو بكر بِرَجُل مِنْهُم فَأخْرج أَيْضا» . فَائِدَة: الْأَشْهر كَمَا قَالَ القَاضِي أَن اسْم المخنث السالف هيت بِالتَّاءِ فِي آخِره وَقبلهَا مثناة تَحت، وَقيل: صَوَابه بنُون ثمَّ بَاء مُوَحدَة. قَالَه ابْن درسْتوَيْه، وَقَالَ: إِن مَا سواهُ تَصْحِيف. قَالَ: والهنب: الأحمق. وَقيل: ماتع بِالْمُثَنَّاةِ فَوق، وَجَاء فِي حَدِيث أَنه غربه مَعَ هيت إِلَى الْحمى، ذكره الْوَاقِدِيّ، وَذكره أَبُو مَنْصُور الرَّمَادِي بِنَحْوِ هَذِه الْحِكَايَة عَن مخنث كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ: أنّه، وَذكر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَفَاهُ إِلَى حَمْرَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 633 الْأسد، وَحَكَى الْمُنْذِرِيّ عَن بَعضهم أَن هيتًا وماتعًا وأنّه أَسمَاء لثَلَاثَة من المخنثين كَانُوا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَلم يَكُونُوا يرْمونَ بالفاحشة الْكُبْرَى، وَإِنَّمَا (كَانَ) بهم لين فِي القَوْل، وخضاب فِي الْأَيْدِي والأرجل. قلت: وَفِي الطَّبَرَانِيّ أَيْضا أَنه نَفَى الخنِّثية، رَوَاهُ من حَدِيث عَنْبَسَة بن سعيد - وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، ضعفه ابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد - عَن حَمَّاد مولَى بني أُميَّة - وَقد تَركه الْأَزْدِيّ - عَن جنَاح مولَى الْوَلِيد، عَن وَاثِلَة قَالَ: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - المخنثين من الرِّجَال، والمترجلات من النِّسَاء، وَقَالَ: أخروجهم من بُيُوتكُمْ. فَأخْرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الخنثية، وَأخرج (عمر) فلَانا» . وَذكر فِيهِ من الْآثَار عشرَة آثَار: أَحدهَا: سُئِلَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن الْأمة هَل تحصن الْحر؟ قَالَ: نعم، قيل: عَمَّن؟ قَالَ: أدركنا أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُولُونَ ذَلِك» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين: أَحدهمَا: من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: «سَأَلَ عبد الْملك بن مَرْوَان عبد الله بن عتبَة عَن الْأمة هَل تحصن الْحر؟ قَالَ: نعم. قَالَ: (عمَّن) تروي هَذَا؟ قَالَ: أدركنا أَصْحَاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 634 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُولُونَ ذَلِك» . الثَّانِي: من طَرِيق ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب «أَنه سمع عبد الْملك يسْأَل عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة ... » فَذكره (مثل) الأول سَوَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى أَنه قَالَ: وجدت الْأَوْزَاعِيّ قد تَابع يُونُس فهما إِذا أولَى. الْأَثر الثَّانِي: «أَن أمة لِابْنِ عمر زنت فجلدها وغربها إِلَى فدك» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فَقَالَ: رَوَى ابْن الْمُنْذر صَاحب «الخلافيات» عَن (عبد الله) بن عمر «أَنه حد مَمْلُوكَة لَهُ فِي الزِّنَا ونفاها إِلَى فدك» . فَائِدَة: فَدَك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة، قَرْيَة بِنَاحِيَة الْحجاز قَالَه المطرزي فِي «الْمغرب» قَالَ الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» : وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة يَوْمَانِ. وَأطَال فِي تَعْرِيفهَا بِمَا هُوَ لَائِق بمحله، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هِيَ مَدِينَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مرحلتان، وَقيل: ثَلَاث. الْأَثر الثَّالِث: «أَن عمر رضى الله عَنهُ غرب إِلَى الشَّام» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفظه: «وَكَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 635 يَنْفِي من الْمَدِينَة إِلَى الْبَصْرَة» وأصل تغريبه ثَابت فِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» ، و «سنَن النَّسَائِيّ» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضرب وَغرب، وَأَن أَبَا بكر ضرب وَغرب، وَأَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ضرب وَغرب» هَذَا لفظ إِحْدَى روايتي التِّرْمِذِيّ، وَلم يذكر الْحَاكِم أَبَا بكر، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاده مَا فِيهِ من يسْأَل عَنهُ لثقتهم وشهرتهم، وَعِنْدِي أَنه صَحِيح. قَالَ ذَلِك بعد قَول الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب عَن ابْن عمر فِي هَذَا الحَدِيث أَن أَبَا بكر وَلَيْسَ فِيهِ ذكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الْأَثر الرَّابِع: «أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه غرب إِلَى مصر» . وَهَذَا غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. الْأَثر الْخَامِس: أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «يرْجم اللوطي» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن فعل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من طرق «أَنه رجم لوطيًّا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ مُحصنا» . قَالَ ابْن الطلاع: وَيروَى «أَنه هدم عَلَيْهِمَا حَائِطا» . الْأَثر السَّادِس: «أَن رجلا قَالَ: إِنِّي زَنَيْت البارحة فَسئلَ، فَقَالَ: مَا علمنَا أَن الله حرمه. فَكتب بذلك إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَكتب عمر: إِن كَانَ علم أَن الله حرمه فحدوه، فَإِن لم يعلم فأعلموه، فَإِن عَاد فارجموه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 636 وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحِيم [الجوبري] فِي «فَوَائده» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: سمع عَمْرو - يَعْنِي ابْن دِينَار - سعيد بن الْمسيب يَقُول: «ذكر الزِّنَا بِالشَّام فَقَالَ رجل: قد زَنَيْت البارحة. فَقَالُوا: مَا تَقول؟ فَقَالَ: أَو حرمه الله! مَا علمت أنَّ اللَّه حرَّمَه. فَكتب إِلَى عمر (فَكتب) : إِن كَانَ علم أَن الله حرمه فحدوه، وَإِن لم يكن علم فعلِّموه، فَإِن عَاد فحدوه» وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ من رِوَايَة بكر بن عبد الله عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كتب إِلَيْهِ فِي رجل قيل لَهُ: مَتى عَهْدك بِالنسَاء؟ فَقَالَ: البارحة. قيل: بِمن؟ قَالَ: أم مثواي. فَقيل لَهُ: قد هَلَكت. قَالَ: مَا علمت (أَن الله) حرم الزِّنَا. (فَكتب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن يسُتحلف مَا علم أَن الله حرم الزِّنَا) ثمَّ يُخلى سَبيله» . (و) قَوْله: أم مثواي يَعْنِي ربة الْمنزل. الْأَثر السَّابِع: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قطع عبدا لَهُ سرق» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا هشيم، أبنا ابْن (أبي لَيْلَى) عَن نَافِع «أَن غُلَاما لِابْنِ عمر أبق فَسرق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 637 فِي إباقه فَأتي بِهِ ابْن عمر، فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: (لن ينجيك) إباقك من حد من حُدُود الله. قَالَ: فَقَطعه» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن نَافِع «أَن عبدا لِابْنِ عمر سرق وَهُوَ آبق، فَأرْسل بِهِ عبد الله إِلَى سعيد بن الْعَاصِ - وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة - لتقطع يَده، فَأَبَى سعيد أَن تقطع يَده، وَقَالَ: لَا تقطع يَد (الْآبِق) إِذا سرق. فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: فِي أَي كتاب الله وجدت هَذَا؟ ! فَأمر بِهِ ابْن عمر فَقطعت يَده» . وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» عَن معمر، عَن أَيُّوب (السّخْتِيَانِيّ) عَن نَافِع «أَن عمر قطع يَد غُلَام لَهُ سرق، وَجلد عبدا لَهُ زنا من غير أَن يرفعهما» . قَالَ: وثنا (عبيد الله) بن عمر بن (حَفْص) بن عَاصِم، عَن نَافِع قَالَ: «أبق غُلَام لِابْنِ عمر، فَمر عَلَى غلمة لعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، فَسرق مِنْهُم جرابًا فِيهِ تمر وَركب حمارا لَهُم فَأتي بِهِ ابْن عمر، فَبعث بِهِ إِلَى ابْن الْعَاصِ - وَهُوَ أَمِير عَلَى الْمَدِينَة - فَقَالَ سعيد: لَا تقطع (يَد) آبق. فَأرْسلت إِلَيْهِ عَائِشَة: إِن غلمتي غلمتك، وَإِنَّمَا جَاع وَركب الْحمار ليتبلغ عَلَيْهِ فَلَا تقطعه. فَقَطعه ابْن عمر» . الْأَثر الثَّامِن: «أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قطعت أمة لَهَا سرقت» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 638 هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ لكنهما قَالَا: «غُلَاما لبني عبد الله بن أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» بدل «أمة» وَهَذَا لَفْظهمَا: عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَنَّهَا قَالَت: «خرجت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها إِلَى مَكَّة وَمَعَهَا مولاتان، وَمَعَهَا غُلَام لبني عبد الله بن أبي بكر الصّديق [فَبعثت] مَعَ المولاتين ببردٍ مراجل قد خيط عَلَيْهِ (خرقَة خضراء) قَالَت: فَأخذ الْغُلَام الْبرد (ففتق) عَنهُ واستخرجه وَجعل مَكَانَهُ لبدًا أَو فَرْوَة وخاط عَلَيْهِ، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة رفعنَا ذَلِك إِلَى أَهله (فَلَمَّا) فتقوا عَنهُ وجدوا فِيهِ اللبد وَلم يَجدوا الْبرد، فَكَلَّمُوا المولاتين فكلمتا عَائِشَة - أَو كتب إِلَيْهَا - واتهما العَبْد، فَسئلَ العَبْد عَن ذَلِك فاعترف، فَأمرت بِهِ عَائِشَة فَقطعت يَده، وَقَالَت عَائِشَة: الْقطع فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا» . الْأَثر التَّاسِع: «أَن حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قتلت أمة لَهَا سحرتها» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة أَنه بلغه «أَن حَفْصَة زوج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قتلت جَارِيَة لَهَا سحرتها - وَكَانَت قد دبرتها - (فَأمرت) بهَا فقتلت» . وَرَوَاهُ عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 639 الرَّزَّاق عَن عبد الله [أَو] عبيد الله بن عمر [عَن] (نَافِع) عَن ابْن عمر قَالَ: «إِن جَارِيَة لحفصة سحرتها فَاعْترفت بذلك فَأمرت بهَا عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب فَقَتلهَا، فَأنْكر ذَلِك (عَلَيْهَا) عُثْمَان بن عَفَّان، فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: مَا تنكر عَلَى أم الْمُؤمنِينَ؟ امْرَأَة سحرت وَاعْتَرَفت» . الْأَثر الْعَاشِر: «أَن فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها جلدت أمة لَهَا زنت» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَلّي «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حدت جَارِيَة لَهَا زنت» وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن وهب، عَن ابْن جريج، أَن عَمْرو بن دِينَار أخبرهُ «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله كَانَت تجلد وليدتها خمسين إِذا زنت» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 640 كتاب حد الْقَذْف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 641 كتاب حد الْقَذْف ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثا وأثرين: أما الحَدِيث: فَهُوَ مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: «اجتنبوا السَّبع الموبقات. قيل: وَمَا هن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الشّرك بِاللَّه، وَالسحر، وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأكل مَال الْيَتِيم، وَالزِّنَا، والتولي يَوْم الزَّحْف، وَقذف الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «من أَقَامَ (الصَّلَوَات) الْخمس، واجتنب السَّبع الْكَبَائِر نُودي يَوْم الْقِيَامَة، ليدْخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شَاءَ» وَذكر من السَّبع قذف الْمُحْصنَات. قلت: هَذِه الرِّوَايَة قد أخرجهَا بِنَحْوِ ذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن أَحْمد بن دَاوُد الْمَكِّيّ، ثَنَا الْعَبَّاس بن الْفضل الْأَزْرَق، ثَنَا حَرْب بن شَدَّاد، عَن يَحْيَى بن (أبي) كثير، عَن عبد الحميد بن سِنَان أَنه حَدثهُ (عبيد) بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي حجَّة الْوَدَاع: «إِن أَوْلِيَاء الله المصلون، وَمن يقم الصَّلَوَات الْخمس الَّتِي كتبهن الله عَلَى عباده، ويصوم رَمَضَان، ويحتسب صَوْمه، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 643 ويؤتي الزَّكَاة طيبَة بهَا نَفسه محتسبًا، ويجتنب الْكَبَائِر الَّتِي نهَى الله عَنْهَا، فَقَالَ رجل من أَصْحَابه: وَكم الْكَبَائِر يَا رَسُول الله؟ (قَالَ) : هِيَ (سَبْعَة) ، أعظمهن الْإِشْرَاك بِاللَّه، وَقتل الْمُؤمن بِغَيْر حق، والفرار (من) الزَّحْف، وَقذف (الْمُحْصنَات) ، وَالسحر، وَأكل مَال الْيَتِيم، وَأكل الرِّبَا، وعقوق الْوَالِدين الْمُسلمين، وَاسْتِحْلَال الْبَيْت الْحَرَام قبلتكم أَحيَاء وأمواتًا، لَا يَمُوت رجل لم يعْمل هَؤُلَاءِ الْكَبَائِر، وَيُقِيم الصَّلَاة، ويؤتي الزَّكَاة إِلَّا رافق مُحَمَّدًا (فِي بحبوحة جنَّة أَبْوَابهَا مصاريع الذَّهَب» . وَالْعَبَّاس بن الْفضل الْمُتَقَدّم قَالَ البُخَارِيّ: ذهب حَدِيثه، وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» نَحوه أَيْضا إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ «قذف الْمُحْصنَات» وَلَا «أَن الْكَبَائِر سبعا» هَذَا لَفظه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: «من جَاءَ يعبد الله (لَا) يُشْرك بِهِ شَيْئا، وَيُقِيم الصَّلَاة، ويؤتي الزَّكَاة، ويجتنب الْكَبَائِر كَانَ لَهُ الْجنَّة. فَسَأَلُوهُ عَن الْكَبَائِر، فَقَالَ: الْإِشْرَاك بِاللَّه، وَقتل النَّفس الْمسلمَة، والفرار يَوْم الزَّحْف» . وَأما الْأَثر الأول فَهُوَ: عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: «أدْركْت أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان، وَمن بعدهمْ من الْخُلَفَاء، فَلم أرهم يضْربُونَ الْمَمْلُوك إِذا قذف إِلَّا أَرْبَعِينَ سَوْطًا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 644 وَهُوَ أثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور لكنه لم يذكر أَبَا بكر، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق آخر كَمَا ذكره المُصَنّف، وَرُوِيَ عَن عَلّي مثل ذَلِك بِإِسْنَادِهِ. وَأما الْأَثر الثَّانِي فَهُوَ: أَنه رُوِيَ «أَنه شهد عِنْد عمر عَلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِالزِّنَا، أَبُو بكرَة وَنَافِع ونفيع وَلم يُصَرح بِهِ زِيَاد - وَكَانَ رابعهم - فجلد عمر الثَّلَاثَة، وَكَانَ بِمحضر من الصَّحَابَة وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد» . هَذَا الْأَثر إِيرَاده هَكَذَا غَرِيب؛ فَإِن نفيعًا هُوَ اسْم أبي بكرَة، وَصَوَابه مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق (قسَامَة) بن زُهَيْر قَالَ: «لما كَانَ من شَأْن أبي بكرَة والمغيرة مَا كَانَ ... » وَذكر الحَدِيث قَالَ: «فَدَعَا الشُّهُود فَشهد أَبُو بكرَة وشبل بن معبد وَأَبُو عبد الله نَافِع، فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه حِين شهد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، شقّ عَلَى عمر شَأْنه، فَلَمَّا (قَامَ) زِيَاد قَالَ: إِن تشهد إِن شَاءَ الله إِلَّا بِحَق. قَالَ زِيَاد: أما الزِّنَا فَلَا أشهد بِهِ، وَلَكِن رَأَيْت أمرا قبيحًا. فَقَالَ عمر: الله أكبر، حدوهم (فجلدهم) قَالَ: فَقَالَ أَبُو بكرَة بَعْدَمَا ضربه: أشهد أَنه زَان. فهم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن يُعِيد عَلَيْهِ الْحَد، فَنَهَاهُ عَلّي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 645 رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقَالَ: إِن جلدت فارجم صَاحبك. فَتَركه وَمَا جلده» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن سعيد (عَن) قَتَادَة «أَن أَبَا بكرَة وَنَافِع بن الْحَارِث بن كلدة وشبل بن معبد شهدُوا عَلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنهم رَأَوْهُ يولجه ويخرجه، وَكَانَ زِيَاد رابعهم وَهُوَ الَّذِي أفسد (عَلَيْهِم) وَأما الثَّلَاثَة فَشَهِدُوا بذلك، فَقَالَ أَبُو (بكرَة) وَالله لكَأَنِّي ثَائِر فِي فَخذهَا. فَقَالَ عمر حِين رَأَى زيادًا: إِنِّي لأرَى غُلَاما كيسًا لَا يَقُول إِلَّا (جدًّا) وَلم يكن ليكتمني شَيْئا. فَقَالَ زِيَاد: لم أر مَا قَالَ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنِّي رَأَيْت رِيبَة وَسمعت نفسا عَالِيا. قَالَ: فجلدهم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وخلى عَن زِيَاد» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رَوَيْنَاهُ من وَجه آخر مَوْصُولا. قَالَ: وَفِي رِوَايَة (ابْن) زيد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة «أَن أَبَا بكرَة وزيادًا ونافعًا وشبل بن معبد كَانُوا فِي غرفَة والمغيرة فِي أَسْفَل الدَّار (فَهبت) ريح ففتحت الْبَاب وَرفعت السّتْر، فَإِذا الْمُغيرَة بَين رِجْلَيْهَا، فَقَالَ بَعضهم: قد ابتلينا ... » فَذكر الْقِصَّة، قَالَ: «فَشهد أَبُو بكرَة وَنَافِع وشبل، وَقَالَ (زِيَاد) : لَا أَدْرِي نَكَحَهَا أم لَا. فجلدهم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَّا زيدا، فَقَالَ أَبُو بكرَة: أَلَيْسَ (قد) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 646 (جلدتموني) قَالَ: (بلَى. قَالَ) : فَأَنا أشهد بِاللَّه لقد فعل. فَأَرَادَ عمر أَن يجلده أَيْضا. فَقَالَ عَلّي: إِن كَانَت شَهَادَة أبي بكرَة بِشَهَادَة رجلَيْنِ فارجم صَاحبك، وَإِلَّا فقد جلدتموه - يَعْنِي لَا يجلد ثَانِيًا بِإِعَادَة الْقَذْف» . وَفِي رِوَايَة لِلْحَافِظِ أبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: «شهد أَبُو بكرَة وَنَافِع - يَعْنِي ابْن عَلْقَمَة - وشبل بن معبد عَلَى الْمُغيرَة أَنهم نظرُوا كَمَا ينظرُونَ المرود فِي المكحلة، فجَاء زِيَاد، فَقَالَ عمر: رجل لَا يشْهد إِلَّا بِالْحَقِّ. فَقَالَ: رَأَيْت مَجْلِسا قبيحًا وابتهارًا فجلدهم عمر الْحَد» . قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم: [هم] الْأَرْبَعَة الَّذين شهدُوا عَلَى الْمُغيرَة إخْوَة لأم اسْمهَا [سميَّة] وَرَأَيْت ذَلِك فِي «مَعْرفَته» فِي تَرْجَمَة شبْل بن معبد أَنهم أَرْبَعَة إخْوَة لأم، وَذكر الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» قصَّة الْمُغيرَة مستوفاة من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن أبي بكرَة وَذكر فِيهِ أَن الشُّهُود شبْل بن معبد ونافعًا وَأَبا بكرَة وزيادًا، كَمَا سلف فِي رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ، وَزَاد: «أَن الْمَرْأَة يُقَال لَهَا: أم جميل» . وَفِي البُخَارِيّ طَرِيق من هَذِه الْقِصَّة فِي الشَّهَادَات فَقَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 647 «وَجلد عمر أَبَا بكرَة وشبل بن معبد ونافعًا» . كَمَا سلف فِي رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ، وَزَاد: «أَن الْمَرْأَة يُقَال لَهَا: أم جميل. فقذف الْمُغيرَة ثمَّ استتابهم، وَقَالَ: من تَابَ قبلت شَهَادَته» . تَنْبِيه: الصَّحَابَة كلهم عدُول أَي مجردها كَافِيَة عَن عدالتهم إِنَّهَا من تحقق قيام الْمَانِع، والمغيرة كَانَ يرَى نِكَاح السِّرّ وَفعله فِي هَذِه الْقِصَّة بعد شَهَادَتهم قيل: وَمَا تفعل؟ قَالَ: أقيم الْبَيِّنَة أَنَّهَا زَوْجَتي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 648 كتاب حد السّرقَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 649 كتاب حد السّرقَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فسبعة عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تقطع الْيَد فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا» . وَيروَى: «لاتقطع إِلَّا فِي ربع دِينَار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» فَفِي لفظ: «لَا تقطع يَد السَّارِق إِلَّا فِي ربع دِينَار» وَفِي لفظ آخر « (كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) لم تقطع يَد السَّارِق عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أدنَى من ثمن المجنّ - تُرس أَو حجفة - وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا ذُو ثمن» وَفِي لفظ لمُسلم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا تقطع الْيَد إِلَّا فِي ربع دِينَار فَمَا فَوْقه» وَفِي لفظ النَّسَائِيّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا تقطع الْيَد إِلَّا فِي ثمن الْمِجَن، ثلث دِينَار أَو نصف دِينَار فَصَاعِدا» وَأما حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه رَفعه: «لَا تقطع الْيَد إِلَّا فِي عشرَة دَرَاهِم» فضعيف جدًّا، وَمِمَّنْ بَين وهنه: ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 651 الحَدِيث الثَّانِي «أَن صَفْوَان بن أُميَّة نَام فِي الْمَسْجِد فتوسد رِدَاءَهُ فجَاء سَارِق فَأَخذه من تَحت رَأسه، فَأخذ صَفْوَان السَّارِق وَجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمر بِقطع يَده، فَقَالَ صَفْوَان: إِنِّي لم أرد هَذَا يَا رَسُول الله، وَهُوَ عَلَيْهِ صَدَقَة. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هلا كَانَ قبل أَن تَأتِينِي بِهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» بِأَلْفَاظ مُتَغَايِرَة، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ رِوَايَة الشَّافِعِي سَوَاء وَنَحْوه رِوَايَة مَالك وَابْن مَاجَه، وَفِي رِوَايَة «أَن الرِّدَاء يُسَاوِي ثَلَاثِينَ [درهما] » رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو داو وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم، وَفِي روايتهم فَقَالَ: «أتقطعه من أجل ثَلَاثِينَ [درهما] إِنَّمَا أبيعه وأنسئه ثمنهَا. قَالَ: فَهَلا كَانَ هَذَا قبل أَن تَأتِينِي بِهِ» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ عبد الْحق: لَا نعلم يتَّصل من وَجه يحْتَج بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: سَببه أَن فِي بعض أسانيده حميد ابْن أُخْت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 652 صَفْوَان وَلَا يعرف فِي غير هَذَا، وَفِي بعض طرقه عَن عبد الْملك بن أبي بشير، عَن عِكْرِمَة، عَن صَفْوَان، وَلَا نَعْرِف أَن عِكْرِمَة سَمعه من صَفْوَان، وَإِنَّمَا يرويهِ عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي بَعْضهَا عَن طَاوس، عَن صَفْوَان، وَقد قَالَ الْبَزَّار: إِن طاوسًا رَوَاهُ مُرْسلا. لَكِن قَالَ ابْن عبد الْبر: إِن سَماع طَاوس من صَفْوَان مُمكن؛ لِأَنَّهُ أدْرك زمَان عُثْمَان وَقَالَ طَاوس: أدْركْت سبعين شَيخا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مَالك ثمَّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن طَاوس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمثل حَدِيث مَالك، قَالَ: هَذَا الْمُرْسل يُقَوي الأول. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن سُفْيَان بِإِسْنَاد مَوْصُول فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ بِصَحِيح. قلت: فِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِقطع هَذَا السَّارِق من الْمفصل» لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف فِيهِ الْعَرْزَمِي الْمَتْرُوك، وَغَيره. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن التَّمْر الْمُعَلق فَقَالَ: من سرق مِنْهُ شَيْئا بعد أَن يئويه الجرين فَبلغ ثمن الْمِجَن فَعَلَيهِ الْقطع» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 653 الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن التَّمْر الْمُعَلق فَقَالَ: مَا أصَاب بِفِيهِ من ذِي حَاجَة غير متخذ خبنة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَمن خرج مِنْهُ بِشَيْء فَعَلَيهِ غَرَامَة مثلَيْهِ والعقوبة، وَمن سرق مِنْهُ شَيْئا بعد أَن يئويه الجرين فَبلغ ثمن الْمِجَن فَعَلَيهِ الْقطع، وَمن سرق دون ذَلِك فَعَلَيهِ غَرَامَة [مثلَيْهِ] والعقوبة» وَأخرج التِّرْمِذِيّ الْقطعَة الأولَى ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ «فِي كم تقطع الْيَد؟ قَالَ: لَا تقطع فِي ثَمَر مُعَلّق، فَإِذا ضمه الجرين قطعت فِي ثمن الْمِجَن، وَلَا تقطع فِي حريسة الْجَبَل، فَإِذا (ضمهَا) المراح قطعت فِي ثمن الْمِجَن» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رجلا من مزينة أَتَى الرَّسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: [يَا] رَسُول الله، كَيفَ ترَى فِي حريسة الْجَبَل؟ قَالَ: هِيَ وَمثلهَا والنكال، وَلَيْسَ فِي شَيْء من الْمَاشِيَة قطع إِلَّا فِيمَا آواه المراح فَبلغ ثمن الْمِجَن فَفِيهِ قطع الْيَد، وَمَا لم يبلغ ثمن الْمِجَن فَفِيهِ غَرَامَة مثلَيْهِ وجلدات النكال. قَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ ترَى فِي الثَّمر الْمُعَلق؟ قَالَ: هُوَ وَمثله مَعَه والنكال، وَلَيْسَ فِي شَيْء من التَّمْر الْمُعَلق قطع إِلَّا فِيمَا آواه الجرين، فَمَا أَخذ من الجرين فَبلغ ثمن الْمِجَن فَفِيهِ الْقطع، وَمَا لم يبلغ ثمن الْمِجَن فَفِيهِ غَرَامَة [مثلَيْهِ] » ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا بِلَفْظ: «أَن رجلا من مزينة سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 654 عَن الثِّمَار، فَقَالَ: مَا أَخذ فِي أكمامه فَاحْتمل (قِيمَته) وَمثله مَعَه، وَمَا كَانَ فِي الجران فَفِيهِ الْقطع إِذا بلغ ذَلِك ثمن الْمِجَن، وَإِن أكل وَلم يَأْخُذ فَلَيْسَ عَلَيْهِ. قَالَ: الشَّاة الحريسة مِنْهُنَّ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: ثمنهَا وَمثله مَعَه والنَّكال، وَمَا كَانَ فِي المراح فَفِيهِ الْقطع إِذا كَانَ مَا يَأْخُذ من ذَلِك ثمن الْمِجَن» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِلَفْظ النَّسَائِيّ السالف الطَّوِيل، ثمَّ قَالَ: هَذِه سنة تفرد بهَا عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد عَن جده عبد الله بن عَمْرو، وَقد رويت عَن إمامنا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي أَنه قَالَ: إِذا كَانَ الرَّاوِي عَن عَمْرو بن شُعَيْب ثِقَة، فَهُوَ كأيوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: قَالَ ابْن عبد الْبر فِي قَول «غَرَامَة مثلَيْهِ» : إِنَّه مَنْسُوخ لَا نعلم أحدا من الْفُقَهَاء قَالَ بِهِ، إِلَّا مَا جَاءَ عَن عمر فِي رَقِيق حَاطِب بن أبي بلتعة [حِين انتحروا نَاقَة رجل من مزينة] وَرِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد، وَيحمل هَذَا عَلَى الْعقُوبَة وَالتَّشْدِيد، وَالَّذِي عَلَيْهِ النَّاس الْعقُوبَة فِي الْغرم بِالْمثلِ؛ لقَوْله تَعَالَى: (فَمن اعْتَدَى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) ، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا يحْتَج الْعلمَاء بِهِ، ويطعنون فِي إِسْنَاده، وَلَا سِيمَا مَا فِيهِ مِمَّا يَدْفَعهُ الْإِجْمَاع من غرم المثلين. ثَانِيهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: كَانَ ثمن الْمِجَن عِنْدهم ربع دِينَار ثَلَاثَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 655 دَرَاهِم. وَهُوَ كَمَا قَالَ: فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قطع فِي مجن قِيمَته ربع دِينَار» وَفِي لفظ «ثمنه ثَلَاثَة دَرَاهِم» وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَن الْقدر كَانَ ربع دِينَار، وَمَا رُوِيَ «أَن ثمنه عشرَة أَو خَمْسَة» فواه. ثَالِثهَا: الخبنة - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة -: مَا تحمله فِي حضنك. وَقيل: هُوَ أَن تَأْخُذ فِي جيب ثَوْبك وَهُوَ ذيله وأسفله. و «الجرين» مَوضِع التَّمْر الَّذِي يجفف فِيهِ. و «حريسة الْجَبَل» مِنْهُم من جعلهَا السّرقَة نَفسهَا، قَالَ: حرس يحرس حرسًا إِذا سرق، وَمِنْهُم [من] جعلهَا المحروسة يَعْنِي فِيمَا يحرس بِالْجَبَلِ، إِذا سرق قطع؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِموضع حرز، وحريسة الْجَبَل (أَيْضا السَّائِمَة الَّتِي يُدْرِكهَا اللَّيْل قبل أَن تصل إِلَى مأواها، وَبِهَذَا جزم الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب حَيْثُ قَالَ: حريسة الْجَبَل) مَا يسرق من الْجَبَل من الْمَوَاشِي، وَيُقَال: إِن سارقها يُسمى حارسًا. وصحفه بعض شُيُوخنَا فَذكر لفظ الحَدِيث بِلَفْظ «وَلَا فِي خريسة جبل ثمَّ قَالَ: والخريسة - بخاء مُعْجمَة -: المسروقة يَعْنِي المخروسة، ثمَّ ذكر مَادَّة خرس فاحذر ذَلِك. و «المُراح» بِضَم الْمِيم -: الْموضع الَّذِي تأوي إِلَيْهِ الْمَاشِيَة لَيْلًا. الحَدِيث الرَّابِع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 656 رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا قطع فِي ثَمَر وَلَا كثر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَأحمد فِي «الْمسند» ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث رَافع بن خديج رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: إِنَّه مُرْسل، وَحدث بِهِ أَيْضا مَوْصُولا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث بَعضهم عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان، عَن رَافع بن خديج مَرْفُوعا، وَلم يذكرُوا فِيهِ وَاسِعًا. قلت: رَوَاهُ مَالك خَارج «موطئِهِ» فَذكر وَاسِعًا كَمَا أَفَادَهُ الْخَطِيب فِي كتاب «من رَوَى عَن مَالك» . وَقَالَ عبد الْحق: رَوَى هَذَا الحَدِيث النَّسَائِيّ عَن سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان، عَن عَمه وَاسع، عَن رَافع، يَعْنِي أَنه وَصله بِزِيَادَة وَاسع وَكَذَا هُوَ فِي «صَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان» ، قَالَ: وَرَوَاهُ غَيره، وَلم يذكر وَاسِعًا، وَلم يُتَابع سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَلَى هَذِه الرِّوَايَة إِلَّا حَمَّاد بن دَلِيل، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن شُعْبَة، عَن يَحْيَى بن سعيد بِمثل رِوَايَة سُفْيَان، وَأما غير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 657 حَمَّاد فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن شُعْبَة، عَن يَحْيَى، وَلم يذكر وَاسِعًا، وَمُحَمّد بن يَحْيَى بن حبَان لم يسمع من رَافع. قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا من عبد الْحق تَرْجِيح رِوَايَة من أرسل عَلَى رِوَايَة [من] وصل، وَإِن كَانَ ثِقَة، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا الحَدِيث تلقت الْعلمَاء مَتنه بِالْقبُولِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ. قلت: وَله شَاهد لَكِن يقوى من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن مَاجَه من حَدِيث سعد بن سعيد المَقْبُري، عَن أَخِيه عبد الله بن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ السالف، وَضعف هَذَا الطَّرِيق الضياء الْمَقْدِسِي لأجل سعد الْمَذْكُور، وَنقل كَلَام ابْن عدي وَابْن حبَان فِيهِ. فَائِدَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: الكثر جمار النّخل وَهُوَ لَحْمه. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَعِنْدَ النَّسَائِيّ: والكثر الْجمار. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَيُقَال: الكثر هُوَ الطّلع. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَمَعْنى الثَّمر فِي الحَدِيث مَا كَانَ مُعَلّقا فِي النّخل قبل أَن يجد ويحوز، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَه الشَّافِعِي، وَقَالَ: حَوَائِط الْمَدِينَة لَيست بحرز، وأكثرها يدْخل من جوانبها، وَمن سرق من حوائطها من ثَمَر مُعَلّق لم يقطع، فَإِذا آواه الجرين قطع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الخلافيات» : قَالَ الشَّافِعِي: احْتج بِهَذَا الحَدِيث بعض النَّاس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 658 فَقَالَ: من هَاهُنَا قُلْنَا: لَا يقطع فِي التَّمْر الرطب. قَالَ الشَّافِعِي: وَالتَّمْر اسْم جَامع للرطب من التَّمْر واليابس من التَّمْر، وَالزَّبِيب. وَغَيره، أفنسقط الْقطع عَمَّن سرق تَمرا فِي بَيت، وَإِنَّمَا أجَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين قَالَ: «لَا قطع فِي تمر وَلَا كثر» عَلَى مثل مَا سُئِلَ عَنهُ، وَكَانَ حيطان الْمَدِينَة لَيْسَ عَلَيْهَا حيطان؛ لِأَنَّهُ يَقُول: «وَإِذا آواه الجرين والمراح فَفِيهِ الْقطع» وَاحْتج بِحَدِيث عُثْمَان فِي الأترجة وَسَيَأْتِي. الحَدِيث الْخَامِس عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا قطع فِي تمر مُعَلّق وَلَا فِي حريسة جبل، فَإِذا آواه المراح أَو الجرين فالقطع فِيمَا بلغ ثمن الْمِجَن» . هَذَا الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الثَّالِث من أَحَادِيث الْبَاب، وَقد سلف وَاضحا، وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث السَّادِس عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نبش قطعناه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «الْمعرفَة» من حَدِيث بشر بن حَازِم، عَن عمرَان بن يزِيد بن الْبَراء، عَن أَبِيه، عَن جده فِي حَدِيث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 659 ذكره أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَمن نبش قطعناه» وَفِي رِوَايَة: «وَمن حرق حرقناه» وَفِي أُخْرَى لَهُ «وَمن غرق غرقناه» ثمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد بعض من يجهل حَاله. وَرَوَاهُ فِي «خلافياته» بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور كَمَا ذكره فِي «الْمعرفَة» أَولا، وَلم يتَكَلَّم عَلَى إِسْنَاده بِشَيْء بل ذكره فِي معرض الِاحْتِجَاج بِهِ. وَرَوَى الْأَثْرَم عَن الْحسن وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا قَالَا: «يقطع النباش» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: «هُوَ سَارِق» وَفِي رِوَايَة عَنهُ: «نقطع فِي أمواتنا كَمَا نقطع فِي أحيائنا» وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: «سَارِق الْأَمْوَات يُعَاقب بِمَا يُعَاقب بِهِ سَارِق الْأَحْيَاء» وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «التَّارِيخ» : قَالَ هشيم: ثَنَا [سُهَيْل] قَالَ: « [شهِدت] ابْن الزبير قطع نباشًا» . وعزى ابْن الْجَوْزِيّ إِلَى رِوَايَة أَصْحَابهم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قطع نباشًا» . الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى المختلس والمنتَهب والخائن قطع» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَصْحَاب السّنَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 660 الْأَرْبَعَة، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: [هَذَا] حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «من انتهب نهبة مَشْهُورَة فَلَيْسَ منَّا» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان من حَدِيث ابْن جريج عَن أبي الزبير، وَعَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر رَفعه: «لَيْسَ عَلَى منتهب قطع، وَمن انتهب نهبة فَلَيْسَ منا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لم يسمعهُ ابْن جريج من [أبي الزبير، بَلغنِي عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: إِنَّمَا سَمعه ابْن جريج من] ياسين الزيات. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ الْمُغيرَة بن مُسلم، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا، وَأخرجه النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ النَّسَائِيّ أَيْضا: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن جريج عِيسَى بن يُونُس وَالْفضل بن مُوسَى وَابْن وهب وَابْن ربيعَة ومخلد بن يزِيد وَسَلَمَة بن سعيد الْبَصْرِيّ، وَلم يقل أحد مِنْهُم حَدثنِي أَبُو الزبير وَلَا أَحْسبهُ سَمعه من أبي الزبير. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي، وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَا: لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 661 يسمع ابْن جريج هَذَا الحَدِيث من أبي الزبير، إِنَّمَا سَمعه من ياسين عَنهُ، قلت لَهما: مَا حَال ياسين؟ فَقَالَا: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ الْخَطِيب فِيمَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : لَا أعلم رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن جريج مجودًا هَكَذَا غير مكي بن إِبْرَاهِيم، إِن كَانَ أَحْمد بن الْحباب حفظه، وَأَن الثَّوْريّ وَعِيسَى بن يُونُس وَغَيرهمَا رَوَوْهُ عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير، وَلم يذكرُوا فِيهِ «الخائن» وَكَانَ أهل الْعلم يَقُولُونَ: لم يسمع ابْن جريج هَذَا الحَدِيث من أبي الزبير، وَإِنَّمَا سَمعه من ياسين الزيات عَنهُ فدلسه فِي رِوَايَته عَن أبي الزبير. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ أَيْضا من مُعَنْعَن أبي الزبير. قلت: قد تبين فِي غير طَرِيق سَمَاعه لهَذَا الحَدِيث مِنْهُ رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ أَبُو الزبير: قَالَ جَابر ... الحَدِيث، وَهَذَا صَرِيح فِي سَمَاعه لَهُ فِيهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن حَاتِم، ثَنَا سُوَيْد - هُوَ ابْن نصر - ثَنَا عبد الله - هُوَ ابْن الْمُبَارك -[عَن] ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الزبير ... فَذكره، وَهَذَا سَنَد صَحِيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 662 [وَبِهَذَا اللَّفْظ أخرجه الطَّحَاوِيّ فَقَالَ: ثَنَا يَحْيَى بن عُثْمَان، ثَنَا نعيم - هُوَ ابْن حَمَّاد - ثَنَا ابْن الْمُبَارك فَذكره، وَهَذَا سَنَد صَحِيح] أَيْضا. يَحْيَى أخرجه لَهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، ونعيم من رجال البُخَارِيّ [وَقد صرح فِيهِ أَيْضا بِالسَّمَاعِ] ، فَيحمل عَلَى أَنه مرّة بِوَاسِطَة ياسين وَمرَّة بغَيْرهَا، وَقد أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن جريج عَن أبي الزبير ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح. كَمَا تقدم فَدلَّ عَلَى سَمَاعه لَهُ مِنْهُ، وَمن نَفَاهُ فَهَذَا مقدم عَلَيْهِ، وَقد سلف قرن عَمْرو بن دِينَار بِابْن جريج من طَرِيق ابْن حبَان، والمغيرة عَن أبي الزبير كَمَا سلف عَن النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا فِي «صَحِيحه» من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ عَلَى المختلس وَلَا عَلَى الخائن قطع» فَهَذَا متابع ثَان لِابْنِ جريج، وَأخرج النَّسَائِيّ هَذَا، قَالَ: لم يسمعهُ سُفْيَان من أبي الزبير. لَكِن قد أخرجه ابْن حبَان وَمن شَرطه الِاتِّصَال. وَله شَاهد أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 663 [سَمِعت] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَيْسَ عَلَى المختلس قطع» . رَوَاهُ [ابْن] مَاجَه من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أَبِيه بِهِ، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا شيخ ابْن مَاجَه مُحَمَّد بن عَاصِم الْمعَافِرِي الْمصْرِيّ؛ فَإِن ابْن مَاجَه انْفَرد بِإِخْرَاج حَدِيثه لكنه ثِقَة، وَثَّقَهُ يُونُس وَلَا نعلم فِيهِ جرحا، وَله شَاهد ثَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «لَيْسَ عَلَى الخائن قطع» لكنه ضَعِيف كَمَا بَينه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» . الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بِجَارِيَة سرقت فَوَجَدَهَا لم تَحض فَلم يقطعهَا» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده صَاحب «الْمُهَذّب» ، وَعَزاهُ إِلَى رِوَايَة ابْن مَسْعُود، وَهُوَ غَرِيب كَذَلِك، وَالَّذِي أعرفهُ «أَن ابْن مَسْعُود أُتِي بِجَارِيَة قد سرقت فَوَجَدَهَا لم تَحض فَلم يقطعهَا» كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مسعر عَن الْقَاسِم قَالَ: «أُتِي عبد الله بِجَارِيَة قد سَرقت فَوَجَدَهَا لم ... » فَذكره، وَترْجم عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ «بَاب السن الَّذِي إِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 664 بلغه الرجل وَالْمَرْأَة أُقِيمَت عَلَيْهِمَا الْحُدُود» وَذكر فِيهِ حَدِيث ابْن عمر فِي عرضه عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم أحد، الحَدِيث الْمَشْهُور، وَأَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: «إِن هَذَا حد بَين الْكَبِير وَالصَّغِير» . الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أبدى لنا صفحته أَقَمْنَا عَلَيْهِ حد الله» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْبَاب قبله وَاضحا. الحَدِيث الْعَاشِر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بسارق فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا إخالك سرقت. قَالَ: بلَى سرقت. فَأمر بِهِ فَقطع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» من حَدِيث أبي أُميَّة المَخْزُومِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بلص قد اعْترف اعترافًا وَلم يُوجد مَعَه مَتَاع، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا إخَالُك سرقت. فَقَالَ: بلَى. فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا كل ذَلِك يعْتَرف، فَأمر بِهِ فَقطع، وَجِيء بِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أسْتَغْفر الله وَتب. فَقَالَ: اسْتغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ ثَلَاثًا» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ مثله إِلَّا أَنه لم يقل «فَأَعَادَ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا» وَقَالَ فِي آخِره: «ثَلَاثًا» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 665 وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ أبي دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «مَا إخالك سرقت - مرَّتَيْنِ» وَقَالَ فِي آخِره «اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ - مرَّتَيْنِ» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَقَالَ فِي آخِره: «اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ» وَلم يذكر غير ذَلِك، وَذكر الْخطابِيّ أَن فِي إِسْنَاده مقَالا، والْحَدِيث إِذا رَوَاهُ رجل مَجْهُول لم يكن حجَّة وَلم يجب الحكم بِهِ، وَقَالَ عبد الْحق: أَبُو الْمُنْذر الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده لَا أعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة. وَله طَرِيق آخر من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَأْتِي فِي الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث الثَّامِن عشر، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بسارق قد سرق شملة، قَالَ: مَا إخالك سرقت. قَالَ: بلَى قد فعلت. قَالَ: فاذهبوا بِهِ فاقطعوه، ثمَّ احسموه، ثمَّ ائْتُونِي بِهِ. فَذَهَبُوا بِهِ فقطعوه ثمَّ حسموه ثمَّ أَتَوا بِهِ، قَالَ: تب إِلَى الله. قَالَ: تبت إِلَى الله. قَالَ: اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ» . فَائِدَة: مَعْنَى «مَا إخالك» (مَا أُعْطِيك) ، وإخال بِكَسْر الْهمزَة أفْصح من فتحهَا وَأكْثر اسْتِعْمَالا، وَالْفَتْح هُوَ الْقيَاس قَالَ الْجَوْهَرِي: إخال بِكَسْر الْألف هُوَ الْأَفْصَح، وَبَنُو أَسد يَقُولُونَ: أخال، بِالْفَتْح وَهُوَ الْقيَاس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 666 الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ستر مُسلما ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة أَحْمد بن حَنْبَل، ثَنَا مُحَمَّد بن بكر، أبنا ابْن جريج، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن أبي أَيُّوب، عَن [مسلمة] بن مخلد مَرْفُوعا: «من ستر مُسلما فِي الدُّنْيَا ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفظه: «من نَفْس عَن (مُسلم) كربَة من كرب الدُّنْيَا نَفْس الله عَنهُ كربَة من كرب الْآخِرَة، وَمن ستر عَلَى مُسلم ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَالله فِي عون العَبْد (مَا دَامَ) العَبْد فِي عون أَخِيه» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ غير وَاحِد عَن الْأَعْمَش [عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحْو رِوَايَة أبي عوَانَة، وَرَوَى أَسْبَاط بن مُحَمَّد عَن الْأَعْمَش] قَالَ: حدثت عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة. وَكَأن هَذَا أصح من الحَدِيث الأول، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من رِوَايَة ابْن عمر مَرْفُوعا: «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يَظْلمه وَلَا يُسلمهُ، وَمن كَانَ فِي حَاجَة أَخِيه كَانَ الله فِي حَاجته، وَمن فرج عَن مُسلم كربَة فرج الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة، وَمن ستر مُسلما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 667 ستره الله يَوْم الْقِيَامَة» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح [غَرِيب] وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث مُحَمَّد بن وَاسع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من ستر أَخَاهُ الْمُسلم فِي الدُّنْيَا ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة» وَالْبَاقِي بِمثل لفظ التِّرْمِذِيّ، قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَرَوَى الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «لَا يستر عبدٌ عبدا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ستره الله يَوْم الْقِيَامَة» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَهَذَا يصحح حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، (وَحَدِيث مُحَمَّد بن وَاسع، عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة) ، وَذَلِكَ أَن ابْن أَسْبَاط الْقرشِي رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش، عَن بعض أَصْحَابه، عَن أبي صَالح، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن وَاسع، عَن رجل، عَن أبي صَالح. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لماعز: لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي «بَاب حد الزِّنَا» فَرَاجعه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 668 الحَدِيث الثَّالِث عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للسارق: أسرقت؟ قل لَا» . هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوله: «أسرقت؟ قل لَا» لم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة. وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي ذَلِك حَيْثُ قَالَ: لم يصححوا هَذَا الحَدِيث، وتبعا فِي ذَلِك الإِمَام فَإِنَّهُ قَالَ فِي «نهايته» : إِن صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِلْمَرْفُوعِ بتهمة السّرقَة إِلَيْهِ: «مَا إخالك سرقت، أسرقت أم لَا» وَسمعت بعض أَئِمَّة الحَدِيث لَا يصحح هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ: «قل» فيبقي الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَهُوَ قَوْله: «مَا إخالك سرقت» وَقَالَ فِي بَاب الشَّهَادَة عَلَى الْحُدُود: سَيَأْتِي الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِلْمَرْفُوعِ إِلَيْهِ بتهمة السّرقَة: «مَا إخالك سرقت» ، وَفِي بعض الْأَلْفَاظ: «أسرقت؟ قل: لَا. قَالَ ذَلِك سرًّا» . قَالَ: وغالب ظَنِّي أَن هَذِه الزِّيَادَة لم تصح عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث. قَالَ: وَحَدِيث «مَا إخالك سرقت» إِمَّا يقدم فِيهِ الْحَث عَلَى الرُّجُوع لَا عَلَى الإيجاز فَإِنَّهُ اعْترف عِنْده مرّة، ثمَّ قَالَ لَهُ ذَلِك مرّة أُخْرَى. قلت: وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَوْقُوفا «أَنه أُتِي بِجَارِيَة سرقت، فَقَالَ لَهَا: سرقت. قولي: لَا. قَالَت: لَا. فخلى سَبِيلهَا» . الحَدِيث الرَّابِع عشر «أَن ماعزًا لما ذكر لهزال أَنه زنَى قَالَ لَهُ: بَادر إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل أَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 669 ينزل الله فِيك قُرْآنًا. فَذكر ذَلِك للنَّبِي (فَقَالَ: هلا سترته بثوبك يَا هزال» . هَذَا الحَدِيث تقدم فِي بَابه. الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بسارق فَقطع يَمِينه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» بِزِيَادَة فِي أَوله فِي تَرْجَمَة حَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة فَقَالَ: ثَنَا هَارُون بن عبد الله، ثَنَا حَمَّاد بن مسْعدَة، عَن ابْن جريج، عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة، عَن حَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بسارق فَقيل: يَا رَسُول الله، إِنَّه لناس من الْأَنْصَار مَا لَهُم مَال غَيره فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الثَّانِيَة فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الثَّالِثَة فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الرَّابِعَة فَتَركه، ثمَّ أُتِي بِهِ الْخَامِسَة فَقطع يَمِينه، ثمَّ أُتِي بِهِ السَّادِسَة فَقطع رجله، ثمَّ أُتِي بِهِ السَّابِعَة فَقطع يَده، ثمَّ أُتِي بِهِ الثَّامِنَة فَقطع رجله، ثمَّ قَالَ: أَربع بِأَرْبَع» . ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث أخرجه هَارُون فِي الْمسند وَلَا أَحسب لِلْحَارِثِ بن عبد الله صُحْبَة. قلت: وَذكره أَبُو نعيم فِي «الصَّحَابَة» ثمَّ سَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الْبَغَوِيّ، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن جريج عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة، عَن الْحَارِث بن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة، عَن أَبِيه [عَن] عمر. وَعبد الْكَرِيم هَذَا كذبه أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَضرب أَحْمد عَلَى حَدِيثه، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 670 قَالَ: وَهُوَ يشبه الْمَتْرُوك. وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. الحَدِيث السَّادِس عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي السَّارِق: إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث أَحْمد بن الْعَبَّاس، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن سعد، أبنا الْوَاقِدِيّ، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن خَالِد بن سَلمَة، أرَاهُ عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة. والواقدي حَالَته مَعْلُومَة، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: أبنا بعض أَصْحَابنَا عَن ابْن [أبي] ذِئْب، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «السَّارِق إِذا سرق فَاقْطَعُوا يَده، [ثمَّ] إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده، ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 671 الحَدِيث السَّابِع عشر عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بسارق فَقطع يَده، ثمَّ أُتِي بِهِ ثَانِيًا فَقطع رجله، ثمَّ أُتِي بِهِ ثَالِثا فَقطع يَده، ثمَّ أُتِي بِهِ رَابِعا فَقطع رجله؛ ثمَّ أُتِي بِهِ خَامِسًا فَقتله» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك، وَقَالَ فِي آخِره «فَأمر بقتْله» وَهُوَ هُوَ، وَسبب ضعفه مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان الرهاوي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ ضَعِيف، وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث جَابر أَيْضا قَالَ: «جِيءَ بسارق إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا [سرق] قَالَ: اقطعوه. فَقطع ثمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق. قَالَ: اقطعوه [ثمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق. فَقَالَ: اقطعوه] ثمَّ جِيءَ بِهِ الرَّابِعَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق. قَالَ اقطعوه. فَأتي بِهِ الْخَامِسَة فَقَالَ: اقْتُلُوهُ. قَالَ جَابر: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى مربد النعم فاستلقى عَلَى ظَهره فقتلناه، ثمَّ اجتررناه فألقيناه فِي بِئْر، ورمينا عَلَيْهِ الْحِجَارَة» . وَفِي إِسْنَاده مُصعب بن ثَابت وَقد ضَعَّفُوهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 672 قَالَ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث مُنكر، وَمصْعَب بن ثَابت قد ضَعَّفُوهُ. قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث، وَلَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا صَحِيحا. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذِه الرِّوَايَة شَاذَّة وَإِن أخرجهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. وَقَالَ صَاحب «الاستذكار» : قَالَ النَّسَائِيّ: مُصعب لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَإِن كَانَ الْقطَّان رَوَى عَنهُ، وَهَذَا الحَدِيث غير صَحِيح، وَلَا أعلم فِي الْبَاب حَدِيثا صَحِيحا عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِيهِ الْقَتْل فِي الْخَامِسَة، وَلَا أعلم أحدا من أهل الْعلم قَالَ بِهِ، إِلَّا مَا ذكره أَبُو مُصعب صَاحب مَالك فِي «مُخْتَصره» عَن أهل الْمَدِينَة - مَالك وَغَيره - قَالَ: فَإِن سرق الْخَامِسَة قتل كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعُثْمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَ: وَكَانَ مَالك يَقُول: لَا يقتل. قَالَ أَبُو عمر: حَدِيث الْقَتْل (مُنكر) لَا أصل لَهُ، وَقد ثَبت عَنهُ أَنه «لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث» وَلم يذكر السَّارِق فِيهَا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي السّرقَة: «فَاحِشَة وفيهَا عُقُوبَة» وَلم يذكر قتلا، وَعَلَى هَذَا جُمْهُور الْعلمَاء. قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ لَا خلاف فِيهِ عِنْد أحدٍ من أهل الْعلم عَلَيْهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ عقب هَذِه: السّنة مصرحة بالناسخ وَالْإِجْمَاع من الْأَئِمَّة عَلَى أَنه لَا يقتل. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: الْقَتْل مَنْسُوخ؛ لِأَنَّهُ وَقع إِلَيْهِ سَارِق فِي الْخَامِسَة فَلم يقْتله. وَأجَاب الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب عَنهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 673 بجوابين: أَحدهمَا: مَا قدمْنَاهُ من الشَّيْخ، وَثَانِيهمَا: أَنه مَجْهُول عَلَى أَنه قَتله بزنا أَو استحلال. وَأجَاب ابْن الصّباغ بخصوصيته ذَلِك السَّارِق وَمَا سلف من الْإِجْمَاع حَكَاهُ أَيْضا لَكِن حَكَى الرَّوْيَانِيّ عَن عُثْمَان وَعبد الله بن عَمْرو بن العاصِ وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَنه يقتل. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي سَارِق سرق شملة: اذْهَبُوا بِهِ فاقطعوه ثمَّ احسموه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن الدَّرَاورْدِي، عَن يزِيد بن خصيفَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[أُتِي بسارق قد سرق شملة، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن هَذَا سرق، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] مَا إخَاله سرق. قَالَ السَّارِق: بلَى يَا رَسُول الله. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اذْهَبُوا بِهِ فاقطعوه، ثمَّ احسموه، ثمَّ ائْتُونِي بِهِ. فَقطع فَأتي بِهِ، فَقَالَ: تب إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ: تبت إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: تَابَ الله عَلَيْك» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث وَصله يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن الدَّرَاورْدِي، وَتَابعه عَلَيْهِ غَيره، وأرسله عَنهُ عَلّي بن الْمَدِينِيّ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ وَاحِد مِنْهُم فَوق ابْن ثَوْبَان إِلَى أحد، وَبَلغنِي أَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق رَوَاهُ عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 674 يزِيد بن خصيفَة عَن ابْن ثَوْبَان عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا أرَاهُ حفظه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَنهُ فِيهِ أَيْضا مُرْسلا. قلت: رَجحه ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن خُزَيْمَة، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاد مُتَّصِل لَا بَأْس بِهِ. قَالَ: وَيزِيد بن خصيفَة لَا بَأْس بِهِ يَقع هَكَذَا فِي الْأَكْثَر مَنْسُوبا إِلَى جده، وَهُوَ يزِيد بن عبد الله بن خصيفَة ثِقَة بِلَا خلاف. الحَدِيث التَّاسِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالسّنة أَن تعلق الْيَد المقطوعة فِي رقبته؛ لما رُوِيَ عَن فضَالة بن عبيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بسارق فَأمر بِهِ فَقطعت يَده، ثمَّ علقت فِي رقبته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه «أَصْحَاب [السّنَن] الْأَرْبَعَة» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن [محيريز] قَالَ: «سَأَلنَا فضَالة بن عبيد عَن تَعْلِيق الْيَد فِي الْعُنُق للسارق أَمن السّنة؟ قَالَ: أُتِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بسارق فَقطعت يَده، ثمَّ أَمر بهَا فعلقت فِي عُنُقه» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عمر بن عَلّي، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَعبد الرَّحْمَن أَخُو عبد الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 675 بن [محيريز] وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا خطأ إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن محيريز قَالَ: سَأَلت فضَالة. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : لم يعرف التِّرْمِذِيّ بِشَيْء من حَال عبد الرَّحْمَن، وَهِي لَا تعرف، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ وَلَا ابْن أبي حَاتِم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْحجَّاج بن أَرْطَاة ضَعِيف، وَلَا يحْتَج بِخَبَرِهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر الإِمَام ثَلَاثَة أُمُور مستغربة مِنْهَا: أَن من الْأَصْحَاب من لم ير التَّعْلِيق وَلم يصحح الْخَبَر فِيهِ، انْتَهَى. وَقد علمت ضعف الْخَبَر غَرِيبا دَلِيلا وَإِن كَانَ غَرِيبا. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنّه. وَأما آثاره فَثَلَاثَة عشر أثرا: أَحدهَا: «أَن رجلا سرق من بَيت المَال، فَكتب بعض عُمَّال عمر إِلَيْهِ بذلك فَقَالَ: لَا قطع عَلَيْهِ، مَا من أحدٍ إِلَّا وَله فِيهِ حق» . وَهَذَا الْأَثر غَرِيب عَن عمر، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ يَقُول: «لَيْسَ عَلَى من سرق من بَيت المَال قطع» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن عبيد بن الأبرص قَالَ: «شهِدت عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الرحبة وَهُوَ يقسم خمْسا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 676 بَين النَّاس، فَسرق رجل من حَضرمَوْت مغفر حَدِيد من الْمَتَاع، فَأتي بِهِ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قطع هُوَ خائن وَله نصيب» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُف: أخبرنَا بعض أشياخنا، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَن عبدا من رَقِيق الْخمس [سرق من الْخمس] فَلم يقطعهُ، وَقَالَ: مَال الله بعضه فِي بعض» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ مَوْصُولا بِذكر ابْن عَبَّاس فِيهِ، وَفِي إِسْنَاده ضعف. قلت: سَببه حجاج بن أَرْطَاة، وجبارة بن الْمُغلس. الْأَثر الثَّانِي: «أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سُرقَ فِي عَهده ثوب من مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقطع السَّارِق (وَمَا) يُنكر عَلَيْهِ أحد» . وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه. الْأَثر الثَّالِث: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أُتِي بِعَبْد لرجل سرق مرْآة لزوجة الرجل قيمتهَا سِتُّونَ درهما فَلم يقطعهُ، وَقَالَ: خادمكم أَخذ مَتَاعكُمْ» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ فِي «مُسْنده» عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن السَّائِب بن يزِيد «أَن عبد الله بن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ جَاءَ بِغُلَام إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَد هَذَا فَإِنَّهُ سرق. فَقَالَ لَهُ عمر: فَمَاذَا سرق؟ قَالَ: سرق مرْآة لامرأتي ثمنهَا سِتُّونَ درهما. فَقَالَ عمر: أرْسلهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قطع، خادمكم سرق مَتَاعكُمْ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 677 الْأَثر الرَّابِع: عَن عُثْمَان «أَنه قطع سَارِقا فِي أترجة قومت بِثَلَاثَة دَرَاهِم» (وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن السَّائِب بن يزِيد، عَن عبد الله بن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ قَالَ: «أتيت عمر بن الْخطاب بِغُلَام لي ... » فَذكره) . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ عَنهُ فِي «مُسْنده» عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عَن أَبِيه، عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن «أَن سَارِقا سرق أتْرُجة فِي عهد عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأمر بهَا عُثْمَان فقومت ثَلَاثَة دَرَاهِم من صرف اثْنَي عشر [درهما] بِدِينَار فَقطع يَده» . وَهِي الأترجة الَّتِي يأكلها النَّاس إِذْ لَو كَانَت من ذهب قدر الحمصة لم يقوم. قَالَ صَاحب الْمطَالع: قَالَ ابْن كنَانَة: كَانَت من ذهب قدر الحمصة يَجْعَل فِيهَا الطّيب. قَالَ صَاحب الْمطَالع: وَلَا يبعد قَول مَالك، فقد يُبَاع فِي كثير من الْبِلَاد بِثَلَاثَة دَرَاهِم فَكيف بِالْمَدِينَةِ، وَحين كثرت الدَّرَاهِم. قَالَ: وَهِي بِضَم الْهمزَة، وَتَشْديد الْجِيم، وَيُقَال أَيْضا: أترجة. قَالَ: وبالوجهين رُوِيَ فِي «الْمُوَطَّأ» . قَالَ: وَحَكَى أَبُو زيد «ترنجة» لُغَة ثَالِثَة، وَالْأول أفْصح. الْأَثر الْخَامِس: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «سَارِق مَوتَانا كسارق أحيائنا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 678 وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» من حَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مَرْوَان بن عبد الْعَزِيز، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «سَارِق أمواتنا كسارق أحياءنا فِي المجاعة» . الْأَثر السَّادِس: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه لَا قطع [فِي] عَام [المجاعة] » . وَهَذَا الْأَثر لم أره فِي كتب السّنَن المسانيد، وَرَأَيْت من عزاهُ إِلَى السَّعْدِيّ والراوي عَن الإِمَام أَحْمد فَقَالَ: ثَنَا هَارُون بن إِسْمَاعِيل الخزاز، ثَنَا عَلّي بن الْمُبَارك، ثَنَا يَحْيَى بن أبي كثير، حَدثنِي حسان بن زَاهِر أَن ابْن حدير حَدثهُ عَن عمر قَالَ: «لَا تقطع الْيَد فِي عذق وَلَا عَام سنة» قَالَ [السَّعْدِيّ] : سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: العذق: النَّخْلَة، وعام: سنة المجاعة. فَقلت لِأَحْمَد: تَقول بِهِ؟ قَالَ: إِي لعمري. قلت: إِن سرق فِي مجاعَة لَا تقطعه. قَالَ: لَا إِذا حَملته الْحَاجة إِلَى ذَلِك، وَالنَّاس فِي مجاعَة وَشدَّة. الْأَثر السَّابِع: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا أنزل ضيفًا فِي مشربَة لَهُ فَوجدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 679 مَتَاعا قد أخفاه فَأتي بِهِ [أَبَا] بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: خل عَنهُ فَلَيْسَ بسارق، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَة أخفاها» . وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه، وَرَأَيْت بِخَط بَعضهم أَن أَبَا الزبير قَالَ: «أضَاف رجل رجلا فِي مشربَة لَهُ، فَوجدَ مَتَاعا لَهُ قد أخبأه، فَأتي بِهِ أَبَا بكر فَقَالَ: خل عَنهُ فَلَيْسَ بسارق، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَة أخبأها» . الْأَثر الثَّامِن: «أَن رجلا مَقْطُوع الْيَد وَالرجل قدم الْمَدِينَة فَنزل بِأبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَكَانَ يكثر الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ أَبُو بكر: مَا ليلك بلَيْل سَارِق. فلبثوا مَا شَاءَ الله ففقدوا حليًّا لَهُم، فَجعل ذَلِك الرجل [يَدْعُو] عَلَى من سرق من أهل هَذَا الْبَيْت الصَّالح، فَمر رجل بصائغ من أهل الْمَدِينَة فَرَأَى عِنْده حليًّا فَقَالَ: مَا أشبه هَذَا بحلي آل أبي بكر. فَقَالَ للصائغ: مِمَّن أشتريته؟ فَقَالَ: من ضيف أبي بكر. فَأخذ ذَلِك الرجل فَأقر، فَبَكَى أَبُو بكر وَقَالَ: أبْكِي لغرته بِاللَّه. ثمَّ أَمر بِهِ فَقطعت يَده» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «موطئِهِ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه «أَن رجلا من أهل الْيمن أقطع الْيَد وَالرجل قدم عَلَى أبي بكر الصّديق، فَشَكا إِلَيْهِ أَن عَامل الْيمن ظلمه، وَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل فَيَقُول أَبُو بكر: وَأَبِيك مَا ليلك بلَيْل سَارِق. ثمَّ أَنهم افتقدوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 680 حليًّا لأسماء بنت عُمَيْس امْرَأَة أبي بكر، فَجعل الرجل يطوف مَعَهم وَيَقُول: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمن بيَّتَ أهل هَذَا الْبَيْت الصَّالح. فوجدوا الحُليَّ عِنْد الصَّائِغ وَأَن الأقَطع جَاءَ بِهِ، فاعترف الأقطع - أَو شهد عَلَيْهِ - فَأمر بِهِ أَبُو بكر فَقطعت يَده الْيُسْرَى، فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لدعاؤه عَلَى نَفسه أَشد عِنْدِي من سَرقته» . قَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» : الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق لَا أرَاهُ أدْرك زمَان جده، وَإِنَّمَا يروي من الصَّحِيح عَن عمته عَائِشَة وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس. وَقد رُوِيَ هَذَا عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد، عَن أبي بكر مثله، وَرُوِيَ عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد فِي هَذِه الْقِصَّة قَالَت: «فَأَرَادَ أَبُو بكر أَن يقطع رجله ويدع يَده ليستطيب بهَا، فَقَالَ عمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتقطعن يَده الْأُخْرَى. فَأمر بِهِ أَبُو بكر فَقطعت» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحسن بن عَرَفَة، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن علية، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع «أَن رجلا أقطع الْيَد وَالرجل نزل عَلَى أبي بكر الصّديق فَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: مَا ليلك بلَيْل سَارِق، من قَطعك؟ قَالَ: يعْلى بن أُميَّة ظلما. فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: لأكتبن إِلَيْهِ وتوعده، فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ فقدوا حليًّا لأسماء بنت عُمَيْس قَالَ: فَجعل يَقُول: اللَّهُمَّ أظهر عَلَى صَاحبه. قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 681 فَوجدَ عِنْد صائغ فألجئ حَتَّى ألجئ إِلَى الأقطع. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لغرته بِاللَّه كَانَ أَشد مِمَّا صنع، اقْطَعُوا رجله. فَقَالَ عمر: بل تقطع يَده. كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فَقَالَ: دُونك» . وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر ... فَذكره، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق ... أَيْضا عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ رجل أسود يَأْتِي أَبَا بكر فيدنيه ويقرئه الْقُرْآن حَتَّى بعث ساعيًا - أَو قَالَ: سَرِيَّة - فَقَالَ: أَرْسلنِي مَعَه. قَالَ: بل تمكث عندنَا. فَأَبَى فَأرْسلهُ مَعَه واستوصى بِهِ خيرا، فَلم يغب عَنهُ إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَ قد قُطعت يَده، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر فاضت عَيناهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: مَا زِدْت عَلَى أَنه كَانَ يوليني شَيْئا من عمله فخنت فَرِيضَة وَاحِدَة فَقطع يَدي. فَقَالَ أَبُو بكر: تَجِدُونَ الَّذِي قطع هَذَا يخون أَكثر من عشْرين فَرِيضَة، وَالله لَئِن كنت صَادِقا لأقيدنك مِنْهُ. قَالَ: ثمَّ أدناه وَلم يحول مَنْزِلَته الَّتِي كَانَت لَهُ مِنْهُ. قَالَ: فَكَانَ الرجل يقوم بِاللَّيْلِ فَيقْرَأ، فَإِذا سمع أَبُو بكر صَوته قَالَ: تالله لرجل قطع هَذَا لقد اجترأ عَلَى الله. قَالَ: فَلم يصبر إِلَّا قَلِيلا حَتَّى فقد آل أبي بكر حليًّا لَهُم ومتاعًا، فَقَالَ أَبُو بكر: طرق الْحَيّ اللَّيْلَة. فَقَامَ الأقطع فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَده الصَّحِيحَة وَالْأُخْرَى الَّتِي قطعت فَقَالَ: اللَّهُمَّ أظهر عَلَى من سرقهم - أَو [نَحْو هَذَا] ؛ وَكَانَ [معمر رُبمَا] قَالَ: اللَّهُمَّ أظهر من سرق أهل هَذَا الْبَيْت الصَّالِحين - قَالَ: فَمَا انتصف النَّهَار حَتَّى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 682 (عثروا) عَلَى الْمَتَاع عِنْده، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: وَيلك إِنَّك لقَلِيل الْعلم بِاللَّه: فَأمر بِهِ فَقطعت يَده» . فَائِدَتَانِ: الأولَى: قَالَ صَاحب «الاستذكار» : اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث فَروِيَ «أَنه إِنَّمَا قطع رجله، وَكَانَ مَقْطُوع الْيَد الْيُمْنَى فَقَط» ذكره عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، فساقه كَمَا قدمْنَاهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «بَاب مَا جَاءَ فِي قتل الإِمَام» وخرَّجه كُله سَوَاء سندًا ومتنًا. الثَّانِيَة: مَعْنَى «بيَّت الْأَمر» : أَتَاهُ لَيْلًا. وَقَوله: «لدعاؤه عَلَى نَفسه» كَذَا وَقع فِي رِوَايَة «الْمُوَطَّأ» وَالشَّافِعِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة «لغرته بِاللَّه» أَي لجرءته عَلَى الله، وَوَقع فِي تَعْلِيق القَاضِي حُسَيْن أَن الْحلِيّ كَانَ لعَائِشَة وَأَنه كَانَ عبدا لَهَا، وَذكره القَاضِي أَبُو الطّيب فِي «تَعْلِيقه» عَلَى الصَّوَاب فَقَالَ: إِن الْمَسْرُوق كَانَ لأسماء بنت عُمَيْس زوج الصّديق كَمَا سلف. الْأَثر التَّاسِع: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ لسارق [أقرّ عِنْده] : أسرقت؟ قل: لَا» . وَهَذَا الْأَثر عزاهُ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب إِلَى تَعْلِيق الشَّيْخ أبي حَامِد، وَهُوَ غَرِيب عَنهُ لَا أعلم من خرجه عَنهُ، وَالْمَعْرُوف أَنه عَن أبي الدَّرْدَاء وَأبي مَسْعُود، كَذَلِك رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «سنَنه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 683 الْأَثر الْعَاشِر: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عرض لزياد بالتوقف فِي الشَّهَادَة عَلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: أرَى وَجه رجل لَا يفضح رجل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَهَذَا تقدم فِي الْبَاب قبله مَعْنَاهُ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَتَكَلَّمُوا فِي أَنه كَيفَ جَازَ لعمر هَذَا التَّعْرِيض لدفع الْحَد عَن الْمُغيرَة، وَفِيه إِثْبَات الْحَد عَلَى الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا صَرِيحًا عَلَى الْمُغيرَة، وَأَجَابُوا عَنهُ بِوُجُوه مِنْهَا: أَن الْحَد الَّذِي تعرض لَهُ الْمُغيرَة الرَّجْم، وحدهم حد الْقَذْف، وَهُوَ أَهْون من الرَّجْم، وَمِنْهَا: أَنهم كَانُوا مندوبين إِلَى السّتْر أَلا ترَى أَن ماعزًا لما ذكر لهزال أَنه زنا قَالَ لَهُ: «بَادر إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل أَن ينزل الله فِيك قُرْآنًا. فَذكر ذَلِك للنَّبِي (فَقَالَ: هلا سترته [بثوبك] يَا هزال» . فَلَمَّا تركُوا الْمَنْدُوب استحقوا التَّغْلِيظ. الْأَثر الْحَادِي عشر: «أَن أَبَا مَسْعُود قَرَأَ: وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أيمانهما» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة مُسلم ابْن خَالِد الزنْجِي، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد «فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود «وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أيمانهما» ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح، وَهَذَا مُنْقَطع، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِلَّا أَنه قَالَ: فِي قراءتنا «والسارقون والسارقات تقطع أَيْمَانهم» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْقِرَاءَة الشاذة تنزل منزلَة أَخْبَار الْآحَاد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 684 قلت: وَنقل الْحَاكِم عَن البُخَارِيّ وَمُسلم أَن تَفْسِير الصَّحَابِيّ فِي حكم الْمَرْفُوع، فيحتج بِهَذَا، و [مَا] ذكره الرَّافِعِيّ من تنزيلها منزلَة الْأَخْبَار صَحِيح، نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ فِي بَاب الرَّضَاع، وَجزم بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي الصّيام وَالرّضَاع، وَالْمَاوَرْدِيّ فيهمَا، وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب فِي الصّيام، وَوُجُوب الْعمرَة، وَالْقَاضِي حُسَيْن فِي الصّيام، والمحاملي فِي الْأَيْمَان فِي عدَّة الْمُسَافِر، وَابْن يُونُس فِي شَرحه فِي الْفَرَائِض فِي الْكَلَام عَلَى مِيرَاث الْأَخ للْأُم، وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «الْبُرْهَان» أَن الظَّاهِر من مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه لَا يحْتَج بهَا، وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَجزم بِهِ فِي «شرح مُسلم» فِي حَدِيث صَلَاة الْوُسْطَى، وَغَيره فَتنبه لذَلِك. الْأَثر الثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر: عَن أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذا سرق السَّارِق فَاقْطَعُوا يَده من الْكُوع» وَهَذَا غَرِيب عَنْهُمَا، نعم فِي الْبَيْهَقِيّ عَن عمر «أَنه كَانَ يقطع السَّارِق من الْمفصل» وَقد سلف مَرْفُوعا فِي الدِّيات وَأَنه ضَعِيف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 685 كتاب قطاع الطَّرِيق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 687 كتاب قطاع الطَّرِيق ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيث «لَا يقطع إِلَّا فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا» . وَقد سلف بَيَانه فِي الْبَاب قبله. وَحَدِيث «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن تَعْذِيب الْحَيَوَان» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بعث فَقَالَ: إِن وجدْتُم فلَانا وَفُلَانًا - لِرجلَيْنِ من قُرَيْش سماهما - فأحرقوهما بالنَّار. ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حِين أردنَا الْخُرُوج: إِنِّي كنت أَمرتكُم أَن تحرقوا فلَانا وَفُلَانًا، وَإِن النَّار لَا يعذب بهَا إِلَّا الله، فَإِن وجدتموهما فاقتلوهما» . فَائِدَة: الرّجلَانِ هَبَّار بن الْأسود، وَنَافِع بن عبد عَمْرو، وَذكره الْبَزَّار فِي «مُسْنده» وَفِي سيرة ابْن إِسْحَاق: نَافِع بن عبد [قيس] الفِهري، وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر فَانْطَلق لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حمَّرة مَعهَا فرخان فأخذنا فرخيها، فَجَاءَت الحمَّرة فَجعلت تغرِّس، فجَاء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 689 فَقَالَ: من فجع هَذِه فِي وَلَدهَا؟ ردوا وَلَدهَا إِلَيْهَا [وَرَأَى] قَرْيَة نمل قد أحرقناها فَقَالَ: من حرق هَذِه؟ قُلْنَا: نَحن. قَالَ: إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يعذّب بالنَّار إِلَّا رب النَّار» . وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَقَالَ: «فَجعلت تصيح» وانتهت رِوَايَته إِلَى عِنْد قَوْله: «ردوا وَلَدهَا إِلَيْهَا. قَالَ: فردوهما» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. فَائِدَة: قَرْيَة النَّمْل مَعْنَاهُ مَوضِع النَّمْل مَعَ النَّمْل. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب من الْآثَار أثر ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض) أَنَّهَا [وَارِدَة] فِي حق قطاع الطَّرِيق من الْمُسلمين دون أهل الْكفْر والمرتدين، وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْد أَكثر الْعلمَاء، وَاحْتَجُّوا لذَلِك بقوله تَعَالَى: (إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم) الْآيَة، وتوبة الْكَافِر فِي (أَنَّهَا) تسْقط الْعقُوبَة عَنهُ لَا يخْتَلف بَين أَن يُوجد قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ أَو بعْدهَا، وَلم يقيموا وزنا لقَوْل من قَالَ: إِن الْمُؤمن لَا يحارب الله وَرَسُوله. فَقَالُوا: لفظ الْمُحَاربَة يَنْتَظِم عِنْد الجرأة بالمخالفة والعصيان، أَلا ترَى أَن الله - تَعَالَى - يَقُول (للْمُؤْمِنين) (فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله) . قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 690 الرَّافِعِيّ: وَفسّر ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي - الْآيَة عَلَى مَرَاتِب وَالْمعْنَى أَن يُقتلوا إنَ قتلوا، أَو يصلبوا إِن أخذُوا المَال وَقتلُوا، أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف إِن اقتصروا عَلَى أَخذ المَال، وَكلمَة «أَو» للتنويع لَا للتَّخْيِير، كَمَا يُقَال: الزَّانِي يجلد أَو يرْجم. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَمَعْنى نفيهم من الأَرْض أَنهم إِذا هربوا من حبس الإِمَام يتبعُون ليرُدوا ويتفرق جمعهم، وَتبطل شوكتهم، (من) ظفر نابه نُقِيم عَلَيْهِ مَا تُؤَدِّيه جِنَايَته من الْحَد أَو التَّعْزِير. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَأما الْآيَة فلأهل التَّفْسِير فِي سَبَب نُزُولهَا خلاف كَبِير لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكره، وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» و «النَّسَائِيّ» : أَنَّهَا نزلت فِي الْمُشْركين فَمن تَابَ مِنْهُم قبل أَن يقدر عَلَيْهِ لم يمنعهُ ذَلِك أَن يُقَام فِيهِ الْحَد الَّذِي أَصَابَهُ. وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» أَنَّهَا نزلت فِي العرنيين. وَأما الْأَثر فَرَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فَقَالَ: أبنا إِبْرَاهِيم - هُوَ ابْن أبي يَحْيَى - عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس «فِي قطاع الطَّرِيق: إِذا قتلوا وَأخذُوا المَال [قتلوا وصلبوا، وَإِذا قتلوا وَلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 691 يَأْخُذُوا المَال قتلوا وَلم يصلبوا، وَإِذا أخذُوا المَال] وَلم يقتلُوا قطعت أَيْديهم وأرجلهم من خلاف، وَإِذا أخافوا السَّبِيل وَلم يَأْخُذُوا مَالا نفوا من الأَرْض» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي قَالَ: وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم عَن دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُحَارب (إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله) إِذا عدى فَقطع الطَّرِيق فَقتل وَأخذ المَال صلب، فَإِن قتل [وَلم يَأْخُذ] مَالا قتل، فَإِن أَخذ المَال وَلم يقتل قطع من خلاف، فَإِن هرب وأعجزهم فَذَلِك نَفْيه» ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سعد (بن مُحَمَّد) بن الْحسن بن عَطِيَّة، ثَنَا أبي، حَدثنِي عمي، حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس «فِي قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله) الْآيَة، قَالَ: إِذا حَارب فَقتل فَعَلَيهِ الْقَتْل إِذا ظهر عَلَيْهِ قبل تَوْبَته، وَإِذا حَارب وَأخذ المَال وَقتل فَعَلَيهِ الصلب [وَإِن ظهر عَلَيْهِ قبل تَوْبَته، وَإِذا حَارب وَأخذ المَال] وَلم يقتل فَعَلَيهِ قطع الْيَد وَالرجل من خلاف إِن ظهر عَلَيْهِ قبل تَوْبَته، وَإِذا حَارب وأخاف السَّبِيل فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّفْي، ونفيه أَن يطْلب» . قَالَ الشَّافِعِي: وَاخْتِلَاف حدودهم باخْتلَاف أفعالهم عَلَى مَا قَالَ ابْن عَبَّاس إِن شَاءَ الله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 692 قلت: وَرَوَاهُ ابْن الْمُغلس عَن عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا حجاج، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا خرج الرجل مُحَاربًا فَأَخَاف الطَّرِيق وَأخذ المَال قطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ من خلاف، وَإِذا أَخذ المَال وَقتل قطعت يَده وَرجله وصلب، وَإِذا قتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل، وَإِذا أَخَاف الطَّرِيق وَلم يَأْخُذ مَالا وَلم يقتل نفي» . ثمَّ اعْلَم أَن الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» جعل التَّفْسِير الْمَذْكُور عَن ابْن عَبَّاس من قَوْله مَرْفُوعا، وَهُوَ غَرِيب، وَقد أنكر عَلَيْهِ ابْن الصّلاح فِي «مشكله» فَقَالَ: إِنَّمَا يعرف ذَلِك من تَفْسِير ابْن عَبَّاس. كَذَلِك ذكره الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ وَالنَّاس، وَكَذَلِكَ ذكره شَيْخه، وَجعله إِيَّاه مَرْفُوعا قَالَ: وَتَفْسِير ابْن عَبَّاس أرجح من تَفْسِير غَيره؛ لِأَنَّهُ ترجمان الْقُرْآن، وَالْمعْنَى يعضده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 693 كتاب حد شَارِب الْخمر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 695 كتاب حد شَارِب الْخمر ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فستة عشر حَدِيثا: أَحدهَا عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كل مُسكر خمر، وكل خمر حرَام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي [صَحِيحه] كَذَلِك. وَفِي رِوَايَة لَهُ «كل مُسكر حرَام، وكل مُسكر خمر، وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يدمنها لم يتب مِنْهَا، لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة» . الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لعن الله الْخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، ومعتصرها وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 697 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الغافقي، وَسُئِلَ عَنهُ يَحْيَى بن معِين فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَذكره ابْن يُونُس فِي «تَارِيخه» وأوضح أَنه مَعْرُوف. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من الْوَجْه الْمَذْكُور، وَهَذَا لَفظه قَالَ (: «لعنت الْخمر بِعَينهَا، وعاصرها، ومعتصرها ... » بِمثل لفظ أبي دَاوُد، وَزَاد أَحْمد فِي «مُسْنده» أَيْضا بِهِ سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ: «لعنت الْخمر عَلَى عشرَة وُجُوه: لعنت الْخمْرَة بِعَينهَا ... » إِلَى آخِره. وَفِي إسنادهما أَبُو طعمة مَوْلَاهُم، وَقد رَمَاه مَكْحُول الْهُذلِيّ بِالْكَذِبِ، وَوَقع فِي «سنَن أبي دَاوُد» من طَرِيق [اللؤْلُؤِي] «أَبُو عَلْقَمَة» بدل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 698 «طعمة» وَالَّذِي وَقع فِي رِوَايَة أبي الْحسن بن العَبْد، وَغير وَاحِد «أبي طعمة» قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» : وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره، وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» بلفظين: أَحدهمَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لعن الْخمر، وعاصرها وجالبها، وبائعها ومشتريها، وَحرم ثمنهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ «وشاربها» . ثَانِيهَا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن الله لعن الْخمر وعاصرها والمعتصر لَهُ، والجالب والمجلوب إِلَيْهِ، وَالْبَائِع وَالْمُشْتَرِي، والساقي، وَحرم ثمنهَا عَلَى الْمُسلمين» . وَله طَرِيق ثَانِي من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْخمر عشرَة: عاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا [والمشتراة] لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَاللَّفْظ لَهُ، وَابْن مَاجَه بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِي إِسْنَاده شبيب بن بشر وَلم تثبت عَدَالَته، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: لين الحَدِيث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 699 قلت: لَكِن وَثَّقَهُ ابْن معِين فَيَنْبَغِي إِذن تَصْحِيحه. قَالَ: وَقد رُوِيَ نَحْو هَذَا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر. قلت: أما حَدِيث ابْن عمر فقد سلف من أخرجه، وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَنهُ أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله لعن الْخمر وعاصرها، ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ، وبائعها ومبتاعها، وساقيها ومستقيها» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث فليح بن سُلَيْمَان، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن وَائِل، عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه أَن رَسُول (قَالَ: «لعن الله الْخمْرَة، وَلعن سَاقيهَا وشاربها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ، وبائعها ومبتاعها، وآكل ثمنهَا» . قلت: وَرُوِيَ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَيْضا، ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» من حَدِيث عِيسَى بن أبي عِيسَى الحناط، عَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 700 الشّعبِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه لعن عشرَة: الْخمر وعاصرها ومعتصرها» قَالَ أَبُو حَاتِم: رَوَاهُ حسن بن صَالح، عَن عِيسَى الحناط، عَن الشّعبِيّ، عَمَّن حَدثهُ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: لَا أبعد عِيسَى أَن يكون قَالَ مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا، هَذَا من عِيسَى. قلت: وَهُوَ بِغَيْر ألف كَمَا سلف فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء. الحَدِيث الثَّالِث عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا أسكر كَثِيره فَالْفرق مِنْهُ حرَام» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه لَكِن لَفظهمْ: «مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من حَدِيث جَابر انْتَهَى. وَفِي إِسْنَاده دَاوُد [بن] بكر بن أبي الْفُرَات الْأَشْجَعِيّ، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ، لَيْسَ بالمتين. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلِهَذَا السَّبَب لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ. قلت: وَلم يتفرد بِهِ دَاوُد، فقد تَابعه مُوسَى بن عقبَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 701 قلت: وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث زَكَرِيَّا بن مَنْظُور، عَن سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ، وَفِيه عِلَّتَانِ: ضعف ابْن مَنْظُور وانقطاعه، فَإِن سَلمَة لم يسمع من ابْن عمر، وَشَاهد آخر من حَدِيث عَائِشَة وَسَيَأْتِي، قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» : وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عَلّي ابْن أبي طَالب، وَسعد بن أبي وَقاص، وَعبد الله بن عمر، وَعَائِشَة، وخوات بن جُبَير، وَحَدِيث سعد بن أبي وَقاص أَجودهَا إِسْنَادًا؛ فَإِن النَّسَائِيّ رَوَاهُ فِي «سنَنه» عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي - وَهُوَ أحد الثِّقَات - عَن الْوَلِيد بن كثير - وَقد احْتج [بِهِ] الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» - عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان - وَقد احْتج بِهِ مُسلم فِي «صَحِيحه» - عَن بكير بن عبد الله بن [الْأَشَج] عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص، وَقد احْتج بهما الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى [عَن سعد] إِلَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 702 من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ عَن الضَّحَّاك، وأسنده جمَاعَة [عَنهُ] 233) مِنْهُم الدَّرَاورْدِي، والوليد بن كثير وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير الْمَدِينِيّ. قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، فَقَالَ: أبنا عبد الله بن قَحْطَبَةَ، ثَنَا أَحْمد بن أبان الْقرشِي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، أَخْبرنِي الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن بكير بن عبد الله بن [الْأَشَج] ، عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن قَلِيل مَا أسكر كَثِيره» . الحَدِيث الرَّابِع عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا أسكر مِنْهُ الْفرق فملء الْكَفّ مِنْهُ حرَام» . هَذَا الحَدِيث وجدته فِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة من الرَّافِعِيّ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي كتاب «الْأَشْرِبَة» لَهُ وَلَفظه: «مَا أسكر الْفرق مِنْهُ فالوقية حرَام» قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 703 الْمُنْذِرِيّ: وَالْأَمر كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ فَإِن رُوَاته [جَمِيعهم] مُحْتَج بهم فِي «الصَّحِيحَيْنِ» سُوَى أبي عُثْمَان عَمْرو - وَيُقَال: عمر - ابْن سَالم الْأنْصَارِيّ مَوْلَاهُم الْمدنِي ثمَّ الْخُرَاسَانِي، وَهُوَ مَشْهُور ولي الْقَضَاء بِمَكَّة، وَرَأَى عبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَسمع من الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، وَعنهُ رَوَى هَذَا الحَدِيث، رَوَى عَنهُ غير وَاحِد، وَلم أر لأحد فِيهِ كلَاما. قلت: وَكَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان: أَبُو عُثْمَان هَذَا لَا نَعْرِف حَاله، وَكَانَ قَاضِيا بمرو، وَلم أجد ذكره فِي مظان وجوده فِي مصنفات الرِّجَال الروَاة. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث [بِصَحِيح] . كَذَا قَالَ، وَأَبُو عُثْمَان هَذَا، قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: هُوَ مَعْرُوف بكنيته، وَلَا أَحَق فِي اسْمه وَاسم أَبِيه شَيْئا، وَقد أحسن مهْدي بن مَيْمُون الثَّنَاء عَلَى أبي عُثْمَان وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَة أبي عبيد الْآجُرِيّ عَنهُ، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَأخرج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: رَفَعُوهُ وَخَالف خلف بن الْوَلِيد فَوَقفهُ عَلَى عَائِشَة وَالْقَوْل قَوْله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 704 قلت: وَرَوَاهُ الْخَطِيب من طَرِيق آخر إِلَى عَائِشَة بِلَفْظ: «مَا أسكر كَثِيره فالقطرة مِنْهُ حرَام» وَفِيه عمر بن صهْبَان الْمَتْرُوك كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر عَنْهَا مَرْفُوعا: «من شرب نبيذًا فاقشعر مِنْهُ مفرق رَأسه فالحسوة مِنْهُ حرَام» وَإِسْنَاده غير ثَابت والعمدة عَلَى مَا سلف. الحَدِيث الْخَامِس عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ فِي خطبَته: «نزل تَحْرِيم الْخمر، وَهِي من خَمْسَة أَشْيَاء: الْعِنَب، وَالتَّمْر، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالْعَسَل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عمر، عَن أَبِيه «أَنه قَالَ عَلَى مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما بعد أَيهَا النَّاس، إِنَّه نزل تَحْرِيم الْخمر، وَهِي من خَمْسَة: من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة وَالشعِير، وَالْخمر مَا خامر الْعقل» . قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: فِيهِ دلَالَة عَلَى أَن قَوْله «وَالْخمر مَا خامر الْعقل» من قَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث ابْن عمر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من الْحِنْطَة خمر، وَمن الشّعير خمر، وَمن التَّمْر خمر، وَمن الزَّبِيب خمر، وَمن الْعَسَل خمر» ، وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 705 أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْخمر من هَاتين الشجرتين: النَّخْلَة وَالْعِنَب» وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» و «صَحِيح ابْن حبَان» بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيح عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: سَمِعت رَسُول (يَقُول: «إِن الْخمر من الْعصير، وَالزَّبِيب، وَالتَّمْر، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير، والذرة، وَإِنِّي أنهاكم عَن كل مُسكر» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. تَنْبِيه: إِنَّمَا ذكرت حَدِيث [عمر] هَذَا فِي الْأَحَادِيث دون الْآثَار؛ لِأَن الظَّاهِر أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَا يَقُوله إِلَّا عَن تَوْقِيف، وَقد صرح بِرَفْعِهِ فِي «مُسْند أَحْمد» كَمَا أسلفناه عَنهُ. الحَدِيث السَّادِس قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمَا لَا يسكر من الأنبذة لَا يحرم، لَكِن يكره شرب المنَصَّف والخليطين لوُرُود النَّهْي عَنْهُمَا فِي الحَدِيث. كَمَا قَالَ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن ينْبذ التَّمْر وَالزَّبِيب جَمِيعًا، وَنَهَى أَن ينْبذ الرطب والبسر جَمِيعًا» وَفِي لفظ «أَن يخلط الزَّبِيب وَالتَّمْر، والبسر، وَالتَّمْر» وَفِي مُسلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 706 من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَابْن عمر، وَأبي سعيد، وَابْن عَبَّاس مثله، وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يجمع شَيْئَيْنِ فينبذا [يَبْغِي] أَحدهمَا عَلَى صَاحبه، قَالَ: وَسَأَلته عَن الفضيخ فنهاني عَنهُ. قَالَ: وَكَانَ يكره المذنب من الْبُسْر مَخَافَة أَن يَكُونَا شيئيين (فَكُنَّا) نقطعه» وَرَوَى الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «نهَى عَن المُزَّاء - قَالَ: يَعْنِي: خلط الْبُسْر وَالتَّمْر» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عبد الْقَيْس عَن المُزَّاء» رَوَاهُ بِإِسْنَاد صَحِيح وَفِيه زِيَادَة، قَالَ صَاحب «الاقتراح» : عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الخليطين» . قَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : [لم يسمعهُ يَحْيَى بن أبي كثير من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 707 أبي سَلمَة عَن عَائِشَة إِنَّمَا سَمعه من أبي سَلمَة عَن] أبي قَتَادَة - أَي: كَمَا هُوَ فِي «صَحِيح مُسلم» وَغَيره - وَقد رَوَاهُ أَحْمد بن شُعَيْب - يَعْنِي: النَّسَائِيّ - من بَينهمَا كلاب بن عَلّي، وَمرَّة ثُمَامَة بن كلاب، وَلَا يُدْرَى من مِنْهُمَا فَسقط. قَالَ ابْن حزم: وَلَو صَحَّ لما كَانَ فِيهِ حجَّة؛ لِأَن الخليطين هَكَذَا مُطلقًا لَا نَدْرِي مَا هما، أَهما الخليطان فِي الزَّكَاة أم فِي مَاذَا، وَأَيْضًا فَإِن ثريد اللَّحْم وَالْخبْز خليطان، وَاللَّبن وَالْمَاء خليطان، فلابد من بَيَان مُرَاده عَلَيْهِ السَّلَام بذلك، وَلَا يُؤْخَذ بَيَان مُرَاده إِلَّا من لَفظه، فَبَطل تعلقهم بِهَذَا الْأَثر. قلت: قد رُوِيَ هَذَا أَولا من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الخليطين أَن يشربا، قُلْنَا: يَا رَسُول الله، وَمَا (الخليطين) ؟ قَالَ: التَّمْر وَالزَّبِيب» . فَائِدَة: الفضيخ شراب يتَّخذ من التَّمْر وَحده من غير أَن تمسه النَّار، فَإِن كَانَ مَعَه زبيب فَهُوَ الخليط. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْمنصف مَا عمل من تمر وَرطب، وشراب الخليطين مَا عمل من (نَبِيذ) وَرطب، وَقيل: مَا عمل من التَّمْر وَالزَّبِيب، وَسبب النَّهْي أَن الشدَّة والإسكار تتسارع إِلَيْهِ بِسَبَب الْخَلْط قبل أَن يتَغَيَّر الطّعْم، فيظن الشَّارِب أَنه لَيْسَ بمسكر [وَهُوَ مُسكر] (قَالَ: وَهَذَا كالنهي) عَن الظروف الَّتِي كَانُوا ينتبذون فِيهَا كالدَّباء: وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 708 القرع، والحنتم: وَهُوَ الجرار الْخضر، والنقير: وَهُوَ أصل الْجذع ينقر ويتخذ مِنْهُ الْإِنَاء، والمزفت: وَهُوَ المطلي بالزفت وَهُوَ القار، وَيُقَال لَهُ: المُقَيّْر أَيْضا. قَالَ: هَذِه الظروف أَيْضا لَا تَعَلُّق وَلَا يضْربهَا [الْهَوَاء، فقد يشْتَد مَا فِيهَا وَلَا يطلع عَلَيْهِ، بِخِلَاف الأسقية الَّتِي يضْربهَا] الْهَوَاء، وَتعلق. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ، وَالنَّهْي الْمَذْكُور ثَابت، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الدُبَّاء والمزفَّت أَن ينْبذ فِيهِ» وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «لَا تنتبذوا فِيهَا» وَعنهُ عَلَيْهِ السَّلَام «نهَى عَن المزفت والحنتم والنقير» . (وَأخرجه البُخَارِيّ مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث ابْن أبي أَوْفَى «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) عَن الْجَرّ الْأَخْضَر» قلت: أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لوفد عبد الْقَيْس: أنهاكم عَن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمقيرَّ» وَأخرجه البُخَارِيّ بِمثلِهِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَله غير ذَلِك من الطّرق، فَادَّعَى ابْن حزم فِي «محلاه» فِي هَذَا الحَدِيث دَعْوَى فِيهَا وَقْفَة فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِن قَالُوا: قد صَحَّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نسخ النَّهْي عَن نَبِيذ الْجَرّ قُلْنَا: النَّهْي وَالله عَن خليط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 709 الزَّبِيب وَالتَّمْر أصح عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[من نسخ] النَّهْي [عَن نَبِيذ الْجَرّ] فَكَانَ النَّهْي فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ بِحَدِيث بُرَيْدَة الثَّابِت فِي الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن الانتباذ فِي الأسقية أَلا فانتبذوا فِي كل وعَاء وَلَا تشْربُوا مُسكرا» قَالَ الجبائي: وَالْقَوْل بالنسخ هُوَ أصح الْأَقَاوِيل. قَالَ: وَقَالَ قوم: التَّحْرِيم بَاقٍ وكرهوا الانتباذ فِي هَذِه الأوعية وَإِلَيْهِ ذهب مَالك، وَأحمد، وَإِسْحَاق، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر، وَابْن عَبَّاس. فَائِدَة: الدُبَّاء - بدال مُهْملَة مَضْمُومَة، وهمزة آخِره - مفرده دباءة، وَوزن الدُّبَّاء فُعَّال، ولامه همزَة لَازِمَة؛ لِأَنَّهُ لم يعرف هَل انقلبت همزته عَن وَاو أَو يَاء. كَذَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، وَأخرجه الْجَوْهَرِي فِي المعتل فَإِنَّهُ جعله من مَادَّة «دبي» فَيكون وَزنه فعالاً أَيْضا إِلَّا أَن همزته منقلبة، قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهَذَا أشبه. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: همزته زَائِدَة، ووزنه فعلا. الحَدِيث السَّابِع حَدِيث «كل مُسكر حرَام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عَائِشَة، وَابْن عمر، وَبُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَلَا يقبل مَا نقل عَن ابْن معِين فِيهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 710 الحَدِيث الثَّامِن «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن التَّدَاوِي بِالْخمرِ فَقَالَ: إِن الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم» وَيروَى أَنه قَالَ: «إِنَّمَا ذَلِك دَاء وَلَيْسَ بشفاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِ اللَّفْظ الثَّانِي مُسلم فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ من رِوَايَة وَائِل بن حجر «أَن طَارق بن سُوَيْد الْجعْفِيّ سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْخمر فَنَهَاهُ عَنْهَا، [أَو كره أَن يصنعها] فَقَالَ: إِنَّمَا أصنعها [للدواء] فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بدواء، وَلكنه دَاء» وَرَوَاهُ بِهِ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه من حَدِيث طَارق أَيْضا قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِن بأرضنا أعنابًا نعتصرها فنشرب مِنْهَا؟ قَالَ: لَا. فراجعته فَقلت: إِنَّا نستشفي بِهِ للْمَرِيض. فَقَالَ: إِن ذَلِك لَيْسَ بشفاء، وَلكنه دَاء» قَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ أَيْضا فِي «مُسْنده» من حَدِيث سماك قَالَ: سَمِعت عَلْقَمَة بن وَائِل، يحدث عَن أَبِيه وَائِل «أَن سُوَيْد بن طَارق - وَهُوَ طَارق ابْن سُوَيْد - سَأَلَ رَسُول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 711 الله ( [عَن الْخمر، فَنَهَاهُ عَنْهَا أَن يصنعها، فَقَالَ: إِنَّهَا دَوَاء. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] : أَنَّهَا لَيست دَوَاء، وَلكنهَا دَاء» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث وَائِل أَيْضا «أَن سُوَيْد بن طَارق سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْخمر، وَقَالَ: إِنَّمَا نصنعها. فَنَهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن ذَلِك، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا دَوَاء. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّهَا لَيست بدواء، وَلكنهَا دَاء» وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا من حَدِيث عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن طَارق بن سُوَيْد الْحَضْرَمِيّ قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِن بأرضنا أعنابًا نعتصرها، وَنَشْرَب مِنْهَا. فَقَالَ: لَا تشرب. قلت: أنشفي بهَا الْمَرْضَى؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّمَا ذَلِك دَاء، وَلَيْسَ بشفاء» وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «نبذت نبيذًا فِي كوز (فَدخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) وَهُوَ يغلي فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قلت: اشتكت ابْنة لي فنُعت لَهَا هَذَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إنَّ الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم» هَذَا لفظ الْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ ابْن حبَان: «اشتكت ابْنة لي فنبذت لَهَا فِي كوز، فَدخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يغلي، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَت: أَن ابْنَتي اشتكت فنبذنا لَهَا هَذَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الله لم يَجْعَل شفاءكم فِي حرامٍ» وَوهم ابْن حزم فِي إعلاله هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 712 سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، وَهُوَ مَجْهُول. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَالَّذِي فِي إِسْنَاده إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان [بن أبي سُلَيْمَان] ، وَهُوَ أحد الثِّقَات التَّابِعين الْمجمع عَلَيْهِ عَلَى توثيقهم، أَكثر عَنهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَأخرجه البُخَارِيّ مَوْقُوفا عَلَى ابْن مَسْعُود، أخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب «الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس» من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «إِن الله أنزل الدَّاء، وَأنزل الشِّفَاء فَمن تداوى بحلال الله كَانَ لَهُ شِفَاء، وَمن تداوى بِحرَام الله لم يكن لَهُ فِيهِ شِفَاء» وَقد أوضحت هَذَا الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع ورد فِي الْخَبَر «العينان تزنيان، وَالْيَدَانِ تزنيان» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه فِي كتاب اللّعان. الحَدِيث الْعَاشِر رَوَى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أُتِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بشارب فَقَالَ: اضْرِبُوهُ. فضربوه بِالْأَيْدِي وَالنعال وأطراف الثِّيَاب، وحثوا عَلَيْهِ التُّرَاب، ثمَّ قَالَ: بكّتُوه. فبكتوه، ثمَّ أرْسلهُ، فَلَمَّا كَانَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سَأَلَ من حضر ذَلِك الضَّرْب فقومه أَرْبَعِينَ - وَيروَى فقدره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 713 - فَضرب أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَرْبَعِينَ فِي الْخمر (حقّا لله) ثمَّ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثمَّ تتايع النَّاس فِي الْخمر فَاسْتَشَارَ فَضَربهُ ثَمَانِينَ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا ترَى، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «سنَنه» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر أَيْضا من طَرِيقين أَحدهمَا: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بشارب خمر وَهُوَ بحنين فَحَثَا فِي وَجهه التُّرَاب، ثمَّ أَمر أَصْحَابه فضربوه بنعالهم وَمَا كَانَ فِي أَيْديهم، حَتَّى قَالَ لَهُم: ارْفَعُوا [فَرفعُوا، فَتوفي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] ثمَّ جلد أَبُو بكر فِي الْخمر أَرْبَعِينَ، ثمَّ جلد عمر صَدرا من إمارته أَرْبَعِينَ، ثمَّ جلد ثَمَانِينَ فِي آخر خِلَافَته، وَجلد عُثْمَان الحدين كليهمَا ثَمَانِينَ وَأَرْبَعين، ثمَّ أثبت مُعَاوِيَة الْحَد ثَمَانِينَ» . الثَّانِي: «قَالَ ابْن أَزْهَر: كَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْآن وَهُوَ فِي الرّحال يلْتَمس رَحل خَالِد بن الْوَلِيد، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أُتِي بِرَجُل قد شرب الْخمر، فَقَالَ للنَّاس: [أَلا] اضْرِبُوهُ. فَمنهمْ من ضربه بالنعال، وَمِنْهُم من ضربه بالعصى، وَمِنْهُم من ضربه بالمَيْتَخَة - قَالَ ابْن وهب: الجريدة الرّطبَة - ثمَّ أَخذ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تُرَابا من الأَرْض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 714 (فَرَمَى بِهِ وَجهه) » وَأخرجه الْحَاكِم بِنَحْوِ من هَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ، وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لم يسمع الزُّهْرِيّ هَذَا الحَدِيث من عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر، إِنَّمَا هُوَ عَن عقيل بن خَالِد عَنهُ. وَأخرج الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضرب فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَجلد أَبُو بكر أَرْبَعِينَ» وَفِي رِوَايَة لَهما «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أُتي بِرَجُل قد شرب الْخمر فجلده بجريد نَحْو أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَفعله أَبُو بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر اسْتَشَارَ النَّاس فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أخف الْحُدُود ثَمَانُون. فَأمر بِهِ عمر» وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِلَفْظ آخر عَن أنس قَالَ: «أَتَى رجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد شرب الْخمر، (فَأمر بِهِ فَضرب بنعلين أَرْبَعِينَ، ثمَّ أُتِي أَبُو بكر بِرَجُل قد شرب الْخمر فَصنعَ بِهِ مثل ذَلِك، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 715 ثمَّ أُتِي عمر بِرَجُل قد شرب الْخمر) فَاسْتَشَارَ النَّاس، فَقَالَ ابْن عَوْف: أخف الْحَد ثَمَانِينَ. فَضرب عمر ثَمَانِينَ» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن عمر اسْتَشَارَ فَقَالَ عَلّي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أرَى أَن يجلد ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ إِذا شرب سكر، وَإِذا سكر هذى، وَإِذا هذى افتَرَى - أَو كَمَا قَالَ - فجلده عمر ثَمَانِينَ» . قلت: رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» من رِوَايَة ثَوْر بن [زيد] الديلِي «أَن عمر اسْتَشَارَ ... » فَذكر الحَدِيث، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك بِهِ، وَهُوَ مُرْسل ثَوْر بن [زيد] لم يدْرك عمر. قَالَه عبد الْعَزِيز النحشبي، وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه «وهج الْجَمْر فِي تَحْرِيم الْخمر» : لم يلْحق عمر، فروايته عَنهُ مُنْقَطِعَة. وَكَذَا جزم بِهِ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من طَرِيقين ثمَّ قَالَ فِي كل مِنْهُمَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. فَائِدَة: قَوْله «بكتوه» وَهُوَ بباء مُوَحدَة ثمَّ كَاف مُشَدّدَة ثمَّ مثناة فَوق، قَالَ ابْن الْأَثِير: التبكيت: التقريع والتوبيخ، بِأَن يُقَال لَهُ: يَا فَاسق أما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 716 اتَّقَيْت الله أما استحيت مِنْهُ. قَالَ الْهَرَوِيّ: وَيكون أَيْضا بِالْيَدِ والعصى وَنَحْوهمَا. وَقد جزم المارودي فِي «الْإِقْنَاع» بحث التُّرَاب والتبكيت كَمَا ورد فِي الحَدِيث، وَاقْتَضَى كَلَامه وُجُوبه. وَقَوله: «ثمَّ تتايع» هُوَ بمثناة تَحت قبل الْعين، وَهُوَ عبارَة عَن أَن يفعل من أَفعَال الْقبْح مَا يفعل غَيره من غير فِكْرة وَلَا رَويَّة. فَائِدَة ثَانِيَة: من الغرائب المهمة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جلد فِي الْخمر ثَمَانِينَ» حَكَاهُ ابْن الطلاع عَن «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» لَكِن قَالَ ابْن حزم فِي رسَالَته فِي إبِْطَال الْقيَاس: إِن النَّص الْجَلِيّ صَحَّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه جلد فِي الْخمر أَرْبَعِينَ» وَأَنه ورد من طَرِيق لَا يَصح «ثَمَانِينَ» وَوَقع فِي «كِفَايَة ابْن الرّفْعَة» أَنَّهَا مُرْسلَة، وَرَأَيْت بِخَط بعض الْحفاظ العصريين أَن ابْن دحْيَة رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لقد هَمَمْت أَن أكتب فِي الْمُصحف أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جلد فِي الْخمر ثَمَانِينَ» ثمَّ قَالَ - أَعنِي ابْن دحْيَة -: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَقد أغفل هَذَا الحَدِيث الْأَئِمَّة الْحفاظ كَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا. هَذَا آخِره فَليتبعْ. الحَدِيث الْحَادِي عشر رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بجلد الشَّارِب أَرْبَعِينَ» . هَذَا الحَدِيث هُوَ بِنَحْوِ من لفظ أبي دَاوُد الأول الْمَذْكُور قبل هَذَا. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بشارب، فَأمر عشْرين رجلا فَضَربهُ كل وَاحِد مِنْهُم ضربتين بِالْجَرِيدِ وَالنعال» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 717 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث قَتَادَة عَنهُ «أَن رجلا رفع إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد سكر، فَأمر قَرِيبا من عشْرين رجلا فجلدوه بِالْجَرِيدِ وَالنعال» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون رفع إِلَيْهِ بَعْدَمَا ذهب سكره. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن الْأَصْحَاب من رَأَى أَن الضَّرْب بِالْيَدِ وَالنعال جَائِز لَا محَالة، وَذكروا وَجْهَيْن فِي أَنه هَل يتَعَيَّن ذَلِك أَو يجوز الْعُدُول إِلَى السِّيَاط؟ وَظَاهر الْمَذْهَب أَن كلا مِنْهُمَا جَائِز، أما الأول فَلِأَنَّهُ الأَصْل وَبِه وَردت الْأَخْبَار. وَأما الثَّانِي فبفعل الصَّحَابَة واستمرارهم عَلَيْهِ. قلت: أما الأول فقد عرفت فِيهِ حَدِيث أنس وَغَيره، وَأما الثَّانِي فَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب فعله عَن عمر. وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - إِن شَاءَ الله. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «ضرب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالنعال وأطراف الثِّيَاب، وَضرب أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَعمر ثَمَانِينَ، وَالْكل سنة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة حضين بن المندُر - وَهُوَ أَبُو ساسان - قَالَ: «شهِدت عُثْمَان بن عَفَّان أُتي بالوليد قد صَلَّى الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: أَزِيدكُم؟ فَشهد عَلَيْهِ رجلَانِ - أَحدهمَا حمْرَان - أَنه شرب الْخمر، وَشهد آخر أَنه رَآهُ يتقيأه، فَقَالَ عُثْمَان: إِنَّه لم يتقيأ حَتَّى شربهَا. فَقَالَ: يَا عَلّي، قُم فاجلده. فَقَالَ عَلّي: قُم يَا حسن فاجلده. فَقَالَ الْحسن: [ولِّ] حارَّها من تولَّى قارَّها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 718 فَكَأَنَّهُ وجد عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا عبد الله بن جَعْفَر، قُم فاجلده. فجلده وَعلي يعد حَتَّى بلغ أَرْبَعِينَ فَقَالَ: أمسك. ثمَّ قَالَ: جلد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرْبَعِينَ [وَأَبُو] بكر أَرْبَعِينَ وَعمر ثَمَانِينَ، وكلُ سنة، وَهَذَا أحب إليَّ» . فَائِدَة: حُضين الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة فَتنبه لذَلِك. فَائِدَة ثَانِيَة: إِن قلت: كَيفَ يجمع بَين هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث الْآتِي فِي «بَاب ضَمَان الْوُلَاة» «مَا كنت لأقيم عَلَى أحدٍ حدًّا فَيَمُوت فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا إِلَّا صَاحب الْخمر فَإِنَّهُ لَو مَاتَ وديته، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يسنه، قَالَ: وكلٌ سنة» ؟ فَالْجَوَاب: أَن الضَّرْب سنة، وَالْعدَد مُجْتَهد فِيهِ. الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرَادَ أَن يجلد رجلا فَأتي بِسَوْط خَلِق، فَقَالَ: فَوق هَذَا. فَأتي بِسَوْط جَدِيد، فَقَالَ: بَين هذَيْن» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي «بَاب حد الزِّنَا» فَرَاجعه مِنْهُ، وَلَفظ الحَدِيث فِيمَا مَضَى: «فَأتي بِسَوْط جَدِيد لم تقطع ثَمَرَته» . قَالَ ابْن الصّلاح: ثَمَرَته طرفه. قَالَ: واشتبه هَذَا عَلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَغير أَلْفَاظ الحَدِيث، وَقَالَ فَأتي ثجر وبسرة الثَّمَرَة بعقدها الَّتِي هِيَ منابت الغصون الدقيقة وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك الْغَزالِيّ فِي «بسيطه» ونسأل الله الْعِصْمَة والتوفيق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 719 الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا ضرب أحدكُم فليتق الْوَجْه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِأَلْفَاظ، أَحدهَا: «إِذا ضرب أحدكُم أَخَاهُ فليجتنب الْوَجْه، فَإِن الله عَزَّ وَجَلَّ خلق آدم عَلَى صورته» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «إِذا ضرب أحدكُم فليجتنب الْوَجْه» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعتْق من «صَحِيحه» عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن ابْن وهب، عَن مَالك وَابْن فلَان، كِلَاهُمَا عَن سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قَالَ: وحَدثني عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق [عَن معمر] أَنبأَنَا همام، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. «إِذا قَاتل أحدكُم فليجتنب الْوَجْه» . قَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» ابْن فلَان هَذَا قيل: إِنَّه عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان (أحد) الضُّعَفَاء، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث سَالم، عَن ابْن عمر «أَنه كره أَن تعلم الصُّورَة، وَقَالَ ابْن عمر: «نهَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 720 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تضرب - (وَفِي رِوَايَة أَن يُضرب - الْوَجْه» ذكره فِي آخر (الطِّبّ) فِي بَاب الوسم. قَوْله: يَعْنِي الْوَجْه وَكَذَا أَن تعلم أَي يَبْقَى بعلامة. وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) عَن ضرب الْوَجْه وَعَن وسم الْوَجْه» وَاعْلَم أَن فِي إِسْنَاد أبي دَاوُد عمر بن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَضَعفه ابْن معِين، وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق لَا يحْتَج. وَوَثَّقَهُ غَيرهم، وَفِي إِسْنَاد النَّسَائِيّ مُحَمَّد بن عجلَان، وَهُوَ صَدُوق. قَالَ الْحَاكِم وَغَيره: هُوَ سيئ الْحِفْظ. وَخرج لَهُ مُسلم فِي الشواهد ثَلَاثَة عشر حَدِيثا. الحَدِيث السَّادِس عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 721 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَفِي إِسْنَاده: سعيد بن بشير، وَأعله ابْن حزم بِهِ وبإسماعيل بن مُسلم، وَقَالَ: هما ضعيفان. وَذكره ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح» وَرَوَى من غير حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَابْن السكن من حَدِيث حَكِيم بن حزَام، وَفِي إِسْنَاده زفر بن وثيمة، وَمُحَمّد بن عبد الله الشعيثي، وَقد جهل الأول ابْن الْقطَّان، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، ثمَّ ادَّعَى - أَعنِي ابْن الْقطَّان - أمرا آخر فَقَالَ: وَقد تفرد عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الله الشعيثي. وَلَيْسَ كَمَا ذكر فقد رَوَى عَنهُ ابْن عجلَان أَيْضا حَدِيث «إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه ... » الحَدِيث. وَأما الثَّانِي فقد وَثَّقَهُ غير وَاحِد مِنْهُم: دُحَيْم، وَأَبُو حَاتِم وَالْفَلَّاس. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيّ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَفِيه شَيْء آخر، وَهُوَ الْخلف فِي سَمَاعه من حَكِيم فقد قيل: إِنَّه لم يلقه. حَكَاهُ صَاحب «التذهيب مُخْتَصر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 722 التَّهْذِيب» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بإسقاطه فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الشعيثي، عَن الْعَبَّاس بن عبد الرَّحْمَن الْمدنِي، عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد، وَلَا يستقاد فِيهَا» وَذكره ابْن حزم بِهِ وَمُحَمّد بن عبد الله الشعيثي، وَقَالَ: هما مَجْهُولَانِ. وَقد علمت حَال الشعيثي، فدعواه جهالته عَجِيب، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من طَرِيق آخر عَن حَكِيم بن حزَام ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح فِيهِ مُحَمَّد بن سهل، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ مرّة: كَانَ يضع الحَدِيث وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى (أَن يجلد) الْحَد فِي الْمَسْجِد» وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة، وحالته علمت غير مرّة. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فإحدى عشر أثرا: الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث: عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم «قَالُوا للجلاد: «لَا ترفع يَديك حَتَّى يرَى بَيَاض إبطك» . أما الأول فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَاصِم الْأَحول، عَن أبي عُثْمَان قَالَ: «أُتِي بِرَجُل عمر بن الْخطاب فِي حد، فَأتي بِسَوْط فِيهِ شدَّة فَقَالَ: أُرِيد أَلين من هَذَا. ثمَّ أُتِي بِسَوْط فِيهِ لين فَقَالَ: أُرِيد أَشد من هَذَا. فَأتي بِسَوْط بَين السوطين فَقَالَ: اضْرِب وَلَا يرَى إبطك، وَأعْطِ كل عُضْو حَقه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 723 وَأما الثَّانِي فَغَرِيب لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَأما الْأَثر الثَّالِث: فَأخْرجهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي [ماجد] قَالَ: «جَاءَ رجل من الْمُسلمين بِابْن أَخ لَهُ وَهُوَ سَكرَان فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، إِن ابْن أخي سَكرَان. فَقَالَ: ترتروه ومزمزوه واستنكهوه. فَفَعَلُوا، فرفعه إِلَى السجْن، وَجَاء بِهِ من الْغَد ودعا بِسَوْط، ثمَّ أَمر بثمرته فدقت بَين حجرين حَتَّى صَارَت درة، ثمَّ قَالَ للجلاد: اجلد [وارجع] يدك، وَأعْطِ كل عُضْو حَقه. قلت: مَا أرجع؟ قَالَ: لَا يرَى بَيَاض إبطه. فَضَربهُ ضربا غير مبرح قَالَ: لَيْسَ بالشديد وَلَا بالهين. وضربه فِي قَمِيص وَإِزَار أَو قَمِيص (أَو) سَرَاوِيل» . الْأَثر الرَّابِع: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «سَوط الْحَد بَين سوطين، وَضرب بَين ضربتين» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، وَابْن الصّباغ ذكره مَرْفُوعا. الْأَثر الْخَامِس: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ للجلاد: أعْط كل عُضْو حَقه، وَاتَّقِ الْوَجْه والمذاكير» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . الْأَثر السَّادِس: عَن عمر أَنه قَالَ: «سَوط الْحَد بَين سوطين» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 724 وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا. الْأَثر السَّابِع: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (قَالَ للجلاد: اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِيهِ» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه من أهل هَذَا الْفَنّ، وَذكره أَيْضا أَبُو بكر الرَّازِيّ فِي «أَحْكَام الْقُرْآن» فَقَالَ: «أُتِي أَبُو بكر بِرَجُل انْتَفَى من أَبِيه، فَقَالَ أَبُو بكر: اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِي الرَّأْس» . الْأَثر الثَّامِن وَالتَّاسِع: عَن عمر، وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما « [لَا يجلد] إِلَّا بِالسَّوْطِ» وَاسْتقر الْأَمر عَلَيْهِ. الْأَثر الْعَاشِر: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَجَعَ عَن رَأْيه فِي الْجلد ثَمَانِينَ، وَكَانَ يجلد فِي خِلَافَته أَرْبَعِينَ» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. الْأَثر الْحَادِي عشر: أثر عمر الْمُتَقَدّم فِي أثْنَاء الحَدِيث الْعَاشِر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 725 بَاب التَّعْزِير ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فخمسة: الحَدِيث الأول حَدِيث «سَرقَة التَّمْر إِذا آواه الجرين، وَبلغ قِيمَته ثمن الْمِجَن فَفِيهِ الْقطع، وَإِن كَانَ دون ذَلِك فَفِيهِ غرم مثله وجلدات نكال» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي كتاب السّرقَة وَاضحا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ التَّعْزِير من فعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «سنَن أبي دَاوُد» وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث معمر، عَن بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حبس رجلا فِي تُهْمَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. ثمَّ سَاق من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حبس رجلا فِي تُهْمَة يَوْمًا وَلَيْلَة استظهارًا (أَو) احْتِيَاطًا» . قَالَ ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» : لَا يحفظ هَذَا الْمَتْن إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق وَطَرِيق أبي هُرَيْرَة، وَالْأول مِمَّا ينْفَرد بِهِ معمر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 726 قلت: لَا، فقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد رَوَى إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هَذَا الحَدِيث عَن بهز بن حَكِيم أتم من هَذَا وأطول. فَذكره. وَفِي هَذَا نظر، وَالظَّاهِر أَنه يرويهِ عَن معمر فَسقط معمر، لَا جرم أخرجه الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن بهز بِهِ، وَابْن حزم قَالَ: هَذَا خبر واهٍ. وَذكره من حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حبس فِي تُهْمَة» وَمن حَدِيث عبد الرَّزَّاق السَّابِق، وَمن حَدِيث غَيرهمَا، ثمَّ قَالَ: كُله بَاطِل، فِي حَدِيث أنس أَبُو بكر بن عَيَّاش وَهُوَ ضَعِيف، وَانْفَرَدَ بِهِ إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا الوَاسِطِيّ وَلَا يُدْرَى من هُوَ، وَحَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده ضَعِيف. وَقد عرفت جودة حَدِيث حَكِيم، لَا كَمَا قَالَه من ضعفه، وَسَيَأْتِي فِي آخر «كتاب السّير» حَدِيث تَحْرِيمه عَلَيْهِ السَّلَام مَتَاع الغال وَهُوَ تَعْزِير، وَسلف فِي «بَاب حد الزِّنَا» نفي المخنثين، قَالَ الرَّافِعِيّ فِيهِ أَثَره: وَهُوَ تعزيره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 727 الحَدِيث الثَّانِي عَن أبي بردة بن ينار رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يجلد فَوق عشرَة أسواط إِلَّا فِي حد من حُدُود الله عَزَّ وَجَلَّ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» ، وَغلط صَاحب «الْمُنْتَقَى» حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا النَّسَائِيّ. وَهُوَ فِيهِ فِي بَاب الرَّجْم من طرق، وَقد عزاهُ إِلَيْهِ ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» ، وَقد تكلم فِي إِسْنَاده ابْن الْمُنْذر والأصيلي، وَقد أوضحت ذَلِك مَعَ جَوَابه فِي «شرح الْعُمْدَة» فَرَاجعه مِنْهُ، وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ أورد الحَدِيث بِلَفْظ: «لَا يجلد فَوق الْعشْرَة إِلَّا فِي حد» بِإِطْلَاق النَّهْي عَن الزِّيَادَة مُطلقًا، والْحَدِيث إِنَّمَا ورد بتقييد النَّهْي عَن الزِّيَادَة بالأسواط لَا مُطلقًا، وَقد صرح الْإِصْطَخْرِي بذلك فِي تصنيفه فِي «أدب الْقَضَاء» فِي الْكَلَام عَلَى تَعْزِير من أَسَاءَ أدبه فَقَالَ: أحب أَن يضْرب بِالدرةِ، فَإِن ضرب بِالسَّوْطِ فَأحب أَن لَا يُزَاد عَلَى الْعشْرَة، فَإِن ضرب بِالدرةِ فَلَا يُزَاد عَلَى سَبْعَة وَثَلَاثِينَ. قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 728 الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن الصَّحَابَة فِي مِقْدَار التَّعْزِير آثَار مُخْتَلفَة، وَأحسن مَا يُصَار إِلَيْهِ فِي هَذَا مَا ثَبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ ذكر الحَدِيث من طرق. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَصحح صَاحب التَّقْرِيب هَذَا الحَدِيث. قلت: قد وثق، وَقد اعْترض الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه» عَلَى الْغَزالِيّ فِي قَوْله: إِن بعض الْأَئِمَّة (صَححهُ. فَقَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، (وَزَاد) بقوله: بعض الْأَئِمَّة) صَاحب التَّقْرِيب. قَالَ: والْحَدِيث أظهر من أَن يُضَاف تَصْحِيحه إِلَى فَرد من الْأَئِمَّة. قَالَ: وَقد اشْتهر عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: مذهبي مَا صَحَّ بِهِ الحَدِيث. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْأَظْهَر أَنه يجوز الزِّيَادَة عَلَى الْعشْر، وَإِنَّمَا المراعى النُّقْصَان عَن الْحَد، والْحَدِيث الْمَذْكُور مَنْسُوخ عَلَى مَا ذكره بَعضهم، وَاحْتج بِعَمَل الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم بِخِلَافِهِ من غير إِنْكَار، وَعَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كتب إِلَى أبي مُوسَى الأشعرى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه لَا يبلغ بنكال أَكثر من عشْرين سَوْطًا» وَيروَى «ثَلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ» . وَهَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ حَيْثُ قَالَ: بعد [أَن] رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُغيرَة: «كتب عمر بن عبد الْعَزِيز أَن لَا يبلغ فِي التَّعْزِير أدنَى الْحُدُود أَرْبَعِينَ سَوْطًا» : قد رُوِيَ عَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي مِقْدَار التَّعْزِير آثَار مُخْتَلفَة ... إِلَى آخر مَا أسلفناه عَنهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 729 تَنْبِيه: من الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا تَعْزِير فَوق عشْرين سَوْطًا» قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» : قَالَ أَبُو حَاتِم: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ يضع الحَدِيث، ويروي مَا لَا أصل لَهُ من كَلَام رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا اعْتِبَارا. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا فِي الْحُدُود» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَو دَاوُد من حَدِيث عبد الْملك بن زيد، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عطاف بن خَالِد، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، لَكِن زَاد بعد مُحَمَّد بن أبي بكر: عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأعله عبد الْحق بِعَبْد الْملك وعطاف، وَقَالَ: هما ضعيفان. فَأَما الأول: فَقَالَ فِيهِ ابْن الْجُنَيْد والأزدي: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَأما الثَّانِي: فوثقه أَحْمد وَابْن معِين، وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 730 النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَتكلم فِيهِ مَالك وَلم يحمده، وَقَالَ الرَّازِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيثهمْ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا وَافق الثِّقَات. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَالزِّيَادَة الثَّانِيَة الَّتِي فِي النَّسَائِيّ تبين انْقِطَاع حَدِيث أبي دَاوُد فِيمَا بَين مُحَمَّد بن أبي بكر وَعمرَة وَقَالَ ابْن عدي: لم يرو هَذَا الحَدِيث غير عبد الْملك، وَهُوَ مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيجه أَحَادِيث الشهَاب» بعد ذكر مقَالَة ابْن عدي: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو حرَّة وَاصل بن عبد الرَّحْمَن الرقاشِي، عَن مُحَمَّد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، وَأَبُو حرَّة ضَعِيف، وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن نَافِع، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن عمْرَة. قلت: وَأَبُو بكر هَذَا ضَعِيف أَيْضا، قَالَ أَبُو عُثْمَان (سعيد بن عُثْمَان) البرذعي: سَمِعت أَبَا زرْعَة الرَّازِيّ يَقُول: أَبُو بكر بن نَافِع رجل جليل، وَأَبُو بكر بن نَافِع صَاحب حَدِيث عَائِشَة: «أقيلوا ذَوي الهيئات» ضَعِيف. قَالَ ابْن طَاهِر: وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا عبد الله بن هَارُون بن مُوسَى الْفَروِي أَبُو عَلْقَمَة، عَن عبد الله بن مُسلم القعْنبِي، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس، وَهَذَا بَاطِل، وَالْحمل فِيهِ عَلَى الْفَروِي؛ لِأَن من بعده ثِقَات، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 731 بعد أَن ذكر حَدِيث أبي دَاوُد السالف، وَتكلم عَلَيْهِ: قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من أوجه أخر لَيْسَ مِنْهَا شَيْء يثبت. وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْعقيلِيّ الْحَافِظ، وَقد صَحَّ الحَدِيث الْمَذْكُور بِدُونِ الِاسْتِثْنَاء، أخرجه الشَّافِعِي، وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهما من حَدِيث عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أقيلوا ذَوي الهيئات زلاتهم» وَلَفظ الشَّافِعِي «تجافوا لِذَوي الهيئات عَن عثراتهم» . قَالَ الشَّافِعِي: وَسمعت من أهل الْعلم من يعرف هَذَا الحَدِيث وَيَقُول: «يتجافى للرجل ذِي الْهَيْئَة عَن عثرته مَا لم يكن حدًّا» . قَالَ عبد الْحق: ذكره ابْن عدي فِي بَاب وَاصل بن عبد الرَّحْمَن الرقاشِي وَلم يذكر لَهُ عِلّة. قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن الْحسن بن سُفْيَان، ثَنَا سعيد بن [عبد الْجَبَّار] ، وَمُحَمّد بن الصَّباح، وقتيبة بن سعيد، قَالُوا: ثَنَا أَبُو بكر بن نَافِع العُمَري، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَمْرو، بن حزم، عَن عمْرَة عَنْهَا، بِلَفْظ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 732 فَائِدَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: ذُو الهيئات الَّذين يقالون عثراتهم الَّذين لَيْسُوا يعْرفُونَ بِالشَّرِّ فيزل أحدهم الزلة. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: فيهم وَجْهَان، أَحدهمَا: أَصْحَاب الصَّغَائِر دون الْكَبَائِر. وَثَانِيهمَا: من إِذا أذْنب تَابَ. قَالَ: وَفِي عثراتهم وَجْهَان: أَحدهمَا: الصَّغَائِر. وَثَانِيهمَا: أول مَعْصِيّة زل فِيهَا مُطِيع. الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَامِس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعرض عَن جمَاعَة استحقوا التَّعْزِير كَالَّذي غل فِي الْغَنِيمَة، وَكَذَا لوى شدقه حِين حكم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للزبير فِي شراج الْحرَّة وأساء الْأَدَب» . أما حَدِيث شراج الْحرَّة فَتقدم بَيَانه فِي «بَاب إحْيَاء الْموَات» وَأما حَدِيث الغال فَلَعَلَّهُ يُشِير إِلَى مَا فِي أبي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أصَاب غنيمَة أَمر بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاس، فيجيئون بغنائمهم فيخمَّسه ويقسمه، فجَاء رجل يَوْمًا بعد النداء بزمام من شعر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا كَانَ فِيمَا أصبناه من الْغَنِيمَة. فَقَالَ: سَمِعت بِلَالًا يُنَادي ثَلَاثًا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَمَا مَنعك أَن تَجِيء بِهِ؟ ! فَاعْتَذر. فَقَالَ: (كلا أَن) تَجِيء بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَلَنْ أقبله مِنْك» وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 733 هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. ذكر ذَلِك فِي موضِعين من كِتَابه وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَمثلهمْ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» . فَائِدَة: مَعْنَى غل: سرق. والشدق - بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف - وليه هُوَ فعل المستهزئ بِالنَّاسِ. وشراج الْحرَّة تقدم فِي إحْيَاء الْموَات. وَإِمَّا آثاره فَثَلَاثَة: أَحدهمَا: أثر عمر، وَقد سلف فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّانِي. ثَانِيهَا: عَن عمر أَيْضا «أَنه عزّر من زوَّر كتابا» . وَهُوَ أثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. ثَالِثهَا: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئِلَ عَن قَول الرجل للرجل: يَا فَاسق يَا خَبِيث. فَقَالَ: هن فواحش فِيهِنَّ تَعْزِير وَلَيْسَ فِيهِنَّ حد» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيقين: أَحدهمَا: من حَدِيث عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن أَصْحَابه، عَن عَلّي «فِي الرجل يَقُول للرجل: يَا خَبِيث يَا فَاسق. لَيْسَ عَلَيْهِ حد مَعْلُوم يُعَزّر الْوَالِي بِمَا يرَى» . ثَانِيهمَا: من حَدِيث عبد الْملك أَيْضا، عَن شيخ من أهل الْكُوفَة، قَالَ: سَمِعت عليا يَقُول: «إِنَّكُم سَأَلْتُمُونِي عَن الرجل يَقُول للرجل: يَا كَافِر يَا فَاسق يَا خَبِيث. وَلَيْسَ فِيهِ حد وَإِنَّمَا فِيهِ عُقُوبَة من السُّلْطَان، فَلَا تعودوا فتقولوا» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 734 كتاب ضَمَان الْوُلَاة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 735 كتاب ضَمَان الْوُلَاة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيث: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حد الشَّارِب أَرْبَعِينَ» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح سلف بَيَانه وَاضحا فِي «بَاب حد الشّرْب» قَالَ الرَّافِعِيّ: وأجمعت الصَّحَابَة عَلَى ذَلِك. وَذكر من الْآثَار أثر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَيْسَ أحد نُقِيم عَلَيْهِ حد فَيَمُوت، وَأَجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا إِن قَتله إِلَّا حد الْخمر، فَإِنَّهُ شَيْء رَأَيْنَاهُ بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، [فَمن] مَاتَ مِنْهُ فديته - إِمَّا قَالَ: فِي بَيت المَال، وَإِمَّا قَالَ: عَلَى عَاقِلَة الإِمَام» . شكّ فِيهِ الشَّافِعِي. وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عَلّي بن يَحْيَى، عَن الْحسن أَن عَلّي بن أبي طَالب قَالَ: «مَا أحد يَمُوت فِي حد من الْحُدُود فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا، إِلَّا الَّذِي يَمُوت فِي حد الْخمر، فَإِنَّهُ شَيْء أحدثناه بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَمن مَاتَ ... » إِلَى آخِره، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عُمَيْر بن سعيد النَّخعِيّ قَالَ: سَمِعت عَلّي بن أبي طَالب يَقُول: «مَا كنت لأقيم عَلَى أحدٍ حدًّا فَيَمُوت فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا، إِلَّا صَاحب الْخمر، فَإِنَّهُ لَو مَاتَ وديته؛ وَذَلِكَ أَن رَسُول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 737 الله (لم يسنه» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَقَالا فِيهِ: «لم يسن فِيهِ شَيْئا، إِنَّمَا قُلْنَاهُ نَحن» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ السكن فِي «صحاحه» : «إِنَّمَا هُوَ شَيْء صنعناه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» : أَرَادَ وَالله أعلم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يسنه بالسياط، وَقد سنه بالنعال، وأطراف الثِّيَاب بِمِقْدَار أَرْبَعِينَ. وَقَالَ: الْمجد فِي «أَحْكَامه» : مَعْنَاهُ لم يقدره ويوقته بِلَفْظِهِ ونطقه. وَكرر الرَّافِعِيّ هَذَا الْأَثر فِي مَوَاضِع أخر من الْبَاب، وَقَالَ: «إِنَّه شَيْء أحدثناه بعد رَسُول الله» . وَقد أٍلفناه عَن رِوَايَة الشَّافِعِي خلاف مَا ذكره عَنهُ، وَذكر - أَعنِي الرَّافِعِيّ - فِي الْبَاب من الْآثَار «أَن الصَّحَابَة حكمُوا فِي الَّتِي بعث إِلَيْهَا عمر لريبة فأجهضت ذَا بَطنهَا بِوُجُوب دِيَة الْجَنِين» وَهَذَا الْأَثر سلف بَيَانه وَاضحا فِي كتاب الدِّيات فَرَاجعه من ثمَّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 738 كتاب الْخِتَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 739 كتاب الْخِتَان ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث: أَولهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر رجلا أسلم بالاختتان» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالطَّبَرَانِيّ، وَابْن عدي، وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن جريج قَالَ أخْبرت عَن عثيم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأسلم، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ألق عَنْك شعر الْكفْر، واختتن» . هَذَا لَفظهمْ خلا الْأَوَّلين فَإِن لَفْظهمَا: «لما قَالَ: أسلمت. قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ألق عَنْك شعر الْكفْر، يَقُول: احْلق. قَالَ: فَأَخْبرنِي آخر مَعَه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لآخر: ألق عَنْك شعر الْكفْر، واختتن» وَهَذَا الْإِسْنَاد رَمَاه عبد الْحق بالانقطاع فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد. وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ لم يردهُ عبد الْحق بِغَيْر ذَلِك فيظفر بِهِ من لَا يرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 741 الْمُرْسل مُحْتَج بِهِ غير مُتَوَقف، وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده مَعَ الإنقطاع مَجْهُولُونَ. ثمَّ سَاقه من طَرِيق أبي دَاوُد الَّتِي ذَكرنَاهَا، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاده، وَهُوَ فِي غَايَة الضعْف مَعَ الِانْقِطَاع الَّذِي فِي قَول ابْن جريج «أخْبرت» وَذَلِكَ أَن عثيم بن كُلَيْب وأباه وجده مَجْهُولُونَ، وَمَعَ هَذَا فليته بَقِي هَكَذَا، بل فِيهِ زِيَادَة لَا أَقُول أَنَّهَا صَحِيحَة، وَلكنهَا مُحْتَملَة، وَهِي أَن من الْمُحدثين من قَالَ أَن قَول ابْن جريج «أُخبرتُ عَن عثيم بن كُلَيْب» إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، وَقد علم ضعفه، وَأُمُور أخر فِي دينه، وَقد كَانَ من النَّاس من كَانَ حسن الرَّأْي فِيهِ مِنْهُم الشَّافِعِي، وَابْن جريج، (قد) رَوَى ابْن جريج أَحَادِيث قَالُوا: إِنَّه إِنَّمَا أَخذهَا عَنهُ فأسقطه وأرسلها عَنهُ، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك فِيهِ أَبُو أَحْمد بن عدي، والخطيب الْبَغْدَادِيّ. قلت: وَنَقله عَن ابْن عدي الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» ، وَأقرهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَعِنْدِي أَن هَذَا لَا يَصح عَن ابْن جريج فَإِنَّهُ من أهل الدَّين وَالْعلم، وَإِن كَانَ يُدَلس فَلَا يَنْتَهِي فِي التَّدْلِيس إِلَى مثل هَذَا الْفِعْل الْقَبِيح وَلَو قدرناه بِحسن الرَّأْي فِي إِبْرَاهِيم. هَذَا آخر كَلَامه. وَضَعفه أَيْضا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه «الإِمَام» فَقَالَ: فِي إِسْنَاده مَجْهُول وَهُوَ الَّذِي أخبر ابْن جريج. وَأما النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» فِي بَاب مَا يُوجب الْغسْل: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ؛ لِأَن عثيمًا وكليبًا ليسَا بمشهورين وَلَا وثقا، لَكِن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ وَلم يُضعفهُ، وَقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 742 قَالَ: أَنه إِذا ذكر حَدِيثا وَلم يُضعفهُ فَهُوَ عِنْده صَالح أَي حسن أَو صَحِيح. قلت: وَذكر ابْن حبَان فِي «ثقاته» عثيم بن كُلَيْب حَيْثُ قَالَ: عثيم بن كُلَيْب يروي عَن أَبِيه عَن جده، رَوَى ابْن جريج عَن رجل عَنهُ. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» من طَرِيق أَحْمد مستدلاً بهَا. فَائِدَة: عثيم بِضَم الْعين الْمُهْملَة، وَفتح الْمُثَلَّثَة تَصْغِير عُثْمَان، كَذَا قَيده النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب» وَصَاحب «الإِمَام» وَقد ورد مكبرًا فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من جِهَة عبد الرَّزَّاق، وَفِي إِسْنَاده مثل مَا فِي المصغر. قَالَ ابْن عَبْدَانِ: هُوَ عثيم بن كثير بن كُلَيْب الْجُهَنِيّ، والصحابي رَاوِيه هُوَ كُلَيْب. قَالَ: وَلَا أَقف عَلَى اسْم أَبِيه. وَظن ابْن أبي حَاتِم أَن كليبًا وَالِد عثيم، وَأَن عثيمًا رَوَى عَن كُلَيْب مُرْسلا، وَهُوَ وهم؛ فَإِن كليبًا جد عثيم، وعثيم رَوَى عَن أَبِيه كثير عَن جده كُلَيْب. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْخِتَان سنة فِي الرِّجَال مكرمَة فِي النِّسَاء» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف بِمرَّة وَهُوَ مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أبي الْمليح بن أُسَامَة عَن أَبِيه رَفعه «الْخِتَان سنة للرِّجَال مكرمَة للنِّسَاء» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن أبي الْمليح بِهِ، وَضَعفه لائح بِسَبَب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 743 الْحجَّاج هَذَا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : ضَعِيف. ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي أَيُّوب مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْحجَّاج، عَن مَكْحُول، عَن أبي أَيُّوب بِهِ، وَهُوَ ضَعِيف مُنْقَطع كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الَّذِي أتوهم أَنه خطأ، إِنَّمَا أَرَادَ حَدِيث حجاج مَا قد رَوَاهُ مَكْحُول [عَن] أبي الشمَال، عَن أبي أَيُّوب مَرْفُوعا: «خمس من سنَن الْمُرْسلين: التعطر والحناء والسواك ... » الحَدِيث، فَترك أَبَا الشمَال، فَلَا أَدْرِي هَذَا من الْحجَّاج أَو من عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الرَّاوِي عَنهُ. قَالَ: وَقد رَوَاهُ النُّعْمَان بن الْمُنْذر عَن مَكْحُول مُرْسلا. ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْوَلِيد بن [الْوَلِيد] عَن ابْن ثَوْبَان، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، وَالْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ ابْن الرّفْعَة: لَا يَصح. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» : أَنه لَا يثبت رَفعه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 744 ثَالِثهَا: من حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس مَرْفُوعا بِهِ رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وَابْن أبي حَاتِم فِي «علله» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث حجاج بن أَرْطَاة، عَن أبي الْمليح، عَن أَبِيه، عَن شَدَّاد بِهِ. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» بعد أَن رَوَاهُ: هَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَى حجاج بن أَرْطَاة، وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ قَالَ: وَالَّذِي أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أَن الْخِتَان للرِّجَال كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب «أَحْكَام النّظر» : هَذَا حَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأم عَطِيَّة وَكَانَت خافضة: اشمي وَلَا تنهكي» . هَذَا الحَدِيث يرْوَى من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن حسان، [قَالَ] عبد الْوَهَّاب: الْكُوفِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن [أم] عَطِيَّة «أَن امْرَأَة كَانَت تختن بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تنهكي فَإِن ذَلِك أحظى للْمَرْأَة، وَأحب للبعل» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث مُحَمَّد بن حسان ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن حسان مَجْهُول الحَدِيث، ضَعِيف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 745 قلت: أما جَهَالَة مُحَمَّد بن حسان فَلَا نسلمها لَهُ؛ لِأَنَّهُ الشَّامي المصلوب فِي الزندقة التَّالِف، وَقد اسْتَفَدْت ذَلِك من كتاب «إِيضَاح [الْإِشْكَال] » لِلْحَافِظِ عبد الْغَنِيّ حَيْثُ قَالَ: بَاب مُحَمَّد بن سعيد الشَّامي المصلوب فِي الزندقة، ثمَّ ذكر لَهُ حَدِيثا، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي قيس، وَذكر لَهُ حَدِيثا، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُحَمَّد بن الطَّبَرِيّ، وَذكر لَهُ حَدِيثا ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُحَمَّد بن حسان وَرَوَى لَهُ هَذَا الحَدِيث وَذكر لَهُ حَدِيثا آخر وَهَذَا نَفِيس يتَعَيَّن عَلَى طَالب الحَدِيث الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَقد تبع أَبُو دَاوُد فِي ذَلِك ابْن عدي فَقَالَ فِي «كَامِله» : مُحَمَّد بن حسان لَهُ أَحَادِيث لَا يُوَافق عَلَيْهَا ثمَّ أورد هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوف وَلَا يعرف إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق قَالَ: وَلم [أر لمُحَمد غير] هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة فَقَالَ: رَوَاهُ أَيْضا مَرْوَان ابْن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن حسان، ثمَّ ادَّعَى جهالته وَقد عرفت عَيبه وَأَنه كَذَّاب وَضاع وَأما قَوْله الحَدِيث ضَعِيف فَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ ابْن الْقطَّان: يشْتَبه أَن عبد الْوَهَّاب لَا يعرف. قلت: يَكْفِي فِي ضعفه مُحَمَّد بن حسان السالف التَّالِف، قَالَ أَبُو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 746 دَاوُد: وَقد رُوِيَ أَيْضا عَن عبد الله بن عَمْرو عَن عبد الْملك بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيّ، وَقد رُوِيَ مُرْسلا. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عبيد الله بن عَمْرو قَالَ: حَدثنِي رجل من أهل الْكُوفَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن الضَّحَّاك بن قيس قَالَ: «كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم عَطِيَّة تخْفض الْجَوَارِي، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا أم عَطِيَّة احفظي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك وَالطَّبَرَانِيّ وَلَفظه: «أَنْضَرُ» بدل «أَسْرَى» وَذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمَة الضَّحَّاك ابْن قيس الفِهري، ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْقَاط الْكُوفِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة الضَّحَّاك، وَقَالَ بدل رجل من أهل الْكُوفَة: عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن عبد الْملك بِهِ بِلَفْظ الطَّبَرَانِيّ. وَقَالَ الْمفضل بن غَسَّان العلائي: سَأَلت أَبَا زَكَرِيَّا - يَعْنِي: يَحْيَى بن معِين - عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: الضَّحَّاك بن قيس هَذَا لَيْسَ بالفهري. قلت: قد ذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمته كَمَا مر وَذكره الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الضَّحَّاك بن قيس الْأَكْبَر، ثمَّ ذكر الْوَاقِدِيّ أَنه قَالَ: أَن الضَّحَّاك هَذَا لم يسمع من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: وَالصَّوَاب قَول ابْن جرير أَنه سمع مِنْهُ فقد صَحَّ لَهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رِوَايَات ذكر فِيهَا سَمَاعه من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكر أَحَادِيث مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث زَائِدَة [عَن] ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 747 بِمثل مَا سلف رَوَاهُ ابْن عدي وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث أبي خَليفَة مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي عَن زَائِدَة بِهِ، قَالَ ابْن عدي: هَذَا يرويهِ عَن ثَابت زَائِدَة بن أبي [الرقاد] لَا أعلم يرويهِ عَنهُ غَيره. قلت: وزائدة مُنكر الحَدِيث كَمَا قَالَه البُخَارِيّ، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن ثَابت إِلَّا زَائِدَة تفرد بِهِ مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي. قلت: وَاخْتلف فِي متن هَذَا الحَدِيث فَفِي لفظ: «يَا أم عَطِيَّة إِذا حفظت فأشمي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أَضْوَأ للْوَجْه، وأحظى عِنْد الزَّوْج» وَفِي آخر ذكره ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب «الْقِتَال» «إِذا حفظت فأشمي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج» قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: ثَعْلَب: رَأَيْت يَحْيَى بن معِين بَين يَدي مُحَمَّد بن سَلام فَسَأَلَهُ عَن هَذَا الحَدِيث وَجَمَاعَة مَعَه. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن حَدِيث عَطِيَّة الْقرظِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بِالْمَدِينَةِ خافضة تحفض النِّسَاء يُقَال لَهَا: أم عَطِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أشمي وَلَا تخفي فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج» رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث الْوَلِيد بن صَالح، عَن عبيد الله بن عَمْرو، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عَطِيَّة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد. قلت: قد مر وَسَيَأْتِي أَيْضا، قَالَ: وَأم عَطِيَّة هَذِه أظنها نسيبة الْأَنْصَارِيَّة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 748 الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث سَالم، عَن أَبِيه، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «يَا معشر الْأَنْصَار اختضبن غمسًا، واختفضن وَلَا تنهكن فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج» . رَوَاهُ ابْن عدي وَفِيه خَالِد بن عَمْرو الْقرشِي وَهُوَ ضَعِيف جدا فِي حد من يتهم، وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: «دخل عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نسْوَة من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا نسَاء الْأَنْصَار اختضبن غمسًا، واختفضن وَلَا تنهكن فَإِنَّهُ أحظى عِنْد أزواجكن، وإياكن وكفران النعم، قَالَ منْدَل: - يَعْنِي الْأزْوَاج» ومندل هَذَا ضَعِيف فتلخص أَن طرقه كلهَا ضَعِيفَة، وَقد صرح ابْن الْقطَّان الْحَافِظ فِي كِتَابه أَحْكَام النّظر أَيْضا بِأَنَّهُ لَا يَصح مِنْهَا شَيْء. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: أم عَطِيَّة هَذِه قد تقدم عَن الْحَافِظ أبي نعيم أَنه قَالَ: أظنها نسيبة، وَكَذَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: أظنها نسيبة - يَعْنِي أم عَطِيَّة الْمَشْهُورَة - ثمَّ أورد بِإِسْنَادِهِ مثل مَا أوردهُ أَبُو نعيم سَوَاء، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ أَن الخافضة - وَهِي بِفَتْح الْخَاء وَالضَّاد المعجمتين أَي: الخاتنة - «أم طيبَة» بدل «أم عَطِيَّة» ، وَصَوَابه أم عَطِيَّة، وَقد أصلح فِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة. ثَانِيهَا: قَوْله: أشمي - هُوَ بشين مُعْجمَة - مَأْخُوذ من الشمم وَهُوَ ارتداع أَصله مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ فَإِن كَانَ فِيهَا إحديداب فَهُوَ القنا تَقول رجل أَشمّ أَي طَوِيل الرَّأْس. وَقَوله: وَلَا تنهكي هُوَ من قَوْلهم نهكت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 749 الثَّوْب انهكه نهكًا عَلَى وزن دفعت أدفعه دفعا أَي لبسته حَتَّى خلق وبلي قَالَ الرَّافِعِيّ: مَعْنَاهُ اتركي الْموضع أَشمّ، وَهُوَ الْمُرْتَفع وَلَا تبالغي فِي الْقطع، وَقَالَ أَبُو عبيد: قَوْله لَا تنهكي تَفْسِير لقَوْله أشمي تَقول لَا تستقصي وَلَا تستأصلي وَلَا تبالغي فِي إسحابه وَقَالَ الْخطابِيّ قَوْله: لَا تنهكي مَعْنَاهُ لَا تبالغي فِي الْخَفْض والنهك الْمُبَالغَة فِي الضَّرْب وَالْقطع والشم وَغير ذَلِك، وَقد نهكته الْحمى إِذا بلغت بِهِ، واضرت بِهِ. ثَالِثهَا: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «لَا [تنهكي] قيد النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فِي آخر بَاب السِّوَاك بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا تبالغي فِي الْقطع ورأيته مضبوطًا فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من «مُخْتَصر السّنَن» لِلْمُنْذِرِيِّ الْحَافِظ قُرِئت كلهَا عَلَيْهِ بِضَم التَّاء ضبط الْكَاتِب، وَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من الْبَيْهَقِيّ. رَابِعهَا: قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» فِي قَوْله: «أَسْرَى للْوَجْه» تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا: [أصفى للون] ، وَثَانِيهمَا: مَا يحصل لَهَا فِي نَفْس الزَّوْج من الحظوة، وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي «الْإِحْيَاء» : أَي أَكثر لماء الْوَجْه، وَدَمه وَأحسن فِي جِمَاعهَا. فَائِدَة: قَالَ ابْن الْمُنْذر: لَيْسَ فِي الْخِتَان خبر يرجع إِلَيْهِ وَلَا سنة تتبع [والأشياء] عَلَى الْإِبَاحَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 750 الحَدِيث الرَّابِع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ختن الْحسن وَالْحُسَيْن يَوْم السَّابِع من ولادتهما» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الْبَاب قصَّة الْمَرْأَة الَّتِي بعث إِلَيْهَا عمر فأجهضت ذَا بَطنهَا وَقد سلفت فِي الدِّيات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 751 كتاب [الصيال] ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فسبعة: أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما [فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله أنصره إِذا كَانَ مَظْلُوما] أَفَرَأَيْت إِن كَانَ ظَالِما كَيفَ أنصره؟ قَالَ: تحجزه أَو تَمنعهُ عَن الظُّلم فَإِن ذَلِك نَصره» . الحَدِيث الثَّانِي عَن سعيد بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد، وَمن قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب صَلَاة الْخَوْف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 الحَدِيث الثَّالِث عَن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي وصف الْفِتَن: [كن] عبد الله الْمَقْتُول، وَلَا تكن عبد الله الْقَاتِل» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه هَكَذَا من هَذِه الطَّرِيق بعد الْبَحْث عَنهُ، وَالْعجب من إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «النِّهَايَة» كَونه قَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَلَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ فِي هَذَا الشَّأْن، قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : لم أجد هَذَا الحَدِيث فِي كتب الحَدِيث الْخَمْسَة الْمُعْتَمدَة وَغَيرهَا وَهُوَ زِيَادَة فِي حَدِيث حُذَيْفَة الثَّابِت فِي الْفِتَن. قلت: لكنه يرْوَى من طرق أَحدهَا من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص أَنه قَالَ عِنْد فتْنَة عُثْمَان بن عَفَّان: أشهد أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم، والقائم خير من الْمَاشِي، والماشي خير من السَّاعِي، قَالَ: أَرَأَيْت إِن دخل عليَّ بَيْتِي وَبسط يَده إليَّ ليقتلني قَالَ: كن كَابْن آدم» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ كَذَلِك ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا. ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا يمْنَع أحدكُم إِذا جَاءَهُ [من] يُرِيد قَتله أَن يكون مثل ابْني آدم الْقَاتِل فِي النَّار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 والمقتول فِي الْجنَّة» . رَوَاهُ أَحْمد. ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْفِتْنَة: كسِّروا فِيهَا قسيكم وأوتاركم واضربوا بسيوفكم الْحِجَارَة فَإِن دخل أحدكُم بَيته فَلْيَكُن كخير بني آدم» رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» : أَنه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. رَابِعهَا: من حَدِيث شهر بن حَوْشَب، عَن جُنْدُب بن سُفْيَان مَرْفُوعا فِي حَدِيث طَوِيل « [لَا تكن] عبد الله الْقَاتِل» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَشهر تَرَكُوهُ. خَامِسهَا: من حَدِيث خباب مَرْفُوعا «فَكُن عبد الله الْمَقْتُول» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» [وَأحمد] أَيْضا فِي «مُسْنده» وَزَاد. قَالَ أَيُّوب - أَعنِي: أحد رُوَاته وَلَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ -: «وَلَا تكن عبد الله الْقَاتِل» . سادسها: من حَدِيث خَالِد بن عرفطة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 خَالِد إِنَّه سَيكون أَحْدَاث، وَفرْقَة، وَفتن؛ فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون الْمَقْتُول لَا الْقَاتِل فافعل» . رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» من حَدِيث حجاج بن الْمنْهَال، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن أبي عُثْمَان، عَن خَالِد بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بالسند الْمَذْكُور وَاللَّفْظ، إِلَّا أَنه قَالَ: «سَتَكُون فتْنَة وأحداث، وَاخْتِلَاف وَفرْقَة» بدل مَا سلف، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي «مُسْنده» فَقَالَ: ثَنَا عبد الرَّحْمَن، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن أبي عُثْمَان، عَن خَالِد [بن] عرفطة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِنَّهَا سَتَكُون بعدِي أَحْدَاث، وَفتن، وَاخْتِلَاف، فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون عبد الله الْمَقْتُول لَا الْقَاتِل فافعل» . وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمته قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي بعض الْأَخْبَار «كن خير ابْني آدم - يَعْنِي قابيل وهابيل» . قلت: قد سلف من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أَن سعد بن عبَادَة قَالَ: «يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن وجدت مَعَ امْرَأَتي رجلا أمهله حَتَّى آتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء كفَى بِالسَّيْفِ شا - أَرَادَ بقوله: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 شَاهدا، فَقطع الْكَلِمَة - ثمَّ قَالَ: [نعم] حَتَّى تَأتي بأَرْبعَة شُهَدَاء» . هَذَا الحَدِيث وجد هَكَذَا فِي «سنَن أبي دَاوُد» من طَرِيق ابْن الْأَعرَابِي، وَهَذَا لَفظه عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَالَ نَاس لسعد بن عبَادَة يَا أَبَا ثَابت قد نزلت الْحُدُود فَلَو أَنَّك وجدت مَعَ امْرَأَتك رجلا كَيفَ كنت صانعًا؟ قَالَ: كنت ضاربهما بِالسَّيْفِ حَتَّى يسكتا: أفأنا أذهب فأجمع أَرْبَعَة شُهَدَاء فَإِذا ذَلِك قد قَضَى الْحَاجة وَانْطَلق، فَاجْتمعُوا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُول الله ألم تَرَ إِلَى أبي ثَابت قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كفَى بِالسَّيْفِ شَاهدا ثمَّ قَالَ: لَا لَا أَخَاف أَن يتتايع فِيهِ السَّكْرَان والغيران» . وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» سَوَاء بِزِيَادَة «فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّه أَشد النَّاس غيرَة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هُوَ شَدِيد الْغيرَة وَأَنا أغير مِنْهُ، وَالله أَشد غيرَة مني وَلذَلِك جعل الْحُدُود» . وَفِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» عَن معمر عَن كثير بن زِيَاد عَن الْحسن «أَنه سُئِلَ عَن الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: [كفَى] بِالسَّيْفِ شا» يُرِيد أَن يَقُول شَاهدا، فَلم يتم الْكَلِمَة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 وَعَن معمر عَن الزُّهْرِيّ ذكر قَول سعد قَالَ: فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَأْبَى الله إِلَّا الْبَيِّنَة» . وَهَذَا مُرْسل. قَالَ عبد الْحق وَغَيره: مَرَاسِيل الْحسن أَضْعَف الْمَرَاسِيل، وَعَزاهُ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» فِي ذكر الْغيرَة إِلَى رِوَايَة أَحْمد من حَدِيث سعيد بن سعد بن عبَادَة قَالَ: « [حضر] سعد بن عبَادَة عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله [إِن] وجدت عَلَى بطن امْرَأَتي رجلا أضربه بسيفي؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كتاب الله وَالشُّهَدَاء ثمَّ قَالَ: أَي بَيِّنَة أبين من السَّيْف، ثمَّ رَجَعَ فِي قَوْله فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كتاب الله وَالشُّهَدَاء فَقَالَ: أَي بَيِّنَة أبين من السَّيْف فَقَالَ: كتاب الله وَالشُّهَدَاء، يَا معشر الْأَنْصَار هَذَا سيدكم استفزته الْغيرَة حَتَّى خَالف كتاب الله ... » . الحَدِيث بِطُولِهِ، وأصل الحَدِيث ثَابت فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن سعد بن عبَادَة قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَرَأَيْت لَو أَنِّي وجدت مَعَ أمراتي رجلا أمهله حَتَّى آتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: نعم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ أَرَأَيْت الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا أَيَقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: [لَا] . قَالَ سعد: بلَى وَالَّذِي (بَعثك) بِالْحَقِّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اسمعوا إِلَى مَا يَقُول سيدكم» . تَنْبِيه: ذكر القَاضِي حُسَيْن من أَصْحَابنَا هَذَا الحَدِيث [الَّذِي] أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَقَالَ فِيهِ بدل «سعد بن عبَادَة» «سعد بن أبي وَقاص» ، وَهُوَ غَرِيب. الحَدِيث الْخَامِس عَن يعْلى بن أُميَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غزوت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَيش الْعسرَة، وَكَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا، فعض أَحدهمَا يَد الآخر، فَانْتزع المعضوض يَده من فيّ العاض، فَذَهَبت إِحْدَى ثنيتيه، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأهدر ثنيته وَقَالَ لَهُ: أيدع يَده فِي فِيك تقضمها كَأَنَّهَا فيّ فَحل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفْظهمَا: «غزوت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَيش الْعسرَة وَكَانَ من أوثق أعمالي فِي نَفسِي فَكَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا فعض أَحدهمَا يَد صَاحبه فَانْتزع إصبعه فأندر ثنيته فَسَقَطت فَانْطَلق إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأهدر ثنيته وَقَالَ: أيدع إصبعه فِي فِيك تعضها كَمَا يعَض الْفَحْل» وَفِي رِوَايَة لَهما «فَانْتزع يَده من فِيهِ فَقطع ثنيته» . وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عمرَان ابْن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا عض يَد رجل ... » الحَدِيث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 فَائِدَة: قَوْله: يقضمها كَمَا يقضم الْفَحْل هُوَ بِفَتْح الضَّاد فيهمَا عَلَى اللُّغَة الفصيحة، [وَمَعْنَاهَا] تعضها، قَالَ أهل اللُّغَة: القضم بأطراف الْأَسْنَان. فَائِدَة ثَانِيَة: وَقع فِي «صَحِيح مُسلم» أَن المعضوض يعْلى بن منية - بِضَم الْمِيم وَإِسْكَان النُّون وَبعدهَا يَاء مثناة تَحت - وَيُقَال: ابْن أُميَّة - بِضَم الْهمزَة - ينْسب تَارَة إِلَى أَبِيه أُميَّة، وَتارَة إِلَى أمه منية، وَقيل: جدته، وَوَقع فِيهِ أَيْضا أَن المعضوض هُوَ أجِير ليعلى، لَا يعْلى، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» : قَالَ [الْحفاظ] : الصَّحِيح الْمَعْرُوف أَنه أجِير يعْلى، لَا يعْلى، وَيحْتَمل أَنَّهُمَا قضيتان جرتا ليعلى، وأجيره فِي وَقت أَو وَقْتَيْنِ. الحَدِيث السَّادِس عَن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا اطلع من جُحر فِي حجرَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مدرى يحك بهَا رَأسه، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَو أعلم أَنَّك تنظرني لطعنت بِهِ فِي عَيْنك، إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان من أجل النّظر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهما «يرجل بِهِ رَأسه» . فَائِدَة: المِدْرى - بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْملَة وبالقصر - حَدِيدَة يسوى بهَا شعر الرَّأْس، وَقيل: سنة الْمشْط، وَقيل: أَعْوَاد تحدد تجْعَل شبه الْمشْط وتدل لَهما الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَقيل: عود تسوي بِهِ الْمَرْأَة شعرهَا. وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَو أعلم أَنَّك تنتظرني» قَالَ القَاضِي عِيَاض: كَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُور، وَفِي بعض النّسخ «تنظرني» بِحَذْف الثَّانِيَة وَهِي الصَّوَاب، وَتحمل الأولَى عَلَيْهَا. والجحر - بِضَم الْجِيم، وَإِسْكَان الْحَاء - هُوَ الْبَيْت. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يخاتل النّظر ليرمي عينه بالمدرى» . قلت: هَذَا صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رجلا اطلع من بعض حجر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بمشقص أَو بمشاقص فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يخْتل الرجل ليطعنه» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «أَن رجلا اطلع فِي بَيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِسدد إِلَيْهِ مشقصًا» وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي بَيته فَاطلع عَلَيْهِ رجل فَأَهْوَى إِلَيْهِ بمشقص فَتَأَخر» وَفِي رِوَايَة للنسائي «أَن أَعْرَابِيًا أَتَى بَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فألقم عينه خصَاصَة الْبَاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 فَبَصر بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فتوخاه بحديدة أَو عود ليفقأ عينه فَلَمَّا أَن بصر انقمع فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما إِنَّك لَو ثَبت لفقأت عَيْنك» . فَائِدَة: المشاقص جمع مشقص، وَقيل: نصل عريض السهْم، وَقيل غير ذَلِك، ويختله - بِفَتْح أَوله وَكسر التَّاء - أَي: [يُدَاورُه] ويطلبه من حَيْثُ لَا يشْعر، وَمَعْنى «ألقم عينه خصَاصَة الْبَاب فَبَصر بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» أَي جعل الشق الَّذِي فِي الْبَاب محاذي عينه فَكَأَنَّهُ جعل الْخَصَاصَة لعَينه لقْمَة. والخصاصة وَاحِد الخصاص، وَهِي الثقب، والشقوق الَّذِي يكون فِي الْأَبْوَاب. والانقماع: (الارتواء) . الحَدِيث السَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو اطلع أحد فِي بَيْتك، وَلم تَأذن لَهُ فخذفته بحصاة ففقأت عينه مَا كَانَ عَلَيْك من جنَاح» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهما: «من اطلع فِي بَيت قوم بِغَيْر إذْنهمْ فقد حل أَن يفقئوا عينه» . فَائِدَة: خذفته - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة - أَي رميته بهَا من بَين إصبعيك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 ففقأت عينه، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «فَلَا قَود وَلَا دِيَة» قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة أخرجهَا أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من اطلع فِي بَيت قوم بِغَيْر إذْنهمْ [ففقؤا] عينه فَلَا دِيَة وَلَا قصاص» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الخلافيات» : إِسْنَاده صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» أَيْضا وَلَفظه «فقد هدرت عينه» قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الاقتراح» : وَهِي عَلَى شَرط مُسلم. وَوَقع فِي «تَحْقِيق ابْن الْجَوْزِيّ» عزو هَذَا الحَدِيث إِلَى رِوَايَة البُخَارِيّ وَمُسلم، وَلَعَلَّ مُرَاده أَنَّهُمَا أخرجَا أَصله لَا هَذَا اللَّفْظ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فيهمَا وَلَا فِي أَحدهمَا، وَفِي رِوَايَة للبيهقي من حَدِيث ابْن عمر «مَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَذكر فِيهِ: «أَن جَارِيَة كَانَت تحتطب فَرَاوَدَهَا رجل عَن نَفسهَا فرمته بفهر فَقتلته، فَرفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: قَتِيل الله، وَالله لَا يودى أبدا» . وَهُوَ أثر جيد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث الْقَاسِم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 بن مُحَمَّد، عَن عبيد بن عُمَيْر «أَن رجلا أضَاف نَاسا من هُذَيْل فَذَهَبت جَارِيَة لَهُم تحتطب فأرادها رجل عَن نَفسهَا فرمته ... » إِلَى آخِره بِمثل مَا ذكره المُصَنّف سَوَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا عندنَا من عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن (السّنة) قَامَت عِنْده عَلَى الْمَقْتُول أَو عَلَى أَن [ولي] الْمَقْتُول أقرّ عِنْده بِمَا يُوجب لَهُ أَن يقتل الْمَقْتُول. ذكر فِيهِ «أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه منع عُبَيْدَة من الدّفع يَوْم الدَّار، وَقَالَ: من ألْقَى سلاحه فَهُوَ حر» . وَهَذَا الْأَثر ذكره إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «نهايته» أَنه صَحَّ عَنهُ فَقَالَ: وَصَحَّ عَن عُثْمَان «أَنه استسلم يَوْم الدَّار، وَقَالَ: لَا أحب أَن يراق فِي محجم دم. وَكَانَ مَعَه فِي الدَّار أَرْبَعمِائَة من الغلمان الشاكين فِي السِّلَاح فَقَالَ: من ألْقَى سلاحه فَهُوَ حر» قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر ذَلِك فِي الصَّحَابَة وَلم يُنكره وَاحِد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 بَاب ضَمَان مَا تتلفه الْبَهَائِم ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثا وَاحِدًا: وَهُوَ حَدِيث حرَام بن سعد بن محيصة «أَن نَاقَة للبراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دخلت حَائِط قوم فأفسدت فِيهِ، فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن عَلَى أهل الْأَمْوَال حفظهَا بِالنَّهَارِ وَمَا أفسدته الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِن عَلَى أَهلهَا» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن حبَان، وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: أَخذنَا بِهَذَا الحَدِيث قَضَاء لثُبُوته واتصاله، وَمَعْرِفَة رِجَاله قَالَ: وَلَا يُخَالف هَذَا الحَدِيث حَدِيث «العجماء جرحها جَبَّار» وَلَكِن «العجماء جرحها جَبَّار» جملَة من الْكَلَام الْعَام الْمخْرج الَّذِي يُرَاد بِهِ الْخَاص فَلَمَّا قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «العجماء جَبَّار» وَقَضَى فِيمَا أفسدته العجماء بِشَيْء فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 حَال، دون حَال دلّ ذَلِك عَلَى أَن مَا أصَاب العجماء من جرح وَغَيره فِي حَال [جَبَّار] ، وَفِي حَال غير جَبَّار، وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بعد أَن ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن محيصة، عَن الْبَراء، ثمَّ قَالَ: حرَام لم يسمع من الْبَراء. قَالَ: وَرَوَاهُ معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن محيصة، عَن أَبِيه، عَن الْبَراء. وَلم يُتَابع عَلَى قَوْله: عَن أَبِيه. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن سعد، وَسَعِيد بن الْمسيب، عَن الْبَراء قَالَ: وَفِيه اخْتِلَاف أَكثر من هَذَا. وَهَذَا قَول أبي مُحَمَّد بن حزم: «وَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ أَيْضا عَن أبي أُمَامَة [بن] سهل بن حنيف «أَن نَاقَة للبراء ... » فصح أَنه مُرْسل؛ لِأَن حَرَامًا لَيْسَ هُوَ ابْن محيصة لصلبه، إِنَّمَا هُوَ ابْن سعد بن محيصة، وَسعد لم يسمع من الْبَراء، وَلَا أَبُو أُمَامَة» . قلت: رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ جمَاعَة مِنْهُم الْأَوْزَاعِيّ، وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة، وَعبد الله بن عِيسَى، وَكلهمْ قَالُوا: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن الْبَراء لم يذكرُوا وَالِد حرَام، وَرَوَاهُ اللَّيْث بن سعد عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ: [أَن] ابْن محيصة أخبرهُ «أَن نَاقَة الْبَراء ... » وَانْفَرَدَ معمر وَحده فَقَالَ: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق مُحَمَّد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 بن أبي حَفْصَة ميسرَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن الْبَراء، وَطَرِيق أبي أُمَامَة غَرِيبَة وَسَيَأْتِي، وَأخرج ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» الحَدِيث من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَأخرجه أَحْمد من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ، وَقَول عبد الْحق: وَفِيه اخْتِلَاف، أَكثر من هَذَا بيَّنه ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه فَقَالَ: وَفِيه سَبْعَة أَقْوَال: أَولهَا: معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام عَن أَبِيه فِي أبي دَاوُد. ثَانِيهَا: الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام عَن الْبَراء فِيهِ أَيْضا. قلت: ومسند أَحْمد أَيْضا. ثَالِثهَا: مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام. رَابِعهَا: [معن] بن عِيسَى، عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن جده محيصة فِي مُسْند الْجَوْهَرِي لأحاديث الْمُوَطَّأ. خَامِسهَا: ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام. سادسها: ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي أَبُو أُمَامَة «أَن نَاقَة للبراء ... » ذكره ابْن عبد الْبر. سابعها: قَول ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ بَلغنِي «أَن نَاقَة للبراء ... » الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 ذكره أَبُو عمر أَيْضا، قَالَ ابْن الْقطَّان: [وَلَا] أبعد عَلَى هَذَا. فَائِدَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام بالأموال الزَّرْع والبساتين، وَقَوله: «ضَامِن عَلَى أَهلهَا» أَي: مَضْمُون كَقَوْلِهِم: سر كاتم، أَي مَكْتُوم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 كتاب السّير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 كتاب السّير وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب: الأول: فِي وُجُوبه. وَثَانِيها: فِي كيفيته. وَثَالِثهَا: فِي تَركه بالأمان. الْبَاب الأول فِي وجوب الْجِهَاد. ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ اثْنَيْنِ وَعشْرين حَدِيثا. أَحدهَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله ... » الحَدِيث. وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الله بن عمر، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي كتاب الدِّيات وَكتاب الرِّدَّة. الحَدِيث الثَّانِي «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: الصَّلَاة لوَقْتهَا. قيل: ثمَّ أَي؟ قَالَ: بر الْوَالِدين.، قيل: ثمَّ أَي؟ قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد سلف فِي أثْنَاء التَّيَمُّم وَاضحا. الحَدِيث الثَّالِث عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ [لغدوة] فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « [لغدوة] فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سهل بن سعد، وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْمُقدمَة الَّتِي افْتتح بهَا هَذَا الْكتاب: وَلما هَاجر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْمَدِينَة وَجَبت الْهِجْرَة إِلَيْهَا عَلَى من قدر قَالَ تَعَالَى: (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة (إِلَى قَوْله (والولدان) فَلَمَّا فتحت مَكَّة ارْتَفَعت الْهِجْرَة مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة، وَعَلَى ذَلِك جَرَى حَدِيث «لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح» وَبَقِي وجوب الْهِجْرَة عَن دَار الْكفْر فِي الْجُمْلَة انْتَهَى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 أما الحَدِيث الصَّحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَذَلِك بِزِيَادَة «وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة، وَإِذا استنفرتم فانفروا» وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها (كَمَا عزاهُ إِلَيْهِمَا) الْحميدِي فِي جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ فِي قسم الْمُتَّفق عَلَيْهِ، وَأما عبد الْحق فَقَالَ: لم يخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة فِي هَذَا شَيْئا، وَأخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث صَفْوَان بن أُميَّة، وَأخرجه الْخَطِيب فِي «تلخيصه» من حَدِيث غزيَّة بن الْحَارِث مَرْفُوعا «لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح، إِنَّمَا هُوَ الْحَشْر وَالنِّيَّة وَالْجهَاد» . وَإِنَّمَا التَّأْوِيل الذى أبداه فَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد: لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح كَامِلَة الْفضل كَالَّتِي قبل الْفَتْح، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى تَأْوِيل الحَدِيث تَوْفِيقًا بَينه وَبَين حَدِيث عبد الله بن السَّعْدِيّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار» . أخرجه الْبَغَوِيّ وَابْن السكن وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 «صَحِيحه» ، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : بَعْدَمَا أخرجه: وَفِي إِسْنَاده اخْتِلَاف. الحَدِيث الْخَامِس قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكروا فِي خلال هَذِه الْمُقدمَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يعبد صنمًا قطّ» وَورد عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «مَا كفر بِاللَّه نَبِي قطّ» انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ صَحِيح بِالْإِجْمَاع. الحَدِيث السَّادِس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «من جهز غازيًا فقد غزا، وَمن خلف غازيًا فِي أَهله وَمَاله فقد غزا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنَّهُمَا لم يذكرَا «وَمَاله» وَهِي غَرِيبَة فِي هَذَا الحَدِيث وَلكنهَا ثَابِتَة فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الثَّابِت فِي «صَحِيح مُسلم» «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (بعث إِلَى بني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 لحيان) ليخرج من كل رجلَيْنِ رجل، ثمَّ قَالَ للقاعد: أَيّكُم خلَف الْخَارِج فِي أَهله وَمَاله [بِخَير] ؛ كَانَ لَهُ مثل نصف أجر الْخَارِج» . تَنْبِيه: وَقع فِي «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أَن حَدِيث زيد أخرجه مُسلم وَحده وَأَن حَدِيث أبي سعيد لم يخرجَاهُ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فقد أخرجَا جَمِيعًا حَدِيث زيد، وَأخرج مُسلم حَدِيث أبي سعيد. الحَدِيث السَّابِع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غزا بَدْرًا فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وأُحُدًا فِي الثَّالِثَة، وَذَات الرّقاع فِي الرَّابِعَة، وغزوة الخَنْدَق فِي الْخَامِسَة، وغزوة بني النَّضِير فِي السَّادِسَة، وَفتح خَيْبَر فِي السَّابِعَة، وَفتح مَكَّة فِي الثَّامِنَة، وغزوة تَبُوك فِي التَّاسِعَة» . هَذِه الْغَزَوَات ثَابِتَة مَشْهُورَة من أَرْبَاب الْمَغَازِي شهرة تغني عَن سرد الْأَحَادِيث فِيهَا، وَأما مَا ذكره من كَون غَزْوَة بدر فِي السّنة الثَّانِيَة فَلَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا مرية، وَكَانَت فِي رَمَضَان قطعا لسبع عشر خلت مِنْهُ وَكَانَت يَوْم الْجُمُعَة عَلَى الْمَشْهُور، وَرَوَى ابْن عَسَاكِر فِي «تَارِيخه» فِي بَاب مولد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف أَنَّهَا كَانَت يَوْم الِاثْنَيْنِ، قَالَ: وَالْمَحْفُوظ أَنَّهَا كَانَت يَوْم الْجُمُعَة، وَوَقع فِي الْمَاوَرْدِيّ أَنَّهَا يَوْم السبت ثَانِي عشر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 من رَمَضَان، وَوَقع فِي «الْكِفَايَة» لِابْنِ الرّفْعَة أَنَّهَا يَوْم السبت سَابِع عشر فَالله أعلم، وَكَأَنَّهُ يَوْم الْخُرُوج وتاريخ الْوَقْعَة، فَإِن الْخُرُوج يَوْم السبت فِي الثَّانِي عشر وَقيل: فِي الثَّالِث والوقعة سَابِع عشر. فَائِدَة: بدر مَاء مَعْرُوف وقرية عامرة عَلَى نَحْو أَربع مراحل من الْمَدِينَة، قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي «مغازيه» : وَهِي بِئْر لرجل يُدعَى بدر فسميت باسمه، قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْيَقظَان: كَانَ بدر رجل من بني غفار فنسب المَاء إِلَيْهِ. قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» : هَذَا هذيان وَالزبير أوثق مِنْهُ، وَقد قَالَ: بدر بن مخلد بن الْحَارِث صَارَت بدر الَّذِي سميت بِهِ وَهُوَ احتفرها. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «المؤتلف والمختلف» : وَقيل: بل هُوَ رجل من بني ضَمرَة سكن هَذَا الْموضع فنسب إِلَيْهِ ثمَّ غلب اسْمه عَلَيْهِ. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : وتذكر وتؤنث. فَائِدَة أُخْرَى: ثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث الْبَراء «أَن عدد أهل بدر ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر» ، وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث (ابْن عمر) أَنهم كَانُوا ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة عشر» ، قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : وَالْمَشْهُور أَنهم ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر، ثمَّ ذكره بِإِسْنَاد، وَعَن الْبَراء قَالَ: «كُنَّا نتحدث أَن أَصْحَاب بدر كَانُوا بِعَدَد أَصْحَاب طالوت ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر» ، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى سَبْعَة عشر، قَالَ: (وَكَانُوا) ذكرُوا مَا ذكرُوا عَلَى سَبِيل التَّقْرِيب. قَالَ: هَذِه عدَّة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 الْمُؤمنِينَ، وَأما الْمُشْركُونَ فَفِي الْخَبَر أَنهم كَانُوا ألفا فَرد الْأَخْنَس ثَلَاثمِائَة من بني زهرَة وَبَقِي سَبْعمِائة قَالَه مقَاتل. وَالثَّانِي: أَنهم كَانُوا دون الْألف وَفَوق السبعمائة فَلَعَلَّ بَعضهم عد الْمُقَاتلَة وَبَعْضهمْ عد الْجَمِيع. وَأما مَا ذكره من كَون غَزْوَة أحد فِي الثَّالِثَة فَلَا شكّ فِيهِ أَيْضا وَلَا مرية، وَكَانَت يَوْم السبت سَابِع شَوَّال كَذَا قَالَه ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» ، وَابْن دحْيَة فِي «تنويره» ، والنووى فِي «روضته» ، وَقَالَ فِي «تهذيبه» : لإحدى عشرَة خلت مِنْهُ عَلَى رَأس اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة وَقَالَ ابْن الطلاع: كَذَا ذكره ابْن الْمفضل وَقَالَ غَيره: لثلاث خلت من شَوَّال. فَائِدَة: أحد - بِضَم الْهمزَة والحاء - جبل بِجنب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عَلَى ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى نَحْو ميلين مِنْهُ كَانَت هَذِه الْوَقْعَة الْعُظْمَى قتل فِيهَا خَمْسَة وَسَبْعُونَ من الْمُسلمين، وَفِي «الصَّحِيح» «هَذَا جبل يحبنا ونحبه» . وَأما مَا ذكره من كَون غَزْوَة ذَات الرّقاع فِي الرَّابِع فَهُوَ مَا جزم بِهِ [ابْن] الْجَوْزِيّ فِي «تلقيحه» ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان: أَنَّهَا كَانَت بعد بني النَّضِير فِي صدر السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَبِه جزم شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي فِي سيرته الصُّغْرَى، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هَذَا قَوْله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 وَالأَصَح أَنَّهَا فِي سنة خمس، وَجزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ، وَهُوَ فِي «الرَّوْضَة» قَالَ: وَهِي فِي أول الْمحرم. فَائِدَة: فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك خلاف، سلف فِي صَلَاة الْخَوْف الْخلاف فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك ونقلنا هُنَاكَ عَن البُخَارِيّ أَنه ذكر أَنَّهَا بعد خَيْبَر. وَأما مَا ذكره من كَون غزَاة الخَنْدَق فِي الْخَامِسَة هُوَ مَا جزم بِهِ أَيْضا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تلقيحه» ، وَابْن دحْيَة فِي «تنويره» وَالأَصَح أَنَّهَا فِي الرَّابِعَة فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» فِي أول بَاب غَزْوَة الخَنْدَق قَالَ: قَالَ مُوسَى بن عقبَة كَانَت غَزْوَة الخَنْدَق فِي سنة أَربع. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي «الْأَمْوَال» : كَانَت بعد أحد بِسنتَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: ذكر جمَاعَة أَنَّهَا فِي الْخَامِسَة، وَالأَصَح أَنَّهَا فِي الرَّابِعَة، وَقَالَ فِي «تهذيبه» : أَنه الصَّحِيح فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «عرضت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم أحد وَأَنا ابْن أَربع عشرَة سنة فَلم يجزني، وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق، وَأَنا ابْن خمس عشرَة فأجازني» قَالَ: وَقد اجْمَعُوا أَن أحدا فِي الثَّالِثَة. فَائِدَة: كَانَت فِي ذِي الْقعدَة، وَقيل: فِي شَوَّال حَكَاهُمَا ابْن الرّفْعَة فِي كِتَابيه، وَكَانَت مُدَّة حصارهم خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ أرسل الله عَلَى الْكفَّار ريحًا وجنودًا لم يرهَا الْمُسلمُونَ فَهَزَمَهُمْ بهَا، وَالْخَنْدَق هُوَ خَنْدَق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة حفره عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه لما تحزبت عَلَيْهِم الْأَحْزَاب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 وَأما غزَاة بني النَّضِير فِي السَّادِسَة فَغَرِيب جدا وَإِن كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ سبقه إِلَى ذَلِك فِي «نهايته» وَنَقله فِي «كِفَايَته» وَأقرهُ عَلَيْهِ فَفِي البُخَارِيّ أَنَّهَا كَانَت بعد بدر بِسنة وَشهر قَالَه عُرْوَة، قَالَ ابْن شهَاب: فِي الْمحرم سنة ثَلَاث، وَقَالَ غَيره: سنة أَربع خرج إِلَيْهِم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَشِيَّة الْجُمُعَة لتسْع مضين من ربيع الأول، وحوصروا ثَلَاث وَعشْرين يَوْمًا وَجزم بِهَذَا الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهَا فِي ربيع الأول سنة أَربع، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَالنَّوَوِيّ فِي «روضته» و «تهذيبه» : أَنه سنة ثَلَاث. قلت: نعم غَزْوَة بني المصطلق كَانَت سنة سِتّ عَلَى الْأَصَح، وَمِمَّنْ صَححهُ ابْن دحْيَة فِي «تنويره» ، وَقيل: سنة خمس (قَالَ) الدمياطي: وَهُوَ الصَّحِيح. فَائِدَة: النَّضِير بضاد مُعْجمَة غير مشالة بِخِلَاف قُرَيْظَة فَإِنَّهَا بِظَاء مشالة وهما جَمِيعًا من يهود خَيْبَر، وينسبان إِلَى هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام، وَالنضْر هُوَ الذَّهَب، وَكَذَلِكَ النضار بِضَم النُّون. وَأما كَون فتح خَيْبَر فِي السَّابِعَة فَهُوَ الْمَعْرُوف وَبِه جزم ابْن دحْيَة فِي «تنويره» حَيْثُ قَالَ: خرج إِلَيْهَا فِي صفر سنة سبع؛ لِأَنَّهُ قدم من الْحُدَيْبِيَة عشرَة آلَاف مقَاتل، وَنقل ابْن الطلاع عَن ابْن هِشَام أَنه قَالَ: إِنَّهَا كَانَت فِي صفر سنة سِتّ وَهُوَ غَرِيب، وَجزم فِي الْكِفَايَة هُنَا بِالْأولِ، وَخَالف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 فِي زَكَاة الثِّيَاب فاعلمه، وَذكر هُنَا أَنه خرج مَعَه من حضر عمْرَة الْحُدَيْبِيَة من الأجناد، وَخَالف فِي كتاب الْحَج. فَائِدَة: أَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن حِصَار خَيْبَر بضع عشرَة لَيْلَة قَالَ الْحَازِمِي: وخيبر نَاحيَة مَشْهُورَة، وَبَينهَا، وَبَين الْمَدِينَة مسيرَة أَيَّام، وَهِي تشْتَمل عَلَى حصون ومزارع، ونخل كثير قَالَ: وَيُقَال: لأراضي خَيْبَر الخبائر. وَأما كَون فتح مَكَّة فِي سنة ثَمَان فَهُوَ كَذَلِك وَكَذَا كَون غَزْوَة تَبُوك فِي التَّاسِعَة، وَكَانَ فِي رَجَب وَوَقع فِي الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة بَرَاءَة أَنَّهَا فِي الْعَاشِرَة، وَهُوَ عَجِيب، قَالَ الْحَازِمِي فِي «مؤتلفه» : وتبوك بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ وَاو ثمَّ كَاف، قَرْيَة بِنَاحِيَة الشَّام بَينهَا وَبَين وَادي الْقرى مراحل انْتَهَى إِلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما أَرَادَ غَزْوَة الرّوم. الحَدِيث الثَّامِن «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنكر عَلَى معَاذ التَّأْوِيل» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي أَوَاخِر كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة فِي أثْنَاء بَاب الْمَوَاقِيت فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي أثْنَاء بَاب الْمَوَاقِيت فَرَاجعه من ثمَّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رد يَوْم بدر نَفرا من أَصْحَابنَا استصغرهم» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه لَا يحضرني من خرجه من هَذَا الطَّرِيق، وَالَّذِي يحضرني مَا أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ: «استصغرت أَنا، وَابْن عمر يَوْم بدر» وَأخرج الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عَامر بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: «عرض رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَيْشًا فَرد عُمَيْر بن أبي وَقاص فَبَكَى عُمَيْر فَأَجَازَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَعقد عَلَيْهِ حمائل سَيْفه» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِي تَصْحِيحه لَهُ نظر، فَإِن فِي إِسْنَاده يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، وَهُوَ واهٍ، وَأخرج أَيْضا فِي مَنَاقِب سعد بن خَيْثَمَة من «مُسْتَدْركه» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام استصغره هُوَ، وَزيد بن (جَارِيَة) » ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ نَكَارَة كَيفَ يستصغر من [هُوَ] نقيب، وَرَوَى الْحَافِظ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» بِإِسْنَادِهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام استصغر مُصعب ابْن عُمَيْر، ورده فَبَكَى فَأَجَازَهُ فَكَانَ سعد يَقُول: كنت أعقد لَهُ حمال سيف من صغره، وَقتل ببدر وَهُوَ ابْن سِتَّة عشر سنة» وَرَوَى الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث زيد بن (جَارِيَة) [أَن رَسُول الله استصغر نَاسا يَوْم أحد مِنْهُم زيد بن جَارِيَة]- يَعْنِي نَفسه - والبراء بن عَازِب، وَزيد بن أَرقم، وَسعد، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَعبد الله بن عمر، وَجَابِر بن عبد الله قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَل عَلَى النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ: نعم جِهَاد لَا قتال فِيهِ: الْحَج وَالْعمْرَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور بِإِسْنَاد صَحِيح قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَإسْنَاد ابْن مَاجَه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : [من] مُحَمَّد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 بن فضل رَاوِيه إِلَى عَائِشَة كلهم من رجال الصَّحِيح، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور لَكِن لَفظه: «قلت: يَا رَسُول الله عَلَى النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ: لَا عَلَيْهِنَّ جِهَاد فِيهِ الْحَج وَالْعمْرَة» ، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمرَان بن حطَّان عَن عَائِشَة «يَا رَسُول الله هَل عَلَى النِّسَاء جِهَاد؟ ... » الحَدِيث، وَهَذِه الطَّرِيق معلولة بِأَن عمرَان لم يسمع من عَائِشَة كَمَا قَالَه صَاحب «الاستذكار» ، وبعمران نَفسه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علل الصَّحِيحَيْنِ» : أخرج البُخَارِيّ حَدِيث عمرَان بن حطَّان عَن ابْن عمر، عَن عمر فِي لبس الْحَرِير، وَعمْرَان مَتْرُوك لسوء اعْتِقَاده، وخبث رَأْيه. ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَنه وَقع فِي رِوَايَة الرَّافِعِيّ لهَذَا الحَدِيث «جِهَاد لَا شوك فِيهِ» بدل «لَا قتال فِيهِ - قَالَ: وَهُوَ السِّلَاح» وَهَذِه اللَّفْظَة غَرِيبَة من حَدِيث عَائِشَة نعم هِيَ مَوْجُودَة فِي حديثين آخَرين أَحدهمَا: عَن الْحُسَيْن بن عَلّي قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي جبان، وَإِنِّي ضَعِيف فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى جِهَاد لَا شوك فِيهِ» . أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَإِسْنَاده جيد وَمُعَاوِيَة بن إِسْحَاق الْمَذْكُور فِيهِ وَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَأَبُو حَاتِم، وَخَالف أَبُو زرْعَة فَقَالَ: شيخ واهٍ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 الثَّانِي: عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن جدته أم أَبِيه قَالَت: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فَقَالَ: أدلك عَلَى جِهَاد لَا شوك فِيهِ، قَالَ: بلَى، قَالَ: حج الْبَيْت» . فِي إِسْنَاده الْوَلِيد بن أبي ثَوْر، ضعفه النَّسَائِيّ وَغَيره، وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «اسْتَأْذَنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْجِهَاد فَقَالَ: جهادكن الْحَج، وَفِيه أَيْضا قلت: «يَا رَسُول الله نرَى الْجِهَاد أفضل [الْعَمَل] أَفلا نجاهد؟ قَالَ: لكنَّ أفضل الْجِهَاد حج مبرور» وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» عَنْهَا «يَا رَسُول الله أَلا نخرج ونجاهد مَعَك فَإِنِّي لَا أرَى عملا فِي الْقُرْآن أفضل من الْجِهَاد؟ قَالَ: (أَلا) إِن لكنَّ [أحسن] الْجِهَاد حج الْبَيْت حج مبرور» . وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» بِإِسْنَاد حسن عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «جِهَاد الْكَبِير [وَالصَّغِير] والضعيف، وَالْمَرْأَة الْحَج وَالْعمْرَة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 الحَدِيث الثَّانِي عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُبَايع الْأَحْرَار عَلَى الْإِسْلَام وَالْجهَاد، وَالْعَبِيد عَلَى الْإِسْلَام دون الْجِهَاد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح لَا يحضرني من خرجه من هَذَا الْوَجْه، وَذكره ابْن الرّفْعَة فِي كِفَايَته من حَدِيث جَابر مطولا وَلم يعزه لأحد، وَهَذَا سياقته عَن جَابر «أَن عبدا قدم عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبَايعهُ عَلَى الْجِهَاد وَالسَّلَام فَقدم صَاحبه فَأخْبرهُ أَنه مَمْلُوك فَاشْتَرَاهُ (مِنْهُ بعبدين، فَكَانَ بعد ذَلِك إِذا أَتَاهُ من لَا يعرفهُ ليبايعه سَأَلَهُ أحر هُوَ أم عبد، فَإِن قَالَ: حر بَايعه عَلَى الْإِسْلَام، وَالْجهَاد، وَإِن قَالَ: مَمْلُوك بَايعه عَلَى الْإِسْلَام دون الْجِهَاد» ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة [- و] الرَّافِعِيّ: ذكره دَلِيلا عَلَى عدم وُجُوبه عَلَى الرَّقِيق - مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن عَن الْحَارِث بن عبد الله بن [أَبَى] ربيعَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ فِي بعض مغازيه فَمر بأناس من مزينة فَاتبعهُ عبد لامْرَأَة مِنْهُم فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق سلم عَلَيْهِ قَالَ: فلَان؟ قَالَ: نعم، قَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: أجاهد مَعَك، قَالَ: أَذِنت لَك سيدتك؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِع إِلَيْهَا فَإِن مثلك مثل عبد لَا يُصَلِّي إِن مت قبل أَن ترجع إِلَيْهَا فاقرأ عَلَيْهَا السَّلَام فَرجع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 إِلَيْهَا فَأَخْبرهَا الْخَبَر قَالَت: آللَّهُ هُوَ أَمرك أَن تقْرَأ عَلّي السَّلَام؟ قَالَ: نعم، قَالَت: ارْجع فَجَاهد مَعَه» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث جَابر [بن] عبد الله قَالَ: «جَاءَ عبد فَبَايع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى الْهِجْرَة وَلم يشْعر أَنه عبد، فجَاء سَيّده يُريدهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بعنيه فَاشْتَرَاهُ بعبدين أسودين، ثمَّ لم يُبَايع أحدا بعد حَتَّى يسْأَله أعبد هُوَ؟» . الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاستأذنه فِي الْجِهَاد فَقَالَ: أَحَي والداك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: ففيهما فَجَاهد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَقد سلف. فِي بَاب الْإِحْصَار والفوات وَاضحا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «أَن رجلا جَاءَ فاستأذنه فِي الْجِهَاد، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أجاهد مَعَك. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَلَك أَبَوَانِ؟ قَالَ: نعم. قَالَ كَيفَ تركتهما؟ قَالَ: تركتهما وهما يَبْكِيَانِ. فَقَالَ: ارْجع إِلَيْهِمَا وأضحكهما كَمَا أبكيتهما» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة، رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة أَيْضا. وَقد سلفت فِي الْموضع الْمشَار إِلَيْهِ أَولا وَاضحا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهَذَا فِي الْأَبَوَيْنِ الْمُسلمين. أما إِذا كَانَ الأبوان أَو الْحَيّ مِنْهُمَا مُشْركًا، فَلَا يحْتَاج فِي الْخُرُوج إِلَى إِذْنه (للتُّهمَةِ) الظَّاهِرَة بالميل إِلَى [أهل] الدَّين، وَكَانَ عبد الله بن أبي بن سلول يَغْزُو مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمَعْلُوم أَن أَبَاهُ كَانَ يكره ذَلِك فَإِنَّهُ كَانَ يخذل الْأَجَانِب ويمنعهم عَن الْجِهَاد وَهُوَ كَمَا قَالَ. الحَدِيث الرَّابِع عشر إِلَى [الثَّامِن] عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: وَردت أَخْبَار كَثِيرَة مَشْهُورَة فِي السَّلام وإفشائه. هُوَ كَمَا قَالَ فلنذكر من ذَلِك خَمْسَة أَحَادِيث: أَحدهَا: عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، أَي الْإِسْلَام خير؟ قَالَ: تطعم الطَّعَام، وتقرأ السَّلَام عَلَى من عرفت وَعَلَى من لم تعرف» أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» . ثَانِيهمَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خلق الله عَزَّ وَجَلَّ آدم عَلَى صورته سِتُّونَ ذِرَاعا، فَلَمَّا خلقه قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسلم عَلَى أُولَئِكَ [النَّفر - وهم] نفر من الْمَلَائِكَة جُلُوس - فاسمع مَا يحيونك فَإِنَّهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 تحيتك وتحية ذريتك [قَالَ: فَذهب فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم] [فَقَالُوا] : السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، فزادوه وَرَحْمَة الله» أَخْرجَاهُ أَيْضا. ثَالِثهَا: عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِسبع ونهانا عَن سبع وعدَّ مِنْهَا إفشَاء السَّلَام» أَخْرجَاهُ أَيْضا. رَابِعهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تدخلون الْجنَّة حَتَّى تؤمنوا، وَلَا تؤمنوا حَتَّى تحَابوا، أَولا أدلكم عَلَى شَيْء إِذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السَّلَام بَيْنكُم» أخرجه مُسلم. خَامِسهَا: عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اعبدوا الرَّحْمَن، وأفشوا السَّلَام، وأطعموا الطَّعَام تدخلون الْجنَّة» أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَأخرجه الدَّارمِيّ وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم بأسانيد حَسَنَة من رِوَايَة ابْن سَلام رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «يَا أَيهَا النَّاس أفشوا السَّلَام وأطعموا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 الطَّعَام، وصلوا الْأَرْحَام، وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام، تدخلون الْجنَّة بِسَلام» أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَأخرجه الدَّارمِيّ وَالتِّرْمِذِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث صَحِيح، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَالْأَحَادِيث فِي الْبَاب كَثِيرَة لَا يسعنا أَن نذكرها هُنَا لكثرتها وانتشارها وَهَذَا الْعدَد كافٍ فِيمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ. الحَدِيث التَّاسِع عشر ورد فِي الْخَبَر «النَّهْي عَن السَّلَام عَلَى قَاضِي الْحَاجة» . هُوَ كَمَا قَالَ وَقد مر حَدِيث جَابر وَابْن عمر، أما حَدِيث جَابر فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيثه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر عَلَيْهِ رجل وَهُوَ يَبُول فسلَّم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِذا رَأَيْتنِي عَلَى مثل هَذِه الْحَالة فَلَا تسلم عليَّ؛ فَإنَّك إِن فعلت لم أرد عَلَيْك» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا أعلم رَوَاهُ غير هَاشم بن الْبَرِيد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر. وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد. قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رجلا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 مر عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[وَهُوَ يَبُول فَسلم عَلَيْهِ الرجل فَرد عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جاوزه ناداه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] فَقَالَ: إِنَّمَا حَملَنِي عَلَى الرَّد عَلَيْك خشيَة أَن تذْهب فَتَقول: إِنِّي سلمت عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يرد عليَّ، قَالَ: فَإِذا رَأَيْتنِي عَلَى هَذِه الْحَالة فَلَا تسلم عليَّ فَإنَّك إِن تفعل فَإِنِّي لَا أرد عَلَيْك» وَأخرجه الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث سعيد بن سَلمَة، ثَنَا أَبُو بكر رجل من ولد عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَعَ اخْتِلَاف فِي بعض اللَّفْظ وَنقص يسير. قَالَ عبد الْحق: وَأَبُو بكر هَذَا فِيمَا أعلم هُوَ ابْن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر، رَوَى عَنهُ مَالك وَغَيره، وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ، وَلَكِن حَدِيث مُسلم أصح؛ لِأَنَّهُ من حَدِيث الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رجلا سلم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يَبُول فَلم يرد عَلَيْهِ» وَالضَّحَّاك أوثق من أبي بكر، أَو لَعَلَّه كَانَ ذَلِك فِي موطنين. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي ذكر فِي أبي بكر هَذَا يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف فِيهِ فَإِن الرجل الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد لم نعلم فِيهِ أَكثر من أَنه ولد عبد الله بن عمر، فَمن أَيْن لَهُ أَنه أَبُو بكر بن عمر بن عبد الرَّحْمَن الَّذِي رَوَى عَنهُ مَالك، وَقد كَانَ (مانعه من ذَلِك لَو ثَبت) أَن الَّذِي فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 الْإِسْنَاد، يروي عَن نَافِع، وَالَّذِي توهمه أَنه هُوَ مَعْلُوم الرِّوَايَة عَن ابْن عمر، ويروي عَنهُ مَالك وَغَيره، وَإِلَى هَذَا فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور إِنَّمَا يرويهِ عَن أبي بكر الْمَذْكُور سعيد بن سَلمَة [وَهُوَ ابْن] [أبي] الحسام أَبُو عمر مولَى عمر بن الْخطاب وَهُوَ قد أخرج لَهُ مُسلم، وَإِن كَانَ ابْن معِين سُئِلَ عَنهُ فَلم يعرفهُ وَإِنَّمَا نُرِيد حَاله، وَإِلَّا فقد عرف حَالَة عينه وَنسبه بِالْوَلَاءِ وَرِوَايَة من رَوَى عَنهُ وَعَمن رَوَى قَالَ صَاحب «الإِمَام» : أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق قد تثبت فِي ذَلِك بقوله أَبُو بكر فِيمَا أعلم، وَلم يجْزم بذلك، وَقد وَقع مَا دلّ عَلَى صِحَة ظَنّه؛ فَإِن هَذَا الحَدِيث قد أخرجه ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» . وَقَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا عبد الله بن رَجَاء، ثَنَا سعيد - يَعْنِي ابْن سَلمَة - عَن أبي بكر - هُوَ ابْن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب - عَن نَافِع، عَن عبد الله بن عمر [ «أَن رجلا مر برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يهريق المَاء فَسلم عَلَيْهِ الرجل] فَرد عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ قَالَ: إِذا رَأَيْتنِي هَكَذَا فَلَا تسلم عليَّ فَإنَّك إِن تفعل لَا أرد عَلَيْك السَّلَام» . فَهَذِهِ الرِّوَايَة وَقع فِيهَا نسب أبي بكر هَذَا كَمَا ظن عبد الْحق، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 وَأَقْوَى من هَذَا رِوَايَة الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج، ثَنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْحَنْظَلِي، ثَنَا عبد الله بن رَجَاء، ثَنَا سعيد بن سَلمَة، حَدثنِي أَبُو بكر بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب بِسَنَدِهِ وَفِيه ثمَّ قَالَ: «إِنَّه لم يحملني عَلَى السَّلَام عَلَيْك إِلَّا أَنِّي خشيت أَن تَقول: سلمت عليَّ فَلم ترد عليَّ السَّلَام» . قلت: وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الشَّافِعِي السالفة أَيْضا. فَائِدَة: فِي «شرح الْآثَار» للطحاوي حَدِيث الْمَنْع من رد السَّلَام مَنْسُوخ بِآيَة الْوضُوء وَقيل بِحَدِيث عَائِشَة: «كَانَ يذكر الله عَلَى كل أحيانه» وَزعم الْحسن أَنه لَيْسَ مَنْسُوخا وَتمسك بِمُقْتَضَاهُ. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أَن أَعْرَابِيًا قعد عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاسْتحْسن كَلَامه فاستأذنه فِي أَن يقبّل وَجهه فَأذن لَهُ، ثمَّ اسْتَأْذن أَن يقبّل يَده فَأذن لَهُ، ثمَّ اسْتَأْذن فِي أَن يسْجد لَهُ فَلم يَأْذَن لَهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة» من حَدِيث بُرَيْدَة قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد أسلمت فأرني شَيْئا أزدد بِهِ يَقِينا، فَقَالَ: فَمَا الَّذِي تريده؟ قَالَ: أُدع تِلْكَ الشَّجَرَة فلتأتك ... » فَذكر حَدِيثا فِي إتْيَان الشَّجَرَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وتسليمها عَلَيْهِ ورجوعها، وَفِي آخِره «فَقَالَ الْأَعرَابِي: ائْذَنْ لي يَا رَسُول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 الله أَن أقبل رَأسك ورجليك فَفعل، ثمَّ قَالَ: ائْذَنْ لي أَن أَسجد لَك، فَقَالَ: لَا يسْجد أحد لأحد، وَلَو أمرت أحدا أَن يسْجد لأحدٍ لأمرت الْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا لعظم حَقه عَلَيْهَا» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث بُرَيْدَة أَيْضا «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله عَلمنِي شَيْئا أزداد بِهِ يَقِينا. قَالَ فَقَالَ: ادْع تِلْكَ الشَّجَرَة، فَدَعَا بهَا فَجَاءَت حَتَّى سلمت عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، ثمَّ قَالَ لَهَا: ارجعي فَرَجَعت. قَالَ: ثمَّ أذن لَهُ فَقبل رَأسه وَرجلَيْهِ، وَقَالَ: لَو كنت آمرًا أحدا أَن يسْجد لأحد لأمرت الْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا» ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد ذكره فِي كتاب الْبر والصلة وَفِي إِسْنَاده وَإسْنَاد أبي نعيم: حبَان بن عَلّي الْغَزِّي الْكُوفِي أَخُو منْدَل وَقد ضَعَّفُوهُ وَرَوَاهُ صَالح بن حبَان أَيْضا وَقد ضَعَّفُوهُ فَكيف يكون صَحِيح الْإِسْنَاد إِذا قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ تَمِيم الدَّارِيّ بن عبد الْمُؤمن عَن صَالح بن حبَان وَلَفظه «أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ يسْأَل عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَيْن هُوَ؟ حَتَّى وَقع إِلَى قوم جُلُوس من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسلم ثمَّ قَالَ: أَي نَبِي الله آتِيك فَأقبل رَأسك؟ فَقَالَ: نعم. قَالَ: أقبل رجليك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَتَيْتُك مُسلما أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك عَبده وَرَسُوله. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ذَلِك خير لَك ... » فَذكر الحَدِيث فِي طلب إتْيَان الشَّجَرَة وإتيانها ورجوعها وَفِي آخِره «وَقَالَ: يَا نَبِي الله، أَسجد لَك؟ قَالَ: لَا إِنَّمَا السُّجُود لله ... » الحَدِيث. قلت: وَتَمِيم هَذَا لَا أعرف حَاله، ثمَّ اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَنه لَا يكره التَّعْظِيم بالتقبيل لزهد أَو علم وَكبر سنّ، ويغني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 عَنهُ فِي الدّلَالَة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث زارع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «كَانَ فِي وَفد عبد الْقَيْس قَالَ: فَجعلنَا نتبادر من رواحنا فنقبل يَد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقبلنَا يَده» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَمِنْهَا حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فِي قصَّة قَالَ: «فَدَنَوْنَا - يَعْنِي من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقبلنَا يَده وَرجله» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا، وَمِنْهَا حَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَالَ يَهُودِيّ لصَاحبه: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِي، فَأتيَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَاهُ عَن تسع آيَات بَيِّنَات» فَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله: «فقبلوا يَده وَرجله، وَقَالا: نشْهد أَنَّك نَبِي» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بأسانيد صَحِيحَة. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «حق الْمُؤمن عَلَى الْمُؤمن سِتَّة: أَن يسلم عَلَيْهِ إِذا لقِيه، وَأَن يجِيبه إِذا دَعَاهُ، وَأَن يشمته إِذا عطس، وَأَن يعودهُ إِذا مرض، وَأَن يشيع جنَازَته إِذا مَاتَ، وَأَن لَا يظنّ فِيهِ إِلَّا خيرا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَّا أَنه قَالَ: «وَإِذا استنصحك فانصح لَهُ» بدل «وَأَن لَا تظن فِيهِ إِلَّا خيرا» وَهَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 لَفظه «حق الْمُسلم عَلَى الْمُسلم سِتَّة إِذا لَقيته فَسلم عَلَيْهِ، وَإِذا دعَاك فأجبه، وَإِذا استنصحك فانصح، وَإِذا عطس فحمِدَ الله فشمّته، وَإِذا مرض فعده، وَإِذا مَاتَ فَاتبعهُ» وَفِي رِوَايَة لَهُ وللبخاري «حق الْمُسلم خمس: رد السَّلَام، وعيادة الْمَرِيض، وَاتِّبَاع الْجَنَائِز، وَإجَابَة الدعْوَة، وتشميت الْعَاطِس» وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي مَرْفُوعا «للْمُسلمِ عَلَى الْمُسلم سِتَّة بِالْمَعْرُوفِ: يسلم عَلَيْهِ إِذا لقِيه، ويجيبه إِذا دَعَاهُ، ويشمته إِذا عطس، ويعوده إِذا مرض، وَيتبع جنَازَته إِذا مَاتَ، وَيُحب لَهُ مَا يحب لنَفسِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن، وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن خَالِد بن أبي عمرَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه «للمرء الْمُسلم عَلَى أَخِيه من الْمَعْرُوف سِتَّة: تشميته إِذا عطس، ويعوده إِذا مرض، وينصحه إِذا غَابَ أَو شهده، وَيسلم عَلَيْهِ إِذا لقِيه، ويجيبه إِذا دَعَاهُ، ويتبعه إِذا مَاتَ، وَنَهَى عَن هِجْرَة الْمُسلم أَخَاهُ فَوق ثَلَاث» . وَفِي «مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه» من حَدِيث الأفريقي عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم، عَن أَبِيه، عَن أبي أَيُّوب رَفعه «للْمُسلمِ عَلَى الْمُسلم سِتّ خِصَال وَاجِبَة، فَمن ترك مِنْهَا خصْلَة ترك حَقًا وواجبًا لِأَخِيهِ: أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 يجِيبه إِذا دَعَاهُ، وَيسلم عَلَيْهِ إِذا لقِيه، ويشمته إِذا عطس، ويعوده إِذا مرض، ويشيع جنَازَته إِذا مَاتَ، وينصحه إِذا استنصحه» . وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يطوف بِالْكَعْبَةِ وَيَقُول: مَا أطيبك (وَأطيب) رِيحك مَا أعظمك (مَا أعظم) حرمتك، وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لحُرْمَة الْمُؤمن أعظم عِنْد الله حُرْمَة منَكِ مَاله وَدَمه، وَأَن لَا يظنّ [بِهِ] إِلَّا خيرا» . وَقد رُوِيَ حَدِيث غَرِيب جدا من طَرِيق عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه «للْمُسلمِ عَلَى الْمُسلم ثَلَاثُونَ حَقًا لَا بَرَاءَة لَهُ مِنْهَا إِلَّا بِالْأَدَاءِ أَو الْعَفو: يغْفر لَهُ زلته وَيرْحَم عبرته، وَيسْتر عَوْرَته، ويقيل عثرته، وَيقبل معذرته، وَيرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمَّته، وَيعود مريضه، وَيشْهد ميته، ويجيب دَعوته، وَيقبل هديته، ويكافئ صلته، ويشمت عطسته، وَيرد ضالته، ويشكر نعمه، وَيحسن نصرته، وَيَقْضِي حَاجته، ويتتبع سئلته، وَيرد سَلَامه، ويطيب كَلَامه، ويبر إنعامه، وَيصدق أقسامه، وينصره ظَالِما أَو مَظْلُوما، ويواليه (لَا) يعاديه، فَأَما نصرته ظَالِما فَيردهُ عَن ظلمه، وَأما نصرته مَظْلُوما فيعينه عَلَى أَخذ حَقه وَلَا يُسلمهُ وَلَا يَخْذُلهُ، وَيُحب لَهُ من الْخَيْر مَا يحب لنَفسِهِ، وَيكرهُ لَهُ من الشَّرّ مَا يكره لنَفسِهِ» وَهُوَ حَدِيث مُنكر بِهَذِهِ السِّيَاقَة كلهَا أَنبأَنَا بِهِ شَيخنَا صَلَاح الدَّين العلائي، أَنا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الصَّالِحِي، أَنبأَنَا أَحْمد بن عبد الدايم، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 أَنا يَحْيَى الثَّقَفِيّ، أبنا إِسْمَاعِيل بن الْفضل، أنبانا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الذكواني، أبنا جدي أَبُو بكر بن أبي عَلّي، أَنبأَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عمر الْبَغْدَادِيّ، نَا أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر، حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه جَعْفَر، عَن أَبِيه مُحَمَّد بن عبد الله، عَن أَبِيه عَلّي بن أبي طَالب فَذكره. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين «أَن جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما قدم من الْحَبَشَة عانقه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق أحْسنهَا: مَا سَاقه الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، نَا عبد الله بن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس «أَن جَعْفَر بن أبي طَالب لما قدم من الْحَبَشَة تَلقاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - واعتنقه وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ: مرْحَبًا بأشبههم لي خَلقًا وخُلقًا» . ثَانِيهَا: من حَدِيث عمْرَة، عَن عَائِشَة. قَالَت: «لما قدم جَعْفَر من أَرض الْحَبَشَة خرج إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعانقه» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فِي إِسْنَاده أَبُو قَتَادَة الْحَرَّانِي قَالَ: وَقد رُوِيَ عَنْهَا من طَرِيق آخر فِيهِ مُحَمَّد بن عبيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 بن عُمَيْر، وَكِلَاهُمَا غير مَحْفُوظ. قَالَ: وهما ضعيفان. قلت: وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد هَذَا وَلَفظه عَنْهَا «أَنه لما قدم هُوَ وَأَصْحَابه استقبله النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقبل بَين عَيْنَيْهِ» . ثَالِثهَا: من حَدِيث الشّعبِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تلقى جَعْفَر بن أبي طَالب فَالْتَزمهُ وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه مَعَ الْإِرْسَال الأحلج الْكِنْدِيّ وَهُوَ صَدُوق شيعي جلد ضَعِيف، ووثق. رَوَاهُ أَبُو نعيم مُتَّصِلا بِدُونِ الأحلج وَهَذَا لَفظه عَن عَامر الشّعبِيّ، عَن عبد الله بن جَعْفَر، عَن أَبِيه جَعْفَر قَالَ: «لما قدمت الْمَدِينَة من عِنْد النَّجَاشِيّ تَلقانِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاعتنقني ثمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي أَنا بِفَتْح خَيْبَر أفرحْ أم بقدوم جَعْفَر. وَوَافَقَ ذَلِك فتح خَيْبَر» وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مجَالد، عَن الشّعبِيّ بِهِ سَوَاء، وَرَوَاهُ العُقيلي من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر قَالَ «لما قدم جَعْفَر من الْحَبَشَة أَتَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ: مَا أَنا بِفَتْح خَيْبَر أَشد فَرحا مني بقدوم جَعْفَر» وَفِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن جَعْفَر. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه «أَحْكَام النّظر» : حَاله لَا يعرف. رَابِعهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جَعْفَر بن أبي طَالب إِلَى بِلَاد الْحَبَشَة فَلَمَّا قدم اعتنقه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ علمه صَلَاة التَّسْبِيح» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي آخر بَاب صَلَاة التَّطَوُّع، ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ. قلت: بلَى؛ لِأَن فِيهِ أَحْمد بن دَاوُد بن عبد الْغفار الْحَرَّانِي. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك كَذَّاب. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ بالفسطاط يضع الحَدِيث لَا يحل ذكره فِي الْكتب إِلَّا عَلَى سَبِيل الْإِبَانَة لأَمره ليتنكب حَدِيثه. خَامِسهَا: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما قدم جَعْفَر تَلقاهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقبل جَبهته» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْفَضَائِل فِي تَرْجَمته من «مُسْتَدْركه» وإرساله هُوَ الصَّوَاب. وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ من حَدِيث مكي بن عبد الله الرعيني، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر: قَالَ: «لما أَن قدم جَعْفَر إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجل - قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي مَشَى عَلَى رجل وَاحِدَة - إعظامًا لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقبل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا أخي أَنْت أشبه النَّاس بخلقي وَخلقِي» قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح وَلَا يعرف إِلَّا بمكي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 الْبَاب الثَّانِي: فِي كَيْفيَّة الْجِهَاد ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وأثارًا أما الْأَحَادِيث فسبعة وَسَبْعُونَ حَدِيثا: الحَدِيث الأول قَالَ الرَّافِعِيّ: «يسْتَحبّ إِذا بعث الإِمَام سَرِيَّة أَن يُؤمر عَلَيْهِم أَمِيرا، وَيَأْمُرهُمْ بِطَاعَتِهِ [ويوصيه بهم] » ، و «أَن يَأْخُذ الْبيعَة عَلَى الْجند حَتَّى لَا يَفروا» ، و «أَن يبْعَث الطَّلَائِع» و «يتجسس أَخْبَار الْكفَّار» ، و «يسْتَحبّ الْخُرُوج يَوْم الْخَمِيس» «فِي أول النَّهَار» ، و «أَن يعْقد الرَّايَات» ، و «يَجْعَل كل فريق تَحت راية» ، و «يَجْعَل لكل طَائِفَة شعارًا حَتَّى لَا يقتل بَعضهم بَعْضًا بياتًا» ، و «يسْتَحبّ أَن يدْخل دَار الْحَرْب بتعبئة الْحَرْب، لِأَنَّهُ أحوط وأهيب» ، «وَأَن يستنصر بالضعفاء» ، «وَأَن يَدْعُو عِنْد التقاء الصفين» ، «وَأَن يكبر من غير إِسْرَاف فِي رفع الصَّوْت» ، «وَأَن يحرض النَّاس عَلَى الْقِتَال وَعَلَى الصَّبْر والثبات» ، وكل ذَلِك مَشْهُور فِي سير النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ومغازيه. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ وَهُوَ مُشْتَمل عَلَى عدَّة أَحَادِيث فلينفرد كل وَاحِد بِعقد. أما الأول: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَرِيَّة وَاسْتعْمل عَلَيْهِم رجلا من الْأَنْصَار وَأمرهمْ أَن يسمعوا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 لَهُ ويطيعوا، فأغضبوه فِي شَيْء فَقَالَ: اجْمَعُوا لي حطبًا فَجمعُوا لَهُ، ثمَّ قَالَ: أوقدوا نَارا فأوقدوا، ثمَّ قَالَ: ألم يَأْمُركُمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قَالُوا: بلَى. قَالَ: فادخلوها. فَنظر بَعضهم إِلَى بعض وَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من النَّار، فَكَانُوا كَذَلِك حَتَّى سكن غَضَبه فطفئت النَّار، فَلَمَّا رجعُوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذكرُوا ذَلِك لَهُ. فَقَالَ: لَو دخلُوا فِيهَا مَا خَرجُوا مِنْهَا أبدا، وَقَالَ: لَا طَاعَة فِي مَعْصِيّة الله إِنَّمَا الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف» . الحَدِيث الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَأَن يَأْخُذ الْبيعَة عَلَى الْجند حَتَّى لَا يَفروا» . هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي صَحِيح مُسلم مُنْفَردا بِهِ، ثمَّ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» والسياق لَهُ من حَدِيث معقل بن يسَار رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بَايع النَّاس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زمن الْحُدَيْبِيَة وَهُوَ تَحت الشَّجَرَة، وَأَنا رَافع غصنًا من [أَغْصَانهَا] عَن وَجهه لم نُبَايِعهُ عَلَى الْمَوْت وَلَكِن بَايَعْنَاهُ عَلَى أَن لَا نفر، وهم يَوْمئِذٍ ألف وَأَرْبَعمِائَة» وَلَفظ ابْن حبَان «لقد رَأَيْتنِي يَوْم الشَّجَرَة وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُبَايع النَّاس، وَأَنا رَافع غصنًا من أَغْصَانهَا عَن رَأسه وَنحن أَربع عشرَة مائَة، وَقَالَ: لم نُبَايِعهُ عَلَى الْمَوْت وَلَكِن بَايَعْنَاهُ عَلَى أَن لَا نفر» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : الصَّحِيح أَنهم ألف وَخَمْسمِائة عَلَى مَا قَالَه ابْن الْمسيب. وَفِي هَذَا الْخَبَر دحض لقَوْل من زعم أَن هَذِه السّنة تفرد بهَا جَابر بن عبد الله. قلت: وَحَدِيث جَابر هَذَا أخرجه مُسلم وَأَصله فِي حَدِيث البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عبد الله بن (بُرَيْدَة) وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع. الحَدِيث الثَّالِث قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَأَن يبْعَث الطَّلَائِع» . هُوَ كَمَا قَالَ. فَفِي «صَحِيح مُسلم» مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[بُسيسة] عينا ينظر مَا صنعت عير أبي سُفْيَان فجَاء وَمَا فِي الْبَيْت أحد غَيْرِي وَغير رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مَا اسْتثْنى بعض نِسَائِهِ - قَالَ: فَحَدَّثته الحَدِيث فَخرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتكلم فَقَالَ: إِن لنا طلبة فَمن كَانَ ظَهره حَاضرا فليركب مَعنا، فَجعل رجال يستأذنونه فِي ظُهُورهمْ فِي علو الْمَدِينَة فَقَالَ: لَا، إِلَّا من كَانَ ظَهره حَاضرا. فَانْطَلق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه حَتَّى سبقوا الْمُشْركين إِلَى بدر، وَجَاء الْمُشْركُونَ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: [لَا يقدمن أحد مِنْكُم إِلَى شَيْء حَتَّى أكون أَنا دونه، فَدَنَا الْمُشْركُونَ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] : قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَقَالَ: يَقُول عُمَيْر بن الْحمام الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله، جنَّة عرضهَا السماوت وَالْأَرْض [قَالَ: نعم، قَالَ] : بخ بخ يَا رَسُول الله، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا يحملك عَلَى قَوْلك بخ بخ؟ ! قَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله إِلَّا رَجَاء أَن أكون من أَهلهَا. قَالَ: فَإنَّك من أَهلهَا، قَالَ: فَأخْرج تمرات من قرنه فَجعل يَأْكُل مِنْهُنَّ، ثمَّ قَالَ: لَئِن أَنا حييت حَتَّى آكل تمراتي هَذِه إِنَّهَا لحياة طَوِيلَة. قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَه من التَّمْر ثمَّ قَاتلهم حَتَّى قتل» وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه من هَذِه الْوَجْه من عِنْد قَوْله «قومُوا إِلَى الْجنَّة» إِلَى آخِره فِي تَرْجَمَة عُمَيْر ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: أَن عُمَيْر بن الْحمام أنْشد عِنْد مقدمه إِلَى الْقِتَال. «ركضنا إِلَى الله بِغَيْر زَاد وَالصَّبْر فِي الله عَلَى الْجِهَاد وَخير مَا قاد إِلَى الرشاد إِلَى التقَى صَالح الْمعَاد إِن التقَى من أعظم السداد وكل حَيّ فَإلَى معاد ثمَّ قَالَ: فَلم يزل يُقَاتل حَتَّى قتل» . قَالَ ابْن نَاصِر فِي قصَّة عُمَيْر بن الْحمام الْأنْصَارِيّ: أَنه اسْتشْهد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 فِي وقْعَة أحد. وَهَذَا غَرِيب فَفِي الصَّحِيح كَمَا تقدم أَن ذَلِك فِي بدر وَكَذَا قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ إِن قصَّته كَانَت يَوْم بدر لَا يَوْم أحد وَهُوَ الصَّوَاب. وَنقل الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» عَن عبد الْغَنِيّ أَنه قَالَ فِي حَدِيث جَابر يَوْم أحد، وَفِي حَدِيث أنس: يَوْم بدر وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. فَائِدَة: قَالَ أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» ذكره أَعنِي عُمَيْر بن الْحمام بعض الواهمين وصحف فِيهِ. فَقَالَ: تَمِيم بن الْحمام قتل ببدر. الحَدِيث الرَّابِع قَالَ: «ويتجسس (الْكفَّار» ) . هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث [جَابر] قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْأَحْزَاب «من يأتيني بِخَبَر الْقَوْم إِن لكل نَبِي حوارِي، وحواري الزبير» . وَفِي مُسلم من حَدِيث أنس قَالَ: «بعث النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بسيسة عينا ينظر مَا صنعت عير أبي سُفْيَان فجَاء فحدثه الحَدِيث فَخرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتكلم، فَقَالَ: إِن لنا طلبة فَمن كَانَ ظَهره حَاضرا فليركب مَعنا، فَجعل رجال يستأذنون فِي ظُهُورهمْ فِي علو الْمَدِينَة، فَقَالَ: لَا، إِلَّا من كَانَ ظَهره حَاضرا، فَانْطَلق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه حَتَّى سبقوا الْمُشْركين إِلَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 بدر» . وَفِيه أَيْضا من حَدِيث حُذَيْفَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَيْلَة الْأَحْزَاب: «أَلا رجل يأتينا بِخَبَر الْقَوْم» الحَدِيث بِطُولِهِ. الحَدِيث الْخَامِس قَالَ: «وَيسْتَحب الْخُرُوج يَوْم الْخَمِيس» . هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن كَعْب بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج من الْخَمِيس فِي غَزْوَة تَبُوك، وَكَانَ يحب أَن يخرج يَوْم الْخَمِيس» . الحَدِيث السَّادِس قَالَ: «فِي أول النَّهَار» . وَهُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «مُسْند أَحْمد» و «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث صَخْر بن ودَاعَة الغامدي - بالغين الْمُعْجَمَة و [الدَّال]- الْأَزْدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها، قَالَ: كَانَ إِذا بعث سَرِيَّة أَو جَيْشًا بَعثهمْ من أول النَّهَار، وَكَانَ صَخْر رجلا تَاجِرًا، وَكَانَ يبْعَث تِجَارَته من أول النَّهَار فَأُسْرِيَ وَكثر مَاله» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 ونفاه الْمجد فِي «أَحْكَامه» عَن النَّسَائِيّ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَهُوَ فِيهِ كَمَا عزيناه إِلَيْهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، وَخَالَفنَا ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي «علله» : تَحْسِين عبد الْحق لَهُ خطأ وَابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ يرويهِ عمَارَة بن حَدِيد، عَن صَخْر. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: عمَارَة مَجْهُول. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يعرف. قلت: لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي التَّابِعين وَقَالَ: رَوَى عَن صَخْر الغامدي، وَرَوَى عَنهُ [يعْلى] بن عَطاء، وَأخرجه فِي «صَحِيحه» من طَرِيقين من جِهَته، وَله شَوَاهِد من غير هَذَا الحَدِيث كَمَا ستعلمه بعد. قَالَ ابْن طَاهِر الْحَافِظ فِي «تَخْرِيجه لأحاديث الشهَاب» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات من الصَّحَابَة، وَلم يخرج مِنْهَا - يَعْنِي فِي الصَّحِيح - عَلَى كثرتها شَيْء، وأقربها إِلَى الصِّحَّة والشهرة هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي رُءُوس الْمسَائِل: قد حسن التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَكَذَا قَالَ غَيره من الْحفاظ؛ أَنه حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طرق كَثِيرَة من حَدِيث عَلّي والعبادلة، وَجَابِر بن عبد الله، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَعمْرَان بن حُصَيْن، وَعبد الله بن سَلام، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَبُرَيْدَة بن الْحصين، وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ، وَأبي رَافع مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَعمارَة بن وثيمة، وَأبي بكرَة ذكر هَذِه الطّرق كلهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي «أربعينه» ، وَطَرِيق بُرَيْدَة ذكرهَا ابْن السكن فِي «صحاحه» ، وَذكره ابْن مَنْدَه فِي «مُسْنده» من حَدِيث نبيط بن شريط، وواثلة بن الْأَسْقَع أَيْضا. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث عَلّي وَابْن مَسْعُود وَأبي ذَر وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَكَعب بن مَالك وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَبُرَيْدَة وَأنس و [العُرس] بن عميرَة، وَأبي رَافع وَعَائِشَة وَقَالَ: كلهَا لَا تثبت، ثمَّ ذكر سَبَب ذَلِك وَاضحا، وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» قَالَ: إِنِّي لَا أعلم فِي «اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها» [حَدِيثا صَحِيحا] . فَائِدَة: رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث أنس بِزِيَادَة وَهَذَا لَفظه «اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها يَوْم خميسها» . لَكِنَّهَا ذَاهِبَة بِسَبَب عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن الوضاع الْمَذْكُور فِي إسنادها. وَرَوَاهَا الْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس رَفعه «اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها يَوْم خميسها» وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تسألن رجلا حَاجَة [بلَيْل] وَلَا يسألن (رجل) أَعْمَى حَاجَة [فَإِن الْحيَاء] فِي الْعَينَيْنِ» قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 لَا نعلمهُ رَوَاهُ عَن أبي جَمْرَة إِلَّا عَمْرو بن مساور، وَعَمْرو رَوَى عَنهُ عَفَّان وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث وَلم يكن بِالْقَوِيّ وَلَا نعلم لَهُ غير هذَيْن الْحَدِيثين. قلت: وَعَمْرو هَذَا نسبه مَجْهُول. قلت: وَرَوَى زِيَادَة نَسَبهَا أَيْضا وَهِي مفتعلة كَمَا شهد بذلك أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ الْحَافِظ. فَائِدَة ثَانِيَة: قَالَ التِّرْمِذِيّ لَا نَعْرِف لصخر غير هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي السالف - وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَالْبَغوِيّ وَابْن عبد الْبر. قلت: وَله حَدِيث آخر لم يخرجَاهُ وَهُوَ حَدِيث «لَا تسبو الْأَمْوَات فتؤذوا الْأَحْيَاء» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، عَن عبد الله بن مُحَمَّد، نَا الْفرْيَابِيّ، نَا سُفْيَان، عَن شُعْبَة، عَن يعْلى بن عَطاء، عَن عمَارَة، عَن صَخْر بِهِ. الحَدِيث السَّابِع قَالَ: «وَأَن يعْقد الرَّايَات» . وَهُوَ كَمَا قَالَ وَسَيَأْتِي ذَلِك من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير بِطُولِهِ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 وَتَنَاول أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا يحب الله وَرَسُوله، وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله فَأَعْطَاهَا لعَلي» الحَدِيث بِطُولِهِ، وَقد جَاءَت أَحَادِيث عدَّة فِي لون راية النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَفِي التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَت راية النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[سَوْدَاء، و] [لِوَاؤُهُ] أَبيض» وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن حَيَّان أَخُو مقَاتل بن حَيَّان قَالَ البُخَارِيّ: عِنْده غلط كَبِير. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مستشهدًا بِهِ بِلَفْظ «كَانَ لِوَاء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبيض، ورايته سَوْدَاء» . وَفِي السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث الْبَراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَت راية النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَوْدَاء مربَّعة من نمرة» حسنه التِّرْمِذِيّ، وَأعله ابْن الْقطَّان بِيُونُس بن عبيد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، وَقَالَ: لَا يعرف إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، وَفِي أبي دَاوُد من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن رجل من قومه، عَن آخر مِنْهُم قَالَ: «رَأَيْت راية النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صفراء» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 وَفِي إِسْنَاده جَهَالَة كَمَا ترَى. وَفِي ابْن السكن من حَدِيث [مزيدة] العصري. قَالَ: «عقد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رايات الْأَنْصَار جَعلهنَّ صفراء» ألزم ابْن الْقطَّان عبد الْحق بِتَصْحِيحِهِ. وَفِي «السّنَن الْأَرْبَعَة» أَيْضا وصحيحي ابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل مَكَّة عَام الْفَتْح وَلِوَاؤُهُ أَبيض» . قَالَ التِّرْمِذِيّ وَالْبُخَارِيّ: غَرِيب، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَفِي النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس «أَن ابْن أم مَكْتُوم كَانَت مَعَه راية سَوْدَاء فِي بعض مشَاهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاده صَحِيح قَالَ: وَهِي بِلَا شكّ من رايات رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث الثَّامِن قَالَ: «وَيجْعَل كل أَمِير تَحت راية» . هُوَ كَمَا قَالَ [فَفِي] «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث عُرْوَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ: «لما سَار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْفَتْح فَبلغ ذَلِك قُريْشًا، خرج أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وبُدَيل بن وَرْقَاء يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوا مَرّ الظهْرَان، فَإِذا هم بنيران كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: مَا هَذِه؟ [لكأنها] نيران عَرَفَة. فَقَالَ بديل بن وَرْقَاء: نيران بني عَمْرو. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: عَمْرو أقل من ذَلِك. فَرَآهُمْ نَاس من حرس رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأدركوهم فَأَخَذُوهُمْ فَأتوا بهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَأسلم أَبُو سُفْيَان، فَلَمَّا سَار قَالَ للْعَبَّاس: أحبس أَبَا سُفْيَان عِنْد خطم الْجَبَل حَتَّى ينظر إِلَى الْمُسلمين فحبسه الْعَبَّاس، فَجعلت الْقَبَائِل تمر مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، تمر كَتِيبَة كَتِيبَة عَلَى أبي سُفْيَان، فمرت كَتِيبَة فَقَالَ: يَا عَبَّاس من هَذِه؟ قَالَ: هَذِه غفار. قَالَ: مَالِي وَلِغفار، ثمَّ مرت جُهَيْنَة فَقَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ مرت سعد بن هذيم فَقَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ مرت سُليم فَقَالَ مثل ذَلِك، حَتَّى أَقبلت كَتِيبَة لم ير مثلهَا، قَالَ: من هَذِه؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار عَلَيْهِم سعد بن عبَادَة وَمَعَهُ الرَّايَة، فَقَالَ سعد بن عبَادَة: يَا أَبَا سُفْيَان، الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْكَعْبَة. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: يَا عَبَّاس حبذا يَوْم الذمار. ثمَّ جَاءَت كَتِيبَة وَهِي أقل الْكَتَائِب فيهم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه، وَرَايَة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَعَ الزبير فَلَمَّا مر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأبي سُفْيَان، قَالَ: ألم تعلم مَا قَالَ سعد بن عبَادَة؟ قَالَ: مَا قَالَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: كذب سعد [وَلَكِن] هَذَا يَوْم يعظم الله فِيهِ الْكَعْبَة [وَيَوْم تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَة] . قَالَ: وَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تركز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 رايته بالحجون، وَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمئِذٍ خَالِد بن الْوَلِيد أَن يدْخل من أَعلَى مَكَّة من كداء، وَدخل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من كدا فَقتل من خيل خَالِد بن الْوَلِيد رجلَانِ حُبَيْش بن الْأَشْعر وكرز بن جَابر الفِهري» . الحَدِيث التَّاسِع قَالَ: «وَيجْعَل لكل طَائِفَة شعارًا حَتَّى لَا يقتل بَعضهم بَعْضًا بياتًا» . هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» و «صَحِيح الْحَاكِم» من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ الْعَدو غَدا، فَلْيَكُن شِعَاركُمْ حم لَا ينْصرُونَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث الْمُهلب بن أبي صفرَة، عَمَّن سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مثله، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَالرجل الَّذِي لم يسمعهُ الْمُهلب هُوَ الْبَراء بن عَازِب، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا وَلَفظه - حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْلَة الخَنْدَق « [إِنِّي] لَا أرَى الْقَوْم إِلَّا يبيتوكم اللَّيْلَة فَإِن شِعَاركُمْ [حم] لَا ينْصرُونَ» وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : سكت عبد الْحق عَنهُ وَهُوَ عَمَّن لم يسم. قلت: لَا يضرّهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَابِيّ فَلَا يضر جهالته، وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «جعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 شعار الْمُهَاجِرين يَوْم بدر عبد الرَّحْمَن [والأوس بني عبد الله] والخزرج عبيد الله» ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: لَا فَفِيهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة وهما ضعيفان، وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل شعار الأزد يَا مبرور يَا مبرور» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَفِيه نظر أَيْضا؛ لِأَن فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن زُرَارَة الرقي، قَالَ الْأَزْدِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث، وَأما ابْن حبَان فوثقه. وَفِي النَّسَائِيّ من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ سيمانا يَوْم بدر الصُّوف الْأَبْيَض» وَفِيه وَأبي دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع، قَالَ: «أمَّر علينا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَيْلَة بيتنا هوَازن فَكَانَ من شعارنا أمت أمت» . الحَدِيث الْعَاشِر قَالَ: «وَيسْتَحب أَن يدْخل دَار الْحَرْب بتعبئة الْحَرْب؛ لِأَنَّهُ أحوط وأهيب» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 وَهُوَ كَمَا قَالَ فَحَدِيث عُرْوَة السالف قَرِيبا فِي مرورهم عَلَى أبي سُفْيَان قَبيلَة قَبيلَة إِلَى آخر مَا سلف وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار من حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. قَالَ: «عبأنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ببدر لَيْلًا ... » رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ، ثَنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَلم يعرفهُ - يَعْنِي الحَدِيث - وَقَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق سمع من عِكْرِمَة؛ وَحين رَأَيْته كَانَ حسن الرَّأْي فِي مُحَمَّد بن حميد ثمَّ ضعفه بعد. قلت: وَغير البُخَارِيّ نَفَى سَمَاعه مِنْهُ، وَأدْخل بَينهمَا يزِيد بن أبي حبيب وَسَلَمَة بن الْفضل ضَعِيف، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق الكوسج: أشهد عَلَى مُحَمَّد بن حميد [أَنه] كَذَّاب، وَرَوَاهُ الْبَزَّار، عَن عبد الله بن شبيب، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن يَحْيَى بن هَانِئ، ثَنَا أبي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن ثَوْر - يَعْنِي ابْن يزِيد - عَن عِكْرِمَة بِهِ وَيَحْيَى هَذَا. قَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف. وَقَالَ السَّاجِي: أَحَادِيثه مَنَاكِير وأغاليط، وَكَانَ ضريرًا يلقن بِحَدِيث عَن ابْن إِسْحَاق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 الحَدِيث الْحَادِي عشر قَالَ: «وَأَن يستنصر بالضعفاء» . وَهُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَأَى أَن لَهُ فضلا عَلَى من دونه. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل ترزقون وتنصرون إِلَّا بضعفائكم» زَاد النَّسَائِيّ: «بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء د س ت وَصَححهُ، وَكَذَا ابْن حبَان وَالْحَاكِم. الحَدِيث الثَّانِي عشر قَالَ: «وَأَن يَدْعُو عِنْد التقاء الصفين» . وَهُوَ كَمَا قَالَ فَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ساعتان تفتح فيهمَا أَبْوَاب السَّمَاء عِنْد حُضُور الصَّلَاة وَعند الصَّفّ فِي سَبِيل الله» وَفِي رِوَايَة لَهُ «ساعتان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 لَا ترد عَلَى داعٍ دَعوته حِين تُقَام الصَّلَاة وَفِي الصَّفّ فِي سَبِيل الله» . وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي كتاب «وصف الصَّلَاة بِالسنةِ» وَهِي عَلَى شَرط صَحِيحه «عِنْد النداء بِالصَّلَاةِ، والصف فِي سَبِيل الله» ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «اثْنَان لَا يردان الدُّعَاء عِنْد النداء بِالصَّلَاةِ، والصف فِي سَبِيل الله، وَعند الْبَأْس حِين يلحم بَعضهم بَعْضًا» وَرَوَاهَا الْحَاكِم أَيْضا وَفِي إسنادها رجل مُتَكَلم فِيهِ، وصححها الْحَاكِم وَابْن خُزَيْمَة، وَفِي صَحِيح الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «إِذا نَادَى الْمُنَادِي فتحت أَبْوَاب السَّمَاء، واستجيب الدُّعَاء، فَمن نزل بِهِ كرب أَو شدَّة فليتحين الْمُنَادِي» ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» بِإِسْنَاد ضَعِيف من حَدِيث أبي أُمَامَة رَفعه «الدُّعَاء يُسْتَجَاب وتفتح أَبْوَاب السَّمَاء فِي أَرْبَعَة مَوَاطِن عِنْد التقاء الصُّفُوف، ونزول الْغَيْث، وَإِقَامَة الصَّلَاة، ورؤية الْكَعْبَة» . وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الصَّغِير» من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا «تفتح أَبْوَاب السَّمَاء لخمس: لقرأة الْقُرْآن، و (التقاء) الزحفين، ونزول (الْمَطَر) ، ولدعوة الْمَظْلُوم، وَالْأَذَان» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع إِلَّا حَفْص تفرد بِهِ عَمْرو بن عون الوَاسِطِيّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 الحَدِيث الثَّالِث عشر قَالَ: «وَأَن يكبر من غير إِسْرَاف فِي رفع الصَّوْت» . وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «البُخَارِيّ» من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «فتح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَيْبَر بكرَة وَقد خَرجُوا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا نظرُوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالُوا: مُحَمَّد وَالْخَمِيس، فَرفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: الله أكبر - ثَلَاث مَرَّات خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين» . الحَدِيث الرَّابِع عشر قَالَ: «وَأَن يحرض النَّاس عَلَى الْقِتَال وَعَلَى الصَّبْر والثبات» . هُوَ كَمَا قَالَ: فَفِي «صَحِيح مُسلم» ؛ أَن [أَبَا] مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن [أَبْوَاب] الْجنَّة تَحت ظلال السيوف» و «البُخَارِيّ» مثله من رِوَايَة ابْن أبي أَوْفَى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 الحَدِيث الْخَامِس عشر رُوِيَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتَعَانَ بيهود بني قينقاع فِي بعض الْغَزَوَات ورضخ لَهُم» . هَذَا الحَدِيث، رَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُف، أبنا الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «اسْتَعَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بيهود بني قينقاع ورضخ لَهُم وَلم يُسهم لَهُم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث لم أَجِدهُ إِلَّا من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ ضَعِيف، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «اسْتَعَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بيهود بني قينقاع فرضخ لَهُم وَلم يُسهم لَهُم» قَالَ الشَّافِعِي: وروينا بإسنادٍ أصح من هَذَا عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالَ: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى إِذا خلف ثنية الْوَدَاع إِذا كَتِيبَة، قَالَ: من هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: بني قينقاع وَهُوَ رَهْط عبد الله بن سَلام. قَالَ: وَأَسْلمُوا؟ قَالُوا: لَا بل هم عَلَى دينهم. قَالَ: قل لَهُم فليرجعوا فَإنَّا لَا نستعين بالمشركين» . وَفِي «مَرَاسِيل أبي دَاوُد» من حَدِيث الزُّهْرِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتَعَانَ بناس من الْيَهُود فِي حربه فَأَسْهم لَهُم» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[أسْهم] ليهود كَانُوا [غزوا] مَعَه مثل سِهَام الْمُسلمين» . وَفِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ أَيْضا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أسْهم لقوم من الْيَهُود قَاتلُوا مَعَه» . ومراسيل الزُّهْرِيّ ضَعِيفَة لَا جرم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ الشَّافِعِي: والْحَدِيث الْمُنْقَطع لَا يكون حجَّة. فَائِدَة: قينقاع قَبيلَة مَعْرُوفَة من الْيَهُود. قَالَ ابْن مَالك فِي «مثلثه» : ونونه مُثَلّثَة، قَالَ: وَهُوَ شعب من الْيَهُود الَّذين كَانُوا بِالْمَدِينَةِ. الحَدِيث السَّادِس عشر «أَن صَفْوَان شهد مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَرْب حنين وَهُوَ مُشْرك» . هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الشَّافِعِي هَكَذَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَنه مَعْرُوف فِيمَا بَين أهل الْمَغَازِي. قلت: وَقد سلف فِي بَاب قسم الصَّدقَات فَليُرَاجع مِنْهُ، وَوَقع فِي «الْكِفَايَة» بعد أَن ذكر أَنه استصحبه مَعَه وَهُوَ مُشْرك، قَالَ: واستصحبه مَعَه فِي غَزْوَة هوَازن، وَهُوَ غَرِيب عَجِيب فَإِنَّهَا وَاحِدَة فحنين اسْم لمَكَان الْقِتَال، وهوازن اسْم للقبيلة الْكَافِرَة الْمُقَاتلَة، وَنَظِير هَذَا مَا وَقع لَهُ فِي كتاب «الْقصاص» الْمطلب حَيْثُ نقل عَن الزُّهْرِيّ وَمُحَمّد بن شهَاب فظنهما اثْنَان و [هما] وَاحِد فَتنبه لَهُ. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج إِلَى بدر فَتَبِعَهُ رجل من الْمُشْركين فَقَالَ: تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْجِع فَلَنْ نستعين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 بمشرك. ثمَّ أَتَاهُ بعد ذَلِك وَوصف الْإِسْلَام فَقبله واستصحبه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وَفِيه «أَنه قَالَ للنَّبِي (لَا، مرَّتَيْنِ» جَوَابا لقولة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله؟ وَأَنه آمن فِي الثَّالِثَة» فَإِن قلت كَيفَ [الْجَواب عَن الِاخْتِلَاف] بَين هَذَا الحَدِيث، وَالَّذِي قبله قلت: بأوجه ذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب حَيْثُ قَالَ: تحكموا فِي الْجَواب عَن هَذَا الحَدِيث بأوجه. أَحدهَا: أَن الِاسْتِعَانَة كَانَت مَمْنُوعَة ثمَّ رخص فِيهَا. ثَانِيهَا: [إِنَّمَا لم يستعن] حِينَئِذٍ لفَوَات بعض الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة. ثَالِثهَا: أَن الْأَمر فِيهِ إِلَى رَأْي الإِمَام فَرَأَى أَن يَسْتَعِين فِي بعض الْغَزَوَات وَلم يره فِي بعض. رَابِعهَا: أَنه تفرس فِيهِ الرَّغْبَة فِي الْإِسْلَام فَرده رَجَاء أَن يسلم فَصدق ظَنّه. وَهَذَا الْجَواب ذكره الْبَيْهَقِيّ عَن نَص الشَّافِعِي. الحَدِيث الثَّامِن عشر « (أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) كَانَ يخرج إِلَى الْغَزْو، وَمَعَهُ عبد الله بن سلول» . هَذَا مَعْرُوف، أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ عبد الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 قد ظهر التخذيل مِنْهُ. قَالَ: والتخذيل هُوَ الَّذِي يتخوف النَّاس بِأَن يَقُول [عَددكم] قَلِيل، وخيولكم ضَعِيفَة، وَلَا طَاقَة لكم بالعدو، وَمَا أشبه ذَلِك. قَالَ: وَتَكَلَّمُوا فِي أَنه لما كَانَ خرج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَهُ عبد الله بن أبي وحاله هَذَا! فَقيل: كَانَت الصَّحَابَة أقوياء فِي الدَّين لَا يبالون بتخذيله، وَقيل كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يطلع بِالْوَحْي عَلَى أَفعاله فَلَا يستضير بكيده. الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من جهز غازيًا فِي سَبِيل الله فقد غزا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله، قَالَ الرَّافِعِيّ وَرُوِيَ «من جهز غازيًا أَو حاجًّا أَو مُعْتَمِرًا فَلهُ مثل أجره» . قلت: هُوَ فِي «فَضَائِل الْجِهَاد» لِلْحَافِظِ بهاء الدَّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم بن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم عَلّي بن عَسَاكِر من حَدِيث الْحسن بن عَطِيَّة وَهُوَ ضَعِيف، ثَنَا سوار الْهَمدَانِي، عَن زِيَاد المصفر، عَن ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن أَبِيه. قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من جهز حَاجا أَو غازيًا أَو مُعْتَمِرًا أَو خَلفهم فِي أَهله كَانَ لَهُ مثل أُجُورهم من غير أَن ينتقص من أُجُورهم شَيْء» وَفِي «مُعْجم الصَّحَابَة» لِابْنِ قَانِع عَن إِسْحَاق بن الْحسن الْحَرْبِيّ، ثَنَا هَوْذَة بن خَليفَة، ثَنَا عَمْرو بن قيس، عَن عَطاء، عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من جهز غازيًا فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 سَبِيل الله أَو خَلفه فِي أَهله كَانَ لَهُ مثل أجره من غير أَن ينقص من أجره شَيْئا، وَمن جهز حاجًّا أَو خَلفه فِي أَهله كَانَ لَهُ مثل أجر الْحَاج من غير أَن ينقص من أجره شَيْئا، وَمن فطر صَائِما كَانَ لَهُ مثل أجره» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «المعجم الصَّغِير» من حَدِيث أبي إِسْمَاعِيل الْمُؤَدب عَن يَعْقُوب بن عَطاء، عَن أَبِيه عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَفعه «من جهز غازيًا أَو فطر صَائِما أَو جهز حَاجا كَانَ لَهُ مثل أجره من غير أَن ينقص من أجره شَيْئا» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن يَعْقُوب بن عَطاء إِلَّا أَبُو إِسْمَاعِيل الْمُؤَدب. الحَدِيث الْعشْرُونَ وحاديه أَيْضا «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - منع أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم أحد عَن قتل ابْنه عبد الرَّحْمَن، وَأَبا حُذَيْفَة بن عتبَة عَن قتل أَبِيه يَوْم بدر» . هَذَا الحَدِيث مَشْهُور فِي كتب الْمَغَازِي وَالسير وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، فَقَالَ فِي كتاب الْبُغَاة بَاب مَا يكره لأهل الْعدْل من أَن (يتَعَمَّد) قتل ذِي رَحمَه من أهل الْبَغي اسْتِدْلَالا بِمَا رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كف أَبَا حُذَيْفَة بن عتبَة عَن قتل أَبِيه وَأَبا بكر عَن قتل ابْنه» ثمَّ رَوَى من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، عَن ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه. قَالَ: «شهد أَبُو حُذَيْفَة بَدْرًا ودعا أَبَاهُ عتبَة إِلَى البرَاز فَمَنعه عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ الْوَاقِدِيّ: عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر لم يزل عَلَى دين قومه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 فِي الشّرك حَتَّى شهد بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين ودعا إِلَى البرَاز فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بكر ليبارزه فَذكر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأبي بكر: متعنَا بِنَفْسِك» ، ثمَّ إِن عبد الرَّحْمَن أسلم فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة. ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَنه وَقع فِي «بسيط الْغَزالِيّ» عَلَى الْعَكْس مِمَّا ذكره الرَّافِعِيّ وَغَيره، فَقَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حُذَيْفَة وَأَبا بكر عَن قتل أبويهما» وَهُوَ وهم وَكَأَنَّهُ صحف مَا ذكره إِمَامه فِي «نهايته» فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب الْبُغَاة «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا حُذَيْفَة بن عتبَة، وَنَهَى أَبَا بكر عَن قتل ابْنه يَوْم أحد» فصحف ابْنه فِي الثَّانِي بِالْيَاءِ بدل النُّون لَا جرم. قَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا الَّذِي وَقع فِي «الْوَسِيط» وَهُوَ تَصْحِيف وَإِنَّمَا هُوَ «نهَى أَبَا حُذَيْفَة بن عتبَة عَن قتل أَبِيه وَنَهَى أَبَا بكر عَن قتل ابْنه عبد الرَّحْمَن» فتصحف أَبُو حُذَيْفَة بحذيفة وَفِي أبي بكر ابْنه بالنُّون ثَانِيَة قَالَ: ثمَّ فِي ثُبُوت أصل الحَدِيث بعد سَلَامَته من التَّصْحِيف نظر، وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «تهذيبه» : هَذَا الَّذِي فِي «الْوَسِيط» غلط صَرِيح وتصحيف قَبِيح فِي الاسمين جَمِيعًا فَإِنَّمَا صَوَابه «نهَى أَبَا حُذَيْفَة - واسْمه مهشم وَقيل هشيم - عَن قتل أَبِيه يَوْم بدر وَهُوَ أَبُو حُذَيْفَة ابْن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَأما أَبُو بكر فَهُوَ الصّديق، فَالصَّوَاب عَن قتل ابْنه بالنُّون، وَهُوَ ابْنه عبد الرَّحْمَن وَذَلِكَ يَوْم بدر. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من صَوَاب الاسمين هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْرُوف الْمَوْجُود فِي كتب الْمَغَازِي وَكتب الحَدِيث الَّذِي ذكر فِيهَا هذَيْن الْحَدِيثين وَلَا خلاف بَينهم فِيمَا ذَكرْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي «أغاليط الْوَسِيط» المنسوبة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 إِلَيْهِ أَنه غلط مُتَّفق عَلَيْهِ وَلَا يخْفَى عَلَى من عِنْده أدنَى علم من النَّقْل، وَصَوَابه مَا سلف. تَنْبِيه: من الأوهام أَيْضا مَا قَالَه ابْن دَاوُد من أَن ابْن أبي بكر الصّديق الْمشَار إِلَيْهِ غير مُحَمَّد [و] عبد الرَّحْمَن فَإِنَّهُمَا ولدا فِي الْإِسْلَام، وَمَا أسلفناه عَن الْوَاقِدِيّ فِي عبد الرَّحْمَن يردهُ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين رُوِيَ «أَن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قتل أَبَاهُ حِين سَمعه يسب النَّبِي فَلم يُنكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَيْهِ صَنِيعه» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب هَكَذَا لَا أعلم من خرجه كَذَلِك وَالَّذِي أعرفهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ، عَن إِسْمَاعِيل بن سميع الْحَنَفِيّ عَن مَالك بن عُمَيْر. قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لقِيت الْعَدو، وَلَقِيت أبي فيهم فَسمِعت مِنْهُ مقَالَة قبيحة فطعنته بِالرُّمْحِ فَقتلته فَسكت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ: «يَا نَبِي الله، إِنِّي لقِيت أبي فتركته [وأحببت] أَن يَلِيهِ غَيْرِي فَسكت عَنهُ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا وَقَالَ: إِنَّه مُرْسل جيد. قلت: لَكِن إِسْمَاعِيل هَذَا تَركه زَائِدَة. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: إِنَّمَا تَركه لِأَنَّهُ كَانَ صُفريًا. قَالَ الْعقيلِيّ: كَانَ يرَى رَأْي الْخَوَارِج، وَقَالَ أَبُو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 نعيم: أَقَامَ جارًا لِلْمَسْجِدِ أَرْبَعِينَ سنة لَا يرَى فِي جُمُعَة وَلَا جمَاعَة. قَالَ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْقطَّان: لَا بَأْس بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَمَالك بن عُمَيْر مخضرم لم تصح صحبته وَإِنَّمَا يروي عَن عَلّي وحالته مَجْهُولَة. قلت: فَإِن كَانَ هَذَا الرجل الْمُبْهم هُوَ الْجراح صَحَّ مَا قَالَه المُصَنّف، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن الْحَاكِم رَوَى فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمته ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بإسنادهما، عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ: «جعل أَبُو أبي عُبَيْدَة بن الْجراح ينصب الْآلهَة لأبي عُبَيْدَة يَوْم بدر وَجعل أَبُو عُبَيْدَة يحيد عَنهُ فَلَمَّا أَكثر الْجراح قَصده أَبُو عُبَيْدَة فَقتله فَأنْزل الله فِيهِ هَذِه الْآيَة حِين قتل أَبَاهُ: (لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم) وَهَذَا مُرْسل عَلَى قَول الْأَكْثَر وَعَلَى قَول من زعم أَن الْمُرْسل لَا يكون إِلَّا من التَّابِعين يكون معضلاً؛ لِأَن عبد الله هَذَا إِنَّمَا يروي عَن التَّابِعين. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث نَافِع عَنهُ قَالَ: «وجدت امْرَأَة مقتولة فِي مغازي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَنَهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان» وَفِي رِوَايَة لَهما «فَأنْكر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قتل النِّسَاء وَالصبيان» . الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِامْرَأَة مقتولة فِي بعض غَزَوَاته فَقَالَ: مَا بَال هَذِه تُقتل وَلَا تقَاتل؟ !» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث ريَاح بن ربيع «أَنه خرج مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَزْوَة غَزَاهَا وَعَلَى مقدمته خَالِد بن الْوَلِيد، فَمر ريَاح وَأَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى امْرَأَة مقتولة مِمَّا أَصَابَت المقدِّمة، فوقفوا ينظرُونَ إِلَيْهَا - يَعْنِي: ويعجبون من خلقهَا حَتَّى لحقهم - رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى رَاحِلَته فانفرجوا عَنْهَا، فَوقف [عَلَيْهَا] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه لتقاتل. فَقَالَ لأَحَدهم: الْحق خَالِدا فَقل لَهُ: لَا تقتلُوا ذُرِّيَّة وَلَا عسيفًا» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَا [تقتلن] امْرَأَة وَلَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 عسيفًا» وَأَشَارَ إِلَى هَذَا التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن رَبَاح بن الرّبيع وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث حَنْظَلَة بن الرّبيع. أخي ريَاح قَالَ: «غزونا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فمررنا عَلَى امْرَأَة مقتولة قد اجْتمع عَلَيْهَا النَّاس فأفرجوا لَهُ، فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه لتقاتل فِيمَن يقاتِل. ثمَّ قَالَ لرجل: انْطلق إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ: قل لَهُ: إِن رَسُول (يَأْمُرك يَقُول: [لَا تقتلن] ذُرِّيَّة وَلَا عسيفًا» هَذَا لفظ ابْن مَاجَه، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَزْوَة فَمر بِامْرَأَة مقتولة وَالنَّاس عَلَيْهَا ففرجوا لَهُ. فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه تقَاتل. الْحق خَالِدا فَقل لَهُ: لَا تقتل ذُرِّيَّة وَلَا عسيفًا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن وَابْن جريج عَن أبي الزِّنَاد. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن المرقع بن صَيْفِي بن رَبَاح أخي حَنْظَلَة الْمكَاتب أَن جده رَبَاح أخبرهُ فَصَارَ الحَدِيث صَحِيحا عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : سمع هَذَا الْخَبَر المرقع بن صَيْفِي، عَن حَنْظَلَة الْمكَاتب، وسَمعه من جده وجده رَبَاح بن الرّبيع وهما محفوظان، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : لَا بَأْس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 بِإِسْنَادِهِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ. فَقَالَ: الصَّحِيح الثَّانِي - يَعْنِي من اللَّذين قدمناهما وَكَذَا فِي «تَارِيخ البُخَارِيّ الْكَبِير» فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث [المرقع] ، عَن رَبَاح، وَمن حَدِيث المرقع عَن حَنْظَلَة ثمَّ قَالَ: وَهَذَا وهم. وَقَالَ بَعضهم: ريَاح وَلم يثبت. هَذَا لَفظه. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: رَبَاح هَذَا يُقَال فِيهِ بِالْبَاء الْمُوَحدَة ورياح (بِالْيَاءِ) الْمُثَنَّاة تَحت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: رَبَاح أصح - يَعْنِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَمن قَالَ ريَاح - يَعْنِي بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت - فقد وهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَا قَالَ أَبُو عِيسَى - يَعْنِي التِّرْمِذِيّ - وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يُقَال لَهُ ريَاح - يَعْنِي بِالْمُثَنَّاةِ تَحت - إِلَّا عَلَى اخْتِلَاف فِيهِ أَيْضا. وَقَالَ الْحَازِمِي - عَلَى مَا نَقله الصريفيني عَنهُ - إِنَّه بِالْمُثَنَّاةِ تَحت هُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ العسكري: إِن بَعضهم صحفه فَقَالَ: بِالْبَاء - يَعْنِي الْمُوَحدَة - فَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الجهم السمري: إِنَّمَا تسمي الْعَرَب العبيد برباح، وَلَا نَعْرِف من الْمَشْهُورين غير رَبَاح بن المغترف. ثَانِيهَا: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اخْتِلَاف مر بعضه. قَالَ عبد الْحق: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عمر بن مُرَقع بن صَيْفِي بن رَبَاح بن الرّبيع قَالَ: سَمِعت أبي يحدث، عَن جده رَبَاح بن ربيع. وَرَوَاهُ عَن الْمُغيرَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن المرقع، عَن جده الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 رَبَاح. وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي الزِّنَاد، عَن المرقع، عَن حَنْظَلَة الْكَاتِب، قَالَ: وَيُقَال حَدِيث سُفْيَان عَن أبي الزِّنَاد وهم، ومرقع بن صَيْفِي سمع ابْن عَبَّاس و [جده] رَبَاح بن الرّبيع وَيُقَال: ريَاح. رَوَى عَنهُ: ابْنه عَمْرو، وَأَبُو الزبير، وَأَبُو الزِّنَاد، ومُوسَى بن عقبَة، وَيُونُس بن إِسْحَاق. وَعمر بن مُرَقع لَا بَأْس بِهِ. قَالَه ابْن معِين وَكَذَا الْمُغيرَة لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَهُوَ الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الْحزَامِي. ثَالِثهَا: ذكر الشَّافِعِي فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن البغداد - فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ - حَدِيث المرقع هَذَا ثمَّ ضعفه بِأَن مرقعًا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. وَكَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان أَيْضا فِي «علله» : أَنه لَا يعرف حَاله، وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن حزم فَإِنَّهُ رده بِهِ فِي «محلاه» مُدعيًا جهالته، وَلَك أَن تَقول قد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَسمع ابْن عَبَّاس ورباحًا، ووثق كَمَا سلف، وَخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم لَهُ فِي «صَحِيحهمَا» وصححا حَدِيثه فَهُوَ إِذا مَعْرُوف الْحَال. رَابِعهَا: العسيف: أجِير، وَقيل: الشَّيْخ الفاني، وَقيل: العَبْد. حكاهن الْمُنْذِرِيّ، والذرية: الْمَرْأَة. قَالَه الْهَرَوِيّ، وَعند الْجَوْهَرِي: ذُرِّيَّة الرجل: وَلَده. خَامِسهَا: هَذِه الْغَزْوَة الَّتِي مر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهَا بِالْمَرْأَةِ المقتولة غَزْوَة خَيْبَر، وَقيل: الخَنْدَق. حَكَاهُمَا ابْن الرّفْعَة فِي «كِفَايَته» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِامْرَأَة مقتولة يَوْم خَيْبَر. فَقَالَ: من قتل هَذِه؟ فَقَالَ رجل: أَنا يَا رَسُول الله، غنمتها فأردفتها خَلْفي، فَلَمَّا رَأَتْ الْهَزِيمَة فِينَا أهوت إِلَى قَائِم سَيفي لتقتلني فقتلتها. فَلم يُنكر عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» بِنَحْوِهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن وهيب، عَن أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى امْرَأَة مقتولة بِالطَّائِف. فَقَالَ: ألم أنْه عَن قتل النِّسَاء؟ من صَاحب هَذِه المقتولة؟ قَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا يَا رَسُول الله، أردفتها فَأَرَادَتْ أَن تصرعني فتقتلني، فَأمر بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن توارى» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث حَفْص بن غياث، عَن الْحجَّاج، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِامْرَأَة يَوْم الخَنْدَق مقتولة. فَقَالَ: من قتل هَذِه؟ فَقَالَ رجل: أَنا يَا رَسُول الله. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: نازعتني سَيفي. فَسكت» . الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اقْتُلُوا شُيُوخ الْمُشْركين واستحيوا شرخهم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ أَحْمد فِي «مُسْنده» . فَقَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا الحَجَّاج، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة مَرْفُوعا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 بدل: «اسْتَحْيوا» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب. قلت: وَفِيه نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده سعيد بن بشير، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَضْعِيفه كَمَا سلف وَاضحا فِي بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، وَفِي إِسْنَاد أبي دَاوُد وَأحمد حجاج بن أَرْطَاة وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقد ضعف عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» الحَدِيث بهما. فَقَالَ: بعد هَذَا عِلّة أُخْرَى وَهِي الْخلاف فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة، وَقد أوضحنا لَك مذاهبهم فِي ذَلِك فِي بَاب صفة الصَّلَاة. فَائِدَة: الشرخ جمع شارخ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفسّر بالمراهقين. قلت: يُؤَيّدهُ سِيَاق الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب «الْمعرفَة» إِذْ فِي آخِره: بِمَعْنى الصغار. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَإِذا كَانَ المُرَاد بالشرخ الصغار فَالْمُرَاد بالشيوخ فِي مُقَاتلَتهمْ الرِّجَال المطلقون. وَفِي «معالم الْخطابِيّ» : يُرِيد بالشرخ الصغار وَمن لم يبلغ مبلغ الرِّجَال والشيوخ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الشَّبَاب، أَرَادَ بهم الصغار الَّذين لم يبلغُوا الْحلم. قَالَ: وَمِنْه أَرَادَ بالشرخ أهل الْجلد الَّذين يصلحون للْملك والخدمة. وَفِي «جَامع المسانيد» لِابْنِ الْجَوْزِيّ: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: فالشيخ لَا يكَاد يسلم، والشاب أقرب إِلَى الْإِسْلَام، والشرخ: الشَّاب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 تَنْبِيه: حَدِيث ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا بعث سَرِيَّة - قَالَ: لَا تقتلُوا شَيخا كَبِيرا» قد يُعَارض حَدِيث سَمُرَة هَذَا، وَهُوَ حَدِيث أخرجه الطَّحَاوِيّ فِي «شرح الْآثَار» بإسنادٍ كل رِجَاله ثِقَات إِلَّا عَلّي بن [عَابس] فَإِنَّهُ مُتَكَلم فِيهِ وَأخرج لَهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» . الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تقتلُوا النِّسَاء وَلَا أَصْحَاب الصوامع» . هَذَا الحَدِيث رَوَى أَحْمد بعضه من حَدِيث ابْن أبي حَبِيبَة، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا بعث جيوشه قَالَ: اخْرُجُوا بِسم الله، قَاتلُوا فِي سَبِيل الله من كفر، لَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا، وَلَا تقتلُوا الْولدَان وَلَا أَصْحَاب الصوامع» أعله ابْن حزم فِي «محلاه» بِابْن أبي حَبِيبَة. لكنه وَقع فِي النُّسْخَة: إِبْرَاهِيم بن أبي لَبِيبَة وَهُوَ تَصْحِيف من النَّاسِخ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث خَالِد بن زيد. قَالَ: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 مشيعًا لأهل مُؤْتَة حَتَّى بلغ ثنية الْوَدَاع فَوقف ووقفوا حوله فَقَالَ: اغزوا بِسم الله، فَقَاتلُوا عَدو الله وَعَدُوكُمْ بِالشَّام، وستجدون فيهم رجَالًا فِي الصوامع معتزلين من النَّاس فَلَا تعرضوا لَهُم، وستجدون آخَرين للشَّيْطَان فِي رُءُوسهم مفاحص فافلقوها بِالسُّيُوفِ، وَلَا تقتلُوا امْرَأَة وَلَا صَغِيرا ضرعًا وَلَا كَبِيرا فانيًا، وَلَا تقطعن شَجَرَة، وَلَا تعقرن نخلا، وَلَا تهدموا بَيْتا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع وَضَعِيف. وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا بعث جَيْشًا من الْمُسلمين إِلَى الْمُشْركين قَالَ: انْطَلقُوا بِسم الله» وَفِيه: «لَا تقتلُوا وليدًا طفْلا وَلَا امْرَأَة وَلَا شَيخا كَبِيرا، وَلَا تغورنَّ عينا، وَلَا تعقرن شَجرا إِلَّا شَجرا يمنعكم قتالاً أَو يحجز بَيْنكُم وَبَين الْمُشْركين، وَلَا تمثلوا بآدمي وَلَا بَهِيمَة، وَلَا تعذبوا وَلَا تغلوا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي إِسْنَاده إرْسَال وَضعف. قَالَ: وَهُوَ بشواهده مَعَ مَا فِيهِ من الْإِرْسَال يقوى. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث جرير قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا بعث سَرِيَّة قَالَ: بِسم الله وَفِي سَبِيل الله وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله، لَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا، وَلَا تقتلُوا الْولدَان» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد، فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَغَيره، وَلَيْسَ لَهُ أصل بالعراق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لخَالِد بن الْوَلِيد: لَا تقتل عسيفًا وَلَا امْرَأَة» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه قَرِيبا وَاضحا. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قطع نخل بني النَّضِير» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حرق نخل بني النَّضِير وَقطع وَحرق البويرة» قَالَ: وَلها يَقُول حسان بن ثَابت: - وَهَان عَلَى سراة لوي حريق بالبويرة مستطير. فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث: أدام الله ذَلِك من صَنِيع وَحرق فِي نَوَاحِيهَا السعير ستعلم أَيّنَا لنا مِنْهَا بنزه وَتعلم أَي أرضينا تصير هَذَا لفظ إِحْدَى روايتي البُخَارِيّ وَلَفظ مُسلم. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى لَهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قطع نخل بني النَّضِير وَحرق. وَلها يَقُول حسان: وَهَان ... الْبَيْت. وَفِي ذَلِك نزلت (مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة عَلَى أُصُولهَا فبإذن الله ... ) الْآيَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 وَفِي رِوَايَة للبيهقي بعد. وَهَان عَلَى سراة ... الْبَيْت. تركْتُم قدركم لَا شَيْء فِيهَا وَقدر الْقَوْم حامية تَفُور وَزَاد ابْن إِسْحَاق فِي الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين بعد تصير: فَلَو كَانَ النّخل بهَا ركانا لقالوا لَا مقَام لكم فسيروا قَالَ ابْن إِسْحَاق: وأجابه جبل بن حوار الثَّعْلَبِيّ أَيْضا فَذكر أبياتًا آخرهَا: تركْتُم قدركم ... الْبَيْت. فَائِدَة: قَالَ الْحَازِمِي فِي «المؤتلف والمختلف» : البويرة - بِضَم الْبَاء وَفتح الْوَاو - من منَازِل الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ «أَن دُريد بن الصمَّة قتل يَوْم حنين وَقد نَيف عَلَى الْمِائَة، وَكَانُوا قد استحضروه ليدبر لَهُم الْحَرْب فَلم يُنكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الشَّافِعِي فَقَالَ: «قتل يَوْم حنين دُرَيْد بن الصمَّة ابْن خمسين وَمِائَة سنة فِي شجار وَلَا يَسْتَطِيع الْجُلُوس، فَذكر للنَّبِي (فَلم يُنكر قَتله» . وَالْمَاوَرْدِيّ قَالَ: «إِنَّه قتل وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرَاهُ فَلم ينْه عَنهُ» . ثمَّ قَالَ: كَانَ عُمره مائَة [و] خمس وَعِشْرُونَ سنة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن يسَار فِي قصَّة أَوْطَاس: «فَأدْرك ربيعَة بن رفيع دُرَيْد بن الصمَّة فَأخذ بِخِطَام جمله وَهُوَ يظنّ أَنه امْرَأَة، وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي شجار لَهُ فَإِذا هُوَ بِرَجُل، فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذا هُوَ شيخ كَبِير وَإِذا هُوَ دُرَيْد بن الصمَّة وَلَا يعرفهُ الْغُلَام، فَقَالَ دُرَيْد: [مَاذَا] تُرِيدُ؟ قَالَ: قَتلك. قَالَ: وَمن أَنْت؟ قَالَ أَنا ربيعَة بن رفيع السّلمِيّ. ثمَّ ضربه بِسَيْفِهِ فَلم يغن شَيْئا. قَالَ دُرَيْد: بئس مَا سلحتّك أمك، خُذ سَيفي هَذَا من مُؤخر الشجار، ثمَّ اضْرِب بِهِ، وارفع عَن الْعِظَام، واخفض عَن الدِّمَاغ فَإِنِّي بذلك كنت [اقْتُل] الرِّجَال. فَقتله» . وأصل قتلة دُرَيْد ثَابِتَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: لما فرغ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من حنين بعث أَبَا عَامر عَلَى جَيش إِلَى أَوْطَاس فلقي دُرَيْد بن الصمَّة فَقتله وَهزمَ الله أَصْحَابه» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ: «أَن رجلَيْنِ أَتَيَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رسولين لمُسَيْلمَة، فَقَالَ لَهما: [أتشهدان] أَنِّي رَسُول الله؟ فَقَالَا: نشْهد أَن مُسَيْلمَة رَسُول الله. فَقَالَ: إِنِّي لَو كنت قَاتلا رَسُولا لضَرَبْت أعناقكما» . فجرت السّنة أَن لَا تقتل الرُّسُل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ هَكَذَا الإمامان أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وسميا فِي روايتهما الرجلَيْن أَحدهمَا: عبد الله ابْن النواحة، وَالثَّانِي: ابْن أَثَال وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «أَن ابْن مَسْعُود قَالَ لخرشة: قُم فَاضْرب عُنُقه. فَقَامَ فَضرب عُنُقه بعد موت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد من حَدِيث سَلمَة بن نعيم بن مَسْعُود، عَن أَبِيه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول حِين جَاءَهُ رَسُولا مُسَيْلمَة الْكذَّاب بكتابه وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول لَهما: وأنتما تقولان مثل مَا يَقُول؟ قَالَا: نعم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لضَرَبْت أعناقكما» فَكَمَا قَالَ الْحَاكِم هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، ذكر ذَلِك فِي أَوَاخِر كتاب فَضَائِل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من «مُسْتَدْركه» وَذكره فِي كتاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، ثمَّ قَالَ فِي هَذَا: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قلت: وَفِي إِسْنَاد كل مِنْهُمَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب «الْمَغَازِي» وَهُوَ من رجال مُسلم مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا، وَقد عنعن فِي هَذَا الْموضع، وَصرح بِالتَّحْدِيثِ فِي الْموضع الأول [فانجبر] أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَعَزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» إِلَى رِوَايَة الشَّافِعِي فَقَالَ: وَعند الشَّافِعِي عَن عبد الله أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَوْلَا أَنَّك رَسُول - يَعْنِي: رَسُول مُسَيْلمَة - لقتلتك» قَالَ الشَّيْخ: وَهُوَ فِي الصَّحِيح فِي قصَّة بِمَعْنَاهُ. وَرَوَى أَبُو نعيم فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة وبر بن مشهر «الْحَنَفِيّ أَن مُسَيْلمَة بَعثه هُوَ وَابْن شغَاف الْحَنَفِيّ وَابْن نواحة، فَأَما [وبر] فَإِنَّهُ أسلم، وَأما الْآخرَانِ فَإِنَّهُمَا شَهدا أَنه رَسُول الله وَأَن مُسَيْلمَة من بعده فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «خذوهما. فأُخذا، فأُخرج بهما إِلَى الْمبيت فحبسا. فَقَالَ رجل: هبهما لي يَا رَسُول الله. فَفعل» . وَفِي إِسْنَاده مُوسَى بن يَعْقُوب وَالظَّاهِر أَنه الزمعِي الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَصَر أهل الطَّائِف شهر» . أمَّا كَونه عَلَيْهِ السَّلَام حاصَر أهل الطَّائِف فَذَلِك ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَغَيرهمَا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أنس بن مَالك بعد أَن ذكر قصَّة فتح مَكَّة «ثمَّ انطلقنا إِلَى الطَّائِف فحاصرناهم أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ رَجعْنَا إِلَى مَكَّة» وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» أبي عبد الله، عَن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه قَالَ: «افْتتح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَكَّة ثمَّ انْصَرف إِلَى الطَّائِف فَحَاصَرَهُمْ سَبْعَة أَو ثَمَانِيَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 قلت: فِيهِ نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده طَلْحَة بن جبر وَلَيْسَ بعمدة. قَالَ السَّعْدِيّ: هُوَ مَذْمُوم فِي حَدِيثه غير ثِقَة، وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ فَقَالَ مرّة: لَا شَيْء. وَقَالَ مرّة: ثِقَة. وَأما كَونه حاصرها شهرا فَأخْرجهُ (أَبُو) دَاوُد فِي «مراسيله» ، عَن ابْن بشار، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، عَن سُفْيَان، عَن ثَوْر، عَن مَكْحُول «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نصب عَلَى أهل الطَّائِف المنجنيق» ثمَّ رَوَى أَيْضا، عَن أبي صَالح - وَهُوَ مَحْبُوب بن مُوسَى - عَن أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى - وَهُوَ ابْن أبي كثير - قَالَ: «حَاصَرَهُمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شهرا» فَقلت: أبلغك أَنه رماهم (بالمجانيق) ؟ فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ: مَا نَعْرِف مَا هَذَا. وَرَوَى فِي «سنَنه» من طَرِيقين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حَاصَرَهُمْ بضعَة عشر لَيْلَة» وَمن طَرِيق ثَالِث عَن أبي عُبَيْدَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حاصر أهل الطَّائِف وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق سَبْعَة عشر يَوْمًا» قَالَ أَبُو قلَابَة: وَكَانَ يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث. قَالَ [الْبَيْهَقِيّ] كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنه كَانَ يُنكر عَلَيْهِ وصل إِسْنَاده قَالَ: وَيحْتَمل أَنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 إِنَّمَا أنكر رميهم يَوْمئِذٍ [بالمجانيق] فقد رَوَى أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» ثمَّ ذكر الْمُرْسل الثَّانِي لأبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ: لم يبلغهُ. وَزعم غَيره أَنه بلغه، ثمَّ ذكر الْمُرْسل الأول من مَرَاسِيل أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: وَقد ذكره الشَّافِعِي أَيْضا فِي الْقَدِيم. ثمَّ قَالَ: وَقد ذكره الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه كَمَا ذكره مَكْحُول، وَزعم أَن الَّذِي أَشَارَ بِهِ سلمَان الْفَارِسِي. فَائِدَة: الطَّائِف بلد مَعْرُوف عَلَى مرحلَتَيْنِ من مَكَّة من جِهَة الْمشرق. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شن الْغَارة عَلَى بني المصطلق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من حَدِيث عبد الله بن عون. قَالَ: «كتبت إِلَى نَافِع أسأله عَن الدُّعَاء قبل الْقِتَال. فَكتب إليَّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام، وَقد أغار رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى بني المصطلق وهم غَارونَ وأنعامهم تسقى عَلَى المَاء، فَقتل مُقَاتلَتهمْ وسبى ذَرَارِيهمْ، وَأصَاب يَوْمئِذٍ جوَيْرِية» . حَدثنِي بِهِ عبد الله بن [عمر] وَكَانَ فِي ذَلِك الْجَيْش. فَائِدَة: غَزْوَة بني المصطلق هِيَ غَزْوَة الْمُريْسِيع. قَالَه البُخَارِيّ. قَالَ: وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَذَلِكَ سنة سِتّ. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: سنة أَربع. وَقَالَ النُّعْمَان بن رَاشد، عَن الزُّهْرِيّ: كَانَ حَدِيث الْإِفْك فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 فَائِدَة أُخْرَى: ادَّعَى ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» نسخ حَدِيث ابْن عَبَّاس: «مَا قَاتل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قوما حَتَّى دعاهم» بِحَدِيث ابْن عمر هَذَا، قَالَ: والناسخ هُوَ قَول نَافِع «إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام» وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ، وَقد تعقبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ الْحَافِظ فِي كِتَابه «الْإِعْلَام» فِي الْفَنّ الْمَذْكُور، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا قَول من يعرف النَّاسِخ والمنسوخ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يُقَاتل قوما إِلَّا بعد أَن دعاهم؛ لِأَنَّهُ لما شاعت الدعْوَة افْتتح اتساعها ومرورها عَلَى أسماعهم مرَارًا، فَلَمَّا أصروا عَلَى الْكفْر صَارَت الإغارة عَلَيْهِم عَلَى غرتهم من غير تَحْدِيد دَعْوَة حِينَئِذٍ. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بالبيات» . الَّذِي ورد فِي التبييت مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» من حَدِيث الصعب بن جثَّامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْأَل أهل الدَّار من الْمُشْركين يبيتُونَ فيصاب من نِسَائِهِم وذراريهم. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هم مِنْهُم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مَا ورد فِي إِبَاحَة التبييت. قَالَ: وَاحْتج الشَّافِعِي أَيْضا فِي إِبَاحَة التبييت بِحَدِيث ابْن عمر فِي قصَّة بني المصطلق الحَدِيث الَّذِي قبله. فَائِدَة: كَانَ الزُّهْرِيّ إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث يَقُول إِنَّه مَنْسُوخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان» وَكَذَا ادَّعَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وقبلهما سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأنكر الشَّافِعِي ذَلِك. وَلما نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «الْإِعْلَام» نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه، عَن الزُّهْرِيّ. قَالَ: لَيْسَ قَوْله بِصَحِيح، وَإِنَّمَا النَّهْي عَن تعمد النِّسَاء وَالصبيان بِالْقَتْلِ، وَحَدِيث الصعب فِيمَا لم يتَعَمَّد، فَلَا تنَاقض. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نصب المنجنيق عَلَى أهل الطَّائِف» . هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا وَاضحا. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي بَاب الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة، عَن وَكِيع، عَن رجل، عَن ثَوْر بن يزِيد الْحِمصِي «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نصب المنجنيق عَلَى أهل الطَّائِف» . قَالَ قُتَيْبَة: قلت لوكيع: من هَذَا - يَعْنِي الرجل؟ قَالَ: صَاحبكُم عمر بن هَارُون. قلت: وَهُوَ ضَعِيف. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الْمُشْركين يبيتُونَ فيصاب من نِسَائِهِم وذراريهم؟ فَقَالَ هم مِنْهُم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سلف قَرِيبا. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «زَوَال الدُّنْيَا أَهْون عِنْد الله من قتل مُسلم» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي أول الْخراج وَاضحا. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عدَّ الْفِرَار من الزَّحْف من الْكَبَائِر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي بَاب حد الْقَذْف. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت لَو انغمست فِي الْمُشْركين فقاتلتهم حَتَّى قتلت، أَلِي الْجنَّة؟ قَالَ: نعم. فانغمس الرجل فِي صف الْمُشْركين فقاتل حَتَّى قتل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من رِوَايَة ثَابت عَن أنس «أَن رجلا أسود أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل أسود، منتن الرّيح، قَبِيح الْوَجْه، لَا مَال لي، فَإِن أَنا قَاتَلت هَؤُلَاءِ حَتَّى أقتل فَأَيْنَ أَنا؟ قَالَ: فِي الْجنَّة. فقاتل حَتَّى قتل. فَأَتَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 فَقَالَ: قد بيض الله وَجهك، وَطيب رِيحك، وَأكْثر مَالك - وَقَالَ لهَذَا أَو لغيره -: لقد رَأَيْت زَوجته من الْحور الْعين نازعة جُبَّة لَهُ من صوف تدخل بَينه وَبَين جبته» وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الشَّافِعِي: «حمل رجل من الْأَنْصَار حاسرًا عَلَى جمَاعَة الْمُشْركين يَوْم بدر بعد إِعْلَام النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِيَّاه بِمَا فِي ذَلِك من الْخَيْر فَقتل» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هُوَ عَوْف بن عفراء فِيمَا ذكره ابْن إِسْحَاق عَن عمر بن عَاصِم، عَن قَتَادَة قَالَ: «وَلما التقَى النَّاس يَوْم بدر قَالَ عَوْف بن عفراء بن الْحَارِث: يَا رَسُول الله، مَا يضْحك الرب - تبَارك وَتَعَالَى - من [عَبده] ؟ قَالَ: أَن يرَاهُ غمس يَده فِي الْقِتَال يُقَاتل حاسرًا فَنزع عَوْف درعه ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل» . قلت: وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ: «قَالَ رجل: أَيْن أَنا يَا رَسُول الله إِن قتلت؟ [قَالَ] : فِي الْجنَّة؟ فَألْقَى تمرات كن فِي يَده، ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل» وَفِي رِوَايَة «قَالَ رجل للنَّبِي (يَوْم أحد ... .» . الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم بارزوا يَوْم بدر عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة والوليد بن عتبَة فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما طلبُوا أُولَئِكَ ذَلِك» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَلّي - كرم الله وَجهه - قَالَ: «لما كَانَ يَوْم بدر تقدم عتبَة بن ربيعَة وَتَبعهُ ابْنه وَأَخُوهُ فَنَادَى: من يبارز؟ فَانْتدبَ لَهُ شباب من الْأَنْصَار. فَقَالَ: مِمَّن أَنْتُم؟ فَأَخْبرُوهُمْ. فَقَالُوا: لَا حَاجَة لنا فِيكُم، إِنَّمَا أردنَا بني عمنَا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قُم يَا حَمْزَة، قُم يَا عَلّي، قُم يَا عُبَيْدَة بن الْحَارِث. فَأقبل حَمْزَة إِلَى عتبَة، وَأَقْبَلت إِلَى شيبَة، وَاخْتلفت بَين عُبَيْدَة والوليد ضربتان فأثخن كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه، ثمَّ ملنا عَلَى الْوَلِيد فقتلناه واحتملنا عُبَيْدَة» وَفِي رِوَايَة للبيهقي فَقَالُوا: «نعم أكفاء كرام، ثمَّ أقبل حَمْزَة ... » بِمثل مَا تقدم، وَرَوَى البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَن قيس بن عبَادَة، عَن عليّ قَالَ: «أَنا أول (من يجثو للخصومة) بَين يَدي الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ قيس بن عباد: «وَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة (هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم) قَالَ: هم الَّذين تبارزوا يَوْم بدر: عليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث، وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن عليًّا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي مبارزتنا يَوْم بدر (هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم) » . وَرَوَى هُوَ وَمُسلم وَهُوَ أحسن حَدِيث فِيهِ، عَن قيس بن عباد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 قَالَ: «سَمِعت أَبَا ذَر يقسم قسما أَن (هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم) أَنَّهَا نزلت فِي الَّذين بارزوا يَوْم بدر: حَمْزَة وعليّ وَعبيدَة بن الْحَارِث وَعتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة والوليد بن عتبَة» . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن عليًّا - كرم الله وَجهه - بارز يَوْم الخَنْدَق عَمْرو بن عبد ود» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد [ذكره] الإِمَام الشَّافِعِي هَكَذَا وأسنده الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن إِسْحَاق. قَالَ: «خرج - يَعْنِي يَوْم الخَنْدَق - عَمْرو بن عبد ود فَنَادَى: من يبارز؟ فَقَامَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ مقنع فِي الْحَدِيد. فَقَالَ: أَنا لَهَا يَا نَبِي الله. فَقَالَ: إِنَّه عَمْرو، أَجْلِس. فَنَادَى عَمْرو: أَلا رجل وَهُوَ يؤنبهم وَيَقُول: أَيْن جنتكم الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنه من قتل مِنْكُم دَخلهَا، (أَفلا تُبْرِزوا إليَّ رجلٌ) ؟ فَقَامَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله. فَقَالَ: اجْلِسْ. فَنَادَى الثَّالِثَة وَذكر شعرًا. فَقَامَ عَلّي فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله. فَقَالَ: إِنَّه عَمْرو. قَالَ: وَإِن كَانَ عمرا. فَأذن لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَمَشى إِلَيْهِ] حَتَّى أَتَاهُ وَذكر شعرًا. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: من أَنْت؟ فَقَالَ: أَنا عَلّي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 قَالَ: ابْن عبد منَاف؟ فَقَالَ: أَنا عَلّي بن أبي طَالب. فَقَالَ: غَيْرك يَا ابْن أخي من أعمامك من هُوَ أسن مِنْك؛ فَإِنِّي أكره أَن أهريق دمك. فَقَالَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لكني وَالله مَا أكره أَن أهريق دمك. فَغَضب وَنزل وسل سَيْفه كَأَنَّهُ شعلة نَار، ثمَّ أقبل نَحْو عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مغضبًا، واستقبله عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بدرقته، فَضَربهُ عَمْرو فِي الدرقة فقدها وَأثبت فِيهَا السَّيْف، وَأصَاب رَأسه فَشَجَّهُ، وضربه عَلّي كرم الله وَجهه عَلَى حَبل العاتق فَسقط، وثار العجاج، وَسمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - التَّكْبِير فَعرف أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَتله» وَفِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لمبارزة عَلّي لعَمْرو بن عبد ود [يَوْم الخَنْدَق] أفضل من أَعمال أمتِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا شَاهد عَجِيب لما تقدم. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: «وبارز مُحَمَّد بن [مسلمة] رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم خَيْبَر مرْحَبًا» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره الشَّافِعِي أَيْضا، فَقَالَ: «بارز مُحَمَّد بن [مسلمة] مرْحَبًا يَوْم خَيْبَر بِأَمْر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن إِسْحَاق - وَمن السِّيرَة نقلت وَإنَّهُ أكمل رِوَايَة من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 الْبَيْهَقِيّ - قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن سهل أَخُو بني حَارِثَة، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «خرج مرحب الْيَهُودِيّ من حصن خَيْبَر قد جمع سلاحه، وَهُوَ يرتجز، وَيَقُول: قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب شاكي السِّلَاح بَطل مجرب أطعن أَحْيَانًا وحينًا أضْرب إِذا الكثوب أَقبلت تحرَّب إِن حِمَاي للحما لَا لَا يقرب وَهُوَ يَقُول: من يبارز. فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك. فَقَالَ: قد علمت خَيْبَر أَنِّي كَعْب مفرج الغمى جريء صلب إِذا نشبت الْحَرْب ثمَّ الْحَرْب معي حسام كالعقيق عضب نطؤكم حَتَّى يذلَّ الصعب نعطي الْجَزَاء أَو نفي النهب بكف مَاض لَيْسَ فِيهِ (عيب) فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من [لهَذَا] ؟ فَقَالَ مُحَمَّد بن [مسلمة] : أَنا [لَهُ] يَا رَسُول الله، أَنا واللهِ الموتور الثائر؛ قتلوا أخي بالْأَمْس. قَالَ: قُم إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ أعنه عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا دنا أَحدهمَا من صَاحبه دخلت بَينهمَا شَجَرَة عمرية من شجر العُشر، فَجعل أَحدهمَا يلوذ بهَا من صَاحبه، كلما لَاذَ بهَا مِنْهُ اقتطع صَاحبه بِسَيْفِهِ مَا دونه مِنْهَا، حَتَّى برز كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه وَصَارَت بَينهمَا كَالرّجلِ الْقَائِم مَا فِيهَا فنن، ثمَّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 حمل مرحب عَلَى مُحَمَّد بن [مسلمة] فَضَربهُ، فاتقاه بالدرقة فَوَقع بِسَيْفِهِ فِيهَا فعضت بِهِ فأمسكته، وضربه مُحَمَّد بن [مسلمة] حَتَّى قَتله» . وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: عَلَى أَن الْأَخْبَار متواترة بأسانيد كَثِيرَة أَن قَاتل مرحب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلّي كرم الله وَجهه. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَنه بارزه عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَيْضا. هُوَ كَمَا قَالَ، وَهِي روايه صَحِيحَة أخرجهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: «قدمنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ. قَالَ: «فَأرْسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَدعُوهُ وَهُوَ أرمد. فَقَالَ: لَأُعْطيَن الرَّايَة الْيَوْم رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله. فَقَالَ: فَأتيت عليًّا فَجئْت بِهِ أقوده وَهُوَ أرمد حَتَّى أتيت بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فبصق فِي عينه فبرئ. وَخرج مرحب فَقَالَ: قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب شاكي السِّلَاح بَطل مجرب إِذا الحروب أَقبلت تلهَّب فَقَالَ عَلّي رضى الله عَنهُ: أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أوفيهم بالصاع كيل السندرة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 قَالَ: فَضرب رَأس مرحب فَقتله، ثمَّ كَانَ الْفَتْح عَلَى يَده» . وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ بأخصر من هَذَا. ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيروَى وَفِي رِوَايَة: «فاختلفا ضربتين فبدره عَلّي فَضَربهُ فقدَّ الْحجر والمغفر وَرَأسه وَوَقع فِي الأضراس» وَفِي رِوَايَة. قَالَ: «فَجئْت بِرَأْسِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَقد أسلفنا فِي بَاب قسم الْفَيْء الِاخْتِلَاف فِي أَن عليًّا هُوَ الَّذِي قتل أم مُحَمَّد بن [مسلمة] ، وَذكرنَا أَن الْأَصَح الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر السّير أَن عليًّا هُوَ الَّذِي قَتله. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: «وبارز الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه [ياسرًا] » . هُوَ كَمَا قَالَ. وَقد ذكره الشَّافِعِي كَذَلِك. قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي قصَّة الخَنْدَق: «ثمَّ خرج يَاسر فبرز لَهُ الزبير. فَقَالَت صَفِيَّة لما برز إِلَيْهِ الزبير: يَا رَسُول الله، يقتل ابْني. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بل ابْنك يقْتله إِن شَاءَ الله. فَخرج الزبير وَهُوَ يرتجز، ثمَّ التقيا فَقتله الزبير» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ ذكر أَن عليًّا هُوَ الَّذِي قتل ياسرًا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 الحَدِيث السَّادِس وَالسَّابِع بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن عوفًا ومعوذًا ابْني عفراء خرجا يَوْم بدر فَلم يُنكر عَلَيْهِمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هُوَ كَمَا قَالَ. وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنْهُمَا. وَقد سلف وَاضحا فِي كتاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن عبد الله بن رَوَاحَة خرج يَوْم بدر إِلَى البرَاز، وَلم يُنكر عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق عَن عَاصِم بن عمر، [بن] قَتَادَة «أَن عتبَة بن ربيعَة خرج بأَخيه شيبَة وَابْنه الْوَلِيد حَتَّى وصل من الصَّفّ دَعَا إِلَى المبارزة فَخرج إِلَيْهِ ثَلَاثَة نفر من الْأَنْصَار: عبد الله بن رَوَاحَة ومعوذ وعَوْف ابْنا عفراء. فَقَالُوا: من أَنْتُم؟ قَالَ: نَحن رَهْط من الْأَنْصَار. فَقَالُوا: أكفاء كرام، مَا لنا بكم حَاجَة، إِنَّا نُرِيد قَومنَا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قُم يَا عُبَيْدَة بن الْحَارِث، وقم يَا حَمْزَة، وقم يَا عَلّي. فَفَعَلُوا، فَلَمَّا دنوا مِنْهُم. قَالُوا: من أَنْتُم؟ فانتسبوا. فَقَالُوا: أكفاء كرام» ذكر هَذَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي كِتَابه «فَضَائِل الْجِهَاد» من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم. قَالَ: أَخْبرنِي غير وَاحِد عَن ابْن إِسْحَاق. . فَذكره. وَكَانَ السِّيَاق أَولا فِي حَدِيث بدر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي نقل رُءُوس الْكفَّار إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَجْهَان: أَحدهمَا: لَا يكره؛ لِأَن أَبَا جهل لما قتل حمل رَأسه. وأصحهما: أَنه يكره، وَهُوَ الَّذِي أوردهُ أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي الرَّوْيَانِيّ، قَالُوا: مَا حمل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأس كَافِر قطّ، وَحمل إِلَى عُثْمَان رُءُوس جمَاعَة من الْمُشْركين فَأنكرهُ. وَقَالَ: مَا فعل هَذَا فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا فِي أَيَّام أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَمَا رُوِيَ من حمل الرَّأْس إِلَى أبي بكر فقد تكلمُوا فِي ثُبُوته، وَبِتَقْدِير الثُّبُوت فَإِنَّهُ حمل فِي الْوَقْعَة من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَلم ينْقل من بلدٍ إِلَى بلد، فكأنهم أَرَادوا أَن ينظر النَّاس إِلَيْهِ فيتحققوا بِمَوْتِهِ. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ. وَقد اشْتَمَل عَلَى حَدِيث وأثرين، أما الحَدِيث وَهُوَ حمل رَأس أبي جهل فَأخْرجهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة معَاذ بن عَمْرو بن الجموح قَاتله وَأَن ابْن مَسْعُود حزَّها وَجَاء بهَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرَوَاهُ كَذَلِك أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن أبي بشر بكر بن خلف، نَا سَلمَة بن رَجَاء، عَن شعثاء الكوفية، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَّى يَوْم بُشر بِرَأْس أبي جهل رَكْعَتَيْنِ» . إِسْنَاده جيد. وَلَا يضر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 كَلَام بَعضهم فِي سَلمَة بن رَجَاء فقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ. قَالَ الْعقيلِيّ: «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حِين أُتِي بِرَأْس أبي جهل» لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذِهِ الطّرق. وَأما أثر عُثْمَان فَهُوَ كَذَلِك فِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة وَهُوَ فِي بَعْضهَا: عَن أبي بكر وَهُوَ الصَّوَاب، وَقد أخرجه كَذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَبَوَّبَ بَابا فِيمَا جَاءَ فِي نقل الرُّءُوس. فروَى عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ «أَن عَمْرو بن العَاصِي وشرحبيل ابْن حَسَنَة بعثا عقبَة بريدًا إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِرَأْس ينَّاق بطرِيق الشَّام - قلت: وَهُوَ بياء مثناة تَحت مَفْتُوحَة ثمَّ نون مُشَدّدَة ثمَّ ألف ثمَّ قَاف - فَلَمَّا قدم عَلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنكر ذَلِك. فَقَالَ لَهُ عقبَة: [يَا] خَليفَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَإِنَّهُم يصنعون ذَلِك بِنَا. قَالَ: أفاستنان بِفَارِس وَالروم؟ ! لَا يحمل إليَّ رَأس وَإِنَّمَا يَكْفِي الْكتاب وَالْخَبَر» . وَإِسْنَاده صَحِيح. والبطريق - بِكَسْر الْبَاء - وَهُوَ كالأمير. قَالَ ابْن الجواليقي: البطريق بلغَة الرّوم هُوَ الْقَائِد أَي: مقدم الجيوش وأميرها، وَجمعه بطارقة وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن مُعَاوِيَة بن خديج قَالَ: «هاجرنا عَلَى عهد أبي بكر الصّديق فَبَيْنَمَا نَحن عِنْده إِذْ طلع الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ. قَالَ: إِنَّه قدم علينا بِرَأْس يناق البطريق وَلم يكن لنا بِهِ حَاجَة إِنَّمَا هَذِه سنة الْعَجم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي» أَن أَبَا بكر الصّديق أُتِي بِرَأْس. فَقَالَ: بغيتم» . وَعَن معمر. قَالَ: حَدثنِي صَاحب لنا عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «لم يكن يحمل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأس إِلَى الْمَدِينَة قطّ وَلَا يَوْم بدر. وَحمل إِلَى أبي بكر رَأس فَأنْكر ذَلِك. قَالَ: وَأول من حملت إِلَيْهِ الرُّءُوس عبد الله بن الزبير» . وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَاب قبله عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جِئْت إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِرَأْس مرحب» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأما حَدِيث أبي دَاوُد الَّذِي رَوَاهُ فِي «مراسيله» عَن أبي نَضرة قَالَ: «لَقِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْعَدو. فَقَالَ: من جَاءَ بِرَأْس فَلهُ عَلَى الله مَا تمنى. فَجَاءَهُ رجلَانِ بِرَأْس فاختصما فِيهِ [فَقَضَى] بِهِ لأَحَدهمَا» فمنقطع. قَالَ أَبُو دَاوُد: فِي هَذَا أَحَادِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا يَصح مِنْهَا شَيْء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِيه - إِن ثَبت - تحريض عَلَى قتل الْعَدو، وَلَيْسَ فِيهِ نقل الرَّأْس من بِلَاد الشّرك إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام. قلت: وَأما الحَدِيث الْمَشْهُور فِي «النَّسَائِيّ» وَغَيره من حَدِيث عبد الله بن فَيْرُوز الديلمي، عَن أَبِيه. قَالَ: «أتيت [النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] بِرَأْس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 الْأسود الْعَنسِي» . فراويه ضَمرَة ثِقَة؛ لكنه لم يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» : هُوَ وهم لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ذكر خُرُوج الْعَنسِي صَاحب صنعاء ومسيلمة صَاحب الْيَمَامَة بعده لَا فِي حَيَاته. الثَّانِي: أَن الْأسود بن كَعْب الْعَنسِي قتل سنة إِحْدَى عشرَة فِي عهد أبي بكر، قَتله فَيْرُوز الديلمي. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ: رِجَاله كلهم ثِقَات (وَمَا) يُقَال أَن ضَمرَة لَا يُتَابع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ثِقَة، وَلأَجل انْفِرَاده بِهِ قيل إِنَّه غَرِيب. قَالَ: وَأما قَول عبد الْحق إِثْر هَذَا الحَدِيث يُقَال إِن الْخَبَر بقتل الْأسود لم يجِئ إِلَّا إِثْر موت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَإِنَّهُ لَا يَصح، والإخباريين يَقُولُونَهُ عَلَى أَنه لَيْسَ فِيهِ نصًّا أَنه صَادف رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، بل يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ أَنه أَتَى بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَاصِدا إِلَيْهِ وافدًا عَلَيْهِ مبادرًا بالتبشير بِالْفَتْح، فصادفه قد مَاتَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. الحَدِيث الْخَمْسُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما الرِّجَال الْأَحْرَار الكاملون إِذا أسروُا فالإمام يتَخَيَّر فيهم بَين أَرْبَعَة أُمُور: أَن يقتلهُمْ صبرا، وَأَن يمن عَلَيْهِم، وَأَن يفاديهم بِالْمَالِ أَو الرِّجَال، وَأَن يسترقهم، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَخَيَّر الإِمَام بَين الْقَتْل والاسترقاق لَا غير. وَقَالَ مَالك: يتَخَيَّر بَين الْقَتْل والاسترقاق وَالْفِدَاء وَإِنَّمَا يجوز الْفِدَاء بِالرِّجَالِ دون المَال، لنا قَوْله تَعَالَى: (فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء) وكل وَاحِد من الْأُمُور قد نقل من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 فعل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقتل يَوْم بدر عقبَة بن أبي معيط وَالنضْر بن الْحَارِث، ومنَّ عَلَى أبي عزة الجُمَحي عَن أَن لَا يقاتله فَلم يَفِ، فقاتله يَوْم أحد فَأسر وَقتل يَوْمئِذٍ. وَعَن عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَادَى رجلا أسره أَصْحَابه برجلَيْن أسرتهمَا ثَقِيف من أَصْحَابه» وَأخذ المَال فِي فدَاء أَسْرَى بدر مَشْهُور، ومنّ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى أبي الْعَاصِ بن الرّبيع وَعَلَى ثُمَامَة ابْن أَثَال الْحَنَفِيّ. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ وَقد اشْتَمَل عَلَى أَحَادِيث: أَحدهَا: وَهُوَ الْخَمْسُونَ. وَثَانِيهمَا: وَهُوَ الحَدِيث الْحَادِي بعد الْخمسين. قَالَ الشَّافِعِي: أسر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهل بدر فَمنهمْ من منَّ عَلَيْهِ بِلَا أَخْذَة مِنْهُ، وَمِنْهُم من أَخذ مِنْهُ فديَة، وَمِنْهُم من قَتله، وَكَانَ المقتولان بعد [الإسار] يَوْم بدر عقبَة بن أبي معيط وَالنضْر بن الْحَارِث. قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا عدد من أهل الْعلم من قُرَيْش وَغَيرهم من الْعلم بالمغازي «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أسر النَّضر بن الْحَارِث الْعَبْدي يَوْم بدر وَقَتله بالنازية أَو الأُثَيِّل صبرا، وَأسر عقبَة بن أبي معيط يَوْم بدر فَقتله صبرا. وَفِي «الْإِكْمَال» لِابْنِ «مَاكُولَا أَن عليًّا قتل النَّضر بن الْحَارِث بِأَمْر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَفِي «أَحْكَام الطَّبَرِيّ» عَن ابْن هِشَام «أَن عليًّا قَتله صبرا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالصفراء» [فِيمَا] يذكرُونَ. وَذكر ابْن حبيب أَنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 أسلم فَالله أعلم أَيهمَا أصح. وَأما ابْن قُتَيْبَة فَذكر أَنه قتل صبرا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن سهل بن أبي حثْمَة، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما أقبل بالأسارى حَتَّى إِذا كَانَ بعرق الظبية أَمر عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح أَن يضْرب عنق عقبَة بن أبي معيط فَجعل عقبَة يَقُول: يَا ويلاه، علام أقتل من بَين هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لعداوتك لله وَلِرَسُولِهِ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، منُّك أفضل، فَاجْعَلْنِي كَرجل من قومِي، إِن قَتلتهمْ قتلتني، وَإِن مننت عَلَيْهِم مننت عليَّ، وَإِن أخذت مِنْهُم الْفِدَاء كنت كأحدهم، يَا مُحَمَّد من للصبية؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: النَّار، يَا عَاصِم بن ثَابت، قدمه فَاضْرب عُنُقه. فَضرب عُنُقه» . قَالَ ابْن دحْيَة فِي «تنويره» : «ثمَّ أَمر بصلبه فَهُوَ أول مصلوب فِي الْإِسْلَام» . حَكَاهُ القعْنبِي وَفِي «أَفْرَاد» الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود: «النَّار لَهُم ولأبيهم» . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين قَالَ الشَّافِعِي: كَانَ من الْمَمْنُون عَلَيْهِم بالأفدية أَبُو عزة الجُمَحِي تَركه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لبنَاته، وَأخذ عَلَيْهِ عهدا أَن لَا يقاتله، فأخفره وقاتله يَوْم أحد، فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن لَا يفلت، فَمَا أسر يَوْمئِذٍ رجل غَيره. فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، اُمْنُنْ عليّ وَدعنِي لبناتي وَأُعْطِيك عهدا أَن لَا أَعُود لِقِتَالِك. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تمسح عَلَى عَارِضَيْك بِمَكَّة تَقول: قد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 خدعت مُحَمَّدًا مرَّتَيْنِ. فَأمر بِهِ فضربتْ عُنُقه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد روينَا فِي ذَلِك عَن غير الشَّافِعِي، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «أَمن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْأسَارَى يَوْم بدر أَبَا عزة عبد الله بن عَمْرو الجُمَحِي، وَكَانَ شَاعِرًا وَكَانَ قَالَ للنَّبِي (: يَا مُحَمَّد، إِن لي خمس بَنَات لَيْسَ لَهُنَّ شَيْء فَتصدق بِي عَلَيْهِنَّ فَفعل. وَقَالَ أَبُو عزة: أُعْطِيك موثقًا أَن لَا أقاتلك وَلَا أَكثر عَلَيْك أبدا. فَأرْسلهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَلَمَّا خرجت قُرَيْش إِلَى أحد جَاءَهُ صَفْوَان بن أُميَّة فَقَالَ: اخْرُج مَعنا. فَقَالَ: إِنِّي قد أَعْطَيْت مُحَمَّدًا موثقًا أَن لَا أقاتله. فضمن صَفْوَان أَن يَجْعَل بَنَاته مَعَ بَنَاته إِن قتل، وَإِن عَاشَ أعطَاهُ مَالا كثيرا، فَلم يزل بِهِ حَتَّى خرج مَعَ قُرَيْش يَوْم أحد فَأسر وَلم يؤسر غَيره من قُرَيْش. فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِنَّمَا خرجت كرها ولي بَنَات فَامْنُنْ عَلّي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَيْن مَا أَعْطَيْتنِي من الْعَهْد والميثاق، لَا وَالله لَا تمسح بعارضيك بِمَكَّة تَقول: سخرت بِمُحَمد مرَّتَيْنِ. قَالَ سعيد بن الْمسيب: فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الْمُؤمن لَا يلْدغ من جحرٍ مرَّتَيْنِ، يَا عَاصِم بن ثَابت، قدمه فَاضْرب عُنُقه. فقدمه فَضرب عُنُقه» . قَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» وَفِي كتاب السَّرقة: «إِن أول من علق رَأسه فِي الْإِسْلَام جعل فِي رمح وَحمل إِلَى الْمَدِينَة يَوْم أحد ... » . الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين عَن عمرَان بن الْحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَالَ: «كَانَت ثَقِيف حلفا لبني عقيل، فأسرت ثَقِيف رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأسر أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 رجلا من بني عقيل وَأَصَابُوا مَعَه العضباء، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ فِي الوثاق، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد. فَأَتَاهُ قَالَ: مَا شَأْنك؟ فَقَالَ: بِمَ أخذتني وَأخذت سَابِقَة الْحَاج - يَعْنِي العضباء -؟ فَقَالَ: أخذتك بجريرة حلفائك ثَقِيف. ثمَّ انْصَرف عَنهُ، فناداه فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، يَا مُحَمَّد. وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رحِيما رَقِيقا قَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: إِنِّي مُسلم. قَالَ: لَو قلتهَا وَأَنت تملك أَمرك أفلحت كل الْفَلاح. ثمَّ انْصَرف عَنهُ فناداه: يَا مُحَمَّد، يَا مُحَمَّد. فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: إِنِّي جَائِع فأطعمني وظمآن فاسقني. قَالَ: هَذِه حَاجَتك. ففدي بِالرجلَيْنِ» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِكُل هَذِه الْحُرُوف. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ و «صَحِيح ابْن حبَان» عَن عمرَان أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام فدى رجلَيْنِ من الْمُسلمين بِرَجُل من الْمُشْركين» . قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي أعْطى رجلا من الْمُشْركين وَأخذ رجلَيْنِ من الْمُسلمين. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْخمسين قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأخذ المَال فِي فدَاء أَسْرَى بدر مَشْهُور. هُوَ كَمَا قَالَ. وَقد ورد ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث: أَحدهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لما كَانَ يَوْم بدر نظر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْمُشْركين وهم ألف وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة عشر رجلا، فَاسْتقْبل نَبِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 الله (الْقبْلَة ثمَّ مد يَده فَجعل يَهْتِف بربه يَقُول: اللَّهُمَّ أنْجز [لي] مَا وَعَدتنِي، اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة من أهل الْإِسْلَام لَا تعبد فِي الأَرْض. فَمَا زَالَ يَهْتِف بربه مادًّا يَدَيْهِ حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ عَن مَنْكِبه، فَأَتَاهُ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأخذ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى (مَنْكِبه) ثمَّ الْتَزمهُ من وَرَائه، وَقَالَ: يَا نَبِي الله، كَذَاك مُنَاشَدَتك رَبك؛ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك. فَأنْزل الله عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ) (فأيده) الله بِالْمَلَائِكَةِ» . قَالَ (سماك) فَحَدثني ابْن عَبَّاس قَالَ: «بَيْنَمَا رجل من الْمُسلمين يومئذٍ يشْتَد فِي أثر [رجل] من الْمُشْركين أَمَامه إِذْ سمع ضَرْبَة بِالسَّوْطِ فَوْقه وَصَوت الْفَارِس يَقُول: أقدم حيْزُوم. إِذْ نظر إِلَى الْمُشرك أَمَامه خر [مُسْتَلْقِيا] فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد خطم أَنفه وشق وَجهه (بِضَرْب) السَّوْط فاخضر ذَلِك أجمع، فجَاء الْأنْصَارِيّ فحدَّث بذلك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: صدقت، ذَلِك من مدد السَّمَاء الثَّالِثَة. فَقتلُوا يَوْمئِذٍ سبعين وأسروا سبعين. قَالَ ابْن عَبَّاس: فَلَمَّا أَسرُّوا الْأسَارَى قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لأبي بكر وَعمر: مَا ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: يَا رَسُول الله، بَنو الْعم وَالْعشيرَة، أرَى أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 تَأْخُذ مِنْهُم فديَة فَتكون لنا قُوَّة عَلَى الْكفَّار، فَعَسَى الله أَن يهْدِيهم إِلَى الْإِسْلَام. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا ترَى يَا ابْن الْخطاب؟ قَالَ: قلت: لَا وَالله يَا رَسُول الله مَا أرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بكر، وَلَكِنِّي أرَى أَن تمَكنا من أَعْنَاقهم فَنَضْرِب أَعْنَاقهم، فَتمكن عليًّا من عقيل، وَتُمَكِّنِّي من فلَان - نسيبًا لعمر - فَأَضْرب عُنُقه؛ فَإِن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكفْر وصناديها؛ فهوى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا قَالَ أَبُو بكر وَلم يَهو مَا قلت. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جِئْت فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبُو بكر قَاعِدين يَبْكِيَانِ. فَقلت: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي من أَي شَيْء تبْكي أَنْت وَصَاحِبك، فَإِن وجدت بكاء بَكَيْت وَإِن لم أجد بكاء تَبَاكَيْت ببكائكما. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (أبْكِي للَّذي عرض علىَّ أَصْحَابك من أَخذهم الْفِدَاء، لقد عرض عَلّي عَذَابهمْ أدنَى من هَذِه الشَّجَرَة - لشَجَرَة قريبَة) من نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأنْزل الله عَزَّ وَجَلَّ (مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض) إِلَى قَوْله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم) وَأحل الْغَنِيمَة» . أخرجه مُسلم بِهَذِهِ الْحُرُوف كلهَا. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «فلقي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد ذَلِك عمر فَقَالَ: كَاد أَن يصيبنا من خِلافك بلَاء» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْخمسين وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي مِمَّا نَحن فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل فدَاء أهل الْجَاهِلِيَّة يَوْمئِذٍ - يَعْنِي يَوْم بدر - أَرْبَعمِائَة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم، وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأَن قَالَ: من أَبُو العنبس وَلَا يعرف اسْمه وَلَا حَاله. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. وَقَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» : ثَنَا عَلّي بن عَاصِم [عَن حميد] عَن أنس قَالَ: «اسْتَشَارَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النَّاس فِي الْأسَارَى يَوْم بدر فَقَالَ أَبُو بكر: نرَى أَن (تَعْفُو عَنْهُم، وَتقبل مِنْهُم الْفِدَاء) » . الحَدِيث السَّادِس بعد الْخمسين وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث مِمَّا نَحن فِيهِ عَن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أَن رجَالًا من الْأَنْصَار اسْتَأْذنُوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: ائْذَنْ لنا فلنترك لِابْنِ أُخْتنَا عَبَّاس فداءه. فَقَالَ: لَا تدعون مِنْهُ درهما» . رَوَاهُ البُخَارِيّ. قَالَ ابْن إِسْحَاق فِي قصَّة بدر: وَكَانَ فِي الْأسَارَى أَبُو ودَاعَة السَّهْمِي، فَقدم ابْنه الْمطلب الْمَدِينَة فَأخذ أَبَاهُ بأَرْبعَة آلف دِرْهَم، فَانْطَلق بِهِ ثمَّ بعثت قُرَيْش أَن فدي الْأسَارَى، فَقدم مكرز بن حَفْص فِي فدَاء سُهَيْل بن عَمْرو، فَقَالَ: اجعلوا رجْلي مَكَان رجله وخلوا سَبيله حَتَّى يبْعَث إِلَيْكُم بفدائه، فَخلوا سَبِيل سُهَيْل وحبسوا مكرزًا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 قَالَ: [ففدى] كل قوم أسيرهم بِمَا رَضوا. قَالَ: وَكَانَ أكبر الْأسَارَى يَوْم بدر فدَاء الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا وافتدى نَفسه بِمِائَة أُوقِيَّة ذهب. الحَدِيث السَّابِع بعد الْخمسين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «لما بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء (أَسْرَاهُم) بعثت زَيْنَب فدَاء زَوجهَا أبي الْعَاصِ بن أبي الرّبيع بمالٍ، وَبعثت فِيهِ بقلادة لَهَا كَانَت عِنْد خَدِيجَة أدخلتها بهَا عَلَى أبي الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رق لَهَا رقة شَدِيدَة، وَقَالَ: إِن رَأَيْتُمْ أَن تطلقوا لَهَا أَسِيرهَا وتردوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا. فَقَالُوا: نعم، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ عَلَيْهِ أَو وعده أَن يخلي سَبِيل زَيْنَب إِلَيْهِ، وَبعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زيد ين حَارِثَة ورجلًا من الْأَنْصَار، فَقَالَ لَهما: كونا بِبَطن يأجج حَتَّى تمر بكما زَيْنَب فتصحبها حَتَّى تأتيا بهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن، لَا جرم رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» إِلَى قَوْله: «نعم» بِزِيَادَة عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. ذكره فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس رضى الله عَنهُ، وَكَذَا فِي ترجمتها، وَكَذَا فِي الْمَغَازِي والسرايا من المناقب. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «الْمسند» إِلَى قَوْله: «نعم» وَزَاد «فأطلقوه وردوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهَا» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 الحَدِيث الثَّامِن بعد الْخمسين قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: ثمَّ أسر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثُمَامَة بن أَثَال الْحَنَفِيّ بعد فمنَّ عَلَيْهِ، ثمَّ عَاد ثُمَامَة ابْن أَثَال بعد وَأسلم وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب. قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَى مُسلم فِي «صَحِيحه» عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خيلًا قَبِل نجد فَجَاءَت بِرَجُل من بني حنيفَة يُقَال لَهُ ثُمَامَة بن أَثَال سيد أهل [الْيَمَامَة] فربطوه بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد، فَخرج إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَاذَا عنْدك يَا ثُمَامَة؟ فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّد خير، إِن تقتل تقتل ذَا دم، وَإِن تنعم تنعم عَلَى شَاكر، وَإِن كنت تُرِيدُ المَال فسل تعط مِنْهُ مَا شِئْت. فَتَركه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد، قَالَ: مَا عنْدك يَا ثُمَامَة؟ قَالَ مَا قلت: إِن تنعم تنعم عَلَى شَاكر، وَإِن تقتل تقتل ذَا دم، وَإِن كنت تُرِيدُ المَال فسل تعط مِنْهُ مَا شِئْت. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أطْلقُوا ثُمَامَة. فَانْطَلق إِلَى نخل قريب من الْمَسْجِد فاغتسل ثمَّ دخل الْمَسْجِد. فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، يَا مُحَمَّد، وَالله مَا كَانَ عَلَى وَجه الأَرْض أبْغض إليَّ من وَجهك، فقد أصبح وَالله وَجهك أحب الْوُجُوه كلهَا إليَّ، وَالله مَا كَانَ دين أبْغض إليَّ من دينك فقد أصبح دينك أحب الدَّين إليَّ، وَالله مَا كَانَ من بلدٍ أبْغض إليَّ من بلدك، فَأصْبح بلدك أحب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 الْبِلَاد كلهَا إليَّ، وَإِن خيلك أخذتني وَأَنا أُرِيد الْعمرَة فَمَاذَا ترَى؟ فبشره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأمره أَن يعْتَمر فَلَمَّا قدم مَكَّة قَالَ لَهُ قَائِل: أَصَبَوْت؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أسلمت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا وَالله لَا تأتينكم من الْيَمَامَة حَبَّة حِنْطَة حَتَّى يَأْذَن فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . الحَدِيث التَّاسِع بعد الْخمسين عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض) : إِن ذَلِك يَوْم بدر وَفِي الْمُسلمين قلَّة، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سلطانهم أنزل الله تَعَالَى بعْدهَا فِي الْأسَارَى (فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء) فَجعل اللهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْمُؤمنِينَ فيهم بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ قتلوهم، وَإِن [شَاءُوا] استعبدوهم، وَإِن شَاءُوا فادوهم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي أَبْوَاب الْأَنْفَال من حَدِيث عبد الله بن صَالح، ثَنَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ بدل: «وَفِي الْمُسلمين قلَّة» «والمسلمون يَوْمئِذٍ قَلِيل» كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ، بعد أَن ترْجم عَلَيْهِ بَاب استعباد الْأَسير وَلم يعقبه بإعلال وَهُوَ مُنْقَطع. قَالَ دُحَيْم: عَلّي بن أبي طَلْحَة لم يسمع التَّفْسِير من ابْن عَبَّاس. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن [عَبَّاس: مُرْسل] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 [وَقَالَ] أَحْمد: لَهُ أَشْيَاء مُنكرَات. وَقَالَ يَعْقُوب الْفَسَوِي: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ - إِن شَاءَ الله - مُسْتَقِيم الحَدِيث، وَلكنه كَانَ يرَى السَّيْف. نعم أخرج مُسلم حَدِيث «سُئِلَ عَن الْعَزْل» ، وَكَذَا أخرج مُسلم لمعاوية بن صَالح، وَإِن كَانَ ابْن أبي طَلْحَة لَا يحْتَج بِهِ، وَأخرج البُخَارِيّ لعبد الله ابْن صَالح. الحَدِيث السِّتُّونَ عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم حنين: لَو كَانَ الاسترقاق جَائِزا عَلَى الْعَرَب لَكَانَ الْيَوْم، إِنَّمَا هُوَ أسر أَو فدَاء» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مُحَمَّد - هُوَ ابْن عمر الْوَاقِدِيّ - عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث، عَن أَبِيه، عَن السَّلُولي، عَن معَاذ بن جبل «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم حنين: لَو كَانَ ثَابتا عَلَى الْعَرَب سبي بعد الْيَوْم لثبت عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَكِن إِنَّمَا هُوَ أسار وفدى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف. قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِي: وَقد سَبَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بني المصطلق وهوازن وقبائل من الْعَرَب، وأجرى عَلَيْهِم [الرّقّ] حَتَّى منّ عَلَيْهِم بعد، فَاخْتلف أهل الْعلم بالمغازي فَزعم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 بَعضهم «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما أطلق سبي هوَازن قَالَ: لَو كَانَ تَامّ عَلَى أحد من الْعَرَب سبي لتم عَلَى هَؤُلَاءِ وَلكنه إسار وَفِدَاء» . قَالَ الشَّافِعِي: فَمن ثبَّت هَذَا الحَدِيث زعم أَن الرّقّ لَا يجرى عَلَى عَرَبِيّ بِحَال، وَهَذَا قَول الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ، وَيروَى عَن عمر بن الْخطاب، وَعمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن يَحْيَى الغساني، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، وأبنا سُفْيَان، عَن رجل، عَن الشّعبِيّ أَن عمر قَالَ: «لَا يسترق عَرَبِيّ» . وَأخْبرنَا عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب. قَالَ فِي الْمولى ينْكح الْأمة: يسترق وَلَده. وَفِي الْعَرَبِيّ ينْكح الْأمة: لَا يسترق وَلَده، عَلَيْهِ قِيمَته. قَالَ الشَّافِعِي: وَمن لم يثبت الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذهب إِلَى أَن الْعَرَب والعجم سَوَاء وَأَنه يجْرِي عَلَيْهِم الرّقّ حَيْثُ جَرَى عَلَى الْعَجم. قَالَ الرّبيع: وَبِه يَأْخُذ الشَّافِعِي. قلت: وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ هَذَا الحَدِيث فِي «أكبر معاجمه» من طَرِيق آخر، فَقَالَ: ثَنَا [أَحْمد بن رشدين] ، ثَنَا أَحْمد بن صَالح، ثَنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي يزِيد بن عِيَاض، عَن مُوسَى [بن مُحَمَّد] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 التَّيْمِيّ، عَن ابْن شهَاب، عَن البلوي، عَن معَاذ بن جبل أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو كَانَ ثَابتا عَلَى أحد من الْعَرَب رق كَانَ الْيَوْم، إِنَّمَا هُوَ إسار أَو فدَاء» . الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله ... » . الحَدِيث وَهُوَ حَدِيث صَحِيح تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله وَغَيره. الحَدِيث الثَّانِي بعد السِّتين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الْقَوْم إِذا أَسْلمُوا أحرزوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة أبان بن عبد الله بن أبي [حَازِم] . [عَن عُثْمَان بن أبي حَازِم] عَن أَبِيه، عَن جده صَخْر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غزا ثقيفًا، فَلَمَّا سمع صَخْر بذلك ركب فِي خيل يُمِدُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوجدَ نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد انْصَرف ولمُ يُفْتَح، فَجعل صَخْر يَوْمئِذٍ عهد الله وذمته أَن لَا يُفَارق هَذَا الْقصر حَتَّى ينزلُوا عَلَى حكم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يفارقهم حَتَّى نزلُوا عَلَى حكم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَكتب إِلَيْهِ صَخْر: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 أما بعد، فَإِن ثقيفًا قد (نزلُوا) عَلَى حكمك يَا رَسُول الله وَأَنا مقبل بهم وهم فِي خيل. فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالصَّلَاةِ جَامِعَة فَدَعَا لأحمس عشر دعواتٍ: اللَّهُمَّ بَارك لأحمس فِي خيلها ورجالها. وَأَتَاهُ الْقَوْم فَتكلم الْمُغيرَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن صخرًا أَخذ عَمَّتي وَدخلت فِيمَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ. فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا صَخْر، إِن الْقَوْم إِذا أَسْلمُوا أحرزوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فادفع إِلَى الْمُغيرَة عمته. فَدَفعهَا إِلَيْهِ، وَسَأَلَ نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَاء لبني سليم قد هربوا عَن الْإِسْلَام، وَتركُوا ذَلِك المَاء، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، أنزلنيه أَنا وقومي. قَالَ: نعم. فأنزله وَأسلم [يعْنى السلميين] فَأتوا صخرًا فَسَأَلُوهُ أَن يدْفع إِلَيْهِم المَاء فَأَبَى، فَأتوا نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالُوا: يَا نَبِي الله، أسلمنَا وأتينا صخرًا ليدفع إِلَيْنَا المَاء فَأَبَى علينا. فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا صَخْر، إِن الْقَوْم إِذا أَسْلمُوا أحرزوا أَمْوَالهم ودماءهم فادفع إِلَى الْقَوْم مَاءَهُمْ. قَالَ: نعم يَا نَبِي الله. فَرَأَيْت وَجه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تغير عِنْد ذَلِك حمرَة حَيَاء من أَخذه الْجَارِيَة وَأَخذه المَاء» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ عبد الْحق: عُثْمَان بن [أبي] حَازِم لَا أعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا أبان بن عبد الله. وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان: وَأَبُو حَازِم بن صَخْر لَا يعرف رَوَى عَنهُ إِلَّا ابْنه عُثْمَان وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 قلت: وَعُثْمَان ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» لَكِن لم يذكر لَهُ رَاوِيا غير أبان الْمَذْكُور، وَأَبَان هَذَا هُوَ ابْن عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي. قَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَحْمد: صَدُوق، صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ مِمَّن فحش خَطؤُهُ وَانْفَرَدَ بِالْمَنَاكِيرِ، وَمَعَ هَذَا فَأخْرج لَهُ فِي [ «صَحِيحه» حَدِيثه] ، وصخر هَذَا هُوَ أَبُو حَازِم صَخْر ابْن العَيْلة، قَالَه البُخَارِيّ. وَيُقَال ابْن أبي العَيْلة البَجلِيّ الأحمسي عداده فِي صَخْر بن العيلي. قَالَ البُخَارِيّ: وَيُقَال ابْن أبي العَيٍْلة البَجلِيّ فِي الْكُوفِيّين، لَهُ صُحْبَة. والعيلة - بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة تَحت وَبعدهَا لَام مَفْتُوحَة ثمَّ تَأْنِيث - اسْم أمه. قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: لَيْسَ لصخر غير هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالِاسْتِدْلَال إِنَّمَا وَقع بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: «إِن الْقَوْم إِذا أَسْلمُوا أحرزوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ» فَأَما اسْتِرْدَاد المَاء من صَخْر بعد مَا ملكه بِتَمْلِيك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِيَّاه فَإِنَّمَا يشبه أَن يكون باستطابة نَفسه وَلذَلِك كَانَ يظْهر فِي وَجهه أثر الْحيَاء. وعمة الْمُغيرَة إِن كَانَت أسلمت بعد الْأَخْذ فَكَأَنَّهُ رَأَى إسْلَامهَا قبل الْقِسْمَة يحرز مَا لَهَا، وَيحْتَمل أَن يكون إسْلَامهَا قبل الْأَخْذ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 الحَدِيث الثَّالِث بعد السِّتين «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حاصر بني قُرَيْظَة فَأسلم ثَعْلَبَة وَأسد ابْنا سَعْية فأحرز لَهما إسلامهما أموالهما وأولادهما الصغار» . هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الشَّافِعِي فَقَالَ: أسلم ابْنا سعية القرظيان وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - محاصرًا بني قُرَيْظَة، فأحرزهما إسلامهما نفسهما وأموالهما من النّخل وَالْأَرْض وَغَيرهمَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، عَن شيخ من بني قُرَيْظَة أَنه قَالَ: «هَل تَدْرِي [عمَّ] كَانَ إِسْلَام ثَعْلَبَة (وَأسد ابْني سعية) وَأسد بن عبيد نفر من هُذَيْل لم يَكُونُوا من بني قُرَيْظَة وَلَا [نضير] كَانُوا فَوق ذَلِك؟ قلت: لَا. قَالَ: فَإِنَّهُ قدم علينا رجل من الشَّام من يهود يُقَال لَهُ: ابْن الهيبان، فَأَقَامَ عندنَا، وَالله مَا رَأينَا رجلا قطّ لَا يُصَلِّي الْخمس خيرا مِنْهُ، فَقدم علينا قبل مبعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِسنتَيْنِ. فَكُنَّا إِذا قحطنا وَقل علينا الْمَطَر نقُول لَهُ [يَا] ابْن الهيبان، اخْرُج فاستسق لنا، فَيَقُول: لَا وَالله حَتَّى تقدمُوا أَمَام مخرجكم صَدَقَة. فَنَقُول: كم نقدم فَيَقُول: صَاعا من تمر [أَو] مَدين من شعير ثمَّ يخرج إِلَى ظَاهِرَة حرتنا وَنحن مَعَه فيستسقي، فوَاللَّه مَا يقوم من مَجْلِسه حَتَّى (يمر السَّحَاب) ، قد فعل ذَلِك غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 (وَلَا) ثَلَاثَة فحضرته الْوَفَاة فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا معشر يهود، مَا تَرَوْنَهُ أخرجني من أَرض الْخمر والخمير إِلَى أَرض الْبُؤْس والجوع؟ فَقُلْنَا: أَنْت (تعلم) . فَقَالَ: إِنَّه إِنَّمَا أخرجني أتوقع خُرُوج نَبِي قد أظل زَمَانه هَذِه الْبِلَاد مهاجره فَأتبعهُ فَلَا تسبقن إِلَيْهِ إِذا خرج يَا معشر يهود؛ فَإِنَّهُ يسفك الدَّم، وَيَسْبِي الذَّرَارِي وَالنِّسَاء مِمَّن خَالفه، فَلَا يمنعنكم ذَلِك مِنْهُ. ثمَّ مَاتَ، فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي افتتحت فِيهَا قُرَيْظَة، قَالَ أُولَئِكَ الْفتية الثَّلَاثَة [وَكَانُوا] شبَابًا أحداثًا يَا معشر يهود، وَالله إِنَّه للرجل الَّذِي كَانَ ذكر لكم ابْن الهيبان. قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالُوا: بلَى وَالله إِنَّه لَهو يَا معشر يهود، إِنَّه وَالله لَهو بِصفتِهِ. ثمَّ نزلُوا فأسلموا وخلوا أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ وأهليهم قَالَ: وَكَانَت أَمْوَالهم فِي الْحصن مَعَ الْمُشْركين، فَلَمَّا فتح رد ذَلِك عَلَيْهِم» . فَائِدَة: «سَعْية» بِفَتْح السِّين وَإِسْكَان الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ بعْدهَا يَاء مثناة تَحت، هَذَا صَوَابه، وَحَكَى صَاحب «التنقيب» فِي كتاب السّلم مِنْهُ أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: هَذَا. وَثَانِيها: بنُون بدل الْيَاء، وَجزم بِهِ أَولا وَقَالَ إِنَّه الصَّحِيح. وَثَالِثهَا: كَذَلِك لكنه بِضَم السِّين. وَرَابِعهَا: «سعبة» بسين وباء مُوَحدَة، قَالَ: وسعبة هَذَا هُوَ وَالِد زيد بن سعبة. قَالَ: ولسعبة ولدان: أَسد، وثعلبة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» بعد الضَّبْط الأول: هَذَا هُوَ الصَّوَاب. قَالَ: وَقد حَكَى جمَاعَة مِمَّن صنف فِي أَلْفَاظ الْمُهَذّب، أَنه يُقَال بالشين الْمُعْجَمَة، وَأَنه يُقَال بالنُّون بدل الْيَاء، قَالَ: وَكله تَصْحِيف، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 وَالْمَعْرُوف فِي كتب أهل هَذَا الْفَنّ مَا ذَكرْنَاهُ أَولا، وَمَا ذكره هَذَا الْقَائِل إِنَّمَا أَخذه - وَالله أعلم - من بعض كتب الْفِقْه المضبوطة ضبطًا فَاسِدا. وَهُوَ وَالِد ثَعْلَبَة وَأسيد بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين، وَقيل بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين، كَذَا قَيده إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن ابْن إِسْحَاق. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «تَنْبِيه المشتبه» : فَأَخْطَأَ، وَقيل: [أَسد] بِفَتْح الْهمزَة وَالسِّين من غير يَاء، وتوفيا فِي حَيَاة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، هَذَا جَمِيع مَا ذكره فِي النَّوْع الرَّابِع بِمَا قيل فِيهِ ابْن وأخو فلَان، وَقَالَ فِيهِ أَيْضا [النَّوَوِيّ] فِي «تهذيبه» فِي حرف الزَّاي فِي تَرْجَمَة زيد بن سعية: هُوَ أحد أَحْبَار الْيَهُود الَّذين أَسْلمُوا. توفّي فِي غَزْوَة تَبُوك. و «سعية» بسين مُهْملَة مَفْتُوحَة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّهَا مَضْمُومَة. قَالَ: وَهُوَ غَرِيب، وَهُوَ بالنُّون أَكثر، وَاقْتصر الْجُمْهُور عَلَى النُّون. و «الهيبان» بِفَتْح الْهَاء وَالْبَاء كَذَا ضَبطه المطرزي فِي «الْمغرب» وَقَالَ: لِأَنَّهُ من الهيبة وَهُوَ الْخَوْف. الحَدِيث الرَّابِع بعد السِّتين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم أَوْطَاس: أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء وَاضحا. الحَدِيث الْخَامِس بعد السِّتين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أصبْنَا نسَاء يَوْم أَوْطَاس فكرهوا أَن يقعوا عَلَيْهِنَّ من أجل أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين، فَأنْزل الله عَزَّ وَجَلَّ: (وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم) فاستحللناهن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهَذَا لَفظه عَن أبي سعيد «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم حنين بعث جَيْشًا إِلَى أَوْطَاس فَلَقوا عدوًّا فقاتلوهم، فظهروا عَلَيْهِم وَأَصَابُوا لَهُم سَبَايَا، فَكَأَن نَاسا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين؛ فَأنْزل الله تَعَالَى (وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم) أَي: فهن لكم حَلَال إِذا انْقَضتْ عدتهن» . الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قطع نخل بني النَّضِير وَحرق عَلَيْهِم، وَفِي ذَلِك نزل قَوْله تَعَالَى: (مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا) الْآيَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح تقدم بَيَانه وَاضحا فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 الحَدِيث السَّابِع بعد السِّتين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قطع عَلَى أهل الطَّائِف كرُومًا» هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن هناد بن السّري، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَار إِلَى الطَّائِف فَأمر بحصن مَالك بن عَوْف فهدم وَأمر بِقطع الأعناب» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن الْأسود، عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: «نزل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالأكمة عِنْد حصن الطَّائِف فَحَاصَرَهُمْ بضع عشرَة لَيْلَة (وَقَاتلهمْ) ثَقِيف بِالنَّبلِ وَالْحِجَارَة وهم فِي حصن الطَّائِف، وَكَثُرت الْقَتْلَى فِي الْمُسلمين وَفِي ثَقِيف، وَقطع الْمُسلمُونَ شَيْئا من كروم ثَقِيف (ليغيظونهم) بذلك، قَالَ عُرْوَة: وَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمُسلمين حِين حاصروا ثَقِيف أَن يقطع كل رجل من الْمُسلمين خمس نخلات - أَو حبلات من كرومهم - فَأَتَاهُ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا (عقا لَا تُؤْكَل ثَمَرَتهَا) . فَأَمرهمْ أَن يقطعوا مَا أكلت ثَمَرَته الأول فَالْأول» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة فِي غَزْوَة الطَّائِف قَالَ: «وَنزل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالأكمة عِنْد حصن الطَّائِف بضع عشرَة لَيْلَة فَقَاتلهُمْ ... » فَذكره إِلَى أَن قَالَ: «وَقَطعُوا طَائِفَة من أعنابهم (ليغيظونهم) بهَا فَقَالَت ثَقِيف: لَا تفسدوا الْأَمْوَال فَإِنَّهَا لنا أَو لكم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 قَالَ: واستأذنه الْمُسلمُونَ فِي مناهضة (الْجَيْش) . فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا أرَى أَن نفتتحه وَمَا أذن لنا فِيهِ الْآن» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر أَن الطَّائِف كَانَ آخر غَزَوَاته. قلت: أَي بِنَفسِهِ؛ فَإِنَّهَا فِي سنة ثَمَان وغزوة تَبُوك فِي سنة تسع لَكِن لم يُقَاتل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِيهَا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعث جَيْشًا إِلَى الشَّام فنهاهم عَن قتل الشُّيُوخ وَأَصْحَاب الصوامع وَقطع الْأَشْجَار المثمرة» . قلت: هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن يَحْيَى بن سعيد «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعث جيوشًا إِلَى الشَّام فَخرج يمشي مَعَ يزِيد بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَمِير ربع من [تِلْكَ] الأرباع، فَقَالَ يزِيد لأبي بكر: إِمَّا أَن تركب وَإِمَّا أَن أنزل. فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: مَا أَنْت بنازل وَمَا أَنا رَاكب؛ إِنِّي احتسبت خُطاي هَذِه فِي سَبِيل الله، ثمَّ قَالَ: إِنَّك ستجد قوما زَعَمُوا أَنهم حبسوا أنفسهم [لله. فذرهم وَمَا زَعَمُوا أَنهم حبسوا أنفسهم لَهُ.] وستجد قوما فحصوا عَن (أَوسط) رُءُوسهم من الشّعْر، فَاضْرب مَا فحصوا عَنهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِّي مُوصِيك بِعشر: لَا تقتلن امْرَأَة وَلَا صبيًّا وَلَا كَبِيرا هرمًا، وَلَا تقطعن شَجرا مثمرًا، وَلَا تخربن عَامِرًا، وَلَا تعقرن شَاة وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لمأكلة، وَلَا تحرقن نحلًا وَلَا تفرقنه، وَلَا تغلل، وَلَا تجبن» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يُونُس بن يزِيد، عَن ابْن شهَاب، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بأطول من هَذَا، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، مَا أَظن من هَذَا شَيْء، هَذَا كَلَام أهل الشَّام. وَذكر فِي كتاب «الْمعرفَة» أَنه لم يقف عَلَى الْمَعْنى الَّذِي لأَجله أنكرهُ، وَكَانَ ابْنه عبد الله (زعم أَنه كَانَ مُنكر ذَلِك أَن يكون) من حَدِيث الزُّهْرِيّ. قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: وَلَعَلَّ أَمر أبي بكر بِأَن يكفوا عَن أَن يقطعوا شَجرا مثمرًا إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخبر أَن بِلَاد الشَّام تفتح عَلَى الْمُسلمين، فَلَمَّا كَانَ مُبَاحا لَهُ أَن يقطع وَيتْرك اخْتَار التّرْك؛ نظرا للْمُسلمين، لَا أَنه [رَآهُ] محرما؛ لِأَنَّهُ قد حضر مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تحريقه بالنضير وخيبر والطائف، وَهَذَا الْجَواب أجَاب بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب نقلا عَن الْمُخْتَصر. الحَدِيث الثَّامِن بعد السِّتين «أَن حَنْظَلَة بن الراهب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عقر بِأبي سُفْيَان فرسه يَوْم أحد فَسقط عَنهُ فَجَلَسَ، فَجَلَسَ حَنْظَلَة عَلَى صَدره ليذبحه، فجَاء ابْن شعوب وَقتل حَنْظَلَة [واستنقذ] أَبَا سُفْيَان، وَلم يُنكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فعل حَنْظَلَة» هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: قد عقر حَنْظَلَة بن الراهب بِأبي سُفْيَان بن حَرْب يَوْم أحد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 (فاكتسعت) فرسه بِهِ فَسقط عَنْهَا فَجَلَسَ عَلَى صَدره ليذبحه فَرَآهُ ابْن شعوب فَرجع إِلَيْهِ يعدو كَأَنَّهُ سبع فَقتله، واستنقذ أَبَا سُفْيَان من تَحْتَهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان من بعد ذَلِك: فَلَو شِئْت نجتني كنت رجيلة وَلم أحمل النعماء لِابْنِ شعوب وَمَا زَالَ مهري مزجر الْكَلْب مِنْهُم كَذَا غدْوَة حَتَّى دنت لغروب أقاتلهم [طرًّا] أدعوهم يآل غَالب وأدفعهم عني بِرُكْن صَلِيب قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَنا الْحَاكِم، ثَنَا الْأَصَم، ثَنَا أَحْمد بن عبد الْجَبَّار، ثَنَا يُونُس بن بكير، عَن [ابْن] إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ وَغَيره فِي قصَّة أحد فَذكر فِي قصَّة حَنْظَلَة مَعَ أبي سُفْيَان وَمَا كَانَ من مَعُونَة ابْن شعوب أَبَا سُفْيَان وَقَتله حَنْظَلَة، إِلَّا أَنه لم يذكر الْعقر وَذكر أَبْيَات أبي سُفْيَان بِنَحْوِ مَا ذكرهن الشَّافِعِي وَزَاد عَلَيْهِنَّ، وَذكر الْوَاقِدِيّ فِي هَذِه الْقِصَّة عقره فرسه. أخبرنَا الْحَاكِم، أبنا مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ، ثَنَا الْحسن بن الجهم، ثَنَا الْحُسَيْن بن الْفرج، ثَنَا الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه فَذكرُوا قصَّة حَنْظَلَة قَالُوا: «وَأخذ حَنْظَلَة بن أبي عَامر سلاحه فلحق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأحد وَهُوَ يُسَوِّي الصُّفُوف، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُشْركُونَ اعْترض حَنْظَلَة لأبي سُفْيَان بن حَرْب فَضرب عرقوب فرسه، قَالَ: فاكتسعت الْفرس وَوَقع أَبُو سُفْيَان إِلَى الأَرْض فَجعل يَصِيح: يَا معشر قُرَيْش، [أَنا] أَبُو سُفْيَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 بن حَرْب. وحَنْظَلَة يُرِيد ذبحه بِالسَّيْفِ، فَأَسْمع الصَّوْت رجَالًا لَا يلتفتون إِلَيْهِ فِي الْهَزِيمَة، حَتَّى غاثه الْأسود بن شعوب فَحمل عَلَى حَنْظَلَة بِالرُّمْحِ فأنفذه وهرب أَبُو سُفْيَان» . فَائِدَة: ابْن شَعُوب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْعين الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة، وَكَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» ، قَالَ ابْن سعد: اسْمه شَدَّاد بن أَوْس بن شعوب اللَّيْثِيّ. قَالَ ابْن إِسْحَاق: هُوَ شَدَّاد بن الْأسود اللَّيْثِيّ وَقد أسلفنا فِي أثْنَاء مَا ذَكرْنَاهُ عَن الْوَاقِدِيّ أَنه قَالَ اسْمه: الْأسود بن شعوب. الحَدِيث التَّاسِع بعد السِّتين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ذبح الْحَيَوَان إِلَّا لمأكلة» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْغَصْب، فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث السبعون «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن قتل الْحَيَوَان صبرا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يقتل شَيْء من الْبَهَائِم صبرا» . وَمن حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن من اتخذ شَيْئا فِيهِ الرّوح غَرضا» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس «أَنه دخل دَار الحكم بن أَيُّوب فَإِذا قوم قد نصبوا دجَاجَة يَرْمُونَهَا فَقَالَ: نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[أَن] تصبر الْبَهَائِم» وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث بكير [عَن] عبيد بن تِعْلَى قَالَ: «غزونا مَعَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد فَأتي بأَرْبعَة أعلاج من الْعَدو، فَأمر بهم [فَقتلُوا] صبرا بِالنَّبلِ، فَبلغ ذَلِك أَبَا أَيُّوب فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (نهَى) عَن قتل الصَّبْر» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شُعْبَة عَن الْمنْهَال قَالَ: «كنت أَمْشِي مَعَ سعيد بن جُبَير فَقَالَ: قَالَ عبد الله بن عمر: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لعن الله من مثَّل بِالْحَيَوَانِ» وَفِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» للعقيلي من حَدِيث الْحسن عَن سَمُرة قَالَ: «نهَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تصبر الْبَهِيمَة وَأَن يُؤْكَل لَحمهَا إِذا صبرت» . قَالَ الْعقيلِيّ: قد رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي النَّهْي عَن صَبر الْبَهَائِم أَحَادِيث بأسانيد جِيَاد، وَأما أكل لَحمهَا فَلَا يحفظ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 الحَدِيث الْحَادِي بعد السّبْعين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن جَيْشًا غنموا طَعَاما وَعَسَلًا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يَأْخُذ مِنْهُم الْخمس» يَعْنِي مِمَّا تنَاوله. هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع بِإِسْقَاط ابْن عمر، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَهَذَا أشبه. الحَدِيث الثَّانِي بعد السّبْعين عَن ابْن عمر أَيْضا قَالَ: «كُنَّا نصيب فِي مغازينا الْعَسَل وَالْعِنَب فنأكله وَلَا ندفعه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: «كُنَّا نصيب فِي الْمَغَازِي الْعَسَل والفاكهة فنأكله وَلَا ندفعه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَنهُ: «كُنَّا نأتي الْمَغَازِي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فنصيب الْعَسَل وَالسمن فنأكله» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 الحَدِيث الثَّالِث بعد السّبْعين عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أصبْنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِخَيْبَر طَعَاما فَكَانَ كل وَاحِد منا يَأْخُذ مِنْهُ قدر كِفَايَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي مجَالد، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: «قلت: هَل كُنْتُم تخمسون الطَّعَام فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: أصبْنَا طَعَاما يَوْم خَيْبَر، فَكَانَ الرجل يَجِيء فَيَأْخُذ مِنْهُ مِقْدَار مَا يَكْفِيهِ ثمَّ ينْصَرف» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، فقد احْتج (بِمُحَمد بن [أبي] المجالد وَعبد الله بن أبي المجالد) جَمِيعًا وَلم يخرجَاهُ. هَذَا مَا ذكره فِي الْجِهَاد، ذكره بعد فِي قسم الْفَيْء عَن مجَالد الْمَذْكُور قَالَ: بَعَثَنِي أهل الْمَسْجِد إِلَى ابْن أبي أَوْفَى أسأله: «مَا صنع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي طَعَام أهل خَيْبَر؛ فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقلت: هَل خمَّسَهُ؟ فَقَالَ: لَا، كَانَ أقل من ذَلِك، وَكَانَ أَحَدنَا إِذا أَرَادَ مِنْهُ أَخذ مِنْهُ حَاجته» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الصَّحِيحَيْنِ. أَحْمد فِي «مُسْنده» بِهَذِهِ السِّيَاقَة. فَائِدَة: الصَّوَاب عبد الله بن أبي المجالد لَا مُحَمَّد بن أبي المجالد، وهم شُعْبَة فِي تَسْمِيَته مُحَمَّد كَمَا نبه عَلَى [ذَلِك] الْمزي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كُنَّا نَأْخُذ من طَعَام الْمغنم مَا نشَاء. قلت: هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة هَكَذَا وَقد استغربها ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» وَقَالَ: لم يذكر فِي كتب الحَدِيث الْأُصُول، وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» نَا معَاذ بن أبي الْمثنى، ثَنَا مُحَمَّد بن كثير الْعَبْدي، ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، ثَنَا أَشْعَث بن سوار، عَن رجل، عَن ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: «لم يُخَمّس الطَّعَام يَوْم خَيْبَر» . الحَدِيث الرَّابِع بعد السّبْعين عَن رويفع بن ثَابت الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا [يركب دَابَّة] من فَيْء الْمُسلمين حَتَّى إِذا أعجفها ردهَا إِلَيْهِ، وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس ثوبا من فَيْء الْمُسلمين حَتَّى إِذا أخلقه رده إِلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رواياتهم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ذَلِك يَوْم خَيْبَر. فَائِدَة: خلق الثَّوْب - مثلت اللَّام - عَن «الْمَشَارِق» و «الْمطَالع» وَغَيرهمَا، وأخلق أَيْضا إِذا بلي وتمزَّق. وأخلقته إِمَّا يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى، والعجف - بِالتَّحْرِيكِ -: الهزال، وأعجفها: هزلها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 الحَدِيث الْخَامِس بعد السّبْعين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ حِين سُئِلَ عَن ضَالَّة الْغنم: هِيَ لَك أَو لأخيك أَو الذِّئْب» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَابه فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث السَّادِس بعد السّبْعين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه وَاضحا فِي بَاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة. الحَدِيث السَّابِع بعد السّبْعين «رَوَى أَن رجلا غلَّ فِي الْغَنِيمَة فَأحرق النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَحْله» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبا بكر و [عمر] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أحرقوا مَتَاع الغال وضربوه وَمنعُوا سَهْمه» . وَزُهَيْر هَذَا هُوَ أَبُو الْمُنْذر الْمروزِي التَّمِيمِي الْعَنْبَري الْخُرَاسَانِي، سكن مَكَّة وَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ، كَمَا سلف فِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 الْعشْرين، وَالثَّانِي من بَاب صفة الصَّلَاة، وأسلفنا هُنَاكَ عَن أَحْمد توثيقه وَأَنه قَالَ مرّة: هُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث. وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ فَمرَّة قَالَ: إِنَّه ثِقَة. وَمرَّة قَالَ: إِنَّه ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: رَوَى عَنهُ أهل الشَّام أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ الشاميين أخطئوا عَلَيْهِ؛ فَإِن رِوَايَة الْعِرَاقِيّين تشبه الْمُسْتَقيم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بالقوى. وَأما الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن أخرجه فِي «الْمُسْتَدْرك» من طَرِيقه هَذَا: حَدِيث غَرِيب صَحِيح. لكنه قَالَ - فِيمَا نَقله عَنهُ الذَّهَبِيّ فِي جُزْء من تكلم فِيهِ وَهُوَ موثق -: إِن زهيرًا هَذَا مِمَّن خَفِي عَلَى مُسلم بعض حَاله، فَإِنَّهُ من الْعباد الصَّالِحين المجاورين بِمَكَّة، لَيْسَ فِي الحَدِيث بِذَاكَ، لينه أَحْمد؛ فيعترض عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحه إِذن. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْغلُول لَيْسَ فِيهَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بتحريق مَتَاع الغال قَالَ: وَفِي ذَلِك دَلِيل عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَيُقَال: إِن زهيرًا هَذَا مَجْهُول وَلَيْسَ بِالْمَكِّيِّ. قلت: غَرِيب. وَقَالَ الرَّافِعِيّ عَن الشَّافِعِي: لَو صَحَّ هَذَا الحَدِيث قلت بِهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: يُرِيد أَنه لم تظهر صِحَّته. قَالَ: وَبِتَقْدِير الصِّحَّة فليحمل ذَلِك عَلَى أَنه كَانَ فِي مبدأ الْأَمر ثمَّ نسخ. قلت: وَورد أَيْضا الْأَمر بذلك. رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة قَالَ: «دخلت مَعَ مَسْلمة أَرض الرّوم فَأتي بِرَجُل قد غل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 فَسَأَلَ سالما عَنهُ فَقَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إِذا وجدْتُم الرجل قد غل (فأحرقوا مَتَاعه) واضربوه. قَالَ: فَوَجَدنَا فِي مَتَاعه مُصحفا فَسَأَلَ سالما عَنهُ فَقَالَ: بِعْهُ وَتصدق بِثمنِهِ» . وَصَالح هَذَا ضعفه جماعات بل الْجُمْهُور، قَالَ يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَسَانِيد وَلَا يعلم، ويسند الْمَرَاسِيل وَلَا يفهم، فَلَمَّا [كثر ذَلِك فِي حَدِيثه] اسْتحق التّرْك. وَلم أر فِي [توثيقه] إِلَّا قَول الإِمَام أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَضعف الحَدِيث أَيْضا جماعات، وَقَالَ البُخَارِيّ: صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة [يروي عَن سَالم عَن ابْن عمر] عَن عمر رَفعه: «من غل فأحرقوا مَتَاعه» وَقد رَوَى ابْن عَبَّاس عَن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْغلُول وَلم يحرق. قَالَ البُخَارِيّ: [وَعَامة] أَصْحَابنَا يحتجون بِهَذَا فِي الْغلُول، وَهَذَا بَاطِل لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: نَا أَبُو صَالح الْأَنْطَاكِي، ثَنَا أَبُو إِسْحَاق صَالح بن مُحَمَّد قَالَ: «غزونا مَعَ الْوَلِيد بن هِشَام [مَعنا] سَالم بن عبد الله بن عمر، وَعمر بن عبد الْعَزِيز فَغَلَّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 140 رجل [منا] مَتَاعا، فَأمر الْوَلِيد بمتاعه فَأحرق وطيف بِهِ وَلم يُعْطه سَهْمه» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أصح الْحَدِيثين رَوَاهُ غير وَاحِد «أَن الْوَلِيد بن هِشَام حرق رَحل [زِيَاد] وَكَانَ قد غل وضربه» وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَسَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه رَوَاهُ صَالح بن مُحَمَّد وَهُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَنْكَرُوا هَذَا الحَدِيث عَلَى صَالح بن مُحَمَّد. وَقلت: هَذَا حَدِيث لم يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا أصل لهَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: وَصَالح هَذَا ضَعِيف، قَالَ: وَالْمَحْفُوظ أَن سالما أَمر بِهَذَا وَلم يرفعهُ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَا ذكره عَن أَبِيه وَلَا عَن عمر. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَى صَالح بن مُحَمَّد وَهُوَ مُنكر الحَدِيث [ضَعِيف] لَا يحْتَج بِهِ، ضعفه البُخَارِيّ وَغَيره. قَالَ: وَفِي بعض أَلْفَاظه: «فاضربوا عُنُقه واحرقوا مَتَاعه» ذكره ابْن عبد الْبر وَخَالف الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن أخرجه من جِهَة صَالح الْمَذْكُور: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» لمذهبه حَيْثُ قَالَ: إِذا غل من الْغَنِيمَة أحرق رَحْله إِلَّا السِّلَاح والمصحف خلافًا لأكثرهم، كَذَا هَذَا الحَدِيث. ثمَّ ذكره من طَرِيق الإِمَام أَحْمد ثمَّ قَالَ: فَإِن قَالُوا: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فَبَطل كَلَامه السالف وَكَلَام يَحْيَى بن معِين فِيهِ أَيْضا. ثمَّ قَالَ: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 قُلْنَا: قَالَ أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَهَذَا غَرِيب مِنْهُ فقد ذكره فِي «ضُعَفَائِهِ» - أَعنِي صَالح بن مُحَمَّد - وَنقل كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله ومنّه. وَذكر فِيهِ من الْآثَار أحد عشر أثرا: أَحدهَا «أَن أَبَا بكر الصّديق بعث جَيْشًا إِلَى الشَّام فنهاهم عَن قتل الشُّيُوخ وَأَصْحَاب الصوامع، وَعَن قطع الْأَشْجَار المثمرة» . وَهَذَا الْأَثر تقدم بَيَانه فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّابِع بعد السِّتين. الْأَثر الثَّانِي: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أَنا فِئَة لكل مُسلم. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُنُوده بِالشَّام وَالْعراق» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الشَّافِعِي، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَنا فِئَة لكل مُسلم» وَقد رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا أخرجه الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عمر قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سَرِيَّة فلقينا الْعَدو، فَحَاص الْمُسلمُونَ حَيْصَة وَكنت فِيمَن حَاص، قلت فِي نَفسِي: لَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 142 ندخل الْمَدِينَة وَقد بؤنا بغضب من الله، ثمَّ قُلْنَا: ندْخلهَا فنمتار مِنْهَا، فَدَخَلْنَا فلقينا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ خَارج إِلَى الصَّلَاة فَقُلْنَا: نَحن الْفَرَّارُونَ، فَقَالَ: [بل] أَنْتُم الْعَكَّارُونَ. فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أردنَا أَن لَا ندخل الْمَدِينَة وَأَن نزلنَا الْبَحْر. فَقَالَ: لَا تَفعلُوا فَإِنِّي فِئَة كل مُسلم» . وَأخرجه الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن يزِيد نَحوه. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا عَن حسن، عَن زُهَيْر، عَن يزِيد، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ نَحوه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث [يزِيد ابْن أبي زِيَاد] . قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّا لم نصححه؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، وَقد عُلِم مَا فِيهِ. فَائِدَة: مَعْنَى قَوْله: «فَحَاص النَّاس حَيْصَة» : فروا من الْقِتَال. قَالَه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ ابْن الرّفْعَة فِي «كِفَايَته» : حا وصاد مهملتين أَي مالوا يُرِيدُونَ الْفِرَار. قَالَ: وَرُوِيَ بِالْجِيم بِمَعْنى فروا، وَمَعْنى قَوْله: «بل أَنْتُم الْعَكَّارُونَ» الْعَكَّارُ الَّذِي يفر إِلَى أَمَامه ليبصره لَيْسَ يُرِيد بِهِ الْفِرَار من الزَّحْف. فَائِدَة أُخْرَى: هَذِه السّريَّة هِيَ عزوة مُؤْتَة كَمَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض الرِّوَايَات وَكَانَ الْعَدو كثيرا جدا كَانُوا قَرِيبا من مِائَتي ألف من الرّوم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 ونصارى الْعَرَب وَكَانَ الْمُسلمُونَ نَحوا من ثَلَاثَة آلَاف فَقَط كَذَا قيل. الْأَثر الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من فر من ثَلَاثَة لم يفر، وَمن فر من اثْنَيْنِ فقد فر» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، ثَنَا الْأَصَم، ثَنَا أَحْمد بن شَيبَان، عَن ابْن أبي نجيح، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ. وَهُوَ [فِي] «مُسْند الشَّافِعِي» بِهَذَا الْإِسْنَاد لَكِن بِإِسْقَاط عَطاء، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» مَرْفُوعا عَن أبي حنيفَة الوَاسِطِيّ وعبدان [قَالَا] ثَنَا معمر بن سهل، ثَنَا [عَامر] بن مدرك، ثَنَا الْحسن بن صَالح، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من فر من اثْنَيْنِ فقد فر، وَمن فر من ثَلَاثَة فَلم يفر» . الْأَثر الرَّابِع إِلَى التَّاسِع: «أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بارز يَوْم الخَنْدَق عَمْرو بن عبْدُ ود وَأَن مُحَمَّد بن مسلمة بارز يَوْم خَيْبَر مرْحَبًا، وَأَن عليًّا بارزه أَيْضا، وَأَن الزبير بارز ياسرًا، وَأَن عبد الله بن رَوَاحَة بارز أَيْضا» . وَهَذِه الْآثَار تقدّمت فِي الْأَحَادِيث السالفة فَرَاجعهَا مِنْهُ. الْأَثر الْعَاشِر: «أَن أَبَا جهل لما قتل حمل رَأسه، وَأَن أَبَا بكر حملت إِلَيْهِ رُءُوس» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144 وَهَذَانِ قد سلف بيانهما فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين. الْأَثر الْحَادِي عشر: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَا يفرق بَين الْوَالِد وَولده» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن أَيُّوب قَالَ: «أَمر عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أَن يُشْتَرَى لَهُ رَقِيق. وَقَالَ: لَا يفرق بَين الْوَالِد وَولده» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ هَذَا مَوْصُولا فَرَوَاهُ [الْأَشْجَعِيّ] عَن سُفْيَان، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن حميد بن هِلَال، عَن حَكِيم بن [عقال] قَالَ: «نهاني عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن أفرق بَين الْوَالِد وَولده فِي البيع» . وأختم الْبَاب بفصول ذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي أَثْنَائِهَا آثَار، فَأَرَدْت أَن أذكرها بأحكامها؛ لِأَن بذلك تتمّ فائدتها. الْفَصْل الأول: قَالَ الرَّافِعِيّ: أَرض الْكفَّار وعقارهم تملك بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا تملك المنقولات. وَعَن أبي حنيفَة أَنه يتَخَيَّر الإِمَام فِي الْعقار المغنوم بَين أَن يقسمها عَلَى الْغَانِمين كالمنقول وَبَين أَن يَتْرُكهَا فِي أَيدي الْكفَّار، كَمَا فعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعقار مَكَّة، وَبَين أَن يقفها عَلَى الْمُسلمين [و] إِذا أقرها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 عَلَى ملك أَرْبَابهَا ضرب عَلَيْهِم جزيتين: إِحْدَاهمَا عَلَى رُءُوسهم، وَالْأُخْرَى عَلَى الْأَرَاضِي، فَإِذا أَسْلمُوا أسقطت جِزْيَة الرُّءُوس دون الْأُخْرَى. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ: فَأَما فعله عَلَيْهِ السَّلَام بعقار مَكَّة فمشهور لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل عَلَيْهِ وَأما فعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَسَيَأْتِي بعد ذَلِك وَاضحا. الْفَصْل الثَّانِي: سَواد الْعرَاق، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: فتح صلحا. وَالصَّحِيح الْمَنْصُوص أَن عمر بن الْخطاب [فتحهَا] عنْوَة قسمه بَين الْغَانِمين، ثمَّ استطاب قُلُوبهم واسترده. وَقَالَ: الأول أَن عمر ردهَا عَلَيْهِم بخراج يؤدونه كل سنة. وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيمَا فعله عمر عَلَى وَجْهَيْن، الصَّحِيح الْمَنْصُوص أَنه وَقفهَا عَلَى الْمُسلمين وأجره لأَهله، وَالْخَرَاج الْمَضْرُوب عَلَيْهِ أُجْرَة منجمة تُؤَدَّى كل سنة. قَالَ جرير بن عبد الله البَجلِيّ: «كَانَت بجيلة ربع النَّاس يَوْم الْقَادِسِيَّة فقسم لَهُم عمر ربع السوَاد فاشتغلوا ثَلَاث سِنِين أَو أَرْبعا ثمَّ قدمت عَلَى عمر، فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي قَاسم مسئول [لنزكتكم] عَلَى مَا قسم لكم، وَلَكِنِّي أرَى أَن تردوا عَلَى النَّاس فغاصبني ثمن حَقي ونيفًا وَثَمَانِينَ دِينَارا، وَكَانَ معي امْرَأَة يُقَال لَهَا أم كرز، فَقَالَت: إِن أبي شهد الْقَادِسِيَّة وَثَبت سَهْمه وَلَا أسلمه حَتَّى تملأ كفي دَنَانِير وكمي لآلئ، وتركبني نَاقَة ذلولًا عَلَيْهَا قطيفة حَمْرَاء. فَفعل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146 رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَتركت حَقّهَا» وَعَن عتبَة بن فرقد «أَنه اشْتَرَى أَرضًا من أَرض السوَاد فَأَتَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأخْبرهُ فَقَالَ: مِمَّن اشْتَرَيْتهَا؟ فَقَالَ: من أَهلهَا، فَقَالَ: فَهَؤُلَاءِ الْمُسلمُونَ أبعتموه شَيْئا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ واطلب مَالك» . وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ: «جعل عمر السوَاد وَقفا عَلَى الْمُسلمين مَا تَنَاسَلُوا» . وَعَن ابْن شبْرمَة أَنه قَالَ: لَا أُجِيز بيع أَرض السوَاد وَلَا هبتها وَلَا وَقفهَا. فعلَى هَذَا لَا يجوز بَيْعه وَرَهنه وهبته، وَيجوز لأَهله إِجَارَته بالِاتِّفَاقِ مُدَّة مَعْلُومَة، وَلَا يجوز إِجَارَته مُؤَبَّدًا عَلَى الْأَصَح بِخِلَاف إِجَارَة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مُؤَبَّدًا فَإِنَّهَا احتملت لمصْلحَة كُلية. وَعَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَوْلَا أخْشَى أَن يَبْقَى آخر الزَّمَان ببّانًا لَا شَيْء لَهُم لتركتكم وَمَا قسم لكم، وَلَكِنِّي أحب أَن يلْحق آخر النَّاس أَوَّلهمْ. وتلا قَوْله تَعَالَى: (وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ) » قَوْله ببّانًا أَي: شَيْئا وَاحِدًا وَقيل: أَي متساوين فِي الْفقر. وَعَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ أَنه قَالَ: أدْركْت النَّاس بِالْبَصْرَةِ وَإنَّهُ ليجاء بِالتَّمْرِ فَمَا يَشْتَرِيهِ إِلَّا أَعْرَابِي أَو من يتَّخذ النَّبِيذ. يُرِيد أَنهم كَانُوا يتجرون مِنْهُ، وَأَن ذَلِك كَانَ مَشْهُورا فِيمَا بَينهم. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ مُلَخصا. فَأَما أثر جرير فَرَوَاهُ الشَّافِعِي قَالَ: أَنا الثِّقَة، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قيس بن أبي حَازِم، عَن جرير فَذكره مثله سَوَاء. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي: فِي هَذَا الحَدِيث دلَالَة إِذا أعْطى جرير البَجلِيّ عوضا من سَهْمه وَالْمَرْأَة عوضا من سهم أَبِيهَا، أَنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 استطاب أنفس الَّذين أوجفوا عَلَيْهِ فتركوا حُقُوقهم مِنْهُ، فَجعله وَقفا للْمُسلمين، وَهَذَا حَلَال للْإِمَام أَن يفعل ذَلِك كَذَلِك. وَأما أثر عتبَة ابْن فرقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين فِي «سنَنه» قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا أولَى الْأُمُور بعمر بن الْخطاب عندنَا فِي السوَاد وَيتَوَجَّهُ إِن كَانَت عنْوَة. فَائِدَة: قَوْله: «ببَّانا» هُوَ بباء مُوَحدَة مَفْتُوحَة ثمَّ مثلهَا مُشَدّدَة ثمَّ ألف ثمَّ نون ثمَّ ألف، كَذَا ضَبطه الْجَوْهَرِي فِي بَاب الْبَاء من «صحاحه» وَذكر فِيهِ قَول عمر فِي الْقسم وَكَانَ يفضل الْمُهَاجِرين وَأهل بدر فِي الْعَطاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهَكَذَا سمع مِنْهُم، وناس يجعلونه من هيَّان بن بيَّان وَمَا أرَاهُ بِمَحْفُوظ عَن الْعَرَب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ «أَن عمر بن الْخطاب بعث عُثْمَان بن حنيف ماسحًا، فَفرض عَلَى كل جريب شعير دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى كل جريب حِنْطَة أَرْبَعَة دَرَاهِم، وَعَلَى كل جريب الشّجر وقصب السكر سِتَّة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب النّخل عشرَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الزَّيْتُون اثْنَا عشر دِرْهَم» . وَعَن رِوَايَة أبي (مخلد «أَن ابْن حنيف فرض عَلَى جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب النّخل ثَمَانِيَة دَرَاهِم» وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الزَّيْتُون، وَالْبَاقِي كَمَا سبق. هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن قَتَادَة عَن لَاحق بن حميد قَالَ: «بعث عمر بن الْخطاب عمار بن يَاسر وَعبد الله بن مَسْعُود وَعُثْمَان بن حنيف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم إِلَى الْكُوفَة، وَبعث عمار بن يَاسر عَلَى الصَّلَاة وَعَلَى الجيوش، وَبعث ابْن مَسْعُود عَلَى الْقَضَاء وَعَلَى بَيت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 المَال، وَبعث عُثْمَان بن حنيف [عَلَى] مساحة الأَرْض، وَجعل بَينهم كل يَوْم شَاة شطرها وسواقطها لعمَّار بن يَاسر، وَالنّصف بَين هذَيْن، ثمَّ قَالَ: أنزلتكم وإياي من هَذَا المَال كمنزلة وَالِي الْيَتِيم (من كَانَ غنيًّا فليستعفف، وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ) ، وَمَا أرَى قَرْيَة يُؤْخَذ مِنْهَا كل يَوْم شَاة إِلَّا (كَانَ ذَلِك [سَرِيعا] فِي خرابها قَالَ: فَوضع عُثْمَان بن حنيف عَلَى جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم) وَعَلَى جريب النّخل أَظُنهُ قَالَ: ثَمَانِيَة، وَعَلَى جريب الْقصب سِتَّة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الْبر أَرْبَعَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الشّعير دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى رُءُوسهم عَن كل رجل أَرْبَعَة وَعشْرين كل سنة، وعطل من ذَلِك النِّسَاء وَالصبيان، وَفِيمَا يخْتَلف فِيهِ من تجاراتهم نصف الْعشْر. قَالَ: ثمَّ كتب بذلك إِلَى عمر بن الْخطاب فَأجَاز ذَلِك وَرَضي بِهِ وَقيل لعمر: كَيفَ [نَأْخُذ] من تجار الْحَرْب إِذا قدمُوا علينا؟ فَقَالَ عمر: كَيفَ يَأْخُذُونَ مِنْكُم إِذا أتيتم بِلَادهمْ؟ قَالُوا: الْعشْر. قَالَ: فَكَذَلِك خُذُوا مِنْهُم» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَعَلَى كل جريب النّخل ثَمَانِيَة، وَعَلَى جريب الْقصب سِتَّة - لم يشك» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم «أَن عمر بن الْخطاب بعث عُثْمَان بن حنيف يمسح السوَاد، فَوضع عَلَى كل جريب عَامر - أوغامر - حَيْثُ يَنَالهُ المَاء قَفِيزا أَو درهما. قَالَ: وَكِيع: يَعْنِي الْحِنْطَة وَالشعِير - وَوضع عَلَى كل جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الرطاب خَمْسَة دَرَاهِم» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149 وَهَذَا مُنْقَطع؛ الحكم لم يدْرك عمر، وَلَا يحضرني من خرجه من طَرِيق الشّعبِيّ عَن عمر كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ. فَائِدَة: قَالَ الْحَازِمِي فِي «المعرب» : الْقصب المقطع من بَاب ضرب قَالَ: وَمِنْه الْقصب الاسفست؛ لِأَنَّهُ يجز. قَالَ: وَمِنْه حَدِيث الْجِزْيَة هَذَا. وحُنيف بِضَم أَوله تَصْغِير حَنيف بِمَعْنى المائل. قَالَ الرَّافِعِيّ. وَيذكر أَن الْحَاصِل من أَرض الْعرَاق عَلَى عهد عمر بن الْخطاب كَانَ مائَة ألف ألف وَسَبْعَة وَثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم. وَقيل: مائَة ألف ألف وَسِتِّينَ ألف ألف ثمَّ كَانَ يتناقص حَتَّى عَاد فِي زمَان الْحجَّاج إِلَى ثَمَانِيَة عشر ألف ألف دِرْهَم فَلَمَّا ولي عمر بن عبد الْعَزِيز ارْتَفع فِي السّنة الأولَى إِلَى ثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم، وَفِي الثَّانِيَة إِلَى سِتِّينَ ألف ألف دِرْهَم. وَقيل: فَوق ذَلِك. قَالَ: لَئِن عِشْت لأبلغنه إِلَى مَا كَانَ فِي أَيَّام عمر. فَمَاتَ فِي تِلْكَ السّنة. الْفَصْل الثَّالِث: مَكَّة فتحت صلحا خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك حَيْثُ قَالَا: إِنَّهَا فتحت عنْوَة، وَقد تعلل أَبُو حنيفَة امْتِنَاعه عَلَيْهِ السَّلَام عَن غنيمَة العقارات بِأَنَّهَا خلقت حرَّة وَيَقُول: لَا يجوز بيع دور مَكَّة. وَعِنْدنَا دورها وعِراضها المحياة مَمْلُوكَة كَمَا فِي سَائِر الْبِلَاد وَيصِح بيعهَا، وَلم يزل النَّاس يتبايعونها. وَقد رُوِيَ «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اشْتَرَى حجرَة سَوْدَة بِمَكَّة» و «أَن حَكِيم بن حزَام بَاعَ دَار الندوة من مُعَاوِيَة» وَهَذَانِ الأثران سلف الْكَلَام عَلَيْهِمَا فِي كتاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 الْبيُوع وَاضحا قبيل بَاب تَفْرِيق الصَّفْقَة لَكِن بِلَفْظ [عَن] عمر «أَنه اشْتَرَى دَارا بِمَكَّة» ، نعم عبد الله بن الزبير اشْتَرَى حجرَة سَوْدَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 الْبَاب الثَّالِث: ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فخمسة عشر حَدِيثا أَحدهَا حَدِيث أبي سُفْيَان فِي الْأمان. وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أقبل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى قدم مَكَّة فَبعث الزبير عَلَى إِحْدَى المُجنِّبتيْن، وَبعث خَالِدا عَلَى المُجنِّبة الْأُخْرَى، وَبعث أَبَا عُبَيْدَة عَلَى الحُسر فَأخذ بطن الْوَادي وَرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي كَتِيبَة. قَالَ: فَنظر فرآني فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة قلت: لبيْك يَا رَسُول الله. فَقَالَ: اهتف: لَا [يأتيني إِلَّا أَنْصَارِي] قَالَ: فأطافوا بِهِ (وأوبشت) قُرَيْش أوباشًا لَهَا وأتباعًا، فَقَالُوا: نقدم هَؤُلَاءِ، فَإِن كَانَ لَهُم شَيْء كُنَّا مَعَهم وَإِن أصيبوا أعطينا الَّذِي سئلنا. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ترَوْنَ إِلَى أوباش قُرَيْش وأتباعهم. ثمَّ قَالَ بيدَيْهِ إِحْدَاهمَا عَلَى الْأُخْرَى: (احصدوهم حصدًا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 ثمَّ قَالَ: حَتَّى توافوني بالصفا. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا شَاءَ أحد منا أَن يقتل أحدا إِلَّا قَتله، وَمَا أحد يُوَجه إِلَيْنَا شَيْئا. قَالَ: فجَاء أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أبيحت خضراء قُرَيْش، لَا قُرَيْش، بعد الْيَوْم. قَالَ: من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن، وَمن ألْقَى السِّلَاح فَهُوَ آمن، وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن. فَقَالَت الْأَنْصَار: أما الرجل فقد أَخَذته رأفة بعشيرته ورغبة فِي قومه. وَنزل الْوَحْي عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: قُلْتُمْ: أما الرجل فقد أَخَذته رأفة بعشيرته، ورغبة فِي قومه، أَلا فَمَا اسمِي إِذا - ثَلَاث مَرَّات - أَنا مُحَمَّد بن عبد الله وَرَسُوله، هَاجَرت إِلَى الله وَرَسُوله قَالَ: فَإِن الله وَرَسُوله يصدقانكم ويعذرانكم» . فَائِدَة: الجنيبة: جَانب الْعَسْكَر، وَله مجنبتان: ميمنة وميسرة. والحسر: جمع حاسر، وَهُوَ الَّذِي لَا درع لَهُ وَلَا مغفر. والضن: الْبُخْل. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله لَا بعده ذكرهمَا الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب قبله فذكرتهما هُنَا فاعلمه. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - اسْتثْنى يَوْم فتح مَكَّة رجَالًا مخصوصين فَأمر بِقَتْلِهِم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: «لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة أَمن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة [نفر] وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 معلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة: عِكْرِمَة بن أبي جهل، وَعبد الله بن خطل، وَمقيس بن صبَابَة، وَعبد الله بن أبي سرح. فَأَما عبد الله بن خطل فأُدرك وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة، فَاسْتَبق إِلَيْهِ سعيد بن حُرَيْث وعمار بن يَاسر فَسبق سعيد عمارًا وَكَانَ أشب الرجلَيْن فَقتله [وَأما مقيس بن صبَابَة فأدركه النَّاس فِي السُّوق فَقَتَلُوهُ] وَأما عِكْرِمَة بن أبي جهل فَركب الْبَحْر فَأَصَابَتْهُمْ عاصفٌ فَقَالَ (أهل) السَّفِينَة: أَخْلصُوا فَإِن آلِهَتكُم لَا تغني عَنْكُم شَيْئا هَا هُنَا. فَقَالَ عِكْرِمَة: [وَالله لَئِن لم يُنجنِي من الْبَحْر إِلَّا الْإِخْلَاص لَا يُنجنِي فِي الْبر غَيره] اللَّهُمَّ [إِن] لَك عهدا إِن أَنْت عَافَيْتنِي مِمَّا أَنا فِيهِ أَن آتِي مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَع يَدي فِي يَده فلأجدنه عفوًّا (غَفُورًا) كَرِيمًا، فجَاء وَأسلم، وَأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان، فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ حَتَّى أوقفهُ عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، بَايع عبد الله. قَالَ: فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد ثَلَاث، ثمَّ أقبل عَلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أما كَانَ فِيكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْت يَدي عَن (مبايعته) فيقتله؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا نَدْرِي مَا فِي نَفسك، أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك. قَالَ: إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين» . قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ عبد الله أَخا عُثْمَان من الرضَاعَة. وَفِي رِوَايَة للبيهقي من رِوَايَة عمر بن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد المَخْزُومِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 (عَن جده، عَن أَبِيه) «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ يَوْم فتح مَكَّة: أَمن النَّاس إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، لَا يُؤمنُوا لَا فِي حل وَلَا حرم: ابْن خطل، وَمقيس بن صبَابَة، وَعبد الله بن أبي سرح وَابْن معبد. فَأَما ابْن خطل فَقتله الزبير بن الْعَوام، وَأما ابْن أبي سرح فاستأمن لَهُ عُثْمَان فأمن وَكَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة فَلم يقتل، وَمقيس بن صبَابَة فَقتله ابْن عَم لَهُ لحا - قد سَمَّاهُ وَقتل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ابْن معبد وقينتين كَانَتَا لمقيس فقتلت إِحْدَاهمَا وأفلتت الْأُخْرَى فَأسْلمت» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك فِيمَن أَمر بقتْله أم سارة مولاة لقريش. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي «الْمَغَازِي» سارة مولاة لبَعض بني عبد الْمطلب، وَكَانَت مِمَّن تؤذيه بِمَكَّة. وَذكر ابْن هِشَام أَن نميلَة قتل مقيس بن صبَابَة وَهُوَ رجل من قومه، وَابْن عبد الله بن خطل قَتله سعيد بن حُرَيْث وَأَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ اشْتَركَا فِي دَمه. وَجزم أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» بِأَن الَّذِي قَتله هُوَ أَبُو بَرزَة وَحده. قَالَ ابْن الطلاع: وَذكر صَاحب «كتاب السّرقَة» أَن أَبَا بَرزَة قَتله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 وَذكر ابْن حبيب أَنه أَمر بقتل هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة وَقَرِيبَة أَيْضا، وَقتلت قريبَة وَسَارة وَأسْلمت هِنْد وبايعته. وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن سارة أمنها النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد أَن استؤمن لَهَا فَبَقيت حَتَّى أَوْطَأَهَا رِجْل فرسٍ فِي زمن عمر بن الْخطاب بِالْأَبْطح فَقَتلهَا. وَذكر أَبُو عبيد فِي «كتاب الْأَمْوَال» أَن سارة حملت كتاب حَاطِب إِلَى مَكَّة. فَائِدَة: قَالَ المطرزي فِي «الْمغرب» : مقيس بن صبَابَة بالصَّاد غير الْمُعْجَمَة، عَن الْجَوْهَرِي وَغَيره. قَالَ: والمحدثون يَقُولُونَ: مقيس بِالسِّين. وَعَن ابْن دُرَيْد: مقيس بِوَزْن مَرْيَم، وضبابة بالضاد مُعْجمَة. وَذكر ابْن مَنْدَه فِي «تَارِيخه» مقيس بن صبَابَة وَقَالَ: أرتد عَن الْإِسْلَام ثمَّ رَجَعَ، وَهِشَام أَخُوهُ قتل مُسلما. رَوَى عَنهُ عبد الله بن عَبَّاس، وَقد ذكرنَا قبل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بقتْله يَوْم الْفَتْح وَأَن تُمَيْلة قَتله. الحَدِيث الثَّالِث «أَن رجلا أَجَارَ رجلا من الْمُشْركين، فَقَالَ عَمْرو بن العَاصِي وخَالِد بن الْوَلِيد: لَا يجير ذَلِك. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح: لَيْسَ لَكمَا ذَلِك؛ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: يجير عَلَى الْمُسلمين بَعضهم. فأجاروه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» : ثَنَا إِسْمَاعِيل، ثَنَا إِسْرَائِيل، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الْوَلِيد بن أبي مَالك، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: «أَجَارَ رجل من الْمُسلمين رجلا وَعَلَى الْجَيْش أَبُو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156 عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد وَعَمْرو بن العَاصِي: لَا تجيروه. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نجيره سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: يجير عَلَى الْمُسلمين أحدهم» ثمَّ رَوَاهُ بالسند الْمَذْكُور إِلَى أبي أُمَامَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول «يجير عَلَى الْمُسلمين بَعضهم» . الْحجَّاج قد عرفت حَاله سِيمَا وَقد عنعن، وَالقَاسِم حَاله تَالِف. وَرَوَى أَحْمد أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «يجير عَلَى الْمُسلمين أَدْنَاهُم» وَرَوَى الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الْوَلِيد بن أبي مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن مسلمة، عَن عَمه، عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يجير عَلَى الْمُسلمين بَعضهم» ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم لَهُ طَرِيقا عَن أبي عُبَيْدَة إِلَّا هَذَا الطَّرِيق عبد الرَّحْمَن لَا يعلم رَوَى إِلَّا هَذَا الحَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «مَا عِنْدِي إِلَّا كتاب الله وَهَذِه الصَّحِيفَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة، فَمن أَخْفَر مُسلما فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَا كتبنَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا الْقُرْآن وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الْمَدِينَة حرَام مِمَّا بَين عير إِلَى ثَوْر، فَمن أحدث فِيهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157 حَدثا أَو آوَى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل مِنْهُ عدل وَلَا صرف، ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم فَمن أَخْفَر مُسلما فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل مِنْهُ عدل وَلَا صرف» وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور مُسلم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. ذمَّة الْمُسلمين: أَي عَهدهم وأمانهم. وأخفره: نقض عَهده. كَذَا أسلفه الْجَوْهَرِي رباعيًّا. وَأما خفر الثَّانِي فَمَعْنَاه أجاره وأمَّنه، وَمِنْه الخفارة. وَالصرْف: النَّافِلَة. وَقيل: الْفَرِيضَة. وَقيل: الكفيلة. وَقيل: الْوَزْن. وَقيل: التَّوْبَة. وَقيل: الْحِيلَة. وَالْعدْل: الْفِدْيَة، أَي لَا يجد فِي الْقِصَّة فديًا يفتدى بِهِ بِخِلَاف غَيره من المذنبين الَّذين يفدون من النَّار باليهود وَالنَّصَارَى. وَقَوله: «أَو آوَى مُحدثا» . قَالَ الْخطابِيّ فِي «تصاحيف الروَاة» : الْوَجْه كسر الدَّال من «مُحدثا» قَالَ: وَقد يحْتَمل أَن يُقَال بِفَتْحِهَا. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158 وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث قيس بن عباد قَالَ: «دخلت أَنا وَالْأَشْتَر عَلَى عليِّ بن [أبي] طَالب يَوْم الْجمل فَقلت: هَل عهد إِلَيْك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عهدا دون [الْعَامَّة؟ فَقَالَ: لَا إِلَّا هَذَا. وَأخرج من قرَاب سَيْفه فَإِذا فِيهَا] الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم، وهم يَد عَلَى من سواهُم، لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر، وَلَا ذُو عهد فِي عَهده» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَشَاهده حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «قَالَ: الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ» . وَرَوَى ابْن مَاجَه من حَدِيث معقل بن يسَار مَرْفُوعا: «الْمُسلمُونَ يَد عَلَى من سواهُم [و] تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ» . وَرَوَى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «يَد الْمُسلمين عَلَى من سواهُم تكافأ دِمَاؤُهُمْ، وَيُجِير عَلَى الْمُسلمين أَدْنَاهُم، وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم، وهم يَد عَلَى من سواهُم» . وَرَوَى ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث ابْن عمر رَفعه فِي حَدِيث طَوِيل: «الْمُؤْمِنُونَ يَد عَلَى من سواهُم، تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، يجير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 عَلَيْهِم أَدْنَاهُم، وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم» . فَائِدَة: «يجير» ضَبطه الْمُحب فِي «أَحْكَامه» بالراء الْمُهْملَة، أَي للْمُسلمِ أَن يجير الْكَافِر وَلَو كَانَ بعيد الدَّار عَن بِلَاد الْكَافِر. الحَدِيث السَّادِس عَن أم هَانِئ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أجرت رجلَيْنِ من أحمائي، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أمنا من أمنت» . هَذَا الحَدِيث أَصله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ عَن أم هَانِئ قَالَت: «ذهبت إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْفَتْح فَوَجَدته يغْتَسل وَفَاطِمَة ابْنَته تستره بِثَوْب فَسلمت عَلَيْهِ، فَقَالَ: من هَذِه؟ فَقلت: أم هَانِئ بنت أبي طَالب. فَقَالَ: مرْحَبًا يَا أم هَانِئ.، فَلَمَّا فرغ من غسله قَامَ يُصَلِّي ثَمَان رَكْعَات ملتحفًا فِي ثوب وَاحِد. فَلَمَّا انْصَرف قلت: يَا رَسُول الله [زعم] ابْن أُمِّي عَلّي بن أبي طَالب أَنه قَاتل رجلا أجرته فلَان بن هُبَيْرَة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: قد أجرنا من أجرت يَا أم هَانِئ، قَالَت: وَذَلِكَ ضحى» . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» «إِنِّي أجرت حموي» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 فَائِدَتَانِ: الأولَى: الرّجلَانِ اللَّذَان أجرتهما أم هَانِئ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، هما الْحَارِث وَعبد الله بن أبي ربيعَة. كَذَا سَاقه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي بِسَنَدِهِ إِلَى الْوَاقِدِيّ إِلَى عبد الله بن عِكْرِمَة أَن أم هَانِئ أجارت يَوْم الْفَتْح الْحَارِث بن هِشَام وَعبد الله بن أبي ربيعَة. وَفِي كتاب الزبير بن بكار عَنْهَا: أجارت هِشَام بن الْحَارِث المَخْزُومِي. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي فِي تَرْجَمَة عبد الله بن أبي ربيعَة: قَالَ بعض أهل الْعلم: عبد الله بن أبي ربيعَة هُوَ الَّذِي استجار بِأم هَانِئ فَأَرَادَ عَلّي قَتله وَمَعَهُ الْحَارِث بن هِشَام وَكَذَا فِي «تَارِيخ مَكَّة» للأزرقي أَنَّهَا أجارت رجلَيْنِ أَحدهمَا عبد الله بن أبي ربيعَة بن الْمُغيرَة وهما من بني مَخْزُوم. وَقَالَ ابْن الطلاع: اسْم الَّذِي أجارته أم هَانِئ هُبَيْرَة بن أبي وهب وَهُوَ زوج أم هَانِئ وَهُوَ مخزومي. وَقيل إِن الَّذِي أجارته ولد هُبَيْرَة. حَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن مَالك وَهُوَ بعيد، وَأبْعد مِنْهُ قَول من قَالَ أَنه جعدة بن هُبَيْرَة. وَقَالَ ابْن شُرَيْح: أَنه كَانَ الشرذمة الَّذين قَاتلُوا خَالِدا وَلم يقبلُوا الْأمان وَلَا ألقوا السِّلَاح وَأَرَادَ عَلّي قَتلهَا فأجارتها أم هَانِئ وَكَانَا من - أحمائها. الثَّانِيَة: اسْم أم هَانِئ فَاخِتَة كَمَا جزم بِهِ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي ترجمتها وَكَذَا الْأَمِير فِي «الْإِكْمَال» وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 وَقَالَ ابْن سعد: فَاخِتَة عندنَا أَكثر. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بِهِ. قلت: وَفِي «مُعْجم الطَّبَرَانِيّ» فِي هَذَا الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: «مرْحَبًا بفاختة أم هَانِئ وفيهَا خَمْسَة أَقْوَال أخر: أَحدهَا: هِنْد، قَالَه الإمامان الشَّافِعِي وَأحمد بن حَنْبَل، وَغَيرهمَا. ثَانِيهَا: فَاطِمَة، حَكَاهُ ابْن الْأَثِير. ثَالِثهَا: عَاتِكَة. حَكَاهُ ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» . رَابِعهَا: حمانة. حَكَاهُ الزبير بن بكار عَلَى مَا نَقله ابْن دحْيَة فِي «تنويره» . وَقَالَ الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي مقاتلة بن حمانة أَخِيهَا، وَزعم ابْن الحدان من قَالَ: اسْمهَا حمانة فقد أَخطَأ؛ حمانة ابْنَتهَا. خَامِسهَا: رَملَة. حَكَاهُ ابْن الطلاع عَن البرقي. أسلمت عَام الْفَتْح. فَائِدَة ثَالِثَة: هَانِئ بِهَمْزَة فِي آخِره. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : لَا خلاف فِي ذَلِك بَين أهل اللُّغَة والأسماء، وَكلهمْ مصرحون بِهِ. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ [مُشْرك] » . هَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة جرير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162 بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث سَرِيَّة إِلَى خثعم، فاعتصم نَاس بِالسُّجُود، فأسرع فيهم الْقَتْل، فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمر لَهُم بِنصْف الْعقل. وَقَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم يُقيم بَين أظهر الْمُشْركين. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَلم؟ قَالَ: لَا ترايا نارَاهُما» قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: وَقد رَوَاهُ جمَاعَة وَلم يذكرُوا فِيهِ جَرِيرًا وَهُوَ أصح. وَذكر عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: الصَّحِيح أَنه مُرْسل. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» لما سُئِلَ عَنهُ. قلت: وَأخرجه كَذَلِك مُرْسلا الشَّافِعِي وَكَذَا النَّسَائِيّ فِي الْقصاص من «سنَنه» وَلَفظه عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث سَرِيَّة إِلَى قوم من خثعم فاستعصموا بِالسُّجُود فَقتلُوا، فَقَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِنصْف الْعقل وَقَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك. ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: [لَا] ترَاءَى ناراهما» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» مُتَّصِلا من حَدِيث قيس، عَن جرير قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163 جَيْشًا إِلَى خثعم، فَلَمَّا غشيتهم الْخَيل اعتصموا بِالصَّلَاةِ، فَقتل رجل مِنْهُم، فَجعل لَهُم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نصف الْعقل لصلاتهم. وَقَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك» . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : الَّذِي أسْندهُ عِنْدهم ثِقَة. يَعْنِي فَيكون مقدما عَلَى رِوَايَة الْإِرْسَال عَلَى الْقَاعِدَة المقررة. فَائِدَة: قَوْله: «لَا ترَاءَى (ناراهما) أَي: يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحَيْثُ يرَى نَار صَاحبه، فَجعل الرُّؤْيَة للنار وَلَا رُؤْيَة لَهَا يَعْنِي أَن يعرفوا هَذِه من هَذِه. [يُقَال] : دَاري تنظر إِلَى دَار فلَان أَي تقَابلهَا. وَقيل: مَعْنَاهُ أَرَادَ [نَار] الْحَرْب تَقول ناراهما تخْتَلف، هَذِه تَدْعُو إِلَى الله، وَهَذِه تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَان، فَكيف تتَّفقَانِ، وَكَيف يساكنهم فِي بِلَادهمْ وَهَذِه حَال هَؤُلَاءِ وَهَذِه حَال هَؤُلَاءِ؟ حَكَاهُمَا أَبُو عبيد فِي «غَرِيبه» وَابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» . الحَدِيث الثَّامِن عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كَأَنِّي بِالْحيرَةِ قد فتحت فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، هَب لي مِنْهَا جَارِيَة. فَقَالَ: قد فعلت. فَلَمَّا فتحت الْحيرَة بعد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعُطي الرجل الْجَارِيَة، فاشتراها مِنْهُ بعض أقاربها بِأَلف دِرْهَم» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة ابْن أبي عمر، نَا سُفْيَان، عَن ابْن أبي خَالِد، عَن قيس، عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مثلت لي الْحيرَة كأنياب الْكلاب وَإِنَّكُمْ ستفتحونها. فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَب لي ابْنة بقيلة. فَقَالَ: هِيَ لَك. فَأَعْطوهُ إِيَّاهَا، فجَاء أَبوهَا فَقَالَ: أتبيعها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: بكم؟ قَالَ: احكم بِمَا شِئْت. قَالَ: ألف دِرْهَم. قَالَ: قد أَخَذتهَا. قَالُوا لَهُ: لَو قلت ثَلَاثِينَ ألفا لأخذتها. قَالَ: وَهل (عقد) أَكثر من ألف» . وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان هَكَذَا قَالَ غَيره: عَنهُ عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان. وَالْمَشْهُور أَن هَذَا الحَدِيث عَن خريم بن أَوْس، وَهُوَ الَّذِي جعل لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذِه الْمَرْأَة، فقد رَوَيْنَاهُ فِي كتاب «دَلَائِل النُّبُوَّة» فِي آخر غَزْوَة تَبُوك. قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمته فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ قَالَ: «هَاجَرت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأسْلمت فَقَالَ: هَذِه الْحيرَة الْبَيْضَاء قد رفعت إِلَيّ وَهَذِه الشيماء بنت بَقيِلة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165 الْأَزْدِيّ عَلَى [بغلة] شهباء معتجرة بخمار أسود. قلت: يَا رَسُول الله، إِن نَحن دَخَلنَا الْحيرَة فَوَجَدتهَا كَمَا تصف فَهِيَ لي؟ قَالَ: هِيَ لَك. فَلَمَّا دخلت الْحيرَة لقيتها عَلَى بغلة شهباء كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بخمار أسود فتعلقت بهَا وَقلت: قد وَهبهَا لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فدعاني خَالِد بِالْبَيِّنَةِ فَأَتَيْته بِمُحَمد بن مسلمة وَمُحَمّد بن بشير الْأنْصَارِيّ فَقَسمهَا لي فَلَمَّا وَقع الصُّلْح بَاعهَا من أَخِيهَا بِأَلف» . وَقَالَ أَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ: بَلغنِي أَن الشَّاهِدين كَانَا مُحَمَّد بن مسلمة وَعبد الله بن عَمْرو. وَفِي «علل بن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث عدي بن حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مثلت لي الْحيرَة كأنياب الْكلاب، وَإِنَّكُمْ ستفتحونها فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَب ابْنة بقيلة. قَالَ: هِيَ لَك. قَالَ: فأعطوها إِيَّاه ... » . وَذكر الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وَهَذَا عجب مِنْهُ. وَلم يبين سَبَب بُطْلَانه، وَفِي بعض رِوَايَات الطَّبَرَانِيّ أَن أخاها اسْمه عبد الْمَسِيح بن حبَان بن بقيلة، وفيهَا: «وَقيل لَهُ: لَو قلت مائَة ألف لدفعتها إِلَيْك. فَقَالَ: مَا أَحسب مَالا أَكثر من عشر مائَة» . الحَدِيث التَّاسِع «أَن بني قُرَيْظَة نزلُوا عَلَى حكم سعد بن معَاذ، وَهُوَ قتل مقاتلهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166 وَسبي ذَرَارِيهمْ وَأخذ أَمْوَالهم» . هَذَا كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نزل أهل قُرَيْظَة عَلَى حكم سعد بن معَاذ فَأرْسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى سعد، فَأَتَى عَلَى حمَار، فَلَمَّا دنا من الْمَسْجِد - وَقَالَ مُسلم: قَرِيبا من الْمَسْجِد - قَالَ للْأَنْصَار: قومُوا إِلَى سيدكم - أَو قَالَ: خَيركُمْ - فَقَالَ: هَؤُلَاءِ نزلُوا عَلَى حكمك. فَقَالَ: تقتل مُقَاتلَتهمْ، وتسبيى ذَرَارِيهمْ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: حكمت فيهم بِحكم الله» وَرُبمَا قَالَ: «بِحكم الْملك» وَلمُسلم: «لقد حكمت فيهم بِحكم الله» وَلَهُمَا أَيْضا مثله من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا بِزِيَادَة: «وَأَن تقسم أَمْوَالهم» وَلأَحْمَد فِي «مُسْنده» من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَن سَعْدا حكم أَن تقتل رِجَالهمْ، وتستحيا نِسَاؤُهُم وذراريهم ليستعين بهم [الْمُسلمُونَ] فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أصبت حكم الله فيهم. وَكَانُوا أَرْبَعمِائَة» وَذكر فِيهِ قصَّة. فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ قَوْله: «لقد حكمت بِحكم الله» يرويهِ بَعضهم «بِحكم الْملك» وَالْأول أَجود؛ لِأَن الْملك هُوَ الله - تَعَالَى - وَله الحكم، وَمن أَرَادَ الْملك أَرَادَ الحكم الَّذِي أوحاه الْملك إِلَيْهِ عَن الله - عَزَّ وَجَلَّ. قلت: قد يُؤَيّد الأول الرِّوَايَة السالفة: «لقد حكمت فيهم بِحكم الله» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 قَالَ الْخطابِيّ فِي هَذِه الْقِصَّة: «لقد حكمت بِحكم الله فَوق سَبْعَة أَرقعَة» هُوَ بِالْقَافِ - أَي سبع سماوات - قَالَ: وَمن رَوَاهُ بِالْفَاءِ فقد غلط. فَائِدَة ثَانِيَة: قَوْله: «فَلَمَّا دنا من الْمَسْجِد» قَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» فِي بَاب قيام الرجل للرجل: لَعَلَّه وهم؛ لِأَن الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من ذَلِك إِرَادَة مَسْجده عَلَيْهِ السَّلَام، وَعند مَجِيء سعد كَانَ نازلًا عَلَى بني قُرَيْظَة، وَمن هُنَاكَ وَجه إِلَى سعد ليَأْتِيه إِلَّا أَن يُرِيد مَسْجِدا اختطه عَلَيْهِ السَّلَام هُنَاكَ ليُصَلِّي فِيهِ مُدَّة مقَامه. الحَدِيث الْعَاشِر عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: وَإِن حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تنزلهم عَلَى حكم الله فَلَا تنزلهم عَلَى حكم الله، وَلَكِن أنزلهم عَلَى حكمك، فَإنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله فيهم أم لَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل وَقَالَ فِي أَوله: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أمَّر أَمِيرا عَلَى جَيش أَو سَرِيَّة أوصاه فِي خاصته بتقوى الله وَمن مَعَه من الْمُسلمين خيرا ثمَّ قَالَ: اغزوا باسم الله، فِي سَبِيل الله قَاتلُوا من كفر بِاللَّه، اغزوا وَلَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا، وَلَا تقتلُوا وليدًا، وَإِذا لقِيت [عَدوك] من الْمُشْركين فادعهم إِلَى ثَلَاث خِصَال فأيتهن مَا أجابوك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم، ثمَّ ادعهم [إِلَى] التَّحَوُّل من دَارهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 إِلَى دَار الْمُهَاجِرين، وَأخْبرهمْ إِن فعلوا ذَلِك فَلهم مَا للمهاجرين وَعَلَيْهِم مَا عَلَى الْمُهَاجِرين فَإِن أَبَوا [أَن] يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا فَأخْبرهُم أَنهم يكونُونَ كأعراب الْمُسلمين يجْرِي عَلَيْهِم حكم الله الَّذِي يجْرِي عَلَى (الْمُسلمين) وَلَا يكون لَهُم فِي الْغَنِيمَة والفيء شَيْء إِلَّا أَن يجاهدوا مَعَ الْمُسلمين فَإِن هم أَبَوا فسلهم الْجِزْيَة، فَإِن هم أجابوك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم، فَإِن لم يجيبوك فَاسْتَعِنْ بِاللَّه عَلَيْهِم وَقَاتلهمْ، وَإِذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَذمَّة نبيه فَلَا تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَلَا ذمَّة نبيه، وَلَكِن اجْعَل لَهُم ذِمَّتك وَذمَّة أَصْحَابك؛ فَإِنَّكُم إِن تخفروا ذمتكم وذمم أصحابكم أَهْون من أَن تخفروا ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله» . الحَدِيث الْحَادِي عشر رُوِيَ «أَن سعد بن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما حكم بقتل الرِّجَال استوهب لَهُ ثَابت بن قيس الزبير ابْن باطا من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فوهبه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عُرْوَة قَالَ: «أقبل ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: هَب لي الزبير الْيَهُودِيّ أجزيه بيد كَانَت لَهُ عِنْدِي يَوْم بُعَاث. فَأعْطَاهُ إِيَّاه، فَأقبل ثَابت حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، هَل تعرفنِي؟ فَقَالَ: نعم، وَهل يُنكر الرجل أَخَاهُ. قَالَ ثَابت: أردْت أَن أجزيك الْيَوْم بيد لَك عِنْدِي يَوْم بُعَاث. قَالَ: فافعل؛ فَإِن الْكَرِيم يَجْزِي الْكَرِيم. قَالَ: قد فعلت، قد سَأَلت لَك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فوهبك لي فَأطلق عَنهُ إساره. فَقَالَ الزبير: لَيْسَ لي قَائِد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 وَقد أَخَذْتُم امْرَأَتي وَبني. فَرجع ثَابت إِلَى الزبير فَقَالَ: رد إِلَيْك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - امْرَأَتك وبنيك. فَقَالَ الزبير: حَائِط لي فِيهِ أعذق لَيْسَ لي وَلَا لأهلي عَيْش إِلَّا بِهِ. فَرجع ثَابت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فوهب لَهُ، فَرجع ثَابت إِلَى الزبير فَقَالَ: قد رد إِلَيْك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهلك وَمَالك فَأسلم تسلم. قَالَ: مَا فعل الجيشان وَذكر رجال قومه؟ قَالَ ثَابت: قد قتلوا وَفرغ مِنْهُم، وَلَعَلَّ الله - تبَارك وَتَعَالَى - أَن يكون أبقاك لخير. قَالَ الزبير: أَسأَلك بِاللَّه يَا ثَابت وَبِيَدِي الخصيم عنْدك يَوْم بُعَاث إِلَّا ألحقتني بهم؛ فَلَيْسَ فِي الْعَيْش خير بعدهمْ. فَذكر ذَلِك ثَابت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمر بالزبير فَقتل» وَذكره أَيْضا ابْن إِسْحَاق فِي «السِّيرَة» وَذكر أَنه الزبير بن باطا الْقرظِيّ، وَذكره أَيْضا مُوسَى بن عقبَة وَذكر أَنه كَانَ يَوْمئِذٍ كَبِيرا أَعْمَى. فَائِدَة: «الزبير» بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء بِلَا خلاف كَمَا نَقله صَاحب «الْمطَالع» وَغَيره. و «باطا» بموحدة بِلَا مد وَلَا همزَة. قَالَ صَاحب «الْمطَالع» وَيُقَال: باطيا، وَهُوَ وَالِد عبد الرَّحْمَن بن الزبير الْمَذْكُور فِي بَاب مَا يحرم من النِّكَاح، وَقتل الزبير بن باطا يَوْم سبي قُرَيْظَة كَافِرًا قَتله الزبير بن الْعَوام رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صبرا. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أَن رجلا أسرته الصَّحَابَة فَنَادَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يمر بِهِ: إِنِّي مُسلم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو أسلمت وَأَنت تملك أَمرك أفلحت كل الْفَلاح. ثمَّ فدَاه برجلَيْن من الْمُسلمين أسرتهمَا ثَقِيف» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من طَرِيق عمرَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي الْبَاب قبله وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين مِنْهُ. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن عمرَان [بن] حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن الْمُشْركين أَغَارُوا عَلَى سرح الْمَدِينَة وذهبوا بالعضباء وأسروا امْرَأَة، فَانْقَلَبت ذَات لَيْلَة فَأَتَت بالعضباء فَقَعَدت فِي عجزها، ونذرت إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها، فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة ذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، قَالَ: بئْسَمَا جزيتهَا، لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة، وَلَا فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم. وَأخذ نَاقَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهُوَ بعض من الحَدِيث الَّذِي قبله وَبِه يتم. الحَدِيث الرّبع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أسلم عَلَى شَيْء فَهُوَ لَهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده ياسين بن معَاذ أَبُو خلف الزيات الْكُوفِي وَهُوَ ضَعِيف بِمرَّة. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: كَانَ رجلا صَالحا لَا يعقل مَا يحدث مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك الحَدِيث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، وينفرد بالمعضلات عَن الْأَثْبَات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ ضَعِيف خرجه يَحْيَى وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا من الْحفاظ. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرْوَى عَن ابْن أبي مليكَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا، وَعَن عُرْوَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. وَقَالَ ابْن [أبي] حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: لَا أصل [لَهُ] . قَالَ الشَّافِعِي: وَكَأن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث من أسلم عَلَى شَيْء يجوز لَهُ ملكه فَهُوَ لَهُ. وَفِي «مُسْند أَحْمد» ثَنَا وَكِيع، ثَنَا أبان بن عبد الله البَجلِيّ، حَدثنِي عمومتي، عَن جدهم صَخْر بن عيلة «أَن قوما من بني سليم فروا عَن أَرضهم حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام، فأخذتها فأسلموا، فخاصموني فِيهَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَردهَا عَلَيْهِم وَقَالَ: إِذا أسلم الرجل فَهُوَ أَحَق بأرضه وَمَاله» . الحَدِيث الْخَامِس عشر يرْوَى فِي الْخَبَر «الدُّعَاء وَالْبَلَاء يعتلجان، أَي: يتدافعان» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ عقب الحَدِيث السَّابِع - وأخرته هُنَا - سَوَاء، وَهُوَ حَدِيث أخرجه الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث زَكَرِيَّا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 بن مَنْظُور - شيخ من الْأَنْصَار - أَخْبرنِي عطاف بن خَالِد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا ينفع حذر من قدر، وَالدُّعَاء ينفع - أَحْسبهُ قَالَ. مَا لم ينزل الْقدر، وَإِن الدُّعَاء لِيلْقَى الْبلَاء فيتعالجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. قلت: وزَكَرِيا هَذَا ضعفه وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واه مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ أَحْمد بن عدي: مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. وعطاف بن خَالِد هُوَ المَخْزُومِي وَفِيه خلاف قَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن معِين: ثِقَة صَالح الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر بحَديثه بَأْسا. وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي بَاب الدُّعَاء بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «لَا يُغني حذر من قدر، وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل، وَإِن الْبلَاء لينزل فيتلقاه الدُّعَاء فيعتلجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ. قلت: مَا اقْتصر فِي ذَلِك لضعف ابْن مَنْظُور، وَالْكَلَام فِي عطاف لَا جرم تعقبه الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصره» فَقَالَ عقب قَوْله «هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد» : فِيهِ زَكَرِيَّا بن مَنْظُور وَهُوَ مجمع عَلَى ضعفه. لَكِن فِي نَقله الْإِجْمَاع نظر، وَقد نقل هُوَ فِي «تذهيبه» عَن ابْن معِين من رِوَايَة عَبَّاس عَنهُ أَنه قَالَ: لَا بَأْس بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ شَيْء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 زَعَمُوا أَنه طفيلي. ثمَّ نقل عَنهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى السالفة، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من الطَّرِيق الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ ذكر كَلَامهم فِي زَكَرِيَّا بن مَنْظُور. قلت: لَكِن لَهُ شَوَاهِد مِنْهَا حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء، وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث يَحْيَى بن الضريس. ذكره بعد أَن ترْجم عَلَيْهِ فِي أَبْوَاب الْقدر بَاب: مَا جَاءَ لَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي أسيد. قلت: وثوبان أَيْضا أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي الْجَعْد عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الرجل يحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ، وَلَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء، وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن حبَان: لم يرد بِهِ عُمُومه؛ لِأَن الذَّنب لَا يحرم الرزق الَّذِي رزق العَبْد، بل يكدر عَلَيْهِ صفاءه [إِذا فكَّر فِي تعقيب الْحَالة فِيهِ] ودوام الْمَرْء عَلَى الدُّعَاء يطيب لَهُ وُرُود الْقَضَاء [فَكَأَنَّهُ رده لقلَّة حسه بألمه] وَالْبر يطيب الْعَيْش حَتَّى كَأَنَّهُ يُزَاد فِي عمره (لطيب) عيشه. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب وَأما آثاره فستة: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 أَحدهَا: «أَن الهرمزان لما حمله أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى عمر فَقَالَ لَهُ عمر: تكلم لَا بَأْس عَلَيْك. ثمَّ أَرَادَ قَتله، فَقَالَ أنس: لَيْسَ لَك إِلَى قَتله سَبِيل قلت لَهُ: تكلم لَا بَأْس عَلَيْك» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ [الْبَيْهَقِيّ] من طَرِيق الشَّافِعِي، أَنا الثَّقَفِيّ، عَن حميد، عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «حاصرنا تستر فَنزل الهرمزان عَلَى حكم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقدمت بِهِ عَلَى عمر، فَلَمَّا انتهينا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: تكلم. قَالَ: كَلَام حَيّ أَو كَلَام ميت؟ قَالَ: تكلم لَا بَأْس. قَالَ: إِنَّا وَإِيَّاكُم يَا (معشر) الْعَرَب مَا خَلى الله بَيْننَا وَبَيْنكُم، كُنَّا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم، فَلَمَّا كَانَ الله مَعكُمْ لم يكن لنا يدان. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: مَا تَقول؟ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، تركت بعدِي عدوًّا كثيرًّا وشوكة شَدِيدَة، فَإِن قتلته يئس الْقَوْم من الْحَيَاة وَيكون أَشد لشوكتهم. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أستحيي قَاتل الْبَراء بن مَالك ومجزأة بن ثَوْر! فَلَمَّا خشيت أَن يقْتله، قلت: لَيْسَ إِلَى قَتله سَبِيل؛ قد قلت لَهُ: تكلم لَا بَأْس. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. ارتشيت وأصبت مِنْهُ؟ ! فَقَالَ: وَالله مَا ارتشيت وَلَا أصبت مِنْهُ. قَالَ: لتَأْتِيني عَلَى مَا شهِدت [بِهِ] بغيرك أَو لابد أَن تشهد بعقوبتك. قَالَ: فَخرجت فَلَقِيت الزبير بن الْعَوام فَشهد معي، وَأمْسك عمر، وَأسلم [الهرمزان] وَفرض لَهُ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 فَائِدَة: «الهرمزان» بِضَم الْهَاء وَالْمِيم وَهُوَ اسْم لبَعض أكَابِر الْفرس وَهُوَ دهقانهم الْأَصْغَر. قَالَ المطرزي فِي كتاب «المعرب» : الهرمزان ملك الأهواز أسلم وَقَتله عبيد الله بن عمر اتهامًا أَنه قَاتل أَبِيه أَو الْآمِر بِهِ. و «تستر» بتاءين مثناتين من فَوق الأولَى مَضْمُومَة وَفتح الثَّانِيَة بَينهمَا سين مُهْملَة سَاكِنة، وَهِي مَدِينَة مَشْهُورَة بخراسان. الْأَثر الثَّانِي: عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «الله يعلم كل لِسَان، فَمن أَتَى مِنْكُم أعجمًّا فَقَالَ: مترس. فقد أَمنه» وَهَذَا الْأَثر لَا أعلمهُ مرويًّا من طَرِيق ابْن مَسْعُود، وَإِنَّمَا هُوَ عَن عمر رضى الله، عَنهُ كَذَلِك ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فَقَالَ: قَالَ عمر: «إِذا قَالَ: مترس فقد آمنهُ؛ أَن الله يعلم الْأَلْسِنَة كلهَا. وَقَالَ: تكلم لَا بَأْس» . وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن رجل من أهل الْكُوفَة عَنهُ أَنه كتب إِلَى عَامل جَيش كَانَ بَعثه: «إِنَّه بَلغنِي أَن رجَالًا مِنْكُم يطْلبُونَ العلج حَتَّى إِذا أسْند فِي الْجَبَل وَامْتنع قَالَ رجل: مترس - وَفِي رِوَايَة: مطرس. لَا تخف - فَإِذا أدْركهُ قَتله، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا أعلم مَكَان أحد فعل ذَلِك إِلَّا ضربت عُنُقه» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، قَالَ: «جَاءَنَا كتاب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وَإِذا قَالَ الرجل للرجل: لَا تخف فقد أَمنه، وَإِذا قَالَ: مترس. فقد أَمنه؛ فَإِن الله يعلم الْأَلْسِنَة» . فَائِدَة: «مترس» بِفَتْح الْمِيم وَالتَّاء وَسُكُون الرَّاء ثمَّ سين وَكَذَا ضَبطه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 صَاحب «الِاسْتِقْصَاء» وَيُقَال بِالطَّاءِ بدل التَّاء كَمَا سلف، وَهِي كلمة فارسية كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» وَمَعْنَاهَا: لَا تخف، كَمَا سلف. الْأَثر الثَّالِث: عَن فُضَيْل الرقاشِي قَالَ: «جهز عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جَيْشًا كنت فيهم، فحصرنا قَرْيَة رامهرمز فَكتب عبد أَمَانًا فِي صحيفَة شدها مَعَ سهم رَمَى بِهِ إِلَى الْيَهُود، فَخَرجُوا بأمانه فَكتب إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: العَبْد الْمُسلم رجل من الْمُسلمين، ذمَّته ذمتهم» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَاصِم الْأَحول، عَن فُضَيْل بن زيد قَالَ: «كُنَّا مصافي الْعَدو. قَالَ: فَكتب عبد فِي سهم لَهُ أَمَانًا للْمُشْرِكين فَرَمَاهُمْ بِهِ فَجَاءُوا فَقَالُوا: قد أمنتمونا. فَقَالُوا: لم نؤمنكم، إِنَّمَا أمنكم عبد. فَكَتَبُوا فِيهِ إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَكتب عمر: إِن العَبْد من الْمُسلمين وذمته ذمتهم. وأمنهم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ فِي حَدِيث أهل الْبَيْت عَن عَلّي مَرْفُوعا: «أَمَان العَبْد جَائِز» . فَائِدَة: وَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ «فضل» وَصَوَابه «فُضَيْل» بِزِيَادَة يَاء كَمَا قَدمته، وكنيته أَبُو حسان، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «جرحه وتعديله» : فُضَيْل بن زيد الرقاشِي يكنى أَبَا حسان، كناه حَمَّاد بن سَلمَة. قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ رجل صَدُوق ثِقَة. وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» : فضل بن يزِيد بِإِثْبَات الْيَاء فِي يزِيد وحذفها من فُضَيْل. قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» كَذَا وَجَدْنَاهُ فِي نسخ «الْمُهَذّب» قَالَ: وَنقل بعض الْأَئِمَّة عَن خطّ المُصَنّف أَنه واهٍ فحذفها مِنْهُمَا. قَالَ النَّوَوِيّ: وكل هَذَا غلط وتصحيف، وَالصَّوَاب فُضَيْل بن زيد، بِإِثْبَات الْيَاء فِي فُضَيْل وحذفها من زيد هَكَذَا ذكره أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ ابنُ أبي حَاتِم، وَغَيره. و «الرقاشِي» بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف مَنْسُوب إِلَى رقاش قَبيلَة مَعْرُوفَة من ربيعَة. و «رَامْهُرمُز» الْمَذْكُور فِي رِوَايَة المُصَنّف - بِفَتْح الْمِيم الأولَى وَضم الْهَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَضم الْمِيم الثَّانِيَة - وَهِي من بِلَاد خوزستان بِقرب شيراز. الْأَثر الرَّابِع: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَن أحدكُم أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى مُشْرك فْنْزل عَلَى ذَلِك ثمَّ قَتله لقتلته» . وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. الْأَثر الْخَامِس: «أَن ثَابت بن قيس بن شمَّاس أَمن الزبير بن باطا يَوْم قُرَيْظَة فَقتله» . وَهَذَا الْأَثر تقدم بَيَانه فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْحَادِي عشر مِنْهُ. وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ السالفة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِهِ فَقتل. وَقد قدمنَا فِيمَا مَضَى من الْبَاب أَن الزبير هَذَا قَتله الزبير بن الْعَوام صبرا فَالله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 الْأَثر السَّادِس: «أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ حاصر مَدِينَة السوس وَصَالَحَهُ [دهقانها] عَلَى أَن يُؤمن مائَة رجل من أَهلهَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنِّي لأرجو أَن يخدعه الله عَن نَفسه. قَالَ: اعزلهم. فَلَمَّا عزلهم، قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أفرغت؟ قَالَ: نعم. فَأَمنَهُمْ وَأمر بقتل الدهْقَان، فَقَالَ: أتغدر بِي وَقد أمنتني؟ ! فَقَالَ: أمنت (الْعدَد) الَّذِي سميت، وَلم تسم نَفسك» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه الْآن وَزَاد الْمَاوَرْدِيّ فِي آخِره: «فَنَادَى بِالْوَيْلِ وبذل مَالا كثيرا فَلم يقبل مِنْهُ فَقتله» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 كتاب الْجِزْيَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 كتاب الْجِزْيَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فاثنان وَعِشْرُونَ حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أَمر أَمِيرا عَلَى جَيش أَو سَرِيَّة أوصاه، وَقَالَ: إِذا لقِيت عَدوك فادعهم إِلَى الْإِسْلَام، فَإِن أجابوك فاقبل مِنْهُم، فَإِن أَبَوا فسلهم الْجِزْيَة، فَإِن أَبَوا فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَقَاتلهمْ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد سلف بِطُولِهِ فِي الْبَاب قبله، وَهُوَ الحَدِيث الْحَادِي عشر مِنْهُ. الحَدِيث الثَّانِي عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَالَ لِمعَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما بَعثه إِلَى الْيمن: إِنَّك سترد عَلَى قوم أَكْثَرهم أهل الْكتاب، فاعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام، فَإِن امْتَنعُوا فاعرض عَلَيْهِم الْجِزْيَة، وَخذ من كل حالم دِينَارا، فَإِن امْتَنعُوا فَقَاتلهُمْ» . هَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» كَذَلِك، وَكَأن الرَّافِعِيّ تبعه فِي إِيرَاده وَلَا أعرفهُ مرويًّا عَلَى الْوَجْه الْمَذْكُور، وَكَذَا قَالَ [ابْن] الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» . وَالْمَعْرُوف فِيهِ عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 (لما وَجهه إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من كل حالم دِينَارا أَو عدله من المعافر - ثِيَاب تكون بِالْيمن» كَذَلِك رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَذكر أَن بَعضهم رَوَاهُ مُرْسلا وَأَنه أصح، وَأعله ابْن حزم بالانقطاع وَقَالَ: لم يسمع مَسْرُوق من معَاذ. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق: يرويهِ مَسْرُوق بن الأجدع، عَن معَاذ. ومسروق هَذَا لم يلق معَاذًا وَلَا ذكر من حَدثهُ عَن معَاذ، ذكره ابْن عبد الْبر وَغَيره، وَفِي بعض نسخ أبي دَاوُد أَن هَذَا حَدِيث مُنكر. قَالَ: وَبَلغنِي عَن أَحْمد أَنه كَانَ يُنكر هَذَا الحَدِيث إنكارًا شَدِيدا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا الْمُنكر رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن مَسْرُوق عَن معَاذ، فَأَما رِوَايَة الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، فَإِنَّهَا مَحْفُوظَة قد رَوَاهَا عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 الْأَعْمَش جمَاعَة مِنْهُم: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَشعْبَة، وَمعمر، وَجَرِير، وَأَبُو عوَانَة، وَيَحْيَى بن سعيد، وَحَفْص بن غياث. وَقَالَ بَعضهم: عَن معَاذ. وَقَالَ بَعضهم: إِن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن. أَو مَا فِي مَعْنَاهُ، وَأما حَدِيث الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم فَالصَّوَاب عَن الْأَعْمَش عَن [شَقِيق] عَن مَسْرُوق [وَالْأَعْمَش] عَن إِبْرَاهِيم قَالَا: قَالَ معَاذ ... الحَدِيث، هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل [شَقِيق] بن سَلمَة عَن مَسْرُوق، وَحَدِيثه عَن إِبْرَاهِيم مُنْقَطع لَيْسَ فِيهِ ذكر مَسْرُوق، وَقد رَوَيْنَاهُ عَن عَاصِم بن أبي النجُود، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن معَاذ. الحَدِيث الثَّالِث «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر فَأَخَذُوهُ فَأتوا بِهِ، فحقن دَمه وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَة» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق أنس بن مَالك وَعُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر دومة، فَأَخَذُوهُ وَأتوا بِهِ، فحقن لَهُ دَمه وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَة» . وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَإِنَّمَا حسنا حَدِيثه هَذَا؛ لِأَنَّهُ صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي طَرِيق آخر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه فَقَالَ: حَدثنِي يزِيد بن رُومَان وَعبد الله بن أبي بكر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث خَالِد بن الْوَلِيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 إِلَى أكيدر بن عبد الْملك - رجل من كِنْدَة كَانَ ملكا عَلَى دومة، وَكَانَ نَصْرَانِيّا - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لخَالِد: إِنَّك ستجده يصيد الْبَقر فَخرج [خَالِد] حَتَّى إِذا كَانَ من حصنه منظر الْعين، وَفِي لَيْلَة مُقْمِرَة صَافِيَة وَهُوَ عَلَى سطح وَمَعَهُ امْرَأَته، فَأَتَت الْبَقر تحك بقرونها بَاب الْقصر فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: هَل رَأَيْت مثل هَذَا قطّ؟ ! قَالَ: لَا وَالله. قَالَت: فَمن يتْرك مثل هَذَا؟ قَالَ: لَا أحد. فَنزل فَأمر بفرسه فأسرج وَركب مَعَه نفر من أهل بَيته فيهم أَخ لَهُ يُقَال لَهُ: حسان، فَخَرجُوا مَعَه بمطاردهم - فلقيتهم خيل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخَذته وَقتلُوا أَخَاهُ حسان، وَكَانَ عَلَيْهِ قبَاء ديباج مخوص بِالذَّهَب فاستلبه إِيَّاه خَالِد بن الْوَلِيد، فَبعث بِهِ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل قدومه عَلَيْهِ ثمَّ إِن خَالِدا قدم بالأكيدر عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فحقن لَهُ دَمه، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَة، وخلى سَبيله، فَرجع إِلَى قريته» . فَائِدَة: «أكيدر» بِضَم الْهمزَة تَصْغِير أكدر، وَهُوَ الَّذِي فِي لَونه كدرة. وَفِي «دومة» ثَلَاث لُغَات: دومة ودمة ودوما وَهِي من بِلَاد الشَّام، قَالَ الْحَازِمِي فِي «المؤتلف والمختلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : دُوما بِضَم الدَّال - وَيُقَال: بِفَتْحِهَا -: دومة الجندل فِي أَرض الشَّام، وَبَينهَا وَبَين دمشق خمس لَيَال، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة خمس عشرَة لَيْلَة، وصاحبها أكيدر. فَائِدَة: يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث أَن الْجِزْيَة لَا تخْتَص بالعجم؛ لِأَن أكيدر دومة عَرَبِيّ من غَسَّان وَقيل: من كِنْدَة. وَيُقَال: إِنَّه أسلم ثمَّ ارْتَدَّ إِلَى النَّصْرَانِيَّة، فَقتل عَلَى نصرانيته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 الحَدِيث الرَّابِع قَالَ الرَّافِعِيّ: لَو قَالَ الإِمَام أَو الْوَالِي: أقركم مَا شِئْت. قَالَ الإِمَام: من لم يمْنَع التَّأْقِيت بِالْوَقْتِ الْمَعْلُوم لم يمْنَع هَذَا، وَمن منع [ذَلِك] اخْتلفُوا فِي هَذَا، وَسبب الِاخْتِلَاف مَا رُوِيَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأهل الْكتاب فِي جَزِيرَة الْعَرَب: أقركم مَا أقركم الله» . وَالْوَجْه منع هَذَا منا، وَحمل قَول النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى توقع النّسخ وانتظار الْوَحْي، وَحَكَى صَاحب «الْوَجِيز» نَحْو هَذَا، وَالَّذِي أوردهُ غَيرهمَا أَن قَوْله: «أقركم مَا أقركم الله» جَرَى فِي المهادنة حِين وادع يهود خَيْبَر لَا فِي عقد الذِّمَّة، وَأَنه لَو قَالَ غير النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أقركم [مَا أقركم] الله، أَو هادنتكم إِلَى أَن يَشَاء الله» لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام يعلم مَا عِنْد الله بِالْوَحْي بِخِلَاف غَيره. انْتَهَى. وَالْأَمر كَمَا قَالَ غير الإِمَام وَمن تبعه؛ فَفِي «الْمُوَطَّأ» و «مُسْند الشَّافِعِي» عَنهُ [عَن ابْن شهَاب] عَن سعيد بن الْمسيب «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ ليهود خَيْبَر يَوْم افْتتح خَيْبَر: أقركم مَا أقركم الله عَلَى أَن الثَّمر بَيْننَا وَبَيْنكُم. قَالَ: وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يبْعَث [عبد الله بن] رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ فيخرص بَينه وَبينهمْ ثمَّ يَقُول: إِن شِئْتُم فلكم، وَإِن شِئْتُم فلي. فَكَانُوا يأخذونه» وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن عمر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 أجلى الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز، وَأَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما ظهر عَلَى خَيْبَر أَرَادَ إِخْرَاج [الْيَهُود] مِنْهَا، فَسَأَلت الْيَهُود رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يقرهم بهَا عَلَى أَن يكفوا الْعَمَل وَلَهُم نصف الثَّمر، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: نقركم بهَا عَلَى ذَلِك مَا شِئْنَا. فقروا بهَا. حَتَّى أجلاهم عمر فِي إمارته إِلَى تيماء وأريحاء» . وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر أَيْضا قَالَ: «لما فَدَع أهل خَيْبَر عبد الله بن عمر قَامَ عمر خَطِيبًا، فَقَالَ: [إِن] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (كَانَ) عَامل أهل خَيْبَر عَلَى أَمْوَالهم وَقَالَ: نقركم مَا أقركم الله ... » وَذكر الحَدِيث. الحَدِيث الْخَامِس فِي الحَدِيث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول لمن يؤمِّره: إِذا لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى الْإِسْلَام، فَإِن أجابوك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم، وَإِن أَبَوا فادعهم إِلَى إِعْطَاء الْجِزْيَة، فَإِن أجابوك فاقبل مِنْهُم» . هَذَا الحَدِيث هُوَ حَدِيث بُرَيْدَة وَقد تقدم أول الْبَاب. الحَدِيث السَّادِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِمعَاذ: خُذ من كل حالم دِينَارا» . هَذَا الحَدِيث سلف فِي أول الْبَاب وَاضحا. قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَكتب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن لَا يَأْخُذُوا الْجِزْيَة من النِّسَاء وَالصبيان» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طَرِيق زيد بن أسلم عَنهُ «أَنه كتب إِلَى أُمَرَاء أهل الْجِزْيَة أَن لَا يضْربُوا الْجِزْيَة إِلَّا عَلَى من جرت عَلَيْهِ الموسى. قَالَ: وَكَانَ لَا يضْرب الْجِزْيَة عَلَى النِّسَاء وَالصبيان» قَالَ يَحْيَى بن آدم: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أَصْحَابنَا. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: رَوَاهُ نَافِع، عَن أسلم، عَن عمر. وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. قلت: فَأَيّهمَا الصَّحِيح؟ قَالَ: الثَّوْريّ حَافظ، وَأهل الْمَدِينَة أعلم بِحَدِيث نَافِع من أهل الْكُوفَة. وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَن أسلم أَيْضا قَالَ: «كتب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى أُمَرَاء الْجِزْيَة أَن لَا يضعوا الْجِزْيَة إِلَّا عَلَى من جرت عَلَيْهِ المواسي، وَلَا يضعوا عَلَى النِّسَاء وَالصبيان، وَكَانَ عمر يخْتم أهل الْجِزْيَة فِي أَعْنَاقهم» . الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وموقوفًا عَلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَا جِزْيَة عَلَى العَبْد» . هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من خرجه مَرْفُوعا وَلَا مَوْقُوفا، وَقد ورد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 (عَلَيْهِ) فِي عدَّة أَحَادِيث كلهَا ضَعِيفَة من طَرِيق ابْن عَبَّاس، وَعَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده، وَأبي زرْعَة بن سيف بن ذِي يزن أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ وَلَكِن ضعفها. الحَدِيث الثَّامِن عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ لَا يَأْخُذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ الْجِزْيَة من مجوس هجر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة [بجالة] بن عَبَدة الْبَصْرِيّ - وَيُقَال: الْمَكِّيّ - قَالَ: «كنت كَاتبا لجزء بن مُعَاوِيَة عَم الْأَحْنَف بن قيس (آنِفا) فجاءنا كتاب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قبل مَوته بِسنة (اقْتُلُوا [كل] سَاحر) وَفرقُوا بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس. وَلم يكن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد الحَدِيث» . فَائِدَة: هجر هَذِه هِيَ هجر الْبَحْرين، قَالَ الْحَازِمِي: بَين هجر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 الْبَحْرين وسِرَّين سَبْعَة أَيَّام. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هجر اسْم بلد مُذَكّر مَعْرُوف. قَالَ: وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا هاجري. وَقَالَ الزجاجي فِي «الْجمل» : هجر تذكر وتؤنث. تَنْبِيه: حَدِيث أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله قَضَى فيهم بِالْإِسْلَامِ أَو الْقَتْل» ضَعِيف؛ لِأَن فِيهِ [قُشَيْر] بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول الْحَال. فَائِدَة أُخْرَى: قَالَ الرَّافِعِيّ: يهود خَيْبَر كغيرهم فِي ضرب الْجِزْيَة، وَسُئِلَ ابْن سُرَيج فِيمَا يدَّعونه أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كتب لَهُم كتابا باسقاطها، فَقَالَ: لم ينْقل ذَلِك أحد من الْمُسلمين. قَالَ ابْن الصّباغ: وَفِي زَمَاننَا هَذَا أظهرُوا كتابا وَذكروا أَنه بِخَط عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَأَنه كتب عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَبَان تزويرهم وكذبهم فِيهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ شَهَادَة سعد بن معَاذ وَمُعَاوِيَة، وتاريخه بعد موت سعد وَقبل إِسْلَام مُعَاوِيَة. وَفِي «الْبَحْر» أَن ابْن أبي هُرَيْرَة أسقط الْجِزْيَة عَنْهُم؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام ساقاهم وجعلهم بذلك حولا، وَلِأَنَّهُ قَالَ: «أقركم مَا أقركم الله» فَأَمنَهُمْ بذلك، وَهَذَا شَيْء تفرد بِهِ، وَأَيْضًا [فَإِنَّهَا] مُعَاملَة لَا تقتضى إِسْقَاط الْجِزْيَة. وَقَوله: «أقركم» أَي بالجزية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «آخر مَا عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن قَالَ: لَا ينزك بِجَزِيرَة الْعَرَب دينان» وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم أَنه سمع مُسلم بن عبد الْعَزِيز يَقُول: «بَلغنِي أَنه كَانَ من آخر مَا تكلم بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن قَالَ: قَاتل الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد، لَا يبْقين دينان بِأَرْض الْعَرَب» قَالَ مَالك: وَعَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب» قَالَ ابْن شهَاب: ففحص عَن ذَلِك عمر بن الْخطاب حَتَّى أَتَاهُ الثَّلج وَالْيَقِين عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب. فَأَجْلَى يهود خَيْبَر» قَالَ مَالك: وَقد أجلى عمر بن الْخطاب أَيْضا يهود نَجْرَان وفدك. الحَدِيث الْعَاشِر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَزَاد فِي آخِره: «حَتَّى لَا أدع فِيهَا إِلَّا مُسلما» ثمَّ عزاهُ إِلَى «صَحِيح مُسلم» وَكَذَا عزاهُ من الْمُتَأَخِّرين ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 المسانيد» وَأَرَادَ أَصله، فَإِنَّهُ فِيهِ من حَدِيث أبي الزبير أَنه سمع جَابِرا يَقُول: أَخْبرنِي عمر بن الْخطاب أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى لَا أدع فِيهَا إِلَّا مُسلما» . وَلَيْسَ فِيهَا: «لَئِن عِشْت» وَأخرجه أَحْمد بِلَفْظ: «لَئِن عِشْت لأخْرجَن الْيَهُود والنصاري من جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى لَا أترك فِيهَا إِلَّا مُسلما» . قَالَ الشَّافِعِي: كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام وقف عَلَى الْحَال حِين قَالَ: «لَئِن عِشْت» فَلم يَعش (إِلَى قَابل، وَلم يتفرغ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لإخراجهم لقصر مدَّته واشتغاله بِقِتَال أهل الرِّدَّة ومانعي الزَّكَاة، فَأخْرجهُمْ عمر بعد صدر من خِلَافَته فَيُقَال: إِنَّه أخرج من الْيَهُود زُهاء أَرْبَعِينَ ألفا، وَإِن بَعضهم الْتحق بأطراف الشَّام وَبَعْضهمْ بأطراف الْكُوفَة. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَوْصَى فَقَالَ: أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَنهُ أَنه قَالَ: «اشْتَدَّ الوجع برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَوْصَى عِنْد مَوته بِثَلَاث: أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب، وأجيزوا الْوَفْد بِنَحْوِ مَا كنت أجيزهم. ونسيت الثَّالِثَة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 فَائِدَة: قيل: الثَّالِثَة تجهيز أُسَامَة. وَقيل: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وثنًا» حَكَاهُمَا الْمُنْذِرِيّ. قَالَ: فِي «الْمُوَطَّأ» مَا يُشِير إِلَى الثَّانِي. الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن جَابر عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب، وَلَا أدع أَن ينزلها إِلَّا مُسلم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم وَقد سلف أَيْضا. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «آخر مَا تكلم بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن قَالَ: أخرجُوا الْيَهُود من الْحجاز، وَأهل نَجْرَان من جَزِيرَة الْعَرَب» . أخرجه أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَلَفْظهمَا عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: «آخر مَا تكلم بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: أخرجُوا يهود أهل الْحجاز، وَأهل نَجْرَان من جَزِيرَة الْعَرَب» وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي كتاب «التَّمْيِيز» أَيْضا. فَائِدَة: «نَجْرَان» بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه: مَدِينَة بالحجاز من شقّ (الْيمن) مَعْرُوفَة. قَالَه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» قَالَ الْحَازِمِي فِي «مؤتلفه» : وَهِي من مخاليف مَكَّة من جنوب الْيمن. قَالَ الْبكْرِيّ: وَسميت بِنَجْرَان بن زيد بن يشجب بن يعرب، وَهُوَ أول من نزلها، وَأطيب الْبِلَاد نَجْرَان من الْحجاز، وَصَنْعَاء من الْيمن، ودمشق من الشَّام، والري من خُرَاسَان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَالح أهل نَجْرَان عَلَى أَن لَا يَأْكُلُوا الرِّبَا، فنقضوا الْعَهْد وأكلوه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «صَالح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهل نَجْرَان عَلَى ألفي حُلة، النّصْف فِي صفر وَالنّصف فِي رَجَب، يؤدونها إِلَى الْمُسلمين وعارية ثَلَاثِينَ درعًا، وَثَلَاثِينَ فرسا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ من كل صنف من أَصْنَاف السِّلَاح يغزون بهَا، والمسلمون ضامنون لَهَا حَتَّى يردوها عَلَيْهِم إِن كَانَ بِالْيمن كيدُ أَو غُدرة عَلَى أَن لَا تهدم لَهُم بيعَة، وَلَا يخرج لَهُم قس، وَلَا يفتنوا عَن دينهم مَا لم يحدثوا حَدثا أَو يَأْكُلُوا الرِّبَا» . قَالَ إِسْمَاعِيل: فقد أكلُوا الرِّبَا. وَإِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ السُدي الْكَبِير وَفِيه مقَال، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن معِين: فِي حَدِيثه ضعف. وَقَالَ ابْن مهْدي: ضَعِيف. وذمه الشّعبِيّ فِي التَّفْسِير، ورماه بَعضهم بِالْكَذِبِ، وَبَعْضهمْ بالتشيع. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا بَأْس بِهِ، مَا رَأَيْت أحدا يذكرهُ إِلَّا بِخَير، وَمَا تَركه أحد. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي صَدُوق. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 قلت: وَفِيه عِلّة وَهِي أَن [فِي] سَماع السّديّ من ابْن عَبَّاس نظر؛ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ، وَإِنَّمَا قيل: إِنَّه رَآهُ وَرَأَى ابْن عمر وَسمع من أنس. فَائِدَة: الكيدُ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: الْحَرْب. والبيعة - بِكَسْر الْبَاء - لِلنَّصَارَى أَو للْيَهُود أَو كَنِيسَة أهل الْكتاب، أَقْوَال حكاهن الْمُنْذِرِيّ. والقس - بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة - والقسيسين - بِكَسْرِهَا وَتَشْديد السِّين -: رَئِيس النَّصَارَى فِي الدَّين وَالْعلم. الحَدِيث الْخَامِس عشر «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَخذ من مجوس هجر ثَلَاثمِائَة دِينَار، وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة نفر» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه كَذَلِك، ويغني عَنهُ مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: سَأَلت مُحَمَّد بن خَالِد وَعبد الله بن عَمْرو بن مُسلم وعددًا من عُلَمَاء أهل الْيمن وَكلهمْ يَحْكِي لي عَن عدد مضوا قبلهم كلهم ثِقَة، يحكون عَن عدد مضوا قبلهم كلهم ثِقَة «أَن صلح النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لأهل ذمَّة الْيمن عَلَى دِينَار لكل سنة» وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» عقب حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قبل هَذَا عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: قد سَمِعت بعض أهل الْعلم من الْمُسلمين وَمن أهل الذِّمَّة من أهل نَجْرَان يذكر أَن قيمَة مَا أَخذ من كل وَاحِد أَكثر من دِينَار. الحَدِيث السَّادِس عشر «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَالح أهل أَيْلَة عَلَى ثَلَاثمِائَة دِينَار - فَكَانُوا ثَلَاثمِائَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 رجل - وَعَلَى ضِيَافَة من يمر بهم من الْمُسلمين» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، أبنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن أبي الْحُوَيْرِث «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضرب عَلَى نَصْرَانِيّ بِمَكَّة يُقَال لَهُ موهب دِينَارا كل سنة، وَأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضرب عَلَى نَصَارَى أَيْلَة ثَلَاثمِائَة دِينَار كل سنةٍ، وَأَن يضيفوا من مر [بهم من الْمُسلمين] ثَلَاثًا، وَأَن لَا يغشوا مُسلما» . قَالَ الشَّافِعِي: وأنبأنا إِبْرَاهِيم قَالَ: أبنا إِسْحَاق بن عبد الله «أَنهم كَانُوا ثَلَاثمِائَة فَضرب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمئِذٍ ثَلَاثمِائَة دِينَار كل سنة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا الحَدِيث مُنْقَطع، والاعتماد فِي ذَلِك عَلَى مَا سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي: أبنا مَالك، عَن نافعٍ، عَن أسلم مولَى عمر بن الْخطاب «أَن عمر بن الْخطاب ضرب الْجِزْيَة عَلَى أهل الذَّهَب أَرْبَعَة دَنَانِير، وَعَلَى أهل الْوَرق أَرْبَعِينَ درهما، وَمَعَ ذَلِك أرزاق الْمُسلمين، وضيافة ثَلَاثَة أَيَّام» ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ أَيْضا إِلَى الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان بن عيينةٍ، عَن أبي إسحاقٍ، عَن حَارِثَة [بن] مضرب « [أَن عمر بن الْخطاب] رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فرض عَلَى أهل السوَاد ضِيَافَة يَوْم وليلةٍ، فَمن حَبسه مطر أَو مرض أنْفق من مَاله» قَالَ الشَّافِعِي: حَدِيث أسلم بضيافة ثَلَاثَة أَيَّام أشبه؛ لِأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جعل الضِّيَافَة ثَلَاثَة، وَقد يجوز أَن يكون جعلهَا عَلَى قوم ثَلَاثًا، وَعَلَى قوم يَوْمًا وَلَيْلَة، وَلم يَجْعَل عَلَى آخَرين ضِيَافَة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 كَمَا يخْتَلف صلحه لَهُم فَلَا يرد بعض الحَدِيث بَعْضًا. فَائِدَة: «أَيْلَة» الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الحَدِيث بِفَتْح الْهمزَة وَإِسْكَان الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت وَفتح اللَّام: بَلْدَة مَعْرُوفَة فِي طرف الشَّام عَلَى سَاحل الْبَحْر متوسطة بَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ودمشق وَبَلَدنَا مصر، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نَحْو [خمس عشرَة] مرحلة، وَبَينهَا وَبَين دمشق نَحْو [اثْنَتَا عشرَة] مرحلة، وَبَينهَا وَبَين بلدنا مصر نَحْو ثَمَان مراحل. قَالَ صَاحب «الْمطَالع» : قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ مَدِينَة بَين الشَّام. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «مؤتلفه» : هِيَ بَلْدَة بحريّة، قيل: هِيَ آخر الْحجاز وَأول الشَّام. الحَدِيث السَّابِع عشر يرْوَى فِي الْخَبَر «أَن الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام» . وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه جائزته. قَالُوا: وَمَا جائزته يَا رَسُول الله؟ قَالَ: يَوْمه وَلَيْلَته، والضيافة ثَلَاثَة أَيَّام، فَمَا كَانَ وَرَاء ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 عَلَيْهِ، وَلَا يحل لرجل مُسلم يُقيم عِنْد أَخِيه حَتَّى يؤثمه. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَكَيف يؤثمه؟ قَالَ: يُقيم عِنْده وَلَا شَيْء لَهُ يقريه بِهِ» . وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه فِي كتاب الْبر والصلة من «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ وَقد صحت الرِّوَايَة فِيهِ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، وأظنهما قد خرجاه. قَالَ: وَعِنْدِي أَن الشَّيْخَيْنِ أهملا حَدِيث أبي شُرَيْح لرِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ أخرجه وَذكر لَهُ مُتَابعًا، وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ، فقد أخرجَا حَدِيث أبي شُرَيْح كَمَا سَاقه، وَلم يخرجَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَمَا ظن أَنَّهُمَا أَخْرجَاهُ. فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَعَ أبي شُرَيْح وَأبي هُرَيْرَة، جَابر بن عبد الله، وَعَائِشَة، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَأَبُو مَسْعُود، وَابْن عمر، وَعقبَة بن عَامر، و (أَحْمد) بن خَالِد كَمَا أَفَادَهُ ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» . فَائِدَة ثَانِيَة: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن أَشهب قَالَ: سُئِلَ مَالك عَن قَول النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «جائزته يَوْم وَلَيْلَة» قَالَ: يُكرمهُ ويتحفه ويحفظه يَوْمًا وَلَيْلَة وَثَلَاثَة أَيَّام ضِيَافَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنه يتَكَلَّف لَهُ فِي الْيَوْم الأول مَا اتَّسع لَهُ من بر وإلطاف، وَأما فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث فَيقدم مَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ وَلَا يزِيد عَلَى عَادَته، وَمَا كَانَ بعد الثَّلَاثَة فَهُوَ صَدَقَة ومعروف، إِن شَاءَ فعل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 وَإِن شَاءَ ترك. قَالَ: وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «وَلَا يحل أَن يُقيم عِنْده حَتَّى (يؤثمه) » مَعْنَاهُ: لَا يحل للضيف أَن يُقيم عِنْده بعد الثَّلَاث من غير استدعاء مِنْهُ حَتَّى يوقعه فِي الْإِثْم. الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعْلى عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» من حَدِيث عمر بن الْخطاب «فِي حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي صَاد ضبًّا، وَأَن الضَّب حكم للنَّبِي (وَشهد لَهُ بالرسالة، وَأَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للأعرابي: الْحَمد لله الَّذِي هداك إِلَى هَذَا الدَّين الَّذِي يَعْلُو وَلَا يعْلى» وَهُوَ حَدِيث طَوِيل. قَالَ الطَّبَرَانِيّ: ثَنَا [مُحَمَّد] بن عَلّي بن الْوَلِيد السُلمي الْبَصْرِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، ثَنَا كهمس بن الْحسن، ثَنَا دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه عمر ابْن الْخطاب [بِحَدِيث] الضَّب «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ فِي محفل من أَصْحَابه إِذْ جَاءَ أَعْرَابِي من بني سُليم قد صَاد ضبًّا وَجعله فِي كمه فَذهب بِهِ إِلَى رَحْله (فَأَتَى) جمَاعَة فَقَالَ: عَلَى من هَذِه الْجَمَاعَة؟ فَقَالُوا: عَلَى الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي. فشق النَّاس، ثمَّ أقبل عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، مَا اشْتَمَلت (الدُّنْيَا) عَلَى ذِي لهجة أكذب مِنْك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 وَأبْغض [إليَّ مِنْك] وَلَوْلَا أَن يسميني قومِي عجولاً لعجلت عَلَيْك فقتلتك، فسررت بقتلك النَّاس أَجْمَعِينَ. فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله، دَعْنِي أَقتلهُ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أما علمت أَن الْحَلِيم كَاد يكون نبيًّا. ثمَّ أقبل عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: وَاللات والعزى لَا آمَنت بك. وَقد قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا أَعْرَابِي، مَا حملك عَلَى أَن قلت مَا قلت، وَقلت غير الْحق، وَلم تكرم مجلسي؟ قَالَ: وتكلمني أَيْضا - اسْتِخْفَافًا برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاللات والعزى لَا آمَنت بك، أَو يُؤمن [بك] هَذَا الضَّب. فَأخْرج الضَّب من كمه فطرحه بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: إِن آمن بك هَذَا الضَّب آمَنت بك. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا ضَب. فَتكلم الضَّب بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين يفهمهُ الْقَوْم جَمِيعًا: لبيْك وَسَعْديك يَا رَسُول رب الْعَالمين. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من تعبد؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاء عَرْشه، وَفِي الأَرْض سُلْطَانه، وَفِي الْبَحْر سَبيله، وَفِي الْجنَّة رَحمته، وَفِي النَّار عَذَابه. قَالَ: فَمن أَنا يَا ضَب؟ فَقَالَ: أَنْت رَسُول الله رب الْعَالمين وَخَاتم النَّبِيين، قد أَفْلح من صدقك وَقد خَابَ من كَذبك. فَقَالَ الْأَعرَابِي: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله حقًّا، وَالله لقد أَتَيْتُك وَمَا عَلَى وَجه الأَرْض أحد هُوَ أبْغض إليَّ مِنْك، وَالله [لأَنْت] السَّاعَة أحب إليَّ من نَفسِي وَمن وَلَدي (وَقد آمَنت بك بشعري) وبشري وداخلي وخارجي وسري وعلانيتي. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: الْحَمد لله الَّذِي هداك [إِلَى] هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 الدَّين الَّذِي يَعْلُو وَلَا يعْلى، لَا يقبله الله إِلَّا بِصَلَاة، وَلَا يقبل الصَّلَاة إِلَّا بقرآن. فَعلمه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «الْحَمد» و «قل هُوَ الله أحد» فَقَالَ: يَا رَسُول الله، وَالله مَا سَمِعت [فِي] الْبَسِيط وَلَا فِي الرجز أحسن من هَذَا. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن هَذَا كَلَام رب الْعَالمين، وَلَيْسَ بِشعر [و] إِذا قَرَأت «قل هُوَ الله أحد» مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأت ثلث الْقُرْآن، وَإِذا قَرَأت «قل هُوَ الله أحد» مرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأت ثُلثي الْقُرْآن، وَإِذا قَرَأت «قل هُوَ الله أحد» ثَلَاث مَرَّات فَكَأَنَّمَا قَرَأت الْقُرْآن كُله. فَقَالَ الْأَعرَابِي: نِعْمَ (إِلَه) إلهنا؛ يقبل الْيَسِير وَيُعْطِي الجزيل. ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أعْطوا الْأَعرَابِي. فَأَعْطوهُ حَتَّى أبطروه، فَقَامَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد أَن أعْطِيه نَاقَة أَتَقَرَّب بهَا إِلَى الله - عَزَّ وَجَلَّ - دون البختي وَفَوق الْأَعرَابِي وَهِي عشراء. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: [إِنَّك] قد [وصفت] مَا تُعْطِي فأصف لَك مَا يعطيك الله - عَزَّ وَجَلَّ - جَزَاء؟ قَالَ: نعم. قَالَ: لَك نَاقَة من درة جوفاء، قَوَائِمهَا من زبرجد أَخْضَر، وعنقها من زبرجد أصفر، عَلَيْهَا هودج، وَعَلَى الهودج السندس والإستبرق، تمر بك عَلَى الصِّرَاط كالبرق الخاطف. فَخرج الْأَعرَابِي من عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَقِيَهُ ألف أَعْرَابِي عَلَى ألف دَابَّة بِأَلف رمح وَألف سيف، فَقَالَ لَهُم: أَيْن تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُقَاتِل هَذَا الَّذِي يكذب وَيَزْعُم أَنه نَبِي. فَقَالَ الْأَعرَابِي: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَقَالُوا: صبوت؟ ! فَقَالَ: مَا صبوت. وَحَدَّثَهُمْ هَذَا الحَدِيث فَقَالُوا بأجمعهم: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَتَلقاهُمْ [فِي رِدَاء] فنزلوا عَن ركبهمْ [يقبلُونَ] مَا ولوا مِنْهُ وهم يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. فَقَالُوا: مرنا [بِأَمْرك] يَا رَسُول الله. فَقَالَ: تدخلون تَحت راية خَالِد بن الْوَلِيد. قَالَ: وَلَيْسَ أحد من الْعَرَب آمن مِنْهُم ألف جَمِيعًا إِلَّا بَنو سليم» . قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن دَاوُد بن أبي هِنْد بِهَذَا التَّمام إِلَّا كهمس، وَلَا عَن كهمس إِلَّا مُعْتَمر، تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. قلت: وَأخرجه أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا «دَلَائِل النُّبُوَّة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْحمل فِيهِ عَلَى السّلمِيّ. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : صدق وَالله الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ خبر بَاطِل. الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تبدءوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذا لَقِيتُم أحدهم فِي طَرِيق فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أضيقها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 الحَدِيث الْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا امْرَأَة خلعت ثوبها فِي غير بَيت زَوجهَا فَهِيَ ملعونة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم من رِوَايَة أبي الْمليح - بِفَتْح الْمِيم - قَالَ: «دخل نسْوَة من أهل الشَّام عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَقَالَت: مِمَّن أنتن؟ فَقُلْنَ: من أهل الشَّام. فَقَالَت: لعلكن من الكورة الَّتِي يدْخل نساؤها الحمامات؟ قُلْنَ: نعم. قَالَت: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: مَا من امْرَأَة تخلع ثِيَابهَا فِي غير بَيتهَا إِلَّا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله - تَعَالَى» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يسمع أَبُو الْمليح من عَائِشَة. وَقَالَ الْبَزَّار: أَحْسبهُ عَن أبي الْمليح عَن مَسْرُوق عَنْهَا. قلت: وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَنْهَا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قتل ابْن خطل والقينتين وَلم يؤمنهم» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف وَاضحا فِي أَوَائِل الْبَاب الَّذِي قبله. فَائِدَة: الْقَيْنَة الْأمة سَوَاء كَانَت تغني أم لَا. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا كذب الْمُسلم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عمدا فَعَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد أَنه يكفر ويراق دَمه. قَالَ الإِمَام: وَهَذِه زلَّة وَلم أر مَا قَالَه لأحدٍ من الْأَصْحَاب، وَالظَّاهِر أَنه يُعَزّر وَلَا يكفر وَلَا يقتل، وَمَا رُوِيَ «أَن رجلا انْطلق إِلَى طَائِفَة من الْعَرَب وَأخْبرهمْ أَنه رَسُول رَسُول الله إِلَيْهِم فأكرموه، ثمَّ ظهر الْحَال فَأَمرهمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بقتْله» فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَن الرجل كَانَ كَافِرًا. انْتَهَى كَلَامه. وَهَذَا الحَدِيث ذكره الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي مُقَدّمَة كِتَابه «الموضوعات» من طرق فِي أول حَدِيث «من كذب عَلّي مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» ، قَالَ: وَهَذَا حَدِيث رَوَاهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[ثمانيةو] تسعون نفسا. ثمَّ ذكرهَا بأسانيده. قَالَ: وَهَذِه الطّرق هِيَ سَبَب هَذَا الحَدِيث: أَحدهَا: من طَرِيق ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى قوم فِي جَانب الْمَدِينَة فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمرنِي أَن أحكم فِيكُم برأيي وَفِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 أَمْوَالكُم، وَفِي كَذَا وَفِي كَذَا. وَكَانَ خطب امْرَأَة مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَبَوا أَن يزوجوه، ثمَّ ذهب حَتَّى نزل عَلَى الْمَرْأَة، فَبَعثه الْقَوْم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: كذب عَدو الله. ثمَّ أرسل رجلا فَقَالَ: إِن وجدته حيًّا فاقتله، وَإِن وجدته مَيتا فحرقه بالنَّار. فَانْطَلق فَوَجَدَهُ قد لدغ فَمَاتَ فحرقه بالنَّار، فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من كذب عَلّي مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَيْضا قَالَ: «كَانَ حَيّ من بني لَيْث من الْمَدِينَة عَلَى ميلين، وَكَانَ رجل قد خطب مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة فَلم يزوجوه، فَأَتَاهُم وَعَلِيهِ حلَّة فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كساني هَذِه الْحلَّة وَأَمرَنِي أَن أحكم فِي أَمْوَالكُم ودمائكم. ثمَّ انْطلق فَنزل عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي كَانَ يُحِبهَا، فَأرْسل الْقَوْم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: كذب عَدو الله. ثمَّ أرسل رجلا فَقَالَ: إِن وجدته حَيا - وَمَا أَرَاك تَجدهُ حيًّا - فَاضْرب عُنُقه، وَإِن وجدته مَيتا فأحرقه بالنَّار. قَالَ: فَجَاءَهُ فَوَجَدَهُ قد لدغته أَفْعَى فَمَاتَ فحرقه بالنَّار. قَالَ: فَذَلِك قَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من كذب عَلّي مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» . قلت: وَأخرج هَذَا الْبَغَوِيّ فِي «مُعْجَمه» عَن يَحْيَى الْحمانِي، عَن عَلّي بن مسْهر، عَن صَالح بن حَيَّان، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَى أَن قَالَ: «فَنزل عَلَى الْمَرْأَة الَّتِي كَانَ يخطبها» بدل «يُحِبهَا» . وَصَالح هَذَا ضعَّفه ابْن معِين وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يُعجبنِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ غير مَحْفُوظ. الطَّرِيق الثَّانِي: من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الله بن الْحَارِث رَفعه قَالَ: «تَدْرُونَ فِيمَن كَانَ الحَدِيث: «من كذب عَلَى مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» ؟ كَانَ فِي أبي خدعة رجلا أَعْجَبته امْرَأَة من أهل قبَاء، فطلبها فَلم يقدر عَلَيْهَا، فَأَتَى السُّوق فَاشْتَرَى حُلة مثل حُلة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ جَاءَ إِلَى الْقَوْم فَقَالَ: إِنِّي رَسُول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَيْكُم، وَهَذِه حُلة كسانيها، وَقد أَمرنِي أَن أتخير أَي بُيُوتكُمْ شِئْت فأتضيفه. فَلَمَّا رَأَوْهُ ينظر بيتوتة اللَّيْل قَالَ بَعضهم لبَعض: وَالله لعهدنا برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ نهَى عَن الْفَوَاحِش فَمَا هَذَا؟ يَا فلَان وَيَا فلَان، انْطَلقَا فاسألاه عَمَّا جَاءَ بِهِ هَذَا. فجَاء إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد قَالَ فاستنظراه حَتَّى اسْتَيْقَظَ. فَقَالَا: يَا رَسُول الله، أَتَانَا رَسُولك أَبُو خدعة. قَالَ: وَمن أَبُو خدعة؟ قَالَا: زعم أَنَّك أَرْسلتهُ وَعَلِيهِ حلتك زعم أَنَّك كسوتها إِيَّاه، فَجِئْنَا نَسْأَلك عَمَّا جَاءَ بِهِ. فَغَضب حَتَّى احمر وَجهه ثمَّ قَالَ: من كذب عليَّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار. ثمَّ قَالَ: يَا فلَان [و] يَا فلَان انْطَلقَا فأسرعا فَإِن أدركتماه فاقتلاه، ثمَّ أحرقاه بالنَّار، وَلَا أراكما إِلَّا ستكفيانه فَإِن كفيتماه فَحَرقَاهُ بالنَّار. فجاءا وَقد ذهب يَبُول فَذهب يَأْخُذ مَاء فِي جدول فَخرجت (مِنْهُ) حَيَّة أَو أَفْعَى فَقتلته» . الطَّرِيق الثَّالِث: من طَرِيق عَطاء أَيْضا عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: «قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابه: أَتَدْرُونَ مَا تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث «من كذب عليَّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» ؟ قَالَ: عشق رجل امْرَأَة فَأَتَى أَهلهَا مسَاء فَقَالَ: إِنِّي رَسُول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَعَثَنِي إِلَيْكُم أَن أتضيف فِي أَي بُيُوتكُمْ شِئْت. قَالَ: وَكَانَ ينْتَظر بيتوتة الْمسَاء. قَالَ: فَأَتَى رجل مِنْهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن فلَانا يزْعم أَنَّك أَمرته أَن يبيت فِي أَي بُيُوتنَا مَا شَاءَ. فَقَالَ: كذب، يَا فلَان انْطلق مَعَه، فَإِن أمكنك الله مِنْهُ فَاضْرب عُنُقه وَأحرقهُ بالنَّار، وَلَا أَرَاك إِلَّا قد كفيته. فَلَمَّا خرج الرَّسُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ادعوهُ. فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: إِنِّي كنت أَمرتك أَن تضرب عُنُقه وَأَن تحرقه بالنَّار، فَإِن أمكنك الله فَاضْرب عُنُقه وَلَا تحرقه بالنَّار؛ فَإِنَّهُ لَا يعذب بالنَّار إِلَّا رب النَّار، وَلَا أَرَاك إِلَّا قد كفيته. فَجَاءَت السَّمَاء فصبت فَخرج ليتوضأ فلسعته أَفْعَى، فَلَمَّا بلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: هُوَ فِي النَّار» . قلت: وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا أَبُو حَمْزَة، عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: انْطَلَقت مَعَ أبي إِلَى صهر لنا من أسلم فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[يَقُول] أَرحْنَا بهَا يَا بِلَال. قَالَ: قلت لَهُ: أَنْت سمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ فَغَضب [وَأَقْبل عَلَى الْقَوْم يُحَدِّثهُمْ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث رجلا إِلَى حَيّ من الْعَرَب، فَلَمَّا أَتَاهُم قَالَ: إِن] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[أَمرنِي] أَن أحكم فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 نِسَائِكُم. فَقَالُوا: إِن كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمرك أَن تحكم فِي نسائنا فَسمع وَطَاعَة لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ [صدقوه] وبيتوه، وبعثوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَقَالُوا] : إِن فلَانا أَتَانَا فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمرنِي أَن أحكم فِي نِسَائِكُم، فَإِن كنت أَمرته فَسمع وَطَاعَة. فَبعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا من الْأَنْصَار فَقَالَ: اقتله وَأحرقهُ بالنَّار. فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من كذب عَلّي مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار. أَترَانِي أكذب عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : تفرد بِهِ الْحجَّاج بن الشَّاعِر، عَن زَكَرِيَّا بن عدي، عَن عَلّي بن مسْهر، وَرَوَى سُوَيْد عَن عَلّي قِطْعَة من آخر الحَدِيث. قلت: لَا؛ فقد رَوَاهُ الْبَغَوِيّ عَن يَحْيَى الْحمانِي، عَن عَلّي بن مسْهر. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَرَوَاهُ صَاحب «الصارم المسلول» من طَرِيق الْبَغَوِيّ عَن يَحْيَى الْحمانِي، عَن عَلّي بن مسْهر وَصَححهُ، وَلم يَصح بِوَجْه. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فَأَرْبَعَة عشر: أَحدهَا: «أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أخذُوا الْجِزْيَة من نَصَارَى الْعَرَب» . وَهَذَا صَحِيح وَقد نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن الشَّافِعِي حَيْثُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله [عَنهُ] . الْأَثر الثَّانِي: «عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه أجلى الْيَهُود من الْحجاز، ثمَّ أذن لمن قدم مِنْهُم تَاجِرًا أَن يُقيم ثَلَاثًا» . وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع عَن أسلم مولَى عمر عَنهُ. وَقد ذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي بَاب صَلَاة الْمُسَافِر وتكلمنا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مَالك أَيْضا بِهِ «أَنه ضرب للْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس بِالْمَدِينَةِ إِقَامَة ثَلَاث لَيَال يتسوقون بهَا ويقضون حوائجهم، وَلَا يُقيم أحد مِنْهُم فَوق ثَلَاث لَيَال» . الْأَثر الثَّالِث: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «دِينَار الْجِزْيَة اثْنَا عشر درهما» . وَهَذَا الْأَثر يرْوَى عَنهُ بِإِسْنَاد ثَابت أَنه قَالَ: هُوَ عشرَة دَرَاهِم. قَالَ: وَوجه ذَلِك التَّقْوِيم باخْتلَاف السّعر. الْأَثر الرَّابِع: «عَن عمر أَيْضا أَنه ضرب فِي الْجِزْيَة عَلَى الْغَنِيّ ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين درهما، وَعَلَى الْمُتَوَسّط أَرْبَعَة وَعشْرين، وَعَلَى الْفَقِير المكتسب اثْنَا عشر» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِنَّه مُرْسل. رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن (عبيد) الثَّقَفِيّ. قَالَ: «وضع عمر بن الْخطاب - يَعْنِي فِي الْجِزْيَة - عَلَى رُءُوس الرِّجَال عَلَى الْغَنِيّ ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين درهما، وَعَلَى الْمُتَوَسّط الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210 أَرْبَعَة وَعشْرين درهما، وَعَلَى الْفَقِير اثْنَي عشر درهما» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ قَتَادَة عَن أبي مخلد عَن عمر، وَهُوَ مُرْسل أَيْضا. وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَنهُ «أَنه كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن لَا يضع الْجِزْيَة إِلَّا عَلَى من مرت عَلَيْهِ المواسي، وجزيتهم [أَرْبَعُونَ] درهما عَلَى أهل الْوَرق مِنْهُم، وَأَرْبَعَة دَنَانِير عَلَى أهل الذَّهَب» . الْأَثر الْخَامِس: عَن عمر أَيْضا: «أَنه وضع عَلَى أهل الذَّهَب أَرْبَعَة دَنَانِير، وَعَلَى أهل الْوَرق ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين درهما، وضيافة ثَلَاثَة أَيَّام لكل من يمر بهم من الْمُسلمين» . وَهَذَا الْأَثر تقدم بَيَانه قَرِيبا فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّادِس عشر لَكِن فِيهِ «أَنه وضع عَلَى أهل الْوَرق أَرْبَعِينَ درهما» ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» . الْأَثر السَّادِس: يرْوَى «أَن جمَاعَة من أهل الذِّمَّة أَتَوا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالُوا: إِن الْمُسلمين إِذا مروا بِنَا كلفونا ذَبَائِح الْغنم والدجاج. فَقَالَ: أطعموهم مِمَّا تَأْكُلُونَ وَلَا تزيدوهم عَلَيْهِ» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَفِي «علل بن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث (يزِيد) بن صعصعة قلت لِابْنِ عَبَّاس: إِنَّا ننزل بِأَهْل الذِّمَّة فمنا من تذبح لَهُ الشَّاة وَمنا من تذبح لَهُ الدَّجَاج، وَإِن استفتحنا فَلم يفتح لنا كسرنا الْبَاب. قَالَ: فَكيف تَقولُونَ فِي ذَلِك؟ قَالَ: منا من لَا يرَى بذلك بَأْسا. قَالَ: أَنْتُم تَقولُونَ كَمَا قَالَ أهل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 الْكتاب (لَيْسَ علينا فِي الْأُمِّيين سَبِيل وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ) فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يحل لكم أَن تَأْكُلُوا من أَمْوَال أهل الذِّمَّة إِلَّا بِطيب نَفْس مِنْهُم، وكلوا مَا أكلْتُم بِثمن» ، فَقَالَ: الصَّحِيح صعصعة بن يزِيد. وَرَوَاهُ شُعْبَة معكوسًا فَأَخْطَأَ، قَالَ: وَخطأ شُعْبَة أَكْثَره فِي أَسمَاء الرِّجَال - يَعْنِي الروَاة. الْأَثر السَّابِع: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد: أَن لَا يَأْخُذُوا الْجِزْيَة من النِّسَاء وَالصبيان» . هَذَا الْأَثر سلف وَاضحا فِي الحَدِيث السَّادِس. الْأَثر الثَّامِن: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه طلب الْجِزْيَة من نَصَارَى الْعَرَب وهم تنوخ وبهراء وَبَنُو تغلب. فَقَالُوا: نَحن عرب لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجم، فَخذ منا مَا يَأْخُذ بَعْضكُم من بعض - يعنون الزَّكَاة - فَقَالَ عمر: هَذَا فرض الله عَلَى الْمُسلمين. فَقَالُوا: زِدْنَا مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْم، لَا باسم الْجِزْيَة. فرضاهم عَلَى أَن يضعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ حمقى رَضوا بِالِاسْمِ وأبوا بِالْمَعْنَى» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي فَقَالَ: قد ذكره حفظَة الْمَغَازِي وَسَاقُوا أحسن سِيَاقَة أَن عمر ... فَذكره بِمثلِهِ إِلَى قَوْله: «الصَّدَقَة» . فَائِدَة: قَالَ المطرزي فِي «المعرب» بَنو تغلب قوم من مُشْركي الْعَرَب طالبهم عمر بالجزية فَأَبَوا، فصولحوا عَلَى أَن يُعْطوا الصَّدَقَة مضاعفة فرضوا، وَقيل: الْمصَالح كرْدُوس التغلبي، وَقيل: ابْنه دَاوُد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 هَكَذَا فِي كتاب «الْأَمْوَال» لأبي عبيد. قَالَ المطرزي: وَهُوَ أقرب. قَالَ: وَقيل: زرْعَة بن النُّعْمَان أَو النُّعْمَان بن زرْعَة. الْأَثر التَّاسِع: عَن عمر أَيْضا «أَنه أذن للحربي فِي دُخُول دَار الْإِسْلَام بِشَرْط أَخذ عشر مَا مَعَه من أَمْوَال التِّجَارَة» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: «جعل عمر بن الْخطاب أنس بن مَالك عَلَى صَدَقَة الْبَصْرَة فَقَالَ لي أنس بن مَالك: أَبْعَثك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب؟ فَقلت: لَا أعمل (لَك) حَتَّى تكْتب لي عهد عمر الَّذِي عهد إِلَيْك. فَكتب (إِلَيّ أَن نَأْخُذ) من أَمْوَال الْمُسلمين ربع الْعشْر، وَمن أَمْوَال أهل الذِّمَّة إِذا اخْتلفُوا فِيهَا للتِّجَارَة نصف الْعشْر، وَمن أَمْوَال أهل الْحَرْب الْعشْر» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم، وَمن أهل الذِّمَّة [من كل عشْرين دِرْهَم، وَمِمَّنْ لَا زمة لَهُ من كل عشرَة دَرَاهِم دِرْهَم. قَالَ: قلت:] من لَا ذمَّة لَهُ؟ قَالَ: الرّوم كَانُوا يقدمُونَ الشَّام» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «خُذ من الْمُسلمين ربع الْعشْر، وَمن أهل الذِّمَّة نصف الْعشْر، وَمن لَا ذمَّة لَهُ الْعشْر» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة عَنهُ «أَنه شَرط فِي الْمُسلمين نصف الْعشْر، وَمن لَا ذمَّة لَهُ الْعشْر» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة عَنهُ «أَنه شَرط مَعَ شَرط الْعشْر فِي سَائِر التِّجَارَات» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 قلت: رَوَى الشَّافِعِي عَن مَالك [عَن] ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن عمر كَانَ يَأْخُذ من القبط من الْحِنْطَة وَالزَّبِيب نصف الْعشْر يُرِيد، بذلك أَن يكثر الْحمل إِلَى الْمَدِينَة، وَيَأْخُذ من القطنية الْعشْر من تجاراتهم» . قلت: هُوَ ظَاهر الرِّوَايَات السالفة وَغَيرهَا عَنهُ. الْأَثر الْعَاشِر وَالْحَادِي عشر: عَن عمر وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا قَالَا: «لَا يُمكن أهل الذِّمَّة من إِحْدَاث بيعَة فِي بِلَاد الْمُسلمين» . أما أثر عمر؛ فقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حرَام بن مُعَاوِيَة قَالَ: «كتب إِلَيْنَا عمر: أَن أدبوا الْخَيل، وَلَا ترفعن بَين ظهرانيكم الصَّلِيب، وَلَا تجاورنكم الْخَنَازِير» وَرَوَى أَيْضا بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث يَحْيَى بن عقبَة بن أبي الْعيزَار - وَهُوَ ضَعِيف وَإِن سكت عبد الْحق عَلَى إِسْنَاده - عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَغَيره، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم. أَنبأَنَا بِهِ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي، أبنا زَيْنَب بنت مكي وَغَيرهَا، أبنا ابْن طبرزد، أبنا ابْن عبد الْبَاقِي، أبنا ابْن غَالب الْحَرْبِيّ، أبنا ابْن بَشرَان، أبنا ابْن السماك، ثَنَا أَبُو مُحَمَّد عبيد بن مُحَمَّد بن خلف الْبَزَّار [أبنا] صَالح بن أبي ثَوْر، ثَنَا الرّبيع بن ثَعْلَب أَبُو الْفضل، ثَنَا يَحْيَى بن عقبَة إِلَى عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: «كتبت لعمر بن الْخطاب حِين صَالح نَصَارَى من أهل الشَّام: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، هَذَا كتاب لعبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ من نَصَارَى مَدِينَة كَذَا وَكَذَا، إِنَّكُم لما قدمتم علينا سألناكم الْأمان لأنفسنا وذرارينا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 [وَأَمْوَالنَا] وَأهل ملتنا، وشرطنا لكم عَلَى أَنْفُسنَا أَن لَا نُحدث فِي مدينتنا وَلَا فِي حولهَا ديرًا وَلَا كَنِيسَة وَلَا [قلاية] وَلَا صومعة رَاهِب، وَلَا نجدد مَا خرب مِنْهَا، وَلَا نحيي مَا كَانَ مِنْهَا فِي حطط الْمُسلمين، وَلَا نمْنَع كنائسنا أَن ينزلها أحد من الْمُسلمين فِي ليل وَلَا نَهَار، ونوسع أَبْوَابهَا للمارة وَابْن السَّبِيل، وَأَن ننزل من مر بِنَا من الْمُسلمين ثَلَاثَة أَيَّام ونطعمهم، وَأَن لَا نؤمن فِي كنائسنا ومنازلنا جاسوسًا، وَلَا نكتم غشًّا للْمُسلمين، وَلَا نعلم أَوْلَادنَا الْقُرْآن، وَلَا نظهر شركا، وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أحدا، وَلَا نمْنَع أحدا من قرابتنا الدُّخُول فِي الْإِسْلَام إِن أرادوه، وَأَن نوقر الْمُسلمين، وَأَن نقوم لَهُم من مجالسنا إِن أَرَادوا جُلُوسًا، وَلَا نتشبه بهم فِي شَيْء من لباسهم من قلنسوة وَلَا عِمَامَة وَلَا نَعْلَيْنِ وَلَا فرق شعر، وَلَا نتكلم بكلامهم وَلَا نكتني بكناهم [وَلَا نركب السُّرُوج] وَلَا نتقلد السيوف، وَلَا نتَّخذ شَيْئا من السِّلَاح وَلَا نحمله مَعنا، وَلَا ننقش خواتمنا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا نبيع الْخُمُور، وَأَن نجز مقاديم رءوسنا وَأَن نلزم زينا حَيْثُمَا كُنَّا، وَأَن نَشد الزنانير عَلَى أوساطنا، وَأَن لَا نظهر صلبنًا وكتبنا فِي شَيْء من طرق الْمُسلمين وَلَا أسواقهم، وَأَن لَا نظهر الصَّلِيب عَلَى كنائسنا، وَلَا نضرب بناقوس فِي كنائسنا بَين حَضْرَة الْمُسلمين، وَأَن لَا نخرج سعانينًا وَلَا باعونًا، وَلَا نرفع أصواتنا مَعَ أمواتنا، وَلَا نظهر النيرَان مَعَهم فِي شَيْء من طَرِيق الْمُسلمين، وَلَا نجاوزهم مَوتَانا، وَلَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 نتَّخذ من الرَّقِيق مَا جَرَى عَلَيْهِ [سِهَام] الْمُسلمين وَأَن نرشد الْمُسلمين وَلَا نطلع عَلَيْهِم فِي مَنَازِلهمْ. فَلَمَّا أتيت عمر بِالْكتاب زَاد فِيهِ: وَأَن لَا نضرب أحدا من الْمُسلمين، شرطنا (لكم) ذَلِك عَلَى أَنْفُسنَا وَأهل ملتنا، وَقَبلنَا (عَنْهُم) الْأمان، فَإِن نَحن خَالَفنَا شَيْئا فَمَا شرطناه لكم وضمناه عَلَى أَنْفُسنَا فَلَا ذمَّة لنا، وَقد حل لكم مَا يحل لكم من أهل المعاندة والشقاق» وَرَوَى ابْن عدي عَن عمر رَفعه: «لَا تبنى كَنِيسَة فِي الْإِسْلَام، وَلَا يجدد مَا خرب مِنْهَا» وَفِي إِسْنَاده سعيد بن سِنَان وَهُوَ ضَعِيف. وَأما أثر ابْن عَبَّاس؛ فقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حَنش، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ أَنه قَالَ: «كل مصر مصَّره الْمُسلمُونَ لَا يُبْنَى فِيهِ بيعَة وَلَا كَنِيسَة، وَلَا يضْرب فِيهِ ناقوس، وَلَا يُبَاع فِيهِ لحم خِنْزِير» وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق بِزِيَادَة فِيهِ. الْأَثر الثَّانِي عشر: عَن عمر أَيْضا «أَنه شَرط عَلَى أهل الذِّمَّة من أهل الشَّام أَن يركبُوا عرضا عَلَى الأكف» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كتاب «الْأَمْوَال» عَن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي ابْن مهْدي - عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن أسلم «أَن عمر بن الْخطاب أَمر فِي أهل الذِّمَّة أَن تجز نواصيهم، وَأَن يركبُوا عَلَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 الأكف، وَأَن يركبُوا عرضا، وَلَا يركبون كَمَا يركبَ الْمُسلمُونَ، وَأَن يُوثقُوا المناطق» . قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي الزنانير. ثمَّ رَوَى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز مثله. وَالْمرَاد بالركوب عرضا أَن يَجْعَل الرَّاكِب رجلَيْهِ من جَانب وَاحِد، كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ. الْأَثر الثَّالِث عشر: عَن عمر أَيْضا «أَنه كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن يختموا رِقَاب أهل الذِّمَّة بِخَاتم الرصاص، وَأَن يجزوا نواصيهم، وَأَن يشدوا المناطق» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أسلم قَالَ: «كتب عمر إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن اختموا رِقَاب أهل الْجِزْيَة فِي أَعْنَاقهم» وَبَاقِي الْأَثر سلف بَيَانه قَرِيبا وَفِي السالف الطَّوِيل أَيْضا قَالَ الرَّافِعِيّ: قَالَ أَبُو عبيد: المناطق هِيَ الزنانير. وَهَذَا أسلفته عَنهُ. الْأَثر الرَّابِع عشر: «أَن نَصْرَانِيّا استكره مسلمة عَلَى الزِّنَا فَرفع إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صالحناكم. وَضرب عُنُقه» . وَهَذَا الْأَثر الْمَعْرُوف أَنه من رِوَايَة مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: «كُنَّا [مَعَ عمر بن الْخطاب] أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالشَّام فَأَتَاهُ نبطي مَضْرُوب مشجج مستعدى، فَغَضب غَضبا شَدِيدا فَقَالَ لِصُهَيْب: انْظُر من صَاحب هَذَا. فَانْطَلق فَإِذا هُوَ عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ لَهُ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد غضب غَضبا شَدِيدا فَلَو أتيت معَاذ بن جبل يمشي مَعَك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك بادرته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 فجَاء مَعَه معَاذ، فَلَمَّا انْصَرف عمر من الصَّلَاة قَالَ: أَيْن صُهَيْب؟ فَقَالَ: هَا أَنا ذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: أجئت بِالرجلِ الَّذِي ضربه؟ قَالَ: نعم. فَقَامَ إِلَيْهِ معَاذ بن جبل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه عَوْف بن مَالك فاسمع مِنْهُ وَلَا تعجل عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ عمر: مَا لَك وَلِهَذَا؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، رَأَيْته يَسُوق بِامْرَأَة مسلمة فَنَخَسَ الْحمار ليصرعها فَلم تصرع، ثمَّ دَفعهَا فخرت عَن الْحمار فغشيها فَفعلت مَا ترَى. قَالَ: ائْتِنِي بِالْمَرْأَةِ لتصدقك. فَأَتَى عَوْف الْمَرْأَة فَقَالَ مَا قَالَه عمر، قَالَ أَبوهَا وَزوجهَا: مَا أردْت بصاحبتنا فضحتها؟ فَقَالَت الْمَرْأَة: وَالله لأذهبن مَعَه إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَلَمَّا أَجمعت عَلَى ذَلِك قَالَ أَبوهَا وَزوجهَا: [نَحن] نبلغ عَنْك أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَأتيَا فصدقا عَوْف بن مَالك بِمَا قَالَ. قَالَ: فَقَالَ عمر لِلْيَهُودِيِّ: وَالله مَا عاهدناكم عَلَى هَذَا. فَأمر بِهِ فصلب ثمَّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، فوا بِذِمَّة مُحَمَّد (فَمن فعل مِنْهُم هَذَا فَلَا ذمَّة لَهُ. قَالَ سُوَيْد: إِنَّه لأوّل مصلوب رَأَيْته» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تَابعه ابْن أَشوع، عَن الشّعبِيّ، عَن عَوْف. وَمِمَّا حذفته من هَذَا الْبَاب مَا ذكره الرَّافِعِيّ [من] فتوح بعض الْبِلَاد وَهُوَ شهير فِي كتب السّير فَلذَلِك حذفته، هَذَا آخِره بِحَمْد الله وَمِنْه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 كتاب المهادنة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 كتاب المهادنة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ عشرَة أَحَادِيث أَحدهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَالح سُهَيْل بن عَمْرو بِالْحُدَيْبِية عَلَى وضع الْقِتَال عشر سِنِين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد كَذَلِك - وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من غير ذكر الْمدَّة - كِلَاهُمَا من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير، عَن الْمسور ومروان، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل مُشْتَمل عَلَى أَحْكَام فِي عدَّة وَرَقَات ذكره فِي الشُّرُوط. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالْمَحْفُوظ أَن الْمدَّة كَانَت عشر سِنِين، وَأما مَا رَوَاهُ عَاصِم بن عمر الْعمريّ، عَن ابْن دِينَار، عَن ابْن عُمَيْر «وَأَنَّهَا كَانَت أَربع سِنِين» فعاصم مِمَّا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، ضعفه يَحْيَى [و] البُخَارِيّ وَغَيرهمَا. قلت: وينكر إِذن عَلَى الْحَاكِم كَيفَ أخرجه فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح. وَكَذَا ابْن السكن كَيفَ أخرجه فِي «صحاحه» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَحكي عَن الشّعبِيّ وَغَيره أَنه قَالَ: لم يكن فِي الْإِسْلَام [فتح] كصلح الْحُدَيْبِيَة. الحَدِيث الثَّانِي «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما بلغه تَأَلُّبُ الْعَرَب واجتماع الْأَحْزَاب، قَالَ للْأَنْصَار: إِن الْعَرَب قد كالبتكم ورمتكم عَن قَوس وَاحِدَة فَهَل ترَوْنَ أَن ندفع شَيْئا من ثمار الْمَدِينَة إِلَيْهِم؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن قلت عَن وَحي فَسمع وَطَاعَة، وَإِن قلت عَن رأيٍ فرأيك مُتبع، كُنَّا لَا ندفع إِلَيْهِم ثَمَرَة إِلَّا بشرى أَو قِرى وَنحن كفار، فَكيف وَقد أعزنا الله بِالْإِسْلَامِ؟ ! فسر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بقَوْلهمْ» . هَذَا الحَدِيث ذكره ابْن إِسْحَاق فِي «السِّيرَة» قَالَ: حَدثنِي عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَمن لَا أتهم، عَن مُحَمَّد بن مُسلم ابْن عبيد الله الزُّهْرِيّ قَالَ: «لما اشْتَدَّ عَلَى النَّاس الْبلَاء بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر وَإِلَى الْحَارِث ابْن عَوْف بن أبي حَارِثَة المري - وهما قائدا غطفان - فَأَعْطَاهُمَا ثلث ثمار الْمَدِينَة عَلَى أَن يرجعا بِمن مَعَهُمَا عَنهُ وَعَن أَصْحَابه، فَجَرَى بَينه وَبَينهمَا الصُّلْح حَتَّى كتبُوا الْكتاب وَلم تقع الشَّهَادَة وَلَا عَزِيمَة الصُّلْح إِلَّا المراوضة فِي ذَلِك، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يفعل ذَلِك بعث إِلَى سعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة فَذكر ذَلِك لَهما واستشارهما فِيهِ، فَقَالَا لَهُ: يَا رَسُول الله، أمرا تحبه فنصنعه أم شَيْئا أنزل الله لابد لنا من الْعَمَل، أم شَيْئا تَصنعهُ لنا؟ قَالَ: بل شَيْء أصنعه لكم، وَالله مَا أصنع ذَلِك إِلَّا أَنِّي رَأَيْت الْعَرَب قد رمتكم عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 قَوس وَاحِدَة وكالبوكم من كل جَانب، فَأَرَدْت أَن أكسر عَنْكُم من شوكتهم إِلَى أَمر مَا. فَقَالَ لَهُ سعد ابْن معَاذ: يَا رَسُول الله، قد كُنَّا نَحن وَهَؤُلَاء الْقَوْم عَلَى الشّرك بِاللَّه وَعبادَة الْأَوْثَان لَا نعْبد الله وَلَا نعرفه وهم لَا يطمعون أَن يَأْكُلُوا منا ثَمَرَة إِلَّا قرَى أَو بيعا، أفحين أكرمنا الله بِالْإِسْلَامِ وهدانا لَهُ وأعزنا بك وَبِه؛ نعطيهم أَمْوَالنَا، مَا لنا بِهَذَا من حَاجَة، وَالله لَا نعطيهم إِلَّا السَّيْف حَتَّى يحكم الله بَيْننَا. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَأَنت وَذَاكَ. فَتَنَاول سعد الصَّحِيفَة فمحا مَا فِيهَا من الْكتاب ثمَّ قَالَ: ليجهدوا علينا. فَأَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - والمسلمون وعدوهم يحاصروهم» . ثمَّ سَاق ابْن إِسْحَاق أحسن سِيَاقَة عَلَى عَادَته، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» بِلَفْظ آخر فَقَالَ: ثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِي، ثَنَا عقبَة بن سِنَان الدارع، ثَنَا عُثْمَان بن عُثْمَان الْغَطَفَانِي، ثَنَا مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «جَاءَ الْحَارِث الْغَطَفَانِي إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، شاطرنا ثَمَر الْمَدِينَة. قَالَ: حَتَّى أَستَأْمر السُّعُود. فَبعث إِلَى سعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة وَسعد ابْن الرّبيع، وَسعد بن خَيْثَمَة وَسعد بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَقَالَ لَهُم: قد علمْتُم أَن الْعَرَب قد رمتكم عَن قَوس وَاحِدَة، وَأَن الْحَارِث يسألكم أَن تشاطروه ثَمَر الْمَدِينَة، فَإِن أردتم أَن تدفعوه عامكم هَذَا حَتَّى ينْظرُوا فِي أَمركُم بعد. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أُوحِي هَذَا من السَّمَاء فالتسليم لأمر الله، أَو عَن رَأْيك أَو هَوَاك فَرَأَيْنَا تبع لهواك ورأيك، فَإِن كنت إِنَّمَا تُرِيدُ الْإِبْقَاء علينا فوَاللَّه لقد رَأَيْتنَا وإياهم عَلَى سَوَاء، مَا ينالون مِنْهَا ثَمَرَة إِلَّا بشرَاء أَو قرَى. فَقَالَ رَسُول الله: (هَؤُلَاءِ يسمعُونَ مَا تَقولُونَ. قَالَ: غدرت يَا مُحَمَّد. فَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أبدا فَإِن مُحَمَّدًا لَا يغدر كسر الزجاجة صَدعهَا لَا يجْبر واللؤم ينْبت فِي أصُول السنحبر [يَا] جَار من يغدر بِذِمَّة جَاره وأمانه [المرى] حِين لقيتها إِن تغدروا فالغدر من عاداتكم فَائِدَة: «التألب» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق ثمَّ همزَة ثمَّ لَام ثمَّ بَاء مُوَحدَة: الِاجْتِمَاع. يُقَال: ألب الْإِبِل - بِالتَّخْفِيفِ عَلَى وزن ضرب - إِذا جمعهَا فَهُوَ يألبها - بِضَم الْبَاء وَكسرهَا - وتألبوا إِذا اجْتَمعُوا، وهم ألب - بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا - إِذا كَانُوا مُجْتَمعين. قَالَه الْجَوْهَرِي. قَالَ: وَأما «كالبتكم» فمقتضاه ساررتكم، فالمكالبة: المساررة. وَكَذَلِكَ التكالب، تَقول: هم يتكالبون عَلَى كَذَا. أَي: يتواثبون عَلَيْهِ. الحَدِيث الثَّالِث «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هادن صَفْوَان بن أُميَّة أَرْبَعَة أشهر فَأسلم قبل مُضِيّ الْمدَّة» . هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي كَذَلِك، وَقد ذكرنَا فِي بَاب نِكَاح الْمُشرك أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ستره شَهْرَيْن لَيْسَ إِلَّا، قَالَ الشَّافِعِي: وَقَول الله - تَعَالَى - (فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر) كَانَ عِنْد منصرف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من تَبُوك فِي أول الْأَمر، يَعْنِي فَيجوز أَكثر من ذَلِك كَمَا تقدم فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هادن قُريْشًا بِالْحُدَيْبِية عشر سِنِين وَكَانَ قد خرج ليعتمر لَا بأهبة الْقِتَال، وَكَانَ بِمَكَّة مستضعفون، فَأَرَادَ أَن يظهروا وَيكبر الْمُسلمُونَ» . هَذَا الحَدِيث هُوَ بعض من الحَدِيث الأول، وَقد نبهنا هُنَاكَ عَلَى من خرجه. الحَدِيث الْخَامِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هادن قُريْشًا ثمَّ أبطل الْعَهْد قبل تَمام الْمدَّة» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك فَقيل: نسخت الزِّيَادَة عَلَى أَرْبَعَة أشهر فَلذَلِك أبْطلهُ، وَالأَصَح أَنَّهَا مَا نسخت وَإِنَّمَا أَقَامَ عَلَى الْهُدْنَة سِنِين، وَإِنَّمَا أبطل الْعَهْد؛ لِأَنَّهُ وَقع شَيْء بَين حلفاء النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وهم خُزَاعَة وَبَين حلفاء قُرَيْش وهم بَنو بكر، [فأعانت قُرَيْش حلفاءها] عَلَى حلفاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فانتقضت هدنتهم. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما هادن قُريْشًا عَام الْحُدَيْبِيَة دخل بَنو خُزَاعَة عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَبَنُو بكر فِي عهد قُرَيْش، ثمَّ عدا بَنو بكر عَلَى خُزَاعَة وَأَعَانَهُمْ ثَلَاثَة نفر من قُرَيْش، فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَلِك نقضا للْعهد وَسَار إِلَى مَكَّة وَفتحهَا» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن مَرْوَان بن الحكم والمسور بن مخرمَة أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا [قَالَا] : «كَانَ فِي صلح رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْحُدَيْبِيَة بَينه وَبَين قُرَيْش: أَنه من شَاءَ أَن يدْخل فِي عقد مُحَمَّد وَعَهده دخل، وَمن شَاءَ أَن يدْخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ دخل. فتواثبت خُزَاعَة فَقَالُوا: نَحن ندخل فِي عهد مُحَمَّد وَعَهده. وتواثبت بَنو بكر فَقَالُوا: نَحن ندخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ. فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَة نَحْو السَّبْعَة أَو الثَّمَانِية عشر شهرا، ثمَّ إِن بني بكر الَّذين كَانُوا دخلُوا فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ وَثبُوا عَلَى خُزَاعَة الَّذين دخلُوا فِي عقد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَهده لَيْلًا بِمَاء لَهُم يُقَال لَهُ: الْوَتِير، قريب من مَكَّة فَقَالَت [قُرَيْش] : مَا يعلم بِنَا مُحَمَّد وَهَذَا اللَّيْل وَمَا يَرَانَا أحد. فأعانوهم عَلَيْهِم بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاح، فقاتلوهم مَعَهم لِلضِّغْنِ عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِن عَمْرو بن سَالم ركب إِلَى رَسُول الله عِنْدَمَا كَانَ من أَمر بني خُزَاعَة وَبني بكر بالْوَتِير حَتَّى قدم الْمَدِينَة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُخبرهُ الْخَبَر وَقد قَالَ أَبْيَات شعر، فَلَمَّا قدم عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنْشدهُ إِيَّاهَا: حلف أَبينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا اللَّهُمَّ إِنِّي نَاشد مُحَمَّدًا ثمت أسلمنَا وَلم ننزع يدا كُنَّا والدا وَكنت ولدا وَادعوا [عباد] الله [يَأْتُوا مدَدا] . فانصر رَسُول الله نصرا عتدَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 إِن سيم خسفا وَجهه تربدا فيهم رَسُول الله قد تجردا إِن قُريْشًا (أخْلفُوا) الْمَوْعِدَا فِي [فيلق] كالبحر يجْرِي مزبدا وَزَعَمُوا أَن لست أَدْعُو أحدا وَنَقَضُوا مِيثَاقك الْمُؤَكَّدَا قد جعلُوا إِلَى بكداك المرصدا فهم أذلّ وَأَقل عددا فَقَتَلُونَا ركعا وَسجدا هم بَيَّتُونَا بالْوَتِير هُجَّدا فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: نصرت يَا عَمْرو بن سَالم. فَمَا برح حَتَّى مرت (غمامة) فِي السَّمَاء فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن هَذِه السحابة تستهل بنصر بني كَعْب. وَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - النَّاس بالجهاز وكتمهم مخرجه، وَسَأَلَ الله أَن يعمي عَلَى قُرَيْش خَبره حَتَّى يبغتهم فِي بِلَادهمْ» وَفِي رِوَايَة للبيهقي أَيْضا من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة «أَن أَبَا بكر قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: تُرِيدُ قُريْشًا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَلَيْسَ بَيْنك وَبينهمْ مُدَّة؟ ! قَالَ: ألم يبلغك مَا صَنَعُوا ببني كَعْب؟ وَأذن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي النَّاس بالغزو» وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ: «كَانَت خُزَاعَة حلفاء لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَت بَنو بكر رهطًا من بني كنَانَة حلفاء لأبي سُفْيَان. قَالَ: وَكَانَت بَينهم موادعة أَيَّام الْحُدَيْبِيَة، فأغارت بَنو بكر عَلَى خُزَاعَة فِي تِلْكَ الْمدَّة، فبعثوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يشهدونه) فَخرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ممدًّا لَهُم فِي شهر رَمَضَان، فصَام حَتَّى بلغ قديدًا، ثمَّ أفطر وَقَالَ: ليصم النَّاس فِي السّفر ويفطروا، فَمن صَامَ أَجْزَأَ عَنهُ صَوْمه، وَمن أفطر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء. فَفتح الله مَكَّة، فَلَمَّا دَخلهَا أسْند ظَهره إِلَى الْكَعْبَة ثمَّ قَالَ: كفوا السِّلَاح إِلَّا خُزَاعَة وَبكر ... » ثمَّ سَاق الحَدِيث. الحَدِيث السَّادِس «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وادع يهود خَيْبَر وَقَالَ: أقركم مَا أقركم الله» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث السَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وادع بني قُرَيْظَة، فَلَمَّا قصد الْأَحْزَاب الْمَدِينَة آواهم سيد بني قُرَيْظَة وَأَعَانَهُمْ بِالسِّلَاحِ، وَلم يُنكر الْآخرُونَ ذَلِك، فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[ذَلِك] نقضا للْعهد من الْكل، وقتلهم وسبى ذَرَارِيهمْ إِلَّا ابْني سعية فَإِنَّهُمَا فارقاهم وأسلما» . وَأما موادعته عَلَيْهِ السَّلَام بني قُرَيْظَة؛ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَدا بني النَّضِير بِالْكَتَائِبِ، وَنزل ببني النَّضِير ودعاهم إِلَى أَن يعاهدوا، فعاهدوه، فَانْصَرف عَنْهُم ... » وَهُوَ حَدِيث طَوِيل. وَأما نقضهم للْعهد؛ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث يُونُس بن بكير، عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: ثَنَا يزِيد بن رُومَان، عَن عُرْوَة بن الزبير. وحَدثني يزِيد بن زِيَاد، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَعُثْمَان بن يهوذا - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 أحد بني عَمْرو بن قُرَيْظَة - عَن رجال من قومه قَالَ: «كَانَ الَّذين حزبوا [الْأَحْزَاب] نفر من بني النَّضِير وَنَفر من بني وَائِل، وَكَانَ من بني النَّضِير حييّ بن أَخطب، وكنانة بن الرّبيع بن أبي الْحقيق [وَأَبُو عمار، وَمن بني وَائِل حَيّ من الْأَنْصَار من أَوْس الله وحوج بن عَمْرو وَرِجَال مِنْهُم] خَرجُوا حَتَّى قدمُوا عَلَى قُرَيْش فدعوهم إِلَى حَرْب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فنشطوا لذَلِك» ثمَّ ذكر الْقِصَّة فِي خُرُوج أبي سُفْيَان بن حَرْب والأحزاب قَالَ: «وَخرج حييّ بن أَخطب حَتَّى أَتَى كَعْب بن أَسد صَاحب عقد بني قُرَيْظَة وَعَهْدهمْ، فَلَمَّا سمع بِهِ كَعْب أغلق حصنه دونه فَقَالَ: وَيحك يَا كَعْب، افْتَحْ لي حَتَّى أَدخل عَلَيْك. فَقَالَ: وَيحك يَا حييّ إِنَّك امْرُؤ مشئوم، وَإنَّهُ لَا حَاجَة لي بك وَلَا بِمَا جئتني بِهِ، إِنِّي لم أر من مُحَمَّد إِلَّا صدقا ووفاء، وَقد وادعني ووادعته فَدَعْنِي وارجع عني. فَقَالَ: وَالله إِن غلقت دوني إِلَّا عَن خشيتك أَن آكل مَعَك مِنْهَا. فأحفظه فَفتح لَهُ، فَلَمَّا [دخل عَلَيْهِ] قَالَ لَهُ: وَيحك يَا كَعْب، جئْتُك بعز الدَّهْر بِقُرَيْش مَعهَا قادتها حَتَّى أنزلهَا برومة، وجئتك بغطفان عَلَى قادتها وسادتها حَتَّى أنزلتها إِلَى جَانب أحد، جئْتُك ببحر طام لَا يردهُ شَيْء. فَقَالَ: جئتني وَالله بالذل، وَيلك فَدَعْنِي وَمَا أَنا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا حَاجَة لي بك وَلَا بِمَا تَدعُونِي إِلَيْهِ. فَلم يزل حييّ بن أَخطب يفتله فِي الذرْوَة وَالْغَارِب حَتَّى أطَاع لَهُ، وَأَعْطَاهُ الْعَهْد والميثاق: لَئِن رجعت قُرَيْش وغَطَفَان قبل أَن يُصِيبُوا مُحَمَّدًا لأدخلن مَعَك فِي حصنك حَتَّى يُصِيبنِي مَا أَصَابَك. فنقض كَعْب الْعَهْد وَأظْهر الْبَرَاءَة من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَا كَانَ بَينه وَبَينه» . قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة قَالَ: «لما بلغ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خبر كَعْب وَنقض بني قُرَيْظَة بعث إِلَيْهِم سعد بن عبَادَة، وَسعد بن معَاذ، وخوات بن جُبَير، وَعبد الله بن رَوَاحَة، ليعلموا خبرهم، فَلَمَّا انْتَهوا إِلَيْهِم وجدوهم عَلَى أَخبث مَا بَلغهُمْ» . قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَحَدثني عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن شيخ [من] بني قُرَيْظَة ... فَذكر قصَّة سَبَب إِسْلَام ثَعْلَبَة وَأسيد ابْني سعية وَأسد بن عبيد، ونزولهم عَن حصن بني قُرَيْظَة، وإسلامهم، ثمَّ سَاق ابْن إِسْحَاق الْقِصَّة بكمالها. الحَدِيث الثَّامِن «أَنه كَانَ فِي مهادنة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قُريْشًا عَام الْحُدَيْبِيَة وَقد جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو رَسُولا مِنْهُم: من جَاءَنَا مِنْكُم مُسلما رددناه، وَمن جَاءَكُم منا فسحقًا سحقًا» . هَذَا الحَدِيث هَكَذَا ذكره الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا بعد عقد الْهُدْنَة جَوَابا لبَعض الصَّحَابَة؛ فقد رَوَى مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهُوَ من أَفْرَاده من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن قُريْشًا صَالحُوا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فيهم سُهَيْل بن عَمْرو ... » فَذكره إِلَى أَن قَالَ: «فَاشْتَرَطُوا فِي ذَلِك: أَن من جَاءَ مِنْكُم لم نرده عَلَيْكُم، وَمن جَاءَ منا رددتموه علينا. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أنكتب هَذَا؟ قَالَ: نعم، إِنَّه من ذهب منا إِلَيْهِم فَأَبْعَده الله، وَمن جَاءَنَا مِنْهُم فسيجعل الله لَهُم [فرجا ومخرجًا] » . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 [الحَدِيث التَّاسِع] «أَن أم كُلْثُوم ابْنة عقبَة بن أبي معيط جَاءَت مسلمة فِي مُدَّة الْهُدْنَة وَجَاء أَخُوهَا فِي طلبَهَا، فَأنْزل الله - تَعَالَى - (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات (إِلَى قَوْله: (فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار) وَكَانَ (لَا يرد النِّسَاء وَيغرم مهورهن» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ من طَرِيق عُرْوَة بن الزبير، عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم فِي الحَدِيث الطَّوِيل إِلَى أَن قَالَا: «وَلم يَأْتِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحد من الرِّجَال إِلَّا رده فِي تِلْكَ الْمدَّة وَإِن كَانَ مُسلما، وَجَاءَت الْمُؤْمِنَات مهاجرات وَكَانَت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط مِمَّن خرج إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمئِذٍ وَهِي عاتق، فجَاء أَهلهَا يسْأَلُون رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يرجعها إِلَيْهِم حَتَّى أنزل الله فِي الْمُؤْمِنَات مَا أنزل» قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي عُرْوَة أَن عَائِشَة زوج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يمْتَحن من هَاجر من الْمُؤْمِنَات بِهَذِهِ الْآيَة (يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات مهاجرات» ) وَعَن عَمه قَالَ: «بلغنَا حِين أَمر الله - سُبْحَانَهُ - رَسُوله أَن يرد إِلَى الْمُشْركين مَا أَنْفقُوا عَلَى من هَاجر من أَزوَاجهم ... » فَذكر الحَدِيث كَذَا ذكره فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة، وَقَالَ فِي بَاب الشُّرُوط: قَالَ عقيل عَن الزُّهْرِيّ: قَالَ عُرْوَة: فأخبرتني عَائِشَة «أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 رَسُول الله [كَانَ] يمتحنهن» وبلغنا «أَنه لما أنزل الله أَن يردوا إِلَى الْمُشْركين مَا أَنْفقُوا عَلَى من هَاجر من أَزوَاجهم وَحكم عَلَى الْمُسلمين أَن لَا يمسكوا بعصم الكوافر، أَن عمر طلق امْرَأتَيْنِ: قريبَة بنت أبي أُميَّة وَابْنَة جَرْوَل الْخُزَاعِيّ، فَتزَوج قريبَة مُعَاوِيَة وَتزَوج الْأُخْرَى أَبُو جهم، فَلَمَّا أَبَى الْكفَّار أَن يقرُّوا بأَدَاء مَا أنْفق الْمُسلمُونَ عَلَى أَزوَاجهم أنزل الله (وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم) والعقب: مَا يُؤَدِّي الْمُسلمُونَ إِلَى من هَاجَرت امْرَأَته من الْكفَّار، فَأمر أَن يُعْطَى من ذهب لَهُ زوج من الْمُسلمين مَا أنْفق من صدَاق نسَاء الْكفَّار اللائي هَاجَرْنَ، وَمَا نعلم أحدا من الْمُهَاجِرَات ارتددن بعد إيمَانهَا» . وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق حَدثنِي الزُّهْرِيّ وَعبد الله بن أبي بكر قَالَا: «هَاجَرت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَام الْحُدَيْبِيَة، فجَاء أَخُوهَا الْوَلِيد وَفُلَان ابْنا عقبَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَبَى أَن يردهَا عَلَيْهِمَا» . الحَدِيث الْعَاشِر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رد أَبَا جندل وَهُوَ يرسف فِي قيوده عَلَى أَبِيه سُهَيْل بن عَمْرو، وَأَبا بَصِير وَقد جَاءَ فِي طلبه رجلَانِ فَرده إِلَيْهِمَا، فَقتل أَحدهمَا فِي الطَّرِيق وأفلت الآخر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أَيْضا وَهُوَ بعض من الحَدِيث الَّذِي قبله. قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 الرَّافِعِيّ: وَيروَى «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ لأبي جندل حِين رد إِلَى أَبِيه: إِن دم الْكَافِر عِنْد الله كَدم الْكَلْب. فعرَّض لَهُ بقتل أَبِيه» . قلت: أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» فِي سياقته لهَذَا الحَدِيث الطَّوِيل فِي أوراق عدَّة من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن الْمسور ومروان ... فَذَكَرَاهُ إِلَى أَن قَالَا «فَلَمَّا رَأَى سُهَيْل أَبَا جندل قَامَ إِلَيْهِ فَضرب وَجهه وَقَالَ: يَا مُحَمَّد، قد (تمت) الْقَضِيَّة بيني وَبَيْنك قبل أَن يَأْتِيك هَذَا. قَالَ: صدقت. فَقَامَ إِلَيْهِ [فَأخذ] بتلبيبه. قَالَ: وصرخ أَبُو جندل بِأَعْلَى صَوته: يَا معشر الْمُسلمين، أتردونني إِلَى أهل الشّرك فيفتنوني فِي ديني [فَزَاد النَّاس شرًّا إِلَى مَا بهم] فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا أَبَا جندل، اصبر واحتسب؛ فَإِن الله جَاعل لَك وَلمن مَعَك من الْمُسْتَضْعَفِينَ فرجا ومخرجًا، إِنَّا قد عَقدنَا بَيْننَا وَبَين الْقَوْم صلحا فأعطيناهم عَلَى ذَلِك وأعطونا عَلَيْهِ عهدا، وَإِنَّا لن نغدر بهم. قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عمر بن الْخطاب مَعَ أبي جندل فَجعل يمشي إِلَى جنبه وَيَقُول: اصبر يَا أَبَا جندل؛ فَإِنَّمَا هم الْمُشْركُونَ، وَإِنَّمَا دم أحدهم كَدم كلب. قَالَ: ويدني قَائِم السَّيْف مِنْهُ. قَالَ: رَجَوْت أَن يَأْخُذ السَّيْف فَيضْرب بِهِ أَبَاهُ. قَالَ: فضن الرجل بِأَبِيهِ ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. فَائِدَة: «أَبُو بَصِير» بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة، اسْمه عتبَة بن أسيد - بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين - حَلِيف بني زهرَة. و «أَبُو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 جندل» بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان النُّون، اسْمه القَاضِي عَلّي. كَمَا قَالَه الرّبيع بن بكار وَغَيره. والجندل مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة الْحجر، وَجمعه جنادل. و «يرسف» بالراء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي: يمشي فِي الْقُيُود، يُقَال: رَسَفَ يَرْسُف ويرسِف - بِالضَّمِّ وَالْكَسْر - ورسفْا - بِالسُّكُونِ - ورَسَفَانًا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 كتاب الصَّيْد والذبائح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 كتاب الصَّيْد والذبائح ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث اثْنَيْنِ وَعشْرين حَدِيثا، وَمن الْآثَار أثرا وَاحِدًا. الحَدِيث الأول «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعدي بن حَاتِم: إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله عَلَيْهِ فَكل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِأَلْفَاظ، ومدار هَذَا الْبَاب عَلَيْهِ وَعَلَى أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي، فَأَنا أذكرهُ بطرق وأحيل مَا بعده عَلَيْهِ فَأَقُول: أخرج الشَّيْخَانِ من حَدِيثه «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقلت: إِنَّا قوم نصيد بِهَذِهِ الْكلاب. فَقَالَ: إِذا أرْسلت كلابك المعلمة وَذكرت اسْم الله فَكل مِمَّا أمسكن عَلَيْك، إِلَّا أَن يَأْكُل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل؛ فَإِنِّي أَخَاف أَن يكون مِمَّا أمسك عَلَى نَفسه، وَإِن خالطها كلب من غَيرهَا فَلَا تَأْكُل» . وَفِي رِوَايَة لَهما: «سَأَلته عَن صيد المعراض فَقَالَ: مَا أصَاب بحده فَكل، وَمَا أصَاب بعرضه فَهُوَ وقيذ فَلَا تَأْكُل. وَسَأَلته عَن صيد الْكَلْب فَقَالَ: مَا أمسك عَلَيْك [وَلم يَأْكُل مِنْهُ] فكله، فَإِن أَخذ الْكَلْب ذَكَاته، فَإِن وجدت مَعَ كلبك أَو كلابك كَلْبا غَيره فَخَشِيت أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 يكون أَخذه مَعَه وَقد قَتله فَلَا تَأْكُل؛ فَإِنَّمَا ذكرت اسْم الله عَلَى كلبك وَلم تذكر عَلَى غَيره» . وَفِي رِوَايَة لَهما بعد: «فَإِذا أرْسلت كلبك وَسميت فَكل» : «قلت: فَإِن أكل؟ قَالَ: فَلَا تَأْكُل؛ فَإِنَّهُ لم يمسك عَلَيْك إِنَّمَا أمسك عَلَى نَفسه» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا نرسل الْكلاب المعلمة. قَالَ: كل مَا أمسكن عَلَيْك. قلت: وَإِن قتلن؟ قَالَ: وَإِن قتلن. قلت: إِنَّا نرمي بالمعراض. قَالَ: كل مَا خرق، وَمَا أصَاب بعرضه فَلَا تَأْكُل» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَإِن رميت الصَّيْد فَوَجَدته بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أثر سهمك فَكل، فَإِن وَقع فِي المَاء فَلَا تَأْكُل» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «إِن أَحَدنَا يَرْمِي الصَّيْد (فيقتفي) أَثَره الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة ثمَّ يجده مَيتا وَفِيه سَهْمه. قَالَ: يَأْكُل إِن شَاءَ» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِنِّي أرسل الْكلاب المعلمة فيمسكن عَلّي وأذكر اسْم الله [عَلَيْهِ] فَقَالَ: إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله فَكل. قلت: وَإِن قتلن؟ قَالَ: وَإِن قتلن مَا لم يشركها كلب لَيْسَ مَعهَا. فَقلت لَهُ: فَإِنِّي أرمي بالمعراض الصَّيْد فأصيبه، فَقَالَ: إِذا رميت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 بالمعراض فخرق فكله، وَإِن أَصَابَهُ بعرضه فَلَا تَأْكُله» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا أرْسلت كلبك فاذكر اسْم الله عَلَيْهِ، فَإِن أمسك عَلَيْك فَأَدْرَكته حيًّا فاذبحه، وَإِن أَدْرَكته قد قتل وَلم يَأْكُل مِنْهُ فكله، وَإِن وجدت مَعَ كلبك كَلْبا غَيره وَقد قتل فَلَا تَأْكُل فَإنَّك لَا تَدْرِي أَيهمَا قَتله، وَإِن ر ميت بسهمك فاذكر اسْم الله، فَإِن غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلم تَجِد فِيهِ إِلَّا أثر سهمك فَكل إِن شِئْت، وَإِن وجدته غريقًا فِي المَاء فَلَا تَأْكُل» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فانك لَا تَدْرِي المَاء قَتله أَو سهمك» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: «إِذا رميت سهمك وَذكرت اسْم الله فَوَجَدته من الْغَد وَلم تَجدهُ فِي مَاء وَلَا فِيهِ أثر غير سهمك فَكل [وَإِذا اخْتَلَط بكلابك كلب من غَيرهَا فَلَا تَأْكُل، لَا تَدْرِي لَعَلَّه قَتله الَّذِي لَيْسَ مِنْهَا» وَفِي رِوَايَة لَهما أَيْضا: «مَا علمت من كلب أَو باز ثمَّ أَرْسلتهُ وَذكرت اسْم الله فَكل] مِمَّا أمسك عَلَيْك. قلت: وَإِن قتل؟ قَالَ: إِذا قَتله وَلم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّمَا أمسك عَلَيْك» . وَفِي إسنادهما مجَالد بن سعيد وَقد ضَعَّفُوهُ كَمَا ستعلمه فِي الْبَاب، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قلت: يَا رَسُول الله، أرمي الصَّيْد وَأَجد فِيهِ من الْغَد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 سهمي؟ قَالَ: إِذا علمت أَن سهمك قَتله وَلم تَرَ فِيهِ أثر سبع فَكل» . فَائِدَة: «المعراض» الْمَذْكُور فِي الحَدِيث - بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة -: سهم عريض لَا ريش فِيهِ وَلَا نصل. وَقيل: هُوَ حَدِيدَة. وَقيل: خَشَبَة محدودة الطّرف. و «الوقذ» - بِالْقَافِ والذال الْمُعْجَمَة -: الموقوذ وَهُوَ الْمَضْرُوب بالعصا حَتَّى يَمُوت، فعل بِمَعْنى مفعول. وَقَوله: «إِن أُصِيب بعَرضه» - هُوَ بِفَتْح الْعين - أَي الْعرض الَّذِي هُوَ خلاف الطول، وَخرج السهْم إِذا أصَاب وَبعد فِي الرَّمية، والاقتفاء: تتبع الْأَثر. فَائِدَة ثَانِيَة: عدي هَذَا كُوفِي صَحَابِيّ كَانَ جوادًا شريفًا فِي قومه، مُعظما عِنْدهم وَعند غَيرهم. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَكَانَ طوَالًا إِذا ركب الْفرس كَادَت رجلَيْهِ تخط الأَرْض، وَأَبوهُ حَاتِم هُوَ الْمَشْهُور بِالْكَرمِ. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه وَاضحا فِي أَوَائِل الْكتاب فِي بَاب النَّجَاسَات مِنْهُ، فَرَاجعه من ثمَّ. الحَدِيث الثَّالِث عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِن لي كلابًا مكلبة فأفتني فِي صيدها. فَقَالَ: كل مَا أمسكن. قلت: ذكي وَغير ذكي؟ ! [قَالَ: ذكي أَو غير ذكي] » . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور بِزِيَادَة: «وَإِن أكل مِنْهُ؟ قَالَ: وَإِن أكل مِنْهُ. قَالَ: يَا رَسُول الله، أَفْتِنِي فِي قوسي؟ قَالَ: كل مَا ردَّتْ عَلَيْك قوسك. قَالَ: ذكي وَغير ذكي؟ قَالَ: وَإِن تغيَّب عني؟ قَالَ: وَإِن تغيب عَنْك مَا لم تصل أَو تَجِد فِيهِ أثرا غير سهمك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح، فَإِنَّهُ أخرجه عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن حبيب الْمعلم - وَهُوَ من الثِّقَات الْحفاظ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» - عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده - وَقد علمت فِي أَوَائِل الْكتاب أَن الْأَكْثَر عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ -[عَن] أبي ثَعْلَبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عَلّي، عَن ابْن سَوَاء، عَن سعيد، عَن أبي مَالك، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن لي كلابًا مكلبة فأفتني فِيهَا. فَقَالَ: مَا أمسك عَلَيْك كلابك فَكل. قلت: وَإِن قتلن؟ قَالَ: وَإِن قتلن. قَالَ: أَفْتِنِي فِي قوسي. قَالَ: مَا رد عَلَيْك سهمك فَكل. قَالَ: وَإِن تغيب عَلّي؟ [قَالَ: وَإِن تغيب عَلَيْك] مَا لم تَجِد فِيهِ أثر سهم غير سهمك أَو تَجدهُ قد صل - يَعْنِي قد أنتن» قَالَ ابْن سَوَاء: وسمعته من أبي مَالك عبيد الله بن الْأَخْنَس، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَهَذَا إِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ، احْتج بهم كلهم فِي الصَّحِيح. شيخ النَّسَائِيّ عَمْرو بن عَلّي هُوَ الفلاس أحد الْحفاظ الْأَعْلَام، أخرج لَهُ السِّتَّة. وَشَيْخه ابْن سَوَاء وَهُوَ مُحَمَّد بن سَوَاء أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَوَثَّقَهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 ابْن حبَان. وَشَيْخه سعيد هُوَ ابْن [أبي] عرُوبَة أحد الْأَعْلَام، احْتج بِهِ السِّتَّة. وَأَبُو مَالك هُوَ عبيد الله بن الْأَخْنَس كَمَا سَاقه ثَانِيًا، احْتج بِهِ السِّتَّة وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة، فَهَذِهِ الطَّرِيق صَحِيحَة أَيْضا، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُوَافق لحَدِيث أبي دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن عِيسَى، عَن [هشيم] عَن دَاوُد بن عَمْرو، عَن بسر بن عبيد الله، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ثَعْلَبَة قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صيد الْكَلْب: «إِذا أرْسلت كلبك وَذكرت اسْم الله فَكل وَإِن أكل مِنْهُ، وكل مَا ردَّتْ عَلَيْك يدك» إِلَّا أَن حَدِيث أبي ثَعْلَبَة مخرج فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ربيعَة بن يزِيد الدِّمَشْقِي، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي ثَعْلَبَة وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الْأكل. وَحَدِيث عدي فِي النَّهْي عَنهُ إِذا أكل أصح من رِوَايَة أبي دَاوُد فِي الْأكل. قَالَ: وَقد رَوَى شُعْبَة عَن عبد ربه بن سعيد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن رجل من هُذَيْل «أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْكَلْب يصطاد، قَالَ: كل، أكل أَو لم يَأْكُل» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَصَارَ حَدِيث عَمْرو بِهَذَا معلولاً. وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ أعل فِي «محلاه» الحَدِيث من طريقيه فَقَالَ: لَا يَصح الأول؛ لِأَنَّهُ عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. وَقد أسلفنا لَك آنِفا أَن الْأَكْثَر عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 وَقَالَ فِي الثَّانِي: دَاوُد بن عَمْرو ضَعِيف ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل، وَقد ذكر بِالْكَذِبِ، فَإِن لجوا وَقَالُوا: هُوَ ثِقَة. قُلْنَا: لَا عَلَيْكُم وثقتموه هُنَا، وَأما نَحن فَمَا نحتج بِهِ وَلَا نقبله. قلت: دَاوُد هَذَا مُخْتَلف فِيهِ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ أَحْمد: حَدِيثه مقارب. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: لَا أرَى بروايته بَأْسا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. وَقَالَ الْعجلِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: صَالح. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : انْفَرد بِحَدِيث: «أَحْسنُوا أسماءكم» وَبِهَذَا الحَدِيث وَهَذَا حَدِيث مُنكر. وَلقَائِل أَن يَقُول لَيْسَ بَين حَدِيث عَمْرو وَدَاوُد وَبَين حَدِيث عدي الْمخْرج فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مُنَافَاة؛ لِأَنَّهُ علل «وَلَا يَأْكُل» فِي حَدِيث عدي بِكَوْنِهِ أمسك عَلَى نَفسه، وَفِي هَذَا الحَدِيث يحْتَمل أَنه أكل مِنْهُ بعد أَن قَتله وَانْصَرف عَنهُ فَلَا تنَافِي إِذن. الحَدِيث الرَّابِع «أَن بَعِيرًا ندَّ فَرَمَاهُ رجل مِنْهُم فحبسه الله، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن لهَذِهِ الْبَهَائِم أوابد كأوابد الْوَحْش، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث رَافع بن خديج رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد فرقه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب فأذكره بِكَمَالِهِ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 فَأَقُول: أخرج الشَّيْخَانِ من حَدِيث رَافع الْمَذْكُور قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِذِي الحليفة من تهَامَة فَأصَاب النَّاس جوع، فَأَصَابُوا إبِلا وَغنما، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أخريات الْقَوْم، فعجلوا وذبحوا ونصبوا الْقُدُور (فَأمر النَّبِي) (بالقدور فأكفئت، ثمَّ قسم فَعدل عشرَة من الْغنم بِبَعِير، فند مِنْهَا بعير فطلبوه فأعياهم، وَكَانَ فِي الْقَوْم خيل يسيرَة فَأَهْوَى رجل بِسَهْم فحبسه الله، فَقَالَ: إِن لهَذِهِ الْبَهَائِم أوابد كأوابد الْوَحْش فَمَا [ند] عَلَيْكُم مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا لاقو الْعَدو غَدا وَلَيْسَت مَعنا مُدى أفنذبح بالقصب؟ قَالَ: مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فكلوه، لَيْسَ السن وَالظفر، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن ذَلِك؛ أما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة» وَزَاد الْحميدِي بعد قَوْله: «فَاصْنَعُوا بِهِ هَذَا» : «وكلوه» . تَنْبِيه: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : وَقع شكّ فِي كَونه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «أما السن فَعظم ... » إِلَى آخِره أما الرَّاوِي فَبين ذَلِك وَاضحا. فَائِدَة: «نَدَّ» هُوَ بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الدَّال، أَي: هرب من صَاحبه وَذهب لوجهه. و «الأوابد» بِفَتْح الْهمزَة وبالباء الْمُوَحدَة وَهِي النفور والتوحش، جمع آبدة - بِالْمدِّ وَكسر الْبَاء - يُقَال: أبدت - بِكَسْر الْبَاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 وَالتَّخْفِيف - تأبد، و [أما مدية] بِكَسْر [الْمِيم] وَضمّهَا وَفتحهَا سَاكِنة الدَّال، وَهِي السكين، سميت مدية؛ لِأَنَّهَا تقطع مدى حَيَاة الْحَيَوَان. و «أنهر الدَّم» أَي: أساله، وَالْمَشْهُور أَنه بالراء الْمُهْملَة. قَالَ القَاضِي عِيَاض - وَذكره يَحْيَى بالزاي -: والنهز بِمَعْنى الدّفع. وَهُوَ غَرِيب، وَقَوله: «لَيْسَ السن وَالظفر» هما منصوبان بليس، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى هَذِه الْأَلْفَاظ وَغَيرهَا فِي شرحي للعمدة، فراجع ذَلِك مِنْهُ فَإِنَّهُ مُهِمّ. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي العشراء الدَّارمِيّ، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: «يَا رَسُول الله، أما تكون الذَّكَاة إِلَّا فِي الْحلق واللبة؟ فَقَالَ (: وَأَبِيك لَو طعنت فِي فَخذهَا لأجزأك» ، وَيروَى «أَنه سَأَلَ عَن بعير نادٍ - وَيروَى أَنه لَو تردى لَهُ بعير فِي بِئْر - فَقَالَ (: لَو طعنت فِي خاصرته لحل لَك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول بِدُونِ الْقسم أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالْبَيْهَقِيّ وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ فَإِن أَبَا العشراء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 الدَّارمِيّ - بِضَم الْعين وبالمد عَلَى الْهَمْز - فِيهِ جَهَالَة وَقد تكلم البُخَارِيّ وَغَيره فِي حَدِيثه. قَالَ الْمَيْمُونِيّ: سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن حَدِيثه هَذَا فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي غلط، وَلَا يُعجبنِي، وَلَا أذهب إِلَيْهِ إِلَّا فِي مَوضِع ضَرُورَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث حَمَّاد. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» : فِي حَدِيث أبي العشراء واسْمه وسماعه من أَبِيه نظر. وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي «ثقاته» فِي التَّابِعين فَقَالَ: أَبُو العشراء الدَّارمِيّ اسْمه عَامر بن أُسَامَة بن مَالك بن قهطم، يروي عَن أَبِيه وَله صُحْبَة، رَوَى عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة. وَقَالَ ابْن سعد فِي «الطَّبَقَات» : أُسَامَة بن مَالك بن قهطم أَبُو العشراء الدَّارمِيّ لَهُ حَدِيث، رَوَى عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: ضعفوا هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن رَاوِيه مَجْهُول، وَأَبُو العشراء لَا يُدْرَى من أَبوهُ، وَلم يروه غير حَمَّاد بن سَلمَة. وَكَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم وَالْإِيهَام» : عِلّة هَذَا الحَدِيث أَن أَبَا العشراء لَا يعرف حَاله وَلَا يعرف لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَلَا نَعْرِف رَوَى عَنهُ إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ حَمَّاد بن سَلمَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 عَن أبي العشراء الدَّارمِيّ عَن أَبِيه. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ فقد اتَّفقُوا عَلَى أَن مَدَاره عَلَى أبي العشراء، قَالُوا: وَهُوَ مَجْهُول لَا يعرف إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، وَلم يرو عَنهُ غير حَمَّاد بن سَلمَة، وَقد اتّفق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ عَلَى أَن من لم يرو عَنهُ غير وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول إِلَّا أَن يكون مَشْهُورا بِعلم أَو صَلَاح أَو شجاعة وَنَحْو ذَلِك، وَلم يُوجد شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء فِي أبي العشراء فَهُوَ مَجْهُول، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنه لم يرو عَنهُ غير حَمَّاد بن سَلمَة. وَأما عبد الْحق فَذكره من طَرِيق أبي دَاوُد وَسكت عَلَيْهِ وَهُوَ قَاض بِصِحَّتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ فِي خطْبَة كِتَابه، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وقولة ابْن حبَان الشائعة «تفرد بهَا» فَلَا تصلح أَن تكون سندًا لَهُ. وَأما اللَّفْظ الثَّانِي الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ فَغَرِيب جدًّا، ونقلها ابْن الصّلاح عَن الشَّيْخ أبي حَامِد أَنه قَالَ فِي بعض الْأَخْبَار «أَنه سُئِلَ عَن بعير تردى فِي بِئْر فَقَالَ: أما تصلح الذَّكَاة إِلَّا فِي الْحلق واللبة؟ ... » وَذكر الحَدِيث. ثمَّ قَالَ ابْن الصّلاح: وَذَلِكَ بَاطِل لَا يعرف. وَأما الرِّوَايَة الثَّالِثَة الَّتِي فِيهَا ذكر الخاصرة فتبع الرَّافِعِيّ فِي إيرادها الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَالْغَزالِيّ تبع فِي إيرادها شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ. قَالَ ابْن الصّلاح فِي «مشكلات الْوَسِيط» : وَهُوَ غلط، وَالْمَعْرُوف فِي الحَدِيث ذكر الْفَخْذ. قَالَ: وَذكر الخاصرة ورد فِي أثر رَوَيْنَاهُ، وَذكره الشَّافِعِي قَالَ: «تردى بعير إِلَى بِئْر فطعن فِي شاكلته، فَسئلَ عبد الله بن عمر عَن أكله فَأمر بِهِ» . قَالَ: والشاكلة: الخاصرة. هَذَا آخر كَلَامه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 وَلَيْسَ بغلط من هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة بل هُوَ مَرْوِيّ كَمَا ذكره، رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي جمعه لأحاديث أبي العشراء من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي العشراء الدَّارمِيّ، عَن أَبِيه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا تكون الذَّكَاة إِلَّا فِي اللبة أَو الْحلق؟ قَالَ: لَو طعنت فَخذهَا أَو شاكلتها وَذكر اسْم الله - تَعَالَى - لأجزأ عَنْك» وَورد فِي حَدِيث آخر بدل «الْحلق» : «الخاصرة» . قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي «مُعْجَمه» : ثَنَا عَلّي بن مسْهر، وَبِه حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب، ثَنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، ثَنَا مَالك بن أنس، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي العشراء، عَن أَبِيه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، أما تكون الذَّكَاة إِلَّا فِي الخاصرة واللبة؟ قَالَ: لَو طعنت فِي فَخذهَا لأجزأت عَنْك» . تَنْبِيهَات: أَحدهَا: وَقع غلط لإِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الحَدِيث فِي موضِعين أَحدهمَا: أَنه جعل أَبَا العشراء الدَّارمِيّ هُوَ الَّذِي خاطبه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِنَّمَا هُوَ أَبوهُ، وَأَبُو العشراء تَابِعِيّ مَشْهُور. ثَانِيهَا: أَنه ذكر تردي الْبَعِير فِي متن الحَدِيث، وَلَيْسَ ذَلِك من الحَدِيث، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِير من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، قَالُوا: هَذَا عِنْد الضَّرُورَة فِي المتردي فِي الْبِئْر وأشباهه. الثَّانِي: اخْتلف أهل الحَدِيث فِي اسْم أبي العشراء وَاسم أَبِيه، فَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ أُسَامَة بن مَالك بن قحطم - يَعْنِي بحاء مُهْملَة وبكسر الْقَاف - وَكَذَا قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين، وَقيل: عُطَارِد بن برز - بِفَتْح الرَّاء وسكونها - وَقيل: عُطَارِد بن بَلْز. وَقيل: يسَار بن بلز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 بن خولى، نزل الجفرة (قَالَ ابْن عبد) وَقيل: اسْمه بكر بن جَهْضَم. وَقيل: عُطَارِد بن برد. وَهُوَ من بني دارم بن مَالك بن زيد بن تَمِيم. وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» : بلز، وَقيل: برز، وَقيل: رزن، وَقيل: مَالك بن قحطم بن أبي العشراء الدَّارمِيّ. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: مَالك بن قهطم، وَقيل: عُطَارِد بن بدر. الثَّالِث: قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نَعْرِف لأبي العشراء عَن أَبِيه غير هَذَا الحَدِيث. وَكَذَا قَالَه الإِمَام أَحْمد: لَا نَعْرِف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث. وَكَذَا قَالَه أَيْضا غَيرهمَا، وَلم يذكر لَهُ [أَبُو] نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» سواهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا فَلهُ عدَّة أَحَادِيث. قَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي تَرْجَمَة أبي العشراء: رَوَى عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة ثَلَاثَة أَحَادِيث الْمَشْهُور مِنْهَا هَذَا الحَدِيث ... فَذكره. وأفرد الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي حَدِيث جُزْء مُنْفَرد ذكر لَهُ فِيهِ خَمْسَة عشر حَدِيثا، وَقد ذكرتها فِي «تخريجي لأحاديث الْوَسِيط» فَرَاجعهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات الَّتِي يرحل إِلَيْهَا. الحَدِيث السَّادِس عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كل إنسية توحشت فذكاتها ذَكَاة الوحشية» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حرَام، عَن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد ابْني جَابر، عَن أَبِيهِمَا أَنه قَالَ: «ندت علينا بقرة ممتنعة نافرة، وَلَا تمر عَلَى أحد إِلَّا نطحته، وندت عَلَيْهِ فخرجنا نكدها حَتَّى بلغنَا الصماء، ومعنا غُلَام قبْطِي لبني حرَام وَمَعَهُ مُشْتَمل، فشدت عَلَيْهِ لتنطحه فضربها أَسْفَل من المنحر وَفَوق مرجع الْكَتف، فركبت ردعها فَلم يدْرك لَهَا ذَكَاة. قَالَ جَابر: فَأخْبرت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بشأنها فَقَالَ: إِذا استوحشت الإنسية وتمنعت فَإِنَّهُ يحلهَا مَا يحل الوحشية، ارْجعُوا إِلَى بقرتكم فكلوها. فرجعنا إِلَيْهَا فاجتزرناها» . وَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن حرَام بن عُثْمَان أَيْضا، عَن أبي عَتيق، عَن جَابر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف بِسَبَب حرَام بن عُثْمَان وَهُوَ واهٍ. قَالَ الشَّافِعِي - فِيمَا نَقله ابْن غَانِم فِي فضائله -: حَدِيث حرَام [حرَام] والرياحي ريَاح، ومجالد [يخالد] .، وَمن رَوَى عَن جَابر البياضي بيض الله عينه، وَالشعْبِيّ بالعراق مثل عرق بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد وَغَيره: ترك النَّاس حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى وَالسَّعْدِي: مُنكر الحَدِيث، يقلب الْأَسَانِيد، وَيرْفَع الْمَرَاسِيل. وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» عَن الشَّافِعِي مثل هَذِه الْعبارَة فِيهِ أَيْضا. وَقَالَ عبد الْحق: هُوَ عِنْد أهل الحَدِيث كَمَا قَالَ فِيهِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 الشَّافِعِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الِاسْتِظْهَار: ضَعِيف لَا تقوم بِمثلِهِ الْحجَّة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: مَتْرُوك بِاتِّفَاق مِنْهُم. قلت: وَأَبُو عَتيق لَا يعرف من هُوَ كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان فِي حَقه. الحَدِيث السَّابِع عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت أَحَدنَا صَاد صيدا وَلَيْسَ مَعَه سكين، أيذبح بالمروة؟ فَقَالَ: أَمر الدَّم بِمَا شِئْت، وَاذْكُر اسْم الله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل - وَهُوَ التَّبُوذَكِي الْحَافِظ -[عَن حَمَّاد]- وَهُوَ ابْن سَلمَة بن دِينَار - عَن سماك بن حَرْب، عَن مُري بن قطري، عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن أَحَدنَا أصَاب صيدا وَلَيْسَ مَعَه سكي، ن أيذبح بالمروة وشقة الْعَصَا؟ فَقَالَ: أمرر الدَّم بِمَا شِئْت، وَاذْكُر اسْم الله» وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله فِي الصَّحِيح خلا مُري بن قطري فَإِن ابْن حبَان وَثَّقَهُ [و] التَّبُوذَكِي من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» . وَحَمَّاد بن سَلمَة وَسماك من رجال مُسلم وَإِن تكلم فِي سماك، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، عَن خَالِد، عَن شُعْبَة، عَن سماك قَالَ: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 سَمِعت مري بن قطري [عَن عدي بن حَاتِم] يَقُول: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أرسل [كَلْبِي] فآخذ الصَّيْد فَلَا أجد مَا أذكيه بِهِ فأذبحه بالمروة وبالعصا فَقَالَ: (أهرق) الدَّم بِمَا شِئْت وَاذْكُر اسْم الله عَلَيْهِ» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن بشار - وَهُوَ الْحَافِظ أخرج لَهُ أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة - عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن سُفْيَان - وناهيك بهما - عَن سماك بن حَرْب، عَن [مري] بن قَطَري، عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا نصيد الصَّيْد فَلَا نجد سكينًا إِلَّا الظرار وشقة الْعَصَا. فَقَالَ: أمرر الدَّم بِمَا شِئْت وَاذْكُر اسْم الله - عَزَّ وَجَلَّ» وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور والسند الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن أَحْمد بن عَلّي بن الْمثنى، ثَنَا عَلّي بن الْجَعْد الْجَوْهَرِي، أبنا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب قَالَ: سَمِعت مري بن قطري يحدث عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أرسل (كَلْبا) فَيَأْخُذ صيدا وَلَا آخذ مَا أذبح بِهِ إِلَّا الْمَرْوَة أَو الْعَصَا. قَالَ: أَمر الدَّم بِمَا شِئْت وَاذْكُر اسْم الله» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» من هَذِه الطَّرِيق وَلَفظه: «إِنِّي أرمي الصَّيْد وَلَا أجد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 مَا أذكيه بِهِ إِلَّا الْمَرْوَة والعصا. قَالَ: أَمر الدَّم بِمَا شِئْت وَاذْكُر اسْم الله. قلت: طَعَام مَا أَدَعهُ [إِلَّا] تحرجًا. قَالَ: وَمَا ضارعت فِيهِ نَصْرَانِيَّة فَلَا تَدعه» . وَأما ابْن حزم فقد قَالَ فِي «محلاه» : فَإِن ذكرُوا مَا رَوَيْنَاهُ عَن شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن مري بن قطري، عَن عدي بن حَاتِم، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أنهر الدَّم بِمَا شِئْت وَاذْكُر اسْم الله» قُلْنَا: هَذَا خبر سَاقِط؛ لِأَنَّهُ عَن سماك بن حَرْب وَهُوَ يقبل التَّلْقِين، عَن مري بن قطري وَهُوَ مَجْهُول. انْتَهَى. وَقد رَوَاهُ عَن سماك: شُعْبَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن سَلمَة، وَصَححهُ الْحَاكِم من حَدِيث الثَّوْريّ - كَمَا تقدم - وَسماك يكفينا احتجاج مُسلم بِهِ، وَقد تقدم أَن ابْن حبَان وثق مري بن قطري وَصحح الحَدِيث من جِهَته وَكَذَا الْحَاكِم فَزَالَتْ الْجَهَالَة. فَائِدَة: «شقة الْعَصَا» - بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة - أَي: بِمَا يشق مِنْهَا وَيكون محددًا. و «أمرر» براءين أَي: اجْعَل الدَّم يمر أَي يذهب. وَهَذِه الرِّوَايَة تؤيد رِوَايَة «أَمر» الْوَاقِعَة فِي إِحْدَى روايتى ابْن مَاجَه بتَشْديد الرَّاء غلط، وَذكر الْخطابِيّ فِي كِتَابه «تصاحيف الروَاة» أَن هَذِه الرِّوَايَة «أَمر» بتَشْديد الرَّاء غلط، وَذكر غَيره أَنه لَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يكون قد أدغم، وَالصَّوَاب عِنْد الْخطابِيّ رِوَايَة من رَوَاهُ «أَمر الدَّم» سَاكِنة الْمِيم خَفِيفَة الرَّاء، وَمَعْنى ذَلِك أسِلْهُ وأجره. قَالَ الْهَرَوِيّ: والظرار وَاحِدهَا ظرر وَهُوَ حجر محدد صلبِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 الحَدِيث الثَّامِن عَن رَافع بن خديج قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا لاقو الْعَدو غَدا وَلَيْسَ مَعنا مدى. فَقَالَ: مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكل، لَيْسَ السن وَالظفر، وسأحدثك؛ أما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَقد تقدم بِطُولِهِ وفوائده فِي أَوَائِل الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث الرَّابِع مِنْهُ. الحَدِيث التَّاسِع عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن صيد المعراض، فَقَالَ: إِن قتل بحده فَكل، وَإِن قتل بنصله فَلَا تَأْكُل» وَرَوَى: «إِذا أصبت بحده فَكل، وَإِذا أصبت بعرضه فَلَا تَأْكُل فَإِنَّهُ وقيذ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي البُخَارِيّ وَمُسلم كَمَا تقدم فِي أول الْبَاب، وَأما الرِّوَايَة الأولَى فروياها أَيْضا إِلَّا أَنَّهُمَا لم يذكرَا: «وَإِن قتل بنصله فَلَا تَأْكُل» وَلم أرها أَيْضا فِي رِوَايَة غَيرهمَا. الحَدِيث الْعَاشِر عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا علمت من كلب أَو باز ثمَّ أرْسلت وَذكرت اسْم الله - تَعَالَى - فَكل مَا أمسك عَلَيْك» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد - كَمَا تقدم فِي أول الْبَاب - وَكَذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن عدي، وَلكنه حَدِيث ضَعِيف قَالَ: مجَالد لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ يَحْيَى مرّة وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ مرّة: صَالح. وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَسَانِيد فيرفع الْمَرَاسِيل لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر «الْبَازِي» فِي هَذِه الرِّوَايَة لم يَأْتِ بِهِ الْحفاظ عَن الشّعبِيّ وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ مجَالد. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مُخْتَصرا ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا وَمن حَدِيث مجَالد. الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصيد بكلبي الْمعلم وكلبي الَّذِي لَيْسَ بمعلم. فَقَالَ: مَا صدت بكلبك الْمعلم فاذكر اسْم الله عَلَيْهِ وكل، وَمَا صدت بكلبك الَّذِي لَيْسَ بمعلم فأدركت ذَكَاته فَكل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة، وَهَذَا سياقهما عَن أبي ثَعْلَبَة قَالَ: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا بِأَرْض قومِ أهل كتاب أفنأكل فِي آنيتهم وَفِي أَرض صيد [أصيد] بقوسي وبكلبي الَّذِي لَيْسَ بمعلم وبكلبي الْمعلم، فَمَا يصلح لي؟ قَالَ: أما مَا ذكر - يَعْنِي من آنِية أهل الْكتاب - فَإِن وجدْتُم غَيرهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِن لم تَجدوا فاغسلوها وكلوا فِيهَا، وَمَا صدت [بقوسك فَذكرت اسْم الله فَكل، وَمَا صدت بكلبك الْمعلم فَذكرت اسْم الله فَكل، وَمَا صدت] بكلبك غير معلم فأدركت ذَكَاته فَكل» . الحَدِيث الثَّانِي عشر فِي الْخَبَر «فَإِن أكل فَلَا تَأْكُل فَإِنَّمَا أمسك عَلَى نَفسه» . هَذَا الحَدِيث هُوَ بعض من حَدِيث عدي، وَقد تقدم فِي أول الْبَاب بِطُولِهِ. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله فَكل. قَالَ: وَإِن قتل؟ قَالَ: وَإِن قتل. قَالَ: وَإِن أكل؟ قَالَ: وَإِن أكل» . هَذَا الحَدِيث الثَّالِث الْمَذْكُور فِي أول الْبَاب وَقد سلف قَرِيبا وَاضحا. الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن عدي بن حَاتِم أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أرْسلت كلبك وَسميت وَأمْسك وَقتل فَكل، وَإِن أكل فَلَا تَأْكُل فَإِنَّمَا أمسك عَلَى نَفسه» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَقد سلف وَاضحا فِي أول الْبَاب. الحَدِيث الْخَامِس عشر حَدِيث عدي الَّذِي فِيهِ ذكر الْبَازِي. وَقد تقدم بَيَانه قَرِيبا. الحَدِيث السَّادِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كل مَا رد عَلَيْك قوسك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ: حَدثنِي أَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا أَبَا ثَعْلَبَة، كل مَا ردَّتْ عَلَيْك قوسك وكلبك الْمعلم ويدك (ذكي) وَغير ذكي» فِي إِسْنَاده بَقِيَّة عَن الزبيدِيّ، وَهُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد الْحِمصِي القَاضِي ثِقَة من رجال الصَّحِيح، وَقد أسلفنا فِيمَا مَضَى عَن جماعات الِاحْتِجَاج بِبَقِيَّة إِذا رَوَى عَن ثِقَة، فَيكون هَذَا الحَدِيث صَحِيحا إِذن لَوْلَا مَا عرف من عنعنته. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أبي ثَعْلَبَة مَرْفُوعا: «كل مَا ردَّتْ عَلَيْك قوسك» فَقَالَ: يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ، وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ ضَمرَة بن ربيعَة عَنهُ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بِهِ. وَغَيره يرويهِ عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن أبي ثَعْلَبَة مُرْسلا، والمرسل أصح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر قَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» : ثَنَا حسن، ثَنَا ابْن لَهِيعَة، ثَنَا عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عَمْرو ابْن شُعَيْب أَنه [حَدثهُ] أَن مولَى شُرَحْبِيل [بن] حَسَنَة حَدثهُ أَنه سمع عقبَة بن عَامر وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان يَقُولَانِ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «كل مَا ردَّتْ عَلَيْك قوسك» . الحَدِيث السَّابِع عشر عَن أبي ثَعْلَبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «إِذا رميت بسهمك فَغَاب عَنْك فَأَدْرَكته فكله مَا لم ينتن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهُ قَالَ «فِي الَّذِي يدْرك صَيْده بعد ثَلَاث: فكله مَا لم ينتن» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِذا رميت الصَّيْد فَأَدْرَكته بعد ثَلَاث لَيَال وسهمك فِيهِ فَكل مَا لم ينتن» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وأصحابنا النَّهْي عَن أكله إِذا أنتن للتنزيه لَا التَّحْرِيم. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أكل إهالة سنخة» وَهِي الْمُتَغَيّر الرّيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 قلت: وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ: وَسَوَاء أنتن أَو لم ينتن. قَالَ: وَلَا يَصح الْأَثر الَّذِي فِيهِ الَّذِي يدْرك صَيْده بعد ثَلَاث: «فكله مَا لم ينتن» لِأَنَّهُ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح. هَذَا كَلَامه، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: مُعَاوِيَة بن صَالح لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: مُعَاوِيَة هَذَا قَاضِي الأندلس. قَالَ أَحْمد وَابْن سعد وَالْعجلِي وَأَبُو زرْعَة: ثِقَة. وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يوثقه، وَكَانَ يَحْيَى بن سعيد لَا يرضاه. وَأخرج مُسلم الحَدِيث من جِهَته - كَمَا مَرَّ - وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَعْنَى حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الَّذِي قبله، وَقَالَ: «كُله إِلَّا أَن تَجدهُ وَقع فِي مَاء» هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَقد تقدم أول الْبَاب، لَا جرم قَالَ الرَّافِعِيّ فِيهِ وَفِي الحَدِيث قبله: هما حديثان. الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا أهل صيد، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 وَإِن أَحَدنَا يَرْمِي الصَّيْد فيغيب عَنهُ الليلتين وَالثَّلَاث فيجده مَيتا. فَقَالَ (: إِذا وجدت فِيهِ أثر سهمك وَلم يكن فِيهِ سبع وَعلمت أَن سهمك قَتله فَكل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بِنَحْوِهِ، وَقد تقدم لَفْظهمَا فِي الحَدِيث الأول من أَحَادِيث الْبَاب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «كل مَا أصميت ودع مَا أنميت» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ رجل مَسْتُور أَو مَجْهُول عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: «أَتَى أَعْرَابِي عبد الله بن عَبَّاس وَأَنا عِنْده فَقَالَ: أصلحك الله، إِنِّي أرمي الصَّيْد فأصمي وأنمي. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كل مَا أصميت ودع مَا أنميت» ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن أبي الْهُذيْل قَالَ: «أَمرنِي نَاس من أَهلِي أَن أسأَل لَهُم عبد الله بن عَبَّاس عَن أَشْيَاء، فكتبتها فِي صحيفَة فَأتيت لأسأله فَإِذا عِنْده نَاس يسألونه فَسَأَلُوهُ (حَتَّى سَأَلُوهُ) عَمَّا فِي صحيفتي، وَمَا سَأَلته عَن شَيْء، فَجَاءَهُ رجل أَعْرَابِي فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إنى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 مَمْلُوك أكون فِي إبل أَهلِي فيأتيني الرجل يستسقيني أفأسقيه؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن خشيت أَن [يهْلك] قَالَ: فاسقه مَا يبلغهُ ثمَّ أخبر بِهِ أهلك. قَالَ: فَإِنِّي رجل أرمي فأصمي وأنمي. قَالَ: مَا أصميت فَكل، وَمَا أنميت فَلَا تَأْكُل. قلت للْحكم: مَا الإصماء؟ قَالَ: الإقعاص. قلت: فَمَا الإنماء؟ [قَالَ] مَا توارى عَنْك» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ هَذَا من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «كل مَا أصميت ودع مَا أنميت» وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ فِي «خلافياته» : فِيهِ عُثْمَان الوقاصي وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث لَا يحْتَج بروايته. قَالَ: وَالْمَشْهُور وَقفه عَلَى ابْن عَبَّاس. قلت: وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» مَرْفُوعا أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن تَمِيم، عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا أهل بَدو. قَالَ: إِذا رميت الصَّيْد فَكل مَا أصميت، وَلَا تَأْكُل مَا أنميت» وَفِيه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن مسمول وَقد ضَعَّفُوهُ. قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: «مَا أصميت» مَا قتلته الْكلاب وَأَنت ترَاهُ، و «مَا أنميت» مَا غَابَ عَنْك مَقْتَله. الحَدِيث الْعشْرُونَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن قوما حَدِيث عهد بجاهلية يأْتونَ بلحمان لَا نَدْرِي أذكروا اسْم الله عَلَيْهَا أم لم يذكرُوا، أنأكل مِنْهَا أم لَا؟ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اذْكروا اسْم الله وكلوا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَأَبُو دَاوُد - بِإِسْنَاد عَلَى شَرط البُخَارِيّ - وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ عمدتنا فِي أَن مَتْرُوك التَّسْمِيَة حَلَال، وَرُوِيَ مُرْسلا وموصولاً، وَقد علمت أَن الْوَصْل مقدم، وانتصر ابْن عبد الْبر وَابْن الْجَوْزِيّ لمذهبهما فَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» : فِي هَذَا الحَدِيث أَن مَا ذبحه الْمُسلم وَلم يعرف اسْم الله عَلَيْهِ أم لَا أَنه لَا بَأْس بِأَكْلِهِ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنه قد سَمّى وَالْمُؤمن لَا يظنّ بِهِ إِلَّا الْخَيْر، وذبيحته وصيده أبدا مَحْمُول عَلَى السَّلامَة حَتَّى يَصح فِيهِ غير ذَلِك من تعمد ترك التَّسْمِيَة وَنَحْوه. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مُشكل الصَّحِيحَيْنِ» : الظَّاهِر من الْمُسلم والكتابي أَنه يُسَمِّي، فَيحْتَمل أمره عَلَى سَائِر أَحْوَاله، وَلَا يلْزمنَا سُؤَاله عَلَى هَذَا. وَقَوله: «سموا أَنْتُم وكلوا» لَيْسَ بِمَعْنى أَنه يُجزئ عَمَّا لم يسم عَلَيْهِ وَلَكِن لِأَن التَّسْمِيَة عَلَى الطَّعَام سنة. هَذَا آخر كَلَامهمَا وَلَا يخْفَى مَا فِيهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُسلم يذبح عَلَى اسْم الله سَمّى أَو لم يسم» . هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَأغْرب الْغَزالِيّ فِي «الْإِحْيَاء» فَقَالَ: حَدِيث الْبَراء صَحِيح. وَلَا أعلمهُ مرويًّا من هَذَا الْوَجْه عوضا عَن كَونه صَحِيحا، وَالَّذِي يحضرني رِوَايَته من حَدِيث ثَوْر بن يزِيد عَن الصَّلْت قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ذَبِيحَة الْمُسلم حَلَال ذكر اسْم الله أَو لم يذكر؛ لِأَنَّهُ إِن ذكر لم يذكر إِلَّا اسْم الله» رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» قَالَ عبد الْحق: هَذَا مُرْسل وَضَعِيف، وَقد أسْندهُ [الدَّارَقُطْنِيّ] من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُسلم يَكْفِيهِ اسْمه، فَإِن نسي أَن يُسَمِّي حِين يذبح فليسم، وليذكر اسْم الله عَلَيْهِ ثمَّ ليَأْكُل» وَعَن أبي هُرَيْرَة فِيمَن نسي التَّسْمِيَة أَيْضا [قَالَ] قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اسْم الله عَلَى فَم كل مُسلم» وكلا الْحَدِيثين ضَعِيف. وَلم يبين سَبَب ذَلِك، وَبَينه ابْن الْقطَّان فِي كَلَامه عَلَيْهِ فَقَالَ: سَبَب الضعْف فِي الأول هُوَ أَن الصَّلْت لَا يعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا رَوَى عَنهُ إِلَّا ثَوْر بن يزِيد. قلت: لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأما سَبَب الضعْف فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 الثَّانِي - فَلَيْسَ فِي إِسْنَاده عَلَى أصل عبد الْحق إِلَّا ثِقَة - مُحَمَّد بن يزِيد وَهُوَ ابْن سِنَان الرهاوي، وَقد رَوَى عَنهُ النَّاس مِنْهُم أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن مُسلم بن وارة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمتين، هُوَ أَشد غَفلَة من أَبِيه مَعَ أَنه كَانَ رجلا صَالحا صَدُوقًا [لم يكن من أحلاس الحَدِيث وَكَانَ يرجع إِلَى ستر وَصَلَاح] وَكَانَ النُّفَيْلِي يرضاه. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: لَهُ أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. قَالَ: (وَأما معقل بن عبيد الله الْمَذْكُور) فِي إِسْنَاده فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ يضعف فَإِن عبد الْحق يقبله. قلت: وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَإِنَّهُ أعله فِي «تَحْقِيقه» بِهِ وَأغْرب فَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. وَهُوَ عجب؛ فَإِنَّهُ معقل بن عبيد الله الْجَزرِي الْحَرَّانِي، كَمَا صرح بِهِ الْبَيْهَقِيّ وَابْن الْقطَّان، وَهُوَ من رجال مُسلم. وَقَالَ ابْن معِين وَغَيره: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة الكوسج: ثِقَة. وَقَالَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن صَالح: ضَعِيف. والغريب مِنْهُ أَنه ذكره فِي كتاب «الضُّعَفَاء» وَاقْتصر فِيهِ عَلَى هَذِه القولة الثَّالِثَة فَكيف يكون مَجْهُولا إِذن؟ ! وَأما سَبَب الضعْف فِي الثَّالِثَة فَهُوَ أَن فِيهِ مَرْوَان بن سَالم الْغِفَارِيّ، وَلَيْسَ بِثِقَة بل هُوَ ضَعِيف، وَلَيْسَ بِمَرْوَان بن سَالم الْمَكِّيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إِن الْمَحْفُوظ وَقفه عَلَيْهِ. قلت: وَقد أخرجه ابْن السكن فِي «سنَنه الصِّحَاح المأثورة» كَذَلِك، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 وَعنهُ أَنه قَالَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: إِنَّه حَدِيث مُنكر. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه مروا بِظَبْيٍ حَاقِف، فهم أَصْحَابه بِأَخْذِهِ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: دَعوه حَتَّى يَجِيء صَاحبه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث الضمرِي [عَن الْبَهْزِي] واسْمه زيد بن كَعْب - عَلَى مَا قَالَه الْخَطِيب فِي مبهماته وَغَيره - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خرج يُرِيد مَكَّة وَهُوَ محرم حَتَّى إِذا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ إِذا حمَار وَحشِي عقير، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ رَسُول الله: دَعوه فَإِنَّهُ يُوشك أَن يَأْتِي صَاحبه. فجَاء الْبَهْزِي - وَهُوَ صَاحبه - إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، شَأْنكُمْ بِهَذَا الْحمار. فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا بكر فَقَسمهُ بَين الرفاق، ثمَّ مَضَى حَتَّى إِذا كَانَ بالأثاية بَين الرُّوَيْثَة وَالْعَرج إِذا ظَبْي حَاقِف وَفِيه سهم، فَزعم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر رجلا يقف عِنْده لَا يرِيبهُ أحد من النَّاس حَتَّى يُجَاوِزهُ» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِنَحْوِهِ. فَوَائِد: الأولَى: قَالَ الْخَطِيب فِي «مبهماته» : الرجل الْمَأْمُور الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 بِالْإِقَامَةِ عَلَيْهِ ليحفظه هُوَ أَبُو بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قلت: وَوَقع فِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث عِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله، عَن أَبِيه طَلْحَة «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعطَاهُ حمَار وَحش وَأمره أَن يفرقه فِي الرفاق» قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» : قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: هَذَا الحَدِيث لَا أعلم رَوَاهُ هَكَذَا غير ابْن عُيَيْنَة، وَأَحْسبهُ أَرَادَ أَن يختصره فَأَخْطَأَ فِيهِ، وَقد خَالفه النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث، رَوَاهُ مَالك وجماعات من حَدِيث عِيسَى بن طَلْحَة، عَن عُمَيْر بن سَلمَة، عَن رجل من بهز، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالُوا جَمِيعًا فِي حَدِيثهمْ: «فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا بكر أَن يقسمهُ فِي الرفاق وهم محرمون» وَلَعَلَّ ابْن عُيَيْنَة حِين اخْتَصَرَهُ لحقه الْوَهم؛ لِأَن فِي إِسْنَاد الحَدِيث عِيسَى بن طَلْحَة فَقَالَ: عَن أَبِيه. والبهزي يُقَال إِن اسْمه زيد بن كَعْب وَهُوَ من بني سليم، وَهُوَ صَاحب الظبي الحاقف. قلت: وَقد رَوَاهُ كَمَا رَوَاهُ النَّاس أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي آخر كتاب المناقب فِي تَرْجَمَة عُمَيْر بن سَلمَة الضمرِي قَالَ: «بَينا نَحن نسير مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ محرم إِذا نَحن بِحِمَار وَحش معقور فَذَكرته للنَّبِي (فَقَالَ: دَعوه. فَأَتَاهُ الَّذِي عقره وَهُوَ رجل من بهز ... » الحَدِيث كَمَا سلف، وَإِسْنَاده صَحِيح. ثمَّ اعْلَم أَنه وَقع فِي «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ تَغْيِير فِي اسْم رَاوِي هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 الحَدِيث الَّذِي أوردناه فَقَالَ: رجل من فهر بهاء مَكْسُورَة وَرَاء. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : وَكَذَا نَقله بعض الْأَئِمَّة الْفُضَلَاء عَن خطّ المُصَنّف وَهُوَ غلط وتصحيف، وَالصَّوَاب: رجل من بهز. بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالزاي. الْفَائِدَة الثَّانِيَة: «الروحاء» مَمْدُود: قَرْيَة جَامِعَة لمزينة عَلَى لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة بَينهمَا أحد وَأَرْبَعُونَ ميلًا. قَالَه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ. وَقَالَ الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : الروحاء منهل مَعْرُوف قَرِيبا من الْمَدِينَة. الْفَائِدَة الثَّالِثَة: مَعْنَى «عقير» : معقور، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. الرَّابِعَة: فِي ضَبطه أَسمَاء الْأَمَاكِن الْوَاقِعَة فِيهِ: «الأُثاية» بِضَم أَولهَا ثمَّ مُثَلّثَة وبهاء فِي الْآخِرَة قبلهَا يَاء مثناة تَحت. كَذَا ضَبطهَا الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» بِضَم أَولهَا. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي «المؤتلف والمختلف» : أثاية رَوَاهُ قوم أَثَاثَة وأثانة بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالنون، وَالصَّحِيح هُوَ الأول بِفَتْح همزته وكسرتها مَوضِع فِي طَرِيق الْجحْفَة، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ فرسخًا. وَعبارَة الْمُحب فِي «أَحْكَامه» أَنه مَوضِع مَعْرُوف بغرب مَكَّة، وَهِي مقَالَة بِالضَّمِّ وَبَعْضهمْ يكسرها. والرويثة اسْم مَوضِع قريب مِنْهَا. و «العرج» بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء، كَذَا ضَبطه الْحَازِمِي فِي «أَسمَاء الْأَمَاكِن» : عقبَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة عَلَى جادة الْحَاج. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» : هِيَ عقبَة بَينهَا وَبَين الرُّوَيْثَة أَرْبَعَة و [عشر] ميلًا، وَبَين الرُّوَيْثَة وَالْمَدينَة أحد وَعِشْرُونَ فرسخًا، وَمن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 العرج إِلَى السقيا سَبْعَة عشر ميلًا، وَالْعَرج من بِلَاد [أسلم] . قَالَ كثير: إِنَّمَا سمي العرج لتعريجه. وَعبارَة الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : «العرج» - بِإِسْكَان الرَّاء ثمَّ جِيم - قَرْيَة جَامِعَة من عمل الْفَرْع عَلَى إِمَام الْمَدِينَة و «العرج» أَيْضا مَوضِع بِالطَّائِف، وَإِلَيْهِ ينْسب العرجي من ولد عُثْمَان بن عَفَّان لشكاية من أجل مَال كَانَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ الْقَائِل: أضاعوني ... الْبَيْت. الْفَائِدَة الْخَامِسَة: «الحاقف» هُوَ المنحني الْعَاجِز عَن الِامْتِنَاع. قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَعبارَة الْمُحب فِي «أَحْكَامه» : حَاقِف أَي: منحني كَأَنَّهُ قَائِم قد انحنى فِي نَومه لَا يرِيبهُ وَلَا يزعجه وَلَا يتَعَرَّض إِلَيْهِ. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا وَقد سلف فِي أثْنَاء الحَدِيث التَّاسِع عشر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 كتاب الضَّحَايَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 كتاب الضَّحَايَا ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فزائدة عَلَى الْأَرْبَعين. الحَدِيث الأول عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يُضحي بكبشين أملحين أقرنين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزَادا: «ذبحهما بِيَدِهِ وَسَمَّى وكب، ر وَوضع رجله عَلَى صفاحهما» . فَائِدَة: فِي «الأملح» أَقْوَال ذكرتها فِي «شرحي للعمدة» اخْتَار الرَّافِعِيّ مِنْهَا أَنه الَّذِي فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد وَالْبَيَاض أَكثر، وَهُوَ قَول أبي زيد وَأبي عبيد. وَقَوله: «أقرنين» أَي لكل وَاحِد مِنْهُمَا قرنان حسنان. وَقَوله: «وَوضع رجله عَلَى صفاحهما» أَي صفحة الْعُنُق وَهِي جَانِبه. وَسبب اخْتِيَار الأملح قيل: إِنَّه لحسن منظره، وَقيل: لِكَثْرَة شحمه. حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ وَسَبقه إِلَيْهَا الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» . الحَدِيث الثانى عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بكبش أقرن يطَأ فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 سَواد، وَينظر فِي سَواد، ويبرك فِي سَواد، فأتيِ بِهِ ليضحي بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَة، هَلُمِّي المدية. ثمَّ قَالَ: اشحذيها بِحجر. فَفعلت، ثمَّ أَخذهَا وَأخذ الْكَبْش فأضجعه ثمَّ ذبحه، ثمَّ قَالَ: بِسم الله، اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَمن أمة مُحَمَّد. ثمَّ ضحى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِكُل هَذِه الْحُرُوف وَمِنْه نقلته وَفِيه زِيَادَة عَلَى مَا فِي الرَّافِعِيّ، وَزَاد النَّسَائِيّ «وَيَأْكُل فِي سَواد» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «ضحى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بكبش أقرن يمشي فِي سَواد [وَيَأْكُل] فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» بعد أَن عزاهُ من هَذِه الطَّرِيق إِلَى أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَتَصْحِيح التِّرْمِذِيّ: هُوَ عَلَى شَرط مُسلم. فَائِدَة: مَعْنَى «يطَأ فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد، ويبرك فِي سَواد» قوائمه وبطنه وَمَا حول عَيْنَيْهِ أسود. قَالَه النَّوَوِيّ فِي «شَرحه لمُسلم» وَسَبقه إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَقَالَ: وَقيل إِنَّه إِشَارَة إِلَى كَثْرَة ظله لسمِنه وضخامة جسده. وَمَعْنى «هَلُمِّي المدية» : هاتيها، وَهِي مُثَلّثَة الْمِيم، أَعنِي: المدية. و «اشحذيها» بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 وبالذال الْمُعْجَمَة أَي: حدديها. وَوَقع فِي «سنَن أبي دَاوُد» : «اشحثيها» بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي بِمَعْنى اشحذيها؛ لِأَن الذَّال والثاء متقاربان. وَقَوله: «وَأخذ الْكَبْش فأضجعه ثمَّ ذبحه ثمَّ قَالَ: بِسم الله ... » إِلَى آخِره فِيهِ تَقْدِيم وتأخي، ر وَالتَّقْدِير: فأضجعه ثمَّ أَخذ فِي ذبحه قَائِلا بِسم الله ... إِلَى آخِره مضحيًا بِهِ، وَلَفظه «ثمَّ» هُنَا متأولة عَلَى مَا ذكرته بِلَا شكّ. الحَدِيث الثَّالِث عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «عظموا أضحياكم فَإِنَّهَا عَلَى الصِّرَاط مَطَايَاكُمْ» . هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من خرَّجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : إِنَّه غير مَعْرُوف وَلَا ثَابت فِيمَا علمناه. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «الأحوذي شرح التِّرْمِذِيّ» : لَيْسَ فِي فضل الْأُضْحِية حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَمِنْهَا قَوْله: «إِنَّهَا مَطَايَاكُمْ إِلَى الْجنَّة» وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بَاب مَا جَاءَ فِي فضل الْأُضْحِية. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا عمل آدَمِيّ من عمل يَوْم النَّحْر أحب إِلَى الله من إهراق الدَّم، [إِنَّهَا] لتأتي يَوْم الْقِيَامَة بقرونها وَأَشْعَارهَا وأظلافها، وَإِن الدَّم ليَقَع [من] الله بمَكَان قبل أَن يَقع من الأَرْض، فطيبوا نفسا لَهَا» قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» بَاب مَا جَاءَ فِي فضل الْأُضْحِية: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 273 نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قلت: وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيه نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده سُلَيْمَان بن يزِيد أَبُو الْمثنى الكعبي الْخُزَاعِيّ تَركه بَعضهم، وَقَالَ الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَخَالف فِي «ثقاته» فَذكره فِيهَا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عمرَان بن حُصَيْن، وَزيد بن أَرقم. قَالَ: وَيروَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ فِي الْأُضْحِية: «لصَاحِبهَا بِكُل شَعْرَة حَسَنَة» وَيروَى «بقرونها» . قلت: أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث زيد بن أَرقم: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، مَا هَذِه الْأَضَاحِي؟ قَالَ: سنة أبيكم إِبْرَاهِيم. قُلْنَا: فَمَا لنا مِنْهَا؟ قَالَ: بِكُل شَعْرَة حَسَنَة. قُلْنَا: يَا رَسُول الله فالصوف؟ قَالَ: بِكُل شَعْرَة من الصُّوف حَسَنَة» ثمَّ قَالَ: صَحِيح. وَفِيه نظر؛ لِأَن فِيهِ عَائِذ الله الْمُجَاشِعِي قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. فَائِدَة: قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ: قيل: المُرَاد بهَا تهَيَّأ مراكب المضحين يَوْم الْقِيَامَة. وَقيل: المُرَاد أَن التَّضْحِيَة بهَا تسهل الْجَوَاز عَلَى الصِّرَاط. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 274 الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث هِيَ عَلّي فَرَائض وَلكم تطوع: النَّحْر، وَالْوتر، وركعتي الضُّحَى» هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع وأسلفنا الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «ثَلَاث كتبت عليّ وَلم تكْتب عَلَيْكُم: الضُّحَى، والأضحى، وَالْوتر» وَهَذِه الرِّوَايَة بِمَعْنى الأولَى. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا دخل الْعشْر وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فَلَا يمس من شعره وبشره شَيْئا» . هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا دخل الْعشْر وَعِنْده أضْحِية يُرِيد أَن يُضحي فَلَا يَأْخُذن شعرًا وَلَا يقلمن ظفرًا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا رَأَيْتُمْ هِلَال ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فليمسك من شعره وأظافره» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الثَّانِي مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى أم سَلمَة ثمَّ قَالَ: هَذَا شَاهد للَّذي قبله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّحِيح عِنْدِي أَنه مَوْقُوف. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِاللَّفْظِ الثَّانِي مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: قَالَ الشَّافِعِي: فِي هَذَا الحَدِيث دلَالَة عَلَى أَن الضحية لَيست بِوَاجِب لقَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي» وَلَو كَانَت الضحية وَاجِبَة أشبه أَن يَقُول: فَلَا يمس من شعره حَتَّى يُضحي. قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْحكمَة فِي النَّهْي أَن يَبْقَى كَامِل الْأَجْزَاء ليعتق من النَّار. قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب: وَقد ورد أَن الله - تَعَالَى - يعْتق بِكُل عُضْو من الضحية عضوا من المضحي. وَهَذَا غَرِيب لَا يحضرني من خرجه. وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : إِنَّه حَدِيث غير مَعْرُوف وَإنَّهُ لم يجد لَهُ سندًا يثبت بِهِ. هَذَا كَلَامه. قلت: وَفِي «مُعْجم الطَّبَرَانِيّ» نَحوه من حَدِيث أبي دَاوُد النَّخعِيّ، عَن عبد الله بن حسن بن حسن، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «من ضحى طيبَة بهَا نَفسه محتسبًا بأضحيته كَانَت لَهُ حِجَابا من النَّار» . وَأَبُو دَاوُد هَذَا كَذَّاب، قَالَ أَحْمد: كَانَ يضع الحَدِيث. وَمن الْعلمَاء من أبدى لذَلِك حِكْمَة أُخْرَى وَهِي التَّشَبُّه بالمحرم، وَللشَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْله: «لَا يمس من شعره وبشره» تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد من الشّعْر شعر الرَّأْس وَمن الْبشر شعر الْبدن. وَعَلَى هَذَا لَا يكره تقليم الْأَظْفَار، وَقد سلف التَّصْرِيح بِأَنَّهُ لَا يقلم الظفر، فَالْقَوْل بِعَدَمِ الْكَرَاهَة بعيد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي حَدِيث الْعَقِيقَة: «لَا يضركم ذكرانًا كن أَو إِنَاثًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أم كرز الْكَعْبِيَّة الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: عَن الْغُلَام شَاتَان (وَعَن الْجَارِيَة شَاة) وَلَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا» . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَاللَّفْظ الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ لفظ التِّرْمِذِيّ أخرجه عَن الْحسن بن عَلّي، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت أَن مُحَمَّد بن ثَابت بن سِبَاع أخبرهُ أَن أم كرز أخْبرته «أَنَّهَا سَأَلت ... .» الحَدِيث، وَلَفظ أبي دَاوُد: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «عَن الْغُلَام شَاتَان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، لَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا» . أخرجه هَكَذَا عَن مُسَدّد، نَا سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت بِهِ. إِلَى قَوْله: «شَاة» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الحَدِيث، وَحَدِيث سُفْيَان وهم. وَلَفظ النَّسَائِيّ: «أتيت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحُدَيْبِية أسأله عَن لُحُوم الْهَدْي فَسَمعته يَقُول: عَلَى الْغُلَام شَاتَان وَعَلَى الْجَارِيَة شَاة، لَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا» . أخرجه هَكَذَا عَن قُتَيْبَة، ثَنَا سُفْيَان، عَن عبيد الله - وَهُوَ ابْن أبي يزِيد - عَن سِبَاع، عَن أم كرز ... الحَدِيث. قَالَ: وأبنا عَمْرو بن عَلّي، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا ابْن جريج، حَدثنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت، عَن أم كرز مَرْفُوعا: «عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة، لَا يضركم ذكرانًا كن أَو إِنَاثًا» . قَالَ ابْن الْقطَّان: وَرِوَايَة أبي دَاوُد معلولة بِأبي يزِيد وَالِد عبيد الله وَهُوَ لَا يعرف حَاله وَلَا رَوَى عَنهُ غير ابْنه، وَعلة أُخْرَى وَذَلِكَ أَن مَا بَين سِبَاع وَأم كرز مُنْقَطع، يتَبَيَّن ذَلِك من رِوَايَة التِّرْمِذِيّ - وَقد تقدّمت - فَإِنَّهَا تورث شكًّا فِي سَماع سِبَاع من أم كرز، لَا جرم أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: إِنَّه وهم. وَقد تبين عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَن عبيد الله سمع من سِبَاع، وَأَن سباعًا سمع من أم كرز فَصَارَ حَدِيث سُفْيَان وهما. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثَنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، ثَنَا يزِيد بن سِنَان، ثَنَا مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، ثَنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد أَن سِبَاع بن ثَابت ابْن عَم مُحَمَّد بن ثَابت أخبرهُ أَن أم كرز أخْبرته «أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: يعق عَن الْغُلَام شَاتَان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، وَلَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا» قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا بعد فِي أَن يكون عبيد الله سَمعه من سِبَاع، فدليل قَوْله آنِفا أَنه أخبرهُ وسَمعه من أَبِيه عَنهُ فَحدث بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. قلت: وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَخرج فِيهِ بِأَن أَبَاهُ حَدثهُ بِهِ، أخرجه من حَدِيث الْحميدِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، حَدثنِي أبي، عَن سِبَاع بن ثَابت، عَن أم كرز قَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «أقرُّوا الطير عَلَى مكناتها» وسمعته يَقُول: «عَن الْغُلَام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة، لَا يَضرك ذكرانًا كن أَو إِنَاثًا» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ كَذَلِك أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» فَقَالَ: أَنا أَحْمد بن عَلّي بن الْمثنى، ثَنَا أَبُو خَيْثَمَة، نَا سُفْيَان بِهِ سَوَاء، لكنه قَالَ: «لَا يضركم» . الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ضحوا بالجذع من الضَّأْن» . هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى، عَن أمه، عَن أم بِلَال مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَعَزاهُ إِلَى رِوَايَة مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ، ثمَّ أعله بِأم مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى، وَقَالَ: إِنَّهَا مَجْهُولَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بلفظين عَن أم بِلَال مَرْفُوعا: أَحدهمَا: «ضحوا بالجذع من الضَّأْن فَإِنَّهُ جَائِز» . ثَانِيهمَا: «يجوز الْجذع من الضَّأْن أضْحِية» . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِاللَّفْظِ الأول من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة. وَأم بِلَال هَذِه ذكرهَا ابْن عبد الْبر، وَأَبُو نعيم، وَابْن مَنْدَه فِي كتب الصَّحَابَة، وَذكرهَا الْعجلِيّ فِي «ثقاته» وَقَالَ: تابعية ثِقَة. فَخَالف، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 وَاقْتصر الْمزي فِي «تهذيبه» وتلميذه الذَّهَبِيّ عَلَى ذَلِك، وَلَيْسَ بجيد لما عَلمته، وَالْأَمر كَمَا قَالَه أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي جَهَالَة أم مُحَمَّد هَذِه، فَلَا أعلم حَالهَا بعد الْكَشْف التَّام عَنْهَا. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث ابْن مَاجَه بالسند الْمَذْكُور عَن أم بِلَال بنت هِلَال، عَن أَبِيهَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يجوز الْجذع من الضَّأْن أضْحِية» . وهلال ذكره ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة، وَذكره ابْن حزم بعد ذَلِك من الطَّرِيق السالفة ثمَّ قَالَ: أم مُحَمَّد لَا يُدْرَى من هِيَ، وَزَاد هُنَا أَن أم بِلَال مَجْهُولَة لَا يُدْرَى ألها صُحْبَة أم لَا. وَقد علمت حَالهَا فِيمَا قدمنَا. الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «نعمت الْأُضْحِية الْجذع من الضَّأْن» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي كباش قَالَ: «جلبت غنما جذعًا إِلَى الْمَدِينَة فكسدت عليّ، فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَة فَسَأَلته فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: نعم - أَو نعمت - الْأُضْحِية الْجذع من الضَّأْن. قَالَ: فانتهبه النَّاس» رَوَاهُ من حَدِيث عُثْمَان بن وَاقد - وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِي توثيقه، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ أَحْمد: لَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَضَعفه أَبُو دَاوُد - عَن كدام - بِالدَّال - بن عبد الرَّحْمَن - وَهُوَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 السّلمِيّ - عَن أبي كباش، وَلَا أعلم حَالهمَا فَيَأْتِي فيهمَا الْخلاف فِي الِاحْتِجَاج بالمستور. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب وَفِي بعض نسخه: حسن. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا. قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس، وَأم بِلَال بنت هِلَال عَن أَبِيهَا، وَجَابِر، وَعقبَة بن عَامر، وَغَيرهم. وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» بِالْإِسْنَادِ السالف لَكِن بِلَفْظ: «نعم الْأُضْحِية الْجذع السمين من الضَّأْن» وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» ، والسياق لَهُ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْأَضْحَى فَقَالَ [لَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا جِبْرِيل] كَيفَ رَأَيْت نسكنا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، لقد باهى بِهِ أهل السَّمَاء، وَاعْلَم يَا مُحَمَّد أَن الْجذع من الضَّأْن خير من الثَّنية من الْمعز وَالْإِبِل وَالْبَقر، وَلَو علم الله - تَعَالَى - فِيهِ [ذبحا] أفضل مِنْهُ لفدى بِهِ إِبْرَاهِيم» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: مُنكر، إِنَّمَا فدى بِهِ ابْن إِبْرَاهِيم، وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْجَنبي، وَقد قَالَ البُخَارِيّ: فِي حَدِيثه نظر، وَلَا يُتَابِعه عَلَى هَذَا الحَدِيث ثِقَة. قلت: هُوَ هَالك، وَهِشَام بن سعد لَيْسَ بمعتمد، قَالَ ابْن عدي: مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. قَالَ الْعقيلِيّ: وَيروَى من حَدِيث زِيَاد بن مَيْمُون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 أَيْضا عَن أنس، وَزِيَاد هَذَا يكذب. وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ ذكره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - التِّرْمِذِيّ - وَمن طَرِيق الْعقيلِيّ وَالْحَاكِم، لَكِن أخرج هَذَا مُخْتَصرا بِلَفْظ: «إِن جِبْرِيل قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: يَا مُحَمَّد، إِن الْجذع من الضَّأْن خير من المسنة من الْمعز» ثمَّ قَالَ: وَطَرِيق أبي هُرَيْرَة الأول أسقطها كلهَا وفضيحة الدَّهْر؛ لِأَنَّهُ عَن عُثْمَان بن وَاقد - وَهُوَ مَجْهُول - عَن كدام بن عبد الرَّحْمَن - وَلَا نَدْرِي من هُوَ - عَن أبي كباش الَّذِي جلب الكباش الْجَذعَة إِلَى الْمَدِينَة فبارت عَلَيْهِ. هَذَا نَص حَدِيثه، وَهنا جَاءَ مَا جَاءَ أَبُو كباش، وَمَا أَدْرَاك مَا [أَبُو] كباش. والطريقة الثَّانِيَة فِيهَا هِشَام بن سعد وَهُوَ ضَعِيف. قلت: أما كدام فقد رَوَى عَنهُ أَبُو حنيفَة [و] ابْن وَاقد، فارتفعت جَهَالَة عينه كَمَا سلف، وَبقيت جَهَالَة حَاله. وَأما عُثْمَان بن وَاقد فحاشاه من الْجَهَالَة، وَقد علمت أَنه مِمَّن اخْتلف فِيهِ كَمَا سلف لَك، وَقد رَوَى عَنهُ خلق. وَأما أَبُو كباش فَلَا أعلم رَوَى عَنهُ غير كدام، وَلَا رَوَى عَن غير أبي هُرَيْرَة. وَأما هِشَام فَقَالَ فِيهِ هُنَا مَا عَلمته، وَذكر عقبه أَنه ضَعِيف ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل، وأساء القَوْل فِيهِ جدًّا وأطرحه، وَلم يجز الرِّوَايَة عَنهُ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَلَا ابْن معِين وَلَا غَيرهمَا، وَهِشَام هَذَا قَالَ ابْن معِين فِي حَقه فِي رِوَايَة صَالح: لَيْسَ بمتروك الحَدِيث. وَقَالَ فِي أُخْرَى: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: مَحَله الصدْق. وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 الحَدِيث حسن الحَدِيث. وَاحْتج بِهِ مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَقد أخرج الْحَاكِم حَدِيثه كَمَا تقدم، وَقَالَ: صَالح الْإِسْنَاد. وَذكر ابْن حزم هَذَا الحَدِيث مرّة وَقَالَ: إِنَّه كذب ظَاهر، وَهُوَ قَوْله: «الَّذِي فدى الله إِبْرَاهِيم» وَلم يفد إِبْرَاهِيم بِلَا شكّ، وَإِنَّمَا فدى ابْنه. فَائِدَة: الْجذع من الضَّأْن مَا لَهُ سنة تَامَّة، هَذَا هُوَ الْأَصَح وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة، وَقيل: سِتَّة أشهر. وَقيل: وَدخل فِي السَّابِعَة. وَقيل: ثَمَانِيَة. وَقيل: عشرَة. وَقيل: إِن كَانَ ابْن شابين فستة إِلَى سَبْعَة، وَإِن كَانَ ابْن هرمين فثمانية. الحَدِيث التَّاسِع عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم النَّحْر بعد الصَّلَاة، فَقَالَ: من صَلَّى صَلَاتنَا ونسك نسكنا فقد أصَاب النّسك، وَمن نسك قبل الصَّلَاة فَلَا نسك لَهُ. فَقَامَ أَبُو بردة بن نيار خَال الْبَراء بن عَازِب فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لقد نسكت قبل أَن أخرج إِلَى الصَّلَاة. فَقَالَ: تِلْكَ شَاة لحم. قَالَ: فَإِن عِنْدِي عنَاقًا جَذَعَة هِيَ خير من شاتي لحم فَهَل تجزي عني؟ قَالَ: نعم، وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَهَذَا اللَّفْظ هُوَ لفظ إِحْدَى روايتي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا بدل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283 «فَلَا نسك لَهُ» : «فَتلك شَاة لحم» وَقَالا بعد قَوْله «قبل أَن أخرج إِلَى الصَّلَاة» : «وَعرفت أَن الْيَوْم يَوْم أكل وَشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أَهلِي وجيراني. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: تِلْكَ شَاة لحم ... » الحَدِيث، وَلَفظ الشَّيْخَيْنِ عَن الْبَراء أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن أول مَا نبدأ بِهِ فِي يَوْمنَا هَذَا نصلي ثمَّ نرْجِع فننحر، فَمن فعل ذَلِك فقد أصَاب سنتنا، وَمن ذبح قبل فَإِنَّمَا هُوَ لحم قدمه لأَهله لَيْسَ من النّسك فِي شَيْء. وَكَانَ أَبُو بردة بن نيار قد ذبح فَقَالَ: عِنْدِي جذع خير من مُسِنَّة. فَقَالَ: اذْبَحْهَا وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك» . وَفِي لفظ لَهما: «ذبح أَبُو بردة بن نيار قبل الصَّلَاة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أبدلها. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَة وَهِي خير من مُسنة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اجْعَلْهَا مَكَانهَا وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك» وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِن عِنْدِي داجنًا جَذَعَة من الْمعز» وَفِي رِوَايَة لَهما: «عنَاق لبن» وَفِي أُخْرَى: «عنَاق جَذَعَة» . فَائِدَة: «العناق» بِفَتْح الْعين: الْأُنْثَى من الْمعز إِذا قويت مَا لم تستكمل سنة. وَقَوله: «تجزي» هُوَ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق غير مَهْمُوز فَهُوَ بِمَعْنى الْكِفَايَة. وَقَوله: «عنَاق لبن مَعْنَاهُ (صَغِيرَة) قريبَة بِمَا ترْضع. وَقَوله: «وَلنْ تجزي [عَن] أحد بعْدك» أَي جَذَعَة الْمعز، وَهُوَ مُقْتَضَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 سِيَاق الْكَلَام، وَإِلَّا فجذعة الضَّأْن تجزى، وَالْمعْنَى أَنَّهَا الْوَاجِب عَن أحد بعْدك. الحَدِيث الْعَاشِر عَن عقبَة [بن] عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضحايا [فَأَعْطَانِي] عنَاقًا جَذَعَة فَقلت: عنَاق. فَقَالَ: ضح بِهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «قسم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين أَصْحَابه ضحايا فَصَارَت لعقبة جَذَعَة فَقلت: يَا رَسُول الله، أصابني جذع. فَقَالَ: ضح بِهِ أَنْت» . وَفِي رِوَايَة لَهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعطَاهُ غنما يقسمها عَلَى أَصْحَابه فَبَقيَ عتود، فَذكره للنَّبِي (فَقَالَ: ضح بِهِ أَنْت» . وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَالْجمع بَينه وَبَين الَّذِي قبله فِي شرحي للعمدة فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الْحَادِي عشر «عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن مَاذَا يتقَى من الضَّحَايَا، فَقَالَ (: العرجاء الْبَين ظلعها - وَيروَى: عرجها - والعوراء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 الْبَين عورها، والمريضة الْبَين مَرضهَا، والعجفاء الَّتِي لَا تنقي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَأحمد فِي «مُسْنده» ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة د ت ق ن وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَهُوَ حَدِيث عَظِيم، أصل من أصُول هَذَا الْبَاب، قَالَ الإِمَام أَحْمد: مَا أحْسنه من حَدِيث. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح لَا أعرفهُ إِلَّا من حَدِيث عبيد بن فَيْرُوز عَن الْبَراء، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قلت: ومداره عَلَى عبيد بن فَيْرُوز، وَهُوَ أَبُو الضَّحَّاك مولَى بني شَيبَان عَن الْبَراء، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَنهُ مِنْهُم عَمْرو بن الْحَارِث. قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: عبيد بن فَيْرُوز هَذَا من أهل مصر، وَلم يدر ألقيه عَمْرو بن الْحَارِث أم لَا، فَنَظَرْنَا فَإِذا عَمْرو بن الْحَارِث لم يسمعهُ من عبيد بن فَيْرُوز، إِنَّمَا سَمعه من يزِيد بن أبي حبيب عَنهُ، ثمَّ نَظرنَا فَإِذا يزِيد بن أبي حبيب لم يسمعهُ من عبيد بن فَيْرُوز، إِنَّمَا سَمعه من سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبيد بن فَيْرُوز لَكِن لم يذكر سَماع سُلَيْمَان بن عبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 الرَّحْمَن من عبيد، ثمَّ نَظرنَا فَإِذا سُلَيْمَان هَذَا لم يسمعهُ من عبيد بن فَيْرُوز، وَإِنَّمَا رَوَاهُ لَيْث بن سعد، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْقَاسِم مولَى خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، عَن عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: فَإِذا الحَدِيث حَدِيث لَيْث بن سعد، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن ... إِلَى أَن قَالَ: قَالَ عُثْمَان بن عمر: فَقلت لليث بن سعد: يَا أَبَا الْحَارِث، إِن شُعْبَة يروي هَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن أَنه سمع عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ: لَا، إِنَّمَا حَدثنَا بِهِ سُلَيْمَان، عَن الْقَاسِم مولَى خَالِد، عَن عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ عُثْمَان بن عمر: فَلَقِيت شُعْبَة فَقلت لَهُ: إِن ليثًا حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْقَاسِم، عَن عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ: فَقَالَ شُعْبَة: هَكَذَا حفظته كَمَا حدثت بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ عُثْمَان بن عمر، عَن لَيْث بن سعد. وَقد رَوَاهُ يَحْيَى بن بكير، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبيد بن فَيْرُوز، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يزِيد بن أبي حبيب وَشعْبَة بن الْحجَّاج عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، وَذكر شُعْبَة سَماع سُلَيْمَان من عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيمَا بَلغنِي عَن التِّرْمِذِيّ، عَن البُخَارِيّ أَنه كَانَ يمِيل إِلَى تَصْحِيح رِوَايَة شُعْبَة وَلَا يرْضَى رِوَايَة عُثْمَان بن عمر. قلت: وَكَذَلِكَ أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، رَوَاهُ أَحْمد، عَن عَفَّان، نَا شُعْبَة، أَخْبرنِي سُلَيْمَان بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة شُعْبَة بِهِ، وَمن رِوَايَة يزِيد بن أبي حبيب عَن سُلَيْمَان بِهِ، وَرَوَاهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 النَّسَائِيّ من رِوَايَة شُعْبَة بِهِ، وَمن رِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث وَاللَّيْث، عَن سُلَيْمَان بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة شُعْبَة بِهِ. قَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» : وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس، عَن مَالك بن أنس، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عبيد، عَن الْبَراء، وَخَالف روح بن عبَادَة فَرَوَاهُ عَن أُسَامَة بن زيد، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبيد. وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة شُعْبَة أَيْضا ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم لقلَّة رِوَايَات سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، وَقد أظهر عَلّي بن الْمَدِينِيّ فضائله وإتقانه. قَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد مُتَفَرِّقَة بأسانيد صَحِيحَة ثمَّ سَاقهَا بِإِسْنَادِهِ. هَذَا كَلَامه فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج من «مُسْتَدْركه» ثمَّ أَعَادَهُ فِي كتاب الضَّحَايَا مِنْهُ من رِوَايَة أَيُّوب بن سُوَيْد - وَقد ضعفه أَحْمد - عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الله بن عَامر، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن الْبَراء، وَمن رِوَايَة أَيُّوب الْمَذْكُور، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْبَراء. قَالَ الْحَاكِم: قَالَ الرّبيع فِي (كتابي) بالإسنادين. قَالَ الْحَاكِم: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: إِنَّمَا أخرج مُسلم حَدِيث سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن عبيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 بن فَيْرُوز، وَهُوَ مِمَّا أَخذ عَلَى مُسلم لاخْتِلَاف الناقلين فِيهِ. هَذَا آخر كَلَامه، ودعواه أَن مُسلما أخرج الحَدِيث من الطَّرِيق الْمَذْكُور عَجِيب مِنْهُ؛ فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ أصلا، بل لم يخرج مُسلم فِي «صَحِيحه» عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن وَلَا عَن عبيد بن فَيْرُوز أصلا [لَا] الحَدِيث الْمَذْكُور وَلَا غَيره، وَالْحَاكِم مِمَّن قَالَ فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن عبيد بن فَيْرُوز: لم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. ثمَّ شرع بعد ذَلِك يعْتَذر عَن السَّبَب الْمُوجب لعدم تخريجهما لَهُ، وَهَذَا من أعجب الْعجب مِنْهُ إِذا عرفت طرق هَذَا الحَدِيث فهاك أَلْفَاظه: فَلفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبيد بن فَيْرُوز قَالَ: «سَأَلنَا الْبَراء عَمَّا لَا يجوز فِي الْأَضَاحِي فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأصابعي أقصر من أَصَابِعه، وأناملي أقصر من أنامله - فَقَالَ: أَربع - وَأَشَارَ بِأَرْبَع أَصَابِعه - لَا تجوز فِي الْأَضَاحِي: العوراء بيَّن عورها، والمريضة بيِّن مَرضهَا، والعرجاء بيِّن ظلعها، والكسير الَّتِي لَا تنقي. ثمَّ قَالَ: قلت: فَإِنِّي أكره أَن يكون فِي السن نقص. قَالَ: مَا كرهت فَدَعْهُ وَلَا تحرمه عَلَى أحد» وَفِي رِوَايَة للنسائي: «والعجفاء الَّتِي لَا تنقي» بدل «الكسير» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ أَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يضحى بالعرجاء بَين ظلعها، وَلَا العوراء بَين عورها، وَلَا بالمريضة بَين مَرضهَا، وَلَا بالعجفاء الَّتِي لَا تنقي» . وَلَفظ «الْمُوَطَّأ» نَحْو رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَى قَوْله: «لَا تنقي» ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 وَجعل بدل «الكسير» : «الْعَجْفَاء» . وَلَفظ ابْن مَاجَه عَن عبيد بن فَيْرُوز: «قلت للبراء بن عَازِب: حَدثنِي مَا كره أَو نهَى عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْأَضَاحِي، فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَكَذَا بِيَدِهِ - ويدي [أقصر] من يَده -: أَربع لَا تُجزئ فِي الْأَضَاحِي: العوراء الْبَين عورها، والمريضة الْبَين مَرضهَا، والعرجاء الْبَين ظلعها، والكسير الَّتِي لَا تنقي. قلت: فَإِنِّي أكره أَن يكون نقص الْأذن قَالَ: فَمَا كرهت مِنْهُ فَدَعْهُ وَلَا تحرمه عَلَى أحد» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِكُل هَذِه الْأَلْفَاظ، وَلَفظ أَحْمد وَالْحَاكِم وَابْن حبَان بِنَحْوِ مَا تقدم. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «الْبَين ظلعها» هُوَ بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام. قَالَ صَاحب «المعرب» : وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ غَيره: قد تسكن اللَّام، وَهُوَ العرج. قَالَ الْجَوْهَرِي فِي «ظلع» بالظاء الْمُعْجَمَة: ظلع الْبَعِير يظلع ظلعًا: أَي غمز فِي مَشْيه. انْتَهَى. وَكتبه بَعضهم بالصَّاد الساقطة غير الْمُعْجَمَة. وَقَوله: «الَّتِي لَا تُنْقِي» هُوَ بِضَم التَّاء، وَإِسْكَان النُّون، وَكسر الْقَاف أَي: لَا (نِقْى) لَهَا - بِكَسْر النُّون، وَإِسْكَان الْقَاف - وَهُوَ المخ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: هِيَ الَّتِي يُوجد فِيهَا شَحم يُقَال: أنقت الْإِبِل وَغَيرهَا إِذا سمنت، وَصَارَ فِيهَا نقي وَهُوَ المخ، وَهَذِه نَاقَة منقية، وناقة لَا تُنقى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 الحَدِيث الثَّانِي عشر ورد النَّهْي عَن التَّضْحِيَة بالثولاء. هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث لم أَجِدهُ ثَابتا. قلت: وَفِي «نِهَايَة» ابْن الْأَثِير من حَدِيث الْحسن: لَا بَأْس أَن يضحى بالثولاء. فَائِدَة: «الثولاء» بثاء مُثَلّثَة مَفْتُوحَة مَأْخُوذ من الثول وَهُوَ الْجُنُون، وتستعمل فِي الأناسي مجَازًا فَيَقُولُونَ: رجل أثول وَامْرَأَة ثولاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: الثول - بِفَتْح الثَّاء وَالْوَاو -: جُنُون يُصِيب الشَّاة فَلَا تتبع الْغنم وتستدير فِي مرعاها، يُقَال: شَاة ثولاء، وتيس أثول. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن، وَأَن لَا نضحي بِمُقَابلَة، وَلَا مدابرة، وَلَا شرقاء، وَلَا خرقاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبَزَّار فِي «مسنديهما» وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة د ت ن ق وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَالْبَيْهَقِيّ بأسانيد صَحِيحَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجية عَن عَلّي، وَلَا نعلم رَوَى أَبُو إِسْحَاق عَن سَلمَة حَدِيثا مُسْندًا سواهُ، وَلَا [رَوَاهُ] عَن أبي إِسْحَاق إِلَّا جرير بن حَازِم، وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، زَاد التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته الْأُخْرَى: «والمقابلة: مَا قطع من طرف أذنها، والمدابرة: مَا قطع من جَانب الْأذن، والشرقاء: المشقوقة، والخرقاء: المثقوبة» . وَلَفظ أبي دَاوُد، وَإِحْدَى روايتي النَّسَائِيّ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن، وَلَا نضحي بعوراء وَلَا مُقَابلَة وَلَا مدابرة وَلَا خرقاء وَلَا شرقاء» . قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ زُهَيْر: فَقلت لأبي إِسْحَاق: أَذَكر عضباء؟ قَالَ: لَا. قلت: فَمَا الْمُقَابلَة؟ قَالَ: يقطع طرف الْأذن. قلت: فَمَا المدابرة؟ قَالَ: يقطع مُؤخر الْأذن. قلت: فَمَا الشرقاء؟ قَالَ: تشق الْأذن. قلت: فَمَا الخرقاء؟ قَالَ: تخرق أذنها للسِّمَة» وَلَفظ ابْن مَاجَه: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يضحى بِمُقَابلَة أَو مدابرة أَو شرقاء أَو خرقاء أَو جَدْعَاء» وَهَذَا لفظ أَحْمد وَهُوَ يرد عَلَى قَول ابْن حزم فِي «محلاه» : حَدِيث «لَا تُجزئ الجدعاء» لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق جَابر الْجعْفِيّ. وَهَذَا طَرِيق لَيْسَ هُوَ فِيهَا، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن» وَهَذَا الثَّانِي هُوَ لفظ الْبَزَّار وَابْن حبَان، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ د ت ق، وَلَفظ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 «مُسْتَدْركه» كَلَفْظِ ابْن مَاجَه الْأَخير وَمن تبعه. ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَلَفظه فِي كتاب الْأَضَاحِي مِنْهُ بِلَفْظ ابْن مَاجَه الأول ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ العَوَر، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح أسانيده كلهَا، وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ لزِيَادَة ذكرهَا قيس بن الرّبيع عَن أبي إِسْحَاق عَلَى أَنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بقيس. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجية بن عدي ... ثمَّ ذكر ذَلِك بأسانيده عَنْهُمَا ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة وَلم يحْتَجَّا بحجية بن عدي، وَهُوَ من كبار أَصْحَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلّي بن أبي طَالب. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إرْسَال هَذَا الحَدِيث عَن عَلّي هُوَ الْأَشْبَه، وَفِي رِوَايَة للْجَمَاعَة الْمَذْكُورين كلهم عَن عَلّي قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يضحى بأعضب الْقرن وَالْأُذن» قَالَ قَتَادَة: فَذكرت ذَلِك لسَعِيد بن الْمسيب، فَقَالَ: العضب مَا بلغ النّصْف فَمَا فَوق ذَلِك. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَخَالف ابْن عبد الْبر وَالْمُنْذِرِي فَقَالَا: لَا [يحْتَج] بِمِثْلِهَا. وَسبب مقالتهما أَن مَدَاره عَلَى جُرَي بن كُلَيْب الْبَهْزِي، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مَجْهُول لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير قَتَادَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم روىَ قَتَادَة عَن جري غير هَذَا الحَدِيث، وَحَدِيث النَّهْي عَن الْمُتْعَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يرو عَنهُ غير قَتَادَة، وَأَثْنَى عَلَيْهِ - يَعْنِي قَتَادَة - وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ فَقَالَ: بَصرِي ثِقَة. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَيَنْبَغِي أَن نعلم أَن لَهُم آخر اسْمه جري بن كُلَيْب، والفارق بَينهمَا أَن هَذَا بَصرِي، وَذَاكَ كُوفِي، وَهَذَا نهدي، وَذَاكَ سدوسي، كَذَا فرق بَينهمَا أَبُو دَاوُد. قَالَ الْمزي: وَرَوَى عَن هَذَا أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، وَابْنه يُونُس بن أبي إِسْحَاق. قلت: وَعَاصِم بن بَهْدَلَة، كَمَا ذكره ابْن مَاكُولَا وَأغْرب الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» ، فَقَالَ: رَوَى [عَنهُ] أَبُو إِسْحَاق السبيعِي. وَأما ابْن أبي حَاتِم فَاقْتَضَى كَلَامه أَنَّهُمَا وَاحِد فَإِنَّهُ ذكر جري النَّهْدِيّ، وَقَالَ: رَوَى عَنهُ قَتَادَة وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي. فَتنبه لَهُ، وَأما ابْن حزم فَقَالَ فِي «محلاه» : وَرُوِيَ فِي الأعضب أَنه لَا يُجزئ وَلَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق جري بن كُلَيْب وَلَيْسَ مَشْهُورا، وَعَمن لم يسم عَن عَلّي. هَذَا كَلَامه، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة كَمَا تقدم من حَدِيث قَتَادَة عَن جري عَن عَلّي نَفسه لَيْسَ بَينه وَبَين جري أحد، وَقد صرح جري بِالسَّمَاعِ أَنه عَن عَلّي. قَالَ ابْن مَاجَه: ثَنَا حميد بن مسْعدَة، ثَنَا خَالِد بن الْحَارِث، ثَنَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 سعيد [عَن قَتَادَة] أَنه ذكر أَنه سمع جري بن كُلَيْب يحدث أَنه سمع عليًّا عَلَيْهِ السَّلَام يحدث «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يضحى بأغضب الْقرن أَو الْأذن» وَكَذَا أوردهُ ابْن الْمُغلس الظَّاهِرِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى جري قَالَ: سَمِعت عليًّا يَقُول: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يضحى بأعضب الْقرن» . فَائِدَة: فِي تَفْسِير مَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث من الْغَرِيب فَإِنَّهُ مُهِمّ: مَعْنَى استشراف الْأذن وَالْعين: أَن تشرف عَلَيْهِمَا ويتأملان كَيْلا يَقع فيهمَا نقص وعيب. وَقيل: إِن ذَلِك مَأْخُوذ من الشُرْف - بِضَم الشين وَإِسْكَان الرَّاء - وَهُوَ خِيَار المَال أَي أمرنَا أَن نتخيرها. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: مَعْنَى الحَدِيث أَن نضحي بواسع الْعين طَوِيل الْأُذُنَيْنِ. والمقابَلة والمدابَرة: بِفَتْح الْبَاء فيهمَا، قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من أهل اللُّغَة والغريب وَالْفُقَهَاء: الْمُقَابلَة هِيَ الَّتِى قطع من مقدم أذنها فلقَة وتدلت مِنْهُ وَلم تنفصل، والمدابرة الَّتِي قطع من مُؤخر أذنها فلقَة وتدلت مِنْهُ وَلم تنفصل. والفلقة الأولَى تسمى الإقبالة، وَالْأُخْرَى تسمى الإدبارة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى فِي كِتَابه «غَرِيب الحَدِيث» : الْمُقَابلَة الموسومة بالنَّار فِي بَاطِن أذنها، والمدابرة فِي ظَاهر أذنها. وَالْمَشْهُور الأول، والشرقاء والخرقاء ممدودان، وَالْأولَى المشقوقة وَالثَّانيَِة الَّتِي فِي أذنها ثقب مستدير وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَالَّذِي قَالَه جماعات، وَمِنْهُم الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَفسّر صَاحب «الْمُهَذّب» الشرقاء بِالَّتِي ثقبت أذنها من الكي، والخرقاء الَّتِي شقّ أذنها بالطول. وأنكروه عَلَيْهِ وغلطوه فِيهِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ، وَالصَّوَاب الأول، وَعَن الشَّافِعِي أَن الشرقاء: المشقوقة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 الْأذن طولا - وَهُوَ الْمَذْكُور فِي «الْحَاوِي» لَا غير - والجدعاء: المقطوعة الْأذن كلهَا. والعضباء: الَّتِي قد ذهب مُعظم أذنها وقرنها. قَالَ ابْن عقيل الْحَنْبَلِيّ لما قَالَ: (ولآمرنهم فليبتكن آذان الْأَنْعَام) وَكَانَ شقّ الْأذن أثرا حصل من الْأَذَى بِطَاعَة الشَّيْطَان، حسن أَن ينْهَى عَن التَّضْحِيَة بِمَا هَذِه صفته؛ لِأَنَّهَا هَدْيه إِلَى الله. الحَدِيث الرَّابِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يضحى بالمصفرة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي حميد الرعيني قَالَ: أَخْبرنِي يزِيد ذُو مِصْر - بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الصَّاد الْمُهْملَة هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي ضَبطه، وَمِمَّنْ ضَبطه كَذَلِك ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» وَقَيده الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِي السّنَن» بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَبعدهَا رَاء مُهْملَة، وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ - قَالَ: «أتيت عتبَة بن عبد السّلمِيّ، فَقلت: يَا أَبَا الْوَلِيد، خرجت ألتمس الضَّحَايَا فَلم أجد شَيْئا يُعجبنِي غير ثرماء فَمَا تَقول؟ قَالَ: أَفلا جئتني أضحي بهَا. قَالَ: سُبْحَانَ الله، تجوز عَنْك وَلَا تجوز عني؟ ! قَالَ: نعم، أَنْت تشك وَأَنا لَا أَشك، إِنَّمَا نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن المصفرة والمستأصلة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 والبخقاء [والمشيعة] والكسراء. والمصفرة: الَّتِي تستأصل أذنها حَتَّى يَبْدُو صماخها، والمستأصلة [هى الَّتِى استؤصل] قرنها من أَصله، والبخقاء: الَّتِي تُبْخق عينهَا، والمشيَّعة: الَّتِي لَا تتبع الْغنم، والكسراء: الكسير» . وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ صَالح الِاحْتِجَاج بِهِ عِنْده، وَقَالَ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج: إِسْنَاده صَحِيح. وَقَالَ فِي هَذَا الْبَاب: إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم «عَن يزِيد بن خَالِد» بدل «يزِيد ذُو مصر» وَأعله عبد الْحق فَقَالَ: أَبُو حميد وَيزِيد ليسَا بمشهورين - فِيمَا أعلم - وَلَا أعلم رَوَى عَن يزِيد إِلَّا أَبُو حميد وَلَا عَن [أبي] حميد إِلَّا ثَوْر بن يزِيد. قلت: تبع فِي ذَلِك ابْن حزم فَإِنَّهُ أعله بهما لَكِن صحَّفها فَقَالَ فِي «محلاه» : وَجَاء خبر «أَنه لَا تُجزئ المستأصلة قرنها» وَلَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق أبي جميل الرعيني عَن أبي مصر وهما مَجْهُولَانِ. هَذَا كَلَامه. وَكَذَا فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة مِنْهُ - وَصَوَابه عَن أبي حميد - بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ - عَن يزِيد ذِي مصر - كَمَا قَدمته - وَيزِيد هَذَا رَوَى عَنهُ أَبُو حميد الرعيني وَغَيره، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَهُوَ أحد الْأَشْرَاف، وَعَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن أمه قَالَت: قدم يزِيد ذُو مصر عَلَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 مُعَاوِيَة فِي ثَلَاثَة آلَاف فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: عَبِيدِي وموالي. فَقَالَ: إِنِّي لأمير الْمُؤمنِينَ وَمَا لي هَذَا. وَأَبُو حميد قد أخرج الْحَاكِم لَهُ وَصحح حَدِيثه كَمَا تقدم، فَهُوَ مُؤذن بِالْوُقُوفِ عَلَى معرفَة حَاله. فَائِدَة: فِي بَيَان مَا وَقع فِيهِ من الْغَرِيب: «الثرماء» بِالْمدِّ: (الَّذِي) ذهب بعض أسنانها. وَقيل: هُوَ سُقُوط الثَّنية. وَقيل: لَا يُقَال ذَلِك إِلَّا لمن سنه من قُدَّام كالثنية والرباعية. وَقيل: أَن تنقلع السن من أَصْلهَا. والمصفرة - بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء - سميت بذلك؛ لِأَن صماخيها صَفِرا من الْأذن أَي: خلوا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هِيَ من أصفره إِذا أخلاه. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي «نهايته» : وَإِن رويت المصفرة بِالتَّشْدِيدِ فللتكثير. قَالَ: وَقيل: هِيَ المهزولة لخلوها من السّمن. وَلِهَذَا جزم الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ: الهزيلة الَّتِي اصفر لَوْنهَا من الهزال قَالَ الْأَزْهَرِي: وَرَوَاهُ شمر بالغين وَفَسرهُ عَلَى مَا فِي الحَدِيث وَلَا أعرفهُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: رَوَاهُ شمر بالغين وَهِي حِينَئِذٍ من الصغار. والبخقاء: العوراء، وَقيل: البخق أَن يذهب الْبَصَر بِفَتْح الْعين. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: البخقاء: العوراء، وَقيل: البخق أَن يذهب الْبَصَر وَتَبقى الْعين قَائِمَة منفتحة. والمشيِّعة - بِكَسْر الْيَاء -: هِيَ الَّتِي لَا تزَال تتبع الْغنم، فَهِيَ أبدا تمشي وَرَاءَهَا. وَأما من فتح الْبَاء فَلِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى من يسقيها أَو يَسُوقهَا لتأخرها عَن الْغنم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضحى بكبشين موجوءين» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة عَائِشَة أَو [أبي] هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا ضحى دَعَا بكبشين عظيمين سمينين أملحين موجوءين أقرنين، فذبح أَحدهمَا عَن أمته من شهد لَهُ بالبلاغ وَشهد لله بِالتَّوْحِيدِ، ويذبح الآخر عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد» . فِي إِسْنَاده عبد الله بن عقيل، وَقد أسلفنا فِي أَوَائِل هَذَا الْكتاب فِي بَاب الْوضُوء أَن جماعات احْتَجُّوا بِهِ وَأَن التِّرْمِذِيّ حسن حَدِيثه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عَائِشَة أَو عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ زُهَيْر بن مُحَمَّد [عَن عبد الله] بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أبي رَافع مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن عقيل، عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر، عَن أَبِيه مَرْفُوعا. قَالَ البُخَارِيّ: لَعَلَّه سمع من هَؤُلَاءِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي بَاب التَّفْسِير من «مُسْتَدْركه» فِي تَفْسِير سُورَة الْحَج من حَدِيث أبي رَافع الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ، وَلم يذكر فِيهِ «موجوءين» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 الْإِسْنَاد. وَفِيمَا قَالَه نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده زُهَيْر بن مُحَمَّد وَهُوَ ذُو مَنَاكِير، وَابْن عقيل لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِيمَا حَكَاهُ أَبُو حَاتِم فِي «علله» عَنهُ: الَّذِي رَوَوْهُ عَن ابْن عقيل كلهم ثِقَات. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي عَيَّاش، عَن جَابر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذبح يَوْم النَّحْر كبشين أقرنين أملحين موجوءين» فِيهِ مَعَ أبي عَيَّاش هَذَا عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَأَبُو عَيَّاش هَذَا رَوَى عَنهُ خَالِد بن أبي عمرَان، وَيزِيد بن أبي حبيب وَهُوَ مَسْتُور لم يتَحَقَّق حَاله. قَالَ عبد الْحق: لم أسمع فِيهِ بتجريح وَلَا بتعديل، وَذكر عَنهُ راويان. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء قَالَ: «ضحى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بكبشين أقرنين أملحين جدعين موجوءين» . فِيهِ قيس بن الرّبيع صَدُوق وَلَا يحْتَج بِهِ. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر فِيهِ الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَمن هَذَا الطَّرِيق أخرجه أَحْمد وَلَفظه: «بكبشين جدعين موجوءين» . فَائِدَة: «الوجاء» بِكَسْر الْوَاو وَالْمدّ -: رض عروق الْأُنْثَيَيْنِ. قَالَ الْهَرَوِيّ: الخصيتان بحالهما. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَالصَّحِيح «موجوءين» أَي منزوعي الْأُنْثَيَيْنِ، قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره. قلت: وَيُؤَيّد هَذَا رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ [وَأحمد] عَن أبي الدَّرْدَاء «أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضحى بخصيين» وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مِنْهُم من يرويهِ «موجيين» بِغَيْر همز عَلَى التَّخْفِيف، وَيكون من وجيته وجيًا فَهُوَ موجيّ فَقَالَ المطرزي فِي كتاب المعرب: موجيين وموجوين خطأ، وَالصَّوَاب موجوءين. الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خير الضحية الْكَبْش الأقرن» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عبَادَة بن نسي، عَن أَبِيه، عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خير الْكَفَن الْحلَّة، وَخير الضحية الْكَبْش الأقرن» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: نسي لَا يعرف حَاله وَآخر مَعَه فِي الْإِسْنَاد وَهُوَ حَاتِم بن أبي نصر. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «خير الضَّحَايَا الْكَبْش الأقرن» وَفِي إِسْنَاده عفير بن معدان أَبُو عَائِذ الْحِمصِي وَهُوَ ضَعِيف، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 قَالَ أَحْمد: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: عفير بن معدان ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَهَذَا حَدِيث غَرِيب. وَذكر حَدِيثه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من هَذِه الطَّرِيق وَضَعفه بقول التِّرْمِذِيّ، وَنقل عَن يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ [أَنَّهُمَا قَالَا] فِي عفير: لَيْسَ بِثِقَة. تَنْبِيه: قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي كتاب الْجَنَائِز عقب هَذَا الحَدِيث: الْحلَّة: ثَوْبَان أَحْمَرَانِ غَالِبا. هَذَا لَفظه، وَمَا رَأَيْت أحدا من أهل اللُّغَة قيدهما بالحمرة. الحَدِيث السَّابِع عشر رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن التَّضْحِيَة بالهتماء» . يَعْنِي بِالْمُثَنَّاةِ فَوق. هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، قَالَ الرَّافِعِيّ: والهتماء هِيَ الَّتِي انْكَسَرَ سنّهَا أَو سَائِر أسنانها. وَفِي «الْغَرِيب» لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام مَا نَصه: وَأما حَدِيث طَاوس «فِي الهتماء يضحى بهَا» فَإِنَّهَا الْمَكْسُورَة الْأَسْنَان. وَنقل القَاضِي حُسَيْن عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَا يحفظ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْأَسْنَان شَيْئا. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أُتِي بكبش أقرن فأضجعه وَقَالَ: بِسم الله، اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد. ثمَّ ضحى بِهِ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي أول الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي مِنْهُ، وَقد رُوِيَ من غير طريقها أَيْضا. الحَدِيث التَّاسِع عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نحرنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْحُدَيْبِية الْبَدنَة عَن سَبْعَة وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم وَأَصْحَاب «السّنَن» الْأَرْبَعَة من هَذَا الْوَجْه وَبِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث حُذَيْفَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أشرك بَين الْمُسلمين الْبَقَرَة عَن سَبْعَة» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَنه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نشترك كل سَبْعَة فِي بَدَنَة وَنحن متمتعون» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة أخرجهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» وَهَذَا لَفظه عَن جَابر قَالَ: «كُنَّا نتمتع مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْعُمْرَةِ فنذبح الْبَقَرَة عَن سَبْعَة نشترك فِيهَا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مهلين بِالْحَجِّ فَأمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نشترك فِي الْإِبِل وَالْبَقر كل سَبْعَة منا فِي بَدَنَة» وَفِي رِوَايَة: «اشتركنا مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْحَج وَالْعمْرَة كل سَبْعَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 فِي بَدَنَة، فَقَالَ رجل: أيشترك فِي الْبَدنَة مَا يشْتَرك فِي الْجَزُور؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلَّا من الْبدن. وَحضر جَابر الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ: نحرنا يَوْمئِذٍ سبعين بَدَنَة اشتركنا كل سَبْعَة فِي بَدَنَة» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» عَن جَابر قَالَ: «نحرنا يَوْم [الْحُدَيْبِيَة] سبعين بَدَنَة، الْبَدنَة عَن سَبْعَة اشْترك النَّفر فِي الْهَدْي» وَفِي رِوَايَة للبرقاني عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اشْتَركُوا فِي الْإِبِل وَالْبَقر كل سَبْعَة فِي بَدَنَة» وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث أبي الْأسود السّلمِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كنت سَابِع سَبْعَة [مَعَ] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر فَأَدْرَكنَا الْأَضْحَى فَأمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَجمع كل رجل منا درهما، فاشترينا أضْحِية بسبعة دَرَاهِم وَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، لقد غلينا بهَا. فَقَالَ: إِن أفضل الضَّحَايَا أغلاها وأسمنها. قَالَ: ثمَّ أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخذ رجل بِرَجُل، وَأخذ رجل بِرَجُل، وَرجل بيد، وَرجل بيد، وَرجل بقرن، وَرجل بقرن، وَذبح السَّابِع وَكَبرُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا» وَفِي «الْمُسْتَدْرك» و «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر فَحَضَرَ الْأَضْحَى، فاشتركنا فِي الْبَقر سَبْعَة وَفِي الْبَعِير عشرَة» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي «سنَنه» وَجَمِيع رِجَاله ثِقَات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر فَحَضَرَ النَّحْر فاشتركنا فِي الْبَقر سَبْعَة، وَفِي الْبَعِير سَبْعَة أَو عشرَة» قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : وَفِي حَدِيث رَافع بن خديج: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَجْعَل فِي قسم الْغَنَائِم عشر من الشياه بِبَعِير» دَلِيل عَلَى أَن الْبَدنَة تقوم عَن عشرَة إِذا (ذبحت) . الحَدِيث الْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تذبحوا إِلَّا الثَّنية إِلَّا أَن يعسر عَلَيْكُم فاذبحوا الْجذع من الضَّأْن» . هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَّا أَن لَفظه: «لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة إِلَّا أَن يعسر عَلَيْكُم فتذبحوا جَذَعَة من الضَّأْن» وَهَكَذَا رَوَاهُ د س ق فِي «سُنَنهمْ» : «لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة» وَلم أجد فِي شَيْء من طرق الحَدِيث الثَّنية كَمَا ذكره المُصَنّف، نعم هِيَ هِيَ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» نقلا عَن الْعلمَاء: المسنة هِيَ الثَّنية من كل شَيْء من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم فَمَا فَوْقهَا. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: والمسنة من الْبَقر مَا لَهَا ثَلَاث وَدخلت فِي الرَّابِعَة. وَقيل: هِيَ الَّتِي كَمَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 دخلت فِي الثَّالِثَة. ثمَّ اعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث ظَاهِرَة مُشكل؛ فَإِن مُقْتَضَاهُ الْجَذعَة من الضَّأْن لَا تُجزئ إِلَّا إِذا عجز عَن المسنة، وَلكنه مِمَّا يجب تَأْوِيله؛ لِأَن الْأمة مجتمعة عَلَى خلاف ظَاهره؛ فَإِنَّهُم كلهم جوزوا جذع الضَّأْن إِلَّا مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر وَالزهْرِيّ أَنه لَا يُجزئ سَوَاء قدر عَلَى مُسِنَّة أم لَا، فَيحمل هَذَا الحَدِيث عَلَى الْأَفْضَل والأكمل، وَيكون تَقْدِيره يسْتَحبّ لكم أَن لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة فَإِن عجزتم فجذعة. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من رَاح فِي السَّاعَة الأولَى فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة. ثمَّ ذكر الْبَقَرَة، ثمَّ ذكر الْكَبْش الأقرن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سبق بِطُولِهِ وفوائده فِي بَاب صَلَاة الْجُمُعَة وَاضحا. الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دم عفراء أحب إِلَى الله من دم سوداوين» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا [مَوْقُوفا] عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح رَفعه. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 الِاخْتِلَاف فِي رَفعه وَوَقفه، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَأَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث كَبِيرَة بنت سُفْيَان مَرْفُوعا: «أهريقوا فَإِن دم عفراء أَزْكَى عِنْد الله من دم سوداوين» وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مسمول وَقد ضعفه غير وَاحِد، وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «دم الشَّاة الْبَيْضَاء عِنْد الله أَزْكَى من دم السوداوين» وَفِيه حَمْزَة النصيبي قَالَ ابْن عدي: كَانَ يضع الحَدِيث. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ذبح قبل الصَّلَاة فَإِنَّمَا يذبح لنَفسِهِ، وَمن ذبح بعد الصَّلَاة فقد تمّ نُسكه، وَأصَاب سنة الْمُسلمين» . هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ، وَأخرجه مُسلم أَيْضا بِنَحْوِهِ، قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي رِوَايَة: «من صَلَّى صَلَاتنَا هَذِه وَذبح بعْدهَا فقد أصَاب النّسك» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 سلف بِطُولِهِ فِي الْبَاب، لَكِن لَيْسَ فِيهِ لَفْظَة «هَذِه» وَلَفْظَة: «من صَلَّى صَلَاتنَا ونسك نسكنا فقد أصَاب النّسك» وَهِي بِمَعْنَاهُ سَوَاء. قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَكَانَ (يقْرَأ فِي الأولَى «ق» وَفِي الثَّانِيَة «اقْتَرَبت» ويخطب خطْبَة متوسطة» . قلت: قِرَاءَته عَلَيْهِ السَّلَام «ق» و «اقْتَرَبت» تقدم فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، وخطبته خطْبَة متوسطة تقدم فِي الْجُمُعَة قَالَ: و «كَانَ لَا يطول الصَّلَاة» . قلت: لَا شكّ فِي ذَلِك فَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ من أخف النَّاس صَلَاة فِي تَمام» وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَقد سبق بَعْضهَا فِي كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وَأَيَّام منى كلهَا منحر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «كل عَرَفَات موقف، وَارْفَعُوا عَن عُرَنَة، وكل مُزْدَلِفَة موقف، وَارْفَعُوا عَن محسر، وكل فجاج منى منحر، وَفِي كل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح» روياه من حَدِيث سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن، عَن جُبَير بن مطعم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّحِيح أَنه عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن جُبَير مُرْسلا. يَعْنِي أَن سُلَيْمَان الْمَذْكُور لم يدْرك جُبَير عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «أَيَّام التَّشْرِيق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 كلهَا ذبح» قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو معبد، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى أَن عَمْرو بن دِينَار حَدثهُ عَن جُبَير بن مطعم مَرْفُوعا بِمثلِهِ. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن جريج، عَن عَمْرو بن دِينَار أَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم أخبرهُ، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد سَمَّاهُ نَافِع فَنسيته - «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لرجل من غفار: قُم فَأذن، أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن، وَأَنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب أَيَّام منى» زَاد سُلَيْمَان بن مُوسَى: «وَذبح» يَقُول ابْن جريج: «أَيَّام ذبح» قَالَ: [وَرَوَاهُ] مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الصَّدَفِي [عَن الزُّهْرِيّ] عَن سعيد بن الْمسيب [مرّة عَن أبي سعيد، و] مرّة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا ذبح» قَالَ ابْن عدي: وهما جَمِيعًا غير محفوظين لَا يرويهما غير الصَّدَفِي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمَا رُوِيَ أَن الْأَضَاحِي إِلَى آخر الشَّهْر لمن أَرَادَ أَن يستأني بهَا فَفِي بعضه إرْسَال وَفِي بعضه جَهَالَة. قلت: وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع عِنْدِي، وَلم يقرأه عَلَى النَّاس. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر عَنهُ: إِنَّه حَدِيث كذب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الذّبْح لَيْلًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث سُلَيْمَان بن سَلمَة الخبائري، ثَنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يضحى لَيْلًا» والخبائري هَذَا مَتْرُوك كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم وَغَيره. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: كَانَ يكذب. وَبَقِيَّة قد عرفت الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مَضَى غير مرّة. وَأَبُو مُحَمَّد هَذَا لَا أعرفهُ، وَذكره عبد الْحق من حَدِيث بَقِيَّة، عَن مُبشر بن عبيد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الذّبْح بِاللَّيْلِ» ثمَّ أعله بمبشر وَقَالَ: إِنَّه مَتْرُوك. قلت: وَنسبه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ إِلَى الْوَضع أَيْضا، وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بَابا فِي التَّضْحِيَة لَيْلًا من أَيَّام منى، وَذكر فِيهِ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَنه سُئِلَ عَن الْأَضْحَى بِاللَّيْلِ فَقَالَ: لَا. وَعَن الْحسن قَالَ: «نهي عَن جدَاد اللَّيْل وحصاد اللَّيْل والأضحى بِاللَّيْلِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك من شدَّة حَال النَّاس، كَانَ الرجل يَفْعَله لَيْلًا فنهي عَن ذَلِك، ثمَّ رخص فِي ذَلِك» . وَهَذَا مُرْسل أَو مَوْقُوف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أهْدَى مائَة بَدَنَة فَنحر مِنْهَا بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَأمر عليًّا فَنحر الْبَاقِي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَقد أسلفناه بِطُولِهِ فِي الْحَج، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ: «فَنحر مِنْهَا ستًّا وَسِتِّينَ» وَهُوَ من النَّاسِخ، وَقد ذكره عَلَى الصَّوَاب بعد هَذَا الْموضع بأوراق فِي أثْنَاء الحكم الثَّالِث فِي الْأكل من الْأُضْحِية. وَوَقع فِي «مُسْند أَحْمد» و «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث عَلّي - كرم الله وَجهه - قَالَ: «لما نحر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بدنه فَنحر ثَلَاثِينَ بِيَدِهِ وَأَمرَنِي فنحرت سائرها» وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي رجل، عَن عبد الله بن أبي نجيح. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَجَاء فِي حَدِيث غرفَة بن الْحَارِث «أَنه أُتِي بِالْبدنِ فَقَالَ: ادعوا لي أَبَا حسن. فدعي لَهُ عَلّي بن أبي طَالب فَقَالَ لَهُ: خُذ بِأَسْفَل الحربة. وَأخذ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِأَعْلَاهَا ثمَّ طَعنا بهَا الْبدن» . فَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نحر بِيَدِهِ وَحده ثَلَاثِينَ، وَنحر هُوَ وَعلي بن أبي طَالب ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فأضاف الْجَمِيع إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَيحصل الْجمع بَين الْأَحَادِيث. قلت: وَإِنَّمَا يلتجأ إِلَى الْجمع عِنْد صِحَة الْمعَارض، وَهَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 الْمعَارض ضَعِيف؛ فَإِن فِي إِسْنَاده عبد الله بن الْحَارِث وَلَا يعرف لَهُ حَال وَإِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَلَا يعرف لَهُ راوٍ غير حَرْمَلَة بن [عمرَان] قَالَ ابْن الْقطَّان: وَقد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث فِي غير «صَحِيحه» كَمَا أخبر بذلك ابْن السكن، وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ فِيهِ لجَهَالَة عبد الله. فَائِدَة: ذكر ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَوْصَى بذلك سني عمره وَهِي ثَلَاث وَسِتُّونَ بَدَنَة عَن كل سنة بَدَنَة» . الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يذبح أضحيته بالمصلى» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَهَذَا لَفظه: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يذبح أَو ينْحَر بالمصلى» وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره المُصَنّف هُوَ لفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْمر نِسَاءَهُ أَن يلين ذبح هديهن» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها، فَإِنَّهُ بِأول قَطْرَة من دَمهَا يغْفر لَك مَا سلف من ذنوبك» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول (قَالَ لفاطمة: قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها؛ فَإِنَّهُ يغْفر لَك عِنْد أول قَطْرَة تقطر من دَمهَا كل ذَنْب عملتيه. وَقَوْلِي: إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي [ومماتي] لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين. قَالَ عمرَان: يَا رَسُول الله، هَذَا لَك وَلأَهل بَيْتك خَاصَّة - وَأهل ذَلِك أَنْتُم - أم للْمُسلمين عَامَّة؟ قَالَ: بل للْمُسلمين عَامَّة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده أَبَا حَمْزَة الثمالِي ثَابت بن أبي صَفِيَّة مولَى الْمُهلب بن أبي صفرَة وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. قَالَ أَحْمد وَابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: فحش خَطؤُهُ، وَكثر وهمه فَاسْتحقَّ التّرْك. قَالَ الْحَاكِم: وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد من حَدِيث عَطِيَّة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لفاطمة: «يَا فَاطِمَة، قومِي إِلَى أضحيتك فاشهديها فَإِن لَك بِأول قَطْرَة تقطر من دَمهَا يغْفر لَك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 مَا سلف من ذنوبك. قَالَت: يَا رَسُول الله، هَذَا لنا أهل الْبَيْت خَاصَّة أَو لنا وللمسلمين عَامَّة؟ قَالَ: بل لنا وللمسلمين عَامَّة - مرَّتَيْنِ» . قلت: هَذَا الشَّاهِد يحْتَاج إِلَى دعائم؛ فعطية واه، وَفِيه مَعَه دَاوُد بن عبد الحميد الْكُوفِي، قَالَ أَبُو حَاتِم: حَدِيثه يدل عَلَى ضعفه. وَقَالَ الْعقيلِيّ: رَوَى عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَفِيه رِوَايَة أُخْرَى من غير هَذَا الْوَجْه فِيهَا لين أَيْضا. قلت: لَعَلَّه أَرَادَ الطَّرِيقَة الأولَى فتلخص ضعف الْأَصْلِيّ وَالشَّاهِد، لَا جرم قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث سعيد هَذَا [فَقَالَ] حَدِيث مُنكر. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، وَمن طَرِيق عَمْرو بن خَالِد، عَن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن آبَائِهِ، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة: «يَا فَاطِمَة [قومِي] فاشهدي أضحيتك، أما إِن لَك بِأول قَطْرَة تقطر من دَمهَا مغْفرَة لكل ذَنْب، أما إِنَّه ليجاء بهَا يَوْم الْقِيَامَة بِلُحُومِهَا ودمائها سبعين ضعفا حَتَّى تُوضَع فِي ميزانك. فَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: يَا رَسُول الله، أهذه لأهل مُحَمَّد خَاصَّة - فهم أهل لما خصوا بِهِ من خير - أَو لآل مُحَمَّد وَالنَّاس عَامَّة؟ [فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بل هِيَ لآل مُحَمَّد وَالنَّاس عَامَّة] » قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عَمْرو بن خَالِد ضَعِيف. وَسكت عَن الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَذكره الْحَاكِم فِي كتاب مَنَاقِب فَاطِمَة من هَذِه الطَّرِيق الَّتِي ضعفها الْبَيْهَقِيّ وَلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314 يُضعفهُ وَقَالَ بدل «عَن آبَائِهِ» : «عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي» وَهُوَ المُرَاد أَيْضا. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن شَدَّاد بن أَوْس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله كتب الْإِحْسَان فِي كل شَيْء، فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة، وليحد أحدكُم شفرته، وليرح ذَبِيحَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَقد سلف فِي بَاب الْقصاص وَاضحا، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ «فِي كل شَيْء» بدل: «عَلَى كل شَيْء» وَالْمَوْجُود فِي أَحْمد وَمُسلم وَالسّنَن الْأَرْبَعَة «عَلَى» وَقد ذكره كَذَلِك الرَّافِعِيّ فِي الْموضع السالف. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ضحى بكبشين أملحين، فَلَمَّا وجههما قَرَأَ (وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا) الْآيَتَيْنِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة مُحَمَّد ... بن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي عَيَّاش عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «ذبح النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم النَّحْر كبشين أملحين أقرنين موجوءين، فَلَمَّا أوجههمَا قَالَ: إِنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، اللَّهُمَّ عَن مُحَمَّد وَأمته، بِسم الله وَالله أكبر ثمَّ ذبح» . وَقد تقدم قَرِيبا - بأوراق فِي هَذَا الْبَاب - الْكَلَام عَلَى إِسْنَاده وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس عشر مِنْهُ. وَأخرجه أَحْمد [وَالْحَاكِم] فِي «مُسْتَدْركه» مُصَرحًا بِالتَّحْدِيثِ لِابْنِ إِسْحَاق، وَبِزِيَادَة أُخْرَى فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيثه قَالَ: حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب، عَن خَالِد بن أبي عمرَان، عَن أبي عَيَّاش، عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ذبح يَوْم الْعِيد كبشين ثمَّ قَالَ حِين وجههما: (إِنِّي وجهت وَجْهي) إِلَى قَوْله (وَأَنا أول الْمُسلمين) بِسم الله وَالله أكبر، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك من مُحَمَّد وَأمته» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي «سنَنه» من طَرِيق أبي دَاوُد بِنَحْوِ من لَفْظهمَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: قد يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من وَجه لَا يثبت مثله «أَنه ضحى بكبشين» فَقَالَ فِي أَحدهمَا بعد ذكر الله: «اللَّهُمَّ عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد» وَفِي الآخر: «اللَّهُمَّ عَن مُحَمَّد وَأمة مُحَمَّد» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِي حَدِيث عَائِشَة أَو أبي هُرَيْرَة. ثمَّ ذكر الحَدِيث الْخَامِس عشر من أَحَادِيث هَذَا الْبَاب ثمَّ قَالَ: وَفِيمَا ذكرنَا قبل هَذَا كِفَايَة. استنادًا إِلَى حَدِيث عَائِشَة الثَّابِت فِي مُسلم، وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي من هَذَا الْبَاب، وَإِلَى حَدِيث جَابر الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَيْضا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ عِنْد الضحية بذلك الْكَبْش: اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب، وَمِمَّا لم يقدمهُ هُنَاكَ أَن أَحْمد فِي «مُسْنده» أخرجه من حَدِيث زُهَيْر بن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن عَلّي بن حُسَيْن، عَن أبي رَافع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا ضحى اشْتَرَى كبشين سمينين أملحين أقرنين، فَإِذا صَلَّى وخطب النَّاس أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِم فِي مُصَلَّاهُ فذبحه بِنَفسِهِ بالمدية ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا عَن أمتِي جَمِيعًا مِمَّن شهد لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشهد لي بالبلاغ. ثمَّ يُؤْتَى بِالْآخرِ فيذبحه بِنَفسِهِ وَهُوَ يَقُول: هَذَا عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد. ويطعمهما جَمِيعًا الْمَسَاكِين وَيَأْكُل هُوَ وَأَهله مِنْهُمَا، فَمَكثْنَا سِنِين لَيْسَ رجل من بني هَاشم يُضحي قد كَفاهُ الله الْمُؤْنَة برَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالْغُرْم» . الحَدِيث [الثَّالِث] بعد الثَّلَاثِينَ عَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِذا دخل الْعشْر وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فَلَا يمس من شعره وَلَا بشره شَيْئا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح تقدم بَيَانه وَالْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أول الْبَاب، وَوَقع هُنَا فِي الرَّافِعِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أهْدَى» وَلم ينْقل أَنه يتَلَفَّظ بِشَيْء، فحدفته اعْتِمَادًا عَلَى ذكري لَهُ فِي آخر الْحَج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت أفتل قلائد هدي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ يقلدها هُوَ بِيَدِهِ، ثمَّ يبْعَث بهَا فَلَا يحرم عَلَيْهِ شَيْء أحله الله - تَعَالَى - لَهُ حَتَّى ينْحَر الْهَدْي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَتهَا. الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أوجبت عَلَى نَفسِي بَدَنَة وَهِي تطلب مني بسوق. فَقَالَ: انحرها وَلَا تبعها وَلَو طلبت بِمِائَة بعير» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة الجهم بن الْجَارُود، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه قَالَ: «أهْدَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بختيًّا، فَأعْطَى بهَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثَلَاثمِائَة دِينَار فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أهديت بختيًّا، فَأعْطيت بهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار فأبيعها وأشتري بِثمنِهَا بدنًا؟ قَالَ: لَا، انحرها إِيَّاهَا» . قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف لجهم سَمَاعا من سَالم. نَقله الْمُنْذِرِيّ عَنهُ، وَتَابعه عبد الْحق فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» : لَا يعرف لَهُ سَماع من سَالم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 قَالَ ابْن الْقطَّان: وجهم مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف رَوَى عَنهُ غير أبي عبد الرَّحِيم خَالِد بن أبي [يزِيد] وَبِذَلِك من غير مزِيد ذكره البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي «الْمِيزَان» : [فِيهِ] جَهَالَة. وَقَالَ فِي «الضُّعَفَاء» : مَجْهُول. فَائِدَة: قَوْله: «أهديت بختيًّا» رَأَيْته فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من «سنَن أبي دَاوُد» بنُون ثمَّ جِيم ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ ألف ومكتوب عَلَى ذَلِك عَلامَة تَصْحِيح، وَكَذَلِكَ رَأَيْته عَلَى هَذَا الضَّبْط فِي كتاب ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق وَكَذَلِكَ شَرحه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» فَقَالَ: النجيب من الْإِبِل نوع مِنْهُ مَعْرُوف وَهُوَ من خِيَارهَا. وَذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «أَطْرَافه» أَنه قَالَ: نجيبة بِالْهَاءِ فِي آخِره. وَكَذَا شَرحه ابْن [معن] فِي «تنقيبه عَلَى الْمُهَذّب» فَقَالَ: قَوْله «أهديت نجيبة» النجائب من الْإِبِل: الَّتِي يركبهَا أَصْحَاب الْبَرِيد وَالسَّابِقُونَ إِلَى المَاء. وَقيل: المُرَاد هُنَا الْكَرِيمَة. والنجب: النجباء نوع من الْإِبِل نجاب الرّكُوب. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَقع فِي «الْمُهَذّب» : «نجيبة» وَالَّذِي قَالَه المحدثون وَوَقع فِي روايتهم «نجيبًا» بِغَيْر هَاء. قلت: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 لَا إنكارها عَلَى صَاحب «الْمُهَذّب» فقد وجدت كَمَا عَرفته، وَأما الْمُنْذِرِيّ فضبطه فِي «اختصاره للسنن» بباء مُوَحدَة مَضْمُومَة ثمَّ خاء مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ مثناة فَوق ثمَّ من تَحت مُشَدّدَة. وَكَذَا وَقع فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» لكنه قَالَ بُخْتِيَّة بهاء التَّأْنِيث ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد ذَلِك: كَذَا قَالَ: «بُخْتِيَّة» وَفِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى توقف فِي ذَلِك. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَالْبخْت من الْإِبِل مَعْرُوف، وَقيل: هُوَ عَرَبِيّ، وَهِي طوال الْأَعْنَاق. وَقيل: إبل غِلَاظ ذَات سنَامَيْنِ الْوَاحِدَة بختى وَالْأُنْثَى بُخْتِيَّة وَجَمعهَا بخاتى غير مَصْرُوف وَلَك أَن تخفف التَّاء فَتَقول بَخَاتِي وَهَذِه قَاعِدَة مَشْهُورَة لأهل الْعَرَبيَّة. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «اشْتريت كَبْشًا لأضحي، فَعدا الذِّئْب فَأخذ مِنْهُ الألية، فَسَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ضح بِهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد عَن وَكِيع، ثَنَا سُفْيَان، عَن جَابر، عَن مُحَمَّد بن قرظة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «اشْتريت كَبْشًا أضحي بِهِ فَعدا الذِّئْب [فَأخذ الألية] فَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ضح بِهِ» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث جَابر بن يزِيد، عَن مُحَمَّد بن قرظة الْأنْصَارِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «ابتعنا كَبْشًا نضحي بِهِ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 فَأصَاب الذِّئْب من أليته» وَفِي بعض النّسخ «أَو من أُذُنه، فسألنا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمرنَا أَن نضحي بِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «اشْتريت كَبْشًا أضحي بِهِ فَقطع الذِّئْب أليته - أَو من الألية فَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمرنِي أَن أضحي بِهِ» وَرَوَاهُ ابْن حزم فِي «محلاه» بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «فَعدا الذِّئْب عَلَى ذَنبه فَقَطعه، فَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ضح بِهِ» وَجَابِر هَذَا هُوَ الْجعْفِيّ، وَقد سلفت حَالَته فِي بَاب الْأَذَان، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ فِي كتابي لَهُ سُوَى حَدِيث فِي السَّهْو. وَمُحَمّد بن قرظة لَا يعرف لَهُ حَال كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : مَا رَوَى عَنهُ سُوَى جَابر الْجعْفِيّ. قلت: لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ أعله فِي «محلاه» بجابر فَقَالَ: أثر رَدِيء، وَجَابِر كَذَّاب. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: «اشْتريت شَاة لأضحي بهَا، فَخرجت فَأخذ الذِّئْب أليتها، فَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ضح بهَا» قَالَ: وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: «اشترينا كَبْشًا لنضحي بِهِ فَقطع الذِّئْب أليته أَو من أليته - فَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمرنِي أَن أضحي بِهِ» قَالَ: وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ شُعْبَة بن الْحجَّاج [وَشريك] بن عبد الله عَن جَابر الْجعْفِيّ، إِلَّا أَن جَابِرا غير مُحْتَج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى الْحجَّاج ابْن أَرْطَاة، عَن شيخ من أهل الْمَدِينَة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا بَأْس بالأضحية المقطوعة الذَّنب» الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 قَالَ: وَهَذَا مُخْتَصر من الحَدِيث الأول؛ فقد رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حجاج، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد «أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن شَاة قطع [الذِّئْب] ذنبها يضحى بهَا؟ فَقَالَ: ضح بهَا» . وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» بعد أَن أخرجه من رِوَايَة جَابر، عَن مُحَمَّد بن قرظة، عَن أبي سعيد بِمثل حَدِيث سُفْيَان: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي. قَالَ: وَقيل: إِن مُحَمَّدًا بن قرظة لم يسمع من أبي سعيد الْخُدْرِيّ. قَالَ: وَكَانَ شُعْبَة يصف جَابر بن يزِيد بِالْحِفْظِ وَيحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ شُعْبَة وسُفْيَان وَاخْتلف فِيهِ فَقَالَ شُعْبَة: عَن جَابر، عَن مُحَمَّد بن قرظة عَن أبي سعيد. وَقَالَ الثَّوْريّ: عَن جَابر، عَن قرظة، عَن أبي سعيد. قَالَ: وَالثَّوْري أحفظ. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» مثله سَوَاء. الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن عليًّا قدم ببدن من الْيمن وسَاق النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائَة بَدَنَة، فَنحر مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَة بِيَدِهِ، وَنحر عَلّي مَا بَقِي، ثمَّ أَمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن تُؤْخَذ بضعَة من كل بَدَنَة فتجعل فِي قدر، فأكلا من لَحمهَا وحسيا من مرقها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وَقد سلف فِي الْحَج بِطُولِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 فَائِدَة: البَضعة بِفَتْح الْبَاء لَا غير، وَإِنَّمَا أَخذ عَلَيْهِ السَّلَام من كل بَدَنَة بضعَة وَشرب من مرقها ليَكُون قد تنَاول من كل وَاحِدَة شَيْئا. الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أقوم عَلَى بدنه وَأقسم جلودها وجلالها، وَأَن لَا أعطي الجزار مِنْهَا شَيْئا، وَقَالَ: نَحن نُعْطِيه من عندنَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. فَائِدَة: الْجلَال - بِكَسْر الْجِيم - جمع جلّ. الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَأْكُل من كبد أضحيته» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ - كَمَا سلف - فِي بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين مِنْهُ. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دف نَاس من أهل الْبَادِيَة حَضْرَة الْأُضْحِية زمن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ادخروا ثَلَاثًا - وَفِي رِوَايَة: لثلاث - ثمَّ تصدقوا بِمَا بَقِي، فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 النَّاس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون مِنْهَا الودك. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: نهيت أَن نَأْكُل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث. قَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدافة الَّتِي دفت، فَكُلُوا وتصدقوا وَادخرُوا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَاللَّفْظ لمُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ قَالَت: «الضحية كُنَّا نملح مِنْهُ فنقدم بِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا [إِلَّا] ثَلَاثَة أَيَّام. وَلَيْسَت بعزيمة، وَلَكِن أَرَادَ أَن نطعم مِنْهُ وَالله أعلم» وَفِي لفظ لَهُ عَن عَابس بن ربيعَة قلت لعَائِشَة: «أنهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يُؤْكَل من لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث؟ قَالَت: مَا فعله إِلَّا فِي عَام جَاع النَّاس فِيهِ فَأَرَادَ أَن يطعم الْغَنِيّ وَالْفَقِير» . قلت: وَفِي الْبَاب عَن جَابر، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع - أخرجهُمَا الشَّيْخَانِ - وَبُرَيْدَة، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ. (أخرجهُمَا مُسلم) قَالَ الرَّافِعِيّ: وَجَاء فِي رِوَايَة: «كلوا وَادخرُوا، وَاتَّجرُوا» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 قلت: هَذِه الرِّوَايَة حَسَنَة رويناها فِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث نُبَيْشَة - عَلَى وزن عُيَيْنَة - الْهُذلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَن لحومها أَن تَأْكُلُوهَا فَوق ثَلَاث لكَي تَسَعكم، (جَاءَكُم) الله بِالسَّعَةِ، فَكُلُوا وَادخرُوا وَاتَّجرُوا، أَلا وَإِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله» وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» . فَائِدَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: «اتَّجرُوا» أَي اطْلُبُوا الْأجر بِالصَّدَقَةِ. قَالَ: وَتعرض للادخار لأَنهم أرجعوه فِيهِ فَقَالَ: كلوا فِي الْحَال إِن شِئْتُم. وَادخرُوا إِن شِئْتُم وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير أَنه أَمر من الْأجر، أَي: اطْلُبُوا بِهِ الْأجر وَالثَّوَاب. قَالَ: وَلَو كَانَ من التِّجَارَة لَكَانَ بتَشْديد الرَّاء، وَالتِّجَارَة فِي الضَّحَايَا لَا تصح؛ لِأَن بيعهَا فَاسد، إِنَّمَا يُؤْكَل وَيتَصَدَّق مِنْهَا. وَقَالَ ابْن الصّلاح: «اتَّجرُوا» عَلَى وزن اتَّخذُوا وَهُوَ بِمَعْنى ائتجروا بِالْهَمْز من الْأجر؛ لقَولهم فِي الْإِزَار: يتزر وَقد [صحّح ذَلِك من حَيْثُ] اللُّغَة الْخطابِيّ والهروي. قَالَ الْخطابِيّ: أَصله ايتجروا عَلَى وزن افتعلوا يُرِيد الصَّدَقَة الَّتِي يبتغى [أجرهَا وثوابها] ثمَّ قيل اتَّجرُوا كَمَا يُقَال: اتَّخذت [الشَّيْء] وَأَصله ايتخذته، وَهَذَا من الْأَخْذ هُوَ من الْأجر، وَلَيْسَ من بَاب التِّجَارَة. وَقد أَبَى الزَّمَخْشَرِيّ الْهَمْز؛ لِأَن الْهَمْز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 لَا يدْخل فِي التَّاء قَالَ: وَقد غلط من قَرَأَ «الَّذِي أتمن أَمَانَته» . وَقَوْلهمْ: اتزر عَامي والفصحاء عَلَى ائتزر. فَائِدَة ثَانِيَة: قَوْلهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «دف نَاس» هُوَ بتَشْديد الْفَاء أَي: جَاءَ. قَالَ أهل اللُّغَة: الدافة: قومٍ يَسِيرُونَ جمَاعَة سيرًا لَيْسَ بالشديد يُقَال لَهُم: يدففون تدفيفًا. والبادية والبدو بِمَعْنى، وَهُوَ مَأْخُوذ من البُدُو وَهُوَ الظُّهُور. وَقَوْلها: «حضر» هُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، هَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَر، وَقَيده بَعضهم بِفَتْح الضَّاد، وَالْمعْنَى وَاحِد وَهُوَ الترف، وَيجوز فتح الْحَاء وَكسرهَا وَضمّهَا ثَلَاث لُغَات حكاهن ابْن السّكيت وَغَيره. وَقَوْلها: «ويجملون الودك» هُوَ بِالْجِيم وَيجوز ضم الْيَاء وَفتحهَا وَهُوَ أفْصح وَهُوَ الإذابة. تَنْبِيه: حَكَى الرَّافِعِيّ هُنَا خلافًا فِي أَنه لَو دفت دافة الْيَوْم فَهَل نحكم بِتَحْرِيم الادخار؟ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالظَّاهِر عدم التَّحْرِيم وَتَبعهُ فِي «الرَّوْضَة» . قلت: لَكِن نَص الشَّافِعِي فِي «الرسَالَة» عَلَى خِلَافه، ذكره فِي بَاب «الْعِلَل» فِي الحَدِيث فاستفده. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن ذَبَائِح الْجِنّ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» من حَدِيث عبد الله بن أذينة، عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: وَعبد الله بن أذينة شيخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 رَوَى عَن ثَوْر مَا لَيْسَ من حَدِيثه، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. قَالَ: وَهَذِه نُسْخَة كتبناها عَنهُ، لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب إِلَّا عَلَى سَبِيل الْقدح فِيهَا. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» من هَذَا الْوَجْه ثمَّ ذكر الْكَلَام الْمَذْكُور فِيهِ عَن ابْن حبَان أَيْضا، وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي «غَرِيبه» ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيثه عَن عمر بن هَارُون، عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، عَن الزُّهْرِيّ يرفع الحَدِيث «أَنه نهَى عَن ذَبَائِح الْجِنّ» . قَالَ: وذبائح الْجِنّ أَن يَشْتَرِي الرجل الدَّار أَو يسْتَخْرج الْعين وَمَا أشبه ذَلِك فَيذْبَح لَهَا ذَبِيحَته للطيرة» . قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا التَّفْسِير فِي الحَدِيث مَعْنَاهُ أَنهم يَتَطَيَّرُونَ فيخافون إِن لم يذبحوا أَن يمسهم فِيهَا شَيْء من الْجِنّ يؤذيهم فَأبْطل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَلِك وَنَهَى عَنهُ. قلت: وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا أَبُو عبيد وَالْبَيْهَقِيّ ضَعِيفَة لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: لانقطاعها وَهُوَ ظَاهر. ثَانِيهمَا: أَن عمر بن هَارُون واهٍ مُتَّهم، قَالَ يَحْيَى: كَذَّاب خَبِيث لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فستة: أَحدهَا وَثَانِيها: عَن أبي بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنَّهُمَا كَانَا لَا يضحيان مَخَافَة أَن يعْتَقد النَّاس وُجُوبهَا» . وَهَذَا الْمَرْوِيّ عَنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِي: بلغنَا أَن «أَبَا بكر الصّديق وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما كَانَا لَا يضحيان كَرَاهَة أَن يُقْتَدَى بهما فيظن من [رآهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 أَنَّهَا] وَاجِبَة» ثمَّ سَاق الْبَيْهَقِيّ عقب ذَلِك من حَدِيث الْفرْيَابِيّ ثَنَا سُفْيَان، عَن أَبِيه ومطرف وَإِسْمَاعِيل، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي سريحَة الْغِفَارِيّ قَالَ: « (أدركنا) أَبَا بكر - أَو رَأَيْت أَبَا بكر - وَعمر لَا يضحيان كَرَاهِيَة أَن يُقْتَدَى بهما» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَبُو سريحَة الْغِفَارِيّ هُوَ حُذَيْفَة بن أسيد صَاحب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن الصَّحِيح رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ؛ لِأَنَّهُ سَمعه مِنْهُ. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ مثل ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَأبي مَسْعُود البدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الْأَثر الثَّالِث: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من عين أضحيته فَلَا يسْتَبْدل بهَا» . وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، ويغني فِي الدّلَالَة عَنهُ حَدِيث عمر السَّابِق. الْأَثر الرَّابِع: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا أَهْدَت هديين فأضلتهما، فَبعث ابْن الزبير إِلَيْهَا هديين فنحرتهما، ثمَّ عَاد الضالان فنحرتهما وَقَالَت: هَذِه سنة الْهَدْي» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الْقَاسِم عَنْهُمَا بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ ابْن الْقطَّان: كل إِسْنَاده ثِقَات إِلَّا سعد بن سعيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 الْأنْصَارِيّ فَإِنَّهُ ضَعِيف بِالنِّسْبَةِ إِلَى من فَوْقه، وَقد أخرج لَهُ مُسلم حَدِيث: «من صَامَ رَمَضَان ثمَّ أتبعه ستًّا من شَوَّال» وَأعله عبد الْحق بِأَن قَالَ: لَا يحْتَج بِإِسْنَادِهِ. فَاعْترضَ عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان بِمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ قَالَ: وَلَعَلَّه اشْتبهَ عَلَيْهِ سعد هَذَا بِسَعْد بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري. الْأَثر الْخَامِس: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ فِي خطبَته بِالْبَصْرَةِ: إِن أميركم هَذَا قد رَضِي من دنياكم بطمريه وَإنَّهُ لَا يَأْكُل اللَّحْم فِي السّنة إِلَّا الفلذة من كبد أضحيته» . هَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : هَذَا الْأَثر إِن صَحَّ فَيكون «طمريه» بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْمِيم أَي: ثوباه الخلقان. قَالَ: والفِلذة - بِكَسْر الْفَاء ثمَّ لَام سَاكِنة ثمَّ ذال مُعْجمَة -: الْقطعَة. الْأَثر السَّادِس: عَن عَلّي أَيْضا «أَنه رَأَى رجلا يَسُوق بَدَنَة مَعهَا وَلَدهَا، فَقَالَ: لَا تشرب من لَبنهَا إِلَّا مَا فضل عَن وَلَدهَا» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة سُفْيَان، عَن زُهَيْر بن أبي ثَابت، عَن مُغيرَة بن حذف الْعَبْسِي قَالَ: «كُنَّا مَعَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بالرحبة فجَاء رجل من هَمدَان يَسُوق بقرة مَعهَا وَلَدهَا فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتهَا أضحي بهَا وَإِنَّهَا ولدت. قَالَ: فَلَا تشرب من لَبنهَا إِلَّا فضلا عَن وَلَدهَا، فَإِذا كَانَ يَوْم النَّحْر فانحرها هِيَ وَوَلدهَا عَن سَبْعَة» وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» عَنهُ -: هَذَا حَدِيث صَحِيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 كتاب الْعَقِيقَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 331 كتاب الْعَقِيقَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث أحد عشر حَدِيثا: أَحدهَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نعق عَن الْغُلَام بشاتين، وَعَن الْجَارِيَة بِشَاة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَاللَّفْظ الْمَذْكُور نَحْو لفظ ابْن مَاجَه، وَهَذَا لَفظه: «أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نعق عَن الْغُلَام شَاتَان مكافئتان وَعَن الْجَارِيَة شَاة» وَرَوَاهُ أَحْمد كَذَلِك، وَلَفظ ابْن حبَان: «عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة» وَتقدم فِي الْبَاب قبله ضبط قَوْله: «مكافئتان» . الحَدِيث الثَّانِي عَن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته تذبح عَنهُ فِي الْيَوْم السَّابِع ويحلق رَأسه وَيُسمى» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الْحسن الْبَصْرِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ عبد الْحق: سَماع الْحسن من سَمُرَة هَذَا الحَدِيث صَحِيح. أَي لِأَن الْحسن صرح فِيهِ بِسَمَاعِهِ من سَمُرَة لما سُئِلَ عَن ذَلِك، ذكره البُخَارِيّ وَغَيره وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره المُصَنّف هُوَ لفظ التِّرْمِذِيّ وَإِحْدَى روايتي الْحَاكِم، وَلَفظ أَحْمد: «كل غُلَام رهينة بعقيقته تذبح عَنهُ يَوْم سابعه - وَقَالَ بهز: ويدمى وَيُسمى فِيهِ، ويحلق فِي الْيَوْم السَّابِع - ويحلق رَأسه وَيُسمى» زَاد أَبُو دَاوُد: قَالَ همام فِي رِوَايَته: «ويدمى» وَكَانَ قَتَادَة إِذا سُئِلَ عَن الدَّم كَيفَ يصنع بِهِ قَالَ: إِذا ذبحت الْعَقِيقَة أخذت مِنْهَا صوفة واستقبلت مِنْهَا أوداجها، ثمَّ تُوضَع عَلَى يافوخ الصَّبِي حَتَّى تسيل عَلَى رَأسه مثل الْخَيط، ثمَّ تغسل رَأسه بعد ويحلق. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا وهم من همام، وَجَاء تَفْسِيره عَن قَتَادَة وَهُوَ «يدمى» قَالَ: و «يُسمى» أصح، هَكَذَا قَالَ سَلام بن أبي مُطِيع عَن قَتَادَة وَإيَاس بن دَغْفَل عَن الْحسن قَالَ: «وَيُسمى» وَفِي «جَامع المسانيد» الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَنه رَوَى عَن الْحسن أَنه قَالَ: تطلى رَأسه بِدَم الْعَقِيقَة. وَقد كره هَذَا أَكثر الْعلمَاء مِنْهُم الزُّهْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَمَالك، وَأحمد وَقَالُوا: كَانَ هَذَا من أَعمال الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: وَقَوله «يدمى» غلط من همام إِنَّمَا هُوَ «يُسمى» كَذَلِك رَوَاهُ عَن قَتَادَة شُعْبَة وَسَلام بن أبي مُطِيع، وَأقر الْبَيْهَقِيّ مقَالَة أبي دَاوُد السالفة، وَقَالَ عبد الْحق: قَالَ غير أبي دَاوُد: همام ثَبت، وَقد سبق أَنهم سَأَلُوا قَتَادَة عَن صفة التدمية الْمَذْكُورَة فوصفها. الحَدِيث الثَّالِث عَن أم كرز رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ د ت ن وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم كَمَا تقدم فِي الْبَاب قبله، وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن مَاجَه من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبيد الله، عَن أَبِيه، عَن سِبَاع، عَن أم كرز بِلَفْظ: «عَن الْغُلَام شَاتَان مكافئتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة» ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث حَمَّاد عَن قيس بن سعد، عَن عَطاء وَطَاوُس [و] مُجَاهِد، عَن أم كرز مَرْفُوعا: «فِي الْغُلَام شَاتَان مكافئتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان قَالَ: قَالَ عَمْرو، عَن عَطاء، عَن حَبِيبَة بنت ميسرَة، عَن أم كرز مَرْفُوعا: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 «عَن الْغُلَام ... » بِمثل الَّذِي قبله وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، أبنا ابْن جريج، أَخْبرنِي عَطاء، عَن حَبِيبَة بنت ميسرَة، عَن أم بني كرز مَرْفُوعا «فِي الْعَقِيقَة عَن الْغُلَام شَاتَان مكافئتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة» . فَقلت لَهُ - يَعْنِي عَطاء -: مَا المكافئتان؟ قَالَ: مثلان، وذكرانهما أحب إِلَيْهِ من إناثهما. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب من رِوَايَة عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه - كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِيمَا تقدم - ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَبِيه، وَذكر أَبِيه فِيهِ وهم؛ فقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع، عَن أم كرز. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا هُوَ الحَدِيث، وَحَدِيث سُفْيَان وهم. وَاعْترض ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» عَلَى أبي دَاوُد فَقَالَ: لَا أَدْرِي من أَيْن قَالَ [هَذَا أَبُو دود] ، وَابْن عُيَيْنَة حَافظ، وَقد زَاد فِي الْإِسْنَاد، وَله عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه، عَن سِبَاع، عَن أم كرز ثَلَاثَة أَحَادِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الْمُزنِيّ فِي «الْمُخْتَصر» عَن الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن وهب، عَن أم كرز. قَالَ: والمزني واهم فِيهِ فِي موضِعين: أَحدهمَا: أَن سَائِر الروَاة رَوَوْهُ عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه، عَن سِبَاع. وَالثَّانِي: أَنهم قَالُوا فِيهِ: سِبَاع بن ثَابت، وَقد رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ فِي كتاب «السّنَن» فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الصَّوَاب كَمَا رَوَاهُ سَائِر النَّاس عَن سُفْيَان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب «الْمعرفَة» من حَدِيث الطَّحَاوِيّ، عَن الْمُزنِيّ، ثَنَا الشَّافِعِي، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه، عَن سِبَاع. وَهَكَذَا هُوَ فِي «السّنَن المأثورة» من طَرِيق الطَّحَاوِيّ أَيْضا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن جريج، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت أَن مُحَمَّد بن ثَابت بن سِبَاع أخبرهُ أَن أم كرز أخْبرته، وَرُوِيَ أَيْضا من طَرِيق آخر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء، عَن حَبِيبَة بنت ميسرَة، عَن أم كرز. قلت: أخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق ابْن جريج الأولَى ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق سُفْيَان الَّتِي ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ بعد، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قيس بن سعد، عَن عَطاء، وَطَاوُس وَمُجاهد ثَلَاثَتهمْ، عَن أم كرز. وَأَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه، عَن سِبَاع، عَن أم كرز. وَعَن حَمَّاد بن زيد، عَن عبيد الله ابْن أبي يزِيد عَن سِبَاع. وَلم يقل: عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن سُفْيَان وَلم يقل: عَن أَبِيه. وَعَن ابْن جريج عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان، وَقَالا: عَن أَبِيه بِهِ. وَقد تقدم فِي الْبَاب قبله كل هَذَا وَاضحا. وَقَالَ الْمزي فِي «أَطْرَافه» : اخْتلف فِيهِ عَن عَطاء وَغَيره اخْتِلَافا كثيرا قَالَ: وَحَدِيث سِبَاع ابْن ثَابت عَن أم كرز هُوَ الْمَحْفُوظ. وَاعْترض النَّوَوِيّ فِي «شَرحه للمهذب» عَلَى تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده عبيد الله بن أبي [يزِيد] ، وَقد ضعفه الْأَكْثَرُونَ قَالَ: فَلَعَلَّهُ اعتضد عِنْده فصححه. قلت: قد صَححهُ الْحَاكِم من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة، وَقَالَ أَحْمد فِي عبيد الله هَذَا: إِنَّه صَالح. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ شَيْئا مُنْكرا عَلَى أَنه لم ينْفَرد بل قد رَوَاهُ جماعات كَذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا. فَائِدَة: تقدم فِي طَرِيق هَذِه الْأَحَادِيث قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «مكافئتان» قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: مَعْنَاهُ متساويتان أَو متقاربتان. قَالَ الْخطابِيّ: وَقد فسره أَبُو عبيد بقريب من هَذَا إِلَّا أَن المُرَاد من هَذَا بذلك التكافؤ فِي السن، يُرِيد شَاتين مُسنَّتَيْنِ يجوز أَن تَكُونَا فِي الضَّحَايَا لَا تكون إِحْدَاهمَا غير مُسِنَّة وَالْأُخْرَى مُسِنَّة. و «متكافئتان» بِكَسْر الْفَاء يُقَال: كافئته مكافئة فَهُوَ مكافئه أَي مساويه. قَالَ الْخطابِيّ والجوهري: والمحدثون يَقُولُونَ: «مكافأتان» بِالْفَتْح وكل من سَاوَى شَيْئا يكون مثله فقد كافأه. وَقَالَ بَعضهم فِي تَفْسِير الحَدِيث: يذبح إِحْدَاهمَا مُقَابل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 الْأُخْرَى. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» : وَأرَى الْفَتْح أولَى؛ فَإِنَّهُ يُرِيد شَاتَان قد سُوَى بَينهمَا، أَي: شَاتَان متساوٍ بَينهمَا، وَأما بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاه أَنَّهُمَا متساويتان فَيحْتَاج أَن يذكر [أَي شَيْء ساويا] وَقَالَ النَّوَوِيّ - أَظُنهُ فِي «شرح الْمُهَذّب» -: هُوَ بِكَسْر الْفَاء وَبعدهَا همزَة هَكَذَا صَوَابه عِنْد أهل اللُّغَة، وَمِمَّنْ صرح بِهِ الْجَوْهَرِي قَالَ: ويقوله المحدثون بِفَتْح الْفَاء وَالصَّحِيح كسرهَا. وَقَالَ ابْن [معن] فِي «تنقيبه» : المحدثون يَقُولُونَ: «مكافئتان» بِالْهَمْز يَعْنِي لَيست إِحْدَاهمَا مُسِنَّة وَالْأُخْرَى غير مُسِنَّة، بل هما بِحَيْثُ تجوزان فِي الْأَضَاحِي. وَقيل: «متكافئتان» بِمَعْنى متساويتان. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن تذبح إِحْدَاهمَا مُقَابلَة الْأُخْرَى. قَالَ: وَضبط «مُقَابلَة» بِفَتْح الْبَاء، وَيجوز كسرهَا. الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[عق] عَن نَفسه بعد النُّبُوَّة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الله بن مُحَرر - بالراء الْمُهْملَة المكررة فِي آخِره - عَن قَتَادَة، عَن أنس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عق عَن نَفسه بعد النُّبُوَّة» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة؛ لِأَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 عبد الله هَذَا واه بالِاتِّفَاقِ (وَقد سلف أَقْوَال الْأَئِمَّة) فِيهِ فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين مِنْهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ عبد الرَّزَّاق: إِنَّمَا تركُوا عبد الله بن مُحَرر لحَال هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ حَدِيث مُنكر. قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن قَتَادَة، وَمن وَجه آخر عَن أنس، وَلَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث بَاطِل. الحَدِيث الْخَامِس «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عق عَن الْحسن وَالْحُسَيْن» . هَذَا صَحِيح وَقد ورد ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث: مِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عق عَن الْحسن وَالْحُسَيْن كَبْشًا كَبْشًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهَذَا لَفظه، وَالنَّسَائِيّ بِلَفْظ «بكبشين كبشين» قَالَ عبد الْحق: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَقَالَ ابْن حزم: ولد الْحسن عَام أحد، وَولد الْحُسَيْن فِي الْعَام الثَّانِي. وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي آخر «اقتراحه» فِي الْقسم الْخَامِس فِي ذكر أَحَادِيث رَوَاهَا قوم خرَّج عَنْهُم البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَلم يخرج عَنْهُم مُسلم أَو خرج عَنْهُم مَعَ الاقتران بِالْغَيْر. وَمِنْهَا حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «عق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340 الْحسن وَالْحُسَيْن يَوْم السَّابِع، وسماهما، وَأمر أَن يماط عَن رءوسهما الْأَذَى» . رَوَاهُ ابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي «صحاحه» مطولا، وَهَذَا لَفظه عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يعق عَن الْغُلَام شَاتَان مكافئتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة. قَالَت: وعق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْحسن وَالْحُسَيْن شَاتين لكل وَاحِد، وَقَالَ: اذبحوا وَقُولُوا: بِسم الله، اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك، هَذِه عقيقة فلَان. وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يجْعَلُونَ قطنة فِي دم الْعَقِيقَة، ويجعلونها عَلَى رَأس الْمَوْلُود، فَأَمرهمْ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يجْعَلُوا مَكَان الدَّم خلوقًا» . وَمِنْهَا حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عق عَن الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بِسَنَد صَحِيح. وَمِنْهَا حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عق عَن الْحسن وَالْحُسَيْن عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كبشين اثْنَيْنِ مثلين متكافئين» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَسكت عَلَيْهِ، وَفِي إِسْنَاده سوار أَبُو حَمْزَة وَهُوَ ضَعِيف. وَمِنْهَا حَدِيث فَاطِمَة الْآتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمِنْهَا حَدِيث قَتَادَة عَن أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عق عَن الْحسن وَالْحُسَيْن وختنهما لسبعة أَيَّام» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ثمَّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341 قَالَ: لم يروه عَن ابْن الْمُنْكَدر إِلَّا زُهَيْر، وَلم يقل أحد مِمَّن رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن زُهَيْر: «وختنهما لسبعة أَيَّام» إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم. الحَدِيث السَّادِس عَن [عبد الله] بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: «كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا ولد لِأَحَدِنَا غُلَام ذبح شَاة ولطخ رَأسه بدمها، فَلَمَّا جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ كُنَّا نذبح شَاة ونحلق رَأسه ونلطخه بزعفران» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يجْعَلُونَ قطنة فِي دم الْعَقِيقَة، ويجعلونها عَلَى رَأس الْمَوْلُود، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَجْعَل مَكَان الدَّم خلوقًا» . وَهَذَا الحَدِيث أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فَذَكرته بِكَمَالِهِ. الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «سموا السقط» . هَذَا الحَدِيث أوردهُ الرَّافِعِيّ وَلَا أعرفهُ بعد الْبَحْث عَنهُ، وَذكره الْبَغَوِيّ وَغَيره من أَصْحَابنَا فَقَالُوا: يسْتَحبّ تَسْمِيَة السقط لحَدِيث ورد فِيهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 وَرَأَيْت فِيمَا انتخبه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السِّلَفي من كتب شَيْخه أبي الْحُسَيْن الصَّيْرَفِي الْمَعْرُوف بِابْن الطيوري بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي هُرَيْرَة رَفعه: «إِذا اسْتهلّ الصَّبِي صَارِخًا سمي، وَصلي عَلَيْهِ، وتمت دِيَته، ووُرِّث، وَإِن لم يستهل صَارِخًا، لم يسم، وَلم تتمّ دِيَته، وَلم يصل عَلَيْهِ، وَلم يوُرَّث» . وَإِسْنَاده ضَعِيف؛ لِأَن فِيهِ عبد الله بن شبيب وَهُوَ واهٍ، قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: ذَاهِب الحَدِيث. وَبَالغ فضلك الرَّازِيّ فَقَالَ: يحل ضرب عُنُقه. وَنسبه ابْن خرَاش إِلَى سَرقَة الحَدِيث، وَفِي «عمل يَوْم وَلَيْلَة» لِابْنِ السّني من حَدِيث عبد الله بن أَيُّوب المَخْزُومِي، ثَنَا دَاوُد بن المحبر، ثَنَا مُحَمَّد بن عُرْوَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة [عَن أَبِيه] عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أسقطت من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سقطا فَسَماهُ عبد الله، وَكَنَّانِي بِأم عبد الله. قَالَ مُحَمَّد: وَلَيْسَ فِينَا امْرَأَة اسْمهَا عَائِشَة إِلَّا كنيت أم عبد الله» . وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن دَاوُد بن المحبر قَالَ فِي حَقه ابْن حبَان: إِنَّه يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات، وَمُحَمّد بن عُرْوَة هُوَ ابْن هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير فِيهِ جَهَالَة، وَقَالَ ابْن حبَان فِي حَقه: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ، مُنكر الحَدِيث جدًّا. أما كنيتها رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بذلك - وَلَا محَالة فِي صِحَّتهَا - فَفِي سنَن أبي دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «يَا رَسُول الله، كل صواحبي لَهُنَّ كنى. قَالَ: فاكتني بابنك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 عبد الله» . قَالَ الرَّاوِي: يَعْنِي عبد الله [بن] الزبير وَهُوَ ابْن أُخْتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر، وَكَانَت عَائِشَة تكنى أم عبد الله. وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني من حَدِيث سيف بن مُحَمَّد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه [عَن] عَائِشَة قَالَت: «كناني النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أم عبد الله، وَلم يكن لي ولد [قطّ] » وَفِيه: ثَنَا إِسْحَاق، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كناها أم عبد الله فَكَانَ يُقَال لَهَا: أم عبد الله. حَتَّى مَاتَت وَلم تَلد [قطّ] » . قلت: وَهَذَا أَيْضا مِمَّا يضعف حَدِيث ابْن الْمسيب. الحَدِيث الثَّامِن «أَن فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وزنت شعر الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم فتصدقت بوزنه فضَّة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَأَبُو دَاوُد فِي «الْمَرَاسِيل» عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن «فِي حسن وحسين عَلَيْهِمَا السَّلَام» وَرَوَاهُ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُلَيْمَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344 بن بِلَال، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذبحت عَن حسن وحسين [حِين] ولدتهما شَاة، وحلقت شعورهما، ثمَّ تَصَدَّقت بوزنه فضَّة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، عَن أَبِيه عَلّي قَالَ: «عق رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْحسن بِشَاة، وَقَالَ: يَا فَاطِمَة، احلقي رَأسه، وتصدقي بزنة شعره فضَّة. فوزناه فَكَانَ وَزنه دِرْهَم أَو بعض دِرْهَم» . وَهَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ - أَعنِي التِّرْمِذِيّ -: حسن غَرِيب، وَإِسْنَاده لَيْسَ بِمُتَّصِل، وَأَبُو جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن لم يدْرك عَلّي بن أبي طَالب. قلت: إِذا كَانَ هَذَا حَاله فَكيف يكون حسنا؟ ! وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ أَنه مُنْقَطع، قَالَ: وَقيل فِي رِوَايَته: عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَلَا أَدْرِي مَحْفُوظًا هُوَ أم لَا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن ابْن الْحُسَيْن، عَن أبي رَافع قَالَ: «لما ولدت فَاطِمَة حسنا قَالَت: يَا رَسُول الله، أَلا أعق عَن ابْني بِدَم؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن احلقي شعره، وتصدقي بوزنه من الورِق عَلَى الأوقاض أَو عَلَى الْمَسَاكِين - قَالَ عَلّي: قَالَ شريك: يَعْنِي بالأوقاض أهل الصّفة - فَفعلت ذَلِك، فَلَمَّا ولدت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 حُسَيْنًا فعلت مثل ذَلِك» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَحدث بِهِ أَبُو نعيم الْحلَبِي، عَن عبيد الله بن عَمْرو، عَن ابْن عقيل، عَن أبي سَلمَة، عَن عَلّي بن الْحُسَيْن، وَذكر أبي سَلمَة عَنهُ وهم. وَفِي رِوَايَة للبيهقي أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، عَن أبي رَافع أَن الْحسن بن عَلّي حِين وَلدته أمه أَرَادَت أَن تعق عَنهُ بكبش عَظِيم، فَأَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهَا: لَا تعقي عَنهُ بِشَيْء وَلَكِن احلقى شعر رَأسه، ثمَّ تصدقي بوزنه من الورِق فِي سَبِيل الله أَو عَلَى ابْن السَّبِيل. وَولدت الْحُسَيْن من الْعَام الْمقبل فصنعت مثل ذَلِك» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ ابْن عقيل، وَهُوَ إِن صَحَّ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يتَوَلَّى الْعَقِيقَة عَنْهُمَا بِنَفسِهِ - كَمَا رَوَيْنَاهُ - فَأمرهَا بغَيْرهَا وَهُوَ التَّصَدُّق بِوَزْن شعرهما من الْوَرق. وَرَوَى الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْحُسَيْن، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر فَاطِمَة فَقَالَ: زني شعر الْحُسَيْن، وتصدقي بوزنه فضَّة، وَأعْطِي الْقَابِلَة رجل الْعَقِيقَة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد ذكره فِي مَنَاقِب الْحُسَيْن وَفِي صِحَّته نظر؛ فَإِن ابْن الْمَدِينِيّ قَالَ فِي حق الْحُسَيْن بن زيد: إِنَّه ضَعِيف. - وَقَالَ أَبُو حَاتِم: - تعرف وتنكر. وَقَالَ ابْن عدي: وجدت فِي حَدِيثه بعض النكرَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَرَوَى الْحميدِي عَن الْحُسَيْن بن زيد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346 عَلّي بن أبي طَالب أعْطى الْقَابِلَة رجل الْعَقِيقَة» قَالَ: وَرَوَاهُ حَفْص بن غياث، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا «فِي أَن يبعثوا إِلَى الْقَابِلَة مِنْهَا بِرَجُل» وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من هَذِه الطّرق كلهَا وَهِي متفقة عَلَى التَّصَدُّق بزنة الشّعْر فضَّة لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا ذكر الذَّهَب، بِخِلَاف مَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَسَائِر أَصْحَابنَا فَإِنَّهُم قَالُوا: يسْتَحبّ أَن يتَصَدَّق بِوَزْن شعره ذَهَبا، فَإِن لم يفعل ففضة. والعجيب أَن الرَّافِعِيّ وأصحابنا يذكرُونَ الْمَسْأَلَة هَكَذَا ويستدلون بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَلَا دلَالَة فِيهِ عَلَى اللَّفْظ الَّذِي قَالُوهُ. الحَدِيث التَّاسِع «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَذََّنَ فِي أُذنِ الْحُسَيْن حِين وَلدته فَاطِمَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سُفْيَان، عَن عَاصِم بن [عبيد الله] عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن أَبِيه أبي رَافع قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أذن فِي أذن الْحسن بن عَلّي حِين وَلدته فَاطِمَة بِالصَّلَاةِ» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أَحْمد وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ الْحسن مكبرًا فِي غير مَا نُسْخَة. وَكَذَا ذكره الْمزي فِي «أَطْرَافه» عَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 وَالْبَيْهَقِيّ، وَوَقع فِي «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» : الْحُسَيْن بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت، وَذكره فِي تَرْجَمَة الْحُسَيْن بِالْيَاءِ، وَقَالَ: مِمَّا يُقَوي عدم التَّصْحِيف. وَكَذَا وَقع فِي نسخ الرَّافِعِيّ كلهَا، وَكِلَاهُمَا صَحِيح؛ فقد رَوَاهُمَا أَبُو نعيم فِي حَدِيث وَاحِد من طَرِيق أبي رَافع الْمَذْكُور «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَذَّنَ فِي أُذنِ الْحسن وَالْحُسَيْن» وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَزَاد: «وَأمر بِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَسكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَعبد الْحق فِي «أَحْكَامه» فَهُوَ إِمَّا حسن أَو صَحِيح، لَكِن عَاصِم بن عبيد الله الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده فِيهِ مقَال سلف وَاضحا فِي بَاب الْوضُوء فِي فضل السِّوَاك للصَّائِم، ونقلنا عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وانتقد عَلَيْهِ ابْن حبَان رِوَايَة هَذَا الحَدِيث وَغَيره، وَأعله ابْن الْقطَّان أَيْضا بِهِ وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف الحَدِيث مُنكر ومضطرب. فَلَعَلَّهُ اعتضد عِنْدهمَا بطرِيق آخر فَصَارَ صَحِيحا عَلَى أَنِّي لم أجد لَهُ طَرِيقا غير الطَّرِيق الْمَذْكُورَة. الحَدِيث الْعَاشِر حَدِيث فَاطِمَة فِي إِعْطَاء رجل الْعَقِيقَة للقابلة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قبل هَذَا الحَدِيث وَاضحا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْعَقِيقَة الَّتِي عقتها فَاطِمَة عَن الْحسن وَالْحُسَيْن أَن يبعثوا إِلَى الْقَابِلَة مِنْهَا رجل وكلوا وأطعموا وَلَا تكسروا مِنْهَا عظما» . الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا فرع وَلَا عتيرة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة. قَالَ أهل اللُّغَة: «الْفَرْع» بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، وَيُقَال لَهَا أَيْضا: الفرعة بِالْهَاءِ: أول نتاج الْبَهِيمَة، كَانُوا يذبحونه وَلَا يملكونه رَجَاء الْبركَة فِي الْأُم وَكَثْرَة نسلها. و «العتيرة» بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: ذَبِيحَة كَانُوا يذبحونها فِي الْعشْر الأول من رَجَب ويسمونها الرجبية أَيْضا. وَقد جَاءَ فِي أَحَادِيث أخر صَحِيحَة الْأَمر بالفرع وَالْعَتِيرَة مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره بِإِسْنَاد صَحِيح عَن نُبَيْشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «نَادَى رجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: إِنَّا كُنَّا نعتر عتيرة فِي الْجَاهِلِيَّة فِي رَجَب فَمَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: اذبحوا لله فِي أَي شهر كَانَ، وبروا لله وأطعموا. قَالَ: إِنَّا كُنَّا نفرع فرعا فِي الْجَاهِلِيَّة فَمَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: فِي كل سَائِمَة فرع تغذوه ماشيتك حَتَّى إِذا استحمل ذبحته فتصدقت بِلَحْمِهِ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 قَالَ ابْن الْمُنْذر: هُوَ حَدِيث صَحِيح. قَالَ أَبُو قلَابَة: أخذُوا بِهِ السَّائِمَة مائَة. وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة فِي الْأَمر بهما. وَقد ذكر الْبَيْهَقِيّ جملَة مِنْهَا فِي «سنَنه» فَإِذا تقرر هَذَا فيجاب عَن حَدِيث «لَا فرع وَلَا عتيرة» السالف بأجوبة: أَحدهَا: جَوَاب الشَّافِعِي: أَن المُرَاد الْوُجُوب، أَي: لَا فرع وَاجِب وَلَا عتيرة وَاجِبَة. ثَانِيهَا: أَن المُرَاد نفي مَا كَانُوا يذبحونه لأصنامهم إِلَيْهَا فَإِنَّهُمَا ليسَا كالأضحية فِي الِاسْتِحْبَاب وَفِي ثَوَاب إِرَاقَة الدَّم، فَأَما تَفْرِقَة اللَّحْم عَلَى الْمَسَاكِين فبر وَصدقَة، وَقد نَص الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «سنَن حَرْمَلَة» أَنَّهُمَا إِن تيسرا كل شهر كَانَ حسنا. وَادَّعَى القَاضِي عِيَاض أَن جَمَاهِير الْعلمَاء عَلَى نسخ الْأَمر بالفرع وَالْعَتِيرَة. هَذَا آخر مَا ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الْبَاب من الْأَحَادِيث، وَذكر فِيهِ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - أَنه كَانَ إِذا ولد لَهُ ابْن أذن فِي أُذُنه الْيُمْنَى وَأقَام فِي الْيُسْرَى. وأصحابنا يتواترون عَلَى نقل هَذَا عَنهُ، وَلَعَلَّه بلغه مَا رَوَى ابْن السّني عَن الْحُسَيْن بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من ولد لَهُ مَوْلُود فَأذن فِي أُذُنه الْيُمْنَى وَأقَام فِي الْيُسْرَى لم تضره أم الصّبيان» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 وَأم الصّبيان هِيَ التابعة من الْجِنّ. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» : وَرَوَى رزين زِيَادَة من حَدِيث أبي رَافع السالف «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أذن فِي أذن الْحُسَيْن» : «وَقَرَأَ فِي أُذُنه سُورَة الْإِخْلَاص وحنكه بِتَمْر وَسَماهُ» قَالَ ابْن الْأَثِير: وَلم أجد هَذِه الزِّيَادَة فِي الْأُصُول. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 كتاب الْأَطْعِمَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 كتاب الْأَطْعِمَة ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث أَرْبَعِينَ حَدِيثا. أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَي لحم نبت من حرَام فَالنَّار أولَى بِهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل رَوَاهُ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أُعِيذك بِاللَّه يَا كَعْب بن عجْرَة من أُمَرَاء [يكونُونَ] بعدِي، فَمن غشي أَبْوَابهم فَصَدَّقَهُمْ فِي كذبهمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظلمهم فَلَيْسَ مني وَلست مِنْهُ وَلَا يرد عليَّ الْحَوْض، وَمن غشي أَبْوَابهم أَو لم يغش (وَلم) يُصدقهُمْ فِي كذبهمْ وَلم يُعِنْهُمْ عَلَى ظلمهم فَهُوَ مني وَأَنا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عليَّ الْحَوْض، يَا كَعْب بن عجْرَة، الصَّلَاة برهَان، وَالصَّوْم جنَّة حَصِينَة، وَالصَّدَََقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار، يَا كَعْب بن عجْرَة، إِنَّه لَا يَرْبُو لحم نبت من سحت إِلَّا كَانَت النَّار أولَى [بِهِ] » قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَسَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا الحَدِيث [فَلم يعرفهُ إِلَّا من حَدِيث عبيد الله بن مُوسَى وَاسْتَغْرَبَهُ جدًّا] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 طَرِيق ثانٍ: رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة لحم نبت من سحت، النَّار أولَى بِهِ» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَذكره شَاهدا لحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهُ: «إِن الله أبي عَلّي أَن يدْخل الْجنَّة لحم نبت من سحت، النَّار أولَى بِهِ» ثمَّ قَالَ فِي هَذَا: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه - أَعنِي من حَدِيث جَابر رَفعه - بِلَفْظ: «يَا كَعْب ابْن عجْرَة، إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة لحم نبت من سحت» . وَهُوَ حَدِيث طَوِيل. قَالَ الْحَاكِم: وَقد رُوِيَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لحم نبت من سحت» عَن أبي بكر وَعمر. ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نبت لَحْمه من السُّحت فَالنَّار أولَى بِهِ» ثمَّ رَوَى أَيْضا مرقوفًا عَلَى عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «من نبت لَحْمه من السُّحت فَإلَى النَّار» وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» عَنهُ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي قبله، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي، عَن يزِيد بن خصيفَة، عَن السَّائِب بن يزِيد، عَن عمر بن الْخطاب مَرْفُوعا: «من نبت لَحْمه عَلَى السُّحت فَالنَّار أولَى بِهِ» . وَله طَرِيق آخر من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه: «من نبت لَحْمه من السُّحت فَالنَّار أولَى بِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن أبي عبلة إِلَّا مُحَمَّد بن حمير تفرد بِهِ سعيد بن رَحْمَة وَرَوَاهُ فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 «الْكَبِير» أَيْضا لَكِن عَن أَحْمد بن حَنْبَل، ثَنَا مُحَمَّد بن أبان الوَاسِطِيّ، ثَنَا أَبُو شهَاب، عَن أبي مُحَمَّد الْجَزرِي - وَهُوَ حَمْزَة النصيبي، وَهُوَ آفته؛ فَإِنَّهُ وَضاع - عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا مطولا وَفِي آخِره: «وَمن نبت لَحْمه من سحت فَالنَّار أولَى بِهِ» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن زِيَاد الْقرشِي، قَالَ الْخَطِيب: فِي حَدِيثه نكرَة. قَالَ يَحْيَى: لَا أعرفهُ. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث أَيُّوب بن سُوَيْد، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن ربعي بن حِرَاش، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا: «كل لحم أَنْبَتَهُ السُّحت فَالنَّار أولَى بِهِ» فَقَالَ: هَذَا خطأ أَخطَأ فِيهِ أَيُّوب بن سُوَيْد، رَوَى هَذَا الثَّوْريّ، عَن أبي حَيَّان، عَن شَدَّاد بن أبي الْعَالِيَة، عَن أبي دَاوُد الأحمري، عَن حُذَيْفَة مَوْقُوفا. الحَدِيث الثَّانِي عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَام خَيْبَر عَن نِكَاح الْمُتْعَة، وَعَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحه» ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى ذَلِك - يَعْنِي تَحْرِيم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة - من حَدِيث جَابر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث جَابر وَعبد الله بن عمر، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَأبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي، وَأنس بن مَالك، والبراء، وَعبد الله بن أبي أَوْفَى، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع، وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار، وزاهر الْأَسْلَمِيّ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، والعرباض بن سَارِيَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث خَالِد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 358 بن الْوَلِيد، وَعَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب. وَهَذِه الْأَحَادِيث كلهَا مؤذنة بِضعْف حَدِيث ابْن أبجر، ثمَّ عَلَى تَقْدِير صِحَّته هُوَ فِي حَالَة الِاضْطِرَاب. الحَدِيث الثَّالِث عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَأَى حمارا وحشيًّا فِي طَرِيق مَكَّة فَقتله، فَأكل مِنْهُ بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَبَى بَعضهم؛ لأَنهم كَانُوا محرمين، فسألوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ طعمة أطعمكموها الله هَل مَعكُمْ من لَحْمه شَيْء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ وَقد سلف بَيَانه وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام. الحَدِيث الرَّابِع عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «ذبحنا يَوْم خَيْبَر الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير فنهانا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن البغال وَالْحمير، وَلم ينهنا عَن الْخَيل» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم وَزَاد: «وَكُنَّا قد أصابتنا مجاعَة» وَذكر بعده «فنهانا» لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَهَذَا لَفظه: عَن حَمَّاد بن سَلمَة، [عَن] أبي الزبير، عَن جَابر «أَنهم ذَبَحُوا يَوْم خَيْبَر الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير، فَنَهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن البغال وَالْحمير وَلم ينْه عَن الْخَيل» وَهُوَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من غير ذكر البغال وَهَذَا لَفْظهمَا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وأَذِن فِي الْخَيل» وَفِي رِوَايَة لَهما: «أكلنَا زمن خَيْبَر الْخَيل وحمير الْوَحْش، وَنَهَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْحمار الأهلي» وَفِي رِوَايَة: «فَرخص فِي لُحُوم الْخَيل» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة عَن جَابر قَالَ: «أطعمنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لُحُوم الْخَيل ونهانا عَن لُحُوم الْحمر» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر مَرْفُوعا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح ثمَّ قَالَ: كَذَا رَوَى غير وَاحِد عَن عَمْرو. وَرَوَى حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو، عَن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن جَابر. وَرِوَايَة ابْن عُيَيْنَة أصح، وَسمعت مُحَمَّدًا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 360 يَقُول: ابْن عُيَيْنَة أحفظ من حَمَّاد بن زيد. قلت: وَلم يرو أصل الحَدِيث البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة، إِنَّمَا رَوَاهُ هُوَ وَمُسلم من حَدِيث حَمَّاد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَا أعلم أحدا وَافق حَمَّاد بن زيد عَلَى. مُحَمَّد بن عَلّي، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث [سُفْيَان] بِهِ ثمَّ قَالَ: يشبه أَن يكون عَمْرو لم يسمع هَذَا الْخَبَر من جَابر؛ لِأَن حَمَّاد بن زيد رَوَاهُ عَن عَمْرو، عَن مُحَمَّد بن عَلّي عَن جَابر. وَيحْتَمل أَن يكون عَمْرو سمع جَابِرا و [سمع] مُحَمَّد بن عَلّي [عَن جَابر] وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق حَمَّاد هَذَا لَكِن لَفظه: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم خَيْبَر عَن لُحُوم الْحمر وَأذن فِي لُحُوم الْخَيل» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث حُسَيْن بن وَاقد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَعَمْرو بن دِينَار عَن جَابر، وَعَن ابْن أبي نجيح، عَن عَطاء، عَن جَابر قَالَ: «أطعمنَا رَسُول الله يَوْم خَيْبَر لُحُوم الْخَيل ونهانا عَن لُحُوم الْحمر» . وَأما مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من مُعَارضَة مَا نَحن فِيهِ عَن خَالِد بن الْوَلِيد «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن أكل لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وكل ذِي نَاب من السبَاع» وَفِي بعض رواياتهم أَن ذَلِك يَوْم خَيْبَر فضعيف بِمرَّة. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: هَذَا حَدِيث مُنكر. قلت: فَلم أخرجته فِي مسندك؟ وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إِنَّه مَنْسُوخ. وَقد أوضحت مقالاتهم فِيهِ فِي شرحي للعمدة، فراجع ذَلِك مِنْهُ. الحَدِيث الْخَامِس عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «نحرنا فرسا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأكلنا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَزَاد: «وَنحن بِالْمَدِينَةِ» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» بِلَفْظ: «نحرنا فرسا عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأكلناه نَحن وَأهل بَيته» . الحَدِيث السَّادِس عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع، وَذي مخلب من الطير» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ من هَذَا الطَّرِيق عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْند أَبِيه فَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا عبد الصَّمد، ثَنَا أبي، حَدثنِي حُسَيْن بن ذكْوَان، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن كل ذِي نَاب من السبَاع، وَعَن كل ذِي مخلب من الطير، وَعَن ثمن الْميتَة، وَعَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَعَن مهر الْبَغي، وَعَن عسب الْفَحْل، وَعَن المياثر الأرجوان» كَذَا وَقع فِي «الْمسند» : حُسَيْن بن ذكْوَان وَهُوَ خطأ وَالصَّوَاب «حسن بن ذكْوَان» وَكَذَا أخرجه أَبُو يعْلى عَن أبي خَيْثَمَة، عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، عَن أَبِيه، عَن الْحسن بن ذكْوَان بِهِ، كَذَا أخرجه الإِمَام إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي «مُسْنده» عَن عبد الصَّمد، عَن أَبِيه بِهِ، وَلَفظه «نهَى عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع، وكل ذِي مخلب من الطير، وَثمن الْميتَة، وَثمن الْخمر، والحمر الْأَهْلِيَّة، وَكسب الْبَغي، وعسب كل ذِي فَحل، والمياثر الأرجوان» وَفِي هَذَا الحَدِيث عِلّة غَرِيبَة لَا يعرفهَا إِلَّا العريق فِي هَذَا الْفَنّ وَهِي الِانْقِطَاع بَين الْحسن بن ذكْوَان وحبِيب، قَالَ يَحْيَى بن معِين: الْحسن بن ذكْوَان لم يسمع من حبيب ابْن أبي ثَابت شَيْئا إِنَّمَا سمع من عَمْرو بن خَالِد عَنهُ، وَعَمْرو بن خَالِد لَا يسوى حَدِيثه شَيْئا إِنَّمَا هُوَ كَذَّاب مَا تَقول فِيهِ؟ قَالَ: أَحَادِيثه بَوَاطِيلُ، يروي عَن حبيب بن أبي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 ثَابت. فَقلت لَهُ: نعم، عِنْده غير حَدِيث عَجِيب عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي «فِي الْمَسْأَلَة وعسيب الْفَحْل» فَقَالَ أَبُو عبد الله: هُوَ لم يسمع من حبيب بن أبي ثَابت، إِنَّمَا هَذِه أَحَادِيث عَمْرو بن خَالِد الوَاسِطِيّ. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لم يرو حبيب بن أبي ثَابت عَن عَاصِم بن ضَمرَة إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا تثبت لحبيب رِوَايَة عَن عَاصِم. وَقَالَ ابْن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ: حبيب لم يرو عَن عَاصِم بن ضَمرَة شَيْئا. قلت: وَقد اخْتلف الْأَئِمَّة فِي تَوْثِيق عَاصِم بن ضَمرَة فَهَذَا حَدِيث لَا يحْتَج بِهِ، ويستغنى عَنهُ بِمَا سَيَأْتِي. فَائِدَة: قَالَ أهل اللُّغَة: «المخلب» بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الْمُعْجَمَة وَهُوَ للطير وَالسِّبَاع كالظفر للْإنْسَان وَإِنَّمَا نهَى عَن المياثر لِأَنَّهَا حَرِير والأرجوان: الشَّديد الْحمرَة. الحَدِيث السَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كل ذِي نَاب من السبَاع فَأَكله حرَام» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور مُنْفَردا بِهِ. الحَدِيث الثَّامِن رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر خَالِد بن الْوَلِيد عَام خَيْبَر حَتَّى نَادَى: أَلا لَا يحل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 لكم الْحمار الأهلي، وَلَا كل ذِي نَاب من السبَاع» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه قَرِيبا فِي آخر الحَدِيث الرَّابِع وَلَيْسَ فِيهِ أَن خَالِد بن الْوَلِيد نَادَى لكنه رَاوِي الحَدِيث، وَتقدم أَنه حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِمثلِهِ، وَهَذَا لَفظه فِي «مُسْند أَحْمد» : «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أكل لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «غزونا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَزْوَة خَيْبَر، فأسرع النَّاس فِي حظائر يهود، فَأمرنِي أَن أنادي: الصَّلَاة جَامِعَة وَلَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُسلم. ثمَّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس [إِنَّكُم] قد أسرعتم فِي حظائر يهود، أَلا لَا تحل أَمْوَال المعاهدين إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحرَام عَلَيْكُم الْحمر الْأَهْلِيَّة وخيلها وبغالها، وكل ذِي نَاب من السبَاع، وكل ذِي مخلب من الطُّيُور» . وَالَّذِي ثَبت فِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث أنس أَن الَّذِي نَادَى بِتَحْرِيم الْحمر الْأَهْلِيَّة هُوَ أَبُو طَلْحَة. وَأغْرب النَّوَوِيّ فِي «مبهماته» فَقَالَ: الرجل الَّذِي نَادَى بِتَحْرِيم الْحمر الْأَهْلِيَّة يَوْم خَيْبَر هُوَ أَبُو طَلْحَة رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» من رِوَايَة أنس. وَعَزوه إِلَى مُسلم أولَى، وَفِي «مُسْند أَحْمد» أَنه عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ذكره من حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 الحَدِيث التَّاسِع عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن كل ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من الطير» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة مَيْمُون بن مهْرَان عَنهُ وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم يسمعهُ من ابْن عَبَّاس بل بَينهمَا فِيهِ سعيد بن جُبَير، كَذَلِك ذكره أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَالْبَزَّار فِي «مُسْنده» وَقَالَ الْخَطِيب: الصَّحِيح عَن مَيْمُون عَن ابْن عَبَّاس، لَيْسَ بَينهمَا أحد. وَهَذَا الحَدِيث مَوْجُود فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ، وَرَوَى البُخَارِيّ وَمُسلم مثله عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي إِلَى قَوْله: «السبَاع» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة الْمِقْدَام بن معدي كرب. وَرَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة أبي الدَّرْدَاء مُقْتَصرا عَلَى الْقطعَة الأولَى، وَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَرَوَاهُ عبد الله بن شبْل قَالَ: وَنقل ساربه رَوَاهُ أَيْضا وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي من حَدِيث الْمِقْدَام «أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِخَيْبَر فَخَطب النَّاس فَقَالَ: وَإِنِّي أحرم عَلَيْكُم كل ذِي نَاب من السبَاع وَمَا سخر من الدَّوَابّ إِلَّا مَا سُمي الله عَلَيْهِ» وَفِي إسنادها ضعف أوضحه عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» وَغَيره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَأَلَ رجل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أكل الضَّب فَقَالَ: لَا آكله وَلَا أحرمهُ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَا آكله وَلَا أنهَى عَنهُ» . الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «دخلت أَنا وخَالِد بن الْوَلِيد مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَيت مَيْمُونَة فَأتي بضب محنوذ، فَرفع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَده فَقلت: أحرام هُوَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: لَا، وَلكنه لم يكن بِأَرْض قومِي فأجدني أعافه. قَالَ خَالِد: فاجتررته فأكلته وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينظر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقد ذكرت فَوَائده وَضبط أَلْفَاظه وَالْجَوَاب عَمَّا عَارضه فِي شرح الْعُمْدَة فَليُرَاجع مِنْهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سَأَلَ عَن الضبع أصيد هُوَ؟ قَالَ: نعم. قيل: أيؤكل؟ قَالَ: نعم. قيل: أسمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: نعم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا، وَلَفظه: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الضبع، فَقَالَ: هِيَ صيد وَيجْعَل فِيهِ كَبْش إِذا صَاده الْمحرم» وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام، وَأعله ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» بِأَن قَالَ: انْفَرد بِهِ عبد الرَّحْمَن بن أبي عمار، وَلَيْسَ بِمَشْهُور بِنَقْل الْعلم، وَلَا بِمن يحْتَج بِهِ إِذا خَالفه من هُوَ أثبت مِنْهُ، يَعْنِي حَدِيث «النَّهْي عَن كل ذِي نَاب من السبَاع» . وَهَذَا عجب مِنْهُ؛ فقد وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَأخرج لَهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَكَانَ من عباد أهل مَكَّة كَبِيرا بهَا حَتَّى سمي [بالقس] ، وَلَا أعلم أحدا تكلم فِيهِ، وَبَعض هَذَا كَاف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، كَيفَ وَقد صحّح حَدِيثه الْأَئِمَّة: البُخَارِيّ - كَمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ - وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن حبَان، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ، وَلم ينْفَرد بِهِ بل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 تَابعه عَطاء كَمَا سَاقه الْحَاكِم، وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ. قَالَ الشَّافِعِي: وَمَا يُبَاع لحم الضباع إِلَّا بَين الصَّفَا والمروة، وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَة الضبع عَلّي بن أبي طَالب، وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَأَبُو ثَوْر، وَأحمد، وَدَاوُد، وخلائق من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَحرمه أَبُو حنيفَة، وَكَرِهَهُ مَالك، وَورد فِي الْبَاب حَدِيث ظَاهره التَّحْرِيم وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن حِبَّان - بِكَسْر الْحَاء - ابْن جُزْء، عَن أَخِيه خُزَيْمَة قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أكل الضبع فَقَالَ: أَو يَأْكُل الضبع أحد؟ ! وَسَأَلته عَن أكل الذِّئْب، فَقَالَ: أَو يَأْكُل الذِّئْب أحد؟ !» لكنه حَدِيث ضَعِيف، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة وَقد تكلم فيهمَا بعض أهل الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فِي إِسْنَاده حبَان بن جُزْء؛ وَهُوَ مَجْهُول الْحَال. وَقَالَ ابْن حزم: إِسْمَاعِيل بن مُسلم ضَعِيف وَابْن أبي الْمخَارِق سَاقِط، وحبان مَجْهُول. وَقَالَ عبد الْحق: ضَعِيف، وَقد صَحَّ أكل الضبع بِإِسْنَاد آخر تقدم فِي الْحَج. وَأَشَارَ إِلَى الحَدِيث الْمُتَقَدّم حَدِيث جَابر. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أنفجنا أرنبًا بمر الظهْرَان فأدركتها وأتيت بهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 أَبَا طَلْحَة فذبحها، وَبعث فَخذهَا إِلَى رَسُول الله فَقبله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفْظهمَا عَن أنس رَضِي الله [عَنهُ] قَالَ: «أنفجنا أرنبًا بمر الظهْرَان فسعى الْقَوْم فلغبوا وأدركتها، فَأتيت بهَا أَبَا طَلْحَة فذبحها، وَبعث إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بوركها وفخذها فَقبله» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «بعجزها» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة: «فَأكل مِنْهُ» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي آخر الحَدِيث عِنْد قَوْله: «بوركها وفخذها» . وَقَالَ هِشَام بن زيد بن أنس: «قلت لأنس: وَأكل مِنْهَا. قَالَ: أكل مِنْهَا، ثمَّ قَالَ بعد: قَبِلَه» . مَعْنَى «أنفجنا» : أثرنا ونفَّرنا. و «مر الظهْرَان» بِفَتْح الْمِيم والظاء: مَوضِع قريب من مَكَّة. وَقَوله: «فلغبوا» : هُوَ بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة فِي اللُّغَة الفصيحة الْمَشْهُورَة، وَفِي لُغَة ضَعِيفَة بِكَسْرِهَا حَكَاهَا الْجَوْهَرِي وَغَيره، وضعفوا أَي أعيوا. الحَدِيث الرَّابِع عشر عَن بعض الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: « [اصطدت] أرنبين فذبحتهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 بمروة، وَسَأَلت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمرنِي بأكلها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من رِوَايَة مُحَمَّد بن صَفْوَان، وَهُوَ المُرَاد بقول الرَّافِعِيّ: عَن بعض الصَّحَابَة. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» من حَدِيث مُحَمَّد بن صَفْوَان، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : الصَّحِيح مُحَمَّد بن صَفْوَان، وَمن قَالَ «مُحَمَّد بن صَيْفِي» فقد وهم، ذَلِك يروي حَدِيث عَاشُورَاء يروي عَنهُ الشّعبِيّ. وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ إِن مُحَمَّد بن صَفْوَان أصح. وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان، وَالْبَيْهَقِيّ مثل ذَلِك من حَدِيث جَابر، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَابْن حبَان من رِوَايَة زيد بن ثَابت لكنهما قَالَا: «إِن ذئبًا نيَّب فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 شَاة فذبحوها بمروة، فسألوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمر بأكلها فأكلوها» وَكَذَا أخرجه أَحْمد، وَهُوَ فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن كَعْب بن مَالك «أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن مَمْلُوكَة ذبحت شَاة بمروة فَأمره بأكلها» . وَأخرج هَذَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن ابْن عمر «أَن خَادِمًا كَانَت لكعب ... » الحَدِيث، وَهُوَ فِي «الْمسند» أَيْضا. الحَدِيث الْخَامِس عشر ورد فِي الْخَبَر «الْهِرَّة سبع» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب النَّجَاسَات وَالْمَاء النَّجس. الحَدِيث السَّادِس عشر عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يكره لحم مَا يَأْكُل الْميتَة» . هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه غَرِيب، وكرره الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَذكر عَن مُجَاهِد أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ مَا يَأْكُل الْجِيَف - يَعْنِي الصَّحَابَة - ويغني عَن ذَلِك حَدِيث ابْن عمر وَغَيره «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن أكل الْجَلالَة» . وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِر هَذَا الْبَاب بَيَانه وَاضحا حَيْثُ ذكره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 الحَدِيث السَّابِع عشر عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خمس فواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم: الْحَيَّة، والفأرة، والغراب الأبقع، وَالْكَلب، والحدأة» . وَهَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى تَقْيِيد الْكَلْب بالعقور. قلت: وَهُوَ كَذَلِك فِي كل رِوَايَات الحَدِيث. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بدل «الْغُرَاب» : «الْعَقْرَب» . قلت: ظَاهر هَذَا الْكَلَام من الإِمَام الرَّافِعِيّ أَن هَذِه اللَّفْظَة وَهِي «الْعَقْرَب» لم تُوجد فِي حَدِيث عَائِشَة، وَلَيْسَ كَذَلِك بل رَوَاهَا البُخَارِيّ وَمُسلم فِي حَدِيث عَائِشَة، واتفقا عَلَى إخْرَاجهَا عَنْهَا، وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي ذكره المُصَنّف فِيهِ هَذِه اللَّفْظَة فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» وَهَذَا لَفظه: «خمس قتلهن حَلَال فِي الْحرم: الْحَيَّة، وَالْعَقْرَب، والحدأة، والفأرة، وَالْكَلب الْعَقُور» وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عجلَان الْمدنِي. وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . قَالَ غَيرهم: سيئ الْحِفْظ. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: خرج لَهُ مُسلم ثَلَاثَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 عشر حَدِيثا كلهَا فِي الشواهد، ويغني عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيح وَفِيه اللَّفْظَة الْمَذْكُورَة؛ فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا كَذَلِك من حَدِيث حَفْصَة، وَعبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة: «وكل سبع عَاد» . قلت: هَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَغَيرهمَا وَقد تقدم بَيَانهَا وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام. الحَدِيث الثَّامِن عشر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن أكل الرخمة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْمَالِينِي عَنهُ عَن ابْن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نصر الرَّمْلِيّ قَالَا: ثَنَا وَارِث بن الْفضل، ثَنَا خلف بن أَيُّوب، نَا خَارِجَة - وَهُوَ ابْن مُصعب - عَن [عبد الْمجِيد] بن سُهَيْل، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. قَالَ [الْبَيْهَقِيّ] : لم أكتبه إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: وَسَببه أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 خَارِجَة بن مُصعب، عَن [عبد الْمجِيد] بن سُهَيْل ضَعِيف جدًّا حَتَّى قَالَ ابْن حبَان: [لَا يحل] الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. الحَدِيث التَّاسِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن قتل الخطاف» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن قتل النملة والنحلة والصرد» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام أَيْضا، وَمِمَّا لم أقدمه هُنَاكَ حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الذُّبَاب كُله فِي النَّار إِلَّا النحلة. وَكَانَ ينْهَى عَن قتلهن، وَعَن إحراق الْعِظَام. قَالَ سُفْيَان: أَي فِي أَرض الْعَدو» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، وَإِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا. الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي اللقلق وَجْهَان: أَحدهمَا - وَإِلَيْهِ ميل الشَّيْخ أبي مُحَمَّد - أَنه حَلَال كالكُرْكي، وَجعله الْغَزالِيّ أظهر، وَفِي «التَّهْذِيب» أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 الْأَصَح التَّحْرِيم، وَهُوَ الَّذِي أوردهُ (الْعَبَّادِيّ) وَاحْتج بِأَنَّهُ يطعم الْخَبَائِث وَبِأَنَّهُ يصف، وَقد رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ] : «كل مَا دف ودع مَا صف» . يُقَال: دف الطَّائِر فِي طيرانه إِذا حرك جناحيه كَأَنَّهُ يضْرب بهما دفة، وصف إِذا لم يَتَحَرَّك كَمَا تفعل الْجَوَارِح. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ. وَهَذَا الحَدِيث مَذْكُور غَرِيب. الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا من إِنْسَان يقتل عصفورًا فَمَا فَوْقهَا بِغَيْر حَقّهَا إِلَّا سَأَلَهُ الله - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْهَا. قيل: وَمَا حَقّهَا؟ قَالَ: يذبحها ويأكلها، وَلَا يقطع رَأسهَا فيطرحها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فِيهِ صُهَيْب مولَى بني عَامر وَلَا يعرف لَهُ حَال، هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ وَأبي نعيم بسندهما، عَن عَمْرو بن يزِيد عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «مَا من أحد يقتل عصفورًا إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة. فَقَالَ: يَا رب، هَذَا قتلني عَبَثا، فَلَا هُوَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 انْتفع بقتلي، وَلَا هُوَ تركني فأعيش فِي أَرْضك» وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «سنَن النَّسَائِيّ» و «صَحِيح ابْن حبَان» ، عَن عَمْرو بن الشَّريد مَرْفُوعا: «من قتل عصفورًا عَبَثا عج إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة يَقُول: إِن فلَانا قتلني عَبَثا، وَلم يقتلني مَنْفَعَة» . قَالَ ابْن الْأَثِير فِي «شرح مُسْند الشَّافِعِي» : العصفور مُذَكّر وَالْأُنْثَى عصفورة، وَقد ورد الضَّمِير فِي هَذَا الحَدِيث تَارَة إِلَى الْمُؤَنَّث فَقَالَ: «فَمَا فَوْقهَا بِغَيْر حَقّهَا» هَكَذَا جَاءَ فِي نسخ «الْمسند» عَلَى مَا وصل إِلَيْنَا مِنْهَا، فَإِن لم يكن سَهوا من الْكَاتِب فَيكون ذَلِك ردًّا إِلَى النَّفس أَي: من قتل نفسا. ورده تَارَة إِلَى الْمُذكر، فَقَالَ: «يسْأَله عَزَّ وَجَلَّ عَن قَتله» ردًّا إِلَى اللَّفْظ، ثمَّ أعَاد فَقَالَ: «وَمَا حَقّهَا؟» . فَأثْبت الضَّمِير. وَهَذَا وَأَمْثَاله فَاش فِي الْعَرَبيَّة أَن يحمل تَارَة عَلَى اللَّفْظ وَتارَة عَلَى الْمَعْنى فَيُقَال كل وَاحِد من الْأَمريْنِ مَا يَقْتَضِيهِ من تذكير وتأنيث وَجمع وإفراد، وَغير ذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَأْكُل الدَّجَاج» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. والدجاج مثلث الدَّال حَكَاهُ غير وَاحِد وَقد ذكرته مَبْسُوطا فِي كتابي الْمُسَمَّى «بالإشارات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 إِلَى مَا وَقع فِي الْمِنْهَاج من الْأَسْمَاء وَالْمعْنَى واللغات» . الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أكلت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لحم حبارى» . هَذَا الحَدِيث كَذَا وجدته فِي نُسْخَة أَصْلِيَّة مُقَابلَة عَلَى نُسْخَة منعوت عَلَيْهَا وَوَجَدته فِي أُخْرَى منعوت عَلَيْهَا «عَن شُعْبَة» وَكِلَاهُمَا خطأ بِلَا ريب، وَصَوَابه «عَن سفينة» بسين مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ فَاء ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ نون ثمَّ هَاء، لَا يشك فِيهِ من لَهُ أدنَى إِلْمَام بِهَذَا الْفَنّ، كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَغَيرهمَا من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عمر بن سفينة، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «أكلت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لحم حبارى» . وَالْأول غلط بِلَا شكّ، وَقد ظهر غلط مَا تقدم؛ فَإِن فِي الأَصْل الْمَذْكُور أَولا «عَن سفينة» ثمَّ خرَّج الْكَاتِب تَخْرِيجه وَكتب «الْمُغيرَة بن» ، ثمَّ صحّح عَلَى ذَلِك، وَهَذَا كُله تَحْرِيف من الْكَاتِب، فَإِن كَانَ كَبِيرا فَإِنِّي أُجل الإِمَام الرَّافِعِيّ من الْوُقُوع فِي مثل ذَلِك، هَذَا الَّذِي يتداول مَعْرُوف عَلَى أَن هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف. قَالَ البُخَارِيّ: عمر بن سفينة مولَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، عَن أَبِيه، رَوَى عَنهُ ابْنه بُرَية - يَعْنِي عَن إِبْرَاهِيم - بِإِسْنَاد مَجْهُول. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِبْرَاهِيم ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: إِبْرَاهِيم هَذَا يُخَالف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 الثِّقَات فِي الرِّوَايَات، يروي عَن أَبِيه مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ من رِوَايَات الْأَثْبَات، فَلَا يحل الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ بِحَال ... ثمَّ ذكر لَهُ الحَدِيث الْمَذْكُور وَغَيره. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» : بُرية بن عمر بن سفينة لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ. ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث وَسَاقه أَيْضا إِلَى تَرْجَمَة عمر بن سفينة، عَن أَبِيه ثمَّ قَالَ: حَدِيثه غير مَحْفُوظ، وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ. وَخَالف أَبُو زرْعَة فَقَالَ: هُوَ صَدُوق. كَذَا نقل هَذِه القولة صَاحب الْمِيزَان والحبارى: طَائِر مَعْرُوف. قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره. الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْبَحْر: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته» . هَذَا الحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ مَبْسُوطا بِطرقِهِ وفوائده فِي أول هَذَا الْكتاب. الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب النَّجَاسَات. الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ «أَن طَائِفَة من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَصَابَتْهُم المجاعة فِي غزَاة فَلفظ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 الْبَحْر حَيَوَانا عَظِيما يُسمى العنبر، فَأَكَلُوا مِنْهُ، ثمَّ أخبروا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما قدمُوا، فَلم يُنكر عَلَيْهِم، وَقَالَ: هَل حملتم لي مِنْهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن ثَلَاثمِائَة رَاكب وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح نرصد عيرًا لقريش، فَأَقَمْنَا بالسَّاحل نصف شهر، وأصابنا جوع شَدِيد حَتَّى أكلنَا الْخبط فَسُمي جَيش الْخبط، فَألْقَى لنا [الْبَحْر] دَابَّة يُقَال لَهَا العنبر، فأكلنا مِنْهَا نصف شهر، وادهنا من ودكها حَتَّى ثَابت أجسامنا، قَالَ: فَأخذ أَبُو عُبَيْدَة ضلعًا من أضلاعه فنصبه، ثمَّ نظر إِلَى أطول رجل فِي الْجَيْش وأطول جمل فَحَمله عَلَيْهِ فَمر تَحْتَهُ، وَجلسَ فِي حجاج عينه نفر، وأخرجنا من [وَقب عينه] كَذَا وَكَذَا قلَّة ودك، وَكَانَ مَعنا جراب من تمر، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطي كل رجل قَبْضَة قَبْضَة، ثمَّ أَعْطَانَا تَمْرَة تَمْرَة، فَلَمَّا فني وَجَدْنَاهُ [فَقده] وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمر علينا أَبَا عُبَيْدَة نتلقى عيرًا لقريش وزودنا جرابًا من تمر لم نجد لنا غَيره، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطِينَا تَمْرَة تَمْرَة، فَلَمَّا فني وَجَدْنَاهُ» . وَفِي رِوَايَة: «فَقلت لَهُ: كَيفَ تَصْنَعُونَ بهَا؟ قَالَ: نمصها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 كَمَا يمص الصَّبِي، ثمَّ نشرب عَلَيْهَا المَاء فتكفينا يَوْمنَا إِلَى اللَّيْل، وَكُنَّا نضرب بعصينا الْخبط ثمَّ نبله بِالْمَاءِ فنأكله. قَالَ: وانطلقنا عَلَى سَاحل الْبَحْر فَرفع لنا سَاحل الْبَحْر كَهَيئَةِ الْكَثِيب الضخم فأتيناه فَإِذا هُوَ دَابَّة تُدعَى: العنبر. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ميتَة. ثمَّ قَالَ: لَا بل نَحن رسل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد اضطررتم، فَكُلُوا. قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شهرا وَنحن ثَلَاثمِائَة حَتَّى سمنا. قَالَ: وَلَقَد رَأَيْتنَا نغترف من وَقب عينه بالقلال الدّهن، ونقطع مِنْهُ الفدر كالثور أَو كَقدْر الثور، فَلَقَد أَخذ منا أَبُو عُبَيْدَة ثَلَاثَة عشر رجلا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقب عينه، وَأخذ ضلعًا من أضلاعه فأقامها، ثمَّ رَحل أعظم بعير مَعنا فَمر من تَحْتَهُ، وتزودنا [من] لَحْمه وشائق، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذَكرنَا ذَلِك لَهُ. فَقَالَ: هُوَ رزق أخرجه الله لكم، فَهَل مَعكُمْ من لَحْمه شَيْء فتطعمونا؟ قَالَ: فَأَرْسَلنَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُ فَأَكله» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بسرية [وَأَنا] إِلَى سيف الْبَحْر» وسَاق الحَدِيث، وَفِيه: «فَأكل مِنْهَا الْجَيْش ثَمَانِي عشرَة لَيْلَة» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بعث بعثًا إِلَى أَرض جُهَيْنَة وَاسْتعْمل عَلَيْهِ رجلا ... » وسَاق الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «غزونا جَيش الْخبط وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة فجعنا جوعا شَدِيدا، فَألْقَى الْبَحْر حوتًا مَيتا لم نر مثله يُقَال لَهُ: العنبر، فأكلنا مِنْهُ نصف شهر، وَأخذ أَبُو عُبَيْدَة عظما من عِظَامه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 فَمر الرَّاكِب تَحْتَهُ» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَإِذا حوت مثل الظرب فَأكل مِنْهُ الْقَوْم ثَمَانِي عشرَة لَيْلَة، ثمَّ أَمر أَبُو عُبَيْدَة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثمَّ أَمر براحلة فرحلت، ثمَّ مرت تحتهَا فَلم تصبها» وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلمُسلم: «وَكَانَ فِينَا رجل فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوع نحر ثَلَاث جزائر ثمَّ ثَلَاث جزائر، ثمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَة» وَجَاء فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: «إِن هَذَا الرجل هُوَ [قيس بن] سعد بن عبَادَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَلَمَّا (قدمنَا ذكرنَا ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ:) كلوا رزقا أخرجه الله لكم، أطعمونا إِن كَانَ مَعكُمْ. فَأَتَاهُ بَعضهم فَأَكله» وَفِي رِوَايَة للنسائي «أَنهم كَانُوا ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر» . وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الْعُمْدَة فِي أَن السّمك الطافي - وَهُوَ الَّذِي يَمُوت فِي الْبَحْر بِلَا سَبَب - حَلَال. وَقد قَالَ جَمَاهِير الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق، وَأَبُو أَيُّوب، وَعَطَاء، وَمَكْحُول، وَالنَّخَعِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَأَبُو ثَوْر، وَدَاوُد، وَغَيرهم. وَقَالَ جَابر بن عبد الله، وَجَابِر بن زيد، وَطَاوُس، وَأَبُو حنيفَة: لَا يحل. وَدَلِيل الْجُمْهُور الحَدِيث الْمَذْكُور بعد قَوْله تَعَالَى: (أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم) قَالَ ابْن عَبَّاس وَالْجُمْهُور: صَيْده مَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 صدتموه وطافيه مَا قذفه. وَبِغير ذَلِك من الْأَدِلَّة الَّذِي لَيْسَ هَذَا مَوضِع بسطها، وَمن ذَلِك الحَدِيث الصَّحِيح: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته» . وَأما الحَدِيث الْمَرْوِيّ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر أَو حرز مِنْهُ فكلوه، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَلَا تأكلوه» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ لَو لم يُعَارضهُ شَيْء، فَكيف وَهُوَ معَارض بِمَا ذَكرْنَاهُ؟ ! وَقد أطنب الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه فِي «سنَنه» و «خلافياته» ، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» و «علله» وَغَيرهمَا، وَيَكْفِينَا من ذَلِك قَول البُخَارِيّ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِمَحْفُوظ. وَقَول الإِمَام أَحْمد: إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. الثَّانِي: إِنَّه مَنْسُوخ بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته» . قَالَه الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «عُلُوم الحَدِيث» فَإِن قيل: لَا حجَّة لكم فِي حَدِيث العنبر؛ لأَنهم كَانُوا مضطرين. قُلْنَا: الِاحْتِجَاج بِهِ بِأَكْل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُ فِي الْمَدِينَة من غير ضَرُورَة. الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ ورد النَّهْي عَن قتل الضفدع. هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام. وَفِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 الضفدع أَربع لُغَات ذكرتها مُوضحَة فِي لُغَات «الْمِنْهَاج» . وَهُوَ الْمُسَمَّى بالإشارات. الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الحشرات كلهَا مستخبثة مَا يدرج مِنْهَا وَمَا يطير، وَمِنْهَا مَا هِيَ ذَوَات السمُوم وإبر فَتحرم لما فِيهِ من الضَّرَر، وَفِي النَّهْي عَن الوزغ دَلِيل عَلَى تَحْرِيم أَنْوَاعهَا. وعددهم الرَّافِعِيّ، وَهَذَا الَّذِي ذكره من النَّهْي عَن قَتلهَا شَيْء لَا نعرفه، بل هُوَ خلاف الْمَنْقُول عَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَفِي «صَحِيح مُسلم» عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بقتل الوزغ وَسَماهُ فويسقًا» . وَرَوَى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أم شريك «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمرهَا بقتل الأوزاغ» . وَفِي رِوَايَة لَهما «أَمر» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وَكَانَ ينْفخ النَّار عَلَى إِبْرَاهِيم» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «من قتل وزغًا فِي أول ضَرْبَة كتبت لَهُ [مائَة] حَسَنَة، وَفِي الثَّانِيَة دون ذَلِك، وَفِي الثَّالِثَة دون ذَلِك» وَفِي رِوَايَة لَهُ «فِي ضَرْبَة سبعين حَسَنَة» . وَفِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 رِوَايَة لِابْنِ حبَان من حَدِيث عَائِشَة: «لم يكن دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا أطفأت عَن إِبْرَاهِيم النَّار غير الوزغ فَإِنَّهُ كَانَ ينْفخ عَلَيْهِ النَّار، فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بقتْله» فَغَفَلَ الإِمَام الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ أَن يكْتب: وَمِنْهَا مَا أَمر بقتْله، فَسبق الْقَلَم إِلَى: مَا نهي عَن قَتله. وَرَأَيْت فِي «صَحِيح ابْن حبَان» تَرْجَمَة تدل عَلَى أَن بعض الْعلمَاء كره قَتلهَا، يُقَال ذكر الْأَمر بقتل الأوزاغ ضد قَول من كره قَتلهَا ثمَّ ذكر حَدِيث أم شريك السالف. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي الْقُنْفُذ وَجْهَان: أَحدهمَا - وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد -: يحرم؛ لما رُوِيَ فِي الْخَبَر أَنه من الْخَبَائِث. وَالثَّانِي: - وَهُوَ الْأَصَح - الْحل؛ لقَوْله تَعَالَى: (قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَى محرما (الْآيَة. وَيروَى أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سُئِلَ عَن الْقُنْفُذ فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة، فَقَالَ شيخ عِنْده: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: ذكر الْقُنْفُذ عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: خَبِيث من الْخَبَائِث. فَقَالَ ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: إِن كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَه فَهُوَ كَمَا قَالَ» فَإِن كَانَ الشَّيْخ مَجْهُولا فَلم نر قبُول رِوَايَته، وَحمله بَعضهم عَلَى أَنه خَبِيث الْفِعْل؛ لِأَنَّهُ يخفي رَأسه عِنْد التَّعَرُّض لذبحه ويؤذي شوكه إِذا صيد. وَعَن الْقفال: إِن صَحَّ الْخَبَر فَهُوَ حرَام، وَإِلَّا رَجعْنَا إِلَى الْعَرَب هَل يستطيبونه؟ وَالْمَنْقُول عَنْهُم الاستطابة. انْتَهَى كَلَام الرَّافِعِيّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» من رِوَايَة عِيسَى بن نميلَة - بالنُّون - عَن أَبِيه قَالَ: «كنت عِنْد ابْن عمر ... » الحَدِيث فَذَكَرَاهُ. قَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لم يرو إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهُوَ إِسْنَاد فِيهِ ضعف (وَرِوَايَة شيخ مَجْهُول) . وَذكر الذَّهَبِيّ فِي «الكاشف» أَن ابْن حبَان وثق عِيسَى بن نميلَة. وَذكر هَذَا الحَدِيث عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» ، وَسكت عَنهُ، وَاحْتج بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «التَّحْقِيق» . والقُنفذ بِضَم الْقَاف قطعا وَفِي فائه لُغَتَانِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْح. الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن أكل الْجَلالَة وَشرب أَلْبَانهَا حَتَّى تحبس» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ لَكِن من رِوَايَة عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَلَعَلَّ إِسْقَاط الْوَاو من النساخ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الْإِبِل الْجَلالَة أَن يُؤْكَل لَحمهَا وَلَا يشرب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386 أَلْبَانهَا وَلَا يركبهَا النَّاس حَتَّى تعلف أَرْبَعِينَ لَيْلَة» . قَالَ الْحَاكِم هَذَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظ الْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْجَلالَة أَن يُؤْكَل لَحمهَا أَو يشرب لَبنهَا، وَلَا يحمل عَلَيْهَا الْأدم، وَلَا يركبهَا النَّاس حَتَّى تعلف أَرْبَعِينَ لَيْلَة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأما عبد الْحق فَقَالَ: فِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر البَجلِيّ عَن أَبِيه، وَإِسْمَاعِيل: ضَعِيف، وَأَبوهُ لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه «التَّحْقِيق» بعد أَن أوردهُ: إِسْمَاعِيل وَأَبوهُ ضعيفان. قلت: أما إِسْمَاعِيل فضعفوه، وَتَصْحِيح الْحَاكِم حَدِيثه هَذَا يُؤذن بِثِقَتِهِ عِنْده، وَأما أَبوهُ فروَى لَهُ مُسلم، وَقَالَ الثَّوْريّ وَأحمد: لَا بَأْس بِهِ. وَضَعفه ابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث. قلت: قد جَاءَ النَّهْي عَن الْجَلالَة وَالشرب من لَبنهَا وَالرُّكُوب عَلَيْهَا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَيْضا، وَأبي هُرَيْرَة. أما حَدِيث عبد الله بن عمر فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَنهُ «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن جلالة الْإِبِل أَن يركب عَلَيْهَا أَو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387 يشرب من أَلْبَانهَا» . هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَفِي رِوَايَة لَهُ نهَى عَن الْجَلالَة فِي الْإِبِل أَن يركب عَلَيْهَا. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نهَى عَن ركُوب الْجَلالَة» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن أكل الْجَلالَة وَأَلْبَانهَا» . وَلَفظ ابْن مَاجَه « [نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] عَن لُحُوم الْجَلالَة وَأَلْبَانهَا» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن ابْن أبي نجيح. وَذكر التِّرْمِذِيّ أَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَوَاهُ عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالف شريكُ ابنَ أبي نجيح، فَرَوَاهُ عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا من وَجه آخر عَن ابْن عمر ... فَذكره من حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَرَوَاهُ عبد الْوَارِث، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس، فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن أكل الْمُجثمَة وَهِي المصبورة للْقَتْل، وَعَن أكل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 الْجَلالَة وَشرب أَلْبَانهَا» وَفِي لفظ: «عَن لبن الْجَلالَة، وَعَن الشّرْب [من] فِي السقاء» وَلَفظ أَحْمد « [أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى] عَن الْمُجثمَة وَالْجَلالَة، وَأَن يشرب من فِي السقاء» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب الْجِهَاد: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر «الاقتراح» فِي الْقسم الْخَامِس فِي ذكر أَحَادِيث رَوَاهَا قوم خرَّج عَنْهُم البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَلم يخرج عَنْهُم مُسلم إِذْ خرج عَنْهُم مَعَ الاقتران بِالْغَيْر. وَأما حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده؛ فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ قَالَ: «نهَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَعَن الْجَلالَة وَعَن ركُوبهَا وَأكل لحومها» . وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن يشرب [من] فِي السقاء وَالْمُجَثمَة وَالْجَلالَة» . الْمُجثمَة: الَّتِي تُجعل هدفًا ليرميها بِالسِّهَامِ حَتَّى تَمُوت. وَالْجَلالَة: الَّتِي تَأْكُل الْعذرَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِنَّا لننحر الْإِبِل ونذبح الْبَقر وَالشَّاة، فنجد فِي بَطنهَا الْجَنِين أفنلقيه أم نأكله؟ فَقَالَ: كلوه إِن شِئْتُم، فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه» . هَذَا الحَدِيث من هَذَا الطَّرِيق لَهُ طرق: أَحدهَا عَن مجَالد، عَن أبي الوداك - واسْمه: جبر بن نوف - عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَأَبُو دَاوُد بلفظين أَحدهمَا مَا ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ «النَّاقة» بدل «الْإِبِل» . الثَّانِي: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الْجَنِين، فَقَالَ: كلوه إِن شِئْتُم. قَالَ: ذَكَاته ذَكَاة أمه» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين: أَحدهمَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن الْجَنِين [يخرج مَيتا] فَقَالَ: إِن شِئْتُم فكلوه» . الثَّانِي. «أَنه سُئِلَ عَن الْجَزُور وَالْبَقَرَة يُوجد فِي بَطنهَا الْجَنِين، فَقَالَ: إِذا سميتم عَلَى الذَّبِيحَة فذكاته ذَكَاة أمه» ثمَّ ذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد المطول، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. قَالَ: وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه عَن أبي سعيد. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَغَيرهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 قلت: مدَار الحَدِيث عَلَى مجَالد بن سعيد الْهَمدَانِي ضَعَّفُوهُ، وَفِي روايةٍ عَن النَّسَائِيّ توثيقه، وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا مَعَ غَيره، وَادَّعَى النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه فَكيف يُحسنهُ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه عَن أبي سعيد. وَأما ابْن حزم فِي «محلاه» فَقَالَ: وَاحْتج المخالفون بأخبار واهية مِنْهَا هَذَا الْخَبَر ... فَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد الثَّانِي، وَذكر من حَدِيث مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي الوداك، ثمَّ قَالَ: ومجالد ضَعِيف، وَأَبُو الوداك كَذَلِك. قلت: قد تقدم القَوْل فِي مجَالد، وَأما أَبُو الوداك فَقَالَ ابْن معِين: ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالح. وَاحْتج بِهِ مُسلم وَلَا أعلم فِيهِ جرحا وَأما الإِمَام فِي «نهايته» فَإِنَّهُ ذكره بِلَفْظ الرَّافِعِيّ وَقَالَ: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث ثَابت، ثُبُوت الْحسن مَرْوِيّ من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو سعيد. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . ذكره ابْن حزم فِي «محلاه» . وَقَالَ: ابْن أبي لَيْلَى سيئ الْحِفْظ، وعطية هَالك. قلت: أخرجه الْحَاكِم من حَدِيث أبي حَمْزَة مُحَمَّد بن مَيْمُون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 السكرِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد رَفعه بِمثلِهِ سَوَاء. فَهَذَا طَرِيق لَيْسَ فِيهِ ابْن أبي لَيْلَى، وَعبد الْملك من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» وَإِن لين. وَفِي «التَّهْذِيب» أَنه رَوَى عَن عَطِيَّة الْقرظِيّ فَليُحرر عَطِيَّة هَذَا هُوَ الْقرظِيّ أَو الْعَوْفِيّ. الطَّرِيق الثَّالِث وَهُوَ أجدرها بالتقدم: عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الوداك، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، عَن أبي عُبَيْدَة الْحداد، عَن يُونُس بِهِ. وَأَبُو عُبَيْدَة هَذَا اسْمه [عبد الْوَاحِد] بن وَاصل، احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة ابْن معِين وَغَيره، لَا جرم أخرجهَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ، ثَنَا عَلّي بن أنس العسكري، ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة ... فَذكره، وَاقْتصر عَلَى هَذَا الطّرق الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَعَزاهَا إِلَى ابْن حبَان وَحده، وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا بَاب كَبِير مَدَاره عَلَى طَرِيق عَطِيَّة عَن أبي سعيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 الْخُدْرِيّ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَطَرِيق أبي الوداك، عَن أبي سعيد تفرد بِهِ عَلان. كَذَا قَالَ، وَلَا أعرف هَذَا فِي طرقه. ثمَّ قَالَ: وَفِيه زيادات فِي اللَّفْظ وَلَا تقوم بِهِ حجَّة. قَالَ: وَمن تَأمل هَذَا الْبَاب من أهل الصَّنْعَة قَضَى [فِيهِ] بالعجب أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَاهُ فِي الصَّحِيح. قلت: حاشاهما من إِخْرَاج كل طرقه، نعم بَعْضهَا جيد كَمَا عَرفته وستعرفه، وَلما ذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي سعيد هَذَا قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن جَابر، وَأبي أُمَامَة، وَأبي الدَّرْدَاء، وَأبي هُرَيْرَة. زَاد الْبَيْهَقِيّ بِدُونِ أبي أُمَامَة: وَعلي بن أبي طَالب، وَابْن مَسْعُود، وَابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَأبي أَيُّوب، والبراء بن عَازِب. قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن كَعْب بن مَالك، ولنذكر طرق هَذِه الْأَحَادِيث ونتكلم عَلَيْهَا، فَإِن هَذَا الحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة، فَنَقُول: أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ الدَّارمِيّ، وَأَبُو دَاوُد، من حَدِيث إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، عَن عتاب بن بشير، عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد القداح، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفعه «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . أعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بعبيد الله القداح وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف الحَدِيث. وَتعقبه ابْن الْقطَّان بِأَنَّهُ لم يبين أَنه من روايه عتاب بن بشير عَنهُ، قَالَ: وعتاب هُوَ الْحَرَّانِي، زَعَمُوا أَنه رَوَى بِأخرَة أَحَادِيث مُنكرَة وَأَنه اخْتَلَط عَلَيْهِ الْعرض وَالسَّمَاع فتكلموا فِيهِ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 الوسواس وَلَا يضرّهُ ذَلِك؛ فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا تحمل صَحِيح. واستمداد هَذَا التَّعْلِيل من كتاب أبي مُحَمَّد بن حزم فَهُوَ عَن مَجْهُول، ثمَّ لم يَأْتِ عَن [أبي] الزبير إِلَّا من طَرِيق حَمَّاد بن شُعَيْب وَالْحسن بن بشر وعتاب بن بشير عَن عبيد الله القداح وَكلهمْ ضعفاء. انْتَهَى. فَأَما القداح هَذَا فَقَالَ ابْن معِين فِيهِ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ شَيْئا مُنْكرا. وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه عَن الْقَاسِم، عَن: «عَائِشَة إِنَّمَا جعل الطّواف (وَالسَّعْي والجمار لإِقَامَة ذكر الله تَعَالَى» . وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ) وَلَا بالمتين يحول من الضُّعَفَاء. وَأما عتاب بن بشير، فقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين مرّة. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَول ابْن حزم لم يَأْتِ عَن [أبي] الزبير إِلَّا من الطّرق الَّذِي ذكرهَا للتبين كَذَلِك هَذَا خرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث زُهَيْر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . ثمَّ قَالَ: تَابعه من الثِّقَات عبيد الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 بن زِيَاد، عَن أبي الزبير ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا يعرف من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى وَحَمَّاد بن شُعَيْب، عَن أبي الزبير. وَهَذَا طَرِيق آخر لم يذكرهُ ابْن حزم وَهُوَ طَرِيق ابْن أبي لَيْلَى، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبان، عَن صباح بن يَحْيَى الْمدنِي، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفعه: «كل الْجَنِين فِي بطن أمه» وَفِي لفظ: «فِي بطن النَّاقة» وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث يُوسُف بن عدي، نَا بشر بن عمَارَة، عَن الْأَحْوَص بن حَكِيم، عَن رَاشد بن سعد، عَن عتبَة بن عبد، عَن أبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» ثمَّ أخرجه من حَدِيث رَاشد بن سعد، عَن أبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء. وَرَاشِد هَذَا ثِقَة، والأحوص بن حَكِيم ضَعْفه مَحْض وَعتبَة بن عبد كَأَنَّهُ صَحَابِيّ. وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء فقد عَرفته الْآن. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عمر بن قيس، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَالَ فِي الْجَنِين: ذَكَاته ذَكَاة أمه» . قَالَ عبد الْحق: لَا يحْتَج بِإِسْنَادِهِ. وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة، وَبَينهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 ابْن الْقطَّان بعمر بن قيس فَقَالَ: هُوَ مَتْرُوك. وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِن ابْن الْقطَّان ذكره عَن طَاوس، عَن [ابْن] عَبَّاس، عَن أبي هُرَيْرَة. وَذكره الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَلم [يذكر] أَبَا هُرَيْرَة. وَقَالَ: حَدِيث مُنكر لَكِن ذكره الْحَاكِم من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن سعيد المَقْبُري، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه بِهِ ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَفِيه وَقْفَة، فعبد الله هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَأما حَدِيث عَلّي فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيه الْحَارِث الْأَعْوَر الْكذَّاب وَعنهُ مُوسَى بن عُثْمَان الْكُوفِي. ادَّعَى ابْن الْقطَّان جهالته وَغلط، نعم هُوَ ضَعِيف، قَالَ ابْن عدي: حَدِيثه لَيْسَ بالمحفوظ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة عَلْقَمَة عَنهُ أرَاهُ رَفعه: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . وَرِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا أَن شيخ شَيْخه أَحْمد بن حجاج بن الصَّلْت ذكره الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» وَذكر لَهُ [حَدِيثا] وَأَنه آفته وَالظَّاهِر أَنه هُوَ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 وَأما حَدِيث ابْن عمر فَلهُ طرق عَنهُ أَحدهَا: عَن عِصَام بن يُوسُف، عَن مبارك بن مُجَاهِد، عَن عبيد الله [بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْجَنِين: ذَكَاته ذَكَاة أمه أشعر أم لم] يشْعر» قَالَ عبيد الله: وَلكنه إِذا خرج من بطن أمه يُؤمر بذَبْحه حَتَّى يخرج الدَّم من جَوْفه. قَالَ عبد الْحق: إِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ عِصَام ومبارك. قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يبين حَال عِصَام، وَهُوَ رجل لَا تعرف حَاله قَالَ: وَأرَاهُ الَّذِي ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يعرف من حَاله. شَيْء غير أَنه قَالَ فِيهِ: الزَّاهِد. قلت: قد تكلم فِيهِ ابْن عدي فَقَالَ: رَوَى عَن الثَّوْريّ وَغَيره أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. ومبارك بن مُجَاهِد ضعفه البُخَارِيّ وَقَالَ عَن قُتَيْبَة: كَانَ قدريًّا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا أرَى بحَديثه بَأْسا. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن وهب بن بَقِيَّة، ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن الوَاسِطِيّ، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «ذَكَاة الْجَنِين إِذا أشعر ذَكَاة أمه وَلكنه يذبح حَتَّى ينصاب مَا فِيهِ من الدَّم» أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» من هَذِه الطَّرِيق بِلَفْظ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه إِذا أشعر» ثمَّ قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق إِلَّا مُحَمَّد بن الْحسن، تفرد بِهِ وهب بن بَقِيَّة، وَأخرجه ابْن حبَان فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» من هَذِه الطَّرِيق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 397 بِلَفْظ الْحَاكِم ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا يرفع الْمَوْقُوفَات ويسند الْمَرَاسِيل، وَإِنَّمَا هُوَ قَول ابْن عمر. وَأخرجه الْخَطِيب فِي كتاب «من رَوَى عَن مَالك» من حَدِيث أَحْمد بن عِصَام، ثَنَا مَالك، عَن نَافِع بِهِ وَلم يذكر «إِذا أشعر» ثمَّ قَالَ: هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» مَوْقُوف وَذَلِكَ أصح. قلت: وَأحمد تكلم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: ضَعِيف. وَلَفظ «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: «إِذا نحرت النَّاقة فذكاة مَا فِي بَطنهَا فِي ذكاتها إِذا كَانَ قد تمّ خلقه وَنبت شعره، فَإِذا خرج من بطن أمه ذبح حَتَّى يخرج الدَّم من جَوْفه» . الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أَحْمد بن يَحْيَى الْأَنْطَاكِي، عَن عبد الله بن نصر بِهِ. ثمَّ قَالَ: لم يروه مَرْفُوعا عَن عبيد الله إِلَّا أَبُو أُسَامَة، تفرد بِهِ عبد الله بن نصر. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي حُذَيْفَة، نَا مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن أَيُّوب بن مُوسَى قَالَ: ذُكِرَ [لي] عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «فِي الْجَنِين إِذا أشعر فذكاته ذَكَاة أمه» . ذكره ابْن حزم فِي «محلاة» ، ثمَّ قَالَ: أَبُو حُذَيْفَة ضَعِيف، وَمُحَمّد بن مُسلم أسقط مِنْهُ، ثمَّ هُوَ مُنْقَطع. قلت: أَبُو حُذَيْفَة هُوَ مُوسَى بن مَسْعُود الْبَصْرِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَقيل ليحيى بن معِين: إِن بندارًا يَقع فِيهِ. قَالَ يَحْيَى: هُوَ خير من بنْدَار وَمن ملْء الأَرْض مثله. وَقَالَ أَحْمد: صَدُوق، هُوَ من أهل الصدْق. وَقَالَ الْعجلِيّ: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 398 ثِقَة صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. نعم قَالَ التِّرْمِذِيّ: يضعف [فِي] الحَدِيث. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا أحتج بِهِ. وَقَالَ الفلاس: لَا يحدث عَنهُ من يبصر الحَدِيث. وَأما مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي فاحتج بِهِ مُسلم فِي «صَحِيحه» وَله فِيهِ حَدِيث وَاحِد، وَقَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ، فَإِذا حدث من حفظه يُخطئ. وَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ ابْن مهْدي: كتبه صِحَاح. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا. وَقَالَ: اخْتلف فِي رَفعه عَن نَافِع. فَذكر الِاخْتِلَاف ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيُّوب وَجَمَاعَة عدَّدهم عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّحِيح. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عُثْمَان الْكِنْدِيّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ مَرْفُوعا بِلَفْظ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» . أعله ابْن الْقطَّان بِجَهَالَة مُوسَى هَذَا وَهُوَ الْمُتَقَدّم ذكره فِي حَدِيث عَلّي. وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب فَأخْرجهُ الْحَاكِم من حَدِيث شُعْبَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أبي أَيُّوب مَرْفُوعا بِهِ، وَقَالَ: رُبمَا توهم متوهم أَن حَدِيث أبي أَيُّوب صَحِيح وَلَيْسَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 399 كَذَلِك. وَأخرجه ابْن حزم فِي «محلاه» من طَرِيق ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن أَبِيه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه إِذا أشعر» . ثمَّ قَالَ ابْن أبي لَيْلَى: سيئ الْحِفْظ ثمَّ هُوَ مُنْقَطع. قلت: قد ذكر بذلك مَوْصُولا. وَأما حَدِيث الْبَراء فَلَا يحضرني غير مَا ذكرته عَن الْبَيْهَقِيّ. وَأما حَدِيث كَعْب بن مَالك فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْحسن بن عَمْرو بن شَقِيق، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك ( ... ) أخرجه من حَدِيث عبد الله بن الجهم، ثَنَا عبد الله بن الْعَلَاء بن شبيب، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن ( ... ) عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن كَعْب رَفعه بِهِ. فَهَذِهِ طرق هَذَا الحَدِيث وَهِي إِحْدَى عشر طَرِيقا مُوضحَة الْكَلَام عَلَيْهَا، وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : لَا يحْتَج بأسانيدها كلهَا. وَأقرهُ ابْن الْقطَّان عَلَى ذَلِك، وَسَبقه بذلك ابْن حزم فَإِنَّهُ قَالَ فِي «محلاه» : وَاحْتج المخالفون بأخبار واهية. ثمَّ ذكره من أَربع طرق ووهاها، وَقد عرفت أَن بَعْضهَا يصلح للاحتجاج بِهِ، وَهُوَ طَرِيق أبي سعيد الَّتِي أخرجهَا أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان، وَطَرِيق جَابر الَّتِي أخرجهَا الْحَاكِم، ويقابل قَول ابْن حزم وَعبد الْحق فِي تَضْعِيف مَا ورد من ذَلِك عَلَى سَبِيل الْإِجْمَال قَول الْغَزالِيّ فِي كِتَابه «الْإِحْيَاء» تبعا لإمامه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 400 إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «الأساليب» : وَقد صَحَّ فِي الصِّحَاح من الْأَخْبَار حَدِيث الْجَنِين «فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه» صِحَة لَا يتَطَرَّق احْتِمَال إِلَى مَتنه وَلَا ضعف إِلَى سَنَده، وَهَذَا من الْعجب العجاب، وَخير الْأُمُور أوسطها، وَإِن طرقه ضَعِيفَة خلا طَريقَة أبي سعيد وَجَابِر الْمُتَقَدِّمين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. كَيفَ وَقد رَوَى ابْن حزم من طَرِيق سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُولُونَ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مَا يُقَوي ذَلِك. فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «ذَكَاة الْجَنِين حَاصِلَة بِذَكَاة أمه» . قَالَ النَّوَوِيّ، ويوضحه أَن فِي رِوَايَة للبيهقي «ذَكَاة الْجَنِين فِي ذَكَاة أمه» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا «ذَكَاة الْجَنِين بِذَكَاة أمه» ، قَالَ: وَبَعض النَّاس ينصب «ذَكَاة» ويجعله بِالنّصب دَلِيلا لأَصْحَاب أبي حنيفَة فِي أَنه لَا يحل إِلَّا بِذَكَاة وَيَقُول: ذَكَاته كذكاة أمه، حذفت الْكَاف [فانتصب] . قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَن الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة بِالرَّفْع، وَكَذَا نَقله الْخطابِيّ وَغَيره، وَتَقْدِيره عَلَى الرّفْع يحْتَمل أوجهًا أحْسنهَا أَن «ذَكَاة الْجَنِين» خبر مقدم و «ذَكَاة أمه» مُبْتَدأ وَالتَّقْدِير: ذَكَاة أم الْجَنِين ذَكَاة لَهُ. كَقَوْل الشَّاعِر: بنونا بَنو أَبْنَائِنَا. ونظائر ذَلِك؛ لِأَن الْخَبَر مَا حصلت بِهِ الْفَائِدَة، وَلَا تحصل [إِلَّا] بِمَا ذَكرْنَاهُ، وَأما رِوَايَة النصب عَلَى تَقْدِير صِحَّتهَا فتقديرها: ذَكَاة الْجَنِين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 401 حَاصِلَة وَقت ذَكَاة أمه. وَأما قَوْلهم بتقديره كذكاة أمه، فَلَا يَصح عِنْد النَّحْوِيين بل هُوَ لحن، وَإِنَّمَا جَاءَ النصب بِإِسْقَاط [الْحَرْف] فِي مَوَاضِع مَعْرُوفَة عِنْد الْكُوفِيّين بِشَرْط لَيْسَ مَوْجُودا هُنَا. هَذَا آخر كَلَام النَّوَوِيّ فِي «التَّهْذِيب» . الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ «أَن أَبَا طيبَة حجم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأمر لَهُ بِصَاع من تمر، وَأمر أَهله أَن يخففوا من خراجه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئِلَ عَن أجر الْحجام فَقَالَ: احْتجم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حجمه أَبُو طيبَة وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ من طَعَام، وكلم موَالِيه فخففوا عَنهُ وَقَالَ: إِن أمثل مَا تداويتم بِهِ الْحجامَة والقسط البحري» . وَفِي رِوَايَة: «دَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غُلَاما حجامًا فحجمه فَأمر لَهُ بِصَاع أَو صَاعَيْنِ أَو مد أَو مَدين، وكلم فِيهِ موَالِيه فخفَّف من ضريبته» وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَأَبُو دَاوُد عَنهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي أوردهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن جَابر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر أَبَا طيبَة أَن يَأْتِيهِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 402 مَعَ غيبوبة الشَّمْس فَأمره أَن يضع المحاجم مَعَ إفطار الصَّائِم ثمَّ سَأَلَهُ: كم خراجك قَالَ: صَاعَيْنِ» . فَوضع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَنهُ صَاعا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن عِكْرِمَة قَالَ: «احْتجم رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأعْطَى [الْحجام] عمالته دِينَارا» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ابْن عَبَّاس « [أَنه] عَلَيْهِ السَّلَام بعث إِلَى أبي طيبَة لَيْلًا فحجمه وَأَعْطَاهُ أجره» . وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جَعْفَر بن أبي وحشية، عَن سُلَيْمَان بن قيس، عَن جَابر قَالَ: «دَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَبَا طيبَة فحجمه، فَسَأَلَهُ: كم ضريبتك؟ قَالَ: ثَلَاثَة آصَع. فَوضع [عَنهُ] صَاعا» . فَائِدَة: «أَبُو طيبَة» بِفَتْح الطَّاء واسْمه نَافِع. وَقيل: ميسرَة. وَقيل: دِينَار ( ... ) لبني بياضة. الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن كسب الْحجام فَنَهَى عَنهُ، وَقَالَ: أطْعمهُ رقيقك وأعلفه ناضحك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن ابْن محيصة الْأنْصَارِيّ «أَنه اسْتَأْذن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أُجْرَة الْحجام فِيهَا، وَكَانَ لَهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 403 مولَى حجامًا، فَلم يزل يسْأَله ويستأذنه حَتَّى قَالَ آخرا: أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن محيصة عَن أَبِيه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ حَدِيث حسن. وَصَححهُ ابْن حبَان، وَقَالَ الْعقيلِيّ: إِسْنَاده صَالح. وَقَالَ عبد الْحق: ابْن محيصة هُوَ حرَام بن سعد بن محيصة ينْسب تَارَة إِلَى جده. قَالَ: وَلَيْسَت لِابْنِ محيصة صُحْبَة. قلت: بلَى، لَهُ ولأبيه. وَقيل: سعيد. وَقيل: سَاعِدَة. قَالَ عبد الْحق: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن شُعْبَة، نَا أَبُو بلج قَالَ: سَمِعت عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع يحدث «أَن جده هلك وَترك غُلَاما حجامًا وناضحًا وأرضًا وَأمة، فَأمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يَجْعَل كسب الْحجام فِي علف الناضح ... » الحَدِيث. قَالَ: وَلَا أعلم هَذَا أَيْضا مُتَّصِل. قلت: وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن كسب الْحجام فَقَالَ: أعلفه ناضحك ... » [الحَدِيث] الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ رُوِيَ فِي الْخَبَر «إِن من الذُّنُوب مَا لَا يكفره صَوْم وَلَا صَلَاة، ويكفره عرق الجبين فِي الحرفة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 404 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب «تَلْخِيص الْمُتَشَابه» من حَدِيث يَحْيَى بن بكير، عَن مَالك بن أنس، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن من الذُّنُوب ذَنبا لَا يكفرهَا الصَّلَاة وَلَا الصَّوْم وَلَا الْحَج وَلَا الْعمرَة. قيل: فَمَا يكفرهَا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: يكفرهَا الهموم فِي طلب الْمَعيشَة» . وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا أكل [أحد] طَعَاما قطّ خير من أَن يَأْكُل من عمل يَده، وَإِن نَبِي الله دَاوُد (كَانَ يَأْكُل من عمل يَده» . وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «إِن الله يحب الْمُؤمن المحترف» سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كسر عِظَام الْمَيِّت ككسر عِظَام الْحَيّ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 405 هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم بَيَانه مَبْسُوطا فِي آخر كتاب الْغَصْب. الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر الرَّهْط العرنيين أَن يشْربُوا من أَبْوَال الْإِبِل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من روايه أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن نَاسا من عكل أَو عرينة اجتووا الْمَدِينَة، فَأمر لَهُم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بلقاح وَأمرهمْ أَن يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا، وَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صحُّوا قتلوا الرَّاعِي وَاسْتَاقُوا الْغنم، فجَاء الْخَبَر فِي أول النَّهَار فَبعث فِي آثَارهم، فَلَمَّا ارْتَفع النَّهَار جِيءَ فَأمر بِقطع أَيْديهم وأرجلهم وسملت أَعينهم، وَتركُوا فِي الْحرَّة يستسقون فَلَا يسقون. قَالَ أَبُو قلَابَة أحد رُوَاة الحَدِيث: هَؤُلَاءِ سرقوا وَقتلُوا وَكَفرُوا بعد إِيمَانهم وحاربوا الله وَرَسُوله» . قَالَ قَتَادَة: فَحَدثني ابْن سِيرِين أَن ذَلِك كَانَ قبل أَن تنزل الْحُدُود. فَائِدَة: قَالَ ابْن شاهين: هَذَا الحَدِيث نسخه حَدِيث عمرَان بن حُصين قَالَ: «مَا قَامَ فِينَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَطِيبًا إِلَّا أمرنَا بِالصَّدَقَةِ ونهانا عَن الْمثلَة» . قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث ينْسَخ كل مثلَة كَانَت فِي الْإِسْلَام. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الْإِعْلَام» : ادِّعَاء النّسخ يحْتَاج إِلَى تَارِيخ، وَقد قَالَ الْعلمَاء: إِنَّمَا سمل أعين أُولَئِكَ، لأَنهم سملوا الرعاء فاقتص مِنْهُم بِمثل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 406 مَا فعلوا، وَالْحكم بذلك ثَابت. وَمَا ادَّعَاهُ ابْن شاهين من نسخ حَدِيث العرنيين هَذَا سبقه بِهِ إمامنا الشَّافِعِي فَحَكَى الإِمَام فِي «نهايته» عَنهُ أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث مَنْسُوخ؛ إِذْ فِيهِ أَنه مثل بهم ثمَّ مَا قَامَ فِي مقَام الْأَمر بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عَن الْمثلَة. فَائِدَة ثَانِيَة: اسْم راعي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَذْكُور «يسَار» ذكره ابْن عبد الْبر فِي «الِاسْتِيعَاب» . قيل: كَانَ نوبيًّا وَكَذَا قَالَ الْبَغْدَادِيّ فِي «مبهماته» : إِن اسْم الرَّاعِي «يسَار» . قَالَ: وَكَانَ غُلَاما للنَّبِي (فَأعْتقهُ. وَكَذَا جزم بِهَذَا أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» . وَفِي رِوَايَته «أَنهم ذبحوه وَجعلُوا الشوك فِي عَيْنَيْهِ» . قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين: وَكَانَت قصَّة العرنيين سنة سِتّ من الْهِجْرَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «المبهمات» : عدد العرنيين ثَمَانِيَة. كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مُسْنده» ، وَهَذَا عجب مِنْهُ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنهم ثَمَانِيَة فعزوه إِلَيْهَا أولَى. وَمَعْنى «اجتووا الْمَدِينَة» : استوخموها. وَفِي «مُسْند أَحْمد» «شكوا حمى الْمَدِينَة» . وَفِي «الْمُسْتَدْرك» لأبي عبد الله الْحَاكِم، عَن أنس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا سمل أَعينهم؛ لأَنهم سملوا أعين الرعاء» وَهَذَا لَا يسْتَدرك؛ لِأَنَّهُ فِي «صَحِيح مُسلم» . وَوَقع فِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» «أَنهم من بني فَزَارَة قد مَاتُوا هزلا» . قَالَ ابْن الطلاع: وَفِي حَدِيث آخر «من بني سليم» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 407 الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا جعل شفاؤكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب حد الشّرْب. الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا استضاف مُسلم لَا اضطرار بِهِ مُسلما لم تجب عَلَيْهِ ضيافته، وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْبَاب مَحْمُولَة عَلَى الِاسْتِحْبَاب. قلت: فلنذكر من ذَلِك خَمْسَة أَحَادِيث: الأول: حَدِيث أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ الْمُتَقَدّم فِي كتاب الْجِزْيَة وَهُوَ الحَدِيث السَّابِع عشر مِنْهُ. الثَّانِي: عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْلَة الضَّيْف حق عَلَى كل مُسلم فَمن أصبح بفنائه فَهُوَ عَلَيْهِ دين إِن شَاءَ (اقْتَضَى) وَإِن شَاءَ ترك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح. الثَّالِث: عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِنَّك تبعثنا فَنَنْزِل بِقوم فَلَا يقرونا، فَمَا ترَى؟ فَقَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن نزلتم بِقوم فَأمروا لكم بِمَا يَنْبَغِي للضيف فاقبلوا، فَإِن لم يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حق الضَّيْف الَّذِي يَنْبَغِي لَهُم» . رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه. الرَّابِع: عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَيّمَا رجل أضَاف قوما فَأصْبح الضَّيْف محرومًا فَإِن نَصره حق عَلَى كل مُسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 408 حَتَّى يَأْخُذ [بقرى] ليلته من زرعه وَمَاله» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح. الْخَامِس: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا سُوَى ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح. الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ فِي تعليقة إِبْرَاهِيم الْمروزِي: إِنَّه وَردت أَخْبَار فِي النَّهْي عَن الطين الَّذِي يُؤْكَل، وَلَا يثبت شَيْء مِنْهَا، وَيَنْبَغِي أَن يحكم بِالتَّحْرِيمِ إِذا ظَهرت الْمضرَّة فِيهِ، وَإِن لم تثبت الْأَخْبَار. انْتَهَى مَا ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد وَردت فِي ذَلِك أَخْبَار كَثِيرَة وَلَا يَصح شَيْء مِنْهَا. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من انهمك عَلَى أكل الطين فقد أعَان عَلَى قتل نَفسه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عبد الله بن مَرْوَان الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده مَجْهُول. قلت: بل مَعْرُوف الْحَال واهٍ. قَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه فِيهَا نظر. وَقَالَ ابْن حبَان: يلزق الْمُتُون الصِّحَاح [الَّتِي لَا يعرف لَهَا إِلَّا طَرِيق وَاحِد] بطرِيق آخر لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 409 ثمَّ رَوَى عَن أبي هُرَيْرَة الحَدِيث الْمُتَقَدّم ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن عدي: فِي إِسْنَاده مَجْهُول. قلت: رَوَى عَنهُ بَقِيَّة وَسَهل بن عبد الله الْمَرْوذِيّ، قَالَ الْعقيلِيّ: صَاحب مَنَاكِير، غَلبه الْوَهم، لَا يُقيم شَيْئا من الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا لَو صَحَّ لم يدل عَلَى التَّحْرِيم، وَإِنَّمَا دلّ عَلَى كَرَاهَة الْإِكْثَار مِنْهُ، والإكثار مِنْهُ وَمن غَيره حَتَّى يضر بِبدنِهِ مَمْنُوع. قلت: بل هُوَ دَال عَلَى التَّحْرِيم؛ لِأَن الْإِعَانَة عَلَى قتل النَّفس مُحرمَة فَكَذَا هَذِه، وَلِهَذَا قطع جمَاعَة من أَصْحَابنَا بِتَحْرِيمِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَذكر لعبد الله بن الْمُبَارك حَدِيث: «إِن أكل الطين حرَام» فَأنكرهُ، وَقَالَ: لَو علمت أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَه لحملته عَلَى الرَّأْس وَالْعين والسمع وَالطَّاعَة. هَذَا آخر مَا ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث، وَذكر فِيهِ عَن مُجَاهِد أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ مَا يأمل الْجِيَف - يَعْنِي الصَّحَابَة - وَلم أره. وَمن الْآثَار أثرا وَاحِدًا، وَهُوَ عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَا فِي الْبَحْر شَيْء إِلَّا قد ذكاه الله لكم» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 410 بن دِينَار، قَالَ: سَمِعت شَيخا يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر ... فَذكره بِلَفْظِهِ سَوَاء. وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة شريك، عَن ابْن أبي بشير، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر يَقُول: «إِن الله ذكى لكم صيد الْبَحْر» ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن دِينَار وَأبي الزبير أَنَّهُمَا سمعا رجلا أدْرك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كل شَيْء فِي الْبَحْر مَذْبُوح» . قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِك [عَن] أبي الزبير عَن شُرَيْح مَرْفُوعا، وَرُوِيَ عَن جَابر وَعبد الله بن سرجس مَرْفُوعا. وَفِي «الطّهُور» لأبي عبيد: ثَنَا مُحَمَّد، ثَنَا خلف بن هِشَام، ثَنَا خَالِد بن عبد الله، عَن وَاصل مولَى أبي عُيَيْنَة، عَن أبي الزبير، عَن عبد الرَّحْمَن مولَى بني مَخْزُوم أَن أَبَا بكر قَالَ: «مَا فِي الْبَحْر شَيْء إِلَّا وَقد كَانَ ذكاه الله لكم» وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» عَن ابْن عمر رَفعه: «كل دَابَّة من دَوَاب الْبر وَالْبَحْر لَيْسَ لَهَا دم ينْعَقد فَلَيْسَتْ لَهَا ذَكَاة» . وَعَن عصمَة بن مَالك مَرْفُوعا: «إِن الله ذكى لكم صيد الْبَحْر» . فِي الأول سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز الدِّمَشْقِي قَالَ أَحْمد: مَتْرُوك الحَدِيث. [و] وهنه ابْن حبَان أَولا، ثمَّ أُخْرَى قَالَ: وَهُوَ مِمَّن أستخير الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 411 فِيهِ، وَهُوَ بقريب من الثِّقَات. وَفِي الثَّانِي: الْفضل بن الْمُخْتَار قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول يحدث بالأباطيل. وَذكر فِيهِ «أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم كَانُوا يكتسبون بِالتِّجَارَة» وَهَذَا مَشْهُور عَنْهُم لَا حَاجَة لنا إِلَى عزوه وإطالة الْكَلَام فِيهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 412 كتاب السَّبق وَالرَّمْي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 413 كتاب السَّبق وَالرَّمْي ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فسبعة عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَابق بَين الْخَيل الَّتِي قد ضُمِّرت من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع، وسابق بَين الْخَيل الَّتِي لم تضمر من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع، وسابق بَين الْخَيل الَّتِي لم تضَمَّر من الثَّنية إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِيهِمَا عَن مُوسَى بن عقبَة: «إِن بَين الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَال أَو سَبْعَة» وللبخاري قَالَ سُفْيَان: من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة، وَمن ثنية الْوَدَاع إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق ميل. فَائِدَة: يُقَال: أضمرت وضمرت، وَمَعْنَاهُ أَن يقلل عَلفهَا مُدَّة وَتدْخل بَيْتا وتجلل فِيهِ فتعرق ويجف عرقها فيخف لَحمهَا وتقوى عَلَى الجري. والحفياء بحاء مُهْملَة ثمَّ فَاء سَاكِنة، وبالمد وَالْقصر، الفصيح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 415 الْأَشْهر الْمَدّ، وَعَلِيهِ اقْتصر الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه والحاء مَفْتُوحَة بِلَا خلاف، وَأَخْطَأ من ضمهَا، كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب «الْمطَالع» وَيُقَال: بِتَقْدِيم الْيَاء عَلَى الْفَاء. حَكَاهُ الْحَازِمِي قَالَ: وَالْأَشْهر تَقْدِيم الْفَاء. وَقَوله: «لم تضمر» رُوِيَ بِسُكُون الضَّاد وتحريكها. وثنية الْوَدَاع عِنْد الْمَدِينَة، سميت بذلك؛ لِأَن الْخَارِج من الْمَدِينَة يمشي مَعَه المودعون إِلَيْهَا. وَبَنُو زُرَيْق [بِتَقْدِيم] الزَّاي عَلَى الرَّاء، وزريق أَخُو بياضة ابْنا عَامر بن زُرَيْق بن عبد جَارِيَة بن مَالك بن غصب - بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة - بن حسيم بن الْخَزْرَج أخي الْأَوْس ابْني جَارِيَة بَطنا من الْأَنْصَار، قَالَ ابْن دحْيَة فِي «تنويره» : وَفِي السّنة السَّادِسَة من الْهِجْرَة سَابق النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالْخَيْلِ أول سباق كَانَ بِالْمَدِينَةِ. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ «أَن العضباء نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَت لَا تسبق، فجَاء أَعْرَابِي عَلَى قعُود لَهُ فسبقها فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَى الْمُسلمين، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن حقًّا عَلَى الله أَن لَا يرفع شَيْئا من الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة حميد عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه والعضباء: المشقوقة الْأذن وَلم تكن نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عضباء، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا اسْما لَهَا كَمَا تقدم فِي كتاب الْحَج فِي الْقَصْوَاء، وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» : «أَن لَا يرفع من هَذِه الْقُدْرَة شَيْء إِلَّا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 416 وَضعه» قيل: لفظ «الْقُدْرَة» بِالدَّال الْمُهْملَة بِمَعْنى الْمَقْدُور، وَقيل: بِمَعْنى القذرة - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. الحَدِيث الثَّالِث عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى قوم من أسلم يتناضلون بِالسُّيُوفِ، فَقَالَ: ارموا بني إِسْمَاعِيل؛ فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَهَذَا لَفظه: «مر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى نفر من أسلم يتنضلون، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ارموا بني إِسْمَاعِيل، فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميًا [ارموا] وَأَنا مَعَ بني فلَان. قَالَ: فَأمْسك أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِم، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا لكم لَا ترمون؟ ! قَالُوا: كَيفَ نرمي وَأَنت مَعَهم؟ ! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ «وَلَقَد رموا عَامَّة يومهم ذَلِك ثمَّ تفَرقُوا عَلَى السوَاء مَا نضل بَعضهم بَعْضًا» وَقَالا فِي أَوله: «حسن» لهَذَا اللَّهْو، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. قَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «قَالُوا: يَا رَسُول الله، من كنت مَعَه غلب! ... » ثمَّ سَاق الحَدِيث قَالَ: وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم قَالَ: وَهُوَ شَاهد لحَدِيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 417 ابْن عَبَّاس - الَّذِي عَلَى شَرطه أَيْضا - «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِقوم يرْمونَ، فَقَالَ: (ارموا) بني إِسْمَاعِيل؛ فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميًا» . الحَدِيث الرَّابِع عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يَقُول: (وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة) أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي، أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي، أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي» . وَفِي رِوَايَة لَهُ من «ستفتح لكم أرضون ويكفيكم الله؛ فَلَا يعجز أحدكُم أَن يلهو بأسهُمه» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ البُخَارِيّ؛ لِأَن صَالح بن كيسَان أوقفهُ. الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو نصل أَو حافر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ نَافِع الْبَزَّاز الْمدنِي مولَى أبي أَحْمد - وَقد وَثَّقَهُ - عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَكَذَا قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 418 ابْن الصّلاح أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَلما ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» قَالَ عَن يَحْيَى بن معِين أَن نَافِع بن أبي نعيم ثِقَة. قلت: وَله طرق عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثلِهِ، وفروخ يُخَالف فِي حَدِيثه، قَالَ: وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ النَّاس عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن نَافِع بن أبي نَافِع، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة من حَدِيث أبي بكر الْحَنَفِيّ عَن نَافِع، وَرَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الحكم مولَى بني لَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن عمر - أحد رُوَاته -: وَيَقُولُونَ «أَو نصل» وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن عباد بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا فِي حافر أَو خف» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة أبي عبد الله مولَى الجندعيين - حَيّ من بني لَيْث - قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي: وَهُوَ [نَافِع] بن أبي نَافِع، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يحل سبق إِلَّا بخف أَو حافر» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 419 قلت: (وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة) ، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمن حَدِيث عبد الله بن عمر، وَلم يذكر فِي رِوَايَة ابْن عمر «أَو خف» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» - وَقد سُئِلَ عَن حَدِيث أبي الفوارس عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر» -: هَذَا الحَدِيث يرويهِ الثَّوْريّ، وَاخْتلف عَنهُ فِي رَفعه، فرفعه ابْن وهب عَن الثَّوْريّ، وَوَقفه مُعَاوِيَة [بن] هِشَام وَغَيره، وَالْمَوْقُوف أشبه، قَالَ: وَلَا يعرف أَبُو الفوارس إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. وَرَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن حبَان الْمَعْرُوف بِأبي الشَّيْخ فِي كتاب السَّبق من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «لَا سبق إِلَّا [فِي] نصل أَو حافر أَو خف» والنصل: هُوَ السهْم، والحافر: هُوَ الْفرس، والخف: هُوَ الْبَعِير، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من هَذَا الْوَجْه إِلَى قَوْله: «أَو خف» وَهُوَ من رِوَايَة قدامَة بن مُحَمَّد بن خشرم قَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي المقلوبات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. قلت: وَحدث غياث بن إِبْرَاهِيم أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي هَذَا الحَدِيث وَزَاد فِيهِ بعد «أَو نصل» : «أَو جنَاح» لِأَن الْمهْدي كَانَ يحب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 420 الْحمام، فَأمر لَهُ الْمهْدي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، فَلَمَّا خرج قَالَ: أشهد أَن قفاك قفا كَذَّاب! ثمَّ أَمر بالحمام فذبحت. فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: السَّبق - بِفَتْح الْبَاء -: مَا يَجْعَل للسابق عَلَى سبقه من جعل ونوال، وَأما السَّبق بِسُكُون الْبَاء فَهُوَ مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقًا. قَالَ: وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِي هَذَا الحَدِيث السَّبق مَفْتُوحَة الْبَاء، يُرِيد أَن الْعَطاء والجعل لَا يسْتَحق إِلَّا فِي سباق الْخَيل وَالْإِبِل وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا من النضال وَهُوَ الرَّمْي، وَهَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: إِن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِيهِ فتح الْبَاء. وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: إِن الأثبت فِي الرِّوَايَة فتح الْبَاء. وَذكر ابْن دُرَيْد فِي «الجمهرة» لغتين فِي السَّبق بِمَعْنى الْخَيل أَنه بِفَتْح الْبَاء وإسكانها. وَقَوله: «أَو نصل» قَالَ المطرزي فِي «المعرب» : نصل السَّيْف: حديدته، وَالْجمع: نصول ونصال. قَالَ: وَأما قَوْله: «لَا سبق إِلَّا فِي كَذَا وَكَذَا» فَالْمُرَاد بِهِ: الموافاة. قَالَ: وَالضَّاد الْمُعْجَمَة تَصْحِيف؛ إِنَّمَا ذَاك المناضلة والنضال. الحَدِيث السَّادِس يرْوَى أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رهان الْخَيل طلق. أَي: حَلَال» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فَقَالَ فِي تَرْجَمَة يَحْيَى: عَن أبي إِسْحَاق، عَن أمه، عَن أَبِيهَا - واسْمه: رِفَاعَة ابْن رَافع -: ثَنَا عبد الله بن جَعْفَر، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله، نَا أَبُو نعيم، ثَنَا عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن، عَن يَحْيَى بن إِسْحَاق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 421 بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أمه حميدة - أَو عُبَيْدَة - عَن أَبِيهَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «رهان الْخَيل طلق» قَالَ أَبُو نعيم: سَمّى أَبُو نعيم أَبَاهَا، فَقَالَ: رِفَاعَة بن رِفَاعَة. قلت: أما أَبُو نعيم فَهُوَ الْملَائي، أحد الْحفاظ الْأَعْلَام، وَعبد السَّلَام بن حَرْب شريك أبي نعيم فِي بيع الملاء، ثِقَة بِإِجْمَاع، وَيزِيد بن عبد الرَّحْمَن هُوَ أَبُو خَالِد الدالاني، قد عرفت أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي حَدِيث النّوم فِي بَاب الْأَحْدَاث، وَيَحْيَى بن إِسْحَاق وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَأمه ذكرهَا الْمزي ثمَّ الذَّهَبِيّ وَلم يذكر لَهَا حَالا، وَقد أسلفت لَك حَالهَا فِي بَاب النَّجَاسَات فِي حَدِيث الْهِرَّة «إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات» . الحَدِيث السَّابِع عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قيل لَهُ: أَكُنْتُم تراهنون عَلَى عهد رَسُول الله؟ قَالَ: نعم» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين، لَكِن لَا ذكر لعُثْمَان فيهمَا. أَحدهمَا: عَن أبي لبيد قَالَ: «أرسل الحكم بن أَيُّوب الْخَيل يَوْمًا فَقُلْنَا: لَو أَتَيْنَا أنس بن مَالك. فأتيناه فَسَأَلْنَاهُ: أَكُنْتُم تراهنون عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: نعم لقد رَاهن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَلَى فرس لَهُ يُقَال لَهَا: سبْحَة، جَاءَت سَابِقَة. فبهش لذَلِك وَأَعْجَبهُ» رَوَاهُ أَحْمد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 422 وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» . و «سبْحَة» من قَوْلهم: فرس سباح إِذا كَانَ حسن مد الْيَدَيْنِ فِي الجري. وَقَوله: «فبهش» أَي: هش وَفَرح. قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» وَأخرجه الدَّارمِيّ بِلَفْظ «فانهش» ثمَّ قَالَ: أنهشه، يَعْنِي: أعجبه. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، عَن حَمَّاد بن زيد أَو سعيد بن زيد، عَن وَاصل مولَى أبي عُيَيْنَة قَالَ: حَدثنِي مُوسَى بن عبيد قَالَ: « [أَصبَحت] فِي الْحجر بَعْدَمَا صلينَا الْغَدَاة، فَلَمَّا أسفرنا إِذا فِينَا عبد الله بن عمر فَجعل يستقرئنا رجلا رجلا يَقُول: أَيْن صليت يَا فلَان؟ قَالَ: يَقُول: هَاهُنَا. حَتَّى أَتَى عَلّي فَقَالَ: أَيْن صليت يَا ابْن عبيد؟ فَقلت: هَاهُنَا. فَقَالَ: بخ بخ! مَا نعلم صَلَاة أفضل عِنْد الله من صَلَاة الصُّبْح جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة، فَسَأَلُوهُ [فَقَالُوا] : يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، أَكُنْتُم تتراهنون عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ قَالَ: نعم؛ لقد رَاهن عَلَى فرس يُقَال لَهَا: سبْحَة، فَجَاءَت سَابِقَة» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» و «خلافياته» قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: كَانَ سُلَيْمَان بن حَرْب ثَنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن حَمَّاد بن زيد، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: حَمَّاد بن زيد أَو سعيد بن زيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد من غير شكّ، وَرَوَاهُ أَسد بن مُوسَى عَن حَمَّاد بن زيد قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِن صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ إِذا سبق أحد الفارسين صَاحبه فَيكون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 423 السَّبق مِنْهُ دون صَاحبه، وَأعله الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي، فَقَالَ فِي كتاب «الْخَيل» : سقط بَين مُوسَى بن عُبَيْدَة وَابْن عمر: نَافِع أَو عبد الله بن دِينَار. الحَدِيث الثَّامِن «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تسابق هُوَ وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «السّنَن المأثورة» عَنهُ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «سابقت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فسبقته، فَلَمَّا حملت اللَّحْم سابقته فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِه بِتِلْكَ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أَبَى إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، وَعَن أَبَى سَلمَة عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا كَانَت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر (فسابقني) فسبقته عَلَى رجْلي، فَلَمَّا حملت اللَّحْم سابقته فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِه بِتِلْكَ السبقة» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْفَزارِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن [أَبَى] سَلمَة عَنْهَا «أَنَّهَا كَانَت مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي سفر وَهِي جَارِيَة، فَقَالَ لأَصْحَابه: تقدمُوا. فتقدموا، ثمَّ قَالَ: تعالي أسابقك. فسابقته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 424 فسبقته عَلَى رجْلي، فَلَمَّا كَانَ بعد خرجت مَعَه فِي سفر فَقَالَ لأَصْحَابه: تقدمُوا. ثمَّ قَالَ: تعالي أسابقك. ونسيت الَّذِي كَانَ، وَقد حملت اللَّحْم فَقلت: كَيفَ أسابقك يَا رَسُول الله وَأَنا عَلَى هَذِه الْحَال؟ ! فَقَالَ: لتفعلن. فسابقته فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِه بِتِلْكَ السبقة» . وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة، عَن رجل غير مُسَمَّى، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث سُفْيَان، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَنْهَا قَالَت: «سابقني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فسبقته» . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «سابقني النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فسبقته، فلبثنا حَتَّى إِذا أرهقني اللَّحْم سابقني فَسَبَقَنِي، فَقَالَ (: هَذِه بِتِلْكَ» . وَفِي علل ابْن أبي [حَاتِم] عَن أبي زرْعَة أَنه قَالَ: رَوَى هَذَا الحَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، وَرَوَاهُ هِشَام، عَن رجل، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا قَالَ أَبُو زرْعَة: وَهَذَا أصح. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن هِشَام، عَن أَبِيه وَأبي سَلمَة، عَن عَائِشَة، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَة، عَن هِشَام، عَن رجل، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة، وَرَوَاهُ جرير، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. قلت: وَكَذَا أخرجه الْأَئِمَّة: أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، كَمَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 425 تقدم، وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا هُوَ الصَّوَاب؛ لِاجْتِمَاع عدَّة من الروَاة عَلَيْهِ لَا كَمَا قَالَ أَبُو زرْعَة، وَيحْتَمل أَنه سمع الحَدِيث من أَبِيه وَمن أبي سَلمَة. الحَدِيث التَّاسِع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صارع ركَانَة عَلَى شِيَاه» . هَذَا الحَدِيث [رَوَاهُ] أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي كتاب اللبَاس من «سُنَنهمَا» عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن ربيعَة، عَن أبي الْحسن الْعَسْقَلَانِي، عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن ركَانَة، عَن أَبِيه «أَن ركَانَة صارع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فصرعه، قَالَ ركَانَة: وَسمعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: فرق مَا بَيْننَا وَبَين الْمُشْركين العمائم عَلَى القلانس» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَلَيْسَ إِسْنَاده بالقائم، وَلَا نَعْرِف أَبَا الْحسن وَلَا ابْن ركَانَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مُرْسل. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الكاشف» : لَا يَصح. قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» : هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْحسن بن العَبْد، وَغير وَاحِد عَن أبي دَاوُد بِمثل رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَذكر أَبُو الْقَاسِم - يَعْنِي: ابْن عَسَاكِر - أَن أَبَا دَاوُد قَالَه عَن أبي جَعْفَر [بن] مُحَمَّد بن ركَانَة قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْن بن قَانِع فِي «مُعْجَمه» عَن أَحْمد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 426 بن عبد الرَّحْمَن بن بشار النَّسَائِيّ، ومُوسَى بن هَارُون، عَن قُتَيْبَة، عَن مُحَمَّد بن ربيعَة، عَن أبي الْحسن، عَن مُحَمَّد بن يزِيد بن ركَانَة، عَن أَبِيه «أَن ركَانَة صارع رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » وَلم يذكر أَبَا جَعْفَر. هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ بالبطحاء فَأَتَى عَلَيْهِ يزِيد بن ركَانَة - أَو ركَانَة بن يزِيد - وَمَعَهُ أعنز لَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّد، هَل لَك أَن تصارعني؟ فَقَالَ: مَا تسبقني؟ قَالَ: شَاة من غنمي. فصارعه [النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] فصرعه، فَأخذ شَاة، فَقَالَ ركَانَة: هَل لَك فِي الْعود؟ قَالَ: مَا تسبقني. قَالَ: أُخْرَى. ذكر ذَلِك مرَارًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، وَالله مَا وضع أحد جَنْبي إِلَى الأَرْض وَمَا أَنْت الَّذِي تصرعني! يَعْنِي: فَأسلم، فَرد عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غنمه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: (هَذَا مُرْسل) قَالَ: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر مَوْصُولا إِلَّا أَنه ضَعِيف. وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ الَّتِي قدمناها أَو إِلَى رِوَايَة أبي بكر الشَّافِعِي؛ فَإِنَّهُ رَوَاهُ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ زيد بن ركَانَة إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة من الْغنم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَل لَك أَن تصارعني [قَالَ] وَمَا تجْعَل لي إِن صرعتك؟ قَالَ: مائَة من غنمي. قَالَ: فصارعه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فصرعه، ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد، هَل لَك فِي الْعود؟ قَالَ: وَمَا تجْعَل لي إِن صرعتك؟ قَالَ: مائَة أُخْرَى. قَالَ فصارعه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 427 فصرعه، ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد، هَل لَك فِي الْعود؟ قَالَ: وَمَا تجْعَل لي؟ قَالَ: مائَة من الْغنم. قَالَ: فصارعه فصرعه، قَالَ: يَا مُحَمَّد، وَمَا وضع ظَهْري أحد عَلَى الأَرْض فَتلك، وَمَا كَانَ أحد أبْغض إِلَيّ مِنْك؛ فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله. فَقَامَ عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ورد عَلَيْهِ غنمه» . وَأخرجه أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة مطولا وَفِيه: أَن واديه أجم يُقَال لَهُ: إضم، وَأَنه صارعه عَلَى عشرَة فصرعه، ثمَّ مثلهَا فصرعه. ثمَّ مثلهَا فصرعه. وَفِيه: أَنه دَعَا الشَّجَرَة ثمَّ ردهَا ... وَفِي آخِره «فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِنِّي دَعَوْت رَبِّي فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ، وَإِن رَبِّي أعانني عَلَيْهِ ببضع عشرَة وبقوة عشرَة» . فَائِدَتَانِ: أَحدهمَا: ركَانَة - بتَخْفِيف الْكَاف وَضم الرَّاء وبالنون - هُوَ ابْن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي قرشي حجازي مكي مدنِي، أسلم يَوْم فتح مَكَّة هَذَا الَّذِي نعرفه، وَإِن كَانَ ظَاهر رِوَايَة أبي دَاوُد وَأبي بكر الشَّافِعِي يُخَالف ذَلِك، لَا جرم قَالَ الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فِي كتاب «الْخَيل» - بعد أَن سَاق مثل رِوَايَة أبي دَاوُد عَن العسكري وَالصَّحِيح أَنه من مسلمة الْفَتْح -: وَلَيْسَ فِي الْأَسْمَاء ركَانَة غَيره. هَكَذَا قَالَه البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَغَيرهمَا، قَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ: وَهَذَا الحَدِيث أمثل مَا رُوِيَ فِي مصارعة النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَأَما مَا رُوِيَ فِي مصارعته (] أَبَا جهل فَلَا أصل لَهُ، وركانة هَذَا هُوَ الَّذِي طلق امْرَأَته سهيمة أَلْبَتَّة، وَلَا أعرف لَهُ غير هذَيْن الْحَدِيثين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 428 الثَّانِيَة: وَقع فِي «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي هَذَا الْبَاب «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صارع يزِيد بن ركَانَة» وَهُوَ مُوَافق لرِوَايَة أبي بكر السالفة، وَكَذَا رِوَايَة أبي دَاوُد، فَإِن فِيهَا يزِيد بن ركَانَة - أَو ركَانَة بن يزِيد - بِالشَّكِّ، لَكِن ركَانَة بن يزِيد هُوَ الْمَشْهُور؛ فَاشْتَدَّ إِنْكَار النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي «التَّهْذِيب» : إِن هَذَا مِنْهُ غلط لَا شكّ فِيهِ. وَلم يطلع عَلَى رِوَايَة أبي دَاوُد الَّتِي ذكرهَا فِي «الْمَرَاسِيل» . فَائِدَة ثَالِثَة: هَذَا الحَدِيث يسْتَدلّ بِهِ من يجوز الْمُسَابقَة بالمصارعة بعوض، وَالْأَظْهَر عدم جَوَاز هَذَا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَقَدّم، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيُجَاب عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ كَانَ الْغَرَض فِي الْقِصَّة أَن يرِيه شدته ليسلم، فَلَمَّا أسلم رد عَلَيْهِ غنمه. الحَدِيث الْعَاشِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أَدخل فرسا بَين فرسين وَقد أَمن أَن يسبقهما فَهُوَ قمار، وَإِن لم يُؤمن أَن يسبقهما فَلَيْسَ بقمار» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مَحْمُود بن خَالِد، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن سعيد بن بشير، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة. وَعَن مُسَدّد، عَن حُصَيْن بن نمير، وَعَن عَلّي بن مُسلم، عَن عباد بن الْعَوام، عَن سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 429 سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَن يزِيد بن هَارُون عَن سُفْيَان بِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن يزِيد ثَنَا سُفْيَان بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» عَن سعيد بن أَوْس الدِّمَشْقِي الإسكاف، عَن هِشَام بن خَالِد الْأَزْرَق، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن قَتَادَة إِلَّا سعيد، وَلَا عَنهُ إِلَّا الْوَلِيد، تفرد بِهِ هِشَام بن خَالِد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طريقي أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ سُفْيَان بن حُسَيْن وَسَعِيد بن بشير. وَرَوَاهُ شَيْخه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، فَإِن خَ وم وَإِن لم يخرجَا حَدِيث سعيد بن بشير وسُفْيَان بن حُسَيْن فهما إمامان بِالشَّام وَالْعراق، وَمِمَّنْ يجمع حَدِيثهمَا. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا اعتمدا [حَدِيث] معمر عَلَى الْإِرْسَال؛ فَإِنَّهُ أرْسلهُ عَن الزُّهْرِيّ. وَأقر الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» مقَالَة الْحَاكِم فِي أَنه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَسَعِيد بن بشير حَافظ وَثَّقَهُ شُعْبَة ودحيم وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، تكلم فِيهِ غَيره، وسُفْيَان بن حُسَيْن صَدُوق تكلم فِيهِ وَاسْتشْهدَ بِهِ خَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 430 وَذكره م فِي مُقَدّمَة «صَحِيحه» وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه عَن يُونُس بن عبيد عَن عَطاء عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن المحاقلة والمزابنة وَالْمُخَابَرَة والثُّنْيَا إِلَّا أَن تعلم» وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» بعد أَن رَوَاهُ: سُفْيَان هَذَا ثِقَة أخرج لَهُ مُسلم، إِلَّا أَنه قد استضعف فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» رَوَى هَذَا الحَدِيث: معمر وَشُعَيْب وَعقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن رجال من أهل الْعلم. ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أصح عندنَا. قَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو دَاوُد من أَن وقف هَذَا الحَدِيث هُوَ الْأَصَح عِنْده لَيْسَ بعلة فِي الْحَقِيقَة لَو كَانَ سُفْيَان وَسَعِيد [رافعاه] ثقتين؛ إِذْ لَا بعد أَن يكون فِي الْخَبَر عِنْد الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَعَن رجال من أهل الْعلم ذَهَبُوا إِلَيْهِ ورأوه رَأيا لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا الشَّأْن فِي سُفْيَان وَسَعِيد. وَصَححهُ أَيْضا أَبُو مُحَمَّد بن حزم كَمَا صَححهُ الْحَاكِم وَأعله جماعات بِالْوَقْفِ، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا خطأ لم يعْمل سُفْيَان بن حُسَيْن شَيْئا لاشتبه أَن يكون عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأحسن أَحْوَاله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 431 أَن يكون عَن سعيد بن الْمسيب قَوْله، وَقد رَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد - يَعْنِي: الْأنْصَارِيّ - عَن سعيد قَوْله. وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان مَرْفُوعا وَغَيره لَا يرفعهُ. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سَأَلت ابْن معِين فَقَالَ: بَاطِل. وَخط عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَرجح ابْن عبد الْبر أَيْضا وَقفه عَلَى سعيد، وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي [الْحِلْية] مُخْتَصرا من طَرِيق أبي دَاوُد الأولَى، لكنه قَالَ بدل «سعيد بن بشير» : «سعيد بن عبد الْعَزِيز» عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. ثمَّ قَالَ: غَرِيب من حَدِيث سعيد تفرد بِهِ الْوَلِيد. الحَدِيث الْحَادِي عشر «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَابق بَين الْخَيل، وَجعل بَينهمَا سبقًا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن الْحسن بن سُفْيَان، ثَنَا [إِبْرَاهِيم] بن الْمُنْذر الْحزَامِي، ثَنَا عبد الله بن نَافِع، عَن عَاصِم بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَابق بَين الْخَيل وَجعل بَينهمَا [سبقا] وَجعل بَينهمَا محللاً وَقَالَ: لَا سبق إِلَّا فِي حافر أَو نصل» وَعَاصِم هَذَا قد صحّح ابْن حبَان حَدِيثه كَمَا ترَى، وَذكره فِي «ثقاته» وَقَالَ: يُخطئ وَيُخَالف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 432 (وَذكره فِي الضُّعَفَاء وَقَالَ: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ) . فَخَالف كَلَامه فِي «ثقاته» وَقَالَ: يُخطئ وَيُخَالف. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَلم يعقبه بِتَضْعِيف، وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم النَّبِيل فِي كتاب «الْجِهَاد» فَقَالَ: ثَنَا عبد الله بن كاسب، ثَنَا عبد الله بن نَافِع، عَن عَاصِم بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سبق بَين الْخَيل، وَجعل بَينهمَا محللاً» وَقَالَ قبيله: ثَنَا يَعْقُوب بن حميد، ثَنَا عبد الله بن نَافِع، عَن عَاصِم بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سَابق بَين الْخَيل، وَجعل بَينهمَا سبقًا» قَالَ أَبُو مُوسَى: عَن معمر، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سبق بَين الْخَيل وراهن» وَرَوَاهُ الْجَلِيّ فِي كتاب «فرق الفروسية» من حَدِيث عبد الله بن دِينَار أَيْضا عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سَابق بَين الْخَيل وَجعل بَينهمَا محللاً، وَقَالَ: لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو نصل» وَرَوَى فِيهِ أَيْضا من حَدِيث عبد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سَابق بَين الْخَيل ... » فَذكره بِمثلِهِ، وَرَوَى فِيهِ أَيْضا بِهَذَا السَّنَد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سَابق بَين الْخَيل وراهن» وَهَذَا أخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» . الحَدِيث الثَّانِي عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا [سبق أحرز مَا] أخرج وَلَا شَيْء لَهُ عَلَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 433 الآخر، وَإِن سبق الآخر أَخذ مَا أخرج الأول جَازَ؛ لما رُوِيَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بحزبين من الْأَنْصَار يتناضلون وَقد سبق أَحدهمَا الآخر، فأقرهما عَلَى ذَلِك» وَعَن مَالك أَنه لَا يجوز، لِأَنَّهُ قمار، وَأجَاب الْأَصْحَاب بِأَن الْقمَار أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مترددًا بَين أَن يغنم وَيغرم، وليسا أَولا أحد مِنْهُمَا كَذَلِك، أما الْمخْرج فَإِنَّهُ يتَرَدَّد بَين أَن يغرم وَبَين أَن لَا يغرم وَلَا يغنم بِحَال وَأما الآخر فمتردد بَين أَن يغنم وَبَين أَن لَا يغنم وَلَا يغرم بِحَال. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ. وَهَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه وَلَا دلَالَة فِيهِ للْمُدَّعِي. الحَدِيث الثَّالِث عشر قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِن ذكرا غَايَة لَا يصبهَا السهْم بَطَل العقد، وَإِن كَانَت الْإِصَابَة فِيهَا نادرة فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَالْقَوْلَان فِي الشُّرُوط النادرة، وَقدر الْأَصْحَاب الْمسَافَة الَّتِي تقرب بِموضع الْإِصَابَة فِيهَا بمائتين وَخمسين ذِرَاعا، وَقد رُوِيَ عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قيل لَهُ: كَيفَ كُنْتُم تقاتلون الْعَدو؟ فَقَالَ: إِذا كَانُوا عَلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين ذِرَاعا قاتلناهم بِالْحِجَارَةِ، وَإِذا كَانُوا عَلَى أقل من ذَلِك قاتلناهم بِالسَّيْفِ. قَالَ: وقدروا الْمسَافَة [الَّتِي يتَعَذَّر فِيهِ] الْإِصَابَة بِمَا زَاد عَلَى ثَلَاثمِائَة وَخمسين، وَرووا أَنه لم يرم إِلَى أَرْبَعمِائَة إِلَّا عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ، وَجعلُوا مَا بَين المقدارين فِي حد النَّادِر. هَذَا كَلَام الرَّافِعِيّ. وَأخرج الحَدِيث الْمَذْكُور بِنَحْوِهِ وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» الجزء: 9 ¦ الصفحة: 434 عَن أَحْمد بن [مابهرام] الإيذجي ثَنَا إِسْحَاق بن زيد الْقطَّان الْأَيْلِي، ثَنَا يَعْقُوب بن محمدٍ ثَنَا عَاصِم بن سُوَيْد، ثَنَا مُحَمَّد بن الْحجَّاج، عَن حُسَيْن بن السَّائِب بن أبي لبَابَة، ثَنَا أبي، عَن أَبِيه قَالَ: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم بدر: كَيفَ تقاتلون الْقَوْم إِذا لقيتموهم؟ فَقَامَ عَاصِم بن ثَابت فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِذا كَانَ الْقَوْم منا حَيْثُ ينالهم النبل كَانَت المراماة بِالنَّبلِ، فَإِذا اقتربوا حَتَّى ينالنا وإياهم الْحِجَارَة كَانَت المراضخة بِالْحِجَارَةِ فَأخذ ثَلَاثَة أَحْجَار: حجرا فِي يَده، وحجرين فِي حجزته، فَإِذا اقتربوا حَتَّى ينالنا وإياهم الرماح كَانَت المداعسة بِالرِّمَاحِ فَإِذا انْقَضتْ الرماح كَانَت الجلاد بِالسُّيُوفِ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بِهَذَا أنزلت الْحَرْب، من قَاتل فَيُقَاتل قتال عَاصِم» . قلت: وَعَاصِم بن ثَابت هَذَا هُوَ ابْن أبي الأقلح - بِالْقَافِ لَا بِالْفَاءِ - كَمَا ورد فِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم، فَإِنَّهُ سَاقه كَذَلِك، وَهَذَا سياقته: ثَنَا أَبُو [عَمْرو] بن حمدَان، ثَنَا [الْحسن] بن سُفْيَان، ثَنَا مُحَمَّد بن الصَّباح، ثَنَا عَاصِم بن سُوَيْد، حَدثنِي رِفَاعَة بن الْحجَّاج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 435 الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن حُسَيْن بن السَّائِب قَالَ: «لما كَانَ لَيْلَة الْعقبَة - أَو لَيْلَة الْبَدْر - قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لمن مَعَه: كَيفَ تقاتلون؟ فَقَامَ [عَاصِم] بن ثَابت بن الأقلح، فَأخذ الْقوس وَأخذ النبل فَقَالَ: أَي رَسُول الله، إِذا كَانَ الْقَوْم قَرِيبا من مِائَتي ذِرَاع أَو نَحْو ذَلِك كَانَ الرَّمْي بالقسي، وَإِذا دنا الْقَوْم حَتَّى تنالنا وتنالهم الْحِجَارَة كَانَت المراضخة بِالْحِجَارَةِ، فَإِذا دنا الْقَوْم حَتَّى تنالنا وتنالهم الرماح كَانَت المداعسة بِالرِّمَاحِ حَتَّى تتقصف [فَإِذا تقصفت] وَضعنَا وَأخذ [السَّيْف فتقلد] واستُل السَّيْف، وَكَانَت السلَّة والمجالدة بِالسُّيُوفِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بِهَذَا أنزلت الْحَرْب، من قَاتل فليقاتل قتال عَاصِم» . الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا بَين الهدفين رَوْضَة من رياض الْجنَّة» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الزبير، عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَجَبت محبتي عَلَى من سَعَى بَين الغرضين بقوسي لَا بقوس كسْرَى» . وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: «رَأَيْت جَابر بن عبد الله وَجَابِر بن عُمَيْر الأنصاريين يرميان [فملَّ أَحدهمَا] فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ صَاحبه! أجلست الجزء: 9 ¦ الصفحة: 436 أما سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: كل [شَيْء] لَيْسَ من ذكر الله فَهُوَ سَهْو وَلَهو إِلَّا أَربع: مشي الرجل بَين الغرضين، وتأديبه فرسه، وتعلمه السباحة، وملاعبته أَهله» . الحَدِيث الْخَامِس عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بحزبين من الْأَنْصَار يتناضلون، فَقَالَ: أَنا من الحزب الَّذِي فِيهِ ابْن الأدرع» . هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه مَرْوِيّ من طَرِيقين فِي أَحدهمَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «خرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقوم من أسلم يرْمونَ، فَقَالَ: ارموا بني (أسلم) فَإِن أَبَاكُم كَانَ راميًا، ارموا وَأَنا مَعَ ابْن الأدرع. فَأمْسك الْقَوْم (رميهم) فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، من كنت مَعَه غلب. قَالَ: ارموا وَأَنا مَعَ كلكُمْ» . رَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَفِي الطَّرِيق الثَّانِي عَن مُحَمَّد بن إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع، عَن أَبِيه عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر عَلَى نَاس من أسلم يتناضلون، فَقَالَ: حسن هَذَا اللَّهْو - مرَّتَيْنِ - ارموا فَإِنَّهُ كَانَ لكم أَب يَرْمِي، ارموا وَأَنا مَعَ ابْن الأدرع. فَأمْسك الْقَوْم أَيْديهم، فَقَالَ: مَا لكم؟ فَقَالُوا: لَا وَالله لَا نرمي وَأَنت مَعَه يَا رَسُول الله، إِذا ينضلنا. فَقَالَ رَسُول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 437 الله (: ارموا وَأَنا مَعكُمْ جَمِيعًا. قَالَ: فرموا عَامَّة يومهم، ثمَّ تفَرقُوا عَلَى السوَاء مَا نضل بَعضهم بَعْضًا» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيقين، وَلم أر فِي طَرِيق من طرق هَذَا الحَدِيث وَلَا غَيره «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر بحزبين من الْأَنْصَار» وَإِنَّمَا فِيهَا «أَنه [مر] بِقوم من أسلم» وَفِي بَعْضهَا «بِنَفر من أسلم» وَابْن الأدرع صَحَابِيّ نزل الْبَصْرَة واختط مَسْجِدهَا، واسْمه: محجن وَاسم الأدرع: سَلمَة بن ذكْوَان، والأدرع بِفَتْح الْهمزَة، وَإِسْكَان الدَّال وَفتح الرَّاء وبالعين المهملات. الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا جلب وَلَا جنب فِي الرِّهَان» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب أَدَاء الزَّكَاة وتعجيلها وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس مِنْهُ وَمِمَّا لم يقدمهُ هُنَاكَ أَن الْحَافِظ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني رَوَى هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا جلب وَلَا جنب وَإِذا لم يدْخل المراهنان فرسا يَسْتَبِقَانِ عَلَى السهْم فِيهِ فَهُوَ حرَام» وَفِي إِسْنَاده مَجْهُول وَرَوَاهُ القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم النَّبِيل عَن رجل من ولد الْحَارِث بن هِشَام عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا جنب وَلَا جلب وَإِذا أَدخل المرتهنان فرسا يَسْتَبِقَانِ عَلَى سَيْفه فَهُوَ حرَام» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 438 الحَدِيث السَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أجلب عَلَى الْخَيل يَوْم الرِّهَان فَلَيْسَ منا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث ضرار بن صرد - وَهُوَ أَبُو نعيم - ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن ثَوْر بن زيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «من جلب عَلَى الْخَيل يَوْم الرِّهَان فَلَيْسَ منا» وَضِرَار هَذَا كذبه ابْن معِين وَقَالَ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق صَاحب قُرْآن وفرائض وَلَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره: ضَعِيف. وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم السالف عَن أبي شُعَيْب صَالح بن دِينَار السُّوسِي، ثَنَا مُوسَى بن دَاوُد، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن ثَوْر بن زيد الديلِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من أجلب عَلَى الْخَيل يَوْم الرِّهَان فَلَيْسَ منا» . انْتَهَى الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «علمُوا أَوْلَادكُم الرَّمْي وَالْمَشْي بَين الغرضين» . وَلَا أعلم من رَوَاهُ عَنهُ هَكَذَا، وَالَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ أَنه كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن علمُوا غِلْمَانكُمْ العوم، ومقاتلتكم الرَّمْي. قَالَ: وَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ بَين الْأَغْرَاض، فجَاء سهم غرب فَأصَاب غُلَاما فَقتله» وَهَكَذَا هُوَ فِي مُسْند أَحْمد، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 439 عِيسَى بن إِبْرَاهِيم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سُلَيْمَان مولَى أبي رَافع، عَن أبي رَافع قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله أللولد علينا حق كحقنا عَلَيْهِم؟ قَالَ: نعم، حق الْوَلَد عَلَى الْوَالِد، أَن يُعلمهُ الْكِتَابَة والسباحة وَالرَّمْي [وَأَن يورثه طيبا] » قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، عِيسَى بن إِبْرَاهِيم الْهَاشِمِي هَذَا من شُيُوخ بَقِيَّة، مُنكر الحَدِيث ضعفه يَحْيَى بن معِين وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «الرَّمْي بَين الغرضين» عَن عقبَة وَابْن عمر وَأنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. قلت: أثر عقبَة أخرجه مُسلم فِي «أَفْرَاده» من حَدِيث الْحَارِث بن يَعْقُوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن شماسَة «أَن فقيمًا اللَّخْمِيّ قَالَ لعقبة بن عَامر: تخْتَلف بَين هذَيْن الغرضين وَأَنت كَبِير يشق عَلَيْك ذَلِك! فَقَالَ عقبَة: لَوْلَا كَلَام سمعته من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم أَعَانَهُ. قَالَ الْحَارِث: فَقلت لِابْنِ شماسَة: وَمَا ذَلِك قَالَ: إِنَّه [قَالَ] «من علم الرَّمْي ثمَّ تَركه فَلَيْسَ منا - أَو قد عَصَانِي» وَفِي «الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير» بِسَنَد جيد عَن مُجَاهِد قَالَ: «رَأَيْت ابْن عمر يشْتَد بَين الغرضين وَيَقُول: (إِنِّي) بهَا ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «من مَشَى بَين الغرضين كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 440 حَسَنَة» وَفِي النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء من حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: رَأَيْت جَابر بن عبد الله وَجَابِر بن عُمَيْر (الْأنْصَارِيّ) يرميان، فمل أَحدهمَا فَجَلَسَ، فَقَالَ الآخر: [كسلت!] : سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «كل شَيْء لَيْسَ من ذكر الله فَهُوَ لَغْو وسهو إِلَّا أَربع خِصَال: مشي الرجل بَين الغرضين، وتأديب فرسه، وملاعبته أَهله، وَتَعْلِيم السباحة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 441 كتاب الْأَيْمَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 443 كتاب الْأَيْمَان ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا. أما الْأَحَادِيث فستة وَعِشْرُونَ حَدِيثا: الحَدِيث الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَالله لأغزون قُريْشًا - وَفِي رِوَايَة «قَالَ ذَلِك» وَفِي رِوَايَة «قَالَ ذَلِك ثَلَاثًا» - ثمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَة: «إِن شَاءَ الله» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عِكْرِمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَالله لأغزون قُريْشًا [قَالَهَا ثَلَاثًا] ، ثمَّ قَالَ إِن شَاءَ الله» وَذكر أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» (وَابْن حبَان فِي غير «صَحِيحه» ) أَنه أسْندهُ غير وَاحِد عَن عِكْرِمَة عَن [ابْن] عَبَّاس، وَأخرجه فِي «صَحِيحه» من حَدِيث معمر عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه ... فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ فِي آخِره: «ثمَّ سكت فَقَالَ: إِن شَاءَ الله» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 445 عِكْرِمَة - يرفعهُ - أَنه قَالَ: «وَالله لأغزون قُريْشًا. ثمَّ قَالَ: إِن شَاءَ الله [ثمَّ قَالَ: وَالله لأغزون قُريْشًا إِن شَاءَ الله. ثمَّ قَالَ: وَالله لأغزون قُريْشًا. ثمَّ سكت، ثمَّ قَالَ:] إِن شَاءَ الله زَاد فِيهِ بعض الروَاة: «ثمَّ لم يغزهم» وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من هَذِه الطّرق، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي: «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الْأَشْبَه إرْسَاله. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق: الصَّحِيح أَنه مُرْسل وَأَن الرِّوَايَة الموصولة ضَعِيفَة؛ لِأَن فِيهَا عبد الْوَاحِد بن صَفْوَان عَن عِكْرِمَة، وَهُوَ لَيْسَ [حَدِيثه] بِشَيْء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن صَحَّ هَذَا عَنهُ - يَعْنِي حَدِيث عِكْرِمَة الْأَخير - لم يقْصد رد الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْيَمين، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك امتثالاً (لكتابه) . وَأخرجه ابْن حبَان فِي «تَارِيخه الضُّعَفَاء» من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْبَلْخِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر - رَفعه - وَقَالَ فِي الثَّالِثَة: «إِن شَاءَ الله» ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْبَلْخِي يروي المقلوبات عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات كَأَنَّهُ كالمتعمد، لَا يكْتب حَدِيثه إِلَّا للاعتبار. وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة، وَهَذَا شَيْء رَوَاهُ مسعر وَشريك عَن سماك، عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 446 عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، أَرْسلَاهُ مرّة ورفعا أُخْرَى. وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: مُحَمَّد هَذَا لم يكن [يوثق] فِي علمه، كَانَ قُتَيْبَة يذكرهُ بِأَسْوَأ الذّكر وَيَقُول: حدثت أَنه شتم أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالْكُوفَةِ فَطلب فهرب. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ كثيرا مَا يحلف فَيَقُول: لَا ومقلب الْقُلُوب» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلَفظه: «أَكثر مَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يحلف: لَا ومقلب الْقُلُوب» وأرسله مَالك قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يَقُول: «لَا ومقلب الْقُلُوب» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مُسْندًا، وَلَفظه الْأَوَّلين «كثيرا مَا كَانَ يحلف بِهَذِهِ الْيَمين: لَا ومقلب الْقُلُوب» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «أَكثر مَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يحلف بِهَذِهِ الْيَمين: لَا ومقلب الْقُلُوب» . وَلَفظ النَّسَائِيّ «كَانَت يَمِين يحلف عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا ومقلب الْقُلُوب» وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَت يَمِين رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّتِي يحلف بهَا لَا ومصرف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 447 الْقُلُوب. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه «كَانَت أَكثر أَيْمَان النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا ومصرف الْقُلُوب» . الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا اجْتهد فِي الْيَمين قَالَ: لَا وَالَّذِي نَفْس أبي الْقَاسِم بِيَدِهِ، أَو نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا اجْتهد فِي الْيَمين قَالَ: لَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ» وَمن ذَلِك حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمخْرج فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا» . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا الثَّابِت فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَو أَن عِنْدِي ملْء أحد ذَهَبا لأحببت أَن لَا يَأْتِي عَلّي ثَلَاث لَيَال وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَار أجد من يقبله، إِلَّا شَيْء أرصده لدين عَلّي» . وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث المستفيضة الْمَعْرُوفَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 448 الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْكَبَائِر: الْإِشْرَاك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين، وَقتل النَّفس، وَالْيَمِين الْغمُوس» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَفِي رِوَايَة لَهُ أَن أعرابيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: مَا الْكَبَائِر يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الْإِشْرَاك [بِاللَّه] قَالَ: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: [عقوق الْوَالِدين. قَالَ ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ:] الْيَمين الْغمُوس. قلت: وَمَا الْيَمين الْغمُوس؟ قَالَ: الَّذِي يقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم - يَعْنِي: يَمِين هُوَ فِيهَا كَاذِب» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث أبي أُمَامَة عَن عبد الله بن أنيس - الْجُهَنِيّ مَرْفُوعا: «من أكبر الْكَبَائِر الْإِشْرَاك بِاللَّه وعقوق الْوَالِدين وَالْيَمِين الْغمُوس، مَا حلف حَالف بِاللَّه يَمِين صَبر (فأحل مِنْهَا) مثل جنَاح الْبَعُوضَة إِلَّا جعلهَا الله [نُكْتَة] فِي قلبه يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي هَذَا: حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 449 ابْن الْقطَّان - تبعا لِلتِّرْمِذِي -: أَبُو أُمَامَة هَذَا قد رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يعرف اسْمه. قلت: بلَى اسْمه: إِيَاس بن ثَعْلَبَة، وَقيل: عبد الله، وَقيل غير ذَلِك، قَالَ: وَفِيه أَيْضا: هِشَام بن سعد. قلت: قد أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِدُونِهِ أخرجه [عَن] عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن زيد، عَن عبد الله بن أبي أُمَامَة، عَن عبد الله بن أنيس - رَفعه -: «من أكبر الْكَبَائِر: الْإِشْرَاك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين، وَالْيَمِين الْغمُوس، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَا يحلف رجل عَلَى مثل جنَاح بعوضة إِلَّا كَانَت لَهُ كيَّة فِي قلبه يَوْم الْقِيَامَة» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْيَمين عَلَى من أنكر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «لَو أعطي النَّاس بدعواهم لادعى رجال دِمَاء قوم وَأَمْوَالهمْ، وَلَكِن الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى من أنكر» وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» وَلمُسلم أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَو يُعْطَى النَّاس بدعواهم لادعى نَاس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 450 دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْيَمين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ. الحَدِيث السَّادِس عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا وموقوفًا «إِن لَغْو الْيَمين: لَا وَالله، وبلى وَالله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أما رِوَايَة الرّفْع فرواها أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» عَن عَطاء بن أبي رَبَاح: اللَّغْو فِي الْيَمين [قَالَ:] قَالَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «هُوَ كَلَام الرجل فِي بَيته: كلا وَالله وبلى وَالله» وَأما رِوَايَة الْوَقْف فرواها البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن هِشَام قَالَ: حَدثنِي أبي عَن عَائِشَة فِي هَذِه الْآيَة: «لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم» . قَالَ: هُوَ قَول الرجل: لَا وَالله وبلى وَالله» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الرّبيع قَالَ: قلت للشَّافِعِيّ: مَا لَغْو الْيَمين؟ قَالَ: الله أعلم، أما الَّذِي نَذْهَب [إِلَيْهِ] فَمَا قَالَت عَائِشَة، أخبرنَا مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «لَغْو الْيَمين: قَول الْإِنْسَان: لَا وَالله وبلى وَالله» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 451 وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» أَيْضا كَذَلِك، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان؛ أخبرنَا سُفْيَان، أَنا عَمْرو [عَن] ابْن جريج، عَن عَطاء قَالَ: «ذهبت أَنا وَعبيد بن عُمَيْر إِلَى عَائِشَة وَهِي معتكفة، فسألناها عَن قَول الله - تَعَالَى -: «لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم» قَالَت: هُوَ لَا وَالله وبلى وَالله. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ غير وَاحِد عَن عَطاء، عَن عَائِشَة مَوْقُوفا عَلَيْهَا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طرق مَوْقُوفا عَلَيْهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : وَالصَّحِيح فِيهِ الْوَقْف. الحَدِيث السَّابِع عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر بِسبع: بعيادة الْمَرِيض، وَاتِّبَاع الْجَنَائِز، وتشميت الْعَاطِس، ورد السَّلَام، وَإجَابَة الدَّاعِي، وإبرار الْقسم، وَنصر الْمَظْلُوم» . وَهَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» وَقد تقدم فِي كتاب السّير. الحَدِيث الثَّامِن أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف عَلَى يَمِين فَقَالَ: إِن شَاءَ الله، لم يَحْنَث» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 452 هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالنَّسَائِيّ، وَابْن ماجة فِي «سُنَنهمَا» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن [ابْن] طَاوس، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لِلتِّرْمِذِي، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «من حلف عَلَى يَمِين فَقَالَ: إِن شَاءَ الله، فقد اسْتثْنى» وَلَفظ ابْن مَاجَه: «من حلف فَقَالَ: إِن شَاءَ الله، فَلهُ ثنياه، وَلَفظ ابْن حبَان: «من حلف فَقَالَ: إِن شَاءَ الله، فقد اسْتثْنى» قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل - يَعْنِي: البُخَارِيّ - عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث خطأ أَخطَأ فِيهِ عبد الرَّزَّاق، اخْتَصَرَهُ من حَدِيث معمر عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن سُلَيْمَان بن دَاوُد قَالَ: لأطوفن اللَّيْلَة عَلَى سبعين امْرَأَة، تَلد كل امْرَأَة غُلَاما فَطَافَ عَلَيْهِنَّ فَلم تَلد امْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَة نصف غُلَام، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله. لَكَانَ كَمَا قَالَ» . رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «السّنَن المأثورة» عَنهُ للمزني، وَأحمد فِي «مُسْنده» وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف عَلَى يَمِين فَقَالَ: إِن شَاءَ الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 453 فَلَا حنث عَلَيْهِ» هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ، وَلَفظ البَاقِينَ - خلا أَحْمد -: من حلف عَلَى يَمِين فَقَالَ: إِن شَاءَ الله. فقد اسْتثْنى» وَفِي رِوَايَة لَهُم «من حلف عَلَى يَمِين فاستثنى، فَإِن شَاءَ رَجَعَ وَإِن شَاءَ ترك غير حنث وَلَفظ أَحْمد: «إِذا حلف الرجل فَقَالَ: إِن شَاءَ الله. فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ فليمض وَإِن شَاءَ فليترك» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَقد رَوَاهُ [عبيد الله] بن عمر وَغَيره عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَوْقُوفا، وَهَكَذَا رُوِيَ، عَن سَالم، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قلت: وَقد أخرجه مَالك فِي «موطئِهِ» مَوْقُوفا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَلَا نعلم أحدا رَفعه غير أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم: كَانَ أَيُّوب أَحْيَانًا يرفعهُ وَأَحْيَانا لَا يرفعهُ. قلت: وَأَيوب ثِقَة إِمَام مجمع عَلَى جلالته، فَلَا يضر تفرده بِالرَّفْع عَلَى أَنه لم ينْفَرد؛ فقد رَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة وَعبد الله بن عمر وحبان بن عَطِيَّة وَكثير بن فرقد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يَصح رَفعه إِلَّا من جِهَة أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَأَيوب يشك فِيهِ أَيْضا، وَرَوَاهُ الْجَمَاعَة من أوجه صَحِيحَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر من قَوْله غير مَرْفُوع. قلت: وَلما رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث كثير بن فرقد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «من حلف عَلَى يَمِين ثمَّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 454 قَالَ: إِن شَاءَ الله. فَإِن لَهُ ثنياه» قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَلم يُخرجهُ هَكَذَا، وَلما أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أَيُّوب، عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «من حلف فَقَالَ: إِن شَاءَ الله. فقد اسْتثْنى» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. ثمَّ أخرج عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن وهب، عَن سُفْيَان، عَن أَيُّوب بن مُوسَى، عَن نَافِع، وَلَفظه «فَقَالَ: إِن شَاءَ الله. لم يَحْنَث» ثمَّ أخرج من حَدِيث عبد الْوَارِث بن سعيد، ثَنَا أَيُّوب، عَن نَافِع، وَلَفظه: «من حلف فاستثنى فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ إِن شَاءَ أَمضَى وَإِن شَاءَ ترك غير حنث» . الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ، وَلَا تحلفُوا إِلَّا بِاللَّه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تحلفُوا [إِلَّا] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 455 بِاللَّه [وَلَا تحلفُوا إِلَّا] وَأَنْتُم صَادِقُونَ» وَعَزاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» إِلَى أبي دَاوُد، وَلم أره فِيهِ، وَلم يذكرهُ ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه أَيْضا، نعم قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: هُوَ مَوْجُود فِي رِوَايَة أبي الْحسن بن العَبْد، وَأبي بكر بن داسة فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور. الحَدِيث الْعَاشِر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أدْرك عمر بن الْخطاب وَهُوَ يسير فِي ركب، فَسَمعهُ وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ، فَقَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ؛ فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت. قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: فَمَا حَلَفت بهَا بعد ذَلِك ذَاكِرًا وَلَا آثرًا - أَي: حاكيًا عَن غَيْرِي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سمع عمر يحلف بِأَبِيهِ، فَقَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ؛ فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت» وَفِي رِوَايَة لَهما «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سمع عمر يَقُول: وَأبي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 456 وَأمي. فَقَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ؛ فَمن كَانَ حَالفا فَلَا يحلف إِلَّا بِاللَّه أَو لِيَسْكُت» . وَفِي أُخْرَى لَهما: «كل من كَانَ حَالفا فَلَا يحلف إِلَّا بِاللَّه. وَكَانَت قُرَيْش تحلف بِآبَائِهَا، فَقَالَ: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وَكَانَت الْعَرَب تحلف بِآبَائِهَا» وَفِي رِوَايَة لمُسلم «قَالَ عمر: وَالله مَا حَلَفت بهَا مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ينْهَى عَنْهَا ذَاكِرًا وَلَا آثرًا «وَرِوَايَة الإِمَام الرَّافِعِيّ هِيَ عَن رِوَايَة الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر إِلَى قَوْله «أَو ليصمت» وَقَالَ بعد قَوْله: «فِي ركب وَيحلف بِاللَّه» بدل قَوْله: «فَسَمعهُ وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ» وَقَالَ: «من» بدل «فَمن» ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عمر يحلف بِأَبِيهِ فَقَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، قَالَ عمر: فوَاللَّه مَا حَلَفت بهَا ذَاكِرًا وَلَا آثرًا» . فَائِدَة: تَفْسِير الإِمَام الرَّافِعِيّ: «آثرًا» أَي: حاكيًا عَن غَيره. هُوَ مَا جزم بِهِ الْأَزْهَرِي والجوهري، وَحَكَى القَاضِي حُسَيْن قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا هَذَا، وَقَالَ: هُوَ الْأَصَح. وَالثَّانِي: إِنَّه اتِّبَاع لذاكر، تَأْكِيدًا لقَولهم شَيْطَان بيطان، جَامع مَانع. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا - يَعْنِي: عَامِدًا وَلَا نَاسِيا. وَالثَّانِي: مُعْتَقدًا لنَفْسي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 457 الحَدِيث الْحَادِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ للأعرابي الَّذِي قَالَ: لَا أَزِيد عَلَيْهَا وَلَا أنقص: أَفْلح (وَالله) إِن صدق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة طَلْحَة بن عبيد الله، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي كتاب الصّيام. الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف بِغَيْر الله فقد كفر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور: الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي أَوَائِله من رِوَايَة [سعد] بن عُبَيْدَة، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، فقد احتجا بِمثل إِسْنَاده، وخرجاه فِي كِتَابَيْهِمَا، وَلَيْسَ [لَهُ] عِلّة وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرط مُسلم ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ عَن شريك بن عبد الله النَّخعِيّ، عَن الْحسن بن عبيد الله، عَن سعد بن عُبَيْدَة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «كل يَمِين يحلف بهَا دون الله شرك» وَذكره أَيْضا بعد هَذَا بأوراق بِاللَّفْظِ الأول، ثمَّ قَالَ: هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 458 حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وخلا الْمَوْضِعَيْنِ فِي كتاب الْأَيْمَان فِي أَوَائِل كِتَابه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك» . قلت: هُوَ صَحِيح أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث سعد بن عُبَيْدَة عَن ابْن عمر، عَن عمر أَنه قَالَ: «لَا وَأبي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَه! إِنَّه من حلف بِشَيْء دون الله فقد أشرك» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» [فِي كتابي] الْإِيمَان والأيمان من حَدِيث سعد بن عُبَيْدَة، عَن ابْن عمر وَحده قَالَ: قَالَ رَسُول (: «لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، من حلف بِشَيْء دون الله فقد أشرك» وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة سعد بن عُبَيْدَة «أَن ابْن عمر سمع رجلا يَقُول: والكعبة. فَقَالَ ابْن عمر: لَا يُحلف بِغَيْر الله؛ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من حلف بِغَيْر الله فقد كفر أَو أشرك» كَذَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ ب «أَو» الَّتِي هِيَ للشَّكّ، وَفِي الْحَاكِم وَابْن حبَان بحذفها، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 459 قلت: ومدار طرق هَذَا الحَدِيث عَلَى سعد بن عُبَيْدَة أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي وَهُوَ ثِقَة ثَبت أخرج لَهُ أَصْحَاب «الْكتب السِّتَّة» رَوَى عَن ابْن عمر والبراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يسمعهُ سعد بن عُبَيْدَة من ابْن عمر. قلت: وَفِي ذَلِك نظر؛ فقد صرح بِسَمَاعِهِ من ابْن عمر، وَقد بَين ذَلِك الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» فَقَالَ بعد أَن أخرجه من طريقي أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث عبد الْوَاحِد بن زِيَاد وفضيل بن سُلَيْمَان، عَن الْحسن بن عبيد الله عَن سعد بن عُبَيْدَة، وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن سعد بن عُبَيْدَة: «كنت عِنْد ابْن عمر ... » فَذكر فِيهِ قصَّة، وَقَالَ: روح (وَسَعِيد) عَن مَنْصُور، عَن سعد بن عُبَيْدَة: «كنت عِنْد ابْن عمر - فَذكر الْقِصَّة، وَقَالَ: وَمَعِي رجل من كِنْدَة - فَقُمْت من عِنْد ابْن عمر فَأتيت سعيد بن الْمسيب فَأَتَانِي الْكِنْدِيّ وَأَنا عِنْد سعيد، فَقَالَ: مَا سَمِعت مَا حدث ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سمع عمر يحلف بِأَبِيهِ فَنَهَاهُ وَقَالَ: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ» قَالَ أَبُو عوَانَة الإِسْفِرَايِينِيّ: يُقَال: إِنَّه مُحَمَّد الْكِنْدِيّ. وَقَالَ الْأَعْمَش عَن سعد بن عُبَيْدَة، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن ابْن عمر، زَاد فِيهِ: عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ. هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي، وَمُلَخَّصه أَن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سعد بن عُبَيْدَة عَن ابْن عمر. الثَّانِي: عَن سعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 460 بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن ابْن عمر. وَمن طَرِيق ثَالِث عَن سعد الْمَذْكُور عَن ابْن عمر، وَله طَرِيق آخر شَاهد لَهُ، أدْركهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ من كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة مَكْحُول الْأَسدي بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ مَرْفُوعا: «من حلف بالشرك وآثم فقد أشرك، وَمن حلف (بالْكفْر) وآثم فقد أشرك» . فَائِدَة: قَالَ التِّرْمِذِيّ: فسر بعض الْعلمَاء قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «كفر أَو أشرك» عَلَى التَّغْلِيظ، كَمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الرِّيَاء شرك» قَالَ: وَقد فسر بعض أهل الْعلم قَوْله تَعَالَى: (وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا) قَالَ: لَا يرائي. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: قَوْله: «فقد أشرك» فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا: فقد أشرك بَين الله وَبَين غَيره فِي التَّعْظِيم، وَإِن لم يصر من الْمُشْركين الْكَافرين. وَثَانِيهمَا: صَار كَافِرًا بِهِ إِن اعْتقد لُزُوم يَمِينه بِغَيْر الله، كاعتقاد لُزُومهَا بِاللَّه. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي حَدِيث ركَانَة: «آللَّهُ مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب الطَّلَاق، قَالَ الرَّافِعِيّ: رَوَاهُ صَاحب «الْبَيَان» بِالرَّفْع، وَالْقَاضِي الرَّوْيَانِيّ بِالْجَرِّ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِابْنِ مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: « [آللَّهُ] قتلتَ أَبَا جهل» بِالنّصب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 461 قلت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي إِسْحَاق، عَن الحكم، عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «انْتَهَى عبد الله بن مَسْعُود إِلَى أبي جهل يَوْم بدر وَهُوَ وقيذ، فاستل سَيْفه فَضرب عُنُقه، فقدَّ رَأسه ثمَّ أَخذ سلبه، فَأَتَى إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأخْبرهُ أَنه قتل أَبَا جهل، فأحلفه بِاللَّه ثَلَاث مَرَّات، فَحلف فَجعل لَهُ سلبه» ثمَّ أخرجه من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه، وَفِيه «فَقلت: قتلت أَبَا جهل. فَقَالَ: آللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ؟ فاستحلفه ثَلَاث مَرَّات» وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ من هَذِه الطَّرِيق: «يَا رَسُول الله، لقد قتل الله أَبَا جهل. قَالَ: آللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ؟ فَقلت: آللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، لقد قتلته» ثمَّ أخرجه من رِوَايَة عَمْرو بن مَيْمُون عَنهُ، وَفِيه «فَقتلته ثمَّ قلت: يَا رَسُول الله ألم تَرَ أَن الله قتل أَبَا جهل. قَالَ: آللَّهُ؟ قلت: آللَّهُ. حَتَّى حلَّفَنى ثَلَاثًا» . وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه، كَمَا سَاقه الطَّبَرَانِيّ إِلَّا أَنه لم يقل: «فاستحلفه ثَلَاث مَرَّات» . الحَدِيث الرَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَايْم الله [إِنَّه] لخليق بالإمارة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 462 هَذَا الحَدِيث كَذَا وَقع فِي نسخ الإِمَام الرَّافِعِيّ، وَهُوَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا قَالَ: «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعثًا وَأمر عَلَيْهِم أُسَامَة بن زيد فطعن النَّاس فِي إمارته، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن [تطعنوا] فِي إمارته فقد كُنْتُم تطعنون فِي إِمَارَة أَبِيه من قبل، وَايْم الله إِن كَانَ لخليقًا بالإمارة، إِن كَانَ لمن أحب النَّاس إليّ، وَإِن هَذَا من أحب النَّاس إِلَيّ بعده» . الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة الْيَمين» . هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفْظهمَا: «كَفَّارَة النّذر إِذا لم يسم شَيْئا كَفَّارَة الْيَمين» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمَا رَوَاهُ مُسلم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه مَحْمُول عندنَا عَلَى اللِّجاج الَّتِي تخرج مخرج الْأَيْمَان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 463 تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا الْمُبَايعَة كَانَت فِي زمن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بالمصافحة، وَهَذَا صَحِيح؛ فَفِي «مُسْند أَحْمد» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب عَن [مرْثَد] بن عبد الله، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الْجُهَنِيّ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - طلع راكبان، فَلَمَّا رآهما قَالَ: كنديان مَذْحِجِيَّان. حَتَّى أَتَيَاهُ، فَإِذا رجلَانِ من مذْحج، قَالَ: فَدَنَا أَحدهمَا إِلَيْهِ ليبايعه قَالَ: فَلَمَّا أَخذ بِيَدِهِ قَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت من رآك فَآمن بك وصدقك ثمَّ اتبعك، مَاذَا لَهُ؟ فَقَالَ: طُوبَى لَهُ. فَمسح عَلَى يَده فَانْصَرف، ثمَّ أقبل الآخر حَتَّى أَخذ بِيَدِهِ ليبايعه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت من آمن بك وصدقك واتبعك وَلم يَرك. قَالَ: طُوبَى لَهُ ثمَّ طُوبَى لَهُ [ثمَّ طُوبَى لَهُ] قَالَ: فَمسح عَلَى يَده وَانْصَرف» . وَفِي «صَحِيح البُخَارِيّ» وَمُسلم من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «كَانَ الْمُؤْمِنَات إِذا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (يمْتَحن) بقول الله - تَعَالَى -: (يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات ... ) الْآيَة. قَالَت عَائِشَة: فَمن (آمن) بِهَذَا من الْمُؤْمِنَات، فقد أقرّ بالمحنة، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أقررن بذلك من قولهن قَالَ لَهُنَّ: انطلقن؛ فقد بايعتكن. وَلَا وَالله مَا مست يَد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَد امْرَأَة قطّ غير أَنه يُبَايِعهُنَّ بالْكلَام» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 464 وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث [الشريد بن] سُوَيْد قَالَ: «كَانَ فِي وَفد ثَقِيف رجل مجذوم، فَأرْسل إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّا قد بايعناك فَارْجِع» . وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة قريبَة العتوارية، عَنْهَا ابْنَتهَا عقيلة بنت عبيد بن الْحَارِث - وَقيل: غقيلة بالغين - من حَدِيث بكار بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا مُوسَى بن عُبَيْدَة، ثَنَا زيد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أمه حجَّة بنت (قُرَيْظَة) عَن أمهَا عقيلة بنت عبيد بن الْحَارِث قَالَت: «جِئْت أَنا وَأمي قريرة بنت الْحَارِث العتوارية فِي نسَاء من [الْمُهَاجِرَات] إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ ضَارب عَلَيْهِ بقبة بِالْأَبْطح، فَأخذ علينا أَن لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا. قَالَت: فأقررنا وبسطنا أَيْدِينَا لنبايعه، فَقَالَ: إنى لَا أمس يَد النِّسَاء. فَاسْتَغْفر لنا (وَكَانَ ذَلِك بيعتنا» ) قَالَ أَبُو نعيم: كَذَا وَقع فِي كتابي: قريرة. وفيهَا أَيْضا من حَدِيث أُمَيْمَة بنت رقيقَة «أَنَّهَا لما بَايَعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَت: قد ذهبت أصافحه، فَقَالَ: إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء؛ إِنَّمَا قولي لمِائَة مِنْكُن كَقَوْلي لامْرَأَة» وَهَذَا فِي «صَحِيح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 465 ابْن حبَان» بأطول مِنْهُ، وفيهَا أَيْضا من حَدِيث بهية بنت عبد الله البكرية قَالَت: «وفدت مَعَ أبي عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبَايع الرِّجَال وصافحهم، وَبَايع النِّسَاء وَلم يُصَافِحهُنَّ، وَنظر إليّ فدعاني وَمسح عَلَى رَأْسِي ودعا لي ولوالدي. قَالَ: فولد لَهَا سِتُّونَ ولد: أَرْبَعُونَ رجلا وَعِشْرُونَ امْرَأَة، وَاسْتشْهدَ مِنْهُم عشرُون» . وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» الْحَدِيثين الْأَوَّلين من هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِى أخرجهَا أَبُو نعيم، وَفِيه أَيْضا من حَدِيث يُونُس بن عبيد عَن الْحسن عَن [معقل] بن يسَار «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام فِي بيعَة الرضْوَان كَانَ يُصَافح النِّسَاء من تَحت الثَّوْب» وَفِي [مُسْند] أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن [عَمْرو] «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا يُصَافح النِّسَاء» . الحَدِيث السَّادِس عشر عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا عبد الرَّحْمَن، لَا تسْأَل الْإِمَارَة؛ فَإنَّك إِن أتتك عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا، وَإِن أتتك عَن غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا، وَإِذا حَلَفت عَلَى يَمِين فَرَأَيْت غَيرهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 466 خيرا مِنْهَا فَائت الَّذِي هُوَ خير وَكفر عَن يَمِينك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من هَذَا الْوَجْه وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «كفر عَن يَمِينك وائت الَّذِي هُوَ خير» . وَفِي رِوَايَة للنسائي: «إِذا حلف أحدكُم عَلَى يَمِين فَرَأَى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه، ولينظر الَّذِي هُوَ خير فليأتيه» وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَكفر عَن يَمِينك ثمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خير» . وَهَذِه الرِّوَايَة ذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب، وَذكر رِوَايَة أُخْرَى وَهِي: «من حلف عَلَى يَمِين فَرَأَى غَيرهَا خيرا مِنْهَا، فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه» وَهِي رِوَايَة صَحِيحَة أخرجهَا مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: «أعتم رجل عِنْد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله، فَوجدَ الصبية قد نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهله بطعامه فَحلف أَن لَا [يَأْكُل] من أجل صبيته، ثمَّ بدا لَهُ فَأكل، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من حلف عَلَى يَمِين فَرَأَى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأتها وليكفر عَن يَمِينه» وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «من حلف عَلَى يَمِين فَرَأَى [غَيرهَا] خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليفعل» الجزء: 9 ¦ الصفحة: 467 وَفِي أُخْرَى «فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه» . قَالَ عبد الْحق: وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا شَيْئا. وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: «من حلف عَلَى يَمِين فَرَأَى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير، وليكفر عَن يَمِينه» . وَهَذِه طبق رِوَايَة الرَّافِعِيّ سَوَاء، وأخرجها أَيْضا أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك. الحَدِيث السَّابِع عشر عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا أَحْلف عَلَى يَمِين فَأرَى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير وتحللت عَن يَمِيني» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِيه قصَّة أَخْرَجَاهَا بِطُولِهَا عَن أبي مُوسَى قَالَ: «أتيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي رَهْط من الْأَشْعَرِيين نستحمله، فَقَالَ: وَالله لَا أحملكم، وَمَا عِنْدِي مَا أحملكم. ثمَّ لبثنا مَا شَاءَ الله، فَأتي بِإِبِل فَأمر لنا بِثَلَاث ذود فَانْطَلَقْنَا، قَالَ بَعْضنَا لبَعض: لَا يُبَارك الله لنا، أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نستحمله فَحلف لَا يحملنا! قَالَ أَبُو مُوسَى: فأتينا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذَكرنَا ذَلِك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 468 لَهُ، فَقَالَ: مَا أَنا حملتكم؛ بل الله حملكم، إِنِّي وَالله لَا أَحْلف ... » الحَدِيث. الحَدِيث الثَّامِن عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة، إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله ... » الحَدِيث. حَدِيث صَحِيح جليل حفيل، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِن الْحَلَال وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا مُشْتَبهَات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس، فَمن اتَّقَى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه، وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام كَالرَّاعِي يرْعَى حول الْحمى يُوشك أَن يواقعه، أَلا وَإِن لكل ملك حمى، أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه، أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد كُله، أَلا وَهِي الْقلب» . الحَدِيث التَّاسِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه وَاضحا فِي بَاب النَّجَاسَات وَالْمَاء النَّجس. الحَدِيث الْعشْرُونَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَيقبل الْهَدِيَّة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 469 هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور؛ فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّا أهل بَيت لَا تحل لنا الصَّدَقَة» وَقبل هَدَايَا كَثِيرَة، وَقد تقدم جملَة من ذَلِك فِي كتاب الْهِبَة وَكتاب قسم الصَّدقَات، وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا أُتِي بِطَعَام سَأَلَ عَنهُ؛ فَإِن قيل: هَدِيَّة. أكل مِنْهَا، وَإِن قيل: صَدَقَة. لم يَأْكُل مِنْهَا» وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَإِن قيل: صَدَقَة. قَالَ لأَصْحَابه: كلوا. وَلم يَأْكُل، وَإِن قيل: هَدِيَّة. ضرب بِيَدِهِ فَأكل مَعَهم» خرجه فِي كتاب الْهِبَة من «صَحِيحه» وَمُسلم فِي الزَّكَاة، وَقد ذكره الطَّبَرَانِيّ مُصَرحًا بِهِ فِي حَدِيث وَاحِد رَوَاهُ عَن عبد الله بن أَحْمد، ثَنَا أبي. حَدثنَا هَاشم بن سعيد، ثَنَا الْحسن بن أَيُّوب، عَن عبد الله بن بسر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يقبل الْهَدِيَّة وَلَا يقبل الصَّدَقَة» وَكَذَا هُوَ فِي «مُسْند أَحْمد» لَكِن فِيهِ هِشَام بن سعيد، وَهِشَام بن سعيد قَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بشىء. وَذكره ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» وَالْحسن بن أَيُّوب لم أره فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل مكبرًا؛ بل مُصَغرًا فِي كتاب الْأَزْدِيّ، وَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. نعم الْحسن بن أَيُّوب ضعفه ابْن معِين؛ فَالله أعلم هَل هُوَ أم لَا. أبنا الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه إليَّ من دمشق سنة نَيف وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة، نَا مُحَمَّد بن صاعد، أَنا الْحسن بن إِسْمَاعِيل، أَنا أَبُو طَاهِر السلَفِي، أبنا أَبُو بكر الطريثيثي وَابْن خشيش قَالَا: أبنا أَبُو عَلّي ابْن شَاذ، شَاذان، أبنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 470 عبد الله بن جَعْفَر، ثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي، ثَنَا مكي بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا بهز بن حَكِيم ذكره عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا أُتِي بِالطَّعَامِ سَأَلَ عَنهُ: أهدية أم صَدَقَة؟ فَإِن قَالُوا: هَدِيَّة. بسط يَده، وَإِن قَالَ: صَدَقَة. قَالَ: لأَصْحَابه: كلوا» . غَرِيب. الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات، وَقد رَأَيْت تَأْخِير الْكَلَام عَلَيْهِ إِلَى كتاب الْكِتَابَة؛ فَهُوَ أليق بِهِ. الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة أنس وَأبي أَيُّوب، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرطهمَا وَلأبي دَاوُد عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «لَا يكون لمُسلم أَن يهجر مُسلما فَوق ثَلَاثَة أَيَّام» ، وَلأبي أَحْمد الْحَاكِم فِي «كِتَابه» فِي هَذَا الحَدِيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 471 بعد «لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث إِلَّا أَن يكون مِمَّن لَا تؤمن بوائقه» . قَالَ الْحَاكِم: قَالَ أَبُو أُميَّة: فألقيت هَذَا الحَدِيث عَلَى أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: فكذَّبه وَأنكر هَذَا الْكَلَام، وَقَالَ: لَيْسَ كَلَام النَّبِي - يَعْنِي: الْحَرْف الْأَخير. وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أبي خرَاش السّلمِيّ أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من هجر أَخَاهُ سنة فَهُوَ كسفك دَمه» . الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا حلف ليحمدن الله بِمَجَامِع الْحَمد - وَقَالَ فِي «التَّتِمَّة» : بِأَجل التحاميد - الْبر أَن يَقُول: الْحَمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. يرْوَى «أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام علم آدم هَذِه الْكَلِمَات وَقَالَ: علمتك مجامع الْحَمد» . هَذَا لم أَجِدهُ بعد [الْبَحْث] وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : ضَعِيف الْإِسْنَاد غير مُتَّصِل ... فَذكره، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «الرَّوْضَة» : لَيْسَ لهَذِهِ الْمَسْأَلَة دَلِيل مُعْتَمد. فَهَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بتضعيفه. الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ حَدِيث «إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، تقدم بَيَانه فِي كتاب الصَّلَاة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 472 الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أَوَاخِر بَاب شُرُوط الصَّلَاة. الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ «رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: [قَالَ] لَيْسَ عَلَى مقهور يَمِين» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ، ثَنَا الْحُسَيْن بن إِدْرِيس، ثَنَا خَالِد بن الْهياج، ثَنَا أبي، عَن عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْعَلَاء، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وَعَن أبي أُمَامَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَيْسَ عَلَى مقهور يَمِين» . وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، أما أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ فَهُوَ النقاش صَاحب «التَّفْسِير» وَهُوَ كَذَّاب، قَالَ طَلْحَة بن مُحَمَّد بن جَعْفَر: كَانَ النقاش يكذب. وَقَالَ البرقاني: كل حَدِيثه مُنكر. وَقَالَ الْخَطِيب: أَحَادِيثه مَنَاكِير بأسانيد مَشْهُورَة. وَأما خَالِد بن الْهياج فَلَا أعرفهُ، قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله، وَرَوَى عَنهُ الْحُسَيْن بن إِدْرِيس أَحَادِيث أنْكرت عَلَيْهِ لَا أصل لَهَا، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 473 وَأما وَالِده الْهياج فَهُوَ ابْن بسطَام الترجمي الْهَرَوِيّ وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَأما عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن فَهُوَ قرشي بَصرِي، وَهُوَ مَتْرُوك، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ وَغَيره، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: كَذَّاب. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ مِمَّن يضع الحَدِيث ونسأل الله الْعَافِيَة. وَقد ضعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بِسَبَب عَنْبَسَة، وَعبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِسَبَب هياج، وَابْن الْقطَّان بِالْكُلِّ، ثمَّ هُوَ بعد ذَلِك مُنْقَطع، مَكْحُول لم ير أَبَا أُمَامَة، وَفِي سَمَاعه من وَاثِلَة خلاف أوضحته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث «الْمُهَذّب» فَرَاجعه مِنْهُ، وَاحْتج الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي الْمَسْأَلَة بِحَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَا طَلَاق وَلَا عتاق فِي إغلاق وَبِحَدِيث: «وضع عَن أمتِي الْخَطَأ والنسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَمَا ذكر فِيهِ من الْآثَار ثَلَاثَة: أَحدهَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا سُئِلت [عَمَّن] جعل مَاله فِي رتاج الْكَعْبَة إِن كلم ذَا قرَابَة لَهُ، فَقَالَت: يكفر [مَا يكفر] الْيَمين» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 474 وَثَانِيهمَا: عَن عمر رَضِي الله [عَنهُ] «أَنه قيل لَهُ: لَو لينت طَعَامك وشرابك! فَقَالَ: سَمِعت الله - تَعَالَى - يَقُول: (لأقوام أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ [فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا] ) . وَثَالِثهَا: عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئِلَ: هَل تُجزئ القلنسوة فِي الْكَفَّارَة؟ فَقَالَ: إِذا وَفد عَلَى الْأَمِير فَأَعْطَاهُمْ قلنسوة قيل: قد كساهم» . أما الْأَثر الأول: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن، عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن عَائِشَة ... فَذكره بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» وَلَفظه عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: «من جعل مَاله فِي سَبِيل الله أَو فِي رتاج الْكَعْبَة فكفارته كَفَّارَة يَمِين» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن أَخَوَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَ بَينهمَا مِيرَاث، فَسَأَلَ أَحدهمَا صَاحبه الْقِسْمَة فَقَالَ: إِن عدت تَسْأَلنِي الْقِسْمَة فَكل مَالِي فِي رتاج الْكَعْبَة. فَقَالَ لَهُ عمر: إِن الْكَعْبَة غنية عَن مَالك، كفر عَن يَمِينك وكلم أَخَاك، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا يَمِين عَلَيْك، وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة الرب، وَلَا فِي قطيعة الرَّحِم، وَلَا فِيمَا لَا يملك» قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: سعيد بن الْمسيب عَن عمر عندنَا حجَّة؛ قد رَأَى عمر وَسمع مِنْهُ، إِذا لم يقبل سعيد عَن عمر فَمن يقبل؟ ! وَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 475 مَالك وَيَحْيَى بن معِين: لم يسمع مِنْهُ. وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن أَيُّوب بن مُوسَى، عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن الحَجبي، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن رجل قَالَ: مَالِي فِي رتاج الْكَعْبَة. فَقَالَت عَائِشَة: يكفر مَا يكفر الْيَمين» . فَائِدَة: الرتاج: الْبَاب. وَقَوله فِي «رتاج الْكَعْبَة» أَي: للكعبة، وكنى عَنْهَا بِالْبَابِ؛ لِأَن مِنْهُ يدْخل إِلَيْهَا، وَجمع الرتاج: رتج، ككتاب وَكتب. وَأما الْأَثر الثَّانِي: فَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى «الصَّحِيحَيْنِ» فِي أَوَائِله فِي آخر بَاب الْعلم من حَدِيث مُصعب بن سعد «أَن حَفْصَة قَالَت لَهُ: أَلا تلبس ثوبا أَلين من ثَوْبك وتأكل طَعَاما أطيب من طَعَامك هَذَا وَقد فتح الله عَلَيْك الْأَمر وأوسع عَلَيْك الرزق! فَقَالَ: سأخاصمك إِلَى نَفسك. فَذكر أَمر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَا كَانَ [يلقى] من شدَّة الْعَيْش فَلم [يزل يُنكر] حَتَّى بَكت، فَقَالَ: إِنِّي قد قلت: لأشاركنهما فِي مثل عيشهما الشَّديد؛ لعَلي أدْرك مَعَهُمَا عيشهما الرخي» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرطهمَا؛ فَإِن مُصعب بن سعد كَانَ يدْخل عَلَى أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ من كبار التَّابِعين و [من] أَوْلَاد الصَّحَابَة. وَاعْترض عَلَيْهِ الذَّهَبِيّ فِي «مُخْتَصره للمستدرك» فَقَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث انْقِطَاع. قلت: وَهُوَ قَول مُصعب بن سعد أَن حَفْصَة قَالَت؛ فَإِن ثَبت سَمَاعه مِنْهَا فَلَا اعْتِرَاض إِذن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 476 فِي «الْمُسْتَدْرك» أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر «أَن عمر رَأَى فِي يَد جَابر بن عبد الله درهما فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الدِّرْهَم؟ ! قَالَ: أُرِيد أَن اشْترِي لأهلي بدرهم لَحْمًا [فرموا إِلَيْهِ] فَقَالَ عمر: أكل مَا اشتهيتم اشتريتموه؟ ! فَمَا يُرِيد أحدكُم أَن يطوي بَطْنه لِابْنِ عَمه وجاره، أَيْن تذْهب عَنْكُم هَذِه الْآيَة: (أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا (إِلَى قَوْله: (بهَا ... ) ؟ ! . وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ، وَفِي سَنَده الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ وَهُوَ واه. وَأما الْأَثر الثَّالِث: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه أَن رجلا حَدثهُ «أَنه سَأَلَ عمرَان بن الْحصين عَن رجل حلف أَن لَا يُصَلِّي فِي مَسْجِد قومه، فَقَالَ عمرَان: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا نذر فِي مَعْصِيّة [الله] وكفارته كَفَّارَة يَمِين. فَقلت: يَا أَبَا [نجيد] إِن صاحبنا لَيْسَ بالموسر فَبِمَ يكفر؟ ! فَقَالَ: [لَو] أَن قوما قَامُوا إِلَى أَمِير من الْأُمَرَاء (فكساهم) كل إِنْسَان مِنْهُم قلنسوة لقَالَ النَّاس: قد كساهم» . وَمُحَمّد بن الزبير هَذَا ضَعِيف، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 477 وَفِيه نظر. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ غَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب أَن ابْن كج رَوَى عَن بعض التصانيف أَن الْحلف بِأَيّ اسْم كَانَ من الْأَسْمَاء التِّسْعَة وَالتسْعين الَّتِي ورد بهَا الْخَبَر صَرِيح، وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام الرَّافِعِيّ كَانَ من حَقنا أَن نذكرهُ فِي الْأَحَادِيث لَكِن أَخَّرته سَهوا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما، من حفظهَا دخل الْجنَّة، إِن الله وتر يحب الْوتر» . هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدًا، من أحصاها دخل الْجنَّة، إِنَّه وتر يحب الْوتر» . وَلَفظ البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ: «لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا لَا يحفظها أحد إِلَّا دخل الْجنَّة، وَهُوَ وتر يحب الْوتر» ذكره فِي آخر الدَّعْوَات، وَأخرجه من حَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن لله (تسعا) وَتِسْعين اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدًا، من أحصاها دخل الْجنَّة» قَالَ البُخَارِيّ: من أحصاها: حفظهَا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 478 وَأخرجه مُسلم من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِهِ مُسْندًا، وَمن حَدِيث همام عَن أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِهِ، وَأخرجه بسرد الْأَسْمَاء، وَالْأَئِمَّة: التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث صَفْوَان بن صَالح الثَّقَفِيّ، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة أَبُو الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن لله (تسعا) وَتِسْعين اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدَة، من أحصاها دخل الْجنَّة، إِنَّه وتر يحب الْوتر: هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن، الرَّحِيم، الْملك، القدوس، السَّلَام، الْمُؤمن، الْمُهَيْمِن، الْعَزِيز، الْجَبَّار، المتكبر، الْخَالِق، البارئ، المصور، الْغفار، القهار، الْوَهَّاب، الرَّزَّاق، الفتاح، الْعَلِيم، الْقَابِض، الباسط، الْخَافِض، الرافع، الْمعز، المذل، السَّمِيع، الْبَصِير، الحكم، الْعدْل، اللَّطِيف، الْخَبِير، الْحَلِيم، الْعَظِيم، الغفور، الشكُور، الْعلي، الْكَبِير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الْجَلِيل، الْكَرِيم، الرَّقِيب، الْمُجيب، الْوَاسِع، الْحَكِيم، الْوَدُود، الْمجِيد، الْبَاعِث، الشَّهِيد، الْحق، الْوَكِيل، الْقوي، المتين، الْوَلِيّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الْحَيّ، القيوم، الْوَاجِد، الْمَاجِد، الْوَاحِد، الْأَحَد، الصَّمد، الْقَادِر، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 479 المقتدر، الْمُقدم، الْمُؤخر، الأول، الآخر، الظَّاهِر، الْبَاطِن، الْوَالِي، المتعالي، الْبر، التواب، المنتقم، الْعَفو، الرءوف، مَالك الْملك، ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام، المقسط، الْجَامِع، الْغَنِيّ، الْمُغنِي، الْمَانِع، الضار، النافع، النُّور، الْهَادِي، [البديع] ، الْبَاقِي، الْوَارِث، الرشيد، الصبور» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، ثَنَا بِهِ غير وَاحِد عَن صَفْوَان بن صَالح، وَهُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث [وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث] من غير وَجه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا نعلم فِي كثير شَيْء من الرِّوَايَات [لَهُ إِسْنَاد صَحِيح] ذكر الْأَسْمَاء إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَقد رَوَى آدم بن أبي إِيَاس هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَاد آخر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكر فِيهِ الْأَسْمَاء وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَاد صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله عقب إِخْرَاجه لهَذَا الحَدِيث بِهَذِهِ الْأَسْمَاء فِيهِ: هَذَا حَدِيث قد خرجاه فِي «الصَّحِيحَيْنِ» بأسانيد صَحِيحَة دون ذكر الْأَسَامِي، فِيهِ وَالْعلَّة فِيهِ عِنْدهمَا أَن الْوَلِيد بن مُسلم تفرد بسياقته بِطُولِهِ وَذكر الْأَسْمَاء فِيهِ وَلم يذكرهَا غَيره، وَلَيْسَ هَذَا بعلة؛ فَإِنِّي لَا أعلم اخْتِلَافا بَين أَئِمَّة الحَدِيث أَن الْوَلِيد بن مُسلم أوثق وأحفظ وَأعلم وَأجل من أبي الْيَمَان وَبشر بن شُعَيْب وَعلي بن عَيَّاش وأقرانهم من أَصْحَاب [شُعَيْب] ثمَّ نَظرنَا فَوَجَدنَا الحَدِيث قد رَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن الْحصين عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ [و] هِشَام بن حسان جَمِيعًا، عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 480 مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما، من أحصاها دخل الْجنَّة: الله، الرَّحْمَن، الرَّحِيم، الْإِلَه، الرب، الْملك، القدوس، السَّلَام، الْمُؤمن، الْمُهَيْمِن، الْعَزِيز، الْجَبَّار، المتكبر، الْخَالِق، البارئ، المصور، الْحَلِيم، الْعَلِيم، السَّمِيع، الْبَصِير، الْحَيّ، الْكَافِي، الْوَاسِع، اللَّطِيف، الْخَبِير، الحنان، المنان، البديع، الْوَدُود، الغفور، الشكُور، الْمجِيد، المبدئ، المعيد، النُّور، البارئ، الأول، الآخر، الظَّاهِر، الْبَاطِن، الْغفار، الْوَهَّاب، القهار، الْأَحَد، الصَّمد، الْبَاقِي، الْوَكِيل، المغيث، الدَّائِم، المتعال، ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام، الْوَلِيّ، الْبَصِير، الْحق، الْمُبين، الْبَاعِث، الْمُجيب، المحيي، المميت، الْجَمِيل، الْعَادِل، الحفيظ، الْكَبِير، الْقَرِيب، الرَّقِيب، الفتاح، الْعَلِيم، التواب، الْقَدِيم، الأكرم، الرءوف، الْمُدبر، الفاطر، الرَّزَّاق، العلام، الْعلي، الْعَظِيم، الْمُغنِي، المليك، المقتدر، الْمَالِك، الْقَدِير، الْهَادِي، الشاكر، الرفيع، الْكَفِيل، الْجَلِيل، الْكَرِيم، ذُو المعارج، ذُو الْفضل» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مَحْفُوظ من حَدِيث أَيُّوب وَهِشَام، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مُخْتَصرا دون ذكر الْأَسَامِي الزَّائِدَة فِيهَا كلهَا فِي الْقُرْآن، وَعبد الْعَزِيز بن الْحصين ثِقَة و [إِن] لم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا جعلته شَاهدا للْحَدِيث الأول. قلت: إِنَّمَا لم يخرجَا لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا جرحاه، قَالَ مُسلم فِيهِ: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَضَعفه عَلّي وَيَحْيَى، وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَا يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 481 ابْن حبَان: يروي المقلوبات عَن الْأَثْبَات والموضوعات عَن الثِّقَات؛ فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَلم أر أحدا وَثَّقَهُ، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ - بعد إِخْرَاجه من هَذِه الطَّرِيق -: تفرد بِهَذِهِ الرِّوَايَة عبد الْعَزِيز هَذَا، وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل النَّقْل، ضعفه يَحْيَى بن معِين وَالْبُخَارِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون التَّفْسِير وَقع من بعض الروَاة، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، وَلِهَذَا الِاحْتِمَال [ترك] خَ م إِخْرَاج حَدِيث الْوَلِيد فِي الصَّحِيح؛ فَإِن [كَانَ] مَحْفُوظًا عَن رَسُول الله فَكَأَنَّهُ قصد أَن من [أحصى] من أَسمَاء الله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما دخل الْجنَّة، أحصاها من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم أَو من عبد الْعَزِيز أَو من سَائِر مَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: هَذِه الْأَسْمَاء رويت مَعْدُودَة فِي الحَدِيث نَفسه عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيق ابْن سِيرِين بِزِيَادَة وَنقص. رَوَاهُ عَنهُ أَيُّوب وَهِشَام، رَوَاهُ عَنْهُمَا عبد الْعَزِيز بن الْحصين وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة - وَإِن كَانَ عِنْدهم مَأْمُونا - لَكِن لَا يعلم هَل تَفْسِير هَذِه الْأَسْمَاء فِي الحَدِيث هَل هِيَ من قَول الرَّاوِي أَو من قَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ والظواهر أَنَّهَا من قَول الرَّاوِي؛ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن أَصْحَاب الحَدِيث لم يذكروها. وَالثَّانِي: أَن فِيهَا تَفْسِيرا بِزِيَادَة ونقصان، وَذَلِكَ لَا يَلِيق بالمرتبة الْعليا النَّبَوِيَّة، قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 482 الإقليسي: عبد الْعَزِيز هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث، وَأولَى الرِّوَايَات بالتعويل مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ حكم بهَا أصح. وَكَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» سَوَاء وباقيها مُضْطَرب. وَقَالَ ابْن حزم فِي «الْمُحَلَّى» بعد أَن رَوَى حَدِيث الصَّحِيح: قَالَ الله: (إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم) فصح أَنه لَا يحل لأحدٍ أَن يُسَمِّي الله إِلَّا بِمَا سَمّى بِهِ نَفسه، وَصَحَّ أَن أسماءه لَا تزيد عَلَى تِسْعَة وَتِسْعين شَيْئا، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «مائَة إِلَّا وَاحِدًا» فنفى الزِّيَادَة وأبطلها [لَكِن يخبر عَنهُ بِمَا يفعل تَعَالَى] وَجَاءَت أَحَادِيث فِي إحصائها مضطربة لَا يَصح مِنْهَا شَيْء أصلا، وَإِنَّمَا تُؤْخَذ من [نَص] الْقُرْآن وَبِمَا صَحَّ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد بلغ [إحصاؤنا مِنْهَا] إِلَى مَا نذكرهُ، وَهِي: الله [الرَّحْمَن، الرَّحِيم] الْعَلِيم، الْحَكِيم، الْكَرِيم، الْعَظِيم، الْحَلِيم، القيوم [الأكرم] السَّلَام، التواب، الرب، الْوَهَّاب، الْإِلَه، الْقَرِيب، السَّمِيع، الْمُجيب، الْوَاسِع، الْعَزِيز، الشاكر، القاهر، الآخر، الظَّاهِر، الْكَبِير، الْخَبِير، الْقَدِير [الْبَصِير] الغفور، الشكُور، الْغفار، القهار، الْجَبَّار، المتكبر، المصور، الْبر، المقتدر، البارئ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 483 الْعلي [الْغَنِيّ] الْوَلِيّ، الْقوي، (المحيي) الْمجِيد، الحميد، الْوَدُود، الصَّمد، الْأَحَد، الْوَاحِد، الأول، الْأَعْلَى، المتعال، الْخَالِق، الخلاق، الرَّزَّاق، الْحق، اللَّطِيف، رءوف، عَفْو، الفتاح، المتين، الْمُبين، الْمُؤمن، الْمُهَيْمِن، الْبَاطِن، القدوس، [الْملك] ، مليك، الْأَكْبَر، الْأَعَز، السَّيِّد، سبوح، وتر، محسان، جميل، رَفِيق (الْمعز) الْقَابِض، الباسط، الشافي، الْمُعْطِي، الْمُقدم، الْمُؤخر، الدَّهْر» . قَالَ الْقُرْطُبِيّ: عجب لِابْنِ حزم لم يكمل التِّسْعَة وَالتسْعين اسْما من الْكتاب، وَإِنَّمَا ذكر مِنْهَا أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ، وَالله يَقُول: (مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء) فَترك: اللَّهُمَّ، والصادق، والمستعان، ومحيطًا، وحافظًا، وفعالاً، وكاف، وَنور، ومخرج، فاطر، فالق، بديع، رَافع، وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ: «الْخَافِض، الرافع» قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ: وَلم أعرف أحدا من الْعلمَاء اعتنى بِطَلَب الْأَسْمَاء وَجَمعهَا سُوَى رجل من حفاظ أهل الْمغرب يُقَال لَهُ: عَلّي بن حزم؛ فَإِنَّهُ قَالَ: صَحَّ عِنْدِي قريب من ثَمَانِينَ اسْما [اشْتَمَل] عَلَيْهَا الْكتاب والصحاح من الْأَخْبَار؛ ليطلب الْبَاقِي بطرِيق الِاجْتِهَاد، وَأَظنهُ لم يبلغهُ الحَدِيث الَّذِي فِي عدد الْأَسَامِي، وَإِن كَانَ بلغه فَكَأَنَّهُ استضعف إِسْنَاده؛ إِذْ عدل عَنهُ إِلَى الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الصِّحَاح وَإِلَى استنباط ذَلِك مِنْهَا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 484 قلت: قد بلغه وَضَعفه كَمَا تقدم، وتحامل القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ عَلَى ابْن حزم، فَقَالَ فِي «أَحْكَامه» : قَالَ سخيف من المغاربة: [عددت] أَسمَاء الله فَوَجَدتهَا ثَمَانِينَ. قَالَ: وَلَيْسَ الْعجب مِنْهُ؛ إِنَّمَا الْعجب من [الطوسي] أَن يَقُول: وَقد عد بعض حفاظ الْمغرب [الْأَسْمَاء] فَوَجَدَهَا ثَمَانِينَ حسب مَا نَقله إِلَيْهِ طريد [طريف] ببورقة الْحميدِي؛ وَإِنَّمَا وَقع أَبُو حَامِد فِي ذَلِك بجهله [بالصناعة] إِنَّمَا كَانَ فصيحًا ذَرِب اللِّسَان، ذَرِب القَوْل فِي الاسترسال عَلَى الْكَلِمَات الصائبة لَكِن القانون كَانَ عَنهُ نَائِيا. وَقَالَ ابْن عَطِيَّة فِي «تَفْسِيره» : حَدِيث التِّرْمِذِيّ لَيْسَ بالمتواتر، وَفِي بعض أَسْمَائِهِ شذوذ؛ إِنَّمَا الْمُتَوَاتر مِنْهُ إِلَى قَوْله: «دخل الْجنَّة» . وَورد فِي بعض دُعَاء رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «يَا حنان يَا منان» وَلم يَقع هَذَانِ الاسمان فِي تَسْمِيَة التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الجناد: رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات، وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ، لِأَن هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكر فِيهَا الْأَسْمَاء مُعَارضَة عَنهُ لمن ذكر الحَدِيث بِدُونِهَا، وَأَنت تعلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 485 بِأَدْنَى نظر أَن لَيست هَذِه مُعَارضَة فَيحْتَاج إِلَى التَّرْجِيح بَين الروَاة، وَإِذا كَانَ الرَّاوِي الَّذِي ذكر الْأَسْمَاء فِي رِوَايَته عدلا فرواية الْعدْل مَقْبُولَة، وَمَا ذكره ابْن العربى من أَنه لَا يعلم هَذِه الْأَسْمَاء فِي الحَدِيث من قَول الرَّاوِي أَو من قَول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فاحتمال يتَطَرَّق لكل حَدِيث، فَيكْرَه طرح كل حَدِيث والتوقف عَنهُ، وكل حَدِيث مَرْوِيّ إِلَى هَذَا فَهُوَ بَاطِل مَرْدُود، وَلَا يَبْقَى أَن ترو الْآي وَالْأَحَادِيث بِالِاحْتِمَالِ الْعقلِيّ، وَإِنَّمَا تحمل الْآي وَالْأَحَادِيث عَلَى الِاحْتِمَال اللّغَوِيّ، وَهَذَا أصل عَظِيم فِي التَّأْوِيل فِي سَائِر أَحْكَام الشَّرِيعَة، فَكيف فِي أَسمَاء الله - تَعَالَى - الَّتِي اتّفق الْجَمِيع عَلَى أَنه لَا يجوز وَضعهَا بِالِاجْتِهَادِ فَكيف يظنّ بالصاحب أَنه وَضعهَا من عِنْد نَفسه أَو وَضعهَا بِالِاجْتِهَادِ؛ بل الْأَقْرَب أَن يُقَال: إِنَّمَا أسقطها من قصر حفظه عَن الْإِتْيَان بهَا عَلَى وَجههَا. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث يجب قَوْله وَالْعَمَل بِهِ وَالرُّجُوع إِلَيْهِ، وَقد ورد فِي هَذَا الحَدِيث من غير هَذَا السَّنَد زِيَادَة وَنقص وتبديل، وَلكنه بطرِيق معتل؛ فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ. قلت: يُرِيد حَدِيث عبد الْعَزِيز بن الْحصين، وَبَقِي لهَذَا الحَدِيث طَريقَة أُخْرَى لم يذكرهَا: أخرجه ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من طَرِيق هِشَام بن عمار، ثَنَا عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد التَّمِيمِي، ثَنَا مُوسَى بن عقبَة، ثَنَا عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما، مائَة إِلَّا وَاحِدًا، إِنَّه وتر يحب الْوتر، من حفظهَا دخل الْجنَّة ... » . فَذكرهَا، وعلته مِنْهَا مَا لم يَقع فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَإِن كَانَ بَعْضهَا قد وَقع فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ. فَأَما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 486 مَا لم يَقع فِيهَا: الْبَار، الراشد، الْبُرْهَان، الشَّديد، الوافي، الغانم، الْحَافِظ، النَّاظر، السَّامع، الْمُعْطِي، الْأَبَد، الْمُنِير، التَّام. قَالَ زُهَيْر: فَبَلغنَا من غير وَاحِد من أهل الْعلم أَن أَولهَا يفْتَتح بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله، لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِسْنَاده حسن. هِشَام أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره، وَعبد الْملك قَالَ أَبُو حَاتِم (الرَّازِيّ) : يكْتب حَدِيثه، وَسُئِلَ عَنهُ دُحَيْم فَكَأَنَّهُ ضجعه. وَزُهَيْر خرج لَهُ خَ م، وَسَائِر السَّنَد مَعْرُوف رِجَاله. قلت: عبد الْملك قَالَ فِيهِ سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن: ثِقَة. ووهاه ابْن حبَان فَقَالَ: يُجيب فِيمَا يسْأَل عَنهُ حَتَّى ينْفَرد بالموضوعات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بروايته. وَزُهَيْر ثِقَة فِيهِ لين وَإِن كَانَ بِنَفسِهِ، وَلَا يتقاصر هَذَا السَّنَد عَن الْحسن كَمَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ، هَذَا مَجْمُوع مَا حضر لي من طرق حَدِيث أَسمَاء الله الْحُسْنَى وَكَلَام الْحفاظ عَلَيْهَا، وَهُوَ جليل حفيل، فَلَا يَضرك طوله، وأختم الْكَلَام فِيهِ بأمرين: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 487 أَحدهمَا: اخْتلف الْعلمَاء فِي مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «من أحصاها دخل الْجنَّة» عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال حَكَاهَا الْخطابِيّ. أَحدهَا: وَبِه فسر البُخَارِيّ وَالْأَكْثَرُونَ أَن مَعْنَاهُ: حفظهَا. وتؤيدها رِوَايَة مُسلم السَّابِقَة: «من حفظهَا دخل الْجنَّة» وَكَذَا رَوَاهُ الْمحَاربي عَلَى مَا سبق. وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ: من عرف مَعَانِيهَا وآمن بهَا. وَالثَّالِث: من أطاقها بِحسن الرِّعَايَة لَهَا وتخلق بِمَا يُمكنهُ من الْعَمَل بمعانيها. وَالرَّابِع: مَعْنَاهُ أَن يقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى يختمه [فَإِنَّهُ] يَسْتَوْفِي هَذِه الْأَسْمَاء كلهَا فِي أَضْعَاف التِّلَاوَة؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: من حفظ الْقُرْآن وقرأه فقد اسْتحق دُخُول الْجنَّة، وَذهب إِلَى نَحْو من هَذَا: أَبُو عبد الله الزبيري، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: جعل - أَعنِي: الزبيري - عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَسمَاء الله كلهَا مَوْجُودَة فِي الْقُرْآن. قَالَ: وَقد أخرجهَا عَنهُ فَوَجَدَهَا مائَة وَثَلَاثَة عشر اسْما. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي «أَحْكَامه» أَنَّهَا نزلت إِلَى ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة من الْكتاب وَالسّنة، وَذكر الْأَئِمَّة. وَذكر فِي كتاب «الأمد» أَنه اجْتمع لَهُ مِائَتَا اسْم وَسَبْعَة وَسِتُّونَ اسْما. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَالصَّحِيح أَن المُرَاد الإحصاء أَمر زَائِد عَلَى الْعد وَالْحِفْظ. قَالَ ابْن الْحصار: وأظن أَنِّي رَأَيْت فِي بعض التواليف أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا من أحصى جَمِيع الْأَسْمَاء الْحُسْنَى. وَهَذَا إفراط وَجَهل، وَقَائِل هَذِه الْمقَالة يكفر كثيرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 488 مِمَّن ينتمي إِلَى الْعلم وَالْعُلَمَاء فضلا عَن الْمُسلمين، وَفِي «الصَّحِيح» : «مَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرمه الله عَلَى النَّار» قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وأحصاها مَهْمُوز اللَّام وَغير مَهْمُوز لُغَتَانِ. الْأَمر الثَّانِي: أسميت هَذِه الْأَسْمَاء حَتَّى تسْأَل لما فِيهَا من الْعُلُوّ، وَقيل: لما وعد فِيهَا من الثَّوَاب، وَقيل: لكَونهَا حَسَنَة فِي الأسماع والقلوب. و «المقيت» رُوِيَ بِالْقَافِ، قَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : بِالْقَافِ ذهب إِلَيْهِ ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» وَرُوِيَ «الْمُبين» بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ «الرافع» بدل «الْمَانِع» وَمحل الْخَوْض فِي هَذَا كتب الْأَسْمَاء الْحُسْنَى، وَقد أفردها بالتصنيف جمع كَابْن الْعَرَبِيّ وَالْغَزالِيّ والحليمي وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهم، وَآخرهمْ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ فِي مجلدين ضخمين، فأجاد وَأفَاد رَحْمَة الله عَلَيْهِم، وَهَذَا الْقدر الَّذِي كتبنَا هُوَ مَقْصُود الْحَلِيمِيّ، وَلَعَلَّه فهم مَا فِي هَذِه الْكتب، وَالله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 489 كتاب النَّذر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 491 كتاب النَّذر ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث عشْرين حَدِيثا: الأول أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نذر أَن يطع الله فليطعه، وَمن نذر أَن يعْص الله فَلَا يَعْصِهِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» كَذَلِك من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. زَاد الطَّحَاوِيّ: «وليكفر عَن يَمِينه» قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذِه الزِّيَادَة عِنْدِي مَشْكُوك فِي [رَفعهَا] . الحَدِيث الثَّانِي أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِيمَا [لَا] يملكهُ ابْن آدم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 493 عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل ذَكرْنَاهُ بِطُولِهِ فِي بَاب الْأمان. الحَدِيث الثَّالِث أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أوف بِنَذْرِك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحهمَا» وَقد سلف فِي كتاب الِاعْتِكَاف. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا نذر إِلَّا فِيمَا يبتغى بِهِ وَجه الله - تَعَالَى - وَلَا يَمِين فِي قطيعة رحم» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نظر إِلَى أَعْرَابِي قَائِم فِي الشَّمْس وَهُوَ يخْطب فَقَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: نذرت يَا رَسُول الله أَن لَا أَزَال فِي الشَّمْس حَتَّى تفرغ فَقَالَ رَسُول الله: لَيْسَ هَذَا نذرا، إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله!» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا نذر إِلَّا فِيمَا ابْتغِي [بِهِ] وَجه الله» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أدْرك رجلَيْنِ وهما مقترنان يمشيان إِلَى الْبَيْت، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا بَال الْقرَان؟ قَالَا: يَا رَسُول الله، نذرنا أَن نمشي إِلَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 494 الْبَيْت مقترنين. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَيْسَ هَذَا نذرا - فَقطع قرانهما - إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله» وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ «أَن امْرَأَة أبي ذَر جَاءَت عَلَى الْقَصْوَاء - رَاحِلَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى أناخت عِنْد الْمَسْجِد، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، نذرت لَئِن نجاني الله عَلَيْهَا لآكلن من كَبِدهَا وسنامها. قَالَ: بئس مَا جزيتيها، لَيْسَ هَذَا نذرا إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغِي بِهِ وَجه الله» . الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا نذر فِي مَعْصِيّة، وكفارته كَفَّارَة يَمِين» . هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا - وَهُوَ أمثلها - من طَرِيق عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مَرْفُوعا، رَوَاهُ كَذَلِك النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْحَاكِم: [هَذَا حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن الزبير بن الْحسن عَن عمرَان، وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى بن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه، عَن عمرَان] قَالَ: وَقد أعضله معمر عَن يَحْيَى بن أبي كثير، قَالَ: حَدثنِي رجل من بني حنيفَة عَن عمرَان. قَالَ: وَهَذَا الرجل هُوَ مُحَمَّد بن الزبير بِلَا شكّ، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول من بني حَنْظَلَة فَقَالَ: من بني حنيفَة، فَأَما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله» فقد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 495 اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، ومدار الحَدِيث عَلَى مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، وَلَيْسَ يَصح. هَذَا آخر كَلَام الْحَاكِم، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم يَحْيَى بن أبي كثير وَالثَّوْري وَأَبُو بكر النَّهْشَلِي وَغَيرهم، فَقَالُوا: عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَن أَبِيه، عَن عمرَان، وَلم يذكرُوا السماع كَمَا [ذكره] جرير بن حَازِم، عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَن أَبِيه، سَمِعت عمرَان بن حُصَيْن ... الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الْوَارِث، عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَمَّن سمع من عمرَان مَرْفُوعا. قَالَ: وَحَدِيث عبد الْوَارِث هَذَا أشبه؛ لِأَنَّهُ قد بَين عَورَة الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه، عَن عمرَان. ثمَّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن رجل من بني حَنْظَلَة، عَن عمرَان بن عدي. هَذَا الحَدِيث مَشْهُور بِمُحَمد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه عَن عمرَان، وَاخْتلف عَلَيْهِ فِي إِسْنَاده وَمَتنه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُنْقَطع، الزبير لم يسمع من عمرَان. قَالَ يَحْيَى بن معِين: قيل لمُحَمد بن الزبير: أسمع أَبوك من عمرَان؟ (قَالَ: لَا) . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالَّذِي يدل عَلَى هَذَا أَن ابْن الْمُبَارك رَوَاهُ عَن عبد الْوَارِث بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن أَبِيه أَن رجلا حَدثهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 496 «أَنه سَأَلَ عمرَان بن الْحصين ... » قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقيل: عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي، عَن رجل صَحبه، عَن عمرَان. وَقيل: عَن مُحَمَّد بن الزبير، عَن الْحسن، عَن عمرَان قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطع؛ فَلَا يَصح عَن الْحسن عَن عمرَان سَماع من وَجه صَحِيح يثبت مثله، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لم يَصح عَن الْحسن عَن عمرَان سَماع من وَجه صَحِيح يثبت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمُحَمّد بن الزبير الْحَنْظَلِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: إِن الْحسن لم يسمع من عمرَان. وَقَالَ هُوَ وجماعات: إِن الْحسن سمع من عمرَان. فَجزم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِأَنَّهُ سمع مِنْهُ، ذُكِرَ ذَلِك فِي حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة «كَانَت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سكتتان» وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ إِيرَاد شَيْخه ابْن خُزَيْمَة أَيْضا؛ فَإِن [الْحَاكِم] أخرج لَهُ حَدِيثا «فِي طيب الرِّجَال: ريح لَا لون لَهُ، وَطيب النِّسَاء لون لَا ريح لَهُ» وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ؛ فَإِن مَشَايِخنَا - وَإِن اخْتلفُوا فِي سَماع الْحسن عَن عمرَان فَإِن - أَكْثَرهم عَلَى أَنه سمع مِنْهُ. وَقَالَ الْحَاكِم أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 497 أواخره فِي أَوَائِل بَاب الْأَهْوَال: لم يخرج البُخَارِيّ وَمُسلم هَذِه التَّرْجَمَة وَهِي الْحسن عَن عمرَان. قَالَ: وَذكر أَن الْحسن لم يسمع مِنْهُ. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن الْحسن قد سمع من عمرَان بن حُصَيْن. وَجزم بِهِ فِي أَوَائِل «الْمُسْتَدْرك» فِي كتاب الْإِيمَان، وَكَذَا صَاحب «الْكَمَال» وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: قلت ليحيى بن معِين: الْحسن لَقِي عمرَان بن الْحصين؟ قَالَ: أما حَدِيث الْبَصرِيين فَلَا، وَأما حَدِيث الْكُوفِيّين فَنعم. وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب لَا تَفْرِيط عَلَى من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا، حَدِيثا مُصَرحًا فِيهِ بِأَن الْحسن سمع مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيث «التَّعْرِيس آخر اللَّيْل» ، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَقَالَ صَاحب «الإِمَام» : رِجَاله ثِقَات. الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب «السّنَن الْأَرْبَعَة» وَهُوَ مُنْقَطع وَإِن ذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» لِأَن الزُّهْرِيّ لم يسمع هَذَا الحَدِيث من أبي سَلمَة. كَذَا قَالَه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أَيُّوب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 498 بن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن أبي بكر بن أبي أويس، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق ومُوسَى بن عقبَة، كِلَاهُمَا عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة. قَالَ أَحْمد بن شبويه: قَالَ ابْن الْمُبَارك فِي هَذَا الحَدِيث: حدث أَبُو سَلمَة فَدلَّ عَلَى أَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من أبي سَلمَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. قَالَ: وَهُوَ أصح من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: سُلَيْمَان بن أَرقم مَتْرُوك الحَدِيث، خَالفه غير وَاحِد من أَصْحَاب يَحْيَى فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا حَدِيث مقلوب الْإِسْنَاد. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: حدث [أَبُو] سَلمَة. وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث لم يسمعهُ الزُّهْرِيّ من أبي سَلمَة؛ فقد جَاءَ من طَرِيق آخر عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أَبَا سَلمَة قَالَ: (رُبمَا) يدل عَلَى أَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من أبي سَلمَة؛ وَإِنَّمَا سَمعه من (سُلَيْمَان بن أَرقم مَا أَنبأَنَا بِهِ شَيخنَا) وَذكر بِإِسْنَادِهِ عَن الزُّهْرِيّ، عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 499 عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، وَهَذَا وهم من سُلَيْمَان؛ فيحيى بن أبي كثير إِنَّمَا رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي عَن أَبِيه عَن عمرَان مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث غَالب بن عبيد الله الْعقيلِيّ الْجَزرِي، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «من جعل عَلَيْهِ نذر فِي مَعْصِيّة، فكفارته كَفَّارَة يَمِين» . وغالب هَذَا ضَعِيف بِمرَّة، قَالَ الْأَزْدِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. فتلخص ضعف هَذِه الطّرق بالانقطاع وَغَيره، وَمِمَّنْ ضعفه من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدرقطني من رِوَايَة عَائِشَة وَعمْرَان. وَضعفهمَا فَقَالَ: وَاتفقَ الْحفاظ عَلَى ذَلِك. وَقَالَ فِي «الرَّوْضَة» : حَدِيث «لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة يَمِين» ضَعِيف بِاتِّفَاق الْمُحدثين. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث كريب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من نذر نذرا فِي مَعْصِيّة فكفارته كَفَّارَة يَمِين» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه طول، وَذكر أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس وَإِسْنَاده جيد، وَأعله ابْن حزم فِي «محلاه» فَقَالَ: فِيهِ طَلْحَة بن يَحْيَى، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف جدًّا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 500 قلت: قد قَالَ يَحْيَى بن معِين: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا بَأْس بِهِ. وَاحْتج بِهِ الشَّيْخَانِ؛ نعم قَول ابْن حزم فِيهِ هُوَ قَول يَعْقُوب بن شيبَة، وَقَالَ أَحْمد: مقارب الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي. قَالَ ابْن حزم: وَرُوِيَ مثله عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَبِيه، وَأَبُو أويس ضَعِيف. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ مَرْفُوعا وَهُوَ مُرْسل، قَالَ عبد الْحق: وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد مُرْسل ومنقطع عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن رجل من بني حنيفَة وَأبي سَلمَة، كِلَاهُمَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... الحَدِيث. الحَدِيث [السَّادِس] «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي الْقصر: إِن الله تصدق [عَلَيْكُم] فاقبلوا صدقته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث يعْلى بن أُميَّة، عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي بَاب الْوضُوء وَبَاب صَلَاة الْمُسَافِر. الحَدِيث السَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع قَالَ الرَّافِعِيّ: رغب فِي عِيَادَة الْمَرْضَى وَفِي إفشاء السَّلَام عَلَى الْمُسلمين وَفِي زِيَارَة القادمين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 501 هُوَ كَمَا قَالَ، أما الأول: فصح فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من أَتَى أَخَاهُ الْمُسلم عَائِدًا مشي فِي خرفة الْجنَّة حَتَّى يجلس؛ فَإِذا جلس غمرته الرَّحْمَة، فَإِن كَانَ غدْوَة صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك حَتَّى يُمْسِي، وَإِن كَانَ مسَاء صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك حَتَّى يصبح» رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِنَحْوِهِ، وبيَّن بِذكر أَوله وَزَاد: «وَكَانَ لَهُ خريف فِي الْجنَّة» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من عَاد مَرِيضا نَادَى مُنَاد من السَّمَاء: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الْجنَّة منزلا» روياه أَيْضا. وَمِنْهَا حَدِيث ثَوْبَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن (الْمُؤمن) إِذا عَاد أَخَاهُ الْمُسلم لم يزل فِي [خرفة] الْجنَّة» رَوَاهُ مُسلم. وَمِنْهَا حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من عَاد مَرِيضا لم يزل يَخُوض فِي الرَّحْمَة حَتَّى يجلس؛ فَإِذا جلس اغتمس فِيهَا» رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 502 وَأما الثَّانِي: وَهُوَ ترغيبه فِي إفشاء السَّلَام عَلَى الْمُسلمين، فَصَحِيح عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، وَقد تقدم جملَة مِمَّا ورد فِي ذَلِك فِي أَوَائِل كتاب السّير وَاضحا. وَأما الثَّالِث: فَالَّذِي يحضرني مِنْهُ فِي اسْتِحْبَاب الزِّيَارَة مُطلقًا حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي مُسلم عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَن رجلا زار أَخا لَهُ فِي قَرْيَة أُخْرَى، فأرصد الله [لَهُ] عَلَى مدرجته ملكا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيد أَخا لي فِي هَذِه الْقرْيَة. قَالَ لَهُ: هَل لَك من نعْمَة ترُبُها؟ قَالَ: لَا؛ غير أَنِّي أحببته فِيهِ» . وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من عَاد مَرِيضا أَو زار أَخا لَهُ فِي الله ناداه مناديان: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الْجنَّة منزلا» قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَلَا يحضرني الْآن شَيْء من الْأَحَادِيث عَلَى طبق مَا ذكره المُصَنّف لَهُ. الحَدِيث الْعَاشِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب إِذا هُوَ بِرَجُل قَائِم فِي الشَّمْس فَسَأَلَ عَنهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيل، نذر أَن يقوم وَلَا يقْعد، وَلَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم، ويصوم. فَقَالَ (: مروه فَلْيَتَكَلَّمْ وليستظل، وليقعد وليتم صَوْمه» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 503 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَلَيْسَ فِيهَا «فِي الشَّمْس» نعم هُوَ فِي «صَحِيح ابْن حبَان» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه كَذَلِك، وَكلهمْ من رِوَايَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ البُخَارِيّ: رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب، عَن عِكْرِمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي: مُرْسلا. وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن حميد بن قيس وثور بن يزِيد مُرْسلا «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى رجلا قَائِما فِي الشَّمْس ... » وَذكر الحَدِيث، وَزَاد قَالَ: «مَالك فَأمره رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بإتمام مَا كَانَ لله طَاعَة وَترك مَا كَانَ مَعْصِيّة» وَلم يبلغنِي أَنه أمره بكفارة. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج أَخْبرنِي ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن أبي إِسْرَائِيل قَالَ: «دخل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمَسْجِد وَأَبُو إِسْرَائِيل يُصَلِّي، [فَقيل] لرَسُول الله: هُوَ ذَا يَا رَسُول الله لَا يقْعد وَلَا يكلم النَّاس، وَلَا يستظل وَهُوَ يُرِيد الصّيام. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ليقعد وليكلم النَّاس وليستظل وليصم» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن طَاوس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِأبي إِسْرَائِيل وَهُوَ قَائِم فِي الشَّمْس ... » الحَدِيث، وَفِي آخِره: «وَلم يَأْمر بكفارة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل جيد. قَالَ: وَفِيه وَفِيمَا قبله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 504 دلَالَة عَلَى أَنه لم يَأْمُرهُ بكفارة. قَالَ: وَرَوَاهُ الْحسن بن عمَارَة عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس بِمثلِهِ، وَفِي آخِره: «وَلم يَأْمُرهُ بِالْكَفَّارَةِ» . وَرُوِيَ [عَن] مُحَمَّد بن كريب عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، وَفِيه الْأَمر بِالْكَفَّارَةِ، وَمُحَمّد بن كريب ضَعِيف. ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ، وَفِي آخِره: «فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اقعد واستظل وَتكلم وَكفر» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدته: «وَكفر» وَعِنْدِي أَن ذَلِك خطأ وتصحيف، وَإِنَّمَا هُوَ «وصم» كَمَا فِي سَائِر الرِّوَايَات. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي، نَا عبد الله بن عمر، عَن أَخِيه عبيد الله بن عمر، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مر بِرَجُل قَائِم فِي الشَّمْس، فَقَالَ: مَا هَذَا ... » الحَدِيث، عبد الله - المكبر فِيهِ - ضَعِيف، وَرَوَى لَهُ مُسلم مَقْرُونا، وَقَالَ ابْن معِين: صُوَيْلِح. وَتكلم فِيهِ غَيره، والاعتماد فِي طرق هَذَا الحَدِيث عَلَى مَا تقدم. (فَائِدَة) أَبُو إِسْرَائِيل الْمَذْكُور فِي الحَدِيث قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي «المبهمات» : هُوَ أَبُو إِسْرَائِيل العامري، قيل: اسْمه: قَيْصر. قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْبَصْرِيّ: لَيْسَ فِي أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من كنيته أَبُو إِسْرَائِيل غير هَذَا، وَلَا من اسْمه: قَيْصر. غَيره، وَلَا يعرف إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. قلت: وَقيل اسْمه قُشَيْر، قَالَه المنيعي، وَلَعَلَّه الشَّيْخ زكي الدَّين فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 505 «حَوَاشِي السّنَن» عَن أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، وَابْن [معن] فِي «التنقيب» عَن أبي نعيم، وَقَالَهُ أَيْضا الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي «معرفَة الصَّحَابَة» وَهَذَا نَصه: قُشَيْر أَبُو إِسْرَائِيل الَّذِي نذر أَن يَصُوم وَلَا يتَكَلَّم وَيقوم فِي الشَّمْس. ذكره الْبَغَوِيّ وَسَماهُ قشيرًا، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نذر أَبُو إِسْرَائِيل قُشَيْر» رَوَاهُ كريب عَنهُ، وَوَقع فِي بعض نسخ «الْمُهَذّب» : ابْن إِسْرَائِيل، وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب أَبُو إِسْرَائِيل، كَمَا وَقع فِي بعض نسخه، نبه عَلَى ذَلِك النَّوَوِيّ فِي «التَّهْذِيب» وَغَيره. الحَدِيث الْحَادِي عشر «أَن الْمُشْركين استاقوا سرح الْمَدِينَة وَفِيه العضباء نَاقَة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأسروا امْرَأَة من الْأَنْصَار، فَلَمَّا نَامُوا قَامَت وَركبت العضباء، ونذرت لَئِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها، فَلَمَّا أَتَت الْمَدِينَة أخْبرت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بذلك، فَأخذ النَّاقة وَقَالَ: لَا نذر فِيمَا لَا يملك ابْن آدم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي بَاب الْأمان. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حج رَاكِبًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح متكرر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة، وَمِنْهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 506 حَدِيث أنس فِي «صَحِيح البُخَارِيّ» أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حج عَلَى رَحل (وَكَانَ) زاملته» . الحَدِيث الثَّالِث عشر اشْتهر عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَالَ لعَائِشَة: أجرك عَلَى قدر نصبك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَنهُ (وَقد رَوَاهُ كَذَلِك البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَفِي رِوَايَة «عَلَى قدر عنائك ونصبك» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» رَوَى عَنْهَا «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لَهَا فِي [عمرتها] : إِن لَك [من] الْأجر عَلَى قدر نصبك ونفقتك» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد صَحِيح ... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: إِنَّمَا أجرك فِي عمرتك عَلَى قدر نَفَقَتك» . الحَدِيث الرَّابِع عشر «أَن أُخْت عقبَة نذرت أَن تحج مَاشِيَة، فَسئلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقيل: إِنَّهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 507 [لَا] تطِيق ذَلِك، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فلتركب ولتهد هَديا» . وَفِي رِوَايَة «بَدَنَة» . هَذَا الحَدِيث أَصله فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من طَرِيق أبي الْخَيْر [عَن] عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نذرت أختى أَن تمشي إِلَى بَيت الله، وأمرتني أَن أستفتي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: لتمش ولتركب» . وَمَعْنَاهُ - وَالله أعلم -: لتمش إِذا قدرت وتركب إِذا عجزت أَو شقّ عَلَيْهَا الْمَشْي. وَكَذَا ترْجم لَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَله طَرِيق آخر أوضحتها فِي «شرحي للعمدة» فَرَاجعهَا مِنْهُ تَجِد مَا يشفي العليل. فَائِدَة: أُخْت عقبَة هِيَ أم حبَان - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ ألف ثمَّ نون - بنت عَامر أسلمت وبايعت، أغفلها ابْن عبد الْبر فِي «استيعابه» واستدركته عَلَيْهِ، أَفَادَهُ الْمُنْذِرِيّ وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي «مُعْجَمه» . تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر أُخْت عقبَة بن عَامر، وَقد نذرت أَن تمشي بِحَجّ أَو عمْرَة» وَهَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة لَا يحضرني من خرجها بعد الْبَحْث عَنْهَا. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: الْمَسْجِد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 508 الْحَرَام، ومسجدي هَذَا، وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى» . هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِنَّمَا يُسَافر إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: مَسْجِد الْكَعْبَة، ومسجدي، وَمَسْجِد إيلياء» . فَائِدَة: أَكثر الرِّوَايَات: «لَا تشد الرّحال» بِضَم التَّاء، عَلَى مَا لم يسم فَاعله. وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن أبي سعيد: «لَا تشدوا» فَسَمَّى الْفَاعِل. الحَدِيث السَّادِس عشر عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت إِن فتح الله عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ: صل هَا هُنَا. فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: صل هَا هُنَا - ثَلَاثًا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَجزم بِكَوْنِهِ عَلَى شَرط مُسلم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي آخر «الاقتراح» وَاللَّفْظ الْمَذْكُور للبيهقي إِلَّا أَنه قَالَ فِي آخِره: «فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فشأنك إِذا» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «قَالَ ذَلِك مرّة وَاحِدَة» زَاد أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: «فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 509 بِالْحَقِّ، لَو صليت هَا هُنَا لأجزأ عَنْك صَلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» وَلَفظه: عَن إِبْرَاهِيم بن عمر [قَالَ: سَمِعت عَطاء] بن أبي رَبَاح [قَالَ] : «جَاءَ الشريد إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم الْفَتْح، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت إِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - فتح عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَا هُنَا (أفضل) ثَلَاث مَرَّات» . فَائِدَة: قَوْله: «شَأْنك» هُوَ مَنْصُوب، أَي: الزم شَأْنك؛ أَي: إِن أَن تَفْعَلهُ فافعله. فَائِدَة أُخْرَى: هَذَا الرجل اسْمه: الشريد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ، كَذَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ السالفة، وَكَذَا قَالَه الْخَطِيب فِي «مبهماته» وَالنَّوَوِيّ فِي «مختصرها» وَابْن معن فِي «تنقيبه عَلَى الْمُهَذّب» قَالَ: وَهُوَ الَّذِي أردفه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَلفه، واستنشده فِي شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت فَأَنْشد مائَة قافية. الحَدِيث السَّابِع عشر قَالَ الرَّافِعِيّ: ورد النَّهْي عَن طروق الْمَسَاجِد إِلَّا لحَاجَة. هُوَ كَمَا قَالَ، وَله طرق: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 510 أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «خِصَال لَا تنبغي فِي الْمَسْجِد: لَا يتَّخذ طَرِيقا، وَلَا يشهر فِيهِ سلَاح، وَلَا ينتثر فِيهِ بقوس، وَلَا ينشر فِيهِ بنبل، وَلَا يمر بِلَحْم فِيهِ، وَلَا يضْرب فِيهِ حد، وَلَا يقْتَصّ فِيهِ من أحد» . قَالَ عبد الْحق فِي «علله» إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَله طَرِيق آخر من حَدِيث ابْن عمر: «أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا، أَو تُقَام فِيهَا الْحَد، أَو تنشد فِيهَا الْأَشْعَار، أَو ترفع فِيهِ الْأَصْوَات» . ذكره ابْن عدي وَأعله عبد الْحق بفرات بن السَّائِب، وَقَالَ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث ضعيفه. هُوَ كَمَا قَالَ. وَفِي «صَحِيح الْحَاكِم» و «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد. ثَانِيهَا: من طَرِيق أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «من أَمَارَات السَّاعَة أَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا، وَأَن يظْهر موت الْفُجَاءَة» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : يرويهِ الشّعبِيّ مُرْسلا. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَفِيه مَعَ ذَلِك انْقِطَاع. ثَالِثهَا: من طَرِيق خَارِجَة بن الصَّلْت قَالَ: «دَخَلنَا مَعَ عبد الله فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام رَاكِع، فَرَكَعَ عبد الله فَرَكَعْنَا مَعَه، وَجعل يمشي إِلَى الصَّفّ وَنحن رُكُوع، فَمر رجل فَسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ: صدق الله وَرَسُوله. فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: كَانَ يُقَال: من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يسلم الرجل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 511 عَلَى الرجل بالمعرفة، وَأَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقًا، وَأَن يتجر الرجل وَامْرَأَته، وَأَن تغلوا الْخَيل وَالنِّسَاء ثمَّ يرخصن ثمَّ لَا تغلوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب مَا يجوز من قِرَاءَة الْقُرْآن وَالذكر فِي الصَّلَاة يُرِيد بِهِ جَوَابا، من حَدِيث عبد الْأَعْلَى بن الحكم عَن خَارِجَة بِهِ. الحَدِيث الثَّامِن عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا تعدل ألف صَلَاة فِي غَيره، وَصَلَاة فِي إيلياء تعدل صَلَاة فِي غَيره، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تعدل مائَة ألف صَلَاة فِي غَيره» . هَذَا الحَدِيث كَذَا ذكره الْغَزالِيّ فِي «وسيطه» وَلَا نعلم هَذَا فِي حَدِيث وَاحِد. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي «كَلَامه عَلَى الْوَسِيط» أَن الْغَزالِيّ سَاقه مساق حَدِيث وَاحِد، قَالَ: وَهُوَ هَكَذَا بِتَمَامِهِ غير ثَابت - فِيمَا أعلم - أما الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام» . وَفِي «صَحِيح مُسلم» من ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام» . وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عبد الْبر: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 512 فِي غَيره إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام؛ فَإِنَّهُ أفضل مِنْهُ بِمِائَة صَلَاة» . وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جَابر بِلَفْظ مُسلم، وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث مَيْمُونَة بنت الْحَارِث مثل حَدِيث ابْن عمر. وَأما الصَّلَاة فِي مَسْجِد إيلياء - وَهُوَ الْبَيْت الْمُقَدّس - فَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» من حَدِيث مَيْمُونَة بنت سعد - وَيُقَال: بنت سعيد - مولاة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنَّهَا قَالَت: «قلت: يَا رَسُول الله: أَفْتِنَا فِي بَيت الْمُقَدّس؟ قَالَ: أَرض الْمَحْشَر والمنشر، ائتوه فصلوا فِيهِ؛ فَإِن صَلَاة فِيهِ كألف صَلَاة فِي غَيره. قلت: أَرَأَيْت إِن لم أستطع أَن أحمل إِلَيْهِ؟ قَالَ: فتهدى إِلَيْهِ زيتًا يسرج فِيهِ. وَلم يذكر فضل الصَّلَاة» . وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب بِلَفْظ: «سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن بَيت الْمُقَدّس، قَالَ: نعم السكن بَيت الْمُقَدّس، وَمن صَلَّى فِيهِ صَلَاة بِأَلف صَلَاة فِيمَا سواهُ وَقَالَت: فَمن لم يطق ذَلِك؟ قَالَ: فليهد لَهُ زيتًا» . وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» و «كنى الْحَاكِم أبي أَحْمد» من حَدِيث أنس بن مَالك عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «صَلَاة الرجل فِي بَيته بِصَلَاة، وَصلَاته فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بِخمْس وَعشْرين صَلَاة، وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الَّذِي يجمع فِيهِ بِخَمْسِمِائَة صَلَاة، وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة، وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَصَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 513 وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي «تلخيصه» بِلَفْظ: «صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِخَمْسِينَ صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الَّذِي تجمع فِيهِ الْجُمُعَة بِخمْس وَعشْرين ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بِخمْس وَعشْرين ألف صَلَاة» وَرَوَاهُ فِي غير هَذَا الْكتاب بِلَفْظ: «وَصَلَاة فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بست وَعشْرين ألف صَلَاة» وَفِي إِسْنَاده رُزَيْق - بِتَقْدِيم الرَّاء الْمُهْملَة - الْأَلْهَانِي. قَالَ أَبُو زرْعَة: فَلَا بَأْس بِهِ. نَقله عَنهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي مُقْتَصرا، وَقَالَ ابْن حبَان فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «الضُّعَفَاء» : ينْفَرد بالأشياء الَّتِي لَا تشبه حَدِيث الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا عِنْد الْوِفَاق. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ الْخَطِيب: رُزَيْق هَذَا فِي عداد المجهولين. قلت: وَرَأَيْت ابْن حبَان ذكره فِي «ثقاته» والراوي عَن رُزَيْق لَا يعرف، وَهُوَ أَبُو الْخطاب حَمَّاد. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : لَيْسَ بالمشهور. وَوَقع فِي كَلَام ابْن بدر الْموصِلِي الْحَنَفِيّ أَمر غَرِيب، فَقَالَ فِي كِتَابه الْمُسَمَّى «بالمغني عَن الْحِفْظ وَالْكتاب بقَوْلهمْ لم يَصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب» : بَاب فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس والصخرة وعسقلان وقزوين. ثمَّ قَالَ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير ثَلَاث أَحَادِيث فِي بَيت الْمُقَدّس: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 514 أَحدهَا: «لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاث مَسَاجِد» . ثَانِيهَا: «أَنه سُئِلَ عَن أول بَيت وضع فِي الأَرْض، فَقَالَ: الْمَسْجِد الْحَرَام. ثمَّ قيل: مَاذَا؟ قَالَ: الْمَسْجِد الْأَقْصَى. قيل: كم بَينهمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَاما. ثَالِثهَا: «إِن الصَّلَاة تعدل فِيهِ سَبْعمِائة صَلَاة» . كَذَا قَالَ، وَفِي الثَّالِث، وَفِيه: بل لَا أعلمهُ ورد عوضا عَن صِحَة. وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر مَرْفُوعا: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من أَربع صلوَات فِي بَيت الْمُقَدّس» وَكَذَا اخْتِلَافا فِي إِسْنَاده، وَرَوَاهُ الْحَاكِم كَذَلِك، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَمُقْتَضَى هَذَا أَن تكون الصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس بمائتين وَخمسين صَلَاة. وَرَوَى ابْن عدي فِي «كَامِله» من حَدِيث يَحْيَى بن أبي حَيَّة، عَن عُثْمَان [بن] الْأسود، عَن مُجَاهِد، عَن جَابر مَرْفُوعا: «الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة، وَفِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس خَمْسمِائَة صَلَاة» . وَقد افْتَرَقت أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي يَحْيَى هَذَا (فِي الصَّلَاة) وَأما الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فقد تقدم فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر ومَيْمُونَة، وَرَوَى الإِمَام أَحْمد وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 515 عَن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة صَلَاة فِي مَسْجِدي» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من رِوَايَة أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس خَمْسمِائَة صَلَاة» وَسَنَده مُحْتَمل وَفِيه عَن عطاف بن خَالِد، عَن عُثْمَان بن عبد الله بن الأرقم، عَن جده الأرقم مَرْفُوعا: «صَلَاة (هُنَا) خير من ألف صَلَاة ثمَّ» . يَعْنِي: مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «التَّمْهِيد» هَذَا حَدِيث ثَابت لَا مطْعن لأحد فِيهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: قَالَ الْأَمَام: كَانَ شَيْخي يَقُول: لَو نذر صَلَاة فِي الْكَعْبَة فَصَلى فِي أَطْرَاف الْمَسْجِد الْحَرَام خرج عَن النّذر، وَإِن الزِّيَادَة الَّتِي رويت فِي الحَدِيث السَّابِق - يَعْنِي: الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ أَولا أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «وَصَلَاة فِي الْكَعْبَة تعدل مائَة ألف صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام» . لم يصححها الْأَثْبَات؛ فَلَا تعويل عَلَيْهَا وَالْعلم عِنْد الله. انْتَهَى. وَهَذِه الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة غَرِيبَة جدًّا وبعيدة أَيْضا، نعم فِي «سنَن النَّسَائِيّ» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 516 أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْكَعْبَة» وَفِيه أَيْضا من حَدِيث مَيْمُونَة مَرْفُوعا «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ [من الْمَسَاجِد] إِلَّا الْمَسْجِد الْكَعْبَة» . خَاتِمَة: نقل ابْن دحْيَة فِي كتاب «التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير» أَنه حسب الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام عَلَى رِوَايَة ابْن عمر وَابْن الزبير، فبلغت صَلَاة وَاحِدَة فِيهِ عمر خمس وَخمسين سنة وَسِتَّة أشهر وَعشْرين لَيْلَة، وَصَلَاة يَوْم وَلَيْلَة فِيهِ مِائَتي وَسبع وَسبعين سنة وَتِسْعَة أشهر وَعشر لَيَال، وَهَذَا قد سبقه بِهِ أَبُو بكر النقاش؛ فَإِنَّهُ لما رَوَى عَن أَحْمد بن فياض، ثَنَا أَبُو أَحْمد أَخُو الإِمَام، ثَنَا عبد الله بن عَمْرو، عَن عبد الْكَرِيم، عَن عَطاء، عَن جَابر - رَفعه -: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة» قَالَ: فَحسب ذَلِك عَلَى هَذِه الرِّوَايَة فَذكر مثله حرفا بِحرف، ذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» فِي الْحَج، وَقَوله: «عَن عبد الله بن عَمْرو» خطأ، صَوَابه: عبيد الله - بِالتَّصْغِيرِ - وَحَدِيث جَابر هَذَا أخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» بِإِسْنَاد صَحِيح، فَقَالَ أَحْمد: [ثَنَا] ابْن عبد الْملك، حَدثنَا عبيد الله، عَن عبد الْكَرِيم، عَن عَطاء، عَن جَابر مَرْفُوعا: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 517 مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ» وَعبد الْكَرِيم هُوَ ابْن مَالك الْجَزرِي، أحد الثِّقَات. الحَدِيث التَّاسِع عشر «أَن رجلا نذر أَن ينْحَر إبِلا فِي مَوضِع - سَمَّاهُ - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل فِيهِ وثن من أوثان الْجَاهِلِيَّة يعبد؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، كل رِجَاله أَئِمَّة، مجمع عَلَى عدالتهم من رِوَايَة ثَابت بَين الضَّحَّاك، قَالَ «نذر رجل عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن ينْحَر [إبِلا ببوانة، فَأَتَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر إبِلا] ببوانة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل كَانَ فِيهَا وثن من أوثان الْجَاهِلِيَّة يعبد؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَهَل فِيهَا عيد من أعيادهم؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ رَسُول الله: أوف بِنَذْرِك؛ فَإِنَّهُ لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم» . وَرَوَاهُ أَحْمد بِسَنَدِهِ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن ابْنة كردم، عَن أَبِيهَا «أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر ثَلَاثَة من إبلي. فَقَالَ: إِن كَانَ عَلَى جمع من جمع الْجَاهِلِيَّة أَو عَلَى عيد من أعياد الْجَاهِلِيَّة أَو عَلَى وثن من أوثان الْجَاهِلِيَّة فَلَا، وَإِن كَانَ عَلَى [غير] ذَلِك فَاقْض نذرك. قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عَلَى أم هَذِه الْجَارِيَة مشيًا، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 518 أفأمشي، عَنْهَا؟ قَالَ نعم» . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن عَبَّاس «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت أَن أنحر ببوانة؟ فَقَالَ: فِي نَفسك شَيْء من أَمر الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك» وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة مَيْمُونَة بنت كردم الثقفية «أَن أَبَاهَا لَقِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وهى رديفة كردم، فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر ببوانة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: هَل فِيهَا وثن؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك» وإسنادهما حسن. وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم تعْيين المنحور خلاف مَا وَقع فِي «مُسْند أَحْمد» وَهَذَا لَفظه: «إِنِّي نذرت أَن أذبح عددا من الْغنم. قَالَ: لَا أعلم إِلَّا [خمسين] شَاة عَلَى رَأس بوانة ... » الحَدِيث. تَنْبِيهَات: أَحدهَا: ذكر ابْن دحْيَة فِي كتاب «الْآيَات الْبَينَات» هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أَحْمد، وَفِيه زِيَادَة أنكرها، فعقب ذَلِك بِأَن قَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل بِيَقِين إِذْ لم يَنْقُلهُ أحد من ثِقَات الْمُسلمين. وَهَذَا الْإِطْلَاق لَيْسَ بجيد مِنْهُ. ثَانِيهَا: بُوانة - بِضَم أَوله وبالنون عَلَى بِنَاء فعالة -: مَوضِع بَين الشَّام وَبَين ديار بني عَامر. كَذَا ضَبطه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» وَكَذَا الْحَازِمِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب «الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : بوان بِضَم الْبَاء. وَكَذَا النَّوَوِيّ فِي «مُخْتَصر المبهمات» قَالَ: بوانة، أَولهَا بَاء مُوَحدَة مَضْمُومَة، وَألف ثمَّ نون ثمَّ هَاء. وَحَكَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 519 ابْن الْأَثِير فِي «نهايته» ثمَّ الْمُنْذِرِيّ فتح الْبَاء أَيْضا. قَالَ الْجَوْهَرِي فِي «صحاحه» : وَيُقَال: بوان. بِلَا هَاء، قَالَ ابْن الْأَثِير، ثمَّ الْمُنْذِرِيّ: وبوانة هضبة من وَرَاء يَنْبع قَرْيَة من سَاحل الْبَحْر. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: بوانة أَسْفَل مَكَّة أَسْفَل يَلَمْلَم. ثَالِثهَا: هَذَا الرجل هُوَ كردم بن سُفْيَان، كَمَا سلف عَن رِوَايَة ابْن ماجة، وَقد نبه عَلَيْهِ الْخَطِيب فِي «مبهماته» أَيْضا. رَابِعهَا - وَهُوَ مُهِمّ -: وَهُوَ أَن صَاحب «الْمُهَذّب» ذكر فِي هَذَا الْموضع من كِتَابه حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده «أَن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت أَن أذبح مَكَان كَذَا وَكَذَا - مَكَان يذبح فِيهِ أهل الْجَاهِلِيَّة - قَالَ: لصنم؟ قَالَت: لَا. قَالَ: لوثن؟ قَالَت: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك» فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذَا الحَدِيث غَرِيب، وَلَكِن مَعْنَاهُ مَشْهُور من رِوَايَة ثَابت بن الضَّحَّاك. ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف، وَهَذَا من أغرب مَا اتّفق لَهُ؛ فَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب هَذَا الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» حَدِيث ثَابت فِي كل النّسخ و «الْأَطْرَاف» للمزي وَغَيرهمَا من كتب الْأَحْكَام؛ فَتنبه لذَلِك. الحَدِيث الْعشْرُونَ حَدِيث «الرواح فِي السَّاعَة الأولَى فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة ... » الحَدِيث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 520 وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقد سلف فِي بَابه. خَاتِمَة: قَالَ الرَّافِعِيّ - قبل الحَدِيث الثَّانِي عشر -: إِذا نذر صَوْم بعض يَوْم، هَل ينْعَقد نَذره؟ فِيهِ وَجْهَان: أصَحهمَا: الْمَنْع، وَبَنَى الْمُتَوَلِي الْمَسْأَلَة عَلَى أَن المتنفل إِذا نَوى الصَّوْم نَهَارا يكون صَائِما من وَقت النِّيَّة، أَو من ابْتِدَاء النَّهَار، فَإِن قُلْنَا الأول انْعَقَد نَذره، وَإِن قُلْنَا الثَّانِي؛ فَوَجْهَانِ أَحدهَا: لَا، وَثَانِيها: نعم؛ لِأَنَّهُ ورد أَنه نذر بإمساك بعض النَّهَار [كَمَا] فِي حق من أصبح مُفطرا يَوْم الشَّك ثمَّ بَان أَنه من رَمَضَان. هَذَا آخر مَا ذكره. وَترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بَاب من أصبح يَوْم الشَّك لَا يَنْوِي الصَّوْم ثمَّ علم أَنه من رَمَضَان أمسك بَقِيَّة يَوْمه اسْتِدْلَالا بِحَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث رجلا من أسلم إِلَى قومه يَوْم عَاشُورَاء، فَقَالَ: مرهم فليصوموا [هَذَا الْيَوْم] فَقَالَ: [يَا] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا [أَرَانِي آتيهم] حَتَّى يطعموا! فَقَالَ: من طعم مِنْهُم فليصم بَقِيَّة يَوْمه» رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ مُسلم من وَجه آخر عَن يزِيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِي الحَدِيث «أَنه أَمر بِالْقضَاءِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مسلمة عَن عَمه «أَن أسلم أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْم عَاشُورَاء، فَقَالَ: صمتم يومكم هَذَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَأتمُّوا بَقِيَّة يومكم واقضوه» هَذَا مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 521 وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت: «أرسل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَدَاة عَاشُورَاء إِلَى قرَى الْأَنْصَار الَّتِي حول الْمَدِينَة: من كَانَ أصبح صَائِما فليتم صَوْمه، وَمن كَانَ أصبح مُفطرا فليتم بَقِيَّة يَوْمه. وَكُنَّا بعد ذَلِك نصومه ونصوم صبياننا الصغار» . قَالَ الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنه من تعين عَلَيْهِ صَوْم يَوْم وَلم يُنَوّه لَيْلًا أَن يُجزئهُ نَهَارا قبل الزَّوَال. وَفِيمَا ذكره نظر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 522 كتاب الْقَضَاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 523 كتاب الْقَضَاء ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فَأَرْبَعَة عشر حَدِيثا. الحَدِيث الأول نقل عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر، وَإِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طَرِيق عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور - قَالَ يَعْنِي: ابْن الْهَاد - فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث أَبَا بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَقَالَ: هَكَذَا حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قلت: وَأخرجه من هَذَا الْوَجْه التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنه» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 525 وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ إِلَّا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر. قلت: وَلَا يضر تفرده بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثِقَة، أحد الْأَعْلَام، وَلَا عِبْرَة بِمن تكلم فِيهِ. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : مَا رَوَى معمر عَن الثَّوْريّ مُسْندًا غير هَذَا الحَدِيث. قلت: وَلِلْحَدِيثِ لفظ آخر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو وَعقبَة بن عَامر وَأبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر، وَإِن أصَاب فَلهُ عشرَة أجور» . وَرَوَى الْحَاكِم حَدِيث عبد الله بن عَمْرو ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: وَفِيه: فرج بن فضَالة التنوخي ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَقواهُ الإِمَام أَحْمد، وَأخرجه فِي «مُسْنده» بِدُونِ «فرج» هَذَا، نعم فِيهِ ابْن لَهِيعَة، وَلَفظ رِوَايَته: «فَإِذا اجْتهد وَأَخْطَأ كَانَ لَهُ [أجر أَو] أَجْرَانِ» . وَأخرجه من حَدِيث عَمْرو بن العَاصِي بِلَفْظ: «إِن أصبت الْقَضَاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 526 فلك عشرَة [حَسَنَات] وَإِن أَنْت اجتهدت فأخطأت فلك حَسَنَة» وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَإِذا أَخطَأ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ» . تَنْبِيه: يحْتَاج إِلَى الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث؛ فَإِن ظَاهرهَا الِاخْتِلَاف، وَجمع بَينهمَا الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه جعل لَهُ أَجْرَيْنِ إِذا وصل إِلَى الصَّوَاب بِأول اجْتِهَاده، وَعشرَة أجور [إِذا] وصل بتكرار الِاجْتِهَاد وكثرته، وَثَانِيهمَا: أَنه أخبر بِالْحَسَنَة لمضاعفة الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا، وَأخْبر فِي الْأجر أَمريْن من غير مضاعفة؛ لِأَنَّهُ فِي الأَصْل أجر وَفِي المضاعفة عشر. هَذَا لَفظه. الحَدِيث الثَّانِي رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الله يَوْم الْقِيَامَة: الَّذين إِذا أعْطوا الْحق قبلوه، وَإِذا سئلوه بذلوه، وَإِذا حكمُوا بَين النَّاس حكمُوا كحكمهم لأَنْفُسِهِمْ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْند» عَن حسن [وَيَحْيَى بن إِسْحَاق] ثَنَا ابْن لَهِيعَة، نَا خَالِد بن أبي عمرَان، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ من السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الله تَعَالَى [يَوْم الْقِيَامَة] قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: الَّذين إِذا أعْطوا الْحق قبلوه، وَإِذا سئلوه بذلوه، وحكموا للنَّاس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 527 كحكمهم نفسهم» وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كِتَابه «حلية الْأَوْلِيَاء» من هَذَا الْوَجْه سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة عَن خَالِد بن أبي عمرَان، حدث بِهِ أَحْمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» رِوَايَته عَن حسن، عَن ابْن لَهِيعَة، وَكَذَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» وَرَوَاهُ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص - بتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة، من أَصْحَاب الشَّافِعِيَّة - فِي كتاب «الْقَضَاء» من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن زحر، عَن عَلّي بن زيد، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا: «هَل تَدْرُونَ من السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الله يَوْم الْقِيَامَة؟ ... » فَذكره إِلَّا أَنه قَالَ: «وَإِذا حكمُوا للْمُسلمين حكمُوا كحكمهم لأَنْفُسِهِمْ» بدل مَا ذكر. وَفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «المقسطون عِنْد الله عَلَى مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن، وكلتا يَدَيْهِ يَمِين: الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهلهم وَمَا ولوا» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو هَذَا، فَقَالَ: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف. الحَدِيث الثَّالِث رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا جلس الْحَاكِم للْحكم بعث الله لَهُ ملكَيْنِ يسددانه ويوفقانه (ويرشدانه مَا لم يجر) ، فَإِذا جَار عرجا وتركاه» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 528 سكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي إِسْنَاده: يَحْيَى بن (يزِيد) بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، يكنى أَبَا بردة، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: رَوَى أَحَادِيث مُنكرَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو عَلّي صَالح بن مُحَمَّد الْحَافِظ: هُوَ ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ لَهُ أصل. قَالَ ابْن جريج: لَا يحْتَمل هَذَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : خبر مُنكر أخرجه البُخَارِيّ - أَي: فِي «تَارِيخه» - وَهُوَ [سَاقِط] لِأَنَّهُ من رِوَايَة الْعَلَاء بن عَمْرو الْحَنَفِيّ عَنهُ، والْعَلَاء واه، وَفِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» من حَدِيث ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - « [إِن] الله مَعَ القَاضِي مَا لم يجر» وَفِي رِوَايَة للبيهقي «فَإِذا جَار تخلى عَنهُ وَلَزِمَه الشَّيْطَان» وَلابْن حبَان مِنْهُ إِلَى قَوْله: «مَا لم يجر» وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: «برِئ الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 529 مِنْهُ وَلَزِمَه الشَّيْطَان» . وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلابْن مَاجَه: «إِن الله مَعَ القَاضِي مَا لم يجر؛ فَإِذا جَار وَكله إِلَى نَفسه» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «فَإِذا جَار تَبرأ الله مِنْهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عمرَان الْقطَّان. وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ ابْن صاعد: رَوَاهُ عَمْرو بن عَاصِم عَن عمرَان الْقطَّان. فَلم يذكر فِي إِسْنَاده حُسَيْنًا - يَعْنِي: الْمعلم. وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني من حَدِيث عَنْبَسَة بن سعيد، عَن حَمَّاد مولَى بني أُميَّة، عَن جنَاح مولَى الْوَلِيد، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع مَرْفُوعا: «مَا من مُسلم ولي من أَمر الْمُسلمين شَيْئا إِلَّا بعث الله إِلَيْهِ ملكَيْنِ يسددانه مَا (نَوى) الْحق؛ فَإِذا نَوى الْجور عَلَى عمله كلأه إِلَى نَفسه» . الحَدِيث الرَّابِع «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث عليًّا - كرم الله وَجهه - إِلَى الْيمن قَاضِيا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، بعثتني أَقْْضِي بَينهم وَأَنا شَاب لَا أَدْرِي مَا الْقَضَاء! قَالَ: فَضرب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ اهده وَثَبت لِسَانه. فوالذي فلق الْحبَّة مَا شَككت فِي قَضَاء بَين اثْنَيْنِ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 530 هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شريك عَن سماك بن حَرْب، عَن حَنش، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن قَاضِيا، فَقلت: يَا رَسُول الله، ترسلني وَأَنا حَدِيث السن وَلَا علم لي بِالْقضَاءِ؟ قَالَ: فَقَالَ لي: إِن لله سيهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك؛ فَإِذا جلس بَين يَديك خصمان فَلَا تقضين (لأَحَدهمَا مَا لم) تسمع من الآخر كَمَا سَمِعت من الأول؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يتَبَيَّن لَك الْقَضَاء. قَالَ: فَمَا زلت قَاضِيا [أَو] مَا شَككت فِي قَضَاء قطّ» . وحنش هَذَا هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَيُقَال: ابْن ربيعَة، كُوفِي وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِي حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ عبد الْحق: كَانَ رجلا صَالحا، وَفِي حَدِيثه ضعف. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهُوَ من رِوَايَة شريك عَن سماك عَنهُ وَلم يبين ذَلِك عبد الْحق وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن حزم وَأَنه قَالَ هَذَا خبر سَاقِط لِأَن شَرِيكا مُدَلّس وَسماك ابْن حَرْب يقبل التَّلْقِين، وحنش سَاقِط مطرح، وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن، فَقلت: يَا رَسُول الله، بعثتني وَأَنا شَاب وهم كهول، وَلَا علم لي بالْكلَام! فَقَالَ: إِن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 531 الله - تبَارك وَتَعَالَى - سيهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك. قَالَ: فوَاللَّه مَا تعاييت فِي شَيْء بعد» . ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن عَمْرو بن مرّة عَن [عبد الله] بن سَلِمة عَن عَلّي إِلَّا أَبُو إِسْحَاق، وَلَا عَن أبي إِسْحَاق إِلَّا عَمْرو بن أبي الْمِقْدَام، وَقد رُوِيَ عَن عَلّي من وُجُوه. قلت: هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ هُوَ بعد ذَلِك من حَدِيث جَارِيَة بن مضرب عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن، فَقلت: تبعثني إِلَى قوم هم أسن مني! فَكيف أَقْْضِي بَينهم؟ ! فَقَالَ: اذْهَبْ، فَإِن الله سيهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك» ثمَّ قَالَ هَذَا أحسن أسانيده. وَرَوَاهُ بعد ذَلِك بِنَحْوِ مَا سَاقه أَبُو دَاوُد - أَعنِي من رِوَايَة حَنش. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة عَلّي، وَابْن مَاجَه فِي هَذَا الْبَاب من حَدِيث أبي البخْترِي، عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل شَاب وَإنَّهُ يرد عَلّي من الْقَضَاء مَا لَا علم لي بِهِ! قَالَ: فَوضع يَده فِي صَدْرِي وَقَالَ: (ثَبت الله لِسَانه) واهد قلبه. فَمَا شَككت فِي الْقَضَاء أَو فِي (فصل) بعد هَذَا» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قلت: فِي تَصْحِيحه عوضا عَن كَونه عَلَى شَرطهمَا نظر؛ فَإِنَّهُ مُنْقَطع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 532 قَالَ شُعْبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة وَالْبَزَّار: أَبُو البخْترِي لم يدْرك عليًّا، وَلم يره. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي أَوَائِل بَاب الْأَحْكَام من رِوَايَة حَنش الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن، فَقلت: بعثتني إِلَى قوم ذَوي أَسْنَان وَأَنا حَدِيث السن! قَالَ: إِذا جلس إِلَيْك الخصمان فَلَا تقض لأَحَدهمَا حَتَّى تسمع من الآخر كَمَا سَمِعت من الأول. قَالَ عَلّي: فَمَا زلت قَاضِيا» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي رِوَايَة عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ «بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن عليًّا فَقَالَ: علمهمْ الشَّرَائِع واقض بَينهم. قَالَ: لَا علم لي بِالْقضَاءِ. فَدفع فِي صَدره، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهده للْقَضَاء» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن حَنش، عَن عَلّي قَالَ: «قَالَ [لي] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِذا تقاضى إِلَيْك رجلَانِ فَلَا تقض للْأولِ حَتَّى تسمع كَلَام الآخر، فَسَوف تَدْرِي كَيفَ تقضي. قَالَ عَلّي: فمازلت قَاضِيا بعد» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَأما ابْن حزم فأعله بسماك كعادته، وَفِي «مَرَاسِيل أبي دَاوُد» ، نَا [عبد الله] بن مُحَمَّد بن يَحْيَى، نَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة الْمدنِي المَخْزُومِي، نَا سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 533 بن يَحْيَى بن عُرْوَة، عَن [عبد الله بن] عبد الْعَزِيز الْعمريّ قَالَ: «لما اسْتعْمل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عليًّا عَلَى الْيمن (دَعَاهُ فَأَوْصَاهُ) قَالَ: قَدِّم الوضيع عَلَى الشريف، والضعيف عَلَى الْقوي، وَالرِّجَال عَلَى النِّسَاء» . لم يرمه عبد الْحق بسوى الْإِرْسَال، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فِي إِسْنَاده جمَاعَة لَا يعْرفُونَ. قَالَ: والعمري هُوَ الزَّاهِد، وحاله فِي الحَدِيث مَجْهُولَة، وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة غير هَذِه. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما أَرَادَ أَن يبْعَث معَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ: كَيفَ تقضي إِذا غلبك قَضَاء؟ قَالَ: أَقْْضِي بِكِتَاب الله قَالَ: فَإِن لم تَجِد فِي كتاب الله؟ قَالَ: بِسنة رَسُول الله. قَالَ: فَإِن لم تَجِد؟ قَالَ: أجتهد برأيي وَلَا آلو. فَضرب صَدره وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله - (- لما يرضاه رَسُول الله» . هَذَا الحَدِيث كثيرا مَا يتَكَرَّر فِي كتب الْفُقَهَاء وَالْأُصُول والمحدثين ويعتمدون عَلَيْهِ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِإِجْمَاع أهل النَّقْل - فِيمَا أعلم - وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْحَارِث بن عَمْرو عَن أنَاس من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما أَرَادَ أَن يبْعَث معَاذًا إِلَى الْيَمين ... » فَذكره بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ رَوَاهُ من رِوَايَة الْحَارِث بن عَمْرو، عَن أنَاس من أَصْحَاب [معَاذ عَن] معَاذ بن جبل «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما بَعثه إِلَى الْيَمين ... » بِمَعْنَاهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحَارِث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 534 بن عَمْرو عَن [رجال] من أَصْحَاب معَاذ [أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] من حَدِيث الْحَارِث أَيْضا عَن أنَاس من أهل حمص عَن معَاذ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث الْحَارِث بن عَمْرو عَن معَاذ، كَذَا وجدت فِي النُّسْخَة الَّتِي نظرت مِنْهَا. وَأخرجه أَحْمد كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد ثَانِيًا. قَالَ ابْن عدي فِي «كَامِله» : قَالَ البُخَارِيّ فِي «التَّارِيخ» : الْحَارِث بن عَمْرو بن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ، عَن أَصْحَاب معَاذ، عَن معَاذ، وَرَوَى عَنهُ أَبُو عون وَلَا يَصح وَلَا يعرف إِلَّا بِهَذَا، وَهُوَ مُرْسل. قَالَ ابْن عدي: والْحَارث بن عَمْرو وَهُوَ مَعْرُوف بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره البُخَارِيّ عَن معَاذ لما وَجهه النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْيمن. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ إِسْنَاده عِنْدِي مُتَّصِل. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : رَوَاهُ شُعْبَة، عَن أبي عون، عَن الْحَارِث بن عَمْرو، عَن أَصْحَاب معَاذ، عَن مُعاذ. وأرسله عبد الرَّحْمَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 535 بن مهْدي وجماعات، وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة قَالَ مرّة: عَن معَاذ، وَأكْثر مَا كَانَ يحدثنا عَن أَصْحَاب معَاذ أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَرُوِيَ [عَن مسعر] عَن أبي عون مُرْسلا، والمرسل أصح. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كِتَابه «الْمُحَلَّى شرح المجلى» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ لم يروه أحد إِلَّا الْحَارِث بن عَمْرو - وَهُوَ مَجْهُول لَا نَدْرِي من هُوَ - عَن رجال من أهل حمص - لم يسمهم - عَن معَاذ. وَقَالَ فِي رسَالَته فِي إبِْطَال الْقيَاس: هَذَا الحَدِيث الْمَأْثُور وَهُوَ عِنْدهم، وَهُوَ حَدِيث غير صَحِيح؛ لِأَنَّهُ عَن الْحَارِث بن عَمْرو الْهُذلِيّ أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ، وَلَا يدْرِي أحد من هُوَ، وَلَا يعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث. ذكر ذَلِك البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْأَوْسَط» فِي الطَّبَقَات ثمَّ هُوَ أَيْضا عَن رجال من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ، وَلَا يجوز الْأَخْذ بِالدّينِ عَمَّن لَا يُدْرَى من هُوَ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ عَن الثِّقَات المعروفين. قَالَ: وَقد اتّفق الْجَمِيع عَلَى أَنه لَا يجوز شَهَادَة من لَا يُدْرَى حَاله، وَنقل الحَدِيث شَهَادَة من أعظم الشَّهَادَات؛ لِأَنَّهَا شَهَادَة عَلَى الله وَعَلَى رَسُوله، فَلَا يحل أَن يتساهل فِي ذَلِك أصلا. قَالَ: وقدموه قوم لم ينألوا بِالْكَذِبِ فَقَالُوا: إِن هَذَا الْخَبَر مَنْقُول نقل التَّوَاتُر. وَهَذَا كذب ظَاهر؛ لِأَن نقل التَّوَاتُر هُوَ أَن يكون نَقله فِي عصر متواتر من مبتدئه إِلَى مبلغه، وَأما مَا رَجَعَ من مبدئه إِلَى وَاحِد مَجْهُول فَهَذَا ضد التَّوَاتُر، وَهَذَا لم يعرف قطّ قَدِيما، وَلَا ذكره أحد من الصَّحَابَة عَنْهُم وَلَا من التَّابِعين عَن مسلمة عَن أبي عون حَتَّى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 536 يعلق بِهِ الْمُتَأَخّرُونَ، فانبثق إِلَى أتباعهم ومقلديهم فعرفوه، وَمَا احْتج بِهِ قطّ أحد من الْمُتَقَدِّمين؛ لِأَن مخرجه واه ضَعِيف، وَرَوَاهُ مَعَ ذَلِك عَن أبي عون شُعْبَة، وَأبي إِسْحَاق: سُلَيْمَان بن فَيْرُوز الشَّيْبَانِيّ فَقَط لم يروه غَيرهمَا، وَكِلَاهُمَا ثِقَة حَافظ، وَاخْتلفَا فِيهِ فَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن أبي عون، عَن نَاس من أَصْحَاب معَاذ من أهل حمص «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ - هُوَ أَبُو عون - قَالَ: «لما بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ... » الحَدِيث، قَالَ: وَأَيْضًا فَمن الْبَاطِل الْمَقْطُوع بِهِ أَن يُضَاف مثل هَذَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ أَن يَقُول عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام لِمعَاذ: «إِن لم تَجِد فِي كتاب الله - تَعَالَى - وَلَا فِي سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قد سُئِلَ عَن الحمُرُ فَقَالَ: «مَا أنزل الله عَلّي فِيهَا شَيْء إِلَّا هَذِه الْآيَة الفاذة (فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره) فَلم يحكم فِيهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بِحكم الْبَتَّةَ بِغَيْر الْوَحْي، فَكيف يُجِيز ذَلِك لغيره وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قد أَتَانَا بقوله من ربه الصَّادِق (مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم) فَلَا سَبِيل إِلَى وجود شَرِيعَة لله - تَعَالَى - فَرضهَا فِي الْكتاب وَلم يسنها رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: فصح أَن هَذَا اللَّفْظ لَا يجوز أَن يَقُوله رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ أبي مُحَمَّد بن حزم مُلَخصا. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : هَذَا الحَدِيث لَا يسند وَلَا يُوجد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 537 من وَجه صَحِيح. فَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم وَالْإِيهَام» : الْحَارِث هَذَا لَا يعرف لَهُ حَال، وَلَا نَدْرِي رَوَى عَنهُ غير أبي عون مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح وَإِن كَانَ الْفُقَهَاء كلهم يذكرُونَهُ فِي كتبهمْ ويعتمدون عَلَيْهِ. قَالَ: (ولعمري مَعْنَاهُ صَحِيح) إِنَّمَا ثُبُوته لَا يعرف؛ لِأَن الْحَارِث بن عَمْرو مَجْهُول، وَأَصْحَاب معَاذ من أهل حمص لَا يعْرفُونَ، وَمَا هَذَا طَرِيقه فَلَا وَجه لثُبُوته. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر فِي المُصَنّف الَّذِي لَهُ عَلَى هَذَا الحَدِيث: اعْلَم أنني فحصت عَن هَذَا الحَدِيث فِي المسانيد الْكِبَار وَالصغَار، وَسَأَلت من لَقيته من أهل الْعلم بِالنَّقْلِ عَنهُ، فَلم أجد لَهُ غير طَرِيقين: أَحدهمَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن حَفْص بن عمر، عَن شُعْبَة، عَن أبي عون، عَن الْحَارِث بن عَمْرو بن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة، عَن أنَاس من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَثَانِيهمَا: عَن مُحَمَّد بن جَابر اليمامي، عَن أَشْعَث بن أبي الشعْثَاء، عَن رجل من ثَقِيف، عَن معَاذ، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَالطَّرِيق الأول مَدَاره عَلَى الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول. وأناس من حمص لَا يعْرفُونَ، وَلم يبين أَنهم سَمِعُوهُ من معَاذ. قَالَ: وبمثل هَذَا الْإِسْنَاد لَا يعْتَمد فِي أصل من أصُول الشَّرِيعَة وَيحمل بذا الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع. وَالطَّرِيق الثَّانِي: رَوَاهُ مُحَمَّد بن جَابر اليمامي - عَلَى ضعفه - عَن أَشْعَث، عَن رجل من ثَقِيف وَرجل لَا يعرف لَا يعْتَمد عَلَيْهِ. ثمَّ نقل كَلَام ابْن عدي فِي «كَامِله» الَّذِي قدمْنَاهُ أَولا، ثمَّ قَالَ: وأقبح مَا رَأَيْت عَلَى هَذَا الحَدِيث قَول الْجُوَيْنِيّ فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 538 كِتَابه «أصُول الْفِقْه» فِي بَاب إِثْبَات الْقيَاس: والعمدة فِي هَذَا الْبَاب عَلَى حَدِيث معَاذ. قَالَ: وَهَذِه زلَّة مِنْهُ آفتها التَّقْلِيد، وَلَو كَانَ عَالما بِالنَّقْلِ لم يرتكب هَذِه الْجَهَالَة؛ لِأَنَّهُ جعل عمدته حَدِيثا بِهَذَا الْوَهم الْوَاضِح. قَالَ: ثمَّ يَقُول: قد رَأينَا الْأَحَادِيث الْوَاضِحَة الْمُتَّصِلَة المخرجة فِي الْكتب الْمَعْرُوفَة تصرح بِخِلَاف هَذَا؛ فَمن ذَلِك حَدِيث أبي مُوسَى «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن وَأَبا مُوسَى قَالَ لَهما: يسرا وَلَا تعسرا، وتطاوعا وَلَا تنفرا. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى إِن لنا شرابًا يصنع بأرضنا من الْعَسَل يُقَال لَهُ: البتع، وَمن الشّعير يُقَال: المزر؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: كل مُسكر حرَام» حَدِيث مخرج فِي الصَّحِيح وَغَيرهَا من الْكتب، لم يخْتَلف فِي صِحَّته اثْنَان من أهل الْمعرفَة فيظن بِخِلَاف مَا ورد فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم الْمَقْطُوع الْمَجْهُول رُوَاته، وَأَن الْوَصِيَّة كَانَت لَهما، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء من ذَلِك. قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى إبِْطَال حَدِيث معَاذ أَيْضا أَنا وجدنَا معَاذًا لما سُئِلَ لما لم يكن عِنْده فِيهِ نَص توقف وَلم يجْتَهد رَأْيه، من ذَلِك مَا رَوَى طَاوس عَنهُ قَالَ: «أُتِي معَاذ بن جبل بوقص الْبَقر وَالْعَسَل حسب، فَقَالَ: لم يَأْمُرنِي النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فيهمَا بِشَيْء» وَرَوَى التِّرْمِذِيّ فِي «سنَنه» عَن عِيسَى بن طَلْحَة، عَن معَاذ «أَنه كتب إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسْأَله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 539 عَن الخضراوات وهى الْبُقُول، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء» قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى بُطْلَانه مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، عَن معَاذ قَالَ: «لما بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَا تقضين وَلَا تفصلن إِلَّا بِمَا تعلم، فَإِن أشكل عَلَيْك أَمر فقف حَتَّى تبينه أَو تكْتب إِلَيّ فِيهِ» . قَالَ ابْن طَاهِر: فقد صَحَّ عِنْدِي فَسَاد حَدِيث معَاذ الْمَذْكُور لما أوضحته من وَهن إِسْنَاده، وَبِمَا أتبعته من الْأَحَادِيث الْمُتَّصِلَة المخرجة فِي الصَّحِيح وَوَجَب ترك الِاحْتِجَاج بِهِ. هَذَا ملخص كَلَامه فِي التَّأْلِيف الْمَذْكُور. الحَدِيث الَّذِي أوردهُ من طَرِيق ابْن مَاجَه عجبت مِنْهُ سُكُوته عَلَى إِسْنَاده وَفِيه مُحَمَّد ابْن (سعيد) المصلوب وَهُوَ كَذَّاب وَضاع كَمَا أسلفته فِي كتاب الْجِنَايَات. وَقَالَ أَبُو عمر وَعُثْمَان بن الإِمَام أبي عَلّي حسن بن عَلّي بن دحْيَة «إرشاد البائنية وَالرَّدّ عَلَى المعتدي مِمَّا وهم فِيهِ الْفَقِيه أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ» : هَذَا الحَدِيث لَا أصل لَهُ، وَرِجَاله مَجْهُولُونَ، وَلَا يَصح عِنْد أحد من الْأَئِمَّة النقاد، وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور عِنْد ضعفاء أهل الْفِقْه لَا أصل لَهُ، يُوجب إطراحه. وَقَالَ: أحسن مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب مَا رَوَاهُ الشّعبِيّ عَن شُرَيْح القَاضِي «أَنه كتب إِلَى عمر بن الْخطاب يسْأَله فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن اقْضِ بِمَا [فِي] كتاب الله، فَإِن لم يكن فِي كتاب الله فَفِي سنة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَإِن لم [يكن] فِي سنة رَسُول الله وَإِلَّا فبمَا قَضَى بِهِ الصالحون، فَإِن لم يكن فِي كتاب الله وَلَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 540 سنة رَسُول الله فَإِن شِئْت فَقدم وَإِن شِئْت فَأخر، وَلَا أرَى لنا خيرا إِلَّا خيرا لَك وَالسَّلَام عَلَيْك» فقد اتَّضَح بِحَمْد الله وَمِنْه ضعف هَذَا الحَدِيث وَصَحَّ دعوانا الْإِجْمَاع فِي ذَلِك، وَالْحَمْد لله عَلَى ذَلِك وَأَمْثَاله. وَلم يصب بعض العصريين فِيمَا وَضعه عَلَى أَدِلَّة التَّنْبِيه حَيْثُ قَالَ: عقب قَول التِّرْمِذِيّ «إِنَّه لَيْسَ بِمُتَّصِل» : بل هُوَ حَدِيث مَشْهُور اعْتمد عَلَيْهِ أَئِمَّة الْإِسْلَام فِي إِثْبَات الْقيَاس. وَكَأَنَّهُ جنح إِلَى قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي «الْبُرْهَان» أَن الشَّافِعِي احْتج ابْتِدَاء عَلَى إِثْبَات الْقيَاس بِهِ، ثمَّ وهم الإِمَام فَقَالَ: والْحَدِيث مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق عَلَى صِحَّته لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تَأْوِيل. هَذَا كَلَامه وَهُوَ من الْأَعَاجِيب. فَائِدَة: مِمَّا يدل عَلَى إِبَاحَة المقايسات فِي الدَّين كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» الحَدِيث الصَّحِيح عَن أبي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مثل الجليس الصَّالح وَمثل جليس السوء كحامل الْمسك ونافخ الْكِير، فحامل الْمسك إِمَّا أَن تبْتَاع مِنْهُ، وَإِمَّا أَن تَجِد [مِنْهُ] ريحًا طيبَة، ونافخ الْكِير إِمَّا أَن يحرق ثِيَابك، وَإِمَّا أَن تَجِد مِنْهُ ريحًا خبيثة» . الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله لَا يقدس أمة لَيْسَ فيهم من يَأْخُذ للضعيف حَقه» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 541 هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق يحضرنا مِنْهَا عشرَة: أَحدهَا: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «كَيفَ تقدس أمة لَا يُؤْخَذ لضعيفهم من شديدهم» . رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» هَكَذَا فِي رِوَايَته وَهُوَ [عِنْد] ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» فِي أثْنَاء الْفِتَن بِلَفْظ: «كَيفَ يقدس الله أمة لَا يُؤْخَذ لضعيفهم من شديدهم» وَذكر فِيهِ قصَّة، وَجَمِيع رِجَاله احْتج بهم مُسلم فِي «صَحِيحه» وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي «فَوَائده» الَّتِي خرجها لنَفسِهِ بِلَفْظ: «كَيفَ يقدس الله قوما لَا يُؤْخَذ من شديدهم لضعيفهم» . الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عُثْمَان بن جبلة [أَخْبرنِي أبي، ثَنَا شُعْبَة] قَالَ: حَدثنَا سماك بن حَرْب قَالَ: كُنَّا مَعَ مدرك بن الْمُهلب بسجستان فِي سرادق فَسمِعت شَيخا يحدث، عَن أبي سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله لَا يقدس أمة لَا يَأْخُذ الضَّعِيف من الْقوي حَقه وَهُوَ غير متعتع» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» وتلميذه الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة أبي سُفْيَان قَالَ: وَالشَّيْخ الَّذِي لم يسمه عُثْمَان بن جبلة قد سَمَّاهُ غنْدر، غير أَنه لم يذكر أَبَا سُفْيَان فِي الْإِسْنَاد. أخبرنَا مُحَمَّد بن صَالح بن هَانِئ، ثَنَا إِبْرَاهِيم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 542 بن أبي طَالب، ثَنَا أَبُو مُوسَى وَبُنْدَار قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن عبد الله بن أبي سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب قَالَ: «كَانَ لرجل عَلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تمر فَأَتَاهُ يتقاضاه، فَاسْتقْرض النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من خَوْلَة بنت حَكِيم تَمرا وَأَعْطَاهُ إِيَّاه. وَقَالَ: أما إِنَّه قد كَانَ عِنْدِي تمر وَلكنه [قد] كَانَ عثريًّا. ثمَّ قَالَ: كَذَلِك يفعل عباد الله الْمُؤمنِينَ، إِن الله لَا يترحم عَلَى أمة لَا يَأْخُذ الضَّعِيف فيهم حَقه غير متعتع» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل وَهُوَ الصَّحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: وَلم يسند أَبُو سُفْيَان عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غَيره. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن محَارب بن دثار، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه: «لما قدم جَعْفَر من الْحَبَشَة قَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: مَا أعجب شَيْء رَأَيْته؟ قَالَ: رَأَيْت امْرَأَة عَلَى رَأسهَا مكتل من طَعَام، فَمر فَارس يرْكض فأذراه، فَجعلت تجمع طعامها وَقَالَت: ويل لَك يَوْم يضع الْملك كرسيه ليَأْخُذ للمظلوم من الظَّالِم. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَصْدِيقًا لقولها: لَا قدست أمة - أَو كَيفَ قدست - لَا يُؤْخَذ لضعيفها من شديدها وَهُوَ غير مُنْقَطع» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يتقاضاه دينا كَانَ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: أحرِّج عَلَيْك إِلَّا قضيتني. فانتهره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 543 أَصْحَابه وَقَالُوا لَهُ: وَيحك تَدْرِي من تكلم! فَقَالَ: إِنِّي أطلب حَقي. فَقَالَ النَّبِي: (هلاّ مَعَ صَاحب الْحق كُنْتُم. ثمَّ أرسل إِلَى خَوْلَة بنت قيس فَقَالَ لَهَا: إِن كَانَ عنْدك تمر فأقرضينا حَتَّى يأتينا تمر فنقضيك. فَقَالَت: نعم بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله. قَالَ: فأقرضته، فَقَضَى الْأَعرَابِي وأطعمه، فَقَالَ: أوفيت أَوْفَى الله لَك. فَقَالَ: أُولَئِكَ خِيَار النَّاس، إِنَّه لَا قدست أمة لَا يَأْخُذ الضَّعِيف (مِنْهَا) حَقه غير متعتع» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن أبي عُبَيْدَة أَظُنهُ قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح بِهِ. وَابْن أبي عُبَيْدَة هَذَا هُوَ مُوسَى بن عُبَيْدَة بن نشيط أَبُو عبد الْعَزِيز الربذي الْمدنِي أَخُو مُحَمَّد وهاه أَحْمد حَتَّى إِنَّه قَالَ: لَا تحل عِنْدِي الرِّوَايَة عَنهُ. وَقَالَ مرّة: لَا يشْتَغل بِهِ. وَقَالَ ابْن معِين: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ وَغَيره: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: الضعْف عَلَى رِوَايَته بَين. وَوَقع لَهُ فَائِدَة حَدِيثِيَّةٌ مستطرفة عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ لَا بَأْس أَن نذكرها وَهِي أَن مُوسَى هَذَا رَوَى عَن أَخِيه مُحَمَّد وَهُوَ أكبر مِنْهُ بِثَمَانِينَ سنة، قَالَه الْحَازِمِي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 544 الْخَامِس: عَن قَابُوس بن الْمخَارِق، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا قدست أمة لَا يُؤْخَذ لضعيفها من قويها غير متعتع» . رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي «مُعْجم الصَّحَابَة» عَن مطين. وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الوادعي القَاضِي قَالَا: ثَنَا عَلّي بن حَكِيم، نَا شريك، عَن سماك، عَن قَابُوس بِهِ. السَّادِس: عَن يَحْيَى بن جعدة رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي إحْيَاء الْموَات. السَّابِع: عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «كَيفَ تقدس أمة لَا يُؤْخَذ لضعيفها من قويها» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، نَا عبد الرَّحْمَن بن [أبي بكر الْمليكِي عَن ابْن أبي مليكَة] عَنهُ بِهِ. التَّاسِع: عَن خَوْلَة - غير منسوبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مَا يقدس الله لأمة لَا يُؤْخَذ لضعيفها [الْحق] من قويها غير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 545 متعتع. قَالَ: من انْصَرف عَن غَرِيمه وَهُوَ راضٍ عَنهُ صَلَّتْ عَلَيْهِ دَوَاب الأَرْض وَنون [المَاء] وَمن انْصَرف عَنهُ غَرِيمه وَهُوَ ساخط كتب عَلَيْهِ فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وجمعة وَشهر ظلم» . رَوَى الحافظان الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» وَأَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» فِي إِسْنَاده بَقِيَّة وعنعنه. هَذَا أحد طرقي الطَّبَرَانِيّ أخرجه من حَدِيث حبَان بن عَلّي، عَن سعد بن طريف، عَن مُوسَى بن طَلْحَة، عَن خَوْلَة وَقَالَ: إِنَّهَا امْرَأَة حَمْزَة بِقصَّة، وَلَفظه: «لَا قدس الله أمة لَا يَأْخُذ ضعيفها حَقه من قويها وَهُوَ غير مضطهد» وَذكر فِيهِ قصَّة. أخرجه أَيْضا من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن سَلمَة بن خَالِد، عَنهُ بِهِ. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من جعل قَاضِيا بَين النَّاس فقد ذبح بِغَيْر سكين» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 546 وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن أبي عَمْرو مولَى الْمطلب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «من ولي للْقَضَاء فقد ذبح بِغَيْر سكين» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَأخرجه أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد عَن المَقْبُري. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة دَاوُد بن خَالِد اللَّيْثِيّ، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة بِاللَّفْظِ الأول، وَذَلِكَ ثَابت فِي رِوَايَة الأسيوطي للنسائي، وَلم يذكرهُ ابْن عَسَاكِر فِي «الْأَطْرَاف» واستدركه الْمزي عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي بعض طرقهما عَن الأخنسي [عَن الْأَعْرَج و] سعيد عَن أبي هُرَيْرَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 547 قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : عُثْمَان الأخنسي وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَمَشاهُ النَّسَائِيّ. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي «علله المتناهية» من طَرِيقين ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ أما الأول فَفِي إِسْنَاده دَاوُد بن خَالِد اللَّيْثِيّ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَا أعرفهُ. قلت: فَفِي إِسْنَاده دَاوُد وَهَذِه الطَّرِيقَة قد تقدّمت عَن «سنَن النَّسَائِيّ» . وَذكره ابْن عدي وَقَالَ: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَأما الثَّانِي فَلَا يرويهِ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ غير بكر بن بكار، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. قلت: وَثَّقَهُ أَبُو عَاصِم النَّبِيل وَكَذَا ابْن حبَان وَقَالَ: رُبمَا يُخطئ. واقتصار ابْن الْجَوْزِيّ عَلَى هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ لَيْسَ بجيد، وَكَذَا قَوْله فِيهِ أَولا. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ فِي «علله» إِنَّه يرْوَى عَن أبي هُرَيْرَة عَلَى وُجُوه فَقيل: عَن (سعيد) المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: سعيد عَن زيد بن أسلم، عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: عَن سعيد أَو أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: عَن أبي سعيد - بِغَيْر شكّ - عَن أبي هُرَيْرَة. وَقيل: عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة. وَهُوَ وهم، إِنَّمَا هُوَ سعيد المَقْبُري فَقيل: عَن سعيد بن الْمسيب مُرْسلا. وهم فِي قَوْله: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 548 ابْن الْمسيب. وَقيل: عَن سعيد المَقْبُري، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: وَالْمَحْفُوظ: عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة. فَائِدَة: قَالَ ابْن الصّلاح: مَعْنَى الحَدِيث - وَالله أعلم - فقد ذبح من حَيْثُ الْمَعْنى لَا من حَيْثُ الصُّورَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَين عَذَاب الدُّنْيَا إِن رشد وَعَذَاب الْآخِرَة إِن فسد. وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَالشَّيْخ زكي الدَّين وقبلهما الْخطابِيّ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ «بِغَيْر سكين» يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الذّبْح فِي ظَاهر الْعرف وغالب الْعَادة إِنَّمَا هُوَ بالسكين، فَعدل (عَن ذَلِك ليعلم أَن المُرَاد مَا يخَاف عَلَيْهِ من هَلَاك دينه دون هَلَاك بدنه. وَالثَّانِي: الذّبْح الوجأ الَّذِي تقع بِهِ إراحة الذَّبِيحَة وخلاصها من الْأَلَم إِنَّمَا يكون بالسكين، وَإِذا ذبح بِغَيْر سكين كَانَ ذبحه خنقًا وتعذيبًا، فَضرب بِهِ الْمثل ليَكُون فِي الحذر أبلغ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّيْخ نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي «الْكِفَايَة» : الذّبْح فِي الحَدِيث قيل: إِنَّه تعرض للذبح فَإِنَّهُ يُرِيد أَن يحكم عَلَى الصّديق والعدو بِحكم وَاحِد فليحذر. وَقيل: صَار كمذبوح وَأَنه يحْتَاج إِلَى إماتة شَهْوَته وقهر نَفسه بِالْمَنْعِ من المخالطة. وَقَوله: «بِغَيْر سكين» كِنَايَة عَن شدَّة الْأَلَم؛ فَإِنَّهُ بالسكين موجئ مريح ويغيرها تَعْذِيب. وَقيل: إِنَّه عدل عَن السكين ليدل عَلَى أَنه مُفسد للدّين لَا للبدن؛ فَإِن الْمُفْسد للبدن الذّبْح بالسكين، وَهَذَا ذبح بغَيْرهَا. انْتَهَى مَا أوردهُ. وَقَالَ ابْن البياضي من أَصْحَابنَا فِي كِتَابه «أدب الْقَضَاء» : هَذَا الحَدِيث لَيْسَ عِنْدِي فِي كَرَاهِيَة الْقَضَاء وذمه؛ إِذْ الذّبْح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 549 بِغَيْر سكين مجاهدة النَّفس بِتَرْكِهِ وَالله - تَعَالَى - يَقُول: (وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا) وَثمّ أيد ذَلِك بِحَدِيث أوردهُ. الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ليجاء بِالْقَاضِي الْعدْل يَوْم الْقِيَامَة، فَيلْقَى من شدَّة الْحساب مَا يتَمَنَّى أَنه لم يقْض بَين اثْنَيْنِ فِي تَمْرَة قطّ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «الْمسند» والعقيلي فِي «تَارِيخه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَلما رَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» بِإِسْنَادِهِ قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ أتبعه بقول الْعقيلِيّ: عمرَان بن حطَّان لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. قلت: وَعمْرَان هَذَا من رجال البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ أهل الْأَهْوَاء أصح حَدِيثا من الْخَوَارِج. فَذكر عمرَان بن حطَّان وَغَيره. وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ لَا يتهم فِي الحَدِيث. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من طَرِيقه بِلَفْظ: «يُدعَى بِالْقَاضِي الْعَادِل يَوْم الْقِيَامَة فَيلْقَى من شدَّة الْحساب مَا يتَمَنَّى أَنه لم يقْض بَين اثْنَيْنِ فِي عمره» وَأعله الْعقيلِيّ بِوَجْه آخر فَقَالَ: لَا يتَبَيَّن لي سَمَاعه من عَائِشَة. قلت: فِي رِوَايَة الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: دخلت عَلَى عَائِشَة فذاكرتها حَتَّى ذكرنَا القَاضِي فَقَالَت عَائِشَة: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «ليَأْتِيَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 550 عَلَى القَاضِي الْعدْل يَوْم الْقِيَامَة سَاعَة يتَمَنَّى أَنه لم يقْض ... » الحَدِيث، رَوَاهُ الخلعي. الحَدِيث التَّاسِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة: «لَا تسْأَل الْإِمَارَة فأنك إِن أعطيتهَا عَن غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا، وَإِن أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» [من] طَرِيق الْحسن بن أبي الْحسن عَن عبد الرَّحْمَن. الحَدِيث الْعَاشِر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ] : «إِنَّا لَا نكره أحدا عَلَى الْقَضَاء» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ، وَأورد ابْن الرّفْعَة أَيْضا بِلَفْظ: «إِنَّا لَا نلزم» وَلم يعزه لأحد. الحَدِيث الْحَادِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لن يفلح قوم وليتهم امْرَأَة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 551 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي بكرَة - بهاء التَّأْنِيث فِي آخِره - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بلغ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أهل فَارس ملكوا عَلَيْهِم بنت كسْرَى قَالَ: لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة» . الحَدِيث الثَّانِي عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْقُضَاة ثَلَاثَة: وَاحِد فِي الْجنَّة، وَاثْنَانِ فِي النَّار، فَأَما الَّذِي فِي الْجنَّة فَرجل عرف الْحق ففى بِهِ، والَّلذان فِي النَّار رجل عرف الْحق فجار فِي الحكم، وَرجل قَضَى فِي النَّاس عَلَى جهل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من خلال سعد بن عُبَيْدَة السّلمِيّ، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه بُرَيْدَة مَرْفُوعا. وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هَاشم الرماني الْكَبِير - واسْمه يَحْيَى. وَقيل: نَافِع - عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه بُرَيْدَة مَرْفُوعا. وَفِي إِسْنَاد أبي دَاوُد رجل فِيهِ لين. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، وَالْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن بكير، عَن حَكِيم بن جُبَير، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم ... فَذكره بطرِيق التِّرْمِذِيّ الَّتِي قدمناها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 552 وَقَالَ الْحَاكِم فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» : هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ الخراسانيون فَإِن رُوَاته عَن [آخِرهم] مراوزة، وَسَيَأْتِي هَذَا الحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة ابْن عمر فِي أول الْآثَار من هَذَا الْبَاب من صَحِيح ابْن حبَان. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من سُئِلَ فَأفْتَى بِغَيْر علم فقد ضل وأضل» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعًا ينتزعه من النَّاس - وَفِي رِوَايَة: من الْعباد - وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم [يبْق] عَالما اتخذ النَّاس رُءُوسًا جُهَّالًا فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا» . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «إِن الله لَا ينْزع الْعلم بعد (إِعْطَائِهِ) وَلَكِن يَنْزعهُ مِنْهُم مَعَ قبض الْعلمَاء بعلمهم فَيَأْتِي نَاس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون» . وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه و «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 553 عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أُفْتِي فتيا غير ثَبت فَإِنَّمَا إثمه عَلَى [من] أفتاه» لفظ ابْن مَاجَه، وَلَفظ أبي دَاوُد: من أُفْتِي فتيا بِغَيْر علم كَانَ إِثْم ذَلِك عَلَى الَّذِي أفتَى» . رَوَاهُ الْحَاكِم باللفظين فِي كتاب الْعلم من «مُسْتَدْركه» ثمَّ قَالَ: حَدِيث قد احْتج الشَّيْخَانِ بِجَمِيعِ رُوَاته عَن عَمْرو بن أبي نعيمة، وَقد وَثَّقَهُ بكر بن عَمْرو الْمعَافِرِي - وَهُوَ أحد أَئِمَّة أهل مصر - وَالْحَاجة بِنَا عَلَى لفظ التثبت فِي الْفتيا شَدِيدَة. هَذَا لفظ الْحَاكِم هُنَا [و] ذكره فِي آخر كتاب الْعلم بِنَحْوِ ورقة مِنْهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وَلَا أعرف لَهُ عِلّة. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: عَمْرو مَجْهُول الْحَال، وَبُكَيْر لَا تعلم عَدَالَته، وَوَصفه أَحْمد بِأَنَّهُ يرْوَى عَنهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ. وَفِيه يَحْيَى بن أَيُّوب الغافقي، قَالَ الْحَاكِم فِي «الْمدْخل» : أخرج حَدِيثه جَمِيعًا عَنهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. ذكره فِيمَن عيب عَلَى مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه وَضَعفه أَحْمد. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: لسوء حفظه. الحَدِيث الرَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حكم بَين اثْنَيْنِ تَرَاضيا بِهِ فَلم يعدل فَعَلَيهِ لعنة الله» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا يحضرني من خرَّجه من أَصْحَاب الْكتب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 554 الْمُعْتَمدَة وَلَا غَيرهَا، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» عَن بعض أَصْحَابهم فَقَالَ: مَسْأَلَة يَصح التَّحْكِيم خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي، ثمَّ لنا مَا رَوَى أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز من أَصْحَابنَا من حَدِيث عبد الله بن جَراد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «من حكم بَين اثْنَيْنِ تحاكما إِلَيْهِ وارتضيا بِهِ فَلم يقل بَينهمَا بِالْحَقِّ فَعَلَيهِ لعنة الله» . قلت: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح للاحتجاج بِهِ؛ لِأَنَّهُ من نُسْخَة ابْن جَراد وَهِي نُسْخَة بَاطِلَة - وَقد ذكر ابْن الْجَوْزِيّ مرّة أَنَّهَا نُسْخَة مَوْضُوعَة، وَبَالغ فِي الْحَط عَلَى الْخَطِيب الْحَافِظ لما احْتج بِحَدِيث مِنْهَا. وَلما ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» مَا جَاءَ فِي التَّحْكِيم لم يذكر فِيهِ هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ حَدِيث أبي دَاوُد، عَن الرّبيع بن نَافِع، عَن يزِيد بن الْمِقْدَام بن شُرَيْح، عَن أَبِيه، عَن جده (شُرَيْح) عَن أَبِيه هَانِئ «أَنه لما وَفد إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَتَى الْمَدِينَة فسمعهم يكنونه بِأبي الحكم، فَدَعَاهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِن الله هُوَ الحكم وَإِلَيْهِ يرجع الحكم فَلم تكنى أَبَا الحكم؟ قَالَ: إِن قومِي إِذا اخْتلفُوا فِي شَيْء أَتَوْنِي فحكمت بَينهم فَرضِي كلا الْفَرِيقَيْنِ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: فَمَا أحسن هَذَا! فَمَا لَك من الْوَلَد؟ قَالَ: لي شُرَيْح وَمُسلم وَعبد الله. قَالَ: فَمن أكبرهم؟ قَالَ: قلت: شُرَيْح. قَالَ: فَأَنت أَبُو شُرَيْح» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 555 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَن عمر وَأبي بن كَعْب تحاكما إِلَى زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل عَن عَامر قَالَ: «كَانَ بَين عمر وَأبي خُصُومَة فِي حَائِط فَقَالَ عمر بيني وَبَيْنك زيد بن ثَابت. فَانْطَلقَا فطرق عمر الْبَاب، فَعرف زيد صَوته [فَفتح الْبَاب] فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَولا بعثت إِلَيّ حَتَّى آتِيك. قَالَ فِي بَيته يُؤْتَى الحكم ... » . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَن عُثْمَان وَطَلْحَة تحاكما إِلَى جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا فِي الْبيُوع فِي بَاب: من قَالَ يجوز بيع الْغَائِب. من حَدِيث عبيد الله بن عبد الْمجِيد، نَا رَبَاح بن أبي مَعْرُوف، عَن ابْن أبي مليكَة «أَن عُثْمَان ابْتَاعَ من طَلْحَة بن عبيد الله أَرضًا بِالْمَدِينَةِ ناقله بِأَرْض لَهُ بِالْكُوفَةِ، فَلَمَّا تباينا نَدم عُثْمَان ثمَّ قَالَ: بِعْتُك مَا لم أره. فَقَالَ طَلْحَة: إِنَّمَا النّظر لي، إِنَّمَا ابتعت مغيبًا، وَأما أَنْت فقد رَأَيْت مَا ابتعت. فَجعلَا بَينهمَا حكما جُبَير [بن] مطعم فَقَضَى عَلَى عُثْمَان أَن البيع جَائِز، وَأَن النّظر لطلْحَة أَن ابْتَاعَ مغيبًا» . وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» حَدِيث: «من اشْتَرَى مَا لم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ» . وَضَعفه قَالَ: لَا أصل فِي هَذَا. ثمَّ سَاق الْأَثر الْمَذْكُور. فَائِدَة: مَعْنَى ناقله: بادله. ومُغَيبًا: بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 556 الْمُعْجَمَة، وَفتح الْمُثَنَّاة تَحت المتعددة. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب حَدِيث معَاذ السالف حَيْثُ قَالَ فِي إثْبَاته: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام اختبر معَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَقد سلف بَيَانه وَاضحا، هَذَا آخر أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فثمانية: أَحدهَا: «أَن عبد الله بن عمر امْتنع من الْقَضَاء لما استقضاه عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» من حَدِيث عبد الْملك - وَهُوَ ابْن جميلَة - عَن عبد الله بن موهب القَاضِي «أَن عُثْمَان قَالَ لِابْنِ عمر: اذْهَبْ فَاقْض [بَين النَّاس. قَالَ: أَو تعافيني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: فَمَا تكره من ذَلِك وَقد كَانَ أَبوك يقْضِي؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من كَانَ قَاضِيا فَقَضَى] بِالْعَدْلِ فبالحري أَن يَنْقَلِب مِنْهُ كفافًا. فَمَا أَرْجُو بعد ذَلِك؟ !» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَيْسَ إِسْنَاده عِنْدِي بِمُتَّصِل. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: عبد الْملك بن أبي جميلَة و [عبد الله] بن موهب عَن عُثْمَان مُرْسل. قلت: أما جَهَالَة عبد الْملك فَهِيَ كَمَا قَالَ، لَكِن ابْن حبَان ذكره فِي (ثقاته) . وَرَوَى عَن عبد الله بن موهب وَغَيره، وَعنهُ مُعْتَمر بن أبي سُلَيْمَان. وَأما الْإِرْسَال بَين عبد الله بن موهب فَلَا شكّ فِيهِ، وَقد قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 557 البُخَارِيّ أَيْضا: إِنَّه مُرْسل. وَأما ابْن حبَان فَخَالف وَأخرج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» فَقَالَ: أَنا الْحسن بن سُفْيَان، نَا أُميَّة بن بسطَام، ثَنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، سَمِعت عبد الْملك بن أبي جميلَة يحدث، عَن عبد الله بن وهب «أَن عُثْمَان قَالَ لِابْنِ عمر: اذْهَبْ وَكن قَاضِيا. قَالَ: أَو تعفيني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: عزمت عَلَيْك إِلَّا ذهبت فَقضيت. قَالَ: لَا تعجل، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من عاذ بِاللَّه فقد عاذ بمعاذ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَإِنِّي أعوذ بِاللَّه أَن أكون قَاضِيا. قَالَ: وَمَا يمنعك وَقد كَانَ أَبوك يقْضِي؟ قَالَ: لِأَنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول [من كَانَ قَاضِيا فَقَضَى بِالْجَهْلِ كَانَ من أهل النَّار] وَمن كَانَ قَاضِيا فَقَضَى بالجور كَانَ من أهل النَّار، وَمن كَانَ قَاضِيا عَالما يقْضِي بِحَق أَو بِعدْل سَأَلَ التفلت كفافا. فَمَا أَرْجُو مِنْهُ بعد ذَا؟ !» ثمَّ قَالَ ابْن حبَان: ابْن وهب هَذَا هُوَ عبد الله بن وهب بن ربيعَة ابْن الْأسود الْقرشِي من أهل [الْمَدِينَة] رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ. هَذَا كَلَامه وَعَلِيهِ بعد تَسْلِيم ثِقَة عبد الْملك اعتراضان: أَحدهمَا: إرْسَاله، كَمَا شهد بذلك التِّرْمِذِيّ وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم. ثَانِيهمَا: يُخَالف التِّرْمِذِيّ فِي إِبْدَال عبد الله بن موهب بِعَبْد الله بن وهب، وَيُمكن أَن يكون رَوَاهُ أَيْضا؛ فَإِنَّهُ رَوَى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة. وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر قَالَ أَحْمد فِي «مُسْنده» : نَا [عَفَّان] نَا حَمَّاد بن سَلمَة، أَنا أَبُو سِنَان، عَن يزِيد بن موهب أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 558 عُثْمَان قَالَ لِابْنِ عمر: «اقْضِ بَين النَّاس. فَقَالَ: لَا أَقْْضِي بَين اثْنَيْنِ وَلَا [أؤم] رجلَيْنِ، أما سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من عاذ بِاللَّه فقد عاذ بمعاذ؟ قَالَ عُثْمَان: بلَى. قَالَ: فَإِنِّي أعوذ بِاللَّه أَن تَسْتَعْمِلنِي. فأعفاه، وَقَالَ: لَا تخبر بِهَذَا أحدا» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وهرب أَبُو قلَابَة من الْقَضَاء. هُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة: نَا مُسَدّد نَا ابْن علية، عَن أَيُّوب: «لما توفّي عبد الرَّحْمَن بن أذينة ذكر أَبُو قلَابَة للْقَضَاء، فهرب حَتَّى أَتَى الشَّام فَوَافَقَ ذَلِك عزل قاضيها، فَذكر هُنَاكَ للْقَضَاء، فهرب فَلَقِيَهُ بعد ذَلِك فَقَالَ: مَا وجدت القَاضِي الْعَالم إِلَّا مثل سابح وَقع فِي الْبَحْر كم عَسى أَن يسبح حَتَّى يغرق» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وهرب الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة مِنْهُ، وَرُوِيَ أَن الشَّافِعِي أَوْصَى الْمُزنِيّ فِي مرض مَوته بِأَن لَا يتَوَلَّى الْقَضَاء، وَفرض عَلَيْهِ كتاب الرشيد بِالْقضَاءِ، فَلم يجبهُ الْبَتَّةَ، وَانْتَهَى امْتنَاع أبي عَلّي بن خيران - من أَصْحَابنَا - لما استقضاه الْوَزير ابْن الْفُرَات حَتَّى ختمت دوره بالطين أَيَّامًا. وَهُوَ كَمَا ذكر فَلَا نطول بِهِ. الْأَثر الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيّ: ذكر أَن القَاضِي الْعَادِل إِذا استقضاه أَمِير بَاغ أَجَابَهُ إِلَيْهِ، فقد سُئِلت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عَن ذَلِك لمن استقضاه زِيَاد فَقَالَت: «إِن لم يقْض لكم خياركم قَضَى لكم شِرَاركُمْ» . وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 559 الْأَثر الثَّالِث أَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أحالوا فِي الْفَتَاوَى بَعضهم عَلَى بعض مَعَ مشاهدتهم التَّنْزِيل. وَهَذَا مَشْهُور عَنْهُم فِي عدَّة وقائع قد يطول بهَا. الْأَثر الرَّابِع عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه سُئِلَ عَمَّن [قتل أَله] تَوْبَة؟ [فَقَالَ مرّة: لَا. وَقَالَ مرّة: نعم.] فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: رَأَيْت فِي عَيْني الأول أَنه يقْصد الْقَتْل فقمعته، وَكَانَ الثَّانِي صَاحب وَاقعَة يطْلب الْمخْرج» . وَهَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ وتكرر ذكره فِي تصانيف آدَاب الْمُفْتِي والمستفتي. الْأَثر الْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وَالثَّامِن فِي التَّحْكِيم وَقد أسلفناه قَرِيبا فَرَاجعهَا مِنْهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 560 بَاب أدب الْقَضَاء ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فستة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا أَحدهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام [كتب] كتابا لعَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما وَجهه إِلَى الْيمن» . هَذَا صَحِيح وَقد أسلفناه بِطُولِهِ فِي الدِّيات. الحَدِيث الثَّانِي [كتب أَبُو بكر لأنس كتابا] . هَذَا صَحِيح وَقد أسلفته بِطُولِهِ فِي كتاب الزَّكَاة. الحَدِيث الثَّالِث «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل دَار الْهِجْرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ» . هَذَا صَحِيح مَشْهُور عَنهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام من ذَلِك حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت «لم أَعقل أَبَوي قطّ إِلَّا وهما يدينان الدَّين ... » الحَدِيث بِطُولِهِ ذكره البُخَارِيّ فِي الْهِجْرَة من «صَحِيحه» فِي أوراق وَفِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نزل فِي بني عَمْرو بن عَوْف فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول ... » . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 561 فَائِدَة غَرِيبَة: أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حَمْزَة الدِّمَشْقِي، نَا [يَحْيَى] بن صَالح الوحاظي، ثَنَا جَمِيع بن ثوب، نَا [أَبُو] سُفْيَان الرعيني، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: « [كَانَ] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا يولي واليًا حَتَّى يعممه ويرخي لَهُ [عذبة] من جَانب الْأَيْمن نَحْو الْأذن» . الحَدِيث الرَّابِع «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل يَوْم الْفَتْح وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن عمار الدهني عَن أبي الزبير عَن جَابر. قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِمُعَاوِيَة بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده وَإِن أخرجه مُسلم. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي التَّذْكِرَة هُوَ من حَدِيث شُعْبَة [بَاطِل، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 562 وَأحمد بن طَاهِر كَذَّاب، وَشعْبَة لم يحدث] عَن أبي الزبير إِلَّا بِحَدِيث وَاحِد وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيّ» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن عَفَّان، نَا حَمَّاد، نَا أَبُو الزبير، عَن جَابر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل يَوْم الْفَتْح وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء» . فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» فِي حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَكَّة وَعَلَى رَأسه المغفر» قَالَ: وَفِي خبر جَابر هَذَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دَخلهَا وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء» قَالَ: وَلم يدْخل عَلَيْهِ السَّلَام مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَهُوَ يَوْم الْفَتْح. قَالَ: وَيُشبه أَن يكون الْمُصْطَفَى [ (] فِي ذَلِك الْيَوْم كَانَ عَلَى رَأسه المغفر وَقد تعمم بعمامة سَوْدَاء فَوْقه، فَإِذا جَابر ذكر الْعِمَامَة الَّتِي عاينها وَإِذا أنس ذكر المغفر الَّذِي (رَوَاهُ) من غير أَن يكون بَين الْخَبَرَيْنِ تضَاد. الحَدِيث الْخَامِس قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن الْمَشْهُور «أَنه كَانَ لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كُتَّاب مِنْهُم: زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ صَحِيح مَشْهُور، وَقد عَددهمْ ابْن عَسْكَر فِي «تَارِيخ دمشق» بأسانيد فَذكر مِنْهُم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَالزبير، وَأبي بن كَعْب، وَزيد بن ثَابت، وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وَمُحَمّد بن مسلمة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 563 [وأرقم] ابْن أبي الأرقم، وَأَبَان بن سعيد بن أبي العَاصِي، وَأَخُوهُ خَالِد بن سعيد وثابت بن قيس، وحَنْظَلَة بن الرّبيع، وخَالِد بن الْوَلِيد، وَعبد الله بن الأرقم، وَعبد الله بن زيد بن عبد ربه، والْعَلَاء بن عقبَة، والمغيرة بن شُعْبَة، والسّجل، وَزَاد غَيره: شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قَالُوا: وَكَانَ أَكْثَرهم كِتَابَة زيد بن ثَابت وَمُعَاوِيَة. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي «تنويره» : كِتَابه سِتَّة وَعِشْرُونَ فَزَاد: يزِيد بن أبي سُفْيَان أَخا مُعَاوِيَة، ومعيقيب بن أبي فَاطِمَة، وَعَمْرو بن العَاصِي، وجهم بن الصَّلْت، وَعبد الله بن رَوَاحَة، وَعبد الله بن أبي السَّرْح، وَعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، قَالَ ابْن دحْيَة: وَكتب لَهُ رجل من بني النجار فَتَنَصَّرَ فأظهر الله لنَبيه فِيهِ معْجزَة عَظِيمَة وَدفن وَلم تقبله الأَرْض. قلت: أخرج حَدِيثه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أنس. الحَدِيث السَّادِس أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ:] «أَيّمَا عَامل استعملناه وفرضنا لَهُ رزقا فَمَا أصَاب بعد رزقه فَهُوَ غلُول» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 564 وَهُوَ كَمَا قَالَ لَا جرم ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد فِي آخر كتاب «الاقتراح» فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث أخرج لروايتهما الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث، وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ « [و] الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي أَحدهمَا مِنْهَا بِشَيْء إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رقبته» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ مَرْفُوعا: «هَدَايَا الْأُمَرَاء غلُول» . وستعرف الْكَلَام عَلَى هَذَا قَرِيبا - إِن شَاءَ الله - حَيْثُ ذكره المُصَنّف. الحَدِيث السَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ، وسل سُيُوفكُمْ وَخُصُومَاتكُمْ، وَرفع أَصْوَاتكُم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من رِوَايَة مَكْحُول عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ وشراركم وَبَيْعكُمْ، وَخُصُومَاتكُمْ وَرفع أَصْوَاتكُم، وَإِقَامَة حُدُودكُمْ وسل سُيُوفكُمْ، وَاتَّخذُوا عَلَى أَبْوَابهَا الْمَطَاهِر وَجَمِّرُوهَا فِي الْجمع» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف فِي إِسْنَاده الْحَارِث بن نَبهَان الْبَصْرِيّ الْجرْمِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 565 وَقد ضَعَّفُوهُ قَالَ يَحْيَى لَا يكْتب حَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَحْمد وَالْبُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: خرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ وَفِي إِسْنَاده أَيْضا عَنهُ ابْن يقظان وَقد وَثَّقَهُ بَعضهم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: غير ثِقَة. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي أُمَامَة وواثلة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم، وَذكره عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» كَذَلِك بِزِيَادَة [أبي] الدَّرْدَاء أَيْضا تبعا لِابْنِ عدي وَأَعلاهُ بِالْعَلَاءِ بن كثير الدِّمَشْقِي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ شَامي مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ عبد الْحق: هُوَ ضَعِيف عِنْدهم. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا يرويهِ عَن الْعَلَاء إِلَّا [أَبُو] نعيم النَّخعِيّ كُوفِي، وَقد قَالَ فِيهِ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ يَحْيَى: بِالْكُوفَةِ كذابان أَحدهمَا هُوَ وَالْآخر أَبُو نعيم ضرار بن صرد. قَالَ أَبُو أَحْمد: لَهُ أَحَادِيث أنْكرت عَلَيْهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: الْحمل فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى الْعَلَاء وَهُوَ لَا يرويهِ عَنهُ إِلَّا هَذَا الْكذَّاب؛ ظلم لَهُ. الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 566 يَحْيَى بن الْعَلَاء، عَن معَاذ مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَذكره عبد الْحق من طَرِيق الْبَزَّار من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا «جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ» ثمَّ قَالَ: يرويهِ مُوسَى بن عُمَيْر، قَالَ الْبَزَّار: لَيْسَ لَهُ أصل من حَدِيث عبد الله. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا الحَدِيث وَالْكَلَام بعده لَيْسَ فِي سَنَد حَدِيث ابْن مَسْعُود من كتاب الْبَزَّار وَلَعَلَّه نَقله من بعض أَمَالِيهِ الَّتِي تقع لَهُ. قلت: وَأخرجه أَيْضا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الله بن مُحَرر، عَن يزِيد [بن] الْأَصَم، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ» . وَعبد الله هَالك ترك النَّاس حَدِيثه. الحَدِيث الثَّامِن أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من ولي من أُمُور النَّاس شَيْئا فاحتجب حجبه، الله يَوْم الْقِيَامَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» عَن يزِيد بن أبي مَرْيَم، أَن الْقَاسِم بن مخيمرة أخبرهُ أَن أَبَا مَرْيَم الْأَزْدِيّ أخبرهُ قَالَ: «دخلت عَلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ: مَا أنعمنا بك يَا فلَان؟ - وَهِي كلمة تَقُولهَا الْعَرَب - فَقلت: حَدِيثا سمعته أخْبرك بِهِ، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من ولاه الله شَيْئا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 567 من أَمر الْمُسلمين واحتجب دون حَاجتهم وخلتهم [وفقرهم] احتجب الله تَعَالَى [عَنهُ] دون حَاجته وَخلته وَفَقره. قَالَ: فَجعل رجلا عَلَى حوائج الْمُسلمين» . ذكره أَبُو دَاوُد فِي أَوَائِل كتاب الْفِتَن والامارة وَالْخَرَاج، وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات، وَأخرجه أَحْمد بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح عَن أبي مَرْيَم أَيْضا قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من ولي من أَمر الْمُسلمين شَيْئا فاحتجب دون خلتهم وحاجتهم وفقرهم [وفاقتهم] ، احتجب الله - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْم الْقِيَامَة دون خلته وَحَاجته وفاقته وَفَقره» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَإسْنَاد شَامي صَحِيح قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد الْبَصرِيين عَن عَمْرو بن مرّة الْجُهَنِيّ قَالَ: قلت لمعاوية بن أبي سُفْيَان: إِنِّي سَمِعت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «من أغلق بَابه دون [ذَوي] الْحَاجة والخلة والمسكنة أغلق الله بَاب السَّمَاء دون خلته وَفَقره ومسكنته» وَهَذَا الشَّاهِد الَّذِي ذكره الْحَاكِم أخرجه أَحْمد بِنَحْوِهِ وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِلَفْظِهِ، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب. قَالَ: وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه، قَالَ: وَرُوِيَ عَن أبي مَرْيَم صَاحب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحوه بِمَعْنَاهُ. يَعْنِي حَدِيث أبي دَاوُد الْمُتَقَدّم، وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَرْفُوع «أَيّمَا أَمِير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 568 احتجب عَن النَّاس بفاقتهم، احتجب الله عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة» . قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَهَذَا فِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير وَخَالف الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي «علله» رَوَاهُ شريك، وَاخْتلف عَنهُ فِي رَفعه وَوَقفه، وَرَوَاهُ حَفْص بن عَلّي الْمَدَائِنِي عَن شريك. وَأخرجه أَبُو نعيم فِي «الْمعرفَة» من حَدِيث أبي الشماخ [عَن ابْن عَم لَهُ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] . مَرْفُوعا بِنَحْوِ مَا تقدم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 569 الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يقْضِي القَاضِي إِلَّا وَهُوَ شبعان رَيَّان» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْقَاسِم بن عَاصِم، ثَنَا مُوسَى بن دَاوُد، ثَنَا الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ، ثَنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي طوالة، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِمرَّة. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» : الْحق أَن عبد الله وأباه مَجْهُولَانِ، وَالقَاسِم بن عَاصِم مثلهمَا. وَأعله عبد الْحق بالقاسم الْعمريّ وَحده وَقَالَ: إِنَّه مَتْرُوك. وَأَخْطَأ فِي اسْم أَبِيه فَقَالَ: الْقَاسِم بن مُحَمَّد. وَإِنَّمَا هُوَ ابْن عمر الْمُتَّهم، وَقد نبه عَلَى ذَلِك ابْن الْقطَّان أَيْضا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ الْقَاسِم الْعمريّ وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: والْحَدِيث الصَّحِيح - يَعْنِي حَدِيث أبي بكرَة [الَّذِي] قبله - يُؤَدِّي مَعْنَاهُ. الحَدِيث الْعَاشِر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يقْضِي القَاضِي بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 570 هَذَا الحَدِيث صَحِيح من حَدِيث أبي بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخرجه ابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ وَأخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة قَالَ: «كتب أبي وكتبت لَهُ بيَدي إِلَى ابْنه عبيد الله بن أبي بكرَة وَهُوَ وقاضٍ بسجستان: أَن [لَا تحكم بَين اثْنَيْنِ وَأَنت غَضْبَان فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول] : لَا يحكم أحد بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان» . وَفِي رِوَايَة لَهما «لَا يقضين حكم بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان» . وَفِي رِوَايَة للنسائي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة قَالَ: كتب إليَّ أَبُو بكرَة: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَا يقضين [أحد] فِي قَضَاء بقضاءين وَلَا يقضين أحد بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان» . الحَدِيث الْحَادِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن بعده من الْأَئِمَّة كَانُوا يحكمون وَلَا يَكْتُبُونَ المحاضر والسجلات» . هُوَ كَمَا قَالَ نعم فِي الْبَيْهَقِيّ بَاب [القَاضِي] يحكم بشي فَيكْتب للمحكوم لَهُ بمسألته كتابا. ثمَّ ذكر بِسَنَدِهِ حَدِيث أنس «أَنه دَعَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 571 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْأَنْصَار ليكتب لَهُم بِالْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لَا وَالله حَتَّى تكْتب لإِخْوَانِنَا [من قُرَيْش] بِمِثْلِهَا. فَقَالَ: ذَلِك لَهُم مَا شَاءَ الله كل ذَلِك يَقُول لَهُ، فَقَالَ: إِنَّكُم سَتَرَوْنَ بعدِي أَثَرَة [فَاصْبِرُوا] حَتَّى (تروني) » . ثمَّ عزاهُ إِلَى رِوَايَة البُخَارِيّ ثمَّ رَوَاهُ حَدِيث أنس أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أقطع الْأَنْصَار الْبَحْرين وَأَرَادَ أَن يكْتب لَهُم كتابا فَقَالُوا: لَا. .» بِمثل مَا تقدم. الحَدِيث الثَّانِي عشر حَدِيث «الزبير والأنصاري اللَّذين اخْتَصمَا فِي شراج الْحرَّة» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف وَاضحا فِي إحْيَاء الْموَات، وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ قَالَ: ذكر عَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة مِنْهُم «الإِمَام» وَصَاحب «التَّهْذِيب» [أَن الْمَنْع] من الْقَضَاء فِي حَالَة الْغَضَب مَخْصُوص بِمَا إِذا لم يكن الْغَضَب لله تَعَالَى، فَأَما إِذا غضب لله فِي حُكُومَة وَهُوَ مِمَّن يملك نَفسه فِيمَا يتَعَلَّق بِحقِّهِ فَلَا بَأْس بِهِ؛ لحَدِيث الزبير والأنصاري حِين تخاصما فِي شراج الْحرَّة، وَقد أوردناه فِي إحْيَاء الْموَات. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَكِن احْتج آخَرُونَ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَنه لَو قَضَى فِي حَال من الْغَضَب نفذ، وَإِن كَانَ مَكْرُوها. وَاعْترض ابْن الرّفْعَة فَقَالَ فِي «كِفَايَته» : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حكم فِي حَال غَضَبه» وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَا نَقله عَن الإِمَام وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا: أَن هَذِه الْكَرَاهَة فِيمَا إِذا لم يكن الْغَضَب لله - تَعَالَى - أما إِذا كَانَ لله - تَعَالَى - فِي الحكم، فَلَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ، وغضبه عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 572 هَذَا لله - تَعَالَى - فَلَا يسْتَدلّ بِحكمِهِ فِيهِ عَلَى نُفُوذه فِي غَيره، نعم. قَالَ الرَّوْيَانِيّ: لَا فرق، لِأَن الْمَحْدُود وَهُوَ عدم توفره عَلَى الْجِهَاد لَا يخْتَلف فِي القضيتين. ثَانِيهمَا: أما إِذا قُلْنَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لَا يحكم إِلَّا عَن وَحي فَلَيْسَ غَيره مثله، وَكَذَا إِن قُلْنَا بِمذهب الْجُمْهُور أَن لَهُ أَن يجْتَهد، وَأَنه مَعْصُوم وقيه من الْخَطَأ أما إِذا جَوَّزنَا مِنْهُ لَكِن لَا يقر عَلَيْهِ فقد يحْتَج بِهِ. الحَدِيث الثَّالِث عشر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لعن الله الراشي والمرتشي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا حَدِيث حسن. وَعَزاهُ صَاحب «التنقيب عَلَى الْمُهَذّب» إِلَى أبي دَاوُد، وَهُوَ غلط، وَتَبعهُ بعض العصريين الشاميين عَلَى ذَلِك فاجتنبه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عبد الله بن عَمْرو وَعَائِشَة وَأم سَلمَة. قَالَ ابْن مَنْدَه: وَابْن عمر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَيْضا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الله بن عَمْرو مَرْفُوعا، وَرُوِيَ عَن أبي سَلمَة عَن أَبِيه مَرْفُوعا وَلَا يَصح. قَالَ: وَسمعت عبد الله بن عبد الرَّحْمَن [يَقُول] : حَدِيث أبي سَلمَة عَن عبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 573 الله مَرْفُوعا أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وَأَصَح ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ [فِي] «علله» أَنه أشبه بِالصَّوَابِ من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه. وَقَالَ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» : إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. رَوَاهُ أَيْضا - أَعنِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو - أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . وَقَالَ ابْن الْقطَّان أَيْضا [أثْنَاء] كَلَامه عَلَى أَحْكَام عبد الْحق: إِسْنَاده صَحِيح. وَأما ابْن حزم فوهاه فَقَالَ: خبر «لعن الله الراشي والمرتشي» إِنَّمَا رَوَاهُ الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: هَذَا فِي طَرِيق حَدِيث عبد الله بن عَمْرو. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي حق الْحَارِث: هَذَا لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقد عرفت طَرِيق أبي هُرَيْرَة السالف وَقَول التِّرْمِذِيّ: إِن فِي الْبَاب عَن جمَاعَة. وَعَن ابْن مَنْدَه أَيْضا كَمَا سلف سردهم، فَهَذِهِ سقطة من ابْن حزم، وَفِي «مُسْند أَحْمد» «وصحيح الْحَاكِم» من حَدِيث ثَوْبَان قَالَ: «لعن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 574 رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الراشي والمرتشي [والرائش] ) . يَعْنِي الَّذِي يمشي» بَينهمَا وَفِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سليم. قَالَ: إِنَّمَا ذكرته فِي الشواهد لَا فِي الْأُصُول وَقَالَ الْبَزَّار: [قَوْله الرائش] إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. الحَدِيث الرَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «هَدَايَا الْعمَّال غلُول» . هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن أبي حميد رَفعه بِهِ سَوَاء، وَإِسْمَاعِيل ضَعِيف فِي رِوَايَته عَن الْحِجَازِيِّينَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا إِلَّا أَنه قَالَ: «الْأُمَرَاء» بدل «الْعمَّال» وَلابْن شاهين مثل لفظ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِي إِسْنَاده يَحْيَى بن نعيم وَلَا أعرفهُ، وَمُحَمّد بن الْحسن بن بكير وَهُوَ كَذَّاب كَمَا قَالَ البرقاني، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: خلط الْجيد بالرديء فأفسده. وَلابْن عدي مثل لفظ الرَّافِعِيّ سَوَاء من حَدِيث أَحْمد بن مُعَاوِيَة الْبَاهِلِيّ، عَن النَّضر بن شُمَيْل، عَن ابْن عون، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ أَحْمد هَذَا حَدِيث بَاطِل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 575 وَكَانَ يسرق الحَدِيث. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «هَدَايَا الْعمَّال سحت» . قلت: أخرجه بِهَذَا اللَّفْظ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ فِي كِتَابه «تَلْخِيص الْمُتَشَابه» من حَدِيث أنس رَفعه «هَدَايَا السُّلْطَان سحت وَغُلُول» . قلت: وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» بِمَعْنَاهُ. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عدلت شَهَادَة الزُّور الْإِشْرَاك بِاللَّه - تَعَالَى - وتلى قَوْله تَعَالَى (فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور) الْآيَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث خريم - بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ رَاء مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة - بن فاتك الْأَسدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَلَاة الصُّبْح، فَلَمَّا انْصَرف قَامَ قَائِما، فَقَالَ: عدلت شَهَادَة الزُّور بالإشراك بِاللَّه - ثَلَاث مَرَّات - ثمَّ قَرَأَ (وَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور حنفَاء لله غير مُشْرِكين) وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك إِلَّا أَنه لم [يقل] «ثَلَاث مَرَّات» وَرِجَال إِسْنَاده كلهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح إِلَّا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 576 حبيب بن النُّعْمَان الْأَسدي فَلم يرو لَهُ إِلَّا (د ق) وَلَا أعرف من جرحه وَلَا من عدله. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث وَلَا يعرف حَاله. قلت: ثمَّ آخر اسْمه حبيب - مخفف، تَصْغِير حبيب بن النُّعْمَان الْأَسدي - لَهُ عَن أنس بن مَالك، وخريم أَيْضا أَو أَيمن بن خريم لَيْسَ لَهُ ذكر فِي الْكتب السِّتَّة فِيمَا ظهر لي، قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي حَقه: لَهُ مَنَاكِير. وَقد يكونَانِ وَاحِدًا كَمَا تردد فِيهِ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» وَعَلَى هَذَا التَّقْدِير فإسناده واه؛ لِأَنَّهُ دائر بَين مَجْهُول وَضَعِيف إِلَّا زِيَاد الْكُوفِي الْعُصْفُرِي فَإِنَّهُ لَا يُدْرَى من هُوَ، وَانْفَرَدَ بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ د ق (وَقَالَ) ابْن الْقطَّان فِي حَقه: إِنَّه مَجْهُول. وَفِي «الْمِيزَان» للذهبي: زِيَاد أَبُو الورقاء الْكُوفِي الْعُصْفُرِي وَالِد سُفْيَان رَوَى عَن حُبيب - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالتَّخْفِيف - بن النُّعْمَان الْأَسدي عَن خريم بن فاتك، وَزِيَاد لَا يُدْرَى من هُوَ عَن مثله، رَوَى عَنهُ وَلَده سُفْيَان بن زِيَاد هَذَا الحَدِيث، وَقيل: عَن حبيب عَن أَيمن بن خريم. هَذَا كَلَامه، وَهُوَ جزم مِنْهُ بِأَنَّهُ هُوَ المخفف، قلت: وخريم بن فاتك لَهُ صُحْبَة، وَهُوَ مَشْهُور لَهُ عدَّة أَحَادِيث، وَهُوَ بَدْرِي كَمَا قَالَ البُخَارِيّ وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 577 التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي أَبْوَاب الشَّهَادَات، وَرِوَايَة أَيمن بن خريم بن الأخرم بن شَدَّاد بن فاتك «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: [يَا] أَيهَا النَّاس، عدلت شَهَادَة الزُّور إشراكًا بِاللَّه. ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور» ) . وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «عدلت شَهَادَة الزُّور إشراكًا بِاللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ثَلَاثًا ... » ثمَّ ذكر الْآيَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث سُفْيَان بن زِيَاد - يَعْنِي: حَدِيث خريم بن فاتك السالف - قَالَ: وَقد اخْتلف فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَنهُ وَلَا نَعْرِف لأيمن بن خريم بن فاتك السالف سَمَاعا من النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكر [غير] التِّرْمِذِيّ أَن لَهُ صُحْبَة وَأَنه رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حديثين اخْتلف فِي أَحدهمَا وَرجح يَحْيَى بن معِين حَدِيث خريم بن فاتك كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ. الحَدِيث السَّادِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 578 الْملك [بن عُمَيْر، عَن مولَى لربعي بن حِرَاش] عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة «كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جُلُوسًا فَقَالَ: مَا أَدْرِي قدر مقَامي فِيكُم؛ فاقتدوا باللذين من بعدِي، وَأَشَارَ إِلَى أبي بكر وَعمر، وتمسكوا بِهَدي عمار وَمَا حَدثكُمْ ابْن مَسْعُود فصدقوه» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي المناقب من «جَامعه» وَابْن مَاجَه فِي كتاب السّنة من «سنَنه» من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن زَائِدَة، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن [مولَى لربعي بن حِرَاش عَن] ربعي بن حِرَاش، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا بِلَفْظ أَحْمد الأول، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر نَحوه، ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن. قَالَ: وَكَانَ سُفْيَان يُدَلس فِي هَذَا فَرُبمَا ذكر زَائِدَة وَرُبمَا لم يذكرهُ. وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن هِلَال مولَى ربعي، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة. وَعَن عَمْرو بن هرم، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة. وَعَن سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن مولَى لربعي، عَن ربعي بِهِ. وَقَالَ: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَيْضا. عَن إِبْرَاهِيم [بن] إِسْمَاعِيل بن يَحْيَى بن سَلمَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 579 بن كهيل، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن عبد الله بن هَانِئ أبي الزَّعْرَاء الأودي الْكُوفِي، عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث يَحْيَى بن سَلمَة، وَيَحْيَى مضعف الحَدِيث. وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن شيبَة، عَن وَكِيع، عَن سَالم الْمرَادِي، عَن عَمْرو بن هرم، عَن ربعي بن حِرَاش وَأبي عبد الله، عَن رجل من أَصْحَاب حُذَيْفَة، عَن حُذَيْفَة بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذَا الْوَجْه لكنه قَالَ عَمْرو بن مرّة، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنِّي لأرَى مقَامي فِيكُم إِلَّا قَلِيلا، فاقتدوا باللذين من بعدِي، وَأَشَارَ إِلَى أبي بكر وَعمر واهتدوا بِهَدي عمار، وَمَا حَدثكُمْ ابْن مَسْعُود فاقبلوه» . قلت: وَله طَرِيق آخر مُنكر، وَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه، ثمَّ قَالَ: هَذَا ملصق بِمَالك رَوَاهُ بِهِ أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب الْبَاهِلِيّ وَأمره بَيِّنٌ ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخه» بعد أَن أخرجه من حَدِيث مَالك: هَذَا حَدِيث مُنكر لَا أصل لَهُ من حَدِيث مَالك. قَالَ: وَهُوَ يرْوَى عَن حُذَيْفَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بأسانيد جِيَاد تثبت. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن هِلَال مولَى ربعي، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 580 «اقتدوا باللذين من بعدِي ... » وَرَوَاهُ زَائِدَة وَغَيره عَن عبد الْملك، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا، أَيهمَا أصح؟ قَالَ: مَا قَالَ الثَّوْريّ زَاد رجلا وجود الحَدِيث. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي فَضَائِل أبي بكر من حَدِيث حَفْص بن عمر الْأَيْلِي، عَن مسعر بن كدام، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر كَمَا تقدم [و] من حَدِيث سُفْيَان بن سعيد ومسعر عَن عبد الْملك بِهِ [و] من حَدِيث وَكِيع عَن مسعر بِهِ، وَمن حَدِيث ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث من أجل مَا رُوِيَ فِي فَضَائِل الشَّيْخَيْنِ وَيثبت بِمَا ذكرنَا صِحَّته وَإِن لم يخرجَاهُ، وَقد وجدنَا لَهُ شَاهدا [بِإِسْنَاد] صَحِيح عَن عبد الله بن مَسْعُود ... فَذكره بِإِسْنَاد مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَأما مُحَمَّد بن [حزم] فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيّ عَن مولَى ربعي - مَجْهُول - وَعَن الْمفضل الضَّبِّيّ. وَلَيْسَ بِحجَّة هَذَا كَلَامه، وَقد علمت أَنه يرْوَى من غير مَا ذكره كَمَا ذكرته لَك من طرق، وَمولى ربعي قد عرفت أَنه هَالك، وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْبَزَّار والمفضل هَذَا لَا أعلمهُ ورد فِي طَرِيق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 581 الحَدِيث السَّابِع عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْعِرْبَاض بن سَارِيَة السّلمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات يَوْم ثمَّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون، ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَأَنَّهَا موعظة مُودع فأوصنا، قَالَ: أوصيكم بتقوى الله - عَزَّ وَجَلَّ - والسمع وَالطَّاعَة، وَإِن تَأمر عَلَيْكُم عبد، وَإنَّهُ من يَعش مِنْكُم فسيرى اخْتِلَافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء [الرَّاشِدين] المهديين عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ، وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور، فَإِن كل بِدعَة ضَلَالَة قَالَ» التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، وَرُبمَا زَاد الْحَرْف والكلمة، وَفِي آخِره «فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة» . وَقَالَ الْبَزَّار: وَهُوَ أصح إِسْنَادًا من حَدِيث حُذَيْفَة «اقتدوا باللذين من بعدِي ... » لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِي إِسْنَاده، ومتكلم فِيهِ من أجل مولَى ربعي وَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم: هُوَ كَمَا قَالَ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 582 حَدِيث الْعِرْبَاض ثَابت و [حَدِيث] حُذَيْفَة حسن. قَالَ: وَقد رَوَى عَن مولَى ربعي، عبد الْملك بن عُمَيْر وَهُوَ كَبِير قلت: مَعَ ذكر ابْن حبَان لَهُ فِي الثِّقَات أَيْضا. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي أَوَائِل مُسْتَدْركه من رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد عَن خَالِد بن معدان عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ عَن العرباص بن سَارِيَة مَرْفُوعا بِهِ ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح لَيْسَ لَهُ عِلّة وَقد احْتج - البُخَارِيّ بِعَبْد الرَّحْمَن. قلت: عبد الرَّحْمَن لم يخرج لَهُ أصلا. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا توهما أَنه لَيْسَ لَهُ راوٍ عَن خَالِد بن معدان غير ثَوْر بن يزِيد، وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث الْمخْرج [حَدِيثه] فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَن خَالِد بن معدان. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ عَنهُ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ جَمِيعًا وَلَا أعرف لَهُ عِلّة. قَالَ: وَقد تَابع ضَمرَة بن حبيب خَالِد بن معدان عَلَى رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ عَنهُ. قَالَ: وَقد تَابع عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو عَلَى رِوَايَته عَن الْعِرْبَاض ثَلَاثَة من الْأَثْبَات الثِّقَات من أَئِمَّة الشَّام [مِنْهُم] : حجر بن حجر الكلَاعِي، وَيَحْيَى بن أبي المطاع الْقرشِي، ومعبد بن عبد الله بن هِشَام الْقرشِي، وَلَيْسَ الطَّرِيق إِلَيْهِ من شَرط هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 583 الْكتاب فتركته. قَالَ: وَقد استقصيت فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث بعض الِاسْتِقْصَاء عَلَى مَا أرَى إِلَيْهِ اجتهادي وَكتب فِيهِ كَمَا قَالَ إِمَام أَئِمَّة الحَدِيث شُعْبَة فِي حَدِيث عبد الله بن عَطاء عَن عقبَة بن عَامر لما طلبه بِالْبَصْرَةِ والكوفة وَالْمَدينَة وَمَكَّة، ثمَّ عَاد الحَدِيث إِلَى شهر بن حَوْشَب فَتَركه، ثمَّ قَالَ شُعْبَة: لِأَن يَصح لي مثل هَذَا عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ أحب إِلَيّ من وَلَدي ووالدي وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. قَالَ الْحَاكِم: وَقد صَحَّ هَذَا الحَدِيث وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي «كِتَابه» حجر بن حجر لَا يعرف، وَلَا أعرف أحدا ذكره [فَأَما] عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ [فالرجل] مَجْهُول الْحَال، والْحَدِيث من أَجله لَا يَصح. قلت قد صحّح ابْن حبَان من طريقهما، وَعبد الرَّحْمَن أشهر من حجر، فَإِنَّهُ رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقد وثقهما مَعَ ابْن حبَان الْحَاكِم كَمَا سلف، وَاخْتَارَ الْبَزَّار طَريقَة يَحْيَى بن أبي المطاع، وَهُوَ ثِقَة كَمَا شهد لَهُ بذلك دُحَيْم وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا. الحَدِيث الثَّامِن عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ [اهْتَدَيْتُمْ] » . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لم يروه أحد من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة وَله طرق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 584 أَحدهَا: عَن حَمْزَة بن أبي حَمْزَة الْجَزرِي النصيببي عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ أَخَذْتُم بقوله اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ عبد بن حميد هَكَذَا فِي «مُسْنده» وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْفَضَائِل، وَحَمْزَة هَذَا واهٍ، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَا يُسَاوِي فلسًا. وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ أَحْمد: مطروح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مروياته مَوْضُوعَة. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالموضوعات حَتَّى كَأَنَّهُ كالمتعمد لَهَا، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الْهَاشِمِي، عَن وهب بن جرير، عَن أَبِيه، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ من اقْتَدَى بِشَيْء مِنْهَا اهْتَدَى» رَوَاهُ الْقُضَاعِي فِي مُسْند الشهَاب» وجعفر هَذَا واهٍ، قَالَ أَبُو زرْعَة: حدث بِأَحَادِيث لَا أصل لَهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يضع الحَدِيث وَقَالَ مرّة: مَتْرُوك وَقَالَ ابْن عدي: كَانَ يتهم بِوَضْع الحَدِيث وَكَانَ يسرقها، وَيَأْتِي بِالْمَنَاكِيرِ عَن الثِّقَات. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَخْبَار فَلَا يشك أَنه كَانَ يعملها. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: هَذَا الحَدِيث من بلايا جَعْفَر هَذَا. الطَّرِيق الثَّالِث: عَن جَابر بن عبد الله مَرْفُوعا «مَا لم تُؤْتوا بِهِ من كتاب الله، وَلم يكن مني سنة، فَإلَى أَصْحَابِي فَإِنَّهُم كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 585 اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَلَى مَا نَقله الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك من حَدِيث جميل بن يزِيد، عَن مَالك، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر وَجَمِيل هَذَا لَا أعرفهُ، وَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم من هَذَا الْوَجْه. الطَّرِيق الرَّابِع: عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «مثل أَصْحَابِي مثل الْملح لَا يصلح الطَّعَام إِلَّا بِهِ، وَمثل أَصْحَابِي مثل النُّجُوم لَا يهتدى إِلَّا بهَا، فَبِأَي قَول أَصْحَابِي أَخَذْتُم بِهِ اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ فِي كتاب السّنة من حَدِيث منْدَل بن عَلّي، عَن جوبير بِهِ. وَهَذَا طَرِيق ضَعِيف جدًّا، منْدَل واه، وجويبر مَتْرُوك، وَالضَّحَّاك ضَعِيف، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُنْقَطع. الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر بن الْخطاب رَفعه «سَأَلت رَبِّي فِيمَا اخْتلف فِيهِ أَصْحَابِي من بعدِي، فَأَوْحَى الله إِلَيّ: يَا مُحَمَّد، أَصْحَابك عِنْدِي بِمَنْزِلَة النُّجُوم فِي السَّمَاء بَعْضهَا أَضْوَأ من بعض، فَمن أَخذ بِشَيْء مِمَّا هم عَلَيْهِ من اخْتلَافهمْ فَهُوَ عِنْدِي عَلَى هدى» وَهَذَا ضَعِيف أَيْضا ومنقطع؛ فَإِن سعيد بن الْمسيب لم يسمع من عمر شَيْئا، وَعبد الرَّحْمَن ووالده ضعيفان كَمَا مر فِي أول الْكتاب فِي أثْنَاء بَاب الْوضُوء وَاضحا. الطَّرِيق السَّادِس: عَن أنس مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهُ الْبَزَّار فِي جُزْء لَهُ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 586 وَإِسْنَاده ضَعِيف أَيْضا، فتلخص ضعف جَمِيع هَذِه الطّرق، لَا جرم قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي رسَالَته الْكُبْرَى فِي إبِْطَال الْقيَاس والتقليد وَغَيرهمَا: هَذَا خبر مَكْذُوب مَوْضُوع بَاطِل لم يَصح قطّ. قَالَ: وَقَالَ الْحَافِظ أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار: سَأَلْتُم عَمَّا يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا فِي أَيدي الْعَامَّة يرويهِ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «إِنَّمَا مثل أَصْحَابِي كَمثل النُّجُوم - أَو قَالَ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ - فبأيها اقتدوا اهتدوا» وَهَذَا الْكَلَام لم يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَوَاهُ عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ: وَإِنَّمَا ضعف هَذَا الحَدِيث من قبل عبد الرَّحِيم؛ لِأَن أهل الْعلم سكتوا عَن الرِّوَايَة لحديثه. قَالَ: وَالْكَلَام أَيْضا مُنكر عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلم يثبت، وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يَصح الِاخْتِلَاف بعده من الصَّحَابَة. هَذَا نَص كَلَام الْبَزَّار، وَقَالَ ابْن معِين: عبد الرَّحِيم هَذَا كَذَّاب لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. قَالَ ابْن حزم: وَرَوَاهُ أَيْضا حَمْزَة الْجَزرِي وَهُوَ سَاقِط مَتْرُوك. قَالَ: بل هُوَ مِمَّا يقطع عَلَى أَنه كذب مَوْضُوع؛ لِأَن الصَّحَابَة اخْتلفُوا فَحرم وَاحِد وحلل آخر مِنْهُم ذَلِك الشَّيْء الَّذِي حرمه صَاحبه، وَأوجب بَعضهم وأبطل غَيره مِنْهُم مَا أوجبه صَاحبه، لَو كَانَ هَذَا الْخَبَر حقًّا لكَانَتْ أَحْكَام الله - تَعَالَى - متضادة فِي الدَّين مُخْتَلفَة حَلَالا وحرامًا معَاذ الله، قد كذب هَذَا بقول الصَّادِق (وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا) قَالَ فصح أَن الِاخْتِلَاف لَيْسَ إِلَّا من عِنْد غير الله. قلت لَكِن فِي كتاب «الِاعْتِقَاد» لِلْحَافِظِ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ذكر حَدِيث أبي مُوسَى رَفعه «النُّجُوم أَمَنَة للسماء، إِذا ذهبت النُّجُوم أَتَى أهل السَّمَاء مَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 587 كَانُوا يوعدون، وأصحابي أَمَنَة لأمتي فَإِذا ذهبت أَصْحَابِي أَتَى أمتِي مَا كَانُوا يوعدون» رَوَاهُ مُسلم بِمَعْنَاهُ، رُوِيَ فِي حَدِيث مَوْصُول بِإِسْنَاد غير قوي، وَفِي حَدِيث مُنْقَطع أَنه قَالَ: «مثل أَصْحَابِي كَمثل النُّجُوم فِي السَّمَاء من أَخذ بِنَجْم مِنْهَا اهْتَدَى» . قَالَ: وَالَّذِي رَوَيْنَاهُ هَاهُنَا من الحَدِيث الصَّحِيح يُؤَدِّي بعض مَعْنَاهُ. الحَدِيث التَّاسِع عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن فَقَالَ: وَإِن كَانَ جَامِدا ألقوها وَمَا حولهَا، وَإِن كَانَ مَائِعا فأريقوه» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب الْبيُوع. الحَدِيث الْعشْرُونَ إِلَى الحَدِيث (الثَّامِن) بعد الْعشْرين حَدِيث النَّهْي (بعد حَدِيث) التَّضْحِيَة بالعوراء. وَقد سلف فِي بَابه. وَحَدِيث «لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان» . وَقد سلف فِي الْبَاب. وَحَدِيث «لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الراكد» . وَقد سلف فِي بَابه. وَحَدِيث «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدافة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 588 وَحَدِيث «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سهى فَسجدَ» . وَحَدِيث «زنَى مَاعِز فرجم» . وَحَدِيث «بَرِيرَة عتقت فخيرت» . وَحَدِيث «إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر ... .» الحَدِيث. وكل هَذِه الْأَحَادِيث سلفت فِي مواطنها. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إليَّ، ولعلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ عَلَى نَحْو مَا أسمع، فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذهُ، وَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَفِي رِوَايَة لَهما «أَنه سمع جلبة خصومات فِي حجرته فَخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر ... .» الحَدِيث، وَفِي آخِره «فَمن قضيت لَهُ بِحَق مُسلم فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَة من النَّار فليحملها أَو يذرها» . وَفِي رِوَايَة لَهما فَمن قضيت لَهُ من [حق] أَخِيه شَيْئا فَلَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 589 يَأْخُذهُ» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «فَبَكَى الرّجلَانِ وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه حَقي لَك، فَقَالَ لَهما النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أما إِذْ فعلتما لذَلِك فاقتسما (فَتَوَخَّيَا) الْحق ثمَّ اسْتهمَا ثمَّ تحاللا» وَفِي رِوَايَة [لَهُ] «يختصمان فِي مَوَارِيث وَأَشْيَاء قد درست، قَالَ: قَالَ: فَأَنا أَقْْضِي ببينكما برأيي مَا لم ينزل عَلّي فِيهِ» . ذكر هَذِه [الرِّوَايَة] وَالَّتِي قبلهَا صَاحب الْإِلْمَام فِي «إلمامه» قَالَ فِي إسنادهما أُسَامَة بن زيد. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِنَّمَا نحكم بِالظَّاهِرِ، وَالله يتَوَلَّى السرائر» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة وَلَا غَيرهَا، وَسُئِلَ عَنهُ حَافظ زَمَاننَا جمال الدَّين الْمزي فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» بَاب الحكم بِالظَّاهِرِ. ثمَّ أورد حَدِيث «إِنَّمَا أَنا بشر ... » وَقد أوردهُ الرَّافِعِيّ قبل هَذَا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 590 الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي قصَّة الْمُلَاعنَة: «لَو كنت راجمًا أحدا من غير بَيِّنَة رجمتها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِلَفْظ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي هَذَا الْمَعْنى قصَّة الْمُلَاعنَة: «اللَّهُمَّ بَيِّن. فَوَضَعته شَبِيها [بِالرجلِ] الَّذِي ذكر زَوجهَا أَنه وجده عِنْدهَا. ثمَّ قَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس فِي الْمجْلس: (هِيَ) هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو رجمت أحدا بِغَيْر بَيِّنَة رجمت هَذِه. قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا، تِلْكَ امْرَأَة كَانَت تظهر فِي الْإِسْلَام السوء. الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمين» . قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر أَن سُهَيْل بن أبي صَالح رَوَى هَذَا الحَدِيث، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، وسَمعه مِنْهُ ربيعَة، ثمَّ إِنَّه اخْتَلَّ حفظه لشجة أَصَابَته فَكَانَ يَقُول: أَخْبرنِي ربيعَة أَنِّي أخْبرته عَن أبي هُرَيْرَة. هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرج الحَدِيث الشَّافِعِي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 591 وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن سُهَيْل بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الرّبيع: أَنا الشَّافِعِي عَن الدَّرَاورْدِي قَالَ: فَذكرت ذَلِك لسهيل فَقَالَ: أَخْبرنِي ربيعَة - وَهُوَ عِنْدِي ثِقَة - أَنِّي حدثته إِيَّاه وَلَا أحفظه، فَكَانَ سُهَيْل يحدثه بعد، عَن ربيعَة عَنهُ، عَن أَبِيه. قَالَ عبد الْعَزِيز - يَعْنِي الدَّرَاورْدِي -: قد أصَاب سهيلاً عِلّة أذهبت [بعض] عقله، وَنسي بعض حَدِيثه. وَقَالَ سُلَيْمَان بن بِلَال: لقِيت سهيلاً فَسَأَلته، فَقَالَ: لَا أعرفهُ فَقلت: إِن ربيعَة أَخْبرنِي [بِهِ] عَنْك [قَالَ] : إِن كَانَ ربيعَة أخْبرك عني فَحدث [بِهِ] عَن ربيعَة عني. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عَن سُهَيْل أَيْضا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العامري، وَهُوَ مدنِي ثِقَة. قَالَ: وَرَوَاهُ (مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن) عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عُثْمَان بن الحكم عَن زُهَيْر [بن] مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن زيد بن ثَابت، قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن أَحْمد بن حَنْبَل: لَيْسَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 592 فِي هَذَا الْبَاب - يَعْنِي قضي بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد - حَدِيث أصح من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ فِي «خلافياته» نقلا عَن الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث عندنَا مَحْفُوظ من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح إِذْ حفظ عَنهُ إِمَام حَافظ متقن مثل ربيعَة بن [أبي] عبد الرَّحْمَن، وَقد يحدث الْمُحدث الثبت بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينساه. وَقد رُوِيَ الحَدِيث أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العامري، وَمُحَمّد بن زيد الْمَكِّيّ، عَن سُهَيْل بِمثل رِوَايَة ربيعَة عَنهُ، ثمَّ ذكر حَدِيث الْمُغيرَة عَن أبي الزِّنَاد الْمُتَقَدّم، وَنقل عَن يَحْيَى بن [معِين] أَن أسناده مَحْفُوظ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا حَيْثُ رَوَاهُ سُهَيْل عَن أَبِيه عَنهُ مَرْفُوعا، فَقَالَا: هُوَ صَحِيح. قلت: فَإِن بَعضهم يرويهِ عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن زيد بن ثَابت. قَالَا: وَهَذَا أَيْضا صَحِيح. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من «علله» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث زيد بن ثَابت فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَعُثْمَان بن الحكم - يَعْنِي الَّذِي فِي إِسْنَاد حَدِيث زيد بن ثَابت - لَيْسَ بالمتقن. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: سَأَلت أبي هَل يَصح حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا؟ فَوقف وَقْفَة فَقَالَ ترَى الدَّرَاورْدِي مَا يَقُول؟ - يَعْنِي قَوْله قلت لسهيل فَلم يعرفهُ - قلت: [فَلَيْسَ] نِسْيَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 593 سُهَيْل دافعًا لما حَكَاهُ [عَنهُ] ربيعَة، وَرَبِيعَة ثِقَة وَالرجل يحدث بِالْحَدِيثِ وينسى. قَالَ: أجل هَكَذَا هُوَ، وَلَكِن لم نرَى أَن يتبعهُ متابع عَلَى رِوَايَته، وَقد رَوَى عَن سُهَيْل جمَاعَة كَثِيرَة لَيْسَ عِنْد أحد مِنْهُم هَذَا الحَدِيث. قلت: إِنَّه يَقُول بِخَبَر الْوَاحِد؟ قَالَ: أجل غير أَنِّي لَا أرَى هَذَا الحَدِيث أصلا عَن أبي هُرَيْرَة أعتبر بِهِ، وَهَذَا أصل من الْأُصُول لم يُتَابع عَلَيْهِ ربيعَة. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد أسلفنا أَنه رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سُهَيْل كَرِوَايَة ربيعَة عَنهُ، قَالَ الْخَطِيب: تَابع ربيعَة عَلَى رِوَايَته مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يزْدَاد العامري، وَمُحَمّد بن زِيَاد الْمَدِينِيّ فَرَوَاهُ عَن سُهَيْل كَذَلِك، وَرَوَى أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن بِلَال وَأبي أويس وَحَمَّاد بن سَلمَة جَمِيعًا عَن سُهَيْل بِهِ - مثل قَول ربيعَة - وَرَوَاهُ أَبُو سعيد النقاش فِي كتاب الشُّهُود من حَدِيث الْوَلِيد بن عَطاء، عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز، نَا سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: الثَّانِي أَكثر طرقًا وَأَصَح نقلا وَالْأول وهم من زُهَيْر بن مُحَمَّد. الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى أَن يجلس الخصمان بَين يَدي القَاضِي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُصعب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 594 بن ثَابت [بن] عبد الله بن الزبير، عَن جده عبد الله بن الزبير قَالَ: «قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن الْخَصْمَيْنِ يقعدان بَين يَدي القَاضِي» . وَمصْعَب هَذَا ضَعَّفُوهُ، قَالَ يَحْيَى: ضَعِيف. وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. ووهاه ابْن حبَان وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه «أَن أَبَاهُ عبد الله بن الزبير كَانَت بَينه وَبَين أَخِيه عَمْرو بن الزبير خُصُومَة فَدخل عبد الله بن الزبير عَلَى سعيد بن الْعَاصِ وَعَمْرو بن الزبير مَعَه عَلَى السرير، فَقَالَ سعيد لعبد الله: هَاهُنَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ سعيد: قَضَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَسنة رَسُول الله أَن الْخَصْمَيْنِ يقعدان بَين يَدي الْحَاكِم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: لَا؛ لأجل مُصعب فقد علمت حَاله، ثمَّ اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى قعُود الْخَصْمَيْنِ بَين يَدي القَاضِي، وَقد علمت مَا فِيهِ، فيستدل لَهُ إِذن بِحَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه السالف فِي بَاب الْقَضَاء، وَهُوَ الحَدِيث الرَّابِع فَتَأَمّله. (فَائِدَة) : فِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني من حَدِيث زُهَيْر، نَا عباد بن كثير، عَن أبي عبد الله، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أم سَلمَة رفعته «من ابْتُلِيَ بِالْقضَاءِ بَين الْمُسلمين فليعدل بَينهم فِي لحظه وإشارته ومقعده ومجلسه وَبِه قَالَ من ابْتُلِيَ بِالْقضَاءِ بَين الْمُسلمين فَلَا يرفع صَوته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 595 عَلَى أحد الْخَصْمَيْنِ مَا لَا يرفع عَلَى الآخر» . الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه جلس بِجنب شُرَيْح فِي خُصُومَة لَهُ مَعَ يَهُودِيّ، فَقَالَ: لَو كَانَ خصمي مُسلما جَلَست مَعَه بَين يَديك، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا تساووهم فِي الْمجَالِس» . هَذَا كَذَا أوردهُ صَاحب «الْحَاوِي» و «الشَّمَائِل» وَغَيرهمَا، وَضعف صَاحب «الْحَاوِي» إِسْنَاده، وَقد أخرجه كَذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» فِي الْمَرَض من حَدِيث أبي سمير حَكِيم بن خزام، نَا الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: «عرف عَلّي درعًا لَهُ مَعَ يَهُودِيّ فَقَالَ: يَا يَهُودِيّ، دِرْعِي سَقَطت مني يَوْم كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الْيَهُودِيّ: مَا أَدْرِي مَا تَقول، دِرْعِي وَفِي يَدي، بيني وَبَيْنك قَاضِي الْمُسلمين - يَعْنِي فمضيا إِلَى شُرَيْح - فَلَمَّا رَآهُ شُرَيْح قَامَ لَهُ عَن مَجْلِسه وَجلسَ عَلّي، ثمَّ أقبل عَلَى شُرَيْح فَقَالَ: إِن خصمي لَو كَانَ مُسلما جَلَست مَعَه بَين يَديك، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول لَا تساووهم فِي الْمجَالِس، وَلَا تعودوا مرضاهم، وَلَا تشيعوا جنائزهم، واضطروهم إِلَى أضيق الطّرق، فَإِن سبوكم فاضربوهم، وَإِن ضربوكم فاقتلوهم. ثمَّ قَالَ: دِرْعِي عرفتها مَعَ هَذَا الْيَهُودِيّ. فَقَالَ شُرَيْح لِلْيَهُودِيِّ: مَا تَقول؟ فَقَالَ: دِرْعِي وَفِي يَدي. فَقَالَ شُرَيْح: صدقت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّهَا لدرعك، وَلَكِن لابد من شَاهِدين. فَدَعَا قنبرًا فَشهد لَهُ، ثمَّ دَعَا الْحسن فَشهد لَهُ، فَقَالَ شُرَيْح: أما شَهَادَة مَوْلَاك فقد أجزتها، وَأما شَهَادَة ابْنك فَلَا أرَى أَن أجيزها. فَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 596 عَلّي: ناشدتك الله أسمعت عمر بن الْخطاب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[يَقُول] إِن الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة قَالَ: قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ فَلم لَا تجيز شَهَادَة شباب أهل الْجنَّة وَالله لتأتين إِلَيّ بانقيا ثمَّ لتقضين بَينهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ سلم الدرْع إِلَى الْيَهُودِيّ، فَقَالَ الْيَهُودِيّ: أَمِير الْمُؤمنِينَ مَشَى معي إِلَى قاضيه فَقَضَى عَلَيْهِ فَرضِي بِهِ، صدقت وَالله، إِنَّهَا لدرعك سَقَطت مِنْك [يَوْم] كَذَا وَكَذَا عَن جمل لَك أَوْرَق فالتقطها، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ عَلّي: هَذَا الدرْع لَك وَهَذِه الْفرس لَك. وفرص لَهُ تِسْعمائَة، ثمَّ لم يزل مَعَه حَتَّى قتل يَوْم صفّين» ثمَّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، تفرد بِهِ أَبُو [سمير] قَالَ البُخَارِيّ وَابْن عدي: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. قلت: وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي «الكنى» : أَبُو سمير هَذَا مُنكر الحَدِيث. ثمَّ أورد لَهُ هَذَا الحَدِيث بسياقة ابْن الْجَوْزِيّ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر الحَدِيث. وَقد سمع النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - جارًا لَهُ يهوديًّا، وَنَهَى عَن قتل الْمعَاهد فضلا عَن الْمُشرك إِلَّا بِحقِّهِ وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : إِسْنَاده مَجْهُول وَلَا يعرف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. انْتَهَى. وَأَبُو سمير هَذَا اسْمه حَكِيم بن خزام، وَقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من وَجه آخر من حَدِيث جَابر، عَن الشّعبِيّ قَالَ: «خرج عَلّي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 597 بن [أبي] طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى السُّوق، فَإِذا هُوَ بنصراني يَبِيع درعًا فَعرف عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الدرْع فَقَالَ: هَذَا دِرْعِي بيني وَبَيْنك قَاضِي الْمُسلمين. قَالَ - وَكَانَ قَاضِي الْمُسلمين شُرَيْح، كَانَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه استقضاه - فَلَمَّا رَأَى شُرَيْح أَمِير الْمُؤمنِينَ قَامَ من مجْلِس الْقَضَاء، وأجلس عليَّا فِي مَجْلِسه وَجلسَ شُرَيْح [قدامه] إِلَى جنب النَّصْرَانِي، فَقَالَ لَهُ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أما يَا شُرَيْح لَو كَانَ خصمي مُسلما لقعدت مَعَه مجْلِس الْخصم، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَا تصافحوهم وَلَا تبدؤهم بِالسَّلَامِ، وَلَا تعودوا مرضاهم، وَلَا تصلوا عَلَيْهِم، وألجؤهم إِلَى مضايق الطّرق، وصغروهم كَمَا صغرهم الله اقْضِ بيني وَبَينه يَا شُرَيْح. فَقَالَ شُرَيْح: [تَقول] يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه [هَذِه] دِرْعِي ذهبت مني مُنْذُ زمَان. فَقَالَ شُرَيْح: مَا تَقول يَا نَصْرَانِيّ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّصْرَانِي: مَا أكذب أَمِير الْمُؤمنِينَ الدرْع هِيَ دِرْعِي. قَالَ: فَقَالَ شُرَيْح: مَا أرَى أَن تخرج من يَده فَهَل من بَيِّنَة؟ فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: صدق شُرَيْح. قَالَ: فَقَالَ النَّصْرَانِي: أما أَنا أشهد أَن هَذِه أَحْكَام الْأَنْبِيَاء، أَمِير الْمُؤمنِينَ يَجِيء [إِلَى] قاضيه وقاضيه يقْضِي عَلَيْهِ، وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ درعك اتبعتك بَين الْجَيْش، وَقد زَالَت عَن جملك الأورق فأخذتها، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أما إِذا أسلمت فَهِيَ لَك. وَحمله عَلَى فرس عَتيق. قَالَ: فَقَالَ الشّعبِيّ: فَلَقَد رَأَيْته يُقَاتل الْمُشْركين» وَفِي رِوَايَة لَهُ «لَوْلَا أَن خصمي نَصْرَانِيّ لجثيت بَين يَديك» وَقَالَ فِي آخِره «فَوَهَبَهَا عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَهُ وَفرض لَهُ أَلفَيْنِ، وَأُصِيب مَعَه يَوْم صفّين» وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 598 ضعفاء أَوَّلهمْ أسيد - بِفَتْح الْهمزَة - بن زيد بن نجيح الْجمال - بِالْجِيم - الْهَاشِمِي، قَالَ يَحْيَى: هُوَ كَذَّاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات الْمَنَاكِير ويسوق الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَرَوَى [عَنهُ] البُخَارِيّ مَقْرُونا بِعَمْرو بن ميسرَة الْكُوفِي. الثَّانِي عَمْرو بن شمر الْجعْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. قَالَ السَّعْدِيّ: زائغ كَذَّاب. الثَّالِث: جَابر الْجعْفِيّ، وَقد تقدم أَقْوَال الْأَئِمَّة [فِيهِ] وَفِي عَمْرو بن شمر فِيمَا مَضَى من كتَابنَا هَذَا. د قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر ضَعِيف عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ. فَأَشَارَ إِلَى الطَّرِيقَة السالفة، لَا جرم، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى «الْوَسِيط» : هَذَا الحَدِيث لم أجد لَهُ إِسْنَادًا يثبت. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يضيف أحدكُم أحد الْخَصْمَيْنِ إِلَّا أَن يكون خَصمه مَعَه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 599 الْحسن قَالَ: «نزل عَلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رجل وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، ثمَّ قدم خصما لَهُ فَقَالَ لَهُ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أخصم أَنْت؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فتحول فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن نضيف الْخصم إِلَّا وَمَعَهُ خَصمه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف. قَالَ: وَقد تَابعه أَبُو مُعَاوِيَة وَغَيره عَن إِسْمَاعِيل بِمَعْنَاهُ هَكَذَا. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن قيس بن الرّبيع، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الْحسن قَالَ: «حَدثنَا رجل نزل عَلَى عَلّي بِالْكُوفَةِ [فَأَقَامَ عِنْده] أَيَّامًا ثمَّ ذكر خُصُومَة لَهُ فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تحول عَن منزلي؛ فَإِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى أَن ينزل الْخصم إِلَّا وَمَعَهُ خَصمه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وقرأت فِي كتاب ابْن خُزَيْمَة، عَن مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الرَّمْلِيّ، عَن الْقَاسِم بن غُصْن، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود الديلِي، عَن أَبِيه، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يضيف الْخصم إِلَّا وخصمه مَعَه» . الحَدِيث الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ «أَن أعرابيًّا شهد عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِرُؤْيَة الْهلَال فَسَأَلَ عَن إِسْلَامه وَقبل شَهَادَته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي كتاب الصّيام وَاضحا. الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ «إِن أول من فرق الشُّهُود دانيال النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - شهد عِنْده بِالزِّنَا عَلَى امْرَأَة ففرقهم وسألهم، فَقَالَ أحدهم: زنت بشاب تَحت شَجَرَة كمثرى. وَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 600 الآخر: تَحت شَجَرَة تفاح. فَعرف كذبهمْ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي إِدْرِيس فِي قصَّة سوسن قَالَ: «كَانَ دانيال عَلَيْهِ السَّلَام أول من فرق بَين الشُّهُود، فَقَالَ لأَحَدهمَا: مَا الَّذِي [رَأَيْت] وَمَا الَّذِي شهِدت؟ قَالَ: أشهد بِاللَّه أَنِّي رَأَيْت سوسن تَزني فِي الْبُسْتَان بِرَجُل. قَالَ: فِي أَي مَكَان؟ قَالَ: تَحت شَجَرَة كمثرى. ودعا الآخر قَالَ: بِمَ تشهد؟ قَالَ: أشهد أَنِّي رَأَيْت سوسن تَزني بالبستان تَحت شَجَرَة التفاح. قَالَ: فَدَعَا الله عَلَيْهَا فَجَاءَت من السَّمَاء نَار فأحرقتهما وَأَبْرَأ الله سوسن» . فَائِدَة: دانيال هَذَا يُقَال فِيهِ دانيا - بِحَذْف اللَّام - كَمَا حَكَاهُ صَاحب الْعين، وَإِن كَانَ خلاف الْمَشْهُور، وَهُوَ مِمَّن آتَاهُ الله الْحِكْمَة والنبوة، وَكَانَ فِي أَيَّام بخْتنصر، قَالَ أهل التَّارِيخ: أسره بخْتنصر مَعَ من أسره وحبهم، ثمَّ رَأَى بخْتنصر رُؤْيا أفزعتهم وَعجز النَّاس عَن تَفْسِيرهَا فَفَسَّرَهَا دانيال فَأَعْجَبتهُ فَأَطْلقهُ وأكرمه، وقبره بنهر السوس. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فخمسة عشر الأول: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما بعث ابْن مَسْعُود قَاضِيا عَلَى الْكُوفَة كتب لَهُ كتابا» . وَلَا يحضرني الْآن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 601 ثَانِيهَا: «أَن أَبَا بكر كَانَ يَأْخُذ من بَيت المَال كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ» . وَلَا يحضرني كَذَلِك، نعم فِي البُخَارِيّ فِي بَاب رزق الْحَاكِم والعاملين عَلَيْهَا مَا نَصه «وَأكل أَبُو بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» فِي أَبْوَاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة من حَدِيث الْحسن «أَن أَبَا بكر الصّديق خطب ... » فَذكرهَا ثمَّ قَالَ: «فَلَمَّا أصبح غَدا إِلَى السُّوق فَقَالَ لَهُ عمر: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: السُّوق. قَالَ: قد جَاءَك مَا يشغلك عَن السُّوق. قَالَ: سُبْحَانَ الله، يشغلني عَن عيالي. قَالَ: تفرض بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ: وَيْح عمر، إِنِّي أَخَاف أَن لَا يسعني أَن آكل من هَذَا المَال شَيْئا [قَالَ] : فأنفق فِي سنتَيْن وَبَعض أُخْرَى ثَمَانِيَة آلَاف، ثمَّ أَوْصَى بردهَا بعد مَوته فَردَّتْ، فَقَالَ عمر: رحم الله أَبَا بكر لقد أتعب من بعده تعبًا شَدِيدا» . الثَّالِث: «أَن عمر كَانَ يرْزق شريحًا كل شهر مائَة دِرْهَم» . وَلَا يحضرني هَذَا كَذَا، نعم فِي البُخَارِيّ فِي بَاب رزق الْحَاكِم والعاملين عَلَيْهَا مَا نَصه «كَانَ شُرَيْح يَأْخُذ عَلَى الْقَضَاء أجرا» . الرَّابِع: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ «فِي قَوْله تَعَالَى (وشاورهم فِي الْأَمر) قَالَ: كَانَ (غَنِيا عَن مشاورتهم، وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك أَن يستن الْحُكَّام بعد هَذَا الْأَمر» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 602 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان، عَن ابْن شبْرمَة، عَنهُ «فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ «وشاورهم فِي الْأَمر» قَالَ: علم الله سُبْحَانَهُ أَنه مَا بِهِ إِلَيْهِم من حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن من بعده» . قَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «مَا رَأَيْت أحدا قطّ كَانَ أَكثر مُشَاورَة لأَصْحَابه من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس عَن (وشاورهم) قَالَ: «أَبُو بكر وَعمر» . وروينا فِي آدَاب الصُّحْبَة لأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ من حَدِيث مخلد بن يزِيد، عَن عباد بن كثير، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما نزلت هَذِه الْآيَة (وشاورهم فِي الْأَمر) . قَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الله وَرَسُوله غنيان عَنْهَا وَلَكِن [جعلهَا الله] رَحْمَة فِي أمتِي، فَمن شاور، مِنْهُم لم يعْدم رشدا وَمن ترك المشورة مِنْهُم لم يعْدم غيًا» . الْخَامِس: عَن شُرَيْح أَنه قَالَ: «اشْترط عليَّ عمر حِين ولاَّني الْقَضَاء أَن لَا أبيع وَلَا أبتاع وَلَا أَقْْضِي وَأَنا غَضْبَان» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 603 وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. السَّادِس: عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد قَالَ: سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد يَقُول: «أَتَت امْرَأَة إِلَى عبد الله بن عَبَّاس فَقَالَت: إِنِّي نذرت أَن أنحر ابْني. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تنحري ابْنك وكفري عَن يَمِينك. فَقَالَ شيخ عِنْده جَالس: كَيفَ يكون فِي هَذَا كَفَّارَة؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن الله يَقُول: (وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم) ثمَّ جعل فِيهِ من الْكَفَّارَات مَا قد رَأَيْت» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» عَن مَالك. السَّابِع: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ فِي الْكَلَالَة: أَقُول فِيهَا برأيي إِن كَانَ صَوَابا فَمن الله وَإِن كَانَ خطأ فمني واستغفر الله» . هَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ، وَمِمَّنْ ذكره أَبُو الطّيب الزَّمَخْشَرِيّ [وَغَيره] قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى مثله فِي وقائع مُخْتَلفَة عَن عَلّي وَعمر وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. قَالَ: وخالفت الصَّحَابَة أَبَا بكر فِي الْحَد، وَعمر فِي الشّركَة. الثَّامِن: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يفاضل بَين الْأَصَابِع فِي الدِّيات لتَفَاوت مَنَافِعهَا حَتَّى رَوَى لَهُ فِي الْخَبَر التَّسْوِيَة بَينهَا فنقض حكمه» . هَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ، رَوَى الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 604 وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر بن الْخطاب قَضَى فِي الْإِبْهَام بِخمْس عشرَة، وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِعشر وَفِي الْوُسْطَى بِعشر، وَفِي الَّتِي تلِي الْخِنْصر بتسع، وَفِي الْخِنْصر بست» وَإِنَّمَا رجعوه عَنهُ فَحَكَى أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي «المعالم» عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر كَانَ يَجْعَل فِي الْإِبْهَام خَمْسَة عشر ... » وَقد ذكر مَا قدمنَا قَالَ: «وَفِي الْخِنْصر سِتا، حَتَّى وجد كتابا عِنْد عَمْرو بن حزم عَن رَسُول الله أَن الْأَصَابِع كلهَا سَوَاء، فَأخذ بِهِ» وَلم يذكر الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الرسَالَة رُجُوعه بل مَا قدمْنَاهُ عَنهُ فِي «الْمسند» ثمَّ قَالَ: «وَفِي كل إِصْبَع مِمَّا هُنَالك عشر من الْإِبِل» صَارُوا إِلَيْهِ، وَلم يقبلُوا إِلَى عَمْرو بن حزم حَتَّى يثبت لَهُم أَنه كتاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بتقوى الله. التَّاسِع: عَنهُ أَيْضا «أَنه كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: لَا [يمنعك] قَضَاء قَضيته ثمَّ راجعت فِيهِ نَفسك فهديت لرشده أَن تنقضه، فَإِن الْحق قديم لَا ينْقضه شَيْء، وَالرُّجُوع إِلَى الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَهُوَ كتاب مَعْرُوف مَشْهُور لابد للفقهاء من مَعْرفَته وَالْعَمَل بِهِ، وَقَالَ ابْن حزم بعد أَن سَاقه من طَرِيقين: وَفِيه إِثْبَات الْقيَاس، لَا يَصح؛ لِأَن فِي سَنَده عبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 605 الْملك بن الْوَلِيد بن معدان، وَهُوَ كُوفِي مَتْرُوك سَاقِط بِلَا خلاف ومجهول قَالَ: وَطَرِيقه الآخر فِيهِ مَجَاهِيل وَانْقِطَاع. قَالَ: فَبَطل القَوْل بِهِ جملَة. الْعَاشِر: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه نقض قَضَاء شُرَيْح بِأَن شَهَادَة الْمولى لَا تقبل بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ وَهُوَ أَن ابْن الْعم لَا تقبل شَهَادَته مَعَ أَنه أقرب من الْمولى» . هَذَا لَا يحضرني من خرجه عَنهُ. الْحَادِي عشر: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «إِذْ حكم بحرمان الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ فِي الشّركَة، ثمَّ شرك بعد ذَلِك، وَقَالَ: ذَلِك عَلَى مَا قضينا وَلِهَذَا مَا نقض. وَلم ينْقض قَضَاءَهُ الأول» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا من حَدِيث الحكم بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قَالَ: شهِدت عمر بن الْخطاب أشرك الْإِخْوَة من الْأَب [والام] مَعَ الْإِخْوَة من الْأُم فِي الثُّلُث، فَقَالَ لَهُ رجل: لقد قضيت عَام أول بِغَيْر هَذَا. قَالَ: [فَكيف] قضيت؟ قَالَ: جعلته للإخوة من الْأُم وَلم تجْعَل للإخوة من الْأَب وَالأُم شَيْئا، قَالَ: تِلْكَ مَا قضينا» وَهَذِه عَلَى مَا قضينا وَوَقع فِي «الْوَسِيط» للغزالي هَذَا الْأَثر معكوسًا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 606 فَقَالَ: «قَضَى بِإِسْقَاط الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ فِي مَسْأَلَة الشّركَة بعد أَن شرك فِي الْعَام الأول، وَكَذَا وَقع فِي «النِّهَايَة» قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ سَهْو قطعا وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَكْس شرك بعد أَن لم يُشْرك. كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» وَالنَّاس. قلت: وَوَقع فِي بَحر الرَّوْيَانِيّ أَنه رَوَى «أَن عمر شرك بَين الْأَخ من الْأَب وَالأُم، وَبَين أَوْلَاد الْأُم، ثمَّ رَجَعَ فِي الإنتهاء، فَقَالَ الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم: هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا أَلسنا من أم وَاحِدَة؟ ! فشرك» وَهَذَا إِن صَحَّ يجمع بِهِ من كل من الرِّوَايَتَيْنِ السالفتين، نبه عَلَيْهِ ابْن الرّفْعَة فِي كتاب «الْفَرَائِض» . الثَّانِي عشر: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَت لَهُ درة مؤدبة» . مَشْهُور عَنهُ، وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب «أَسمَاء الروَاة عَن مَالك» بِسَنَدِهِ إِلَى أَحْمد ابْن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي، ثَنَا مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه «أَن مُسلما ويهوديًا اخْتَصمَا إِلَى عمر [فَرَأَى عمر أَن الْحق لِلْيَهُودِيِّ فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ: وَالله لقد قضيت بِالْحَقِّ. فَضَربهُ عمر] بِالدرةِ، وَقَالَ: مَا يدْريك؟ قَالَ: إِنَّا نجد فِي كتَابنَا أَنه لَيْسَ [قَاض يقْضِي بِالْحَقِّ] إِلَّا عَن يَمِينه ملك، وَعَن يسَاره ملك يسددانه ويوفقانه مَعَ الْحق، فَإِذا ترك الْحق ارتفعا وتركاه» وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن ابْن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار «أَن طليحة كَانَت تَحت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 607 رشيد الثَّقَفِيّ فَطلقهَا الْبَتَّةَ، فنكحت فِي عدتهَا، فضربها عمر بن الْخطاب، وَضرب زَوجهَا بالمخفقة» . قَالَ ابْن دحْيَة فِي «كِتَابه مرج الْبَحْرين» : وَأول من ضرب بِالدرةِ وَحملهَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. والدرة - بِكَسْر الدَّال، وَتَشْديد الرَّاء - معرفَة، وَيُقَال: المعرقة - بِفَتْح الْعين وَالرَّاء وبالقاف - ذكره صَاحب الْمُحكم. والمخفقة أَيْضا كَمَا تقدم. الْأَثر الثَّالِث عشر: «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اشْتَرَى دَارا بأَرْبعَة آلَاف وَجعلهَا سجنًا» . وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي أثْنَاء بَاب الْخُصُومَات بِنَحْوِهِ فَقَالَ: «وَاشْتَرَى نَافِع بن عبد الْحَارِث دَارا للسجن بِمَكَّة من صَفْوَان بن أُميَّة عَلَى إِن عمر رَضِي فَالْبيع بَيْعه، وَإِن لم يرض عمر فلصفوان أَرْبَعمِائَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث نَافِع بن عبد الْحَارِث أَيْضا «أَنه اشْتَرَى من صَفْوَان بن أُميَّة دَارا للسجن لعمر بن الْخطاب بأَرْبعَة آلَاف» . وَفِي رِوَايَة «بأربعمائة» . فَائِدَة: قَالَ ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» : اخْتلف أهل الْعلم هَل سجن رَسُول الله وَأَبُو بكر أحدا؟ فَذكر بَعضهم أَنه لم يكن لَهما سجن، وَلَا سجنا أحدا، وَذكر بَعضهم «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سجن بِالْمَدِينَةِ فِي تُهْمَة دم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَذَلِكَ قَالَ، وَرُوِيَ «أَنه سجن رجلا أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَوَجَبَ عَلَيْهِ استتمام عتقه» قَالَ فِي الحَدِيث: «حَتَّى بَاعَ عتقه لَهُ» . وَقَالَ ابْن سُفْيَان فِي كِتَابه: وَقد رويت عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه حكم بِالضَّرْبِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 608 والسجن» . قَالَ ابْن الطلاع: وَثَبت عَن عمر «أَنه كَانَ لَهُ سجن وَأَنه سجن الحطيئة عَلَى الهجو، وصَبيِغًا التَّمِيمِي عَلَى سُؤَاله عليًّا فِي الذاريات والمرسلات والنازعات، وشبههن، وضربه مرّة بعد أُخْرَى، ونفاه إِلَى الْعرَاق - وَقيل: إِلَى الْبَصْرَة - وَكتب أَن لَا يجالسه أحد إِلَى أَن مَاتَ» . الْأَثر الرَّابِع عشر: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَو رَأَيْت أحدا عَلَى حد لم أحده حَتَّى يشْهد عِنْدِي شَاهِدَانِ بذلك» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الإِمَام أَحْمد بِلَفْظ: «لَو رَأَيْت رجلا عَلَى حد من حُدُود الله - تَعَالَى - مَا أَخَذته، وَلَا دَعَوْت لَهُ أحدا حَتَّى يكون مَعَه غَيْرِي» وَإِسْنَاده صَحِيح إِلَيْهِ. الْأَثر الْخَامِس عشر: «أَن شَاهِدين شَهدا عِنْد عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ لَهما: إِنِّي لَا أعرفكما، وَلَا يضركما أَن لَا أعرفكما، ائتيا بِمن يعرفكما. فَأَتَاهُ رجل، فَقَالَ: تعرفهما؟ قَالَ: بالصلاح وَالْأَمَانَة. قَالَ: كنت جارًا لَهما [تعرف صباحهما ومساءهما ومدخلهما] ومخرجهما قَالَ: لَا. قَالَ: [هَل عاملتهما بِهَذِهِ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الَّتِي تعرف بهَا أمانات الرِّجَال؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل] صحبتهما فِي السّفر الَّذِي يسفر عَن أَخْلَاق الرِّجَال؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَأَنت لَا تعرفهما، ائتيا بِمن يعرفكما» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» ، وَالْبَغوِيّ، والخطيب فِي «كِفَايَته» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث دَاوُد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 609 بن رشيد، عَن الْفضل بن زِيَاد، عَن شَيبَان، عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، عَن سُلَيْمَان بن مسْهر، عَن خَرَشَةَ - بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، ثمَّ رَاء مُهْملَة، ثمَّ شين مُعْجمَة مفتوحتين، ثمَّ تَاء - بن الحرُ - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء - الْفَزارِيّ الْكُوفِي قَالَ: «شهد رجل عِنْد عمر بن الْخطاب بِشَهَادَة فَقَالَ لَهُ: لست أعرفك، وَلَا يَضرك أَن لَا أعرفك ائْتِ بِمن يعرفك. فَقَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا أعرفهُ، قَالَ: بِأَيّ شَيْء تعرفه؟ قَالَ: بِالْعَدَالَةِ وَالْفضل. قَالَ: هُوَ جَارك الْأَدْنَى الَّذِي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فعاملك بالدينار وَالدِّرْهَم اللَّذين بهما يسْتَدلّ عَلَى الْوَرع؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فرفيقك فِي السّفر الَّذِي يسْتَدلّ بِهِ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق؟ قَالَ: لَا. قَالَ: [لست] تعرفه. قَالَ: ائْتِنِي بِمن يعرفك» قَالَ الْعقيلِيّ: (الْفضل بن زِيَاد عَن شَيبَان مَجْهُول بِالنَّقْلِ، وَلَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه، وَلَا نعرفه إِلَّا بِهِ. قَالَ: وَمَا فِي الْكتاب حَدِيث مَجْهُول أحسن من هَذَا) . قلت: وَأما ابْن السكن فَإِنَّهُ ذكره فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة» فأغرب. تَنْبِيه: وَقع فِي «الْمُهَذّب» ثمَّ مثناة من تَحت ثمَّ مُثَلّثَة وَهُوَ تَحْرِيف، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : كَذَا هُوَ فِي نسخ «الْمُهَذّب» وَهُوَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 610 تَصْحِيف، وَذكر البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه الْكَبِير» وَغَيره من الْعلمَاء: أَن خَرشَة كَانَ يَتِيما فِي حجر عمر بن الْخطاب، وَمن الروَاة عَنهُ المعروفين بذلك، وَلَيْسَ فِي هَذِه الدرجَة أَعنِي دَرَجَة من يروي عَن عمر من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من سمي سُلَيْمَان بن حُرَيْث، يتَعَيَّن أَن الْمَذْكُور فِي «الْمُهَذّب» غلط وتصحيف. بَاب الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ حَدِيث هِنْد [زَوْجَة] أبي سُفْيَان أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح لَا يعطيني من النَّفَقَة مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بني (أفآخذ من مَاله مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بني؟) فَقَالَ (: خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَقد سلف فِي النَّفَقَات وَاضحا، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ قَضَاء عَلَى زَوجهَا أبي سُفْيَان وَهُوَ غَائِب. قلت: وَكَذَا ترْجم عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» «الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب» لَكِن ذكر جمَاعَة من الْمُحَقِّقين أَن ذَلِك كَانَ فَتْوَى لَا قَضَاء، وَصَححهُ أَصْحَابنَا أَيْضا، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» : اسْتدلَّ بِهِ جماعات من أَصْحَابنَا وَغَيرهم عَلَى جَوَاز الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب وَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت بِمَكَّة، وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 611 بهَا، وَشرط الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب أَن يكون غَائِبا عَن الْبَلَد أَو مستترًا لَا يقدر عَلَيْهِ أَو متعذرًا، وَلم يكن هَذَا الشَّرْط فِي أبي سُفْيَان مَوْجُودا، وَلَا يكون قَضَاء عَلَى الْغَائِب بل هُوَ إِفْتَاء. هَذَا آخر كَلَامه، وَنَصّ أَبُو نعيم والسهيلي أَيْضا عَلَى أَنه كَانَ حَاضرا حِينَئِذٍ كَمَا سلف فِي حد الزِّنَا، وَقد سلف فِي كتاب النَّفَقَات من كَلَام الرَّافِعِيّ مَا يدل عَلَى أَن ذَلِك كَانَ إِفْتَاء لَا قَضَاء، ويوضح ذَلِك أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يستحلفها أَنَّهَا لم تَأْخُذ النَّفَقَة، وَلم يقدرها بل قَالَ لَهَا: «خذي من مَاله مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ» فَجعل التَّقْدِير إِلَيْهَا فِيمَا تَأْخُذهُ، وَمَعْلُوم أَن مَا كَانَ من فرض النَّفَقَة عَلَى وَجه الْقَضَاء لَا يكون تَقْدِيره إِلَى مُسْتَحقّه إِلَّا أَن يُقَال: الْوَاجِب قدر الْكِفَايَة، كَمَا هُوَ أحد أَقْوَال الشَّافِعِي وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث. وَذكر الرَّافِعِيّ فِيهِ أَيْضا حَدِيث «اغْدُ يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها» وَقد سلف فِي مَوْضِعه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 612 بَاب الْقِسْمَة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين: أَحدهمَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقسم الْغَنَائِم بَين الْمُسلمين» . وَهَذَا من الْمَشْهُور المستفيض الثَّابِت الَّذِي عزوه أشهر من أَن يشْتَغل بِهِ، وَقد ورد فِي ذَلِك عدَّة أَحَادِيث، وَمِنْهَا حَدِيث جَابر الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قسم غنيمَة بالجعرانة فَقَالَ رجل: اعْدِلْ. فَقَالَ رَسُول الله: وَيحك إِن لم أعدل فَمن يعدل» . الحَدِيث الثَّانِي «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جزأ العبيد السِّتَّة الَّذين أعتقهم الْأنْصَارِيّ فِي مرض مَوته ثَلَاثَة أَجزَاء» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» وستعلمه فِي كتاب الْعتْق إِن شَاءَ الله، وَأَشَارَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى حَدِيث «لَا ضَرَر وَلَا ضرار» وَقد أوضحته فِي تخريجي أَحَادِيث «الْمُهَذّب» فِي كتاب الرَّهْن فسارع إِلَيْهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 613 كتاب الشَّهَادَات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 615 كتاب الشَّهَادَات ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فخمسة وَثَلَاثُونَ حديثًَا: أَحدهَا «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الشَّهَادَة، فَقَالَ للسَّائِل: ترَى الشَّمْس؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: عَلَى مثلهَا فاشهد أَو فدع» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «ذكر عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الرجل يشْهد بِشَهَادَة، فَقَالَ: أما أَنْت يَا ابْن عَبَّاس فَلَا تشهد إِلَّا عَلَى أَمر يضيئ لَك كضياء الشَّمْس. وَأَوْمَأَ رَسُول الله بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْس» وَرَوَاهُ ابْن عدي وَلَفظه عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الشَّهَادَة، فَقَالَ: ترَى الشَّمْس عَلَى مثلهَا فاشهد أَو دع» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ نظر فَإِن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مسمول، وَهُوَ ضَعِيف كَانَ الْحميدِي يتَكَلَّم [فِيهِ] . وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 617 حَاتِم الرَّازِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ لَا فِي إِسْنَاده وَلَا فِي مَتنه. وَقَالَ الْعقيلِيّ بعد أَن أخرجه فِي «تَارِيخ الضُّعَفَاء» : لَا يعرف إِلَّا بِهِ. وَفِيه أَيْضا عَمْرو بن مَالك الْبَصْرِيّ، قَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث عَن الثِّقَات وَيسْرق الحَدِيث، ضعفه أَبُو يعْلى الْموصِلِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب إِخْرَاجه لَهُ: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مسمول تكلم فِيهِ الْحميدِي. قَالَ: وَلم يرو من وَجه يعْتَمد عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه «الإِمَام» : أخرج أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صحيحيه» لمُحَمد بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور. قلت: فَيقوم مقَامه الْحَاكِم إِذن فِي تَصْحِيح إِسْنَاده، لَكِن الْكل ضَعَّفُوهُ كَمَا تقدم. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أكْرمُوا الشُّهُود» . هَذَا لَيْسَ مَوْجُودا فِي الْكتب السِّتَّة وَلَا المسانيد فِيمَا أعلم، إِنَّمَا وقفت عَلَيْهِ فِي أمالي أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد الْهَاشِمِي الْمَعْرُوف بِجُزْء البانياسي وَقد وَقع لنا بعد وأخبرنيه [غير] وَاحِد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 618 كِتَابَة وسماعًا عَن الْفَخر ابْن البُخَارِيّ مِنْهُم الْجمال الْمزي وزين الدَّين الرَّحبِي وَغَيرهمَا، أَنا ابْن قدامَة وشمس الدَّين الْعَطَّار قَالَا: أخبرنَا ابْن البطي، وَقَالَ ابْن قدامَة: أَنا ابْن تَاج الْقُرَّاء، قَالَا: أَنا البانياسي، نَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصَّلْت الْمُجبر، أَنا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد، نَا أبي، نَا عمي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عبد الصَّمد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أكْرمُوا الشُّهُود فَإِن الله - عَزَّ وَجَلَّ - يسْتَخْرج بهم الْحُقُوق وَيدْفَع بهم الظُّلم» . وَرَوَاهُ أَيْضا فِي مجْلِس إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد أَيْضا نَا أبي ... فَذكره، وَقَالَ: «يدافع» بدل «يدْفع» أخبرنَا بهَا ابْن جني سَمَاعا والمزي، أَنا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي السمر قندي، عَن ابْن النقور وَأبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، وَأبي مُحَمَّد ن أَحْمد بن عَلّي بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصَّلْت عَنهُ. وأخبرنيه أَعلَى من هَذَا بِدَرَجَة فِي خبر البانياسي الشَّيْخ الصَّالح الْأَصِيل نادرة المعمرين وجيه الدَّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ الْجَلِيل القَاضِي نَاصِر الدَّين أبي الحزم مكي بن القَاضِي شرف الدَّين أبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل الْعَوْفِيّ بالإسكندرية فِي رحلتي الأولَى إِلَيْهَا بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَنبأَنَا الكاشخري إجَازَة عَامَّة قَالَ: أَنبأَنَا ابْن البطي وَابْن تَاج الْقُرَّاء. وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده ضعفاء، أحدهم: أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصَّلْت الْمُجبر ضعفه البرقاني، قَالَه الْخَطِيب عَنهُ، قَالَ الْخَطِيب: وَسمعت حَمْزَة بن مُحَمَّد بن طَاهِر يَقُول: كَانَ ديِّنًا صَالحا. قَالَ: وَسمعت عبد الْعَزِيز الْأَزجيّ يَقُول: مُحَمَّد بن الصَّلْت أَتَى كتب ابْن أبي الدُّنْيَا فَحدث بهَا عَن البرذعي - يَعْنِي وَلم تكن عِنْد البرذعي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 619 ثانيهم: إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي ذكره الْعقيلِيّ فِي كِتَابه «الضُّعَفَاء» وَقَالَ: حَدِيثه غير مَحْفُوظ وَلَا أصل لَهُ من حَدِيث النَّاس وَذكر لَهُ الحَدِيث. ثالثهم: عبد الصَّمد بن عَلّي الْهَاشِمِي ذكره الْعقيلِيّ أَيْضا فِي «ضُعَفَائِهِ» وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث ثمَّ قَالَ: حَدِيث غير مَحْفُوظ وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ. قلت: وَقد نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعفه فَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» إِلَى بِإِسْنَادِهِ ابْن عَبَّاس ذكره بلفظين أَحدهمَا كَمَا سقناه، وَثَانِيهمَا: «أكْرمُوا الشُّهُود بهم تستخرج الْحُقُوق» ثمَّ قَالَ: قَالَ الْخَطِيب: تفرد بروايته عبد الصَّمد بن مُوسَى وَقد ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «تَخْرِيجه أَحَادِيث الشهَاب» : هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الصَّمد بن مُوسَى وَقد ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الصَّمد بن مُوسَى، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي، عَن آبَائِهِ مُتَّصِلا إِلَى ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن زَكَرِيَّا الدينَوَرِي عَن أبي يَحْيَى بن أبي ميسرَة، عَن عبد الله بن إِبْرَاهِيم الْهَاشِمِي، عَن عَمه قَالَ: عبد الصَّمد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس، وَلم يصنع شَيْئا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَن ابْن أبي ميسرَة، عَن عبد الصَّمد بن مُوسَى الْهَاشِمِي، عَن عَمه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد. قَالَ: وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ. وَأوردهُ فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 620 تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي لَيْسَ بعمدة، وَهَذَا الحَدِيث مُنكر. وَقَالَ فِي تَرْجَمَة عبد الصَّمد: هَذَا خبر مُنكر، وَمَا عبد الصَّمد بِحجَّة. قَالَ: وَلَعَلَّ الْحفاظ إِنَّمَا سكتوا عَنهُ مداراة للدولة. قلت: لم يسكتوا عَنهُ فقد ذكره الْعقيلِيّ كَمَا قدمت لَك، وَأما الصَّاغَانِي فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ لَك إِلَّا شَاهِدَاك أَو يَمِينه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من حلف عَلَى يَمِين صَبر يقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم هُوَ فِيهَا فَاجر إِلَّا لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان. قَالَ: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه [فَقَالَ] مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صدق أَبُو عبد الرَّحْمَن فيَّ نزلت، كَانَ بيني وَبَين رجل خُصُومَة فِي بِئْر فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من حلف عَلَى يَمِين صَبر يقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم هُوَ فِيهَا فَاجر لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان. ثمَّ قَرَأَ (إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا) إِلَى آخر الْآيَة» وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ «إِذا يحلف وَيذْهب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 621 بِمَالي» وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي «فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَن الْحُكُومَة كَانَت بَين الْأَشْعَث وَبَين رجل من الْيَهُود «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يُتَابع أَبُو مُعَاوِيَة أحد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَلَى قَوْله: «قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف» . وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «خَاصَمت ابْن عَم لي رَسُول الله ... » وَذكر الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم: «لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة. فَائِدَة: قَالَ الْخَطِيب فِي «مبهماته» : هَذَا الَّذِي خَاصم الْأَشْعَث اسْمه الجسيس بِالْجِيم وَقيل: بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَقيل: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، ثمَّ رَوَاهُ الرَّاوِي أَنه ذكره بِالْجِيم وكناه أَبَا الْخَيْر، قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لَهُ صُحْبَة وَلَا رِوَايَة عَنهُ. وَفِي رِوَايَة رجل يُقَال لَهُ: الجفشيش بن حُصَيْن، قَالَ النَّوَوِيّ فِي «مُخْتَصر المبهمات» : هُوَ بالشين الْمُعْجَمَة وَفتح أَوله. قلت: وَقَالَ ابْن طَاهِر الْحَافِظ فِي «مبهماته» : اسْمه معدان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 622 الحَدِيث الرَّابِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تقبل شَهَادَة أهل دين عَلَى غير أهل دين أهلهم، إِلَّا الْمُسلمُونَ فَإِنَّهُم عدُول عَلَى أنفسهم وَعَلَى غَيرهم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث شَاذان قَالَ: كنت عِنْد سُفْيَان الثَّوْريّ فَسمِعت شَيخا يحدث، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا يتوارث أهل ملتين شَتَّى، وَلَا تجوز شَهَادَة مِلَّة عَلَى مِلَّة إِلَّا مِلَّة مُحَمَّد؛ فَإِنَّهَا تجوز عَلَى غَيرهم» قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن شَاذان [فَسَأَلت] عَن هَذَا الشَّيْخ بعض أَصْحَابنَا فَزعم أَنه عمر بن رَاشد الْحَنَفِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن الْأسود بن عَامر - وَهُوَ شَاذان - عَن عمر بن رَاشد، عَن يَحْيَى بن أبي كثير عَن، أبي سَلمَة مَرْفُوعا «لَا تَرث مِلَّة من مِلَّة، وَلَا تجوز شَهَادَة مِلَّة عَلَى مِلَّة إِلَّا شَهَادَة الْمُسلمين؛ فَإِنَّهَا تجوز عَلَى جَمِيع الْملَل» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحسن بن مُوسَى، عَن عمر بن رَاشد، وَرَوَاهُ عَلّي بن الْجَعْد، عَن عمر، عَن يَحْيَى عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَحْسبهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا يَرث أهل مِلَّة مِلَّة، وَلَا تجوز شَهَادَة مِلَّة عَلَى مِلَّة (إِلَّا) أمتِي تجوز شَهَادَتهم عَلَى من سواهُم» . قلت: فمدار الحَدِيث إِذن عَلَى عمر هَذَا، وَهُوَ عمر بن رَاشد بن بَحر اليمامي وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين وَغَيرهمَا من أَئِمَّة النَّقْل وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَكَذَا قَالَ عبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 623 الْحق فِي «أَحْكَامه» وَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَضَعفه جدًّا، وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحل ذكره إِلَّا عَلَى سَبِيل الْقدح، يضع الحَدِيث عَلَى مَالك وَابْن أبي ذِئْب وَغَيرهمَا من الثِّقَات. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ عمر بن رَاشد، عَن يَحْيَى، عَن أبي هُرَيْرَة، من النَّاس من يرويهِ هَكَذَا عَن عمر، وَرَوَاهُ عَلّي بن الْجَعْد [عَن عمر بن رَاشد] عَن يَحْيَى عَن أبي سَلمَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسل، قَالَ: وَعمر شيخ ضَعِيف الحَدِيث. تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى [لَا] أَنه تقبل شَهَادَة الْكَافِر مُطلقًا أَعنِي ذميًّا كَانَ أَو حربيًّا شهد عَلَى مُسلم أَو كَافِر، قَالَ الْأَصْحَاب: وَلَا حجَّة فِيهِ أَي عَلَى تَقْدِير صِحَّته إِن سمع شَهَادَتهم عَلَى أهل دينهم؛ لِأَنَّهُ لَو دلّ لَهُم فَإِنَّمَا يدل بِالْمَفْهُومِ وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَلَا يُقَال أَنهم يَقُولُونَ بِهِ فَكيف خالفتموه؛ لأَنا نقُول فِي الْوَضع الَّذِي لَا يكون غَيره أَقْوَى مِنْهُ، وَهنا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَيْضًا فَإِن دَلِيل الْخطاب إِنَّمَا يَقُول بِهِ فِي الْمَوْضُوع الَّذِي لَا يؤول إِلَى إبِْطَال تعلقه أما إِذا أَدَّى إِلَيْهِ فَلَا نقُول بِهِ؛ لِأَن النُّطْق أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَصله وَالْأَصْل إِذا بَطل بَطل الْفَرْع وَالْأَمر هَاهُنَا كَذَلِك. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تقبل شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 624 هَذَا الحَدِيث يرْوَى من طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَله خمس طرق عَنهُ: أَولهَا: عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «رد شَهَادَة الخائن والخائنة، وَذي الغِمر عَلَى أَخِيه، ورد شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت وأجازها لغَيرهم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» كَذَلِك سندًا ومتنًا، ثمَّ رَوَاهُ بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه» ثمَّ قَالَ: الْغمر: الحنة والشحناء. وَقَالَ غَيره: الْعَدَاوَة. وَقَوله: «عَلَى أَخِيه رَأَيْته فِي نُسْخَة كَذَا فِي الْأُخوة وبخط بعض الْقُضَاة «الأحنة من الْعَدَاوَة» وَهُوَ ظَاهر. ثَانِيهَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن رَاشد، عَن سُلَيْمَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، [عَن أَبِيه] ، عَن جده «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رد شَهَادَة الخائن والخائنة، وَذَوي الْغمر عَلَى أَخِيه، ورد شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت [وأجازها] لغَيرهم» والقانع: الَّذِي ينْفق عَلَيْهِ أهل الْبَيْت. وَسليمَان هَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي الطَّرِيق الأول أَيْضا وَهُوَ أموي مَوْلَاهُم دمشقي الْأَشْدَق، قَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَمُحَمّد هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 625 هُوَ المكحول وَفِيه مقَال وَثَّقَهُ أَحْمد وَالْجَمَاعَة، وَقَالَ دُحَيْم: يذكر بِالْقدرِ. وَقَالَ أَبُو مسْهر: كَانَ يرَى الْخُرُوج. وَقَالَ [أَبُو مسْهر] : كَانَ يروي الْخُرُوج. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من أهل النّسك لَكِن لم يكن الحَدِيث من صناعته، وَكَانَ يَأْتِي بالشَّيْء عَلَى التَّوَهُّم، وَكَثُرت الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأخرج هَذَا الحَدِيث تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» من طَرِيق أبي دَاوُد هَذِه وَقَالَ: اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بِهَذَا (وَنقض رِوَايَته) . ثَالِثهَا: من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة النَّخعِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه قَالَ: «لَا يجوز للشَّهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا مَحْدُود فِي الْإِسْلَام، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه» رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَابْن أبي شيبَة فِي «تصنيفه» وَلَفظه: «الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم عَلَى بعض إِلَّا محدودًا فِي فِرْيَة» . وَالْحجاج هَذَا قد عرفت حَاله غير مرّة. رَابِعهَا: من حَدِيث آدم بن فائد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا مَحْدُود فِي الْإِسْلَام، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وآدَم هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَجْهُول. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 626 خَامِسهَا: من حَدِيث الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: « [لَا] تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا مَوْقُوف عَلَى حد، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، والمثنى هَذَا سبق تَضْعِيفه غير مرّة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد أَن أخرجه من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ: [آدم بن فائد والمثنى بن الصَّباح لَا يحْتَج بهما و] رُوِيَ من أوجه ضَعِيفَة عَن عَمْرو، قَالَ: [وَمن] رَوَى من الثِّقَات هَذَا الحَدِيث «وَلَا مجرب» لم يذكر «المجلود» وَلم يذكر «الْمَحْدُود» فِيهِ، وَهُوَ الثِّقَة من جملَة من رَوَى هَذَا عَن عَمْرو فَلَا يلْزمنَا قَول خلاف من خَالفه. الطَّرِيق الثَّانِي: من أصل طرق الحَدِيث حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «لَا تجوز [شَهَادَة] خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا [مجلود] حدًّا [وَلَا مجلودة] ، وَلَا ذِي غمر لِأَخِيهِ، وَلَا مجرب عَلَيْهِ شَهَادَة زور، وَلَا القانع لأهل الْبَيْت لَهُم، وَلَا ظنين [فِي وَلَاء] وَلَا قرَابَة» قَالَ الْفَزارِيّ: القانع: التَّابِع. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» كَذَلِك من رِوَايَة يزِيد بن زِيَاد الدِّمَشْقِي، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة. وَمِمَّنْ رَوَاهُ كَذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَلم يذكر «القانع» وَرَوَاهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 627 الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» دون قَوْله «وَلَا مجرب، وَلَا ظنين فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة» لكنه قَالَ فِيهِ: يزِيد بن أبي زِيَاد الْقرشِي. وَهُوَ يزِيد بن زِيَاد أَيْضا - يُقَال فِيهِ هَذَا وَهَذَا - قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا يعرف هَذَا [الحَدِيث] من حَدِيث الزُّهْرِيّ إِلَّا من حَدِيثه، وَلَا نَعْرِف [مَعْنَى] هَذَا الحَدِيث، وَلَا يَصح عندنَا من قبل إِسْنَاده. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم أَن شَهَادَة الْقَرِيب جَائِزَة لِقَرَابَتِهِ. وَقَالَ [: قَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز شَهَادَة لرجل عَلَى] الآخر: وَإِن كَانَ عدلا إِذا كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة، وَذهب إِلَيّ حَدِيث عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا «لَا تجوز شَهَادَة صَاحب إحْنَة» يَعْنِي عَدَاوَة. وَكَذَلِكَ مَعْنَى هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: «لَا تجوز شَهَادَة صَاحب غمر» يَعْنِي صَاحب عَدَاوَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يقْرَأ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث ضَعِيف. قَالَ: وَيزِيد ابْن زِيَاد وَيُقَال: ابْن أبي زِيَاد الشَّامي هَذَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يزِيد هَذَا [ضَعِيف] لَا يحْتَج بِهِ. وَكَذَا ضعف هَذَا الحَدِيث من الْمُتَأَخِّرين ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» و «تَحْقِيقه» وَعبد الْحق فِي «أَحْكَامه» ، وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 628 فَإِنَّهُ أخرجه فِي «محلاه» من طَرِيق أبي عُبَيْدَة وَقَالَ عَن يزِيد الْجَزرِي: أَحْسبهُ يزِيد بن سِنَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَائِشَة مَرْفُوعا «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا ظنين فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة، وَلَا مجلود فِي حد» . وَقَالَ: لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ عَن يزِيد وَهُوَ مَجْهُول؛ فَإِن كَانَ يزِيد بن سِنَان فَهُوَ مَعْرُوف بِالْكَذِبِ. هَذَا كَلَامه وَقد علمت أَنه يزِيد. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث عبد الْأَعْلَى بن مُحَمَّد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عبد الله بن عمر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خطب فَقَالَ: أَلا لَا تجوز شَهَادَة الخائن وَلَا الخائنة، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه، وَلَا الْمَوْقُوف عَلَى حد» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» كَذَلِك، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يَحْيَى بن سعيد هُوَ الْفَارِسِي [مَتْرُوك] وَعبد الْأَعْلَى ضَعِيف. قلت: وَيَحْيَى أَيْضا ضَعِيف ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث وَهُوَ مَجْهُول. وَقَالَ النَّسَائِيّ: يروي عَن الزُّهْرِيّ أَحَادِيث مَوْضُوعَة مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يروي عَن الزُّهْرِيّ وَأبي الزبير وَهِشَام بن عُرْوَة مَنَاكِير مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: يروي عَن الثِّقَات البواطيل. فيلخص من هَذَا كُله أَنه حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : لَا يَصح من هَذَا شَيْء عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يعْتَمد عَلَيْهِ. قَالَ: وَيروَى عَن عمر «أَنه كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم عَلَى بعض إِلَّا مجلودًا فِي حد، أَو مجربًا شَهَادَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 629 زور، أَو ظنينًا فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ قبل أَن يَتُوب؛ فقد روينَا «أَنه قَالَ لأبي بكرَة: تقبل شهادتك» . قَالَ: وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِسَائِر من رد شَهَادَته مَعَه. تَنْبِيه: من الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث جُبَير بن مطعم مَرْفُوعا: «شَهَادَة الْمُسلمين بَعضهم عَلَى بعض جَائِزَة، وَلَا تجوز شَهَادَة الْعلمَاء بَعضهم عَلَى بعض؛ لأَنهم حسد» قَالَ الْحَاكِم: لَيْسَ هَذَا من كَلَام رَسُول (وَإِسْنَاده فَاسد من أوجه كَثِيرَة يطول شرحها. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» : فِي إِسْنَاده مَجَاهِيل وضعفاء كَأبي هَارُون الْعَبْدي. الحَدِيث السَّادِس قَالَ الرَّافِعِيّ: اشْتهر فِي الْخَبَر: «مَا منا إِلَّا من عَصَى أَو هم بِمَعْصِيَة، إِلَّا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا» . هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» (من حَدِيث عَلّي بن زيد، عَن يُوسُف بن مهْرَان) عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مَا من آدَمِيّ إِلَّا وَقد أَخطَأ، أَو هم بخطيئة أَو عَملهَا إِلَّا [أَن] يكون يَحْيَى بن زَكَرِيَّا لم يهم بخطيئة وَلم يعملها» ذكره فِي تَرْجَمَة يَحْيَى (وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي «مسنديهما» . بالسند الجزء: 9 ¦ الصفحة: 630 الْمَذْكُور سَوَاء لَكِن لَفْظهمَا: «مَا أحد من ولد آدم إِلَّا قد أَخطَأ، أَو هم بخطيئة لَيْسَ يَحْيَى بن زَكَرِيَّا» وَلم يعقبه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» بتصحيح وَلَقَد أَفْلح، فعلي بن زيد هُوَ ابْن جدعَان (وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقد عرفت حَاله فِي أَوَائِل الْوضُوء، ويوسف بن مهْرَان تفرد عَنهُ ابْن جدعَان) وَحده، وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالصَّحِيح أَنه غير ابْن مَاهك، هَذَا مَا فِي كتاب الْمزي، وَفِي «التَّهْذِيب» للنووي: أَن يُوسُف بن مهْرَان هَذَا مُخْتَلف فِي جرحه وَابْن جدعَان ضعفه، والْحَدِيث ضَعِيف، وَلم أَقف عَلَى من خرجه، وَلم يذكرهُ ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره مِمَّن ضعف فِي الضُّعَفَاء، وَله طَرِيق آخر من حَدِيث عبد الله بن عمر. الحَدِيث السَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من لعب بالنرد فقد عَصَى الله وَرَسُوله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مَالك وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 631 مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ عبد الْحق: اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يبين من أمره شَيْئا، وَإِنَّمَا هُوَ وَالله أعلم مُنْقَطع - أَعنِي رِوَايَة مَالك - وَهُوَ أَن سعيد بن أبي هِنْد وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَإِن بَينهمَا أَبَا مرّة مولَى بني عقيل كَذَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ، وغلا ابْن معن الدِّمَشْقِي فَعَزاهُ فِي كِتَابه «التنقيب» إِلَى مُسلم وَهُوَ وهم مِنْهُ فَاحش، وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «من لعب النردشير فقد عَصَى الله وَرَسُوله» وَفِي رِوَايَة «بالكعاب» وَفِي رِوَايَة «بالكعبين» وَكلهَا من رِوَايَة أبي مُوسَى، وَأخرج أَحْمد أَيْضا رِوَايَة «الكعاب» . الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من لعب بالنردشير فَكَأَنَّمَا صبغ يَده فِي لحم الْخِنْزِير وَدَمه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غمس» بدل «صبغ» وَفِي «مُسْند أَحْمد» ، عَن مكي بن إِبْرَاهِيم، عَن الجعيد، عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الخطمي «أَنه سمع مُحَمَّد بن كَعْب يسْأَل عبد الرَّحْمَن يَقُول: أَخْبرنِي مَا سَمِعت أَبَاك يَقُول عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: سَمِعت أبي يَقُول: سَمِعت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 632 النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: مثل الَّذِي يلْعَب بالنرد ثمَّ يقوم فَيصَلي مثل الَّذِي يتَوَضَّأ بالقيح وَدم الْخِنْزِير ثمَّ يقوم فَيصَلي» . الحَدِيث التَّاسِع رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة سَلام بن مِسْكين [عَن شيخ] ، عَن أبي وَائِل [عَن] عبد الله بن مَسْعُود مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَهَذَا ضَعِيف لجَهَالَة هَذَا الشَّيْخ قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «الْأَطْرَاف» : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَة أبي الْحسن ابْن العَبْد وَغَيره فِي الْإِرْث - وَلم يذكرهُ ابْن عَسَاكِر - عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، عَن سَلام بن مِسْكين، عَن شيخ، قَالَ: «شهِدت أَبَا وَائِل فِي وَلِيمَة فَجعلُوا يغنون، فَحل أَبُو وَائِل حبوته وَقَالَ: سَمِعت عبد الله يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: إِن الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا مَوْقُوفا عَلَى ابْن مَسْعُود ... فَذكره من حَدِيث سعيد بن كَعْب الْمرَادِي، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَنهُ «الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع، وَالذكر ينْبت الْإِيمَان فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع» وَسَعِيد هَذَا مَجْهُول، وَمَا أعرفهُ رَوَى عَنهُ غير مُحَمَّد بن طَلْحَة اليامي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 633 كَذَا عرفه ابْن أبي حَاتِم ويغلب عَلَى ظَنِّي أَنه مُنْقَطع أَيْضا، فقد قَالَ ابْن أبي حَاتِم: إِن رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا عَن عَائِشَة مُرْسلَة، وَأبي مَسْعُود مَاتَ قبلهَا بأزمان. وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ (فِي «علله» من حَدِيث) أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب» ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ ذكر سَبَب [تَضْعِيفه] ، وَرَوَاهُ ابْن عدي أَيْضا من هَذَا الْوَجْه - أَعنِي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن الْقرشِي وَأَبوهُ، وحاله مَعْرُوف فِيهِ، وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أُخْرَى وفيهَا لَيْث بن [أَبَى] سليم، قَالَ ابْن طَاهِر: وَأَصَح الْأَسَانِيد فِي ذَلِك أَنه من قَول إِبْرَاهِيم. وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي «الْإِحْيَاء» : رَفعه بَعضهم وَهُوَ غير صَحِيح. فَائِدَة: قَالَ الْغَزالِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا دلَالَة فِيهِ عَلَى تَحْرِيم الْغناء لِأَن كثيرا من الْمُبَاحَات ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كلبس الثِّيَاب الجميلة وَنَحْوه، وَلَا يُطلق القَوْل بِتَحْرِيمِهِ. وَقَالَ غَيره: المُرَاد بالغنى غنى المَال. ورده الغافقي ردًّا شنيعًا من حَيْثُ أَن الْغِنَى من المَال مَقْصُور وَهَذَا الَّذِي قَالَه إِنَّمَا يتَّجه إِذا كَانَ الْحفاظ كلهم رَوَوْهُ بِالْمدِّ وَيمْنَع أَنهم رَوَوْهُ بِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 634 الحَدِيث الْعَاشِر أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دخل عليّ أَبُو بكر وَعِنْدِي جاريتان من جواري الْأَنْصَار تُغنيَانِ بِمَا تقاولت بِهِ الْأَنْصَار يَوْم بُعَاث [وليستا] بمغنيتين، فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أمزامير الشَّيْطَان فِي بَيت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؟ ! - وَذَلِكَ فِي يَوْم عيد - فَقَالَ: يَا أَبَا بكر، لكل قوم عيد وَهَذَا عيدنا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طرق هَذَا أَحدهمَا. فَائِدَة: بُعَاث بِضَم الْمُوَحدَة ثمَّ عين مُهْملَة، كَمَا قَيده الْحَازِمِي والبكري فِي «مُعْجَمه» ثمَّ مُثَلّثَة قَالَ: وَهُوَ مَوضِع عَلَى لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة. وَذكره صَاحب كتاب «الْعين» بالغين الْمُعْجَمَة وَلم يسمع من غَيره. وَقَالَ أَبُو أَحْمد العسكري: هُوَ تَصْحِيف وَيجوز صرفه وَتَركه وَهُوَ الْأَشْهر، وَهُوَ يَوْم جَرَى فِيهِ حَرْب بَين قبيلتي الْأَنْصَار الْأَوْس والخزرج فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ الظُّهُور فِيهِ لِلْأَوْسِ. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» فِي بَاب الرُّخْصَة فِي الْغناء واللعب يَوْم الْعِيد من بَاب صَلَاة الْعِيد: وَهُوَ يَوْم مَشْهُور من أَيَّام الْعَرَب كَانَت فِيهِ مقتلة عَظِيمَة لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَج، وَبقيت الْحَرْب بَينهمَا مائَة وَعشْرين سنة إِلَى أَن قَامَ الْإِسْلَام. قَالَ: وبعاث اسْم حصن لِلْأَوْسِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 635 الحَدِيث الْحَادِي عشر «من لَا حَيَاء لَهُ يصنع مَا شَاءَ» عَلَى مَا ورد مَعْنَاهُ فِي الحَدِيث، هَذَا لفظ الرَّافِعِيّ. وَهُوَ حَدِيث صَحِيح جليل أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولَى: إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «آخر مَا كَانَ من كَلَام النُّبُوَّة ... فَذكره. وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، عَن حُذَيْفَة بِهِ. قلت: وَمَعْنى «فَاصْنَعْ مَا شِئْت» ، أَي: صنعت. وَقيل: الْمَعْنى إِذا لم تستح من شَيْء لكَونه جَائِزا فَاصْنَعْ إِذْ الْحَرَام يستحى مِنْهُ بِخِلَاف الْجَائِز. الحَدِيث الثَّانِي عشر «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعبد الله بن رَوَاحَة: حرك بالقوم. فَانْدفع يرتجز» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 636 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «عمل يَوْم وَلَيْلَة» والمناقب من حَدِيث قيس بن [بِأبي] حَازِم، عَن عبد الله بن رَوَاحَة «أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مسير لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن رَوَاحَة، انْزِلْ فحرك بالركاب. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قد تركت ذَلِك. فَقَالَ لَهُ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: اسْمَع وأطع. قَالَ: فَرَمَى بِنَفسِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا وَمَا تصدقنا وَمَا صلينَا فأنزلن سكينَة علينا وَثَبت الْإِقْدَام إِن لاقينا» . رَوَاهُ فِي المناقب أَيْضا من حَدِيث قيس قَالَ: قَالَ عمر: «قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعبد الله بن رَوَاحَة: لَو حركت الركاب. فَقَالَ: تركت قولي. فَقَالَ لَهُ عمر: اسْمَع وأطع فَقَالَ: اللَّهُمَّ ... . .» إِلَى آخِره إِلَّا أَنه قَالَ: «وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا» بدل «وَمَا» فيهمَا، وَفِي آخِره «فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: اللَّهُمَّ ارحمه. فَقَالَ عمر: وَجَبت» قَالَ ابْن عَسَاكِر: قيس لم يدْرك ابْن رَوَاحَة وَالثَّانِي أشبه. الحَدِيث الثَّالِث عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ] : «زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 637 هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من غير إِسْنَاد وَلَا راو، فَقَالَ فِي تَرْجَمَة بَاب قَول النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الماهر بِالْقُرْآنِ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة، وزينوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ» . وأسنده الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، وأسنده ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وأسنده الْبَزَّار من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لكنه أعله، و [خرج] طرقه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب من عشْرين طَرِيقا عِنْد ذكر ذَلِك كُله بأسانيد وَاضِحَة. فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : هَذَا اللَّفْظ من أَلْفَاظ الأضداد يُرِيد بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: «زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ» : زَينُوا أَصْوَاتكُم بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَى الحَدِيث زَينُوا أَصْوَاتكُم بِالْقُرْآنِ، كَذَا فسره غير وَاحِد من أَئِمَّة الحَدِيث، وَزَعَمُوا أَنه من بَاب المقلوب كَمَا قَالُوا: عرضت النَّاقة عَلَى الْحَوْض. ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ معمر عَن مَنْصُور عَن طَلْحَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 638 فَقدم الْأَصْوَات عَلَى الْقُرْآن وَهُوَ الصَّحِيح. ثمَّ رَوَاهُ بِسَنَدِهِ من طَرِيق عبد الرَّزَّاق عَن معمر. قلت: وَقد أخرجه الْحَاكِم عَن مَنْصُور من سِتّ طرق: سُفْيَان، وزائدة، وَعَمْرو بن أبي قيس، وَجَرِير، وَابْن طهْمَان، وعمار كلهم، عَن مَنْصُور، عَن طَلْحَة، بِتَقْدِيم الْقُرْآن عَلَى الْأَصْوَات، وَكَذَلِكَ الطّرق الَّتِي قدمناها عَن الْحَاكِم كلهَا بِتَقْدِيم الْقُرْآن إِلَّا فِي رِوَايَة وَاحِدَة من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن مَنْصُور، عَن الْأَعْمَش، عَن طَلْحَة مقدم فِيهَا الْأَصْوَات عَلَى الْقُرْآن، وَهِي فِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من طَرِيقين آخَرين: أَحدهمَا: من حَدِيث عبد الله بن خرَاش - قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث - عَن عَمه الْعَوام بن حَوْشَب، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «زَينُوا أَصْوَاتكُم بِالْقُرْآنِ» . ثَانِيهمَا: من حَدِيث سعيد بن أبي سعيد الْبَقَّال، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «حسنوا أَصْوَاتكُم بِالْقُرْآنِ» فَيتَعَيَّن أَن تَقْدِيم رِوَايَة الْقُرْآن هِيَ الصَّحِيحَة، وَمَعْنَاهَا عَلَى ظَاهرهَا وَمَا عَداهَا مَحْمُول عَلَيْهَا، وَيكون قَوْله «الْقُرْآن» فِي مَوضِع الْحَال، أَي: زَينُوا أَصْوَاتكُم فِي حَال الْقِرَاءَة، وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرحًا فِي «مُسْند الدَّارمِيّ» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من حَدِيث عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن زَاذَان، عَن الْبَراء رَفعه: «زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِن الصَّوْت الْحسن يزِيد الْقُرْآن حسنا» وَهَذَا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل وَلَا الْقلب، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا بِالْقُرْآنِ الْكَلَام الْقَدِيم، وَإِنَّمَا المُرَاد مَا يسمعهُ من الْحُرُوف والأصوات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 639 الحَدِيث الرَّابِع عشر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سمع عبد الله بن قيس يقْرَأ فَقَالَ: لقد أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» من حَدِيث بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، عَن جده أبي بردة، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى، لقد أُوتيت مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد» . وَأخرجه مُسلم من حَدِيث طَلْحَة بن يَحْيَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو رَأَيْتنِي وَأَنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أُوتيت مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد» . وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من رِوَايَة الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أبي بردة قَالَ: «كنت فِي الْمَسْجِد وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يقْرَأ، فَخرج رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقَالَ: أَبَا بُرَيْدَة جعلت لَك الْفِدَاء يَا رَسُول الله، قَالَ: لقد أعطي هَذَا مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَة. الحَدِيث الْخَامِس عشر أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 640 هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ غَيره: «يجْهر بِهِ» قَالَ عبد الْحق فِي «الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ» تفرد بِهِ. قلت: وَغلط الْقُرْطُبِيّ صَاحب التَّفْسِير فِي «التذْكَار فِي أفضل الْأَذْكَار» فَقَالَ: رَوَاهُ مُسلم. وَاقْتصر عَلَيْهِ، وَكَذَا وَقع لَهُ ذَلِك فِي تَفْسِير قَوْله فَاعْلَم ذَلِك. وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَابْن حبَان من رِوَايَة سعد بن أبي وَقاص، وَرَوَاهُ الْحَاكِم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة مَرْفُوعا كلهم بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» : رفعهما وهم. وَقَالَ الْحَاكِم فِي حَدِيث سعد: هُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَ عبيد الله بن أبي يزِيد: سَمِعت أَبَا لبَابَة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: «لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» . قَالَ عبد الْجَبَّار بن [الْورْد] قلت لِابْنِ أبي مليكَة: يَا أَبَا مُحَمَّد، أَرَأَيْت إِذا لم يكن حسن الصَّوْت. قَالَ: يُحسنهُ مَا اسْتَطَاعَ. قَالَ الشَّافِعِي: مَعْنَى هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 641 الحَدِيث تَحْسِين الصَّوْت بِالْقُرْآنِ. وَكَذَا قَالَه غَيره، وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن أبي مليكَة السالف، وَقَالَ غَيره: هُوَ من الِاسْتِغْنَاء. وَقع فِي آخر رِوَايَة أَحْمد: «قَالَ وَكِيع: يُسْتَغْنَى [بِهِ] » انْتَهَى، أَي: يَسْتَغْنِي بِهِ عَن أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة والكتب الْمُتَقَدّمَة. وَقيل: المُرَاد ضد الْفقر. وَقَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : مَعْنَى [قَوْله « (لَيْسَ منا» فِي هَذِه الْأَخْبَار يُرِيد بِهِ] لَيْسَ مثلنَا فِي اسْتِعْمَال هَذَا الْفِعْل؛ لأَنا لَا نفعله فَمن فعل ذَلِك فَلَيْسَ مثلنَا. وَقَالَ الإِمَام: أوضح الْوُجُوه فِي تَأْوِيل الحَدِيث: من لم يغنه الْقُرْآن وَلم يَنْفَعهُ فِي إيمَانه وَلم يصدقهُ بِمَا فِيهِ من وعد ووعيد فَلَيْسَ منا. وَقَالَ غَيره: من لم يرتح لقرَاءَته وسماعه. الحَدِيث السَّادِس عشر رُوِيَ «أَن دَاوُد (كَانَ يضْرب باليراع فِي غنمه» . هَذَا الحَدِيث ذكره بِنَحْوِهِ ابْن بطال فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو عَاصِم: ثَنَا ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: «كَانَت لداود نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - معزفة يتَغَنَّى عَلَيْهَا ويتكئ ويبكي» قَالَ الْجَوْهَرِي: المعزفة آلَات اللَّهْو. وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي «الْعباب» : المعازف الملاهي. وَقَالَ ابْن نَاصِر الْحَافِظ: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح عَن دَاوُد وَلَا ثَابت. قَالَ: وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك إِذْ قد جعل الله صَوته أحسن من المزمار. فَائِدَة: اليراع بِفَتْح الْيَاء وَهُوَ بتَخْفِيف الرَّاء الَّتِي يسميها النَّاس السبابَة، قَالَ [أهل] اللُّغَة: اليراع الْقصب، الْوَاحِدَة يراعة. قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 642 صَاحب الحكم فِي بَاب الْعين مَعَ الْهَاء وَالرَّاء: الهيرعة الْقصب الَّتِي يزمر بهَا الرَّاعِي. وَنقل الرَّافِعِيّ أَيْضا عَن الصَّحَابَة الترخيص فِي اليراع. الحَدِيث السَّابِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أعْلنُوا النِّكَاح واضربوا عَلَيْهِ بالغربال - أَي الدُّف» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَفِي إِسْنَاده خَالِد بن إلْيَاس الْمَدِينِيّ وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ الإِمَام أَحْمد: مُنكر الحَدِيث. وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَنْكِحَة قَالَ: خَالِد ضَعِيف. [و] رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عَائِشَة أَيْضا مَرْفُوعا: «أعْلنُوا هَذَا النِّكَاح، واجعلوه فِي الْمَسَاجِد، واضربوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» وَهُوَ من رِوَايَة عِيسَى بن مَيْمُون الْأنْصَارِيّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب فِي هَذَا الْبَاب، وَعِيسَى يضعف فِي الحَدِيث. وَفِي بعض النّسخ: حَدِيث حسن. وَفِي ذَلِك نظر؛ فقد قَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث لَا يحْتَج بروايته. وَقَالَ ابْن مهْدي: استعديت عَلَيْهِ فَقلت: مَا هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تحدث عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة؟ فَقَالَ: لَا أَعُود. وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَته عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة. وَذكر هذَيْن الْحَدِيثين ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» وَضعفهمَا بِمَا قدمْنَاهُ، وَفِي «مُسْند الجزء: 9 ¦ الصفحة: 643 أَحْمد» و «صَحِيح ابْن حبَان» وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن الزبير مَرْفُوعا «أعْلنُوا النِّكَاح» قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن حبَان: مَعْنَاهُ أعلنوه بشاهدي عدل. وَفِي «مُسْند أَحْمد» و «سنَن [ابْن] مَاجَه» وَالنَّسَائِيّ و «جَامع التِّرْمِذِيّ» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» عَن مُحَمَّد بن حَاطِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فصل مَا بَين الْحَلَال وَالْحرَام الصَّوْت بالدف» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن طَاهِر: ألزم الدَّارَقُطْنِيّ مُسلما إِخْرَاجه قَالَ: وَهُوَ صَحِيح. وَمن الأوهام القبيحة مَا وَقع فِي كتاب «الإمتاع بِأَحْكَام السماع» لعصريِّنا الشَّيْخ كَمَال الدَّين الأدفوي أَن مُسلما أخرج حَدِيث «أعْلنُوا النِّكَاح واضربوا عَلَيْهِ بالدف» وَهَذَا مِمَّا يجب كشطه. الحَدِيث الثَّامِن عشر «أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 644 أضْرب بالدف بَين يَديك إِن رجعت من سفرك سالما. فَقَالَ (: أوف بِنَذْرِك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» ، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من رِوَايَة بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لما رَجَعَ من بعض مغازيه، جَاءَتْهُ جَارِيَة سَوْدَاء فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت إِن ردك الله سالما أَن أضْرب بَين يَديك بالدف وأتغنى. فَقَالَ لَهَا: إِن كنت نذرت فأوف بِنَذْرِك» . هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَلَفظ ابْن حبَان: «رَجَعَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من بعض مغازيه، [فَجَاءَت جَارِيَة سَوْدَاء] فَقَالَت: إِنِّي نذرت [إِن ردك الله سالما] أَن أضْرب عَلَى رَأسك بالدف. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: إِن كنت نذرت فافعلي وَإِلَّا فَلَا. فَقعدَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَضربت بالدف» . وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ عِنْدِي ضَعِيف؛ لضعف رِوَايَة عَلّي بن حُسَيْن بن وَاقد. قَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف. وَقَالَ الْعقيلِيّ: كَانَ مرجئًا. قَالَ: وَلَكِن رَوَاهُ عَن حُسَيْن بن وَاقد غير عَلّي الْمَذْكُور، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن زيد بن حباب، عَن حُسَيْن ابْن وَاقد، عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - غزا فنذرت أمة سَوْدَاء إِن رده الله سالما أَن تضرب بالدف، فَرجع سالما غانمًا فَأَخْبَرته بِهِ، فَقَالَ: إِن كنت فعلت فافعلي وَإِلَّا فَلَا. فَقَالَت: يَا رَسُول الله، قد فعلت. فَضربت، فَدخل أَبُو بكر وَهِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 645 تضرب، وَدخل عمر وَهِي تضرب فَأَلْقَت الدُّف وَجَلَست عَلَيْهِ مقنعة، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: أَنا هَاهُنَا، وَأَبُو بكر هَاهُنَا، وَهَؤُلَاء هَاهُنَا، إِنِّي لأحسب الشَّيْطَان يفر مِنْك يَا عمر» . قَالَ: فَهَذَا حَدِيث صَحِيح. قلت: وَعلي بن حُسَيْن بن وَاقد الْمَدِينِيّ أعل الحَدِيث بِهِ ابْن الْقطَّان، قد قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَذكره ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» وَهَذَا التَّضْعِيف خَاص بِرِوَايَة التِّرْمِذِيّ، أما ابْن حبَان فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» عَن ابْن خُزَيْمَة، نَا زِيَاد بن أَيُّوب، نَا أَبُو تُمَيْلة يَحْيَى بن وَاضح، نَا الْحُسَيْن بن وَاقد، نَا عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه ... . فَذكره كَمَا تقدم، وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي «الْمسند» فَقَالَ: ثَنَا زيد بن الْحباب، حَدثنِي حُسَيْن بن وَاقد، حَدثنِي عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه «أَن أمة سَوْدَاء أَتَت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد رَجَعَ عَن بعض مغازيه، فَقَالَت: إِنِّي كنت نذرت إِن ردك الله صَالحا أَن أضْرب عَلَيْك بالدف. قَالَ: إِن كنت فعلت فافعلي، وَإِن كنت لم تفعلي فَلَا تفعلي. فَضربت، فَدخل أَبُو بكر وَهِي تضرب، وَدخل غَيره وَهِي تضرب، ثمَّ دخل عمر فَجعلت دفها خلفهَا وَهِي مُقنِعة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الشَّيْطَان (ليفر) مِنْك يَا عمر، أَنا جَالس هَاهُنَا وَدخل هَؤُلَاءِ، فَلَمَّا أَن دخلت فعلت مَا فعلت» . وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «فَإِن كنت نذرت فاضربي. قَالَ: فَجعلت تضرب فَدخل أَبُو بكر وَهِي تضرب، ثمَّ دخل عمر فَأَلْقَت الدُّف (عَنْهَا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 646 وَقَعَدت عَلَيْهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الشَّيْطَان يخَاف مِنْك يَا عمر» . قلت: (وَقد ورد) من طرق أخر أَن عمر سمع ذَلِك، رَوَاهُ ابْن طَاهِر فِي «صفوة التصوف» من حَدِيث عبد الله بن أبي مليكَة أَن عَائِشَة حدثته «أَنه كَانَت عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - امْرَأَة تغني، فَاسْتَأْذن عمر بن الْخطاب فَأَلْقَت الدُّف وَقَامَت، فَدخل عمر وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يضْحك فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي، مَا أضْحكك يَا رَسُول الله؟ فَذكر لَهُ الْخَبَر فَقَالَ: لَا أَبْرَح حَتَّى أسمع [يَا] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَسمع» قَالَ ابْن طَاهِر: لَوْلَا أَنه من رِوَايَة بكار بن عبد الله لحكمت لَهُ بِالصِّحَّةِ، لَكِن بكار مُتَكَلم فِيهِ. قلت: هُوَ كَلَام غير قَادِح، وَقد وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَا نعلم قدحًا فِيهِ. وَرَوَاهُ الْخَطِيب من رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن بكار، وَجعل الضعْف فِيهِ من طَرِيق آخر لَيْسَ من طَرِيق ابْن طَاهِر، وَرَوَاهُ الفاكهي فِي «تَارِيخ مَكَّة» من طَرِيق آخر غَيرهمَا، وَفِيه مُتَابعَة عبد الْجَبَّار بن الْورْد الثِّقَة لبكار، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد، عَن الْحَارِث بن عبيد، عَن عبيد الله بن الْأَخْنَس، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن امْرَأَة أَتَت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت أَن أضْرب عَلَى رَأسك بالدف. فَقَالَ: أوف بِنَذْرِك» . رجال إِسْنَاده ثِقَات. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 647 الحَدِيث التَّاسِع عشر رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله حرم عَلَى أمتِي الْخمر وَالْميسر والكوبة» فِي أَشْيَاء عدهَا. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من طرق: إِحْدَاهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - حرم عَلَيْكُم الْخمر وَالْميسر والكوبة - وَهُوَ الطبل - قَالَ: وكل مُسكر حرَام» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن الله حرم [عليَّ - أَو] وحرم الْخمر وَالْميسر والكوبة. وَقَالَ: كل مُسكر حرَام. قَالَ سُفْيَان: قلت لعَلي مَا الكوبة؟ قَالَ: الطبل» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ، (وَكَذَا ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» . ثَانِيهَا: عَن عبد الله بن [عمر و] «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن الْخمر وَالْميسر والكوبة والغُبَيْراء، وَقَالَ: كل مُسكر حرَام» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِهَذَا اللَّفْظ) وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ «القنين» وَأخرجه أَحْمد بِلَفْظ أبي دَاوُد وَزَاد: «المزر والقنين» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 648 ثَالِثهَا: عَن قيس بن سعد بن عبَادَة أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن رَبِّي حرم عَلّي الْخمر وَالْميسر والقنين والكوبة. قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: القنين الْعود» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد فِي «مُسْنده» وَكتاب الْأَشْرِبَة لَهُ «إِن الله عَزَّ وَجَلَّ حرم عَلّي الْخمر والكوبة والقنين، وَإِيَّاكُم والغبيراء فَإِنَّهَا ثلث خمر الْعَالم» . قَالَ أَحْمد: قلت ليحيى بن إِسْحَاق: مَا الكوبة؟ قَالَ: الطبل. وَهَذِه الطّرق كلهَا معلولة خلا الأول، فَإِن إسنادها صَحِيح؛ فَإِن أَبَا دَاوُد خرجه عَن مُحَمَّد بن بشار - وَهُوَ إِمَام حَافظ - عَن أبي أَحْمد وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الزبيري، وَهُوَ كُوفِي من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» - عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - وناهيك فِيهِ - عَن عَلّي بن بذيمة - وَهُوَ ثِقَة - عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، عَن ابْن عَبَّاس، فَهَذَا إِسْنَاد يتَّصل عَلَى شَرط الصَّحِيح، وَقد رَأَيْت بعض مصنفي زمننا أعله بِمَا لَو سكت عَنهُ لَكَانَ أولَى بِهِ. وَأما الطَّرِيق الثَّانِي: فَفِيهِ عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَفِي إِسْنَاد رِوَايَة أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ (ابْن) لَهِيعَة وحالته مَعْلُومَة، وَفِيه أَيْضا الْوَلِيد بن عَبدة قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 649 الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: وَوَقع فِي رِوَايَة اللؤْلُؤِي عبد الله بن عمر يَعْنِي بِحَذْف الْوَاو فِي آخِره، وَهُوَ وهم وَالصَّوَاب إِثْبَاتهَا. وَأما الطَّرِيق الثَّالِث: فَفِيهِ عبيد الله بن زحر وَهُوَ ضَعِيف كَمَا هُوَ أسلفته لَك فِي كتاب النّذر، وَقَالَ عبد الْحق: فِي إِسْنَاده يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن زحر ... ذكر الْكَلَام فِي ابْن زحر، وَذكر من رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة؛ ثمَّ قَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يثبت مَرْفُوعا، وَالْمَحْفُوظ من قَول أبي هُرَيْرَة وَاخْتلف فِيهِ. فَائِدَة: الكوبة: الطبل الطَّوِيل المتسع الطَّرفَيْنِ الضّيق الْوسط كَذَا فِي الرَّافِعِيّ، وَلم أر من قَيده من أهل اللُّغَة بِهَذَا؛ فقد قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي «الْفَائِق» : هِيَ النَّرْد، وَقيل: الطبل. وَقَالَ ابْن فَارس فِي «الْمُجْمل» : الكوبة الطبل عَلَى مَا قيل، وَقَالَ: النَّرْد. وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُبَيْدَة أَنَّهَا النَّرْد بلغَة الْيمن، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِنَّهَا النَّرْد، وَيُقَال: الطبل، وَقيل: البربط، وَهَذَا أظهر. وَقَالَ الْخطابِيّ: غلط، وَقَالَ: الكوبة الطبل بل هِيَ النَّرْد. القنين: قيل: إِنَّه الطنبور بلغَة الحبشية. وَقيل: الْعود. كَمَا تقدم فِي آخر حَدِيث قيس بن سعد بن عبَادَة، قيل: لعبة للروم يتقامرون بهَا. قَالَه ابْن الْأَعرَابِي حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي «الْفَائِق» وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : إِنَّه البربط. وَقَالَ فِيهِ فِي تَرْجَمَة قيس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 650 بن سعد بن عبَادَة: إِنَّه لعبة للروم. والغبيراء: السكركة - أَي بتسكين الرَّاء - تعْمل من الذّرة تصنعها الْحَبَشَة. قَالَه الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» ، وَفِي «معرفَة الصَّحَابَة» لأبي مُوسَى عَن دُحَيْم «أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن السكركة - أَي بتسكين الرَّاء - وَأخْبر أَنه يصنعه من الْقَمْح فَنَهَاهُ عَنهُ» . وَفِي «مُسْند» الشَّافِعِي أبنا مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُئِلَ عَن الغبيراء فَقَالَ: لَا خير فِيهَا ونهانا عَنْهَا ... قَالَ مَالك عَن زيد: هِيَ السكركة» . الحَدِيث الْعشْرُونَ اشْتهر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وقف لعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها يَسْتُرهَا حَتَّى تنظر إِلَى الْحَبَشَة وهم يَلْعَبُونَ ويزفنون» والزفن: الرقص. هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْهَا «أَن أَبَا بكر دخل عَلَيْهَا وَعِنْدهَا جاريتان فِي أَيَّام منى (يزفنون ويضربان) وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - متغشٍ بِثَوْبِهِ فانتهرهما أَبُو بكر، فكشف النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - (عَن وَجهه فَقَالَ: دعهما يَا أَبَا بكر، فَإِنَّهَا أَيَّام عيد. قَالَت عَائِشَة: وَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) يسترني وَأَنا أنظر إِلَى الْحَبَشَة وهم يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِد فزجرهم عمر، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: دعهم يَا عمر» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 651 فَائِدَة: لَا تعَارض بَين هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث السالف فِي النِّكَاح «أفعمياوان أَنْتُمَا، ألستما تبصرانه» فَإِن هَذَا كَانَ قبل بُلُوغ عَائِشَة، وَقد جَاءَ مَا يدل عَلَى ذَلِك، وَيحْتَمل أَنه كَانَ قبل أَن يضْرب عَلَيْهِنَّ الْحجاب، ووقائع الْأَعْيَان يسْقط الِاحْتِجَاج بهَا لتطرق الِاحْتِمَال إِلَيْهَا. الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ لَهُ شعراء يصغي إِلَيْهِم مِنْهُم حسان بن ثَابت وَعبد الله بن رَوَاحَة، واستنشد الشريد شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت، واستمع إِلَيْهِ» . هَذَا كُله صَحِيح وَهُوَ أظهر من أَن ينص عَلَيْهِ، وَسَنذكر من ذَلِك أَرْبَعَة أَحَادِيث: عَن حسان حديثين، وَعَن ابْن رَوَاحَة حَدِيثا، وَعَن الشريد الثَّقَفِيّ حَدِيثا. الحَدِيث الأول: رَوَاهُ مُسلم عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «قَالَ حسان: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لي فِي أبي سُفْيَان. قَالَ: فَكيف فِي قَرَابَتي مِنْهُ؟ قَالَ: وَالَّذِي أكرمك لأسلنك مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من الخميرة. فَقَالَ حسان: ثمَّ بَنو بنت مَخْزُوم ووالدك العَبْد إِن سَنَام الْمجد من آل هَاشم وَبعد هَذَا بَيت فِي غير مُسلم: كرام وَلم يقرب عجائزك الْمجد» _ _ من ولدت أَبنَاء زهرَة مِنْهُم _ _ الحَدِيث الثَّانِي: رَوَاهُ مُسلم أَيْضا عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «اهجوا قُريْشًا فَإِنَّهُ أَشد عَلَيْهَا من رشق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 652 النبل. فَأرْسل إِلَى ابْن رَوَاحَة فَقَالَ: (اهج) . فهجاهم فَلم يرض، فَأرْسل إِلَى كَعْب بن مَالك، ثمَّ أرسل إِلَى حسان بن ثَابت فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ حسان: قد آن لكم أَن تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأسد (الضاري) بِذَنبِهِ. ثمَّ أدلع لِسَانه فَجعل يحركه ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لأفرينهم بلساني فري الْأَدِيم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَا تعجل، فَإِن أَبَا بكر أعلم قُرَيْش بأنسابها، وَإِن لي فيهم نسبا حَتَّى (يخلص) لَك نسبي. فَأَتَاهُ حسان، ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قد مَحْض لي نسبك، وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لأسلنك مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين. قَالَت عَائِشَة: فَسمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول لحسان: إِن روح الْقُدس لَا يزَال يؤيدك مَا نافحت (عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -) [وَقَالَت: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -] يَقُول: هجاهم حسان فشفى عَلَيْهِم واشتفى، فَقَالَ حسان: هجوت مُحَمَّدًا فأجبت عَنهُ ... وَعند الله فِي ذَاك الْجَزَاء هجوت مُحَمَّدًا برًّا حَنِيفا ... رَسُول الله شيمته الْوَفَاء فَإِن أبي ووالده وعرضي ... لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاء ثكلت بنيتي إِن لم تَرَوْهَا ... تثير النَّقْع موعدها كداء (يبار عَن الأسنة مشرعات) عَلَى أكتافها الأسل الظماء تظل [جيادنا] تمطرت ... تلطمهن بِالْخمرِ النِّسَاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 653 فَإِن أعرضتم عَنَّا اعتمرنا ... وَكَانَ الْفَتْح وانكشف الغطاء وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لضراب يَوْم ... يعز الله فِيهِ من يَشَاء. [وَقَالَ الله قد أرْسلت عبدا ... يَقُول الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء] . وَقَالَ الله: قد أرْسلت جندًا ... هم الْأَنْصَار عرضتها اللِّقَاء. لنا فِي كل يَوْم من معد ... سباب أَو قتال أَو هجاء. فَمن يهجو رَسُول الله [مِنْكُم] ... ويمدحه وينصره سَوَاء. وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا ... وروح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء. الحَدِيث الثَّالِث: رَوَاهُ مُسلم أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ يَقُول فِي قصصه يذكر رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن أَخا لكم لَا يَقُول الرَّفَث - يَعْنِي بذلك عبد الله بن رَوَاحَة. قَالَ: وَفينَا رَسُول الله يَتْلُو كِتَابه ... إِذا اشتق مَعْرُوف من الْفجْر سَاطِع أرانا الْهدى بعد الْعَمى فَقُلُوبنَا ... بِهِ مُوقِنَات أَن مَا قَالَه وَاقع يبيت يُجَافِي جنبه عَن فرَاشه ... إِذا اسْتَقَلت (بالكافرين) الْمضَاجِع. الحَدِيث الرَّابِع: رَوَاهُ مُسلم أَيْضا عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه قَالَ: «أردفني رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: هَل مَعَك من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت شَيْء؟ قَالَ: نعم. قَالَ: هيه. قَالَ: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 654 فَأَنْشَدته بَيْتا فَقَالَ: هيه قَالَ: فَأَنْشَدته حَتَّى بلغت مائَة بَيت» وَفِي رِوَايَة «أنشدت النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مائَة قافية من قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت كل ذَلِك يَقُول: هيه هيه. ثمَّ قَالَ: إِن كَاد فِي شعره ليسلم» . الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لفاطمة: «أما مُعَاوِيَة فصعلوك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح قد سلف مطولا فِي الْأَنْكِحَة. الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تقبل شَهَادَة ظنين وَلَا خصم» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه لم أَقف عَلَى من خرجه، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مَوْقُوفا عَلَى [عمر] بلاغًا، وَهَذَا لَفظه: عَن مَالك أَنه بلغه أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «لَا تجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين» . وَوَقفه عَلَى عَائِشَة وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة، أما حَدِيث عَائِشَة فَتقدم فِي الْبَاب بِلَفْظ: «لَا تجوز شَهَادَة ظنين فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة» . وَأما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث حَمَّاد ابْن الْحسن، [عَن أبي دَاوُد] ، عَن قيس بن الرّبيع، عَن عبد الله بن [مُحَمَّد بن] عقيل، عَن جَابر مَرْفُوعا: «لَا تجوز شَهَادَة مُتَّهم وَلَا ظنين» . أعله عبد الْحق بِعَبْد الله بن عقيل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 655 فَقَالَ: ضعفه النَّاس إِلَّا أَحْمد بن [حَنْبَل و] إِسْحَاق [بن رَاهَوَيْه] والْحميدِي. قلت: وَغَيرهم كَمَا عَرفته فِي بَاب الْوضُوء وَترك فِي الْإِسْنَاد - كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان - قيس بن الرّبيع وَهُوَ ضَعِيف عِنْده، وَحَمَّاد بن الْحسن وَهُوَ لَا يعرف حَاله. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تجوز شَهَادَة ذِي الْجنَّة والظنينة» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَادَّعَى الإِمَام فِي «نهايته» أَن الشَّافِعِي اعْتمد خَبرا صَحِيحا وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا تقبل شَهَادَة خصم عَلَى خصم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَصَح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب [وَإِن كَانَ مُرْسلا] حَدِيث عبد الرَّحْمَن [عَن] الْأَعْرَج أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا تجوز شَهَادَة ذِي الظنة وَالْجنَّة. [والحنة] وَالْجنَّة: الْجُنُون [والحنة] : الَّذِي يكون بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا أَدْرِي هَذَا التَّفْسِير من قَول من [من] هَؤُلَاءِ الروَاة. يَعْنِي: رُوَاة الحَدِيث، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» وَجعل التَّفْسِير الْمَذْكُور من قَوْله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من وَجه آخر مُرْسل عَن طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث مناديًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الثَّنية: أَنه لَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 656 تجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين وَالْيَمِين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» . أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» مَعَ حَدِيث الْأَعْرَج. قلت: الَّذِي فِي «مراسيله» من حَدِيث طَلْحَة الْمَذْكُور «لَا تجوز شَهَادَة الْخصم وَلَا ظنين» لم يزدْ عَلَى هَذَا، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَانِ المرسلان يقويان حَدِيث عَائِشَة السالف ويؤكدانه. فَائِدَة: الظنين: الْمُتَّهم، وَقيل المُرَاد الْخصم الْعَدو وَحَكَاهُ الرَّافِعِيّ، وَاعْلَم أَنه تقدم فِي الحَدِيث «إحْنَة» بِالْألف، وَفِي الصَّحِيح: فِي صَدره إحْنَة؛ أَي: حقد، وَلَا تقل: حنة. وَفِي الغريبين للهروي [الحنة] لُغَة ردية واللغة الْعَالِيَة: إحْنَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: فِي صَدره إحْنَة، وَلَا يُقَال: حنة. وَحَكَى «حنة» المطرزي عَن ابْن الْأَعرَابِي وَابْن درسْتوَيْه عَن الْخَلِيل وَابْن خالويه. الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين رُوِيَ فِي الْخَبَر: «لَا تجوز شَهَادَة الْوَالِد للْوَلَد وَلَا الْوَلَد للوالد» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَاحْتج الْبَيْهَقِيّ فِي الْمَسْأَلَة بِحَدِيث الْمسور بن مخرمَة الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «فَاطِمَة بضعَة مني ... » الحَدِيث. وَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 657 ابْن الرّفْعَة فِي «مطلبه» : فَهَذِهِ الزِّيَادَة - يَعْنِي: الحَدِيث الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ - اسْتدلَّ [بِهِ] القَاضِي حُسَيْن وَلَو صحت لكفت فِي الْبَاب، وَلَكِن السَّاجِي قَالَ: إِن أهل النَّقْل لَا يثبتون الزِّيَادَة. وَقَالَ فِي «كِفَايَته» : وَمثل هَذَا الحَدِيث كَحَدِيث عَائِشَة السَّابِق: «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة» . وَتكلم الْعلمَاء فِي هَذِه الزِّيَادَة فَإِن صحت فَفِي قَوْله «ظنين فِي قرَابَة» دَلِيل عَلَيْهِ. الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[قَالَ] : «لَا تقبل شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه» «وَلَا ظنين» فِي رِوَايَة. هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي أَوَائِل الْبَاب. الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي معرض الذَّم: «يَجِيء قوم يُعْطون الشَّهَادَة قبل أَن يسألوها» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي [صَحِيحَيْهِمَا] من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (خير الْقُرُون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 658 قَرْني) ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين ... - قَالَ عمرَان: فَلَا أَدْرِي أذكر بعد قرنه قرنين أَو ثَلَاثَة - ثمَّ إِن من بعدهمْ قوما يشْهدُونَ، وَلَا يستشهدون يخونون وَلَا يؤتمنون، وينذرون وَلَا يُوفونَ، وَيظْهر فيهم السّمن» . وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَحْسنُوا إِلَى أَصْحَابِي ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ - ثمَّ يفشو الْكَذِب حَتَّى يحلف الرجل عَلَى الْيَمين قبل أَن يسْتَحْلف عَلَيْهَا وَيشْهد عَلَى الشَّهَادَة قبل أَن يستشهد عَلَيْهَا ... » الحَدِيث بِطُولِهِ. الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يستشهد» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من طَرِيق زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. فَائِدَتَانِ: الأولَى: فِي المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث تَأْوِيلَانِ؛ أصَحهمَا وأشهرهما تَأْوِيل مَالك وأصحابنا عَلَى من عِنْده شَهَادَة لإِنْسَان بِحَق وَلَا يعلم ذَلِك الْإِنْسَان أَنه شَاهد فَأَتَى إِلَيْهِ يُخبرهُ بِأَنَّهُ شَاهد لَهُ. وَثَانِيهمَا: أَنه مَحْمُول عَلَى شَهَادَة الْحِسْبَة وَذَلِكَ فِي غير حُقُوق الْآدَمِيّين. وَفِيه تَأْوِيل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 659 ثَالِث: أَنه مَحْمُول عَلَى الْمُبَالغَة، كَمَا يُقَال: الْجواد يُعْطي قبل السُّؤَال من غير توقف. الثَّانِيَة: كَيفَ ذمّ فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا الشَّهَادَة قبل الاستشهاد ومدح هُنَا؟ ! وَجمع [بَينهمَا عَلَى] أوجه أَصَحهَا: أَنه مَحْمُول عَلَى من مَعَه شَهَادَة لآدَمِيّ عَالم بهَا فَيَأْتِي فَيشْهد [بهَا قبل أَن تطلب مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنه مَحْمُول عَلَى شَاهد الزُّور فَيشْهد] بِمَا لَا أصل لَهُ فِيهِ وَلم يستشهد. وَثَالِثهَا: أَنه مَحْمُول عَلَى من ينْتَصب شَاهدا وَلَيْسَ من أَهلهَا. وَرَابِعهَا: أَنه مَحْمُول [عَلَى] من يشْهد لقوم بِالْجنَّةِ أَو بالنَّار من غير توقف، وَهَذَا ضَعِيف. الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين رُوِيَ أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لم أَقف عَلَى من خرجه، وَعَزاهُ بعض من تكلم عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» إِلَى «سنَن الْبَيْهَقِيّ» وَلم أره فِيهِ كَذَلِك، وَالَّذِي ذكره الْبَيْهَقِيّ بعد أَن بوب شَهَادَة الْقَاذِف عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ لأبي بكرَة: «تب تقبل شهادتك» . وَعَن الشَّافِعِي «أَنه بلغه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يُجِيز شَهَادَة الْقَاذِف إِذا تَابَ» . وَفِي رِوَايَة عَنهُ «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: «وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 660 تَابُوا» . [فَمن تَابَ] وَأصْلح فشهادته فِي كتاب [الله] مَقْبُولَة وَعَن ابْن أبي نجيح أَنه قَالَ: «الْقَاذِف إِذا تَابَ تقبل شَهَادَته» . وَعَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَالضَّحَّاك وَعبد الله بن عتبَة مثله. وَعَن الشّعبِيّ قَالَ: «يقبل الله تَوْبَته وَلَا تقبلون شَهَادَته!» . وَعَن مطرف عَن الشّعبِيّ «أَنه كَانَ يَقُول فِي الْقَاذِف إِذا فرغ من ضربه فأكذب نَفسه وَرجع عَن قَوْله: قبلت شَهَادَته» . وَعَن حُصَيْن قَالَ: «رَأَيْت رجلا جلد حدًّا فِي قذف بالريبة، فَلَمَّا فرغ من ضربه أحدث تَوْبَة وَقَالَ: أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ من قذف الْمُحْصنَات. فَلَقِيت أَبَا الزِّنَاد فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ: الْأَمر عندنَا إِذا رَجَعَ عَن قَوْله واستغفر ربه قبلت شَهَادَته» . وَعَن سُلَيْمَان بن يسَار وَسَعِيد بن الْمسيب وَابْن شهَاب «أَنهم سئلوا عَن رجل جلد هَل تجوز شَهَادَته؟ قَالُوا: لَا، إِلَّا أَن يظْهر مِنْهُ التَّوْبَة» . ثمَّ ذكر الْبَيْهَقِيّ حَدِيث الْإِفْك الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لعَائِشَة: «إِنَّه بَلغنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا، فَإِن كنت بريئة فسيبرئك الله، وَإِن كنت قد أَلممْت بالذنب فاستغفري وتوبي إِلَيْهِ، فَإِن العَبْد إِذا اعْترف بِذَنبِهِ ثمَّ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ» . ثمَّ رَوَى عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: «النَّدَم تَوْبَة» . وَعَن عبد الله مَوْقُوفا عَلَيْهِ بِزِيَادَة: «والتائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ» . قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطع وَمَوْقُوف. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا مَرْفُوعا بِهَذِهِ الزِّيَادَة قَالَ: وَالْمَعْرُوف يُوقف عَلَيْهِ. وَرُوِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَة من حَدِيث أبي عتبَة الْخَولَانِيّ وَابْن عَبَّاس وَأبي سعدة الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا وَأَسَانِيده ضَعِيفَة. وَعَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «كل شَيْء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 661 يتَكَلَّم بِهِ ابْن آدم فَإِنَّهُ مَكْتُوب عَلَيْهِ، فَإِذا أَخطَأ الْخَطِيئَة وَأحب أَن يَتُوب إِلَى الله فليأت بقْعَة رفيعة فليمد يَدَيْهِ إِلَى الله وَيَقُول: إِنِّي أَتُوب إِلَيْك مِنْهَا لَا أرجع إِلَيْهَا أبدا. فَإِنَّهُ يغْفر لَهُ مَا لم يرجع فِي عمله ذَلِك» . هَذَا ملخص مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب وَيُؤْخَذ من مَجْمُوعَة الدّلَالَة لما ذكره المُصَنّف. الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين أَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: «يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت لَو وجدت مَعَ امْرَأَتي رجلا أمهله حَتَّى آتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء؟ قَالَ: نعم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد تقدم بَيَانه فِي كتاب الصّيام وَاضحا، لَكِن الْمَعْرُوف بذلك هُوَ سعد بن عبَادَة لَا ابْن أبي وَقاص فَلَعَلَّهُ من زلل الْكَاتِب. الحَدِيث الثَّلَاثُونَ ورد فِي الْخَبَر: «زنا الْعَينَيْنِ النّظر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سلف فِي كتاب اللّعان فَرَاجعه مِنْهُ. الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمر عَامل خَيْبَر يَبِيع الْجمع بِالدَّرَاهِمِ وَيَشْتَرِي ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سلف بَيَانه فِي بَاب الرِّبَا وَاضحا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 662 الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِشَاهِد وَيَمِين» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير كِلَاهُمَا، عَن زيد بن الْحباب، عَن سيف بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ، عَن قيس بن سعد، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده جيد. وَابْن مَاجَه من رِوَايَة سيف بن سُلَيْمَان بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضا الشَّافِعِي عَن عبد الله بن الْحَارِث المَخْزُومِي، عَن سيف بِهِ بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد» ثمَّ قَالَ عَمْرو: «فِي الْأَمْوَال» . وَحَكَى الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه تكلم فِيهِ وَقَالَ: لَو أعلم أَن سيف بن سُلَيْمَان يرويهِ لأفسدته عِنْد النَّاس قَالَ الشَّافِعِي: فَقلت: يَا أَبَا عبد الله إِذا أفسدته فسد وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الرّبيع قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا الحَدِيث ثَابت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يرد أحد من أهل الْعلم مثله لَو لم يكن فِيهِ غَيره مَعَ أَن مَعَه غَيره مِمَّا يشده. وَقَالَ ابْن عبد [الْبر] : لَا مطْعن لأحد فِي إِسْنَاده وَلَا خلاف عِنْد أهل الْمعرفَة بِصِحَّتِهِ وَأَن رِجَاله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 663 ثِقَات. وَقَالَ الْبَزَّار: وَقيس بن سعد، وَسيف بن سُلَيْمَان وَمن بعدهمَا يُسْتَغْنَى عَن ذكرهمَا فِي النَّقْل وَالْعَدَالَة. وَقَالَ مرّة: فِي الْبَاب: أَحَادِيث حسان أَصَحهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَقَالَ ابْن الطلاع فِي «أَحْكَامه» : حَدِيث ثَابت وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه و «هج الْجَمْر» : لَا مطْعن لأحد فِي إِسْنَاده، وَلَا خلاف بَين أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ فِي ثُبُوته، وَقد تَوَاتَرَتْ الْآثَار بِهِ عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الْحفاظ فِيمَا نَقله عَنْهُم النَّوَوِيّ فِي «شرح مُسلم» : هُوَ أصح أَحَادِيث هَذَا الْبَاب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسيف بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ ثَبت ثِقَة عِنْد أَئِمَّة النَّقْل، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سَأَلت يَحْيَى بن سعيد عَنهُ فَقَالَ: هُوَ عندنَا مِمَّن يصدق ويحفظ. قَالَ: وَقد تَابعه عَلَى ذَلِك جمَاعَة ... فَذكر ذَلِك بأسانيده. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: وَقد تعرض لهَذَا الحَدِيث بعض الْمُخَالفين مِمَّن لَيْسَ من صناعته معرفَة الصَّحِيح من السقيم، فاحتج فِيهِ بِمَا رُوِيَ عَن أبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ. قَالَ الْحَاكِم: فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن شَيخنَا أَبَا زَكَرِيَّا لم يُطلق هَذَا القَوْل عَلَى حَدِيث سيف بن سُلَيْمَان، عَن قيس بن سعد، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس، وَإِنَّمَا أَرَادَ الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس، أَو الحَدِيث الَّذِي تفرد بِهِ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى، وَأما حَدِيث سيف بن سُلَيْمَان فَلَيْسَ فِي إِسْنَاده من يجرح وَلم نعلم لَهُ أَيْضا عِلّة نعلل بِهِ الحَدِيث، وَالْإِمَام أَبُو زَكَرِيَّا أعرف بِهَذَا الشَّأْن من أَن يظنّ بِهِ أَن يوهن حَدِيثا يظنّ بِهِ يرويهِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 664 الثِّقَات من الْأَثْبَات. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعلل الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ لَا يعلم قيسا يحدث عَن عَمْرو بن دِينَار بِشَيْء، وَلَيْسَ مَا لَا يُعلمهُ الطَّحَاوِيّ لَا يُعلمهُ غَيره. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثا فهم مِنْهُ التَّصْرِيح بِسَمَاع قيس بن سعد عَن عَمْرو بن دِينَار، وَهُوَ حَدِيث الَّذِي وقصته نَاقَته وَهُوَ محرم وَلَفظه: عَن وهب بن جرير عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت قيس بن سعد يحدث عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير ... إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَا يبعد أَن يكون لَهُ عَن عَمْرو غير هَذَا قَالَ: وَلَيْسَ من شَرط قبُول الْأَخْبَار كَثْرَة رِوَايَة الرَّاوِي عَمَّن رَوَى عَنهُ، وَإِذا رَوَى الثِّقَة عَمَّن لَا يُنكر سَمَاعه مِنْهُ حَدِيثا وَاحِدًا وَجب قبُوله وَإِن لم يرو عَنهُ غَيره، وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس. كَذَلِك (رَوَاهُ أَبُو حُذَيْفَة، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي) عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس كَذَلِك وَمَعْنَاهُ. وَخَالَفَهُمَا [خَالِد] بن يزِيد الْعمريّ [تَابعه] عَلَى ذَلِك عبد الله بن مُحَمَّد بن ربيعَة القدامي وعصام بن يُوسُف الْبَلْخِي، وخَالِد والقدامي وعصام لَيْسُوا بأقوياء، وَعبد الرَّزَّاق ثِقَة حجَّة وَتَابعه عَن مُحَمَّد بن مُسلم فَرَوَاهُ عَنهُ عَن عَمْرو عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس، وَتَابعه أَبُو حُذَيْفَة [عَن] مُحَمَّد بن مُسلم فَرَوَاهُ كَمَا ذكرنَا فَلَا تعلله رِوَايَة من لَا نبالي بِهِ. وَرَوَى بِإِسْنَاد واهٍ عَن عَمْرو عَن جَابر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 665 بن زيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَرِوَايَة الثِّقَات لَا تعلل بِرِوَايَة الضُّعَفَاء. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «علله» : سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: [عَمْرو بن دِينَار] لم يسمع عِنْدِي من ابْن عَبَّاس هَذَا الحَدِيث. نَقله ابْن الْقطَّان عَنهُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ أخرجه من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس. لَكِن فِيهِ القدامي الْمَتْرُوك، قَالَ الْحَاكِم: وَهَذَا الْخلاف لَا يُعلل هَذَا الحَدِيث من أوجه: مِنْهَا: أَن عَمْرو بن دِينَار قد سمع من ابْن عَبَّاس، وَسمع من جمَاعَة عَن ابْن عَبَّاس فَلَا يُنكر إِن سمع حَدِيثا مِنْهُ وَمن أَصْحَابه أَيْضا. ثَانِيًا: سيف بن سُلَيْمَان ثِقَة مَأْمُون؛ فقد حكم مُسلم بن الْحجَّاج لروايته بِالصِّحَّةِ فَلَا يُقَابله مثل الْعمريّ والقدامي والبلخي. الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد مَعَ يَمِين الطَّالِب» . هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث جَعْفَر [بن] مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 666 مَرْفُوعا: «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد» . قَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسلا [قَالَ:] «وَقَضَى بهَا عَلّي فِيكُم» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا أصح، وَهَكَذَا رَوَى الثَّوْريّ عَن جَعْفَر عَن أَبِيه مُرْسلا، وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة وَيَحْيَى بن [سليم] عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن عَلّي مَرْفُوعا. وَقَالَهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَنهُ فَقَالَا: هُوَ مُرْسل وَقَالَ الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك: إِنَّه الصَّوَاب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ جماعات عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه مُرْسلا، وَرَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ - وَهُوَ من الثِّقَات - عَن جَعْفَر عَن أَبِيه [عَن جَابر] مَرْفُوعا مَوْصُولا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : كَانَ جَعْفَر بن مُحَمَّد رُبمَا أرسل هَذَا الحَدِيث وَرُبمَا وَصله عَن جَابر؛ لِأَن جمَاعَة من الثِّقَات حفظوه عَن أَبِيه عَن جَابر، وَالْحكم يُوجب أَن يكون القَوْل قَوْلهم؛ لأَنهم زادوا وهم ثِقَات وَزِيَادَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 667 الثِّقَة مَقْبُولَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي لبَعض من [يناظره] : قلت لَهُ: رَوَى الثَّقَفِيّ وَهُوَ ثِقَة [عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه] ، عَن جَابر، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد» . زَاد الْحَنْظَلِي فِي رِوَايَته «الشَّاهِد الْوَاحِد» . قَالَ: وَقَالَ أبي: وَقَضَى بِهِ عَلّي فِي الْعرَاق. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن حميد بن الْأسود وَعبد الله الْعمريّ وَهِشَام بن سعد وَغَيرهم، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد كَذَلِك مَوْصُولا. قَالَ: وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن أبي حَيَّة، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَتَانِي جِبْرِيل وَأَمرَنِي أَن أَقْْضِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد وَقَالَ: إِن يَوْم الْأَرْبَعَاء يَوْم نحس مُسْتَمر» . قلت: وَأخرجه ابْن عدي كَذَلِك وَابْن حبَان فِي «ضُعَفَائِهِ» إِلَّا أَنه قَالَ: عَن جِبْرِيل عَن ربه - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ: «أَمرنِي أَن أَقْْضِي ... » إِلَى آخِره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد قيل: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه [عَن جده] عَن عَلّي: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَضَى بِشَهَادَة رجل وَاحِد مَعَ يَمِين صَاحب الْحق» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حُسَيْن بن زيد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي مَرْفُوعا. وَعلي بن الْحُسَيْن بن عَلّي بن أبي طَالب جد جَعْفَر بن مُحَمَّد وَإِن لم يدْرك عليًّا فَهُوَ أقرب للاتصال من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَلّي. قَالَ: وَقد رَوَاهُ غير جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن عَلّي الباقر عَلَى الْإِرْسَال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 668 الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين» . هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي آخر بَاب أدب الْقَضَاء. الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «استشرت جِبْرِيل فِي الْقَضَاء بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد فَأَشَارَ عَلّي بالأموال لَا تعدو ذَلِك» . هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه مَعَ كَثْرَة طرق هَذَا الحَدِيث، وَحَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس مُغنِي فِي الدّلَالَة عَنهُ فَإِن عَمْرو بن دِينَار قَالَ فِي آخِره: «وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال» وَتَفْسِير الرَّاوِي مقدم عَلَى تَفْسِير غَيره، وعزى هَذَا الحَدِيث الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» إِلَى أبي هُرَيْرَة فِي الدَّارَقُطْنِيّ، وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة قَالَ فِي «مطلبه» : أسْندهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة ... فَذكره سَوَاء. وَقَالَ فِي «كِفَايَته» : أخرجه بِسَنَدِهِ عَن أبي هُرَيْرَة. فَذكره سَوَاء. وَلم أره فِي الدَّارَقُطْنِيّ فِي مظنته وَهُوَ بَاب الْفَضَائِل، وَلَا فِي «علله» فليتتبع. فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث؛ أَعنِي: «الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين» رَوَاهُ جماعات من الصَّحَابَة عِنْد المُصَنّف مِنْهُم ثَلَاثَة: ابْن عَبَّاس، وَجَابِر، وَأَبُو هُرَيْرَة، قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: رَوَاهُ من الصَّحَابَة عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثَمَانِيَة: عَلّي، وَابْن عَبَّاس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَجَابِر، وَعبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، وَأبي بن كَعْب، وَزيد بن ثَابت، وَسعد بن عبَادَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 669 قلت: بل رَوَاهُ من الصَّحَابَة أَكثر من [عشْرين] صحابيًّا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» : عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «أَنه قَضَى بِشَاهِد وَيَمِين» : عمر بن الْخطاب، وَعلي، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر، وَابْن عمر، وَابْن عَمْرو، وَزيد بن ثَابت، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَسعد بن عبَادَة، وعامر بن ربيعَة، وَسَهل بن سعد، وَعمارَة بن حزم، والمغيرة بن شُعْبَة، وبلال بن الْحَارِث، وَسَلَمَة بن قيس، وَأنس بن مَالك، وَتَمِيم الدَّارِيّ، و (زبيب بن ثَعْلَبَة) ، وسُرق. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وزبيب بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة. قَالَ الْحَاكِم فِي «عُلُوم الحَدِيث» : لَيْسَ فِي الروَاة من يسم بِهَذَا الِاسْم غَيره. وَاعْترض الْمُنْذِرِيّ عَلَيْهِ فَقَالَ: ذكر بَعضهم أَنه من الْأَسْمَاء المفردة وَفِيه نظر، وَفِي الروَاة من اسْمه زبيب غَيره عَلَى خلاف فِيهِ. قَالَ: وَقد قيل فِي زبيب بن ثَعْلَبَة: زنيب - بالنُّون - قَالَه ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» . وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن أم سَلمَة. قلت: فتلخص من كل ذَلِك أَن جملَة الصَّحَابَة الَّذين رَوَوْهُ اثْنَان وَعِشْرُونَ، وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن عَلّي بن عمر فِي كتاب الشُّهُود بِشَهَادَة رجل وَيَمِين الطَّالِب رَوَاهُ من طَرِيق عبد الله بن يزِيد مولَى المنبعث، عَن رجل من أهل مصر، عَن سرق وَهُوَ ابْن أَسد. هَذَا الحَدِيث [آخر] الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الْبَاب وَمِنْه. وَأما آثاره فَثَلَاثَة عشر: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 670 أَحدهَا: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه مر بِقوم يَلْعَبُونَ بالشطرنج فَقَالَ: مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن أبي الدُّنْيَا نَا زِيَاد بن أَيُّوب، نَا شَبابَة بن سوار، عَن فُضَيْل، [بن] مَرْزُوق، عَن ميسرَة بن حبيب قَالَ: «مر عَلّي ... » فَذكره، زَاد فِي طَرِيق أُخْرَى من طَرِيق الْأَصْبَغ بن نباتة عَن عَلّي: «لِأَن يمس جمرًا حَتَّى يطفأ خير لَهُ من أَن يَمَسهَا» . ثمَّ رَوَى فِي حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه عَن عَلّي أَنه كَانَ يَقُول: «الشطرنج ميسر الْأَعَاجِم» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُرْسلَة، لَكِن لَهَا شَوَاهِد. مِنْهَا مَا تقدم وَمِنْهَا مَا تَأَخّر: رَوَاهُ شريك عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم قَالَ: قَالَ عَلّي: «صَاحب الشطرنج أكذب النَّاس يَقُول [أحدهم] : قتلت وَمَا قتل» . وَمِنْهَا عَن عمار ابْن أبي عمار قَالَ: «مر عَلّي بِمَجْلِس من مجَالِس تيم الله وهم يَلْعَبُونَ بالشطرنج فَوقف فَقَالَ: «أما وَالله لغير هَذَا خلقْتُمْ، لَوْلَا أَن تكون سنة لضَرَبْت بهَا وُجُوهكُم» . الْأَثر الثَّانِي: عَن سعيد بن جُبَير «أَنه كَانَ يلْعَب بالشطرنج استدبارًا» . وَهَذَا رَوَاهُ ظَهره يَقُول: بأيش دفع كَذَا؟ قَالَ: بِكَذَا. قَالَ: ادْفَعْ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 671 بِكَذَا. قَالَ الشَّافِعِي: وَكَانَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَهِشَام بن عُرْوَة يلعبان بِهِ استدبارًا. الْأَثر الثَّالِث وَالرَّابِع: عَن ابْن الزبير وَأبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنَّهُمَا كَانَا يلعبان بالشطرنج» . وَهَذَانِ الأثران ذكرهمَا الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا، وَأثر أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ الصولي فِي جُزْء جمعه فِي الشطرنج بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ. الْأَثر الْخَامِس: عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث) قَالَ: هُوَ وَالله الْغناء» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. الْأَثر السَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «إِنَّه الملاهي» . وَهَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فَقَالَ فِي سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس « (وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث) قَالَ: هُوَ الْغناء وأشباهه» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورويناه عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. الْأَثر السَّابِع: عَن عمر: «أَنه كَانَ إِذا خلا فِي بَيته ترنم بِالْبَيْتِ والبيتين» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 672 وَهَذَا الْأَثر تبع فِي إِيرَاده الْبَغَوِيّ فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك، وَذكر أهل الْأَخْبَار «أَن عمر بن الْخطاب أَتَى دَار عبد الرَّحْمَن فَسَمعهُ يتَغَنَّى بالركائب» . وَكَيف توائى بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا ... قَضَى وطرًا مِنْهَا جميل بن معمر. (قَالَ ابْن عبد الْبر: وَذكره الزبير بن بكار الأول) ، قَالَ ابْن عبد الْبر: وَقد ذكره الْمبرد «مقلوبًا أَن عبد الرَّحْمَن [أَتَى] دَار عمر فَسَمعهُ يتَغَنَّى» . وَالَّذِي ذكره الزبير بن بكار الأول، قَالَ ابْن عبد الْبر: وَهُوَ الصَّوَاب. الْأَثر الثَّامِن: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه كَانَت لَهُ جَارِيَة تغني فَإِذا جَاوَزت السحر قَالَ: أمسكي فَهَذَا وَقت الاسْتِغْفَار» . وَهَذَا حَكَاهُ من أَصْحَابنَا عِنْد الْمَاوَرْدِيّ فِي «الْحَاوِي» والعمراني فِي «الْبَيَان» وَقَالا: «كَانَ لَهُ جاريتان تُغنيَانِ ... » بِمثل مَا ذكره الرَّافِعِيّ وَغَيره. الْأَثر التَّاسِع: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه كَانَ إِذا سمع الدُّف بعث، فَإِن كَانَ فِي النِّكَاح أَو الْخِتَان سكت، فَإِن كَانَ غَيرهمَا عمل بِالدرةِ» . وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» بِنَحْوِهِ من [طَرِيق ابْن علية عَن أَيُّوب] عَن ابْن سِيرِين قَالَ: «نبئت أَن عمر كَانَ إِذا سمع صَوتا أنكرهُ، فَإِن كَانَ عرسًا أَو ختانًا أقره» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 673 الْأَثر الْعَاشِر: وَعَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ فِي الْقِصَّة الْمَشْهُورَة لأبي بكرَة: تب أقبل شهادتك. وَكَانَت الصَّحَابَة يروون عَنهُ وَلم يتب» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، قَالَ: سَمِعت الزُّهْرِيّ يَقُول: زعم أهل الْعرَاق أَن شَهَادَة الْمَحْدُود لَا تجوز (فَأشْهد بِاللَّه أَخْبرنِي) فلَان «أَن عمر بن الْخطاب قَالَ لأبي بكرَة: تب تقبل شهادتك، أَو إِن تبت قبلت شهادتك» . قَالَ سُفْيَان: سَمّى الزُّهْرِيّ الَّذِي أخبرهُ فحفظته ونسيته وَشَكَكْت فِيهِ، فَلَمَّا قمنا سَأَلت من حضر فَقَالَ لي عمر بن قيس: هُوَ سعيد بن الْمسيب قَالَ الشَّافِعِي: فَقلت: فَهَل شَككت فِيمَا قَالَ لَك؟ قَالَ: لَا. هُوَ سعيد بن الْمسيب من غير شكّ قَالَ الشَّافِعِي: وَكَثِيرًا مَا سمعته يحدثه فيسمى سعيدًا، وَكَثِيرًا مَا سمعته يَقُول: عَن سعيد إِن شَاءَ الله. وَقد رَوَاهُ غَيره من أهل الْحِفْظ عَن سعيد لَيْسَ فِيهِ شكّ، فَزَاد فِيهِ «أَن عمر استتاب الثَّلَاثَة فَتَابَ اثْنَان فَأجَاز شَهَادَتهمَا وَأَبَى أَبُو بكرَة فَرد شَهَادَته» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طرق عَنهُ كَذَلِك. قَالَ سعيد بن عَاصِم: «وَكَانَ أَبُو بكرَة إِذا أَتَاهُ الرجل يشهده، قَالَ: أشهد [غَيْرِي] فَإِن الْمُسلمين [قد] فسقوني» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِن صَحَّ فَلِأَنَّهُ امْتنع من أَن يَتُوب من قذفه، وَأقَام عَلَيْهِ وَلَو كَانَ قد تَابَ مِنْهُ لما (سمي) اسْم الْفسق. الْأَثر الْحَادِي عشر: عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «مَضَت السّنة من رَسُول الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 674 (وللخليفتين من بعده أَن لَا تقبل شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحُدُود» . وَهَذَا الْأَثر ذكره القَاضِي أَبُو يُوسُف فِي كتاب «الْخراج» فَقَالَ: ثَنَا الْحجَّاج، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «مَضَت السّنة ... » فَذكر مثله سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا تجوز» بدل «لَا تقبل» . وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» دون ذكر الخليفتين: «وَزِيَادَة النِّكَاح وَالطَّلَاق» وَهَذَا عزاهُ ابْن الرّفْعَة رِوَايَة مَالك لَهُ عَن عقيل عَن ابْن شهَاب قَالَ: «مَضَت السّنة من رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحُدُود وَلَا فِي النِّكَاح وَلَا فِي الطَّلَاق» . الْأَثر الثَّانِي عشر: يرْوَى عَن الزُّهْرِيّ أَيْضا أَنه قَالَ: «مَضَت السّنة بِأَنَّهُ تجوز شَهَادَة النِّسَاء فِي كل شي لَا يَلِيهِ غَيْرهنَّ» . وَهَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: نَا عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «مَضَت السّنة أَن تجوز شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ غَيْرهنَّ» . الْأَثر الثَّالِث عشر: «أَن عَائِشَة وَسَائِر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ كن يروين من وَرَاء السّتْر ويروي السامعون [عَنْهُن] » وَهَذَا مَعْرُوف لَا يحْتَاج إِلَى عزوه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 675 كتاب الدَّعْوَى والبينات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 677 كتاب الدَّعْوَى والبينات ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث سَبْعَة: أَحدهَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» عَن عَلّي بن أَحْمد بن عَبْدَانِ، عَن الطَّبَرَانِيّ، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن كثير الصُّورِي، نَا الْفرْيَابِيّ، نَا سُفْيَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا سَوَاء، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طَرِيق ابْن عَبَّاس أَيْضا «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي خطبَته: «الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» . ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده مقَال، وَمُحَمّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي يضعف فِي الحَدِيث من قبل حفظه؛ ضعفه ابْن الْمُبَارك وَغَيره. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حجاج عَن عَمْرو، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 679 وحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة (وَلم يسمعهُ من عَمْرو) إِنَّمَا حدث عَن الْعَرْزَمِي عَنهُ، وَهَذَا الطَّرِيق وَالَّذِي قبله؛ حَدِيث ابْن عَبَّاس مغنى عَنْهُمَا، وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عمر فِي حَدِيث طَوِيل فِيهِ: «فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا نبى الله، إِنِّي وَقعت عَلّي جَارِيَة بني فلَان وَإِنَّهَا ولدت مني، فَأمر بولدي أَن يرد إِلَيّ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ بولدك، لَا يجوز هَذَا فِي الْإِسْلَام، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أولَى بِالْيَمِينِ إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة ... » . ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث. الحَدِيث الثَّانِي أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو يُعْطي النَّاس بدعواهم لَا دعى نَاس دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «الْيَمين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» ، وَأخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب التَّفْسِير من «صَحِيحه» بِلَفْظ: «لَو يُعْطَى النَّاس بدعواهم لذهب دِمَاء قوم وَأَمْوَالهمْ» وَفِي آخِره «الْيَمين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» وَذكر البُخَارِيّ فِيهِ قصَّة وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنهُ «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» . هَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم مَرْفُوعا كَمَا تقدم، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح وَقَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 680 القَاضِي عِيَاض: قَالَ الْأصيلِيّ: لَا يَصح مَرْفُوعا إِنَّمَا هُوَ من قَول ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو يُعْطَى النَّاس بدعواهم لَا دعى رجال دِمَاء قوم وَأَمْوَالهمْ، لَكِن الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى من أنكر» . وَوَقع فِي «كِفَايَة ابْن الرّفْعَة» فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قبل قَوْله: «وَالْيَمِين عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ» : «لَكِن الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي» فِيهِ، وَعَزاهَا إِلَى مُسلم وَهُوَ وهم، فَلَيْسَ لفظ «الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي» فِيهِ. وَهَذَا الحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة من قَوَاعِد أَحْكَام الشَّرْع أَنه لَا يقبل قَول الْإِنْسَان فِيمَا يَدعِيهِ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ؛ بل يحْتَاج إِلَى الْبَيِّنَة أَو تَصْدِيق الْمُدعَى عَلَيْهِ، فَإِن طلب يَمِين الْمُدعَى عَلَيْهِ فَلهُ ذَلِك. الحَدِيث الثَّالِث «أَن رجلا من حَضرمَوْت وَآخر من كِنْدَة أَتَيَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ: يَا رَسُول الله، إِن هَذَا قد غلبني عَلَى أَرض كَانَت لأبي. فَقَالَ الْكِنْدِيّ: هِيَ أرضي فِي يَدي أزرعها فَلَيْسَ [لَهُ] فِيهَا حق! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للحضرمي: أَلَك بَيِّنَة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فلك يَمِينه. قَالَ: يَا رَسُول الله، الرجل فَاجر لَا يُبَالِي عَلَى مَا حلف عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يتورع من شَيْء. فَقَالَ: لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَّا ذَلِك. فَانْطَلق ليحلف فَقَالَ رَسُول الله لما أدبر الرجل: لَئِن حلف عَلَى مَاله ليأكله ظلما ليلقين الله وَهُوَ عَنهُ معرض» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من رِوَايَة وَائِل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ عبد الْحق: وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 681 وَائِل فِي كِتَابه شَيْئا. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِنَّه فَاجر لَيْسَ يتورع من شَيْء» لَيْسَ فِيهَا إِلَّا سماك بن حَرْب وَهِي فِي سَنَد مُسلم، وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ أخرج الحَدِيث بطرِيق مُسلم من طَرِيق ابْن وضاح وَالنَّسَائِيّ، ثمَّ ذكر أَن لَفْظَة «انْطلق» من رِوَايَة سماك بن حَرْب وَهُوَ يقبل التَّلْقِين. فَائِدَتَانِ: أَحدهمَا: حَضرمَوْت بِفَتْح الْحَاء وَإِسْكَان الضَّاد الْمُعْجَمَة. قَالَ أهل اللُّغَة: حَضرمَوْت اسْم لبلد بِالْيمن وَهُوَ أَيْضا اسْم لقبيلة، وَاخْتلف المتكلمون عَلَى الحَدِيث وألفاظ «الْمُهَذّب» فِي المُرَاد بحضرموت فِي هَذَا الحَدِيث؛ فَقيل: الْبَلدة. وَقيل: الْقَبِيلَة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي «التَّهْذِيب» : وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر. الثَّانِيَة: هَذَا المخاصم للحضرمي اسْمه: امْرُؤ الْقَيْس بن عَابس - بِالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّين الْمُهْملَة - الْكِنْدِيّ، كَذَا جَاءَ فِي «صَحِيح مُسلم» وَغَيره، قَالَ الْخَطِيب فِي «المبهمات» : وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يُسمى «امْرُؤ الْقَيْس» غَيره. قلت: وَقد ذكر ابْن عبد الْبر فِي «الِاسْتِيعَاب» ابْن عَابس هَذَا وَذكر بعده امْرأ الْقَيْس بن الْأَصْبَغ الْكَلْبِيّ وَقَالَ: بَعثه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَاملا عَلَى [كلب] وَذكر أَنه خَال أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 682 وَاسم الْحَضْرَمِيّ: «ربيعَة» بِفَتْح الْعين وبالمثناة تحتهَا قَالَ الشَّيْخ زكي: لَهُ صُحْبَة وَشهد الْفَتْح بِمصْر وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة وليستدرك عَلَيْهِ. الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لهِنْد: «خذي من مَال أبي سُفْيَان مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ» . هَذَا حَدِيث صَحِيح وَقد تقدم بَيَانه وَاضحا فِي كتاب النَّفَقَات. الحَدِيث الْخَامِس حَدِيث ركَانَة وَقد سبق بِطُولِهِ فِي كتاب الطَّلَاق قَالَ الرَّافِعِيّ: «قيل كَانَت امْرَأَته تَدعِي أَنه أَرَادَ أَكثر من طلقه، وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يحلف، فَلم يعْتد بِيَمِينِهِ قبل التَّحْلِيف فَأَعَادَ عَلَيْهِ» . الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أكره رجلا بَعْدَمَا حلف بِالْخرُوجِ عَن حق صَاحبه كَأَنَّهُ عرف كذبه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» عَن أسود بن عَامر [عَن] شريك، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي [يَحْيَى] الْأَعْرَج عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 683 ابْن عَبَّاس قَالَ: «اخْتصم رجلَانِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَوَقَعت الْيَمين عَلَى أَحدهمَا فَحلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَاله (عِنْدِي) شَيْء فَنزل جِبْرِيل عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنَّه كَاذِب إِن لَهُ عِنْده حَقه. فَأمره أَن يُعْطِيهِ حَقه وَكَفَّارَة يَمِينه مَعْرفَته أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أَو شَهَادَته» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي يَحْيَى الْأَعْرَج، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجلَانِ يختصمان فِي شَيْء إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ للْمُدَّعِي: أقِم الْبَيِّنَة فَلم يقمها، قَالَ للْآخر: احْلِف. فَحلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ [فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: ادْفَعْ حَقه وستكفر عَنْك لَا إِلَه إِلَّا الله] مَا صنعت» . وَأخرجه أَيْضا أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي الْأَحْوَص: ثَنَا عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي يَحْيَى، عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لرجل أحلفه: احْلِف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا الله مَا لَهُ عِنْدِي شَيْء» . وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق والإسناد بِلَفْظ: «جَاءَ خصمان إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَادَّعَى أَحدهمَا عَلَى الآخر، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للْمُدَّعِي: أقِم. بينتك فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ لي بَيِّنَة. فَقَالَ للْآخر: احْلِف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَاله عَلَيْك أَو عنْدك شَيْء ... » بِنَحْوِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث حَمَّاد عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي يَحْيَى، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 684 الطَّالِب الْبَيِّنَة فَلم يكن لَهُ بَيِّنَة، فاستحلف الْمَطْلُوب فَحلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بلَى قد فعلت، وَلَكِن غفر لَك بإخلاص قَول لَا إِلَه إِلَّا الله» . وَرَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرك بِسَنَد النَّسَائِيّ وَأبي دَاوُد عَن أبي يَحْيَى عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا ادَّعَى عِنْد رجل حقًّا، فاختصما إِلَى نَبِي الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَهُ الْبَيِّنَة فَقَالَ: مَا عِنْدِي بَيِّنَة فَقَالَ للْآخر: احْلِف فَحلف فَقَالَ: وَالله مَاله عِنْدِي شَيْء. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بل هُوَ عنْدك، ادْفَعْ إِلَيْهِ حَقه. ثمَّ قَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: شهادتك أَن لَا إِلَه إِلَّا الله كَفَّارَة يَمِينك» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» بِيَحْيَى الرَّاوِي عَن عَطاء وَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول. وَفِيه نظر فَأَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه: زِيَاد، كَذَا سَمَّاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهم. وَقَالَ عبد الْحق: اسْمه: «مصدع» وَكَذَا قَالَه [ابْن] عَسَاكِر فِي «الْأَطْرَاف» قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: وَهُوَ وهم إِنَّمَا هُوَ زِيَاد قَالَ: وَذكر لَهُ البُخَارِيّ فِي «التَّارِيخ» هَذَا الحَدِيث. قَالَ عبد الْحق: وَأَبُو يَحْيَى هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: كَانَ عَالما بِابْن عَبَّاس. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: كَانَ زائغًا حائدًا عَن الْحق. وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ ذكره فِي «محلاه» من طَرِيق أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث سَاقِط لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه عَن أبي يَحْيَى [وَهُوَ] مصدع الْأَعْرَج مجرح، قطعت عرقوباه فِي التَّشَيُّع. وَالثَّانِي: أَن أَبَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 685 الْأَحْوَص [لم] يسمع من عَطاء بن السَّائِب إِلَّا بعد اخْتِلَاط عَطاء، وَإِنَّمَا سمع من عَطاء قبل الِاخْتِلَاط: سُفْيَان، وَشعْبَة، وَحَمَّاد بن زيد، والأكابر المعروفون. ثمَّ قَالَ: ورويناه من طَرِيق وَكِيع عَن الثَّوْريّ عَن عَطاء ... فَذكره، ثمَّ قَالَ: فسفيان الَّذِي صَحَّ سَمَاعه من عَطاء ذكر أَن الرجل حلف بذلك لَا أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أمره بِأَن يحلف لذَلِك. قَالَ: وَعَلَى كل حَال فَأَبُو يَحْيَى لَا شَيْء. قلت: قد عرفت أَنْت رِوَايَة حَمَّاد عَن عَطاء الَّذِي قَالَ أَن سَمَاعه مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط، وَقد عرفت حَال أبي يَحْيَى؛ فَبَطل مَا قَالَه أجمع. وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي قدامَة الْحَارِث بن عبيد، عَن ثَابت، عَن أنس «أَن رجلا حلف بِلَا إِلَه إِلَّا الله كَاذِبًا فَقَالَ رَسُول رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: غفر لَهُ كذبه بتصديقه أَن لَا إِلَه إِلَّا الله» . فَقَالَ: حَمَّاد بن سَلمَة يُخَالِفهُ بقوله عَن ثَابت عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَهُوَ أشبه من حَدِيث أبي قدامَة. وَقَالَ بعده بأسطر: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ شُعْبَة، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي البخْترِي، عَن عبيد، عَن ابْن الزبير، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «أَن رجلا حلف بِاللَّه كَاذِبًا فغفر لَهُ» . قَالَ أبي: رَوَاهُ عبد الْوَارِث وَجَرِير عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أبي يَحْيَى الْأَعْرَج عَن ابْن عَبَّاس ... فَذكره، قلت لأبي: أَيهمَا أصح؟ قَالَ: شُعْبَة أقدم سَمَاعا من هَؤُلَاءِ، وَعَطَاء تغير بِأخرَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 686 الحَدِيث السَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رد الْيَمين عَلَى طَالب الْحق» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي هُرَيْرَة الْأَنْطَاكِي مُحَمَّد بن عَلّي بن حَمْزَة بن صَالح، نَا يزِيد بن مُحَمَّد، نَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، ثَنَا مُحَمَّد بن مَسْرُوق، عَن إِسْحَاق بن الْفُرَات، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رد الْيَمين عَلَى صَاحب الْحق» . قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ: فِي إِسْنَاده جمَاعَة مَجَاهِيل. وَلم يسمهم رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان فِي «علله» : سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن [هُوَ] بن بنت شُرَحْبِيل الدِّمَشْقِي وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ إِلَّا أَنه كَانَ أروى النَّاس عَن المجاهيل وَكَانَت فِيهِ غَفلَة فِي حد لَو أَن رجلا وضع لَهُ حَدِيثا لم يفهم وَكَانَ لَا يميزه. قَالَ: وَمُحَمّد بن مَسْرُوق لَا يعرف لَهُ حَال، رَوَى عَنهُ هِشَام بن عمار ومُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقي. وَأعله عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» بِإسْحَاق بن الْفُرَات وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. وَأنكر عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان وَقَالَ: طوي ذكر من دون إِسْحَاق، وَإِسْحَاق خير مِمَّن دونه، فَإِنَّهُ - أَعنِي إِسْحَاق ابْن الْفُرَات بن الْجَعْد بن سليم مولَى مُعَاوِيَة بن حديج - فَقِيه ولي الْقَضَاء بِمصْر خَليفَة لمُحَمد بن مَسْرُوق الْكِنْدِيّ، يكنى أَبَا نعيم، يروي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 687 عَن مَالك وَاللَّيْث وَيَحْيَى بن أَيُّوب والمفضل بن فضَالة وَحميد بن هَانِئ، وَلم يعرفهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ؛ وَذَلِكَ أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: شيخ لَيْسَ بالمشهور. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم: مَا رَأَيْت قَاضِيا أفضل مِنْهُ وَكَانَ عَالما. قَالَ بَحر بن نصر: سَمِعت ابْن علية يَقُول: مَا رَأَيْت ببلدكم أحدا يحسن الْعلم إِلَّا ابْن الْفُرَات قَالَ ابْن الْوَزير: كَانَ من أكَابِر أَصْحَاب مَالك وَكَانَ لَقِي القَاضِي أَبَا [يُوسُف بِالْبَصْرَةِ] وَأخذ عَنهُ وَولي الْقَضَاء، وَكَانَ موفقًا سديدًا. انْتَهَى. وَفِي «الْمِيزَان» لِلْحَافِظِ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ قَالَ: هُوَ قَاضِي مصر فَقِيه صَدُوق. قَالَ: وَمَا ذكرته إِلَّا [لِأَن غَيْرِي] ذكره متشبثًا بِشَيْء لَا يدل وَهُوَ قَول أبي حَاتِم: «شيخ لَيْسَ بالمشهور» . نعم قَالَ ابْن يُونُس فِي «تَارِيخه» : فِي أَحَادِيثه أَحَادِيث كَأَنَّهَا [مَقْلُوبَة] . وَقَالَ السُّلَيْمَانِي: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ فِي «تذهيبه» : وَثَّقَهُ أَبُو عوَانَة الْحَافِظ وَأخرج هَذَا الحَدِيث الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك» عَلَى «الصَّحِيحَيْنِ» عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسلمة الْعَنزي، ثَنَا عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، نَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادًا ومتنًا إِلَّا أَنه قَالَ: «عَلَى طَالب الْحق» . كَمَا أوردهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي ذَلِك نظر كَبِير لما تقدم، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك وَقَالَ: تفرد بِهِ. لَا جرم أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 688 الْحَافِظ أَبَا عبد الله الذَّهَبِيّ أنكر عَلَيْهِ فَقَالَ فِي «مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» عقب تَصْحِيحه لَهُ: لَا أعرف مُحَمَّد [بن] مَسْرُوق هَذَا وأخشى أَن يكون الحَدِيث بَاطِلا. قلت: وَأخرجه تَمام الرَّازِيّ فِي «فَوَائده» بِإِسْنَادِهِ، عَن اللَّيْث، عَن الثَّوْريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ يرد الْيَمين عَلَى طَالب الْحق» وَهَذَا قد يرد مَا تقدم تعليلاً؛ لِأَنَّهُ أَدخل بَين اللَّيْث وَنَافِع: «الثَّوْريّ» وَقد يُجَاب عَن ذَلِك. الحَدِيث الثَّامِن عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بعير فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنه لَهُ، فَجعله النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينهمَا» . الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي بردة، عَن أبي بردة، عَن أَبِيه «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي دَابَّة لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة فَجَعلهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد [من] رِوَايَة همام عَن قَتَادَة بِمَعْنى إِسْنَاده الأول، كَذَا قَالَه أَبُو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 689 دَاوُد وَالْأول رَوَاهُ عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي بردة، عَن أَبِيه، عَن جده أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عهد النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين، فَقَسمهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينهمَا نِصْفَيْنِ» وَرِجَاله كلهم ثِقَات، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن كثير، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، (عَن النَّضر بن) أنس، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا دَابَّة وجداها عِنْد رجل فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا (بَيِّنَة) أَنَّهَا دَابَّته، فَقَضَى بهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينهمَا نِصْفَيْنِ» . قَالَ عبد الْحق: قَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا خطأ. قَالَ: وَمُحَمّد بن كثير هَذَا هُوَ المصِّيصِي، وَهُوَ صَدُوق إِلَّا أَنه كَانَ يُخطئ فِي حَدِيثه؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَط فِي آخر عمره. قَالَ: خطأه فِي هَذَا الحَدِيث؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يروي عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة. كَمَا سَيَأْتِي، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَلَى وَجه آخر، وَرَوَوْهُ عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي بردة، عَن جده أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا أَو دَابَّة عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة، فَجَعلهَا النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينهمَا» . قَالَ عبد الْحق قَالَ النَّسَائِيّ: إِسْنَاده جيد وَأخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» الجزء: 9 ¦ الصفحة: 690 من هَذِه الطَّرِيق، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَقد خَالف همام بن يَحْيَى سعيد بن أبي عرُوبَة فِي متن هَذَا الحَدِيث فَرَوَاهُ قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه، فَذكر الطَّرِيق الأول، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بعد أَن سَاق الحَدِيث: وَفِيه «فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين» كَذَلِك رَوَاهُ حجاج بن منهال عَن همام. قَالَ: وَهُوَ من حَدِيث همام بن يَحْيَى عَن قَتَادَة بِهَذَا اللَّفْظ مَحْفُوظ. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة بِمثل إِسْنَاده وَمَتنه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ «عَن شُعْبَة» . قَالَ: وَقد روينَا عَن [ابْن] أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة مَوْصُولا، وَعَن شُعْبَة عَن قَتَادَة مُرْسلا مخالفان همامًا، وَهَذِه الرِّوَايَة عَن شُعْبَة [فِي لَفظه] فَإِنَّهُمَا قَالَا: «لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة» وَفِي رِوَايَة همام وَهَذِه الرِّوَايَة عَن شُعْبَة «فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين» وَيحْتَمل عَلَى الْبعد أَن يَكُونَا قصتين، وَيحْتَمل أَن [تكون] قصَّة وَاحِدَة، والبينتان حِين تَعَارَضَتَا سقطتا فَقيل لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة، وَقسم الشَّيْء بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِحكم الْيَد. قَالَ: والْحَدِيث مَعْلُول عِنْد أهل الحَدِيث مَعَ الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده عَلَى قَتَادَة حَيْثُ رَوَاهُ الضَّحَّاك بن حَمْزَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي مجلز، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى «أَن رجلَيْنِ ... » الحَدِيث، وَفِيه: «وَجَاء مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدَانِ» وَحَيْثُ رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، عَن بشير بن نهيك، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا دَابَّة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 691 فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين، فَجعله النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَينهمَا نِصْفَيْنِ» . وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من هَذَا الطَّرِيق وباللفظ أَيْضا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، عَن أبي بردة، [عَن أبي مُوسَى] وَفِيه «فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِيمَا بَلغنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن حَمَّاد مُتَّصِلا، فَعَاد الحَدِيث إِلَى حَدِيث أبي بردة إِلَّا أَنه «عَن قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس» غَرِيب. وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد، عَن حَمَّاد بن سَلمَة [فَأرْسلهُ] فَقَالَ: عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، وَهُوَ فِيمَا ذكره ابْن خُزَيْمَة، عَن أبي مُوسَى، عَن أبي الْوَلِيد، وَلَفظه: «ادّعَيَا [دَابَّة] أَنَّهُمَا وجداها فِي يَد رجل» . وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو عوَانَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن تَمِيم بن طرفَة قَالَ: «أنبئت أَن رجلَيْنِ ... » الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل. قَالَ: وَقد بَلغنِي [عَن] أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ أَنه سَأَلَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ عَن حَدِيث سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَ: يرجع هَذَا الحَدِيث إِلَى حَدِيث سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة. قَالَ البُخَارِيّ: وَقد رَوَى حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ: قَالَ سماك بن حَرْب: أَنا حدثت أَبَا بردة بِهَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وإرسال شُعْبَة هَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه فِي رِوَايَة غنْدر عَنهُ كالدلالة عَلَى ذَلِك. وَقَالَ فِي «خلافياته» - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 692 أَعنِي الْبَيْهَقِيّ - أَيْضا: حَدِيث سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى مَعْلُول من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَتنه مُخْتَلف فِيهِ والْحَدِيث وَاحِد. وَالثَّانِي: أَن فِيهِ إرْسَالًا، يُقَال: إِن أَبَا بردة لم يسمع هَذَا الحَدِيث. قَالَ: ولهذه الْعلَّة لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيح. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث، وَذكر الِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى قَتَادَة، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو كَامِل مظفر بن مدرك عَن [حَمَّاد] بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس، عَن أبي بردة مُرْسلا. وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ حَمَّاد: فَحدث بِهِ سماك بن حَرْب، فَقَالَ سماك: أَنا حدثت بِهِ أَبَا بردة. ثمَّ [ذكر] الِاخْتِلَاف عَلَى سماك، فَقَالَ: مدَار الحَدِيث يرجع عَلَى سماك، وَالصَّحِيح عَن سماك مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَكَذَا قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: الصَّحِيح أَنه عَلَى سماك مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ عبد الْحق: وَقَالَ غير الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا لَا يضر الحَدِيث وَقد أسْندهُ ثقتان عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي [بردة] [عَن أَبِيه] عَن أبي مُوسَى، وهما سعيد بن أبي عرُوبَة وَهَمَّام بن يَحْيَى، وَلَعَلَّ سعيد بن أبي [بردة] سَمعه من سماك، وسَمعه من أَبِيه عَن أبي مُوسَى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 693 الحَدِيث التَّاسِع «أَن رجلَيْنِ تداعيا دَابَّة وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنَّهُمَا دَابَّته، فَقَضَى بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للَّتِي هِيَ فِي يَده» . هَذَا الحَدِيث ضَعِيف أخرجه الشَّافِعِي وَهُوَ فِي «مُسْنده» [عَن] ابْن أبي يَحْيَى، عَن إِسْحَاق [بن أَبَى] فَرْوَة، عَن عمر بن الحكم، عَن جَابر بن عبد الله: «أَن رجلَيْنِ تداعيا [دَابَّة] فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته أنتجها، فَقَضَى بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للَّتِي هِيَ فِي يَده» ابْن أبي يَحْيَى وَإِسْحَاق قد عرفت حَالهمَا، قَالَ الشَّافِعِي: هَذِه رِوَايَة صَالِحَة لَيست بالقوية وَلَا الساقطة. وَلم نجد أحدا من أهل الْعلم يُخَالِفهُ فِي القَوْل بِهَذَا مَعَ أَنَّهَا قد رويت من غير هَذَا الْوَجْه، وَإِن لم تكن قَوِيَّة انْتَهَى. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث زيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 694 بن نعيم، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن أبي حنيفَة - عَن هَيْثَم الصَّيْرَفِي وَهُوَ ثِقَة - عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي نَاقَة فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا: نتجت هَذِه النَّاقة عِنْدِي. وَأَقَامَا بَيِّنَة، فَقَضَى بهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - للَّذي هِيَ فِي يَده» . و [زيد بن نعيم] الرَّاوِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن لَا يعرف فِي غير هَذَا الحَدِيث، قَالَه الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم وَالْإِيهَام» : هُوَ رجل لَا يعرف حَاله. الحَدِيث الْعَاشِر «أَن خصمين أَتَيَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَيَأْتِي كل وَاحِد مِنْهُمَا بالشهود، فَأَسْهم بَينهمَا، وَقَضَى لمن خرج لَهُ السهْم» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث، عَن بكير بن عبد الله أَنه سمع سعيد بن الْمسيب يَقُول: «اخْتصم رجلَانِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي (أَمر) ، فجَاء كل وَاحِد مِنْهُمَا بشهداء عدُول عَلَى عدَّة وَاحِدَة، فَأَسْهم بَينهمَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت تقضي بَينهمَا. فَقَضَى للَّذي خرج لَهُ السهْم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل، وَله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 695 شَاهد من وَجه آخر، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الْأسود، عَن عُرْوَة وَسليمَان بن يسَار «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَتَى كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشُهُود وَكَانُوا سَوَاء، فَأَسْهم بَينهم النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: رَوَى تَمِيم بن طرفَة «أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بعير، فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين فَقَضَى بَينهمَا نِصْفَيْنِ» . قَالَ الشَّافِعِي: وَتَمِيم رجل مَجْهُول، والمجهول لَو لم يُعَارضهُ أحد لم تكن رِوَايَته حجَّة، وَسَعِيد بن الْمسيب يروي عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا وَصفنَا وَسَعِيد سعيد، وَقد زَعمنَا أَن الْحَدِيثين إِذا اخْتلفَا فالحجة فِي أصح الْحَدِيثين، وَلَا أعلم عَالما يشكل عَلَيْهِ أَن حديثنا أصح، وَأَن سعيدًا من أصح النَّاس مُرْسلا، وَهُوَ بالسنن فِي الْقرعَة أشبه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَحَدِيث تَمِيم بن طرفَة مُنْقَطع، وَتَمِيم طائي كُوفِي يروي عَن عدي بن حَاتِم وَجَابِر بن سَمُرَة، وَهُوَ من متأخري التَّابِعين وَمَتى يدْرك دَرَجَة سعيد بن الْمسيب. قلت: ويروي عَنهُ عبد الْعَزِيز بن رفيع وَسماك وَغَيرهمَا، وَأخرج لَهُ مُسلم وَالْحَاكِم وَابْن حبَان، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» فِي التَّابِعين؛ فَفِي [قَوْله] «إِنَّه [مَجْهُول] » إِذن نظر. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثر عمر فِي تَحْويل الْيَمين إِلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا ذكره الشَّافِعِي فِي «الْمُخْتَصر» فَقَالَ أَولا ترَى أَن عمر جعل [الْأَيْمَان] عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِم فَلَمَّا لم يحلفوا ردهَا عَلَى المدعيين وكل هَذَا تَحْويل يَمِين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 696 وَذكر فِيهِ أَيْضا الْأَثر الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ: هَذَا قَول حكام المكيين ومفتيهم - يَعْنِي التَّغْلِيظ بِالْمَكَانِ - وَمن حجتهم فِيهِ مَعَ إِجْمَاعهم أَن مُسلما والقداح أخبراني عَن ابْن جريج عَن عِكْرِمَة بن «خَالِد أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَأَى قوما يحلفُونَ بَين الْمقَام وَالْبَيْت، فَقَالَ: أَعلَى دم؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فعلَى عَظِيم من الْأَمْوَال؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: خشيت أَن يبهأ النَّاس بِهَذَا الْمقَام» . قَالَ الشَّافِعِي: فَذَهَبُوا إِلَى أَن الْعَظِيم من الْأَمْوَال مَا وصفت من عشْرين دِينَارا فَصَاعِدا. قَالَ: وَقَالَ مَالك يحلف عَلَى الْمِنْبَر عَلَى ربع دِينَار. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله «يبهأ النَّاس يَعْنِي يأنسوا بِهِ فتذهب هيبته من قُلُوبهم. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال بهأت بالشَّيْء إِذا آنست بِهِ. وأعل هَذَا الْأَثر أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ فِي «محلاه» : الرِّوَايَة عَن عبد الرَّحْمَن سَاقِطَة لَا يُدْرَى لَهَا أصل وَلَا مخرج، ثمَّ لَو صحت لم يحد عبد الرَّحْمَن فِي كثير المَال مَا حد مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَمَا نعلم أحدا سبقهما إِلَى ذَلِك. وَوَقع بدل [يبهأ] يتهاون وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فِي كِتَابيه وَلم أَقف عَلَى شَيْء عَلَى من خرجها بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ فسره الرَّافِعِيّ بِمَا فسر بِهِ الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ قبل إِيرَاده لَهُ: وَأما الْأَمْوَال يتَحَرَّى التَّغْلِيظ فِي كثيرها دون قليلها عَلَى مَا ورد فِي الْآثَار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 697 بَاب الْقَافة ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «إِن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - دخل عليَّ مَسْرُورا، تبرق أسارير وَجهه، فَقَالَ: ألم تَرَ أَن مُجَزِّزًا المدلجي نظر إِلَى زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض» . وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» قَالَ الْأَئِمَّة: وَسبب سروره أَن الْمُشْركين كَانُوا يطعنون فِي نسب أُسَامَة؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَويلا أقنى الْأنف أسود، وَكَانَ زيد قَصِيرا أخنس الْأنف بَين السوَاد وَالْبَيَاض، وَقصد بعض الْمُنَافِقين بالطعن مغايظة رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ لِأَنَّهُمَا كَانَ حبه، فَلَمَّا قَالَ المدلجي ذَلِك وَهُوَ لَا يرَى إِلَّا أقدامهما سره ذَلِك، كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَالَّذِي فِي أبي دَاوُد «أَن أُسَامَة أسود وَزيد أَبيض» وَنقل عبد الْحق عَن أبي دَاوُد «أَن زيدا كَانَ شَدِيد الْبيَاض» وَكَذَا قَالَ البندنجي فِي «الذَّخِيرَة» وَالْقَاضِي حُسَيْن، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِن زيدا كَانَ أَخْضَر اللَّوْن. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد: كَانَ أُسَامَة أسود مثل اللَّيْل وَزيد أَبيض أشعر أَحْمَر. قلت: وَكله خلاف مَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَأما كَونهمَا كَانَا حبه فَفِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 698 «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث ابْن «عمر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث بعثًا وأمّر عَلَيْهِم أُسَامَة بن زيد فطعن النَّاس فِي إمرته، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن كُنْتُم تطعنوا فِي إمارته، فقد كُنْتُم تطعنون فِي إِمَارَة أَبِيه من قبل، وَايْم الله، إِن كَانَ خليقًا للإمرة وَإِن كَانَ أَبوهُ لمن أحب النَّاس إِلَيّ، وَإِن هَذَا من أحب النَّاس إِلَيّ بعده» . فَائِدَة: مجزز - بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وبزاءين معجمتين الأولَى مَكْسُورَة مُشَدّدَة ثمَّ زَاي آخر - سمي بذلك؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أَخذ أَسِيرًا جز لحيته. قَالَه الزبير بن بكار، وَقَالَ غَيره: يجز ناصيته. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ: لِأَنَّهُ جز نواصي الْعَرَب. وَحَكَى القَاضِي عِيَاض عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَعبد الْحق إنَّهُمَا حكيا عَن ابْن جريج أَنه بِفَتْح الزَّاي الأولَى، وَعَن ابْن عبد الْبر وَأبي عَلّي الغساني أَن ابْن جريج قَالَ: إِنَّه محزز بِإِسْكَان الْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ وَغَيره: الصَّوَاب الْكسر. والأسارير خطوط فِي الْجَبْهَة وَالْوَجْه. قَالَ الرَّافِعِيّ: يرْوَى «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دَعَا قائفًا فِي رجلَيْنِ ادّعَيَا مولودًا» قلت: هَذَا صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي (وَالِديهِ فَادَّعَى بالقائف) قلت: هَذَا صَحِيح عَنهُ رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 699 قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن الصَّحَابَة أَنهم رجعُوا إِلَى بني مُدْلِج دون سَائِر النَّاس. قلت: سرد الْبَيْهَقِيّ بَابا فِي الْقَائِف وَلم يذكر شَيْئا من هَذَا، وَذكر الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا حِكَايَة عَنهُ فِي الْقَافة فانظرها من الأَصْل فَإِنَّهَا مهمة وَالله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 700 كتاب الْعتْق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 701 كتاب الْعتْق ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سِتَّة أَحَادِيث: أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أعتق نسمَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار، حَتَّى فرجه بفرجه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» (من) حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَزِيَادَة قيد الرَّقَبَة بِكَوْنِهَا مسلمة، وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَيّمَا رجل أعتق امْرأ مُسلما استنقذ الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار» وَأخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عقبَة بن عَامر بِنَحْوِهِ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَمن حَدِيث وَاثِلَة بِنَحْوِهِ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَأخرجه أَحْمد من حَدِيث مَالك بن الْحَارِث وَمَالك بن عَمْرو الْقشيرِي وَمرَّة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 703 بن كَعْب وَعَكسه، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث معَاذ، وَقَالَ: الصَّوَاب وَقفه عَلَيْهِ. قلت: فَهَذِهِ ثَمَان طرق وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا أَيْضا. الحَدِيث الثَّانِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام [قَالَ: «من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة كَانَت فداؤه من النَّار» ] أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث عَمْرو بن عبسة السّلمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة وَغَيره من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا امرئٍ مُسلم أعتق امْرأ مُسلما كَانَ فكاكه من النَّار، يُجزي كل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار، وَأَيّمَا امْرَأَة مسلمة أعتقت امْرَأَة مسلمة كَانَت فكاكها من النَّار، يَجْزِي كل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهَا من النَّار» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب. وَأخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا «من أعتق رَقَبَة أعتق الله بِكُل عُضْو من ذَلِك عضوا من النَّار» . فَائِدَة: الفكاك بِفَتْح الْفَاء وَيُقَال بِكَسْرِهَا فِي لُغَة، وَهُوَ الْخَلَاص. وَقَوله «تجزي» هُوَ بِفَتْح التَّاء غير مَهْمُوز مَعْنَاهُ يَنُوب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 704 الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم عَلَيْهِ العَبْد قيمَة عدل فَأعْطَى شركاءه حصصهم وَعتق عَلَيْهِ العَبْد، وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق» وَفِي رِوَايَة «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد عتق مَا بَقِي فِي مَاله إِذا كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد» . وَفِي رِوَايَة «إِذا كَانَ العَبْد بَين اثْنَيْنِ فَعتق أَحدهمَا نصِيبه وَكَانَ لَهُ مَال فقد عتق كُله» وَفِي رِوَايَة «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ لَهُ [مَال] يبلغ ثمن العَبْد فَهُوَ عَتيق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح بِكُل هَذِه الرِّوَايَات فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أعتق شركا لَهُ فِي عبدٍ فَكَانَ لَهُ مَال ... » فَذَكَرَاهُ بِمثل رِوَايَته الثَّانِيَة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ «ورق مَا بَقِي» . وَقَالَ ابْن حزم: أقدم بَعضهم فَزَاد هَذِه اللَّفْظَة، وَهِي مَوْضُوعَة مكذوبة لَا نعلم أحدا رَوَاهُ لَا ثِقَة وَلَا ضَعِيف. وَمِنْهَا أَيْضا «من أعتق عبدا بَين اثْنَيْنِ فَإِن كَانَ مُوسِرًا قوم عَلَيْهِ ثمَّ يعْتق» وَمِنْهَا أَيْضا «من أعتق عبدا بَينه وَبَين آخر قوم فِي مَاله قيمَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 705 عدل لَا وكس عَلَيْهِ وَلَا شطط، ثمَّ عتق عَلَيْهِ فِي مَاله إِن كَانَ مُوسِرًا» . وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ «من أعتق شركا فِي مَمْلُوك وَجب عَلَيْهِ أَن يعْتق كُله، وَإِن كَانَ لَهُ مَال قدر ثمنه يقوم قيمَة عدل وَيُعْطَى شركاؤه حصصهم، ويخلى سَبِيل الْمُعْتق» . وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا «من أعتق نَصِيبا لَهُ فِي مَمْلُوك - أَو شركا لَهُ فِي عبد - وَكَانَ لَهُ من المَال مَا يبلغ قِيمَته بِقِيمَة الْعدْل فَهُوَ عَتيق» . وَفِي رِوَايَة لمُسلم «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد عتق مَا بَقِي فِي مَاله إِذا كَانَ لَهُ مَال» يُقَال: إِنَّه من كَلَام الزُّهْرِيّ لَيْسَ مَرْفُوعا. وَفِي رِوَايَة لمُسلم أَيْضا «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد أقيم عَلَيْهِ قيمَة الْعدْل فَأعْطِي شركاؤه حصصهم وَعتق العَبْد» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «من أعتق شركا فِي مَمْلُوك فَعَلَيهِ عتقه كُله إِن كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمنه، وَإِن لم يكن لَهُ مَال أعتق نصِيبه» وَفِي رِوَايَة لَهُ «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد عتق مَا بَقِي إِن كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد» . وَفِي رِوَايَة للنسائي بِزِيَادَة جَابر «من أعتق عبدا وَله فِيهِ شركه وَله رفاق فَهُوَ حر وَضمن نصيب شركائه (بِقِيمَتِه كَمَا أَسَاءَ) من مشاركتهم وَلَيْسَ عَلَى العَبْد شَيْء» . قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهِي حَسَنَة لَا صَحِيحَة؛ لِأَن فِيهَا سُلَيْمَان بن مُوسَى، قَالَ خَ: مُنكر لَا أروي عَنهُ شَيْئا، وَرَوَى أَحَادِيث مَنَاكِير وَقَالَ ت فِي «علله» : الجزء: 9 ¦ الصفحة: 706 هُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث لَا أعلم أحدا من أهل الْعلم من الْمُتَقَدِّمين من تكلم فِيهِ. قلت: أخرج ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» هَذَا الحَدِيث سندًا ومتنًا وَزَاد «بِقِيمَة عدل» . وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا «إِذا كَانَ للرجل شرك فِي غُلَام، ثمَّ أعتق نصِيبه وَهُوَ حَيّ أقيم عَلَيْهِ قيمَة عدل فِي مَاله، ثمَّ أعتق» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيست هَذِه اللَّفْظَة فِي كل حَدِيث. الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَا يَجْزِي ولدٌ وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح (أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» ) بِهَذَا اللَّفْظ وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي بَاب خِيَار الْمجْلس أَيْضا كَمَا عَلمته هُنَاكَ، وَورد حَدِيث عَام فِي ذَلِك لَهُ طَرِيقَانِ جيدان (كَانَ رُوِيَ من طَرِيق عَائِشَة بِإِسْنَاد ضَعِيف [و] من حَدِيث عَلّي بإسنادٍ ساقطٍ) . الطَّرِيق الأول: عَن الْحسن عَن سَمُرَة مَرْفُوعا «من ملك ذَا رحم محرم فهر حر» . رَوَاهُ أَحْمد وَالْأَرْبَعَة وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «فَهُوَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 707 عَتيق» وَقد سلف الْكَلَام فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة وَاضحا فِي آخر بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يحدث بِهَذَا الحَدِيث عَن الْحسن إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة، وَقد شكّ فِيهِ. قَالَ: وَشعْبَة أحفظ من حَمَّاد، يَعْنِي أَن شُعْبَة رَوَاهُ مُرْسلا. قَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ أَبُو دَاوُد من هَذَا [أَن] الحَدِيث لَيْسَ بمرفوع أَو لَيْسَ بِمُتَّصِل إِنَّمَا هُوَ عَن الْحسن عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه مُسْندًا إِلَّا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة. ثمَّ يشك فِيهِ ثمَّ يُخَالِفهُ غَيره فِيهِ من هم أحفظ مِنْهُ وَجب التَّوَقُّف فِيهِ، وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ضَمرَة بن ربيعَة، عَن سُفْيَان، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك وَالنَّسَائِيّ بِلَفْظ «من ملك ذَا رحم فَهُوَ عَتيق» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر وَلَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ عَن سُفْيَان غير ضَمرَة بن ربيعَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لم يُتَابع ضَمرَة عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث خطأ عِنْد أهل الحَدِيث. وَأما الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ إِثْر الطَّرِيقَة الْمُتَقَدّمَة: وَرُوِيَ بِإِسْنَاد آخر وهم فِيهِ رَاوِيه ... ثمَّ ذكره من حَدِيث ضَمرَة عَن الثَّوْريّ كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان - يَعْنِي الطَّبَرَانِيّ -: لم يروه عَن سُفْيَان إِلَّا ضَمرَة. ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم فَاحش وَالْمَحْفُوظ بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيث «نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 708 هِبته» . وَلقَائِل أَن يَقُول لَيْسَ انْفِرَاد ضَمرَة بِهِ دَلِيلا عَلَى أَنه غير مَحْفُوظ، وَلَا يُوجب ذَلِك عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ من الثِّقَات المأمونين لم يكن بِالشَّام رجل يُشبههُ، كَذَا قَالَ ابْن حَنْبَل. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة مَأْمُونا لم يكن أفضل مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس: كَانَ فَقِيه أهل فلسطين فِي زَمَانه. والْحَدِيث إِذا انْفَرد بِهِ [ثِقَة] كَانَ صَحِيحا وَلَا يضرّهُ تفرده، فَلَا أَدْرِي من أَيْن وهم فِي هَذَا الحَدِيث رَاوِيه. وَيُؤَيّد هَذَا أَن الْحَاكِم أَبَا عبد الله شيخ الْبَيْهَقِيّ أخرج حَدِيث ضَمرَة هَذَا ثمَّ قَالَ: وَحدثنَا أَبُو عَلّي بِإِسْنَادِهِ سَوَاء «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» ثمَّ قَالَ: هما محفوظان وَحَدِيث ضَمرَة صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَشَاهده حَدِيث سَمُرَة. وَقَالَ: وَهُوَ مَحْفُوظ صَحِيح. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : علل هَذَا الحَدِيث بِأَن ضَمرَة تفرد بِهِ وَلم يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين لَيْسَ انْفِرَاد ضَمرَة بِهِ عِلّة فِيهِ؛ لِأَن ضَمرَة ثِقَة، والْحَدِيث صَحِيح إِذا أسْندهُ ثِقَة. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا صَوَاب، وعني عبد الْحق «بِبَعْض الْمُتَأَخِّرين» ابْن حزم فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا خبر صَحِيح تقوم بِهِ الْحجَّة كل من رُوَاته ثِقَات، وَإِذا انْفَرد بِهِ ضَمرَة كَانَ لَا يضر فَإِذا ادعوا أَنه أَخطَأ فِيهِ فَبَاطِل؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا برهَان. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : رَوَى ضَمرَة هَذَا الحَدِيث. وخطي [فِيهِ] وَلم يلْتَفت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 709 بَعضهم لذَلِك لكَون ضَمرَة ثِقَة لَا يضر انْفِرَاده بِهِ. قلت: فَإِن قيل قد رَوَى ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا أَيْضا. قلت: الرّفْع مقدم؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة. فَإِن قيل: قد روياه أَيْضا عَن قَتَادَة عَن عمر وَهَذَا مُرْسل؛ لِأَن قَتَادَة لم يسمع من عمر فَإِن و [وَفَاة] قَتَادَة بعد وَفَاة عمر بنيف وَثَلَاثِينَ سنة. قلت قد علم مَا فِي تعَارض الْوَصْل والإرسال وَالصَّحِيح أَن الْوَصْل مقدم؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة وَهِي مَقْبُولَة مُوَافقَة. الحَدِيث الْخَامِس رُوِيَ «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَقرع فِي قسْمَة بعض الْغَنَائِم بالبعر» . وَرُوِيَ «أَنه أَقرع مرّة بالنوى» . هَذَا الحَدِيث لَا أعرفهُ بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي «مشكلات الْوَسِيط» [لَيْسَ] لهَذَا الحَدِيث صِحَة. الحَدِيث السَّادِس عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ عِنْد مَوته، لم يكن لَهُ مَال غَيرهم، فَدَعَاهُمْ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فجزأهم أَثلَاثًا، ثمَّ أَقرع بَينهم، وَأعْتق اثْنَيْنِ وأرق أَرْبَعَة، وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد كَرَّرَه الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَذكره أَيْضا فِي كتاب الْوَصَايَا كَمَا تقدم فِي بَابه، وَأخرجه مُسلم فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 710 «صَحِيحه» بِهَذِهِ الْحُرُوف وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رجلا من الْأَنْصَار أَوْصَى عِنْد مَوته فَأعتق سِتَّة مملوكين ... » وأسهم فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ الْمُفَسّر فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة وَعند الإِمَام أَحْمد «فجَاء ورثته من الْأَعْرَاب فَأخْبرُوا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بذلك ... » وَذكر الحَدِيث. قَالَ عبد الْحق: القَوْل الشَّديد الْمُتَقَدّم فِي رِوَايَة مُسلم هُوَ وَالله أعلم مَا ذكره النَّسَائِيّ عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن أَيْضا أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِيهِ فِي هَذِه الْقِصَّة «لقد هَمَمْت أَن لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ ... » قلت: وَيحْتَمل أَن يكون السَّبَب فِي ذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي آخر هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لَو شهدته قبل أَن يدْفن لم يقبر فِي مَقَابِر الْمُسلمين» وَقد ذكرنَا هَذَا وَاضحا بِزِيَادَة فِي كتاب الْوَصَايَا، وَمِمَّا لم نقدمه هُنَاكَ أَن أَحْمد خرج هَذَا الحَدِيث أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن أَخطب وَهُوَ غَرِيب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي حَدِيث عمرَان «أَنه كَانَت قيمتهم مُتَسَاوِيَة» . قلت: لم أره فِي طَرِيق من طرق هَذَا الحَدِيث مَعَ انتشارها، لكنه الظَّاهِر، بل عِنْدِي أَنه لَا يحْتَاج إِلَى التَّنْصِيص عَلَى ذَلِك فِي الحَدِيث. وَقَالَ الرَّافِعِيّ بعد هَذَا: وَقد سبق فِي النِّكَاح أَن من نكح أمة غر بحريتها فَأَتَت مِنْهُ بِولد ينْعَقد الْوَلَد حرًّا وَيجب للمغرور قِيمَته لمَالِك الْأمة. قَالَ: وأجمعت الصَّحَابَة عَلَى وجوب الضَّمَان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 711 قلت: الَّذِي يحضرني من هَذَا الْإِجْمَاع مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب من قَالَ يرجع الْمَغْرُور بِالْمهْرِ وَقِيمَة الْأَوْلَاد عَلَى الَّذِي غرَّ «بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِي أخبرنَا مَالك أَنه بلغه أَن عمر أَو عُثْمَان قَضَى أَحدهمَا فِي أمة غرت بِنَفسِهَا رجلا فَذكرت أَنَّهَا حرَّة، فَولدت أَوْلَادًا فَقَضَى أَن يفْدي وَلَده بمثلهم» قَالَ مَالك: وَذَلِكَ يرجع [إِلَى] الْقيمَة؛ لِأَن العَبْد لَا يُؤْتَى بِمثلِهِ وَلَا نَحوه فَلذَلِك يرجع إِلَى الْقيمَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 712 بَاب الْوَلَاء ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا أما الْأَحَادِيث فثمانية: أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِن الْوَلَاء لمن أعتق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عَائِشَة فِي قصَّة بَرِيرَة من طرق كَثِيرَة وَهُوَ حَدِيث عَظِيم كثير السّنَن والآداب، وَقد أفرده النَّاس بالتصنيف وبالغوا فِي الاستخراج مِنْهُ عَلَى ثَلَاثمِائَة حكم وَأكْثر، وَقد لخصت مِنْهَا جملَة فِي «شرح الْعُمْدَة» فَرَاجعه مِنْهَا وَمِمَّنْ صنف فِي ذَلِك إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة رَحِمَهُ اللَّهُ. الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ [الْبَيْهَقِيّ] فِي «سنَنه» عَن الْحَاكِم وَغَيره عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 713 الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي - وَهُوَ فِي «مُسْنده» - عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن الْفَقِيه، عَن يَعْقُوب أبي يُوسُف القَاضِي، عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي عقب [هَذَا الحَدِيث:] هَذَا خطأ؛ لِأَن الثِّقَات لم يرووه هَكَذَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْحسن مُرْسلا. ثمَّ رَوَاهُ - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ - عَن الْحَاكِم وَغَيره عَن الْأَصَم، عَن يَحْيَى بن أبي طَالب، عَن يزِيد [بن] هَارُون، عَن هِشَام بن حسان، عَن الْحسن، عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكره بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من أوجه أخر كلهَا ضَعِيفَة. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن ضَمرَة، عَن سُفْيَان، عَن ابْن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، قَالَ سُلَيْمَان بن أَحْمد - يَعْنِي الطَّبَرَانِيّ -: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان إِلَّا ضَمرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن ضَمرَة كَمَا رَوَاهُ يَعْنِي [الْجَمَاعَة «نهَى] عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» وَكَأن الْخَطَأ وَقع من غَيره. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن يَحْيَى بن سليم، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم من يَحْيَى بن سليم أَو من دونه فِي الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا، فَإِن الْحفاظ إِنَّمَا رَوَوْهُ عَن عبيد الله بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 714 ابْن [عمر] مَرْفُوعا «نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» . قلت: وَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» أَن هَذَا هُوَ الصَّحِيح [قَالَ] الْبَيْهَقِيّ: وَأخرجه مُسلم - يَعْنِي حَدِيث «نهَى عَن بيع وَوَلَاء» - من وَجه آخر عَن عبيد الله فِي البيع. قَالَ: وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب، عَن يَحْيَى بن سليم عَلَى الْوَهم فِي إِسْنَاده دون مَتنه، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيمَا بَلغنِي عَنهُ: سَأَلت البُخَارِيّ فَقَالَ: يَحْيَى بن سليم أَخطَأ فِي حَدِيثه، إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر، وَعبد الله بن دِينَار تفرد بِهَذَا الحَدِيث يَعْنِي بِاللَّفْظِ الْمَشْهُور. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة عَن أبي حسان الزيَادي، عَن يَحْيَى بن سليم، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب» . قَالَ: وَهَذَا اخْتِلَاف ثَالِث عَلَى يَحْيَى بن سليم وَكَانَ سيئ الْحِفْظ كثير الْخَطَأ. قلت: قد تَابعه عَلَى هَذِه الرِّوَايَة مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي كَذَلِك أخرجه الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيثه كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى فِي ذَلِك عَن عبد الله بن نَافِع بِإِسْنَادَيْنِ وهم فيهمَا، وَاخْتلف عَلَيْهِ فيهمَا. قَالَ: وَرَوَى عَن يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قَالَ: [وَلَيْسَ] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 715 الزُّهْرِيّ فِيهِ أصل، وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة ضَعِيف بِمرَّة، وَإِنَّمَا يروي هَذَا اللَّفْظ مُرْسلا كَمَا قدمنَا ذكر. قَالَ: (وَيروَى عَمَّن دون ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة) وَعَن عَلّي مَرْفُوعا «الْوَلَاء بِمَنْزِلَة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» هَذَا ملخص مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ فِي بَاب «الْمِيرَاث بِالْوَلَاءِ» بعد أَن رَوَاهُ مُرْسلا عَن الْحسن: رُوِيَ مَوْصُولا من وَجه آخر عَن ابْن عمر وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَذكر الْعقيلِيّ عبد الله بن دِينَار فِي ضُعَفَائِهِ؛ لأجل انْفِرَاده بِهَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حجَّة بِإِجْمَاع فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَخَالفهُ جماعات فصححوه مِنْهُم شَيْخه أَبُو عبد الله الْحَاكِم، فَإِنَّمَا خرجه فِي «مُسْتَدْركه» بِسَنَد الْبَيْهَقِيّ الْمُتَقَدّم أَولا ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَقد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن حمدَان، حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن مهْرَان، ثَنَا مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء لحْمَة من النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَمِنْهُم الإِمَام أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» عَن أبي يعْلى الْموصِلِي قَالَ: قَرَأَ عليّ بشر بن الْوَلِيد، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد الله بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء (لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَهَذِه الرِّوَايَة مُخَالفَة) لجَمِيع مَا تقدم إِذْ فِيهَا [عبيد الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 716 بن عمر، عَن] عبد الله بن دِينَار وَقد تَابع بشرا عَلَى ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن فَرَوَاهُ عَن أبي يُوسُف كَذَلِك. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه «الْمعرفَة» : وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْوَلَاء عَن أبي يُوسُف عَن عبيد الله بن عمر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر - بِخِلَاف - مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَالْحَاكِم كَمَا تقدم عَن مُحَمَّد بن الْحسن وَمِنْهُم ابْن خُزَيْمَة فَإِنَّهُ أخرجه فِي «صَحِيحه» وَمِنْهُم الْحَافِظ عبد الْحق فَإِنَّهُ ذكره فِي «أَحْكَامه» من رِوَايَة يَحْيَى بن سليم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَسكت عَلَيْهِ وسكوته قَاض بِصِحَّة الحَدِيث عَلَى مَا قدره فِي خطْبَة كِتَابه وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» فَإِنَّهُ عزاهُ فِيهِ إِلَى أبي يعْلى وصحيح ابْن حبَان وَسكت عَنْهُمَا وَمن الغرائب عبارَة الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك» عقب قَول الْحَاكِم: «هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد» . قلت: بِالسَّيْفِ وَأَشَارَ إِلَى الْإِنْكَار عَلَى الْحَاكِم، وَفِي ذهنه مقَالَة الْبَيْهَقِيّ الَّتِي ذَكرنَاهَا وَلِهَذَا الحَدِيث مخرج آخر لم يَعْتَرِيه أحد من مصنفي الْأَحْكَام ورجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات. قَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْآثَار» : حَدثنِي مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى [يعْنى الطباع، ثَنَا عَبْثَر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 717 بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن عبد الله] بن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَهَذَا يرد قَول الْبَيْهَقِيّ: «رَوَى من أوجهٍ أخر كلهَا ضَعِيفَة» وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن أبي أوفي: أَحْمد بن إِسْحَاق، نَا عَلّي بن مُحَمَّد بن جبلة، ثَنَا يَحْيَى هَاشم، [عَن إِسْمَاعِيل] بن أبي خَالِد، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب» قَالَ وَرَوَاهُ عبيد بن الْقَاسِم عَن إِسْمَاعِيل وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا عَن سَلمَة بن سهل، عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، عَن عتبَة بن الْقَاسِم، بِهِ سَوَاء، وَذكره من أَصْحَابنَا الْفُقَهَاء الْمَاوَرْدِيّ من حَدِيثه عَن عتبَة بِهِ سَوَاء ثمَّ قَالَ: وإرسال هَذَا الحَدِيث أثبت (إِسْنَادًا) . وَهَذَا الحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ فِيمَا مَضَى من كتَابنَا هَذَا فِي تناسب بَيَان الْأَوْلِيَاء وأحكامهم حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ ووعدنا هُنَاكَ أَنا أَن وصلنا إِلَى هَذَا الْمَكَان تريده إيضاحًا وَقد وفْق الْكَرِيم لذَلِك وَله الحمدُ الْمِنَّة ونقلنا هُنَاكَ أَن النَّوَوِيّ نقل فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» عَن جُمْهُور أهل اللُّغَة أَنهم ضبطوا اللحمة فِي هَذَا الحَدِيث بِضَم اللَّازِم وَأَن الْأَزْهَرِي حَكَى عَن ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره فتح اللَّازِم وَأَن الْأَزْهَرِي قَالَ إِن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث قرَابَة كقرابة النّسَب وَكَذَا قَالَه الإِمَام الرَّافِعِيّ هُنَا إِلَى اللُّغَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 718 المنقولة عَن ابْن الْأَعرَابِي فَقَالَ وَفِي «الصِّحَاح» : اللحمة بِالضَّمِّ الْقَرَابَة ولحمة الثَّوْب تضم وتفتح وَكَذَا لحْمَة الصَّيْد. وَحَكَى ابْن الْأَثِير أَنَّهَا فِي النّسَب [بِالضَّمِّ، وَفِي الثَّوْب] تضم وتفتح، قَالَ: وَقيل فِي الثَّوْب بِالْفَتْح وَحده وَقيل فِي النّسَب وَفِي الثَّوْب بِالْفَتْح، فَأَما (بِالْفَتْح) فَمَا يصاد بِهِ الصَّيْد، وَقَوله: «لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» يَعْنِي أَن نَفْس الْوَلَاء لَا ينْتَقل من شخص إِلَى شخص بعوض وَبِغير عوض. الحَدِيث الثَّالِث «يرْوَى النَّهْي عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة د ت ق ن وقبلهم الإمامان مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» وَأحمد فِي «الْمسند» من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَعجب من الرَّافِعِيّ كَيفَ أوردهُ بِهَذِهِ الصّفة وَهِي لفظ «يرْوَى» وَهُوَ بِهَذِهِ المثابة من الصِّحَّة وَأنكر ابْن وضاح أَن يكون نَهْيه من كَلَام النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 719 الحَدِيث الرَّابِع أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «لن يَجْزِي والدًا وَلَده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه» . هَذَا الحَدِيث كَمَا عَرفته فِي الْبَاب قبله. الحَدِيث الْخَامِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «مولَى الْقَوْم مِنْهُم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَصَححهُ من حَدِيث أبي رَافع قَالَ: بعث رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رجلا عَلَى الصَّدَقَة من بني مَخْزُوم، قَالَ أَبُو رَافع: فَقَالَ لي اصحبني فَإنَّك [تصيب] مِنْهَا معي قلت حَتَّى أسأَل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَانْطَلق إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ موَالِي الْقَوْم من أنفسهم وَإِنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ «مولَى الْقَوْم مِنْهُم» كَمَا فِي الْكتاب، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ هُنَا وَفِي قسم الصَّدقَات «موَالِي» بِالْألف، وَالَّذِي رَأَيْت فِي كتب الحَدِيث «مولَى» بحذفها، وَهَذَا الحَدِيث سلف أَيْضا وَاضحا فِي كتاب قسم الصَّدقَات، وَذَكَرْنَاهُ هُنَا لبعد الْعَهْد بِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 720 الحَدِيث السَّادِس أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل، قَضَاء الله أَحَق، وَشرط الله أوثق، وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي حَدِيث بَرِيرَة «أَنَّهَا كاتبت أَهلهَا عَلَى تسع أَوَاقٍ ذهب، وَجَاءَت إِلَى عَائِشَة فَقَالَت: أعينيني فِي كتابتي. فَقَالَت لَهَا عَائِشَة: ارجعي إِلَى أهلك فَإِن أَحبُّوا أَن أَقْْضِي عَنْك كاتبتك وَيكون ولاؤك لي فعلت. فَذكرت ذَلِك بَرِيرَة لأَهْلهَا وأبوا إِلَّا أَن يكون لَهُم الْوَلَاء، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اشتريها واعتقيها فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق» ثمَّ قَامَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَطِيبًا فَقَالَ: «كل شَرط ... » إِلَى آخِره بِمثل مَا ذكر المُصَنّف. الحَدِيث السَّابِع «أَن بِنْتا لِحَمْزَة أعتقت جَارِيَة، فَمَاتَتْ الْجَارِيَة عَن بنت وَعَن الْمُعتقَة، فَجعل النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نصف مِيرَاثهَا للْبِنْت وَالنّصف للمعتقة» . هَذَا الحَدِيث سلف وَاضحا فِي كتاب الْفَرَائِض حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ، وَذكرنَا هُنَاكَ اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِي أَن الْمُعْتق كَانَ لِحَمْزَة أَو لابنته، وَذكرنَا هُنَاكَ عدَّة أَقْوَال فِي اسْم ابْنة حَمْزَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 721 الحَدِيث الثَّامِن أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد، وعدّ مِنْهَا الطَّلَاق» . هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه مَبْسُوطا فِي كتاب الطَّلَاق وَأَنه بِهَذَا اللَّفْظ أَعنِي الْعتاق غَرِيب لَا يَصح ويتهيأ هُنَا عَلَى غلط وَقع لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِيهِ فأغنى ذَلِك عَن الْإِعَادَة. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه. وَأما آثاره فسبعة: أَحدهَا: عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «إِذا كَانَت الْحرَّة تَحت الْمَمْلُوك فَولدت [لَهُ] ولدا فَإِنَّهُ يعْتق بِعِتْق أمه، وَوَلَاؤُهُ لموَالِي أمه، فَإِذا أعتق الْأَب جر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أَبِيه» . وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَمِنْه نقلته، ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَقد رُوِيَ موصلاً ... فَذكره من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَنهُ أَنه قَالَ: «إِذا تزوج الْمَمْلُوك الْحرَّة فَولدت فولدها يعتقون بِعتْقِهَا وَيكون ولاؤهم لولاء أمّهم، فَإِذا أعتق الْأَب جر الْوَلَاء» . الثَّانِي: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه «أَن الزبير وَرَافِع بن خديج اخْتَصمَا إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - فِي مولاة كَانَت لرافع بن خديج كَانَت تَحت عبد فَولدت مِنْهُ أَوْلَادًا فَاشْتَرَى الزبير العَبْد فَأعْتقهُ، فَقَضَى عُثْمَان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - بِالْوَلَاءِ للزبير» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَا وَمِنْه نقلته ثمَّ قَالَ: (هَذَا) هُوَ الْمَشْهُور عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 722 عُثْمَان وَرَوَى الزُّهْرِيّ عَن عُثْمَان بِخِلَافِهِ مُنْقَطِعًا وَإِنَّمَا الْوَلَاء لَا يجر فَذكرهَا الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ ثمَّ قَالَ وَالرِّوَايَة الأولَى من عُثْمَان اصح بشواهدها قَالَ: ومراسيل الزُّهْرِيّ ردية. الثَّالِث: أَن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قَضَى فِي عبد كَانَت تَحْتَهُ حرَّة فَولدت أَوْلَادًا فعتقوا بعتاقة أمّهم، ثمَّ أعتق أبوهم بعد أَن ولاءهم لعصبة أَبِيهِم. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة عَن ابْن هُبَيْرَة كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَالَ: وَأخْبرنَا ابْن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن يزِيد الرشك «أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يجر الْوَلَاء» . الرَّابِع: عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «العَبْد يجر وَلَاؤُه إِذا أعتق» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ الْأسود بن يزِيد: «كَانَ شُرَيْح يقْضِي بولاء وَلَده يَعْنِي لموَالِي الْأُم حَتَّى حَدثهُ الْأسود بقول ابْن مَسْعُود فَقَضَى بِهِ شُرَيْح» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ عَن الْأسود، وَقد رَوَى الحكم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «كَانَ شُرَيْح لَا يكَاد يرجع عَن قَضَاء قَضَى بِهِ حَتَّى حَدثهُ الْأسود بن يزِيد عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ فِي الْحرَّة تكون تَحت العَبْد فتلد لَهُ أَوْلَادًا ثمَّ يعْتق أبوهم أَنه يصير ولاؤهم إِلَى موالى أَبِيهِم فَأخذ بِهِ شُرَيْح» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون الْأسود حَدثهُ عَن عمر وَابْن مَسْعُود جَمِيعًا. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى مثل مقالتهم عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهَذَا هُوَ الْأَثر الْخَامِس وَفِيمَا تقدم عَن هَؤُلَاءِ كِفَايَة. الْأَثر السَّادِس وَالسَّابِع: عَن عمر وَعُثْمَان «أَن الْوَلَاء للكبر» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 723 رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن عمر وَعُثْمَان قَالَا: «الْوَلَاء للكبر» . وَقَالَ أَبُو دَاوُد: «ورد أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد وَابْن مَسْعُود يورثون الْكَبِير من الْوَلَاء» وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة أبنه صَالح: حَدِيث عمر مَرْفُوعا «مَا أحرز الْوَالِد أَو الْوَلَد فَهُوَ لعصبته من كَانَ» هَكَذَا يرويهِ عَمْرو بن شُعَيْب وَقد رُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد وَابْن مَسْعُود أَنهم قَالُوا: «الْوَلَاء للكبر» فَهَذَا الَّذِي يذهب إِلَيْهِ، وَهُوَ قَول أَكثر النَّاس فِيمَا بلغنَا. فَائِدَة: الظَّاهِر أَن المُرَاد من الْكبر الْأَقْرَب لَا الْأَكْبَر سنا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 724 كتاب التَّدْبِير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 725 كتاب التَّدْبِير ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين وأثارًا: الحَدِيث الأول عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا دبَّر غُلَاما لَهُ لَيْسَ لَهُ مَال غَيره، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام» . وَفِي رِوَايَة «أَن رجلا من الْأَنْصَار أعتق عبدا لَهُ عَن دبر مِنْهُ لَا مَال لَهُ غَيره وَعَلِيهِ دين، فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبَاعَهُ وَقَضَى الدَّين مِنْهُ وَدفع الْفضل إِلَيْهِ» . هَذَا الحَدِيث بالرواية الأولَى صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من طرق، أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع عَنهُ: أَحدهَا: فِي الْبيُوع بِلَفْظ أَن «رجلا أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبر فَاحْتَاجَ، فَأَخذه رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله بِكَذَا وَكَذَا فَدفعهُ إِلَيْهِ» . ثَانِيهَا: فِيهِ أَيْضا مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بَاعَ الْمُدبر» . ثَالِثهَا: فِي الاستقراض بِلَفْظ: «أعتق رجل غُلَاما لَهُ عَن دبر، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله فَأخذ ثمنه فَدفعهُ إِلَيْهِ» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 727 رَابِعهَا: فِي الْخُصُومَات بِلَفْظ «أَن رجلا أعتق عبدا لَيْسَ لَهُ مَال غَيره، فَرده رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فابتاعه مِنْهُ نعيم بن النحام» . خَامِسهَا: فِي كتاب الْأَيْمَان بِلَفْظ «أَن رجلا من الْأَنْصَار دبر مَمْلُوكا لَهُ، وَلم يكن لَهُ مَال غَيره، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: من يَشْتَرِي مني فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام بثمانمائة دِرْهَم، قَالَ جَابر: كَانَ عبدا قبطيًا مَاتَ عَام أول» . سادسها: - فِي الْإِكْرَاه كَذَلِك. سابعها: فِي الْعتْق بِلَفْظ «أعتق رجل منا عبدا [لَهُ] عَن دبر، فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِهِ فَبَاعَهُ، قَالَ جَابر: مَاتَ الْغُلَام عَام أول» وَأخرجه مُسلم فِي الْعتْق بِلَفْظ: «أَن رجلا من الْأَنْصَار أعتق غُلَاما [لَهُ] عَن دبر لم يكن لَهُ مَال غَيره، فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بثمانمائة دِرْهَم، فَدَفعهَا إِلَيْهِ، قَالَ جَابر: كَانَ عبدا قبطيًا مَاتَ عَام أول» وَفِي رِوَايَة «فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام، عبدا قبطيًا مَاتَ فِي إِمَارَة ابْن الزبير» وَأخرجه فِي الزَّكَاة أَيْضا بِلَفْظ «أعتق رجل من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 728 بني عذرة عبدا لَهُ عَن دبر، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أَلَك مَال غَيره؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله الْعَدوي بثمانمائة دِرْهَم، فجَاء بهَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَدَفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ: ابدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا، فَإِن فضل شَيْء فلأهلك، فَإِن فضل شَيْء عَن أهلك فلذي قرابتك، فَإِن فضل من قرابتك شَيْء فَهَكَذَا وَهَكَذَا. يَقُول: فَبين ذَلِك وَعَن يَمِينك وَعَن شمالك» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رجلا من الْأَنْصَار - يُقَال لَهُ أَبُو مَذْكُور - أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبرٍ - يُقَال لَهُ: أَبُو يَعْقُوب ... » وسَاق الحَدِيث بِمَعْنَاهُ. وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» «أعتق أَبُو مَذْكُور غُلَاما لَهُ يُقَال لَهُ يَعْقُوب القبطي ... » الحَدِيث، وَفِيه «فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام ختن عمر بن الْخطاب بثمانمائة دِرْهَم» . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد فِي الْعتْق «أَن رجلا أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبر مِنْهُ لم يكن لَهُ مَال غَيره فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -[فَبيع بسبعمائة دِرْهَم أَو بتسعمائة] » [وَفِي رِوَايَة] أَنْت أَحَق بِثمنِهِ وَالله غَنِي عَنهُ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَاعه بثمانمائة دِرْهَم فَدَفعهَا إِلَيْهِ قَالَ: إِذا كَانَ أحدكُم فَقِيرا فليبدأ بِنَفسِهِ، فَإِن كَانَ فِيهَا فضل فعلَى عِيَاله، فَإِن كَانَ فِيهَا فضل فعلَى ذِي قرَابَته - أَو قَالَ: عَلَى ذِي رَحمَه - وَإِن كَانَ فضلا فهاهنا وَهَاهُنَا» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 729 وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْبيُوع مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَاعَ الْمُدبر ... » وَمُطَولًا كَرِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد الْأَخِيرَة، وَرَوَاهُ فِي الزَّكَاة أَيْضا مطولا، وَرَوَاهُ مطولا فِي الْعتْق ومختصرًا، وَفِي بَعْضهَا «أَنْت أحْوج إِلَيْهِ» وَفِي بَعْضهَا «فَبَاعَهُ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بثمانمائة فَأعْطَاهُ وَقَالَ: دينك» وَفِي «بَعْضهَا أنفقها عَلَى عِيَالك فَإِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غَنِي فابدأ بِمن تعول» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام مُخْتَصرا، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» مطولا. هَذَا مَا حضرني من طرق الحَدِيث وَلم أر الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أوردهَا الإِمَام الرَّافِعِيّ من «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَضَى الدَّين مِنْهُ، ثمَّ دفع الْفضل إِلَيْهِ» وَقد طرق الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» طرقه فِي أوراق عدَّة، وَلم أر هَذَا فِيهَا بل فِي «الصَّحِيحَيْنِ» «أَنه دفع الثّمن إِلَيْهِ» كَمَا تقدم، وَفِي النَّسَائِيّ أَيْضا أَنه قَالَ لَهُ لما دَفعه إِلَيْهِ «اقْضِ دينك» وَقد تحمل رِوَايَة الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي أَنه قَضَى الدَّين مِنْهُ أَن المُرَاد أَمر بِقَضَائِهِ وَهُوَ شَائِع، وَهَذِه الرِّوَايَة صَرِيحَة فِي رد الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي «صَحِيحه» عَن جَابر «أَن رجلا من بني عذرة عتق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 730 مَمْلُوكا لَهُ عَن دبر مِنْهُ، فَبعث إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبَاعَهُ وَدفع ثمنه إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أبدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا، ثمَّ عَلَى أَبَوَيْك، ثمَّ عَلَى قريبك، ثمَّ هَكَذَا وَهَكَذَا» . تَنْبِيهَات: أَحدهَا: جَاءَ فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث «أَن الَّذِي دبر هَذَا الْغُلَام مَاتَ، فَبَاعَهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعد مَوته» رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمَا» عَن جَابر «أَن رجلا مَاتَ وَترك مُدبرا ودينًا فَأمر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن يبيعوه فِي دينه فباعوه بثمانمائة» قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» بعد أَن أخرجه من طَرِيق «الصَّحِيحَيْنِ» هَكَذَا سمعته من سُفْيَان عَامَّة دهري، ثمَّ وجدت فِي كتابي «دبر رجل منا غُلَاما فَمَاتَ» فإمَّا أَن يكون خطأ من كتابي أَو خطأ من سُفْيَان، فَإِن كَانَ من سُفْيَان فَابْن جريج أحفظ لحَدِيث أبي الزبير من سُفْيَان وَمَعَ [ابْن جريج] حَدِيث اللَّيْث وَغَيره، وَأَبُو الزبير يحد الحَدِيث تحديدًا يخبر فِيهِ بحياة الَّذِي دبره، وَحَمَّاد بن زيد مَعَ حَمَّاد بن سَلمَة وَغَيره أحفظ لحَدِيث عَمْرو بن دِينَار مَعَ سُفْيَان وَحده. قَالَ: وَقد يسْتَدلّ عَلَى حفظ الحَدِيث من خطئه بِأَقَلّ مِمَّا وجدته فِي [حَدِيث ابْن جريج وَاللَّيْث عَن أبي الزبير وَفِي حَدِيث حَمَّاد عَن عمر، وَغير حَمَّاد يرويهِ عَن عَمْرو كَمَا رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، وَقد أَخْبرنِي] غير وَاحِد مِمَّن لَقِي سُفْيَان قَدِيما أَنه لم يكن يدْخل فِي حَدِيثه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 731 «مَاتَ» وَعجب بَعضهم مني حِين أخْبرته أَنِّي وجدت فِي كتابي «مَاتَ» وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا خطأ عَنهُ أَو زلَّة مِنْهُ حَفظتهَا عَنهُ. قلت: وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ أخرج الحَدِيث من طَرِيق سُفْيَان وَفِيه: «أَن سَيّده مَاتَ» ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: قَول شريك فِي هَذَا الحَدِيث «مَاتَ» خطأ؛ لِأَن فِي حَدِيث الْأَعْمَش عَن سَلمَة بن كهيل «وَدفع إِلَيْهِ ثمنه وَقَالَ: اقْضِ دينك» وَكَذَا رَوَاهُ عَمْرو بن دِينَار وَأَبُو الزبير عَن جَابر «أَن سيد الْمُدبر كَانَ حيًّا يَوْم بيع الْمُدبر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يشك أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ فِي خطأ شريك فِي هَذَا، وَإِنَّمَا وَقع هَذَا الْخَطَأ لَهُ وَلغيره بِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة «أَن رجلا من الْأَنْصَار أعتق مَمْلُوكه إِن حدث بِهِ حدث فَمَاتَ، فدعى بِهِ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَبَاعَهُ من نعيم بن عبد الله أحد بني عدي بن كَعْب» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله: «إِن حدث بِهِ حدث فَمَاتَ» من شَرط الْعتْق وَلَيْسَ بِإِخْبَار عَن موت الْمُعْتق، وَمن هُنَا وَقع الْغَلَط لبَعض الروَاة من ذكر وَفَاة الرجل فِيهِ عِنْد البيع. قَالَ وَالَّذِي عَلَيْهِ تدل رِوَايَة الْجُمْهُور الْمُتَقَدّمَة. التَّنْبِيه الثَّانِي: قد جَاءَ فِي بعض رِوَايَات هَذَا الحَدِيث أَنه إِنَّمَا بَاعَ خدمَة الْمُدبر لَا نَفسه، فروَى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي أَنه قَالَ: شهِدت الحَدِيث من جَابر «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا أذن فِي خدمته» . وَفِي رِوَايَة (الْبَيْهَقِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «إِنَّمَا بَاعَ خدمَة الْمُدبر» ) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُرْسل. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مناظرة جرت لَهُ: هَذَا الحَدِيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 732 مَا رَوَاهُ عَن أبي جَعْفَر - فِيمَا علمت - أحد يثبت حَدِيثه، وَلَو رَوَاهُ من يثبت حَدِيثه مَا كَانَ فِيهِ حجَّة؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد وَصله عبد الْغفار بن الْقَاسِم عَن أبي جَعْفَر عَن جَابر وَعبد الْغفار هَذَا كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ يرميه بِالْوَضْعِ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» وَكذبه سماك بن حَرْب. قلت: هَذَا وهم، وَإِنَّمَا كذبه سماك الْحَنَفِيّ وَهُوَ سماك بن الْوَلِيد. قَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: سَمِعت شُعْبَة [يَقُول: سَمِعت] سماكًا الْحَنَفِيّ يَقُول لأبي مَرْيَم - يَعْنِي ابْن عبد الْغفار - فِي شَيْء ذكره: كذبت وَالله. وَوَصله أَيْضا أَبُو شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان عَن عُثْمَان بن عُمَيْر عَن أبي جَعْفَر عَن جَابر، وَأَبُو شيبَة ضَعِيف لَا يحْتَج بأمثاله. الثَّالِث: جَاءَ حَدِيث يُخَالف جَمِيع مَا تقدم وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُدبر لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَهُوَ حر من الثُّلُث» لكنه ضَعِيف ضعفه الْأَئِمَّة كَمَا سَيَأْتِي بعد هَذَا الحَدِيث. الرَّابِع: نعيم الَّذِي اشْتَرَى الْمُدبر الْمَذْكُور هُوَ بِضَم النُّون. والنحام بالنُّون وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ نعيم بن عبد الله الْقرشِي الْعَدوي، والنحام وَصفا لنعيم لَا لِأَبِيهِ، وَوَقع فِي بعض رِوَايَات مُسلم وَالْبُخَارِيّ «نعيم بن النحام» وَكَذَا وَقع فِي بعض كتب أَصْحَابنَا قبل، وَهُوَ غلط وَصَوَابه «نعيم النحام» والنحام هُوَ نعيم. وَقَالَ ابْن مَاكُولَا: ونعيم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 733 بن النحام بن عبد الله كَذَا يَقُوله أَصْحَاب الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: هُوَ النحام بِضَم النُّون وَتَخْفِيف الْحَاء، وَجعل نعيمًا النحام، وَجعل أَبَاهُ عبد الله. وَقَالَ: أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْحَاء. قَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» : وَوهم بَعضهم فَجعل العَبْد لإِبْرَاهِيم بن نعيم بن النحام، وَهَذَا تَصْحِيف، وَإِنَّمَا كَانَ عبدا لِابْنِ النحام، وَقيل لَهُ: النحام؛ للْحَدِيث الْمَشْهُور أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «دخلت الْجنَّة فَسمِعت نحمة نعيم فِيهَا» . والنَحمة بِفَتْح النُّون، والسَعلة بِفَتْح السِّين، وَقيل النحيحة المهدودة آخرهَا. قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب «المبهمات» : اسْم العَبْد الْمُدبر «يَعْقُوب» وَاسم سَيّده «أَبُو مَذْكُور» . قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد تقدم ذَلِك وَاضحا فِي طرق الحَدِيث، قَالَ الإِمَام أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ: لَا يعرف لِابْنِ عليَّة غلط قطّ إِلَّا فِي حَدِيث جَابر هَذَا، حَيْثُ جعل اسْم الْغُلَام اسْم الْمولى، وَاسم الْمولى اسْم الْغُلَام، وَقَول الْخَطِيب - رحمني الله وأياه -: «وَاسم سَيّده أَبُو مَذْكُور» إِن لم يكن علما فِيهِ شَاهد فِي الْعبارَة، وَصَوَابه أَن يُقَال: إِن ذَلِك كنيته، فَإِن ذَلِك كنيته جزما لَا خلاف فِي ذَلِك بَين أهل الْمَدِينَة، وَقد ذكر الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب «معرفَة الصَّحَابَة» أَن اسْم السَّيِّد «مَذْكُور القبطي» وَقَالَ: كَذَا رَوَاهُ سَلمَة بن كهيل عَن جَابر. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو أَيُّوب عَن أبي الزبير عَن جَابر وَقَالَ: اسْم الْغُلَام «يَعْقُوب» وَالَّذِي أعْتقهُ يُسمى «أَبُو مَذْكُور» قَالَ الْحَافِظ: وَكَأَنَّهُ الْأَصَح. وَوَقع فِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 734 «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» للنووي رَحِمَهُ اللَّهُ أَن اسْمه «أَبَا بكر» وَلَعَلَّه تَصْحِيف من النَّاسِخ، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَنه ذكره هُوَ فِي «شرح مُسلم» «ومختصر المبهمات» كَمَا ذكره الْخَطِيب، وَقد تَابعه عَلَى هَذَا الْغَلَط بعض من صنف فِي زَمَاننَا فنقله عَنهُ وَأقرهُ عَلَيْهِ. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفًا: «أَن الْمُدبر من الثُّلُث» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن عَلّي بن ظبْيَان، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «الْمُدبر من الثُّلُث» قَالَ الشَّافِعِي: قَالَ لي عَلّي بن ظبْيَان: كنت أحدث بِهِ مَرْفُوعا فَقَالَ لي أَصْحَابِي: لَيْسَ بمرفوع وَهُوَ مَوْقُوف عَلَى ابْن عمر، فوقفته قَالَ الشَّافِعِي: الْحفاظ يقفونه عَلَى ابْن عمر. قَالَ: وَلَا أعلم من أَدْرَكته من المفتيين اخْتلفُوا فِي أَن الْمُدبر وَصِيَّة من الثُّلُث. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عبيد الله الْكَاتِب [و] أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر وَجَمَاعَة قَالُوا: [نَا] عَلّي بن حَرْب، نَا عَمْرو بن عبد الْجَبَّار أَبُو مُعَاوِيَة الْجَزرِي، عَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 735 عَمه عُبَيْدَة بن حسان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمُدبر لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَهُوَ حر من الثُّلُث» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير عُبَيْدَة بن حسان وَهُوَ ضَعِيف، وَإِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عمر من قَوْله. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي «علله» عُبَيْدَة هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث. وَعَمْرو بن عبد الْجَبَّار لَا يعرف حَاله. قلت: وَقد اتّفق الْحفاظ عَلَى تَصْحِيح رِوَايَة الْوَقْف وتضعيف رِوَايَة الرّفْع، فَمن ذَلِك مَا تقدم عَن الشَّافِعِي وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَمن ذَلِك أَن الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا سُئِلَ عَنهُ فِي «علله» فَقَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا وَالْمَوْقُوف أصح. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي «الضُّعَفَاء» بعد رِوَايَته لَهُ: لَا يعرف هَذَا الحَدِيث إِلَّا بعلي بن ظبْيَان. وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى: مُنكر الحَدِيث وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا [الحَدِيث فَقَالَ أَبُو زرْعَة] حَدِيث بَاطِل. وَامْتنع من قِرَاءَته، وَقَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى ابْن عمر. وَقَالَ عبد الْحق: إِسْنَاد الرّفْع ضَعِيف وَالصَّحِيح الْوَقْف. وَبَين ذَلِك ابْن الْقطَّان فِي «علله» مُوَافقا لَهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات مَرْفُوعا، وَالصَّحِيح مَوْقُوف كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر مُرْسلا؛ فَرَوَاهُ عَن أبي قلَابَة «أَن رجلا أعتق عبدا لَهُ عَن دبر، فَجعله النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الثُّلُث» ثمَّ رَوَى عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 736 «أَنه كَانَ يَجعله من الثُّلُث» وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: «يعْتق من ثلثه» وَعَن شُرَيْح وَإِبْرَاهِيم مثل ذَلِك. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، عَن عَلّي بن ظبْيَان كَمَا تقدم مَرْفُوعا وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ. قَالَ: وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: هَذَا الحَدِيث خطأ. قلت: وَمُرَاد هما طَريقَة الرّفْع؛ فَإِن طَريقَة الْوَقْف صَحِيحَة كَمَا تقدم عَن الْحفاظ، وَوَقع فِي «الْهِدَايَة» عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة زِيَادَة غَرِيبَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: بعد «لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» : «وَلَا يُورث» وَهَذِه الْأَخِيرَة غَرِيبَة هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى الْحَدِيثين. وَأما الْآثَار فَثَلَاثَة: الأول: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أجَاز وَصِيَّة غُلَام لَهُ [عشر سِنِين» . هَذَا الْأَثر تقدم بَيَانه وَاضحا فِي آخر كتاب الْوَصَايَا. الثَّانِي: «أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها باعت مُدبرَة لَهَا سحرتها» . هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عمْرَة عَنْهَا، قَالَ الْحَاكِم: وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَتقدم بِلَفْظِهِ فِي بَاب دَعْوَى الدَّم والقسامة. الثَّالِث: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه دبر جاريتين [لَهُ] وَكَانَ يطؤهما» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 737 هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن نَافِع عَنهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 738 كتاب الْكِتَابَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 739 كتاب الْكِتَابَة ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة: أَحدهَا أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «من أعَان غارمًا أَو غازيًا، أَو مكَاتبا فِي كِتَابَته أظلهُ الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من كتاب حَدِيث سهل بن حنيف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَذكره فِي كتاب الْجِهَاد أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» من هَذِه الطَّرِيق، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» كَمَا أخرجه الْحَاكِم، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث حَيْثُ رَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عبد الله بن سهل بن حنيف [عَن سهل بن حنيف، وَرَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن سهل بن حنيف] أَيهمَا أصح؟ فَقَالَ: الطَّرِيقَة الأولَى. كَذَا رَأَيْته فِيهَا، وَلم يظْهر لي اخْتِلَاف الطَّرِيقَيْنِ فِي ذَلِك بل هِيَ متحدة فتأملها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 741 الحَدِيث الثَّانِي أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «الْمكَاتب عبدٌ مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» . هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا بعد هَذَا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده بِلَفْظ «مَا بَقِي عَلَيْهِ من كِتَابَته دِرْهَم» وَذكره بِلَفْظ «قنّ» بدل «عبد» وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور بِاللَّفْظِ الأول ومداره عَلَى عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. وَلكنه رُوِيَ من طرق مُتَكَلم فِي بَعْضهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» بِاللَّفْظِ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن سُلَيْمَان بن سليم الْكِنَانِي، عَنهُ. وَإِسْمَاعِيل هَذَا فِيهِ مقَال، لَكِن قَالَ أَحْمد: مَا رَوَى عَن الشاميين فَهُوَ صَحِيح. وَسليمَان هَذَا الَّذِي رَوَى عَنهُ حمصي فَالْحَدِيث إِذن صَحِيح، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «الرَّوْضَة» : إِنَّه حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عَبَّاس الْجريرِي عَنهُ بِلَفْظ: «أَيّمَا عبد كَاتب عَلَى مائَة أُوقِيَّة فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ فَهُوَ عبد، وَأَيّمَا عبد كَاتب عَلَى مائَة دِينَار فأداها إِلَّا عشرَة دَنَانِير فَهُوَ عبد» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث الْعَلَاء الْجريرِي عَنهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من حَدِيث عَبَّاس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 742 الْجريرِي بِلَفْظ: «أَيّمَا عبد كُوتِبَ عَلَى ألف أوقيه فاداها [إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ فَهُوَ عبد، وَأَيّمَا مكَاتب كُوتِبَ عَلَى مائَة دِينَار فأداها] إِلَّا عشرَة دَنَانِير فَهُوَ عبد» ثمَّ قَالَ: هَذَا [حَدِيث] صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم فِي «صَحِيحه» عَن عمر بن مُحَمَّد الْهَمدَانِي، نَا عَمْرو بن عُثْمَان، نَا الْوَلِيد، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عَطاء، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا نسْمع مِنْك أَحَادِيث أفتأذن لنا أَن نكتبها؟ قَالَ: نعم. فَكَانَ أول مَا كتب كتاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أهل مَكَّة: لَا يجوز شَرْطَانِ فِي بيع وَاحِد، وَلَا بيع وَسلف جَمِيعًا، وَلَا بيع مَا لم يضمن، وَمن كَانَ مكَاتبا عَلَى مائَة دِرْهَم فقضاها [إِلَّا عشرَة دَرَاهِم فَهُوَ عبد، أوعلى مائَة أُوقِيَّة فقضاها] إِلَّا أُوقِيَّة فَهُوَ عبد» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَنهُ مَرْفُوعا وَلَفْظهمَا: «أَيّمَا عبد كُوتِبَ عَلَى مائَة أُوقِيَّة فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ ثمَّ عجز فَهُوَ رَقِيق» ثمَّ قَالَ النَّسَائِيّ: حجاج ضَعِيف لَا يحْتَج بحَديثه. وَرَوَاهُ أَحْمد من هَذِه الطَّرِيق وَاللَّفْظ إِلَّا أَنه قَالَ: «فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ» فَهُوَ رَقِيق وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي أنيسَة عَنهُ وَلَفظه: عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - يخْطب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 743 يَقُول: «من كَاتب عَبده عَلَى مائَة أُوقِيَّة فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ - أَو قَالَ عشرَة دَرَاهِم - ثمَّ عجز فَهُوَ رَقِيق» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي «التَّذْكِرَة» : يَحْيَى هَذَا كَذَّاب. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن حبَان السالف عَمَّن رَوَاهُ عَن عَمْرو بن عُثْمَان بِهِ: «يَا رَسُول الله، إِنَّا نسْمع مِنْك أَحَادِيث فتأذن لنا أَن نكتبها؟ قَالَ: نعم. فَكَانَ أول مَا كتب كتاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أهل مَكَّة: لَا يجوز شَرْطَانِ فِي بيع وَاحِد، وَلَا بيع وَسلف، وَلَا بيع مَا لم يضمن، وَمن كَانَ مكَاتبا عَلَى مائَة دِرْهَم فقضاها إِلَّا عشرَة دَرَاهِم فَهُوَ عبد، أَو عَلَى مائَة أُوقِيَّة فقضاها إِلَّا أُوقِيَّة فَهُوَ عبد» قَالَ النَّسَائِيّ هَذَا حَدِيث مُنكر، وَهُوَ عِنْدِي خطأ. وَقَالَ ابْن حزم عَطاء هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِي، وَلم يسمع من عبد الله بن عَمْرو. وَكَذَلِكَ قَالَ عبد الْحق. طَرِيق آخر: رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر مَرْفُوعا «الْمكَاتب مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» ذكره من حَدِيث عبد الْبَاقِي بن قَانِع - وَقَالَ: رَاوِي الْكَذِب - عَن مُوسَى بن زَكَرِيَّا، عَن عَبَّاس بن مُحَمَّد، عَن أَحْمد بن يُونُس، عَن هشيم، عَن جَعْفَر بن إِيَاس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر فَذكره ثمَّ قَالَ: هَذَا خبر مَوْضُوع بِلَا شكّ لم نعرفه قطّ من حَدِيث عَبَّاس بن مُحَمَّد، وَلَا من حَدِيث أَحْمد بن يُونُس [وَلَا من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 744 حَدِيث هشيم وَلَا] من حَدِيث جَعْفَر بن إِيَاس، وَلَا من حَدِيث نَافِع، وَلَا من حَدِيث ابْن عمر، إِنَّمَا يعرف من قَول ابْن عمر وَغَيره، وَلَا يُدْرَى من مُوسَى بن زَكَرِيَّا أَيْضا. وَقد رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ إِلَى معبد الْجُهَنِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» . ثمَّ قَالَ: ابْن حزم وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَجَابِر وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» . ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح عَن أحد مِنْهُم؛ لِأَنَّهُ [عَن] عمر من طَرِيق الْحجَّاج بن أَرْطَاة - وَهُوَ هَالك - عَن ابْن أبي مليكَة مُرْسل [و] من طَرِيق مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي وَهُوَ مثله أَو دونه. وَعَن سعيد بن الْمسيب من طَرِيق ابْن عمر مُرْسل. وَمن طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ أَن عمر. وَمن طَرِيق ابْن وهب عَن رجال من أهل [الْعلم] أَن عمر وَعُثْمَان وَجَابِر بن عبد الله. وَالَّتِي عَن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من طَرِيق عمر بن قيس سندل وَهُوَ ضَعِيف [وَهُوَ عَن أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ من طَرِيق أبي معشر المدنى وَهُوَ ضَعِيف] لكنه صَحِيح عَن زيد بن ثَابت وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ وَابْن عمر. انْتَهَى. قلت قد رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قتادةبة، عَن معبد الجهنيبة، عَن عمر قَالَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق فَهَذِهِ طَريقَة صَحِيحَة لم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 745 يذكرهَا، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، نَا هشيم، عَن خَالِد، عَن أبي قلَابَة قَالَ: «كن أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا يحتجبن من مكَاتب مَا بَقِي عَلَيْهِ دِينَار» . تَنْبِيهَات: أَحدهَا: قَالَ الشَّافِعِي: لَا أعلم أحدا رَوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذَا الحَدِيث - يَعْنِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده الْمُتَقَدّم - إِلَّا عَمْرو بن سعيد. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فتيا الْمُفْتِينَ. قَالَ: وَلم أر من رضيت من أهل الْعلم يثبت هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الشَّافِعِي إِنَّمَا ذكر هَذَا الحَدِيث مُنْقَطِعًا، وَقد رَوَيْنَاهُ من أوجه مَوْصُولا عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَذكرهَا. قلت: وَقد علمت أَنه رُوِيَ من غير طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب، فَإِن عمر رَوَاهُ أَيْضا. ثَانِيهَا: وَقع فِي أَحْكَام الْمجد بن تَيْمِية أَن هَذَا الحَدِيث لم يروه النَّسَائِيّ، وَقد عجبت مِنْهُ فَهُوَ فِيهِ فِي هَذَا الْبَاب - أَعنِي كتاب الْعتْق - من طرق كَثِيرَة منتشرة كَمَا سلف، وَلم يعزه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» إِلَيْهِ وَهُوَ من شَرطه أَيْضا. ثَالِثهَا: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي [كِتَابه] «أَحْكَام النّظر» : وَصَحَّ حَدِيث عَلّي وَابْن عَبَّاس:: الْمكَاتب يعْتق مِنْهُ بِقدر مَا أَدَّى، ويقام عَلَيْهِ الْحَد بِقدر مَا عتق مِنْهُ، وَيَرِث بِقدر مَا عتق مِنْهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ. قلت: وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. ذكره من طرق، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 746 وَقَالَ ابْن حزم: هما فِي غَايَة الصِّحَّة. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَإِن قيل: حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي مَرْفُوعا «أَيّمَا عبد كَاتب عَلَى مائَة أُوقِيَّة ... » الحَدِيث يُعَارضهُ. قُلْنَا: لم يَصح؛ فَإِنَّهُ مُنْقَطع الْإِسْنَاد. هَذَا لَفظه، وَحكمه عَلَيْهِ بالانقطاع الْمُطلق لَيْسَ بجيد، فَإِن بعض طرقه مُتَّصِل صَحِيح كَمَا سلف. الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث بَرِيرَة «أَنَّهَا استعانت بعائشة فِي كتَابَتهَا، فَقَالَت: إِن باعوك وَيكون لي الْوَلَاء صببت لَهُم [ثمنك] صبًّا. فراجعتهم فَأَبَوا أَن يبيعوا إِلَّا أَن يكون لَهُم الْوَلَاء ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من طرق وَقد سلف بَعْضهَا، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. وَأما آثاره فزائدة عَلَى سِتَّة: أَحدهَا: اشْتهر عَن الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم قولا وفعلاً - الْكِتَابَة عَلَى نجمين. هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ ذَلِك من فعل عُثْمَان وَابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. الثَّانِي: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه غضب عَلَى عبدٍ لَهُ، فَقَالَ: لأعاقبنك ولأكاتبنك عَلَى نجمين» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن رجل قَالَ: «كنت مَمْلُوكا لعُثْمَان. قَالَ: بَعَثَنِي عُثْمَان فِي تِجَارَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 747 فَقدمت عَلَيْهِ فَأَحْمَد ولايتى. قَالَ: فَقُمْت بَين يَدَيْهِ ذَات يَوْم فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَسأَلك الْكِتَابَة. فقطب عَلّي، قَالَ: فَقَالَ: نعم، وَلَوْلَا آيَة فِي كتاب الله مَا فعلت، لأكاتبنك عَلَى مائَة ألف عَلَى أَن تعدها لي فِي عدتين، وَالله لَا أغضك مِنْهَا درهما. قَالَ: فَخرجت من عِنْده فلقيني الزبير بن الْعَوام فَقَالَ: مَا الَّذِي أَتَى بك؟ قلت: كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بَعَثَنِي فِي تِجَارَة [فَقدمت] عَلَيْهِ وَأحمد ولايتي إِلَيْهِ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَسأَلك الْكِتَابَة. قَالَ: فقطب فَقَالَ: نعم، وَلَوْلَا أَنه فِي كتاب الله مَا فعلت، أكاتبك عَلَى مائَة ألف عَلَى أَن تعدها لي فِي عدتين، وَالله لَا أغصك مِنْهَا درهما. قَالَ: فَانْطَلق. قَالَ: فردني إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فلَان كاتبته؟ قَالَ: فقطب وَقَالَ: نعم، وَلَوْلَا أَنه فِي كتاب الله مَا فعلت، أكاتبه عَلَى مائَة ألف أَن يعدها لي فِي عدتين، وَالله لَا أغضه مِنْهَا درهما قَالَ فَغَضب الزبير فَقَالَ: بِاللَّه لَأُمَثِّلَن بَين يَديك، فَإِنَّمَا أطلب إِلَيْك حَاجَة تحول دونهَا يَمِين. قَالَ: فَضرب - لَا أَدْرِي قَالَ: كَتِفي أَو عضدي - ثمَّ قَالَ: كَاتبه. قَالَ: فكاتبته فَانْطَلق بِي الزبير إِلَى أَهله فَأَعْطَانِي مائَة ألف، ثمَّ قَالَ: انْطلق فاطلب فِيهَا من فضل الله، فَإِن غلبك أَمر فأد إِلَى عُثْمَان مَاله مِنْهَا. قَالَ: فَانْطَلَقت فطلبت فِيهَا من فضل الله فأديت إِلَى عُثْمَان مَاله وَإِلَى الزبير مَاله وَفضل فِي يَدي ثَمَانُون ألفا» . الْأَثر الثَّالِث عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «الْكِتَابَة عَلَى نجمين» . وَهَذَا إِن صَحَّ نَص. الْأَثر الرَّابِع: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «يحط عَن الْمكَاتب قدر ربع كِتَابَته» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 748 هَذَا الْأَثر رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن جريج، عَن عَطاء بن السَّائِب الثَّقَفِيّ، عَن [أبي] عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم) قَالَ: ربع الْكِتَابَة» قَالَ ابْن جريج: أَخْبرنِي غير وَاحِد عَن عَطاء أَنه كَانَ يحدث بِهَذَا الحَدِيث لَا يذكر النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيقين [أُخْرَيَيْنِ] عَن عَلّي مَوْقُوفا وَقَالَ: حَدِيث ابْن جريج خطأ، وَالصَّوَاب مَوْقُوف. وَرَوَاهُ الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ مَوْقُوفا عَلَى عَلّي [و] مَرْفُوعا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : الصَّحِيح رِوَايَة الْوَقْف. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ الْحَاكِم: رِوَايَة الرّفْع صَحِيحَة الْإِسْنَاد. وَقَالَ عبد الْحق بعد أَن رَوَاهُ عَن النَّسَائِيّ مَرْفُوعا: هَذَا يرويهِ ابْن جريج، عَن عَطاء بن السَّائِب، وَيُقَال أَنه لم يسمع مِنْهُ إِلَّا بعد الِاخْتِلَاط، وَالصَّوَاب مَوْقُوف عَلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الْأَثر الْخَامِس: عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه كَاتب عبدا لَهُ عَلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم، وَحط عَنهُ خمس آلَاف - سُبع خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 749 هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» هَكَذَا. الْأَثر السَّادِس: عَن أبي سعيد المَقْبُري قَالَ: «اشترتني امْرَأَة من بني لَيْث بسوق ذِي الْمجَاز بسبعمائة دِرْهَم، ثمَّ قدمت الْمَدِينَة فكاتبتها عَلَى أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، فأديت إِلَيْهَا عَامَّة ذَلِك. قَالَ: ثمَّ حملت مَا بَقِي إِلَيْهَا فَقلت: هَذَا مَالك فاقبضيه. قَالَت: لَا وَالله حَتَّى آخذه مِنْك شهرا بِشَهْر وَسنة بِسنة. فَخرجت إِلَى عمر بن الْخطاب فَذكرت ذَلِك، فَقَالَ عمر: ادفعه إِلَى بَيت المَال. ثمَّ بعث إِلَيْهَا فَقَالَ: هَذَا مَالك فِي بَيت المَال. وَعتق أَبُو سعيد، فَإِن شِئْت فَخذي شهرا بِشَهْر وَسنة بِسنة. قَالَ: فَأرْسلت فَأَخَذته» . هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَادِهِ إِلَى سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه ... فَذكره بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَمن «السّنَن» للبيهقي نقلته، فَإِن الإِمَام الرَّافِعِيّ أَشَارَ إِلَيْهِ وَلم يذكرهُ بِلَفْظِهِ، فذكرناه بِكَمَالِهِ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 750 كتاب أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 751 كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ خَمْسَة أَحَادِيث: أَحدهَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أَيّمَا امْرَأَة ولدت من سَيِّدهَا فَهِيَ حرَّة عَن دبر مِنْهُ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ للْحَاكِم إِلَّا أَنه قَالَ «بعد مَوته» بدل «عَلَى دبر مِنْهُ» وَلَفظ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ «أَيّمَا رجل ولدت أمته مِنْهُ فَهِيَ مُعتقة عَن دبر» وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ «من ولدت مِنْهُ أمته فَهِيَ حرَّة من بعد مَوته» . وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَيّمَا امْرَأَة ولدت من سَيِّدهَا فَإِنَّهَا إِذا مَاتَ حرَّة إِلَّا أَن يعتقها قبل مَوته» وَلَفظ أَحْمد: «من وطئ أمته فَولدت لَهُ فهى مُعتقة عَن دبر» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده الْحُسَيْن بن عبد الله الْهَاشِمِي قد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 753 ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه تشبه بَعْضهَا بَعْضًا، يكْتب حَدِيثه، لم أجد فِي حَدِيثه مُنْكرا جَاوز الْمِقْدَار. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضعَّفه أَكثر [أَصْحَاب] الحَدِيث. وَضَعفه أَيْضا عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» . وَقَالَ الْحَاكِم: وَقد تَابعه أَبُو بكر بن أبي سُبْرَة الْقرشِي، عَن حُسَيْن بن عبد الله ثمَّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأم إِبْرَاهِيم حِين ولدت: أعْتقهَا وَلَدهَا» قلت: هَذِه مُتَابعَة تزيد الحَدِيث تضعيفًا؛ فَإِن ابْن أبي سُبْرَة أَيْضا ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره، وَفِي إِسْنَاد رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة: ضَعِيف ومجهول، أما الضَّعِيف فَهُوَ أَبُو يُونُس عبد الله بن عبد الله بن أبي عَامر الْقرشِي الأصبحي التَّيْمِيّ الْمَدِينِيّ، قَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى مرّة أُخْرَى: لَيْسَ بِثِقَة كَانَ يسرق الحَدِيث. وَقَالَ مرّة: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ مرّة: صَدُوق، وَلَيْسَ بِحجَّة، وَضَعفه عَلّي. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ صَالح الحَدِيث. وَقَالَ الفلاس: فِيهِ ضعف، وَهُوَ عِنْدهم من أهل الصدْق. وَأما الْمَجْهُول فَهُوَ عبيد الله بن يَحْيَى الرهاوي. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا يعرف حَاله. وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَالْبَيْهَقِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 754 من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «أم الْوَلَد حرَّة. وَإِن كَانَ سقطا» وَهِي ضَعِيفَة ضعفها عبد الْحق وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ: وَالصَّحِيح أَنه من قَول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «إِذا أولد الرجل أمته وَمَات عَنْهَا فَهِيَ حرَّة» . هَذَا الحَدِيث رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهَى عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَقَالَ: لَا يبعن وَلَا يوهبن وَلَا يورثن، يسْتَمْتع بهَا سَيِّدهَا مَا دَامَ حيًّا، فَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ عبد الله بن دِينَار فغلط فِيهِ حَيْثُ رَفعه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ وهم لَا يحل ذكره. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : إِن وَقفه هُوَ الصَّحِيح. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق: إِن هَذَا يرْوَى من قَول ابْن عمر وَإنَّهُ لَا يَصح مُسْندًا. وَكَذَا قَالَ الْخَطِيب: إِن الْمَحْفُوظ وَقفه عَلَى ابْن عمر أَن عمر قَضَى بذلك. وَكَذَا رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» . وَذكر هَذَا الحَدِيث ابْن الْقطَّان فِي الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها عبد الْحق وَهِي عِنْده حَسَنَة أَو صَحِيحَة وَقَالَ: رُوَاته كلهم ثِقَات. قَالَ: وَعِنْدِي أَن الَّذِي أسْندهُ ثِقَة خير من الَّذِي أوقفهُ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 755 وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : الْمَعْرُوف فِيهِ الْوَقْف عَلَى عمر، وَالَّذِي رَفعه ثِقَة، قيل: وَلَا يَصح مُسْندًا. الحَدِيث الثَّالِث أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ فِي جَارِيَة: «أعْتقهَا وَلَدهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي بكر النَّهْشَلِي - وَقد أخرج لَهُ مُسلم وَوَثَّقَهُ جمَاعَة - عَن حُسَيْن بن عبد الله بن عبيد بن عَبَّاس، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «ذكرت أم إِبْرَاهِيم عِنْد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: أعْتقهَا وَلَدهَا» وَقد سلف قَرِيبا تَضْعِيف حُسَيْن هَذَا. قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي: رَوَى هَذَا الحَدِيث ابْن مَاجَه عَن أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ، عَن أبي عَاصِم، عَن أبي بكر النَّهْشَلِي، عَن حُسَيْن بِهِ. قَالَ: وَقيل إِن الصَّوَاب أَبُو بكر بن عبد الله بن أبي سُبْرَة. وَقد سلف قَول الْبَيْهَقِيّ فِيهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس من قَوْله. قَالَ: وَرَوَاهُ سعيد بن كُلَيْب وَعبد الله بن سَلمَة بن أسلم، عَن حُسَيْن بن عبد الله كَمَا رَوَاهُ ابْن أبي سُبْرَة. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي حُسَيْن، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس وَتفرد بِهِ زِيَاد بن أَيُّوب [وَزِيَاد] ثِقَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلِحَدِيث عِكْرِمَة عِلّة عَجِيبَة [بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ] ثمَّ ذكر عَن [سعيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 756 بن] مَسْرُوق عَن عِكْرِمَة، عَن عمر. قَالَ: «أعْتقهَا وَلَدهَا وَإِن كَانَ سقطا» وَعَن خصيف، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ عمر فَذكر نَحوه ثمَّ قَالَ فَعَاد الحَدِيث عَلَى عمر. ثمَّ جعله الصَّحِيح، وَلقَائِل أَن يَقُول: هما قضيتان مُخْتَلِفَتَانِ لفظا وَمَعْنى، رَوَى عِكْرِمَة إِحْدَاهَا مَرْفُوعَة وَالْأُخْرَى مَوْقُوفَة وَلَا تعلل إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لأم إِبْرَاهِيم أعتقك ولدك» قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قلت: وَضَعِيف. وَرَوَاهُ ابْن حزم عَن ابْن عبد الْبر، ثَنَا عبد الْوَارِث بن سعيد، نَا قَاسم بن أصبغ، نَا مُصعب بن مُحَمَّد، ثَنَا عبيد الله بن عمر - هُوَ الرقي - عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما ولدت مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم قَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أعْتقهَا وَلَدهَا كَذَا نَقله عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام الْكُبْرَى» وَقد أَخطَأ فِيهِ فِي موضِعين نبه عَلَيْهِمَا ابْن الْقطَّان أَحدهمَا فِي قَوْله: «عبد الْوَارِث بن سعيد» وَإِنَّمَا هُوَ ابْن سُفْيَان ثَانِيهمَا: فِي قَول مُصعب بن مُحَمَّد وَفَسرهُ بِأَنَّهُ القرقساني وَقَالَ فِيهِ: هُوَ ضَعِيف كَانَ فِيهِ غَفلَة. وَهَذَا كُله خطأ؛ القرقساني لَيْسَ لَهُ ذكر هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كتاب قَاسم بن أصبغ هَكَذَا نَا مُحَمَّد، عَن مُصعب [فمحمد] هُوَ ابْن وضاح، وَمصْعَب [هُوَ] ابْن سعيد المصِّيصِي وَهُوَ أَيْضا يضعف، وَهَذَا الحَدِيث من هَذَا الطَّرِيق قَالَ: إِسْنَاده ثِقَات لَا جرم صَححهُ ابْن حزم وَقَالَ فِي كتاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 757 البيع: صَحِيح السَّنَد. وَقَالَ هُنَا: هَذَا خبر جيد السَّنَد كل رُوَاته ثِقَات. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - توفّي وَلم يتْرك دِينَارا وَلَا درهما وَلَا عبدا وَلَا أمة» وَفِي ذَلِك دلَالَة [أَنه] لم يتْرك أم إِبْرَاهِيم أمة وَإِنَّمَا أعتقت بِمَوْتِهِ بِمَا تقدم من حُرْمَة الِاسْتِيلَاد. الحَدِيث الرَّابِع عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «أم الْوَلَد لَا تبَاع وتعتق بِمَوْت سَيِّدهَا» . هَذَا الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الثَّانِي، وَقد تقدم بَيَانه، وَفِي «علل» ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن أم الْوَلَد فَقَالَ: يسْتَمْتع بهَا حَيَاته، فَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ. الحَدِيث الْخَامِس عَن جَابر قَالَ: «كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا نرَى بذلك بَأْسا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَالشَّافِعِيّ فِي «السّنَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 758 المأثورة» وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمَا» من حَدِيث أبي الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «كُنَّا نبيع سرارينا أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَيّ لَا يرَى بذلك بَأْسا» وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَلم يُنكر ذَلِك علينا» وَفِي «علل ابْن أبي حَاتِم» : سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر بن عبد الله: «كُنَّا نبيع سرارينا وَأُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ حَيّ بَين أظهرنَا وَلَا يُنكر ذَلِك علينا» فَقَالَ: حَدِيث مُنكر، وَالْحسن بن زِيَاد ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون. وَعزا عبد الْحق حَدِيث جَابر هَذَا إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ وَلم يُوجد فِي «سنَنه» فَتنبه لَهُ. وَأخرج الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى [عهد] رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -» قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح. قلت: فِيهِ نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده زيد الْعمي، وحاله مَعْلُومَة بالضعف، لَا جرم رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ: زيد الْعَمى لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَلما ذكره الْعقيلِيّ من حَدِيثه قَالَ: الْمَتْن يرْوَى عَن غير زيد الْعمي بِإِسْنَاد جيد. وَأَشَارَ إِلَى حَدِيث جَابر السالف، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» الجزء: 9 ¦ الصفحة: 759 وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث جَابر قَالَ: «بعنا أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأبي بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ فِي شَيْء من هَذِه الْأَحَادِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام علم بذلك وأقرهم بذلك عَلَيْهِ. قلت: لَكِن قد جَاءَ فِي حَدِيث جَابر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اطلع عَلَى ذَلِك ونهاهم عَنهُ، فروَى أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن أَيُّوب، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن جَابر قَالَ: «كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالنَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَين أظهرنَا» ثمَّ ذكر أَنه زجر عَن بيعهنَّ وَكَانَ عمر يشْتَد فِي بيعهنَّ. لَكِن [قَالَ] عبد الْحق: أَيُّوب ضَعِيف، إِلَّا أَن أَبَا حَاتِم قَالَ: كتاب أَيُّوب عَن يَحْيَى صَحِيح. قَالَ الْخطابِيّ: وَيحْتَمل أَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد كَانَ مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نهَى عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام آخر حَيَاته، وَلم يشْتَهر ذَلِك النَّهْي إِلَى زمَان عمر، فَلَمَّا بلغ عمر النَّهْي نَهَاهُم. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: إِن الزبير خَالف فِي ذَلِك، لَكِن يُقَال: إِن الصَّحَابَة اتَّفقُوا عَلَى أَنه لَا يجوز بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي عهد عمر وَعُثْمَان. قَالَ: ومشهور عَن عَلّي أَنه قَالَ: «اجْتمع رَأْيِي ورأي عمر أَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن، ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك أَن أبيعهن. فَقَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي: إِنَّك مَعَ رَأْي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 760 عمر أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك. فَيُقَال: إِنَّه رَجَعَ عَن ذَلِك» . وَهَذَا الْأَثر مَشْهُور أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد جيد، وَكَذَا أثر ابْن الزبير. تمّ الْكتاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب، وَله الْحَمد أَولا وآخرًا ظَاهرا وَبَاطنا حمدًا كثيرا طيبا مُبَارَكًا، حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، كَمَا يحب رَبنَا ويرضى، حمدًا دَائِما بدوامه بَاقِيا بِبَقَائِهِ، وَأفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام والتحية وَالْإِكْرَام عَلَى عَبده وَرَسُوله مُحَمَّد خير الْأَنَام، ومصباح الظلام، وَعَلَى آله وَصَحبه البررة الْكِرَام، وَعَلَى إخوانه من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر عباد الله الصَّالِحين من أهل السَّمَاوَات الْأَرْضين، وَغفر لنا ولوالدينا، وَلمن كتب لأَجله، وَلمن نظر فِيهِ، ولكاتبه من الْمُسلمين، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. فرغ من كِتَابَته فِي شَوَّال سنه ثَلَاث وَثَمَانمِائَة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 761